كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( فَرْعٌ ) فِيمَا يُقَوَّمُ بِهِ مَالُ التِّجَارَةِ آخِرَ الْحَوْلِ لَوْ ( اشْتَرَى الْعَرْضَ بِنِصَابٍ مِنْ نَقْدٍ أَوْ بِبَعْضِهِ ) وَلَوْ فِي ذِمَّتِهِ ( قَوَّمَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ بَاقِيَهُ ) فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَبْطَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَا بِيَدِهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ نِصَابًا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلَغَ بِغَيْرِهِ ( فَإِنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَبَاعَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ) وَقَصْدُ التِّجَارَةِ مُسْتَمِرٌّ ( وَحَالَ الْحَوْلُ ) وَالْمِائَتَانِ بِيَدِهِ ( وَقِيمَةُ الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْعِشْرِينَ ) دِينَارًا ( لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا ) لِأَنَّ الْمِائَتَيْنِ لَمْ تَبْلُغْ مَا قُوِّمَتَا بِهِ نِصَابًا ( وَإِنْ مَلَكَهُ بِنِصَابَيْنِ مِنْ النَّقْدَيْنِ ) كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا ( قُوِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ) لِمَعْرِفَةِ التَّقْسِيطِ ( يَوْمَ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمِائَتَيْنِ عِشْرِينَ ) دِينَارًا ( قُوِّمَ ) آخِرَ الْحَوْلِ ( بِهِمَا نِصْفَيْنِ ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ نِصْفَ الْعُرُوضِ مُشْتَرًى بِالدَّرَاهِمِ وَنِصْفُهَا بِالدَّنَانِيرِ ( أَوْ ) كَانَتْ قِيمَتُهَا ( عَشَرَةً ) مِنْ الدَّنَانِيرِ ( قُوِّمَ ) آخِرَ الْحَوْلِ ( ثُلُثُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَثُلُثَاهُ بِالدَّنَانِيرِ ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ ثُلُثَهُ مُشْتَرًى بِالدَّرَاهِمِ وَثُلُثَاهُ بِالدَّنَانِيرِ ( وَكَذَا ) يُقَوَّمُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ( لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا دُونَ النِّصَابِ وَ ) يُزَكَّيَانِ إنْ ( كَمَّلَا ) أَيْ بَلَغَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ( نِصَابَيْنِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغَا نِصَابَيْنِ ( فَلَا ) يُزَكَّيَانِ ( وَإِنْ بَلَغَهُمَا الْمَجْمُوعُ لَوْ قُوِّمَ بِأَحَدِهِمَا ) إذْ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهَا نِصَابًا زُكِّيَ وَحْدَهُ وَحَوْلُ الْمَمْلُوكِ بِالنِّصَابِ مِنْ حِينِ مِلْكِ ذَلِكَ النَّقْدِ وَحَوْلُ الْمَمْلُوكِ بِدُونِهِ مِنْ حِينِ مِلْكِ الْعَرْضِ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ مَلَكَهُ ) أَيْ
الْعَرْضَ كُلَّهُ ( أَوْ بَعْضَهُ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ أَوْ بِخَلْعٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَنِكَاحٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ ( أَوْ بِنَقْدٍ وَنَسِيَ ) أَوْ جَهِلَ ( جِنْسَهُ ) وَمَلَكَ بَعْضَهُ الْآخَرَ فِي الثَّانِيَةِ بِنَقْدٍ يُعْلَمُ جِنْسُهُ ( قَوَّمْنَاهُ ) كُلَّهُ فِي الْأُولَى ( وَالْبَعْضَ ) مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ ( بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ التَّقْوِيمِ كَمَا فِي الْإِتْلَافِ وَنَحْوِهِ وَقَوَّمْنَا مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ .
فَإِنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بِمَوْضِعٍ لَا نَقْدَ فِيهِ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَمَسْأَلَةُ النِّسْيَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ غَلَبَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْبَلَدِ ( نَقْدَانِ ) عَلَى التَّسَاوِي ( قُوِّمَ بِمَا بَلَغَ بِهِ ) مِنْهُمَا ( نِصَابًا ) لِتَحَقُّقِ تَمَامِ النِّصَابِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَمَّ النِّصَابَ فِي مِيزَانٍ دُونَ آخَرَ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ ( فَلَوْ بَلَغَ بِهِمَا ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابًا ( تَخَيَّرَ الْمَالِكُ ) فَيُقَوِّمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا كَمَا فِي شَاتَيْ الْجُبْرَانِ وَدَرَاهِمِهِ .
وَصَحَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ رِعَايَةً لَهُمْ كَمَا فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْأَوَّلُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَعَلَيْهِ يُجَابُ عَنْ قِيَاسِ الثَّانِي بِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْإِبِلِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ وَفِي مَالِ التِّجَارَةِ بِالذِّمَّةِ فَتَعَلُّقُ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْإِبِلِ فَوْقَ تَعَلُّقِهِمْ بِمَالِ التِّجَارَةِ ( وَيَجْرِي التَّقْسِيطُ فِي اخْتِلَافِ الصِّفَةِ ) كَأَنْ اشْتَرَى بِنِصَابٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا مُكَسَّرٌ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ ( كَاخْتِلَافِ ) أَيْ كَمَا يَجْرِي فِي اخْتِلَافِ ( الْجِنْسِ ) فَيُقَوَّمُ مَا يَخُصُّ الصَّحِيحَ بِالصَّحِيحِ وَمَا يَخُصُّ الْمُكَسَّرَ بِالْمُكَسَّرِ لَكِنْ إنْ بَلَغَ بِمَجْمُوعِهِمَا نِصَابًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ فِي اخْتِلَافِ
الْجِنْسِ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ فِي ذِمَّتِهِ ) أَوْ بِدَيْنٍ نُقِدَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ أَوْ بِتِبْرٍ مَضْرُوبٍ قَوْلُهُ كَنِكَاحٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ ) أَوْ بِدَيْنِهِ الزَّكَوِيِّ أَوْ سَبَائِكَ أَوْ تِبْرٍ ( قَوْلُهُ قَوَّمْنَاهُ وَالْبَعْضُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) أَيْ بَلَدِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ بَلَدُ الشِّرَاءِ وَهُوَ مَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلْجَمَالِ ( قَوْلُهُ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ التَّقْوِيمِ ) إذَا تَعَذَّرَ التَّقْوِيمُ بِالْأَصْلِ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ ) هُوَ أَوْلَى وَلَيْسَ كَالشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي ذِمَّتِهِ فَالْخِيرَةُ إلَيْهِ بَلْ نَظِيرُ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ ع ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ ) وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( قَوْلُهُ فَتَعَلُّقُ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالْإِبِلِ فَوْقَ تَعَلُّقِهِمْ بِمَالِ التِّجَارَةِ ) فَلَمْ يَجِبْ التَّقْوِيمُ بِالْأَنْفَعِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الشِّرَاءُ بِالْأَنْفَعِ لِيُقَوَّمَ بِهِ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ .
( فَصْلٌ يَصِحُّ بَيْعُ عَرْضِ التِّجَارَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَإِنْ كَانَ ) بَعْدَ وُجُوبِهَا أَوْ بَاعَهُ ( بِعَرْضِ قِنْيَةٍ ) لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ ( لَكِنْ هِبَتُهُ ) أَيْ عَرْضِ التِّجَارَةِ ( وَعِتْقُ عَبْدِهَا كَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ ) بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ الْعَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ جَعْلَهُ صَدَاقًا أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا كَذَلِكَ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ لَيْسَ مَالًا ( فَإِنْ بَاعَهُ مُحَابَاةً فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ ) فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ .
( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ جَعْلَهُ صَدَاقًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ إذَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَنِصَابِ سَائِمَةٍ ) وَقِيمَتُهَا آخِرَ الْحَوْلِ نِصَابٌ ( غَلَّبْنَا ) فِيهِ ( حُكْمَ السَّائِمَةِ ) الْأَوْلَى حُكْمُ زَكَاةِ الْعَيْنِ ( إنْ اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ ) لِقُوَّةِ زَكَاتِهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجْتَمِعُ فِيهِ الزَّكَاتَانِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( وَمَتَى اخْتَلَفَا ) أَيْ الْحَوْلَانِ ( وَسَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ ) حَوْلَ السَّائِمَةِ كَأَنْ اشْتَرَى بِمَتَاعِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِهِ مَعْلُوفَةً لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ أَسَامَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( زَكَّاهَا ) أَيْ التِّجَارَةَ أَيْ مَالَهَا ( لِحَوْلِهَا ) لِتَقَدُّمِهِ وَلِئَلَّا يَبْطُلُ بَعْضُ حَوْلِهَا ( ثُمَّ يَنْعَقِدُ حَوْلُ السَّائِمَةِ مِنْ حِينَئِذٍ ) وَتَجِبُ زَكَاتُهَا لِسَائِرِ الْأَحْوَالِ ( فَإِذَا اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ ) كَأَنْ اشْتَرَى نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ ( وَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا ) بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ ) مِنْ يَوْمِ شِرَائِهِ بِنَاءً عَلَى تَغْلِيبِ زَكَاةِ الْعَيْنِ هَذَا إنْ بَلَغَ الْمَالُ نِصَابًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا إلَّا بِأَحَدِهِمَا ) كَأَنْ كَانَتْ غَنَمُهُ أَرْبَعِينَ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا أَوْ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ قِيمَتُهَا نِصَابٌ ( فَالْحُكْمُ لِمَا بَلَغَهُ بِهِ فَلَوْ حَدَثَ ) فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ( نَقَصَ فِي نِصَابِ السَّائِمَةِ ) حَيْثُ غَلَّبْنَاهُ ( انْتَقَلَ ) الْحُكْمُ ( إلَى ) زَكَاةِ ( التِّجَارَةِ وَاسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ ) لَهَا كَمَا لَوْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرْضَ تِجَارَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَهَا كَمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ لِقُوَّةِ زَكَاتِهَا ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَوَجَبَتْ بِالِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَلِأَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ وَتِلْكَ بِالْقِيمَةِ فَقُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ كَالْمَرْهُونِ إذَا جَنَى ( قَوْلُهُ وَلِئَلَّا يَبْطُلَ بَعْضُ حَوْلِهَا ) وَلِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ زَكَاتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الْمُنْفَرِدَ .
( فَلَوْ حَدَثَ نِتَاجٌ ) مِنْ السَّائِمَةِ بَعْدَ اسْتِئْنَافِ حَوْلِ التِّجَارَةِ ( فَلَوْ حَدَثَ نِتَاجٌ ) مِنْ السَّائِمَةِ بَعْدَ اسْتِئْنَافِ حَوْلِ التِّجَارَةِ ( لَمْ يَنْتَقِلْ ) أَيْ الْحُكْمُ إلَى زَكَاةِ الْعَيْنِ ( لِأَنَّ الْحَوْلَ انْعَقَدَ لِلتِّجَارَةِ ) فَلَا يَتَغَيَّرُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ نَخْلًا أَوْ أَرْضًا وَبَذْرًا وَزَرَعَهَا بِهِ ) أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً ( فَأَثْمَرَ ) النَّخْلُ وَالزَّرْعُ وَأَدْرَكَتْ الثَّمَرَةُ ( فَلِلثَّمَرَةِ حُكْمُ السَّائِمَةِ ) فِي تَقْدِيمِ زَكَاتِهَا عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ ( وَكَذَا ) الْحُكْمُ ( إنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَبَدَا صَلَاحُهَا ) فِي مِلْكِهِ قَبْلَ قَطْعِهَا وَالتَّصْرِيحُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَمَتَى زَكَّى الثَّمَرَةَ لِلْعَيْنِ زَكَّى الْأَرْضَ وَكَذَا الْجُذُوعُ وَالتِّبْنُ لِلتِّجَارَةِ ) إذْ لَيْسَ فِيهَا زَكَاةُ عَيْنٍ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ ( فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُكْمِلْهُ بِقِيمَةِ الثَّمَرِ وَيَنْعَقِدُ ) الْحَوْلُ ( لِلتِّجَارَةِ عَلَى الثَّمَرِ مِنْ ) الْوَقْتِ الَّذِي تَخْرُجُ زَكَاتُهُ فِيهِ بَعْدَ ( الْجَدَادِ ) لَا مِنْ وَقْتِ الْإِدْرَاكِ وَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ تَرْبِيَةُ الثَّمَرِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ زَمَنُهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِيهِ ( أَبَدًا ) أَيْ فِي الْأَحْوَالِ الْآتِيَةِ ( فَإِنْ زَرَعَ زَرْعًا لِلْقِنْيَةِ فِي أَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( حُكْمُهُ ) فَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ فِي الزَّرْعِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
( وَيُزَكِّي عَبْدُ التِّجَارَةِ وَيُخْرِجُ فِطْرَتَهُ ) لِأَنَّهُمَا يَجِبَانِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالْقِيمَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَالْقِيمَةِ وَالْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ .
( فَصْلٌ زَكَاةُ مَالِ الْقِرَاضِ عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ ظَهَرَ ) فِيهِ ( رِبْحٌ ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ إذْ الْعَامِلُ إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ لَا بِالظُّهُورِ كَمَا أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْجَعَالَةِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجُعَلَ بِفَرَاغِهِ مِنْ الْعَمَلِ ( فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ عِنْدِهِ ) أَيْ مِنْ مَالٍ آخَرَ ( فَذَاكَ ) ظَاهِرٌ ( أَوْ مِنْ ) هَذَا ( الْمَالِ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ ) وَلَا يُجْعَلُ إخْرَاجُهَا كَاسْتِرْدَادِ الْمَالِكِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤَنِ اللَّازِمَةِ مِنْ فِطْرَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَأَرْشِ جِنَايَتِهِمْ وَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ وَنَحْوِهَا .
( بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ ) سَيَأْتِي بَيَانُ الرِّكَازِ وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَهُوَ الْجَوْهَرُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ مَكَان خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَيُسَمَّى بِهِ مَكَانُهُ أَيْضًا لِإِقَامَةِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِيهِ تَقُولُ عَدَنَ بِالْمَكَانِ يَعْدِنُ إذْ أَقَامَ فِيهِ وَالْأَصْلُ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ } وَخَبَرُ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْقَبْلِيَّةَ الصَّدَقَةَ .
بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ
( إذَا اسْتَخْرَجَ ) مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ ( مِنْ مَعْدِنٍ ) أَيْ مَكَانِ مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ لَهُ ( نِصَابًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا ) مِنْ ( غَيْرِهِمَا ) كَلُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ ( وَاتَّصَلَ الْعَمَلُ وَالنَّيْلِ ) أَيْ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِبَعْضِهِ الْآخَرَ ( وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا وَكَذَا إذَا انْقَطَعَ النَّيْلُ لَزِمَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ كَخَبَرِ { وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ } ( وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ اتِّصَالُ النَّيْلِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تُفَرِّقُهُ كَالثِّمَارِ وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُ نِصَابًا لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيمَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ( وَيَجِبُ ) مَا ذُكِرَ ( فِي الْحَالِ ) فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ تَنْمِيَةِ الْمَالِ وَهَذَا نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ ( فَإِنْ انْقَطَعَ الْعَمَلُ بِعُذْرٍ كَهَرَبِ الْأُجَرَاءِ ) وَإِصْلَاحِ الْآلَةِ ( وَكَذَا السَّفَرُ وَالْمَرَضُ ضُمَّ ) نَيْلُ كُلِّ عَمَلٍ إلَى نَيْلِ الْبَقِيَّةِ فِي النِّصَابِ ( وَلَوْ طَالَ ) زَمَنُ الِانْقِطَاعِ عُرْفًا لِعَدَمِ إعْرَاضِهِ عَنْ الْعَمَلِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ انْقَطَعَ بِلَا عُذْرٍ ( فَلَا ) ضَمَّ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ ( وَالْمُرَادُ ) بِالضَّمِّ الْمَنْفِيِّ ( ضَمُّ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَأَمَّا الثَّانِي فَمَضْمُومٌ إلَى ) مَالِهِ ( الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ ) الْأَوَّلُ ( مِلْكًا ) لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَوْ اسْتَخْرَجَ مِنْ الْفِضَّةِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِالْعَمَلِ الْأَوَّلِ وَمِائَةً وَخَمْسِينَ بِالثَّانِي فَلَا زَكَاةَ فِي الْخَمْسِينَ وَتَجِبُ فِي الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا تَجِبُ فِيهَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِخَمْسِينَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنْ
حِينِ تَمَامِهِمَا إذَا أَخْرَجَ حَقَّ الْمَعْدِنِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَشَرْطُ الضَّمِّ اتِّحَادُ الْمَعْدِنِ فَلَوْ تَعَدَّدَ لَمْ يُضَمُّ تَقَارُبًا أَوْ تَبَاعُدًا وَكَذَا فِي الرِّكَازِ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ .
( قَوْلُهُ أَيْ مَكَانَ مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ لَهُ ) إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأَرْضَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَوْجُودِ مِمَّا يُخْلَقُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَوْ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَيْهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَمْ يَخْرُجُ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَلْيَنْظُرْ أَيْضًا فِيمَا لَوْ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَسْجِدِ أَوْ الرِّبَاطِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ أَوْ نَحْوِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ خَاصَّةً أَوْ لِلْمَصَالِحِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ اسْتَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَغَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ ( قَوْلُهُ وَهَذَا نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ ) فَأَشْبَهَ الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ ) لَوْ قِيلَ يُتَسَامَحُ بِمَا اُعْتِيدَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فِيهِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَقَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ بِحَسَبِ الْعَمَلِ وَلَا يُتَسَامَحُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَبْعُدْ بَلْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إنَّهُ الْوَجْهُ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ لَوْ قِيلَ يُتَسَامَحُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَشَرْطُ الضَّمِّ اتِّحَادُ الْمَعْدِنِ ) فَلَا يُضَمُّ نَيْلُ مَعْدِنٍ لِآخَرَ ( قَوْلُهُ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يُضَمُّ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي .
( فَرْعٌ وَإِنْ اسْتَخْرَجَ دُونَ النِّصَابِ مِنْ مَعْدِنٍ أَوْ رِكَازٍ وَفِي مِلْكِهِ نِصَابٌ مِنْ جِنْسَيْهِ أَوْ مِنْ عَرْضِ تِجَارَةٍ ) بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ ( يُقَوَّمُ بِهِ ) أَيْ بِمَا اسْتَخْرَجَهُ ( زَكَّى الْمُسْتَخْرَجَ فِي الْحَالِ ) لِضَمِّهِ إلَى مَا فِي مِلْكِهِ ( لَا إنْ كَانَ مِلْكُهُ غَائِبًا ) فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ ( حَتَّى يَعْلَمَ سَلَامَتَهُ ) فَيَتَحَقَّقَ اللُّزُومُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا فِي الْمَعْدِنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمِلْكُ دُونَ نِصَابٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمَا جَمِيعًا نِصَابٌ ) كَأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَنَالَ مِنْ الْمَعْدِنِ مِائَةً ( فَيُزَكِّي الْمَعْدِنَ فِي الْحَالِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا مِنْ حِينِ النَّيْلِ إنْ كَانَ نَقْدًا ) وَأَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَعْدِنِ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ( أَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ فَحَوْلُهَا مُنْعَقِدٌ وَلَوْ كَانَ ) الْأَوْلَى كَانَتْ ( دُونَ النِّصَابِ فَيُزَكِّيهَا لِتَمَامِهِ ) أَيْ لِتَمَامِ حَوْلِهَا .
( فَرْعٌ الْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَعْدِنِ ) وَالرِّكَازِ كَسَائِرِ مَا يَكْتَسِبُهُ بِاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ ( وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ) كَمَا مَرَّ وَيُفَارِقُ لُزُومُهُ خُمْسَ مَا غَنِمَهُ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ثَمَّ إلَّا الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ وَهُنَا يَمْلِكُ الْجَمِيعَ وَلَوْ يُوجَدُ فِيهِ شَرْطُ لُزُومِ الزَّكَاةِ ( وَ ) أَمَّا ( مَا يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ ) فَيَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ ( وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ أَخْذِ الْمَعْدِنِ ) وَالرِّكَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِهَا لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ دَخَلَ فِيهَا وَالْمَانِعُ لَهُ الْحَاكِمُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْقَدِحُ جَوَازُ مَنْعِهِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ فِيهِ .
ا هـ .
وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ ( فَإِنْ أَخَذَهُ ) قَبْلَ مَنْعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( مَلَكَهُ ) كَمَا لَوْ احْتَطَبَ وَيُفَارِقُ مَا أَحْيَاهُ بِتَأَيُّدِ ضَرَرِهِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَرْفَ حَقِّ الْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ لَا مَصْرِفُ الْفَيْءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْقَدِحُ جَوَازُ مَنْعِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ إذَا اسْتَخْرَجَ اثْنَانِ ) مِنْ مَعْدِنٍ ( نِصَابًا زَكَّيَاهُ لِلْخُلْطَةِ وَالْوَقْتُ لِلْوُجُوبِ ) أَيْ لِوُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ ( حُصُولُ النَّيْلِ ) فِي يَدِهِ ( وَ ) الْوَقْتُ ( لِلْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ ) مِنْ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ كَمَا أَنَّ الْوَقْتَ لِلْوُجُوبِ فِي الزَّرْعِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ وَلِلْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ ( وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا ) كَمَا فِي تَنْقِيَةِ الْحُبُوبِ وَمُؤْنَتُهَا عَلَيْهِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَلَا ) وَفِي نُسْخَةٍ فَلَا ( يُجْزِئُ ) إخْرَاجُ الْوَاجِبِ ( قَبْلَهَا ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ ( فَإِنْ قَبَضَهُ السَّاعِي ) قَبْلَهَا ( ضَمِنَ ) فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَرَدَّ بَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا ( وَصُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِهِ ) إنْ اخْتَلَفَا فِيهِ بَعْدَ التَّلَفِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ مَيَّزَهُ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أَوْ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلسَّاعِي بِعَمَلِهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ وَغَرِمَهُ فَإِنْ كَانَ تُرَابَ فِضَّةٍ قُوِّمَ بِذَهَبٍ أَوْ تُرَابَ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ صُدِّقَ السَّاعِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَإِنْ مَيَّزَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَالَةَ الْإِخْرَاجِ بِهَيْئَةِ الْوَاجِبِ كَالسَّخْلَةِ إذَا كَمُلَتْ بِيَدِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ وَيُخَالِفُ السَّخْلَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ وَحَقُّ الْمَعْدِنِ كَانَ بِصِفَتِهِ لَكِنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِغَيْرِهِ ( وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ ) بِيَدِ الْمَالِكِ ( قَبْلَ التَّنْقِيَةِ ) وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا وَمِنْ الْإِخْرَاجِ ( سَقَطَتْ زَكَاتُهُ لَا زَكَاةُ الْبَاقِي وَإِنْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ ) كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ .
( فَصْلٌ وَيَجِبُ ) عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ ( فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفَارَقَ وُجُوبُ رُبْعِ الْعُشْرِ فِي الْمَعْدِنِ بِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ أَوْ خِفَّتِهَا ( فِي الْحَالِ ) فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ لِمَا مَرَّ فِي الْمَعْدِنِ هَذَا ( إنْ كَانَ ) وَلَوْ بِضَمِّهِ إلَى مَالٍ آخَرَ لَهُ ( نِصَابًا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ ) يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ نِصَابًا مِنْ غَيْرِهِمَا ( فَلَا ) يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعْدِنِ ( وَمَصْرِفُهُ كَالْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ فِي الْمُعَشَّرَاتِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ كَالْمَعْدِنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَصْرِفٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ مَحَلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ .
( فَرْعٌ الرِّكَازُ ) بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ كَالْكِتَابِ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الثُّبُوتُ وَشَرْعًا ( مَا دَفَنَهُ جَاهِلِيٌّ فِي مَوَاتٍ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ وَسَوَاءٌ أَحْيَاهُ الْوَاجِدُ أَوْ أَقَطَعَهُ أَمْ لَا ( مَا لَمْ يُعَمِّرْهُ مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ فَلَوْ دَفَنَهُ مُسْلِمٌ ) أَوْ مُعَاهَدٌ ( فِيهِ أَوْ وُجِدَ عَلَيْهِ ضَرْبُ الْإِسْلَامِ أَوْ قُرْآنٌ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وُجِدَ عَلَيْهِ ضَرْبُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ ( فَلُقَطَةٌ إنْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ ) كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِوَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنْ عُرِفَ فَهُوَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَإِنْ شَكَّ ) فِي أَنَّهُ إسْلَامِيٌّ أَوْ جَاهِلِيٌّ كَالتِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَمَا يُضْرَبُ مِثْلُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ ( فَلُقَطَةٌ ) تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ قَالَ وَكَذَا إنْ شَكَّ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَخَرَجَ بِالْمَوَاتِ غَيْرُهُ كَطَرِيقٍ وَبِمَا لَمْ يُعَمِّرْهُ مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ مَا إذَا عَمَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا وَكَالْمَوَاتِ مَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ قِلَاعٍ عَادِيَةٍ عُمِّرَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَيْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ، وَيُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ رِكَازًا أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا بَلَغَتْهُ وَعَائِدٌ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ دَفِينَ مَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ رِكَازٌ وَحُكِيَ فِيهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَا ظَهَرَ بِالسَّيْلِ يَكُونُ رِكَازًا وَأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِيمَا ظَهَرَ هَلْ ظَهَرَ بِالسَّيْلِ أَوْ لَا فَفِي كَوْنِهِ رِكَازًا أَوْ لُقَطَةً وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ شَكَّ فِي الدَّفِينِ هَلْ هُوَ إسْلَامِيٌّ أَوْ
جَاهِلِيٌّ وَكَالسَّيْلِ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّبُعُ وَنَحْوُهُ .
( قَوْلُهُ الرِّكَازُ مَا دَفَنَهُ جَاهِلِيٌّ ) اسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ دَفْنُهَا لِجَوَازِ أَنْ يَظْفَرَ مُسْلِمٌ بِكَنْزٍ جَاهِلِيٍّ وَيَكْنِزُهُ ثَانِيًا بِهَيْئَتِهِ فَمَدَارُ الْحُكْمِ عَلَى دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا ضَرْبِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِدَفْنِهَا وَالْمُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ وُجُودُ عَلَامَةٍ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَتَى كَانَ عَلَيْهِ ضَرْبُ الْجَاهِلِيَّةِ فَرِكَازٌ بِلَا خِلَافٍ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ الظَّفَرِ الْأَوَّلِ قَالَ السُّبْكِيُّ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ دَفْنِهِمْ بَلْ يَكْفِي عَلَامَةٌ مَنْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ وَإِنْ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يَذُبُّونَ عَنْهُ غَنِيمَةً مُخَمَّسَةً عَلَى الْأَصَحِّ ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِلَا أَمَانٍ فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ وَوَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ لُقَطَةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( وَجَدَ رِكَازًا ) أَيْ كَنْزًا جُهِلَ مَالِكُهُ ( فِي طَرِيقٍ ) نَافِذٍ ( أَوْ مَسْجِدٍ فَلُقَطَةٌ ) لِأَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ جُهِلَ مَالِكُهُ ( أَوْ ) وَجَدَهُ ( فِي مَمْلُوكٍ ) لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ ( أَوْ ) فِي ( مَوْقُوفٍ ) عَلَيْهِ ( وَادَّعَاهُ الْمَالِكُ ) فِي الْأَوَّلِ ( أَوْ مَنْ فِي يَدِهِ الْوَقْفُ ) فِي الثَّانِي ( أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ ) كَأَمْتِعَةِ الدَّارِ وَالتَّقْيِيدُ بِدَعْوَى الْمَالِكِ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَتَرَكَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ بَلْ شَرَطَا أَنْ لَا يَنْفِيَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ كَسَائِرِ مَا بِيَدِهِ وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ بِدَعْوَى الْمَالِكِ وَنَفْيِهِ الْآتِيَ مَعَ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَنَفْيَهُ مَعَ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ فَصَرَّحَ بِهِمَا وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَيُفَارِقُ سَائِرُ مَا بِيَدِهِ بِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ مَعْلُومَةٌ لَهُ غَالِبًا بِخِلَافِهِ فَاعْتُبِرَ دَعْوَاهُ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُ دَفَنَهُ .
( وَإِنْ نَفَاهُ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ بِأَنْ سَكَتَ أَوْ نَفَاهُ ( فَلِمَنْ حَصَلَ التَّلَقِّي ) لِلْمِلْكِ ( مِنْهُ وَتَقُومُ الْوَرَثَةُ ) إنْ مَاتَ ( مَقَامَهُ فَإِنْ نَفَاهُ بَعْضُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ ) وَسَلَكَ بِالْبَاقِي مَا ذَكَرَ ( وَهَكَذَا ) يَجْرِي مَا تَقَرَّرَ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ ( إلَى الْمُحْيِي لِلْأَرْضِ ) فَهُوَ يَمْلِكُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ ) لِأَنَّهُ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ مَلَكَ مَا فِيهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ ( فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ ) الَّذِي لَزِمَهُ يَوْمَ مَلَكَهُ ( وَإِذَا أَخَذْنَاهُ ) مِنْهُ ( أَلْزَمْنَاهُ زَكَاةَ الْبَاقِي لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ ) كَمَا فِي الضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ فَإِنْ مَاتَ الْمُحْيِي قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامه كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فَإِنْ لَمْ يَنْفِهِ بَعْضُهُمْ أَعْطَى نَصِيبَهُ مِنْهُ وَحَفِظَ الْبَاقِيَ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَالِكِهِ تَصَدَّقَ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ وَجَدَ
رِكَازًا بِدَارُ الْإِسْلَامِ أَوْ الْعَهْدِ وَعَرَفَ مَالِكَ أَرْضَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَاجِدُهُ بَلْ يَجِبُ حِفْظُهُ حَتَّى يَجِيءَ مَالِكُهُ فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لُقَطَةً كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي طَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهَا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ فِي مِلْكٍ فَكَانَ لِلْمَالِكِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ .
قَوْلُهُ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ ) لَوْ سَبَّلَ إنْسَانٌ مِلْكَهُ شَارِعًا ثُمَّ وَجَدَهُ فِيهِ فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ قَالَ وَلَوْ سَبَّلَ الْإِمَامُ أَرْضًا لِبَيْتِ الْمَالِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَا يُوجَدُ فِيهَا لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ وَقَالَ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ وَاقِفُهُ مَالِكًا لِمَنْفَعَتِهِ فَمَا وَجَدَهُ فِيهِ فَهُوَ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ قَعْرِ الْبَحْرِ لَهُ حُكْمُ الْمَوَاتِ وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ فِي مَوَاتٍ فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ الْمَوْجُودُ فِيهِ رِكَازٌ وَلَا يُغَيِّرُ الْمَسْجِدُ حُكْمَهُ انْتَهَى وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّ الشَّارِعَ وَالْمَسْجِدَ صَارَا فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ وَزَالَتْ يَدُ الْمَالِكِ الَّذِي سَبَّلَ مِلْكَهُ طَرِيقًا أَوْ مَسْجِدًا وَثَبَتَتْ يَدُ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَصُّوا بِالْمَسْجِدِ وَالشَّارِعِ وَلَوْ نَظَرْنَا إلَى مَا قَالَهُ لَزِمَهُ فِيمَا لَوْ وَجَدَهُ شَخْصٌ فِي مِلْكِهِ الْآنَ أَنْ نَقُولَ لَا يَكُونُ لَهُ بَلْ لِمَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْهُ إلَيْهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا يَأْتِي ع مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَكَانًا مِنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ بِظَاهِرِ الْيَدِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَاطِنًا أَخْذُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ عَرْضُهُ عَلَى مَنْ مَلَكَ الْأَرْضَ مِنْهُ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُحْيِي فس ( قَوْلُهُ فَلُقَطَةٌ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَلَا يَحِلُّ تَمَلُّكُ مَالِهِمَا بِغَيْرِ بَدَلٍ قَهْرًا ( قَوْلُهُ أَوْ فِي مَمْلُوكٍ ) دَخَلَ فِيهِ مَا إذَا وَجَدَهُ فِي أَرْضِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ لِلْغَانِمِينَ أَوْ فِي أَرْضِ الْفَيْءِ فَلِأَهْلِهِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مِلْكِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ لَهُ ( قَوْلُهُ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ إلَخْ ) إنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَاجِدُهُ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ ( قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِدَعْوَى الْمِلْكِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ ) وَقَدْ وُجِدَ فِي دَارٍ غَيْرِهِمَا ( وَصَدَّقَ مَالِكُ الدَّارِ أَحَدَهُمَا سَلَّمَ إلَيْهِ وَإِنْ تَنَازَعَ مُسْتَعِيرُ الدَّارِ ) أَوْ مُسْتَأْجِرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ مُشْتَرِيهَا وَالْمَالِكُ أَوْ الْبَائِعُ فِيهِ ) بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ وَأَنَّهُ دَفَنَهُ أَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ ذَلِكَ وَالْمَالِكُ أَوْ الْبَائِعُ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِالْإِحْيَاءِ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ ) بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الْأَمْتِعَةِ هَذَا ( إنْ أَمْكَنَ دَفْنُ مِثْلِهِ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ فِي مِثْلِ زَمَنِ يَدِهِ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْفِنْهُ صَاحِبُ الْيَدِ فَهُوَ لِلْمَالِكِ بِلَا خِلَافٍ ( وَإِنْ تَنَازَعَا ) فِيهِ ( بَعْدَ رُجُوعِهَا ) أَيْ الدَّارِ ( إلَى يَدِ الْمَالِكِ ) الصَّادِقِ بِالْبَائِعِ ( وَادَّعَى ) أَيْ الْمَالِكُ ( دَفْنًا حَادِثًا ) أَيْ بَعْدَ الرُّجُوعِ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ .
( فَلَوْ أَسْنَدَ الدَّفْنَ إلَى مَا قَبْلَ الْعَارِيَّةِ ) أَوْ الْإِجَارَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْأَصْلُ ( أَوْ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ ) أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ ( أَوْ الْمُشْتَرِي ) لِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّمَ لَهُ حُصُولَ الرِّكَازِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ تَنْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ الرُّجُوعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أَوْ الْبَيْعِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَإِنْ وُجِدَ فِي مِلْكٍ ) لِحَرْبِيٍّ ( فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ حُكْمُ الْفَيْءِ ) كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إنْ أُخِذَ بِغَيْرِ قَهْرٍ ( لَا إنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانِهِمْ فَيُرَدُّ ) عَلَى مَالِكِهِ وُجُوبًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَمْتِعَةَ بُيُوتِهِمْ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي كَوْنِهِ فَيْئًا فِيمَا ذُكِرَ إشْكَالٌ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَهُمْ بِلَا قَهْرٍ إمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ خُفْيَةً فَيَكُونَ سَارِقًا أَوْ جِهَارًا فَيَكُونَ مُخْتَلِسًا وَهُمَا خَاصُّ مِلْكِ الْآخِذِ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ يَخْتَصُّ بِهِ آخِذُهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي السِّيَرِ ، وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ فَيْءٌ مَرْدُودٌ بِمَا قَالَهُ فِي السِّيَرِ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْهُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ بِالْكُلِّيَّةِ .
( وَإِنْ أُخِذَ ) قَهْرًا ( فَهُوَ غَنِيمَةٌ ) كَأَخْذِ سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ كَذَلِكَ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي كَوْنِهِ فَيْئًا فِيمَا ذُكِرَ إشْكَالٌ إلَخْ ) قَالَ الْغَزِّيِّ فِي الْمَيْدَانِ إنْ كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْجَيْشُ دَارَ الْحَرْبِ وَوَجَدَ الرِّكَازَ فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ مِنْ الْإِشْكَالَيْنِ وَلَفْظُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَى التَّصْوِيرِ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَخَذْنَاهُ قَهْرًا بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ وَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَهُوَ فَيْءٌ وَمُسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْفَيْءِ .
( بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ ) وَيُقَالُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَفِي نُسْخَةٍ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ أَيْ تَطْهِيرًا لَهَا وَتَنْمِيَةً لِعِلْمِهَا وَيُقَالُ لِلْمُخْرَجِ هُنَا فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهِيَ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ .
ا هـ .
فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ } { وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْت أُخْرِجُهُ مَا عِشْت } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا وَجَبَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ عَامَ فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ .
( بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ ) قَوْلُهُ وَيُقَالُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ) وَزَكَاةُ رَمَضَانَ وَزَكَاةُ الصَّوْمِ وَصَدَقَةُ الْبَدَنِ وَزَكَاةُ الْأَبْدَانِ قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسُجُودِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ أَوْجَبَ ( قَوْلُهُ عَامَ فُرِضَ رَمَضَانُ ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ وَقِيلَ إنَّهَا وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } الْآيَةَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فُرِضَ قَدْرُ وَقَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ عَلَى هُنَا بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ أَيْ عَنِّي وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ } فَأَثْبَتَ صَدَقَةَ الْفِطْرَةِ عَلَى سَيِّدِهِ انْتَهَى عَدَمُ تَأْوِيلِ عَلَى أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّهَا تَجِبُ أَوَّلًا عَلَى الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ غَيْرُهُ .
( تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ ) مِنْ رَمَضَانَ أَيْ بِإِدْرَاكِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ وَأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ لِإِضَافَتِهَا إلَى الْفِطْرِ فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ ( فَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ وَلَدٍ وَنِكَاحٍ وَإِسْلَامٍ وَمِلْكِ رَقِيقٍ وَغِنًى لَا يُوجِبُهَا ) أَيْ زَكَاةَ الْفِطْرِ لِعَدَمِ وُجُودِ ذَلِكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَيُخَالِفُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَفَّارَةِ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهَا لِتَقَدُّمِ وُجُوبِهَا ( أَوْ ) مَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْغُرُوبِ ( مِنْ مَوْتٍ وَعِتْقٍ ) وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُزِيلُ الْمِلْكَ ( وَطَلَاقٍ ) وَلَوْ بَائِنًا وَارْتِدَادٍ وَغِنًى قَرِيبٍ ( وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا يُسْقِطُهَا عَنْهُ ) لِتَقَرُّرِهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ ( إلَّا ) وَفِي نُسْخَةٍ لَا ( إنْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَتَسْقُطُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ لِإِضَافَتِهَا إلَى الْفِطْرِ فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ ) وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ فَكَانَتْ عِنْدَ تَمَامِ صَوْمِهِ ( قَوْلُهُ فَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَخْ ) يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَبَاقِيهِ بَعْدَهُ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهُ جَنِينٌ مَا لَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ ( قَوْلُهُ مِنْ مَوْتٍ ) أَيْ لِمَنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الْغُرُوبِ .
( وَتُعَجَّلُ ) جَوَازًا ( مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ كَمَا سَبَقَ ) بَيَانُهُ فِي بَابِ التَّعْجِيلِ ( وَ ) إذَا لَمْ يُعَجِّلْهَا ( يُسْتَحَبُّ ) إخْرَاجُهَا ( قَبْلَ الصَّلَاةِ ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْبِيرُ بِالصَّلَاةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ فَإِنْ أُخِّرَتْ اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ .
( وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ ) بِلَا عُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْقَصْدَ إغْنَاؤُهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِيهِ ( وَتَقْتَضِي وُجُوبًا فَوْرًا ) فِيمَا إذَا أَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالْفَوْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ الْمُؤَخَّرَةَ عَنْ التَّمَكُّنِ تَكُونُ أَدَاءً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ كَالصَّلَاةِ .
( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ عَجَّلَ فِطْرَةَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ إخْرَاجُهَا وَلَا يَصِحُّ مَا دَفَعَهُ الْبَائِعُ .
( قَوْلُهُ وَتُقْضَى فَوْرًا ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ لَزِمَهُ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا الظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ عَمْدًا .
( قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ ) عَلَى غَيْرِهِ ( بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ ) عَلَيْهِ أَمَّا فِي الْمِلْكِ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ } وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ ( لَكِنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِكَافِرٍ ) وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ( وَ ) لَا ( زَوْجَةِ أَبٍ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ ) وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْأَبِ مَعَ إعْسَارِهِ فَيَحْمِلُهَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْفِطْرَةِ لَا يُمَكِّنُ الزَّوْجَةَ مِنْ الْفَسْخِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ إلَّا الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا الزَّوْجَةَ الْمُحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَتَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَيْهِ دُونَ نَفَقَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ
( قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ حُرًّا أَمْ مُبَعَّضًا ( قَوْلُهُ بِزَوْجِيَّةٍ ) لَوْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ فَإِنَّ نَفَقَتَهُنَّ تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِسَبَبِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ إنَّمَا تَتْبَعُ النَّفَقَةَ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسْلِمْنَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَإِنْ أَسْلَمْنَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا فِطْرَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَا تَجِبُ ) عَلَى الْأَبِ ( فِطْرَةُ وَلَدٍ ) لَهُ ( مَلَكَ قُوتَ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ فَقَطْ ) أَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبِهِ ( وَلَوْ صَغِيرًا ) لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ بِذَلِكَ ( وَتَسْقُطُ عَنْ الْوَلَدِ أَيْضًا لِإِعْسَارِهِ وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ وَكَذَا بَائِنٌ حَامِلٌ ) وَلَوْ أَمَةً كَنَفَقَتِهِمَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ غَيْرِ الْحَامِلِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا
( وَلَوْ أَخْدَمَ زَوْجَتَهُ ) الَّتِي تَخْدُمُ عَادَةً ( أَمَتَهَا لَا أَجْنَبِيَّةً وَأَنْفَقَهَا ) أَيْ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا ( وَجَبَ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا ) كَنَفَقَتِهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ لِخِدْمَتِهَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكَذَا الَّتِي صَحِبَتْهَا لِتَخْدُمَهَا بِنَفَقَتِهَا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّرَةِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ تَجِبُ فِطْرَتُهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي .
قَوْلُهُ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّرَةِ ) مِثْلُهَا عَبْدُ الْمَالِكِ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ إذَا شُرِطَ عَمَلُهُ مَعَ الْعَامِلِ وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِطْرَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ ( قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ) وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ خِلَافًا وَحُمِلَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا مِقْدَارٌ مُقَدَّرٌ مِنْ النَّفَقَةِ لَا تَتَعَدَّاهُ وَمَا فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُقَدَّرٌ وَتَأْكُلُ كِفَايَتَهَا كَالْإِمَاءِ بَسْطٌ وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ لِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ الْوُجُوبُ ) لِلْفِطْرَةِ عَلَى الْغَيْرِ ( يُلَاقِي الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهُ ) عَنْهُ ( الْمُؤَدِّي ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ طُهْرَةً لَهُ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ مَا نَقَلَهُ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ أَمَّا فِطْرَةُ الْمَمْلُوكِ وَالْقَرِيبِ فَتَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي قَطْعًا لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ لِعَجْزِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ انْتَهَى وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ مُكَلَّفًا وَإِلَّا فَتَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي قَطْعًا كَمَا تَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ فِيمَا إذَا وَجَبَتْ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ ( فَهُوَ كَالضَّامِنِ ) لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَحَمِّلِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عَنْ الْمُتَحَمِّلِ كَمَا سَيَأْتِي فَالْمُتَحَمِّلِ كَالضَّمَانِ لِذَلِكَ وَقِيلَ كَالْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْمُتَحَمِّلِ وَلَا يُطَالَبُ بِهَا الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْأَصْلِ .
وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ جَمْعٍ وَقَالَ إنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مَرْدُودٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْحُرَّةَ الْغَنِيَّةَ إذَا أَعْسَرَ زَوْجُهَا لَا يَلْزَمُهَا فِطْرَتُهَا إذْ لَوْ كَانَ كَالضَّمَانِ لَزِمَتْهَا لَا يُقَالُ الْكَلَامُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَالزَّوْجُ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَحَمَّلْ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ لَمْ يَتَحَمَّلْ لَزِمَتْهَا قَطْعًا وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَلْزِمُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الضَّمَانِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اغْتَفَرَ عَدَمَ الْإِذْنِ لِكَوْنِ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ قَدْ نَوَى ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قَالَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْلَى وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي قَطْعًا ) هَذَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَا بِبَلَدَيْنِ وَاخْتَلَفَ غَالِبُ قُوتِهِمَا أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي فِطْرَةِ الْمُؤَدِّي عَنْهُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِ الْمُؤَدِّي قَطْعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُجْزِئُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ كَالْحَوَالَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَتَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ وَالْقَرِيبِ ) الْغَنِيَّيْنِ ( بِإِخْرَاجِ زَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ ) بِاقْتِرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ( وَلَا تَسْقُطُ عَنْ سَيِّدٍ فِطْرَةُ زَوْجَةِ ) مُعْسِرٍ أَيْ فِطْرَةُ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ بِمُعْسِرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ابْتِدَاءً ( وَتَسْقُطُ عَنْ ) زَوْجَةٍ حُرَّةٍ ( غَنِيَّةٍ تَحْتَ ) زَوْجٍ ( مُعْسِرٍ ) لِكَمَالِ تَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ لِأَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا وَيَسْتَخْدِمَهَا وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا شَيْئَانِ الْمِلْكُ وَالزَّوْجِيَّةُ وَالْمِلْكُ أَقْوَى وَنُقِضَ ذَلِكَ بِمَا إذَا سَلَّمَهَا السَّيِّدُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ السُّبْكِيُّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهَا عِنْدَ الْيَسَارِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْ السَّيِّدِ بَلْ تَحَمَّلَهَا الزَّوْجُ عَنْهُ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُرَّةِ يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ أَنْ تُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عَنْ نَفْسِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِتَطْهِيرِهَا ( وَتَسْقُطُ عَنْ وَلَدِهِ ) الصَّغِيرِ ( الْغَنِيِّ بِإِخْرَاجِهِ ) لَهَا عَنْهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ وَيَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ فَيَقْدِرُ كَأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ ثُمَّ تَوَلَّى الْأَدَاءَ عَنْهُ أَمَّا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فَلَا يُخْرِجَانِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَيُخَالِفُ مَا لَوْ قَضَيَا دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَبْرَأُ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ مُتَعَيِّنٌ بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ قَالَ الْقَاضِي ( لَا ) عَنْ ( وَلَدٍ كَبِيرٍ ) لَهُ فَلَا تَسْقُطُ بِإِخْرَاجِهِ عَنْهُ ( إلَّا بِإِذْنِهِ ) لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِتَمْلِيكِهِ وَمَحَلُّهُ فِي الرَّشِيدِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَغَيْرُهُ كَالصَّبِيِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي السَّفِيهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْنُونِ
وَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّفِيهِ هُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ إنَّهُ يَنْوِي عَنْهُ وَعَلَّلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي أَلْغَازِهِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ عَنْ الْكَبِيرِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَمُقْتَضَاهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّفِيهِ كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يُقَالُ كَمَا تَصِحُّ نِيَّةُ السَّفِيهِ تَصِحُّ نِيَّةُ وَلِيِّهِ عَنْهُ لِنَقْصِهِ فِي الْجُمْلَةِ
( قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ عَنْ وَلَدِهِ الْغَنِيُّ بِإِخْرَاجِهِ إلَخْ ) وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ أَدَّى بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ ( قَوْلُهُ فَغَيْرُهُ كَالصَّبِيِّ ) إلْحَاقُ السَّفِيهِ بِالصَّغِيرِ ظَاهِرٌ
( وَعَلَى صَاحِبِ النَّوْبَةِ ) الْوَاقِعُ فِيهَا وَقْتَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِيمَا لَوْ كَانَ مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ فِي نَفَقَةِ وَلَدَيْنِ أَوْ شَرِيكَيْنِ أَوْ بَعْضِهِ الْحُرِّ وَمَالِكُ بَاقِيهِ ( فِطْرَةُ وَالِدٍ وَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ مُبَعَّضٍ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُؤَنَ النَّادِرَةَ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا ( إنْ تَنَاوَبَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا ) مَعًا ( وَتَسْقُطُ حِصَّةُ مُعْسِرٍ ) مِنْهُمَا وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْوَالِدِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ إنْ تَنَاوَبَا إيضَاحٌ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ صَاحِبَ النَّوْبَةِ فَلَوْ قَالَ فَإِنْ تَنَاوَبَا فَعَلَيْهِمَا كَفَى .
( قَوْلُهُ الْوَاقِعُ فِيهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ ) فَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِمَا فَعَلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ نَوْبَةُ مُعْسِرٍ مِنْهُمَا ) مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مُكَاتَبًا .
( فَرْعٌ فِطْرَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ عَلَى مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ ) فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعَلَيْهَا أَوْ أَمَةً فَعَلَى سَيِّدِهَا وَلَا يَتَحَمَّلُهَا الْعَبْدُ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّهَا تَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ مِثْلُهُ وَذُكِرَ فِي آخَرَ مِنْهُ كَالْمِنْهَاجِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهَا وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَشَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ وَالْعَبْدِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَوَجَبَتْ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ عَلَيْهَا دُونَ فِطْرَةِ زَوْجَةِ الْأَوَّلِ .
( قَوْلُهُ أَوْ أَمَةٌ فَعَلَى سَيِّدِهَا ) لِأَنَّ سَيِّدَهَا لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا نَهَارًا فَإِذَا سَلَّمَهَا فِيهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ زَكَاةٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالْحُرَّةُ يَلْزَمُهَا التَّسْلِيمُ بِالْعَقْدِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَانْتَقَلَتْ فِطْرَتُهَا عَنْهَا بِغَيْرِ اخْتِبَارِهَا فَلَمْ تَعُدْ إلَيْهَا وَلِأَنَّ الْأَمَةَ اجْتَمَعَ فِيهَا سَبَبَا تَحَمُّلٍ فَأُنِيطَ بِأَقْوَاهُمَا وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ السَّيِّدَ يُسَافِرُ بِهَا دُونَ إذْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَيْسَ فِي الْحُرَّةِ إلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ ( قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ كَالْمِنْهَاجِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَ ) فِطْرَةُ ( النَّاشِزَةِ عَلَيْهَا ) لَا عَلَى الزَّوْجِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا عَنْهُ ( وَتَلْزَمُ مَالِكَ الْمُدَبَّرِ وَأُمَّ الْوَلَدِ ) وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ ( وَ ) تَلْزَمُ مَالِكَ الْقِنِّ ( الْمَرْهُونِ ) وَالْجَانِي وَالْمُؤَجِّرَ ( وَالْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ وَالْمَغْصُوبَ وَالضَّالَّ وَالْآبِقَ وَإِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ ) مَا لَمْ تَنْتَهِ غَيْبَتُهُ إلَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ فِيهَا بِمَوْتِهِ كَنَفَقَتِهِمْ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ بَقَاءُ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا وَتَعْبِيرُهُ بِمَالِكِ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَفِطْرَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ ( وَيُخْرَجُ ) وُجُوبًا فِطْرَةُ هَؤُلَاءِ ( فِي الْحَالِ ) أَيْ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ لِمَا مَرَّ وَفَارَقَ زَكَاةَ الْمَالِ الْغَائِبُ وَنَحْوُهُ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ شُرِعَ فِيهِ لِلنَّمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَا ( وَكَذَا ) تَلْزَمُ مَعَ إخْرَاجِهَا حَالًا ( مَنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ ) وَقْتَ الْوُجُوبِ فَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا .
قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ إلَخْ ) وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهَا قَوْلًا وَاحِدًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ إلَخْ ) فَقَالَ إنَّهَا لَوْ غُصِبَتْ أَوْ حُبِسَتْ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ إيجَابِ الْفِطْرَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ إيجَابُ الْفِطْرَةِ دُونَ النَّفَقَةِ وَفِي الْمَجْمُوعِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ فِطْرَتِهَا عَلَيْهِ كَالْمَرِيضَةِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالِاعْتِذَارُ عَمَّا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ أَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ لِعَارِضٍ قَدْ لَا يُسْقِطُ الْفِطْرَةَ كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ لَوْ أَيْسَرَ لَيْلَةَ الْعِيدِ خَاصَّةً تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ إذَا أَيْسَرَ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَحَقُّ الزَّوْجَةِ آكَدُ مِنْ حَقِّ الصَّغِيرِ فَلِذَا حَسُنَ إيجَابُ الْفِطْرَةِ عِنْدَ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَكَمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ وَتَسْقُطُ الْفِطْرَةُ فِي زَوْجَةِ الْأَبِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَفِي الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَالزَّوْجَةِ الْكَافِرَةِ كَذَلِكَ تَجِبُ الْفِطْرَةُ حَيْثُ لَا نَفَقَةَ .
( وَلَا فِطْرَةَ فِي عَبْدِ بَيْتِ الْمَالِ وَ ) عَبْدِ ( الْمَسْجِدِ ) وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لَهُ أَمْ وَقْفًا عَلَيْهِ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى مَسْجِدٍ ( وَلَا ) فِي عَبْدٍ ( مَوْقُوفٍ وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ ) كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَرَجْلٍ .
( فَصْلٌ لَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ إلَّا عَنْ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ ) كَمَا عُلِمَ مَعَ دَلِيلِهِ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّابِقِ
( قَوْلُهُ لَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مُطَالَبًا بِإِخْرَاجِهَا وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
( وَتُجْزِئُ ) الْفِطْرَةُ أَيْ إخْرَاجُهَا عَنْهُ ( بِلَا نِيَّةٍ ) إذْ لَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُتَحَمَّلَ عَنْهُ يَنْوِي وَالْكَافِرُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فَأَجْزَأَتْ بِلَا نِيَّةٍ تَغْلِيبًا لِسَدِّ الْحَاجَةِ كَمَا فِي الْمُرْتَدِّ وَالْمُمْتَنِعِ وَهَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَفِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يُمَوِّنُهُ الْأَقْوَالُ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا فِي وُجُوبِ فِطْرَةِ الرَّقِيقِ الْمُرْتَدِّ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُ صَحَّحَ مِنْهَا الْوُجُوبَ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ التَّفْصِيلُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا وَشَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُسْلِمُ الْقَرِيبِ وَالرَّقِيقُ وَالزَّوْجَةُ بِأَنْ تُسْلِمَ وَتَغْرُبَ الشَّمْسُ وَالزَّوْجُ مُتَخَلِّفٌ فَتَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا .
( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَيْهِ تَصْحِيحُهُ .
( وَلَا ) فِطْرَةَ ( عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا ) أَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا مَرَّ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ وَلَا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ ( وَلَا ) فِطْرَةَ ( عَلَى سَيِّدِهِ ) عَنْهُ لِنُزُولِهِ مَعَهُ مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ وَمَحَلُّهُ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتَجِبُ الْفِطْرَةُ فِيهَا عَلَى السَّيِّدِ كَمَا مَرَّ ( وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَفْضُلْ ) بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا ( عَنْ ثِيَابِهِ وَقُوتِهِ ) وَثِيَابُ ( وَقُوتُ مُمَوِّنِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ ) بِالْإِجْمَاعِ وَاعْتُبِرَ الْفَضْلُ عَمَّا ذُكِرَ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرْ زِيَادَةً عَلَى يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ لِعَدَمِ ضَبْطِ مَا وَرَاءَهُمَا وَتَعْبِيرُهُ بِمُمَوِّنِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَنْ فِي نَفَقَتِهِ لِتَنَاوُلِهِ إلَيْهَا ثُمَّ بِلَا تَغْلِيبٍ بِخِلَافِ مَنْ ( وَكَذَا ) لَا فِطْرَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْضُلْ ( عَنْ ) مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ ( مَسْكَنٍ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ( وَعَبْدِ خِدْمَةٍ ) يَلِيقَانِ بِهِ كَالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ الْحَوَائِجِ الْمُهِمَّةِ كَالثَّوْبِ فَلَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ يُمْكِنُ إبْدَالُهُمَا بِلَائِقَيْنِ بِهِ وَيَخْرُجُ التَّفَاوُتُ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ قَالَ لَكِنْ فِي لُزُومِ بَيْعِهِمَا إذَا كَانَا مَأْلُوفَيْنِ وَجْهَانِ فِي الْكَفَّارَةِ فَيَجْرِيَانِ هُنَا وَفَرَّقَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ بِأَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهَا وَالْحَاجَةُ لِلْعَبْدِ إمَّا لِمَنْصِبِهِ أَوْ ضَعْفِهِ .
وَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ يَحْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ وَخِدْمَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ خِدْمَتُهُ لَا لِعَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُقَاسُ بِهِ حَاجَةُ الْمَسْكَنِ ( لَا ) عَنْ ( دَيْنٍ ) وَلَوْ لِآدَمِيٍّ عَلَى مَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لَوْ
مَاتَ بَعْدَ أَنْ هَلَّ شَوَّالٌ فَالْفِطْرَةُ فِي مَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّيُونِ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إيجَابَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ فَلَا يَمْنَعُ إيجَابَ الْفِطْرَةِ التَّابِعَةِ لَهَا لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ بِمَنْعِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صَرْفِهِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ تَمْنَعُهُ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُجَابُ عَمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَبِأَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ وَالنَّفَقَةُ ضَرُورِيَّةٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا وَسَيَأْتِي عَنْ الْبَحْرِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَلَا عَلَى رَقِيقٍ إلَخْ ) خَرَجَ بِالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضُ فَعَلَيْهِ فِطْرَةُ رَقِيقِهِ وَقَرِيبِهِ وَزَوْجَتِهِ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ ضَبْطِ مَا وَرَاءَهُمَا ) وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ لَا يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ النِّصَابُ كَالْكَفَّارَاتِ ( قَوْلُهُ غَيْرَ مَسْكَنٍ ) لَهُ وَلِمُمَوَّنِهِ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَكَتَبَ أَيْضًا وَفِي التَّعَقُّبَاتِ أَنَّ بِهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مُشْكِلٌ بِتَقْدِيمِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْمُقَدَّمِ مُقَدَّمٌ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَهَا لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لَهُ وَإِنَّمَا بَيْعُ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِيهِ تَقْدِيمًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِمَا لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا بِالْكِرَاءِ أَسْهَلُ .
( وَيُبَاعُ ) وُجُوبًا ( جُزْءُ عَبْدِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ فِيهَا ) أَيْ فِي فِطْرَتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُخْرِجُ مِنْهُ كَمَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَبِخِلَافِ عَبْدِ الْخِدْمَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ لَزِمَتْ ) أَيْ الْفِطْرَةُ ( الذِّمَّةَ بِيعَ فِيهَا ) وُجُوبًا ( عَبْدُ الْخِدْمَةِ ) وَالْمَسْكَنُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ لَمْ يُبَاعَا فِيهَا ابْتِدَاءً لِالْتِحَاقِهَا بِالدُّيُونِ ( وَلَوْ فَضَلَ ) مَعَهُ عَمَّا لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ ( بَعْضُ صَاعٍ أَخْرَجَهُ ) وُجُوبًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَمُحَافَظَةً عَلَى الْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُخَالِفُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ وَلِأَنَّ لَهَا بَدَلًا بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا ( فَإِنْ اجْتَمَعُوا ) أَيْ كُلُّ مَنْ يُمَوِّنُهُ مَعَهُ ( بَدَأَ بِفِطْرَةِ نَفْسِهِ ) وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك } ( ثُمَّ زَوْجَتِهِ ) لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ( ثُمَّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ) لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ يَأْتِي وَنَفَقَتُهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ( ثُمَّ الْأَبِ ) وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ( ثُمَّ الْأُمِّ كَذَلِكَ ) عَكْسُ مَا فِي النَّفَقَاتِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَلِلتَّطْهِيرِ وَالشَّرَفِ وَالْأَبُ أَوْلَى بِهَذَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيُشَرَّفُ بِشَرَفِهِ قَالَ وَمُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ أَصْلُ التَّرْتِيبِ لَا كَيْفِيَّتُهُ وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ الْحَاجَةُ فِي الْبَابَيْنِ ( ثُمَّ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ ) ثُمَّ الرَّقِيقِ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ مِنْهُ وَعَلَاقَتَهُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمِلْكِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ
مِنْهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ ثُمَّ بِالْمُدَبَّرِ ثُمَّ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ( وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ ) فِي الدَّرَجَةِ كَزَوْجَتَيْنِ وَابْنَيْنِ ( تَخَيَّرَ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا لَمْ يُوَزِّعْ بَيْنَهُمَا النَّقْصَ الْمُخْرِجَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ .
قَوْلُهُ وَيُبَاعُ جُزْءُ عَبْدِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ فِيهَا ) وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا وَسَيِّدُهُ مُعْسِرٌ فَهَلْ يُبَاعُ مِنْهُ جُزْءٌ بِقَدْرِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا يُبَاعُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا حَقُّ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالثَّانِي لَا بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالثَّالِثُ يَتَحَاصَّانِ وَقَوْلُهُ فَهَلْ يُبَاعُ مِنْهُ جُزْءٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا ) فَإِنَّهَا عُهِدَ تَبْعِيضُهَا فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ إلَخْ ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَهِيَ لِلرِّجَالِ آكَدُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ ( قَوْلُهُ وَيُشَرَّفُ بِشَرَفِهِ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ الشَّرَفِ ذُهُولٌ عَجِيبٌ فَإِنَّا لَوْ رَاعَيْنَاهُ لَمْ نُقَدِّمْ فِطْرَةَ الِابْنِ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ فَدَلَّ عَلَى إلْحَاقِهَا بِالنَّفَقَةِ فِي تَقْدِيمِ الْأَحْوَجِ .
ا هـ .
وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ اعْتِرَاضَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْإِشْرَافِ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ هُوَ الْعَجِيبُ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا الْوَلَدَ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ كَبَعْضِ الْوَالِدِ فَكَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ فَكَذَلِكَ تُقَدَّمُ فِطْرَةُ مَا هُوَ بَعْضٌ مِنْهُ وَلَمَّا كَانَ الِابْنُ بَعْضًا مِنْ الْأَبِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ كَوْنُهُ مَنْسُوبًا إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ قَوِيَ جَانِبُ الْأَبِ فَقُدِّمَ ( قَوْلُهُ وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ إلَخْ ) رُدَّ بِأَنَّ الْوَلَدَ أَيْ الصَّغِيرَ كَبَعْضِ وَالِدِهِ فَقُدِّمَ كَهُوَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ مِنْهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ .
( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَيْهِ لِنَفَقَتِهَا لَا لِفِطْرَتِهَا لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَبِ الزَّمِنِ وَمُرَادُهُ الْعَاجِزُ .
( فَصْلٌ وَالْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ ) مِمَّا يَأْتِي ( لِكُلِّ وَاحِدٍ ) مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لِمَنْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ( وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ ) بِالْبَغْدَادِيِّ ( وَهِيَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ) لِمَا مَرَّ فِي زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ مَعَ ذِكْرِ أَنَّ الْأَصْلَ الْكَيْلُ وَإِنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّرُوهُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا ( عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَزْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحُبُوبِ ) كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ ( وَالْمُعْتَبَرُ ) فِي ذَلِكَ ( الْكَيْلُ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ ) أَيْ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَعِيَارُهُ ) أَيْ وَالْحَالَةُ أَنَّ عِيَارَهُ ( مَوْجُودٌ فَإِنْ فُقِدَ فَالْوَزْنُ تَقْرِيبٌ وَيَحْتَاطُ الْمُخْرِجُ ) فِي كَلَامِهِ تَسَمُّحٌ وَإِيهَامٌ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ فُقِدَ أَخْرَجَ قَدْرًا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الصَّاعِ وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْكَيْلَ فَاعْتِبَارَ الْوَزْنِ تَقْرِيبٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ الصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدٍّ لَهُمَا وَقَدَّمْت فِي الصَّاعِ كَلَامًا فِي زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ فَرَاجِعْهُ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الصَّاعِ أَنَّ النَّاسَ يَمْتَنِعُونَ غَالِبًا مِنْ التَّكَسُّبِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ الصَّاعِ عِنْدَ جَعْلِهِ خُبْزًا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فَإِنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ كَمَا مَرَّ وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ نَحْوُ الثُّلُثِ وَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَا وَهِيَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ رِطْلَانِ .
( قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ الْكَيْلُ ) يُتَّجَهُ فِي الْجُبْنِ تَعَيُّنُ الْوَزْنِ ( قَوْلُهُ وَعِيَارُهُ مَوْجُودٌ ) وَهُوَ قَدَحَانِ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ وَيَزِيدَانِ شَيْئًا يَسِيرًا لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِهِمَا عَلَى طِينٍ أَوْ تِبْنٍ
( فَرْعٌ كُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ صَالِحٌ لِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ كَالْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ وَكَذَا الْجُبْنُ وَاللَّبَنُ بِالزُّبْدِ ) فِيهِمَا ( كَالْأَقِطِ ) بِزُبْدَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِإِسْكَانِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَذَلِكَ لِثُبُوتِ بَعْضِ الْمُعَشَّرِ وَالْأَقِطِ فِي الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيسَ بِهِمَا الْبَاقِي وَالْأَقِطُ لَبَنٌ يَابِسٌ وَعَلَّلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إجْزَاءَهُ بِأَنَّهُ مُقْتَاتٌ مُتَوَلِّدٌ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُكَالُ فَكَانَ كَالْحَبِّ ( لَا مَخِيضٍ وَسَمْنٍ وَلَحْمٍ ) فَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ قُوتُ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ وَكَمَا لَا يُجْزِئُ فِي سَائِرِ الزَّكَوَاتِ وَالتَّصْرِيحُ بِاللَّحْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَمَا وَقَعَ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ أَنَّهُ يُجْزِئُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ تَبِعَ فِيهِ مُقْتَضَى نَقْلِ الْإِمَامِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُمْ بَاطِلٌ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ .
( قَوْلُهُ وَاللَّبَنُ ) وَلَا يُجْزِئُ مِنْ اللَّبَنِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ صَاعٌ مِنْ الْأَقِطِ لَا فَرْعٌ عَنْ الْأَقِطِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَصْلِهِ كَذَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ مُتَوَلِّدٌ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ) وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ لَبَنِ الظَّبْيَةِ وَالضَّبُعِ وَالْآدَمِيَّةِ إذَا جَوَّزْنَا شُرْبَهُ لَا يُجْزِئُ قَطْعًا وَيُتَّجَهُ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ هَلْ تَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ هَلْ تَدْخُلُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِاللَّحْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يُجْزِئُ اللَّحْمُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ الصَّاعُ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْإِجْزَاءَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ بَاطِلٌ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ .
( فَرْعٌ لَا يُجْزِئُ ) حَبٌّ ( مُسَوِّسٌ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفِي نُسْخَةٍ مَغْشُوشٌ ( وَمَعِيبٌ وَدَقِيقٌ ) وَنَحْوُهَا كَسَوِيقٍ وَخُبْزٍ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَمَعِيبٌ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ ( وَلَا أَقِطٌ بِمِلْحٍ يَعِيبُهُ ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ وَلَا أَقِطٌ أَفْسَدَ كَثْرَةُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمِلْحُ ( ظَاهِرًا ) عَلَيْهِ ( لَا يَعِيبُهُ فَالْمِلْحُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ فِي الْكَيْلِ ) فَيَجِبُ بُلُوغُ خَالِصِ الْأَقِطِ صَاعًا وَالتَّصْرِيحُ بِلَا يَعِيبُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيُجْزِئُ قَدِيمٌ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ ) طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ بِسَبَبِ قِدَمِهِ لِأَنَّ الْقِدَمَ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِطْلَاقُهُ التَّغَيُّرَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ أَصْلِهِ لَهُ بِالطَّعْمِ وَاللَّوْنِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِالرِّيحِ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ فَيَجِبُ بُلُوغُ خَالِصِ الْأَقِطِ صَاعًا ) وَجْهُ إجْزَائِهِ أَنَّهُ مُقْتَاتٌ مُدَّخَرٌ يَسْتَنِدُ إلَى أَثَرٍ فَأَشْبَهَ التَّمْرَ .
( وَلَا تُجْزِئُ الْأَقْوَاتُ النَّادِرَةُ ) الَّتِي لَا زَكَاةَ فِيهَا كَحَبِّ الْحَنْظَلِ وَالْغَاسُولِ ( ثُمَّ لَوْ وُجِدَتْ ) فِي بَلَدٍ مَثَلًا ( أَقْوَاتٌ فَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ ) لَا غَالِبُ قُوتِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ أَوْ الْمُؤَدِّي أَوْ بَلَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلِتَشَوُّفِ النُّفُوسِ إلَيْهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قُوتُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ قُوتُهُ قُوتَ الْبَلَدِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَيَخْتَلِفُ الْغَالِبُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي فَأَوْفَى خَبَرُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِبَيَانِ الْأَنْوَاعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ كَمَا فِي آيَةِ { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ بَلَدَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي كَمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ بَلَدَهُ كَعَبْدٍ آبِقٍ فَيَحْتَمِلُ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ اسْتِثْنَاءَ هَذِهِ أَوْ يُخْرِجُ مِنْ قُوتِ آخِرِ بَلَدٍ عَهِدَ وُصُولَهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ فِيهِ أَوْ يُخْرِجُ فِطْرَتَهُ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ .
( قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ ) أَيْ جِنْسًا وَنَوْعًا ( قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ اسْتِثْنَاءَ هَذِهِ إلَخْ ) لَا يَخْفَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي أَيْضًا وَإِنْ قُيِّدَتْ بِبَلَدٍ وَإِنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَنْقُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذَا أَخَذَهَا مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ وَقَالَ إنَّهُ الْأَقْرَبُ وَقَالَ الْغَزِّيِّ إنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ وَدَفْعُهَا إلَى الْقَاضِي شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ .
( وَلَهُ الْعُدُولُ عَنْ الْغَالِبِ إلَى الْأَصْلَحِ لِلِاقْتِيَاتِ ) بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ بِنْتَ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَيُخَالِفُ زَكَاةُ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا جِنْسٌ أَعْلَى لِأَنَّ الزَّكَاةَ ثَمَّ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ الْمَالِ فَأُمِرَ بِمُوَاسَاةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّا وَاسَاهُ اللَّهُ وَالْفِطْرَةُ زَكَاةُ الْبَدَنِ فَوَقَعَ النَّظَرُ فِيهَا إلَى مَا هُوَ غِذَاؤُهُ وَبِهِ قِوَامُهُ وَالْأَعْلَى يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْغَرَضُ وَزِيَادَةً فَأَجْزَأَ ( وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ أَعْلَى قِيمَةً فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالتَّمْرُ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ ) فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ نَظَرًا لِلِاقْتِيَاتِ .
( قَوْلُهُ وَلَهُ الْعُدُولُ إلَى الْأَصْلَحِ لِلِاقْتِيَاتِ ) بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ لَا لِبَلَدِهِ نَفْسِهِ ( قَوْلُهُ نَظَرًا لِلِاقْتِيَاتِ ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْحَاوِي وَالْأَرُزُّ خَيْرٌ مِنْ الشَّعِيرِ .
ا هـ .
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَرُزَّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ لِغَلَبَةِ الِاقْتِيَاتِ بِهِ وَعِبَارَةُ الطِّرَازِ الْمُذْهَبِ وَأَعْلَاهَا الْبُرُّ ثُمَّ الْأَرُزُّ ثُمَّ الشَّعِيرُ ثُمَّ التَّمْرُ ثُمَّ الزَّبِيبُ قَالَ شَيْخُنَا هَذَا وَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ الشَّعِيرِ عَلَى الْأَرُزِّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا عَلَيْهِ لَعَلَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْلَى الْأَعْلَى قِيمَةً .
( وَلَا يُجْزِئُ صَاعٌ مِنْ جِنْسَيْنِ ) وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ كَأَنْ وَجَبَ التَّمْرُ فَأَخْرَجَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْهُ وَنِصْفًا مِنْ الْبُرِّ لِظَاهِرِ خَبَرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكْسُوَ خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً .
( وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ اثْنَيْنِ ) كَعَبْدٍ بِهِ أَوْ قَرِيبَيْهِ ( صَاعَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ وَالْآخَرُ مِنْ أَعْلَى جَازَ ) كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ لِأَحَدِ جُبْرَانَيْنِ شَاتَيْنِ وَلِلْآخَرِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ( وَكَذَا إنْ مَلَكَ نِصْفَيْنِ مِنْ عَبْدَيْنِ جَازَ تَبْعِيضُ الصَّاعِ ) لِتَعَدُّدِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ ( لَا إنْ مَلَكَا عَبْدًا ) فَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّاعِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَيُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ( وَالْمُبَعَّضُ وَمَنْ فِي نَفَقَةٍ وَالِدَيْهِ كَالْعَبْدِ مَعَ السَّيِّدَيْنِ ) فَلَا يَجُوزُ التَّبْعِيضُ فِي فِطْرَتِهِمَا وَيُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدَيْهِمَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَاتَيْنِ وَاَلَّتِي قَبْلَهُمَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّبْعِيضِ عَكْسُ الْمُصَحَّحِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمِنْهَاجِ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ أَوْ عَلَى الْمُؤَدِّي وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ .
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ ذَلِكَ قَبْلَ التَّصْحِيحِ الْمَذْكُورِ .
( قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ ) اعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَهَلَّ شَوَّالٌ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ نِسْبَتُهَا فِي الْقَرِيبِ إلَى بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْتَبِرُونَ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا بَلَدَ لِلْعَبْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي بَلَدٍ لَا قُوتَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَحْمِلُ إلَيْهَا مِنْ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ مِنْ الْأَقْوَاتِ مَا لَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ كَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِمَا وَحَيْثُ أَمْكَنَ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفَيْنِ عَلَى تَصْوِيرٍ صَحِيحٍ لَا يُعْدَلُ إلَى تَغْلِيطِهِمْ .
( وَلَوْ مَلَكَا عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ أَخْرَجَ الْمُوسِرُ نِصْفَ صَاعٍ ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَتَسْقُطُ حِصَّةُ مُعْسِرٍ ( فَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ أَقْوَاتٌ بِلَا غَالِبٍ أَخْرَجَ مِنْهَا مَا شَاءَ ) إذْ لَيْسَ تَعَيُّنُ الْبَعْضِ لِلْوُجُوبِ أَوْلَى مِنْ تَعَيُّنِ الْآخَرِ وَخَالَفَ تَعَيُّنُ الْأَصْلَحِ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ ثَمَّ بِالْعَيْنِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ وَمِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَبْعِيضِ الْمُخْرَجِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ بُرًّا مَخْلُوطًا بِشَعِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ تَخَيَّرَ إنْ كَانَ الْخَلِيطَانِ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَجَبَ مِنْهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ( وَالْأَعْلَى أَفْضَلُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُوتُ الْبَلَدِ مُجْزِئًا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ بَلَدَانِ مُتَسَاوِيَانِ قُرْبًا أَخْرَجَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ( وَالْمُعْتَبَرُ ) فِي غَالِبِ الْقُوتِ ( غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ لَا ) غَالِبُ قُوتِ ( وَقْتِ الْوُجُوبِ ) خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي وَسِيطِهِ وَلَمْ يَنْقُلْ الْأَصْلُ سِوَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ غَرِيبٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ غَالِبِ قُوتِ السَّنَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ لَوْ اخْتَلَفَ الْقُوتُ بِالْأَوْقَاتِ فَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ إجْزَاءُ أَدْنَاهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى مُخْرِجًا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ كَعْبٍ وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى تَقْوِيمِ مَالِ التِّجَارَةِ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ حَالَ حَوَلَانَ الْحَوْلِ وَعَلَى الثَّمَنِ الْغَالِبِ حِينَ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْوَرْدِيُّ فِي بَهْجَتِهِ .
قَوْلُهُ وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْوَرْدِيُّ فِي بَهْجَتِهِ ) وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( اشْتَرَى عَبْدًا فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ ) لَيْلَةَ الْفِطْرِ ( وَهُمَا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ ) بِأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا ( وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ ) لَهُ الْمِلْكُ ( وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ ) لِلْمِلْكِ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا ( فَعَلَى مَنْ يَئُولَ إلَيْهِ الْمِلْكُ ) فِطْرَتُهُ ( وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ) عَنْ رَقِيقٍ ( فَفِطْرَةُ رَقِيقِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ ) كُلٌّ بِقِسْطِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ ( وَلَوْ ) كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَ ( اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ ) فَإِنَّ عَلَيْهِمْ فِطْرَتَهُ وَإِنْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِهَا كَوْنُ الْمِلْكِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ انْتِفَاءِ الْمِلْكِ فَمَعَ ضَعْفِهِ أَوْلَى ( وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَنْ أَرِقَّاءَ ( فَالْفِطْرَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي التَّرِكَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ ) فَعَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصَايَا بِالْأَوْلَى وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ فِي فَرْعٍ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ لِزَكَاةِ الْمَوَاشِي .
( فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ فِطْرَةِ عَبْدٍ أَوْصَى بِهِ ) لِغَيْرِهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا ( وَجَبَتْ فِي تَرِكَتِهِ ) لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ ( أَوْ ) مَاتَ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ وُجُوبِهَا ( وَقَبْلَ الْمُوصَى لَهُ ) الْوَصِيَّةُ ( وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَالْفِطْرَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِقَبُولِهِ يَتَبَيَّنُ مِلْكُهُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الصَّبِيِّ ( وَإِنْ رَدَّ ) الْوَصِيَّةَ ( فَعَلَى الْوَارِثِ ) فِطْرَتُهُ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ ( فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْوُجُوبِ فَوَارِثُهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ) فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ ( وَ ) بَعْدَ الْقَبُولِ ( يَقَعُ الْمِلْكُ لِلْمَيِّتِ وَفِطْرَتُهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( فِي التَّرِكَةِ ) إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ سِوَى الرَّقِيقِ ( أَوْ يُبَاعُ جُزْءٌ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ) لَهُ ( تَرِكَةٌ ) سِوَاهُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ( وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ مَعَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى وَرَثَتِهِ ) عَنْ الرَّقِيقِ ( إنْ قَبِلُوا ) الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ كَانَ فِي مِلْكِهِمْ .
( بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ ) أَيْ الزَّكَوَاتِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَشْعَارِهَا بِصِدْقِ بَاذِلِهَا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } وَأَضَافَ فِيهَا الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَإِلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى وَتَقْيِيدِهِ فِي الْأَخِيرَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَحْصُلْ الصَّرْفُ فِي مَصَارِفِهَا اسْتَرْجَعَ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى عَلَى مَا يَأْتِي .
( أَهْلُ الزَّكَاةِ ) أَيْ مُسْتَحِقُّوهَا أَصْنَافٌ ( ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ الْفَقِيرُ وَهُوَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ ) مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَبِمَنْ فِي نَفَقَتِهِ لِخَبَرِ { لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي قُوَّةٍ يَكْتَسِبُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ( فَمَنْ يَحْتَاجُ عَشَرَةً وَلَا يَجِدُ ) بِمِلْكِهِ أَوْ كَسْبِهِ ( إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَقِيرٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَثَوْبٌ يَحْتَمِلُ بِهِ وَعَبْدٌ يَخْدُمُهُ ) وَحِينَئِذٍ ( فَيُعْطَى ) مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ ( وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ يَسْأَلُ النَّاسَ ) وَلَا يَسْلُبُهُ ذَلِكَ اسْمَ الْفَقْرِ قَالَ السُّبْكِيُّ فَلَوْ اعْتَادَ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَدْرَسَةِ فَالظَّاهِرُ خُرُوجُهُ عَنْ اسْمِ الْفَقِيرِ بِثَمَنِ الْمَسْكَنِ ( وَمَنْ مَالُهُ غَائِبٌ ) بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ( أَوْ مُؤَجَّلٌ أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ إلَى حُضُورِهِ أَوْ حُلُولِهِ ) لِأَنَّهُ الْآنَ فَقِيرٌ ( وَمَنْ دَيْنُهُ كَمَالِهِ ) أَيْ قَدْرِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْفَقْرِ ( لَا يُعْطَى ) مِنْ الزَّكَاةِ ( حَتَّى يَصْرِفَهُ ) فِي الدَّيْنِ .
( فَرْعٌ يَخْرُجُ ) الشَّخْصُ ( عَنْ الْفَقْرِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كَسْبٍ ) حَلَالٍ ( لَائِقٍ بِمُرُوءَتِهِ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَسْبٍ
حَلَالٍ كَأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ يَلِيقُ بِهِ لَكِنْ لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ اشْتَغَلَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمَكْسَبِ ( بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ يَتَأَتَّى مِنْهُ ) تَحْصِيلُهُ وَكَانَ الْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ ( لَا نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَمُلَازَمَةِ الْخَلَوَاتِ ) فِي الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا ( حَلَّتْ الزَّكَاةُ ) لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيُعْطَى لِيَتَفَرَّغَ لِتَحْصِيلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيلُهُ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ أَوْ اعْتِكَافِهِ بِمَدْرَسَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ لِأَرْبَابِ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لَمْ تَجْرِي عَادَتُهُمْ بِالْكَسْبِ أَخْذًا مِنْهُ الزَّكَاةَ .
( بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ ) ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ هَذَا الْبَابَ عَقِبَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالزَّكَاةِ يَتَوَلَّى الْإِمَامُ جَمْعَهُ وَتَفْرِقَتَهُ وَذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ الزَّكَاةِ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَتَبِعَهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ إنَّهُ أَحْسَنُ ( قَوْلُهُ أَهْلُ الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةٌ ) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَعَطَفَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ فَاسْتَحَقَّهَا الْجَمِيعُ ( قَوْلُهُ لِخَبَرٍ { لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ } ) يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مَعَ الْغِنَى الْعَامِلُ وَالْمُتَأَلَّفُ وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَالْغَازِي ( قَوْلُهُ فَمَنْ يَحْتَاجُ عَشَرَةً إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ عَدِمَ أَكْثَرُ الْعَشَرَةِ فَفَقِيرٌ أَوْ أَقَلُّهَا فَمِسْكِينٌ .
ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ ارْتَفَعَ حَالُهُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْفَقْرِ يُلْتَحَقُ بِالْمِسْكِينِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَثَوْبٌ يَتَجَمَّلُ بِهِ ) أَيْ لَائِقَانِ بِهِ فَقَدْ قَيَّدَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْمَسْكَنَ بِاللَّائِقِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ يُشِيرُ إلَى تَقْيِيدِ الثَّوْبِ بِاللَّائِقِ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ خُرُوجُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَمَنْ دَيْنُهُ كَمَا لَهُ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ ) أَيْ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُخَالِفُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْعِتْقِ مِنْ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ .
( قَوْلُهُ يَخْرُجُ الشَّخْصُ عَنْ الْفَقْرِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كَسْبٍ إلَخْ ) أَفْتَى ابْنُ الْبَزْرِيِّ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ مَعَ الصَّوْمِ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَلَكِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى النِّكَاحِ فَلَهُ أَخْذُهَا لِيَنْكِحَ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ كِفَايَتِهِ انْتَهَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبْدٌ وَلَا مَسْكَنٌ
وَاحْتَاجَ إلَيْهِمَا وَمَعَهُ ثَمَنُهَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَوَفَاءِ الدَّيْنِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ إلَخْ ) أَوْ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ تَعْلِيمِهِ ( قَوْلُهُ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ لِأَرْبَابِ الْبُيُوتِ إلَخْ ) جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا ( قَوْلُهُ الَّذِينَ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالْكَسْبِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَلَا يَلِيقُ بِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ
( فَرْعٌ لَوْ اكْتَفَى ) إنْسَانٌ ( بِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُ لَمْ يُعْطَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) لِغِنَاءٍ حِينَئِذٍ كَالْمُكْتَسِبِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ بِخِلَافِ الْمَكْفِيِّ بِنَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ ( وَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ بَاقِي السِّهَامِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى ) يَجُوزَ لَهُ الْأَخْذُ ( مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُ لَكِنْ لَا يُعْطِيهِ قَرِيبَهُ ) الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُ ( وَهُوَ فَقِيرٌ ) بِدُونِهَا ( مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ ) لِأَنَّهُ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ ( وَيُعْطِيهِ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ لِحَاجَةٍ ) أَيْ مَا زَادَ عَلَيْهَا بِسَبَبِ حَاجَةِ ( السَّفَرِ ) فَقَطْ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ الْوَاجِبَةَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا ( وَيُعْطِي ) الزَّوْجُ ( الزَّوْجَةَ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ وَكَذَا ) مِنْ سَهْمِ ( الْمُؤَلَّفَةِ ) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ بَاقِي السِّهَامِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا ( وَ ) يُعْطِيهَا أَيْضًا ( مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ ) كَمَا عُلِمَ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ ( لَا إنْ سَافَرَتْ مَعَهُ ) بِإِذْنٍ أَوْ بِدُونِهِ ( أَوْ وَحْدَهَا بِلَا إذْنٍ ) فَلَا يُعْطِيهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى مَكْفِيَّةٌ بِالنَّفَقَةِ وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ عَاصِيَةٌ ( إلَّا فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِ ) أَيْ الزَّوْجِ فَتُعْطَى لِرُجُوعِهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ فَإِنْ تَرَكَتْ إلَى آخِرِهِ ( وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ وَأَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا ) كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهِ ( أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ بَاقِي كِفَايَتِهَا ) لِحَاجَةِ السَّفَرِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ نَفَقَتَهَا كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا ( أُعْطِيت كِفَايَتَهَا مِنْهُ وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِلَا إذْنٍ تُعْطَى هِيَ وَالْعَاصِي بِالسَّفَرِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ ) وَفِي نُسْخَةٍ الْفَقِيرِ ( بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ الْمُقِيمَةِ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ
عَلَى الْغِنَى بِالطَّاعَةِ ) فَأَشْبَهَتْ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ وَالْمُسَافِرَةُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ فِي الْحَالِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ لَمْ تُعْطَ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمُقِيمَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ تَرَكَتْ السَّفَرَ وَعَزَمَتْ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ ) مُؤْنَةَ الْإِيَابِ لِرُجُوعِهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ كَانَتْ بِبُعْدٍ أُعْطِيت مُؤْنَةَ الْإِيَابِ .
( قَوْلُهُ لَوْ اكْتَفَى بِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ) مِنْ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَهِيَ حَامِلٌ وَلَوْ لَمْ تَكْتَفِ الزَّوْجَةُ بِنَفَقَتِهَا أُعْطِيت بَاقِي كِفَايَتِهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ
الصِّنْفُ ( الثَّانِي الْمِسْكِينُ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ أَوْ يَكْتَسِبُ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا ) مِنْ كِفَايَتِهِ ( وَلَا يَكْفِيهِ كَمَنْ يَحْتَاجُ عَشَرَةً وَعِنْدَهُ ثَمَانِيَةٌ لَا تَكْفِيهِ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِالْحَالِ مِنْ الْمَسْكَنِ وَالْمَلْبَسِ وَالْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا إسْرَافٍ ) لَهُ وَلَمِنْ فِي نَفَقَتِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْمَالِ نِصَابًا أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ خِلَافًا لِمَنْ عَكَسَ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } حَيْثُ سَمَّى مَالِكِيهَا مَسَاكِينَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا وَبِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا } مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْفَقْرِ وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ كِفَايَتِهِ بِالْعُمْرِ الْغَالِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَالنَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْغَيْرِ الْمَشْهُورَةِ وَاسْتَنْبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي عَدَمِ كِفَايَتِهِ بِالسَّنَةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ كَالْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ وَمِنْهُ اعْتِبَارُهَا فِيمَا يَأْتِي فِي الْإِثَاثِ وَالْكُتُبِ إذْ لَمْ يَنْقُلْهُ النَّوَوِيُّ إلَّا عَنْ الْغَزَالِيِّ تَفَقُّهًا ( وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى كَسْبٍ لَا يَلِيقُ ) بِهِ كَكَوْنِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالْكَسْبِ ( وَ ) لَا ( مِلْكُ أَثَاثٍ يَحْتَاجُهُ فِي سَنَتِهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ سَنَةٍ ( وَ ) لَا مِلْكُ ( ثِيَابِ شِتَاءٍ ) يَحْتَاجُهَا ( فِي صَيْفٍ ) وَلَا عَكْسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَا ) مِلْكُ ( كُتُبٍ وَهُوَ فَقِيهٌ يَحْتَاجُهَا لِلتَّكَسُّبِ ) كَالْمُؤَدِّبِ وَالْمُدَرِّسِ بِأُجْرَةٍ أَوْ
لِلْقِيَامِ بِفَرْضٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ وَإِنْ كَانَ احْتِيَاجُهُ لَهَا ( فِي السَّنَةِ مَرَّةً ) بِخِلَافِ مَا لَا يَحْتَاجُهُ فِي السَّنَةِ عَلَى مَا مَرَّ ( فَتَبْقَى ) لَهُ ( النُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ ) النُّسَخِ ( الْمُتَكَرِّرَةِ ) عِنْدَهُ فَلَا يَبْقَيَانِ مَعًا لِاغْتِنَائِهِ بِالصَّحِيحَةِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَصَحَّ وَالْأُخْرَى أَحْسَنَ يَبْقَى الْأَصَحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ( فَإِنْ كَانَ ) لَهُ كِتَابَانِ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ وَكَانَ ( أَحَدُهُمَا أَبْسُطَ ) أَيْ مَبْسُوطًا وَالْآخَرُ وَجِيزًا ( بَاعَ الْوَجِيزَ ) وَبَقِيَ الْمَبْسُوطُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُدَرِّسٍ بِأَنْ كَانَ قَصْدُهُ الِاسْتِفَادَةَ ( وَالْمُدَرِّسُ يُبْقِهِمَا ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي التَّدْرِيسِ ( أَوْ ) مِلْكَ كُتُبٍ وَهُوَ ( كَطَبِيبٍ يَكْتَسِبُ بِهَا أَوْ لِعِلَاجِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ) لَفْظَةُ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَذَا الْكَافُ لِيَدْخُلَ الْمُحَدِّثُ وَالْمُفَسِّرُ وَنَحْوُهُمَا وَعِلَاجِ مَعْطُوفٌ عَلَى يَكْتَسِبُ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ يُعَالِجُ بِهَا نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ ( وَالْمُعَالِجُ مَعْدُومٌ ) مِنْ الْبَلَدِ ( أَوْ ) مِلْكُ كُتُبِ وَعْظٍ وَهُوَ ( يَتَّعِظُ بِهَا ) وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَاعِظٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِالْوَاعِظِ كَانْتِفَاعِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَى حَسْبِ إرَادَتِهِ ( لَا ) مِلْكُ ( مَا ) أَيْ كِتَابٍ ( يَتَفَرَّجُ فِيهِ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَ يُطْلَبُ لِلتَّعْلِيمِ وَلِلِاسْتِفَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْمَسْكَنَةَ كَمَا تَقَرَّرَ وَيُطْلَبُ لِلتَّفَرُّجِ فِيهِ بِالْمُطَالَعَةِ ( كَكُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالشِّعْرِ ) فَيُمْنَعُ ( وَمَنْ لَهُ عَقَارٌ ) مَثَلًا ( قَلِيلٌ ) أَيْ يَنْقُصُ ( دَخْلُهُ ) عَنْ كِفَايَتِهِ ( فَهُوَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ ) فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ تَمَامَهَا وَلَا يُكَلَّفُ بَيْعُهُ
( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ ذَلِكَ ) فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كُلُّ مَنْ لَا يَمْلِكُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَالْكَفَّارَةُ بِاسْمِ الْفَقْرِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ هُنَا كُلٌّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ بِالْحَاجَةِ وَشَرْطُهُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَفِيَ دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ عَلَى الدَّوَامِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ بِوُجُودِ الْكِفَايَةِ فَكُلُّ مَنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ إمَّا بِبِضَاعَةٍ يَتَّجِرُ فِيهَا أَوْ عَقَارٍ يَسْتَغِلُّهُ أَوْ صَنْعَةٍ يَكْتَسِبُ بِهَا كِفَايَتَهُ فَهُوَ غَنِيٌّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ بِالْفَقْرِ لِوُجُودِ الْكِفَايَةِ وَإِنْ قَصَّرَ رِبْحُ بِضَاعَتِهِ أَوْ دَخْلُ عَقَارِهِ أَوْ كَسْبُ صَنْعَتِهِ عَنْ قَدْرِ كِفَايَتِهِ حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِالْفَقْرِ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَشْتَرِي مِنْ الْعَقَارِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ الْكِفَايَةُ أَوْ يُضَافُ إلَى بِضَاعَتِهِ مَا يُثْمِرُ بِهِ رِبْحَهُ لِكِفَايَتِهِ
الصِّنْفُ ( الثَّالِثُ الْعَامِلُ ) وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ( وَبَعَثَهُ ) لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ ( وَاجِبٌ ) عَلَى الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ ( وَيَدْخُلُ فِي اسْمِهِ السَّاعِي ) وَهُوَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ ( وَالْكَاتِبُ ) وَهُوَ مَنْ يَكْتُبُ مَا يُؤْخَذُ وَيُدْفَعُ ( وَالْقَاسِمُ وَالْحَاشِرُ ) وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ ( وَالْعَرِيفُ ) وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَرْبَابَ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ كَالنَّقِيبِ لِلْقَبِيلَةِ ( وَالْحَاسِبُ وَالْحَافِظُ ) لِلْأَمْوَالِ وَالْجُنْدِيُّ وَالْجَابِي ( لَا الْإِمَامُ وَالْوَالِي وَالْقَاضِي ) فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الزَّكَاةِ بَلْ رِزْقُهُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إنْ لَمْ يَتَطَوَّعُوا بِالْعَمَلِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ عَامٌّ وَلِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ وَاسْتَقَاءَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ( وَيُزَادُ فِيهِمْ ) أَيْ الْعُمَّالِ ( بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ وَالْعَدَّادُ عُمَّالٌ إنْ مَيَّزُوا بَيْنَ ) أَنْصِبَاءِ ( الْأَصْنَافِ ) فَأُجْرَتُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ وَلَوْ أَلْزَمْنَاهَا الْمَالِكَ لَزِدْنَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ ( لَا الْمُمَيِّزُونَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمَالِ وَجَامِعُوهُ ) أَيْ الْمَالِ ( فَإِنَّ أُجْرَتَهُمْ عَلَى الْمَالِكِ ) لَا مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهَا لِتَوْفِيَةِ الْوَاجِبِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ ( وَ ) أُجْرَةُ ( الرَّاعِي وَالْحَافِظِ ) بَعْدَ قَبْضِهَا ( وَالْمَخْزَنُ ) بِفَتْحِ الزَّاي ( وَالنَّاقِلُ عَلَى ) بِمَعْنَى فِي جُمْلَةِ ( السُّهْمَانِ ) لَا فِي سَهْمِ الْعَامِلِ
قَوْلُهُ لَا الْإِمَامُ وَالْوَالِي وَالْقَاضِي ) أَيْ إذَا قَامُوا بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعُوا وَعِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَنَّ لِلْقَاضِي قَبْضَهَا وَصَرْفَهَا وَذَلِكَ فِي مَالِ أَيْتَامٍ تَحْتَ نَظَرِهِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ الْإِمَامُ لَهَا نَاظِرًا ( قَوْلُهُ لَا فِي سَهْمِ الْعَامِلِ ) قَالَ شَيْخُنَا ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ قُرْبٍ أَنَّ الْحَافِظَ مِنْ أَقْسَامِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكْتَفِي بِالْعَامِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِ وَتَارَةً يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ كَأَنْ يَذْهَبَ وَيَتْرُكَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ فِي غَيْبَتِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ السُّهْمَانِ كَاتِبُهُ
( الرَّابِعُ الْمُؤَلَّفَةُ فَإِذَا كَانُوا كُفَّارًا ) يُتَأَلَّفُونَ لِخَوْفِ شَرِّهِمْ أَوْ لِتَرْغِيبِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ لِمَيْلِهِمْ إلَيْهِ ( لَمْ يُعْطُوا ) مِنْ زَكَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَأَغْنَى عَنْ التَّأْلِيفِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ } لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَالْحَافِظُ وَنَحْوُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ وَذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ أَخْرَجَ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةً أَوْ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ ( وَإِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ أُعْطُوا مِنْهَا وَهُمْ إمَّا ضَعِيفُ النِّيَّةِ ) فِي الْإِسْلَامِ ( فَيُعْطَى لِيَقْوَى إسْلَامُهُ أَوْ شَرِيفٌ ) فِي قَوْمِهِ ( يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ نَظَائِرِهِ أَوْ كَافٍ ) لَنَا ( شَرَّ جِيرَانِهِ ) أَيْ مَنْ يَلِيهِ ( مِنْ الْكَفَّارَةِ وَمَانِعِي ) أَيْ أَوْ مِنْ مَانِعِي ( الزَّكَاةِ ) فَيُعْطَى ( حَيْثُ إعْطَاؤُهُمْ ) الْأَوْلَى إعْطَاؤُهُ ( أَهْوَنُ ) عَلَيْنَا ( مِنْ جَيْشٍ يُبْعَثُ ) لِبُعْدِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَمُؤَلَّفَة الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْإِعْطَاءِ أَهْوَنَ مِنْ بَعْثِ جَيْشٍ مِنْ زِيَادَتِهِ وَيُعْتَبَرُ فِي إعْطَائِهِمْ احْتِيَاجُنَا إلَيْهِمْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ
( قَوْلُهُ فَإِذَا كَانُوا كُفَّارًا لَمْ يُعْطَوْا ) إذْ شَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ الْإِسْلَامُ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّرْطُ إسْلَامُهُ وَقْتَ الدَّفْعِ لَا إسْلَامُهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إسْلَامُهُ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ } فَلَمَّا لَمْ تُؤْخَذْ إلَّا مِنْ غَنِيٍّ مُسْلِمٍ لَمْ تُعْطَ إلَّا لِفَقِيرٍ مُسْلِمٍ ( قَوْلُهُ فَيُعْطَى لِيَقْوَى إسْلَامُهُ ) إذْ لَوْ لَمْ يُعْطَ رُبَّمَا ارْتَدَّ لِضَعْفِ نِيَّتِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ شَرِيفٌ ) يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ نُظَرَائِهِ وَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَشَرْطُ إعْطَائِهِمْ الْحَاجَةَ إلَيْهِمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ لَا يُعْطَوْنَ إلَّا أَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَقْتَضِيهِ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ إلَّا الْإِمَامُ وَسَيَأْتِي ( قَوْلُهُ مِنْ الْكُفَّارِ ) وَمَانِعِي الزَّكَاةِ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ الْبُغَاةِ
( الْخَامِسُ الرِّقَابُ ) فَيُعْطَوْنَ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَفِي الرِّقَابِ } كَقَوْلِهِ { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } وَهُنَاكَ يُعْطَى الْمَالُ لِلْمُجَاهِدِينَ فَيُعْطَى لِلرِّقَابِ فَلَا يُشْتَرَى بِهِ رِقَابٌ لِلْعِتْقِ كَمَا قِيلَ بِهِ ( وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً ) لَا فَاسِدَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ ( فَيُعْطَوْنَ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِمْ ( مَا يُؤَدُّونَ ) مِنْ النُّجُومِ ( إنْ ) عَجَزُوا عَنْ الْوَفَاءِ ( وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ النَّجْمُ ) لِأَنَّ التَّعْجِيلَ مُتَيَسِّرٌ فِي الْحَالِ وَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ عِنْدَ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَاجِزِينَ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمْ وَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ النَّجْمُ يُخَالِفُ نَظِيرَهُ مِنْ الْغَارِمِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ حُلُولُ دَيْنِهِ لِيَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى وَفَائِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِنَاءِ بِالْحِرْصِ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ وَرُبَّمَا يُعْجِزُ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الرِّقِّ أَهَمُّ وَالْغَارِمُ يَنْتَظِرُ الْيَسَارَ فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَلَا حَبْسَ وَلَا مُلَازَمَةَ ( وَالتَّسْلِيمُ ) لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْغَارِمُ الْآتِي بَيَانُهُ ( إلَى السَّيِّدِ أَوْ الْغَرِيمِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْغَارِمِ أَحْوَطُ ) وَأَفْضَلُ ( إلَّا إنْ كَانَ ) مَا يَسْتَحِقُّهُ ( أَقَلُّ ) مِمَّا عَلَيْهِ ( وَأَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَا فِيهِ ) وَيُنَمِّيَاهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمُهُ إلَى مَنْ ذُكِرَ لِأَنَّ الِاتِّجَارَ فِيهِ أَقْرَبُ إلَى الْعِتْقِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالْأَوْلَى وَأَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ لَكِنْ فِيهَا بَعْدَ يَتَّجِرُ أَلِفٌ وَكَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى كَلَامِهِ الْآتِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ حِينَئِذٍ رَكَاكَةٌ ( وَ ) تَسْلِيمُهُ إلَى مَنْ ذُكِرَ ( بِغَيْرِ الْإِذْنِ ) مِنْ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْغَارِمِ ( لَا يَقَعُ زَكَاةً ) فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا لِأَنَّهُمَا الْمُسْتَحِقَّانِ ( وَ ) لَكِنْ ( يَنْقَضِي دَيْنُهُمَا )
لِأَنَّ مَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ .
قَوْلُهُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً ) وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ نَحْوَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ كَسُوبًا كَمَا فِي الْغَارِمِ وَيُفَارِقُ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ بِأَنَّ حَاجَتَهُمَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالتَّدْرِيجِ وَالْكَسْبُ يُحَصِّلُهَا كُلَّ يَوْمٍ وَحَاجَةُ مَنْ ذَكَرْنَا جَدَّةٌ لِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَالْكَسْبُ لَا يَدْفَعُهَا إلَّا بِالتَّدْرِيجِ غَالِبًا ( قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِنَاءِ بِالْحِرْصِ إلَخْ ) فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَوْجُهٍ الْأَوَّلُ غَرَضُ تَعْجِيلِ الْحُرِّيَّةِ ، الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَفُوتُ غَرَضُ الْعِتْقِ بِتَعْجِيلِ السَّيِّدِ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ ، وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْحُرِّ لَيْسَ كَذَلِكَ ، الثَّالِثُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَأْخُذُ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمَدِينُ يَأْخُذُ لِإِزَالَةِ الدَّيْنِ ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الرِّقِّ أَهَمُّ .
الرَّابِعُ أَنَّ الْغَارِمَ تَسَبَّبَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي يَأْخُذُ لِأَجْلِهِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَأْخُذُ لِمَا تَسَبَّبَ فِيهِ الرِّقُّ ، الْخَامِسُ أَنَّ الْغَارِمَ يَنْتَظِرُ الْيَسَارَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلَا حَبْسَ وَلَا مُلَازَمَةَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ
( فَرْعٌ لَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ ) بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهِ لَهُ تَبَرُّعًا أَوْ بِإِبْرَائِهِ أَوْ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ أَوْ بِأَدَائِهِ هُوَ مِنْ مَالٍ آخَرَ ( أَوْ أَبْرَأَ الْغَارِمُ أَوْ اسْتَغْنَى ) وَبَقِيَ مَالُ الزَّكَاةِ فِي يَدَيْهِمَا ( اُسْتُرِدَّ مِنْهُمَا ) بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَدَّى الْغَارِمُ الدَّيْنَ مِنْ قَرْضٍ لَمْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ إذْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَيْنُهُ وَإِنَّمَا صَارَ لِآخَرَ كَالْحَوَالَةِ قَالَ فَلَوْ قَرَى مِنْهُ أَوْ أَدَّاهُ مِنْ غَيْرِ قَرْضٍ فَلَمْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ حَتَّى لَزِمَهُ دَيْنٌ صَارَ بِهِ غَارِمًا فَهَلْ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَسْلَفِ لَهُ قَبْلَ غُرْمِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ؟ انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ اسْتَغْنَى الْغَارِمُ لَا غِنًى عَمَّا قَبْلَهُ ( وَلَوْ أَتْلَفَاهُ ) أَوْ تَلِفَ وَلَوْ بِانْتِقَالِهِ إلَى غَيْرِهِمَا ( قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ لَمْ يَغْرَمَا ) لِتَلَفِهِ عَلَى مِلْكِهِمَا مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ( أَوْ بَعْدَهُمَا غَرِمَا ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَكَالْإِعْتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ نَحْوِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ ( فَإِنْ عَجَزَ ) الْمُكَاتَبُ وَرُقَّ ( اُسْتُرِدَّ ) مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْعِتْقِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ الْمَأْخُوذُ فِيهِ ( وَتَعَلَّقَ ) بَدَلُهُ ( بِذِمَّتِهِ ) لَا بِرَقَبَتِهِ ( لَوْ كَانَ تَالِفًا ) لِحُصُولِ الْمَالِ عِنْدَهُ بِرِضَا صَاحِبِهِ ( فَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ ) وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ بَقِيَّةِ النُّجُومِ ( رَدَّهُ ) إنْ كَانَ بَاقِيًا ( وَلَوْ تَلِفَ مَعَهُ ) أَيْ فِي يَدِهِ ( قَبْلَ الْعَجْزِ أَوْ بَعْدَهُ غَرِمَ ) بَدَلَهُ ( وَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بِبَيْعٍ ) أَوْ نَحْوِهِ لِمَا مَرَّ ( وَلَا يُفْسَخُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ شَخْصًا لَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ بَلْ يَغْرَمُ السَّيِّدُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ سَلَّمَ بَعْضَ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ فَأَعْتَقَهُ
فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَهُ لِلْمَقْبُوضِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَا قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ .
( فَرْعٌ : لِلْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ أَنْ يَتَّجِرَا فِي الْمَأْخُوذِ لِيَرْبَحَا ) فِيهِ وَيُوَفِّيَا مَا عَلَيْهِمَا ( وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْفِقَ مَا أَخَذَهُ وَيُؤَدِّيَ ) مَا عَلَيْهِ ( مِنْ كَسْبِهِ مُنِعَ ) مِنْ ذَلِكَ ( الْمَكَاتِبُ لَا الْغَارِمُ ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ فَضَعِيفٌ تَصَرُّفُهُ عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْنَعُ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الثَّانِيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُتَوَقَّعُ لَهُ كَسْبٌ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ كَسْبٌ حَاصِلٌ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَمَعَهُ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ قُلْت يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا كَانَ بِيَدِهِ قَدْرُ مَا يَحْتَاجُهُ لِلنَّفَقَةِ وَهُوَ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ لَوْ أَدَّاهُ ( وَلَوْ أَعْطَى ) السَّيِّدُ مِنْ زَكَاتِهِ ( مُكَاتَبَهُ لَمْ يُجْزِهِ ) لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَارِمِ فَإِنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ زَكَاتِهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَى مَمْلُوكَهُ بِخِلَافِ الْغَارِمِ ( وَلَا يُعْطَى مَنْ عَجَزَتْ الْوَصِيَّةُ بِكِتَابَتِهِ عَنْ كُلِّهِ ) بِأَنْ أَوْصَى بِكِتَابَتِهِ عَبْدٌ فَعَجَزَ عَنْهُ الثُّلُثُ فَلَا يُعْطَى لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْقَدْرِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَاسْتَحْسَنَ وَجْهًا أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ أَعْطَى فِي نَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ أَوْ افْتَرَضَ الْمُكَاتَبُ نُجُومَهُ وَعَتَقَ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَقَطْ ) أَيْ لَا مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ
مِنْهُمْ الصِّنْفُ
( قَوْلُهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَتْلَفَاهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ لَمْ يَغْرَمَا ) مِثْلَ تَلَفِهِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِبْرَاءِ تَلَفَهُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ اُسْتُرِدَّ ) وَلَوْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابَةِ وَتَلَفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ وَلَوْ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَقَعَ الْمَوْقِعُ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ سَلَّمَ بَعْضَ الْمَالِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُعْتِقَ وَلَوْ بَعْدَ دَفْعِ الْمَالِ إلَى سَيِّدِهِ اُسْتُرِدَّ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ عِتْقَهُ لَا عَنْ جِهَةِ الْمَدْفُوعِ وَهُنَا فِيمَا إذَا دَلَّ الْحَالُ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَدْفُوعِ كَاتَبَهُ ( قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْنَعُ ) عِبَارَتُهُ وَالْخِيَرَةُ إلَيْهِ فِي تَوْفِيَةِ النَّجْمِ إنْ شَاءَ وَفَّاهُ مَا اكْتَسَبَهُ وَاسْتَنْفَقَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ هَذَا لَفْظُهُ وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ النُّجُومِ مِنْ كَسْبِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْفِقُ مَا أَخَذَهُ .
وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِنْفَاقِ ابْتِدَاءً فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَتَوَارَدْ كَلَامُ الْإِمَامِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ لِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ كَسْبٌ حَاصِلٌ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَيَدْفَعَ إلَى السَّيِّدِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الزَّكَاةَ ابْتِدَاءً وَمَا قَطَعَ بِهِ فِي الشَّامِلِ مِنْ الْمَنْعِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَسْبٌ لَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُنْفِقَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَيُوفِيَ السَّيِّدَ بِمَا يَتَحَصَّلُ مِنْ الْكَسْبِ فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُمَا تَجِدُهُ كَذَلِكَ انْتَهَى ( قَوْلُهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى ) فَإِنَّ تَجْوِيزَ الْإِمَامِ إنْفَاقَ مَا
يَأْخُذُهُ وَالْأَدَاءَ مِنْ كَسْبِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُتَوَقَّعُ لَهُ كَسْبٌ يَفِي بِذَلِكَ وَهَذَا لَا يَخُصُّ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَلَا يُخَالِفُ الْإِمَامُ فِيهِ انْتَهَى وَمَفْهُومُهُ جَوَازُهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ كَسْبٌ حَاصِلٌ بِالْأَوْلَى وَقَدْ حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ جَمْعٍ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَسْبٌ حَاصِلٌ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ أَوْ يَتَوَقَّعُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
( السَّادِسُ الْغَارِمُونَ وَهُمْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ ) يَعْنِي مَنْ لَزِمَتْهُمْ الدُّيُونُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ دَيْنٌ لَزِمَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لِضَمَانٍ لَا لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لِتَسْكِينِهَا وَهُوَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ( فَمَنْ ادَّانَ ) أَصْلُهُ ادْتَانَ اُسْتُثْقِلَتْ التَّاءُ بَعْدَ الدَّالِ فَأُبْدِلَتْ دَالًا وَأُدْغِمَتْ الْأُولَى فِيهَا أَيْ فَمَنْ اسْتَدَانَ ( لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ) أُعْطِيَ ( لَا ) إنْ اسْتَدَانَ ( فِي مَعْصِيَةٍ ) كَثَمَنِ خَمْرٍ وَإِسْرَافٍ فِي نَفَقَتِهِ فَلَا يُعْطَى ( إلَّا إنْ تَابَ ) عَنْهَا فَيُعْطَى كَالْمُسَافِرِ لِمَعْصِيَةٍ إذَا تَابَ فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَظْهَرُ فِيهَا حَالُهُ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ يُعْطَى عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ ثُمَّ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ أُعْطِيَ وَفِي عَكْسِهِ يُعْطَى أَيْضًا إنْ عُرِفَ قَصْدُ الْإِبَاحَةِ أَوَّلًا وَلَكِنَّا لَا نُصَدِّقُهُ فِيهِ .
وَالْأُولَى وَارِدَةٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْلِهِ وَجَوَابُ مَنْ قَوْلُهُ ( أُعْطِيَ إذَا احْتَاجَ ) إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الزَّكَاةِ ( وَ ) ذَلِكَ بِأَنْ ( كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَضَى دَيْنَهُ ) مَا مَعَهُ ( تَمَكَّنَ فَيُتْرَكُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيُتِمُّ لَهُ الْبَاقِي ) يَعْنِي إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ تُرِكَ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ وَأُعْطِيَ مَا يَقْضِي بِهِ بَاقِي دَيْنَهُ فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ لَمْ يُعْطَ لَأَنْ يَأْخُذَ لِحَاجَتِهِ إلَيْنَا فَاعْتُبِرَ عَجْزُهُ كَالْمُكَاتَبِ وَابْنِ السَّبِيلِ بِخِلَافِ الْغَارِمِ لِلْإِصْلَاحِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَيُعْطَى ) الْغَارِمُ ( وَلَوْ قَدَرَ ) عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ ( بِالْكَسْبِ ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ لِذَلِكَ
وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ غَالِبًا إلَّا بِالتَّدْرِيجِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ ( وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ) يُعْطَى وَلَوْ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ النُّجُومِ بِالْكَسْبِ ( وَيُشْتَرَطُ الْحُلُولُ ) لِلدَّيْنِ ( فِي ) إعْطَاءِ ( الْغَارِمِ ) وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَ قَبْلَ الْحُلُولِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ الْآنَ وَذِكْرُهُ كَأَصْلِهِ هَذَا الشَّرْطَ عَقِبَ هَذَا الضَّرْبِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الضَّرْبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَيُمْكِنُ تَوَجُّهُهُ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي بِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ فِيهِ مَعَ الْغَنِيِّ يَجُوزُ مَعَ التَّأْجِيلِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذْ لَا طَلَبَ لِلدَّيْنِ الْآنَ .
وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ لَهُ وَلَعَلَّ فِي عُدُولِهِ عَنْ الضَّمِيرِ إلَى الظَّاهِرِ فِي قَوْلِهِ : الْغَارِمُ إشَارَةً إلَيْهِ ( وَإِنْ ضَمِنَ لَا لَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ ) وَوُجِدَ حَالَةَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ( وَهُوَ مُعْسِرٌ ) مُلْتَزِمٌ ( بِمُعْسِرٍ ) أَيْ بِمَا عَلَيْهِ ( أُعْطِيَ ) مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ( وَ ) إذَا قَضَى بِهِ دَيْنَهُ ( لَمْ يَرْجِعْ ) عَلَى الْأَصِيلِ وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ مَنْ عِنْدَهُ ( كَبِمُوسِرٍ ) أَيْ كَمُعْسِرٍ مُلْتَزِمٍ بِمُوسِرٍ أَيْ بِمَا عَلَيْهِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ يُعْطَى لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ بِإِذْنِهِ ( وَصَرْفُهُ إلَى الْأَصِيلِ الْمُعْسِرِ أَوْلَى ) لِأَنَّ الضَّامِنَ فَرَّعَهُ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ الْمُوسِرِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الزَّكَاةِ ( أَوْ ) وَهُوَ ( مُوسِرٌ ) مُلْتَزِمٌ ( بِمُوسِرٍ ) أَيْ بِمَا عَلَيْهِ ( فَلَا ) يُعْطَى لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ رَجَعَ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الضَّمَانَ بِالْإِذْنِ وَبِدُونِهِ وَفِي الثَّانِي وَجْهَانِ فِي الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ .
وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُعْطَى ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْطِي وَهُوَ الْأَوْجَهُ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) مُوسِرٌ مُلْتَزِمٌ ( بِمُعْسِرٍ ) أَيْ بِمَا
عَلَيْهِ ( أُعْطِيَ الْأَصِيلُ ) دُونَ الضَّامِنِ ( وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ) أَيْ الْحَالِ بَيْنَ الْقَوْمِ كَأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ تَنَازَعَتَا فِي قَتِيلٍ لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ فَتَحَمَّلَ الدِّيَةَ تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ ( يُعْطِي مَعَ الْغَنِيِّ وَلَوْ فِي غَيْرِ دَمٍ ) كَتَحَمُّلِ قِيمَةِ مَالٍ مُتْلَفٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْفَقْرَ فِيهِ لَقُلْت الرَّغْبَةُ فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ ( فَإِنْ قَضَى الْغَارِمُ دَيْنَهُ أَوْ سَلَّمَهُ ) يَعْنِي دَيْنَ غَيْرِهِ ( ابْتِدَاءً ) أَيْ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ الدَّيْنِ ذِمَّتَهُ ( مِنْ مَالِهِ ) فِيهِمَا ( لَمْ يَسْتَحِقَّ ) شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَارِمًا فِي الْأُولَى وَلَيْسَ غَارِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَإِطْلَاقُ الْغَارِمِ عَلَيْهِ فِيهَا مَجَازٌ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْغَارِمَ إنَّمَا يُعْطَى عِنْدَ بَقَاءِ الدَّيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ .
نَعَمْ إنْ قَضَاهُ بِقَرْضٍ أُعْطِيَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقِ ( وَكَذَا لَوْ مَاتَ ) لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً لِدَيْنِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِلزَّكَاةِ بِالْبَلَدِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى دِينُهُ مِنْهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ مَعَ بَقَاءِ حَاجَتِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ حَقُّهُمْ ( وَفِي إقْرَاءِ ) الْوَجْهِ قَوْلٌ أَصْلُهُ وَفِي قِرَى ( الضَّيْفِ وَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ ) وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ وَفَكِّ الْأَسِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ ( يُعْطَى ) الْمُسْتَدِينُ لَهَا ( مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ النَّقْدِ ) لَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْعَقَارِ وَعَلَى هَذَا جَرَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا اسْتَدَانَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَحَكَى فِي الْأَصْلِ الْمَقَالَتَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَقَدَّمَ الثَّانِيَةَ وَلِتَقْدِيمِهَا فَهِمَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ أَنَّهَا الْمُعْتَمَدَةُ
فَرَجَّحَهَا عَكْسُ مَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ .
قَالَ وَالْحَاصِلُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ أَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ كَمَا لَوْ اسْتَدَانَهُ لِنَفْسِهِ وَثَانِيهِمَا طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهِيَ طَرِيقَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ اسْتِدَانَتِهِ لِنَفْسِهِ وَاسْتِدَانَتِهِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ .
( فَرْعٌ وَإِنْ بَانَ الْقَابِضُ ) لِلزَّكَاةِ ( مِنْ الْمَالِكِ غَنِيًّا أَوْ غَيْرَ غَارِمٍ ) أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا ( لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ ) إيَّاهَا ( بِبَيِّنَةٍ ) شَهِدَتْ بِالْوَصْفِ الَّذِي أَعْطَاهُ بِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَخَرَجَ بِالْمَالِكِ الْإِمَامُ وَسَيَأْتِي أَوَاخِرَ الْبَابِ وَفِي مَعْنَى الْمَالِكِ وَلِيُّهُ وَوَكِيلُهُ ( وَإِنْ دَفَعَهَا لِمَدْيُونِهِ وَشَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا عَنْ دَيْنِهِ لَمْ يُجِزْهُ ) وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( لَا إنْ نَوَيَا ) ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بِهَا ( وَإِنْ وَعَدَهُ الْفَقِيرُ بِلَا شَرْطٍ مِنْ الْمَالِكِ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ أَعْطِنِي مِنْ زَكَاتِك حَتَّى أَقْضِيَك دَيْنَك ( وَأَعْطَاهُ ) الْمَالِكُ ( أَجْزَأَهُ ) عَنْهَا ( وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ ) بِالْوَعْدِ وَالتَّعْبِيرِ بِالْفَقِيرِ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْمَدْيُونِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ .
( وَلَوْ قَالَ الْغَرِيمُ ) لِمَدْيُونِهِ ( اقْضِنِي دَيْنِي ) الَّذِي عَلَيْك ( وَأَرُدُّهُ لَك زَكَاةً فَأَعْطَاهُ بَرِئَ ) مِنْ الدَّيْنِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ إعْطَاؤُهُ وَلَوْ قَالَ ) لِفَقِيرٍ لَهُ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ وَدِيعَةٌ ( اكْتَلْ ) لِنَفْسِك ( مِمَّا أَوْدَعْتُك ) إيَّاهُ ( صَاعًا ) مَثَلًا ( وَخُذْهُ لَك وَنَوَى بِهِ الزَّكَاةَ ) فَفَعَلَ ( أَوْ قَالَ جَعَلْت دَيْنِي ) الَّذِي ( عَلَيْك زَكَاةً لَمْ يُجْزِهِ ) .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِانْتِفَاءِ كَيْلِهِ لَهُ وَكَيْلُهُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ
فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا إبْرَاءٌ لَا تَمْلِيكٌ وَإِقَامَتُهُ مَقَامَهُ إبْدَالٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْهِبَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَطَرِيقُ الْأَجْزَاءِ فِيهَا أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( بِخِلَافِ قَوْلِهِ ) لِلْفَقِيرِ ( خُذْ مَا اكْتَلْتَ لِي ) بِأَنْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ صَاعِ حِنْطَةٍ مَثَلًا فَقَبَضَهُ أَوْ بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ فَقَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ خُذْهُ لِنَفْسِك وَنَوَاهُ زَكَاةً فَإِنَّهُ يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَيْلِهِ لِنَفْسِهِ ( وَإِنْ ضَمِنَ ) دِيَةَ قَتِيلٍ ( عَنْ قَاتِلٍ يُعْرَفُ لَمْ يُعْطَ مَعَ الْغِنَى ) بِشَرْطٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( إنْ كَانَ هُنَاكَ حَاكِمٌ يُسْكِنُ الْفِتْنَةَ ) وَإِلَّا أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ كَبِيرٌ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يُغْنِي عَنْ الْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يُعْرَفُ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ فَيُعْطَى مَنْ ضَمِنَ عَنْهُ مَعَ الْغِنَى كَمَا مَرَّ هَذَا وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا أَيْ فَيُعْطَى مَعَ الْغِنَى مُطْلَقًا الصِّنْفُ
( قَوْلُهُ فَمَنْ ادَّانَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ إلَخْ ) يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَدَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ وَفِي دَيْنِهِ وَأَلْحَقُوهُ بِالدَّيْنِ الْمُبَاحِ ( قَوْلُهُ كَثَمَنِ خَمْرٍ ) كَأَنْ اشْتَرَى عِنَبًا بِقَصْدِ أَنْ يَعْصِرَهُ خَمْرًا ( قَوْلُهُ إلَّا إنْ تَابَ عَنْهَا إلَخْ ) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ زَالَتْ فَأَشْبَهَ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ حَتَّى صَارَ فَقِيرًا أَوْ هَرَبَ مِنْ بَلَدٍ ظُلْمًا ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُعْطَى بِالْفَقْرِ وَالثَّانِي بِبُنُوَّةِ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مَعْصِيَةً ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ لِذَلِكَ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ لَزِمَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْحَجْرِ عَنْ الْفَرَاوِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُعْطَى ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنْ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أُعْطِيَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي رُجُوعِ الضَّامِنِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَهْمٌ فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ فِي ( قَوْلِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ إلَخْ ) لِأَنَّ الْحَيَّ مُحْتَاجٌ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ وَالْمَيِّتُ إنْ كَانَ عَصَى بِهِ أَوْ بِتَأْخِيرِهِ فَلَا يُنَاسِبُ الْوَفَاءَ عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تُعْطَى لِمُحْتَاجٍ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِلزَّكَاةِ بِالْبَلَدِ ) هَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ( قَوْلُهُ الْوَجْهُ قَوْلُ أَصْلِهِ وَفِي قِرًى ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَثَانِيهِمَا طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيِّ ) الْمَاوَرْدِيُّ يَقُولُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ جَارٍ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَيْلِهِ لِنَفْسِهِ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ كَانَ وَدِيعَةً جَازَ بِلَا قَبْضٍ ( قَوْلُهُ أَيْ فَيُعْطَى مَعَ الْغِنَى مُطْلَقًا ) عِبَارَتُهُ حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ دِيَةَ قَتِيلٍ عَنْ قَاتِلٍ مَجْهُولٍ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مَعَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَإِنْ ضَمِنَهَا عَنْ قَاتِلٍ مَعْرُوفٍ أُعْطِيَ مَعَ الْفَقْرِ دُونَ الْغَنِيّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا تَأْثِيرَ لِمَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الضَّمَانِ عَنْ قَاتِلٍ مَعْرُوفٍ وَجْهَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كَانَ دَعْوَى الدَّمِ بَيْنَ مَنْ لَا تُخْشَى فِتْنَتُهُمْ فَتَحَمَّلَهَا فَوَجْهَانِ .
ا هـ .
فَخَلَطَ الْمُصَنِّفُ الْفَرْعَيْنِ مَعًا وَجَعَلَ الثَّانِي شَرْطًا لِلْأَوَّلِ قَالَ الْغَزِّيّ فِي الْمَيْدَانِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ نَظَرٌ لِأَنَّ دَيْنَ الْجَهَالَةِ إنَّمَا قُضِيَ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ ثَارَتْ فِتْنَةٌ بِسَبَبِ جَهَالَتِهِ لِتَعَدِّي الْوَهْمِ إلَى مَنْ لَيْسَ بِقَاتِلٍ فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ مَعْرُوفًا وَأَمْكَنَ أَخْذُ الْحَقِّ مِنْهُ بِالشَّرْعِ إمَّا لِاعْتِرَافِهِ أَوْ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَضَمِنَهُ ضَامِنٌ فَلَا يَكُونُ كَالْجَهَالَةِ وَيُؤْخَذُ الْحَقُّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ ثَارَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةٌ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ نَعَمْ بِطَرِيقَةِ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ مُوسِرًا وَالضَّامِنُ مُعْسِرًا .
فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى رُجُوعِ الْفَائِدَةِ إلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ لَمْ يُقْضَ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِلَّا فَيُقْضَى وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُرَادُ الدَّارِمِيِّ بِمَا أَطْلَقَهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ .
ا هـ .
( السَّابِع فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ سَبِيلُ اللَّهِ بِتَرْكِ فِي ( وَهُمْ الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ ) أَيْ الَّذِينَ لَا رِزْقَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ فَيُعْطَوْنَ ( وَإِنْ أَيْسَرُوا ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِعَانَةً لَهُمْ عَلَى الْغَزْوِ ( وَتَحْرُمُ ) الزَّكَاةُ ( عَلَى ) الْغَازِي ( الْمُرْتَزِقِ وَلَوْ كَانَ عَامِلًا ) كَمَا يَحْرُمُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ الْفَيْءِ لِلْمُتَطَوِّعِ ( فَإِذَا عُدِمَ الْفَيْءُ وَاضْطُرِرْنَا إلَى الْمُرْتَزِقِ ) لِيَكْفِيَنَا شَرَّ الْكُفَّارِ ( أَعَانَهُمْ ) الْأَوْلَى أَعَانَهُ أَيْ الْمُرْتَزِقَ ( الْأَغْنِيَاءُ ) أَيْ أَغْنِيَاؤُنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ( لَا مِنْ الزَّكَاةِ ) كَمَا لَا يُصْرَفُ الْفَيْءُ إلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ
( الثَّامِنُ ابْنُ السَّبِيلِ ) أَيْ الطَّرِيقِ ( وَهُوَ مَنْ يُنْشِئُ سَفَرًا مُبَاحًا ) مِنْ مَحَلِّ الزَّكَاةِ فَيُعْطَى ( وَلَوْ ) كَسُوبًا أَوْ كَانَ سَفَرُهُ ( لِنُزْهَةٍ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَا يُعْطَى فِيهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ كَمَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ السَّفَرَ لَا لِقَصْدٍ صَحِيحٍ كَسَفَرِ الْهَائِمِ ( وَكَذَا ) يُعْطَى أَيْضًا ( الْمُسَافِرُ الْغَرِيبُ ) الْمُجْتَازُ بِمَحَلِّ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا يُعْطَيَانِ ( إنْ لَمْ يَجِدَا ) مَعَهُمَا ( شَيْئًا ) يَكْفِيهِمَا فِي سَفَرِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَيُعْطَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَمَنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ نَعَمْ إنْ وَجَدَ الثَّانِي مَنْ يُقْرِضُهُ لَمْ يُعْطَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَوَقَعَ لِابْنِ كَجٍّ مَا يُخَالِفُ النَّصَّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ .
قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ ) فَإِنْ تَابَ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ أُعْطِيَ ( قَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ ) هَذَا النَّصُّ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَيْءِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَفَّالِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ ) وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
( فَصْلٌ تَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ وَلَوْ انْقَطَعَ ) عَنْهُمَا ( خُمُسُ الْخُمُسِ ) لِخُلُوِّ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ أَوْ لِاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِمَا ( أَوْ كَانَ ) مَنْ يُعْطَاهَا ( مَوْلًى لَهُمَا ) أَيْ الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ ( أَوْ عَامِلًا ) فِي الزَّكَاةِ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ { لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ نَعَمْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْحِفْظِ أَوْ النَّقْلِ فَلَهُمْ أُجْرَتُهُ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا إمَّا ضَعِيفٌ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا يُعْطَاهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً لَا زَكَاةً لَكِنَّ الصَّحِيحَ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ زَكَاةٌ بِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مُسْتَدِلًّا بِآيَةِ { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ } وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرُوا لِلنَّقْلِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ يَعْمَلَانِ فِيهَا بِالْأُجْرَةِ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ كَانَ مَوْلًى لَهُمَا تَسَمُّحٌ سَلِمَ مِنْهُ عَطْفُ الْأَصْلِ لَهُ عَلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ تَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ إلَخْ ) لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِجَوَازِ أَخْذِهِمْ مِنْ النَّذْرِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُحْتَمَلُ جَوَازُهُ لِأَنَّ النَّذْرَ مُتَطَوَّعٌ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنُّذُورِ مَاذَا إنْ قُلْنَا يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكُ وَاجِبِ الشَّرْعِ الْتَحَقَ بِالزَّكَاةِ وَإِلَّا فَلَا وَالْكَفَّارَةُ كَالزَّكَاةِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى إلْحَاقِ الزَّوْجَاتِ بِالْأَقَارِبِ انْتَهَى وَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ الْوَاجِبَةُ وَالْجُزْءُ الْوَاجِبُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ قَالَ شَيْخنَا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْحُرْمَةُ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرُوا لِلنَّقْلِ وَنَحْوِهِ ) كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا مَا ذُكِرَ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهِمْ مَحَلُّهُ فِيمَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَامِلًا أَوْ عَوْنًا لِيَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الْعِمَالَةِ أَمَّا لَوْ اُسْتُؤْجِرُوا لِلنَّقْلِ وَالْحِفْظِ وَالرَّعْيِ وَالْكَيْلِ وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ يَعْمَلَانِ فِيهَا بِالْأُجْرَةِ س
( فَصْلٌ لَهُ ) أَيْ لِلْمُزَكِّي مِنْ إمَامٍ وَغَيْرِهِ ( إعْطَاءُ مَنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ ) لِلزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ عَلِمَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ أَصْلِهِ بِالْإِمَامِ وَبِالطَّلَبِ ( وَ ) لَهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ( تَصْدِيقٌ ) أَوْلَى مِنْهُ وَأَخْصَرَ وَيُصَدَّقُ ( مَنْ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً أَوْ عَجْزًا عَنْ كَسْبٍ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ اُتُّهِمَ ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالرِّفْقِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى مَنْ سَأَلَهُ مِنْهَا بِغَيْرِ تَحْلِيفٍ وَعَلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً لِعُسْرِهَا وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ ( فَلَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ لَمْ يُصَدَّقْ ) بَلْ يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ لِسُهُولَتِهَا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ أَوْ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالظَّاهِرُ التَّفْرِيقُ كَالْوَدِيعَةِ وَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ عَدِمُ الضَّمَانِ وَهُنَا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ ( وَكَذَا ) لَا يُصَدَّقُ ( مَنْ ادَّعَى عِيَالًا ) لَهُ لَا يَفِي كَسْبُهُ بِكِفَايَتِهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمْ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ تَفَقُّهًا وَكَذَا مَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ مِمَّنْ تَقْضِي الْمُرُوءَةُ بِقِيَامِهِ بِنَفَقَتِهِمْ مِمَّنْ يُمْكِنُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ ( وَيُصَدَّقُ ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ ( فِي ) دَعْوَى ( الْعَزْمِ عَلَى السَّفَرِ وَالْغَزْوِ ) مُدَّعِيًا هُمَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُمَا ( فَإِنْ تَخَلَّفَا عَنْ الرُّفْقَةِ وَلَوْ بَعْدَ التَّأَهُّبِ ) لِلسَّفَرِ وَالْغَزْوِ ( اُسْتُرِدَّ ) مِنْهُمَا مَا أَخَذَاهُ لِأَنَّ صِفَةَ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَحْصُلْ .
( وَلَا يُصَدَّقُ الْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ ) فِي دَعْوَى الْعَمَلِ
وَالْكِتَابَةِ وَلُزُومِ الدَّيْنِ الذِّمَّةِ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِسُهُولَتِهَا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ ( فَلَوْ صَدَّقَهُمَا ) أَيْ الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ ( الْمَوْلَى ) أَيْ السَّيِّدُ ( وَالْغَرِيمُ ) أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ ( كَفَى ) لِلْإِعْطَاءِ لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالتَّصْدِيقِ وَلِأَنَّ الْإِعْطَاءَ فِيهِمَا مُرَاعًى فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ أَدَّى الدَّيْنَ فَذَاكَ وَإِلَّا اُسْتُرِدَّ وَإِنْ كَذَّبَاهُمَا لَغَا الْإِقْرَارُ ( وَالْمُؤَلَّفُ يُصَدَّقُ ) بِلَا يَمِينٍ ( فِي ضَعْفِ النِّيَّةِ ) بِأَنْ قَالَ نِيَّتِي فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُصَدِّقُهُ ( وَيُثْبِتُ ) أَيْ يُقِيمُ بَيِّنَةً ( بِالشَّرَفِ ) الَّذِي ادَّعَاهُ بِأَنْ قَالَ أَنَا شَرِيفٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي ( وَالْكِفَايَةِ ) الَّتِي ادَّعَاهَا بِأَنْ قَالَ إنَّمَا أَكْفِيكُمْ شَرَّ مَنْ يَلِينِي مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَالْمُرَادُ بِالْإِثْبَاتِ ) فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ ( إخْبَارُ عَدْلَيْنِ ) بِصِفَاتِ الشُّهُودِ وَلَوْ بِلَا قَاضٍ وَدَعْوَى وَإِشْهَادٍ ( وَالِاسْتِفَاضَةُ ) وَهِيَ اشْتِهَارُ الْحَالِ بَيْنَ النَّاسِ ( كَافِيَةٌ ) عَنْ الْبَيِّنَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الْحَالِ وَاحِدٌ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ كَفَى وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّهُ رَأْيٌ لِلْأَصْحَابِ رَمْزًا إلَى تَرَدُّدٍ فِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِ مَنْ يَدَّعِي الْغُرْمَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ هَلْ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ انْتَهَى وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوَّلًا لَهُ إعْطَاءُ مَنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ
( قَوْلُهُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالرِّفْقِ ) مِثْلُ الزَّكَاةِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ ( قَوْلُهُ فَلَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ إلَخْ ) مُرَادُ مَالٍ يَمْتَنِعُ مَعَهُ الصَّرْفُ إلَيْهِ أَمَّا لَوْ كَانَ قَدْرٌ إلَّا يُغْنِيه لَمْ يُطَالِبْ بِبَيِّنَةٍ إلَّا عَلَى تَلَفٍ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَيُعْطَى تَمَامَ كِفَايَتِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ التَّفْرِيقُ كَالْوَدِيعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) قَالَ الْغَزِّيّ فِيهِ وَقْفَةٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْقَاقُ قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَهُوَ مَرْدُودٌ إذْ كَيْفَ يُقَالُ الْأَصْلُ الْفَقْرُ مَعَ مَعْرِفَةِ مَالٌ لَهُ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ إلَخْ ) جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّأَهُّبِ إلَخْ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنْ تَخَلَّفَا عَنْ الرِّفْقَةِ لَا لِتَأَهُّبِ اُسْتُرِدَّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ الْعَامِلُ ) أَيْ فِيمَا إذَا طَلَبَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مِنْ الْإِمَامِ إذَا بَعَثَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ الصَّدَقَةَ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَذَّبَاهُمَا لَغَا الْإِقْرَارُ ) فَإِنْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ فَفِي إعْطَائِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ إعْطَائِهِ ( قَوْلُهُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ إلَخْ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ
( فَصْلٌ يُعْطَى الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ مَا عَجَزَا عَنْ أَدَائِهِ ) مِنْ كُلِّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُعْطَيَانِ لِلْحَاجَةِ إلَى وَفَائِهِ نَعَمْ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ يُعْطَى الْكُلُّ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ كَمَا مَرَّ ( وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا ) وَقَدْ ( تَعَوَّدَ التِّجَارَةَ أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ وَإِلَّا وُفِّقَ بِعِبَارَةِ أَصْلِهِ أُعْطِيَ رَأْسَ مَالٍ ( يَكْفِيهِ رِبْحُهُ غَالِبًا ) وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالنَّوَاحِي ( فَيُعْطَى الْبَقْلِيُّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَالْبَاقِلَّانِيّ عَشْرَةً وَالْفَاكِهِيُّ عِشْرِينَ وَالْخَبَّازُ خَمْسِينَ وَالْبَقَّالُ مِائَةً وَالْعَطَّارُ أَلْفًا وَالْبَزَّازُ أَلْفَيْنِ وَالصَّيْرَفِيُّ خَمْسَةَ آلَافٍ وَالْجَوْهَرِيُّ عَشْرَةَ آلَافٍ ) وَظَاهِرٌ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ فَلَوْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِمْ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا نُقِصَ أَوْ زِيدَ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ ( وَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ ) لَا يَجِدُ آلَتَهَا ( أُعْطِيَ مَا يَشْتَرِي بِهِ آلَتَهَا ) قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ حِرَفٌ أُعْطِيَ بِأَقَلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَفِ بِحَالَةٍ تُمِّمَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ .
ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُعْطَى بِالْحِرْفَةِ الَّتِي تَكْفِيهِ ( وَلَوْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا ) مِنْ حِرْفَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ ( أُعْطِيَ كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ ) بِهِ ( عَقَارٌ تَكْفِيهِ غَلَّتُهُ ) وَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ الزَّكَاةِ
( قَوْلُهُ فَيُعْطَى الْبَقْلِيُّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَخْ ) قَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ لَا يَخْفَى فَسَادُهَا وَالْمُحَكَّمُ فِيهِ هُوَ التَّعْرِيفُ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ عَقَارٌ تَكْفِيه غَلَّتُهُ ) هَذَا إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ يَشْتَرِي لَهُ وَلِيُّهُ بِذَلِكَ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي عَدَمِ الشِّرَاءِ لِجَلَاءِ أَهْلِ النَّاحِيَةِ أَوْ خَرَابِهَا أَوْ إشْرَافِهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ رَشِيدًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ الْمِقْدَارُ الْمَذْكُورُ وَيَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ لَا مَحَالَةً وَحِينَئِذٍ فَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ أَمْرًا رَشَادٍ وَالْخِيَرَةُ إلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ وَنَجْبُرُهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ فَقَرِيبٌ وَلَا يَبْقَى خِلَافٌ مُحَقَّقٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَخُرُوجُهُ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الظَّاهِرَةُ فِي عَدَمِ شِرَاءِ الْعَقَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ الْإِمَامَ يَشْتَرِي لَهُمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفَقِيرُ إلَّا مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْغِنَى هُوَ الْكِفَايَةُ عَلَى الدَّوَامِ فَيُدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَجْعَلُهُ رَأْسَ مَالٍ وَيَكْفِيه فَضْلُهُ لِمُؤْنَةٍ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ لَا يُحْسِنُونَ التِّجَارَةَ اشْتَرَى لَهُمْ مَا يَغُلُّهُمْ كِفَايَتَهُمْ عَلَى الدَّوَامِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرْفَةِ اشْتَرَى لَهُمْ آلَاتِهِمْ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْبُعْدَانِ أُرِيدَ أَنَّهُ يُشْتَرَى لَهُمْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَقَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ أَوْ بَعْدَهُ جَبْرًا لِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ غ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ فَيُشْتَرَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَهُ الْإِمَامُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْغَازِي أَنَّ الْإِمَامَ يَشْتَرِي لَهُ
الْفَرَسَ أَوْ يَصْرِفُ لَهُ لِيَشْتَرِيَ بِهِ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الشِّرَاءِ
( فَرْعٌ يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مَا يَكْفِيهِ ) فِي سَفَرِهِ ( ذَهَابًا وَ ) كَذَا ( إيَابًا لِقَاصِدِ الرُّجُوعِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي طَرِيقِهِ أَوْ مَقْصِدِهِ مَالٌ ( أَوْ مَا يُبَلِّغُهُ مَالَهُ ) إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ مَالٌ فَيُعْطَى ( نَفَقَةً وَكِسْوَةً إنْ احْتَاجَ ) إلَيْهَا بِحَسَبِ الْحَالِ شِتَاءً وَصَيْفًا ( لَا نَفَقَةَ إقَامَةٍ تُخْرِجُهُ عَنْ السَّفَرِ ) بِخِلَافِ نَفَقَةِ إقَامَةٍ لَا تُخْرِجُهُ عَنْهُ فَيُعْطَاهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّهُ يُعْطَى جَمِيعَ كِفَايَتِهِ لَا مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فَقَطْ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَدْ تَقْتَضِي أَنَّهُ وَلَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهَا أُعْطِيَ وَهُوَ وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا يُعْطَى لِمُدَّةِ الْإِقَامَةِ إلَّا مُدَّةَ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ ( وَيُعَارُ أَوْ يُسْتَأْجَرُ ) أَوْ يُمَلَّكُ ( لَهُ مَا يَحْمِلُهُ ) فِي سَفَرِهِ ( إنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ أَوْ طَالَ السَّفَرُ ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْجَزْ وَقَصُرَ سَفَرُهُ ( وَ ) يُعْطَى بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ تَمْلِيكٍ ( مَا يَحْمِلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ إنْ لَمْ يُطِقْ ) وَفِي نُسْخَةٍ يُلْقِ ( حِمْلَهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَطَاقَهُ بِأَنْ كَانَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ لِانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ وَمَا زِدْتُهُ مِنْ التَّمْلِيكِ فِيمَا ذُكِرَ أَخَذْتُهُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَصْلِ قَوْلُهُ وَيُهَيَّأُ لَهُ الْمَرْكُوبُ وَمِمَّا يَأْتِي فِي الْغَازِي وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْغَازِيَ يُعْطَى لِحَاجَتِنَا مَعَ الْغِنَى ، وَابْنُ السَّبِيلِ يُعْطَى لِحَاجَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا قُلْنَا لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ إنْ قَلَّ الْمَالُ أُعْطِيَ كِرَاءَ الْمَرْكُوبِ وَإِلَّا اُشْتُرِيَ لَهُ ذَلِكَ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْمَغَازِي أَنَّهُ إنْ قَلَّ الْمَالُ تَعَيَّنَ الِاسْتِئْجَارُ أَوْ الْإِعَارَةُ لَهُ
( قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَدْ تَقْتَضِي أَنَّهُ إلَخْ ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ تَشْمَلُ إعْطَاءَهُ نَفَقَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِيمَا إذَا أَقَامَ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا نَفَقَتُهُ فِي إقَامَتِهِ فِي الْمَقْصِدِ فَإِنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أُعْطِيَ لَهَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ إذْ لَهُ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَسَائِرُ الرُّخَصِ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَمْ يُعْطَ لَهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا ابْنُ سَبِيلٍ إذَا انْقَطَعَتْ رُخَصُ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْغَازِي فَإِنَّهُ يُعْطَى نَفَقَةَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ فِي الثَّغْرِ وَإِنْ طَالَتْ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَازِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَوَقُّعِ الْفَتْحِ وَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِالْإِقَامَةِ اسْمُ الْغَازِي بَلْ يَتَأَكَّدُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَفِيهِ وَجْهٌ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يُعْطَى وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا لِحَاجَةٍ يُتَوَقَّعُ تَنَجُّزُهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ انْتَهَى فَتَعْلِيلَاهُ صَرِيحَانِ فِيمَا ذَكَرْته .
( قَوْلُهُ وَمَا يَحْمِلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ إلَخْ ) إذَا أُعْطِيَ لِمَسَافَةٍ فَتَرَك السَّفَرَ فِي أَثْنَائِهَا وَقَدْ أَنْفَقَ الْكُلَّ فَإِنْ كَانَ لِغَلَاءِ السِّعْرِ لَمْ يَغْرَمْ وَإِلَّا غَرِمَ قِسْطَ بَاقِي الْمَسَافَةِ
( فَرْعٌ وَالْغَازِي يُعْطَى النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِقَامَةً فِي الثَّغْرِ ) إلَى الْفَتْحِ ( وَإِنْ طَالَتْ ) بِخِلَافِ ابْنِ السَّبِيلِ لَا يُعْطَى لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ الزَّائِدَةِ عَلَى إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ كَمَا مَرَّ لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْهُ وَاسْمُ الْغَازِي لَا يَزُولُ بِذَلِكَ بَلْ يَتَأَكَّدُ بِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِتَوَقُّعِ فَتْحِ الْحِصْنِ ( وَ ) يُعْطَى ( نَفَقَةَ عِيَالِهِ ) وَكِسْوَتَهُمْ لِذَلِكَ ( وَقِيمَةُ الْفَرَسِ ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقَابِلُ فَارِسًا وَإِلَّا فَلَا ( وَ ) قِيمَةَ ( آلَةِ الْحَرْبِ ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ( وَيَصِيرُ ) جَمِيعُ ذَلِكَ ( مِلْكَهُ ) وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْفَرَسَ وَالْآلَةَ لِامْتِنَاعِ الْإِبْدَالِ فِي الزَّكَاةِ وَلِلْإِمَامِ ذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَشْتَرِي لَهُ ذَلِكَ وَيُعْطَاهُ ( أَوْ يُسْتَأْجَرُ لَهُ أَوْ يُعَارُ ) لَهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ وَوَقَفَهُ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ لَمْ يَقِفْهُ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِئْجَارُ أَوْ الْإِعَارَةُ ( إنْ قَلَّ الْمَالُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ ( وَلِلْإِمَامِ ) لَا لِلْمَالِكِ ( أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ هَذَا السَّهْمِ خَيْلًا وَيَقِفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) وَيُعِيرَهُ إيَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَفِي نُسْخَةٍ وَيُوقِفَهَا مِنْ أَوْقَفَهُ وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ ( وَحَمْلُ زَادِهِ وَ ) حَمْلُ ( نَفْسِهِ ) فِي الطَّرِيقِ ( كَابْنِ السَّبِيلِ ) فَيُعْطَى مَا يَحْمِلُهُ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ
قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الْفَرَسِ إلَخْ ) وَهَذَا غَيْرُ مَرْكُوبِهِ فِي السَّفَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيرِ الْخَيْلِ إلَى وَقْتِ الْحَرْبِ إذْ لَوْ رَكِبُوهَا مِنْ دَارِنَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ رُبَّمَا كَلَّتْ وَعَجَزَتْ عَنْ الْكَرِّ وَالْفَرِّ حَالَ الْمُطَارَدَةِ وَالْقِتَالِ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ الْمَغْزَى ( قَوْلُهُ أَوْ يَسَارٌ لَهُ ) فِي تَسْمِيَةِ هَذَا عَارِيَّةٍ نَظَرٌ فَإِنَّ انْتِفَاعَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ لَيْسَ عَارِيَّةً وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إذْ لَيْسَ لِلْآحَادِ الِاسْتِبْدَادُ بِأَخْذِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا بِإِذْنِ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ وَلَيْسَ هُوَ مُعَيَّنًا فِي الْوَقْفِ حَتَّى يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا الْوَقْفُ عَلَى الْجِهَةِ فَصَحَّ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ عَارِيَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَارِيَّةً أَنْ يَضْمَنَهُ فَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَضْمَنُ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ كُتُبًا وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِرَهْنٍ صَحَّ الْوَقْفُ وَاتُّبِعَ الشَّرْطُ فَالْقَفَّالُ قَدْ أَطْلَقَ الْعَارِيَّةَ عَلَى الْوَقْفِ قَالَ شَيْخُنَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ هَذَا السَّهْمِ خَيْلًا إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ لَهُ فِي إعْطَاءِ الْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ طُرُقٌ دَفْعُ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الِاسْتِئْجَارِ لَهُ أَوْ لِلْجِهَةِ أَوْ الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَلَا يَمْلِكُ إلَّا فِي دَفْعِ الثَّمَنِ .
( فَرْعٌ إنَّمَا يُعْطَى ) الْغَازِي ذَلِكَ ( وَقْتَ الْخُرُوجِ ) لِيُهَيِّئَ بِهِ أَسْبَابَ السَّفَرِ ( فَإِنْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ ) أَوْ فِي الْمَقْصِدِ أَوْ امْتَنَعَ فِيهَا مِنْ الْغَزْوِ ( اُسْتُرِدَّ ) مِنْهُ ( مَا بَقِيَ وَإِنْ غَزَا وَرَجَعَ وَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ فَإِنْ قَتَّرَ ) أَيْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ ( أَوْ كَانَ ) الْبَاقِي قَدْرًا ( يَسِيرًا لَمْ يُسْتَرَدَّ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَتِّرْ وَكَانَ الْبَاقِي قَدْرًا كَثِيرًا ( اُسْتُرِدَّ ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعْطَى لَهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ وَإِنَّ الْمُعْطِي أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ ( وَيُسْتَرَدُّ فَاضِلُ ابْنِ السَّبِيلِ مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّا دَفَعْنَا إلَى الْغَازِي لِحَاجَتِنَا وَقَدْ تَحَصَّلْنَا عَلَى الْغَرَضِ لَمَّا غَزَا ، وَابْنِ السَّبِيلِ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ وَقَدْ زَالَتْ .
( فَرْعٌ الْمُؤَلَّفُ ) بِأَنْوَاعِهِ ( يُعْطَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ ) أَوْ الْمَالِكُ إنْ فَرَّقَ عَلَى قِيَاسِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُعْطَى الْمُؤَلَّفُ أَوْ يُقَالُ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ سَوَاءٌ أَفَرَّقَ هُوَ أَوْ الْمَالِكُ ( وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ ) مِنْ الزَّكَاةِ ( أُجْرَةَ ) مِثْلِ ( مَا عَمِلَهُ ) فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ بَعَثَهُ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَإِنْ شَاءَ سَمَّاهَا لَهُ إجَارَةً كَمَا سَيَأْتِي أَوْ جَعَالَةً ثُمَّ أَدَّاهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَبِهِ صَرَّحَ أَوَاخِرَ الْبَابِ فَلَوْ أَدَّاهَا الْمَالِكُ قَبْلَ قُدُومِ الْعَامِلِ أَوْ حَمَلَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ( وَلِلْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ لَا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَإِنْ زَادَ ) عَلَيْهَا ( بَطَلَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ لِتَصَرُّفِهِ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ ( وَالزَّائِدُ ) مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ ( عَلَى أُجْرَتِهِ ) يَرْجِعُ لِلْأَصْنَافِ وَمَتَى نَقَصَ سَهْمُهُ عَنْهَا كَمَّلَ ( قَدْرَهَا ) مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ قَسَّمَ الْبَاقِي ( وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) إجَارَةً أَوْ جَعَالَةً ( جَازَ وَبَطَلَ سَهْمُهُ )
فَتُقْسَمُ الزَّكَاةُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَامِلٌ .
( فَرْعٌ ) قَالَ الدَّارِمِيُّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْعَامِلُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا عَلَى الْقَاعِدَةِ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنْ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ هَذَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ عَمَلَ كَالْغَنِيمَةِ يَسْتَحِقُّهَا الْمُجَاهِدُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا عَمِلَ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا اسْتَحَقَّ وَإِسْقَاطُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ لِمَا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ مِنْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَيْسَ كَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ مِنْ الْمَخْلُوقِ وَهَذَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمِيرَاثِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ .
( قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مَا عَمِلَهُ ) وَلَوْ كَانَ مَا جَمَعَهُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَهَا ( قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ لَا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَخْ ) نَقَلَ الْجُورِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ أَوْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ أَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ هَذَا فَرْضُ اللَّهِ تَعَالَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ مَتَى اجْتَمَعَ فِي رَجُلٍ ) مَثَلًا ( صِفَتَانِ ) كَفَقِيرٍ غَازٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( عَامِلًا فَقِيرًا أَخَذْنَا بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ ) لَا بِهِمَا لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ وَالتَّرْجِيحُ فِي الْعَامِلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَلَى هَذَا ( فَإِنْ أَخَذَ فَقِيرٌ ) غَارِمٌ ( مَعَ الْغَارِمِينَ ) نَصِيبَهُ مِنْ سَهْمِهِمْ ( فَأَعْطَاهُ غَرِيمُهُ أُعْطِيَ مَعَ الْفُقَرَاءِ ) نَصِيبَهُ مِنْ سَهْمِهِمْ لِأَنَّهُ الْآنَ مُحْتَاجٌ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّيْخِ نَصْرٍ وَأَقَرَّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَالْمُرَادُ امْتِنَاعُ أَخْذِهِ بِهِمَا دُفْعَةً قُلْت بَلْ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيمَا أَخَذَهُ أَوَّلًا
( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَامِلًا فَقِيرًا ) أَيْ أَوْ غَارِمًا
( فَصْلٌ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ ) الثَّمَانِيَةِ بِالزَّكَاةِ ( إنْ أَمْكَنَ ) بِأَنَّ فَرَّقَهَا الْإِمَامُ وَوَجَدُوا كُلُّهُمْ لِظَاهِرِ الْآيَةِ سَوَاءٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَغَيْرُهَا ( وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ ) مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْإِصْطَخْرِيُّ ( جَوَازَ صَرْفِ الْفِطْرَةِ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاكِينَ ) أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ ( فَإِنْ شَقَّتْ الْقِسْمَةُ جَمَعَ جَمَاعَةٌ فِطْرَتَهُمْ وَفَرَّقُوا وَإِنْ فَرَّقَهَا الْمَالِكُ فَلَا عَامِلَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَلَا مُؤَلَّفَ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ لَهُ قَالَا وَمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا وَأَطَالَا فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَايَتُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْلِ نَصَّانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا كَثِيرُونَ هَذَا ( وَعَلَى الْإِمَامِ اسْتِيعَابُ الْآحَادِ ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لِعَدَمِ تَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ نَعَمْ إنْ قَلَّ الْمَالُ بِأَنْ كَانَ قَدْرًا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسُدَّ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِيعَابُ لِلضَّرُورَةِ بَلْ يُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْفَيْءِ .
وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ ( وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِنَوْعٍ ) مِنْ الْمَالِ وَآخَرِينَ بِنَوْعٍ وَأَنْ يُعْطِي زَكَاةَ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ لِأَنَّ الزَّكَوَاتِ كُلَّهَا فِي يَدِهِ كَالزَّكَاةِ الْوَاحِدَةِ ( وَإِنْ فَرَّقَ الْمَالِكُ وَأَمْكَنَ الِاسْتِيعَابُ ) لِكَوْنِهِمْ مَحْصُورِينَ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَوْ زَادُوا عَلَيْهَا وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ ( لَزِمَهُ ) الِاسْتِيعَابُ ( وَلَا يَكْفِي صَرْفٌ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ) عَمَلًا بِأَقَلِّ الْجَمْعِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ فِي الْآيَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَلَا عَدَدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ عَدَدٍ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ ( إلَّا الْعَامِلُ فَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا ) إذَا حَصَلَ بِهِ الْغَرَضُ ( وَلَوْ أَعْطَى ) الْمَالِكُ ( اثْنَيْنِ ) مِنْ صِنْفٍ ( وَالثَّالِثُ مَوْجُودٌ غَرِمَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ ) لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُ ابْتِدَاءً خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ فَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّلَاثَةُ مُتَعَيِّنِينَ أَمْ لَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْآحَادِ وَلَوْ أَعْطَى وَاحِدًا وَالِاثْنَانِ مَوْجُودَانِ غَرِمَ لَهُمَا أَقَلَّ مَا يُعْطَيَانِهِ ابْتِدَاءً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَوْ وَجَدَ الْمَالِكُ مِنْ صِنْفٍ دُونَ الثَّلَاثَةِ أَعْطَاهُ الْكُلَّ إنْ احْتَاجَهُ ) فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُ بَاقِي السَّهْمِ إلَى غَيْرِهِ لِانْحِصَارِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْهُ ( رَدَّ عَلَى الْبَاقِينَ ) إنْ احْتَاجُوهُ وَإِلَّا نُقِلَ إلَى غَيْرِهِمْ .
قَوْلُهُ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ إلَخْ ) لَوْ امْتَنَعَ الْأَصْنَافُ مِنْ قَبُولِ الزَّكَاةِ قُوتِلُوا كَذَا حُكِيَ عَنْ سُلَيْمٍ فِي الْمُجَرَّدِ وَهَلْ يَصِحُّ إبْرَاءُ الْمَحْصُورِينَ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الزَّكَاةِ إنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يُبْرَأُ مِنْهَا .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ بِأَنْ فَرَّقَهَا الْإِمَامُ ) أَيْ أَوْ الْعَامِلُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ فَرَّقَهَا الْمَالِكُ فَلَا عَامِلَ ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَوْ تَوَلَّاهَا الْإِمَامُ سَقَطَ سَهْمُ الْعَامِلِ وَلَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْإِمَامِ اسْتِيعَابُ الْآحَادِ ) فِي مَعْنَى الْإِمَامِ إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ الصَّرْفُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ وَإِنْ قَيَّدَهُ النُّورِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ بِمَا إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ فَرَّقَ الْمَالِكُ ) أَيْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيعَابُ إلَخْ ) لَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ وُرَّاثَهُ فَمَاتَ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِهِمْ وَهَلْ نَقُولُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَدَّمْنَا الزَّكَاةَ إنَّهُمْ يَفُوزُونَ بِالزَّكَاةِ لَا نَقْلَ فِيهِ غ يَفُوزُونَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِتَمَامِ الْحَوْلِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مُسْتَحِقٌّ غَيْرُهُمْ قَالَ النَّاشِرِيُّ وَإِذَا قُلْنَا مَلَكُوهَا زَكَاةً فَأَيْنَ النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ أَتَسْقُطُ هُنَا أَمْ تَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِيهَا أَوْ الْحَاكِمُ لِئَلَّا يَتَّحِدَ النَّاوِي وَالْمُسْتَحِقُّ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ ) أَيْ بِحَاجَتِهِمْ ( قَوْلُهُ غَرِمَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ ) قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ إعْطَاءِ مُسْتَحِقِّهَا مِنْهَا أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ وَبُطْلَانُ مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُعْطَى مِنْهَا
( فَرْعٌ يَجِبُ ) عَلَى مَنْ يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ ( التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ ) وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ لِانْحِصَارِهِمْ وَلِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّسْوِيَةَ إلَّا الْعَامِلُ فَلَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَتِهِ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا الْفَاضِلُ نَصِيبُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَوْ أَخَلَّ الْإِمَامُ بِصِنْفٍ ضَمِنَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ قَدْرَ سَهْمِهِ مِنْ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ أَخَلَّ بِهِ الْمَالِكُ ضَمِنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ( وَهِيَ ) أَيْ التَّسْوِيَةُ ( مُسْتَحَبَّةٌ فِي آحَادِهِمْ إنْ تَسَاوَتْ حَاجَتُهُمْ ) فَإِنْ تَفَاوَتَتْ اُسْتُحِبَّ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ فَإِنَّهُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فَقِيرٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنُوا لِفَقْدِ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُسْتَحِقٌّ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بَلْ تُنْقَلُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ ( وَقِيلَ تَجِبُ ) التَّسْوِيَةُ ( إنْ فَرَّقَ الْإِمَامُ ) لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاسْتِيعَابَ فَلَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ وَلِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ تَسَاوِي حَاجَاتِهِمْ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فِيهِمَا وَهَذَا جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ عَنْ التَّتِمَّةِ لَكِنْ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت مَا فِي التَّتِمَّةِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدَّلِيلِ فَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابَ التَّسْوِيَةِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِيعَابُ يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْمُسْتَوْطَنَيْنِ وَلِلْغُرَبَاءِ ( وَ ) لَكِنْ ( الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى مِنْ الْغُرَبَاءِ ) لِأَنَّهُمْ جِيرَانٌ
( قَوْلُهُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ ) وَإِنْ أَتَحَدَّتْ آحَادُهُمْ ( قَوْلُهُ وَلِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ إلَخْ ) أَيْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ ( قَوْلُهُ ضَمِنَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ إلَخْ ) قَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ( قَوْلُهُ إنْ تَسَاوَتْ حَاجَتُهُمْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ يُبَيِّنُوا هُنَا مَا الْمُرَادُ بِحَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ هَلْ هِيَ حَاجَةُ السَّنَةِ أَوْ الْوَقْتِ أَوْ الْعُمْرِ وَحَاجَاتُ غَيْرِهِمْ مَعْلُومَةٌ قَالَ الْغَزِّيّ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ مُحَالٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ كِفَايَةَ سَنَةٍ إنْ أَمْكَنَ أَوْ الْعُمْرِ الْغَالِبِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَبَعْضُ سَنَةٍ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِفُقَرَاء بَلَدٍ ) أَيْ مَحْصُورِينَ ( قَوْلُهُ وَهَذَا جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ فَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَإِلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ تَأَمَّلْت إطْلَاقَ الْجُمْهُورِ فَوَجَدْت وُجِدَ بِهَامِشِ الْأَصْلِ مَا نَصُّهُ اعْتَمَدَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ سُقُوطَ النِّيَّةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الْمُجَرَّدِ كَلَامُ أَكْثَرِهِمْ فِي الْمَالِكِ دُونَ الْإِمَامِ فَلَا مُخَالَفَةَ لِلْمُتَوَلِّي فَمَا قَالَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمْ
( فَصْلٌ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ ) مَعَ وُجُودِ الْأَصْنَافِ أَوْ بَعْضِهِمْ ( لَا يَجُوزُ وَلَا تُجْزِئُ ) الزَّكَاةُ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ نَقْلِهَا قَالُوا لِخَبَرِ مُعَاذٍ وَلِأَنَّ نَقْلَهَا يُوحِشُ أَصْنَافَ الْبَلَدِ بَعْدَ امْتِدَادِ أَطْمَاعِهِمْ إلَيْهَا ( بِخِلَافِ ) نَقْلِ ( الْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ ) مِنْ مَحَالِّهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُجْزِئُ إذْ الْأَطْمَاعُ لَا تَمْتَدُّ إلَيْهَا امْتِدَادَهَا إلَى الزَّكَاةِ ، وَمِثْلُهَا الْأَوْقَافُ عَلَى صِنْفٍ نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْمُوصِي وَالنَّاذِرُ وَالْوَاقِفُ بَلَدًا تَعَيَّنَ ( فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ ) مِنْ الْبَلَدِ ( أَوْ فَضُلَ عَنْهُمْ ) شَيْءٌ ( نُقِلَ كُلٌّ ) مِمَّا لَهُمْ فِي الْأُولَى وَمِمَّا فَضُلَ عَنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ ( إلَى جِنْسِهِ ) أَيْ جِنْسِ مُسْتَحِقِّهِ ( بِأَقْرَبِ بَلَدٍ ) إلَى بَلَدِ الزَّكَاةِ قَالَ الْقَاضِي بِخِلَافِ دِمَاءِ الْحَرَمِ إذَا فَقَدَ مَسَاكِينَهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لَهُمْ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَعُدِمُوا وَيُفَارِقُ الزَّكَاةَ إذْ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمَالِكِ ( الْمُؤْنَةُ ) لِلنَّقْلِ ( فَإِنْ جَاوَزَهُ ) أَيْ الْأَقْرَبُ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ ( فَهُوَ كَمَا لَوْ نَقَلَ ) إلَيْهِ ( ابْتِدَاءً ) فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُ ( وَمَتَى عُدِمَ بَعْضُهُمْ أَوْ فَضُلَ ) شَيْءٌ ( عَنْهُمْ ) أَيْ عَنْ كِفَايَةِ بَعْضِهِمْ ( رَدَّ ) نَصِيبَهُمْ فِي الْأُولَى وَالْفَاضِلَ فِي الثَّانِيَةِ ( عَلَى الْبَاقِينَ ) مِنْهُمْ ( كَمَا تُصْرَفُ الزَّكَاةُ ) فَلَا يَنْتَقِلَانِ إلَى غَيْرِهِمْ لِانْحِصَارِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِمْ وَمَحَلُّهُ إذَا نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ وَإِلَّا نُقِلَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ عَلَى أَنَّ النَّوَوِيَّ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَنَّ الْفَاضِلَ يُنْقَلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا أَمَّا لَوْ عُدِمُوا مِنْ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تُحْفَظُ حَتَّى يُوجَدُوا أَوْ بَعْضُهُمْ ثُمَّ مَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْإِمَامُ بِنَقْلِهَا وَلَمْ يَأْذَنْ لِلسَّاعِي فِي أَخْذِهَا
مِنْ الْمَالِكِ ( فَإِنْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِنَقْلِهَا أَوْ أَذِنَ لِلسَّاعِي فِي الْأَخْذِ فَقَطْ دُونَ التَّفْرِقَةِ وَجَبَ نَقْلُهَا إلَيْهِ وَفَرَّقَ حَيْثُ شَاءَ ) وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ فَقَطْ وَدُونَ التَّفْرِقَةِ
( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ نَقْلَهَا يُوحِشُ إلَخْ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِأَصْنَافِ بَلَدِ الْمَالِ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِمْ لَمْ يُجِزْهُ كَالْوَصِيَّةِ لِأَصْنَافِ بَلَدٍ ( قَوْلُهُ فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ مِنْ الْبَلَدِ إلَخْ ) هَذَا إنْ عُدِمُوا حَالَةَ الْوُجُوبِ فَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَهُمْ فِي الْبَلَدِ وَانْتَقَلُوا عَنْهَا قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ لِاتِّسَاعِ خُطَّتِهَا فَفِي جَوَازِ الْإِخْرَاجِ إلَيْهِمْ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ وَإِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَقَدْ اسْتَحَقُّوا ثُمَّ غَابُوا فَهُمْ مُعَيَّنُونَ بِتَخْصِيصِهِمْ قُلْت وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الِاسْتِيطَانِ وَنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِحَوَلَانِ الْحَوْلِ فَيَمْتَنِعُ النَّقْلُ لِغَيْرِهِمْ س وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ سَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ ضَابِطُ الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ ( قَوْلُهُ نَقْلُ كُلٍّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْغُنْيَةِ إذَا أَوْجَبْنَا النَّقْلَ فَهَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ مُوَسَّعٌ لِعَامِ الْأَدَاءِ وَإِنْ رُجِيَ حُصُولُ الْمُسْتَحَقِّينَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ فِي عَامِهِ فَلَهُ التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ النَّقْلِ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْفَوْرِيَّةُ بَعِيدَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ ) أَمَّا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ السَّاعِي فَمُؤْنَةُ نَقْلِهَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ
( فَرْعٌ الْعِبْرَةُ فِي ) نَقْلِ ( الزَّكَاةِ ) الْمَالِيَّةِ ( بِبَلَدِ الْمَالِ حَالَ الْوُجُوبِ وَفِي ) زَكَاةِ ( الْفِطْرَةِ بِبَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ ) اعْتِبَارًا بِسَبَبِ الْوُجُوبِ فِيهِمَا وَلِأَنَّ نَظَرَ الْمُسْتَحِقِّينَ يَمْتَدُّ إلَى ذَلِكَ فَيُصْرَفُ الْعُشْرُ إلَى مُسْتَحِقِّ بَلَدِ الْأَرْضِ الَّتِي حَصَلَ مِنْهَا الْعُشْرُ وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةِ إلَى مُسْتَحِقِّي الْبَلَدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ حَوْلُهَا ( فَإِنْ وَجَبَتْ ) عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَالُ ( بِبَادِيَةٍ ) وَلَا مُسْتَحِقَّ فِيهَا ( نُقِلَ ) إلَى مُسْتَحِقِّي ( أَقْرَبِ بَلَدٍ ) إلَيْهِ ( وَلَوْ مَلَكَ غَنَمًا بِبَلَدَيْنِ وَوَجَبَتْ فِيهِمَا ) أَيْ فِي غَنَمَيْهِمَا ( شَاةٌ أَخْرَجَهَا فِي أَحَدِهِمَا ) حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ ( وَلَوْ وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( فِي كُلٍّ ) مِنْ غَنَمَيْهِمَا ( شَاةٌ لَمْ يَنْقُلْ ) لِانْتِفَاءِ التَّشْقِيصِ
( قَوْلُهُ نَقَلَ إلَى أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسَافِرًا مَعَ الْمَالِ وَإِذَا فَارَقَ الْمُسْتَحَقُّونَ أَوْ بَعْضُهُمْ بَلَدَ الْمَالِ فَلَهُ النَّقْلُ اعْتِبَارًا بِالْآخِذِ لَا بِالْبُقْعَةِ قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ عِنْدَ انْتِقَالِ بَعْضِهِمْ وَفِي الْمُقِيمِينَ مُقْنِعٌ وَهَذَا فَاسِدٌ
( فَرْعٌ أَهْلُ الْخِيَامِ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّينَ ) بِمَوْضِعٍ بِأَنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ دَائِمًا ( إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْتَحِقٌّ نُقِلَ ) وَاجِبُهُمْ ( إلَى أَقْرَبِ بَلَدٍ ) إلَيْهِمْ ( وَإِنْ اسْتَقَرُّوا ) بِمَوْضِعٍ ( لَكِنْ قَدْ يَظْعَنُونَ عَنْهُ وَيَعُودُونَ ) إلَيْهِ ( وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا ) أَيْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ( فِي الْحِلَلِ ) جَمْعُ حِلَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ فِيهِمَا ( وَ ) فِي ( الْمَرْعَى وَالْمَاءِ صُرِفَ ) إلَى مَنْ هُوَ ( فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) مِنْ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ وَلِهَذَا عُدَّ مِثْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ حَاضِرِيهِ ( وَ ) الصَّرْفُ إلَى ( الظَّاعِنِينَ مَعَهُمْ أَوْلَى ) لِشِدَّةِ جِوَارِهِمْ ( فَلَوْ تَمَيَّزُوا ) أَيْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِمَا ذُكِرَ ( فَالْحِلَّةُ كَالْقَرْيَةِ ) فِي حُكْمِ النَّقْلِ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ فِيهَا ( فَيَحْرُمُ النَّقْلُ ) عَنْهَا
( قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَقَرُّوا لَكِنْ قَدْ يَظْعَنُونَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْغُنْيَةِ رَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا بِبَلَدٍ وَلَهُ مَالٌ لَا يَسْتَقِرُّ بِبَلَدٍ بَلْ يُسَافِرُ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَجَعَلَ زَكَاتَهُ فِي بَلَدِ إقَامَتِهِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَالْمَالُ فِي غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ رَزِينٍ فِي الْفَتَاوَى ( وَقَوْلُهُ وَبِهِ أَجَابَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّاعِي عَدْلًا فِي الشَّهَادَاتِ ) كُلِّهَا أَيْ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حُرًّا ذَكَرًا سَمِيعًا بَصِيرًا لِأَنَّهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَتَصَرُّفٍ فِي مَالِ الْغَيْرِ فَاعْتِبَارُ كَوْنِ الْعَامِلِ ذَكَرًا عُلِمَ مِمَّا هُنَا وَإِنْ قَدَّمَهُ الْأَصْلُ أَوَائِلَ الْبَابِ ( فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ ) لِيَعْلَمَ مَا يَأْخُذَ وَمَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ ( لَا الْمُرْسَلُ لِقَبْضِ ) قَدْرٍ ( مُعَيَّنٍ ) فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا رِسَالَةٌ لَا وِلَايَةٌ نَعَمْ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ وَكَذَا الْإِسْلَامُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَمِثْلُهُ أَعْوَانُ الْعَامِلِ مِنْ كُتَّابِهِ وَحُسَّابِهِ وَجُبَاتِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حَاوِيهِ
( قَوْلُهُ فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ تَفْتَقِرُ إلَى الْفِقْهِ فَأَشْبَهَتْ الْقَضَاءَ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِسْلَامُ إلَخْ ) وَقَالَ السُّبْكِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ مُنْكِرٌ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّوَابُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَتَبِعُوهُ فَلْيُحْمَلْ مَا فِي الْأَحْكَامِ عَلَى مَا إذَا عَيَّنَ لَهُ أَخْذَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَصَرَفَهُ إلَى مُعَيَّنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ مَحْضٌ
( وَلَوْ اسْتَعْمَلَ ) الْإِمَامُ ( هَاشِمِيًّا ) أَوْ مُطَّلِبِيًّا ( أَوْ مُرْتَزِقًا أَعْطَاهُ مِنْ ) مَالِ ( الْمَصَالِحِ ) لَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ( وَيَقْسِمُ سَاعٍ قُلِّدَ الْأَخْذَ وَالْقِسْمَةَ ) أَوْ الْقِسْمَةَ وَحْدَهَا ( وَكَذَا إنْ أُطْلِقَ تَقْلِيدُهُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلِّدَ الْأَخْذَ وَحْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ ( فَإِنْ كَانَ ) السَّاعِي جَائِزًا ( فِي الْأَخْذِ ) لِلزَّكَاةِ عَادِلًا فِي قِسْمَتِهَا ( جَازَ كَتْمُهَا ) عَنْهُ وَدَفْعُهَا إلَيْهِ ( أَوْ ) كَانَ جَائِزًا ( فِي الْقِسْمَةِ ) عَادِلًا فِي الْأَخْذِ ( وَجَبَ ) كَتْمُهَا عَنْهُ ( فَلَوْ أُعْطِيهَا ) طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ( أَجْزَأَتْ ) وَإِنْ لَمْ يُوصِلْهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ كَالْإِمَامِ .
( فَصْلٌ يُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الزَّكَاةِ ) وَالْفَيْءِ ( لِتَتَمَيَّزَ ) عَنْ غَيْرِهَا وَلْيَرُدَّهَا وَاجِدُهَا لَوْ شَرَدَتْ أَوْ ضَلَّتْ وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ { عَنْ أَنَسٍ غَدَوْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْته وَبِيَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ } وَيُقَاسُ بِهَا غَيْرُهَا أَمَّا نَعَمُ غَيْرِ الزَّكَاةِ وَالْفَيْءِ فَوَسْمُهُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَالنَّعَمِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيلَةِ ( وَ ) الْوَسْمُ ( فِي أُذُنِ الْغَنَمِ وَ ) فِي ( أَفْخَاذِ غَيْرِهَا أَوْلَى لِقِلَّةِ الشَّعْرِ فِيهَا ) فَيَظْهَرُ وَلِأَنَّهَا صُلْبَةٌ ( وَيَحْرُمُ ) الْوَسْمُ ( فِي الْوَجْهِ وَ ) قَدْ ( لُعِنَ فَاعِلُهُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ ( وَلْيَكُنْ مَيْسَمُ الْبَقَرِ ) أَلْطَفُ مِنْ مَيْسَمِ الْإِبِلِ ( ثُمَّ ) مَيْسَمُ ( الْغَنَمِ أَلْطَفُ ) مِنْ مَيْسَمِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَيْسَمَ الْحُمُرِ أَلْطَفُ مِنْ مَيْسَمِ الْخَيْلِ وَمَيْسَمَ الْخَيْلِ أَلْطَفُ مِنْ مَيْسَمِ الْبِغَالِ وَالْبَقَرِ وَمَيْسَمَ الْبِغَالِ أَلْطَفُ مِنْ مَيْسَمِ الْإِبِلِ وَمَيْسَمَ الْإِبِلِ أَلْطَفُ مِنْ مَيْسَمِ الْفِيلَةِ ( وَيُكْتَبُ عَلَى
نَعَمِ الزَّكَاةِ ) مَا يُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا فَيُكْتَبُ عَلَيْهَا ( زَكَاةٌ أَوْ صَدَقَةٌ ) أَوْ طُهْرَةٌ ( أَوْ لِلَّهِ ) وَهُوَ أَبْرَكُ وَأَوْلَى اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ حُرُوفًا فَهُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَقَرَّهُ ( وَعَلَى ) نَعَمِ ( الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ أَوْ صَغَارٌ ) بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ ذُلٌّ وَهُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَهُمْ صَاغِرُونَ } قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْحَرْفُ الْكَبِيرُ كَكَافٍ الزَّكَاةِ أَوْ صَادِ الصَّدَقَةِ أَوْ جِيمِ الْجِزْيَةِ أَوْ فَاءِ الْفَيْءِ كَافٍ وَإِنَّمَا جَازَ الْوَسْمُ بِاَللَّهِ مَعَ إنَّهَا قَدْ تَتَمَعَّكُ بِالنَّجَاسَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّمْيِيزُ لَا الذِّكْرُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ الْكَيُّ إذَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ نَفْسُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ .
( فَائِدَةٌ ) الْوَسْمُ بِالْمُهْمَلَةِ التَّأْثِيرُ بِكَيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ الْإِعْجَامَ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ فَجَعَلَ الْمُهْمَلَةَ لِلْوَجْهِ وَالْمُعْجَمَةَ لِسَائِرِ الْجَسَدِ .
( فَصْلٌ يَجُوزُ خِصَاءُ صِغَارِ الْمَأْكُولِ ) لِطِيبِ لَحْمِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُودِينَ } ( لَا غَيْرِهِ ) الْأَوْلَى لَا غَيْرِهَا أَيْ لَا كِبَارِ الْمَأْكُولِ وَلَا غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ خِصَاؤُهُمَا لِلنَّهْيِ عَنْ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ ( فَرْعٌ ) يُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّهُ سَبَبٌ لِقِلَّةِ الْخَيْلِ وَضَعْفِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ هَذَا فِي عَتَاقِ الْخَيْلِ أَمَّا الْبَرَاذِينُ فَلَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُ إنْزَاءِ الْخَيْلِ عَلَى الْبَقَرِ لِضَعْفِهَا وَتَضَرُّرِهَا بِكِبَرِ آلَةِ الْخَيْلِ وَأَلْحَقَ
الدَّمِيرِيِّ بِإِنْزَاءِ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ عَكْسَهُ
( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ) لِقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَةِ أَلَيْسَ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ }
( مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ ) ( يُسْتَحَبُّ ) لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ ( مَعَ الْفَرَاغِ مِنْ جَمْعِ الصَّدَقَةِ ) أَيْ الزَّكَاةِ أَوْ قَبْلَهُ ( أَنْ يَعْرِفَ ) عَدَدَ ( الْمُسْتَحِقِّينَ وَقَدْرَ حَاجَتِهِمْ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِذَلِكَ لِيَتَعَجَّلَ بِذَلِكَ حُقُوقَهُمْ وَلِيَأْمَنَ هَلَاكَ الْمَالِ عِنْدَهُ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ لَهُ ( أَنْ يَبْدَأَ بِإِعْطَاءِ الْعَامِلِينَ ) لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ أَوْلَى لِكَوْنِهِمْ يَأْخُذُونَ مُعَاوَضَةً وَلِيَتَبَيَّنَ أَنَّ سَهْمَهُمْ يُوَافِقُ أُجْرَتَهُمْ أَوَّلًا ( فَإِنْ تَلِفَتْ تَحْتَ أَيْدِيهمْ ) أَيْ الْعَامِلِينَ بِلَا تَفْرِيطٍ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْإِمَامِ ( فَأُجْرَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ ( وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَالِي ) مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبهِ ( بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ يُوصِلُهَا بِأَعْيَانِهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَالِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ( وَلَا يَصِحُّ ) بَيْعُهَا ( إلَّا عِنْدَ وُقُوعِهَا فِي خَطَرٍ ) كَأَنْ أَشْرَفَتْ عَلَى هَلَاكٍ ( أَوْ لِحَاجَةِ ) مُؤْنَةِ ( نَقْلٍ أَوْ ) رَدِّ ( جُبْرَانٍ ) أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ ( فَإِنْ بَاعَ بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ ) الْمَبِيعَ إنْ سَلَّمَهُ فَيَسْتَرِدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَيَغْرَمُ بَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا ( فَإِنْ كَانُوا ) أَيْ الْمُسْتَحِقُّونَ ( جَمَاعَةً وَهِيَ ) أَيْ الزَّكَاةُ ( بَقَرَةٌ ) مَثَلًا ( أَخَذُوهَا وَلَا يَبِيعُهَا ) الْمَالِكُ وَلَا الْإِمَامُ ( لِيَقْسِمَ ثَمَنَهَا ) عَلَيْهِمْ ( وَإِنْ أَعْطَى الْإِمَامُ مَنْ ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا فَبَانَ غَنِيًّا لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ .
( وَيُجْزِئُ ) عَنْ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يُجْزِ عَنْ الزَّكَاةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلِهَذَا يُسْتَرَدُّ كَمَا سَيَأْتِي وَالْإِجْزَاءُ لَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى بَيَانِ كَوْنِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَنِيًّا بَلْ هُوَ حَاصِلٌ بِقَبْضِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ ( بِخِلَافِ )
إعْطَاءِ ( الْمَالِكِ ) مَنْ ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا فَبَانَ غَنِيًّا لَا يُجْزِئُهُ ( وَهَكَذَا ) لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ وَيُجْزِئُ مَا دَفَعَهُ دُونَ مَا دَفَعَهُ الْمَالِكُ ( إنْ بَانَ ) الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ ( هَاشِمِيًّا ) أَوْ مُطَّلِبِيًّا ( أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ ) أَوْ الْعَامِلِينَ ظَانًّا أَنَّهُ رَجُلٌ ( فَبَانَ امْرَأَةً ) لِمَا مَرَّ وَاعْتَبَرَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا كَوْنَ الْمُؤَلَّفِ ذَكَرًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لَمَّا قَدَّمَهُ فِيهَا كَأَصْلِهَا أَوَائِلَ الْبَابِ وَذَاكَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وَإِذَا بَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَاحِدًا مِمَّنْ ذُكِرَ ( فَيَسْتَرِدُّ ) الْإِمَامُ مِنْهُ ( فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا أَوْ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ ) حَالَ الدَّفْعِ ( أَنَّهَا زَكَاةٌ ) لِأَنَّ مَا يُفَرِّقُهُ الْإِمَامُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ هُوَ الْوَاجِبُ غَالِبًا كَالزَّكَاةِ ( بِخِلَافِ الْمَالِكِ ) لَا يَسْتَرِدُّ إلَّا إنْ بَيَّنَ أَنَّهَا زَكَاةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَطَوَّعُ فَإِنْ تَلِفَ الْمَدْفُوعُ رَجَعَ الدَّافِعُ بِبَدَلِهِ وَدَفَعَهُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَيَتَعَلَّقُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى الْإِمَامِ الِاسْتِرْدَادُ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّرَ فِيهِ حَتَّى تَعَذَّرَ فَيَضْمَنُ وَكَالزَّكَاةِ فِيمَا ذُكِرَ الْكَفَّارَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَيَسْتَحِقُّهَا ) أَيْ الزَّكَاةَ ( الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ .
وَالْأَصْنَافُ بِالْقِسْمَةِ نَعَمْ إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ اسْتَحَقُّوهَا مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَلَا يَضُرُّهُمْ حُدُوثُ غِنًى ) أَوْ غَيْبَةٍ لِأَحَدِهِمْ بَلْ حَقُّهُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ دُفِعَ نَصِيبُهُ إلَى وَارِثِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُزَكِّي لَوْ كَانَ وَارِثُهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَعَلَيْهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ النِّيَّةُ لِسُقُوطِ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ( وَلَا يُشَارِكُهُمْ قَادِمٌ ) وَلَا غَائِبٌ عَنْهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَقِيَاسُ مَا قَدَّمْته فِي وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ عَلَى
الْمَالِكِ أَنْ يُزَادَ هُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُزَادَ ذَلِكَ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ الْمِلْكُ .
( وَالْإِمَامُ إنْ أَخَّرَ التَّفْرِيقَ ) لِمَا جَمَعَهُ مِنْ الزَّكَاةِ ( بِلَا عُذْرٍ ) فَتَلِفَ ( ضَمِنَ لَا الْوَكِيلُ ) بِتَفْرِيقِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ ( وَلَوْ أَخْرَجَ ) لِفَقِيرٍ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرًا ( مَجْهُولًا ) كَأَنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي خِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لَا يُعْرَفُ جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ ( أَجْزَأَهُ زَكَاةً وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ ) لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَابِضِ لَا تُشْتَرَطُ فَكَذَا مَعْرِفَةُ الدَّافِعِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ وَتَلِفَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالتَّلَفِ ( وَإِنْ اتَّهَمَ رَبُّ الْمَالِ ) فِيمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَأَنْ قَالَ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ( لَمْ يَجِبْ تَحْلِيفُهُ وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ بِمَا يَدَّعِيهِ ) كَأَنْ قَالَ بِعْته فِي الْحَوْلِ وَاشْتَرَيْته أَوْ أَخْرَجْت زَكَاتَهُ أَوْ هُوَ وَدِيعَةٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ ( وَيُسْتَحَبُّ ) لِلْمَالِكِ ( إظْهَارُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ ) كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلِيَرَاهُ غَيْرُهُ فَيَعْمَلَ عَمَلَهُ وَلِئَلَّا يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ وَخَصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَةِ فَالْإِخْفَاءُ فِيهَا أَوْلَى لِآيَةٍ إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَالْإِظْهَارُ لَهُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا ( وَإِنْ ظَنَّ الْآخِذُ ) لِلزَّكَاةِ ( أَنَّهُ أَعْطَى مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَصْنَافِ ) أَوْ مِنْ آحَادِ صِنْفِهِ ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( الْأَخْذُ وَ ) إذَا أَرَادَ الْأَخْذَ مِنْهَا ( لَزِمَهُ الْبَحْثُ ) عَنْ قَدْرِهَا فَيَأْخُذُ بَعْضَ الثَّمَنِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ مَا يَدْفَعُهُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ ( وَلَا أَثَرَ لِمَا دُونَ غَلَبَةِ الظَّنِّ ) مِنْ شَكٍّ أَوْ وَهْمٍ فِي تَحْرِيمِ أَخْذِهَا .
( تَتِمَّةٌ ) قَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَخَّرَ تَفْرِيقَ الزَّكَاةِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا أَوْ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا مِنْ عَامِهِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي خُصُّوا بِزَكَاةِ الْمَاضِي وَشَارَكُوا غَيْرَهُمْ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَيُعْطَوْنَ مِنْ زَكَاةِ الْعَامَيْنِ وَمِنْ كَانَ غَازِيًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ أَوْ مُؤَلَّفًا لَمْ يُخَصُّوا بِشَيْءٍ انْتَهَى وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْخُذُونَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ بِخِلَافِ أُولَئِكَ .
قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا كَوْنَ الْمُؤَلَّفِ ذَكَرًا ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّنْفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ أَصْنَافِ الْمُؤَلَّفِ إذْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى الْغَازِي وَالثَّانِي فِي مَعْنَى الْعَامِلِ فِي الزَّكَاةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ امْرَأَةً ( قَوْلُهُ اسْتَحَقُّوهَا مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ ) هَلْ يُقَالُ مَلَكُوهَا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أَوْ عَلَى قَدْرِ حَاجَاتِهِمْ أَوْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا الْكِفَايَةَ دُونَ الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ إنَّمَا يَمْلِكُونَ الْكِفَايَةَ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ عِنْدَ تَسَاوِي حَاجَاتِهِمْ إلَّا إنْ فَرَّقَ الْإِمَامُ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ ( قَوْلُهُ أَنْ يُزَادَ هُنَا إلَخْ ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي قَوْلِ الشَّافِي يَسْتَحِقُّونَ يَوْمَ الْقِسْمَةِ أَرَادَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَصْنَافُ مُعَيَّنَةً بِأَنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالزَّكَاةُ لَا تَتَّسِعُ لِلْكُلِّ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَخُصَّ بِهَا ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ صِنْفٍ .
ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمَحْصُورِينَ يَسْتَحِقُّونَهَا بِالْوُجُوبِ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَوَفَى بِهِمْ الْمَالُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَابِضِ لَا تُشْتَرَطُ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ قَبْضِ الْأَعْمَى الزَّكَاةَ وَجَوَازُ دَفْعِهَا إلَيْهِ
( بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ) ( وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ ) لِآيَةِ { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } وَلِخَبَرِ { مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ الْجَبَلِ } وَخَبَرِ { لِيَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ مِنْ دِينَارِهِ وَلْيَتَصَدَّقْ مِنْ دِرْهَمِهِ وَلْيَتَصَدَّقْ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَخَبَرِ { مِنْ أَطْعَمَ جَائِعًا أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَمَنْ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَمَنْ كَسَا مُؤْمِنًا عَارِيًّا كَسَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَخُضْرِ الْجَنَّةِ بِإِسْكَانِ الضَّادِ أَيْ ثِيَابِهَا الْخُضْرِ وَقَدْ يَعْرِضُ مَا تَحْرُمُ بِهِ الصَّدَقَةُ كَأَنْ يَعْلَمَ مِنْ آخِذِهَا أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ وَمَا تَجِبُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ كَأَنْ وَجَدَ مُضْطَرًّا وَمَعَهُ مَا يُطْعِمُهُ فَاضِلًا عَنْهُ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ .
( وَتَتَأَكَّدُ الصَّدَقَةُ فِي ) شَهْرِ ( رَمَضَانَ ) وَالصَّدَقَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِيمَا يَأْتِي لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ } وَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَلِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ مَشْغُولُونَ بِالطَّاعَةِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِمَكَاسِبِهِمْ فَتَكُونُ الْحَاجَةُ فِيهِ أَشَدَّ ( وَ ) فِي سَائِرِ ( الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ ) كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ لِفَضِيلَتِهَا ( وَ ) فِي ( الْأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ ) كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَشُمُولِ كَلَامِهِ لِغَيْرِهِمَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ التَّصَدُّقَ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَيْهَا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ التَّصَدُّقَ فِيهَا أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْهُ فِي غَيْرِهَا غَالِبًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ وَفِي
كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا تَصَدَّقَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ تَحَرَّى بِصَدَقَتِهِ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنْ الشُّهُورِ رَمَضَانَ ( وَعِنْدَ الْمُهِمَّاتِ ) مِنْ الْأُمُورِ كَغَزْوٍ وَحَجٍّ لِأَنَّهَا أَرْجَى لِقَضَائِهَا وَلِآيَةٍ { إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ } ( وَ ) عِنْدَ ( الْمَرَضِ وَالْكُسُوفِ وَالسَّفَرِ ) وَنَحْوِهَا ( وَيُسْتَحَبُّ ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا ( التَّوْسِيعُ عَلَى الْعِيَالِ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ { امْرَأَتَيْنِ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتَا لِبِلَالٍ سَلْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يُجْزِئُ أَنْ نَتَصَدَّقَ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَيَتَامَى فِي حُجُورِنَا فَقَالَ نَعَمْ لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ } وَلِخَبَرِ { الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ { عَائِشَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي فَقَالَ إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْك بَابًا } ( لَا سِيَّمَا ) فِي ( عَشْرِ آخِرِهِ ) لِأَنَّ فِيهِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا عَدَاهُ وَإِضَافَةُ عَشْرٍ إلَى آخِرِهِ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ كَشَجَرِ أَرَاك
( بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ) يَحْرُمُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَى الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَوْ إقَامَتِهِ إذَا كَانَ فِيهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا يَحْرُمُ دَفْعُهَا إلَى الْفَاسِقِ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ وَاضِحٌ غ قَالَ شَيْخُنَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ ) .
( فَرْعٌ ) إذَا سَأَلَهُ سَائِلٌ وَقَالَ إنِّي فَقِيرٌ فَأَعْطَاهُ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ دَفَعَهُ قَرْضًا وَأَنْكَرَ الْفَقِيرُ قَالَ قَوْلُ الْفَقِيرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ إنِّي فَقِيرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ النِّيَّةِ فِي إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ بِأَنَّ شَيْخَنَا التَّفْصِيلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الدَّافِعِ مُطْلَقًا كا قَوْلُهُ وَأَيَّامِ الْعِيدِ إلَخْ ) وَعَاشُورَاءَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ نَفَقَهَا وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ
( فَصْلٌ وَكَانَتْ ) صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ ( حَرَامًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) تَشْرِيفًا لَهُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ فِي الْبَابِ السَّابِقِ ( وَيَحِلُّ لِذَوِي الْقُرْبَى ) لِقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهُ أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَمِثْلُهُمْ مَوَالِيهمْ بَلْ أَوْلَى ( وَلِلْأَغْنِيَاءِ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { تَصَدَّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ } وَفِيهِ لَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ( وَالْكُفَّارِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ } ( وَيُكْرَهُ لِلْغَنِيِّ التَّعَرُّضُ لَهَا ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَأَخْذُهَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا لَكِنْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تَقْتَضِي خِلَافَهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا ( وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ) أَخْذُهَا ( إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ ) وَعَلَيْهِ حَمَلُوا خَبَرَ { الَّذِي مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ } وَيُعْتَبَرُ فِي حِلِّهَا لَهُ أَنْ لَا يَظُنَّ الدَّافِعُ فَقْرَهُ فَإِنْ أَعْطَاهُ ظَانًّا حَاجَتَهُ فَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ ذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَسَبِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْوَصْفِ الْمَظْنُونِ ( أَوْ سَأَلَ ) سَوَاءٌ أَكَانَ غَنِيًّا بِالْمَالِ أَمْ بِالْكَسْبِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { مَنْ سَأَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ تَكَثُّرًا أَيْ بِلَا حَاجَةٍ بَلْ لِتَكْثِيرِ مَالِهِ إنَّمَا سَأَلَ جَمْرًا } أَيْ يُعَذَّبُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ ) الصَّدَقَةُ ( سِرًّا ) لِأَيَّةٍ { إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ } وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي خَبَرِ السَّبْعَةِ الَّذِي
يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَدْرِي شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ } نَعَمْ إنْ أَظْهَرَهَا وَلَمْ يَقْصِدْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً بَلْ لِيَقْتَدِيَ بِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَأَذَّى الْآخِذُ بِهِ فَإِنْ تَأَذَّى بِهِ فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَ ) أَنْ يَكُونَ ( مِمَّا يُحَبُّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } ( وَ ) أَنْ تَكُونَ ( بِبَشَاشَةٍ ) وَطِيبِ نَفْسٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْأَجْرِ وَجَبْرِ الْقَلْبِ ( وَهِيَ فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ رَحِمًا ) وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ وَفِي الْقَرِيبِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ قَبْلَ الْفَصْلِ ( وَ ) فِي ( الْأَشَدِّ مِنْهُمْ ) يَعْنِي مِنْ الْأَقَارِبِ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِمْ فِيمَا يُظْهِرُ ( عَدَاوَةً أَفْضَلُ ) مِنْهَا فِي غَيْرِهِ لِيَتَأَلَّفَ قَلْبَهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُجَانَبَةِ الرِّيَاءِ وَكَسْرِ النَّفْسِ ( كَالزَّكَاةِ ) وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ فَهِيَ فِي الشَّيْئَيْنِ أَفْضَلُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً ( وَأَلْحَقَ بِهِمْ الْأَزْوَاجَ ) مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ قَبْلَ الْفَصْلِ فِي الزَّوْجِ وَيُقَاسُ بِهِ الزَّوْجَةُ ( ثُمَّ ) هِيَ بَعْدَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ فِي الْأَقْرَبِ مِنْ ذِي ( الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ ) كَأَوْلَادِ الْعَمِّ وَالْخَالِ ( ثُمَّ ) فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْمَحْرَمِ ( رَضَاعًا ثُمَّ مُصَاهَرَةً ثُمَّ ) فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ( وَلَاءً مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ ( ثُمَّ جِوَارًا ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ قَبْلَ الْفَصْلِ ( وَقُدِّمَ الْجَارُ ) الْأَجْنَبِيُّ ( عَلَى قَرِيبٍ بَعِيدٍ ) عَنْ دَارِ الْمُتَصَدِّقِ بَلْ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا
بِحَيْثُ ( لَا تُنْقَلُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ ) فِيهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَ ( بِبَادِيَةٍ ) فَإِنْ كَانَتْ تُنْقَلُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلِّهَا قُدِّمَ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ ( وَأَهْلُ الْخَيْرِ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ جَمِيعِ الْمَذْكُورِينَ ( وَالْمُحْتَاجُونَ ) مِنْهُمْ ( أَوْلَى ) مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَفْظَةُ مِنْهُمْ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَلْ رُبَّمَا تُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ ( وَتُكْرَهُ الصَّدَقَةُ بِالرَّدِيءِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ ( وَالشُّبْهَةُ ) أَيْ وَمَا فِيهِ شُبْهَةٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ .
( قَوْلُهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { تَصَدَّقَ اللَّيْلَةَ } إلَخْ ) وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا { مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُسْتَشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْ } وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْغَنِيِّ صَدَقَةٌ إذَا قَصَدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابَهُ فَإِنْ قَصَدَ بِهَا الِامْتِنَانَ وَالْمُلَاطَفَةَ كَانَتْ هِبَةً وَأَنْ تُؤَثِّرَ فِي حَالِ آخِذِهَا لِيَظْهَرَ نَفْعُهَا فَإِنْ لَمْ تُؤَثِّرْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْعٌ وَمَا لَا نَفْعَ فِيهِ لَا ثَوَابَ لَهُ فَلَا تَكُونُ صَدَقَةً ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا دُفِعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ إلَخْ ) وَكَذَا إنْ كَانَ فَاسِقًا فِي الْبَاطِنِ لَوْ عَلِمَ بِهِ الْمُعْطِي لَمَا أَعْطَاهُ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ غَنِيًّا بِالْمَالِ أَمْ بِالْكَسْبِ لِخَبَرٍ إلَخْ ) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ طَلَبٌ مُبَاحٌ كَطَلَبِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَالذَّمُّ الْوَارِدُ فِي الْإِخْبَارِ يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ .
ا هـ .
وَلَمْ يُبَيِّنْ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْغِنَى وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنَّهُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ عَلَى حَسَبِ الْبُلْدَانِ وَالْمَعَاشِ وَالْأَسْفَارِ وَمَا رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا سَأَلَ النَّاسَ أَحَدٌ وَهُوَ غَنِيٌّ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ قَالَ كُدُوحٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا غِنَاهُ قَالَ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا } قَالَ الصَّيْمَرِيُّ فَهَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ كَانَ يُسْتَغْنَى الرَّجُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّمَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ غِنًى بِدُونِ هَذَا الْقَدْرِ وَقَدْ لَا يُسْتَغْنَى بِأَضْعَافِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ رَ .
( قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ سِرًّا ) لَا يَكْفِي فِي الِاسْتِحْبَابِ الدَّفْعُ سِرًّا بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَحَدَّثَ بِهَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ ( قَوْلُهُ أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ ) قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ثُمَّ الْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى ثُمَّ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ
( فَصْلٌ لَوْ فَضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ وَعَنْ دَيْنِهِ مَالٌ وَهُوَ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ اُسْتُحِبَّ ) لَهُ ( التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ ) أَيْ بِجَمِيعِ الْفَاضِلِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ تَحَمُّلُ الْأَخْبَارِ الْمُخْتَلِفَةِ الظَّاهِرِ لِخَبَرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرِ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَقَالَ خُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ وَمَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ إلَى أَنْ أَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَخَذَهَا وَرَمَاهُ بِهَا رَمْيَةً لَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ ثُمَّ قَالَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ وُجُوهَ النَّاسِ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَوْلُهُ عَنْ ظُهْرِ غِنًى أَيْ غِنَى النَّفْسِ وَصَبْرِهَا عَلَى الْفَقْرِ أَمَّا التَّصَدُّقُ بِبَعْضِ الْفَاضِلِ فَمُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُقَارِبُ الْجَمِيعَ فَالْأَوْجَهُ جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِفَايَةِ هُنَا مَا يَكْفِيهِ لِيَوْمِهِ وَكِسْوَةِ فَصْلِهِ لَا مَا يَكْفِيهِ فِي الْحَالِ فَقَطْ وَلَا مَا يَكْفِيهِ فِي سَنَتِهِ ( وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِعِيَالِهِ لَمْ يَجُزْ ) لِخَبَرِ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا إنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلِأَنَّ كِفَايَتَهُمْ فَرْضٌ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّفْلِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَدَقَةٍ بَلْ ضِيَافَةٌ وَالضِّيَافَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَضْلُ عَنْ عِيَالِهِ وَنَفْسِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا حَتَّى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْجَبُوهَا وَلِأَنَّهُ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ حِينَئِذٍ إلَى الْأَكْلِ وَأَمَّا الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فَتَبَرَّعَا بِحَقِّهِمَا وَكَانَا صَابِرَيْنِ وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ لِأُمِّهِمْ نَوِّمِيهِمْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَطْلُبُوا الْأَكْلَ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ
( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ إلَخْ ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا مُدَّةٌ لَا يَجِدُ فِيهَا مَالًا غَيْرَهُ ع ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَحْمُولٌ إلَخْ ) التَّوْجِيهُ الثَّانِي مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِذَا كَارِهٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
( وَكَذَا ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ ( لِدَيْنِهِ ) أَيْ لِوَفَائِهِ ( إلَّا إنْ ظَهَرَ ) لَهُ ( حُصُولُهُ ) بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ ( مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ) ظَاهِرَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ وَقَدْ يُسْتَحَبُّ نَعَمْ إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَقَدْ وَجَبَ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْفَوْرِ بِمُطَالَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إيفَائِهِ وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ بِمَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ فِي دَيْنِهِ
( قَوْلُهُ أَيْ لِوَفَائِهِ ) خَرَجَ بِهِ الرَّغِيفُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُعَدُّ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ
( أَوْ ) تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ ( وَلَمْ يَصْبِرْ ) عَلَى الْإِضَافَةِ ( كُرِهَ ) التَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الصَّبْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مُرَادُ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِيهَا مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ صَبَرَ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ التَّصَدُّقَ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي تَخَرُّجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي هِبَةِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ ( وَلَا يَأْنَفُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالْقَلِيلِ ) فَإِنَّ قَلِيلَ الْخَيْرِ كَثِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَبِلَهُ اللَّهُ وَبَارَكَ فِيهِ فَلَيْسَ بِقَلِيلٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } وَلِخَبَرِ { اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ } وَلِخَبَرِ { يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ .
( وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْمَاءِ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ { أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ الْمَاءُ } ( وَإِنْ بَعَثَ بِشَيْءٍ ) مَعَ غَيْرِهِ ( إلَى فَقِيرٍ ) لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْفَقِيرُ فَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَبْعُوثُ ( وَلَمْ يَجِدْهُ اُسْتُحِبَّ ) لِلْبَاعِثِ ( أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ ) عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ ( وَإِنْ نَذَرَ صَدَقَةً لَا صَوْمًا وَصَلَاةً فِي وَقْتٍ ) بِعَيْنِهِ ( جَازَ تَعْجِيلُهَا ) كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ ( وَيُكْرَهُ ) لِلْإِنْسَانِ ( أَنْ يَتَمَلَّكَ ) بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( صَدَقَتَهُ أَوْ زَكَاتَهُ ) أَوْ كَفَّارَتَهُ أَوْ نَذْرَهُ أَوْ نَحْوَهَا ( مِنْ الْفَقِيرِ ) الَّذِي أَخَذَهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الْعَائِدُ فِي
صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ } وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِي مِنْهُ فَيُحَابِيهِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ { عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ ثُمَّ وَجَدَهُ يُبَاعُ فِي السُّوقِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ } أَيْ لِأَنَّ وَلَدَ الْحَيَوَانِ جُزْءٌ مِنْهُ .
قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ الْعَيْنِ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا أَيْ وَغَيْرُ جُزْئِهَا ( لَا مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مِنْ غَيْرِهِ ( وَلَا أَنْ يَمْلِكَهَا بِالْإِرْثِ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { عَنْ بُرَيْدٍ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي تَصَدَّقْت عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُك وَرَدَّهَا عَلَيْك الْمِيرَاثُ } ( وَالْمَنُّ ) بِالصَّدَقَةِ ( حَرَامٌ مُحْبِطٌ لِلْأَجْرِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ } ( وَقَبُولُ الزَّكَاةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ ) أَيْ قَبُولُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا ( أَفْضَلُ مِنْ ) قَبُولِ صَدَقَةِ ( التَّطَوُّعِ ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فِيهَا وَعَكَسَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْجُنَيْدُ وَالْخَوَاصُّ لِئَلَّا يَضِيقَ عَلَى الْأَصْنَافِ وَلِئَلَّا يَخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْأَخْذِ وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَقِبَ ذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ وَإِنْ قَطَعَ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ إنْ
لَمْ يَأْخُذْ هَذَا مِنْهُ لَا يَتَصَدَّقُ فَلْيَأْخُذْهَا فَإِنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا وَلَمْ يُضَيِّقْ تَخَيَّرَ وَأَخْذُهَا أَشَدُّ فِي كَسْرِ النَّفْسِ ( وَأَخْذِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَلَأِ وَتَرْكُهُ فِي الْخَلَاءِ أَفْضَلُ ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ النَّفْسِ .
( فُرُوعٌ ) يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ الْجَنَّةِ وَأَنْ يَمْنَعَ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ لِخَبَرِ { لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الْجَنَّةُ وَخَبَرِ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوَا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ كَافَأْتُمُوهُ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ عَقِبَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَمِنْهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ فِي وَطْءِ الْحَائِضِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يُعْطِيَ الصَّدَقَةَ لِلْفَقِيرِ مِنْ يَدِهِ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَتُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْفَقِيرِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَطْمَعُ الْمُتَصَدِّقُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ الْفَقِيرِ قَالَ تَعَالَى { إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } فَإِنْ دَعَا الْفَقِيرُ لَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا لِئَلَّا يَنْقُصَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَفِي الْحَدِيثِ { مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا ثُمَّ عَمِدَ إلَى ثَوْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَزَلْ فِي حِفْظِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا } وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّصَدُّقِ بِالرَّدِيءِ بَلْ مِمَّا يُحَبُّ وَهَذَا كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالْفُلُوسِ دُونَ الْفِضَّةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّاغِبِ فِي الْخَيْرِ أَنْ لَا يُخَلِّيَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا
وَمَلَكَانِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا } وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ { كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ }
( قَوْلُهُ التَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الصَّبْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَجْوَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ يُؤَثِّرُ عَلَى نَفْسِهِ مُضْطَرًّا آخَرُ فَكَيْفَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَقَوْلُهُ الْأَجْوَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي هِبَةِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهُوَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ وَزَوْجَةٍ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ صَرْفُهُ فِيهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ عِنْدَ ضِيقِهِ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا وَهُوَ التُّرَابُ ا هـ فَرَّقَهُ مِنْ جِهَةِ جَرَيَانِ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ بِالصِّحَّةِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَاءِ ذَاتِيَّةٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ مَتَى رَجَعَ النَّهْيُ لِذَاتِ الشَّيْءِ أَوْ لَازِمِهِ اقْتَضَى الْفَسَادَ وَالْحُرْمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ عَرَضِيَّةٌ فَلَمْ تَرْجِعْ لِذَاتِهَا وَلَا لَازِمِهَا فَصَحَّ التَّصَرُّفُ وَإِنْ أَثِمَ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ فِي الْفَلَسِ أَنَّ الْمَدْيُونَ الَّذِي يُحْجَرُ عَلَيْهِ إذَا أَعْتَقَ أَرِقَّاءَهُ فِرَارًا مِنْ غُرَمَائِهِ بِنُفُوذِ عِتْقِهِمْ وَإِنْ وَقَعَ فِي فَتَاوِيه هُنَا أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ نَعَمْ مَحَلُّ الْمِلْكِ مَا إذَا لَمْ يُعْطِهِ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِخِلَافِهَا وَلَوْ عَلِمَ بِحَالِهِ لَمْ يُعْطِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَدْفُوعَ .
( كِتَابُ الصِّيَامِ ) هُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ { إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عَنْ الْكَلَامِ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي آيَةُ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } وَخَبَرُ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ } وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ
( كِتَابُ الصِّيَامِ ) ( قَوْلُهُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ إلَخْ ) إمْسَاكُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ بِالنِّيَّةِ سَالِمًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ ( قَوْلُهُ آيَةُ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } ) الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتِ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا وَقَوْلُهُ { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ رَمَضَانُ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ أَوْ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الصَّوْمِ دُونَ وَقْتِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَفِي الْحَدِيثِ { رَمَضَانُ سَيِّدُ الشُّهُورِ }
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ صَائِمٌ وَنِيَّةٌ وَإِمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ ( يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ) ثَلَاثِينَ ( يَوْمًا أَوْ بِالرُّؤْيَةِ ) لِهِلَالِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَافْطُرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ } وَلِقَوْلِ { ابْنِ عُمَرَ أَخْبَرْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْمَعْنَى فِي ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّوْمِ .
قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ بِدُونِ شَهْرِ وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ بَلْ ثَبَتَ ذِكْرُهُ بِدُونِ شَهْرٍ فِي أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ كَخَبَرِ { مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } ( فَإِذَا شَهِدَ بِرَمَضَانَ وَكَذَا بِشَهْرٍ نُذِرَ صَوْمُهُ ) بِبِنَاءِ نَذَرَ لِلْمَفْعُولِ ( عَدْلٌ عِنْدَ الْقَاضِي كَفَى ) فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ فَهُوَ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ ( لَا بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ ) فَلَا يَكْفِي عَبْدٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَقَضِيَّتُهُ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ وَفِيهِ فِي الْأَصْلِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْمَجْمُوعُ الْمَنْعَ وَهِيَ شَهَادَةٌ حَسَبَةٌ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي .
وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ قَالَ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْتَقَدُ دُخُولُهُ بِسَبَبٍ لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ حِسَابٍ أَوْ يَكُونَ حَنَفِيًّا يَرَى
إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْمِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا بِشَهْرٍ نُذِرَ صَوْمُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ تَصْحِيحِ الرُّويَانِيِّ مُقَيَّدًا بِشَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِي رَمَضَانَ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ حُرْمَةِ الشَّهْرَيْنِ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِرُجُوعِهِ عَنْهُ فَفِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ لَا يَجُوزُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ مَعَ هَذَا النَّصِّ نَصًّا آخَرَ صِيغَتُهُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فَقَالَ لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ أَوْ شَهَادَةَ ابْنِ عُمَرَ قَبْلَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَقَدْ صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا وَعِنْدِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا رَجَعَ إلَى الِاثْنَيْنِ بِالْقِيَاسِ لِمَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ سَنَةً فَإِنَّهُ تَمَسَّك لِلْوَاحِدِ بِأَثَرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فِيهِ
( قَوْلُهُ أَوْ بِالرُّؤْيَةِ ) أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي بِهِ وَكُتِبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُضَافُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ الْعَدَدِ ظَنَّ دُخُولَهُ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ عَلَى أَهْلِ نَاحِيَةٍ حَدِيثِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ أَسَارَى وَهَلْ الْإِمَارَةُ لِظَاهِرَةِ الدَّلَالَةِ فِي حُكْمِ الرُّؤْيَةِ مِثْلُ أَنْ يَرَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْبَلَدِ الْقَنَادِيلَ قَدْ عُلِّقَتْ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِمَنَائِرِ الْمِصْرِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ الظَّاهِرُ نَعَمْ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمْ الْمَنْعُ وَقَوْلُهُ ظَنَّ دُخُولَهُ وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ نَعَمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِمَا ( قَوْلُهُ فَإِذَا شَهِدَ بِرَمَضَانَ إلَخْ ) وَإِنْ دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَمَرَ غَابَ لَيْلَةَ الثَّالِثِ عَلَى مُقْتَضَى تِلْكَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْحِسَابَ بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَوْ عَلِمَ فِسْقَ الشُّهُودِ أَوْ كَذِبَهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْزِمَ بِالنِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ حَيْثُ يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَوْ عَلِمَ فِسْقَ الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ وَجَهِلَ حَالَ الْعُدُولِ .
فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَهْلًا لَكِنَّهُ عَدْلٌ فَالْأَقْرَبُ لُزُومُ الصَّوْمِ تَنْفِيذًا لِحُكْمِهِ ( قَوْلُهُ عَدْلٌ عِنْدَ الْقَاضِي كَفَى ) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدِينَةٌ فَيَكْفِي فِي الْإِخْبَارِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا وَاحِدٌ كَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَكُتِبَ أَيْضًا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي عَدْلٌ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَكْفِي لِحَدِيثٍ { كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ } انْتَهَى وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي النَّهَارِ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا
شَاهِدَانِ كَهِلَالِ شَوَّالٍ وَالْفَرْقُ لَائِحٌ ع لَكِنْ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فَأَوْفَى عَلَى نَشْزٍ فَإِذَا قَالَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفْطَرَ } وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ وَالْأَذَانِ ( قَوْلُهُ فَهُوَ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ صَحَّحَ مِنْهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ ) وَالْقَفَّالُ وَالْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ وَابْنِ سُرَاقَةَ فِي أَدَبِ الشُّهُودِ وَالْقَاضِي شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا إنْ حَمَلَ كَلَامَ الشَّارِحِ عَلَى عُرُوِّ ذَلِكَ عَنْ لَفْظِ أَشْهَدُ فَذَاكَ ظَاهِرٌ أَوْ مَعَ وُجُودِهَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَوَّزَنَا مَعَ شَهَادَتِهِ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ مَعَهَا ذَلِكَ فَيَكْفِي فِيهِ أَيْضًا كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ فَتَاوَى الْوَالِدِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا بِشَهْرٍ نَذَرَ صَوْمَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ ) وَهُوَ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ ( قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ ) مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ حَاكِمٌ يَرَاهُ فَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْحُكْمَ .
( فَرْعٌ ) ذَكَرَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ فَصَامُوا ثُمَّ رَجَعَ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ كَرُجُوعِ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ وَالثَّانِي
يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ قَالَ وَلَعَلَّ الثَّانِي أَقْرَبُ نَعَمْ لَوْ أَكْمَلْنَا الْعِدَّةَ وَلَمْ نَرَهُ وَالسَّمَاءُ غَيْرُ مَغْمِيَّةٍ فَفِي الْإِفْطَارِ وَقْفَةٌ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ شَيْخُنَا وَالْأَقْرَبُ الْإِفْطَارُ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَنْ ) بِمَعْنَى عَلَى ( شَهَادَتِهِ ) أَيْ الْعَدْلِ ( صَحَّ ) بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا وَاحِدٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لَا الرِّوَايَةِ ( وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ ) بِهِ ( وَ ) لَا يَقَعُ ( نَحْوُهَا ) مِمَّا عَلَّقَ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَشَهِدَ بِهِ عَدْلٌ أَمْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الرَّائِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قِيلَ هَلَّا يَثْبُتُ ضِمْنًا كَمَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِوَاحِدٍ وَالنَّسَبُ وَالْإِرْثُ بِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِالنِّسَاءِ لَا حَوْجَ إلَى الْفَرْقِ وَفَرَّقَ هُوَ فِي الشَّهَادَاتِ بِأَنَّ الضِّمْنِيَّ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لَازِمٌ لِلْمَشْهُودِ بِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا إذَا كَانَ التَّابِعُ مِنْ جِنْسِ الْمَتْبُوعِ كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوِلَادَةِ وَالنَّسَبِ وَالْإِرْثِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَالِ أَوْ الْآيِلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ التَّابِعَ مِنْ الْمَالِ أَوْ الْآيِلِ إلَيْهِ وَالْمَتْبُوعَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ إذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِالْوَاحِدِ اخْتَصَّ بِالصَّوْمِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ إنَّهُ وَاضِحٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ مَحِلُّهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الرَّائِي .
أَمَّا الرَّائِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَوْ ضِمْنًا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ ) أَوْ عَدْلَيْنِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( ثَلَاثِينَ ) يَوْمًا ( أَوْ عَيَّدْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ ) بَعْدَ ثَلَاثِينَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ( أَفْطَرْنَا ) فِي الْأُولَيَيْنِ ( وَلَمْ نَقْضِ ) فِي الثَّالِثَةِ ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْمٌ ) لِكَمَالِ الْعِدَّةِ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي
الْأَوْلَى عَدَمُ ثُبُوتِ شَوَّالٍ بِعَدْلٍ إذْ الشَّيْءُ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلًا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ ضِمْنًا لِلْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ ( وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُنَجِّمِ ) أَيْ بِقَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَا يَجُوزُ وَالْمُرَادُ بِآيَةِ { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } الِاهْتِدَاءُ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَفِي السَّفَرِ ( وَ ) لَكِنْ ( لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ ) وَلِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ وَالتَّنْظِيرُ بِالصَّلَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ وَصَحَّ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا يَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْجَزْمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا مَعًا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ بِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ .
( قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ ) وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ نَحْوُهَا مِمَّا عُلِّقَ بِهِ إلَخْ ) قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ) حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ فِيهَا وَجْهَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْقِيَاسُ الْقَبُولُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ صُمْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ إلَخْ ) وَلَوْ صَامَ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ كَالصَّوْمِ بِعَدْلٍ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ ) قِيَاسُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الظَّنَّ يُوجِبُ الْعَمَلَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَأَيْضًا فَهُوَ جَوَازٌ بَعْدَ حَظْرٍ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( رَأَى ) الْهِلَالَ ( فِي بَلَدٍ لَزِمَ ) حُكْمُهُ ( مَنْ فِي غَيْرِهِ ) مِنْ سَائِرِ الْأَمَاكِنِ ( مَا لَمْ تَخْتَلِفْ الْمَطَالِعُ ) كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ هُوَ بِبَلَدِهَا كَمَا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ اخْتَلَفَ مَطْلَعُهُ لِبُعْدِهِ وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ { عَنْ كُرَيْبٍ رَأَيْت الْهِلَالَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ قُلْت لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ قُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى تُكْمِلَ الْعِدَّةَ فَقُلْت أَوْ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ قَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَقِيَاسًا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهِمَا وَبِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عُلِمَ أَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ مَا اتَّحَدَ مَعَهُ فِي الْمَطْلَعِ وَقِيلَ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَ فِي غَيْرِهِ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلرُّؤْيَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَالَ الْإِمَامُ اعْتِبَارُ الْمَطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابِ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الشَّرْعُ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنْ قُلْت اعْتِبَارُ اتِّحَادِ الْمَطَالِعِ عَلَى مَا مَرَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا فِي إثْبَاتِ رَمَضَانَ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِي التَّوَابِعِ وَالْأُمُورِ الْخَاصَّةِ
( قَوْلُهُ مَا لَمْ تَخْتَلِفْ الْمَطَالِعُ ) الِاعْتِبَارُ فِي اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ أَنْ يَتَبَاعَدَ الْبَلَدَانِ بِحَيْثُ لَوْ رُئِيَ الْهِلَالُ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يُرَ فِي الْآخَرِ غَالِبًا وَقَدْ حَرَّرَهَا الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ التَّبْرِيزِيُّ فَقَالَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ تُوجِبُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا لِأَنَّهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَنِصْفِهَا وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقْتَ الزَّوَالِ أَجَابَ الْجَمِيعُ فِيهَا بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْمُطَالَعِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ حَرَّرَهَا وَقَوْلُهُ أَجَابَ الْجَمِيعُ فِيهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِمَا وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ السُّبْكِيُّ تَنْبِيهٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ وَالرُّؤْيَةُ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ مُسْتَلْزَمَةٌ لِلرُّؤْيَةِ فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَإِنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي الْبَلَدِ الْمَشْرِقِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْبَلَدِ الْمَغْرِبِيَّةِ وَإِذَا غَرَبَتْ فِي بَلَدٍ شَرْقِيٍّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ سَبْعُ دَرَجٍ مَثَلًا لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فِيهَا وَإِذَا غَرَبَتْ فِي بَلَدٍ غَرْبِيٍّ يَتَأَخَّرُ الْغُرُوبُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ دَرَجٍ أَمْكَنَتْ رُؤْيَتُهُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ الشَّرْقِيُّ فَإِذَا غَرَبَتْ فِي غَرْبِيٍّ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَرَجَتَيْنِ كَانَتْ رُؤْيَتُهُ أَظْهَرُ وَيَكُونُ مُكْثُهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَكْثَرُ وَقِسْ عَلَى هَذَا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَ الْمَطْلَعُ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ وَمَتَى اخْتَلَفَ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْغَرْبِيِّ وَلَا عَكْسَ وَتَبِعَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي إطْلَاقِهِ دُخُولُ اللَّيْلِ بِالشَّرْقِيِّ قَبْلَ دُخُولِهِ بِالْغَرْبِ نُظِرَ إذْ مَحَلُّ الْقَبْلِيَّةَ إذَا اتَّحَدَ عَرْضُ الْبَلَدَيْنِ جِهَةً وَقَدْرًا
أَيْ جِهَةً الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ وَقَدْرًا بِأَنْ يَكُونَ قَدْرُ الْبُعْدَيْنِ عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ سَوَاءٌ س .
وَقَوْلُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلرُّؤْيَةِ فِي الْآخَرِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَلْ يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى إذَا غَابَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فِي بَلَدٍ فَصَلَّى فِيهَا الْمَغْرِبَ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطْوَةِ ثُمَّ سَافَرَ إلَى مَطْلَعٍ آخَرَ لَمْ تَغِبْ فِيهِ الشَّمْسُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ كَالصَّوْمِ أَوْ لَا تَلْزَمُهُ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ وَبَلَغَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْبُلُوغِ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ نَفْلٌ أَسْقَطَ الْفَرْضَ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ حَضَرَ فِي مَطْلَعٍ آخَرَ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الْمُتَّجَهُ لَا غَيْرَ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِالنَّفْلِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ بِالْفَرْضِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَقَوْلُهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الْمُتَّجَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَإِنْ شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ ) فِي الْمَطَالِعِ ( لَمْ يَجِبْ ) عَلَى الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا صَوْمٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ ( وَلَوْ صَامَ بِالرُّؤْيَةِ وَسَافَرَ ) مِنْ بَلَدِهَا ( إلَى بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ ) لِمَطْلَعِهِ وَلَمْ يَرَ أَهْلُهُ الْهِلَالَ ( وَافَقَهُمْ ) وُجُوبًا ( يَوْمَ عِيدِهِ فِي الصَّوْمِ ) لِأَنَّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ صَارَ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِيدٌ صَامَهُ أَوْ عِيدٌ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ ( أَوْ بِالْعَكْسِ ) بِأَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ غَيْرِ الرُّؤْيَةِ إلَى بَلَدِهَا ( عَيَّدَ مَعَهُمْ ) لِمَا مَرَّ وَقَضَى يَوْمًا إذَا لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي ( وَكَذَا لَوْ عَيَّدَ فِي بَلَدٍ وَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ ) أَيْ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَطْلَعُهُ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِ بَلَدِهِ ( فَوَجَدَهُمْ صَائِمِينَ أَمْسَكَ ) بَقِيَّةَ الْيَوْمِ لِمَا مَرَّ ( أَوْ بِالْعَكْسِ ) بِأَنْ كَانَ صَائِمًا فَجَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ مُفْطِرِينَ ( أَفْطَرَ ) لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَكَذَا إلَى آخِرِهِ يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ ( وَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَضَى يَوْمًا ) لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ كَذَلِكَ
( قَوْلُهُ فَإِنْ شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ لَمْ يَجِبْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ الْمُرَادُ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا لَوْ بَانَ بِالْآخِرَةِ اتِّفَاقُ الْمَطَالِعِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا ) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ ( لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ) لَا الْمَاضِيَةِ ( فَلَا يَفْطُرُ ) إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي رَمَضَانَ ( وَلَا يُمْسِكُ ) إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي شَعْبَانَ فَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بِخَانِقِينَ إنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَخَانِقِينَ بِخَاءِ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ بَلْدَةٌ بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ دَفْعُ مَا قِيلَ إنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ تَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهَا لِلْمَاضِيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُفْطِرْ وَلَا يُمْسِكْ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا إلَخْ ) عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا أَيْ لِقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ } أَيْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } أَيْ بَعْدَ دُلُوكِهَا
( فَصْلٌ وَيَجِبُ ) فِي الصَّوْمِ ( نِيَّةٌ جَازِمَةٌ مُعَيِّنَةٌ ) كَالصَّلَاةِ وَلِخَبَرِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَمُعَيِّنَةٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الصَّوْمَ وَبِفَتْحِهَا لِأَنَّ النَّاوِي يُعَيِّنُهَا وَيُخْرِجُهَا عَنْ التَّعَلُّقِ بِمُطْلَقِ الصَّوْمِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجِبُ ( قَبْلَ الْفَجْرِ فِي الْفَرْضِ ) وَلَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا لِخَبَرِ { مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ بِقَرِيبَةِ خَبَرِ عَائِشَةَ الْآتِي ( لِكُلِّ يَوْمٍ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمَيْنِ مَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ كَالصَّلَاتَيْنِ يَتَخَلَّلُهُمَا السَّلَامُ وَخَرَجَ بِمُعَيِّنَةٍ مَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ عَنْ فَرْضِهِ أَوْ عَنْ فَرْضِ وَقْتِهِ فَلَا يَكْفِي كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْعِ الْآتِي مَا خَرَجَ بِجَازِمَةٍ ( وَإِلَّا كَمَّلَ ) فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ ( أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى ) بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ أَضْدَادِهَا لَكِنَّ فَرْضَ غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَضَاءً وَقَدْ خَرَجَ بِقَيْدِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْأَدَاءِ لَا يُغْنِي عَنْ السَّنَةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَفْظُ الْغَدِ اُشْتُهِرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ
( قَوْلُهُ وَيَجِبُ نِيَّةٌ جَازِمَةٌ ) إذَا تَيَقَّنَ مَثَلًا أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ يَوْمٍ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي صَوْمًا وَاجِبًا يُجْزِئُهُ وَلَا أَثَرَ لِتَرَدُّدِ النِّيَّةِ فِيهِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ حِكَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ اُغْتُفِرَ لَهُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِرَمَضَانَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا لِلضَّرُورَةِ هُنَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ عَمَّا وَجَبَ عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيَّ ( قَوْلُهُ مُعَيَّنَةٌ ) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ فِي نِيَّتِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ( قَوْلُهُ أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا ) لَيْسَ عَلَى أَصْلِهَا صَوْمُ نَفْلٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ سِوَاهُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَفْهَمَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَمَا نَوَى ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنَّهُ كَمَنْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ بَعْدَ النِّيَّةِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا ا هـ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ بِرَدَّتِهِ قَالَ النَّاشِرِيُّ وَحُكْمُ مَنْ نَفِسَتْ بَعْدَمَا نَوَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ جُنَّ بَعْدَمَا نَوَى ثُمَّ زَالَ الْجُنُونُ قَبْلَ الْفَجْرِ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَعْيِينُ الْغَدِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا مِنْ الْكَمَالِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ بِسَبَبِ وُجُوبِ التَّبْيِيتِ
( وَلَوْ تَرَكَ ذِكْرَ السَّنَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى جَازَ ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ السَّنَةِ وَرَدَّهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ مَعْلُومٌ فَالتَّعَرُّضُ لِلْغَدِ يُفِيدُ الَّذِي يَصُومُهُ وَالتَّعَرُّضُ لِلسَّنَةِ يُفِيدُ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ قَالَ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ مَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ صِيَامُك الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ عَنْ فَرْضِ هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ عَنْ فَرْضِ سَنَةٍ أُخْرَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ السَّنَةَ إنَّمَا ذَكَرُوهَا آخِرًا لِتَعُودَ إلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا إلَى الْمُؤَدَّى بِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَجَعْلُهَا مِنْ الْكَمَالِ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا أَوْ لِلْأَدَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ وَرُدَّ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا فِي الْمُعَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ أَيْضًا عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا فِي الْمُعَادَةِ فَإِنْ قُلْت الْجُمُعَةُ لَا تَقَعُ مِنْ الْبَالِغِ إلَّا فَرْضًا مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قُلْت مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بِمَكَانٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فِي آخَرَ يُصَلُّونَهَا فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْهُ فَرْضًا
( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ إلَخْ ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بَلْ أَوْلَى
( وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الشَّهْرِ كَفَاهُ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ ) أَيْ لِصَوْمِهِ لِدُخُولِهِ فِي صَوْمِ الشَّهْرِ ( وَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ الِاثْنَيْنِ وَكَانَ الثُّلَاثَاءَ أَوْ ) صَوْمَ ( رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ ) صَوْمُهُ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ أَوْ ) صَوْمَ ( رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَلَمْ يَخْطُرْ بِهِ ) أَيْ بِبَالِهِ فِي الْأُولَى ( الْغُدُوُّ ) فِي الثَّانِيَةِ ( السَّنَةَ الْحَاضِرَةَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ أَيْ الَّذِي نَوَى فِي لَيْلَتِهِ ( وَتَصْوِيرُ مِثْلِهِ بَعِيدٌ ) وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَخْطُرْ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَيْنِ فَنَوَى صَوْمَ غَدٍ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ قَضَاءِ أَيِّهِمَا لِأَنَّهُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَوَى صَوْمَ النَّذْرِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ نَوْعَهُ وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ وَجَعَلَ الزَّرْكَشِيُّ ذَلِكَ مُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّعْيِينِ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إلَخْ ) لَوْ لَزِمَهُ قَضَاءُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْهُ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ فَنَوَى قَضَاءَ الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ قَضَاءَ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ لَمْ يُجِزْهُ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ صَالِحٌ لِأَخْذِهِ مِنْهُ ) وَكَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
( وَلَوْ تَسَحَّرَ لِيَصُومَ ) أَوْ شَرِبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا ( أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ ) أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ ( خَوْفَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ نِيَّةٌ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ صَوْمُ فَرْضِ رَمَضَانَ ) لِيَتَضَمَّنَ كُلٌّ مِنْهَا قَصْدَ الصَّوْمِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا ( لَا إنْ تَسَحَّرَ لِيَقْوَى ) عَلَى الصَّوْمِ فَلَا يَكْفِي فِي النِّيَّةِ وَهَذَا مَحْذُوفٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثُبُوتُهُ فِي بَقِيَّتِهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَكْفِي إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ صَالِحٌ لِأَخْذِهِ مِنْهُ ( وَلَوْ نَوَى قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ مَعَ ) طُلُوعِ ( الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ ( أَوْ ) نَوَى ( قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَ ) قَبْلَ ( الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَالنَّوْمِ أَجْزَأَهُ ) فَلَا حَاجَةَ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَكْلِ وَمَا بَعْدَهُ مُبَاحٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ لَامْتَنَعَ إلَى طُلُوعِهِ
( قَوْلُهُ وَالنَّوْمُ ) أَيْ وَالْوِلَادَةُ وَالْجُنُونُ ( قَوْلُهُ فَلَوْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ إلَخْ ) لَوْ ارْتَدَّ لَيْلًا بَطَلَتْ نِيَّتُهُ
( وَتَكْفِي نِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ) كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ ( وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ ) { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ يَوْمًا هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ قَالَتْ لَا قَالَ فَإِنِّي إذًا أَصُومُ قَالَتْ وَقَالَ لِي يَوْمًا آخَرَ أَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْت نَعَمْ قَالَ إذًا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْت فَرَضْت الصَّوْمَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَاخْتَصَّ بِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِلْخَبَرِ إذْ الْغَدَاءُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ بَيِّنٌ وَلِإِدْرَاكِ مُعْظَمِ النَّهَارِ بِهِ كَمَا فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِمَّنْ يُرِيدُ صَوْمَ النَّفْلِ وَإِلَّا فَلَوْ نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ مَضَى مُعْظَمُ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ ( مَا لَمْ يَسْبِقْ ) النِّيَّةَ ( مُنَاقِضٌ ) لِلصَّوْمِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ شَرَائِطَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ( وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ ) فِي ذَلِكَ ( مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ) حَتَّى يُثَابَ عَلَى جَمِيعِهِ إذْ صَوْمُ الْيَوْمِ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا فِي الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ ( وَصَوْمُ مَا ) أَيْ نَفْلٍ ( لَهُ سَبَبٌ ) كَصَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ مُؤَقَّتٌ كَصَوْمِ الِاثْنَيْنِ ( يُقَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ ) فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ فِي النِّيَّةِ كَمَا بَحَثَ الْأَوَّلَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالثَّانِي فِي الْمَجْمُوعِ وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَأَكِّدِ صَوْمِهَا مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَوْمٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَعَ مَا زِدْته خَارِجٌ بِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمُطْلَقُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَ هُنَا مَا زِدْته لِأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُهُ نَظَرًا لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَوْ غَيْرِهِ أَمَّا صَوْمُ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ إذَا قُلْنَا
بِوُجُوبِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ فَيَجِبُ فِيهِ التَّبْيِيتُ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ فِي الْفَرْضِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ ) لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا بِفِطْرِ زَيْدٍ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَزُولَ وَهُوَ غَيْرُنَا وَ ( قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ فِي الْفَرْضِ ) وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نِزَاعٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيَبْعُدُ عَدَمُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا كُلَّ الْبُعْدِ قَالَ الْغَزِّيّ وَيَحْسُنُ تَخْرِيجُ وُجُوبِ التَّبْيِيتِ عَلَى صَوْمِ الصَّبِيِّ رَمَضَانَ أَوْ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ تَجِبُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا وَلِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ لَيْسَ هُوَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِعَارِضٍ وَهُوَ أَمْرُ الْإِمَامِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَسْقَطَ عَنْهُمْ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ سَقَطَ عَنْهُمْ وُجُوبُ صَوْمِهَا قِسْ
( فَرْعٌ لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ غَدًا أَوَّلَ رَمَضَانَ أَوْ اعْتَقَدَهُ لَا بِسَبَبٍ ) وَفِي نُسْخَةٍ بِلَا سَبَبٍ ( وَنَوَى الصَّوْمَ جَازِمًا ) بِالنِّيَّةِ صُورَةً ( أَوْ ) مُتَرَدِّدًا كَأَنْ ( قَالَ ) لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ شَعْبَانَ ( أَصُومُ غَدًا إنْ دَخَلَ رَمَضَانُ ) سَوَاءٌ أَقَالَ مَعَهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ أَوْ مُتَطَوِّعٌ أَمْ لَا ( لَمْ تُجْزِهِ ) وَإِنْ دَخَلَ رَمَضَانُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا وَلَمْ يَعْتَمِدْ سَبَبًا وَالْجَزْمُ فِي الْأُولَى كَلَا جَزْمٍ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ رَمَضَانَ بِسَبَبٍ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْجَزْمُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ ( فَإِنْ اعْتَقَدَهُ ) أَوَّلَ رَمَضَانَ بِسَبَبٍ كَأَنْ اعْتَقَدَهُ ( بِخَبَرِ ) مَنْ يَثِقْ بِهِ مِنْ نَحْوِ ( امْرَأَةٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ صِبْيَانٍ ذَوِي رُشْدٍ ) يَعْنِي مُخْتَبَرِينَ بِالصِّدْقِ .
( وَجَزَمَ ) بِنِيَّةِ الصَّوْمِ ( أَجْزَأَهُ ) إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لِظَنِّ أَنَّهُ مِنْهُ حَالَةَ النِّيَّةِ وَلِلظَّنِّ فِي مِثْلِ هَذَا حُكْمُ الْيَقِينِ فَتَصِحُّ النِّيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ وَجَمْعُ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَةِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ أَخْبَرَهُ بِالرُّؤْيَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مُرَاهِقٍ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ فَبَانَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ نَوَاهُ بِظَنٍّ وَصَادَفَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ ( وَلَوْ تَرَدَّدَ ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَالْأَنْسَبُ رَدُّهُ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَبَانَ مِنْهُ ( لَمْ يُجْزِهِ ) كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَحَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالْقَلْبِ وَالتَّرَدُّدُ حَاصِلٌ فِي الْقَلْبِ قَطْعًا ذَكَرَهُ أَمْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَصْدُهُ لِلصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَارَ كَالتَّرَدُّدِ فِي الْقَلْبِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَهُوَ
الْمُوَافِقُ لِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ طَوَائِفَ وَكَلَامُ الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِهِ وَلَا نَقْلَ يُعَارِضُهُ إلَّا دَعْوَى الْإِمَامِ أَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى قَالَ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّرَدُّدِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ هَذَا تَرْدِيدٌ لَا تَرَدُّدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّرَدُّدَ شَكٌّ لَا جَزْمَ فِيهِ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فَإِنَّ فِيهِ الْجَزْمَ بِأَحَدِهِمَا لَكِنْ مُبْهَمًا انْتَهَى وَالْحَقُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا وَتَرْدِيدًا وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ ضَرَّ وَكَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّبَرُّكَ أَوْ وُقُوعَ الصَّوْمِ وَتَمَامَهُ بِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
( قَوْلُهُ فَصَارَ كَالتَّرَدُّدِ فِي الْقَلْبِ إلَخْ ) قَالَ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى نَقْلِهَا عَنْ الْوَجِيزِ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ فَتَبِعَهُ الْمِنْهَاجُ وَنَازَعَ فِي الْخَادِمِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُحَرَّرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّصْوِيرَيْنِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأُمِّ مُصَرَّحٌ بِهِ ) هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ فَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ بَانَ مِنْ شَعْبَانَ انْعَقَدَ نَفْلًا إنْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ أَوْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَ نِصْفِهِ
( وَإِنْ شَكَّ ) بِالنَّهَارِ ( هَلْ نَوَى ) لَيْلًا ( ثُمَّ تَذَكَّرَ ) وَلَوْ ( بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ ) صَوْمُهُ وَكَذَا لَوْ نَوَى ثُمَّ شَكَّ أَطَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ عِنْدَ النِّيَّةِ فِي أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْفَجْرِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ بِالنَّهَارِ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ لَيْلًا وَلَمْ تَنْجَبِرْ بِالتَّذَكُّرِ نَهَارًا ( فَإِنْ جَهِلَ سَبَبَ مَا عَلَيْهِ ) مِنْ الصَّوْمِ مِنْ كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً ( كَفَاهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ ) لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ يُقَالُ قِيَاسُ الصَّلَاةِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِيَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَيَوْمًا عَنْ النَّذْرِ وَيَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ يُقَالُ يُصَلِّي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ وَإِحْدَى رُبَاعِيَةٍ يَنْوِي فِيهَا الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا لَمْ تَشْتَغِلْ بِالثَّلَاثِ وَالْأَصْلُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهَا فَإِنْ فَرَضَ أَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثِ وَأَتَى بِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَنَسِيَ الثَّالِثَ الْتَزَمَ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفُوا ثَمَّ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ كَنَظَائِرِهَا هُنَا لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا هُنَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا ثَمَّ بِدَلِيلِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِنِيَّةِ تَرْكِهِ بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ شَكَّ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ