كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( فَصْلٌ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ ) وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَفِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَلِّي مُسْتَقْبِلَهَا { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ مَوْتِهِ بِالْحَبَشَةِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ إزْرَاءً وَتَهَاوُنًا بِالْمَيِّتِ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ السُّقُوطُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا عَلِمَ الْحَاضِرُونَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ غُسِّلَ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَقَطْ عَلَى مَا مَرَّ أَوْ يُقَالَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ غُسِّلَ فَيُعَلِّقَ النِّيَّةَ ( لَا ) عَلَى الْغَائِبِ ( فِيهَا ) أَيْ الْبَلَدِ ، وَإِنْ كَبُرَتْ لِتَيَسُّرِ الْحُضُورِ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ مَعَ إمْكَانِ إحْضَارِهِ فَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ السُّورِ قَرِيبًا مِنْهُ فَهُوَ كَدَاخِلِهِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّهُ وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ الْحُضُورُ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ فَفِيهِ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَجَزَمَ فِي مَوْضِعٍ بِالْجَوَازِ لِلْمَحْبُوسِ .
( وَ ) تَجُوزُ ( عَلَى قَبْرِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الدَّفْنِ ) سَوَاءٌ أَدُفِنَ قَبْلَهَا أَمْ بَعْدَهَا { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَعَلَى قَبْرِ مِسْكِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ مِحْجَنٍ دُفِنَتْ لَيْلًا } رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ فَلَا تَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } وَبِأَنَّا
لَمْ نَكُنْ أَهْلًا لِلْفَرْضِ وَقْتَ مَوْتِهِمْ ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ غَيْرِهِمْ وَعَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ ( لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ ) أَيْ وَقْتَهُ قَالُوا ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مُتَنَفِّلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ يُؤْتِي بِصُورَتِهَا ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ مَا قَالُوهُ يَنْتَقِضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنَّهَا لَهُنَّ نَافِلَةٌ ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ وَقَعَتْ نَافِلَةً .
وَقَالَ الْقَاضِي فَرْضًا كَصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَقَضِيَّةُ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ يَوْمَ الْمَوْتِ مَنَعَ الْكَافِرَ وَالْحَائِضَ يَوْمئِذٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَرَأَى الْإِمَامُ إلْحَاقَهُمَا بِالْمُحْدِثِ وَتَبِعَهُ فِي الْوَسِيطِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاعْتِبَارُ الْمَوْتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ فَتَرَكَ الْجَمِيعُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ بَلْ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَانَ كَذَلِكَ ( وَلَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا قَطُّ ) يَعْنِي أَبَدًا كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُ قَطُّ أَوْ إبْدَالُهَا بِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَصَلَّى مُنْفَرِدًا أَمْ جَمَاعَةً أَعَادَهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا حَضَرَتْ الْجَمَاعَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَ نَفْلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا مَرَّ قَالَ وَفِي الْمُهِمَّاتِ وَفِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ قُصُورٌ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ
أَوْلَوِيَّةُ التَّرْكِ لِجَوَازِ التَّسَاوِي وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ بَلْ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا وَأُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ لُزُومِ أَوْلَوِيَّةِ التَّرْكِ بَلْ يَلْزَمُ فِي الْعِبَادَاتِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا عِبَادَةٌ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَطْلُوبَةً إيجَابًا أَوْ نَدْبًا .
أَمَّا الْإِبَاحَةُ وَالْعِبَادَةُ فَلَا يَجْتَمِعَانِ ( وَلِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ الْجَمَاعَةِ ) الَّذِينَ صَلَّوْا ( أَنْ يُقِيمُوا ) الصَّلَاةَ ( جَمَاعَةٌ أُخْرَى ) وَفُرَادَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ حَذَفَ جَمَاعَةً أُخْرَى كَانَ أَوْلَى وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْأَوْلَى أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ إلَى بَعْدِ دَفْنِهِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ ( وَيَنْوُونَ الْفَرْضَ ) وَتَقَعُ صَلَاتُهُمْ فَرْضًا كَالْأَوَّلِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالسَّاقِطُ بِالْأُولَى عَنْ الْبَاقِينَ خَرَجَ الْفَرْضُ لَا هُوَ وَقَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ غَيْرَ فَرْضٍ وَبِالدُّخُولِ فِيهِ يَصِيرُ فَرْضًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَأَحَدِ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمَا قَالَهُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ إذَا سَقَطَ الْحَرَجُ سَقَطَ الْفَرْضُ وَقَدْ أَوْضَحَهُ السُّبْكِيُّ فَقَالَ : فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ بَلْ تَتَجَدَّدُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِ الْفَاعِلِينَ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ مَقْصُودُهَا الشَّفَاعَةُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ وَلَيْسَ كُلُّ فَرْضٍ يُؤْثَمُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا ( وَإِنْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ ) عَلَيْهِ ( أَثِمُوا ) أَيْ الدَّافِنُونَ وَالرَّاضُونَ بِدَفْنِهِ قَبْلَهَا لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ ( وَصَلَّوْا عَلَى الْقَبْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي .
( وَلَا تُكْرَهُ ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ( فِي الْمَسْجِدِ بَلْ هِيَ ) فِيهِ ( أَفْضَلُ ) مِنْهَا فِي غَيْرِهِ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ عَلَى ابْنِي بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ
وَأَخِيهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمَسْجِد أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا خَبَرُ { مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ } فَضَعِيفٌ وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ ، { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أَوْ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّ الْمُصَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ عَنْهَا غَالِبًا وَمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا فِي الصَّحْرَاءِ يُحْضَرُ دَفْنُهَا غَالِبًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَلَا أَجْرَ كَامِلَ لَهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ } ( وَيُسْتَحَبُّ ) فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ( ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ فَأَكْثَرُ ) لِخَبَرِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّابِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالثَّلَاثَةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّفِّ الْوَاحِدِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ مُحَافَظَةً عَلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ الثَّلَاثَةِ ( فَلَوْ ) الْأَوْلَى وَلَوْ ( صَلَّى ) الْإِمَامُ ( عَلَى حَاضِرٍ وَالْمَأْمُومُ عَلَى غَائِبٍ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ ) صَلَّى إنْسَانٌ ( عَلَى حَاضِرٍ وَغَائِبٍ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَالْأَخِيرُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى جَوَازَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمُصَلَّى عَلَيْهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ ( وَإِنْ حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ لَمْ يُنْتَظَرْ ) أَحَدٌ لِخَبَرِ { أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ } ( إلَّا الْوَلِيَّ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فَلَا بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ أَيْ عَنْ قُرْبٍ ( مَا لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرٌ ) لِلْمَيِّتِ وَاسْتَثْنَى مَعَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَا إذَا كَانُوا دُونَ أَرْبَعِينَ فَيُنْتَظَرُ تَكْمِلَتُهُمْ عَنْ قُرْبٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مَطْلُوبٌ فِيهَا قَالَ ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا حَضَرَتْ وَتُؤَخَّرُ إنْ لَمْ تَحْضُرْ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ لِلْأَرْبَعَيْنِ
قِيلَ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ أَرْبَعُونَ إلَّا كَانَ لِلَّهِ فِيهِمْ وَلِيٌّ وَلَا يُؤَخَّرُ بَعْدُ صَلَاةُ مَنْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ ( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( عَلَى مَنْ مَاتَ وَغُسِّلَ الْيَوْمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَدَدُهُمْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهُوَ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ
( قَوْلُهُ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ بِالْمَدِينَةِ } إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّ الْأَرْضَ زُوِيَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَآهُ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَنُقِلَ وَكَانَ أَوْلَى بِالنَّقْلِ مِنْ نَقْلِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ وَالثَّانِي أَنَّ رُؤْيَتَهُ إنْ كَانَتْ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْأَرْضِ تَدَاخَلَتْ حَتَّى صَارَتْ الْحَبَشَةُ بِبَابِ الْمَدِينَةِ لَوَجَبَ أَنْ تَرَاهُ الصَّحَابَةُ أَيْضًا وَلَمْ يُنْقَلْ ، وَإِنْ كَانَتْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَهُ إدْرَاكًا فَلَا يَتِمَّ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْبُعْدَ عَنْ الْمَيِّتِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ رَآهُ وَأَيْضًا وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ الصَّحَابَةِ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ عَلَى أَهْلِهِ لَا كَدَارِ الْحَرْبِ وَالْبَادِيَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُخَاطَبُ بِهِ أَقْرَبُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ دُونَ مَنْ بَعُدَ انْتَهَى .
ش وَقَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّهَا تُسْقِطُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ ف ( قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ السُّوَرِ إلَخْ ) لِيَنْظُرَ هَلْ الْقُرَى الْمُتَقَارِبَةُ جِدًّا كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ أَمْ لَا غ وَقَوْلُهُ كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي : وَغَيْرُهُ إنَّ خَارِجَ السُّوَرِ ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ يَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ السُّوَرِ لِلْخَارِجِ وَلَا الْعَكْسُ ( قَوْلُهُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي مَوْضِعٍ بِالْجَوَازِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَتَجُوزُ عَلَى قَبْرِ غَيْرِ النَّبِيِّ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصَّلَاةِ
الدُّعَاءُ ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ( قَوْلُهُ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ النِّسَاءِ إذَا كَانَ وَقْتُ الْمَوْتِ هُنَاكَ رَجُلٌ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ غ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) : أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ خَطَأٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعَاطَى عِبَادَةً لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا ، وَهُوَ حَرَامٌ وَالْأَسْبَابُ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الظُّهْرُ ثَلَاثَةٌ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِعَادَةُ انْتَهَى .
يُجَابُ بِأَنَّ الْخَطَأَ إنَّمَا هُوَ مَا قَالَهُ لِخَطَأِ فَهْمِهِ كَلَامَ النَّوَوِيِّ ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ لَوْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يُؤْتَى بِهَا ( قَوْلُهُ وَقَعَتْ نَافِلَةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مُنِعَ الْكَافِرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَانَ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا قَطُّ ) قُلْت إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيُعِيدُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى وَ قِيَاسُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَكْتُوبَةِ لِخَلَلٍ أَنْ يُصَلِّيَ هُنَا وَيُعِيدَ أَيْضًا لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ هَلْ مَحَلُّهُ مَا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوْ مُطْلَقًا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ حُصُولِ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ انْتَهَى .
وَمَا تَفَقَّهَهُ فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِهِمْ ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ لَا يَتَنَقَّلُ بِهَا ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا تُعَادُ سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَوْ لَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَقَدْ
أَوْضَحَهُ فِي التَّتِمَّةِ فَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا : عَلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَوْ قُلْنَا يُعِيدُهَا لَمْ يَكُنْ الثَّانِي فَرْضًا بَلْ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالتَّطَوُّعِ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ؛ وَلِأَنَّ السُّنَنَ كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا فُعِلَتْ مَرَّةً لَا تُعَادُ مَرَّةً أُخْرَى فَكَذَا هُنَا ( قَوْلُهُ فَقَالَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ إلَخْ ) بِخِلَافِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْمَقْصُودُ وَلَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ أَيْضًا مِنْهُ ( قَوْلُهُ فَأَكْثَرُ ) قَالَ شَيْخُنَا : بَيَانٌ لِمَنْعِ النَّقْصِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ بِالْأَصَالَةِ ، وَإِنْ طَلَبَ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّابِعَ مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ وَهَكَذَا وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَقَفَ وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَالِاثْنَانِ صَفًّا أَوْ اثْنَانِ وَقَفَا صَفًّا أَوْ خَمْسَةً وَقَفَ وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَكُلُّ اثْنَيْنِ صَفًّا ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى مَعَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ وَغُسْلُ الْيَوْمِ ) أَيْ أَوْ السَّنَةِ
( بَابُ الدَّفْنِ ) لِلْمَيِّتِ ( وَهُوَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ ) مِنْهُ فِي غَيْرِهَا لِلِاتِّبَاعِ وَلِنَيْلِ دُعَاءِ الطَّارِقِينَ وَفِي أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ بِالْبَلَدِ أَوْلَى ، وَإِنَّمَا دُفِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مَدْفَنِهِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنْ دَفْنِهِ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ التَّنَازُعَ فِيهِ فَتَطْلُبُ كُلُّ قَبِيلَةٍ دَفْنَهُ عِنْدَهُمْ ؛ وَلِأَنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا الشَّهِيدَ فَيُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ حَيْثُ قُتِلَ لِخَبَرٍ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ مَضْجَعَهُ يَشْهَدُ لَهُ ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَهُ ، وَهُوَ مَا سَالَ مِنْ دَمِهِ قَدْ صَارَ فِيهِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ مَغْصُوبَةً أَوْ سَبَّلَهَا ظَالِمٌ اشْتَرَاهَا بِمَالٍ خَبِيثٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ أَهْلُهَا أَهْلَ بِدْعَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ كَانَتْ تُرْبَتُهَا فَاسِدَةً لِمُلُوحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ كَانَ نَقْلُ الْمَيِّتِ إلَيْهَا يُؤَدِّي لِانْفِجَارِهِ فَالْأَفْضَلُ اجْتِنَابُهَا قُلْت بَلْ يَجِبُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الدَّفْنَ فِي الْبَيْتِ مَكْرُوهٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ فَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُدْفَنُ فِي مِلْكِهِ وَقَالَ الْبَاقُونَ : فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ ( فَيُجَابُ طَالِبُهَا ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وَبَعْضُهُمْ غَيْرُ رَاضٍ بِدَفْنِهِ فِيهِ فَلَوْ تَنَازَعُوا فِي مَقْبَرَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِشَيْءٍ .
قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ : إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجَابَ الْمُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً أُجِيبَ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ التَّسَاوِي ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمَيِّتِ فَيُجَابُ الدَّاعِي إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ
إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ أَوْ أَصْلَحَ أَوْ مُجَاوِرَةً لَا خِيَارَ وَالْأُخْرَى بِالضِّدِّ بَلْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلَحِ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى تَكْفِينِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ( فَإِنْ دَفَنَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْقَلْ ) لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ ، وَلَيْسَ فِي إبْقَائِهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ ( وَقَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ دَفْنِهِ فِي أَرْضِ بَعْضِهِمْ ( لَهُمْ ) أَيْ لِبَقِيَّتِهِمْ ( الِامْتِنَاعُ ) مِنْ دَفْنِهِ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ فَيُجَابُونَ لِدَفْنِهِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ مِنْ مَالِي وَقَالَ الْبَاقُونَ : مِنْ الْأَكْفَانِ الْمُسَبَّلَةِ حَيْثُ يُجَابُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ جَرَتْ بِالدَّفْنِ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ عَارٌ بِخِلَافِ الْأَكْفَانِ الْمُسَبَّلَةِ وَقَوْلُهُ وَقَبْلَهُ لَهُمْ الِامْتِنَاعُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيُجَابُ طَالِبُهَا ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْفَنُ ثَمَّ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُنَا مِنْ غَيْرِهَا ( أَوْ ) دَفَنَهُ بَعْضُهُمْ ( فِي أَرْضِ التَّرِكَةِ فَلِلْبَاقِينَ لَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُمْ نَقْلُهُ وَالْأَوْلَى ) لَهُمْ ( تَرْكُهُ ) فَنَقْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَالْمُرَادُ كَرَاهَتُهُ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَمَّا لَوْ دَفَنُوهُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعُوهُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي نَقْلُهُ لِسَبْقِ حَقِّهِمْ فَقَوْلُهُ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا مِنْ الْبَاقِينَ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي ( الْخِيَارُ ) فِي فَسْخِ الْبَيْعِ ( إنْ جَهِلَ ) الْحَالَ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَدْفِنُ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي يَنْتَفِعُ بِهِ ( إنْ بَلِيَ ) الْمَيِّتُ أَوْ اتَّفَقَ نَقْلُهُ
( بَابُ الدَّفْنِ ) ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلَحِ إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ : يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ مَفْرُوضًا عِنْدَ التَّسَاوِي أَمَّا مَتَى ظَهَرَتْ مَصْلَحَةُ الْمَيِّتِ فِي إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ تَقْدِيمُهَا وَقَوْلُهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ ) أَيْ الْبَعْضِ ( قَوْلُهُ أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا مِنْ الْبَاقِينَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاقِينَ فَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِمْ صَحِيحٌ
( فَرْعٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ مَاتَ رَقِيقٌ وَتَنَازَعَ قَرِيبُهُ وَسَيِّدُهُ فِي مَقْبَرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَفِي الْمُجَابِ مِنْهُمَا احْتِمَالَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ يَزُولُ بِالْمَوْتِ وَقَدْ مَرَّ ( وَأَقَلُّ الْوَاجِبِ ) فِي الْمَدْفِن ( حُفْرَةٌ تَصُونُ جِسْمَهُ عَنْ السِّبَاعِ ) غَالِبًا ( وَرَائِحَتَهُ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَلَازِمَيْنِ كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَكْتُمُ الرَّائِحَةَ مَعَ مَنْعِهَا الْوَحْشَ فَلَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِكَتْمِ الرَّائِحَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا قَالَ وَقَدْ أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ ( وَالْأَكْمَلُ ) فِي الدَّفْنِ ( قَبْرٌ وَاسِعٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ { أَسْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ارْتِفَاعُهُ ( قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ ) مِنْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لَهُمَا بِأَنْ يَقُومَ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ ( وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ ) خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُمَا ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ ( فَرْعٌ ثُمَّ ) بَعْدَ حَفْرِ الْقَبْرِ ( يَحْفِرُ ) نَدْبًا ( اللَّحْدَ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا يُقَالُ لَحَدْت لِلْمَيِّتِ وَأَلْحَدْت لَهُ ( فِي جَانِبِهِ الْقِبْلِيِّ مَائِلًا عَنْ الِاسْتِوَاءِ إلَى ) عِبَارَةِ الْأَصْلِ مِنْ ( أَسْفَلِهِ ) قَدْرَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ ( وَيُوَسِّعُ ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ يُوَسِّعُ اللَّحْدَ نَدْبًا بِالْعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِهِ
وَرِجْلَيْهِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ فِي أَبِي دَاوُد ( فَإِنْ كَانَتْ ) أَرْضَ الْقَبْرِ ( رِخْوَةً ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا وَضَمِّهَا ( شَقَّ فِي وَسَطِهِ ) كَالنَّهْرِ وَالْأَرْضِ الرِّخْوَةِ هِيَ الَّتِي تَنْهَارُ وَلَا تَتَمَاسَكُ ( وَبَنَى ) عِبَارَةَ الرَّافِعِيِّ أَوْ بَنَى ( جَانِبَيْهِ وَسَقْفَهُ ) بِلَبِنٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَرْفَعُ السَّقْفَ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ ( وَاللَّحْدُ فِي ) الْأَرْضِ ( الصُّلْبَةِ أَفْضَلُ ) مِنْ الشَّقِّ بِفَتْحِ الشِّينِ { لِقَوْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنِ نَصْبًا كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا فِي الرَّخْوَةِ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ خَشْيَةَ الِانْهِيَارِ
( قَوْلُهُ احْتِمَالَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ يَزُولُ بِالْمَوْتِ إلَخْ ) قَدْ قَدَّمْت مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُجَابَ السَّيِّدُ ( قَوْلُهُ وَأَقَلُّ الْوَاجِبِ حُفْرَةٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ حُفْرَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا يُصْنَعُ بِالشَّامِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَقْدِ أَزَجًّ وَاسِعٍ أَوْ مُقْتَصِدٍ شِبْهِ بَيْتٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ سَبُعًا وَلَا نَبَّاشًا مَعَ مُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ ، وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَحَقِيقَةِ بَيْتٍ تَحْتَ الْأَرْضِ فَهُوَ كَوَضْعِهِ فِي غَارٍ وَنَحْوِهِ وَسَدِّ بَابِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِدَفْنٍ قَطْعًا .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إلَخْ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ تَصُونُ جِسْمَهُ عَنْ السِّبَاعِ ) وَرَائِحَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي وُجُوبِ الدَّفْنِ عَدَمُ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ بِانْتِشَارِ رَائِحَتِهِ وَاسْتِقْذَارِ جِيفَتِهِ وَأَخْذِ السِّبَاعِ لَهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَاسِعٍ ) أَيْ مِنْ قِبَلَ رِجْلَيْهِ وَرَأْسِهِ ( قَوْلُهُ { وَأَوْسَعُوا وَأَعْمَقُوا } ) التَّوْسِيعُ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالتَّعْمِيقُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إلَخْ ) يَصِحُّ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى الذِّرَاعِ الْمَعْرُوفِ وَكَلَامِ النَّوَوِيِّ عَلَى ذِرَاعِ الْيَدِ قَوْلُهُ أَمَّا فِي الرَّخْوَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ : اللَّحْدُ عِنْدَنَا أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَيُحْفَرُ قَبْرٌ وَاسِعٌ وَيُبْنَى لَحْدُهُ مِنْ حَجَرٍ أَوْ لَبِنٍ وَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ حَسَنٌ يَنْبَغِي تَنْزِيلُ كَلَامِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ أَوْ لَمْ يُفْعَلْ فَالشَّقُّ أَوْلَى مِنْ اللَّحْدِ الرَّخْوِ
( فَرْعٌ يُوضَعُ الْمَيِّتُ ) نَدْبًا بِحَيْثُ يَكُونُ رَأْسُهُ ( عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ ) أَيْ مُؤَخِّرِهِ الَّذِي سَيَصِيرُ عِنْدَ رِجْلِ الْمَيِّتِ ( وَيُسَلُّ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ الصَّحَابِيَّ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ الْحَارِثِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ وَقَالَ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ } وَلِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا } وَمَا قِيلَ أَنَّهُ أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ ؛ لِأَنَّ شَقَّ قَبْرِهِ لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ وَلَحْدَهُ تَحْتَ الْجِدَارِ فَلَا مَوْضِعَ هُنَاكَ يُوضَعُ فِيهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَيُنْزِلُهُ اللَّحْدَ ) أَوْ غَيْرَهُ ( أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ) فَلَا يُنْزِلُهُ إلَّا الرِّجَالُ مَتَى وُجِدُوا ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً بِخِلَافِ النِّسَاءِ لِضَعْفِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِي قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ } .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ لَهَا مَحَارِمُ مِنْ النِّسَاءِ كَفَاطِمَةَ وَغَيْرِهَا نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَلِينَ حَمْلَ الْمَرْأَةِ مِنْ مُغْتَسَلِهَا إلَى النَّعْشِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ وَحَلِّ ثِيَابِهَا فِيهِ ( لَكِنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ ) مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ ( ثُمَّ الْأَفْقَهُ ) بِالدَّفْنِ ( الْقَرِيبِ ) أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى مِنْ الْأَقْرَبِ وَإِلَّا سُنَّ عَكْسُ مَا مَرَّ فِيهِمَا فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ دَفَعَ بِهِ وُرُودَهُ عَلَى إطْلَاقِ
قَوْلِهِمْ وَيُنْزِلُهُ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَ الْقَرِيبِ عَلَى الْأَقْرَبِ أَيْ يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ الْقَرِيبُ عَلَى الْأَقْرَبِ وَلَوْ أَسَنَّ ( ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْمَحَارِمِ ) فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ ، وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ ، وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ مِنْهَا ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ مِنْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ ( ثُمَّ عَبِيدُهَا ) أَيْ الْمَيِّتَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ وَنَحْوِهِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا لِانْقِطَاعِ الْمِلْكِ ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هُنَا وَأُجِيبَ بِاخْتِلَافِ الْبَابَيْنِ إذْ الرَّجُلُ ثَمَّ يَتَأَخَّرُ .
وَهُنَا يَتَقَدَّمُ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ يَتَقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَبْدُ الْمَيِّتَةِ أَوْلَى مِنْهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى عَبِيدِهَا مَحَارِمُ الرَّضَاعِ وَمَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ ( ثُمَّ الْخُصْيَانُ ) الْأَجَانِبُ لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ وَلَوْ قَالَ ثُمَّ الْمَمْسُوخُونَ ثُمَّ الْمَجْبُوبُونَ ثُمَّ الْخُصْيَانُ كَانَ أَوْلَى لِلتَّفَاوُتِ بِضَعْفِ الشَّهْوَةِ ( ثُمَّ الْعَصَبَةُ ) الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لَهُمْ كَبَنِي الْعَمِّ بِتَرْتِيبِهِمْ فِي الصَّلَاةِ ( ثُمَّ ذَوُو الرَّحِمِ ) وَفِي نُسْخَةٍ ذَوُو الْأَرْحَامِ ( الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لَهُمْ ) كَبَنِي الْخَالِ وَبَنِي الْعَمَّةِ فَقَوْلُهُ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِّيَةَ لَهُمْ صِفَةٌ لِلْعَصَبَةِ وَلِذَوِي الرَّحِمِ وَذِكْرُ الْعَصَبَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( ثُمَّ صَالِحُ الْأَجَانِبِ ) لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ السَّابِقِ إذْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَحْرَمٌ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّهُ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي نُزُولِ قَبْرِهَا وَكَذَا زَوْجُهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ النِّسَاءُ بِتَرْتِيبِهِنَّ السَّابِقِ فِي الْغُسْلِ وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا
أَرَى تَقْدِيمَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَحْتُومًا بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ لَيْسَ حَتْمًا فِي تَأْدِيَةِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ يَرَوْنَهُ حَتْمًا فِيهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي الدَّفْنِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ كَالزَّوْجِ ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَهَلْ يَكُونُ مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ نَعَمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ أَحَقُّ بِدَفْنِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ حَتْمًا
( قَوْلُهُ وَقَالَ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ ) وَقَوْل الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ ( قَوْلُهُ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِالدَّفْنِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ أَنَّا حَيْثُ قَدَّمْنَا الْوَالِيَ فِي الصَّلَاةِ نُقَدِّمُهُ فِي الدَّفْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ فِيهِ .
ا هـ .
وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ أَحَقُّ فَإِنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ التَّقْدِيمُ وَالتَّقَدُّمُ ( قَوْلُهُ وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ ) قَالَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَوَقَعَ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهَا رُقَيَّةُ ثُمَّ قَالَ مَا أَدْرِي مَا هَذَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْهَدْ رُقَيَّةَ أَيْ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَائِبًا بِبَدْرٍ وَصَحَّحَ ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهَا زَيْنَبُ ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ عَبِيدُهَا ) قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ وَالْخَصِيُّ مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ الْفَحْلِ وَأَغْفَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لَهُ ( قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى عَبِيدِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَحَارِمُ الرَّضَاعِ وَمَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ ) وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ كَلَامُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَفُرُوعَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : قَدْ يُقَالُ إنَّ الْعِنِّينَ وَالْهَمَّ مِنْ الْفُحُولِ أَضْعَفُ شَهْوَةً مِنْ شَبَابِ الْخُصْيَانِ فَيُقَدَّمُونَ عَلَيْهِمْ ( قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبُّ لَا وَاجِبٌ ) نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَوْلَى كَذَا وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا أَوْلَوِيَّةُ اسْتِحْبَابٍ قَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ نَعَمْ ) الْأَقْرَبُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي النَّظَرِ وَنَحْوِهِ كَالْمَحْرَمِ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ عَبْدِ الْمَرْأَةِ إذْ الْمَالِكِيَّةُ أَقْوَى مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ
( فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَدَدُهُمْ ) أَيْ الدَّافِنِينَ ( وَعَدَدُ الْغَاسِلِينَ وِتْرًا ) ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِدُونِ الْعَبَّاسِ وَزِيَادَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأُسَامَةَ وَنَزَلَ مَعَهُمْ خَامِسٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَأُسَامَةَ وَفِي أُخْرَى لَهُ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ مَعَهُمْ خَامِسٌ { ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَلَّى غُسْلَهُ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ } كَمَا مَرَّ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ ( وَيُجْزِئُ كَافٍ ) لِدَفْنِهِ وَغُسْلِهِ وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ شَفْعًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَلَك أَنْ تُدْخِلَ الْوَاحِدَ فِي قَوْلِهِ وِتْرًا وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ فِي الدَّفْنِ عِنْدَ الِاكْتِفَاءِ بِهِ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَخَبَرُ أَبِي طَلْحَةَ السَّابِقُ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يُدْخِلَهُ ) الْقَبْرَ ( وَالْقَبْرُ مَسْتُورٌ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتُرَ الْقَبْرَ عِنْدَ الدَّفْنِ بِثَوْبٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَيْ ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِمَا عَسَاهُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِمَّا كَانَ يَجِبُ سَتْرُهُ ( وَ ) سَتْرُهُ ( لِلْمَرْأَةِ آكَدُ ) مِنْهُ لِغَيْرِهَا كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لِلْخُنْثَى آكَدُ مِنْهُ لِلرَّجُلِ ( قَائِلًا ) مُدْخِلُهُ ( بِسْمِ اللَّهِ ) وَبِاَللَّهِ ( وَعَلَى مِلَّةِ ) أَوْ سُنَّةِ ( رَسُولِ اللَّهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَ ) أَنْ ( يَدْعُوَ لَهُ بِالْمَأْثُورِ ) .
وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ اللَّهُمَّ أَسْلَمَهُ إلَيْك الْأَشِحَّاءُ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ وَفَارَقَهُ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ وَخَرَجَ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةِ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ
وَنَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ إنْ عَاقَبْته فَبِذَنْبِهِ ، وَإِنْ عَفَوْت عَنْهُ فَأَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ أَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ ، وَهُوَ فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَسَنَتَهُ وَاغْفِرْ سَيِّئَتَهُ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَاجْمَعْ لَهُ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك وَاكْفِهِ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ وَاخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَارْفَعْهُ فِي عَلِيَّيْنِ وَعُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى أَنَّثَ ضَمَائِرَهُ كَمَا عُلِمَ زِيَادَةً مِمَّا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّغِيرِ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الذِّكْرِ الْمَأْثُورِ فِي غَيْرِ الصَّغِيرِ ( ثُمَّ يُضْجِعُهُ ) نَدْبًا ( عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَكَمَا فِي الِاضْطِجَاعِ عِنْدَ النَّوْمِ ( وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ بِلَبِنَةٍ ) طَاهِرَةٍ ( وَنَحْوِهَا ) خَوْفًا ( مِنْ السُّقُوطِ ) أَيْ اسْتِلْقَائِهِ ( وَيُدْنِي مِنْ جِدَارِ اللَّحْدِ ) فَيُسْنِدُ إلَيْهِ وَجْهَهُ وَرِجْلَاهُ وَيَجْعَلُ فِي بَاقِيهِ بَعْضَ التَّجَافِي فَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْ هَيْئَةِ الرَّاكِعِ خَوْفًا مِنْ انْكِبَابِهِ وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ مِنْ السُّقُوطِ إلَى هُنَا كَانَ أَنْسَبَ لِيَكُونَ الْمَعْنَى خَوْفًا مِنْ اسْتِلْقَائِهِ وَانْكِبَابه .
( وَالِاسْتِقْبَالُ بِهِ ) الْقِبْلَةَ ( وَاجِبٌ ) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَلِّي ( فَإِنَّ دُفِنَ مُسْتَدْبِرًا ) يَعْنِي غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لَهَا فَيَشْمَلُ الِاسْتِلْقَاءَ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ ( نُبِشَ ) وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا ( إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ) وَإِلَّا فَلَا يُنْبَشُ وَمَحَلُّهُ فِي الِاسْتِلْقَاءِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا جَعَلَ عَرْضَ الْقَبْرِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ كَالْعَادَةِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ جَعْلُ عَرْضِ الْقَبْرِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ فَإِنْ جَعَلَ طُولَهُ إلَيْهَا بِحَيْثُ إذَا وَضَعَ فِيهِ الْمَيِّتَ تَكُونُ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ فَعَلَ لِضِيقِ مَكَان لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ لَكِنْ إذَا
دُفِنَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُنْبَشُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِلتَّنْزِيهِ وَتَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ : وَيَنْبَغِي تَحْرِيمُ جَعْلِ الْقَبْرِ كَذَلِكَ بِلَا ضَرُورَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَسَبِّ صَاحِبِهِ لِاعْتِقَادِ أَنَّهُ مِنْ الْيَهُودِ أَوْ النَّصَارَى فَإِنَّ هَذَا شِعَارُهُمْ وَفِي كَوْنِ مَا قَالَهُ مُوجِبًا لِلتَّحْرِيمِ نَظَرٌ ( لَا إنْ وُضِعَ عَلَى يَسَارِهِ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا فَلَا يُنْبَشُ ( وَذَلِكَ ) أَيْ وَضْعُهُ عَلَى يَسَارِهِ ( مَكْرُوهٌ ) .
وَهُوَ مُرَادُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا فَإِنَّ الَّذِي سَبَقَ لَهُ ثُمَّ إنَّمَا هُوَ الْكَرَاهَةُ ( وَلَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ أَوْ مَاتَتْ كَافِرَةٌ ) وَلَوْ حَرْبِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً ( وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ ) مَيِّتٌ ( قُبِرُوا فِيمَا بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ) وُجُوبًا لِئَلَّا يُدْفَنَ الْكُفَّارُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَعَكْسُهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَصْرَانِيَّةٍ فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ مُعَارِضٌ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْكَافِرَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالذِّمِّيَّةِ لِمَا مَرَّ ( وَاسْتَدْبَرُوا بِالْمَرْأَةِ ) الْقِبْلَةَ وُجُوبًا ( لِيَسْتَقْبِلَ ) هَا ( الْجَنِينُ ) ؛ لِأَنَّ وَجْهه إلَى ظَهْرِ أُمِّهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ دُفِنَتْ أُمُّهُ كَيْفَ شَاءَ أَهْلُهَا ؛ لِأَنَّ دَفْنَهُ حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ فَاسْتِقْبَالُهُ أَوْلَى كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إنَّ وَقْتَ التَّخَلُّقِ هُوَ وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَخَطَّطْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَلَا دَفْنُهُ .
وَمَا رُدَّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجِهَ أَنَّهُ لَا
فَرْقَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّطْفَةِ بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْحَامِلِ قَوَدٌ وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَى وَضْعِهِ ، وَإِنْ ظَنَنَّا عَدَمَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ مَرْدُودٌ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حَمْلِ الْحَيَاةِ وَفِي حَمْلِ الْمَيِّتَةِ فَلَمْ يُرَاعُوا حُرْمَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا لَوْ يُرَاعُوهَا فِي التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ ( وَحَكَى عَنْ النَّصِّ أَنَّ أَهْلَ دِينِهَا يَتَوَلَّوْنَ غُسْلَهَا وَدَفْنَهَا ) ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ
( قَوْلُهُ نُبِشَ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّتِنِ ) أَوْ التَّقَطُّعِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِلتَّنْزِيهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأَوْلَى مِنْ هَاتَيْنِ ) أَيْ حُكْمُهَا مَمْنُوعٌ
( فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ ) نَدْبًا ( بِنَحْوِ لَبِنَةٍ ) طَاهِرَةٍ كَكَوْمِ تُرَابٍ ( وَيُفْضَى بِخَدِّهِ ) الْأَيْمَنِ ( مَكْشُوفًا إلَيْهَا ) الْأَوْلَى إلَيْهِ أَيْ إلَى نَحْوِ اللَّبِنَةِ ( أَوْلَى التُّرَابُ ) مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِكَانَةِ وَالِامْتِهَانِ رَجَاءَ الرَّحْمَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ مَكْشُوفًا إيضَاحٌ ( وَيُكْرَهُ ) أَنْ يُوضَعَ تَحْتَهُ ( مِخَدَّةٌ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ( وَفُرُشٌ ) قَالُوا ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَأَجَابُوا عَمَّا فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِرِضَا جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا عِلْمِهِمْ ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَاهَةَ أَنْ تُلْبَسَ بَعْدَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ ثَوْبٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ بِقَبْرِهِ مَعَ أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الِاسْتِيعَابِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ وَكِيعٌ هَذَا خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( وَ ) يُكْرَهُ ( صُنْدُوقٌ ) أَيْ جَعْلُ الْمَيِّتِ فِيهِ ( وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّته بِذَلِكَ ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَقَوْلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ بِهِ ( فَإِنْ اُحْتِيجَ الصُّنْدُوقُ ) أَيْ إلَيْهِ ( لِنَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَرَخَاوَةٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ وَصَّى بِهِ ( نَفَذَتْ ) وَصِيَّتُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ فِي تَهْرِيَةٍ بِحَرِيقٍ أَوْ لَدْغٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الصُّنْدُوقُ قَالَ وَيُسْتَثْنَى امْرَأَةٌ لَا مَحْرَمٌ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ قُلْت فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُسَبَّعَةُ بِحَيْثُ لَا يَصُونُهُ مِنْ نَبْشِهَا إلَّا الصُّنْدُوقُ ( وَهُوَ ) أَيْ الصُّنْدُوقُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ ( مِنْ
رَأْسِ الْمَالِ ) كَالْكَفَنِ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ ( فَرْعٌ ثُمَّ ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا مَرَّ ( يُبْنَى اللَّحْدُ ) نَدْبًا ( بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ ) أَوْ نَحْوِهِمَا لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نَصْبًا ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي صِيَانَةِ الْمَيِّتِ عَنْ النَّبْشِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ { اللَّبِنَاتِ الَّتِي وُضِعَتْ فِي قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ } ( وَتَسُدُّ فُرَجُهُ ) أَيْ اللَّحْدِ بِكَسْرِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْنَعُ التُّرَابَ وَالْهَوَامَّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ بَدَلَ الْإِذْخِرِ الْآجُرُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ بَلْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِكَرَاهَةٍ قُلْت وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ قَالَ ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَضْعُ شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ فِي الْقَبْرِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي إسْنَادِ ظَهْرِهِ وَرَفْعِ رَأْسِهِ وَبِنَاءِ لَحْدِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ يُنْصَبُ اللَّبِنُ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِقَطْعِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( يُحْثِي ) نَدْبًا ( كُلُّ مَنْ دَنَا ) عِبَارَةُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ ( ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ) مِنْ تُرَابِهِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَلِيَكُنْ قِبَلَ رَأْسِهِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْفَرْضِ يُقَالُ حَثَى يُحْثِي حَثْيًا وَحَثَيَاتٍ وَحَتَّى يَحْثُوَ حَثْوًا وَحَثْوَاتٍ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ ( وَيَقُولُ نَدْبًا فِي الْأُولَى { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } وَفِي الثَّانِيَةِ { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } وَفِي الثَّالِثَةِ { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ
لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ ( ثُمَّ يُدْفَنُ بِالْمَسَاحِي ) إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَثْيِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ وُقُوعِ اللَّبِنَاتِ وَعَنْ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ بِالْغُبَارِ وَالْمَسَاحِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعِ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُمْسَحُ بِهَا الْأَرْضُ وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ هُنَا هِيَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا
( قَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ ) قَالَ شَيْخُنَا مَا لَمْ يُوصَ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ ( قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ دَنَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْبَعِيدَ وَالْقَرِيبَ وَقَوْلُهُ لِمَنْ حَضَرَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ ) الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لِئَلَّا يُعَظِّمَ شَخْصُهُ ( وَأَنْ يُرْفَعَ قَدْرَ شِبْرٍ ) تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ كَقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُزَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ كَأَنْ سَفَّتْهُ الرِّيحُ قَبْلَ إتْمَامِ حَفْرِهِ أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ قَلِيلَةَ التُّرَابِ لِكَثْرَةِ الْحِجَارَةِ ( وَتَسْطِيحُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَسْنِيمِهِ ) كَقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْت لَهَا اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِيهِ فَكَشَفَتْ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ أَيْ لَا مُرْتَفِعَةً كَثِيرًا وَلَا لَاصِقَةً بِالْأَرْضِ كَمَا بَيَّنَهُ آخِرَ الْخَبَرِ يُقَالُ لَطِئَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَلَطَا بِفَتْحِهَا أَيْ لَصِقَ وَلَا يُؤَثِّرُ أَفْضَلِيَّةُ التَّسْطِيحِ كَوْنُهُ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ { قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ } ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ .
وَإِنَّمَا أَرَادَ تَسْطِيحَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ ( فَإِنْ دُفِنَ ) مُسْلِمٌ ( فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ أُخْفِيَ قَبْرُهُ ) صِيَانَةً لَهُ عَنْهُمْ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ ) أَيْ تَبْيِيضُ الْقَبْرِ بِالْجَصِّ أَيْ الْجِبْسُ وَيُقَالُ هُوَ النُّورَةُ الْبَيْضَاءُ ( وَكِتَابَةٌ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ )
قَالَ جَابِرٌ : { نَهَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ، وَإِنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ التِّرْمِذِيُّ { وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُوطَأَ } وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ الْقُبَّةُ أَمْ غَيْرُهَا وَسَوَاءٌ فِي الْمَكْتُوبِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرُهُ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَمَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ يُكْرَهُ بِنَاؤُهُ فَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ نَهَى أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ ( بَلْ يُهْدَمَ ) الْبِنَاءُ الَّذِي بُنِيَ ( فِي ) الْمَقْبَرَةِ ( الْمُسَبَّلَةِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا بُنِيَ فِي مِلْكِهِ .
وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِيهَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرَبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِالْمُسَبَّلَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةٍ وَلَا غَرَضٍ شَرْعِيٍّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ ( وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزِّينَةِ بِخِلَافِ التَّجْصِيصِ وَقِيلَ لَا يُطَيَّنُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( وَمَشْيٌ ) أَيْ وَلَا بَأْسَ بِمَشْيِ ( مُتَنَعِّلٍ بِمَقْبَرَةٍ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الْعَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى يَسْمَعَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ } الْحَدِيثَ وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ : رَآهُ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَك أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك فَخَلَعَهُمَا } بِأَنَّهُ كَرِهَهُمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ ، وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ فَنَهَى عَنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُيَلَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ عَلَى زِيِّ التَّوَاضُعِ وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ
وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ وَالنَّهْيُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِلتَّنْزِيهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ عِنْدَ الْقُبُورِ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَشَّ ) الْقَبْرُ ( بِالْمَاءِ ) لِئَلَّا يَنْسِفَهُ الرِّيحُ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ ابْنِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي وَبِقَبْرِ سَعْدٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَعْدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ طَاهِرًا طَهُورًا بَارِدًا تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ يُبَرِّدُ مَضْجَعَهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَ ( وَأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى ) رَوَى الشَّافِعِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ } ، وَهِيَ بِالْمَدِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْحَصَى الصِّغَارُ ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مَرْوِيٌّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ( وَ ) يُوضَعُ ( عِنْدَ رَأْسِهِ صَخْرَةٌ أَوْ خَشَبَةٌ ) أَوْ نَحْوِهِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ حَجَرًا أَيْ صَخْرَةً عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي } قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُوضَعُ ذَلِكَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا ( وَيُكْرَهُ رَشُّهُ ) أَيْ قَبْرٍ ( بِمَاءِ وَرْدٍ ) وَنَحْوِهِ وَأَنْ يُطْلَى بِالْخَلُوقِ قَالُوا ؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ رَشِّهِ بِالنَّجَسِ أَوْ تَحْرِيمُهُ ( وَ ) يُكْرَهُ ( ضَرْبُ مِظَلَّةٍ عَلَيْهِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى مِظَلَّةً عَلَى قَبْرٍ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَقَالَ دَعَوْهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ
( قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُزَادُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي يُخَافُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبَنَى عَلَيْهِ ) اسْتَثْنَى الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مَا إذَا خَشِيَ نَبْشَهُ فَيَجُوزُ وَتَجْصِيصُهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ النَّبَّاشُ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ مِنْ نَبْشِ الضَّبُعِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنْ يَجْرِفَهُ السَّيْلُ وَقَوْلُهُ مَا إذَا خَشِيَ نَبْشَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ يُهْدَمُ فِي الْمُسَبَّلَةِ ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْقُوفَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى الدَّفْنِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْمُسَبَّلَةِ وَمَا أَدْرَى مَا حَمَلَهُ عَلَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى تَأْوِيلٍ لَا يَصِحُّ ( قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِيهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ النَّوَوِيِّ يُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إذَا بَنَى عَلَى الْقَبْرِ خَاصَّةً بِحَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ وَاقِعًا فِي حَرِيمِ الْقَبْرِ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَضْيِيقَ فِيهِ وَيُحْمَلُ الْحُرْمَةُ عَلَى مَا إذَا بَنَى فِي الْمَقْبَرَةِ فِيهِ أَوْ بَيْتًا يُسْكَنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ بَنَاهُ لِيَأْوِيَ فِيهِ الزَّائِرُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ ا هـ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي الْمَوَاقِفِ وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فَمِ أَخِيك سُوءً مَا أَمْكَنَك لَهَا مَحْمَلٌ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ) بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَا خِلَافَ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَيَقْرَبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِالْمُسَبَّلَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُشَّ الْقَبْرُ بِالْمَاءِ ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ بِمُدَّةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْأَوْجَهُ فِعْلُهُ وَلَوْ مَعَ
وُجُودِ مَطَرٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ ( قَوْلُهُ وَيُوضَعُ ذَلِكَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ تَحْرِيمِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْله كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ عِبَارَةٌ فِي الْقُوتِ إشَارَاتٌ : حَضَرْت جِنَازَةً بِحَلَبِ فَوَقَعَ عَقِبَ دَفْنِهَا مَطَرٌ غَزِيرٌ فَقُلْتُ لَهُمْ : يَكْفِي هَذَا عَنْ الرَّشِّ ا هـ مِنْ خَطِّ الْمُجَرَّدِ
( فَصْلٌ يَحْصُلُ مِنْ الْأَجْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ) الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ ( قِيرَاطٌ وَ ) يَحْصُلُ مِنْهُ ( بِهَا وَالْحُضُورُ ) مَعَهُ ( إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا الْمُوَارَاةُ ) فَقَطْ ( قِيرَاطَانِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ { حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ } وَلِمُسْلِمٍ { أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ } وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ { حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ } وَهَلْ ذَلِكَ بِقِيرَاطِ الصَّلَاةِ أَوْ بِدُونِهِ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ قَرَارِيطَ فِيهِ احْتِمَالٌ لَكِنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ التَّصْرِيحَ بِالْأَوَّلِ وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا { مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا كُتِبَ لَهُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ } وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ ذَكَرًا فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَقَعَ ثَلَاثٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَنَائِزُ وَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً هَلْ يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهَا أَوْ لَا نَظَرًا لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ التَّعَدُّدُ وَبِهِ أَجَابَ قَاضِي حُمَاةَ الْبَارِزِيُّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ وَحْدَهُ وَمَكَثَ حَتَّى دُفِنَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْقِيرَاطُ الثَّانِي ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ
قَوْلُهُ وَهَلْ ذَلِكَ بِقِيرَاطِ الصَّلَاةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ التَّعَدُّدُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ أَجَابَ قَاضِي حَمَاةَ الْبَارِزِيُّ ) وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ نَظَرًا إلَى تَعَدُّدِ الْجِنَازَةِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اتِّحَادُ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَبَطَ الْقِيرَاطَ بِوَصْفٍ ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَيِّتٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَدَفَعَاتٍ قَالَ السُّبْكِيُّ : الْقِيرَاطُ مِنْ الْأَجْرِ لَيْسَ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ بَلْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِشُهُودِهَا مِنْ مَكَانِهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَمَحَلُّ التَّعَدُّدِ لِمَنْ شَهِدَهَا مِنْ مَكَانِهَا حَتَّى صَلَّى عَلَيْهَا انْتَهَى .
وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ { مَنْ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ } الْحَدِيثَ هَلْ يَتَعَدَّدُ النَّقْصُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الْكِلَابُ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا قَالَ السُّبْكِيُّ : الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ لَكِنْ يَتَعَدَّدُ الْإِثْمُ فَإِنَّ اقْتِنَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْوَاحِدِ إنَّمَا وَبِالِاثْنَيْنِ وَهَلُمَّ جَرَّا ، وَلَكِنَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ بِعَدَدِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ وَلَا دَلَالَةَ لِكَلَامِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ
( فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ ) لِمَنْ حَضَرَ دَفْنَ الْمَيِّتِ أَوْ عَقِبَهُ ( أَنْ يَقِفَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَيَسْتَغْفِرَ ) اللَّهَ وَيَدْعُوَ ( لَهُ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الرَّجُلِ يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَعْلَمَ مَاذَا أُرْجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ شُنُّوا رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ ( وَأَنْ يُلَقَّنَ الْمَيْتُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذْكِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ( بَعْدَ الدَّفْنِ بِالْمَأْثُورِ ) أَيْ الْمَنْقُولِ ، وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ { إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ لِيَقُلْ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنَ
فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللَّهُ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ فَلْيَقُلْ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ انْطَلَقَ بِنَا مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ قَالَ فَلْيَنْسِبْهُ إلَى أُمِّهِ حَوَّاءَ يَا فُلَانُ بْنَ حَوَّاءَ } قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فِيهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ اُعْتُضِدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثِ { اسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ } وَوَصِيَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } دَلِيلٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَيِّتِ مَنْ مَاتَ أَمَّا قَبْلَ الْمَوْتِ أَيْ ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا مَرَّ فَمَجَازٌ .
وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ يَا ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ النَّاسَ يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِآبَائِهِمْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْفِيِّ وَوَلَدُ الزِّنَا عَلَى أَنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ خَيْرٌ فَقَالَ يُقَالُ يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَمَةِ اللَّهِ وَأُبْدِلَ مَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ بِالْعَهْدِ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ : وَيُسَنُّ إعَادَةُ التَّلْقِينِ ثَلَاثًا قُلْت ، وَهُوَ قِيَاسُ التَّلْقِينِ عِنْدَ الْمَوْتِ .
ا هـ .
قَالَ الْقَمُولِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُعَارِضُ التَّلْقِينُ قَوْله تَعَالَى { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } وَقَوْلُهُ { إنَّك لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أَهْلَ الْقَلِيبِ وَأَسْمَعَهُمْ وَقَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ لَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ جَوَابًا } .
{ وَقَالَ فِي الْمَيِّتِ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِكُمْ } ، وَهَذَا يَكُونُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ( وَأَنْ يَقِفَ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَيَقْعُدُ ( الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ ) لِوُرُودِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى سَمَاعِ الْمَيِّتِ التَّلْقِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى التَّلْقِينَ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ مِنْ أَقْرِبَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَمِنْ غَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَلَا يُلَقَّنُ طِفْلٌ ) وَلَوْ مُرَاهِقًا ( وَنَحْوُهُ ) كَمَجْنُونٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ تَكْلِيفٌ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُفْتَنَانِ فِي قَبْرَيْهِمَا أَمَّا خَبَرُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ } فَغَرِيبٌ ( وَلَيُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ ) حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِلِاتِّبَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عِبَارَةُ الْأَصْلِ الْمُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ .
ا هـ .
فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ وَحَرُمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْكَرَاهَةُ أَوْ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ .
أَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ السَّابِقِ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَمِيلُ إلَى التَّحْرِيمِ بِقَرِينَةِ تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ ( فَإِنْ كَثُرُوا وَعَسِرَ )
إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ ( جَازَ الْجَمْعُ ) بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا فِي ثَوْبٍ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ عَنْ أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا فَيُقَدِّمُهُ إلَى اللَّحْدِ } ( لَا فَرْعٌ ) فَلَا يُقَدَّمُ ( عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ ) فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهَا وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ ( وَلَا ) يُقَدَّمُ ( أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ ) فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى أُمِّهِ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ ( وَ ) يُقَدَّمُ ( الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ ) وَالصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ بِأَنْ يُقَالَ وَلَوْ احْتِمَالًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا تَسَاوَوْا فِي الْفَضِيلَةِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ إذَا تَرَتَّبُوا لَا يُنَحَّى لِمَا سَبَقَ ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ يَأْتِي هُنَا ، وَأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَأْتِي هُنَاكَ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُدَّةَ هُنَا مُؤَيَّدَةٌ بِخِلَافِهَا وَبِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالْأَفْضَلُ أَوْلَى بِهِ ( وَلَا يُجْمَعُ ) فِي قَبْرٍ ( رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ ) فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَمَحَلِّهِ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ
فَقَالَ إنَّهُ حَرَامٌ حَتَّى فِي الْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمُحَرَّمِ بَلْ أَوْلَى ، وَأَنَّ الْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ ( وَيُحْجَزُ بَيْنَ الْمَيِّتَيْنِ بِتُرَابٍ ) نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ( وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ )
( قَوْلُهُ وَأَنْ يُلَقِّنَ الْمَيِّتَ بَعْدَ الدَّفْنِ إلَخْ ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا أُقْبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرِ النَّكِيرُ فَيَقُولَانِ مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُهُ فِيهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك تَقُولُ هَذَا ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ ثُمَّ فَيَقُولُ أَرْجِعُ إلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ فَيُقَالُ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ } قَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمَرَّاتٍ لِمُجَاوَبَةٍ لَهُمَا تَوَاضَعَا لَهُ ( قَوْلُهُ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّلْقِينَ يَكُونُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيَّ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ قَبْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَأَقَرَّهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ فَإِذَا انْصَرَفُوا أَتَاهُ مَلَكَانِ } الْحَدِيثَ فَإِذَا أُخِّرَ التَّلْقِينُ إلَى مَا بَعْدَ الْإِهَالَةِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى حَالَةِ سُؤَالِهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَخْ ) وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ اللَّذَيْنِ يَأْتِيَانِ الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرٍ مُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ أَيْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا مُنْكِرٌ وَنَكِيرٌ قَوْلُهُ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى التَّلْقِينَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يُلَقَّنُ طِفْلٌ وَنَحْوُهُ ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يُلَقَّنَ الشَّهِيدُ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الطِّفْلَ لَا يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ جَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ حَجَرٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُسْأَلُونَ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ يُسْأَلُ عَنْ النَّبِيِّ فَكَيْفَ يُسْأَلُ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُفْتَنُ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ ( قَوْلُهُ وَحَرُمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْكَرَاهَةُ إلَخْ ) وَخَالَفَاهُ فِي الْقُوتِ وَالْخَادِمِ وَأَلْحَقَ السُّبْكِيُّ بَحْثًا بِالنَّوْعِ الْوَاحِدِ الْمُحَرَّمِ وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ التَّصْرِيحَ بِهِ وَبِالزَّوْجِ وَنَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا ثُمَّ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّأَذِّي ، وَأَمَّا مَحْذُورُ الشَّهْوَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَزَالَ بِالْمَوْتِ وَسَيَأْتِي الْإِلْحَاقُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُدَّةَ هُنَا مُؤَبَّدَةٌ بِخِلَافِهَا ثُمَّ وَبِأَنَّ الْقَصْدَ إلَخْ ) وَفِيهِمَا نَظَرٌ ش ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الصَّغِيرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَنَّ الْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ ) وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِفِعْلِهِ مَنْدُوبٌ
( فَصْلٌ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالِاسْتِنَادُ وَالْوَطْءُ لِلْقَبْرِ ) أَيْ الْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ لَهُ تَوْقِيرًا لِلْمَيِّتِ ، وَأَمَّا الْجُلُوسُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ { لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ حَتَّى تَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ } فَفَسَّرَهُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجُلُوسِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ { مَنْ جَلَسَ عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ } اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِالْإِسْنَادِ عَنْ الِاتِّكَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْأَصْلِ ( إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنَّ حَالَ ) الْقَبْرِ ( دُونَ مَنْ يَزُورُهُ ) وَلَوْ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَيْهِ إلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ كَرَاهَةِ الْوَطْءِ لِضَرُورَةِ الدَّفْنِ وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ النَّصِّ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَنْ يَزُورُهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَبْرِ مَيِّتِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْرُ الْمُسْلِمِ لَا قَبْرُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَنَحْوِهِمَا وَفِي قَبْرِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِأَجْلِ كَفِّ الْأَذَى عَنْ أَحْيَائِهِمْ إذَا وُجِدُوا وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الْمُكْثِ فِي مَقَابِرِهِمْ
( قَوْلُهُ تَوْقِيرًا لِلْمَيِّتِ ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَتَيَقَّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَبْقَى فِي الْقَبْرِ أَنَّهُ لَا احْتِرَامَ وَعِبَارَتُهُ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْبَلَدِ لَا تَبْقَى لَهُ حُرْمَةٌ قَوْلُهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ ) أَيْ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ ( لِلرَّجُلِ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ } ( وَتُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ ) لِجَزَعِهَا ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهَا { لِقَوْلِ عَائِشَةَ قُلْت كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي إذَا زُرْت الْقُبُورَ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَمَّا خَبَرُ { لَعَنَ اللَّهُ زَوْرَاتِ الْقُبُورِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِلتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ ( إلَّا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَلَا تُكْرَهُ لَهَا زِيَارَتُهُ بَلْ تُنْدَبُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْحَجّ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنْ تَكُونَ قُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ كَذَلِكَ ( وَيَقُولُ الزَّائِرُ ) نَدْبًا ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ إلَى آخِرِهِ ) ، وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَفِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَقْوَالٌ قِيلَ هُوَ عَلَى عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى بَابِهِ رَاجِعٌ إلَى اللُّحُوقِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ مِنْ تَنْكِيرِ السَّلَامِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ تَعْرِيفُهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي يَقُولُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا
أَهْلًا لِلْخِطَابِ { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَالَ لَهُ عَلَيْك السَّلَامُ أَنَّ عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى إذَا لَقِيَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَلْيَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالصَّحِيحُ مَا مَرَّ وَأُجِيبَ عَنْ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ عَادَتِهِمْ لَا تَعْلِيمٌ لَهُمْ وَبِأَنَّ أَخْبَارَنَا أَصَحُّ وَأَكْثَرُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْخِطَابِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } ( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ دُنُوَّهُ مِنْهُ حَيًّا ) عِنْدَ زِيَارَتِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ مَعَهُ الْبُعْدَ وَقَدْ أَوْصَى بِالْقُرْبِ مِنْهُ قَرُبَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي الْحَيَاةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَأَنْ يَقْرَأَ ) عِنْدَهُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ( ثُمَّ يَدْعُوَ ) لَهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُبُورِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ ( وَالْأَجْرُ لَهُ ) أَيْ لِلْقَارِئِ ( وَالْمَيِّتُ كَالْحَاضِرِ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ ) وَالْبَرَكَةُ وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ مَا يُوَضِّحُهُ
( قَوْلُهُ أَيْ قُبُورُ الْمُسْلِمِينَ ) فَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ تُسْتَحَبَّ بَلْ تُبَاحُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : تَحْرُمُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مَنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ : وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ ) مِثْلُهَا الْخُنْثَى ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنْ تَكُونَ قُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَقُولُ الزَّائِرُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَخْ ) سَبَقَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ زِيَارَةُ قُبُورِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَامُ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى ج وَقَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ) قِيلَ إنْ بِمَعْنَى إذْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ عَلَى الْإِيمَانِ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ دُنُوَّهُ مِنْهُ حَيًّا ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَلَا يَسْتَلِمْ الْقَبْرَ وَلَا يُقَبِّلْهُ وَيَسْتَقْبِلُ وَجْهَهُ لِلسَّلَامِ وَالْقِبْلَةِ لِلدُّعَاءِ ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ شَيْخُنَا : نَعَمْ إنْ كَانَ قَبْرَ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ عَالِمٍ وَاسْتَلَمَهُ أَوْ قَبَّلَهُ بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ يَحْرُمُ نَبْشُ الْقَبْرِ قَبْلَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ) بِتِلْكَ الْأَرْضِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ ( فَإِنْ بَلِيَ الْمَيِّتُ ) بِأَنْ انْمَحَقَ جِسْمُهُ وَعَظْمُهُ وَصَارَ تُرَابًا ( جَازَ ) نَبْشُ قَبْرِهِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ ( وَحَرُمَ ) حِينَئِذٍ ( تَجْدِيدُهُ ) بِأَنْ يَسْتَوِيَ تُرَابُهُ عَلَيْهِ وَيُعَمَّرَ عِمَارَةَ قَبْرٍ جَدِيدٍ ( فِي ) مَقْبَرَةٍ ( مُسَبَّلَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ جَدِيدٌ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ الدَّفْنِ فِيهِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَا لَوْ كَانَ الْمَدْفُونُ صَحَابِيًّا أَوْ مِمَّنْ اشْتَهَرَتْ وِلَايَتُهُ فَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ عِنْدَ الِانْمِحَاقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ وَالْمُرَادُ بِعِمَارَتِهَا حِفْظُهَا مِنْ الدِّرَاسَةِ لَا تَجْدِيدُ بِنَائِهَا لِمَا مَرَّ ( وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ خَاتَمٌ وَنَحْوُهُ ) أَيْ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُتَمَوَّلُ ، وَإِنْ قَلَّ ( نَبْشٌ ) وَرُدَّ ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِطَلَبِ مَالِكِهِ لَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَمْ يُوَافِقْهُ وَعَلَيْهِ وَرَدَ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَيْ الِانْتِصَارِ وَالِاسْتِقْصَاءِ لَهُ .
وَيُجَابُ بِأَنَّ مُوَافَقَتَهُمَا لَا تُنَافِي مَا قَالَهُ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ يُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي الِابْتِلَاعِ وَفِي التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ فِي الْمَغْصُوبِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ بَشَاعَةٌ بِشَقِّ جَوْفِ الْمَيِّتِ وَالْأَخِيرَيْنِ ضَرُورِيَّانِ لِلْمَيِّتِ فَاحْتِيطَ لَهَا بِالطَّلَبِ بِخِلَافِ هَذَا ( أَوْ ابْتَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ ) وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ ( وَلَمْ يَضْمَنْهُ ) أَيْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ ( أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ ) أَوْ غَيْرُهُمْ ( نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ ) وَرُدَّ لِمَا مَرَّ وَتَعْبِيرُهُ بِأَحَدٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَرَثَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَنَقَلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي
الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ بِحَالٍ وَيَجِبُ الْغُرْمُ فِي تَرِكَتِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّقْيِيدُ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الشَّقِّ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ لَا خِلَافَ فِيهِ ( لَا ) إنْ ابْتَلَعَ مَالَ ( نَفْسِهِ ) فَلَا يُنْبَشُ وَلَا يُشَقُّ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَهُ فِي حَيَاتِهِ ( وَلَوْ كُفِّنَ فِي مَغْصُوبٍ أَوْ دُفِنَ فِيهِ وَشَحَّ مَالِكُهُ ) بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ لَا يَشِحَّ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ بَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَشِحَّ بِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ ( أَوْ ) دُفِنَ ( فِي مَسِيلٍ ) أَيْ مَكَان لَحِقَهُ بَعْدَ الدَّفْنِ فِيهِ سَيْلٌ ( أَوْ ) فِي أَرْضٍ ذَاتِ ( نَدَاوَةٍ ) .
وَهَذَا قَدْ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ ( نُبِشَ ) لِيُؤْخَذَ الْكَفَنُ فِي الْأُولَى وَلِيُنْقَلَ فِي الْبَقِيَّةِ وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِ بِشُحِّ الْمَالِكِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ قَبْلَ طَلَبِهِ ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مِمَّنْ يُحْتَاطُ لَهُ وَمَحَلُّ النَّبْشِ أَيْضًا فِي الْكَفَنِ الْمَغْصُوبِ إذَا وُجِدَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّا إذَا لَمْ نَجِدْ إلَّا ثَوْبًا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا وَلَا يُدْفَنُ عُرْيَانًا ، وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُنْبَشُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا وَدُفِنَ وَلَمْ يَعْلَمْ كَمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ أَوْ شَهِدَا عَلَى شَخْصِهِ ثُمَّ دُفِنَ وَاشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ أَوْ دُفِنَتْ امْرَأَةٌ وَفِي جَوْفِهَا جَنِينٌ تُرْجَى حَيَاتُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ
فَأَكْثَرُ تَدَارَكَا لِلْوَاجِبِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ شَقُّ جَوْفِهَا قَبْلَ الدَّفْنِ الْكَافِرِ بِالْحَرَمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ أَوْ تَدَاعَيَاهُ فَيُنْبَشُ لِتُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ .
وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ يُنْبَشُ قَالَ الْبَغَوِيّ : وَلَوْ كَفَّنَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَسْرَفَ فَعَلَيْهِ غُرْمُ حِصَّةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَوْ قَالَ أَخْرِجُوا الْمَيِّتَ وَخُذُوهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْكَفَنُ مُرْتَفِعَ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَلَهُمْ النَّبْشُ وَإِخْرَاجُ الزَّائِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ ( لَا ) إنْ دُفِنَ ( بِلَا كَفَنٍ أَوْ فِي حَرِيرٍ ) فَلَا يُنْبَشُ لِحُصُولِ السِّتْرِ فِي الْأُولَى بِالتُّرَابِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ بِالنَّبْشِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْحَرِيرِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ( وَشَرْطٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيُشْتَرَطُ ( عَدَمُ التَّغَيُّرِ ) لِلْمَيِّتِ ( فِي النَّبْشِ لِلْغُسْلِ ) أَوْ التَّيَمُّمِ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَخَشِيَ فَسَادَهُ حَرُمَ النَّبْشُ لِتَعَذُّرِ تَظْهِيرِهِ فَسَقَطَ كَمَا يَسْقُطُ وُضُوءُ الْحَيِّ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ
( قَوْلُهُ يَحْرُمُ نَبْشُ الْقَبْرِ قَبْلَ الْبِلَى ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ س ( قَوْلُهُ فَإِنْ بَلِيَ الْمَيِّتُ جَازَ ) يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) : وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ حَسَنٌ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْله وَرُدَّ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَيْ الِانْتِصَارِ وَالِاسْتِقْصَاءِ لَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي كَلَامِ الدَّارِمِيِّ إشَارَةٌ إلَى مُوَافَقَةٍ وَلَمْ أَرَ لِلْأَئِمَّةِ مَا يُخَالِفُهُ ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي وُجُوبِ النَّبْشِ أَوْ فِي جَوَازِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُطْلِقِينَ عَلَى الْجَوَازِ وَكَلَامُ الْمُهَذَّبِ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِهِمْ ا هـ قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) : أُمِّيٌّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ لَا خِلَافَ فِيهِ ) وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ حَسَنٌ مُرَاعَاةً لِلْمَيِّتِ وَحِفْظًا لِحَقِّ الْمَالِكِ وَيَقْوَى الْجَزْمُ بِهِ حَيْثُ لَا غَرَضَ إلَّا الْمَالِيَّةُ فَقَطْ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ إذَا وُجِدَ مَا يُكَفَّنُ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ ) أَيْ وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ ( قَوْلُهُ أَوْ تَدَاعَيَا لِتُلْحِقْهُ الْقَافَةُ إلَخْ ) أَوْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ فِي أَنَّ الْمَدْفُونَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى نُبِشَ لِيَعْلَمَ كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ قَدْرَ حِصَّتِهِ وَتَظْهَرَ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِي الْمُنَاسَخَاتِ وَغَيْرِهَا أَوْ قَالَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدًا غُلَامًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ حَالُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْبَشَ لِقَطْعِ النِّزَاعِ أَوْ بُشِّرَ بِمَوْلُودٍ فَقَالَ : إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أُنْثَى فَأَمَتِي حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلُودُ وَدُفِنَ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْبَشَ لِيُعْتَقَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ أَوْ
ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بَعْدَمَا دُفِنَ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ وَطَلَبَ الْإِرْثَ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَطَلَبَتْ الْإِرْثَ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَيُنْبَشُ فَلَوْ وُجِدَ خُنْثَى تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ زَعَمَ الْجَانِي شَلَلَ الْعُضْوِ وَلَوْ أُصْبُعًا نُبِشَ لِيُعْلَمَ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَلَوْ دُفِنَ فِي ثَوْبٍ مَرْهُونٍ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ إخْرَاجَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَالْقِيَاسُ غُرْمُ الْقِيمَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مَا لَمْ تَسْقُطْ قِيمَتُهُ وَقَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرَ صُورَتُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَشَرْطُ عَدَمِ التَّغَيُّرِ فِي النَّبْشِ لِلْغُسْلِ ) قَالَ الْغَزِّيِّ : يُسْتَثْنَى مَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَلَا تَيَمُّمٍ لِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( مَاتَ فِي سَفِينَةٍ وَأَمْكَنَ ) مَنْ هُنَاكَ دَفْنُهُ لِكَوْنِهِمْ قُرْبَ الْبَرِّ وَلَا مَانِعَ ( لَزِمَهُمْ ) التَّأْخِيرُ لِيَدْفِنُوهُ فِيهِ ( وَإِلَّا جُعِلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ ) عَلَيْهِ ( بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَأُلْقِيَ لِيَنْبِذَهُ الْبَحْرُ إلَى مَنْ ) لَعَلَّهُ ( يَدْفِنُهُ ، وَإِنْ ) لَمْ يُجْعَلْ بَيْنَ لَوْحَيْنِ بَلْ ( ثُقِّلَ بِشَيْءٍ لِيَنْزِلَ ) إلَى الْقَرَارِ ( لَمْ يَأْثَمُوا ) ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَرِّ مُسْلِمِينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ إلْقَائِهِ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ أَوْ مُثَقَّلًا بِشَيْءٍ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِذَا أَلْقَوْهُ بَيْن لَوْحَيْنِ أَوْ فِي الْبَحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ( وَتُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ ) وَنَحْوِهِمْ لِخَبَرِ ابْنِ مَظْعُونٍ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ .
ا هـ .
وَلَوْ قِيلَ هُنَا بِمَا قِيلَ بِهِ فِي التَّقْدِيمِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْقَبْرِ كَانَ أَقْرَبَ ( وَمَنْ سَبَقَ إلَى ) مَحَلٍّ مِنْ ( مَكَان مُسَبَّلٍ فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَفْرِ فِيهِ ) لِخَبَرِ { مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَإِنْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ نَبْشُ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ قَبْلَ الْبِلَى ( فَإِنْ حَفَرَ فَوَجَدَ عِظَامَ مَيِّتٍ ) أَيْ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَفْرِ ( وَجَبَ رَدُّ تُرَابِهِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَفْرِ جَعَلَهَا فِي جَانِبٍ ) مِنْ الْقَبْرِ ( وَجَازَ ) لِمَشَقَّةِ اسْتِئْنَافِ قَبْرٍ ( دَفْنُهُ ) أَيْ الْآخَرِ ( مَعَهُ ) وَنَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَهَذَا النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ
دَفْنُ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ وَقَدْ مَرَّ ( وَمَنْ مَاتَ أَقَارِبُهُ ) أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ( دَفْعَةً ) وَأَمْكَنَهُ دَفْنُ كُلٍّ فِي قَبْرٍ ( بَدَأَ بِدَفْنِ ) الْأَوْلَى بِتَجْهِيزِ ( مَنْ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ ثُمَّ بِأَبِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ حُرْمَةً ( ثُمَّ أُمَّةُ ) ؛ لِأَنَّ لَهَا رَحِمًا ( ثُمَّ الْأَقْرَبُ وَيُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ ) سِنًّا ( مِنْ أَخَوَيْهِ ) مَثَلًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي تَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ مُطْلَقًا نَظَرٌ إذَا كَانَ الْأَصْغَرُ أَتْقَى وَأَعْلَمَ وَأَوْرَعَ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ( وَيُقْرَعُ بَيْنَ زَوْجِيَّتِهِ ) إذْ لَا مَزِيَّةَ وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ عَبْدَاهُ وَأَمَتَاهُ .
( وَلَا يُدْفَنُ مُسْلِمٌ مَعَ كُفَّارٍ ) أَيْ فِي مَقْبَرَتِهِمْ ( وَلَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي مُجَلِّيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلَعْنِ الْمُسْلِمِ وَتَأَذِّيه بِمَوَاضِعِ الْغَضَبِ وُقُوعِ الْمُسْلِمِ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِلْكَافِرِ ( وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ نَهَارًا ) لِسُهُولَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ نَعَمْ إنْ خُشِيَ تَغَيُّرُهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ لِيُدْفَنَ نَهَارًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِهِ ( وَلَا يُكْرَهُ لَيْلًا ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { وَرَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ } فَالنَّهْيُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ دَفْنِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ .
( وَلَا ) يُكْرَهُ ( فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ )
بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا ( إنْ لَمْ يَتَحَرَّهَا ) وَإِلَّا كُرِهَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ { عَنْ عُقْبَةَ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا ، وَإِنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا وَذَكَرَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا } وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْأَوْقَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِعْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ لِذَلِكَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الصَّوَابُ التَّعْمِيمُ وَنَقْبُرُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ بِدَفْنٍ ( وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ ( وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ ) آخَرَ لِيُدْفَنَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْنِهِ الْمَأْمُورِ بِتَعْجِيلِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْبَلَدِ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ ، فَإِنَّ الصَّحْرَاءَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَنْتَظِمُ مِنْهَا مَعَ الْبَلَدِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ ، وَهِيَ النَّقْلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَمِنْ صَحْرَاءَ إلَى صَحْرَاءَ ، وَمِنْ بَلَدٍ إلَى صَحْرَاءَ وَالْعَكْسُ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ بِالْبَلَدَيْنِ الْمُتَّصِلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ لَا سِيَّمَا وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِالدَّفْنِ خَارِجَ الْبَلَدِ وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ فِي كُلِّ بَلَدٍ بِمَسَافَةِ مَقْبَرَتِهَا ( إلَّا مَنْ بِقُرْبِ ) مَكَان ( مِنْ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ ) مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَخْتَارُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقُرْبِ بِمَسَافَةٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْمَيِّتُ قَبْلَ وُصُولِهِ وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ لَا نَفْسُ الْبَلَدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ بَلْ لَوْ كَانَ بِقُرْبِهِ مَقَابِرُ أَهْلِ الصَّلَاحِ
وَالْخَيْرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَقْصِدُ الْجَارَ الْحَسَنَ قَالَ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الشَّهِيدِ لِخَبَرِ جَابِرٍ قَالَ { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا نُقِلُوا إلَى الْمَدِينَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
ا هـ .
وَلَوْ تَعَارَضَ الْقُرْبُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَدَفَنَهُ بَيْنَ أَهْلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى ( فَإِنْ وَصَّى بِهِ ) أَيْ بِحَمْلِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ غَيْرَ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ ( لَمْ تَنْفُذْ وَصِيَّتُهُ ) بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ ( وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ جَنِينِ مَيِّتَةٍ شُقَّ جَوْفُهَا ) وُجُوبًا ( فِي الْقَبْرِ ) نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ ( وَأُخْرِجَ ) مِنْهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَا إخْرَاجِهِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْقَبْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّقَّ فِيهِ أَسْتَرُ وَأَكْثَرُ احْتِرَامًا وَأَقَلُّ كُلْفَةً قَالَ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشَقُّ قَبْلَهُ أَيْ وُجُوبًا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ بِضِيقِ النَّفَسِ ( وَإِنْ لَمْ تُرْجَ ) حَيَاتُهُ ( لَمْ تُدْفَنْ ) هِيَ ( حَتَّى يَمُوتَ ) هُوَ ( وَلَوْ مَرَّ مُسَافِرُونَ بِمَيِّتٍ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ ) وَكَانَ الْمَيِّتُ فِيهِمَا بِمَحَلٍّ لَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ إلَّا نَادِرًا ( فَتَرَكُوهُ ) بِلَا تَجْهِيزٍ ( أَثِمُوا ) لِتَفْوِيتِهِمْ الْوَاجِبَ ( وَعُوقِبُوا ) أَيْ عَاقَبَهُمْ الْإِمَامُ لِذَلِكَ ( إلَّا إنْ خَافُوا ) عَدُوًّا أَوْ نَحْوَهُ لَوْ اشْتَغَلُوا بِتَجْهِيزِهِ فَلَا يَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُونَ لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ يَخْتَارُ أَنْ يُوَارُوهُ مَا أَمْكَنَهُمْ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِثْنَاءِ الْخَوْفِ وَيَذْكُرُ الْعُقُوبَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرُورِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَوْلُهُ خَافُوا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ خَافُوا عَدُوًّا ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَيِّتُ الْمَذْكُورُ ( بِجَنْبِ قَرْيَةٍ أَوْ ) طَرِيقٍ ( جَادَّةٍ ) أَيْ تَسْلُكُهُ الْمَارَّةُ كَثِيرًا ( فَمُسِيئُونَ
) بِتَرْكِ تَجْهِيزِهِ وَلَا ( لَا يُعَاقَبُونَ ) وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَفْنُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ إنْ أَسَاءَ تَجِيءُ لِغَيْرِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهُ خَبَرُ { فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ } وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ ثُمَّ ( فَإِنْ وَجَدُوهُ مُكَفَّنًا مُحَنَّطًا دَفَنُوهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ شَاءَ ) الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ( صَلَّى بَعْدَ دَفْنِهِ ) عَلَى قَبْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى دَفْنِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْأُولَى عَلَيْهِ أَهَمُّ
( قَوْلُهُ وَلَوْ قِيلَ هُنَا بِمَا قِيلَ بِهِ فِي التَّقْدِيمِ إلَخْ ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُنَاكَ ( قَوْلُهُ فَإِنْ حُفِرَ فَوُجِدَ عِظَامُ مَيِّتٍ ) لَوْ انْهَدَمَ قَبْرُ مَيِّتٍ تَخَيَّرَ وَارِثُهُ بَيْنَ تَرْكِهِ بِحَالِهِ وَنَبْشِهِ لِإِصْلَاحِهِ وَنَقْلِهِ إلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ ، وَهَذَا النَّصُّ يَدُلُّ إلَخْ ) مَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ إذَا وَجَبَ رَدُّ التُّرَابِ وَحَرُمَ الدَّفْنُ فِي الشَّقِّ الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ فِي الشَّقِّ الثَّانِي لِمَشَقَّةِ اسْتِئْنَافِ قَبْرٍ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ أَبَاحَهُ قَالَ عَقِبَ النَّصِّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَنَعَ مِنْ دَفْنِ الثَّانِي مَعَهُ وَقَوْلُهُ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ نَهَارًا ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ النَّهَارِ لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا شَكَّ فِي إلْحَاقِهِ بِاللَّيْلِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى ، وَهُوَ مَشَقَّةُ الِاجْتِمَاعِ بَلْ هُوَ فِي الْمَشَقَّةِ أَشَدُّ مِمَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا سِيَّمَا إذَا جُهِّزَ وَحُمِلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا الدَّفْنُ .
ا هـ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا شَكَّ فِي إلْحَاقِهِ بِاللَّيْلِ لِمَشَقَّةِ الِاجْتِمَاعِ يُعْكَسُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ : لَا شَكَّ فِي إلْحَاقِهِ بِالنَّهَارِ وَتَيَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ فَإِنَّ جَمَاعَاتِ الصُّبْحِ تَكْثُرُ فِي أَوَّلِ الْفَجْرِ وَهُمْ أَكْثَرُ فَرَاغًا مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُمْ إذْ ذَاكَ يَنْتَشِرُونَ فِي مَعَايِشِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الشَّمْسِ .
( قَوْلُهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبَبًا مُتَقَدِّمًا أَوْ مُقَارِنًا ، وَهُوَ الْمَوْتُ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا كُرِهَ ) تَحَرِّيهَا مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَظَاهِرُهُ التَّنْزِيهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي
شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ بِالنَّهْيِ وَقَوْلُهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا : الْأَوْجَهُ تَحْرِيمُ الدَّفْنِ عِنْدَ تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ ، وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) : أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ التَّعْمِيمُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ إلَخْ ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ النَّقْلُ إلَى بَلَدٍ إلَّا إذَا كَانَتْ مَقْبَرَتُهُ أَبْعَدَ مِنْ مَقْبَرَةِ الْبَلَدِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَى مَسَافَتِهَا أَوْ أَقْرَبَ فَلَا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْجَيْشِ مَثَلًا بِدَارٍ الْحَرْبِ وَعَلِمَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَعَلِمْنَا أَوْ خِفْنَا أَنَّا لَوْ دَفَنَاهُ بِهَا لَنَبَشُوهُ وَأَحْرَقُوهُ وَمَثَّلُوا بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ جَزْمًا بَلْ يَتَأَكَّدُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى انْفِجَارِهِ وَنَحْوِهِ لِيُرَدَّ الْوَقْتُ أَوْ قُرْبِ دَارِنَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ فِي الْبَلَدَيْنِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) وَغَيْرُهُ : ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ جَنِينٍ مَيِّتَةٍ ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ إخْرَاجِهِ إلَخْ ) لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْقَاءَ حَيٍّ مُحْتَرَمٍ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ مَيِّتٍ فَوَجَبَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ ) بِأَنْ تَمُوتَ ، وَهُوَ دُونَ سِتَّةٍ أَشْهُرٍ أَوْ كَانَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ
( بَابُ التَّعْزِيَةِ ) ( وَهِيَ سُنَّةٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا فَقَالَ لَهَا اتَّقَى اللَّهَ وَاصْبِرِي ثُمَّ قَالَ إنَّمَا الصَّبْرُ أَيْ الْكَامِلُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ( وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا ) بِأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ بِمَكَانٍ لِيَأْتِيَهُمْ النَّاسُ لِلتَّعْزِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ ، وَهُوَ بِدْعَةٌ ؛ وَلِأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ وَيُكَلِّفُ الْمُعَزَّى ، وَأَمَّا مَا ثَبَتَ { عَنْ عَائِشَةَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ } فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ النَّاسُ لِيُعَزُّوهُ ( وَيُعَزَّى كُلُّ أَهْلِ الْمَيِّتِ ) وَلَوْ صِبْيَانًا وَنِسَاءً ( لَا أَجْنَبِيٌّ شَابَّةً ) فَلَا يُعَزِّيهَا إلَّا مَحَارِمُهَا وَزَوْجُهَا وَكَذَا مِنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ وَصَرَّحَ ابْنُ خَيْرَانَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِالْمَمْلُوكِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُعَزِّي بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَتَّى بِالزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ( وَتَأْخِيرُهَا ) أَيْ التَّعْزِيَةِ ( حَتَّى يُدْفَنَ الْمَيِّتُ أَوْلَى ) مِنْهَا قَبْلَهُ لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ وَلِشِدَّةِ حُزْنِهِمْ حِينَئِذٍ بِالْمُفَارَقَةِ ( إلَّا إنْ أَفْرَطَ جَزَعُهُمْ ) فَيَخْتَارُ تَقْدِيمَهَا لِيُصَيِّرَهُمْ ( وَلَا تَعْزِيَةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ ) مِنْ الْأَيَّامِ ( تَقْرِيبًا ) أَيْ تُكْرَهُ بَعْدَهَا إذْ ا لْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدِّدْ حُزْنَهُ وَقَدْ
جَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِهَايَةَ الْحُزْنِ بِقَوْلِهِ { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ هُنَا كَانَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَوْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ أَبِي الدَّمِ وَالْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ الدَّفْنِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّعْزِيَةِ مِنْهُ أَيْضًا لَا مِنْ الْمَوْتِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُهَا مِنْ الْمَوْتِ إلَى الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُرَادُهُ بِهِ مَا قُلْنَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ انْتَهَى .
وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ لِلْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا تَحْدِيدًا ) تَأْكِيدٌ ( إلَّا لِغَيْبَةِ مُعَزٍّ أَوْ مُعَزًّى ) فَتَبْقَى التَّعْزِيَةُ لَهُ إلَى قُدُومِهِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالظَّاهِرُ امْتِدَادُهَا بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَلْحَقُ بِالْغَيْبَةِ الْمَرَضُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ( وَالتَّعْزِيَةُ ) لُغَةً التَّصْبِيرُ لِمَنْ أُصِيبَ بِالتَّعْزِيَةِ عَلَيْهِ وَشَرْعًا ( هِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِالْوَعْدِ بِالْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرِ ) عَنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ ( وَ ) أَنْ ( يَدْعُوَ ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَالدُّعَاءُ ( لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ فَفِي تَعْزِيَةِ كَافِرٍ بِمُسْلِمٍ وَعَكْسِهِ يَخُصُّ الْمُسْلِمَ بِالدُّعَاءِ الْأُخْرَوِيَّ ) فَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَ صَبْرَك
حَسَنًا وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَهُ بِمَا وَرَدَ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابُ وَيَقُولَ فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك وَأَلْهَمَك الصَّبْرَ أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَهُ وَمَحَلُّ قَوْلِهِ وَأَخْلَفَ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَلَدًا أَوْ نَحْوَهُ مِمَّنْ يُخْلَفُ بَدَلُهُ فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَقُولُ خَلَفَ عَلَيْك أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( وَفِي ) تَعْزِيَةِ ( ذِمِّيٍّ بِذِمِّيٍّ ) يُعَزِّي ( بِنَحْوِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَهُوَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ مَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ قَالَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ انْتَهَى .
وَفَائِدَةُ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَظْهَرُ فِي تَعْزِيَةِ الْحَرْبِيِّ بِالْحَرْبِيِّ فَيُعَزَّى عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْفِدَاءِ دُونَ التَّعْلِيلِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ لَكِنْ أَطْلَقَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَا يُعَزَّى ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ تُكْرَهُ تَعْزِيَتُهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي ، وَعَبَّرَ الْأَصْلُ فِي تَعْزِيَةِ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ بِجَوَازِهَا ، وَفِي الْمَجْمُوعِ بِعَدَمِ نَدْبِهَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ
مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَالصَّرِيحِ فِي نَدْبِهَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُهُ وَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْدَبَ تَعْزِيَةُ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ أَوْ بِالْمُسْلِمِ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ تَأْلِيفًا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي التَّعْزِيَةِ الدُّعَاءَ لِلْمُصَابِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ وَلِيُوَافِقَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا } حَيْثُ بَدَأَ بِالْحَيِّ وَخُولِفَ فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ تَقْدِيمًا لِلْمُسْلِمِ
( بَابُ التَّعْزِيَةِ ) ( قَوْلُهُ وَيُعَزِّي كُلَّ أَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلِأَصْلَحِهِمْ وَأَضْعَفِهِمْ صَبْرًا آكَدُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزِّيَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ إلَخْ ) ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَقَدْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ : إنَّ أَوْلَى زَمَانِهَا مِنْ حِينِ يَمُوتُ إلَى أَنْ يُدْفَنَ وَبَعْدَ الدَّفْنِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ فِي الْكَافِي : وَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ مِنْ الدَّفْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ دَفْنِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ امْتِدَادُهَا بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ فِي الْبَيْعِ إنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ بُلُوغِ الْخَبَرِ يُؤَيِّدُهُ ( قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِالْغَيْبَةِ الْمَرَضُ ) أَيْ وَالْحَبْسُ ( قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ ) ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ هِيَ الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ بِالْوَعْدِ إلَخْ ) تَحْصُلُ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ الْغَائِبِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْحَاضِرُ الْمَعْذُورُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَفْقُهُ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَدْعُوَ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ ) قِيلَ يُقَدِّمُ الدُّعَاءَ لِلْمُعَزَّى ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ وَالثَّانِي يُقَدِّمُ الْمَيِّتَ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى الدُّعَاءِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ فَيُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ فَإِنْ عَزَّى ذِمِّيًّا بِمُسْلِمٍ يَبْدَأُ بِالْمُسْلِمِ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمَاعَةٍ ( قَوْلُهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك ) لَيْسَ فِيهِ الدُّعَاءُ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } ( قَوْلُهُ وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ إلَخْ ) وَفِي تَعْزِيَةِ السَّيِّدِ
بِرَقِيقِهِ أَعْظَمَ اللَّهُ لَك الْأَجْرَ فِي رَقِيقِك وَأَخْلَفَ عَلَيْك فِي مَالِك وَلَا أَصَابَك نَقْصٌ فِي أَهْلِك وَلَا فِي مَالِك ( قَوْلُهُ وَفِي تَعْزِيَةِ ذِمِّيٍّ ) أُلْحِقَ بِهِ الْمُعَاهِدُ وَالْمُسْتَأْمِنُ ( قَوْلُهُ لَكِنْ أَطْلَقَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَا يُعَزَّى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْدَبَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ تُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا تُسْتَحَبُّ وَيُحْمَلُ النَّقْلَانِ عَلَيْهِ لَكَانَ مُتَّجِهًا ج
( فَصْلُ يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ ) وَلَوْ أَجَانِبَ ( وَأَقَارِبُهُ الْأَبَاعِدُ ) ، وَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ ( أَنْ يَصْنَعُوا لِأَهْلِهِ ) الْأَقَارِبِ ( طَعَامًا يَكْفِيهِمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ ) عَقِبَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْمَوْتِ لِخَبَرِ { اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالتَّعْبِيرُ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَاضِحٌ إذَا مَاتَ فِي أَوَائِلِ الْيَوْمِ فَلَوْ مَاتَ فِي آخِرِهِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا تَأَخَّرَ الدَّفْنُ عَنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَنْوَارِ مَعَ جِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ مَعَارِفَهُمْ ( وَيُلِحُّونَ ) الْأَوْلَى حَذْفُ النُّونِ لِيَكُونَ الْمَعْنَى وَأَنْ يُلِحُّوا ( عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ ) مِنْهُ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ ( وَيَحْرُمُ صُنْعُهُ لِمَنْ يَنُوحُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ ( وَيُكْرَهُ لِأَهْلِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( طَعَامٌ ) أَيْ صُنْعُ طَعَامٍ ( يَجْمَعُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ ) أَخَذَ كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ الْكَرَاهَةَ مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ { بَعْدَ دَفْنِهِ } ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ فَضْلًا عَنْ الْكَرَاهَةِ وَالْبِدْعَةِ الصَّادِقَةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَأَمَّا الذَّبْحُ وَالْعَقْرُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَمَذْمُومٌ لِخَبَرِ { لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
( قَوْلُهُ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُلِحُّونَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ ) وَلَا بَأْسَ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِمْ إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ إبْرَارَ قَسَمِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ فِي سَفَرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الِاسْتِحْبَابُ بِالرُّفْقَةِ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ ) لَا خَفَاءَ فِي تَحْرِيمِهِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَصُنِعَ ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ
( فَصْلٌ الْبُكَاءُ ) عَلَى الْمَيِّتِ ( جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ ) وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ : إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ } رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وَالثَّالِثَ مُسْلِمٍ ( وَ ) لَكِنَّهُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْمَوْتِ ( أَوْلَى ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ طَلَبُ الْبُكَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَظَرَ فِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بِالْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافَ الْأَوْلَى وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ { فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَوْتُ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْبُكَاءُ لِرِقَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : هَذَا كُلُّهُ فِي الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ مَا إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ ( وَالنَّدْبُ ) ، وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَدُّ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ بِنَحْوِ الصِّيغَةِ الْآتِيَةِ وَقِيلَ عَدُّهَا مَعَ الْبُكَاءِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمُوعِهِ كَأَنْ
يُقَالَ وَاكَهْفَاه وَاجَبَلَاه وَاسَنَدَاه وَاكَرِيمَاه ( حَرَامٌ ) لِمَا سَيَأْتِي وَلِلْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ قَالَ فِيهِ وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ وَلَيْسَ مِنْهُ ، وَهُوَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ { لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَا أَبَتَاهُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ } ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( النُّوحُ ) ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِالْكَلَامِ الْمُسَجَّعِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ بِدَلِيلِهَا فِي جُمَلِ الْجَنَائِزِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ ( وَ ) يَحْرُمُ ( ضَرْبُ الْخَدِّ وَنَشْرُ الشَّعْرِ ) وَنَحْوِهِمَا كَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَإِلْقَاءِ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ فِي الْبُكَاءِ لِمَا مَرَّ ثُمَّ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ } ( وَلَا يُعَذَّبُ بِهِ ) أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ( مَيِّتٌ لَمْ يُوصِ بِهِ ) قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ إذَا مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدٍ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ } وَفِي رِوَايَةٍ { الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ } وَفِي رِوَايَةٍ { مَا نِيحَ عَلَيْهِ } قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَك أَنْ تَقُولَ ذَنْبُ الْمَيِّتِ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَشَاهِدُهُ خَبَرُ { مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً } وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِمَا يَبْكُونَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جَرَائِمِهِ كَالْقَتْلِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا
يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ بِهَا وَيَعُدُّونَهَا فَخْرًا وَقَالَ الْقَاضِي : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ الْعَفْوَ عَنْهُ إنْ لَمْ يَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِنْ بَكَوْا وَنَدَبُوا عُذِّبَ بِذَنْبِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ
( قَوْلُهُ الْبُكَاءُ جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَبْكِيَ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْبُكَاءُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَقِيلَ عَدَّهَا مَعَ الْبُكَاءِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ { قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ } ) أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهُ ( قَوْلُهُ كَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ إلَخْ ) وَكَذَا تَغْيِيرُ الزِّيِّ وَلَيْسَ غَيْرُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ الْإِمَامُ : وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُحَرَّمٌ انْتَهَى ( قَوْلُهُ مِنْ ضَرْبِ الْخُدُودِ ) خَصَّ الْخَدَّ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَضَرْبُ بَقِيَّةِ الْوَجْهِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَعْذِيبِهِ إلَخْ ) وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ
( بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ ) الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَصَالَةً جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَقَدَّمَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْجَنَائِزِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَعَلَّهُ أَلْيَقُ ( فَالْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا ) ، وَإِنْ أَتَى بِهَا ( مُرْتَدٌّ ) لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِتَرْكِهَا جَحْدًا ( إلَّا جَاهِلٌ ) نَفَى ذَلِكَ ( لِقُرْبِ عَهْدٍ ) بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا بَلْ يَعْرِفُ الْوُجُوبَ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْجَحْدِ صَارَ مُرْتَدًّا وَالْجُحُودُ إنْكَارُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُنْكِرُ فَخَرَجَ بِهِ الْجَاهِلُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوُهُ كَنَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ قَاصِرٌ عَنْ تَمَامِ الْغَرَضِ وَجَاهِلٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلٌ } عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ لَا جَاهِلٌ ، وَهِيَ أَحْسَنُ ( وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ ) فِي بَابِهِ ( وَمَنْ تَرَكَهَا غَيْرَ جَاحِدٍ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً أَوْ جُمُعَةً وَلَوْ قَالَ ) فِي الْجُمُعَةِ ( أُصَلِّيهَا ظُهْرًا أَوْ ) تَرَكَ ( وُضُوءً لَهَا ) أَيْ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ( قُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدًّا ) لَا كُفْرًا .
قَالُوا أَمَّا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ ؛ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قَالَ { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ : { خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ
كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ ؛ فَلِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلصَّلَاةِ ، وَإِنَّمَا قُتِلَ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ ، وَإِنْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا لَتَرَكَهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا ، وَيُقَاسُ بِالْوُضُوءِ الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَصَرَّحَ فِي الْبَيَانِ بِبَعْضِهَا فَقَالَ لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى السُّتْرَةِ أَوْ الْفَرِيضَةِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ .
وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَوْ فِيهِ خِلَافٌ رَوَاهُ خِلَافَ الْقَوِيِّ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ( إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ ) فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ يَجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا بَعْدُ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى
يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِخَبَرِ { لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ } ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا .
وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِتَرَك الْقَضَاءِ مُطْلَقًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ ( بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّ اسْتِتَابَتَهُ وَاجِبَةٌ كَالْمُرْتَدِّ لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ نَدْبَهَا وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُخَلِّدُ فِي النَّارِ فَوَجَبَ إنْقَاذُهُ مِنْهَا بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ تَكْفِي اسْتِتَابَتُهُ ( فِي الْحَالِ ) ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يُفَوِّتُ صَلَوَاتٍ وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْقَوْلَانِ فِي النَّدْبِ وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( ثُمَّ ) بَعْدَ قَتْلِهِ ( لَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ ) فَيُجَهَّزُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ جُنَّ أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَائِدٌ بِالتَّرْكِ ا هـ .
وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِتَابَةَ وَاجِبَةٌ أَمَّا تَارِكُ الْمَنْذُورَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَلَا يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ ( فَرْعٌ ) إذَا (
قَالَ ) حِينَ إرَادَةِ قَتْلِهِ ( صَلَّيْت فِي بَيْتِي أَوْ تَرَكْتهَا بِعُذْرٍ إمَّا صَحِيحٍ ) فِي الْوَاقِعِ ( كَنِسْيَانٍ ) وَنَوْمٍ وَإِغْمَاءٍ ( أَوْ بَاطِلٍ كَكَانَ ) أَيْ كَقَوْلِهِ كَانَ ( عَلَى نَجَاسَةٍ ) أَوْ تَرَكَهَا لِلْبَرْدِ أَوْ عَدَمِ الْمَاءِ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ تَرَكْتهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ بَاطِلَةً ( يُعْذَرُ ) بِذَلِكَ ( وَلَا نَقْتُلهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقُ ) مِنْهُ ( تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا ) عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ ( وَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّ نَأْمُرَهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ ) وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ ( وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَا أُصَلِّيهَا ) بِأَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ سَكَتَ لِتَحْقِيقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ ( وَمَنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ أَوْ نَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا ) بَلْ يَجُوزُ لَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْضِ صَلَاةَ الصُّبْحِ الَّتِي فَاتَتْهُ بِالنَّوْمِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ الْوَادِي } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا ) لِتَقْصِيرِهِ ( لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ ) فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ أُصَلِّيهَا لِتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ لَهُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلُ مَالِ السُّلْطَانِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ وَقَتْلُ مِثْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ
أَكْثَرُ .
( بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ ) ( قَوْلُهُ فَالْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا مُرْتَدٌّ ) ؛ لِأَنَّهُ جَحَدَ أَصْلًا مَقْطُوعًا بِهِ لَا عُذْرَ لَهُ فِيهِ فَتَضَمَّنَ جَحْدُهُ تَكْذِيبَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ( قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ غَيْرَ جَاحِدٍ إلَخْ ) لَا يُقَرُّ مُسْلِمٌ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ لَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَبَهَ صَغِيرُ مُسْلِمٍ بِصَغِيرِ كَافِرٍ ثُمَّ بَلَغَا وَلَمْ يُعْلَمْ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا وَلَا قَافَةَ وَلَا انْتِسَابَ وَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ شَهْرًا فَأَكْثَرَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُبْتَدَأَةُ إذَا ابْتَدَأَهَا الدَّمُ الضَّعِيفُ ثُمَّ أَقْوَى مِنْهُ ثُمَّ أَقْوَى مِنْهُ ( قَوْلُهُ أَوْ جُمُعَةً إلَخْ ) ، وَهُوَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فِعْلُهَا إجْمَاعًا قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ أَفْتَى الشَّارِحُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا حَيْثُ أُمِرَ بِهَا وَامْتَنَعَ مِنْهَا أَوْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا حَيْثُ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ ( قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ إلَخْ ) وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } قَوْلُهُ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا إلَخْ ) الْوَقْتُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقْتَانِ أَحَدُهُمَا وَقْتُ أَمْرٍ وَالْآخَرُ وَقْتُ قَتْلٍ فَوَقْتُ الْأَمْرِ هُوَ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ فِعْلِهَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَ التَّارِكَ فَنَقُولَ لَهُ صَلِّ فَإِنْ صَلَّيْت تَرَكْنَاك ، وَإِنْ أَخْرَجْتهَا عَنْ الْوَقْتِ قَتَلْنَاك وَفِي وَقْتِ الْأَمْرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُ مِقْدَارَ الْفَرِيضَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالثَّانِي إذَا بَقِيَ زَمَنٌ يَسَعُ رَكْعَةً وَطَهَارَةً .
( قَوْلُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا أَوْ الْحُدُودُ لَا
تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا لَيْسَ هُوَ عَلَى مَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ حَلَالُهُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرَكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ بِأَنَّهُ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَمْدًا مَعَ تَرْكِهَا فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ فَإِذَا صَلَّى زَالَتْ الْعِلَّةُ وَقَالَ الرِّيمِيُّ فِي التَّقْفِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْبَةَ هُنَا تُفِيدُ تَدَارُكَ الْفَائِتِ بِخِلَافِ التَّوْبَةِ عَنْ الزِّنَا وَشِبْهِهِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ لَا تُفِيدُ تَدَارُكَ مَا مَضَى مِنْ الْجَرِيمَةِ بَلْ تُفِيدُ الِامْتِنَاعَ عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ تَوْبَتِهِ هُنَا فَإِنَّهَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يُحَقِّقُ الْمُرَادَ فِي الْمَاضِي وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَارِكُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِالتَّوْبَةِ ، وَهِيَ الْعَوْدُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَالْمُرْتَدِّ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ كَيْفَ تَنْفَعُ التَّوْبَةُ ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ ، وَهَذَا كَلَامُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ نَدْبَهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ تَرْكِ الصَّلَاةِ ) بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ قَالَ فِي الْخَادِمِ : مَا نَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ مِنْ كَوْنِ التَّارِكِ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَتْلِ إثْمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْقُطُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَعْنِي الْقِصَاصَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى أَمَّا التَّوْبَةُ مِنْ التَّرْكِ فَلَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِقْلَاعِ وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ حَتَّى لَوْ قُتِلَ مِصْرًا عَلَى التَّرْكِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى عَاصِيًا
بِتَرْكِ التَّوْبَةِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ الْقَتْلِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَدِّ الْقِصَاصِ ، وَأَمَّا تَارِكُ الصَّلَاةِ فَقَتْلُهُ عَلَى إخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ ثُمَّ أَنَّهُ يَبْقَى عَاصِيًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ تَرْكُ فِعْلِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ ثَانِيهَا تَرْكُ التَّوْبَةِ ثَالِثُهَا تَسَبُّبُهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ مَعَ إمْكَانِهَا وَقَوْلُهُ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ يُسْقِطُ الْإِثْمَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ ) أَيْ لَيْسَ مِثْلُهُ ( قَوْلُهُ كَأَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَجَّهَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ وَجَدَ التُّرَابَ عَجَّلَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ أَوْ بَاطِلَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْمَاءِ عَدَمُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ لَكِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَاءِ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ س وَقَوْلُهُ قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ ) قَالَ شَيْخُنَا لِعَدَمِ سَبْقِ التَّهْدِيدِ بِهَا بِخِلَافِ فَائِتَةِ عَدَدٍ عَلَى فِعْلِهَا وَلَمْ يَفْعَلْهَا فَيُقْتَلُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَتْلِهِ بِالصَّلَوَاتِ
( كِتَابُ الزَّكَاةِ ) هِيَ لُغَةً التَّطْهِيرُ وَالْإِصْلَاحُ وَالنَّمَاءُ وَالْمَدْحُ وَمِنْهُ وَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَشَرْعًا اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ وَيُصْلِحُ وَيُنَمِّي وَيَمْدَحُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ وَيَقِيهِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوا الزَّكَاةَ } وَقَوْلُهُ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ } ( هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ) لِهَذَا الْخَبَرِ ( يَكْفُرُ جَاحِدُهَا ) وَإِنْ أَتَى بِهَا وَزَادَ قَوْلَهُ ( كَالصَّلَاةِ ) لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْجَاهِلِ الْمُتَقَدِّمِ نَظِيرُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِمَّا مَرَّ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالْجُحُودِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ ( وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُونَ ) مِنْ أَدَائِهَا ( عَلَيْهَا وَتُؤْخَذُ ) مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلُوا ( قَهْرًا ) كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَتَلْزَمُ الزَّكَاةُ كُلَّ مُسْلِمٍ ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْآتِي فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي فَرْضُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ( حُرٍّ وَلَوْ مُبَعَّضًا مُلِكَ بِحُرِّيَّتِهِ ) لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَى مَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَلِهَذَا يَكْفُرُ كَالْحُرِّ الْمُوسِرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِلُزُومِهَا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَنَّهَا تَلْزَمُ فِي مَالِهِ .
( كِتَابُ الزَّكَاةِ ) فُرِضَتْ الزَّكَاةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ ( قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوا الزَّكَاةَ } ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيلَ هِيَ عَامَّةٌ كَآيَةِ قَطْعِ السَّرِقَةِ فَتَكُونُ حُجَّةً فِي كُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ وَقِيلَ هِيَ مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ مُطْلَقَةٌ حَمْلًا لَهُ عَلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ( قَوْلُهُ فَلَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ ) أَفَادَ بِزِيَادَتِهِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي زَكَاةٍ أُجْمِعَ عَلَيْهَا لِيَخْرُجَ مَالُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالرِّكَازُ وَالتِّجَارَةُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ لِأَنَّ الرِّكَازَ لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ عَلَى وَجْهٍ وَالتِّجَارَةُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ لَا تَجِبَانِ عَلَى رَأْيٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ الشَّافِعِيُّ بِكُفْرِ مَانِعِي الزَّكَاةِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ عَلَى وُجُوبِهَا بَعْدُ وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ وُجُوبَهَا مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِهَا كَفَرَ جَاحِدُهَا وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَوَجَبَتْ لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ
( فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ ) وَلَوْ مُرَاهِقًا ( وَالْمَجْنُونِ ) كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَاهُ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ الْمُوَجَّهَةِ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ ( لَا الْجَنِينِ ) فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِأَنَّهُ لَا ثِقَةَ بِوُجُودِهِ وَلَا بِحَيَاتِهِ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُتَّجَهُ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ وَمَحِلُّ وُجُوبِهَا عَلَى الْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا فِي مَالِهِمَا فَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ تُحْسَبَ زَكَاتُهُ حَتَّى يَكْمُلَا فَيُخْبِرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمُهُ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَفَرَضَهُ فِي الطِّفْلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ بَلْ عَامِّيًّا صِرْفًا فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ يَسْتَفْتِي وَيَعْمَلُ بِذَلِكَ أَوْ يُؤَخِّرُ الْأَمْرَ إلَى كَمَالِهِمَا أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ عَدْلٍ مَأْمُونٍ وَيَعْمَلُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ يُرَاجِعُهُ وَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ .
ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرُ يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا فِيهِ التَّرْدِيدَاتُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْقَفَّالِ السَّابِقِ الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ ( فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا ) الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ ( أَخْرَجَاهُ إنْ كَمُلَا ) لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا وَمِثْلُهُمَا فِيمَا ذَكَرَ السَّفِيهُ ( وَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إخْرَاجُهَا ) لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ( وَلَا تَسْقُطُ ) الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِسْلَامِ ( بِالرِّدَّةِ ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ( فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا ) وَقَدْ مَضَى عَلَى
مَالِهِ حَوْلٌ أَوْ أَكْثَرُ فِي رِدَّتِهِ ( بَانَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ ) مِنْ حِينِهَا فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ فِي الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا وَإِنْ أَخْرَجَ حَالَ رِدَّتِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَلَا زَكَاةَ ) عَلَى السَّيِّدِ وَلَا مُكَاتَبِهِ ( فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِحُرٍّ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ ( فَإِنْ زَالَتْ الْكِتَابَةُ ) بِعَجْزٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ ( انْعَقَدَ حَوْلُهُ ) مِنْ حِينِ زَوَالِهَا فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ أَصْلُهُ فَإِنْ عَتَقَ وَفِي يَدِهِ مَالٌ ابْتَدَأَ لَهُ حَوْلًا وَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ وَصَارَ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ( وَلَا مَالَ لِلْقِنِّ ) وَلَوْ مُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي ( فَلَا تَلْزَمُهُ ) الزَّكَاةُ فَلَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا لَمْ يَمْلِكْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ ( وَهِيَ ) أَيْ الزَّكَاةُ ( سِتَّةُ أَنْوَاعٍ : النَّعَمُ ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلنَّمَاءِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَالنَّعَمُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَنْعَامٌ وَأَنْعَامٌ جَمْعُهُ أَنَاعِمُ وَسُمِّيَتْ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ مِنْ النُّمُوِّ وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ بِهَا ( وَالْمُعَشَّرَاتُ ) أَيْ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ وَهُوَ الْقُوتُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ شَيْئًا لِذَوِي الضَّرُورَاتِ ( وَالنَّقْدَانِ ) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ لِالْتِحَاقِهِمَا بِالنَّامِيَاتِ بِتَهْيِئَتِهِمَا لِلْإِخْرَاجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْجَوَاهِرِ غَالِبًا ( وَالتِّجَارَةُ ) لِمَا فِيهَا مِنْ النَّمَاءِ ( وَالْمَعْدِنُ ) لِأَنَّهُ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ وَالْأَكْثَرُونَ أَدْرَجُوهُ فِي النَّقْدَيْنِ كَمَا أَدْرَجَ هُوَ فِيهِمَا الرِّكَازَ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى (
وَالْفِطْرَةُ ) تَطْهِيرًا لِلنَّفْسِ وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْفِطْرَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَهُوَ اسْمٌ مُوَلَّدٌ يُقَالُ لِلْخِلْقَةِ وَلِلْمُخْرَجِ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ بِضَمِّهَا اسْمٌ لِلْمُخْرَجِ مَرْدُودٌ .
( قَوْلُهُ فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الطِّفْلِ ) لِخَبَرِ { ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَسْتَهْلِكُهَا الصَّدَقَةُ } وَفِي رِوَايَةٍ الزَّكَاةُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا وَرُوِيَ مُسْنَدًا بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَقَدْ اعْتَضَدَ بِقَوْلِ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الْخَصْمَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِمَا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ حُجَّةً وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ } وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخُلَّةِ وَتَطْهِيرُ الْمَالِ وَمَا لَهُمَا قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ مَحْضَ عِبَادَةٍ حَتَّى تَخْتَصَّ بِالْمُكَلَّفِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُتَّجَهُ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ إلَخْ ) الظَّاهِرُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِخُرُوجِ الْجَنِينِ حَيًّا وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا بَدَا الصَّلَاحُ أَوْ الِاشْتِدَادُ فِي زَمَنِ خِيَارِهِمَا أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الْمِلْكِ مَوْقُوفًا ( قَوْلُهُ لَا فِي الْحَالِ ) لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَتَكْلِيفُهُ بِالْفُرُوعِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الزَّكَاةُ مَعْنَاهُ إلْزَامُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ إتْيَانِهِ بِشَرْطِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ ( قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَخْ ) تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ( قَوْلُهُ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَعْتِقَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَلَا مُخَالِفَ لَهُ وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَمَالُهُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهَا وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ
لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ قَرِيبَةٍ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ ( قَوْلُهُ وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ النَّعَمُ إلَخْ ) أَمَّا وُجُوبُهَا فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَلِمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا انْتِفَاؤُهُ عَمَّا عَدَاهَا فَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ وَلَا مُعَدٍّ لِلنَّمَاءِ فَلَمْ يَلْحَقْ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ .
( بَابٌ ) حُكْمُ ( زَكَاةِ الْمَوَاشِي ) وُجُوبًا وَانْتِفَاءً ( وَلَهَا ) أَيْ الزَّكَاةِ أَيْ وُجُوبِهَا ( خَمْسَةُ شُرُوطٍ ) وَذَكَرَ الْأَصْلُ سَادِسًا وَهُوَ كَمَالِ الْمِلْكِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمَالُ الضَّالُّ وَالْمَغْصُوبُ وَنَحْوُهُمَا وَلِكَوْنِهِ تَفْرِيعًا عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَذْكُورَاتِ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّرْطُ ( الْأَوَّلُ النَّعَمُ فَلَا زَكَاةَ إلَّا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ) لِمَا مَرَّ وَلِمَا يَأْتِي ( لَا ) غَيْرِهِ حَتَّى ( مُتَوَلِّدٍ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ } وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَجِبُ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمِنْ آخَرَ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَيِّهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ .
ا هـ .
وَالْإِبِلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا اسْمُ جَمْعٍ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ وَقَالَ فِي مَجْمُوعِهِ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَتُجْمَعُ عَلَى آبَالٍ كَأَحْمَالٍ وَالْبَقَرُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورَةٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا لِلْحِرَاثَةِ وَالْغَنَمُ أَيْضًا اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ .
( بَابُ زَكَاةِ الْمَوَاشِي ) ( قَوْلُهُ الْأَوَّلُ النَّعَمُ ) النَّعَمُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَ تَعَالَى { نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا } وَفِي مَوْضِعٍ مِمَّا فِي بُطُونِهِ ( قَوْلُهُ يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ إلَخْ ) وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَخَفَّ أَبَوَيْهِ فِي الزَّكَاةِ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي النِّصَابُ ) لِمَا سَيَأْتِي فَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهُ ( وَأَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَفِيهَا شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ( وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ وَكَذَا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ لَا بَعْضُهَا ) خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ ( وَجَبَتْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ ) .
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سَأَلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي مَجَالِهَا وَقَوْلُهُ فَرَضَ أَيْ قَدَّرَ وَقَوْلُهُ فَلَا يُعْطِ أَيْ الزَّائِدَ بَلْ يُعْطِي الْوَاجِبَ فَقَطْ
وَتَقْيِيدُ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَاللَّبُونِ بِالْأُنْثَى وَابْنِ اللَّبُونِ بِالذَّكَرِ تَأْكِيدًا كَمَا يُقَالُ رَأَيْت بِعَيْنِي وَسَمِعْت بِأُذُنِي وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ بَعْضَ الْوَاحِدَةِ كَالْوَاحِدَةِ لِبِنَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى تَغَيُّرِ وَاجِبِهَا بِالْأَشْخَاصِ دُونَ الْأَشْقَاصِ وَفِي أَبِي دَاوُد التَّصْرِيحُ بِالْوَاحِدَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِخَبَرِ أَنَسٍ ( وَلِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ قِسْطٌ ) مِنْ الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَغَيَّرَ بِهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْعَاشِرَةِ ( فَيَسْقُطُ بِمَوْتِهَا بَيْنَ ) تَمَامِ ( الْحَوْلِ وَالتَّمَكُّنِ ) مِنْ الْإِخْرَاجِ ( جُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الثَّلَاثِ ) مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ ( ثُمَّ ) يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ ( إلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَتَغَيَّرُ ) الْوَاجِبُ ( فِي كُلِّ عَشْرٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ وَعَلَى هَذَا ) فَقِسْ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْأُنُوثَةُ فِي الْمُخْرَجِ لِمَا فِيهَا مِنْ رِفْقِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ .
( قَوْلُهُ وَأَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ ) إنَّمَا بَدَأَ بِالْإِبِلِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِهَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ الَّتِي كَتَبَهَا لِلسُّعَاةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعَمَّ أَمْوَالِهِمْ وَضَبْطُهَا يَصْعُبُ فَبَدَأَ بِهَا لِيَعْتَنِيَ بِهَا ( قَوْلُهُ وَفِيهَا شَاةٌ إلَخْ ) إيجَابُ الْغَنَمِ فِي الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ رِفْقًا بِالْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بَعِيرٌ لَأَضَرَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ وَلَوْ وَجَبَ جُزْءٌ لَأَضَرَّ بِالْفَرِيقَيْنِ بِالتَّشْقِيصِ وَقَوْلُهُ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ الْمُرَادُ أَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ ( قَوْلُهُ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَغَلِطَ حَافِظُ مَكَّةَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فَعَزَاهُ إلَى مُسْلِمٍ أَيْضًا فَاجْتَنِبْهُ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ زِيَادَةٌ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا ) إذْ الصَّحِيحُ جَوَازُ تَفْرِيقِ الْحَدِيثِ إذْ لَمْ يَخْتَلَّ بِهِ الْمَعْنَى .
( قَوْلُهُ أَيْ قَدَّرَ ) وَقِيلَ أَوْجَبَ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ ) فَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَفِي مِائَةٍ وَسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَفِي مِائَةٍ وَسَبْعِينَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَفِي مِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ وَفِي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ امْتَنَعَ الْأَخْذُ مِنْ النَّوْعَيْنِ مَعًا وَتَعَيَّنَ مِنْ أَحَدِهِمَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْقِيصِ لَكِنْ إذَا وُجِدَا تَامَّيْنِ وَجَبَ أَخْذُ الْأَغْبَطِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ يَتَغَيَّرُ بِكُلِّ عَشْرٍ كَمَا سَبَقَ وَيَسْقُطُ النَّظَرُ إلَى الْأَغْبَطِ لِلتَّشْقِيصِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ يَتَعَيَّنُ الْأَغْبَطُ إمَّا أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ أَوْ سِتُّ بَنَاتِ لَبُونٍ وَهَكَذَا كُلَّمَا وُجِدَ الْفَرْضُ بِالْحِسَابَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَشْقِيصٍ تَعَيَّنَ الْأَغْبَطُ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ صَارَ لِكُلِّ مِائَتَيْنِ حُكْمُ نَفْسِهَا .
( فَرْعٌ بِنْتُ الْمَخَاضِ مَا لَهَا سَنَةٌ ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ أُمَّهَا بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ وِلَادَتِهَا تَحْمِلُ مَرَّةً أُخْرَى فَتَصِيرُ مِنْ الْمَخَاضِ أَيْ الْحَوَامِلِ ( وَبِنْتُ اللَّبُونِ ) مِثْلُهَا ( سَنَتَانِ ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ أُمَّهَا آنَ لَهَا أَنْ تَلِدَ فَتَصِيرَ لَبُونًا ( وَالْحِقَّةُ ) مَا لَهَا ( ثَلَاثٌ ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَاسْتَحَقَّ الْفَحْلُ أَنْ يَطْرُقَ ( وَالْجَذَعَةُ ) مَالَهَا ( أَرْبَعٌ ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا جَذَعَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا أَيْ أَسْقَطَتْهُ وَقِيلَ لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا ( بِالْكَمَالِ ) أَيْ مَعَ كَمَالِ السِّنِينَ ( فِي الْجَمِيعِ ) مَعَ ( الطَّعْنِ فِيمَا بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَهَا وَهَذَا إيضَاحٌ لِمَا قَبْلَهُ ( وَالْجَذَعَةُ آخِرُ أَسْنَانِ زَكَاةِ الْإِبِلِ ) يَعْنِي أَسْنَانَ إبِلِ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَدُ النَّاقَةِ يُسَمَّى بَعْدَ الْوِلَادَةِ رُبَعًا وَالْأُنْثَى رُبَعَةَ ثُمَّ هُبَعًا وَهُبَعَةَ بِضَمِّ أَوَّلِ الْجَمِيعِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ ثُمَّ فَصِيلًا فَإِذَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ سُمِّيَ ابْنَ مَخَاضٍ وَالْأُنْثَى بِنْتَ مَخَاضٍ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الرُّبَعَ مَا يُنْتَجُ فِي أَوَّلِ زَمَنِ النِّتَاجِ وَهُوَ زَمَنُ الرَّبِيعِ وَجَمْعُهُ رِبَاعٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَأَرْبَاعٌ .
وَالْهُبَعُ مَا يُنْتَجُ فِي آخِرِهِ وَهُوَ زَمَنُ الصَّيْفِ قَالَ وَسُمِّيَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ قَوْلِهِمْ هَبَعَ إذْ اسْتَعَانَ بِعُنُقِهِ فِي مَشْيِهِ لِأَنَّ الرُّبَعَ أَقْوَى مِنْهُ لِأَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَهُ فَإِذَا سَارَ مَعَهُ احْتَاجَ أَيْ الْهُبَعُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِعُنُقِهِ فِي مِشْيَتِهِ حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَوَلَدُ النَّاقَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ يُسَمَّى حُوَارًا أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِالرَّاءِ وَسُمِّيَ فَصِيلًا لِأَنَّهُ فُصِلَ مِنْ أُمِّهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا دَخَلَتْ الْجَذَعَةُ فِي السَّادِسَةِ فَهِيَ ثَنِيَّةٌ فَإِذَا دَخَلَتْ فِي
السَّابِعَةِ فَرَبَاعٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُقَالُ رُبَاعِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ فَإِذَا دَخَلَ فِي الثَّامِنَةِ فَسَدَسٌ لَهُمَا بِفَتْحِ السِّينِ وَالدَّالِ وَيُقَالُ سَدِيسٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ فَإِذَا دَخَلَ فِي التَّاسِعَةِ فَبَازِلٌ لَهُمَا لِأَنَّهُ بَزَلَ نَابَهُ أَيْ طَلَعَ فَإِذَا دَخَلَ فِي الْعَاشِرَةِ فَمُخْلِفٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَالْأُنْثَى كَالذَّكَرِ فِي قَوْلِ الْكِسَائِيّ وَبِالْهَاءِ فِي قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ هَذَانِ بِاسْمٍ بَلْ يُقَالُ بَازِلُ عَامٍّ وَبَازِلُ عَامَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمُخْلِفُ عَامٍ وَمُخْلِفُ عَامَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِذَا كَبِرَ فَهُوَ عَوْدٌ وَعَوْدَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ فَإِذَا هَرَمَ فَالذَّكَرُ قَحِمٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْأُنْثَى نَابٌ وَشَارِفٌ .
( قَوْلُهُ أَيْ مَعَ كَمَالِ السِّنِينَ إلَخْ ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا نَصَّ عَلَى سِنٍّ فِي بَابِ السَّلَمِ كَانَ لِلتَّقْرِيبِ فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا مِثْلُهُ حَتَّى يُجْزِئَ مَا نَقَصَ قَلِيلًا قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي السَّلَمِ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَوْجُودٍ فَلَوْ كَلَّفْنَاهُ التَّحْدِيدَ لَتَعَسَّرَ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي سِنٍّ اسْتَنْتَجَهُ هُوَ غَالِبًا وَهُوَ عَارِفٌ بِسِنِّهِ فَإِذَا أَوْجَبْنَاهُ لَمْ يَشُقَّ ( قَوْلُهُ فَرَبَاعٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَالَ ابْنُ مَعْنٍ بِكَسْرِهَا .
( فَصْلُ وَأَوَّلُ نِصَابِ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ وَفِيهَا تَبِيعٌ ) وَهُوَ ( مَالَهُ سَنَةٌ كَامِلَةٌ ) سُمِّيَ تَبِيعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَقِيلَ لِأَنَّ قَرْنَهُ يَتْبَعُ أُذُنَهُ وَيُجْزِئُ عَنْهُ تَبِيعَةٌ بَلْ أَوْلَى لِلْأُنُوثَةِ ( وَفِي الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ ) وَتُسَمَّى ثَنِيَّةً وَهِيَ مَا ( لَهَا سَنَتَانِ كَامِلَتَانِ ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ { عَنْ مُعَاذٍ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا } وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَسُمِّيَتْ مُسِنَّةً لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا ( وَفِي سِتِّينَ ) بَقَرَةً ( تَبِيعَانِ وَهَكَذَا فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وَ ) فِي ( ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَهَكَذَا ) فَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَفِي مِائَةٍ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَالُوا وَلَدُ الْبَقَرَةِ يُسَمَّى بَعْدَ الْوِلَادَةِ عِجْلًا وَعَجُولًا فَإِذَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ فَإِذَا دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ فَثَنِيٌّ وَثَنِيَّةٌ فَإِذَا دَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ فَرَبَاعٌ وَرَبَاعَةٌ فَإِذَا دَخَلَ فِي السَّادِسَةِ فَضَالِعٌ ثُمَّ لَا اسْمَ لَهُ بَعْدَ هَذَا إلَّا ضَالِعُ عَامٍ أَوْ ضَالِعُ عَامَيْنِ .
( فَصْلٌ وَأَوَّلُ نِصَابِ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ وَفِيهَا شَاةٌ وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ فِي كُلِّ مِائَةٍ مِنْ الضَّأْنِ جَذَعَةٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الضَّأْنِ وَهِيَ مَا ( لَهَا سَنَةٌ ) كَامِلَةٌ ( أَوْ مِنْ الْغَنَمِ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَهِيَ الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ أَوْ مِنْ الْمَعْزِ ( فَثَنِيَّةٌ مِنْهُ ) وَهِيَ ( مَالَهَا سَنَتَانِ كَامِلَتَانِ ) لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَنَسٍ وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا .
وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ بُلُوغِ شَاةِ الضَّأْنِ سَنَةٌ إذَا لَمْ تَجْذَعْ قَبْلَ تَمَامِهَا كَالِاحْتِلَامِ مَعَ السِّنِّ وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ ضَأْنٍ مَعْزًا وَعَكْسَهُ فَيُخْرِجُ عَنْ أَرْبَعِينَ ضَائِنَةً ثَنِيَّةً مِنْ الْمَعْزِ وَعَنْ أَرْبَعِينَ مَاعِزَةً جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ( وَ ) لَكِنْ ( لَا تُجْزِئُ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى إلَّا بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ ) بِأَنْ تَتَسَاوَيَا فِيهَا ( وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْغَنَمِ ) لَا يُجْزِئُ نَوْعٌ عَنْ نَوْعٍ إلَّا بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ كَأَرْحَبِيَّةٍ وَمَهْرِيَّةٍ مِنْ الْإِبِلِ وَعِرَابٍ وَجَوَامِيسَ مِنْ الْبَقَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهَا عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ مَا هُنَا شَامِلٌ لِمَا إذَا اتَّحَدَ نَوْعُهَا عِنْدَهُ وَمَا إذَا اخْتَلَفَ ( وَمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ ( يُسَمَّى وَقَصًا ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْفَصِيحُ فَتْحُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْفِقْهِ إسْكَانُهَا وَالشَّنَقُ
بِمُعْجَمَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَتَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْوَقَصِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ فِي كُتُبِ الْإِبِلِ خَاصَّةً وَالْوَقَصُ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَيُقَالُ فِيهِ وَقَسٌ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَبِالْجُمْلَةِ ( لَا شَيْءَ فِيهِ ) وَأَكْثَرُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْأَوْقَاصِ فِي الْإِبِلِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ مَا بَيْنَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَفِي الْبَقَرِ تِسْعَ عَشَرَةَ مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ وَسِتِّينَ وَفِي الْغَنَمِ مِائَةٌ وَثَمَانٍ وَتِسْعُونَ مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ .
( قَوْلُهُ وَفِي نُسْخَةٍ وَهِيَ الْأَوْلَى إلَخْ ) لِأَنَّ الْغَنَمَ اسْمٌ لِلضَّأْنِ وَالْمَعْزِ قَوْلُهُ إذَا لَمْ تَجْذَعْ قَبْلَ تَمَامِهَا ) فَإِنْ أَجْذَعَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا أَجْزَأَتْ كَمَا لَوْ تَمَّتْ السَّنَةُ قَبْلَ أَنْ تَجْذَعُ ( قَوْلُهُ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ مَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ ) قَالَ شَيْخُنَا وَجْهُهُ أَنَّ الْفَرْضَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَدْفُوعِ مِنْ الزَّكَاةِ وَعَلَى الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ النِّصَابُ .
( فَصْلٌ شَاةُ الْإِبِلِ كَشَاةِ الْغَنَمِ ) وَفِي قَدْرِ سِنِّهَا وَفِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ( مِنْ غَنَمِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ مِثْلِهَا ) فِي الْقِيمَةِ أَوْ أَعْلَى كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ ) أَيْ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ ( شَاءَ وَلَوْ ) كَانَ الْمُخْرَجُ ( ذَكَرًا فِي إبِلِ إنَاثٍ ) فَيُجْزِئُ كَالْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الْغَنَمِ إذَا كَانَ فِيهَا أُنْثَى لِأَنَّ الْمُخْرَجَ عَنْهَا أَصْلٌ لَا بَدَلٌ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا إلَّا أُنْثَى عَلَى الْأَصْلِ فِي الزَّكَاةِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْمُخْرَجِ عَنْ الْإِبِلِ .
( قَوْلُهُ مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ شَاءَ ) فَلَوْ كَانَتْ غَنَمُ الْبَلَدِ كُلُّهَا ضَائِنَةً وَهِيَ أَعْلَى قِيمَةً مِنْ الْمَعْزِ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهُ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُخْرِجِ عَنْ الْإِبِلِ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الشَّاةَ بَدَلٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَصْلٌ قَالَ شَيْخُنَا نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ وَأَنَّهَا أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَاتِبُهُ .
( فَرْعٌ تُجْزِئُ بِنْتُ مَخَاضٍ ثُمَّ ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ ( بَدَلُهَا ) مِنْ ابْنِ لَبُونٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي ( فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ) مِنْهَا بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ ( وَلَوْ زَادَ قِيمَةُ الشَّاةِ ) الْوَاجِبَةِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ ( عَلَيْهَا ) أَيْ بِنْتِ الْمَخَاضِ ثُمَّ بَدَلُهَا وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى وَفِي إيجَابِ عَيْنِهِ إجْحَافٌ بِالْمَالِكِ وَفِي إيجَابِ بَعْضِهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ فَأَوْجَبْنَا الشِّدَّةَ بَدَلًا لِخَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ فَصَارَ الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الشَّاةَ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الشَّاةَ أَصْلٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ أَوْ بَدَلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ جِنْسِ الْمَالِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِمَا أُجْبِرَ عَلَى أَدَاءِ الشَّاةِ فَإِنْ أَدَّى الْبَعِيرَ قُبِلَ مِنْهُ وَعُلِمَ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أُنُوثَةُ الْبَعِيرِ الْمُخْرَجِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي إبِلِهِ أُنْثَى كَمَا فِي الْمُخْرَجِ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ .
( قَوْلُهُ بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ ) أَيْ لِأَنَّ حُكْمَهَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ فِي أَنَّ الشَّاةَ أَصْلٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أَصْلٌ ع
( فَرْعٌ لَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا وَجَبَتْ شَاةٌ صَحِيحَةٌ بِلَا تَقْسِيطٍ ) بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً كَمَا فِي الصِّحَاحِ إذْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا صِفَةُ مَالِهِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ بِصِحَّةِ الْمَالِ وَمَرَضِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا فِي الذِّمَّةِ وَثَمَّ فِي الْمَالِ وَقِيلَ تَجِبُ فِيهَا صَحِيحَةٌ بِالتَّقْسِيطِ بِأَنْ تَكُونَ لَائِقَةً بِهَا فَيُؤْخَذُ مِنْ خُمْسِ قِيمَتِهَا بِالْمَرَضِ خَمْسُونَ وَبِدُونِهِ مِائَةٌ وَشَاتُهَا تُسَاوِي سِتَّةً صَحِيحَةً تُسَاوِي ثَلَاثَةً وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا رَجَّحَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ كَلَامُ الْأَصْلِ قَدْ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي ( فَإِنْ عُدِمَتْ الشَّاةُ الصَّحِيحَةُ فَدَرَاهِمُ ) يُفَرِّقُهَا لِلضَّرُورَةِ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْأَصَحُّ ) عِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْبَيَانِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَقَالَ الْقَمُولِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَنَصِّ الْمُخْتَصَرِ .
( فَصْلٌ يُؤْخَذُ ابْنُ لَبُونٍ وَلَوْ ) وَلَدَ لَبُونٍ ( خُنْثَى وَمُشْتَرًى ) أَيْ وَلَوْ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ الْمَالِكُ ( عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ لَمْ تَكُنْ فِي إبِلِهِ ) يَعْنِي فِي مِلْكِهِ ( وَكَذَا حِقٌّ ) وَمَا فَوْقَهُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهَا وَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمَّا إجْزَاءُ ابْنِ اللَّبُونِ فَلِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي خَبَرِ أَنَسٍ وَأَمَّا الْخُنْثَى وَالْحِقُّ وَمَا فَوْقَهُ فَبِالْأَوْلَى وَلَا جُبْرَانَ فِيهَا وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَعُدَّتْ الْخُنُوثَةُ عَيْبًا إذْ فَضْلُ السِّنِّ يُجْبِرُ فَضْلَ الْأُنُوثَةِ وَعَيْبَ الْخُنُوثَةِ فَكَانَتْ إبْدَالًا تَامَّةً وَبِهَذَا فَارَقَ الطَّهَارَةَ وَالْكَفَّارَةَ حَيْثُ جُعِلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ وَالرَّقَبَةِ كَوُجُودِهِمَا بِمِلْكِهِ مَعَ أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ بِخِلَافِهِمَا أَمَّا إذَا مَلَكَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَا يُجْزِئُهُ مَا ذُكِرَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَفِي كَيْفِيَّةِ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِالْوَاجِبِ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ ابْنِ اللَّبُونِ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخَانِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ .
أَحَدُهُمَا يُخَيِّرُهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْإِخْرَاجِ وَالثَّانِي يُطَالِبُهُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ دَفَعَ ابْنَ لَبُونٍ قُبِلَ مِنْهُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ لِلْخُنْثَى ابْنٌ وَلَيْسَ مُرَادًا وَخَرَجَ بِابْنِ اللَّبُونِ وَنَحْوِهِ ابْنُ الْمَخَاضِ فَلَا يُجْزِئُ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ يُجْزِئُ وَقَالَ الْقَاضِي إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ( لَا عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ ) أَيْ لَا يُؤْخَذُ عَنْهَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ وَنَحْوِهِ فِيمَا مَرَّ تُوجِبُ اخْتِصَاصَهُمَا بِقُوَّةِ وُرُودِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ وَالِامْتِنَاعَ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بِخِلَافِهَا فِي الْحِقِّ وَنَحْوِهِ هُنَا لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُمَا عَنْ بِنْتِ اللَّبُونِ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا جَمِيعًا
فَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ هُنَا فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَبْرِهَا ثَمَّ جَبْرُهَا هَا هُنَا ( وَ ) بِنْتُ الْمَخَاضِ ( الْمَعِيبَةُ وَالْمَغْصُوبَةُ ) إذَا عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهَا ( وَالْمَرْهُونَةُ بِمُؤَجَّلٍ كَالْمَعْدُومَةِ ) فَيُؤْخَذُ عَنْهَا مَا ذُكِرَ لِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمَعِيبَةِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَهُمَا مَعَ مَا بَعْدَهُمَا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ مَا عَدَا مَسْأَلَةَ الْكَرِيمَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِالْمُؤَجَّلِ الْمَرْهُونَةُ بِحَالٍ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ حَلَّ أَيْ وَقَدَرَ عَلَى فَكِّهَا فَيَخْرُجُهَا ( وَلَوْ مَلَكَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ بِنْتَ الْمَخَاضِ بَيْنَ ) تَمَامِ ( الْحَوْلِ وَالْأَدَاءِ تَعَيَّنَتْ ) لِلْأَدَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ تَلِفَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِهَا فَيُتَّجَهُ امْتِنَاعُ ابْنِ اللَّبُونِ لِتَقْصِيرِهِ ( وَلَوْ كَانَ لَهُ كَرِيمَةٌ لَمْ يُجْزِهِ ابْنُ لَبُونٍ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ ( وَلَمْ يُكَلَّفْهَا ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ عَامِلًا إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا فَقَدْ أَحْسَنَ هَذَا إنْ كَانَتْ بَقِيَّةٌ بَلْ مَهَازِيلُ كَمَا قَيَّدَ بِهَا الْأَصْلُ فَإِنْ كَانَتْ كِرَامًا لَزِمَهُ إخْرَاجُ كَرِيمَةٍ إذْ لَا تَكْلِيفَ وَكَرَائِمُ الْأَمْوَالِ نَفَائِسُهَا الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا نَفْسُ مَالِكِهَا لِعِزَّتِهَا عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَا جَمَعْت مِنْ جَمِيلِ الصِّفَاتِ ( وَلَا يُكَلَّفُ عَنْ الْحَوَامِلِ حَامِلًا ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَخْذِ الشَّافِعِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ حَيَوَانَيْنِ فَلَوْ أَخْرَجَ حَامِلًا قُبِلَتْ مِنْهُ وَالْحَمْلُ لَيْسَ عَيْبًا فِي الْبَهَائِمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ .
( قَوْلُهُ يُؤْخَذُ ابْنُ لَبُونٍ وَلَوْ خُنْثَى وَمُشْتَرًى عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ مَنْ قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ يَعْدِلْ إلَى الْبَدَلِ فَمَا الْفَرْقُ قِيلَ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى أَمَّا النَّصُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ } { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } فَاعْتُبِرَ عَدَمُهُمَا وَهُمَا قَادِرَانِ بِالشِّرَاءِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُنَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي إبِلِهِ فَاعْتُبِرَ الْمَوْجُودُ فِي مَالِهِ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَأَيْضًا ابْنُ اللَّبُونِ يُسَاوِي بِنْتَ الْمَخَاضِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا بِالسِّنِّ فَيَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ وَيَرْعَى بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالْأُنُوثَةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُجْزِئَ مَعَ وُجُودِهَا لَوْلَا الْخَبَرُ فَإِنَّهُ شُرِطَ فِي إجْزَائِهِ عَدَمُهَا .
( قَوْلُهُ يَعْنِي فِي مِلْكِهِ ) أَيْ حَالَةَ الْإِخْرَاجِ كَمَا قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ غ قَوْلُهُ أَمَّا إذَا مَلَكَ بِنْتَ الْمَخَاضِ ) أَيْ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ النِّصَابِ بِأَنْ كَانَتْ مَعْلُوفَةً كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُتَّجَهُ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي يُطَالِبُهُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا أَحْسَنُ غ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ إلَخْ ) وَلِأَنَّ فِي بِنْتِ اللَّبُونِ خِيَارَيْنِ بِالنُّزُولِ وَالصُّعُودِ فَلَا تَثْبُتُ ثَالِثًا بِإِخْرَاجِ الْحَقِّ وَفِي بِنْتِ الْمَخَاضِ خِيَارٌ بِالصُّعُودِ فَقَطْ فَأَثْبَتْنَا لَهُ ثَانِيًا ( قَوْلُهُ تَعَيَّنَتْ لِلْأَدَاءِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي عَدَمِهَا حَالَةَ الْأَدَاءِ لَا حَالَةَ الْوُجُودِ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ فَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) عِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ إخْرَاجِ ابْنِ اللَّبُونِ وَعِنْدَ وَارِثِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَجْزَأَهُ ابْنُ اللَّبُونِ .
ا هـ .
فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى صَيْرُورَتِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فِي
الْمَوْرُوثِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الزَّكَاةُ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ فَيُتَّجَهُ امْتِنَاعُ ابْنِ اللَّبُونِ لِتَقْصِيرِهِ ) الْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْأَدَاءِ ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيَّ قَالَ إنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ ( قَوْلُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ ) وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ وُجُودُهَا الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الذَّكَرَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ فَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَغْلَظَ مِنْ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُكَلِّفُ عَنْ الْحَوَامِلِ حَامِلًا ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَيَلْحَقُ بِهَا مِنْ طُرُقِهَا الْفَحْلُ وَلَوْ مَرَّةً لِأَنَّ عَادَةَ الْبَهَائِمِ الْحَمْلُ مِنْ مَرَّةٍ بِخِلَافِ الْآدَمِيَّاتِ وَقَوْلُهُ عَنْ الْحَوَامِلِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهَا عَنْ غَيْرِ الْحَوَامِلِ مِنْ بَابِ أَوْلَى .
( فَرْعٌ ) إذَا بَلَغَتْ إبِلُهُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ لِأَنَّهَا أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ وَلَهُ فِيهَا خَمْسَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَجِدَ عِنْدَهُ كُلَّ الْوَاجِبِ بِكُلِّ الْحِسَابَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ يَجِدَ بَعْضَهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَوْ لَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْهُمَا وَقَدْ بَيَّنَهَا بِهَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ ( صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ ) أَيْ مِنْ الْإِبِلِ ( يَلْزَمُهُ ) فِيهَا ( الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ إنْ وُجِدَا مَعَهُ ) بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ عَلَى بَقِيَّةِ الْإِبِلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرَضَهُ فَإِذَا اجْتَمَعَا رُوعِيَ مَا فِيهِ حَظُّ الْأَصْنَافِ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي تَحْصِيلِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَسَاكِينِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالزَّكَاةِ أَحَدُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ بَلْ جَمِيعُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إنَّمَا عَبَّرُوا بِهِمْ أَوْ بِالْفُقَرَاءِ لِغَلَبَتِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَهَمُّ الْأَصْنَافِ وَأَشْهَرُهَا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمَسَاكِينِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ .
( فَلَوْ أَخَذَ غَيْرَ الْأَغْبَطِ بِلَا تَقْصِيرٍ ) مِمَّنْ يَأْتِي ( أَجْزَأَهُ ) لِلْعُذْرِ ( وَجُبِرَ ) التَّفَاوُتُ لِنَقْصِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ ( بِالنَّقْدِ ) أَيْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ( أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَغْبَطِ ) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ لَا مِنْ الْمَأْخُوذِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ التَّفَاوُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيمَةِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقَدْ أَخَذَ الْحِقَاقَ فَالْجَبْرُ بِخَمْسِينَ أَوْ بِخَمْسَةِ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ لَا بِنِصْفِ حِقَّةٍ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ خَمْسُونَ وَقِيمَةُ كُلِّ بِنْتِ لَبُونٍ تِسْعُونَ وَجَازَ دَفْعُ النَّقْدِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ شِرَاءِ جُزْئِهِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ
وَالْمُشَارَكَةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْدِلُ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَتَهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ جِنْسُهَا كَمَا مَرَّ وَكَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنُ لَبُونٍ لَا فِي مَالِهِ وَلَا بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَتَهَا عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ جُبْرَانُ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمِ الْجُبْرَانِ .
وَإِلَيْهِ أَشَارَ وَبِتَعْبِيرِهِمْ بِالْجَبْرِ وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنَّ الِانْتِقَالَ حِينَئِذٍ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ فِي سَائِرِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ ( أَوْ ) أَخَذَهُ ( بِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمَالِكِ ) بِأَنْ دَلَّسَ ( أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ ) وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْأَغْبَطُ ( لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ ) أَيْ السَّاعِي ( رَدُّهُ ) أَيْ رَدُّ عَيْنِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ عَلَى الْمَالِكِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ كَامِلٌ إلَّا أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ) لِلْأَدَاءِ وَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ الْأَغْبَطِ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ وَيَمْتَنِعُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بِالْجُبْرَانِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَدِمَ جَمِيعَ الصِّنْفِ الْآخَرِ أَمْ بَعْضَهُ أَمْ وَجَدَ مَعِيبًا فَالنَّاقِصُ وَالْمَعِيبُ كَالْمَعْدُومِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ ( وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( كَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ جُعِلَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا فَيُسَلِّمُ الثَّلَاثَ ) حِقَاقٍ ( وَبِنْتَ لَبُونٍ وَيُعْطِي جُبْرَانًا أَوْ ) يُسَلِّمُ ( الْأَرْبَعَ ) بَنَاتِ لَبُونٍ ( وَحِقَّةً وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا وَكَذَا لَوْ دَفَعَ حِقَّةً وَثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِإِقَامَةِ الشَّرْعِ بِنْتُ اللَّبُونِ مَعَ الْجُبْرَانِ مَقَامَ حَقِّهِ .
وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَجُبْرَانَيْنِ
وَدَفْعُ بِنْتَيْ لَبُونٍ وَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَخْذُ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ وَدَفْعُ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ ( فَإِنْ أَعْطَى الثَّلَاثَ ) حِقَاقٍ ( وَجَذَعَةً وَأَخَذَ جُبْرَانًا أَوْ ) أَعْطَى ( الْأَرْبَعَ ) بَنَاتِ لَبُونٍ ( وَبِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ الْجُبْرَانِ جَازَ ) لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا ( وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَحِقَّتَيْنِ مَثَلًا ) بِزِيَادَتِهِ تَأْكِيدًا وَهَذَا الْحَالُ كَالْحَالِ الَّذِي قَبْلَهُ ( فَلَهُ إخْرَاجُهُمَا ) أَيْ الْحِقَّتَيْنِ ( مَعَ جَذَعَتَيْنِ وَيَأْخُذُ جُبْرَانَيْنِ فَلَوْ جَعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا وَأَعْطَى خَمْسَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَخَمْسَ جُبْرَانَاتٍ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَوْجُودُ ) عِنْدَهُ ( ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ فَلَهُ تَرْكُهَا وَجَعْلُ الْحِقَاقِ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا وَجَعَلَ الْحِقَاقَ ( أَصْلًا فَيُخْرِجُ أَرْبَعَ جَذَعَاتٍ وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ وَلَهُ إخْرَاجُهَا ) أَيْ الثَّلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ ( مَعَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَجُبْرَانَيْنِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مِنْهُمَا شَيْئًا ) وَفِي مَعْنَاهُ أَنْ يَجِدَهُمَا مَعِيبَيْنِ ( فَلَهُ تَحْصِيلُ أَحَدِهِمَا ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَغْبَطَ لِأَنَّهُ إذَا حَصَّلَهُ صَارَ وَاحِدًا لَهُ دُونَ الْآخَرِ وَلِمَا فِي تَعْيِينِ الْأَغْبَطِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِهِ ( وَلَهُ جَعْلُ أَحَدِهِمَا ) فِي هَذَا الْحَالِ وَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ ( أَصْلًا فَإِنْ شَاءَ صَعِدَ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ ( عَنْ الْحِقَاقِ إلَى الْجِذَاعِ ) بِالْجُبْرَانِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَرْبَعًا مِنْهَا وَيَأْخُذَ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ ( وَلَا يَنْزِلُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْحِقَاقِ إلَى بَنَاتِ الْمَخَاضِ بِالْجُبْرَانِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَرْبَعًا مِنْهَا مَعَ ثَمَانِي جُبْرَانَاتٍ لِتَكْثِيرِ الْجُبْرَانِ بِالتَّخَطِّي مَعَ إمْكَانِ تَقْلِيلِهِ بِمَا مَرَّ ( وَإِنْ شَاءَ نَزَلَ عَنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ إلَى بَنَاتِ الْمَخَاضِ بِالْجُبْرَانِ ) بِأَنْ يُعْطِيَ خَمْسًا مِنْهَا مَعَ خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ ( وَلَا يَصْعَدُ ) مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ إلَى الْجِذَاعِ بِأَنْ يُعْطِيَ خَمْسًا مِنْهَا
وَيَأْخُذَ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا وَيَنْزِلَ إلَى أَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ يُحَصِّلُهَا أَوْ يَدْفَعُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا وَيَصْعَدَ إلَى خَمْسِ حِقَاقٍ لِيَأْخُذَ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ قَدْ حَصَّلَ الْوَاجِبَ فَلَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْجُبْرَانِ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد عَنْ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ } أَيْ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ .
ا هـ .
فَأُوفِيهِ عِنْدَ وُجُودِ السِّنِينَ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ ( قَوْلُهُ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ ) أَيْ أَوْ وَلِيُّهُ ( قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ ) لِزِيَادَةِ قِيمَةٍ أَوْ بِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لِحَمْلٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ نَحْوِهِ ( قَوْلُهُ إنْ وُجِدَا مَعَهُ ) أَيْ حَالَ الْأَدَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَمَنْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَحَدُ حَقَّيْنِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي دَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ بِخِلَافِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَخَيَّرْنَا مُسْتَحِقَّهَا وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ الْعُدُولُ عَنْ الْعِشْرِينَ وَالشَّاتَيْنِ إلَى جَوَازِ دَفْعِ الْفَرِيضَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ هَذَيْنِ إلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا بَيْنَهُمَا وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَقْدِ الْوَاجِبِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ بِأَنَّ الْمَالِكَ هُنَاكَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْهُمَا بِتَحْصِيلِ الْفَرْضِ وَإِنَّمَا شُرِعَا لَهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَفُوِّضَ إلَيْهِ وَهَا هُنَا بِخِلَافِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ التَّفَاوُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيمَةِ ) فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ لَا تَقْتَضِي زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ لِكَوْنِهَا إنَّمَا هِيَ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى ذَلِكَ النَّوْعِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا لَا يُوجَدُ بِهِ نَقْصُ تَعَيُّنِ النَّقْدِ ( قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا إلَخْ ) كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ إنْ كَانَ السِّنُّ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فَالْأَقْرَبُ وُجُوبُهُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ شِرَاءَ بِنْتِ الْمَخَاضِ أَوْ بَدَلَهَا وَهُوَ ابْنُ اللَّبُونِ وَالصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بَدَلٌ فَيَجِبُ وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِنَا يَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ السِّنِّ بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ عُدُولٌ إلَى سِنٍّ فِي الزَّكَاةِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ ق ( قَوْلُهُ فَالنَّاقِصُ وَالْمَعِيبُ كَالْمَعْدُومِ ) وَكَذَا النَّفِيسُ كَالْحَامِلِ وَذَاتِ اللَّبَنِ إنْ لَمْ يَسْمَحْ بِهِ مَالِكُهُ ( قَوْلُهُ وَفِي مَعْنَاهُمَا أَنْ يَجِدَهُمَا مَعِيبَيْنِ ) أَوْ نَفِيسَيْنِ وَلَمْ يَسْمَحْ بِهِمَا ( قَوْلُهُ أَيْ مِنْ الْحِقَاقِ إلَى بَنَاتِ اللَّبُونِ ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَا إلَى بَنَاتٍ ( قَوْلُهُ مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ إلَى الْحِقَاقِ ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَا إلَى ( قَوْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) إذَا ( بَلَغَتْ الْبَقَرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ ) لِأَنَّهَا أَرْبَعُ ثَلَاثِينَاتِ وَثَلَاثُ أَرْبَعِينَاتِ ( وَحُكْمُهَا حُكْمُ بُلُوغِ الْإِبِلِ مِائَتَيْنِ ) فِيمَا مَرَّ ( وَ ) لَكِنْ ( لَا مَدْخَلَ لِلْجُبْرَانِ فِيهَا ) وَلَا فِي الْغَنَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَجَاوَزُهَا وَلِأَنَّهُ عُهِدَ فِي ابْتِدَاءِ زَكَاتِهَا الِانْتِقَالُ مِنْ جِنْسِهَا إلَى غَيْرِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَخْرَجَ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ ) مِنْ الْإِبِلِ ( حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفًا ) أَوْ أَكْثَرَ ( لَمْ يَجُزْ ) حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ ( إلَّا إنْ أَخْرَجَ ) مَعَ الْحِقَّتَيْنِ ( ثَلَاثًا ) مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَوْ أَخْرَجَ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً فَيَجُوزُ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْفَرِيضَةُ لِعَدَمِ التَّشْقِيصِ ( فَلَوْ بَلَغَتْ إبِلُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَأَخْرَجَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَرْبَعَ حِقَاقٍ جَازَ ) وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْفَرِيضَةُ ( إذْ لَا تَشْقِيصَ ) فَإِنَّ كُلَّ مِائَتَيْنِ أَصْلٌ فَيَجُوزُ إخْرَاجُ فَرْضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَفَرْضٍ مِنْ الْآخَرِ كَالْكَفَّارَتَيْنِ وَالْجُبْرَانَيْنِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُخْرِجُ الْبَعْضَ مِنْ هَذَا وَالْبَعْضَ مِنْ ذَاكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَغْبَطُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا أَحَدَهُمَا قُلْنَا أَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا حَظٌّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَفِيهِ أَنَّ الْغِبْطَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ لَكِنْ إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ لَا مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُ قَدْرِهِ .
ا هـ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ غَالِبًا يَكُونُ فِي الْقِيمَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهِمَا أَيْ فَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ عَلَى غَيْرِ الْغَالِبِ وَلَا بُعْدَ فِي تَعَذُّرِ إخْرَاجِ قَدْرِ التَّفَاوُتِ حِينَئِذٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَسْلِيمَ الِاعْتِرَاضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤَيِّدُ مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ مَا فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَنَاتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ تَفَاوُتٌ فِي الْقِيمَةِ وَلَا فِيمَا يَعُودُ إلَى مَصْلَحَةِ الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ السِّنِينَ أَخَذَ جَازَ .
قَوْلُهُ إذْ لَا تَشْقِيصَ ) عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ عَدَدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ النَّوْعَانِ بِلَا تَشْقِيصٍ حُكْمُهُ كَذَلِكَ كَسِتِّمِائَةٍ وَثَمَانِمِائَةٍ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْغِبْطَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ إلَخْ ) هَذَا الِاعْتِرَاضُ بَاطِلٌ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي تَضَمَّنَّهُ صَحِيحًا فَقَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ الَّتِي عِنْدَهُ وَيَكُونُ فِي بَنَاتِ اللَّبُونِ خَمْسٌ هِيَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ يُخْرِجُهَا مِمَّا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ الْحِقَاقِ ع اعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الشَّيْخَانِ صَحِيحٌ وَبَيَانُ صِحَّتِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَرْبَعَمِائَةِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْمَالِ الْوَاحِدِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهَا وَمَالِكِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْأَغْبَطُ مِنْ ثَمَانِ حِقَاقٍ أَوْ عَشْرِ بَنَاتِ لَبُونٍ كَمَا تَجِبُ مُرَاعَاةُ الْأَغْبَطِ فِي أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ الْمَقَامُ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْبَعَمِائَةِ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ نِصَابَيْنِ وَالْإِيرَادُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَقَامِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَوَهَمَ فِي الِاعْتِرَاضِ فَجَعَلَ الْمُفَاضَلَةَ فِي وَاجِبِ كُلِّ مِائَتَيْنِ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخَانِ إنَّمَا هُوَ وَاجِبُ الْأَرْبَعِمِائَةِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مِائَتَيْنِ أَصْلٌ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ ذَكَرَ إشْكَالًا عَلَى الْجَوَازِ وَأَجَابَ عَنْهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْإِيرَادُ وَهُوَ الْإِشْكَالُ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَمِائَةِ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ الْمَالِ الْوَاحِدِ .
( فَصْلٌ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ ) كَبِنْتِ لَبُونٍ ( وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَلَهُ الصُّعُودُ إلَى الْأَعْلَى بِدَرَجَةٍ وَيَأْخُذُ جَبْرَانَا وَ ) لَهُ ( الْهُبُوطُ ) إلَى الْأَسْفَلِ بِدَرَجَةٍ ( وَيُعْطِيهِ ) أَيْ الْجُبْرَانَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ فِي خَبَرِهِ السَّابِقِ سَوَاءٌ أَسَاوَى مَا عَدَلَ إلَيْهِ مَعَ الْجُبْرَانِ مَا عَدَلَ عَنْهُ أَمْ لَا لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وَإِذَا صَعِدَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَثَلًا إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَلْ تَقَعُ كُلُّهَا زَكَاةً أَوْ بَعْضُهَا الظَّاهِرُ الثَّانِي فَإِنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ فِيهَا قَدْ أَخَذَ الْجُبْرَانَ فِي مُقَابَلَتِهَا فَيَكُونُ قَدْرُ الزَّكَاةِ فِيهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا وَتَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْجُبْرَانِ ( وَالْجُبْرَانُ الْوَاحِدُ شَاتَانِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ) فِي الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ( أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا نَقْرَةً ) خَالِصَةً ( إسْلَامِيَّةً ) وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِالدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ حَيْثُ أُطْلِقَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نَعَمْ إنْ لَمْ يَجِدْهَا أَوْ غَلَبَتْ الْمَغْشُوشَةُ وَقُلْنَا بِجَوَازِ التَّعَامُلِ بِهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ النَّقْرَةِ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إسْلَامِيَّةً مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَالْخِيَرَةُ فِي الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ إلَى الْمَالِكِ ) لِأَنَّهُمَا شُرِعَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَقُوِّضَ الْأَمْرُ إلَيْهِ وَمِثْلُهُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَنَحْوُهُ هَذَا ( إنْ أَخَذَ السَّاعِي الْجُبْرَانَ ) كَذَا زَادَهُ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِيهِ سَلَفًا بَلْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ لَا خِيَرَةَ لِلْمَالِكِ فِي ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الصُّعُودِ حِينَئِذٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبَقَ قَلَمُهُ مَنْ وَجَدَ إلَى أَخْذٍ فَيُوَافِقُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ طَلَبَ السَّاعِي النُّزُولَ وَالْمَالِكُ الصُّعُودَ فَإِنْ عَدِمَ السَّاعِي الْجُبْرَانَ فَالْخِيَرَةُ وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ أَيْ اللَّذَانِ أَطْلَقَهُمَا
بَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوا مِنْهُمَا أَيْ الْخِيَرَةَ لِلْمَالِكِ وَمَعَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ ضَعِيفٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْجُبْرَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمِنْ مَالِ الْمَسَاكِينِ وَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْهُبُوطِ وَالصُّعُودِ كَأَنْ لَزِمَهُ بِنْتَا لَبُونٍ لِسِتٍّ وَسَبْعِينَ فَقَدَهُمَا وَأَرَادَ دَفْعَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَحِقَّةٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَيَظْهَرُ الْجَوَازُ إنْ وَافَقَهُ السَّاعِي وَإِلَّا جَاءَ الْخِلَافُ فِيمَنْ لَهُ الْخِيَرَةُ وَأَجَابَهُ الْمُمْتَنِعُ هُنَا أَظْهَرُ ( لَا إنْ صَعِدَ ) الْمَالِكُ ( وَهِيَ ) أَيْ إبِلُهُ ( مِرَاضٌ أَوْ مَعِيبَةٌ ) فَلَا يَجُوزُ بِالْجُبْرَانِ لِأَنَّ وَاجِبَهَا مَعِيبٌ وَالْجُبْرَانُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ السَّلِيمَيْنِ وَهُوَ فَوْقَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَعِيبَيْنِ وَمَقْصُودُ الزَّكَاةِ إفَادَةُ الْمُسْتَحَقِّينَ لَا الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُمْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَعَمْ إنْ رَأَى السَّاعِي مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ جَازَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَلَوْ أَرَادَ الْعُدُولَ إلَى سَلِيمَةٍ مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ فَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا هُبُوطُهُ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ فَجَائِزٌ لِتَبَرُّعِهِ بِالزِّيَادَةِ وَلَوْ حَذَفَ الْمَرِيضَةَ أَغْنَى عَنْهَا الْمَعِيبَةُ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَيْبٌ ( وَ ) الْخِيَرَةُ ( فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ إلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ) مِنْ الْمَالِكِ أَوْ السَّاعِي لِظَاهِرِ خَبَرِ أَنَسٍ ( وَيَصْرِفُ الْإِمَامُ الْجُبْرَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَهُوَ نَاظِرٌ عَلَيْهِمْ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمِنْ مَالِ الْمَسَاكِينِ ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ احْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ دَرَاهِمُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمَسَاكِينِ وَصَرَفَهُ فِي الْجُبْرَانِ .
( قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهَا الظَّاهِرُ الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقُلْنَا بِجَوَازِ التَّعَامُلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ إنْ أَخَذَ السَّاعِي الْجُبْرَانَ ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مَذْهَبُهُ مَنْعَ أَخْذِهِ وَبَذْلَهُ فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ ذَلِكَ كَالْمَالِكِيِّ امْتَنَعَ الْهُبُوطُ مُطْلَقًا وَالصُّعُودُ مَعَ الْجُبْرَانِ فَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ الْوَاجِبُ أَوْ يَتَبَرَّعَ بِالْأَعْلَى وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ السَّاعِيَ إنْ عَدِمَ الْجُبْرَانَ كَانَتْ الْخِيرَةُ لَهُ ( قَوْلُهُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ إلَخْ ) لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي ضَعْفَ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَيَظْهَرُ الْجَوَازُ إلَخْ ) كَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِجَوَازِ مَا تَرَدَّدَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ ) الْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ أَخْذًا بِعُمُومِ كَلَامِهِمْ وَبِمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ ( قَوْلُهُ فَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَجُوزُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَعَلَى الْعَامِلِ ) أَيْ السَّاعِي ( الْعَمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ ) لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِي دَفْعِهِ الْجُبْرَانَ وَأَخْذِهِ .
( فَرْعٌ لَوْ لَزِمَتْهُ جَذَعَةٌ وَفَقَدَهَا ) فِي إبِلِهِ ( فَأَخْرَجَ ثَنِيَّةً وَطَلَبَ جَبْرَانَا جَازَ ) عَلَى النَّصِّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الثَّنِيَّةُ مِنْ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ لِزِيَادَةِ السِّنِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ عَنْهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ انْتِفَاءُ نِيَابَتِهَا لَا يُقَالُ فَيَتَعَدَّدُ الْجُبْرَانُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فَوْقَ الثَّنِيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ الشَّارِعُ اعْتَبَرَهَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ دُونَ مَا فَوْقَهَا وَلِأَنَّ مَا فَوْقَهَا تَنَاهَى نُمُوُّهَا أَمَّا إذَا أَخْرَجَهَا وَلَمْ يَطْلُبْ جُبْرَانًا فَجَائِزٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَفَقَدَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَيَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ دَرَجَتَيْنِ بِجُبْرَانَيْنِ وَثَلَاثٍ ) الْأَوْلَى وَثَلَاثًا ( بِثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ عِنْدَ الْفَقْدِ ) لِلدَّرَجَةِ الْقُرْبَى فِي جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا عِنْدَ وُجُودِهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ زِيَادَةِ الْجُبْرَانِ بِدَفْعِ الْوَاجِبِ مِنْ الْقُرْبَى ( فَلَوْ صَعِدَ دَرَجَتَيْنِ ) لِيُخْرِجَ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا ( مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقُرْبَى فِي جِهَتِهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ قَنَعَ بِجُبْرَانٍ ) وَاحِدٍ وَكَذَا يَمْتَنِعُ النُّزُولُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَى فِي غَيْرِ جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ كَأَنْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا حِقَّةَ وَوَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ بَلْ يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ جَذَعَةٍ مَعَ أَخْذِ جُبْرَانَيْنِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ تَرْجِيحٌ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ لَيْسَتْ فِي جِهَةِ الْجَذَعَةِ .
( قَوْلُهُ وَعَلَى الْعَامِلِ الْعَمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ ) وَوَلِيُّ الْمَحْجُورِ وَنَائِبُ الْغَائِبِ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْعَمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ لِمَنْ يُخْرِجُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ بِجُبْرَانَيْنِ ) أَيْ مَعَهُمَا ( قَوْلُهُ وَثَلَاثٌ ) أَيْ وَصُعُودُ ثَلَاثٍ أَوْ نُزُولُهَا .
( فَرْعٌ يُؤْخَذُ ) جَوَازًا ( فِي جُبْرَانَيْنِ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ) كَالْكَفَّارَتَيْنِ ( لَا شَاةَ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي جُبْرَانٍ ) وَاحِدٍ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا تَجُوزُ خَصْلَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً ( إلَّا إنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ وَرَضِيَ ) بِهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَلَوْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا ) فِي إبِلِهِ ( فَأَخْرَجَ ابْنَ لَبُونٍ وَجَبْرَانَا وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ ) بَلْ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ( أَوْ أَرَادَ مَنْ فَقَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ إخْرَاجَ بِنْتِ لَبُونٍ لِيَأْخُذَ الْجُبْرَانَ وَمَعَهُ ابْنُ لَبُونٍ لَمْ يَجُزْ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْجُبْرَانَ مَعَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إنَّمَا عُهِدَ مَعَ الْإِنَاثِ فَلَا يَتَجَاوَزُهَا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ ابْنِ اللَّبُونِ وَلِمُخَالَفَتِهِ خَبَرَ أَنَسٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ ( وَلَوْ وَجَبَتْ جَذَعَةٌ فَأَخْرَجَ بَدَلَهَا ) وَلَوْ مَعَ وُجُودِهَا ( بِنْتَيْ لَبُونٍ جَازَ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَمَّا زَادَ ) عَلَى إبِلِهِ فَعَنْهَا أَوْلَى فَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ بَدَلُهَا حِقَّةٌ وَبِنْتُ لَبُونٍ أَوْ حِقَّتَانِ وَأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ فَأَخْرَجَ بَدَلَهَا بِنْتَيْ لَبُونٍ جَازَ وَبِالْأَخِيرَتَيْنِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ ( وَلَوْ مَلَكَ إحْدَى وَسِتِّينَ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً مِنْهَا ) بَدَلَ الْجَذَعَةِ عِنْدَ فَقْدِهَا ( لَزِمَهُ جُبْرَانَانِ ) لِنُزُولِهَا عَنْهَا بِدَرَجَتَيْنِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ مَلَكَ إحْدَى وَسِتِّينَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً مِنْهَا فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ مَعَهَا ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَالْكُلُّ صَحِيحٌ .
( قَوْلُهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ) بِخِلَافِ السَّاعِي لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْفُقَرَاءِ وَهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَرَضُوا بِذَلِكَ جَازَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَهَذَا عَارَضَ ( قَوْلَهُ وَمَعَهُ ابْنُ لَبُونٍ ) أَيْ أَوْ حِقٌّ .
( فَصْلٌ أَسْبَابُ النَّقْصِ ) فِي الزَّكَاةِ ( خَمْسَةٌ مِنْهَا الْمَرَضُ وَمِنْهَا الْعَيْبُ ) الْأُولَى أَنْ يُعَبِّرَ بِأَحَدِهَا وَبِالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا أَصْلُهُ ( فَمَنْ كَانَ نَعَمُهُ مِرَاضًا أَوْ مَعِيبَةً كُلَّهَا أَخْرَجَ مَرِيضًا أَوْ مَعِيبًا ) فَلَا يُكَلَّفُ صَحِيحَةً لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمَالِكِ ( مُتَوَسِّطًا ) جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ( وَإِنْ كَانَ فِيهَا صَحِيحٌ قَدْرَ الْوَاجِبِ ) وَإِنْ تَعَدَّدَ ( فَمَا فَوْقَهُ وَجَبَ صَحِيحٌ ) فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ أَنَسٍ { وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصْدِقُ } بِتَخْفِيفِ الصَّادِ أَيْ السَّاعِي بِأَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْكُلِّ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِهَا أَيْ الْمَالِكِ بِأَنْ تَمَخَّضَتْ غَنَمُهُ ذُكُورًا فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْأَخِيرَةِ وَالْعَوَارُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْعَيْبُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ ( لَائِقٌ بِمَالِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَتِهِ إلَى قِيمَةِ الْجَمِيعِ كَنِسْبَتِهِ إلَى الْجَمِيعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ .
( مِثَالُهُ أَرْبَعُونَ شَاةً نِصْفُهَا أَمْرَاضٌ أَوْ مَعِيبٌ وَقِيمَةُ الصَّحِيحَةِ ) أَيْ كُلِّ صَحِيحَةٍ ( دِينَارَانِ وَالْأُخْرَى ) أَيْ وَكُلُّ مَرِيضَةٍ أَوْ مَعِيبَةٍ ( دِينَارٌ لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ ) وَذَلِكَ قِيمَةُ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ أَوْ مَعِيبَةٍ وَلَوْ كَانَ رُبْعُهَا مَرِيضًا أَوْ مَعِيبًا وَالْقِيمَةُ بِحَالِهَا لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِدِينَارٍ وَنِصْفٍ وَرُبْعٍ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ ) وَالْقِيمَةُ بِحَالِهَا ( فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ ) جُزْءًا ( مِنْ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ ) أَوْ مَعِيبَةٍ ( وَيُجْزِئُ مِنْ أَرْبَعِينَ ) جُزْءًا ( مِنْ ) قِيمَةِ ( صَحِيحَةٍ وَذَلِكَ دِينَارٌ
وَرُبْعُ عُشْرِ دِينَارٍ ) وَالْمَجْمُوعُ رُبْعُ عُشْرِ الْمَالِ إذْ قِيمَةُ الْمِرَاضِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَقِيمَةُ الصَّحِيحَةِ دِينَارَانِ وَالْجُمْلَةُ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ دِينَارًا فَرُبْعُ عُشْرِهَا مَا ذُكِرَ وَمَتَى قُوِّمَ جُمْلَةُ النِّصَابِ وَكَانَتْ الصَّحِيحَةُ الْمُخْرَجَةُ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ كَفَى ( وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ ) فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ أَخْرَجَ نَاقَةً قِيمَتُهَا جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْكُلِّ .
وَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ نِصْفُهَا صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ وَقِيمَةُ كُلِّ صَحِيحَةٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَكُلُّ مَرِيضَةٍ دِينَارَانِ لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا مَنَعْنَا انْبِسَاطَ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَقْصِ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ يُقَسَّطُ الْمَأْخُوذُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ مُوَزَّعَةً بِالْقِيمَةِ نِصْفَيْنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَقْصِ أَيْ فَلَا تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِالتَّقْدِيرَيْنِ كَمَا يُعْرَفُ بِالنِّسْبَةِ السَّابِقَةِ ( وَإِذَا ) كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَاشِيَتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ كَأَنْ ( وَجَبَ شَاتَانِ فِي غَنَمٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ ) وَاحِدَةٌ ( وَجَبَ صَحِيحَةٌ بِالْقِسْطِ وَمَرِيضَةٌ ) فَتُجْزِئَانِهِ ( وَالْعَيْبُ ) هُنَا ( مَا أَثَّرَ فِي الْبَيْعِ ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَدْخُلُهَا التَّقْوِيمُ عِنْدَ التَّقْسِيطِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ ( لَا ) فِي ( الْأُضْحِيَّةِ ) .
قَالَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ فَإِنَّ عَيْبَهُمَا لَا يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ وَمِثْلُهُمَا الْحَامِلُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ ( وَإِذَا لَزِمَتْهُ مَعِيبَةٌ أَخْرَجَ مِنْ الْوَسَطِ ) فِي الْمَعِيبِ ( لَا الْخِيَارِ ) فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا مَعِيبَةً فِيهَا بِنْتَا مَخَاضٍ إحْدَاهُمَا مِنْ أَجْوَدِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ
دُونَهَا أَخْرَجَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا الْوَسَطُ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ وَقِيلَ يُخْرِجُ الْأُولَى كَالْأَغْبَطِ فِي الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ سِنِينَ وَهُنَا بِسِنٍّ وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَفْرَادُهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْأُسْتَاذِ فَرَّقَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَّ أَصْلٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا نَقْصَ فِيهِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَصْلِ مَا هُوَ الْأَجْوَدُ أَوْ الْأَرْدَأُ ( وَمِنْهَا الذُّكُورَةُ فَإِنْ تَبَعَّضَتْ ) إبِلُهُ مَثَلًا بِأَنْ كَانَ بَعْضُهَا ذُكُورًا وَبَعْضُهَا إنَاثًا ( أَخْرَجَ أُنْثَى بِذَلِكَ التَّقْسِيطِ ) السَّابِقِ بَيَانُهُ ( لَا ذَكَرًا إلَّا إنْ وَجَبَ ) فَيُخْرِجُهُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ كَابْنِ لَبُونٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَكَالتَّبِيعِ فِي الْبَقَرِ أَوْ لِلْقِيَاسِ كَحَقِّ بَدَلِ ابْنِ لَبُونٍ فِي الْأَوْلَى وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِبِلِ لَمْ يَجُزْ الذَّكَرُ إلَّا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا ابْنُ لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَعُطِفَ عَلَى تَبَعَّضَتْ .
قَوْلُهُ ( أَوْ تَمَخَّضَتْ ) ذُكُورًا ( أَخْرَجَ الذَّكَرَ كَالْمَرِيضَةِ ) وَالْمَعِيبَةِ مِنْ مِثْلِهِمَا وَلِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ التَّحْصِيلَ مَشَقَّةً عَلَيْهِ وَالزَّكَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا شُرِعَ الْجُبْرَانُ ( لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنَ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِالْقِسْطِ ) لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ النِّصَابَيْنِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ وَالنِّسْبَةِ فَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسُ وَالْعِشْرُونَ إنَاثًا وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ مِنْهَا مِائَةٌ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا ذُكُورًا قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةُ ابْنِ مَخَاضٍ مِنْهَا خَمْسُونَ فَيَجِبُ ابْنُ لَبُونٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ بِنِسْبَةِ زِيَادَةِ السِّتِّ وَثَلَاثِينَ
عَلَى الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَهِيَ خُمُسَانِ وَخُمْسُ خُمْسٍ ( وَيُجْزِئُ فِي أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ تَبِيعَانِ ) لِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ عَنْ سِتِّينَ فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى بِخِلَافِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ لِأَنَّهُمَا مَعَ نَقْصِهِمَا سِنًّا عَنْهَا لَيْسَا فَرْضَ نِصَابٍ ( وَمِنْهَا الصِّغَرُ فَإِنْ كَانَتْ ) نَعَمُهُ ( فِي سِنٍّ مَفْرُوضٍ أُخِذَ فَرْضُهَا مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ إحْدَى وَسِتُّونَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا ) بَدَلَ الْجَذَعَةِ عِنْدَ فَقْدِهَا ( لَزِمَهُ ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ ) لِنُزُولِهَا عَنْهَا بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ وَزَادَ هَذَا الْمِثَالَ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ السِّنَّ الْمَفْرُوضَ مَا وَجَبَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ الْأَسْنَانِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَالِكِ لَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَقَطْ وَلِهَذَا حَذَفَ مَا لَوْ كَانَ بَعْضُ نَعَمِهِ فِي سِنٍّ مَفْرُوضٍ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كِبَارًا فَالْقِسْطُ .
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنْ احْتَمَلَتْ ذَلِكَ لَكِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيمَا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ وَعِبَارَتُهُ مَعَ زِيَادَةِ التَّعْلِيلِ لِلرَّافِعِيِّ وَلِلْمَاشِيَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فِي سِنِّ الْفَرْضِ فَيُؤْخَذُ لِوَاجِبِهَا سِنُّ الْفَرْضِ وَلَا يُؤْخَذُ مَا دُونَهُ لِلنُّصُوصِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الْأَسْنَانِ الْمُقَدَّرَةِ وَلَا يُكَلَّفُ مَا فَوْقَهُ لِلْإِضْرَارِ بِالْمَالِكِ ( أَوْ ) كَانَتْ نَعَمُهُ فِي ( سِنٍّ لَا فَرْضَ فِيهِ أَخَذَ ) السَّاعِي صَغِيرًا وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ تَصْوِيرُهُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَبَعْدَهُ يَبْلُغُ حَدَّ الْإِجْزَاءِ ( وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ تَمَاوَتَتْ ) وَفِي نُسْخَةٍ تَمُوتُ وَفِي نُسْخَةٍ تَتَمَاوَتُ ( الْأُمَّهَاتُ ) وَقَدْ تَمَّ حَوْلُهَا وَالنِّتَاجُ صِغَارًا أَوْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ وَتَمَّ لَهَا حَوْلٌ وَالْأَشْهَرُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتُ بِإِثْبَاتِهَا ( فَيُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ )
بَعِيرًا ( فَصِيلٌ فَوْقَ الْمَأْخُوذِ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَ ) يُؤْخَذُ ( فِي ) الْأَنْسَبِ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ ( سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ ) بَعِيرًا فَصِيلٌ ( فَوْقَ الْمَأْخُوذِ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَلَى هَذَا ) فَقِسْ .
وَمَحَلُّ إجْزَاءِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ صِغَارٍ وَأَخْرَجَ الشَّاةَ لَمْ يَجُزْ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْكِبَارِ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ ( وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كِبَارًا ) وَبَعْضُهَا صِغَارًا ( فَالْقِسْطُ مُعْتَبَرٌ ) أَيْ فَيَجِبُ إخْرَاجُ كَبِيرَةٍ بِالْقِسْطِ كَمَا مَرَّ فِي نَظَائِرِهِ ( وَإِنْ كَانَتْ ) فِي سِنٍّ ( فَوْقَ سِنِّ فَرْضِهِ لَمْ يُكَلَّفْ الْإِخْرَاجَ مِنْهَا بَلْ لَهُ تَحْصِيلُ ) السِّنِّ ( الْوَاجِبِ ) وَلَهُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ فِي الْإِبِلِ كَمَا مَرَّ ( وَمِنْهَا رَدَاءَةُ النَّوْعِ ) بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَاشِيَةِ نَوْعَانِ مَثَلًا وَأَحَدُهُمَا رَدِيءٌ ( كَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْمَهْرِيَّةِ وَالْأَرْحَبِيَّةِ مِنْ الْإِبِلِ ) وَالْعِرَابِ وَالْجَوَامِيسِ مِنْ الْبَقَرِ ( فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ ) لِلِاتِّحَادِ فِي الْجِنْسِ ( وَيُؤْخَذُ الْفَرْضُ مِنْ نَوْعٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالتَّقْسِيطِ ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ( كَمَنْ لَهُ مِنْ الْإِبِلِ عَشْرٌ أَرْحَبِيَّةٌ وَعَشْرٌ مُهْرِيَّة وَخَمْسُ مُجَيْدِيَّةٍ فَتَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ بِقِيمَةِ خَمْسٍ مَهْرِيَّةٍ وَخَمْسٍ أَرْحَبِيَّةٍ وَخَمْسٍ مُجَيْدِيَّةٍ ) بِنِسْبَةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْجَمِيعِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْ الْمَهْرِيَّةِ عَشَرَةً وَمِنْ الْأَرْحَبِيَّةِ خَمْسَةً وَمِنْ الْمُجَيْدِيَّةِ دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا أَخَذَ بِنْتَ مَخَاضٍ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِهَا شَاءَ قِيمَتُهَا سِتَّةٌ وَنِصْفٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَغْلَبُ وَلَا الْأَجْوَدُ .
وَبَحَثَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وُجُوبَ الْأَجْوَدِ بِالْحِصَّةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمِرَاضِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَخْذِ الْمَرِيضَةِ هُوَ الْمَانِعُ ثَمَّ وَلَا نَهْيَ هُنَا أَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ فَإِنْ
لَمْ تَخْتَلِفْ صِفَتُهَا أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ إذْ لَا تَفَاوُتَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ أَخَذَ مِنْ خَيْرِهَا كَمَا فِي الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ اخْتِلَافِهَا صِفَةً وَاخْتِلَافِهَا نَوْعًا شِدَّةُ اخْتِلَافِ النَّوْعِ فَفِي لُزُومِ الْإِخْرَاجِ مِنْ أَجْوَدِهَا زِيَادَةُ إجْحَافٍ بِالْمَالِكِ فَإِنْ وَجَدَ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ فِي كُلِّ نَوْعٍ أَخْرَجَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ لَكِنْ مِنْ أَجْوَدِهِ وَالْمَعْزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِهَا اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ مَاعِزٌ وَالْأُنْثَى مَاعِزَةٌ وَالْمِعْزَى وَالْمَعِيزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْأُمْعُوزُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الْمَعْزِ وَالْمَهْرِيَّةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُهَا مَهَارِيٌّ مَنْسُوبَةٌ إلَى مَهْرَةَ بْنِ جِيدَانِ أَبُو قَبِيلَةٍ وَالْأَرْحَبِيَّةُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَرْحَبَ قَبِيلَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وَالْمُجَيْدِيَّةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ دُونَ الْمَهْرِيَّةِ مَنْسُوبَةٌ إلَى فَحْلِ إبِلٍ يُقَالُ لَهُ مُجَيْدٌ وَالْجَمِيعُ لِقَبَائِلَ مِنْ الْيَمَنِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَيُقَالُ مُجَيْدِيَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْمَجِيدِ أَيْ الْكَرِيمِ مِنْ الْمَجْدِ وَهُوَ الْكَرْمُ ( وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الضَّأْنِ ثَنِيَّتَيْنِ مِنْ الْمَعْزِ تُسَاوَيَانِ قِيمَةَ جَذَعَةٍ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ أَخْرَجَ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْمَعْزِ جَذَعَتَيْنِ مِنْ الضَّأْنِ تُسَاوَيَانِ قِيمَةَ ثَنِيَّةٍ مِنْ الْمَعْزِ ( أَجْزَأَهُ ) لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْمُتَسَاوِيَةَ مُجْزِئَةٌ فَالثِّنْتَانِ أَوْلَى وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا تُجْزِئُ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى إلَّا بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ .
( قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْعَيْبُ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَلَا عَيْبَ فِيهَا وَلَا صِغَرَ وَلَا غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ فَوَجْهَانِ فِي الْبَيَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ يَخْتَارُ السَّاعِي خَيْرَهُمَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ وَسَطِهِمَا ( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمَالِكِ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ إنَّمَا مَلَكُوا مِنْهُ فَكَانُوا كَسَائِرِ الشُّرَكَاءِ ( قَوْلُهُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ ) وَفَتْحِ الدَّالِ قَوْلُهُ وَالْعَيْبُ مَا أَثَّرَ فِي الْبَيْعِ ) كَذَا قَالَا هُنَا وَقَالَا قَبْلَ هَذَا إنَّ ابْنَ اللَّبُونِ الْخُنْثَى يُجْزِئُ عَنْ ابْنِ اللَّبُونِ الذَّكَرِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الْخُنُوثَةَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهَا الْمَبِيعُ وَحِينَئِذٍ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ ( قَوْلُهُ أَخْرَجَ أُنْثَى بِذَلِكَ التَّقْسِيطِ ) أَمَّا فِي الْإِبِلِ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ فَلِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ وَأَمَّا فِي الْغَنَمِ فَلِحَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَتَعَيَّنَتْ فِيهِ الْأُنْثَى كَالْإِبِلِ ( قَوْلُهُ وَزَادَ هَذَا الْمِثَالَ ) وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ .
( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ ) قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ فِي سِنٍّ دُونَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَوْلُهُ دُونَ أَيْ دُونَ الْفَرْضِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ دُونَ كُلِّ فَرْضٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْإِبِلِ بَنَاتُ مَخَاضٍ بَلْ دُونَهَا فَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا بَنَاتِ مَخَاضٍ أَخَذَ مِنْهَا بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ الْجُبْرَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ إحْدَى وَسِتِّينَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً مِنْهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ مَعَهَا ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ وَفِي الْحَاوِي وَجْهُ أَنَّهَا تَكْفِيهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ ) وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْمَرِيضِ ( قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ
الْقِيمَةِ وَالتَّقْسِيطِ ) لَوْ كَانَ الْمَالُ لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ مُرَاعَاةُ الْأَحَظِّ لَهُ ع ( قَوْلُهُ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْغَالِبُ فِي أَجْزَاءِ زَكَاتِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالْحُبُوبِ إذَا كَانَ فِيهَا الْجَيِّدُ وَدُونَهُ ( قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ إلَخْ ) فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ ثِنْتَيْنِ سَبْقُ قَلَمٍ .
( بَابُ الْخُلْطَةِ ) ( وَهِيَ نَوْعَانِ خُلْطَةُ شَرِكَةٍ ) وَتُسَمَّى خُلْطَةَ أَعْيَانٍ وَخُلْطَةَ شُيُوعٍ وَذَلِكَ ( حَيْثُ كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا ) بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ ( وَخُلْطَةَ جِوَارٍ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَتُسَمَّى خُلْطَةَ أَوْصَافٍ ( وَ ) ذَلِكَ حَيْثُ ( مَالَ كُلُّ مُتَمَيِّزٍ ) إي ( مُعَيَّنٍ ) فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ عُرْفًا ( لَكِنَّهُمَا مُتَجَاوِرَانِ كَمُجَاوَرَةِ مِلْكِ الْوَاحِدِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فَيُزَكَّيَانِ زَكَاةَ الْمَالِ الْوَاحِدِ ) لِمَا فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ نَهَى الْمُلَّاكُ عَنْ التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِهَا أَوْ كَثْرَتِهَا وَنَهَى السَّاعِي عَنْهُمَا خَشْيَةَ سُقُوطِهَا أَوْ قِلَّتِهَا وَالْخَبَرُ ظَاهِرٌ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَمِثْلُهَا خُلْطَةُ الشُّيُوعِ بَلْ أَوْلَى ( وَالْخُلْطَةُ ) فِي الْمَاشِيَةِ ( قَدْ تُوجِبُ زَكَاةً لَا تَجِبُ ) لَوْلَا الْخُلْطَةُ ( كَخُلْطَةِ عِشْرِينَ ) لِوَاحِدٍ ( بِمِثْلِهَا ) لِآخَرَ فَتَجِبُ شَاةٌ وَلَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ( وَقَدْ تُقَلِّلُهَا عَلَيْهِمَا كَأَرْبَعِينَ بِمِثْلِهَا ) فَتَجِبُ شَاةٌ وَلَوْ انْفَرَدَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ شَاةٍ ( وَقَدْ تُكْثِرُهَا ) عَلَيْهِمَا ( كَمِائَةٍ بِمِثْلِهَا وَشَاةٍ ) فَتَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ مِائَةُ جُزْءٍ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ وَجُزْءٌ مِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ وَعَلَى الثَّانِي مِائَةُ جُزْءٍ وَجُزْءٌ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ وَمَثَّلَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَلْطِ مِائَةٍ وَشَاةٍ بِمِثْلِهَا فَتَجِبُ عَلَى كُلِّ شَاةٍ وَنِصْفٍ وَلَوْ انْفَرَدَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ شَاةٍ فَقَطْ وَقَدْ تُقَلِّلُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَتُكْثِرُهَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ كَأَرْبَعِينَ بِإِحْدَى وَثَمَانِينَ وَقَدْ لَا تُفِيدُ شَيْئًا مِنْهُمَا كَمِائَةٍ بِمِثْلِهَا أَمَّا الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ فَلَا تُفِيدُ إلَّا تَثْقِيلًا إذْ لَا وَقْصَ فِيهِ وَسَيَأْتِي .
( بَابُ الْخُلْطَةِ ) ( قَوْلُهُ وَخُلْطَةُ جَوَارٍ إلَخْ ) يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ اسْمِ الْخُلْطَةِ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } الْآيَةَ عَقِبَ قَوْلِهِ { إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } .
( فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي نَوْعِ ) الْأَوْلَى نَوْعَيْ ( الْخُلْطَةِ كَوْنُ الْمَجْمُوعِ نِصَابًا ) فَأَكْثَرَ لِيَثْبُتَ حُكْمُهَا فِيهِ ثُمَّ يَسْتَتْبِعُ غَيْرَهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا دُونَهُ ( فَإِنْ مَلَكَ كُلٌّ ) مِنْ اثْنَيْنِ ( عِشْرِينَ ) شَاةً ( فَخَلَطَا ) مِنْهَا ( ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ ) تِسْعَةَ عَشَرَ بِتِسْعَةُ عَشَرَ ( وَمَيَّزَا شَاتَيْنِ نُظِرَتْ فَإِنْ لَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا ) بَلْ خَلَطَاهُمَا أَيْضًا ( وَجَبَتْ ) أَيْ الزَّكَاةُ لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي نِصَابٍ ( وَإِلَّا فَلَا ) لِانْتِفَائِهَا نَعَمْ إنْ كَانَ لِأَحَدِهَا نِصَابٌ فَأَكْثَرُ أَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي نِصَابٍ فَلَوْ خَلَطَ عَشَرَةَ شِيَاهٍ بِمِثْلِهَا لِآخَرَ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِثَلَاثِينَ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَالْآخَرَ خُمْسُ شَاةٍ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ شَاةً بِمِثْلِهَا الْآخَرِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِينَ لَزِمَهُ سِتَّةُ أَثْمَانِ شَاةٍ وَنِصْفُ ثُمْنٍ وَالْآخَرَ ثُمْنٌ وَنِصْفُ ثُمْنٍ كَمَا سَيَأْتِي وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَلَا يُؤَثِّرُ خَلْطُ جِنْسٍ بِآخَرَ كَبَقَرٍ بِغَنَمٍ بِخِلَافِ خَلْطِ نَوْعٍ بِآخَرَ كَضَأْنٍ بِمَعْزٍ ( وَأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا خُلْطَةَ ) لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ مَالُهُ سَبَبًا لِتَغَيُّرِ زَكَاةِ غَيْرِهِ ( وَأَنْ تَدُومَ ) الْخُلْطَةُ ( سَنَةً ) فَلَا يَكْفِي وُجُودُهَا فِي دُونِهَا .
( وَتَخْتَصُّ خُلْطَةُ الْجِوَارِ بِشُرُوطِ اتِّحَادِ الْمُرَاحِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَأْوَاهَا لَيْلًا كَمَا مَرَّ ( وَالْمَسْرَحِ ) أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ ثُمَّ تُسَاقُ إلَى الْمَرْعَى ( وَالْمَشْرَبِ ) أَيْ مَوْضِعِ شُرْبِهَا وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُشْرَعِ ( وَالْمَرْعَى ) أَيْ الْمَرْتَعِ الَّذِي تَرْعَى فِيهِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَمَرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْرَحِ وَالْمَكَانِ الَّذِي تُوقَفُ فِيهِ عِنْدَ إرَادَةِ سَقْيِهَا وَاَلَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا وَالْآنِيَةُ
الَّتِي تُسْقَى فِيهَا وَالدَّلْوُ ( وَالرَّاعِي وَمَكَانِ الْحَلْبِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ يُقَالُ لِلَّبَنِ وَلِلْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَحُكِيَ إسْكَانُهَا وَيُقَالُ لِمَكَانِهِ الْمَحْلَبُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ فَقَالَ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادٌ بِلَا خِلَافٍ ( وَالْفَحْلِ ) بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ ) فَإِنْ اخْتَلَفَ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( لَا اتِّحَادِ الْحَالِبِ ) فَلَا يُشْتَرَطُ كَالْجَازِّ ( وَ ) لَا اتِّحَادِ ( الْإِنَاءِ ) الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ كَآلَةِ الْجَزِّ وَيُقَالُ لَهُ الْمِحْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَلَا اتِّحَادُ حَوْلِهِمَا وَلَا خَلْطِ اللَّبَنِ ( وَلَا نِيَّةِ الْخُلْطَةِ ) لِأَنَّ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ بِاتِّحَادِ الْمَرَافِقِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الِاتِّحَادُ فِيمَا مَرَّ لِيَجْتَمِعَ الْمَالَانِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ وَلِتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِالزَّكَاةِ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ بَعْدَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِي الْحَوْضِ وَالْفَحْلِ وَالرَّاعِي نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ لَكِنْ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ ( فَلَوْ افْتَرَقَتْ ) مَاشِيَتُهُمَا فِي شَيْءٍ مِمَّا شُرِطَ الِاتِّحَادُ فِيهِ ( زَمَنًا طَوِيلًا ) بِأَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ عَلَفُ السَّائِمَةِ وَلَوْ ( بِلَا قَصْدٍ ) مِنْهُمَا ( أَوْ ) زَمَانًا ( يَسِيرًا إمَّا بِقَصْدٍ ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ( أَوْ عَلِمَا ) بِتَفَرُّقِهَا ( وَأَقَرَّاهُ ضَرَّ ) فَتَرْتَفِعُ الْخُلْطَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ عِلْمَ أَحَدِهِمَا كَعِلْمِهِمَا ( وَالِافْتِرَاقُ لَا يُقْطَعُ حَوْلَ النِّصَابِ ) بَلْ إنْ لَمْ تَرْتَفِعْ بِهِ الْخُلْطَةُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ نَصِيبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ لِتَمَامِ حَوْلِهِ مِنْ يَوْمِ مِلْكِهِ لَا مِنْ يَوْمِ ارْتِفَاعِهَا ( وَمَعْنَى اتِّحَادِ الْفَحْلِ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا ) أَيْ مُرْسَلًا ( فِي الْإِبِلِ )
الْأَوْلَى فِي الْمَاشِيَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا الْأَصْلُ ( وَإِنْ كَانَ ) مِلْكًا ( لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُسْتَعَارًا ) لَهُ أَوَّلُهُمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِمَّا يُعْتَبَرُ الِاتِّحَادُ فِيهِ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَاحِدًا بِالذَّاتِ بَلْ أَنْ لَا يَخْتَصَّ مَالُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ وَلَا يَضُرُّ التَّعَدُّدُ حِينَئِذٍ .
قَوْلُهُ وَالرَّاعِي ) فِي قَوْلِهِ الْمَرْعَى وَالرَّاعِي جِنَاسٌ ( قَوْلُهُ فَقَالَ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّحَادُ بِلَا خِلَافٍ ) وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ قَالَ يُشْتَرَطُ الِاتِّحَادُ كَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ لَا مِنْهُ ( قَوْلُهُ وَلَا خَلْطُ اللَّبَنِ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ يَحْرُمُ ( قَوْلُهُ أَوْ يَسِيرًا إمَّا بِقَصْدٍ إلَخْ ) التَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ أَيْ فِي نِيَّةِ الْخُلْطَةِ فِيمَا إذَا افْتَرَقَتْ الْمَاشِيَةُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ بِنَفْسِهَا أَوْ فَرَّقَهَا الرَّاعِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكَانِ إلَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ هَلْ تَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ أَمْ لَا .
ا هـ .
وَفَهِمَ مِنْهَا الْحِجَازِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَالْحَقُّ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْهَا إذْ الْمُؤَثِّرُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ الْخُلْطَةُ وَإِنْ لَمْ تُنْوَ وَفِي سُقُوطِهَا الِافْتِرَاقُ وَإِنْ لَمْ يُنْوَ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ عِلْمَ أَحَدِهِمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) ( تَثْبُتُ خُلْطَةُ الِاشْتِرَاكِ وَالْجِوَارِ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالنَّقْدَيْنِ وَالتِّجَارَةِ ) كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ لِلِارْتِفَاقِ بِاتِّحَادِ الْجَرِينِ وَالنَّاطُورِ وَغَيْرِهِمَا وَلِعُمُومِ خَبَرِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ ( بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ الْمُتَجَاوِرَانِ زَرْعًا وَثَمَرًا فِي الْحَائِطِ وَالْمُتَعَهِّدِ ) لَهُمَا ( وَالنَّاطُورِ ) بِالْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْحَافِظِ لَهُمَا ( وَالْجِدَادِ ) وَالْحَصَادِ وَالْحَمَّالِ وَالْمُلَقِّحِ وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْمُتَعَهِّدِ وَالْحَرَّاثِ وَالْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ ( وَاللَّقَاطِ وَالْجَرِينِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ الثِّمَارِ وَالْبَيْدَرِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعُ تَصْفِيَةِ الْحِنْطَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ الْجَرِينُ لِلزَّبِيبِ وَالْبَيْدَرُ لِلْحِنْطَةِ وَالْمِرْبَدُ لِلتَّمْرِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَائِطِ إلَى آخِرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَتَّحِدُ وَقَوْلُهُ زَرْعًا وَثَمَرًا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ بِالتَّمْيِيزِ مِنْ الْمُتَجَاوِرَيْنِ إنْ أُرِيدَ بِهِمَا الْمَالِكَانِ وَبِالْحَالِ الْمُؤَوَّلَةِ إنْ أُرِيدَ بِهِمَا الْمَالَانِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ يَأْتِي فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَأَنْ يَتَّحِدَ الْمُتَجَاوِرَانِ ( تِجَارَةً فِي الدُّكَّانِ وَمَكَانِ الْحِفْظِ ) مِنْ خِزَانَةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَ مَالُ كُلٍّ بِزَاوِيَةٍ ( وَالْمِيزَانُ وَالْوَزَّانُ ) وَالْمِكْيَالُ ( وَالْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَالْحَارِسُ ) وَالْمُطَالَبُ بِالْأَمْوَالِ وَالنُّقَّادُ وَالْمُنَادِي ( وَ ) أَنْ يَتَّحِدَ الْمُتَجَاوِرَانِ ( نَقْدًا فِي الصُّنْدُوقِ لِلْكِيسَيْنِ وَالْحَارِسِ ) وَنَحْوِهِمَا وَذِكْرُ الِاتِّحَادِ فِيمَا قَالَهُ غَيْرُ الْحَائِطِ وَالصُّنْدُوقِ وَمَكَانِ الْحِفْظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الْأَصْلِ بِالْخِزَانَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِذَا اشْتَرَى ) مَثَلًا ( ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ بَيْنَ نَخْلٍ كَثِيرٍ ) بِشَرْطِ قَطْعِهَا وَصَوَّرَهَا الْأَصْلُ بِالِاسْتِئْجَارِ فَقَالَ لَوْ اسْتَأْجَرَ
أَجِيرُ التَّعَهُّدِ نَخِيلَهُ بِثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا بَعْدَ خُرُوجِ تَمْرَتِهَا وَقَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَشُرِطَ الْقَطْعُ ( فَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ ) وَبَلَغَ مَا فِي الْحَائِطِ نِصَابًا ( لَزِمَهُ عُشْرُ ثَمَرَةِ النَّخْلَةِ ) أَوْ نِصْفُ عُشْرِهَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( هَكَذَا نَصُّوا عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا إنْ اتَّحَدَ الْجَرِينُ وَنَحْوُهُ ) مِمَّا مَرَّ فَلَا إشْكَالَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ ( وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيِّنِينَ حَائِطٍ ) أَيْ نَخْلِ حَائِطٍ ( فَأَثْمَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ) فَأَكْثَرَ ( لَزِمَتْهُمْ الزَّكَاةُ ) لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رُبْعَ الْمَوْقُوفِ مِلْكًا تَامًّا ( لَا إنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ أَرْبَعُونَ شَاةً ) أَوْ نِصَابٌ مِنْ سَائِرِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَلَا تَلْزَمُهُمْ الزَّكَاةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ ضَعْفِهِ فِي الْمَوْقُوفِ وَنِتَاجُ النَّعَمِ الْمَوْقُوفَةِ كَالثَّمَرِ فِيمَا مَرَّ أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُمْ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي .
قَوْلُهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ ) عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَهُ مَحَلُّهُ فِي خُلْطَةٍ يَحْتَاجُ الْمَالِكَانِ فِيهَا إلَى مُلَقِّحٍ وَجَرِينٍ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَأَنْ وَرِثَ جَمَاعَةٌ نَخْلًا مُثْمِرًا وَاقْتَسَمُوا بَعْدَ الزُّهُورِ فَتَلْزَمُهُمْ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ لِاشْتِرَاكِهِمْ حَالَةَ الْوُجُوبِ .
( فَصْلٌ ) ( لِلسَّاعِي الْأَخْذُ مِنْ ) مَالِ ( أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْخَلِيطَيْ ( وَلَوْ لَمْ يَضْطَرَّ ) إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَامِلًا وَوُجِدَ فِيهِ الْوَاجِبُ كَمَا لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِمَا وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ وَالْمَأْخُوذُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى الْإِشَاعَةِ ( وَالْخَلِيطَانِ يَتَرَاجَعَانِ ) بِأَنْ يَرْجِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِيمَا إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُمَا وَقَدْ لَا يَتَرَاجَعَانِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِيمَا إذَا أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْأَصْلُ فِي التَّرَاجُعِ خَبَرُ { وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي خَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ } وَإِذَا رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ رَجَعَ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ كَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ( فَإِنْ خَلَطَا عِشْرِينَ شَاةً بِعِشْرِينَ ) شَاةً ( فَأَخَذَ السَّاعِي وَاحِدَةً لِأَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لَا بِقِيمَةِ نِصْفِهَا ) لِأَنَّ قِيمَةَ نِصْفِهَا أَنْقَصُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلتَّشْقِيصِ فَلَوْ قُلْنَا يَرْجِعُ بِهَا لَأَجْحَفْنَا بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ شَاةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مِثْلِيَّةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ لَا بِقِيمَةِ نِصْفِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ .
( وَكَذَا ) لَوْ خَلَطَا ( مِائَةً بِمِائَةٍ ) فَأَخَذَ السَّاعِي ثِنْتَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لَا بِقِيمَةِ نِصْفِهِمَا وَلَا بِشَاةٍ وَلَا بِنِصْفَيْ شَاتَيْنِ ( فَإِنْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( شَاةً فَلَا تَرَاجُعَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا ) إذْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا وَاجِبَةً لَوْ انْفَرَدَ ( وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ ثَلَاثُونَ ) شَاةً ( وَلِعَمْرٍو عَشْرٌ فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاةَ مِنْ عَمْرٍو وَرَجَعَ ) عَلَى زَيْدٍ ( بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا أَوْ ) أَخَذَهَا ( مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ ) عَلَى عَمْرٍو ( بِالرُّبْعِ ) أَيْ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا ( وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ
مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ مِنْ عَمْرٍو وَرَجَعَ ) عَلَى زَيْدٍ ( بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِمَا أَوْ ) أَخَذَهُمَا ( مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ ) عَلَى عَمْرٍو ( بِالثُّلُثِ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( شَاةً رَجَعَ زَيْدٌ بِثُلُثِ قِيمَةِ شَاتِه وَ ) رَجَعَ ( عَمْرٌو بِثُلُثَيْ قِيمَةِ شَاتِه ) فَإِنْ تَسَاوَى مَا عَلَيْهِمَا تَقَاصَّا .
( وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ أَرْبَعُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثُونَ ) مِنْهَا ( فَأَخَذَ ) السَّاعِي ( التَّبِيعَ وَالْمُسِنَّةَ مِنْ عَمْرٍو وَرَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا أَوْ ) أَخَذَهُمَا ( مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعٍ ) مِنْ قِيمَتِهِمَا ( فَإِنْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضَهُ ) بِأَنْ أَخَذَ مِنْ زَيْدٍ مُسِنَّةً وَمِنْ عَمْرٍو تَبِيعًا ( فَلَا تَرَاجُعَ ) كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ يَرْجِعُ زَيْدٌ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَةِ الْمُسِنَّةِ وَعَمْرٌو بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَةِ التَّبِيعِ ( فَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ مِنْ زَيْدٍ وَالْمُسِنَّةَ مِنْ عَمْرٍو وَرَجَعَ ) عَمْرٌو ( عَلَى زَيْدٍ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهَا ) أَيْ أَسْبَاعِ قِيمَةِ الْمُسِنَّةِ ( وَرَجَعَ عَلَيْهِ زَيْدٌ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ ) قِيمَةِ ( التَّبِيعِ ) وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الرُّجُوعِ فِيمَا ذُكِرَ إذْنُ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فِي الدَّفْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ السَّابِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُ الْإِمَامِ مُصَرَّحٌ بِهِ لِإِذْنِ الشَّرْعِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ بِالْخُلْطَةِ صَارَ كَالْمَالِ الْمُنْفَرِدِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ قَالَ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُلْطَةِ مُسَلَّطَةٌ عَلَى الدَّفْعِ الْمُبْرِئِ الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخْرِجَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا تُغْنِي عَنْ نِيَّةِ الْآخَرِ وَأَنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ كَالْإِمَامِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ أَدَّى حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ يَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْخَلِيطَيْنِ فِي
الزَّكَاةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَالْخَبَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الرُّجُوعِ بِغَيْرِ إذْنٍ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَأَنْ يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ .
( فَرْعٌ وَإِنْ ظَلَمَهُ ) أَيْ أَحَدُهُمَا ( السَّاعِي ) كَأَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَاةً زَائِدَةً أَوْ كَرِيمَةً ( لَمْ يَرْجِعْ ) عَلَى الْآخَرِ ( إلَّا بِقِسْطِ الْوَاجِبِ ) عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبِيهِمَا فَلَا يَرْجِعُ بِقِسْطِ الْمَأْخُوذِ إذْ الْمَظْلُومُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى ظَالِمِهِ ( وَيَسْتَرِدُّهُ ) أَيْ وَيَسْتَرِدُّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْمَأْخُوذَ ( مِنْ الظَّالِمِ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ مَا فَضَلَ ) عَنْ فَرْضِهِ وَالْفَرْضُ سَاقِطٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ أَخَذَ ) مِنْ أَحَدِهِمَا ( الْقِيمَةَ ) تَقْلِيدًا لِلْحَنَفِيِّ ( أَوْ كَبِيرَةً مِنْ السِّخَالِ ) تَقْلِيدًا لِلْمَالِكِيِّ ( سَقَطَ الْفَرْضُ وَتَرَاجَعَا ) الْأَوْلَى وَرَجَعَ كَمَا فِي الْأَصْلِ ( لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ) بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ ظُلْمٌ مَحْضٌ وَالتَّصْرِيحُ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ لِلسَّاعِي الْأَخْذُ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا إلَخْ ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ النِّيَّةِ مِنْ الَّذِي لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَلشَّرِيك فِي الدَّفْعِ عَنْهُ وَالنِّيَّةِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْخُلْطَةِ لِأَنَّ الْمَالَيْنِ كَمَالٍ وَاحِدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ وَيَحْتَاجُ هَذَا إلَى نَظَرٍ .
ا هـ .
وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا تُغْنِي عَنْ نِيَّةِ الْآخَرِ ( قَوْلُهُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ إنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُمْ كَالْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْخَلِيطَيْنِ يَقْتَضِي التَّرَاجُعَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يَقْتَضِي رُجُوعَ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ دُونَ الْآخَرِ .
( قَوْلُهُ أَوْ كَبِيرَةً مِنْ السِّخَالِ ) أَوْ صَحِيحَةً لَا مِنْ الْمِرَاضِ
( فَرْعٌ قَدْ يَجِبُ ) بِمَعْنًى يُثْبِتُ ( التَّرَاجُعَ ) الشَّامِلَ لِلرُّجُوعِ مَجَازًا ( فِي خُلْطَةِ الِاشْتِرَاكِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَيُعْطِي الشَّاةَ أَحَدَهُمَا ) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا ( فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَشْرٌ فَأَخَذَ مِنْ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( شَاةً تَرَاجَعَا أَيْضًا ) أَيْ كَمَا فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ ( فَإِذَا تَسَاوَيَا ) فِي الْقِيمَةِ ( تَقَاصَّا ) وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَمَا مَثَّلَ بِهِ وَمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ تَفَاوَتَ قَدْرُ الْمِلْكَيْنِ كَأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ شَاةً لِأَحَدِهِمَا فِي عِشْرِينَ مِنْهَا نِصْفُهَا وَفِي الْعِشْرِينَ الْأُخْرَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَقِيمَةُ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ الْعِشْرِينَ الْمُرَبَّعَةِ رَجَعَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ مِنْ الْأُخْرَى رَجَعَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِ الْأَصْلِ التَّرَاجُعَ بِأَخْذِ غَيْرِ الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُوهِمٌ خِلَافَ الْمُرَادِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّرَاجُعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ التَّقَاصُّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا تَرَاجُعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَحَيْثُ تَنَازَعَا فِي ) قَدْرِ ( الْقِيمَةِ ) وَلَا بَيِّنَةَ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهَا ( صُدِّقَ الْمَرْجُوعُ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ زِيَادَتِهِ ) أَيْ كَمَا يَتَرَاجَعَانِ لَوْ أُخِذَتَا مِنْ أَحَدِهِمَا .
( فَصْلٌ قَدْ تَسْلَمُ الْخُلْطَةُ ابْتِدَاءً مِنْ الِانْفِرَادِ بِأَنْ يَرِثَا الْمَالَ أَوْ يَبْتَاعَاهُ ) دُفْعَةً ( مُخْتَلَطًا ) شُيُوعًا أَوْ جِوَارًا ( أَوْ ) يَبْتَاعَاهُ ( غَيْرَ مُخْتَلَطٍ فَيَخْلِطَانِهِ ) الْأَوْلَى فَيَخْلِطَاهُ بِحَذْفِ النُّونِ فَهَذَا يُزَكِّيَانِهِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ ( وَلَا يَضُرُّ تَأْخِيرُ ) هَا عَنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ( يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حُكْمُ السَّوْمِ لَوْ عُلِفَتْ فِيهِ السَّائِمَةُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) بِأَنْ يَمْلِكَ كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَ نِصَابٍ ثُمَّ ( يُكْمِلُ النِّصَابَ بِالْخُلْطَةِ ) فَيُزَكِّيَانِهِ زَكَاتَهَا لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْحَوْلِ عَلَى مَا مَلَكَاهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ( فَإِذَا طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ ) عَلَى الِانْفِرَادِ ( وَالْحَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ ) كَأَنْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَخَلَطَا غُرَّةَ صَفَرٍ ( أَوْ مُخْتَلِفَانِ ) كَأَنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ غُرَّةَ صَفَرٍ وَخَلَطَا غُرَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ ( زَكَّيَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ ) تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْخُلْطَةُ طَارِئَةٌ ( وَفِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ ) بِأَنْ يُزَكِّيَ ( كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( لِحَوْلِهِ فَإِنْ مَلَكَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ ) شَاةً ( وَخَلَطَاهَا فِي صَفَرٍ وَجَبَ ) عَلَيْهِمَا ( فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ شَاتَانِ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ ( وَفِي الْحَوْلِ الثَّانِي شَاةٌ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَكَذَا فِي كُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ .
( وَإِنْ مَلَكَهَا ) أَيْ إحْدَى الْأَرْبَعِينَ ( أَحَدُهُمَا فِي ) غُرَّةِ ( الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ ) الْأُخْرَى ( فِي ) غُرَّةِ ( صَفَرٍ وَخَلَطَا فِي ) غُرَّةِ شَهْرِ ( رَبِيعٍ لَزِمَهُمَا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي ) كَكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ ( شَاةٌ نِصْفُهَا ) عَلَى الْأَوَّلِ ( فِي غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ وَنِصْفُهَا ) عَلَى الثَّانِي ( فِي ) غُرَّةِ ( صَفَرٍ ) وَلَزِمَهُمَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ شَاتَانِ إحْدَاهُمَا
عَلَى الْأَوَّلِ فِي غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ وَالْأُخْرَى عَلَى الثَّانِي فِي غُرَّةِ صَفَرٍ ( فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ آخَرَ فِي ) أَثْنَاءِ ( الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَأَدَامَ الْمُشْتَرِي الْخُلْطَةَ زَكَّى ) الْمُشْتَرِي ( فِي حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ ) كَسَائِرِ أَحْوَالِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ حَالَةُ انْفِرَادٍ ( دُونَ صَاحِبِهِ ) أَيْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَيُزَكِّي فِي حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ وَتَعْبِيرُهُ بِأَحَدِهِمَا أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالثَّانِي ( وَكَذَا حُكْمُ يَهُودِيٍّ ) الْأَوْلَى ذِمِّيٌّ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَأَوْلَى مِنْهُمَا كَافِرٌ ( مُخَالِطًا لِمُسْلِمٍ إذَا أَسْلَمَ ) الْيَهُودِيُّ ( فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ) فَيُزَكِّي فِي حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ دُونَ الْمُسْلِمِ وَتَعْبِيرُهُ بِأَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِغُرَّةِ صَفَرٍ .
( فَرْعٌ إذَا اخْتَلَفَ تَارِيخُ أَمْلَاكِ الرَّجُلِ فَلِكُلٍّ ) مِنْ الْأَمْلَاكِ ( بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ ) مِنْهَا ( حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ ) مُطْلَقًا كَنَظِيرِهِ فِي اخْتِلَافِ تَارِيخِ أَمْلَاكِ الرَّجُلَيْنِ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَوْلَى مِنْ نُسْخَةٍ فِيهَا تَأْخِيرُ قَوْلِهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ عَنْ قَوْلِهِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ ( مِثَالُهُ مَلَكَ أَرْبَعِينَ غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَأَرْبَعِينَ غُرَّةَ صَفَرٍ وَأَرْبَعِينَ غُرَّةَ ) شَهْرِ ( رَبِيعٍ فَفِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ شَاةٌ ) تَغْلِيبًا لِلِانْفِرَادِ كَمَا مَرَّ ( ثُمَّ غُرَّةَ صَفَرٍ نِصْفُ شَاةٍ ) لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فِيهَا كَانَ خَلِيطًا لِلْأَوَّلِ كُلَّ الْحَوْلِ ( وَغُرَّةَ ) شَهْرِ ( رَبِيعٍ ثُلُثُ شَاةٍ ) لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فِيهَا كَانَ خَلِيطًا لِلْأَوَّلَيْنِ كُلَّ الْحَوْلِ ( ثُمَّ فِي كُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ شَاةٌ فِي ) غُرَّةِ ( كُلِّ شَهْرٍ ) مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ ( ثُلُثُهَا وَإِذَا ) اخْتَلَفَ تَارِيخُ أَمْلَاك رَجُلَيْنِ كَأَنْ ( مَلَكَ ) رَجُلٌ ( أَرْبَعِينَ غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ مَلَكَ آخَرُ عِشْرِينَ غُرَّةَ صَفَرٍ وَخَلَطَاهَا حِينَئِذٍ فَفِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَوَّلِ شَاةٌ فِي الْمُحَرَّمِ وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثُ شَاةٍ فِي صَفَرٍ ) لِأَنَّهُ خَالَطَ فِي كُلِّ حَوْلِهِ ( وَفِيمَا بَعْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا ) فِي كُلِّ حَوْلٍ ( شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ ثُلُثُهَا ) لِحَوْلِهِ وَعَلَى الْآخَرِ ثُلُثَاهَا لِحَوْلِهِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ هَذَا الْمِثَالِ قَبْلَ الْفَرْعِ .
قَوْلُهُ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَوْلَى مِنْ نُسْخَةٍ فِيهَا إلَخْ ) فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ ( قَوْلُهُ ثُمَّ فِي غُرَّةِ صَفَرٍ نِصْفُ شَاةٍ إلَخْ ) يَنْبَغِي تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَا إذَا عَجَّلَ الْمَالِكُ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا عَدَا الْحَوْلَ الْأَوَّلَ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ شَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ لِنَقْصِ مَالِهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِانْتِقَالِ جُزْءٍ مِنْهُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَلَوْ لَحْظَةً فَتَأَمَّلْ س مَا تَفَقَّهَهُ آخِرًا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ آخِرَ الْحَوْلِ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِمَا تَعَجَّلَتْ زَكَاتُهُ وَقَوْلُهُ يَنْبَغِي تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ بَاعَ ) فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ( نِصْفَهَا مَشَاعًا ) مُطْلَقًا ( أَوْ مُعَيَّنًا وَلَمْ يُفْرِدْ ) أَيْ يُمَيِّزْ ( بِالْقَبْضِ ) أَيْ مَعَهُ ( لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ ) لِاسْتِمْرَارِ النِّصَابِ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ ثُمَّ بِصِفَةِ الِاخْتِلَاطِ ( فَيَلْزَمُ الْبَائِعَ لِحَوْلِهِ نِصْفُ شَاةٍ ) لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي مِلْكِهِ كُلَّ الْحَوْلِ ( وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ ) تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ ( فَيَنْقُصُ النِّصَابُ ) قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ ( وَإِنْ ) كَانَ الْبَائِعُ ( أَخْرَجَهَا ) أَيْ الشَّاةَ أَيْ نِصْفَهَا ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ النِّصَابِ ( لِأَنَّ الْمَالِكَ فِيهَا ) أَيْ فِي نِصْفِهَا ( عَادَ بَعْدَ زَوَالِهِ ) فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ فِي كَلَامِهِ عَلَى زَكَاةِ الْأُجْرَةِ فِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَارًا بِثَمَانِينَ دِينَارًا مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهَا لَا مِنْهَا يُحْمَلُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ غَيْرِهَا مُعَجَّلًا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَكَانَ مِنْ جِنْسِ الْأُجْرَةِ أَمَّا إذَا بَاعَ نِصْفَهَا مُعَيِّنًا وَأَفْرَدَ مَعَ قَبْضِهِ فَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ سَوَاءً أَكَثُرَ زَمَنُ التَّفْرِيقِ أَمْ لَا هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَهُوَ مَا فِي الْأَصْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الِانْقِطَاعِ ( وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( أَرْبَعُونَ فَبَاعَ غَنَمَهُ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ ) حَوْلُهُمَا لِانْقِطَاعِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ( وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ غَنَمِهِ بِنِصْفِ غَنَمِ صَاحِبِهِ شَائِعَيْنِ ) فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ( وَلَمْ تَسْبِقْ خُلْطَةٌ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ فِيمَا بَقِيَ لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا مِنْ الْغَنَمِ كَمَا لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ أَرْبَعُونَ فَبَاعَ نِصْفَهَا شَائِعًا لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُهُ كَمَا مَرَّ ( فَعِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ ) أَيْ مَا بَقِيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( يَجِبُ عَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ شَاةٍ لِثُبُوتِ حُكْمِ الِانْفِرَادِ أَوَّلًا ) فِي أَرْبَعَيْهِ وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ مِنْهَا النِّصْفُ (
وَبِتَمَامِ حَوْلِ التَّبَايُعِ يَلْزَمُ كُلًّا ) مِنْهُمَا لِمَا ابْتَاعَهُ ( رُبْعُ شَاةٍ ) لِلْخُلْطَةِ كُلَّ الْحَوْلِ ( وَفِيمَا بَعْدَهُ ) مِنْ الْأَحْوَالِ يَجِبُ ( عَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( رُبْعُ شَاةٍ لِحَوْلِ الْمِلْكِ وَرُبْعٌ ) آخَرُ ( لِحَوْلِ التَّبَايُعِ ) كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَمَّا إذَا سَبَقَتْ خَلْطَةٌ فَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَقِبَ الْمِلْكَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ فَالْحُكْمُ كَمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا رُبْعُ شَاةٍ لِحَوْلِ الْمِلْكِ وَرُبْعٌ أُخْرَى لِحَوْلِ التَّبَايُعِ مُطْلَقًا .
( قَوْلُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الِانْقِطَاعِ ) الَّذِي أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّ شَرْطَ الِانْقِطَاعِ إنَّمَا هُوَ لِتَمْيِيزٍ بِالْقَبْضِ فَالتَّمْيِيزُ بِدُونِهِ لَا يُؤَثِّرُ لِضَعْفِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الِافْتِرَاقِ
( فَرْعٌ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ ) شَاةً ( مُخْتَلِطَةً ثُمَّ خَالَطَهُمَا ثَالِثٌ بِعِشْرِينَ ) فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِمَا ( وَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عُشْرَيْهِ قَبْلَ ) تَمَامِ ( الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) عِنْدَ تَمَامِهِ لِأَنَّ مَالَهُ دُونَ نِصَابٍ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْخُلْطَةُ ( وَيَلْزَمُ صَاحِبَهُ نِصْفُ شَاةٍ لِحَوْلِهِ وَالثَّالِثَ نِصْفُ شَاةٍ لِحَوْلِهِ ) لِوُجُودِ الْخُلْطَةِ فِي جَمِيعِ حَوْلَيْهِمَا ( وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ مُشْتَرِكَةً فَاقْتَسَمَاهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَافْتَرَقَا ) عَنْ الْخُلْطَةِ ( لَزِمَ كُلًّا عِنْدَ تَمَامِ بَاقِي الْحَوْلِ نِصْفُ شَاةٍ ثُمَّ لِكُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصْفُ شَاةٍ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا إقْرَارٌ لَزِمَ كُلًّا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ شَاةٌ كَمَا لَوْ مَيَّزَا فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَالتَّصْرِيحِ هُنَا بِالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ وَافْتَرَقَا وَبِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ مَا لَوْ اسْتَمَرَّتْ الْخُلْطَةُ فَيَلْزَمُ كُلًّا عِنْدَ تَمَامِ بَاقِي الْحَوْلِ وَعِنْدَ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ رُبْعُ شَاةٍ ( وَكَذَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ لِكُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصْفُ شَاةٍ ) فِي إطْلَاقِهِ كَالرَّوْضَةِ هُنَا مَعَ بَعْضِ مَا مَرَّ نَظَرًا لِمَا مَرَّ أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا ثَانِيًا وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا زَادَ النِّصَابُ بِالتَّوَالُدِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ لِكُلِّ سِتَّةٍ أَشْهُرٍ نِصْفُ شَاةٍ لَمَّا تَجَدَّدَ مِلْكُهُ ) وَهَكَذَا فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
( فَصْلٌ ) إذَا ( خَالَطَ ) غَيْرَهُ ( بِبَعْضِ مِلْكِهِ ) خُلْطَةَ شُيُوعٍ أَوْ خُلْطَةَ جِوَارٍ ( فَلِلْمُنْفَرِدِ ) مِنْ جِنْسِهِ ( حُكْمُ الْمُخْتَلَطِ ) لِأَنَّ الْخُلْطَةَ لَيْسَتْ خُلْطَةَ عَيْنٍ أَيْ يَخْتَصُّ حُكْمُهَا بِالْمَخْلُوطِ بَلْ خُلْطَةُ مِلْكٍ أَيْ يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي جَمِيعِ الْمِلْكِ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ مَالَ الِاثْنَيْنِ كَمَالِ الْوَاحِدِ وَمَالُ الْوَاحِدِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ ( فَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ ) شَاةً ( فَخَلَطَ عِشْرِينَ مِنْهَا بِعِشْرِينَ لِآخَرَ فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ) وَكَأَنَّهُ خَلَطَ جَمِيعَهَا بِعِشْرِينَ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ رُبْعُهَا ( وَإِذَا خَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ ) لِغَيْرِهِ ( وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ مُنْفَرِدَةً فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ شَاةٍ ) لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَوْلُ وَالْبَلَدُ ) كَمِلْكِ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ .
( فَرْعٌ ) فِيمَا إذَا خَالَطَ بِبَعْضِ مَالِهِ وَاحِدًا وَبِبَعْضِهِ آخَرَ وَلَمْ يُخَالِطْ أَحَدَ خَلِيطَيْهِ الْآخَرَ ( وَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ ) شَاةً ( فَخَلَطَ كُلَّ عِشْرِينَ ) مِنْهَا ( بِعِشْرِينَ لِرَجُلٍ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا لَزِمَهُ نِصْفُ شَاةٍ ) لِأَنَّهُ خَلِيطٌ لَهُمَا وَالْجُمْلَةُ ثَمَانُونَ وَوَاجِبُهَا شَاةٌ وَحِصَّةُ الْأَرْبَعِينَ نِصْفُهَا ( ثُمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ رُبْعُ شَاةٍ ضَمًّا إلَى الْخَلِيطِ ) وَهُوَ مَالُ الْأَوَّلِ ( وَخَلِيطُ الْخَلِيطِ ) وَهُوَ مَالُ الْآخَرِ كَمَا انْضَمَّ مَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ( وَإِذَا كَانَ لَهُ سِتُّونَ ) شَاةً ( فَخَلَطَ كُلَّ عِشْرِينَ مِنْهَا بِعِشْرِينَ ) شَاةً لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا ( فَعَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ ) لِأَنَّ جُمْلَةَ الْخَلِيطِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَوَاجِبُهَا شَاةٌ وَحِصَّةُ السِّتِّينَ نِصْفُهَا ( ثُمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْ خُلَطَائِهِ سُدُسُ شَاةٍ ) لِمَا مَرَّ ( وَإِذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَخَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ مِنْهَا بِخَمْسٍ لِآخَرَ ) وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا ( فَعَلَيْهِ نِصْفُ حِقَّةٍ ) لِأَنَّ الْجُمْلَةَ خَمْسُونَ وَوَاجِبُهَا حِقَّةٌ وَحِصَّةُ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفُهَا ( ثُمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الْآخَرِينَ عُشْرُ حِقَّةٍ لِمَا مَرَّ وَإِذَا مَلَكَ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَخَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ مِنْهَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا ( فَعَلَيْهِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ ) لِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَرْبَعُونَ وَوَاجِبُهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَحِصَّةُ الْعَشْرِ رُبْعُهَا ( ثُمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْآخَرَيْنِ ( رُبْعٌ وَثُمْنٌ ) مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ لِمَا مَرَّ .
( وَإِذَا مَلَكَ عِشْرِينَ ) مِنْ الْإِبِلِ ( فَخَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ مِنْهَا بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لِآخَرَ ) وَلَا يَمْلِكُونَ غَيْرَهَا ( لَزِمَهُ الْأَغْبَطُ مِنْ نِصْفِ بِنْتِ لَبُونٍ وَخُمُسَيْ حِقَّةٍ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْ خُلَطَائِهِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ حِقَّةٍ أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ وَثُمُنُهَا لِأَنَّ الْإِبِلَ مِائَتَانِ وَوَاجِبُهَا الْأَغْبَطُ ) مِنْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ
وَأَرْبَعِ حِقَاقٍ كَمَا مَرَّ وَنِسْبَةُ مَالِ الْأَوَّلِ إلَى الْمِائَتَيْنِ عَشْرٌ فَلَزِمَهُ عُشْرُ الْأَغْبَطِ مِمَّا ذُكِرَ وَهُوَ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ أَوْ خُمُسَا حِقَّةٍ كَمَا ذُكِرَ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْ خُلَطَائِهِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذُكِرَ ( هَذَا كُلُّهُ إذَا اتَّفَقَتْ الْأَحْوَالُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ زَكَّوْا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ ) وَفِيمَا بَعْدَهُ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ ( كَمَا سَبَقَ ) وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا عَنْ قَوْلِهِ ( وَإِذَا خَلَطَ مَنْ لَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ شَاةً خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْهَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ لِزَيْدٍ ) وَلَا يَمْلِكَانِ غَيْرَهَا ( فَالْوَاجِبُ ) عَلَيْهِمَا ( شَاةٌ عَلَى زَيْدٍ مِنْهَا ثُمْنٌ وَنِصْفٌ ) مِنْ ثُمْنٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثُمْنٍ بِنِسْبَةِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْمَجْمُوعِ ( الشَّرْطُ الثَّالِثُ لِزَكَاةِ الْمَوَاشِي ) أَيْ لِوُجُوبِهَا ( الْحَوْلُ ) لِآثَارٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ { لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا مَجْبُورٌ بِمَا قَبْلَهُ ( وَهُوَ شَرْطٌ ) فِي وُجُوبِهَا ( لَا فِي ) وُجُوبِ زَكَاةِ ( نِتَاجٍ ) بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ يُقَالُ نُتِجَتْ النَّاقَةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ نِتَاجًا بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ وَلَدَتْ وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إذَا ( حَدَثَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ) أَيْ حَوْلَ الْأُمَّهَاتِ فَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَلَا يُزَكِّي لِذَلِكَ الْحَوْلِ لِتَقَرُّرِ وَاجِبِ أَصْلِهِ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِهِ وَلَوْ حَدَثَ مَعَهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي الْحَوْلِ ( وَبَعْدَ تَمَامِ النِّصَابِ ) مِنْ الْأُمَّهَاتِ فَلَوْ مَلَكَ مَاشِيَةً دُونَ النِّصَابِ ثُمَّ تَوَالَدَتْ فَبَلَغَتْ بِالنِّتَاجِ نِصَابًا فَالْحَوْلُ يَبْدَأُ مِنْ وَقْتِ كَمَالِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ بِهَا تَمَّ