كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( قَوْلُهُ ثُمَّ تَذَّكَّر بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِيمَا يَظْهَرُ .
ا هـ .
وَهَذَا لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِيهِ إذْ نِيَّةُ الْخُرُوجِ لَا تُؤَثِّرُ فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ الشَّكُّ فِي النِّيَّةِ بَلْ مَتَى تَذَكَّرَهَا قَبْلَ قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَالتَّعْبِيرُ بِمَا ذُكِرَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَذَكُّرُهَا عَلَى الْفَوْرِ ( قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ الْتَزَمَ فِيهِ ذَلِكَ ) كَلَامُهُمْ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَيُوَجَّهُ بِالتَّوَسُّعِ الْمَذْكُورِ
( فَإِنْ قَالَ آخِرَ رَمَضَانَ ) أَيْ لَيْلَةَ ثَلَاثِيهِ ( أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا أَفْطَرْت أَجْزَأَهُ لِلِاسْتِصْحَابِ ) لِلْأَصْلِ ( لَا إنْ قَالَ أَصُومُ غَدًا ) مِنْ رَمَضَانَ ( أَوْ أُفْطِرُ أَوْ أَتَطَوَّعُ ) فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي نِيَّتِهِ وَصَوْمِهِ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ ( وَلَا أَثَرَ لِارْتِيَابٍ يَبْقَى بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ ) وَلَوْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لِلِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ جَهِلَ حَالَ الشَّاهِدِ أَمَّا الْعَالِمُ بِفِسْقِهِ وَكَذِبِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ حَيْثُ حَرُمَ صَوْمُهُ كَيَوْمِ الشَّكِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ تَكُنْ أَمَارَةً فَبَانَ مِنْ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا
( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إلَخْ ) هُوَ كَمَا قَالَ
( وَالْأَسِيرُ ) وَفِي مَعْنَاهُ الْمَحْبُوسُ وَبِهِ عَبَّرَ أَصْلُهُ ( يَتَحَرَّى ) وُجُوبًا إنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ تَحَرٍّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةِ ( فَإِنْ وَافَقَ ) صَوْمُهُ بِالتَّحَرِّي ( الشَّهْرَ ) الْمَطْلُوبَ مِنْهُ صَوْمُهُ كَرَمَضَانَ ( أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ صَامَ الشَّهْرَ بِنِيَّتِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَيَكُونُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَيُجْزِئُهُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَافَقَهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ التَّحَرِّي الْإِصَابَةُ ( لَا ) إنْ وَافَقَ ( مَا قَبْلَهُ ) فَلَا يُجْزِئُهُ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ ( وَلَوْ وَافَقَ شَوَّالًا وَكَانَ نَاقِصًا وَرَمَضَانُ تَامًّا قَضَى يَوْمَيْنِ ) الْيَوْمَ النَّاقِصَ وَيَوْمَ الْعِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ ( أَوْ بِالْعَكْسِ ) بِأَنْ كَانَ شَوَّالٌ تَامًّا وَرَمَضَانُ نَاقِصًا ( فَلَا قَضَاءَ ) أَوْ كَانَا تَامَّيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ قَضَى يَوْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ ) وَافَقَ ( الْحِجَّةَ ) أَيْ ذَا الْحِجَّةِ ( وَهُمَا ) أَيْ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ ( نَاقِصَانِ أَوْ كَامِلَانِ قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ) يَوْمَ الْعِيدِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ إذْ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا ( أَوْ ) التَّامُّ ذُو الْحِجَّةِ ( وَالنَّاقِصُ رَمَضَانُ قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ ) التَّامُّ رَمَضَانُ وَالنَّاقِصُ ذُو ( الْحِجَّةِ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ) يَقْضِيهَا ( وَلَوْ تَحَرَّى لِشَهْرِ نَذْرٍ فَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يَسْقُطَا ) أَيْ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى النَّذْرَ وَرَمَضَانُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ قَضَاءٍ فَأَتَى بِهِ فِي رَمَضَانَ فَلَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ تَخْمِينًا وَيَقْضِي كَنَظِيرِهِ فِي الْقِبْلَةِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَظُنَّهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالصَّوْمِ
كَمَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ عَلِمَ دُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ
( قَوْلُهُ وَالْأَسِيرُ يَتَحَرَّى ) وُجُوبًا بِالنَّظَرِ فِي التَّوَارِيخِ الْمَعْلُومَةِ ( قَوْلُهُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ صَوْمُهُ كَرَمَضَانَ ) شَمِلَ مَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ فَاتَ فَصَامَ شَهْرًا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا صَامَهُ رَمَضَانَ ( قَوْلُهُ لَا إنْ وَافَقَ مَا قَبْلَهُ إلَخْ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ اللَّيْلَ .
( قَوْلُهُ وَرَمَضَانُ نَاقِصًا ) فَإِنْ قِيلَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ } وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ قَبْلُ قِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّر نَقْصُهُمَا لِوُجُودِ نَقْصِهِمَا مُشَاهَدَةً وَقَدْ قَالَ { ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا مَعَهُ ثَلَاثِينَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ثُمَّ قِيلَ الْمُرَادُ لَا يَنْقُصَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ إذَا نَقَصَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْآخَرُ وَقِيلَ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ الْعَمَلَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَا يَنْقُصُ فِي الثَّوَابِ عَنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ هُمَا وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا فَثَوَابُهُمَا كَامِلٌ وَقَدْ تَنْقُصُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٍ لَا خَمْسَةٌ ( قَوْلُهُ فَلَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ إلَخْ ) لَوْ صَامَ يَوْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْلٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَدْرِ أَهْوَ الْفَرْضُ أَوْ النَّفَلُ لَزِمَتْهُ إعَادَةُ الْفَرْضِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( نَوَتْ الْحَائِضُ ) أَوْ النُّفَسَاءُ الصَّوْمَ ( قَبْلَ الِانْقِطَاعِ ) لِلدَّمِ ( ثِقَةً بِالْعَادَةِ وَانْقَطَعَ الدَّمُ لَيْلًا أَجْزَأَهَا ) الصَّوْمُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ الْعَادَةِ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ أَمْ اخْتَلَفَتْ وَاتَّسَقَتْ وَلَمْ تَنْسَ اتِّسَاقَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لَيْلًا أَوْ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُتَّسِقَةٍ أَوْ مُتَّسِقَةٍ وَنَسِيَتْ اتِّسَاقَهَا وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ عَادَاتِهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ عَلَى أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ ( كَمَنْ نَوَتْ ) قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ ( فِي لَيْلَةٍ يَتِمُّ بِهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ ) أَوْ النِّفَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهَا لِأَنَّهَا تَقْطَعُ بِأَنَّ نَهَارَهَا كُلَّهُ طُهْرٌ
( قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَخْ ) لَوْ عَلِمَتْ بِالْعَادَةِ طُرُوُّ حَيْضِهَا بِالنَّهَارِ أَوْ أَخْبَرَهَا بِطُرُوِّهِ ثِقَةٌ أَوْ بِطُرُوِّ جُنُونِهَا أَوْ مَوْتِهَا لَزِمَهَا التَّبْيِيتُ وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءٍ ثُمَّ اعْتَقَدَهُ عَنْ نَفْلٍ أَوْ نَذْرٍ إلَى الْغُرُوبِ لَمْ يَضُرَّ
( وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ تَرْكَ الصَّوْمِ ) مُنَجِّزًا أَوْ مُعَلِّقًا كَأَنْ قَالَ تَرَكْت صَوْمِي أَوْ خَرَجْت مِنْهُ أَوْ إذَا جَاءَ فُلَانٌ تَرَكْت صَوْمِي أَوْ خَرَجْت مِنْهُ ( أَوْ ) نَوَى ( قَلْبَهُ نَفْلًا ) أَوْ فَرْضًا آخَرَ ( لَمْ يَضُرَّ كَالْحَجِّ ) بِجَامِعِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِشَرْطِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْهَا هُنَا إلَّا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَتَنْظِيرُهُ بِالْحَجِّ مِنْ زِيَادَتِهِ أَمَّا لَوْ نَوَى ثُمَّ رَفَضَ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْأَكْلَ وَالْجِمَاعَ وَنَحْوَهُمَا بَعْدَ النِّيَّةِ لَا يُوجِبُ تَجْدِيدَهَا كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ أَفْهَمَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ النِّيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ كَانَ كَمَنْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ رَفْضَ النِّيَّةِ يُنَافِيهَا فَأَثَّرَ فِيهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لِضَعْفِهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ تِلْكَ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُنَافِي الصَّوْمَ لَا النِّيَّةَ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الرِّدَّةَ مُؤَثِّرَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ
( قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ رَفْضَ النِّيَّةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الرِّدَّةَ مُؤَثِّرَةٌ إلَخْ ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ صِلَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ نِيَّةَ الْوُضُوءِ
( فَصْلٌ وَيُفْطِرُ ) الصَّائِمُ بِتَعَاطِي الْمُفْطِرَاتِ الْآتِي بَيَانُهَا فَيُفْطِرُ ( بِالْجِمَاعِ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إنْزَالٍ ( عَمْدًا ) بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَقَوْلُهُ عَمْدًا مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي ( وَالِاسْتِمْنَاءِ ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ مُحَرَّمًا كَانَ كَإِخْرَاجِهِ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَإِخْرَاجِهِ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَيْ وَيُفْطِرُ بِالِاسْتِمْنَاءِ عَمْدًا ( وَلَوْ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ ) بِلَا حَائِلٍ لِأَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ بِلَا إنْزَالٍ فَبِالْإِنْزَالِ بِمُبَاشَرَةٍ فِيهَا نَوْعُ شَهْوَةٍ أَوْلَى بِخِلَافِ السَّهْوِ فِيهِ وَفِي الْجِمَاعِ كَالْأَكْلِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْجِمَاعِ ( لَا ) بِالِاسْتِمْنَاءِ بِنَحْوِ ( فِكْرٍ وَ ) لَا ( نَظَرٍ وَلَا ضَمٍّ ) لِلْمَرْأَةِ أَوْ نَحْوِهَا إلَى نَفْسِهِ ( بِحَائِلٍ ) وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الثَّلَاثَةُ بِشَهْوَةٍ إذْ لَا مُبَاشَرَةَ كَالِاحْتِلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَكْرِيرُهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَهَا فَأَنْزَلَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهِ
( قَوْلُهُ بِلَا حَائِلٍ ) قَالَ شَيْخُنَا رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْغَايَةِ لَا لِمَا قَبْلَهَا ( قَوْلُهُ لَا فِكْرٍ وَنَظَرٍ ) قَالَ فِي الْقُوتِ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَحَسَّ بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ وَتَهْيِئَتِهِ لِلْخُرُوجِ بِسَبَبِ اسْتِدَامَةِ النَّظَرِ فَاسْتَدَامَهُ أَنَّهُ يُفْطِرُ قَطْعًا وَكَذَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّرَدُّدُ إذَا بَدَرَهُ الْإِنْزَالُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ نَفْسِهِ
قَالَ وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضِ سَوْدَاءَ أَوْ حَكَّهُ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاشَرَةِ مُبَاحَةٍ وَلَوْ قَبَّلَهَا وَفَارَقَهَا سَاعَةً ثُمَّ أَنْزَلَ فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مُسْتَصْحَبَةً وَالذَّكَرُ قَائِمًا حَتَّى أَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَلَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ عُضْوِهَا الْمُبَانِ لَمْ يُفْطِرْ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا عُضْوُهَا الْمُبَانُ لِحَرَارَةِ الدَّمِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَاضِحِ أَمَّا الْمُشْكِلُ فَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ وَإِمْنَاؤُهُ بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمْنَاءِ وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ كَخُرُوجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَذَكَرَ هُنَا عَنْ الْعِمْرَانِيِّ مَا يُوَافِقُ مَا جَزَمَ بِهِ ثُمَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ مَعَ زِيَادَةِ بَيَانِ حُكْمِ مَا إذَا أَمْنَى وَحَاضَ مَعًا فَرَاجِعْهُ
( قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ إلَخْ ) أَوْ احْتَكَّ بِرَحْلِ مَرْكُوبِهِ قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا حَكَّهُ أَنْزَلَ فَالْقِيَاسُ الْفِطْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ مُحَرَّمَةٌ لِلشَّفَقَةِ وَالتَّكْرِيمِ فَأَنْزَلَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَقَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ الْفِطْرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ عُضْوِهَا الْمُبَانِ إلَخْ ) لِأَنَّ لَمْسَهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا عُضْوُهَا الْمُبَانُ إلَخْ ) أَفْهَمَ قَوْلُهُ الْمُبَانُ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيمَا يَحُثُّهُ الشَّارِحُ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خَافَتْ مِنْ قَطْعِهِ مَحْذُورًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ أُذُنِهَا الْمُلْتَصِقَةِ بِالدَّمِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ هُنَا عَنْ الْعِمْرَانِيِّ إلَخْ ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَمْنَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا كَامِلًا مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرِّجَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَرَأَى الدَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بَطَلَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ حَاضَتْ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا وَدَامَ يُنْزِلُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ مِنْ آلَةِ الرِّجَالِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ فِي يَوْمِ انْفِرَادِ الدَّمِ أَوْ الْإِنْزَالِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِفِطْرِهِ لِلِاحْتِمَالِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ
( وَالتَّقْبِيلُ ) فِي الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ شَابٍّ ( مُبَاحٌ إنْ لَمْ يُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ ) بِأَنْ مَلَكَ مَعَهُ نَفْسَهُ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ ( وَتَرْكُهُ أَوْلَى ) حَسْمًا لِلْبَابِ إذْ قَدْ يَظُنُّهُ غَيْرَ مُحَرِّكٍ وَهُوَ مُحَرِّكٌ وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا ( وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ مَعَهُ نَفْسَهُ ) مِمَّا ذُكِرَ ( حَرُمَ ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ } وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّبَابَ وَقَالَ الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرْبَهُ وَالشَّابُّ يُفْسِدْ صَوْمَهُ } فَفَهِمْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ
( قَوْلُهُ وَالتَّقْبِيلُ مُبَاحٌ إلَخْ ) الْمُعَانَقَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ كَالتَّقْبِيلِ وَكَتَبَ أَيْضًا ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ
( وَ ) يُفْطِرُ ( بِاسْتِدْعَاءِ الْقَيْءِ ) وَإِنْ لَمْ يَعُدْ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ لَعَيْنِهِ لَا لِعَوْدِ شَيْءٍ مِنْهُ ( لَا إنْ ذَرَعَهُ ) الْقَيْءُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ لِخَبَرِ { مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ ( وَلَا قَلْعِ النُّخَامَةِ ) مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا مِنْ دِمَاغِهِ أَمْ مِنْ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ تَتَكَرَّرُ فَرَخَّصَ فِيهِ وَالنُّخَامَةُ هِيَ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي يَلْفِظُهَا الشَّخْصُ مِنْ فِيهِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ
( قَوْلُهُ وَبِاسْتِدْعَاءِ الْقَيْءِ ) هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْإِبْطَالِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَفْطَرَ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يُعَذَّرُ مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ
( فَرْعٌ يُفْطِرُ ) الصَّائِمُ أَيْضًا ( بِوُصُولِ عَيْنٍ ) وَإِنْ قَلَّتْ كَسِمْسِمَةٍ وَلَمْ تُؤْكَلْ عَادَةً كَحَصَاةٍ ( مِنْ الظَّاهِرِ فِي مَنْفَذٍ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ ( مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ ) لِوُصُولِهَا ( مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا ) لِعُمُومِ مَفْهُومِ آيَةِ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ } وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ بِمَا خَرَجَ أَيْ الْأَصْلُ ذَلِكَ وَخَرَجَ بِالْعَيْنِ الْأَثَرُ كَوُصُولِ الرِّيحِ بِالشَّمِّ إلَى دِمَاغِهِ وَالطَّعْمِ بِالذَّوْقِ إلَى حَلْقِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ مَا يَخْرُجُ بِبَقِيَّةِ الْقُيُودِ ( وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ ) الْجَوْفَ ( الطَّعَامُ ) فَإِنَّ الصَّائِمَ يُفْطِرُ بِهِ كَمَا يُفْطِرُ بِالْوُصُولِ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَعِدَتِهِ الْمُحِيلَةِ لِلطَّعَامِ
( قَوْلُهُ يُفْطِرُ بِوُصُولِ عَيْنٍ إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ فَاجَأَهُ الْقُطَّاعُ فَابْتَلَعَ الذَّهَبَ خَوْفًا عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ
( فَيُفْطِرُ بِوُصُولِ الدَّوَاءِ مِنْ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ الْجَوْفِ ) فِي الْأَوَّلِ ( وَخَرِيطَةِ الدِّمَاغِ ) فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ وَبَاطِنَ الْخَرِيطَةِ ( وَ ) يُفْطِرُ ( بِالْحُقْنَةِ ) وَهِيَ الْأَدْوِيَةُ الْمَعْرُوفَةُ أَيْ بِوُصُولِهَا الْجَوْفَ وَفَارَقَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ بِحُقْنَةِ الصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِرْضَاعِ إثْبَاتُ اللَّحْمِ وَاسْتِثْبَاتُ الْعَظْمِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْحُقْنَةِ وَالْإِفْطَارُ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ وَقَدْ وَصَلَ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ ( وَالسَّعُوطِ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ مَا يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَيْ بِوُصُولِهِ الْجَوْفَ ( ثُمَّ أَلْحَقَ وَمَا وَرَاءَ الْخَيَاشِيمِ ) جَمْعُ خَيْشُومٍ وَهُوَ أَقْصَى الْأَنْفِ ( جَوْفَانِ ) فَالْوَاصِلُ إلَيْهِمَا مُفْطِرٌ ( وَحُدِّدَ الظَّاهِرُ بِمَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ) كَالْمُعْجَمَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأُولَى وَقَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ مَخْرَجُهَا مِنْ الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَخْرَجِ الْمُعْجَمَةِ فَالْحَلْقُ فِي قَوْلِهِمْ الْوَاصِلُ إلَى الْحَلْقِ مُفْطِرٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ضَبَطُوا بِهِ الْبَاطِنَ مِنْهُ ( ثُمَّ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ ) وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ الْمَوْضِعُ النَّاتِئُ فِي الْحَلْقِ ( وَ ) مُنْتَهَى ( الْخَيْشُومِ ظَاهِرٌ ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّائِمَ ( يُفْطِرُ بِاسْتِخْرَاجِ الْقَيْءِ إلَيْهِ وَابْتِلَاعِ النُّخَامَةِ مِنْهُ سَوَاءٌ اسْتَدْعَاهَا ) أَيْ اسْتَقْلَعَهَا إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ ( أَمْ لَا ) بَلْ حَصَلَتْ فِيهِ بِلَا اسْتِدْعَاءٍ ( فَإِنْ جَرَتْ بِنَفْسِهَا ) مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ وَنَزَلَتْ إلَى جَوْفِهِ ( عَاجِزًا عَنْ الْمَجِّ ) لَهَا ( فَلَا ) يُفْطِرُ لِلْعُذْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُجْرِيَ ظَاهِرًا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ جَرَتْ بِنَفْسِهَا قَادِرًا عَلَى مَجِّهَا لِتَقْصِيرِهِ مَعَ أَنَّ نُزُولَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا إذَا طَعَنَهُ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي ( لَا بِدُخُولِ شَيْءٍ إلَيْهِ ) أَيْ
إلَى دَاخِلِ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ أَيْ لَا يُفْطِرُ بِهِ وَإِنْ أَمْسَكَهُ ( فَإِنْ تَنَجَّسَ وَجَبَ غَسْلُهُ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الظَّاهِرِ فِيمَا ذُكِرَ ( وَلَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ فِي ابْتِلَاعٍ ) أَيْ فِي عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِابْتِلَاعِ ( الرِّيقِ مِنْهُ وَ ) فِي ( سُقُوطِ غُسْلِهِ عَنْ الْجُنُبِ ) وَيُفَارِقُ وُجُوبَ غُسْلِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ بِأَنَّ تَنَجُّسَ الْبَدَنِ أَنْدَرُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَضَيَّقَ فِيهِ دُونَهَا
( قَوْلُهُ مَخْرَجُهَا مِنْ الْبَاطِنِ ) الْمُرَادُ الْبَاطِنُ مَخْرَجُ الْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ قَوْلُهُ أَوْ جَرَتْ بِنَفْسِهَا قَادِرًا عَلَى مَجِّهَا ) فَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَجِّهَا إلَّا بِظُهُورِ حَرْفَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَالتَّنَحْنُحِ لِتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَبِهَذَا أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ وَبِهِ فَارَقَ مَا إذَا طَعَنَهُ غَيْرُهُ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَفَرَّقَ شَيْخُنَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَصْدِهِ بِالطَّعْنِ وُصُولُ الطَّعْنَةِ إلَى جَوْفِهِ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ نُزُولُهَا إلَى الْجَوْفِ وَإِنْ لَمْ يَمُجَّهَا .
ا هـ .
وَقَدْ يُفَرَّقُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمَطْعُونَ قَدْ يَظُنُّ الْقَتْلَ وَيَسْتَسْلِمُ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ فَلَمْ يُنْسَبْ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الدَّفْعِ فَلَا يُفْطِرُ بِوُصُولِ مَا طُعِنَ بِهِ بِخِلَافِ تَرْكِ النُّخَامَةِ
( فَرْعٌ لَوْ أَدْخَلَ ) الصَّائِمُ ( فِي أُذُنِهِ أَوْ إحْلِيلِهِ ) وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ مِنْ ثَدْيٍ ( شَيْئًا فَوَصَلَ إلَى الْبَاطِنِ أَفْطَرَ ) وَإِنْ كَانَ لَا مَنْفَذَ مِنْهُ إلَى الدِّمَاغِ فِي الْأَوْلَى لِأَنَّهُ نَافِذٌ إلَى دَاخِلِ قَحْفِ الرَّأْسِ وَهُوَ جَوْفٌ أَوْ لَمْ يُجَاوِزْ الدَّاخِلُ فِيهِ الْحَشَفَةَ أَوْ الْحَلَمَةَ فِي الثَّانِيَةِ لِوُصُولِهِ إلَى جَوْفٍ ( وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ } وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ الْفَصْدُ وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَبِأَنَّ خَبَرَ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا الْقِيَاسُ وَبِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ الْمَحْجُومِ لِلضَّعْفِ وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ بِمَصِّ الْمِحْجَمَةِ وَبِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ فِي صَوْمِهِمَا كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ذَهَبَ أَجْرُهُمَا ( وَيُكْرَهَانِ لَهُ ) لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِهِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ وَجَزَمَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَجَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَحْجُمَ غَيْرَهُ أَيْضًا
( قَوْلُهُ لَوْ أَدْخَلَ فِي أُذُنِهِ أَوْ إحْلِيلِهِ شَيْئًا إلَخْ ) لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ أَفْطَرَ وَكَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَلْيَتَحَفَّظْ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ رَأْسِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِيهِ مِنْهَا أَدْنَى شَيْءٍ أَفْطَرَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ) قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ .
ا هـ .
وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ
( وَلَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ ) أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ بِحَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( فَوَصَلَتْ جَوْفَهُ لَا مُخَّ سَاقِهِ أَفْطَرَ ) لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ إذْ لَا فِعْلَ لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَصَلَتْ مُخَّ سَاقِهِ أَوْ نَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ عُضْوًا مُجَوَّفًا قَالَهُ فِي الْأَصْلِ وَاسْتَشْكَلَ عَدَمُ إفْطَارِهِ بِطَعْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ بِمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الدَّفْعِ فَإِنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِإِذْنِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّعْرَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ كَالْوَدِيعَةِ وَتَرْكُ الدَّفْعِ عَنْهَا مُضَمَّنٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْإِفْطَارَ بِهِ مَنُوطٌ بِمَا يُنْسَبُ فِعْلُهُ إلَى الصَّائِمِ
( وَلَا ) يُفْطِرُ ( بِالْكُحْلِ ) أَيْ بِوُصُولِهِ الْعَيْنَ وَإِنْ وَجَدَ بِحَلْقِهِ مِنْهُ طَعْمًا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ جَوْفًا وَلَا مَنْفَذَ مِنْهَا لِلْحَلْقِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ } لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ وَفِي حِلْيَةِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى ( وَمَا ) أَيْ وَلَا بِمَا ( تَشَرَّبَتْهُ الْمَسَامُّ ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ثُقُبُ الْبَدَنِ جَمْعُ سَمٍّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا دَهَنَ بِدُهْنٍ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ ( وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَأَشْبَهَ الِانْغِمَاسَ فِي الْمَاءِ وَإِنْ وَجَدَا أَثَرَهُ فِي بَاطِنِهِ
( فَرْعٌ لَوْ ابْتَلَعَ ) بِاللَّيْلِ ( طَرْفَ خَيْطٍ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَطَرِيقُهُ ) فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ ( أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ عَارِفٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيُرِيدُ هُوَ الْخَلَاصَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ بَلْ لَوْ قِيلَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ انْتَهَى أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ النَّازِعِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ طَعَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ ( وَ ) إذَا لَمْ يَتَّفِقْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ ( يَجِبُ نَزْعُهُ أَوْ ابْتِلَاعُهُ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ ) لِأَنَّ حُكْمَهَا أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الصَّوْمِ لِقَتْلِ تَارِكِهَا دُونَ تَارِكِهِ ( وَلَا يُفْطِرُ بِغُبَارِ الطَّرِيقِ وَغَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ ) لِعَدَمِ قَصْدِهِ لَهُمَا وَلِعُسْرِ تَجَنُّبِهِمَا ( وَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا ) حَتَّى دَخَل التُّرَاب جَوْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ وَشَبَّهُوهُ بِالْخِلَافِ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ الْمَقْتُولَةِ عَمْدًا وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِهِ إذَا كَانَ قَلِيلًا وَلَوْ خَرَجَتْ مُقْعَدَةُ الْمَبْسُورِ ثُمَّ عَادَتْ لَمْ يُفْطِرْ وَكَذَا إنْ أَعَادَهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَبْطُلُ طُهْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَيُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَالرِّيقِ إذَا ابْتَلَعَهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ الْفَمِ عَلَى اللِّسَانِ وَبِهِ يُفَارِقُ مَا لَوْ أَكَلَ
جُوعًا
( قَوْلُهُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ نَزْعُهُ أَوْ ابْتِلَاعُهُ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ قَطْعُ الْخَيْطِ مِنْ حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ فَإِنْ تَأَتَّى وَجَبَ الْقَطْعُ وَابْتِلَاعُ مَا فِي حَدِّ الْبَاطِنِ وَإِخْرَاجُ مَا فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَإِذَا رَاعَى مَصْلَحَةَ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَلِعَهُ وَلَا يُخْرِجَهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَنْجِيسِ فَمِهِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ حُكْمَهَا أَغْلَظُ إلَخْ ) وَلِهَذَا لَا تُتْرَكُ الصَّلَاةُ بِالْعُذْرِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ أَنَّ مَحَلَّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ أَعَادَهَا عَلَى الْأَصَحِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ابْتَلَعَ رِيقَهُ الصِّرْفَ ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ الْخَالِصَ ( لَمْ يُفْطِرْ ) لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ ( وَلَوْ بَعْدَ جَمْعِهِ ) وَلَوْ بِنَحْوِ مُصْطَكَى فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْدِنِهِ وَابْتِلَاعُهُ مُتَفَرِّقًا جَائِزٌ ( وَيُفْطِرُ بِهِ إنْ تَنَجَّسَ ) كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ وَإِنْ ابْيَضَّ رِيقُهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَ بِطَاهِرٍ آخَرَ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ الصِّرْفُ كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ ( أَوْ زَايَلَ ) رِيقُهُ ( فَمَهُ ) أَيْ خَرَجَ مِنْهُ وَلَوْ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ ( وَلَوْ فِي خَيْطِ ) الْخَيَّاطِ أَوْ امْرَأَةٍ فِي غَزْلِهَا لِإِمْكَانِهِ التَّحَرُّزَ عَنْ ذَلِكَ وَلِمُفَارِقَةِ الرِّيقِ مَعْدِنَهُ فِي الْأَخِيرَةِ ( لَا ) إنْ زَايَلَ رِيقُهُ فَمَهُ ( فِي لِسَانِهِ ) فَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِهِ إذْ اللِّسَانُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ فَلَمْ يُفَارِقْ مَا عَلَيْهِ مَعْدِنَهُ
قَوْلُهُ كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مَنْ عَمَّتْ بَلْوَاهُ بِدَمِ لِثَتِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي دَائِمًا أَوْ غَالِبًا أَنَّهُ يَتَسَامَحُ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَيَكْفِي بَصْقِهِ الدَّمَ وَيُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِهِ غَسْلِهِ جَمِيعَ نَهَارِهِ إذَا الْفَرْضُ أَنَّهُ يَجْرِي دَائِمًا أَوْ يَتَرَشَّحُ وَرُبَّمَا إذَا غَسَلَهُ زَادَ جَرَيَانُهُ .
ا هـ .
وَمَا تَفَقَّهَهُ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا إلَخْ ) لِأَنَّ الرِّيقَ لَمَّا تَنَجَّسَ حَرُمَ ابْتِلَاعُهُ وَصَارَ بِمَثَابَةِ الْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ
( فَرْعٌ لَا يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ ) بِالنَّهَارِ ( سَبْقُ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ الْمَشْرُوعَيْنِ ) إلَى بَاطِنِهِ أَوْ دِمَاغِهِ ( إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ حَسَا مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ( بِخِلَافِ ) مَا إذَا بَالَغَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَالَغَةِ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءَيْهِمَا غَيْرِ الْمَشْرُوعَيْنِ كَأَنْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا لِغَرَضٍ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءِ ( غُسْلِ التَّبَرُّدِ وَ ) الْمَرَّةِ ( الرَّابِعَةِ ) مِنْ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ ( وَلَا ) يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ سَبْقُ مَاءٍ ( تَطْهِيرِ الْفَمِ ) مِنْ نَجَاسَةٍ ( وَإِنْ بَالَغَ فِيهِ ) عِنْدَ الْحَاجَةِ لِوُجُوبِ إزَالَتِهَا ( وَلَا ) يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِمَّا ذُكِرَ ( جَرْيُ الرِّيقِ بِبَقَايَا طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ حِسًّا ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ ( وَلَا ) جَرْيُهُ ( بِأَثَرِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ ) وَإِنْ أَمْكَنَهُ مَجَّهُ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ
( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَالَغَةِ ) فَلَوْ لَا أَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِهَا لَمَا نَهَى عَنْهَا ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءِ غُسْلِ التَّبَرُّدِ إلَخْ ) خَرَجَ بِهِ سَبْقُ مَاءِ غُسْلِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الْجَنَابَةِ أَوْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ
( فَرْعٌ وَإِنْ أُوجِرَ ) بِأَنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ ( مُكْرَهًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ ضُبِطَتْ ) امْرَأَةٌ ( فَجُومِعَتْ ) أَوْ جُومِعَتْ مُكْرَهَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( لَمْ يُفْطِرْ ) وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ ( وَكَذَا ) لَا يُفْطِرُ ( إذَا أَكَلَ أَوْ وَطِئَ مُكْرَهًا ) كَمَا فِي الْحِنْثِ وَلِأَنَّ أَكْلَهُ وَوَطْأَهُ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُمَا فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ وَالْوَطْءِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي وَفَارَقَ الْأَكْلَ لِدَفْعِ الْجُوعِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ قَادِحٌ فِي اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْجُوعِ لَا يَقْدَحُ فِيهِ بَلْ يَزِيدُهُ تَأْثِيرًا
( قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُفْطِرُ إذَا أَكَلَ أَوْ وَطِئَ مُكْرَهًا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ أَوْ يَجِبَ عَلَيْهِ لَا لِلْإِكْرَاهِ بَلْ لِخَشْيَةِ التَّلَفِ مِنْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إنْقَاذُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْفِطْرِ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَهُوَ آثِمٌ بِالِامْتِنَاعِ لِغَيْرِ الْإِكْرَاهِ بَلْ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَا يُفْطِرُ النَّاسِي ) لِلصَّوْمِ ( وَ ) لَا ( الْجَاهِلُ ) بِتَحْرِيمِ مَا فَعَلَهُ وَبِكَوْنِهِ مُفْطِرًا ( الْمَعْذُورُ ) بِأَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ ( بِالْأَكْلِ وَلَوْ كَثُرَ ) لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ } فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفَارَقَ الصَّلَاةَ بِأَنَّ لَهَا هَيْئَةً تُذَكِّرُ الْمُصَلِّي أَنَّهُ فِيهَا فَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ ( وَلَا بِالْجِمَاعِ ) قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ ( وَيَحْرُمُ أَكْلُ الشَّاكِّ هُجُومًا آخِرَ النَّهَارِ لَا آخِرَ اللَّيْلِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ فِي الْأُولَى وَبَقَاءُ اللَّيْلِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْهُجُومِ ( حَتَّى يَجْتَهِدَ ) وَيَظُنَّ انْقِضَاءَ النَّهَارِ فَيَجُوزَ لَهُ الْأَكْلُ لَكِنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( فَإِنْ غَلِطَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ مَجْمُوعِهِمَا ( قَضَى ) سَوَاءٌ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْبَقَاءِ أَمْ ظَانًّا لَهُ ( وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى الْهَاجِمِ ) الْحَالُ بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّهُ أَكَلَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا ( قَضَى فِي الْأَوَّلَةِ ) أَيْ فِيمَا إذَا أَكَلَ آخِرَ النَّهَارِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الثَّانِيَةِ لِلْأَصْلِ فِيهِمَا
( قَوْلُهُ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلِيُتِمَّ صَوْمَهُ إلَخْ ) نَصَّ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَبَّهَ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى ( قَوْلُهُ حَتَّى يَجْتَهِدَ ) قِيَاسُ اعْتِمَادِ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَجُوزَ اعْتِمَادُ خَبَرِ الثِّقَةِ فِي الْغُرُوبِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ لَكِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِاشْتِرَاطِ اثْنَيْنِ كَهِلَالِ شَوَّالٍ لَكِنْ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فَأَوْفَى عَلَى نَشْزٍ فَإِذَا قَالَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفْطَرَ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ وَالْأَذَانِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِهَا وَإِخْبَارُ الْعَدْلِ أَقْوَى مِنْ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ بِالِاعْتِبَارِ أَوْلَى وَهُوَ الْوَجْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ }
( فَرْعٌ لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَمِهِ ( طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ سَبَقَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ ) لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَلَفَظَهُ مَا لَوْ أَمْسَكَهُ مِنْ فِيهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ صَوْمُهُ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ سَبْقِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ فِي فِيهِ نَهَارًا فَسَبَقَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَكَذَا مُجَامِعٌ عَلِمَ بِالْفَجْرِ حِينَ طَلَعَ فَنَزَعَ ) فِي الْحَالِ وَقَصَدَ بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ وَلِأَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْجِمَاعِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنْ يَحُسَّ وَهُوَ مُجَامِعٌ بِتَبَاشِيرِ الصُّبْحِ فَيَنْزِعَ بِحَيْثُ يُوَافِقُ آخِرُ النَّزْعِ ابْتِدَاءَ الطُّلُوعِ .
( فَإِنْ اسْتَدَامَ ) الْجِمَاعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالطُّلُوعِ ( أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ) كَالْمُجَامِعِ بَعْدَ الطُّلُوعِ بِجَامِعِ مَنْعِ الصِّحَّةِ بِجِمَاعٍ آثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ اسْتِمْرَارِ مُعَلِّقِ الطَّلَاقِ بِالْوَطْءِ لَا يَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ هُنَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ لِئَلَّا يَخْلُوَ جِمَاعُ نَهَارِ رَمَضَانَ عَنْهَا وَالْوَطْءُ ثَمَّ غَيْرُ خَالٍ عَنْ مُقَابَلَةِ الْمَهْرِ إذْ الْمَهْرُ فِي النِّكَاحِ يُقَابِلُ جَمِيعَ الْوَطْآتِ نَعَمْ إنْ اسْتَدَامَ لِظَنِّ أَنَّ صَوْمَهُ بَطَلَ وَإِنْ نَزَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَتْكَ الْحُرْمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ) بِطُلُوعِهِ ( حَتَّى طَلَعَ أَفْطَرَ ) لِأَنَّ بَعْضَ النَّهَارِ مَضَى وَهُوَ مُجَامِعٌ فَأَشْبَهَ الْغَالِطَ بِالْأَكْلِ ( وَلَا كَفَّارَةَ )
عَلَيْهِ ( وَإِنْ اسْتَدَامَ عَالِمًا ) بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ مَسْبُوقَةٌ بِالْإِفْطَارِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ صَوْمَهُ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا انْعَقَدَ ثُمَّ بَطَلَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لَكِنْ لَمْ يُنْزِلُوا مَنْعَ الِانْعِقَادِ مَنْزِلَةَ الْإِفْسَادِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَأَنَّ الصَّوْمَ انْعَقَدَ ثُمَّ أُفْسِدَ بِخِلَافِهَا ثَمَّ ( بِخِلَافِ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ ) لِبُطْلَانِ صَوْمِهِ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ ( وَلَا مُعَوِّلَ عَلَى مَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ بَلْ بِالرُّؤْيَةِ ) نَظَرًا لِلظَّاهِرِ أَشَارَ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مَعَ السُّؤَالِ وَمَعَ جَوَابٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْلَمُ الْفَجْرُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ وَطُلُوعُهُ الْحَقِيقِيُّ يَتَقَدَّمُ عَلَى عِلْمِنَا بِهِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ وُضِعَتْ عَلَى التَّقْدِيرِ وَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُهَا وَالثَّانِي أَنَّا تُعُبِّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا ظُهُورُ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ فَالْعَارِفُ بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ يُدْرِكُ أَوَّلَ الصُّبْحِ الْمُعْتَبَرِ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ
( قَوْلُهُ وَقَصَدَ بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ إلَخْ ) أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ طَلَبَ اللَّذَّةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُسْتَمِرِّ عَلَى الْجِمَاعِ لِأَنَّ اللَّذَّةَ بِالْإِيلَاجِ مَرَّةً وَبِالنَّزْعِ أُخْرَى قَوْلُهُ صَوَابُهُ اسْتَدَامَ ) مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ صَوَابٌ بَلْ لَوْ عَبَّرَ بِاسْتَدَامَ لَصَارَ قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَدَامَ عَالِمًا كَالْمُكَرَّرِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَزَعَ فَلَا كَفَّارَةَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا لَوْ بَقِيَ لِلْفَجْرِ مَا يَسَعُ الْإِيلَاجَ دُونَ النَّزْعِ حَرُمَ الْإِيلَاجُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ سَبَبٌ لِلْمُحَرَّمِ وَالْوَسَائِلُ تُعْطَى حُكْمَ الْمَقَاصِدِ .
( فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ ) أَيْ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ وَالْوَقْتُ ( أَرْبَعَةٌ الْإِسْلَامُ ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا وَلَوْ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ ( وَالطُّهْرُ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ( وَالْعَقْلُ ) أَيْ التَّمْيِيزُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ وَلَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ لَيْلًا كَالصَّلَاةِ فِي الثَّلَاثَةِ ( وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ ) لِلصَّوْمِ لِمَا سَيَأْتِي وَعَدُّهُ كَأَصْلِهِ لِهَذَا شَرْطًا أَوْلَى مِنْ عَدِّ بَعْضِهِمْ لَهُ رُكْنًا وَإِنْ كُنْت تَبِعْته فِي مَوْضِعٍ ( فَالْأَوَّلَانِ ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ ( يُشْتَرَطَانِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ ) فَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي بَعْضِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَأَمَّا الثَّالِثُ ) فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ زَوَالِهِ بِجُنُونٍ وَغَيْرِهِ ( فَتُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ مِنْ الْجُنُونِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ ) فَلَوْ جُنَّ فِي بَعْضِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَمِثْلُهُ عَدَمُ التَّمْيِيزِ لِلصَّغِيرِ ( وَ ) تُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ ( مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ ) فَيَكْفِي انْتِفَاؤُهُمَا لَحْظَةً مِنْهُ لِأَنَّهُمَا مَا فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْعَقْلِ فَوْقَ النَّوْمِ وَدُونَ الْجُنُونِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُسْتَغْرِقَ مِنْهُمَا لَا يَضُرُّ كَالنَّوْمِ لَأَلْحَقْنَا الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ اللَّحْظَةَ مِنْهُمَا تَضُرُّ كَالْجُنُونِ لَأَلْحَقْنَا الْأَضْعَفَ بِالْأَقْوَى فَتَوَسَّطْنَا وَقُلْنَا إنَّ الْإِفَاقَةَ فِي اللَّحْظَةِ كَافِيَةٌ .
( وَلَا يَضُرُّ اسْتِغْرَاقُ النَّهَارِ بِالنَّوْمِ ) لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ مَعَهُ إذْ النَّائِمُ يَتَنَبَّهُ إذَا نُبِّهَ وَلِهَذَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ بِالنَّوْمِ دُونَ الْفَائِتَةِ بِالْإِغْمَاءِ ( وَالرَّابِعُ لِوَقْتٍ فَيَصِحُّ ) الصَّوْمُ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا ( إلَّا فِي ) يَوْمَيْ ( الْعِيدَيْنِ فَحَرَامٌ ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا وَلَوْ عَنْ وَاجِبٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ ( وَكَذَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ) وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } ( وَلَوْ ) كَانَ صَوْمُهَا ( لِلْمُتَمَتِّعِ ) الْعَادِمِ لِلْهَدْيِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْهُ هَذَا هُوَ الْجَدِيدُ وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهَا عَنْ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا أَيْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يُرَخِّصْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَشُرُوطُهُ أَرْبَعَةٌ الْإِسْلَامُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَضَمَّنَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بِقَلْبِهِ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي يَوْمِهِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا أَحْسِبُ الْأَصْحَابَ يَسْمَحُونَ بِهِ وَلَا أَنَّهُ أَرَادَهُ وَإِنْ شَمِلَهُ لَفْظُهُ انْتَهَى قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ النَّهَارِ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ اعْتَقَدَ صَبِيٌّ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ كُفْرًا فِي صَوْمِهِ أَوْ وُضُوئِهِ لَمْ يَضُرَّ وَفِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ ( قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْكَافِرِ أَصْلِيًّا إلَخْ ) لَا تَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ إعَانَةٌ لِكَافِرٍ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِضِيَافَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ ارْتَدَّ وَهُوَ نَاسٍ لِلصَّوْمِ فَيَبْطُلُ بِهَا ( قَوْلُهُ وَنِفَاسٍ ) لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ بَلَلًا أَفْطَرَتْ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ ) فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ جَمِيعَ النَّهَارِ وَقَدْ نَوَى لَيْلًا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الصَّوْمَ تَرْكٌ وَنِيَّةٌ وَلَوْ انْفَرَدَ التَّرْكُ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا إذَا انْفَرَدَتْ النِّيَّةُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا فِي الِاسْتِيلَاءِ إلَى آخِرِهِ ) وَقَدْ قَصَدَ أَوْ اسْتِدَامَةَ الْقَصْدِ لَا تُشْتَرَطُ كَمَا لَوْ نَامَ أَوْ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ ( قَوْله وَكَذَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ) سُمِّيَتْ هَذِهِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِإِشْرَاقِ نَهَارِهَا بِالشَّمْسِ وَلَيْلِهَا بِالْقَمَرِ وَقِيلَ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْرَقُونَ اللَّحْمَ فِيهَا فِي الشَّمْسِ هَكَذَا هُوَ بِالنُّسَخِ وَلَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ بِنُسَخِ الشَّرْحِ
( وَكَذَا يَوْمُ الشَّكِّ ) صَوْمُهُ حَرَامٌ فَلَا يَصِحُّ { لِقَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قِيلَ وَالْمَعْنَى فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ وَضَعَّفَهُ السُّبْكِيُّ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ شَعْبَانَ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ إنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَنْصُوصَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ ( إلَّا مَا ) أَيْ صَوْمًا ( لَهُ سَبَبٌ ) كَوِرْدٍ وَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ فَيَصِحُّ إيقَاعُهُ يَوْمَ الشَّكِّ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ } بِأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ الدَّهْرِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَالِاثْنَيْنِ فَصَادَفَهُ وَقِيسَ بِالْوِرْدِ الْبَاقِي بِجَامِعِ السَّبَبِ وَلَا يُشْكِلُ الْخَبَرُ بِخَبَرِ { إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا } لِتَقَدُّمِ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ .
وَسَوَاءٌ فِي الْقَضَاءِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي صَوْمِهِ لِوِرْدٍ وَكَذَا لِفَرْضٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَ الْكَرَاهَةَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَنَقَلَهَا الْإِسْنَوِيُّ عَنْ جَمْعٍ وَرَجَّحَهَا وَمَنَعَ قِيَاسَ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ بِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ فَلَوْ أَخَّرَ صَوْمًا لِيُوقِعَهُ يَوْمَ الشَّكِّ فَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا تَحْرِيمُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ احْتِيَاطًا لِرَمَضَانَ وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى جَوَازِ مَا لَهُ سَبَبٌ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لَكِنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِمْ قَبْلُ لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ أَيْ لِأَنَّهُ
إذَا لَمْ يَقَعْ عَنْهُ لَا يَكُونُ احْتِيَاطًا فَإِنْ قُلْت هَلَّا اُسْتُحِبَّ صَوْمُهُ إنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِهِ حِينَئِذٍ قُلْنَا نَحْنُ لَا نُرَاعِي الْخِلَافَ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَرِيحَةً وَهِيَ هُنَا خَبَرٌ { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ } .
( فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ لَمْ يَصِحَّ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ } ( وَهُوَ ) أَيْ يَوْمُ الشَّكِّ ( يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ الَّذِي يَتَحَدَّثُ فِيهِ بِالرُّؤْيَةِ مَنْ يُظَنُّ صِدْقُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ أَوْ نِسَاءٌ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ أَوْ عَدْلٌ وَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَوْنُهُ مِنْهُ نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذُكِرَ يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَغَوِيّ فِي طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَأُجِيبَ عَمَّا زَعَمَهُ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى فِيهَا نَظَرٌ وَذَكَرْت بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ أَطْبَقَ الْغَيْمُ أَمْ لَا لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ وَالْبَارِزِيِّ بِعَدَمِ إطْبَاقِهِ فَمَعَ إطْبَاقِهِ لَا يُورِثُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ الشَّكَّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ إذْ الْفَرْضُ ظَنُّ صِدْقِ مَنْ ذُكِرَ وَاعْتَبَرُوا هُنَا الْعَدَدَ فِيمَنْ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِيهِمَا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ أَحَدٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ لِخَبَرِ { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ }
قَوْلُهُ إلَّا مَا لَهُ سَبَبٌ كَوُرُدِ ) كَالْوُرُدِ مَا لَوْ صَامَهُ مُتَّصِلًا بِأَيَّامٍ أَوَّلُهَا قَبْلَ نِصْفِ شَعْبَانَ ( قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ فِي الْقَضَاءِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ ) مِنْ صُوَرِ قَضَاءِ النَّفْلِ أَنْ يُشْرِعَ فِي صَوْمٍ ثُمَّ يُفْسِدَهُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْفَرْضُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِي الْأَوْقَاتِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَنْ يَظُنُّ صِدْقَهُ ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ يَظُنُّ صِدْقَهُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا ظَنَّ كَذِبَهُ فَلَيْسَ بِشَكِّ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافَهُ فَهُوَ رَمَضَانُ وَلَيْسَ بِشَكٍّ ( قَوْلُهُ وَذَكَرْت بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ) أَجَابَ عَنْهُ الشَّارِحُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَبَيَّنَّ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يُتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي الصَّوْمِ بَلْ فِي النِّيَّةِ فَقَطْ فَإِذَا نَوَى اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَيْلًا كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ أُخْرَى أَلَا تَرَاهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الشَّهْرُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِيمَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي النِّيَّةِ .
ا هـ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي عُمُومِ النَّاسِ لَا فِي أَفْرَادِهِمْ فَيَكُونُ شَكًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ مَنْ ظَنَّ صِدْقُهُمْ وَهُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ دُونَ إفْرَادِ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُمْ لِوُثُوقِهِ بِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَكٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ رَآهُ مِنْ الْفُسَّاقِ وَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ بَلْ هُوَ رَمَضَانُ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا ( قَوْلُهُ وَالْبَارِزِيُّ ) أَيْ وَالْقُونَوِيُّ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ { إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا حِفْظًا لِأَصْلِ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ
( فَصْلٌ الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ ) فِي الصَّوْمِ نَفْلًا كَانَ أَوْ فَرْضًا ( حَرَامٌ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ أَيْ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكُ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ لَا يُضْعِفُ بَلْ يُقَوِّي لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ قَالَ وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ أَيْ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وِصَالًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ
( قَوْلُهُ إذْ الْوِصَالُ حَرَامٌ ) قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصُّلَحَاءِ الْوِصَالُ فَلَعَلَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ لِغَفْلَةٍ أَوْ لِاسْتِغْرَاقٍ فِي الْمَعَارِفِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهُ ) أَيْ الْفِطْرِ ( بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ) أَيْ عِنْدَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ } زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ { وَأَخَّرُوا السُّحُورَ } وَفِي ثِقَاتِ ابْنِ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ صَائِمًا لَمْ يُصَلِّ حَتَّى نَأْتِيَهُ بِرُطَبٍ وَمَاءٍ فَيَأْكُلَ } وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَفِيهِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِمَاءٍ وَيَمُجَّهُ وَأَنْ يَشْرَبَهُ وَيَتَقَيَّأَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ قَالَ وَكَأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخُلُوفَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا إنَّ كَرَاهَةَ السِّوَاكِ لَا تَزُولُ بِالْغُرُوبِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَسَيَأْتِي وَخَرَجَ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ظَنُّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بِهِ وَظَنُّهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَشَكُّهُ فَيَحْرُمُ بِهِمَا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ
قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إلَخْ ) الظَّاهِرُ تَأَتِّيه مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السِّوَاكَ مَطْلُوبٌ فِي سَائِرٍ الْأَوْقَاتِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ إلَى الْغُرُوبِ فَإِذَا غَرَبَتْ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ وَانْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ وَأَمَّا طَلَبُ بَقَاءِ الْخُلُوفِ فَمَطْلُوبٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَإِذَا غَرَبَتْ كُرِهَ إزَالَتُهُ كَمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَّا بِنَحْوِ أَكْلٍ فَإِنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِفْطَارِ كا ( قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يُسَنُّ ( كَوْنُهُ عَلَى تَمْرٍ ثُمَّ حُلْوٍ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ ( فَمَاءٍ ) وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى تَمْرٍ وَإِلَّا فَمَاءٍ ثُمَّ حُلْوٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنْ النَّهْرِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَانِ شَاذَّانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الصَّوَابُ يَعْنِي فِطْرَهُ عَلَى تَمْرٍ ثُمَّ مَاءٍ لِخَبَرِ { إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِخَبَرِ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ عَلَى التَّمْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّ السُّنَّةَ تَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَرْمَلَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ جَمَاعَةٍ بِتَمْرَةٍ بِحَمْلِ ذَاكَ عَلَى أَصْلِ السَّنَةِ وَهَذَا عَلَى كَمَالِهَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَوَّلًا جَوْفَهُ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ هَذَا مَعَ قَصْدِ الْحَلَاوَةِ تَفَاؤُلًا قَالَ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ سُنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ .
ا هـ .
وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ وَلِلْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ لِأَجَلِهِ وَهُوَ حِفْظُ الْبَصَرِ أَوْ أَنَّ التَّمْرَ إذَا نَزَلَ إلَى الْمَعِدَةِ فَإِنْ وَجَدَهَا خَالِيَةً حَصَلَ الْغِذَاءُ وَإِلَّا أَخْرَجَ مَا هُنَاكَ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي مَاءِ زَمْزَمَ
( قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ عَلَى تَمْرٍ ثُمَّ حُلْوٍ إلَخْ ) مِثْلُ هَذَا التَّرْتِيبِ فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ مِنْ الْبَحْرِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ ) قَالَ الْفَتَى فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ الْحَلَاوَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا كَالْخُبْزِ لِتَقْدِيمِ الرُّويَانِيِّ إيَّاهَا عَلَى الْمَاءِ فَجَعَلَ أَدْنَى الدَّرَجَاتِ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِ الْمَاءِ لِيَخْرُجَ مِنْ بَعْضِ خِلَافِ الرُّويَانِيِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِلْمَذْهَبِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ وَمَعْنَى بَعْضِ مُخَالَفَتِهِ أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَدَّمَ الْحَلَاوَةَ عَلَى الْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَهَا عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ فَلَمْ يَسْقُطْ قَوْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ يُحْمَلُ ذَاكَ عَلَى أَصْلِ السُّنَّةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ يَتَسَحَّرَ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً } وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ { اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ } ، وَالسَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمَأْكُولُ فِي السَّحَرِ وَبِضَمِّهَا الْأَكْلُ حِينَئِذٍ وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ الْمَطْعُومِ وَكَثِيرِهِ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ } ( وَ ) أَنْ ( يُؤَخِّرَهُ مَا لَمْ يَشُكَّ ) فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِخَبَرِ { لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ } وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ بَلْ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ { دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك }
( قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَتَسَحَّرَ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ ) وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِهِ إذَا رَجَا بِهِ مَنْفَعَةً وَلَمْ يَخْشَ بِهِ ضَرَرًا كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَلِهَذَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ إذَا كَانَ شَبْعَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَسَحَّرَ لِأَنَّهُ فَوْقَ الشِّبَعِ .
ا هـ .
وَمُرَادُهُ إكْثَارُ الْأَكْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَمْرٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَجْرِ قَدْرَ خَمْسِينَ آيَةً
( وَيُسْتَحَبُّ ) اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا ( فِي رَمَضَانَ مُدَارَسَةُ الْقُرْآنِ ) وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { كَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ } وَذَكَرَ الْأَصْلُ اسْتِحْبَابَ كَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِرَمَضَانَ فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا لَكِنَّهَا فِي رَمَضَانَ آكَدُ ( وَكَثْرَةُ الْجُودِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ }
( وَ ) كَثْرَةُ ( الِاعْتِكَافِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِصَوْنِ النَّفْسِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ وَذِكْرُ الْكَثْرَةِ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ إنْ عَطَفَ مَدْخُولَهَا عَلَى الْجُودِ كَمَا قَرَّرْتُهُ فَإِنْ عَطَفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَلَا زِيَادَةَ ( لَا سِيَّمَا ) فِي ( الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ) مِنْهُ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا خَبَرَ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ } وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ } ( فَيَعْتَكِفُ قَبْلَ دُخُولِهَا لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) وَقَوْلُهُ ( وَأَنْ يَقِفَ ) أَيْ يَمْكُثَ مُعْتَكِفًا ( إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ ) مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْمُعَلِّلِ وَالتَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ ( فَإِنَّهَا ) أَيْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ( لَا تَنْتَقِلُ ) مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ مِنْ لَيْلَةٍ مِنْهُ إلَى أُخْرَى مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَحَثًّا عَلَى إحْيَاءِ جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ إنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَفِي آخَرَ إنَّهَا لَيْلَةُ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَدَلِيلُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالثَّانِي فِي مُسْلِمٍ وَجَمَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ .
ا هـ .
وَقِيلَ إنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ وَقِيلَ إنَّهَا فِي غَيْرِ الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ وَقِيلَ إنَّهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ لَيْلَةُ النِّصْفِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ (
خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأَمَةُ ) فَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ وَهِيَ الَّتِي يَفْرُقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ وَقِيلَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا ( وَهِيَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ ) فِي الْعَامِ قَالَ تَعَالَى { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ( وَبَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) بِالْإِجْمَاعِ فَيُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا وَالِاجْتِهَادُ فِي إدْرَاكِهَا كُلَّ عَامٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ { فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ } فَالْمُرَادُ رَفْعُ عِلْمِ عَيْنِهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ رَفْعُ وُجُودِهَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا وَمَعْنَى عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ أَيْ لِتَرْغَبُوا فِي طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ اللَّيَالِي ( وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ ) ثُمَّ سَائِرَ أَوْتَارِهِ لِأَخْبَارٍ مِنْهَا غَيْرُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ } ( فَلْيُكْثِرْ فِيهَا وَفِي يَوْمِهَا مِنْ الدُّعَاءِ ) بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا مَعَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِإِخْلَاصٍ وَصِحَّةِ يَقِينٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ وَاحْتِسَابًا أَيْ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ وَثَوَابِهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } وَقِيسَ بِهَا يَوْمُهَا
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِلُزُومِهَا لَيْلَةً بِعَيْنِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ) لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ عِدَّتُهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ قَوْلًا ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) وَقِيلَ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ ( قَوْلُهُ وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْقُوتِ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ إنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا غَيْرُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ
( وَ ) مِنْ ( قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُوا عَنِّي ) { لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَاذَا أَقُولُ قَالَ تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ( وَعَلَامَتُهَا عَدَمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ) فِيهَا ( وَ ) أَنْ ( تَطْلُعَ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا ) بَيْضَاءَ ( بِلَا كَثِيرِ شُعَاعٍ ) لِخَبَرٍ فِي مُسْلِمٍ وَرَدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَفِي حِكْمَتِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا ثَانِيهِمَا أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ فِي لَيْلَتِهَا وَنُزُولِهَا إلَى الْأَرْضِ وَصُعُودِهَا بِمَا تَنْزِلُ بِهِ فَسَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَائِدَةٍ لِمَعْرِفَةِ صِفَتِهَا بَعْدَ فَوَاتِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا الَّذِي بَعْدَهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا ، ثَانِيهِمَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ فَإِذَا عُرِفَتْ لَيْلَتُهَا فِي سَنَةٍ اُنْتُفِعَ بِذَلِكَ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا كَتْمُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَلَوْ قَامَهَا إنْسَانٌ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا وَقَدْ يُنَازِعُهُ فِيهِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ إلَى التَّعَبُّدِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي كُلِّهَا حَتَّى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ
( قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ قَامَهَا إنْسَانٌ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ الْكَامِلَ الَّذِي هُوَ كَفَضْلِ مَنْ شَعَرَ بِهَا كا ( قَوْلُهُ وَقَدْ يُنَازِعُهُ فِيهِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي إلَخْ ) فَيَحْصُلُ فَضْلُهَا لِمَنْ عَمِلَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ تِلْكَ الْعَجَائِبِ فِيهَا فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الْعَشْرِ حَتَّى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ بِيَقِينٍ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا وَقَالَ أَبُو شُكَيْلٍ قَوْلُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَضِيلَتَهَا تَحْصُلُ لِمَنْ عَمِلَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ تِلْكَ الْعَجَائِبَ فِيهَا وَيُؤَيِّدُ قَوْلُهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } وَقَوْلُهُ فَيَحْصُلُ فَضْلُهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ عَلَّقَ قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ ) الْأَوَاخِرِ فِي رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَهُ ( طَلَاقًا ) مَثَلًا ( بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ( طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ) لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي إحْدَى لَيَالِي الْعَشْرِ ( أَوْ ) عَلَّقَهُ ( فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ سَنَةٍ تَمْضِي ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَعَدَلَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمَجْمُوعِ طَلُقَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي قَبْلَ كَلَامِهِ عَنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لَمْ تَطْلُقْ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ لِقَوْلِ النَّوَوِيِّ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَلِّقُ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَتَطْلُقُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَمْضِ سَنَةٌ قُلْت بَلْ لَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا مُضِيُّ سَنَةٍ وَمَا قَالُوهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ آخَرَ رَمَضَانَ الثَّانِي وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَالْمَجْمُوعُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ فِي لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا فِي لَيْلَتِهَا مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ عَلَّقَ قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ فَإِنْ قُلْت هَلَّا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَلْزَمُ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ قُلْت لَيْسَ ذَلِكَ مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا مَظْنُونًا ظَنًّا قَوِيًّا لِمُعَارَضَتِهِ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْأَخْبَارُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ
( قَوْلُهُ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ عَلَّقَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَنْبَغِي لَهُ ) أَيْ لِلصَّائِمِ أَيْ يُسَنُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ ( كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ الْفُحْشِ ) كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِارْتِكَابِهَا بِخِلَافِ ارْتِكَابِ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ كَالِاسْتِقَاءَةِ وَإِنَّمَا طُلِبَ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ } وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ { لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ } وَلِأَنَّهُ يُحْبِطُ الثَّوَابَ فَالْمُرَادُ أَنَّ كَمَالَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِيَانَتِهِ عَنْ اللَّغْوِ وَالْكَلَامِ الرَّدِيءِ لَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَبْطُلُ بِهِمَا فَإِنْ شَتَمَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ يَقُولُهُ بِقَلْبِهِ لِنَفْسِهِ لِتَصْبِرَ وَلَا تُشَاتِمَ فَتَذْهَبَ بَرَكَةُ صَوْمِهَا } كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ بِلِسَانِهِ بِنِيَّةِ وَعْظِ الشَّاتِمِ وَدَفْعِهِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جَمْعٍ وَصَحَّحَهُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ جَمَعَهُمَا فَحَسَنٌ وَقَالَ إنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إمْسَاكِ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُهُ مَرْدُودٌ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ
( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لَهُ كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ الْفُحْشِ ) مَا أَحْسَنَ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِعَيْنَيْهِ فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ وَبِسَمْعِهِ فَلَا يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ وَبِلِسَانِهِ فَلَا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلَا يَشْتُمُ وَلَا يَكْذِبُ وَلَا يَغْتَبْ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَأَنْ يَصُونَ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتِيمِ وَنَحْوِهَا وَسَائِرَ الْجَوَارِحِ عَنْ الْجَرَائِمِ أَكْثَرُ وَأَشَدُّ مِمَّا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الثَّوَابَ يَبْطُلُ بِهَا .
ا هـ .
وَرُوِيَ { خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالْقُبْلَةُ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ } وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ أَوْ بِلِسَانِهِ بِنِيَّةِ وَعْظِ الشَّاتِمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يَنْبَغِي لَهُ كَفُّ ( النَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ ) الَّتِي لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَمْسِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُكَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ ( وَ ) يَنْبَغِي لَهُ ( تَرْكُ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ ) وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ
( قَوْلُهُ وَالنَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ ) مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلَابِسِ قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ تَقْدِيمًا لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ عَلَى التَّطَيُّبِ فِيهِ الْعَامِّ كَمَا لَوْ وَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ يَوْمَ اسْتِسْقَاءٍ ( قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَضُرَّهُ فَيُفْطِرَ وَهَذَا لِمَنْ يَتَأَذَّى بِهِ لَا لِمَنْ اعْتَادَهُ
( وَ ) يَنْبَغِي لَهُ ( تَقْدِيمُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ ) وَالنِّفَاسِ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْآتِي وَخَشْيَةً مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْأُذُنِ أَوْ الدُّبُرِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الْغُسْلُ الْكَامِلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَى الِاغْتِسَالِ عَقِبَ الِاحْتِلَامِ نَهَارًا ( فَإِنْ طَهُرَتْ ) أَيْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا ( وَصَامَتْ ) أَوْ صَامَ الْجُنُبُ ( بِلَا غُسْلٍ صَحَّ ) الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ } وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ } وَقِيسَ بِالْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ { مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ } فَحَمَلُوهُ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَاسْتَدَامَ الْجِمَاعَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّسْخِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
( قَوْلُهُ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يَنْبَغِي لَهُ ( أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ) وَفِي نُسْخَةٍ عِنْدَ ( الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ حِينَئِذٍ { اللَّهُمَّ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى } ( وَأَنْ يُفْطِرَ الصَّائِمِينَ ) بِأَنْ يُعَشِّيَهُمْ لِخَبَرِ { مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ عَشَائِهِمْ ( فَطَّرَهُمْ عَلَى تَمْرٍ أَوْ مَاءٍ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ شَرْبَةٌ أَوْ تَمْرَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي لِمَا رُوِيَ أَنَّ { بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ فَقَالَ يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ } ( وَ ) أَنْ ( يَحْتَرِزَ عَنْ الْعَلْكِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمَضْغُ وَبِكَسْرِهَا الْمَعْلُوكُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَ ) عَنْ ( ذَوْقِ الطَّعَامِ ) خَوْفَ الْوُصُولِ إلَى حَلْقِهِ أَوْ تَعَاطِيهِ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ
( قَوْلُهُ وَيَحْتَرِزُ عَنْ الْعِلْكِ ) لَا فَرْقَ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ بَيْنَ عِلْكِ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غَيْرُهُ ( قَوْلُهُ فِي وَجْهٍ ) ضَعِيفٌ
( فَصْلٌ وَيُبَاحُ الْفِطْرُ ) مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ ( لِخَوْفِ الْهَلَاكِ ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ ( مِنْ جُوعٍ وَعَطَشٍ ) وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا صَحِيحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وَقَوْلُهُ { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } وَقَوْلُهُ { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } وَلَا يُنَافِي التَّعْبِيرُ بِالْإِبَاحَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وُجُوبِ الْفِطْرِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُجَامِعُهُ ( وَ ) يُبَاحُ ( بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ } أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَقِيَاسًا عَلَى الْقَصْرِ بِخِلَافِ السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ الْمُحَرَّمِ ( وَبِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ ) أَيْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَعَهُ ( أَوْ يَزِيدُهُ الصَّوْمُ فِي مَرَضِهِ ) كَنَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ سَوَاءٌ أَتَعَدَّى بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَمْ لَا قَوْلُهُ أَوْ يَزِيدُهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ قَالَ أَوْ بِزِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ كَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ
( قَوْلُهُ أَوْ مَنْفَعَةٌ ) أَيْ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ وَمِنْهُ وَجَعُ الْعَيْنِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تُجَامِعُهُ ) فَلَوْ صَامَ مَعَ خَوْفِ الْهَلَاكِ عَصَى وَصَحَّ صَوْمُهُ وَقَوْلُهُ عَصَى إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ ) لَوْ كَانَ يُدِيمُ السَّفَرَ أَبَدًا فَفِي جَوَازِ تَرْكِ الصَّوْمِ دَائِمًا نَظَرٌ فَإِنَّهُ يُزِيلُ حَقِيقَةَ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْجَوَازُ لِمَنْ يَرْجُو إقَامَةً يَقْضِي فِيهَا قَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُسَافِرُ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ لِمَرَضٍ مَخُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ الْفِطْرُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ فِطْرُهُ فِي السَّفَرِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَسَافَرَ فِيهِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ وَفِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ اتَّفَقَ أَيْ السَّفَرُ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ انْتَهَى وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْجَوَازُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ هَلْ لَهُ الْفِطْرُ قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ لَا كا
( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ ( أَنْ يَنْوِيَ إنْ خَفَّ مَرَضُهُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ ) بِحَيْثُ لَا يُبَاحُ مَعَهُ تَرْكُ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ ( وَلَهُ الْفِطْرُ بِحُدُوثِ الْمَرَضِ ) لِوُجُودِ الْمُحْوِجِ لَهُ بِلَا اخْتِيَارٍ ( لَا ) بِحُدُوثِ ( السَّفَرِ ) تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ ( فَإِنْ نَوَى ) الْمُقِيمُ لَيْلًا ( ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ تَرَخَّصَ ) بِالْفِطْرِ وَغَيْرِهِ لِدَوَامِ الْعُذْرِ وَقَدْ { أَفْطَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ بِقَدَحِ مَاءٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ تَتِمَّةٌ سَتَأْتِي وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَإِنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَهُ الْفِطْرُ ( وَكَذَا لَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا ) يَتَرَخَّصُ بِخِلَافِ مَنْ نَوَى إتْمَامَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ لِئَلَّا يَتْرُكَ مَا الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَمَّا الصَّائِمُ إذَا أَفْطَرَ فَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ ( وَلَمْ يُكْرَهْ ) لَهُ التَّرَخُّصُ فِي ذَلِكَ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّرَخُّصِ نِيَّتُهُ كَالْمُحْصَرِ يُرِيدُ التَّحَلُّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ إنْ خَفَّ مَرَضُهُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ الْحَصَادَ إذَا كَانَ يَأْتِي فِي رَمَضَانَ وَلَا يُطَاقُ الصَّوْمُ مَعَهُ فَأَفْتَيْت بَعْدَ التَّرَوِّي مُدَّةً أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ النِّيَّةَ لِكُلِّ لَيْلَةٍ ثُمَّ لِمَنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَنْ يُفْطِرَ حِينَئِذٍ وَمَنْ لَا فَلَا وَقَوْلُهُ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ النِّيَّةُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَخْ ) لَوْ نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ لِلشَّكِّ فِي مُبِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ إلَخْ ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُوَرٍ لَهَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ كُلَّ مَا اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُ لِلْقَاصِرِ لَا بُدَّ أَنْ يُفَارِقَهُ الصَّائِمُ هُنَا قَبْلَ الْفَجْرِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا ) شَمِلَ إطْلَاقَ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ مَا لَوْ نَذَرَ إتْمَامَهُ وَبِهِ صَرَّحَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ لِأَنَّ إيجَابَ الشَّرْعِ أَقْوَى وَقَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّرَخُّصِ نِيَّتُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ) وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي فَصْلِ الْكَفَّارَةِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ خِلَافُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ كَالتَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَاةِ
( وَلَوْ أَقَامَ ) الْمُسَافِرُ ( أَوْ شُفِيَ ) الْمَرِيضُ وَهُوَ صَائِمٌ ( لَمْ يُفْطِرْ ) لِانْتِفَاءِ الْمُبِيحِ ( وَالصَّوْمُ لِلْمُسَافِرِ أَفْضَلُ ) مِنْ فِطْرِهِ { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } وَلِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَفَضِيلَةِ الْوَقْتِ وَفَارَقَ ذَلِكَ أَفْضَلِيَّةَ الْقَصْرِ بِأَنَّ فِي الْقَصْرِ بَرَاءَةٌ لِلذِّمَّةِ وَمُحَافَظَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ وَبِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَيْسَ هُنَا خِلَافٌ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إيجَابِ الْفِطْرِ فَكَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ ( إلَّا إنْ خَافَ ) مِنْهُ ( ضَرَرًا فِي الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ ) فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ } وَلَا يَحْرُمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْد أَنْ أَفْطَرَ فِي كُرَاعِ الْغَمِيمِ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا أُولَئِكَ الْعُصَاةُ فَلِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالْفِطْرِ لِيَتَقَوَّوْا لِعَدُوِّهِمْ
( قَوْلُهُ وَفَضِيلَةُ الْوَقْتِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّخْصَةِ بِدَلِيلِ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ ( قَوْلُهُ أَوْ الِاسْتِقْبَالُ ) أَوْ شَكَّ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ أَوْ كَرِهَ الْأَخْذَ بِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَقْتَدِي بِهِ أَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِلْغَزْوِ أَوْ الْحَجِّ وَخَافَ لَوْ صَامَ أَنْ يَضْعُفَ عَنْهُمَا
( فَرْعٌ كُلُّ ) شَخْصٍ ( مُفْطِرٌ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ ) لِآيَةِ { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا } وَقِيسَ بِمَنْ فِيهَا غَيْرُهُ ( لَا صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ ) كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْأَدَاءُ وَلِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا ( وَ ) لَا ( كَافِرًا صَلَّى ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَلِلْإِجْمَاعِ وَتَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ( فَيَقْضِي الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ ) لِلْآيَةِ ( وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَيْضِ ( وَذُو إغْمَاءٍ وَسُكْرٍ اسْتَغْرَقَا ) الْيَوْمَ بِالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ أَمَّا الْإِغْمَاءُ فَلِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَلِهَذَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَانْدَرَجَ فِي الْآيَةِ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ لِتَكَرُّرِهَا وَأَمَّا السُّكْرُ فَلِأَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ فِي مَعْنَى الْمُكَلَّفِ ( وَلَوْ جُنَّ ) السَّكْرَانُ ( فِي سُكْرِهِ ) فَإِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ هَذَا إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ السُّكْرِ الَّذِي تَخَلَّلَهُ جُنُونٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَصْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ بَيَانَ حُكْمِ الْجُنُونِ الْمُتَّصِلِ بِالسُّكْرِ وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْهُ عِبَارَتُهُ فَمَا ذَكَرَهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَشَبَّهَهُ بِالصَّلَاةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ ) مَا فَاتَهُ ( حَتَّى زَمَنَ جُنُونِهِ ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ
( قَوْلُهُ كُلُّ مُفْطِرٍ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ ) فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَعَلَى التَّرَاخِي لَكِنْ قَبْلَ رَمَضَانَ الثَّانِي أَوْ تَعَدِّيًا فَفَوْرًا وَلَوْ فِي السَّفَرِ بِلَا تَضَرُّرٍ وَيَجِبُ التَّتَابُعُ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ تَعَدِّي التَّرْكِ وَلَوْ نَذَرَ قَضَاءَ فَائِتَةٍ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ ( قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ ) لِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَجِبْ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ ضِيقُ الْوَقْتِ وَتَعَمُّدُ التَّرْكِ قَالَ غَيْرُهُ وَالنَّذْرُ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ
( قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ إلَخْ ) رَدٌّ بِمَنْعِ تَسْمِيَةِ هَذَا تَتَابُعًا إذْ لَوْ وَجَبَ لَزِمَ كَوْنُهُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ كَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى هَذَا وَاجِبًا مُضَيَّقًا وَقَدْ يَمْنَعُ الْأَوَّلُ الْمُلَازَمَةَ وَيُسْنَدُ الْمَنْعُ بِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ وَلَا يَكُونُ شَرْطًا كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ تَتَابُعًا تَسْمِيَتُهُ وَاجِبًا مُضَيَّقًا
( فَصْلٌ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً ) أَيْ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ ( لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَتَشْبِيهًا بِالصَّائِمِينَ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ بَعْضُ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَنِسْيَانُهُ النِّيَّةَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ نَوْعُ تَقْصِيرٍ وَلَيْسَ الْمُمْسِكُ فِي صَوْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنْ أُثِيبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ لَيْسَ فِي عِبَادَةٍ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ إذَا أَفْسَدَ إحْرَامَهُ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي أَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ الْمُمْسِكِ هُنَا لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِثْمُ وَإِنَّمَا كَانَ الْإِمْسَاكُ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ ( فَإِنْ خَالَفَ ) فَلَمْ يُمْسِكْ ( أَثِمَ ) لِمُخَالَفَتِهِ الْوَاجِبَ
( قَوْلُهُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ ) الْمُرَادُ الْفِطْرَ الشَّرْعِيَّ فَيَشْمَلُ الْمُرْتَدَّ ( قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ) إذْ هُوَ سَيِّدُ الشُّهُورِ وَيَوْمٌ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْمُمْسِكُ فِي صَوْمٍ شَرْعِيٍّ ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَكَلَ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ النِّيَّةِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ انْتَهَى وَهَذِهِ إحْدَى صُورَتَيْنِ تُجْزِئُ فِيهِمَا النِّيَّةُ نَهَارًا فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ فَقَدِمَ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِمْسَاكِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلَا يَخْفَى وَجْهُهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أُثِيبَ عَلَيْهِ إلَخْ ) إنَّمَا أُثِيبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِوَاجِبٍ
( وَيُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ لِمَرِيضٍ شُفِيَ ) مِنْ مَرَضِهِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ ( وَلِمُسَافِرٍ قَدِمَ ) مِنْ سَفَرِهِ كَذَلِكَ حَالَةَ كَوْنِهِمَا ( مُفْطِرَيْنِ أَوْ لَمْ يَنْوِيَا ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا لِأَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُمَا مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْيَوْمِ ، وَزَوَالُ الْعُذْرِ بَعْدَ التَّرَخُّصِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْقَصْرِ وَلَوْ قَالَ مُفْطِرِينَ وَلَوْ بِتَرْكِ النِّيَّةِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مَنْ أَصْبَحَ تَارِكًا لِلنِّيَّةِ فَقَدْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا ( وَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا إخْفَاؤُهُ ) أَيْ الْإِفْطَارِ إنْ أَفْطَرَا لِئَلَّا يَتَعَرَّضَا إلَى التُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ فِي تَرْكِ النِّيَّةِ وَاسْتِحْبَابِ الْإِخْفَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي جِمَاعِ ) مُفْطِرَةٍ نَحْوِ ( صَغِيرَةٍ ) مُفْطِرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَكَافِرَةٍ ( وَحَائِضٍ طَهُرَتْ ) مِنْ حَيْضِهَا وَاغْتَسَلَتْ لِأَنَّهُمَا مُفْطِرَانِ فَأَشْبَهَا الْمُسَافِرَيْنِ وَالْمَرِيضَيْنِ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ .
( فَرْعٌ إذَا ثَبَتَ يَوْمُ الشَّكِّ ) مِنْ رَمَضَانَ ( لَزِمَهُمْ ) أَيْ أَهْلَ الْوُجُوبِ الْمُفْطِرِينَ وَلَوْ شَرْعًا ( الْقَضَاءُ ) كَسَائِرِ أَيَّامِهِ ( وَالْإِمْسَاكُ ) لِأَنَّ صَوْمَهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ جَهِلُوهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ كَمَا مَرَّ ( ثُمَّ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمْسَاكُ ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ بِالصَّوْمِ وَالْإِمْسَاكُ تَبَعٌ لَهُ وَلِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِعُذْرٍ فَأَشْبَهُوا الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ ( وَ ) لَا ( الْقَضَاءُ ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا زَمَنًا يَسَعُ الْأَدَاءَ وَإِتْمَامُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَشْبَهُوا مَنْ أَدْرَكَ زَمَنًا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ أَوَّلَ وَقْتِهَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ وَبِهَذَا فَارَقَ إدْرَاكَ ذَلِكَ آخِرَ وَقْتِهَا ( بَلْ يُسْتَحَبَّانِ ) أَيْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ بَنُونِ الرَّفْعِ اسْتِئْنَافٌ أَوْ عَطْفٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ بَلْ تَعْطِفُ الْجُمَلَ وَهِيَ هُنَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ لَا لِلْإِبْطَالِ ( وَلَوْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ بِالنَّهَارِ ( صَائِمًا ) بِأَنْ نَوَى لَيْلًا ( لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ) بِلَا قَضَاءٍ ( وَالْكَفَّارَةُ لَوْ جَامَعَ فِيهِ ) بَعْدَ بُلُوغِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ ( وَلَا يَلْزَمُهَا ) أَيْ الْحَائِضَ ( الْإِمْسَاكُ لِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ ) فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْأَصْلُ ( وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ ) كَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ ( فَصَامَ غَيْرُهُ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ نَفْلًا ) بِنِيَّةٍ ( قَبْلَ الزَّوَالِ ) لِتَعَيُّنِهِ لِصَوْمِهِ
( قَوْلُهُ إذَا ثَبَتَ يَوْمُ الشَّكِّ إلَخْ ) الْمُرَادُ بِيَوْمِ الشَّكِّ هُنَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَوَاءٌ أَكَانَ تَحَدَّثَ بِرُؤْيَتِهِ أَحَدٌ أَمْ لَا بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ ( قَوْلُهُ وَالْإِمْسَاكُ إلَخْ ) ثُمَّ إنْ ثَبَتَ قَبْلَ أَكْلِهِمْ نُدِبَ لَهُمْ نِيَّةُ الصِّيَامِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بَلَغَ صَائِمًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ) قَالَ شَيْخُنَا فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ ( قَوْلُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ) أَيْ يَقِينًا خَرَجَ بِهِ الْوَطْءُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ حَيْثُ جَازَ فَبَانَ مِنْ رَمَضَانَ
( فَصْلٌ وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْت قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَاقَعْت امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ قَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدْ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ { فَأَعْتِقْ رَقَبَةً فَصُمْ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ بِالْأَمْرِ } وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد { فَأَتَى بِعَرَقِ تَمْرٍ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا } قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَخُ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ
( قَوْلُهُ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَدْ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِ مُشْكِلٍ وَلَمْ تَتَبَيَّنْ أُنُوثَتُهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا الضَّابِطُ يَرِدُ عَلَيْهِ أُمُورٌ أَحَدُهَا مَا إذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مَعَ انْتِفَاءِ فَسَادِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَوَجْهُ انْتِفَائِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِذَا انْتَفَى الِانْعِقَادُ انْتَفَى الْإِفْسَادُ الثَّانِي لَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ الثَّالِثُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَجَامَعَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا كَفَّارَةَ .
الرَّابِعُ لَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ يُبِيحُ الْوَطْءَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ صَائِمَةٌ مُخْتَارَةٌ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ صَوْمِهَا مَعَ أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ قَيَّدَهُ بِصِيَامِ نَفْسِهِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْتَهَى وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْإِيرَادَاتِ سَاقِطَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الصِّحَّةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْفَسَادُ مُقَارِنًا وَقَدْ يَكُونُ طَارِئًا وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْحَجَّ قَدْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا كَمَا فِي صُورَةِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِهِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ كَذَلِكَ يَقَعُ فَاسِدًا فَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ بِإِفْسَادِ صَوْمٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُوقِعَهُ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ يُفْسِدَهُ وَلَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا إلَّا الْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِفْسَادِ لَا فِي الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِانْعِقَادِ صَحِيحًا .
وَأَمَّا الثَّانِي فَخَرَجَ
بِقَوْلِهِ بِإِفْسَادِ صَوْمٍ لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إفْسَادُ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ لِلِاحْتِيَاطِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ الْحَالَ بَعْدُ فَإِنْ جَامَعَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِلَا شَكٍّ لِتَحَقُّقِ الْإِفْسَادِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَثِمَ لَا يَحِلُّ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ لَمْ يَأْثَمْ بِالْفِطْرِ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهَا وَإِنَّمَا هِيَ الْمُفْسِدَةُ لَهُ بِالتَّمْكِينِ
( فَمَنْ أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ ) كَأَكْلٍ وَاسْتِمْنَاءٍ ( لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ ) لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْجِمَاعِ وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ إلَى آخِرِهِ ( وَلَا تَلْزَمُ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا ) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا ( أَوْ ) جِمَاعًا ( ثَانِيًا إذْ لَا إفْسَادَ ) تَقَدَّمَ إنَّهَا تَلْزَمُ فِيمَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ أَنَّهُ لَا إفْسَادَ لِأَنَّهُ فَرْعُ الِانْعِقَادِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا مَرَّ مَعَ تَوْجِيهِهِ ( أَوْ ) جَامَعَ ( مُسَافِرًا إذْ لَا إثْمَ ) هَذَا مَعَ إيهَامِهِ الْقُصُورَ عَلَى الْمُسَافِرِ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ إلَى آخِرِهِ ( وَقَوْلُنَا صَوْمُهُ احْتِرَازًا مِنْ مُسَافِرٍ ) أَوْ مَرِيضٍ ( أَفْسَدَ صَوْمَ امْرَأَةٍ ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِإِفْسَادِهَا صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي فَبِالْأَوْلَى إفْسَادُ غَيْرِهَا لَهُ ( وَقَوْلُنَا فِي يَوْمٍ يَدُلُّ ) عَلَى ( أَنَّهَا تَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ ) وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ إذْ كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ بِرَأْسِهَا وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِفْسَادُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَكَرَّرَ فِي حَجَّتَيْنِ .
( وَقَوْلُنَا مِنْ رَمَضَانَ احْتِرَازًا مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ ) فَلَا كَفَّارَةَ فِي إفْسَادِهَا لِوُرُودِ النَّصِّ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِفَضَائِلَ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ ( وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ احْتِرَازًا مِمَّنْ أَفْطَرَ أَوَّلًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ ) كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ( وَقَوْلُنَا تَامٌّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ ) مِنْ الذَّكَرِ فَرْجَهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ وَهَذَا الْقَيْدُ تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ كَأَصْلِهِ الْغَزَالِيُّ وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ ذَلِكَ بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فِيهَا نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظَ أَوْ تَتَذَكَّرَ أَوْ
تَقْدِرَ عَلَى الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمَ فَفَسَادُهُ فِيهَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمَوَاقِعُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَلِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَيَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
( وَ ) الْجِمَاعُ ( التَّامُّ ) يَحْصُلُ ( بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا مَكَّنَتْهُ ) مِنْهُ ( فَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ دُونَهَا ) لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ التَّامَّ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( قَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ ظَنَّ غَالِطًا بَقَاءَ اللَّيْلِ ) أَوْ دُخُولَهُ عَلَى مَا يَأْتِي ( فَجَامَعَ ) وَمِنْ جِمَاعِ الصَّبِيِّ وَجِمَاعِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ إثْمِهِمْ ( وَمُقْتَضَى الضَّابِطِ ) الْمَذْكُورِ ( وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ ) فَجَامَعَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَامَعَ نَهَارًا وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَصْلِ فِي مَسْأَلَةِ ظَنِّ الدُّخُولِ السَّابِقَةِ بَعْدَ نَقْلِهَا عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ بِالظَّنِّ بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ وَبِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ شَكِّهِ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ وَخُرُوجِهِ وَعَلَّلَ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي التَّهْذِيبِ بِمَسْأَلَةِ الظَّنِّ لَكِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ ( وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا
وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ ) بِالْأَكْلِ ( فَجَامَعَ أَفْطَرَ ) كَمَا لَوْ جَامَعَ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ ( وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ جَامَعَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ إنْ عَلِمَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ عَنْ الْجِمَاعِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهِ أَثِمَ بِهِ ( وَقَوْلُنَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ احْتِرَازًا مِنْ مُسَافِرٍ ) أَوْ مَرِيضٍ ( زَنَى ) أَوْ جَامَعَ حَلِيلَتَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ( فَإِنَّهُ أَثِمَ لِأَجْلِ الزِّنَا ) أَوْ لِأَجْلِ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ ( لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ ) وَلِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ وَحَذَفَ مِنْ أَصْلِهِ قَوْلَهُ بَعْدَ زِنًى مُتَرَخِّصًا لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( وَلِلِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ هُنَا ) فِيمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وَطْءٌ
( قَوْلُهُ وَقَوْلُنَا تَامٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَخْ ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ بِالْوَطْءِ فَاخْتَصَّ بِالرَّجُلِ كَالْمَهْرِ وَلِأَنَّ صَوْمَهَا نَاقِصٌ لِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِالْحَيْضِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الضَّابِطُ أَظُنُّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ فَلَا يَلْزَمُ الْأَصْحَابُ الْوَفَاءَ بِهِ وَالرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ أَنَّهُ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَذَكَرَ مَا ذَكَرَ وَالتَّصْوِيرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَحِينَئِذٍ لَا قَائِلَ بِتَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ اعْتِمَادًا عَلَى ظَنٍّ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ وَإِذَا شَكَّ فِي النَّهَارِ هَلْ نَوَى لَيْلًا أَوْ لَا ثُمَّ جَامَعَ فِي حَالِ الشَّكِّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَى فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ قَالَهُ الْغَزِّيّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ نَهَارًا بِجِمَاعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجَلِ الصَّوْمِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ عَنْ رَمَضَانَ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِفَسَادِ صَوْمٍ عَنْ رَمَضَانَ خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا عَنْ رَمَضَانَ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ .
( قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ ( قَوْلُهُ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ ) أَيْ وَالْمَيْتَةُ
( فَرْعٌ مَنْ رَأَى الْهِلَالَ ) أَيْ هِلَالَ رَمَضَانَ ( وَحْدَهُ صَامَ ) وُجُوبًا ( وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ) لِخَبَرِ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } ( فَإِنْ جَامَعَ ) فِي صَوْمِهِ بِذَلِكَ ( لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ) لِأَنَّهُ هَتْكُ حُرْمَةِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُ بِإِفْسَادِ صَوْمِهِ بِالْجِمَاعِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَيَّامِ ( وَمَتَى رَأَى شَوَّالًا ) أَيْ هِلَالَهُ ( وَحْدَهُ ) لَزِمَهُ الْفِطْرُ عَمَلًا بِمُقْتَضَى رُؤْيَتِهِ وَلِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ( فَإِنْ شَهِدَ ) بِرُؤْيَتِهِ ( ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ يُعَزَّرْ ) وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ ( سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ ) لِتُهْمَةِ دَفْعِ التَّعْزِيرِ عَنْهُ ( وَعُزِّرَ ) لِإِفْطَارِهِ فِي رَمَضَانَ فِي الظَّاهِرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ صِدْقَهُ مُحْتَمَلٌ وَالْعُقُوبَةُ تُدْرَأُ بِدُونِ هَذَا وَقَدْ يَخْفَى هَذَا عَلَى كَثِيرٍ وَلِمَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يُعْلَمُ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ وَمَنْ يُعْلَمْ مِنْهُ ضِدُّ ذَلِكَ ( وَحَقُّهُ ) إذَا أَفْطَرَ ( أَنْ يُخْفِيَهُ ) أَيْ الْإِفْطَارَ لِئَلَّا يُتَّهَمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ
( قَوْلُهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِرَمَضَانَ مَعَ وُجُودِ قَرِينَةِ التُّهْمَةِ اقْتَضَى وُجُوبَ التَّشْدِيدِ فِيهِ وَعَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّالِحِ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ مَتَى ) وَفِي نُسْخَةٍ مَنْ ( جَامَعَ ) جِمَاعًا مُفْسِدًا ( ثُمَّ سَافَرَ لَمْ تَسْقُطْ ) عَنْهُ ( الْكَفَّارَةُ ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ وَلِأَنَّ طُرُوَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الْكَفَّارَةِ ( وَتَسْقُطُ إذَا جُنَّ أَوْ مَاتَ يَوْمَ الْجِمَاعِ ) لِأَنَّهُ بَانَ بِطُرُوِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صَوْمٍ لِمُنَافَاتِهِ لَهُ ( لَا إنْ مَرِضَ ) فِيهِ فَلَا تَسْقُطُ لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فِي طُرُوُّ السَّفَرِ وَلَوْ ذَكَرَهُ مَعَهُ كَانَ أَنْسَبَ وَمِثْلُهُمَا طُرُوُّ الرِّدَّةِ وَحُذِفَ مِنْ أَصْلِهِ مَا لَوْ طَرَأَ الْحَيْضُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَفْطَرَتْ بِالْجِمَاعِ لَا يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ
( قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ إذَا جُنَّ أَوْ مَاتَ إلَخْ ) لَوْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ أَوْ مَوْتٌ فَالظَّاهِرُ أَيْضًا سُقُوطُ الْإِثْمِ قَالَ النَّاشِرِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ إثْمٌ قَصَدَ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ إثْمُ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهَا كَمَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ إلَخْ وَقَوْلُهُ قَالَ النَّاشِرِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِمَا وَمِثْلُهُمَا طُرُوُّ الرِّدَّةِ أَيْ مِثْلُ طُرُوُّ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ الرِّدَّةُ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَطُرُوُّ الرِّدَّةِ لَا يُسْقِطُهَا قَطْعًا
( فَرْعٌ وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ ( كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) فَهِيَ ( عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ وَلَوْ لِغِلْمَةٍ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا غَيْرَ أَهْلِهِ ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَالْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْكَفَّارَةِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِهَا وَمِنْهَا كَوْنُ الرَّقَبَةِ مُؤْمِنَةً وَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسَاكِينِ الشَّامِلِينَ لِلْفُقَرَاءِ يُعْطَى مُدًّا مِمَّا يَكُونُ فُطْرَةً وَالْغُلْمَةُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ وَوَجْهُ جَوَازِ عُدُولِهِ بِهَا إلَى الْإِطْعَامِ أَنَّ حَرَارَةَ الصَّوْمِ مَعَهَا قَدْ تَقْضِي بِهِ إلَى الْوَطْءِ وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِئْنَافَهُمَا وَهُوَ حَرَجٌ شَدِيدٌ وَوَرَدَ فِي خَبَرِ { سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْمُظَاهِرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَهُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ وَطْئِهِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ظِهَارَةٌ قَالَ لَهُ سَلَمَةُ وَهَلْ أَتَيْت إلَّا مِنْ الصَّوْمِ } وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْبَابَيْنِ وَعَبَّرَ فِي الْأَصْلِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا بِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ لِشِدَّةِ غُلْمَةٍ لَوَافَقَ ذَلِكَ أَمَّا أَهْلُهُ فَلَا يَصْرِفُ الْمُكَفِّرُ مِنْ كَفَّارَتِهِ شَيْئًا لَهُ ( وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا ) كَالزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ أَطْعِمْهُ أَهْلَك } فَفِي الْأُمِّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً أَوْ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ أَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا لَهُمْ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْكِفَايَةِ أَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُكَفِّرِ التَّطَوُّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَأَنَّ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ أَيْ وَلَهُ فَيَأْكُلُ هُوَ
وَهُمْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَرَفَ لَهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ
( قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) لِقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ } وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ هَكَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ فِيهَا صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَكَانَتْ مُرَتَّبَةً كَالْقَتْلِ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ ذُكِرَ فِيهَا الْأَغْلَظُ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ فَكَانَتْ مُرَتَّبَةً كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَجِبُ ) لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ ( الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ ) وَلَوْ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَيَجِبُ مَعَهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ( وَإِذَا عَجَزَ ) عَنْ جَمِيعِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ ( ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ ) لِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُدَارَ مِمَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لَا يُقَالُ لَوْ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ لَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يَقَعْ كَفَّارَةً عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ سَلَّمَ فَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ وَمَتَى قَدَرَ عَلَى إحْدَى الْخِصَالِ فَعَلَهَا كَمَا لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا حَالَ الْوُجُوبِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ هُوَ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَأَنَّهَا مُخْبِرَةٌ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ وَأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ إنْ قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا أَوْ أَكْثَرَ رَتَّبَ
( قَوْلُهُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ الْأَوَّلُ بِالْبَدَلِيَّةِ ) عَنْ الصَّوْمِ أَيْ بِفَوَاتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَأَصْلِهِ كَانَ أَوْلَى ( فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فِي تَرِكَتِهِ ) سَوَاءٌ أَتَرَكَ الْأَدَاءَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِخَبَرِ { مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ فَتْوَى عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَطْلَقَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ الْكَفَّارَةَ وَقَيَّدَهَا الْحَاوِي الصَّغِيرُ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِإِخْرَاجِ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الصَّوْمَ فِيهَا يَخْلُفُهُ الْإِطْعَامُ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْخِصَالِ الَّتِي قَبْلَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ بِأَنْ مَاتَ عَقِبَ مُوجَبِ الْقَضَاءِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ الْكَفَّارَةِ أَوْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْعُذْرُ إلَى مَوْتِهِ فَلَا فِدْيَةَ فَالْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ هُنَا عَدَمُ الْعُذْرِ فَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ نَعَمْ إنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ
( فَصْلٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ ) قَوْلُهُ وَقَيَّدَهَا الْحَاوِي الصَّغِيرُ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَقْيِيدُهُ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَرِيبٌ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إلَخْ ) فَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَدَمَ التَّمَكُّنِ بِأَنْ لَا يَزَالَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ حَتَّى يَمُوتَ فَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمَا الْإِسْنَوِيُّ مَنْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ أَوْ حَدَثَ بِهِ عُذْرٌ آخَرُ مِنْ فَجْرِ ثَانِي شَوَّالٍ أَوْ طَرَأَ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ مَرَضٌ قَبْلَ غُرُوبِهِ ( قَوْلُهُ فَلَا فِدْيَةَ ) لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ كَالْحَجِّ وَكَتَبَ أَيْضًا نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ فِي النَّذْرِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِهِ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا لِاسْتِقْرَارِهِ بِنَفْسِ النَّذْرِ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ وَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ حَنِثَ مُعْسِرٌ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلَوْ نَذَرَ حَجًّا وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِهِ يُحَجُّ عَنْهُ قَالَا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَزَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاعْتَرَضَ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا عَلَى سُكُوتِهِمَا عَلَى كَلَامِ الْقَفَّالِ
( وَهِيَ ) أَيْ الْفِدْيَةُ ( عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ جِنْسِ الْفِطْرَةِ ) وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَاجِبٌ شَرْعًا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفِطْرَةِ فَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ وَنَحْوُهُمَا وَتُصْرَفُ ( لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) خَاصَّةً لِأَنَّ الْمِسْكِينَ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقِ وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ أَوْ دَاخِلٌ فِيهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا يَشْمَلُ الْآخَرَ وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( وَلَا يَخْتَصُّ فَقِيرٌ بِمُدٍّ بَلْ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ أَكْثَرَ ) مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ كَفَّارَةٌ فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ مِنْ زَكَوَاتٍ ( بِخِلَافِ أَمْدَادِ الْكَفَّارَةِ ) الْوَاحِدَةِ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ مُدٍّ أَمَّا إعْطَاؤُهُ دُونَ الْمُدِّ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْقَفَّالُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى مِائَةِ مِسْكِينٍ مَثَلًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيُخَالِفُ مَا هُنَا مِنْ مَنْعِ إعْطَاءِ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الدِّمَاءِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ فِيمَا إذَا فَرَّقَ الطَّعَامَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ انْتَهَى .
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُدَّ هُنَا بَدَلٌ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فَكَذَا بَدَلُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ أَصْلٌ وَبِأَنَّ الْمَغْرُومَ ثَمَّ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعْطَى هُنَا مُدًّا وَكَسْرًا كَنِصْفٍ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ مُدٍّ كَفَّارَةٌ ( فَإِنْ صَامَ الْقَرِيبُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( أَوْ ) صَامَ عَنْهُ ( أَجْنَبِيٌّ بِالْإِذْنِ ) مِنْهُ أَوْ مِنْ قَرِيبِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ دُونَهَا ( فَالْقَدِيمُ وَهُوَ الصَّوَابُ ) عِنْدَ النَّوَوِيِّ ( جَوَازُهُ ) بَلْ نَدْبُهُ ( وَسُقُوطُ ) وُجُوبِ ( الْفِدْيَةِ ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ } وَكَالْحَجِّ وَالْجَدِيدُ عَدَمُ جَوَازِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا تُسْقِطُ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ مِنْ السُّنَّةِ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَالْإِطْعَامُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالصَّوْمِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْإِذْنَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ أَصْلِهِ لَهُ بِإِذْنِ الْقَرِيبِ لِمَا عَرَفْت وَالتَّصْرِيحُ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا إنْ اسْتَقَلَّ الْأَجْنَبِيُّ ) بِالصَّوْمِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ مِنْ الْحَجِّ بِأَنَّ لِلصَّوْمِ بَدَلًا وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَبِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فِي الْحَيَاةِ فَضَيَّقَ فِيهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قَامَ بِالْقَرِيبِ مَا يَمْنَعُ الْإِذْنَ كَصِبًا وَجُنُونٍ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ وَالصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ فَهَلْ يَأْذَنْ الْحَاكِمُ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَتَتَعَيَّنُ الْفِدْيَةُ ( ثُمَّ الْقَرِيبُ يَكْفِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً وَ ) لَا ( وَارِثًا ) وَلَا وَلِيَّ مَالٍ لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِامْرَأَةٍ قَالَتْ لَهُ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا صُومِي عَنْ أُمِّك } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةَ قَالَ وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ
( قَوْلُهُ أَمَّا أَعَطَاؤُهُ دُونَ الْمُدِّ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى مِائَةِ مِسْكِينٍ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ تُصْرَفُ حِصَّةُ الْمَسَاكِينِ مِنْهَا إلَى مِائَةٍ مِنْهُمْ ( قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَدَّ إلَخْ ) فَرَّقَ ابْنُ الْعِمَادِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كَفَّارَةَ قَتْلِ الصَّيْدِ مُخَيَّرَةٌ وَالْمُخَيَّرُ يُتَوَسَّعُ فِيهِ وَكَفَّارَةُ الصَّوْمِ مُرَتَّبَةٌ وَالْمُرَتَّبُ يُضَيَّقُ فِيهِ الثَّانِي إنَّ لَفْظَ الْمَسَاكِينِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ قَدْ جَاءَ مَجْمُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى { أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ } فَحُمِلَتْ عَلَى آيَةِ الزَّكَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } فَكَمَا لَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ عَلَى الْمَالِكِ بَيْنَ آحَادِ الْمَسَاكِينِ كَذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ هُنَا وَأَمَّا آيَةُ الْكَفَّارَةِ فَوَرَدَتْ مُفَسَّرَةٌ بِمُفْرَدٍ فِي قَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا } فَحُمِلَتْ عَلَى قَوْله تَعَالَى { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } ( قَوْلُهُ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعْطَى هُنَا مُدٌّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ صَامَ الْقَرِيبُ عَنْهُ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ أَطْلَقُوا الْقَرِيبَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ الْبُلُوغُ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا أَيْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ صَحَّ حَجُّهُمَا وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْخَادِمِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَالْقَدِيمُ وَهُوَ الصَّوَابُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي أَمَالِيهِ أَيْضًا فَقَالَ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ قُلْت بِهِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمَالِي هِيَ الْجَدِيدَةُ فَيَكُونُ مَنْصُوصًا فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ مَعًا انْتَهَى
وَالْأَمَالِي مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي أَوَّلِ التَّعْلِيقَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا فِيمَنْ مَاتَ مُسْلِمًا أَمَّا مَنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ قَطْعًا ( قَوْلُهُ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ ) وَأَخْطَأَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ حَيْثُ صَحَّحَهُ فِي كِتَابِهِ الْقَوِيمِ فِي حُكْمِ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ ( قَوْلُهُ فَهَلْ يَأْذَنُ الْحَاكِمُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَا يَبْطُلُ إلَخْ ) وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلِيِّ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْقَرِيبُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ ( قَوْلُهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّوْمُ مِمَّا وَجَبَ فِيهِ التَّتَابُعُ أَمْ لَا ( قَوْلُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلْبَارِزِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَرْضَ الْإِسْلَامِ وَآخَرَ عَنْ قَضَائِهِ وَآخَرَ عَنْ نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي صُورَةِ الْحَجِّ أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يَقْضِ وَلَمْ يَفْدِ ) عَنْهُ لِعَدَمِ وُرُودِهِمَا بَلْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ
( قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ إلَخْ ) نَعَمْ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا اعْتَكَفَ عَنْهُ وَلِيُّهُ صَائِمًا قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَوْلُهُ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْ حَيٍّ ) بِلَا خِلَافٍ مَعْذُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ
( قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْ حَيٍّ ) نُقِلَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَنْ الْحَيِّ إجْمَاعًا بِأَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ قَادِرٍ أَوْ عَاجِزٍ وَكَتَبَ أَيْضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ الْمَالَ يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ إيجَابِهِ وَالثَّانِي فِي جُبْرَانِهِ فَجَازَتْ النِّيَابَةُ فِي حَالَيْنِ حَالَةُ الْمَوْتِ وَحَالَةُ الْحَيَاةِ وَالصَّوْمُ لَا يَدْخُلُ الْمَالُ فِيهِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جُبْرَانُهُ فَلَمْ تَجُزْ النِّيَابَةُ فِيهِ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ
( فَرْعٌ مَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِهَرَمٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ اشْتَدَّتْ ) عَلَيْهِ ( مَشَقَّةٌ سَقَطَ ) أَيْ الصَّوْمُ ( عَنْهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ( وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ) قَالَ تَعَالَى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامُ مِسْكِينٍ } الْمُرَادُ لَا يُطِيقُونَهُ أَوْ يُطِيقُونَهُ حَالَ الشَّبَابِ ثُمَّ يَعْجَزُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَانَا يَقْرَآنِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ وَمَعْنَاهُ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ فَلَا يُطِيقُونَهُ وَهَلْ الْفِدْيَةُ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ذُكِرَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ وَاجِبَةٌ ابْتِدَاءً وَجْهَانِ فِي الْأَصْلِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ قَدَرَ بَعْدُ عَلَى الصَّوْمِ وَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ لَهُ وَسَيَأْتِيَانِ
( قَوْله أَوْ وَاجِبَتُهُ ابْتِدَاءً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَإِذَا عَجَزَ ) عَنْ الْفِدْيَةِ ( ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ ) كَالْكَفَّارَةِ وَكَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَكْسَهُ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا وَمَا بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ إذْ سَبَبُهُ فِطْرُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِثُبُوتِ الْفِدْيَةِ فِي ذِمَّةِ الزَّمِنِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ
( قَوْلُهُ هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ نَذَرَ الْهَرِمُ وَالزَّمِنُ صَوْمًا لَمْ يَصِحَّ ) نَذْرُهُمَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً بَلْ بِالْفِدْيَةِ ( وَلَوْ قَدَرَ ) مَنْ ذُكِرَ ( عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ ) الصَّوْمُ قَضَاءً لِذَلِكَ وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَعْضُوبِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَكَلَامُهُ فِي هَذِهِ شَامِلٌ لِلزَّمِنِ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ كَالْهَرِمِ وَالزَّمِنِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْ عَجَزَ لِهَرَمٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالشَّيْخِ الْهَرِمِ
( الطَّرِيقُ الثَّانِي ) تَجِبُ الْفِدْيَةُ ( بِفَوَاتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَتْ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ وَلَوْ ) كَانَتْ الْمُرْضِعُ ( مُسْتَأْجَرَةً ) عَلَى الْإِرْضَاعِ ( وَمُتَطَوِّعَةً ) بِهِ ( عَلَى الْأَوْلَادِ ) فَقَطْ وَلَوْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعِ ( أَفْطَرَتَا ) جَوَازًا بَلْ وُجُوبًا إنْ خَافَتَا هَلَاكَهُمْ ( وَعَلَيْهِمَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ مِنْ مَالِهِمَا وَإِنْ كَانَتَا ) مُسَافِرَتَيْنِ أَوْ مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ } أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا فِي حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ وَالنَّاسِخُ لَهُ قَوْلُهُ { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَيُسْتَثْنَى الْمُتَخَيِّرَةُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْحَيْضِ وَفَارَقَ لُزُومُهَا لِلْمُسْتَأْجَرَةِ عَدَمَ لُزُومِ دَمِ التَّمَتُّعِ لِلْأَجِيرِ بِأَنَّ الدَّمَ ثَمَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ اللَّازِمَةِ لِلْمُرْضِعِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ أَوْ صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ ( وَلَا تَتَعَدَّدُ ) الْفِدْيَةُ ( بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ ) لِأَنَّهَا بَدَلُ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِمْ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ ( فَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا ) وَلَوْ مَعَ وَلَدَيْهِمَا ( فَلَا فِدْيَةَ ) كَالْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ الْبُرْءِ
( قَوْلُهُ فَإِذَا خَافَتْ الْحَامِلُ إلَخْ ) قِيَاسًا عَلَى الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ الصَّوْمِ ( قَوْلُهُ مِنْ مَالِهِمَا ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَلْزَمُهَا وَتَكُونُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تُعْتَقَ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْ هَذِهِ الْفِدْيَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ قَضَاءِ الصَّوْمِ فَهِيَ مَحْضُ غُرْمٍ فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ بَدَلًا عَنْهَا وَقَوْلُهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ إلَخْ ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا أَفْطَرَتَا لِأَجْلِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهُمَا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا إنْ أَطْلَقْنَا فِي الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ إلَخْ ) يُحْمَلُ مَا بَحَثَهُ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا احْتِيَاجُهَا إلَى الْإِفْطَارِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ لِلْإِرْضَاعِ لَا تَكُونُ إلَّا إجَارَةُ عَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ فِيهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُتَخَيِّرَةِ إذَا أَفْطَرَتْ لِلْإِرْضَاعِ كَمَا مَرَّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا فِدْيَةَ ) وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْمَنْقُولِ فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ الْوُجُوبُ فِيمَا إذَا قَصَدَهُمَا وَكَتَبَ أَيْضًا تَغْلِيبًا لِلْمُسْقِطِ وَعَمَلًا بِالْأَصْلِ ( قَوْلُهُ كَالْمَرِيضِ الْمَرْجُوِّ الْبُرْءِ ) أَيْ مَا يَخَافُهُ الْمَرِيضُ لَوْ صَامَ
( وَلَا تَلْزَمُ ) الْفِدْيَةُ ( عَاصِيًا بِإِفْطَارِهِ ) بِغَيْرِ جِمَاعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ بِأَنَّ فِطْرَهُمَا ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ لَمَّا حَصَلَ مَقْصُودُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَعَلَّقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ بَلْ إنَّمَا هِيَ حِكْمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَفَارَقَ ذَلِكَ أَيْضًا لُزُومَ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَفِي الْقَتْلِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِهَا فِي تَيْنِكَ
( فَرْعٌ يَجِبُ الْفِطْرُ لِإِنْقَاذِ ) مُحْتَرَمٍ ( هَالِكٍ ) أَيْ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ ( وَفَدَى ) مَعَ الْقَضَاءِ ( كَالْمُرْضِعِ ) لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ عَدَمُ لُزُومِ ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَفَرَضَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِ بِمَا لَا رُوحَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ رُوحٌ لَكِنْ فِي الْبَهِيمَةِ نَظَرٌ
( قَوْلُهُ يَجِبُ الْفِطْرُ لِإِنْقَاذِ هَالِكٍ ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا أَوْ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا وَلَا يَتَقَيَّدُ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ بَلْ هُوَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ سَوَاءٌ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُتَخَيِّرَةِ ( قَوْلُهُ وَفَدَى كَالْمُرْضِعِ ) مَحَلُّهُ فِي مُنْقِذٍ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لَوْلَا الْإِنْقَاذُ أَمَّا مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ لِلْإِنْقَاذِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إلَخْ ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا ( قَوْلُهُ عَدَمُ لُزُومِ ذَلِكَ فِي الْمَالِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ ) بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا فِيهِ رُوحٌ وَلَوْ بَهِيمَةٌ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ رَأَى حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ بِالْغَرَقِ أَوْ الْحَرْقِ وَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ لِتَخْلِيصِهِ وَجَبَ الْفِطْرُ وَالْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الطَّرِيقُ الثَّالِثُ ) تَجِبُ الْفِدْيَةُ ( بِتَأَخُّرٍ ) الْأَوْلَى بِتَأْخِيرِ ( الْقَضَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُ ( بِلَا عُذْرٍ ) فِي تَأْخِيرِهِ ( إلَى قَابِلٍ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ ثُمَّ يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ قَالَا وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى رِوَايَةٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ أَمَّا إذَا أَخَّرَهُ بِعُذْرٍ كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا إلَى قَابِلٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِالْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ بِهِ أَوْلَى وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ شَيْءٌ بِلَا عُذْرٍ وَأَخَّرَ قَضَاءَهُ لِسَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ تَبَعًا لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ لِلسَّفَرِ حَرَامٌ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُهَا وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ الْعُذْرِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ ( وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الْأَعْوَامُ تَكَرَّرَ الْمُدُّ ) لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ بِخِلَافِهِ فِي الْهَرِمِ وَنَحْوِهِ لَا تَتَكَرَّرُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَأَطْلَقَ تَصْحِيحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَكَأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَجِدَا تَصْحِيحًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَطْلَقَاهُ وَقَدْ صَحَّحَ عَدَمَ التَّكَرُّرِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَعَبَّرُوا بِالْمَذْهَبِ
وَالرُّويَانِيُّ وَعَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ وَقَالَ سُلَيْمٌ التَّكْرَارُ لَيْسَ بِشَيْءٍ
( قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِطْرُهُ مُوجِبًا كَفَّارَةً فَإِنْ كَانَ كَالْجِمَاعِ فَلَمْ يَقْضِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لِلتَّأْخِيرِ فِدْيَةٌ فِيهِ جَوَابَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ اثْنَتَانِ وَالثَّانِي تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ لِلتَّأْخِيرِ وَالْكَفَّارَةُ لَلَهَتْك وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّصْوِيرُ فِيمَا إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ أَوْ رَمَضَانَانِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّمَكُّنِ عَالِمًا عَامِدًا أَمَّا لَوْ أَخَّرَ نَاسِيًا وَجَاهِلًا فَلَا وَهَذَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّمَكُّنِ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْأَعْوَامُ تَكَرَّرَ الْمُدُّ ) قَالَ الدَّمِيرِيِّ كَالْأَذْرَعِيِّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَكَرُّرِ الْمَدِّ فِي التَّأْخِيرِ إذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ تَكَرُّرِهِ ( قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ تَصْحِيحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ يَوْمٍ ) عُدْوَانًا ( وَمَاتَ لَزِمَهُ فِدْيَتَانِ ) وَاحِدَةٌ لِلْإِفْطَارِ وَأُخْرَى لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ( فَإِنْ صَامَ عَنْهُ الْوَلِيُّ ) أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِالْإِذْنِ ( فَفِدْيَةٌ ) تَجِبُ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَحَصَلَ بِصَوْمٍ مِنْ ذِكْرِ تَدَارُكِ أَصْلِ الصَّوْمِ ( وَتَجِبُ فَدِيَةُ التَّأْخِيرِ بِتَحَقُّقِ الْفَوَاتِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ لِبَوَاقِي خَمْسٍ مِنْ شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِلْأَصْلِ ) أَيْ أَصْلِ الصَّوْمِ ( وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ هَذَا وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَسَعُ قَضَاءَ جَمِيعِ الْفَائِتِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ الْفِدْيَةُ عَمَّا لَا يَسَعُهُ أَمْ حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَانُ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ أَيْ بِإِتْلَافِهِ قَبْلَ الْغَدِ هَلْ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ انْتَهَى وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ اللُّزُومِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَرَدَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَإِنَّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ يُقَدَّرُ حُضُورُهَا بِالْمَوْتِ كَمَا يَحِلُّ الْأَجَلُ بِهِ .
وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْحَيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعْجِيلِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّهِ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ لُزُومُ الْفِدْيَةِ فِي الْحَالِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ خِلَافُهُ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ صُورَتَيْ الصَّوْمِ وَصُورَةِ الْيَمِينِ بِأَنَّهُ مَاتَ هُنَا عَاصِيًا بِالتَّأْخِيرِ فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ صُورَةِ الْيَمِينِ وَبِأَنَّهُ هُنَا قَدْ
تَحَقَّقَ الْيَأْسُ بِفَوَاتِ الْبَعْضِ فَلَزِمَهُ بَدَلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْيَمِينِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا يَحْنَثُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِهَذَا ( ثُمَّ تَعْجِيلُهَا ) أَيْ فَدِيَةِ التَّأْخِيرِ ( قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي ) لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ ( كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ ) فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ ( وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرِمِ ) لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ ( إنْ أَخَّرَ الْفِدْيَةَ ) عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى ( وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْحَامِلِ تَعْجِيلُ فَدِيَةِ يَوْمَيْنِ ) فَأَكْثَرَ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ التَّعْجِيلِ لِيَوْمٍ بَعْدَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ كَمَا قَالَ ( فَلَوْ عَجَّلَ ) أَيْ الْهَرِمُ ( فِدْيَةَ يَوْمٍ فِي لَيْلَتِهِ ) أَوْ فِيهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( أَوْ عَجَّلَتْ الْحَامِلُ قَبْلَ أَنْ تُفْطِرَ جَازَ ) وَلَوْ قَالَ فَلَوْ عَجَّلَا فِدْيَةَ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ جَازَ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَكَالْهَرِمِ فِيمَا ذُكِرَ الزَّمِنُ وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَكَالْحَامِلِ الْمُرْضِعُ .
( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ عَدَمِ اللُّزُومِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ إلَخْ ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ مِنْهَا إذَا طَوَّلَ الْجُمُعَةَ حَتَّى تَحَقَّقَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ عِنْدِي تَصِيرُ ظُهْرًا مِنْ الْآنَ وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِحَجَّةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَإِذَا انْقَطَعَ الْمُسْلِمُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ خِيَارٌ إلَّا بَعْدَ الْمَحَلِّ وَإِذَا تَنَاضَلَا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَ سِتَّةً مِنْ عَشَرَةٍ اسْتَحَقَّ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَخْطَأَ الْآخَرُ فِي خَمْسَةٍ فَلَا يَجِبُ الْجُعَلُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ ( قَوْلُهُ بِأَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِجَوَازِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا يَحْنَثُ ) قَالَ شَيْخُنَا مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ عَامِدًا عَالِمًا أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَإِلَّا حَنِثَ .
( بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ ) التَّطَوُّعُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا } ( وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ ) إذَا شَرَعَ فِيهِ ( كَصَلَاتِهِ ) وَاعْتِكَافِهِ وَطَوَافِهِ وَوُضُوئِهِ لِئَلَّا يُغَيِّرَ الشُّرُوعَ حُكْمُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ وَلِخَبَرِ { الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ وَيُقَاسُ بِالصَّوْمِ الصَّلَاةُ وَنَحْوُهَا ( لَكِنْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ ) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ إتْمَامَهُ ( إلَّا بِعُذْرٍ كَمُسَاعَدَةِ ضَيْفٍ ) فِي الْأَكْلِ إذَا عَزَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مُضِيفِهِ مِنْهُ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِخَبَرِ { وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا } وَخَبَرِ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعِزَّ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتِنَاعُ الْآخَرِ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ خُرُوجِهِ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يُثَابُ عَلَى مَا مَضَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَمْ تَتِمَّ وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَجْهُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ ( وَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ ) سَوَاءٌ أَخَرَجَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافٍ أَوْجَبَ قَضَاءَهُ وَقَدَّمْت فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَالَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ
( بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ ) ( قَوْلُهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ صَامَ يَوْمًا } إلَخْ ) وَفِي الْحَدِيثِ { كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ } وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ قَوْلًا مِنْ أَحْسَنِهَا أَنَّ الْعَمَلَ بَيْنَ ثَوَابِهِ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضَعْفِ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْعَبْدِ مِقْدَارٌ ثَوَابُهُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَعَلَّقُ خُصَمَاءُ الْمَرْءِ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ لَكِنْ يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَجُلًا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ ظَلَمَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَانْتَهَكَ عِرْضَ هَذَا وَيَأْتِي وَلَهُ صَلَاةٌ وَزَكَاةٌ وَصَوْمٌ قَالَ فَيَأْخُذُ هَذَا بِكَذَا إلَى أَنْ قَالَ وَهَذَا بِصَوْمِهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ إلَخْ ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا يَجِبُ إتْمَامُ تَطَوُّعٍ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ إتْمَامُهُمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُمَا ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْوَجْهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ ) أَدَاءً أَوْ أَوْ قَضَاءً ( وَكَذَا عَلَى التَّرَاخِي ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَلِتَلَبُّسِهِ بِالْوَاجِبِ وَلَا عُذْرَ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ ( فَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ فِي السَّفَرِ ) أَوْ نَحْوِهِ تَدَارُكًا لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُتَعَدِّي ( أَوْ ) أَفْطَرَ فِيهِ ( بِعُذْرٍ ) كَحَيْضٍ وَسَفَرٍ وَمَرَضٍ ( فَقَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ يَلْزَمُهُ ) الْقَضَاءُ فَيَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا قَبْلَهُ بِزَمَنٍ يَسَعُهُ
( قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ ) شَمِلَ قَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ فِي السَّفَرِ ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي السَّفَرِ أَنَّهُ فَإِنَّهُ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَفْطَرَ فِي قَضَائِهِ فِي السَّفَرِ اسْتَمَرَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ
( فَصْلٌ يَوْمُ عَرَفَةَ ) وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ ( أَفْضَلُ الْأَيَّامِ ) لِأَنَّ صَوْمَهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ } وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ مَا ذُكِرَ ( وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ صَوْمُهُ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ } قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ ( مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الشَّهْرِ ) وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَالثَّامِنُ مَطْلُوبٌ مِنْ جِهَةِ الِاحْتِيَاطِ لِعَرَفَةَ وَمِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ فِي الْعَشْرِ غَيْرِ الْعِيدِ كَمَا أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مَطْلُوبٌ مِنْ جِهَتَيْنِ وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِاسْتِحْبَابِ صَوْمِ الْعَشْرِ غَيْرِ الْعِيدِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِغَيْرِ الْحَاجِّ فَيُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ فَلِغَيْرِ الْحَاجِّ أَمَّا الْحَاجُّ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ صَوْمُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِطْرُهُ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ فَصَوْمُهُ لَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِيهَا كَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِحَاجٍّ لَمْ يَصِلْ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا لِفَقْدِ الْعِلَّةِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ أَمَّا هُمَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا فِطْرُهُ مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ
( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْحَاجِّ صَوْمُهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِيَنْظُرَ مَا لَوْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَوْ شَهِدَ بِهَا مَنْ لَا يَقْبَلُ وَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ عَلَى تَقْدِيرِ نَقْصِهِ فَهَلْ يُقَالُ يُسْتَحَبُّ الصَّوْمُ أَوْ يَكُونُ كَصَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ أَوْ يَخْرُجُ فِيهِ خِلَافٌ مَا لَوْ شَكَّ الْمُتَوَضِّئُ هَلْ غَسَلَ الْعُضْوَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ بِالرُّؤْيَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ عَلَى خِلَافِ خَبَرِهِ وَإِنْ صَامَ غَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ .
ا هـ .
وَسُئِلْت عَمَّا إذَا ثَبَتَ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ فَهَلْ يَنْدُبُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ أَمْ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّ دَفْعَ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَنْدُوبِ وَقَوْلُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ عَلَى خِلَافِ خَبَرِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَفِيهَا كَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ( قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا فِطْرُهُ مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( صَوْمُ عَاشُورَاءَ ) وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ ( مَعَ تَاسُوعَاءَ ) وَهُوَ تَاسِعُهُ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَقَالَ لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْلَهُ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُحِبَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ } وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِصَوْمِهِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ وَحِكْمَةُ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ مَعَهُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْيَهُودِ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ مَمْدُودَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصُمْ مَعَهُ تَاسُوعَاءَ ( فَصَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ ) مَعَهُ مُسْتَحَبٌّ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ { صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا } وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الثَّامِنِ احْتِيَاطًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ لَكَانَ حَسَنًا
( قَوْلُهُ وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ ) أَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ مَثَلًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَوَافَقَهُ الْأَصْفُونِيُّ وَالْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ النَّاشِرِيُّ وَالْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ صَالِحٍ الْحَضْرَمِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ اُحْتُسِبَ عَلَى اللَّهِ إلَخْ ) الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ صَوْمِ عَرَفَةَ بِسَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءَ بِسَنَةٍ أَنَّ عَرَفَةَ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ يَعْنِي أَنَّ صَوْمَهُ مُخْتَصٌّ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَاشُورَاءَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ
( وَ ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ ( سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ خَبَرَ { صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ } أَيْ كَصِيَامِهَا فَرْضًا وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَحَذْفُ تَاءِ التَّأْنِيثِ عِنْدَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ جَائِزٌ كَمَا فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ ( وَالْأَفْضَلُ تَتَابُعُهَا ) وَكَوْنُهَا ( مُتَّصِلَةٌ بِالْعِيدِ ) مُبَادَرَةٌ لِلْعِبَادَةِ
( قَوْلُهُ وَسِتَّةٌ مِنْ شَوَّالٍ ) أَطْلَقَ وَقَضِيَّتُهُ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ أَصَامَ رَمَضَانَ أَمْ لَا كَمَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرِ صِبًا أَوْ مَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهَا وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ فَصَامَ عَنْهُ شَوَّالًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ سِتًّا مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الرَّاتِبِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَعِبَارَةٌ كَثِيرٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ كَلَفْظِ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهَا قَصْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَشَيْخُهُ وَالْجُرْجَانِيُّ يُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يُكْمِلَانِ وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ غ وَالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ السِّتَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْبَابِهَا لِمَنْ ذُكِرَ وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ فَصَامَ عَنْهُ شَوَّالًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ سِتًّا مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الرَّاتِبِ فس
( وَ ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ ( ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) اللَّيَالِي ( الْبِيضِ وَأَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ ) لِلْأَمْرِ بِصَوْمِهَا فِي النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَصَوْمُهَا كَصَوْمِ الشَّهْرِ وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ غَيْرَ أَيَّامِ الْبِيضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسُّنَّتَيْنِ ( وَالْأَحْوَطُ صَوْمُ الثَّانِي عَشَرَ ) مَعَهَا ( أَيْضًا ) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ أَوَّلُ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسَنُّ صَوْمُ أَيَّامِ السُّودِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَالِيَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ مَعَهَا السَّابِعُ وَالْعِشْرِينَ احْتِيَاطًا وَخُصَّتْ أَيَّامُ الْبِيضِ وَأَيَّامُ السُّودِ بِذَلِكَ لِتَعْمِيمِ لَيَالِي الْأُولَى بِالنُّورِ وَلَيَالِي الثَّانِيَةِ بِالسَّوَادِ فَنَاسَبَ صَوْمُ الْأُولَى شُكْرًا وَالثَّانِيَةِ لِطَلَبِ كَشْفِ السَّوَادِ وَلِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الرَّحِيلِ فَنَاسَبَ تَزْوِيدَهُ بِذَلِكَ
( قَوْلُهُ وَأَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ ) هَلْ يَسْقُطُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِعِوَضٍ عَنْهُ السَّادِسَ عَشَرَ أَوْ يَوْمٌ مِنْ التِّسْعَةِ الْأُوَلِ فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ عِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي د وَقَوْلُهُ أَوْ يُعَوَّضُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسَنُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَالِيَيْهِ ) قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ الثَّالِثِ مِنْهَا إذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَلَعَلَّهُ يُعَوِّضُ عَنْهُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيه وَهُوَ مِنْ أَيَّامِ السُّودِ أَيْضًا لِأَنَّ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا سَوْدَاءُ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ إلَى آخِرِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ ( الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ) { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَقَالَ إنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ } رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ عَرْضُهَا عَلَى اللَّهِ وَأَمَّا رَفْعُ الْمَلَائِكَةِ لَهَا فَإِنَّهُ بِاللَّيْلِ مَرَّةً وَبِالنَّهَارِ مَرَّةً وَلَا يُنَافِي هَذَا رَفْعُهَا فِي شَعْبَانَ كَمَا فِي خَبَرِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ إكْثَارِهِ الصَّوْمَ فِي شَعْبَانَ فَقَالَ إنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ } لِجَوَازِ رَفْعِ أَعْمَالِ الْأُسْبُوعِ مُفَصَّلَةً وَأَعْمَالِ الْعَامِ جُمْلَةً وَسُمِّيَ مَا ذُكِرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ وَالْخَمِيسُ لِأَنَّهُ خَامِسُهُ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ أَوَّلَ الْأُسْبُوعِ الْأَحَدُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ أَوَّلَهُ السَّبْتُ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً
قَوْلُهُ وَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتُسَنُّ أَيْضًا الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَوْمِهِمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُتَّجَهُ تَفْضِيلُ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْخَمِيسِ لِوِلَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ فِيهِ وَلِتَقْدِيمِهِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ هُنَا وَفِي دُخُولِ الْقَاضِي الْبَلَدِ كَاتَبَهُ ( قَوْلُهُ أَنَّ أَوَّلَهُ السَّبْتُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يُسْتَحَبُّ صَوْمُ ( آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ ) لِمَا مَرَّ فِي صِيَامِ أَيَّامِ السُّودِ فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسُّنَّتَيْنِ
( وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ ) بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَتَقَوَّى بِفِطْرِهِ عَلَى الْوَظَائِفِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ وَمِنْ هُنَا خَصَّصَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ نَقْلًا عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِمَنْ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْوَظَائِفِ
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ ) لَوْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَلْ تَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ أَوْ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ فِيهِ احْتِمَالَانِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُقَالُ يُكْرَهُ تَخْصِيصُهُ بِالِاعْتِكَافِ كَالصَّوْمِ وَقِيَامِ لَيْلَتِهِ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ قَالَ فِي الْخَادِمِ فِي آخَرِ كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَفْطَرَهُ وَقَضَاهُ انْتَهَى وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِصَوْمِ النَّذْرِ وَقَوْلُهُ فَهَلْ تَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَقْلًا عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَرَوَى الْمُزَنِيّ فِي جَامِعِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مِثْلَهُ ( قَوْلُهُ بِمَنْ يَضْعُفُ بِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( أَوْ ) إفْرَادُ ( السَّبْتِ ) أَوْ الْأَحَدِ ( بِالصَّوْمِ ) لِخَبَرِ { لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَرَجَ بِإِفْرَادِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ جَمْعُهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ جَمْعُ السَّبْتِ مَعَ الْأَحَدِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ فَإِنْ قُلْت التَّعْلِيلُ بِالتَّقَوِّي بِالْفِطْرِ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ الْجُمُعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إفْرَادِهَا وَجَمْعِهَا قُلْنَا إذَا جَمَعَهَا حَصَلَ لَهُ بِفَضِيلَةِ صَوْمِ غَيْرِهِ مَا يُجْبِرُ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ النَّقْصِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ) إفْرَادَ كُلٍّ مِنْهَا ( عَادَةً ) لَهُ كَأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ فَوَافَقَ صَوْمَهُ يَوْمًا مِنْهَا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ } وَقِيسَ بِالْجُمُعَةِ الْبَاقِي وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهَا بِصَوْمِ الْفَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي صَوْمِ النَّذْرِ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ السَّابِقُ
( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ ) وَلِأَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصُهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الِاشْتِغَالِ مِنْ عَوَائِدِ الْيَهُودِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ ) فَحِينَئِذٍ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ
( فَرْعٌ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ) أَوْ فَوْتَ حَقٍّ ( وَأَفْطَرَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَلْ يُسْتَحَبُّ ) لَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ فَإِنْ خَافَ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ كُرِهَ صَوْمُهُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَجَاءَ سَلْمَانُ يَزُورُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذَلَةً فَقَالَ مَا شَأْنُك فَقَالَتْ إنَّ أَخَاك لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا فَقَالَ سَلْمَانُ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا وَلِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَائْتِ أَهْلَك وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَذَكَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ سَلْمَانُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا قَالَ سَلْمَانُ } فَإِنْ صَامَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا حَرُمَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ } وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ يُسْتَحَبُّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَعَ اسْتِحْبَابِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا } وَفِيهِ أَيْضًا { لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ } كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْعَكْسَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ { لَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ لَك }
( قَوْلُهُ فَإِنْ خَافَ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ كُرِهَ صَوْمُهُ ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ إنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَقِّ هُنَا كُلُّ مَطْلُوبٍ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا وَهُوَ الْمُتَّجَهُ وَيَدُلُّ لَهُ كَرَاهَةُ قِيَامِ كُلِّ اللَّيْلِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا سَبَقَ وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِالْوَاجِبِ لَكِنَّ تَفْوِيتَهُ حَرَامٌ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْخَوْفِ دُونَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ أَوْ فِي تَفْوِيتٍ وَاجِبٍ مُسْتَقِلٍّ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ إنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ فَأَدْخَلَهُ فِي حَيِّزِ الْخَوْفِ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى وَلِهَذَا عَدَلَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ
( وَأَفْضَلُ الْأَشْهُرِ لِلصَّوْمِ ) بَعْدَ رَمَضَانَ الْأَشْهُرُ ( الْحُرُمُ ) ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ } وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُخَاطَبَ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْثَارُ الصَّوْمِ كَمَا جَاءَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْخَبَرِ أَمَّا مَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَصَوْمُ جَمِيعِهَا لَهُ فَضِيلَةٌ ( وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ } ( ثُمَّ بَاقِيهَا ) وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الْبَقِيَّةِ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ رَجَبٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَى الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ( ثُمَّ شَعْبَانُ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ } وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا } قَالَ الْعُلَمَاءُ اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ غَالِبُهُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَبَعْضَهُ فِي آخَرٍ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي أَكْثَرِ مِنْ سَنَةٍ وَقِيلَ إنَّمَا خَصَّهُ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي سَنَتِهِمْ فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمُحَرَّمُ فَكَيْفَ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ قُلْنَا لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ تَعْرِضُ لَهُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِهِ الصَّوْمَ فِيهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ
لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ
قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ ) وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ أَفْضَلَ الْحُرُمِ رَجَبٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ أَفْضَلُهَا بَعْدَ الْمُحَرَّمِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ بَاقِيهَا ) قَالَ شَيْخُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ ثُمَّ رَجَبٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ الْحَجَّةُ ثُمَّ الْقَعْدَةُ وَبَعْدَ ذَلِكَ شَعْبَانُ كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ رَجَبٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَحْرُمُ ) عَلَى الْمَرْأَةِ صَوْمُ نَفْلٍ مُطْلَقٍ ( بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ ) لَهَا ( حَاضِرٍ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ } وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِنَفْلٍ فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ صَوْمُهَا حَرَامًا كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي جَوَازُهُ فَإِنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ تَمَتَّعَ وَفَسَدَ الصَّوْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ التَّمَتُّعَ عَادَةً لِأَنَّهُ يَهَابُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ انْتَهَى وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ لَا لِقِصَرِ زَمَنِهَا وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ أَمَّا صَوْمُهَا فِي غِيبَةِ زَوْجِهَا عَنْ بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ وَلِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إذَا عَلِمَتْ رِضَاهُ جَازَ صَوْمُهَا وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَالْأَمَةُ الْمُبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا كَالزَّوْجَةِ وَغَيْرُ الْمُبَاحَةِ كَأُخْتِهِ وَالْعَبْدَانِ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ لِضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ لَا لِقِصَرِ زَمَنِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إذَا عَلِمْت إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( كِتَابُ الِاعْتِكَافِ ) هُوَ لُغَةً اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا قَالَ تَعَالَى { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وَقَالَ { فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } وَقَالَ { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } يُقَالُ اعْتَكَفَ وَعَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا يُحْسَبُ وَعُكُوفًا وَعَكَفْتُهُ يَغْتَارُ بِكَسْرِ الْكَافِ يُحْسَبُ لَا غَيْرُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَرَجَعَ وَرَجَعَتْهُ وَنَقَصَ وَنَقَصَتْهُ وَشَرْعًا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ الْأُولَى وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ } وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ } وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ } قَالَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قَالَ تَعَالَى { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ }
( كِتَابُ الِاعْتِكَافِ ) ( قَوْلُهُ وَشَرْعًا اللُّبْثُ إلَخْ ) وَفِي الشَّرْعِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ صَاحٍ كَافٍّ نَفْسَهُ عَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ
( وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ
( وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُكْثُ وَأَقَلُّهُ أَكْثَرُ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ ) فِي الصَّلَاةِ ( بِسُكُونٍ أَوْ تَرَدُّدٍ ) لِإِشْعَارِ لَفْظِهِ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلَّ مَا يُجْزِئَ فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ ( وَلَا يُجْزِئُ الْعُبُورُ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى اعْتِكَافًا ( فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا ) مُطْلَقًا ( أَجْزَأَهُ لَحْظَةً ) لِحُصُولِ اسْمُهُ بِهَا ( لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ يَوْمٌ ) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ اعْتِكَافٌ دُونَ يَوْمٍ وَنَصَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ ضَمِّ اللَّيْلَةِ إلَى الْيَوْمِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ النَّصِّ ( وَيُسْتَحَبُّ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ ) لِيَنَالَ فَضِيلَتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطُّمَأْنِينَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا قَطْعُ الْهَوَى عَنْ الرَّفْعِ وَالثَّبَاتِ هُنَا هُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ شَيْخُنَا وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ مِقْدَارُ سُبْحَانَ اللَّهِ لَفْظًا
( فَصْلٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَرْعٌ ( وَيُفْسِدُهُ ) أَيْ الِاعْتِكَافَ ( مِنْ الْجِمَاعِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ) مِنْهُ وَهُوَ مَا يَقَعُ مَعَ تَذَكُّرِ الِاعْتِكَافِ وَالْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ وَالِاخْتِيَارِ الْمَزِيدِ عَلَى الْأَصْلِ سَوَاءٌ أَجَامَعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا لِمُنَافَاتِهِ لَهُ ( فَيَحْرُمُ ) بِسَبَبِهِ الْجِمَاعُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وَيَحْرُمُ ( بِهِ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ ) بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ ( فَإِذَا أَنْزَلَ مَعَهُمَا أَفْسَدَهُ كَالِاسْتِمْنَاءِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ مَعَهُمَا أَوْ أَنْزَلَ مَعَهُمَا وَكَانَا بِلَا شَهْوَةٍ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَيَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ ثُمَّ فِي الْخُنْثَى وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ لَوْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي غَيْرِهِ أَوْ أَوْلَجَ غَيْرُهُ فِي قُبُلِهِ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ إنْزَالِهِ وَعَدَمِ إنْزَالِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِحَمْلِهِ عَلَى إنْزَالِهِ مِنْ فَرْجَيْهِ مَعًا وَالتَّرْجِيحُ فِي الِاسْتِمْنَاءِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ تَحْرِيمُ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَنْتَظِمُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَفِي الْمُسْتَحَبِّ فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَبِّ خَارِجَهُ إذْ غَايَةُ ذَلِكَ خُرُوجُهُ مِنْ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ
قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ } إلَخْ ) عَلَّلَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ بِقَطْعِهِ بِإِقَامَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الِاعْتِكَافِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ بِإِقَامَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ نَاقِصٌ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُرُّ عَلَى دَابَّةٍ وَهَوْدَجٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتَهُ فَيَطَؤُهَا فِي الْهَوْدَجِ أَوْ يَطَأُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَفْرُغُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَكُونُ مَاكِثًا وَقَدْ لَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ عَلَى الْجُنُبِ إذَا خَافَ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَيْلًا فَالصَّوَابُ التَّعْلِيلُ بِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْ الْجِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَحَمْلِهِ جُنُبًا وَمُحْدِثًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَشَقَّةَ هُنَاكَ اقْتَضَتْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُعْتَكِفِ ( الصَّنَائِعُ ) فِي الْمَسْجِدِ ( كَالْخِيَاطَةِ ) وَالْكِتَابَةِ ( مَا لَمْ يُكْثِرْ ) مِنْهَا فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا كُرِهَتْ لِحُرْمَتِهِ إلَّا كِتَابَةَ الْعِلْمِ فَلَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا لِأَنَّهُ طَاعَةٌ كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا وَفِي بَابِ الْغُسْلِ ( وَلَهُ أَنْ يُرَجِّلَ شَعْرَهُ ) أَيْ يُسَرِّحَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ } ( وَ ) أَنْ ( يَتَطَيَّبَ ) لِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ تَطَيُّبُهُ لَحَرُمَ تَرْجِيلُ شَعْرِهِ كَالْإِحْرَامِ ( وَ ) أَنْ ( يَلْبَسَ ) الثِّيَابَ الْحَسَنَةَ ( وَيَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ ) وَيَأْمُرَ بِإِصْلَاحِ مَعَاشِهِ وَتَعَهُّدِ ضِيَاعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ ( وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَغْسِلَ يَدَهُ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَلَمْ يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ ( فِي الْمَسْجِدِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ ( وَالْأَوْلَى ) أَنْ يَأْكُلَ ( فِي سُفْرَةٍ ) أَوْ نَحْوِهَا ( وَ ) أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ فِي ( طَسْتٍ ) أَوْ نَحْوِهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ وَأَصُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنْ يَغْسِلَهَا حَيْثُ يَبْعُدُ عَنْ نَظَرِ النَّاسِ وَالطَّسْتُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ
( قَوْلُهُ كَالْخِيَاطَةِ ) أَشَارَ بِالتَّمْثِيلِ بِهَا إلَى إخْرَاجِ الْحِرْفَةِ الَّتِي تُزْرِي بِالْمَسْجِدِ
( وَتُكْرَهُ الْحِرْفَةُ ) فِيهِ بِخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا ( كَالْمُعَاوَضَةِ ) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا ( بِلَا حَاجَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ ) صِيَانَةً لَهُ ( وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ ) بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَثُرَ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ وَلِأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ لَا يُبْطِلُ كَثِيرُهُ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ ( وَيَجُوزُ نَضْحُهُ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ( بِمُسْتَعْمَلٍ ) كَمَا يَجُوزُ بِالْمُطْلَقِ لِأَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَعَافُ شُرْبَهُ وَنَحْوَهُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِيهِ وَإِسْقَاطِ مَاؤُهُ فِي أَرْضِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَلِأَنَّهُ أَنْظَفُ مِنْ غُسَالَةِ الْيَدِ الْحَاصِلَةِ بِغَسْلِهَا فِيهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَ قَوْلَ الْبَغَوِيّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ بِمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَنْقُلْ مَا اخْتَارَهُ عَنْ أَحَدٍ وَتَبِعَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ الْخُوَارِزْمِيَّ مُوَافَقَةَ الْبَغَوِيّ وَعَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ وَلِلْبَغَوِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ وَغَاسِلَ الْيَدِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمَا إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّضْحِ فَإِنَّهُ يَقَعُ قَصْدًا وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ قَصْدًا أَوْ بِأَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ بَعْضُهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَمَاءَ غَسْلِ الْيَدِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ بِخِلَافِ مَاءِ النَّضْحِ كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
( قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ الْحِرْفَةُ فِيهِ ) قَالَ شَيْخُنَا لَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُ قُبَيْلَهُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الصَّنَائِعُ إذْ الْأَوَّلُ فِيمَا فَعَلَهُ فِيهِ اتِّفَاقًا وَالثَّانِي فِيمَا إذَا قَصَدَ الِاجْتِرَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ تُنَافِي حُرْمَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ الْأُولَى كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ إلَخْ ) فِي إطْلَاقِهِ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ مَاءَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لَا بُدَّ أَنْ يُمْزَجَ بِالْبُصَاقِ وَهُوَ حَرَامٌ فَإِمَّا أَنْ يَبْتَلِعَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَوْنًا لِلْمَسْجِدِ أَوْ يُقَالَ أَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ فَيُغْتَفَرُ وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَالَ أَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ) وَبِهِ أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ وَعَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ
( وَ ) يَجُوزُ ( الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ ) فِيهِ فِي إنَاءٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ جَزَمَ فِي الْمَجْمُوعِ بِكَرَاهَتِهِ وَكَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ مَا فِي مَعْنَاهَا فِيمَا يَظْهَرُ وَكَاسْتِحَاضَةٍ وَفَتْحِ دُمَّلٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ لِلْحَاجَةِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { أَنَّ بَعْضَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَتْ مَعَهُ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً } فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي أَمَّا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُهُ وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ تَحْرِيمَ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ بِهَا مَعَ زِيَادَةِ الْقُبْحِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ إدْخَالِ النِّعَالِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِيهِ إذَا أُمِنَ التَّلْوِيثُ ( فَإِنْ لَوَّثَ ) الْخَارِجُ بِمَا ذُكِرَ الْمَسْجِدَ ( أَوْ بَالَ ) فِيهِ ( وَلَوْ فِي طَسْتٍ حَرُمَ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ } وَإِنَّمَا حَرُمَ الْبَوْلُ فِيهِ فِي إنَاءٍ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ لِأَنَّ دَمَهُمَا أَخَفُّ مِنْهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي مَحَلِّهِمَا وَإِنْ كَثُرَ وَلِأَنَّهُ أَقْبَحُ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الْفَصْدِ مُتَوَجِّهُ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَمِثْلُهُ التَّغَوُّطُ بَلْ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ النَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ( وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ ) لِأَنَّهُ طَاعَةٌ فِي طَاعَةٍ
( قَوْلُهُ وَكَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ مَا فِي مَعْنَاهَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ خَرَجَ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ غَيْرُهُمَا مِنْ الدِّمَاءِ كَالذَّبْحِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْجِنَايَاتِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْآدَمِيِّ فَأَمَّا ذَبْحُ الدَّابَّةِ فِي الْمَسْجِدِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ نُفُورِ الدَّابَّةِ وَتَلْوِيثِهَا لِلْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ تَحْرِيمَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ الصَّوْمُ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ فِي الِاعْتِكَافِ ( فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا أَنَا فِيهِ صَائِمٌ أَوْ أَكُونُ فِيهِ صَائِمًا ( فَالصَّوْمُ شَرْطٌ ) لِاعْتِكَافِهِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزِمِ ( وَيُجْزِئُهُ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ ) أَوْ غَيْرِهِ صَائِمًا فِيهِ وَلَوْ نَفْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ صَوْمًا بَلْ اعْتِكَافًا بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ ( فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ أَوْ صَائِمًا وَكَذَا عَكْسُهُ ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ بِاعْتِكَافٍ وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَوْ مُعْتَكِفًا ( لَزِمَاهُ ) أَيْ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُمَا ( وَ ) لَزِمَهُ ( الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ ( كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِسُورَةِ كَذَا ) لَزِمَاهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( فَلَوْ اعْتَكَفَ ) صَائِمًا ( فِي رَمَضَانَ ) أَوْ غَيْرِهِ نَفْلًا كَانَ الصَّوْمُ أَوْ وَاجِبًا بِغَيْرِ هَذَا النَّذْرِ ( لَمْ يُجِزْهُ ) لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ اعْتِكَافُ لَحْظَةٍ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَادِقٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَكَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَهُ
قَوْلُهُ لَزِمَاهُ ) فَإِنْ قُلْت الْحَالُ مُقَيَّدَةٌ لِصَاحِبِهَا فَمَنْ أَيْنَ يَلْزَمُ الْأَمْرُ بِهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ بِشَيْءٍ الْأَمْرُ بِالْمُقَيَّدِ لَهُ بِدَلِيلِ اضْرِبْ هِنْدًا جَالِسَةً قُلْت مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْحَالُ مِنْ نَوْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَكَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ نَحْوُ حِجَّ مُفْرَدًا وَنَحْوُ أَدْخُلْ مَكَّةَ مُحْرِمًا فَهِيَ مَأْمُورٌ بِهَا وَمَا هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا مُشْكِلٌ جِدًّا فَإِنَّهُ الْتَزَمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الصَّوْمَ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَالٌ إمَّا مُفْرَدٌ وَإِمَّا جُمْلَةٌ وَالْحَالُ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى انْتَهَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا الْتِزَامٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ أَنَا فِيهِ صَائِمٌ إخْبَارٌ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْحَالَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا يَصِحُّ تَطْلُبُهَا بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَةً وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوَجُّهُ الطَّلَبِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا فِيهِ صَائِمٌ جُمْلَةٌ وَالْجُمْلَةُ لَا تَكُونُ مَعْمُولَةً لِلْمَصْدَرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ أَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ فَإِنَّ صَائِمًا لَيْسَ فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ فَهُوَ إنْشَاءٌ مُتَمَحِّضٌ يَرْجِعُ مَعْنَى الْكَلَامِ إلَى تَقْدِيرِ عَلَى أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا وَأَنْ أَصُومَ فِيهِ وَهَذَا بِطَرْدٍ فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّي قَائِمًا وَخَاشِعًا وَأَنْ أَحُجَّ رَاكِبًا الْمَعْنَى أَنْ أُصَلِّيَ وَأَنْ أَخْشَعَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِنْشَاءِ وَلُزُومِ الصِّفَةِ الْفَرْقُ الثَّانِي إنَّ قَوْلَهُ أَنَا فِيهِ صَائِمٌ حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْيَوْمُ فَيَنْحَلُّ الْكَلَامُ إلَى مَعْنَى
أَعْتَكِفُ يَوْمًا مَصُومًا فِيهِ وَقَوْلُهُ مَصُومًا فِيهِ إخْبَارٌ لَيْسَ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا فَصَائِمًا حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ وَهُوَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَعْتَكِفُ وَالْحَالُ مُقَيَّدَةٌ لِفِعْلِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِكَافُ فَانْحَلَّ إلَى قَوْلِهِ أَنْ أُنْشِئَ اعْتِكَافًا وَصَوْمًا كَمَا لَوْ قَالَ أَحُجُّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا .
( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ مُتَتَابِعَةً صَائِمًا فَجَامَعَ لَيْلًا اسْتَأْنَفَهُمَا ) لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ وَلَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ كَالْعِيدِ اعْتَكَفَهُ وَلَا يَقْضِي الصَّوْمَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ
( قَوْلُهُ وَلَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ إلَخْ ) أَوْ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي بَيْتِهِ بِصَوْمٍ لَزِمَهُ الصَّوْمُ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَمَتَى نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا أَوْ مُحْرِمًا بِصَلَاةٍ أَوْ عَكَسَ ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا أَوْ يُحْرِمَ بِصَلَاةٍ مُعْتَكِفًا ( لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَمِيعُ ) وَإِنْ لَزِمَاهُ إذْ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهَا فِعْلًا لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ لِكَوْنِهِ كَفًّا بِخِلَافِهِ مَعَ الصَّوْمِ لِتَقَارُبِهِمَا فَإِنَّ كُلًّا كَفٌّ فَجُعِلَ أَحَدُهُمَا وَصْفًا لِلْآخَرِ وَكَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ الْإِحْرَامُ بِحَجِّ أَوْ عُمْرَةٍ ( وَأَجْزَأَهُ ) مِنْ الصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ ( رَكْعَتَانِ ) كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا بِالنَّذْرِ وَلَا يُجْزِئُهُ مَا دُونَهُمَا
( قَوْلُهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا إلَخْ ) أَوْ أَنْ يَصُومَ مُصَلِّيًا أَوْ عَكْسُهُ
( وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ لِكُلِّ يَوْمٍ رَكْعَتَانِ ) وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَصْلُ بِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فَإِنْ تَرَكْنَا لِظَاهِرِ فَلِمَ اعْتَبَرَ تَكْرِيرَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ كُلَّ يَوْمٍ وَهَلَّا اكْتَفَى بِهِ مَرَّةً فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَ الظَّاهِرَ فِي الِاسْتِيعَابِ دُونَ التَّكْرِيرِ لِيَسْلُكَ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ إذْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ لَا تَسْتَوْعِبُ الْأَيَّامَ وَتُكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ ( وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ ) بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُصَلِّيًا أَوْ عَكْسَهُ لَزِمَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ جَمْعُهُمَا
( قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَصْلُ إلَخْ ) يُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَمْعَ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِ الْمُفْرَدِ فَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَيَّامًا مُصَلِّيًا فَهُوَ فِي قُوَّةِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا وَيَوْمًا وَيَوْمًا مُصَلِّيًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ مُصَلِّيًا حَالًا مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُوقِعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَلَاةَ مِيدَانٍ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ فَقَطْ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ أَجْزَأَهُ فِي غَيْرِهِ بِلَا صَوْمٍ بِخِلَافِ نَذْرِهِ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ صَائِمًا فَفَاتَهُ
( الرُّكْنُ الثَّانِي النِّيَّةُ فَتَجِبُ ) لِلِاعْتِكَافِ فِي ابْتِدَائِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ تَعَيَّنَ زَمَانُهُ أَوْ لَا ( وَيَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِ فِي الْمَنْذُورِ ) لِيَتَمَيَّزَ عَنْ النَّقْلِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِ تَعْيِينَ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّ ذِكْرَ النَّذْرِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ فَكَأَنَّهُ نَوَى الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قَالَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ
قَوْلُهُ قَالَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ ع وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ
( وَإِنْ نَوَى الِاعْتِكَافَ وَأَطْلَقَ فَخَرَجَ ) مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ ( لَا بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ ) إلَيْهِ ( ثُمَّ عَادَ جَدَّدَ ) النِّيَّةَ وُجُوبًا إنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ إذْ الثَّانِي اعْتِكَافٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَنِيَّةِ الْمُدَّتَيْنِ ابْتِدَاءً كَمَا فِي زِيَادَةِ عَدَدِ رَكَعَاتِ النَّافِلَةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَصْلُ بِأَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فَكَيْفَ يَكْتَفِي بِعَزِيمَةٍ سَابِقَةٍ وَجَوَابُهُ يُعْرَفُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ
( قَوْلُهُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ نَوَى اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَثَلًا صَحَّ كَمَا لَوْ نَوَاهُ أَوَّلَ دُخُولِهِ .
ا هـ .
( وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُ كَالصَّوْمِ وَلَوْ خَرَجَ مَنْ نَوَى اعْتِكَافَ مُدَّةٍ ) مُطْلَقَةٍ كَيَوْمٍ وَشَهْرٍ ( لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُجَدِّدْ ) أَيْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنِي عِنْدَ النِّيَّةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ( جَدَّدَ ) النِّيَّةَ وُجُوبًا وَإِنْ قَصَّرَ إلَّا لِزَمَانٍ لِانْقِطَاعِ الِاعْتِكَافِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَمَّا خُرُوجُ مَنْ نَوَى اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مُتَوَالِيَةٍ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ آخِرَ الْبَابِ
( قَوْلُهُ وَإِلَّا جُدِّدَ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ أَنَّ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالِاغْتِسَالِ عَنْ الْجَنَابَةِ يُلْحَقُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَكَذَلِكَ الْخُرُوجُ لِلْأَذَانِ .
ا هـ .
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُتَتَابِعِ وَهُنَاكَ فِي الْمُتَتَابِعِ فَلَا تَنَاقُضَ وَلَا اخْتِلَافَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِيَّةَ التَّتَابُعِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْمُدَّةِ الْمُطْلَقَةِ
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُعْتَكِفُ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَحَلُّ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ ) فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْكَافِرِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانِ إذْ لَا نِيَّةَ لَهُمْ وَلَا اعْتِكَافُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدِ وَقْفٍ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْثُهُ فِيهِ مَعَ صِحَّةِ اعْتِكَافِهِ فِيهِ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يُشْبِهُهُ ( فَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ) كَصِيَامِهِمْ ( لَكِنْ يُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ ) كَمَا فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْجَمَاعَةِ
( قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَرُمَ مُكْثُهُ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ كَذِي جُرُوحٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُ الْمَسْجِدِ مِنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْقُوتِ وَمِنْ الْمُشْكِلِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى صِحَّةِ نَذْرِهَا إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ
( وَيَحْرُمُ ) اعْتِكَافُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ( بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ وَالتَّمَتُّعُ مُسْتَحَقٌّ لِلزَّوْجِ وَلِأَنَّ حَقَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ نَعَمْ إنْ لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِمَا مَنْفَعَةً كَأَنْ حَضَرَا الْمَسْجِدَ بِإِذْنِهِمَا فَنَوَيَا الِاعْتِكَافَ فَلَا رَيْبَ فِي جَوَازِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ فَلَهُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجَةُ وَإِذَا اعْتَكَفَا ( فَلَهُمَا ) الْأَوْلَى وَلَهُمَا ( إخْرَاجُهُمَا مِنْ التَّطَوُّعِ ) وَإِنْ اعْتَكَفَا بِإِذْنِهِمَا لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ( وَكَذَا ) لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا ( مِنْ النَّذْرِ إلَّا إنْ أَذِنَا فِيهِ وَفِي الشُّرُوعِ ) فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنًا وَلَا مُتَتَابِعًا ( أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ ) أَيْ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ ( مُعَيَّنٌ وَكَذَا ) إنْ أَذِنَا ( فِي الشُّرُوعِ ) فِيهِ ( فَقَطْ وَهُوَ مُتَتَابِعٌ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا فِي الْجَمِيعِ لِإِذْنِهِمَا فِي الشُّرُوعِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بِلَا عُذْرٍ
( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ) قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْجُلُوسُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ السَّيِّدَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْعَبْدِ مِنْ الذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي تَرَدُّدَاتِهِ وَصَحَّحَ أَنَّ لَهُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُ الْعَبْدَ عَنْ الْخِدْمَةِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنٌ إلَخْ ) لَوْ نَذَرَ عَبْدٌ اعْتِكَافًا فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ قَبْلَ مِلْكِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْخِيَارِ وَقَوْلُهُ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ اعْتَكَفَ الْمُكَاتَبُ بِلَا إذْنٍ جَازَ ) إذْ لَا حَقَّ لِسَيِّدِهِ فِي مَنْفَعَتِهِ كَالْحُرِّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ النَّصِّ قَالَ وَصَوَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِمَا لَا يُخِلُّ بِكَسْبِهِ لِقِلَّةِ زَمَنِهِ أَوْ لِإِمْكَانِ كَسْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ ( وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَالْقِنِّ إنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً ) وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ .
( فَرْعٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَصْلٌ ( مَتَى ارْتَدَّ ) الْمُعْتَكِفُ ( أَوْ سَكِرَ ) بِمُحَرَّمٍ ( بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ) زَمَنَ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ ( وَتَتَابُعُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ خُرُوجِهِ بِلَا عُذْرٍ وَهُوَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ اعْتِكَافِ الْمُرْتَدِّ فَحَمَلُوهُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَ يَبْنِي بَلْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَى هَذَا النَّصِّ
( وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ ) فِي اعْتِكَافِهِ ( وَأُخْرِجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَطَلَ تَتَابُعُهُ إنْ أَمْكَنَ حِفْظُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا مَشَقَّةٍ ) إذْ لَا عُذْرَ فِي إخْرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَوْ أُخْرِجَ وَلَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَمْكَنَ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ فَلَا يَبْطُلُ تَتَابُعُهُ لِعُذْرِهِ فِي الْأُولَى بِإِغْمَائِهِ أَوْ جُنُونِهِ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِذَلِكَ مَعَ الْعُذْرِ الْحَامِلِ عَلَى إخْرَاجِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ وَفِي أُخْرَى بَدَلُ تَتَابُعِهِ اعْتِكَافُهُ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْأَصْلِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِقَوْلِهِ ( وَيُحْسَبُ ) فِيمَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ ( زَمَنَ الْإِغْمَاءِ ) مِنْ الِاعْتِكَافِ كَالنَّوْمِ وَكَالصِّيَامِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ ( لَا ) زَمَنَ ( الْجُنُونِ ) لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ بُطْلَانِ التَّتَابُعِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ حِفْظُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ كَالتَّتِمَّةِ لَكِنَّ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ عَدَمُ الْبَطَلَانِ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوهُ بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا وَكَذَا أَطْلَقَ فِي الْمَجْمُوعِ مَعَ نَقْلِهِ كَلَامَ التَّتِمَّةِ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَالْمَجْنُونَ وَلِيَّهُ لَمْ يَبْطُلْ التَّتَابُعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِاخْتِيَارِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هُوَ كَالْمَرِيضِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ مَا أَطْلَقُوهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْخُرُوجَ مُكْرَهًا لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا لَمْ يَخْرُجْ بِاخْتِيَارِهِ
قَوْلُهُ لَا زَمَنَ جُنُونٍ إلَخْ ) إذَا حَضَرَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاطِعِ الِاعْتِكَافِ وَمُبْطِلِهِ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى عَدِّ الْجُنُونِ قَاطِعًا لِلِاعْتِكَافِ وَعَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ الْجُنُونُ مِنْ الِاعْتِكَافِ ( قَوْلُهُ لَوْ جُنَّ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ ) أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ فِيهِ أَوْ أَمْكَنَ بِمَشَقَّةٍ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِهِ حُسْبَانُهُ فِي زَمَنِ الْجُنُونِ
( وَمَنْ أَجْنَبَ بِالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ ) كَالْجِمَاعِ نَاسِيًا ( فَلَهُ الْخُرُوجُ لِلْغُسْلِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ ) لِأَنَّهُ أَصُونُ لِمُرُوءَتِهِ وَلِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ ( وَيُبَادِرُ بِهِ ) وُجُوبًا رِعَايَةً ( لِلتَّتَابُعِ ) وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ جَوَازُ الْغُسْلِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَمْكُثْ فِيهِ أَوْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْجَنَابَةِ ) مِنْ الِاعْتِكَافِ إذَا اتَّفَقَ الْمُكْثُ مَعَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ لِلضَّرُورَةِ وَمِثْلُهَا الْحَيْضُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
( قَوْلُهُ فَلَهُ الْخُرُوجُ لِلْغُسْلِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ عَدَمَ الْمَاءَ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلتَّيَمُّمِ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ تَكْرِيمًا وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ لُبْثًا مَعَهَا فِيهِ إلَى كَمَالِ التَّيَمُّمِ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يَتَيَمَّمُ مَارًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْضِعَ التَّرَدُّدِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجُنُبُ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ وَلَا تَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْغُسَالَةِ ضَرَرٌ لِلْمَسْجِدِ أَوْ الْمُصَلِّينَ
( الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُعْتَكَفُ ) فِيهِ ( فَلَا يَصِحُّ ) الِاعْتِكَافُ ( إلَّا فِي الْمَسْجِدِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } إذْ ذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ لِمَنْعِهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلِمَنْعِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْهَا فِيهَا فَتَعَيَّنَ كَوْنُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَلَا يَفْتَقِرُ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِلْمَسْجِدِ إلَّا تَحِيَّتُهُ وَالِاعْتِكَافُ وَالطَّوَافُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَلَا فِيمَا أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ نَعَمْ لَوْ بَنَى فِيهِ مَسْطَبَةً وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا فَتُتَّجَهُ الصِّحَّةُ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ مَسْطَبَةً
( قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا وَقَفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا ) كَمَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فِيهِ إذَا تَبَاعَدَ عَنْ إمَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ الْمُكْثُ فِيهِ وَإِنْ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِهِ ( قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ بَنَى فِيهِ مَسْطَبَةً ) أَيْ أَوْ نَحْوَهَا كَدِكَّةٍ بُنِيَتْ فِي أَرْضِهِ ( قَوْلُهُ فَتُتَّجَهُ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى سَطْحِهِ وَجُدْرَانِهِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ بَنَى الْعَرْصَةَ بِالْآجِرِ وَالنُّورَةِ ثُمَّ وَقَفَهَا مَسْجِدًا قَالَ شَيْخُنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ سَفِينَةً مَسْجِدًا فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَصِحَّ أَوْ فِي الْبِرِّ فَإِنْ أَثْبَتَهَا فِيهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَنْجَرُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الِانْجِرَارُ وَمِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ
( وَالْجَامِعُ أَفْضَلُ ) لِلِاعْتِكَافِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَلِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَلِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ ( وَيَجِبُ ) الْجَامِعُ لِلِاعْتِكَافِ فِيهِ ( إنْ نَذَرَ أُسْبُوعًا ) فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَفِيهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ( مُتَتَابِعًا ) وَكَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرُوجُ لَهَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) الْجَامِعُ لِمُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي تَحْرِيمِ الْمُكْثِ لِلْجُنُبِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ
( قَوْلُهُ وَالْجَامِعُ أَفْضَلُ ) يُسْتَثْنَى الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُسَافِرُ فَالْجَامِعُ وَغَيْرُهُ فِي حَقِّهِمْ سَوَاءٌ وَمَا إذَا كَانَ غَيْرَ الْجَامِعِ أَكْثَرُ جَمَاعَةً وَلَيْسَ فِي اعْتِكَافِهِ جُمُعَةٌ فَاعْتِكَافُهُ فِيمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً مِنْ جَامِعٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَمَا بَيِّنَاهُ هُنَاكَ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ قَلِيلَ الْجَمْعِ أَوْلَى عِنْدِي وَالْمَشْهُورُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجَامِعَ أَوْلَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ أَنَّ الْجَامِعَ أَكْثَرُ جَمَاعَةً وَأَنَّ إمَامَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَاعُوا خِلَافَ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى وَكَتَبَ أَيْضًا يُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ الْجَامِعِ أَفْضَلُ مَا إذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ غَيْرَ الْجَامِعِ فَالْمُعَيَّنُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ ( قَوْلُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ إلَخْ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ إمَّا أَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ثُبُوتِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْمُسَافِرَ يَعْتَكِفُونَ حَيْثُ شَاءُوا أَيْ مِنْ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ هَذَا كَلَامُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا اعْتَكَفَ دُونَ الْأُسْبُوعِ وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَوِيَ الْجَامِعُ وَغَيْرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْجَامِعَ أَوْلَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْخُرُوجُ لَهَا إلَخْ ) لَوْ اسْتَثْنَى الْخُرُوجَ لَهَا وَثَمَّ جَامِعَانِ فَمَرَّ بِأَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَعَادَتُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدَّيْنِ مَنْ اعْتَكَفَ فِيمَا ظَنَّهُ مَسْجِدًا فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا فِي الْبَاطِنِ
فَلَهُ أَجْرُ قَصْدِهِ وَاعْتِكَافِهِ وَإِلَّا فَقَصْدُهُ فَقَطْ
( وَلَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ ) اعْتِكَافُهَا ( فِي مُصَلَّى بَيْتِهَا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ فَهِيَ كَغَيْرِهَا
( وَلَا يَتَعَيَّنُ مَسْجِدٌ لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرٍ ) لَهُ ( فِيهِ ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاعْتِكَافُ فِيمَا عَيَّنَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ ( إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ) فَتَتَعَيَّنُ الثَّلَاثَةُ لِمَزِيدِ فَضْلِهَا قَالَ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ سَائِرَ مَسَاجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَأْبَاهُ وَكَذَا الْخَبَرُ السَّابِقُ .
وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِالثَّلَاثَةِ مَسْجِدَ قُبَاءَ لِخَبَرِ { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ وَفِي الْبُخَارِيِّ كَانَ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ } ( وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا ) أَيْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهِ وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ ( وَ ) يَقُومُ ( مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ ) الْمَسْجِدِ ( الْأَقْصَى ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ ( وَلَا عَكْسُ ) أَيْ لَا يَقُومُ الْأَخِيرَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّالِثُ مَقَامَ الثَّانِي وَدَلِيلُ تَفَاوُتِهَا فِي الْفَضِيلَةِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا } مَعَ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ خَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ } أَيْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ
الْخَبَرَيْنِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فَيُسْتَثْنَى الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى مِنْ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ مَعَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ هُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَمَا فِي الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا فَلَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَحَاصِلُ كَلَامِ الْعِمْرَانِيِّ تَعَيَّنَ الْبَيْتُ وَمَا أُضِيفَ مِنْهُ إلَى الْحِجْرِ وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي النَّذْرِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْكَعْبَةِ كَفِي إتْيَانُهُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ حَوْلَهَا وَقِيَاسُهُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَسْجِدِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي أَدَاءِ الْمَنْذُورِ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْهُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ آنِفًا وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيّ لَوْ خَصَّ نَذَرَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي أَلْحَقَهَا بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَالْأَوْجَهُ قِيَامُ غَيْرِهِ مِنْهَا مَقَامَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي فَضِيلَةِ نِسْبَتِهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَلَوْ شَرَعَ ) فِي اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ ( فِي مَسْجِدٍ ) لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ( تَعَيَّنَ ) وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فِي نَذْرِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ التَّتَابُعُ ( إلَّا إنْ عَدَلَ ) بَعْدَ خُرُوجِهِ ( مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ) مَسْجِدٍ ( آخَرَ بِمَسَافَتِهِ ) أَيْ بِمِثْلِ مَسَافَتِهِ فَأَقَلَّ ( جَازَ ) لِانْتِقَاءِ الْمَحْذُورِ ( وَإِنْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ ) فِي نَذْرِهِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ( تَعَيَّنَ ) وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ
وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالتَّأْخِيرِ وَيَأْثَمُ بِهِ إنْ تَعَمَّدْهُ
قَوْلُهُ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ } إلَخْ ) أَيْ لَا يُطْلَبُ شَدُّهَا فَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْوِيِّ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا { لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إلَى مَسْجِدٍ يَبْتَغِي فِيهِ الصَّلَاةَ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا } ( قَوْلُهُ وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ إلَخْ ) هَلْ تَخْتَصُّ الْفَضِيلَةُ وَالتَّضْعِيفُ بِالْقَدْرِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي تَنْزِلُ السَّكِينَةُ عَلَى قَنَادِيلِ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ رَأْي الِاخْتِصَاصَ النَّوَوِيُّ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِي هَذَا وَرَأَى جَمَاعَةٌ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ وَأَنَّهُ لَوْ وُسِّعَ مَهْمَا وُسِّعَ فَهُوَ مَسْجِدُهُ كَمَا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ إذَا وُسِّعَ فَتِلْكَ الْفَضِيلَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ تَفْضِيلَ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْأَمْكِنَةَ تَشْرُفُ بِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا تَكُونُ الْعِبَادَةُ مَرْجُوحَةً فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْبُقْعَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ بَلْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعَرْشِ ( قَوْلُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ) أَيْ وَأَحْمَدُ وَابْنِ مَاجَهْ ( قَوْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ إلَخْ ) هَذَا التَّضْعِيفُ يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْإِجْزَاءِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ فِي تَفْسِيرِهِ حَسَبْت الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَلَغَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عُمْرَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَهَذَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّضْعِيفِ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا تَزِيدُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً قَالَ الْبَدْرُ بْنُ الصَّاحِبِ الْأَثَارِي إنَّ كُلَّ صَلَاةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فُرَادَى
بِمِائَةِ أَلْفٍ وَكُلَّ صَلَاةٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ بِأَلْفَيْ أَلْفِ صَلَاةٍ وَسَبْعِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِيهِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفِ وَخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ ( قَوْلُهُ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ إلَخْ ) هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ تَعَيَّنَ إلَخْ ) مِثْلُ الِاعْتِكَافِ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانٌ لِلصَّوْمِ وَلَوْ مَكَّةَ وَلَا زَمَانٌ لِلصَّدَقَةِ
( فَصْلٌ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ ) مَثَلًا ( يَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ ) مِنْهُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ ( لَا التَّتَابُعِ ) لَهُ ( لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْهُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ الْهَجْرُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ تَتَابُعٍ ( لَكِنْ يُسَنُّ ) أَيْ التَّتَابُعُ رِعَايَةً لَهُ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِنِيَّتِهِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مُقَابِلَهُ لِيُوَافِقَ مَا سَيَأْتِي مِنْ تَنَاوُلِ الْأَيَّامِ اللَّيَالِي بِنِيَّتِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنًى أَمَّا نَقْلًا فَقَالَ الْإِمَامُ لَوْ نَوَى التَّتَابُعَ فَمَضْمُونُ الطُّرُقِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ بَلْ النِّيَّةُ مَعَ الْكِنَايَةِ كَالتَّصْرِيحِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَأَمَّا مَعْنًى فَلِمَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّاجِحُ إيجَابَ اللَّيَالِي بِالنِّيَّةِ مَعَ أَنَّ فِيهِ وَقْتًا زَائِدًا فَوُجُوبُ التَّتَابُعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَصْفٍ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا سَيَأْتِي أَنْ يَنْذُرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً فَتَجِبُ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةُ لِأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا وَاجِبَانِ كَمَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّتَابُعَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الزَّمَنِ الْمَنْذُورِ وَبِخِلَافِ اللَّيَالِي بِالنِّسْبَةِ لِلْأَيَّامِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْجِنْسِ بِنِيَّةِ التَّتَابُعِ إيجَابُ غَيْرِهِ بِهَا
( قَوْلُهُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَصْلَ الِاعْتِكَافِ بِقَلْبِهِ ( قَوْلُهُ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مُقَابِلَهُ إلَخْ ) وَعَلَى هَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَنَوَى بِقَلْبِهِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَهَلْ يَكْفِيه مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَمْ يَلْزَمُهُ مَا نَوَى فِيهِ الْخِلَافَ قَوْلُهُ وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ غَيْرُهُ
( وَلَوْ اسْتَثْنَى ) مِنْ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ ( اللَّيَالِيَ ) أَوْ الْأَيَّامَ ( بِقَلْبِهِ لَا لِسَانِهِ ) بِأَنْ نَوَاهُ ( لَمْ يُؤَثِّرْ ) كَمَا لَا يَلْزَمُ الِاعْتِكَافُ بِنِيَّتِهِ وَقَوْلُهُ لَا لِسَانِهِ إيضَاحٌ ( وَيَكْفِيهِ ) فِيمَا لَوْ نَذَرَ شَهْرًا أَوْ دَخَلَ قُبَيْلَ الِاسْتِهْلَالِ شَهْرٌ ( هِلَالِيٌّ ) تَمَّ أَوْ نَقَصَ لِصِدْقِ الشَّهْرِ بِهِ ( فَإِنْ كَسَرَ ) الشَّهْرَ بِأَنْ دَخَلَ فِي أَثْنَائِهِ ( فَثَلَاثُونَ يَوْمًا ) يَعْتَكِفُهَا أَخْذًا بِالْعَدَدِ ( وَلَوْ شَرَطَ التَّفْرِيقَ أَجْزَأَهُ التَّتَابُعُ ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ كَمَا يَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ وَالْإِفْرَادُ مَقَامُ الْقِرَانِ إذَا نَذَرَهُ نَعَمْ إنْ نَوَى أَيَّامًا مُعَيَّنَةً كَسَبْعَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوَّلُهَا غَدًا تَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِتَعَيُّنِ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ بِالتَّعْيِينِ وَمَا قَالَاهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَتِهِمَا مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ كَاللَّفْظِ وَقَدْ عُرِفَ مَا فِيهِ
( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ ) فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوَّلُهَا الْغَدُ تَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُنْذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَهَا صَائِمًا لَزِمَهُ التَّفْرِيقُ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُتَفَرِّقِ كَمَا أَنَّ التَّفَرُّقَ لَا يَقُومُ مَقَامَ التَّتَابُعِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ إلَخْ ) سَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ
( وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ تَلْفِيقُهُ مِنْ أَيَّامٍ ) بِخِلَافِ أَيَّامِ الشَّهْرِ إذْ الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الْيَوْمِ الِاتِّصَالُ ( فَلَوْ اعْتَكَفَ ظُهْرًا ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ ( وَوَقَفَ ) أَيْ مَكَثَ ( إلَى ) وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ ثَانِيهِ ( أَجْزَأَهُ ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِحُصُولِ التَّتَابُعِ بِالْبَيْتُوتَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَا يُجْزِئُهُ لِتَفْرِيقِ سَاعَاتِهِ بِتَخَلُّلِ مَا لَيْسَ مِنْهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَجْهُ ( لَا إنْ خَرَجَ لَيْلًا ) فَلَا يُجْزِئُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ لَفْظِ الْيَوْمِ الِاتِّصَالُ ( وَيَجِبُ ذَلِكَ ) أَيْ مُكْثُ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ ( إنْ نَذَرَ يَوْمًا أَوَّلَهُ الظُّهْرُ ) فَيَمْتَنِعُ الْخُرُوجُ لَيْلًا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ يَوْمُ السَّبْتِ اللَّيْلَةَ مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُ التَّتَابُعُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجْعَلَ فَائِدَةَ تَقْيِيدِهِ فِي هَذِهِ الْقَطْعُ بِجِوَارِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ
( قَوْلُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَجْهُ ) قَالَ فِي الْمَيْدَانِ لِلْأَكْثَرِينَ أَنْ يَقُولُوا الْمَحْذُورُ التَّفْرِيقُ وَلَا تَفَرُّقَ هَاهُنَا وَأَنْ يَمْنَعُوا عَدَمَ صِدْقِ الْيَوْمِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ إذَا مَضَى يَوْمٌ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ إذَا جَاءَ مِثْلُ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَالُوا إذَا قَالَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أَجَّرْتُك هَذَا يَوْمًا صَحَّ وَكَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِجَارَةِ إلَى مِثْلِهِ وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَجَاءَ مِثْلُ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَقَوْلُ الْخَلِيلِ أَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ بَيَانٌ لِلْمِقْدَارِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ
( وَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَلَوْ ( نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ ) لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَقْصُودٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْبَاقِي عَقِبَ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِهِ وَالتَّتَابُعُ فِيهِ وَاقِعٌ ضَرُورَةً لَا قَصْدًا ( فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْضَهُ لَمْ يَسْتَأْنِفْ ) بَلْ يَجِبُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ فَقَطْ ( وَلَمْ يَجِبْ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ ) لِأَنَّ التَّتَابُعَ فِيهِ لَمْ يَقَعْ مَقْصُودًا بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ ( إلَّا أَنَّ شَرْطَهُ فِي أَدَائِهِ ) فَيَجِبُ حِينَئِذٍ لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ ( وَإِنْ قَالَ ) لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ( أَيَّامَ الشَّهْرِ أَوْ شَهْرًا نَهَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ اللَّيَالِي ) لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْأَيَّامِ وَالشَّهْرِ ( حَتَّى يَنْوِيَهَا ) وَلَوْ بِدُونِ لَفْظٍ فَتَلْزَمُهُ ( كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ ) لَا يَلْزَمُهُ ضَمُّ اللَّيْلَةِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَتَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْيَوْمَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ وَفَارَقَ تَأْثِيرَ النِّيَّةِ هُنَا عَدَمُ تَأْثِيرِهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَبِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ النِّيَّةِ هُنَا إدْخَالُ مَا قَدْ يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ وَهُنَاكَ إخْرَاجُ مَا شَمِلَهُ اللَّفْظُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَنْوِيَهَا أَخْذًا مِمَّا نُظِرَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ أَوْ عَشَرَةً أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا ) أَوْ نَحْوَهَا ( لَمْ تَجِبْ اللَّيَالِي الْمُتَخَلَّلَةِ ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مُسَمَّاهَا بِخِلَافِ الشَّهْرِ ( إلَّا إنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ أَوْ نَوَاهُ ) فَتَجِبُ اللَّيَالِي عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَآخَرِينَ لَا تَجِبُ إلَّا إنْ شَرَطَهَا أَوْ نَوَاهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ التَّوَسُّطُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّتَابُعِ تَوَالِي الْأَيَّامِ فَالْحَقُّ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ أَوْ تَوَاصَلَ الِاعْتِكَافُ فَالْحَقُّ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَنُقِلَ فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ التَّصْرِيحُ بِهَذَا وَحَاصِلُهُ حَمْلُ الْكَلَامَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ وَذَكَرَ فِيهَا الدَّارِمِيُّ وَجْهَيْنِ أَوْجُهُهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ ( كَعَكْسِهِ ) بِأَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ نَحْوَهَا فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْأَيَّامُ الْمُتَخَلِّلَةُ إلَّا إنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ أَوْ نَوَاهُ عَلَى مَا مَرَّ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ وُجُوبِ اللَّيَالِي أَوْ الْأَيَّامِ الْمُتَخَلِّلَةِ بِنِيَّةِ التَّتَابُعِ وُجُوبُ التَّتَابُعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِشَرْطِهِ كَمَا مَرَّ
( قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ التَّصْرِيحُ بِهَذَا ) قَالَ إذَا نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعًا لَزِمَهُ اللَّيْلَةُ مَعَهُمَا وَإِنْ نَوَى الْمُتَابَعَةَ فِي النَّهَارِ كَالصَّوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ اللَّيْلُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَتَابُعًا فَوَجْهَانِ وَإِنْ نَذَرَ لَيَالِيَ فَإِنْ نَوَى مُتَتَابِعًا لَزِمَتْهُ الْأَيَّامُ وَإِنْ نَوَى تَتَابُعَ اللَّيَالِي لَمْ تَلْزَمْهُ الْأَيَّامُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِي التَّتَابُعَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يَلْزَمُهُ ( قَوْلُهُ أَوْجَهُهَا عَدَمُ الْوُجُوبِ ) وَيُوَافِقُ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مَا صَحَّحَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَزِمَهُ ضَمُّ اللَّيْلَةِ إلَيْهِ إنْ نَوَاهَا س
( وَإِنْ قَالَ ) لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ( الْعَشْرَ الْأَخِيرَ دَخَلَتْ اللَّيَالِي فِيهَا ) حَتَّى اللَّيْلَةَ الْأُولَى ( وَيُجْزِئُ ) اعْتِكَافُهَا ( وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ ) لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَقَعُ عَلَى مَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ( بِخِلَافِ قَوْلِهِ ) لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ( عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِهِ ) وَكَانَ نَاقِصًا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ جَرَّدَ الْقَصْدَ إلَيْهَا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ بَعْدَهُ يَوْمًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسَنُّ فِي هَذِهِ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا قَبْلَ الْعَشْرِ لِاحْتِمَالِ نَقْصِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ دَاخِلًا فِي نَذْرِهِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ الْعَشَرَةِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَلَوْ فَعَلَ هَذَا ثُمَّ بَانَ النَّقْصُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِإِجْزَائِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ فَتَوَضَّأَ مُحْتَاطًا فَبَانَ مُحْدِثًا ( وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَا مُطْلَقٍ فَقَضَاهُ لَيْلًا أَجْزَأَهُ ) وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِئُهُ فِي الْمُطْلَقِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ بِصِفَتِهِ الْمُلْتَزَمَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعَيَّنِ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَلَا شَيْءَ ) عَلَيْهِ ( إنْ قَدِمَ لَيْلًا ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ نَدْبُ اعْتِكَافِ يَوْمٍ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى ( وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا أَجْزَأَهُ الْبَقِيَّةُ ) مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ حِينِ الْقُدُومِ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا كَامِلًا لِيَكُونَ اعْتِكَافُهُ مُتَّصِلًا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُزَنِيّ وَكَلَامُ الْأَصْلِ فِي النَّذْرِ يَقْتَضِي لُزُومَ قَضَائِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ فِي مَوْضِعٍ ( وَإِنْ فَاتَتْ ) أَيْ الْبَقِيَّةُ فِيمَا لَوْ قَدِمَ نَهَارًا ( وَلَوْ بِمَرَضٍ ) وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِكَافِ ( قَضَاهَا ) وُجُوبًا تَدَارُكًا لِمَا فَاتَ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا قَدِمَ حَيًّا مُخْتَارًا فَلَوْ قَدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ قَدِمَ مُكْرَهًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَدِمَ لَيْلًا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَتَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاذِرَ جَعَلَ اعْتِكَافَهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى حُضُورِ غَائِبِهِ عِنْدَهُ وَاجْتِمَاعِ شَمْلِهِ بِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِحُضُورِهِ مُكْرَهًا قُلْت لَكِنْ يَفُوتُهُ تَعْلِيقُهُ الْحُكْمَ بِالْقُدُومِ وَقُدُومُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا .
قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ إلَخْ ) هَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَالْمَجْمُوعُ هُنَا وَقَالَ فِيهِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُزَنِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ يَقْتَضِي لُزُومَ قَضَائِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ قَضَاءِ تَتِمَّةِ الْيَوْمِ وَمَعْلُومٌ دُخُولُ اللَّيْلَةِ حِينَئِذٍ لِلضَّرُورَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ اللُّزُومِ
( فَصْلٌ مَتَى نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ ) لِغَرَضٍ صَحَّ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالِالْتِزَامِ فَيَلْزَمُهُ بِحَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ ثُمَّ إنْ شَرَطَهُ ( لِخَاصٍّ ) مِنْ الْأَغْرَاضِ ( كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى ) وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ ( خَرَجَ لَهُ ) دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَهَمَّ مِنْهُ ( أَوْ عَامٍّ كَشُغْلٍ يَعْرِضُ لَهُ خَرَجَ لِكُلِّ شُغْلٍ ) دِينِيٍّ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيَادَةِ أَوْ دُنْيَوِيٍّ ( مُبَاحٍ ) كَلِفَاءِ السُّلْطَانِ وَاقْتِضَاءِ الْغَرِيمِ ( إلَّا الْجِمَاعُ ) فَلَا يُخْرِجُ لَهُ ( وَإِنْ عَيَّنَهُ ) بَلْ يَبْطُلُ بِهِ النَّذْرُ فِيمَا إذَا عَيَّنَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الِاعْتِكَافِ .
( وَلَيْسَ التَّنَزُّهُ شُغْلًا ) عَادَةً فَالْخُرُوجُ لَهُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَخُرُوجِهِ لِشَغْلٍ مُحَرَّمٍ وَالتَّنَزُّهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَوْضِعِ نُزْهَةٍ يُقَالُ خَرَجْنَا نَتَنَزَّهُ فِي الرِّيَاضِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْبُعْدِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَمِمَّا يَضَعُهُ النَّاسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَوْلُهُمْ خَرَجْنَا نَتَنَزَّهُ إذَا خَرَجُوا إلَى الْبَسَاتِينِ قَالَ وَإِنَّمَا التَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ عَنْ الْمِيَاهِ وَالْأَرْيَافِ وَمِنْهُ قِيلَ فُلَانُ يَتَنَزَّهُ عَنْ الْأَقْذَارِ وَيُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَنْهَا أَيْ يُبَاعِدُهَا عَنْهَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْجَوْهَرِيُّ وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى لَفْظَةِ التَّنَزُّهِ أَوْلَى مِنْ جَمْعِ الْأَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّظَّارَةِ لِأَنَّهَا مُغْنِيَةٌ عَنْهَا وَأَوْضَحُ مِنْهَا فِي الْمَعْنَى ( وَزَمَنُ الْخُرُوجِ ) لَمَّا شَرَطَهُ ( إنْ كَانَ فِي نَذْرٍ مُطْلَقٍ كَشَهْرٍ قَضَاهُ ) وُجُوبًا بِالتَّيَمُّمِ الْمَنْذُورِ ، فَائِدَةُ الشَّرْطِ تَنْزِيلُ ذَلِكَ الْغَرَضِ مَنْزِلَةَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ ( أَوْ ) فِي نَذْرٍ ( مُعَيَّنٍ كَهَذَا الشَّهْرِ فَلَا ) يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْذُرْهُ وَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ التَّتَابُعَ لَمَّا كَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ التَّعْيِينِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ الشَّرْطِ
إلَى إفَادَةِ نَفْيِ قَطْعِهِ فَانْصَرَفَ إلَى إخْرَاجِ زَمَنِ مَا شَرَطَهُ مِنْ الْمُلْتَزَمِ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الزَّمَنَ لَمْ يَكُنْ التَّتَابُعُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَيُحْمَلُ الشَّرْطُ عَلَى إفَادَةِ نَفْيِ قَطْعِ التَّتَابُعِ دُونَ نُقْصَانِ الزَّمَنِ ( وَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَوْ ( شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلشُّغْلِ وَنَحْوِهِ ) كَجُوعٍ وَتَضَيُّفٍ ( فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ نَذَرَهُمَا أَوْ قَالَ فِي نَذْرِ الصَّدَقَةِ ) بِشَيْءٍ ( إلَّا إنْ احْتَاجَهُ صَحَّ النَّذْرُ وَالشَّرْطُ ) كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِي إلَّا أَنْ أَحْتَاجَهُ فِي مُدَّةِ الْعُمْرِ صَحَّ وَإِذَا مَاتَ فِي هَذِهِ لَزِمَ إخْرَاجُ كُلِّ التَّرِكَةِ وَتَحْرِيمُ الْوَرَثَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( أَوْ ) شَرَطَ الْخُرُوجَ لِمَا ذُكِرَ ( فِي ) نَذْرِ ( الْحَجِّ صَحَّ ) ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمَشْرُوطِ ( وَجَازَ الْخُرُوجُ ) لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَالِاعْتِكَافِ وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ الْحَجَّ أَقْوَى مِنْ الِاعْتِكَافِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِذِكْرِ الْخِلَافِ .
( قَوْلُهُ خَرَجَ لِكُلِّ شَغْلٍ إلَخْ ) يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ شَرْطَ الشَّغْلِ كَوْنُهُ مُبَاحًا مَقْصُودًا غَيْرَ مُنَافٍ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ إلَخْ ) لِأَنَّ الْجِمَاعَ بِوَضْعِهِ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ مُنَافِيه كَنِيَّةِ الْعِبَادَةِ مَعَ قِيَامِ مَا يُنَافِيهَا وَلَا يُقَاسُ هَذَا عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُجَامِعَ بِقَصْدِ التَّرَخُّصِ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرُهُ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ نَهَارًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ
( وَإِنْ شَرَطَ قَطْعَ الِاعْتِكَافِ لِشُغْلٍ أَوْ قَالَ ) عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ رَمَضَانَ مَثَلًا ( إلَّا أَنْ أَمْرَضَ ) أَوْ أُسَافِرَ ( فَخَرَجَ لَهُ ) أَيْ لِلشُّغْلِ ( أَوْ مَرِضَ ) أَوْ سَافَرَ ( لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ ) لِانْقِطَاعِ اعْتِكَافِهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِذَلِكَ ( وَلَوْ قَالَ فِي الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ ( إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ مَهْمَا ) أَوْ نَحْوَهَا كَإِنْ أَوْ مَتَى ( أَرَدْت جَامَعْت لَمْ يَنْعَقِدْ النَّذْرُ ) لِمُنَافَاتِهِ لَهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِمُحَرَّمٍ كَقَتْلٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَسَرِقَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( أَوْ ) قَالَ ( مَهْمَا أَرَدْت خَرَجْت انْعَقَدَ ) النَّذْرُ كَشَرْطِهِ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَفِي سُقُوطِ التَّتَابُعِ وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ عَمَلًا بِالشَّرْطِ كَشَرْطِهِ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَوْجَهُ لَا إلْغَاءً لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِ وَذَلِكَ يُنَافِي الِالْتِزَامَ .
قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا نَعَمْ عَمَلًا بِالشَّرْطِ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ
( فَرْعٌ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِمَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ ) كَالْجِمَاعِ وَالْإِنْزَالِ بِشَرْطِهِمَا ( غَيْرِ الِاحْتِلَامِ وَالْحَيْضِ ) وَالنِّفَاسِ وَالْجُنُونِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهَا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الْحَيْضِ لِعُرُوضِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ ( فَإِنْ خَرَجَ بِكُلِّ الْبَدَنِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ بِمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجْلَيْنِ ) أَوْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرَّأْسِ قَائِمًا أَوْ مُنْحَنِيًا ( أَوْ ) مِنْ ( الْعَجْزِ ) قَاعِدًا أَوْ مِنْ الْجَنْبِ مُضْطَجِعًا ( بِلَا عُذْرٍ ) مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ ( بَطَلَ ) التَّتَابُعُ الْأَنْسَبُ بِكَلَامِهِ انْقَطَعَ وَقَوْلُهُ أَوْ الْعَجْزُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) أَخْرَجَ ( بَعْضًا غَيْرَ ذَلِكَ ) كَأَنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ أَوْ إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا دُونَ اعْتِمَادٍ ( أَوْ صَعِدَ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ ( مَنَارَةَ الْمَسْجِدِ وَبَابُهَا فِيهِ لَمْ يَضُرَّ ) فِي التَّتَابُعِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خَارِجًا سَوَاءٌ أَصَعَدَ الْمَنَارَةَ لِلْأَذَانِ أَمْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ أَمْ الرَّحْبَةِ أَمْ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْبِنَاءِ وَتَرْبِيعِهِ أَيْ وَتَكُونُ حِينَئِذٍ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ كَمَنَارَةٍ مَبْنِيَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ مَالَتْ إلَى الشَّارِعِ فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اُتُّخِذَ لِلْمَسْجِدِ جُنَاحٌ إلَى شَارِعٍ فَاعْتَكَفَ فِيهِ صَحَّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمَسْجِدِ وَلَيْسَ لَنَا اعْتِكَافٌ يَصِحُّ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ مَسْجِدٍ إلَّا فِي هَذِهِ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَاحِ وَالْمَنَارَةِ لَائِحٌ ( وَكَذَا لَوْ كَانَ ) بَابُهَا ( خَارِجَهُ ) وَخَارِجَ رَحْبَتِهِ وَالْمَنَارَةُ قَرِيبَةٌ مِنْهُمَا ( وَهُوَ ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ ( مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ خَرَجَ لَهُ ) أَيْ لِلْأَذَانِ عَلَيْهَا لَا يَضُرُّ لِإِلْفِهِ صُعُودَهَا لِلْأَذَانِ وَإِلْفِ النَّاسِ صَوْتَهُ بِخِلَافِ خُرُوجِ غَيْرِ الرَّاتِبِ لِلْأَذَانِ وَخُرُوجِ الرَّاتِبِ لِغَيْرِ
الْأَذَانِ أَوْ لِلْأَذَانِ لَكِنْ بِمَنَارَةٍ لَيْسَتْ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لَهُ لَكِنْ بَعِيدَةٌ عَنْهُ وَعَنْ رَحْبَتِهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ رَحْبَتِهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ .
( قَوْلُهُ كَالْجِمَاعِ إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلِاعْتِكَافِ ) عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ زَمَنِ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ كِلْتَيْهِمَا دُونَ اعْتِمَادٍ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ لِمَنَارَةٍ لَيْسَتْ لِلْمَسْجِدِ ) يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا إذَا بُنِيَتْ لِمَسْجِدٍ مُتَّصِلٍ بِمَسْجِدٍ الِاعْتِكَافِ فَيَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ
( تَنْبِيهَانِ ) أَحَدُهُمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَوْ أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَفِيهِ نَظَرٌ قُلْت وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَضُرُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ فِيمَا وَقَفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا .
ثَانِيهِمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَقْرَبُ امْتِنَاعُ الْخُرُوجِ لِلْمَنَارَةِ فِيمَا إذَا حَصَلَ الشِّعَارُ بِالْأَذَانِ بِظَهْرِ السَّطْحِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَلَا يَبْطُلُ ) الْأَنْسَبُ وَلَا يَنْقَطِعُ أَيْ التَّتَابُعُ ( بِالْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ) إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ ( وَلَوْ كَثُرَ ) خُرُوجُهُ لِقَضَائِهَا لِعَارِضٍ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ وَلِكَثْرَةِ اتِّفَاقِهِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ) أَيْ فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ لِقَضَائِهَا ( الضَّرُورَةُ وَلَا ) يَبْطُلُ التَّتَابُعُ بِخُرُوجِهِ ( لِأَكْلٍ ) وَإِنْ أَمْكَنَ فِيهِ فَقَدْ يَسْتَحْيِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الشُّرْبِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَا يَسْتَحْيِ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْجِدٍ مَطْرُوقٍ بِخِلَافِ الْمُخْتَصِّ وَالْمَهْجُورِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ
( قَوْلُهُ قُلْت وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَضُرُّ ) الْأَقْرَبُ خِلَافُهُ لِعَدَمِ صِدْقِ اسْمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْبَسِيطِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) لَا بِخُرُوجِهِ لِأَجَلٍ ( غُسْلِ الِاحْتِلَامِ ) وَنَحْوِهِ كَإِنْزَالٍ بِفِكْرٍ وَوَطْءٍ غَيْرِ مُفْسِدٍ وَوِلَادَةٍ وَتَنَجُّسِ بَدَنٍ لِوُجُوبِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِهِ لِلْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ ( وَلَا يُكَلَّفُ ) فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمَا بَعْدَهُ ( غَيْرَ دَارِهِ ) كَسِقَايَةِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ صَدِيقٍ لَهُ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَخَرْمِ الْمُرُوءَةِ وَتَزِيدُ دَارُ الصَّدِيقِ بِالْمِنَّةِ بِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ لَا يَحْتَشِمُ مِنْ السِّقَايَةِ يُكَلَّفُهَا ( فَلَوْ تَفَاحَشَ بُعْدُهَا ) أَيْ دَارِهِ ( وَثَمَّ لَائِقٌ ) بِهِ ( أَوْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ مِنْ دَارٍ بِهِ ) وَذَهَبَ إلَى أَبْعَدِهِمَا ( لَمْ يَجُزْ ) خُرُوجُهُ إلَيْهَا فَإِنْ خَالَفَ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ إذْ قَالَ يَأْخُذُهُ الْبَوْلُ فِي عَوْدَةٍ فِي الْأُولَى فَيُبْقِي نَهَارَهُ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَلِاغْتِنَائِهِ بِالْأَقْرَبِ عَنْ الْأَبْعَدِ فِي الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ لَائِقًا بِهِ فَيَجُوزُ خُرُوجُهُ
( قَوْلُهُ وَغُسْلِ الِاحْتِلَامِ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَيَغْتَسِلُ سَرِيعًا لَا فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْخُرُوجُ لِلِاغْتِسَالِ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لِلْغُسْلِ بَلْ لَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ خِلَافًا بَلْ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَدْعَى الْغُسْلُ مُكْثًا فَإِنَّ الْمُكْثَ وَلَوْ لِلْغُسْلِ حَرَامٌ اتِّفَاقًا وَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَدْعِ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَرِيقِهِ نَهْرٌ أَوْ بَحْرٌ فَانْغَمَسَ فِيهِ بِسُرْعَةٍ ( بَسْطٌ ) قَالَ الْقُوتُ فَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فَهَلْ يَجِبُ الْخُرُوجُ لِلتَّيَمُّمِ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ تُرَابِهِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُنَا قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ الْخُرُوجُ حَيْثُ كَانَ لَا يَتَيَمَّمُ فِيهِ إلَّا بِمُكْثٍ كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ لَا يَحْتَشِمُ مِنْ السِّقَايَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ السِّقَايَةِ بِمَا سَبَقَ أَنَّ مَنْ لَا يَحْتَشِمُ مِنْ دُخُولِهَا لَا بِعُذْرٍ بِمُجَاوَزَتِهَا إلَى مَنْزِلَةٍ وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي السِّقَايَةِ الْمُسْبَلَةِ مَحَلُّهُ فِي الْمُبْتَذَلَةِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مَصُونَةً لَا يَدْخُلُهَا إلَّا أَهْلُ الْمَكَانِ كَبَعْضِ الْخَوَانِقِ وَالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ فَإِذَا اعْتَكَفَ أَحَدُهُمْ فِي مَسْجِدِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْمُضِيُّ إلَى مَنْزِلِهِ قَطْعًا ( قَوْلُهُ فَلَوْ تَفَاحَشَ بَعْدَهَا ) ضَابِطُ الْفُحْشِ أَنْ يَذْهَبَ أَكْثَرُ الْوَقْتِ فِي التَّرَدُّدِ إلَيْهَا
( فَرْعٌ لَوْ عَادَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ فِي بَيْتِ دَارٍ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مَرِيضًا وَلَمْ يَطُلْ ) مُكْثُهُ ( أَوْ صَلَّى ) فِي ذَلِكَ ( عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يَنْتَظِرْهَا جَازَ ) لِقِصَرِ الزَّمَنِ فِيهِمَا وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ مَا لَوْ عَادَ مَرِيضًا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ غَيْرِ الدَّارِ الَّتِي قَضَى فِيهَا حَاجَتَهُ أَوْ انْتَظَرَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ صَرَّحَ بِبَعْضِ ذَلِكَ بَعْدُ وَيَرْجِعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِلْعُرْفِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَجَعَلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَدْرَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَدًّا لِلْقِلَّةِ وَاحْتَمَلَاهُ لِجَمِيعِ الْأَعْرَاضِ ( وَلَوْ عَدَلَ ) عَنْ طَرِيقِهِ ( إلَيْهِمَا ) أَيْ إلَى الْعِيَادَةِ فِي غَيْرِ الْبَيْتِ الَّذِي قَالَهُ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَوْ ( قَلِيلًا أَوْ جَامَعَ سَائِرًا ) كَأَنْ كَانَ فِي هَوْدَجٍ ( أَوْ تَأَنَّى فِي مَشْيِهِ غَيْرَ الْعَادَةِ بَطَلَ ) التَّتَابُعُ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى بِإِنْشَائِهِ سَيْرًا لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْجِمَاعِ إذْ هُوَ أَشَدُّ إعْرَاضًا عَنْ الْعِبَادَةِ مِمَّنْ أَطَالَ الْوُقُوفَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَفِي الثَّالِثَةِ بِتَأَنِّيهِ عَنْ الْعَادَةِ وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى عَادَتِهِ وَلَا يُكَلَّفَ الْإِسْرَاعَ فَوْقَهَا وَبِهِ صَرَّحَ أَصْلُهُ
قَوْلُهُ وَلَوْ عَدَلَ إلَيْهِمَا إلَخْ ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً وَلَا يَمَسُّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرُهَا وَلَا يَخْرُجُ إلَّا لِمَا لَا بُدٌّ مِنْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْخَادِمِ أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا لِلْمَرِيضِ أَوْ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ فَيَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ لِذَلِكَ وَإِذَا عَادَ بَنَى وَقِيلَ يَسْتَأْنِفُ .
( وَلَهُ الْوُضُوءُ ) الْوَاجِبُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ( تَبَعًا لِلِاسْتِنْجَاءِ ) وَإِنْ خَرَجَ لَهُ دُونَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيمَا يَظْهَرُ فَشُمُولُ كَلَامِهِ لِلْخُرُوجِ لَهُ فَقَطْ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَا يَبْطُلُ ) التَّتَابُعُ ( بِالْخُرُوجِ لِلْعَطَشِ وَالْوُضُوءِ ) الْمَذْكُورِ ( إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَهُ وَبِخِلَافِ الْوُضُوءِ الْمَنْدُوبِ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَنْدُوبَ لِغُسْلِ الِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ مُغْتَفَرٌ كَالتَّثْلِيثِ فِي الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ .
( فَرْعٌ ) ( الِاعْتِكَافُ إنْ لَمْ يَسَعْهُ الطُّهْرُ ) مِنْ الْحَيْضِ بِأَنْ طَالَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ بِحَيْثُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْحَيْضِ غَالِبًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالنَّوَوِيُّ كَأَنْ زَادَتْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ( لَمْ يَقْطَعْ الْحَيْضُ تَتَابُعَهُ ) كَصَوْمِ شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ لِعُرُوضِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ وَسِعَهُ الطُّهْرُ ( قَطَعَهُ ) لِأَنَّهَا بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ تُشْرَعَ كَمَا طَهُرَتْ وَكَالْحَيْضِ النِّفَاسُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
( فَرْعٌ ) لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ التَّطَوُّعِ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَوْ تَرْكُهُ أَوْ هُمَا سَوَاءٌ وُجُوهٌ أَرْجَحُهَا أَوَّلُهَا ( قَوْلُهُ كَأَنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ) لَا شَكَّ أَنَّ الْعِشْرِينَ تَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا ع
( وَمَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ مُحْوِجٍ ) إلَى الْخُرُوجِ بِأَنْ شَقَّ مَعَهُ الْمُقَامُ لِحَاجَتِهِ إلَى فِرَاشٍ وَخَادِمٍ وَتَرَدُّدِ طَبِيبٍ أَوْ خَافَ مِنْهُ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ كَمَا سَيَأْتِي لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ الْحُمَّى الْخَفِيفَةِ وَالصُّدَاعِ وَنَحْوِهِمَا وَكَالْمَرَضِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ كَمَا مَرَّ وَيُفَارِقُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَرِيضِ إفْطَارُهُ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ يُقْطَعُ تَتَابُعُهُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَفِطْرَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ( أَوْ ) خَرَجَ ( لِنِسْيَانٍ ) لِلِاعْتِكَافِ ( أَوْ إكْرَاهٍ ) بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ كَمَا فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا وَلِخَبَرِ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَفِي مَعْنَى الْإِكْرَاءِ خَوْفُهُ مِنْ ظَالِمٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( أَوْ خَوْفِ غَرِيمٍ ) لَهُ ( وَهُوَ مُعْسِرٌ ) وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ لِعُذْرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا ) إنْ خَرَجَ ( وَهُوَ غَنِيٌّ مُمَاطِلٌ ) أَوْ مُعْسِرٌ وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَيَنْقَطِعُ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْوَفَاءِ وَإِثْبَاتِ إعْسَارِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَرَجَ مُكْرَهًا بِحَقٍّ كَالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ يَعْتَكِفَانِ بِلَا إذْنٍ يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْوَجْهُ ( أَوْ حُمِلَ وَأُخْرِجَ ) لَمْ يَنْقَطِعْ كَمَا لَوْ أُوجِرَ الصَّائِمُ الطَّعَامَ
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْوَجْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( أَوْ خَرَجَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَمْلُهَا وَأَدَاؤُهَا ) لَمْ يَنْقَطِعْ لِاضْطِرَارِهِ إلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْخُرُوجِ وَإِلَّا فَتَحَمُّلُهُ لَهَا إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَدَاءِ فَهُوَ بِاخْتِيَارِهِ وَظَاهِرًا أَنَّ مَحَلَّ هَذِهِ إذَا تَحَمَّلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِلَّا فَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ فَفَوَّتَهُ لِصَوْمِ كَفَّارَتِهِ لَزِمَتْهُ قَبْلَ النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ
( أَوْ ) خَرَجَتْ الْمُعْتَكِفَةُ لِأَجَلٍ ( قَضَاءِ عِدَّةٍ لَا بِسَبَبِهَا وَلَا فِي مُدَّةِ إذْنِهِ ) أَيْ زَوْجِهَا ( لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ ) لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَارَةً لِلنِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُبَاشِرُ لِلْعِدَّةِ بِخِلَافِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بِسَبَبِهَا كَأَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَشِيئَتِهَا فَقَالَتْ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ شِئْت أَوْ قَدَّرَ زَوْجُهَا مُدَّةً لِاعْتِكَافِهَا فَخَرَجَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ لَا بِسَبَبِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
( قَوْلُهُ أَوْ قَضَاءِ عِدَّةٍ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ لَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ تَجِبَ الْعِدَّةُ بِاخْتِيَارِهَا كَفِعْلِهَا مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ ا هـ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مِنْهُ لِأَنَّهَا وَإِنْ فَعَلَتْ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ فَالْمُوجِبُ لِلْعِدَّةِ هُوَ طَلَاقُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى طَلَاقِهِ ثُمَّ عَلَّقَ عَلَى صِفَةٍ فَفَعَلْت الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ التَّعْلِيقُ مَعَ الصِّفَةِ طَلَاقٌ وَإِيقَاعٌ ( قَوْلُهُ لَا بِسَبَبِهَا ) أَمَّا إذَا كَانَتْ كَأَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِقَوْلِهَا أَوْ فَعَلَهَا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ
( أَوْ ) خَرَجَ ( لِإِقَامَةِ حَدٍّ ) ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ إذْ الْجَرِيمَةُ لَا تُرْتَكَبُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ بِخِلَافِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ كَمَا مَرَّ ( لَا ) إنْ ثَبَتَ ( بِإِقْرَارِهِ ) فَيَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ فَقَوْلُهُ ( لَمْ يَنْقَطِعْ ) أَيْ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْمَذْكُورَاتِ جَوَابُ مَنْ وَلَا يَنْقَطِعُ أَيْضًا بِخُرُوجِهِ أَيْضًا بِخُرُوجِهِ لِقَيْءٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ خَوْفِ حَرِيقٍ وَلَا لِفَصْدٍ أَوْ حِجَامَةٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْخِيرُهُمَا أَوْ أَمْكَنَ وَشَقَّ كَالْمَرَضِ وَكَمَا فَرَغَ مِنْ عُذْرِهِ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ ( وَيَقْضِي ) مَنْ خَرَجَ لِمَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ بِغَيْرِ شَرْطٍ ( مَا عَدَا زَمَنَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فِيهِ أَمَّا زَمَنُ قَضَائِهَا فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلِأَنَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ مُسْتَمِرٌّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ اخْتِصَاصُ هَذَا بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْأَوْجَهُ جَرَيَانُهُ فِي كُلِّ مَا يَطْلُبُ الْخُرُوجَ لَهُ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ عَادَةً كَأَكْلٍ وَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَأَذَانِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ بِخِلَافِ مَا يَطُولُ زَمَنُهُ كَمَرَضٍ وَعِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَوْقِعُ لِلرَّافِعِيِّ فِيمَا قَالَهُ إيهَامٌ وَقَعَ فِي الْوَجِيزِ
( قَوْلُهُ أَوْ لِإِقَامَةِ حَدٍّ ) هَذَا إذَا أَتَى بِمُوجِبِ الْحَدِّ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ فَإِنْ أَتَى بِهِ حَالَ الِاعْتِكَافِ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ الْوَلَاءُ ( قَوْلُهُ مَا عَدَا زَمَنِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمُتَابِعُوهُ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْهُ ا هـ