كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( فَرْعٌ وَعَلَى النَّاظِرِ الْعِمَارَةُ ، وَالْإِجَارَةُ وَجَمْعُ الْغَلَّةِ وَحِفْظُهَا ) وَحِفْظُ الْأُصُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَقِسْمَتُهَا ) عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ سَوَاءٌ أَشَرَطَهَا الْوَاقِفُ عَلَيْهِ أَمْ أَطْلَقَ وَمِنْ وَظِيفَتِهِ تَنْزِيلُ الطَّلَبَةِ أَيْضًا كَمَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَنْزِيلُهُمْ لِلْمُدَرِّسِ لَا لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ زَمَانِهِ ، أَوْ عَلَى مَا إذَا كَانَ النَّاظِرُ جَاهِلًا بِمَرَاتِبِهِمْ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلِلْوَاقِفِ تَفْوِيضُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِوَاحِدٍ ، وَالْبَعْضِ لِآخَرَ ( وَإِنْ جَعَلَهُ ) أَيْ النَّظَرَ ( لِعَدْلَيْنِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ ) فِيهِمْ ( إلَّا عَدْلٌ ) وَاحِدٌ ( نَصَبَ الْحَاكِمُ ) بَدَلَ الْمَعْدُومِ عَدْلًا ( آخَرَ ، وَلِلنَّاظِرِ ) مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ ( مَا شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ ) وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَكَانَ ذَلِكَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ نَعَمْ إنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ تَقَيَّدَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ عَمِلَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ ) كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَلَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَهُوَ كَمَا إذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَعَ الْحَاجَةِ إمَّا قَدْرَ نَفَقَتِهِ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ أَوْ الْأَقَلَّ مِنْ نَفَقَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَدْ يُقَالُ التَّشْبِيهُ بِالْوَلِيِّ إنَّمَا وَقَعَ فِي حُكْمِ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ لَا مُطْلَقًا فَلَا يَقْتَضِي مَا قَالَهُ وَكَانَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِتَقْرِيرِ الْحَاكِمِ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ النَّفَقَةُ ثَمَّ لِوُجُوبِهَا
عَلَى فَرْعِهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ وَلِيًّا عَلَى مَالِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ النَّاظِرِ ( فَإِنْ شَرَطَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّةِ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ جَازَ ، ثُمَّ إنْ عَزَلَهُ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَسُومِحَ فِي ذَلِكَ تَبَعًا لِرِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ ، وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ لَا تَكُونُ مِنْ شَيْءٍ مَعْدُومٍ ( وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً اسْتَحَقَّ ) وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ لَهُ بِعَزْلِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وُقِفَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَأَحَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَصُورَةُ نُفُوذِ عَزْلِهِ أَنْ يَشْرِطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ وَتَوْلِيَةَ غَيْرِهِ عَنْهُ بِعُشْرِ الْغَلَّةِ ، ثُمَّ يُوَلِّيَهُ بِهِ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَى النَّاظِرِ الْعِمَارَةُ إلَخْ ) إذَا فَضَلَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ مَالٌ هَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِمَسْجِدٍ ؛ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَقِسْمَتُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ) لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَجِّلَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يُعْطِي بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِصْطَخْرِيِّ وَهُوَ الْحَقِيقُ بِالِاعْتِمَادِ وَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ خِلَافُهُ فَلَوْ عَجَّلَ النَّاظِرُ فَمَاتَ الْآخِذُ فَالنَّاظِرُ ضَامِنٌ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْقِيَاسُ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهَا عَلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الشَّطْرِ إلَى الزَّوْجِ بِالْفِرَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ قَالَ شَيْخُنَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّاظِرِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْقَابِضِ مِنْ النَّاظِرِ بِمَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ) وَهُوَ الرَّاجِحُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا نَظَرَ لَهُ مَعَهُ وَلَا تَصَرُّفَ بَلْ نَظَرُهُ مَعَهُ نَظَرُ إحَاطَةٍ وَرِعَايَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ مَنْ لَا أُحْصِي - مِمَّنْ تَقَدَّمَ هَذَا الْعَصْرَ - ، أَوْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ وَفَتْوَاهُ بِمَا اخْتَرْته ( قَوْلُهُ : وَقَدْ يُقَالُ التَّشْبِيهُ بِالْوَلِيِّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ .
( فَرْعٌ : لَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ) مَالِ ( الْوَقْفِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ وَلَا يَجُوزُ ) لَهُ ( إدْخَالُ مَا ضَمِنَهُ فِيهِ ) أَيْ فِي مَالِ الْوَقْفِ إذْ لَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ ( وَإِقْرَاضُهُ إيَّاهُ ) أَيْ مَالَ الْوَقْفِ ( كَإِقْرَاضِ مَالِ الصَّبِيِّ ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِهِ .
( فَرْعٌ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ وَلَّاهُ ) وَيَنْصِبَ غَيْرَهُ حَيْثُ كَانَ النَّظَرُ لَهُ كَمَا يَعْزِلُ الْمُوَكِّلُ وَكِيلَهُ وَيَنْصِبُ غَيْرَهُ وَكَانَ الْمُتَوَلِّي نَائِبًا عَنْهُ ، فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْزِلُهُ بِسَبَبٍ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ فَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بَعِيدٌ ( لَا مَنْ شَرَطَ نَظَرَهُ أَوْ تَدْرِيسَهُ ، أَوْ فَوَّضَهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ( إلَيْهِ حَالَ الْوَقْفِ ) فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهُمْ بِالْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُ بَعْدَ شَرْطِهِ النَّظَرَ فِي الْأُولَى لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ فَإِنَّ لَهُ عَزْلَهُ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ النَّظَرِ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِي تَفْوِيضِ التَّدْرِيسِ بِمَا إذَا كَانَتْ جُنْحَةً ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّفْوِيضِ تَبِعَ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ جَوَازَ عَزْلِهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِعَدَمِ صِيغَةِ الشَّرْطِ ( بَلْ لَوْ عَزَلَ النَّاظِرُ ) الثَّابِتُ لَهُ النَّظَرُ ( بِالشَّرْطِ نَفْسَهُ ، أَوْ فُسِّقَ فَتَوْلِيَةُ غَيْرِهِ إلَى الْحَاكِمِ ) لَا إلَى الْوَاقِفِ إذْ لَا نَظَرَ لَهُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ النَّظَرَ فِي حَالَ الْوَقْفِ لِغَيْرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْفِسْقِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ ) حَالَ الْوَقْفِ ( لِزَيْدٍ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ مِنْ عَمْرٍو إلَى الْفُقَرَاءِ فَعَزَلَ زَيْدٌ نَفْسَهُ ) مِنْ النَّظَرِ ( أَوْ اسْتَنَابَ ) فِيهِ غَيْرَهُ ( قَبْلَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ ) مِنْ عَمْرٍو ( إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ ) كُلٌّ مِنْ الْعَزْلِ وَالِاسْتِنَابَةِ ( لِأَنَّهُ غَيْرُ نَاظِرٍ فِي الْحَالِ ) وَلَا يَمْلِكُ الْوَاقِفُ عَزْلَ زَيْدٍ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيلِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَإِنْ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ ) فَالْأَرْشَدِ ( مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَأَثْبَتَ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( أَنَّهُ الْأَرْشَدُ اشْتَرَكُوا ) فِي النَّظَرِ ( بِلَا اسْتِقْلَالٍ إنْ وُجِدَتْ
الْأَهْلِيَّةُ فِيهِمْ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَدِيَّةَ قَدْ سَقَطَتْ ) بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ فِيهَا ( وَبَقِيَ أَصْلُ الرُّشْدِ ) فَصَارَ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُشْدِ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَحِكْمَةُ التَّشْرِيكِ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ وَأَمَّا عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ فَكَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ مُطْلَقًا ( وَإِنْ وُجِدَتْ الْأَرْشَدِيَّةُ فِي بَعْضٍ ) مِنْهُمْ ( اخْتَصَّ بِالنَّظَرِ ) عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ ( وَيَدْخُلُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ( أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ) أَيْ الْأَرْشَدُ مِنْهُمْ لِصِدْقِهِ بِهِ ( وَالنَّاظِرُ فِي أَمْكِنَةٍ إنْ أَثْبَتَ أَهْلِيَّةَ النَّظَرِ ) لَهُ ( فِي مَكَان ) مِنْهَا ( ثَبَتَ ) كَوْنُهُ أَهْلًا ( فِي سَائِرِهَا مِنْ جِهَةِ الْأَمَانَةِ لَا الْكِفَايَةِ ) فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ أَهْلًا مِنْ جِهَتِهَا ( حَتَّى يُثْبِتَ ) أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً ( بِهَا ) أَيْ بِأَهْلِيَّتِهِ لِلنَّظَرِ ( فِي كُلٍّ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمَذْكُورَةِ ( وَإِنْ نَصَبَ الْوَاقِفُ ) الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ وَنَصَبَ غَيْرَهُ بَدَلَهُ إذَا أَرَادَ ( نَاظِرًا ، ثُمَّ مَاتَ ) الْوَاقِفُ ( لَمْ يُبْدَلْ ) بِغَيْرِهِ ( وَيُجْعَلُ ) بَعْدَ مَوْتِهِ ( كَالْوَصِيِّ ) فِي عَدَمِ جَوَازِ إبْدَالِهِ لَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ : لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِي تَفْوِيضِ التَّدْرِيسِ بِمَا إذَا كَانَتْ جُنْحَةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنْ عَزَلَ النَّاظِرُ الْمُدَرِّسَ وَغَيْرَهُ تَهَوُّرًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ مُسَوِّغٍ لَا يَنْفُذُ وَيَكُونُ قَادِحًا فِي نَظَرِهِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ لَا يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ كَمَا قُلْنَا بِهِ فِي الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ؛ إذْ لَهُ عَزْلُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَفَذْنَاهُ مِنْ الْإِمَامِ خَشْيَةَ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي النَّاظِرِ الْخَاصِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَزْلِ الْقَاضِي بِلَا سَبَبٍ وَنُفُوذِ عَزْلِهِ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ : وَأَمَّا الْوَظَائِفُ الْخَاصَّةُ كَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَالتَّصَوُّفِ وَالتَّدْرِيسِ وَالطَّالِبِ وَالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ لَا تَنْعَزِلُ أَرْبَابُهَا بِالْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ ابْنُ رَزِينٍ فَقَالَ مَنْ تَوَلَّى تَدْرِيسًا لَمْ يَجُزْ عَزْلُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِدُونِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ .
ا هـ .
وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الْغَنِيمَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إذَا أَرَادَ إسْقَاطَ بَعْضِ الْأَجْنَادِ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ بِسَبَبٍ جَازَ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ : وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ ) يُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ عَلَى مَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُرْتَبِطًا بِصِيغَةِ الْوَقْفِ كَ وَقَفْتُ هَذِهِ مَدْرَسَةً مُفَوِّضًا نَظَرَهَا ، أَوْ تَدْرِيسَهَا إلَى فُلَانٍ وَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى خِلَافِهِ كَ وَقَفْتُ هَذِهِ مَدْرَسَةً وَفَوَّضْتُ نَظَرَهَا ، أَوْ تَدْرِيسَهَا إلَى فُلَانٍ كَمَا مَثَّلَ بِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلٌّ بِإِفَادَةِ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا هُوَ صَرِيحٌ وَلَا ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِ مَضْمُونِ الْأُولَى لِمَضْمُونِ الثَّانِيَةِ ( قَوْلُهُ : بَلْ لَوْ عَزَلَ النَّاظِرُ بِالشَّرْطِ نَفْسَهُ ، أَوْ فُسِّقَ فَتَوْلِيَةُ غَيْرِهِ إلَى
الْحَاكِمِ ) قَالَ السُّبْكِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَيَرْفَعُ أَمْرَهُ إلَى الْقَاضِي لِيُقِيمَ غَيْرَهُ وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ لَا يَنْعَزِلُ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ قَالَ وَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ كَلَامًا فِي ذَلِكَ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ لَيْسَ لِلْوَاقِفِ نَصْبُ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُ بَلْ يَنْصِبُ الْحَاكِمُ نَاظِرًا وَكَلَامُهُ هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ انْعَزَلَ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ النَّظَرِ .
ا هـ .
وَيُؤَيِّدُ تَأْوِيلَهُ مَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ إذَا فَسَقَ ثُمَّ صَارَ عَدْلًا عَادَتْ وِلَايَتُهُ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي أَصْلِ الْوَقْفِ .
وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا يَنْبَغِي مَجِيءُ خِلَافٍ فِيهِ لِقُوَّتِهِ ؛ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَزْلُهُ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ بِهِ ، وَالْعَارِضُ لَمْ يَكُنْ سَالِبًا بَلْ مَانِعًا مِنْ التَّصَرُّفِ وَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِيقَةِ الرُّشْدِ وَلَمْ أَرَهُمْ تَكَلَّمُوا فِي الْأَرْشَدِيَّةِ وَحَقِيقَتُهُ مَنْ زَادَ فِي صَلَاحِ الدِّينِ ، أَوْ الْمَالِ ، أَوْ كِلَيْهِمَا مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الصَّلَاحِ فِيهِمَا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ حَدَثَتْ الْأَرْشَدِيَّةُ فِي بَعْضٍ مِنْهُمْ ) ذَكَرًا كَانَ ، أَوْ أُنْثَى ( قَوْلُهُ : اخْتَصَّ بِالنَّظَرِ ) فَلَوْ حَدَثَ مِنْهُمْ أَرْشَدُ مِنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْأَرْشَدِ حِينَ الِاسْتِحْقَاقِ فَصَارَ مَفْضُولًا انْتَقَلَ النَّظَرُ إلَى مَنْ هُوَ أَرْشَدُ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَصَبَ الْوَاقِفُ نَاظِرًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُبَدَّلْ بِغَيْرِهِ ) يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي إذَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا ، أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ نَصُّ
الْوَاقِفِ نَصًّا صَرِيحًا ، أَوْ ظَاهِرًا قَالَ وَمَا خَالَفَ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ فَهُوَ كَالْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ .
( فَصْلٌ نَفَقَةُ الْمَوْقُوفِ ، وَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ ، وَعِمَارَتُهُ مِنْ حَيْثُ شُرِطَتْ ) أَيْ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ مِنْ مَالِهِ ، أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ ( وَإِلَّا فَمِنْ مَنَافِعِهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَلَّةِ الْعَقَارِ ( فَإِذَا تَعَطَّلَتْ ) مَنَافِعُهُ ( فَالنَّفَقَةُ ) وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ ( لَا الْعِمَارَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) كَمَنْ أَعْتَقَ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ ، أَمَّا الْعِمَارَةُ فَلَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ حِينَئِذٍ كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ لِصِيَانَةِ رُوحِهِ وَحُرْمَتِهِ .
( فَصْلٌ لَوْ جُعِلَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ اشْتَرَكُوا فِيهِ ) فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ ( وَلَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ ، أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِزِيَادَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَضْ ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ ( وَلَوْ أَجَّرَهُ سِنِينَ ) لِأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِالْغِبْطَةِ فِي وَقْتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَ الْوَلِيُّ مَالَ طِفْلِهِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الْقِيمَةُ بِالْأَسْوَاقِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَجُهِلَ التَّرْتِيبُ ) بَيْنَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ ( أَوْ الْمَقَادِيرُ ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ سَوَّى الْوَاقِفُ بَيْنَهُمْ ، أَوْ فَاضَلَ ( قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ) لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ( وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي شَرْطِهِ ) وَلَا بَيِّنَةَ ( وَلِأَحَدِهِمْ يَدٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِاعْتِضَادِ دَعْوَاهُ بِالْيَدِ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا عُمِلَ بِقَوْلِهِ ) بِلَا يَمِينٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَزَادَ فَقَالَا إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ يُرْجَعُ إلَى وَارِثِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ لَهُ نَاظِرٌ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ رُجِعَ إلَيْهِ لَا إلَى الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَإِنْ وُجِدَا وَ اخْتَلَفَا فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَارِثِ ، أَوْ إلَى النَّاظِرِ ؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِيَ ( فَلَوْ فُقِدَ ) الْوَاقِفُ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّنْ ذُكِرَ ( وَلَا يَدَ ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْمَوْقُوفِ ، أَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ ( سُوِّيَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ جُهِلَ الْمُسْتَحِقُّ ) لِلْوَقْفِ ( صُرِفَ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ ) وَقَوْلُهُ ( ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ ) مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ) لَا يَخْفَى تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَطَّرِدْ عَادَةٌ بِالتَّفْضِيلِ فَإِنْ اطَّرَدَتْ بِهِ عَادَةٌ كَمَا فِي الْمُدَرِّسِ ، وَالْمُعِيدِ وَالطَّالِبِ لَمْ يُسَوَّ بَلْ تُعْتَبَرُ الْعَادَةُ وَلَوْ وُجِدَ فِي دَفْتَرِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ النُّظَّارِ تَفَاوُتٌ اُتُّبِعَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِنَادُ تَصَرُّفِهِمْ إلَى أَصْلٍ وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى عَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَ حَتَّى لَوْ اتَّفَقَتْ عَادَةُ الْمُدَرِّسِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُلُومِ اُتُّبِعَتْ وَقَالَ فِي غَيْرِهَا إنَّهُ يُرْجَعُ إلَى عَادَةِ نُظَّارِ الْوَقْفِ إنْ اتَّفَقَتْ عَادَتُهُمْ أ ن ( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ لَهُ نَاظِرٌ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ رُجِعَ إلَيْهِ ) أَوْ إلَى عَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ النُّظَّارِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي شُرُوطِ الْوَقْفِ وَلَا يَثْبُتُ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَتَفْصِيلُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَإِنْ ثَبَتَ أَصْلُهُ ( قَوْلُهُ : رَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِيَ ) وَهُوَ الرَّاجِحُ .
( فَصْلٌ : وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ ) مِنْ قَاتِلِهِ بِشَرْطِهِ كَعَبِيدِ بَيْتِ الْمَالِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِهْلَاكِ الْوَقْفِ ، قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمْعٍ عَدَّدَهُمْ فَلْيُعْتَقَدْ تَصْحِيحُهُ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ( وَإِنْ وَجَبَ ) بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ( قِيمَةٌ ، أَوْ أَرْشٌ اشْتَرَى الْحَاكِمُ ) بِالْبَدَلِ ( مِثْلَهُ ) لِيُجْعَلَ وَقْفًا مَكَانَهُ مُحَافَظَةً عَلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَشِقْصًا مِنْ عَبْدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِهِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةَ حَيْثُ لَا يَشْتَرِي بِقِيمَتِهَا شِقْصَ شَاةٍ لِتَعَذُّرِ التَّضْحِيَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الشِّقْصُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَحَدُهَا يَبْقَى الْبَدَلُ بِحَالِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ شِرَاءِ شِقْصٍ ، ثَانِيهَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، ثَالِثُهَا يَكُونُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ ( فَلَوْ زَادَتْ ) قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ ( أَخَذَ بِالزَّائِدِ شِقْصًا ) مِنْ عَبْدٍ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ وَخَرَجَ بِالْحَاكِمِ الْوَاقِفُ ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْجَانِي ؛ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ لَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا لَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا إذَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ قَوْلُهُ : لِتَعَذُّرِ التَّضْحِيَةِ بِهِ ) عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ ( قَوْلُهُ : ثَانِيهِمَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ .
( فَرْعٌ لَا يُشْتَرَى صَغِيرٌ عَنْ كَبِيرٍ وَلَا ذَكَرٌ عَنْ أُنْثَى وَكَذَا عَكْسُهُمَا ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبُطُونِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ( وَلَا يَصِيرُ الْمُشْتَرَى وَقْفًا حَتَّى يُوقِفَهُ ) الْفَصِيحُ " يَقِفَهُ " ( الْحَاكِمُ ) وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبْنِيِّ فِي عِمَارَةِ الْجُدْرَانِ الْمَوْقُوفَةِ وَتَرْمِيمِهَا حَيْثُ يَصِيرُ وَقْفًا بِالْبِنَاءِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْقُوفَ قَدْ فَاتَ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَالْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ بَاقِيَةٌ وَالطِّينَ وَالْحَجَرَ الْمَبْنِيَّ بِهِمَا كَالْوَصْفِ التَّابِعِ ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ ، وَالْوَقْفَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ خَاصٌّ ، وَإِلَّا فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُمَا كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَصِيرُ الْمُشْتَرَى وَقْفًا حَتَّى يُوقِفَهُ ) إذَا أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّةَ وَاشْتَرَى بِعَيْنِ الْقِيمَةَ ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَنَوَى أَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَعْلِهَا أُضْحِيَّةً وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِهَا أُضْحِيَّةً وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ " يَظْهَرُ مَجِيئُهُ هُنَا " فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِيمَةَ الْمَأْخُوذَةَ عَنْ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ تَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْفُقَرَاءِ ، وَالْمُشْتَرِي نَائِبٌ عَنْهُمْ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْعَيْنِ ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَنَوَاهُمْ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُمْ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَالْقِيمَةُ لَيْسَتْ مَوْصُوفَةً بِالْوَقْفِ حَتَّى تَكُونَ مُنْتَقِلَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَتَبَ أَيْضًا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدَلِ الْمَرْهُونِ - حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي - بِأَنَّ الْقِيمَةَ يَصِحُّ أَنْ تُرْهَنَ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا وَبِأَنَّ بَدَلَ الْمَوْقُوفِ لَوْ صَحَّ وَصْفُهُ بِالْوَقْفِيَّةِ لَمَا أَمْكَنَ بَيْعُهُ وَلَا الشِّرَاءُ بِهِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْوَقْفِ ( قَوْلُهُ الْفَصِيحُ يَقِفُهُ ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَهُ هُوَ النَّاظِرَ الْخَاصَّ فِي الْوَقْفِ مَنْ كَانَ .
( فَرْعٌ : وَإِنْ جَنَى الْمَوْقُوفُ ) جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا ( اُقْتُصَّ مِنْهُ ) وَإِذَا اُقْتُصَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْوَقْفَ كَمَا لَوْ مَاتَ ( وَمَتَى وَجَبَ ) بِجِنَايَتِهِ ( مَالٌ ، أَوْ ) قِصَاصٌ ، وَ ( عُفِيَ ) عَنْهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَالٍ ( فَدَاهُ الْوَاقِفُ ) لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ ( بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ ) مِنْ قِيمَتِهِ ، وَالْأَرْشِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِهِ ( وَلَهُ أَنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ ) مِنْهُ ( حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ ) فِي عَدَمِ تَكَرُّرِ الْفِدَاءِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهَا ( فَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ ، ثُمَّ جَنَى ) الْعَبْدُ ( فَمِنْ ) أَيْ فَهَلْ يُفْدَى مِنْ ( كَسْبِ الْعَبْدِ ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ ؟ ) كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ الَّذِي لَا عَاقِلَةَ لَهُ ( وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا أَنَّ الْعِمَارَةَ مِنْ رِيعِ الْمَوْقُوفِ ( لَا مِنْ تَرِكَةِ الْوَاقِفِ ) لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْوَارِثِ وَقِيلَ مِنْ تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ بِسَبَبٍ صَدَرَ مِنْهُ فِي الْحَيَاةِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ فِي مَالِهِ ، وَتَرْجِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَسْقُطْ الْفِدَاءُ ) وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْوَاقِفِ كَانَ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الْبَيْعِ بِالْوَقْفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْقِنِّ فَإِنَّ الْأَرْشَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا مَاتَ فَلَا أَرْشَ وَلَا فِدَاءَ .
( قَوْلُهُ : فَدَاهُ الْوَاقِفُ ) إذَا وَقَفَ بِنَاءً فِي أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ وَلَا إجَارَةَ عَلَيْهِ وَلَا رِيعَ لِلْوَقْفِ فَهَلْ نَقُولُ : تَسْتَمِرُّ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاقِفِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا صَحَّحُوهُ فِي الْجِنَايَةِ أَمْ نَقُولُ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ لَهُ قَلْعُ الْبِنَاءِ ؟ الَّذِي أَفْتَيْت بِهِ الثَّانِي ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَقْفَ خَرَجَتْ الرَّقَبَةُ عَنْ أَنْ تُبَاعَ فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ فَوَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْبِنَاءِ فَهُوَ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يُبَاعَ لَكِنَّ الْأُجْرَةَ تَتَعَلَّقُ بِرِيعِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رِيعٌ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَبَسْطُهُ فِي الْفَوَائِدِ الْمَحْضَةِ عَلَى الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ بَيْتِ الْمَالِ ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَفْتَيْت .
( فَصْلٌ لَوْ تَعَطَّلَتْ الْمَنْفَعَةُ ) الَّتِي لِلْمَوْقُوفِ ( بِسَبَبٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَشَجَرَةٍ جَفَّتْ ) أَوْ قَلَّمَتْهَا الرِّيحُ وَلَمْ يُمْكِنْ إعَادَتُهَا إلَى مَغْرِسِهَا قَبْلَ جَفَافِهَا ( لَمْ يَبْطُلْ الْوَقْفُ ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَوْقُوفِ ( وَلَا تُبَاعُ ) وَلَا تُوهَبُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ ( لَوْ اُنْتُفِعَ بِهَا ) بِإِيجَارٍ أَوْ غَيْرِهِ ( مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا ) إدَامَةً لِلْوَقْفِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا بِإِحْرَاقٍ ، أَوْ نَحْوِهِ ( صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) لَكِنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ بَلْ يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةَ وَهَذَا التَّفْصِيلُ صَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ اخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ لَكِنْ اقْتَصَرَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ عَلَى قَوْلِهِ : وَإِنْ جَفَّتْ الشَّجَرَةُ لَمْ يَنْقَطِعْ الْوَقْفُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِلْكًا بِحَالٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَكَلَامِ الْجُمْهُورِ ، عَلَى أَنَّ عَوْدَهُ مِلْكًا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ مُشْكِلٌ .
( وَالْحُصُرُ الْمَوْهُوبَةُ ) أَوْ الْمُشْتَرَاةُ ( لِلْمَسْجِدِ تُبَاعُ لِلْحَاجَةِ لَا ) الْحُصُرُ ( الْمَوْقُوفَةُ ) كَسَائِرِ الْمَوْقُوفَاتِ ( فَلَوْ ذَهَبَ جَمَالُهَا وَنَفْعُهَا بِيعَتْ ) إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي بَيْعِهَا لِئَلَّا تَضِيعَ وَتُضَيِّقَ الْمَكَانَ بِلَا فَائِدَةٍ كَالْحُصُرِ فِي ذَلِكَ نُحَاتَةُ الْخَشَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَكَذَا ) يُبَاعُ ( جِذْعُهُ الْمُنْكَسِرُ إنْ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَابًا وَنَحْوَهُ وَجِدَارُ دَارِهِ الْمُنْهَدِمِ كَذَلِكَ ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ تَعَذَّرَ بِنَاؤُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْجِدَارِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالدَّارِ ( وَالْمُشْرِفُ ) مِنْ الْجِذْعِ ، أَوْ غَيْرِهِ ( عَلَى التَّلَفِ كَالتَّالِفِ ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ ( وَيُشْتَرَى بِمَا بِيعَ ) بِهِ ( مِثْلُهُ ) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ
الْأَصْلُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَاَلَّذِي أَفْتَيْت بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرْضِ الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي سَقِيفَةٍ ، أَوْ طَبْخِ جِصٍّ ، أَوْ آجُرٍّ لِلْمَسْجِدِ ، وَالتَّقْيِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ بِدَارِ الْمَسْجِدِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِهِ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا تُبَاعُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَارِقًا بِأَنَّ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى غَيْرِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْبُطُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَدَارُ الْمَسْجِدِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَالْمَقْصُودُ بِهَا مَصْلَحَتُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَكَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لَهُ فِي بَيْعِهَا جَازَ وَلَا مَصْلَحَةَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فِي بَيْعِهَا لِمَصْلَحَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ، وَفِي فَرْقِهِ نَظَرٌ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهَا مُطْلَقًا وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مَنْعَ بَيْعِهَا ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَوْجُودَةٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ إذْ جَوَازُ الْبَيْعِ يُؤَدِّي إلَى مُوَافَقَةِ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِبْدَالِ لَكِنْ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ الْأَرْضَ مَوْجُودَةٌ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَائِلَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ إنَّمَا يَقُولُهُ فِي الْبِنَاءِ خَاصَّةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِتَعْبِيرِهِ بِالْجِدَارِ ( وَإِنْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ بِتَعْطِيلِ الْبَلَدِ ) أَوْ انْهَدَمَ ( لَمْ يُنْقَضْ ) فَلَا يَبْطُلُ وَقْفُهُ وَلَا يَعُودُ مِلْكًا بِحَالٍ ( لِإِمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ ) وَلِإِمْكَانِ عَوْدِهِ كَمَا كَانَ وَكَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ ثُمَّ زَمِنَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَتُصْرَفُ غَلَّةُ وَقْفِهِ حِينَئِذٍ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ إنَّهُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ أَيْ فَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ
وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَجْهًا وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهَا تُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَمَصَالِحِهِ لَكَانَ أَقْرَبَ ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُتَوَلِّيَ قَالَ يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي غَلَّةِ وَقْفِ الثَّغْرِ ( فَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ نَقْضٌ نُقِضَ وَبَنَى الْحَاكِمُ بِهِ ) أَيْ بِنِقْضِهِ ( مَسْجِدًا ) آخَرَ ( إنْ رَأَى ذَلِكَ ) وَإِلَّا حَفِظَهُ ( وَ ) بِنَاؤُهُ ( بِقُرْبِهِ أَوْلَى لَا ) أَيْ بَنَى بِهِ مَسْجِدًا لَا ( بِئْرًا كَعَكْسِهِ ) أَيْ كَبِئْرٍ خَرِبَتْ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَبْنِي بِنِقْضِهَا بِئْرًا أُخْرَى لَا مَسْجِدًا وَيُرَاعِي غَرَضَ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ أَمَّا إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ النَّقْضُ فَلَا يُنْقَضُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ قَلَعَهَا الرِّيحُ ، أَوْ السَّيْلُ ) أَوْ دَابَّةٌ زَمِنَتْ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) إذَا كَانَ الْبِنَاءُ ، أَوْ الْغِرَاسُ مَوْقُوفًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ وَصَارَ الرِّيعُ لَا يَفِي بِالْأُجْرَةِ ، أَوْ يَفِي بِهَا لَا غَيْرُ أَفْتَى ابْنُ الْأُسْتَاذِ بِأَنَّهُ يُقْلَعُ وَيُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا صُرِفَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : لَا الْمَوْقُوفَةُ ) شَمِلَ مَا اشْتَرَاهُ النَّاظِرُ ، ثُمَّ وَقَفَهُ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ ذَهَبَ نَفْعُهَا وَجَمَالُهَا بِيعَتْ ) لَك أَنْ تَقُولَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ الْعَادِمَةِ النَّفْعِ وَبَيْنَ جَوَازِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفَةِ وَنَحْوِهَا قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حُصُرَ الْمَسْجِدِ إذَا بَلِيَتْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِذَهَابِ عَيْنِهَا بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ الْعَادِمَةِ النَّفْعِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا تَصْلُحَ إلَّا لِلْإِحْرَاقِ فَالْفَرْقُ إمْكَانُ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ تُصْرَفُ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَفِي فَرْقِهِ نَظَرٌ ) فَإِنَّهُ حَمَلَ نُقُولَ الْأَصْحَابِ الْمُصَرِّحَةَ بِمَنْعِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ وَإِنْ تَعَطَّلَتْ وَخَرِبَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهَا مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْعُ بَيْعِهَا مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ : وَقَالَ السُّبْكِيُّ ) أَيْ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُصْرَفُ غَلَّةُ وَقْفِهِ حِينَئِذٍ إلَى الْفُقَرَاءِ إلَخْ ) الَّذِي تَحَرَّرَ لِي أَنَّهُ إنْ تُوُقِّعَ عَوْدُهُ حُفِظَ لَهُ وَهُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ
صَرْفُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ صُرِفَ إلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِلَّا فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ أَوْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ شَيْخُنَا قَالَهُ الْوَالِدُ .
( فَرْعٌ ) يَنْقُلُ الْحَاكِمُ مَا فِي الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ مِنْ حُصُرٍ وَقَنَادِيلَ وَنَحْوِهِمَا إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ : فَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ نَقْضٌ نُقِضَ إلَخْ ) فِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ إذَا اقْتَضَتْ تَغْيِيرَ بِنَاءِ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ لِزِيَادَةِ رِيعِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَيْ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَقَالَ ، السُّبْكِيُّ : الَّذِي أَرَاهُ الْجَوَازَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ ، الثَّانِي أَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلَ بَعْضَهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَإِنْ اقْتَضَى زَوَالَ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ ، الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ وَعَلَى هَذَا فَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّيْبَرِسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فِيهِ وَكَذَلِكَ فَتْحُ أَبْوَابِ الْحَرَمِ لَا حَاجَةَ بِهَا وَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ سَاكِنِيهَا فَلَا يَجُوزُ ( قَوْلُهُ : وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنَّهُ إذَا خَصَّ الْوَاقِفُ الْمَسْجِدَ بِطَائِفَةٍ وَقُلْنَا : يَخْتَصُّ بِهِمْ أَنْ لَا يُنْقَلَ إلَّا إلَى مَسْجِدٍ خُصَّ بِهِمْ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ نُقِلَ إلَى غَيْرِهِ .
( فَرْعٌ غَلَّةُ وَقْفِ الثَّغْرِ ) وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُلَاصِقُ مِنْ بِلَادِنَا بِلَادَ الْكُفَّارِ إذَا اتَّسَعَتْ خِطَّةُ الْإِسْلَامِ حَوْلَهُ وَحَصَلَ فِيهِ الْأَمْنُ ( تُحْفَظُ ) أَيْ يَحْفَظُهَا النَّاظِرُ ( فِي ) زَمَنِ ( الْأَمْنِ ) لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ ثَغْرًا ( وَيَدَّخِرُ مِنْ زَائِدِ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ ) عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ( مَا يَعْمُرُهُ بِتَقْدِيرِ هَدْمِهِ وَيَشْتَرِي لَهُ بِالْبَاقِي عَقَارًا ) وَيَقِفُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ ( لَا ) بِشَيْءٍ ( مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَتِهِ ) لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَيْهَا ( وَتُقَدَّمُ عِمَارَةٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ ( وَيَجُوزُ إنْ اُحْتِيجَ ) إلَى النَّقْلِ ( نَقْلُ قَنْطَرَةٍ ) مَوْقُوفٍ عَلَيْهَا ( عُطِّلَ الْوَادِي مَكَانَهَا ) فَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ فَأُغْرِقَ الْوَادِي وَتَعَطَّلَتْ الْقَنْطَرَةُ وَاحْتِيجَ إلَى قَنْطَرَةٍ أُخْرَى جَازَ نَقْلُهَا إلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ .
( قَوْلُهُ : لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ ) بَلْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ نَحْوُ الْمَسْجِدِ ، وَالْعَقَارِ إلَى عِمَارَةٍ يُبْدَأُ بِالْعَقَارِ عَلَى الْمَسْجِدِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ أَصْلِهِ .
( فَصْلٌ فِيهِ مَسَائِلُ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَبِيلَةٍ كَالطَّالِبِيِّينَ أَجْزَأَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي مِنْ أَوْلَادِ جَعْفَرٍ وَالثَّالِثُ مِنْ أَوْلَادِ عَقِيلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( فَإِنْ قَالَ ) وَقَفْت ( عَلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ اُشْتُرِطَ ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( وَفِي دُخُولِ مَقَرِّ شَجَرَةٍ وَجِدَارٍ وَقَفَهُمَا ) فِي وَقْفِهِمَا ( وَجْهَانِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَرَأَيْت مَنْ صَحَّحَ دُخُولَهُمَا ، وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ وَنُقِلَ تَصْحِيحُهُ فِي الْأُولَى عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ ) هُوَ الْأَصَحُّ .
( وَيُصْرَفُ الْمَوْقُوفُ ) أَيْ رِيعُ الْمَوْقُوفِ ( عَلَى الْمَسْجِدِ ) وَقْفًا ( مُطْلَقًا ، أَوْ عَلَى عِمَارَتِهِ فِي الْبِنَاءِ وَالتَّجْصِيصِ الْمُحْكَمِ وَالسُّلَّمِ وَالْبَوَارِيِّ ) لِلتَّظَلُّلِ بِهَا ( وَالْمَكَانِسِ ) لِيُكْنَسَ بِهَا ( وَالْمَسَاحِي ) لِيُنْعَلَ بِهَا التُّرَابُ ( وَ ) فِي ( ظُلَّةٍ تَمْنَعُ إفْسَادَ خَشَبِ الْبَابِ ) بِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ ( إنْ لَمْ تَضُرَّ بِالْمَارَّةِ ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِحِفْظِ الْعِمَارَةِ ( وَ ) فِي ( أُجْرَةِ الْقَيِّمِ لَا الْمُؤَذِّنِ ، وَإِمَامٍ وَحُصُرٍ وَدُهْنٍ ) لِأَنَّ الْقَيِّمَ بِحِفْظِ الْعِمَارَةِ بِخِلَافِ الْبَاقِي عَلَى مَا يَأْتِي ( إلَّا ) الْأُولَى لَا ( إنْ كَانَ الْوَقْفُ لِمَصَالِحِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ( فَيُصْرَفُ ) مِنْ رِيعِهِ فِي ذَلِكَ ( لَا فِي التَّزْوِيقِ وَالنَّقْشِ بَلْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَصِحَّ ) لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ فِي الْوَقْفِ الْمُطْلَقِ هُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لَهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ ( وَلَا يُصْرَفُ لِحَشِيشِ السَّقْفِ مَا ) عُيِّنَ ( لِحَشِيشِ الْحُصُرِ وَ ) لَا ( عَكْسُهُ ) وَالْمَوْقُوفُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يُصْرَفُ إلَى اللُّبُودِ وَلَا عَكْسُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَيُصَدَّقُ النَّاظِرُ فِي إنْفَاقٍ مُحْتَمَلٍ ) أَيْ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ فَإِنْ اتَّهَمَهُ الْحَاكِمُ حَلَّفَهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ إنْفَاقُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعِمَارَةِ وَفِي مَعْنَاهُ الصَّرْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ إنْفَاقِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ .
( تَنْبِيهٌ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَاظِرٍ صَرَفَ شَيْئًا كَانَ النُّظَّارُ قَبْلَهُ يَصْرِفُونَهُ مِنْ مُرَتَّبٍ عَلَى وَظَائِفَ لَمْ يَشْرُطْهَا الْوَاقِفُ ، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّ النُّظَّارَ أَخْطَئُوا فِي صَرْفِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ هَلْ يُطَالِبُهُ الْوَرَثَةُ بِمَا صَرَفَهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ فَأَجَابَ بِأَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ الصَّارِفَ لِلْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ لَا يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ ، وَالْوَكِيلِ ، وَعَدْلِ الرَّهْنِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ مَنْ ذُكِرَ لَيْسَتْ عَامَّةً بِخِلَافِ نُظَّارِ الْأَوْقَافِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالنَّاظِرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ ، وَالْحَاكِمُ لَا يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ : فَأَجَابَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : بِأَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ إلَخْ بِخَطِّ شَيْخِنَا ( قَوْلُهُ : الْأَوْلَى ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَوْجَهُ ) هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ شَيْخُنَا : يَتَّجِهُ إلْحَاقُ الدُّهْنِ ، وَالْحُصُرِ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ لِلْعِلْمِ بِهِ بِالْأَوْلَى ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اتَّهَمَهُ الْحَاكِمُ حَلَّفَهُ ) أَيْ وُجُوبًا عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ - لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ - فَأَنْكَرَ حَلَّفَهُ وُجُوبًا ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ) قَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ : إذَا ادَّعَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ صَرْفَ الْغَلَّةِ فِي مَصَارِفِهَا الْمَشْرُوعَةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبِضُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَإِنْ كَانَ لِأَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ ثَبَتَ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالْحِسَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ فَهَلْ لِلْإِمَامِ مُطَالَبَتُهُ بِالْحِسَابِ ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَدِّي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
وَالْأَقْرَبُ الْمُطَالَبَةُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ رِيبَةٍ أَوْ تُهْمَةٍ لَا مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَنُّتِ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ وَقَوْلُهُ : وَالْأَقْرَبُ الْمُطَالَبَةُ هُوَ الْأَصَحُّ .
( وَلِأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُهَايَأَةُ ) فِي الْمَوْقُوفِ ( لَا قِسْمَتُهُ ) وَإِنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ شَرْطٍ لَا وَاقِفٍ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ مَنْ بَعْدَهُمْ ( وَلَا تَغْيِيرُهُ ) عَنْ هَيْئَتِهِ ( كَجَعْلِ الْبُسْتَانِ دَارًا ) أَوْ حَمَّامًا ( إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ ) فَيَجُوزُ التَّغْيِيرُ بِحَسَبِهَا عَمَلًا بِشَرْطِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ وَأَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلَ نِقْضَهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَأَنْ تَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ وَعَلَيْهِ فَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّيْبَرِسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فِيهِ وَكَذَا فَتْحُ أَبْوَابِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةِ السُّكَّانِ ( وَإِنْ انْقَلَعَتْ أَشْجَارُهُ ) أَيْ الْوَقْفِ ، أَوْ انْهَدَمَ بِنَاؤُهُ ( أُجِّرَتْ ) بِمَعْنَى ، أَوْ أُجِّرَتْ ( أَرْضُهُ ) لِمَا لَا يُرَادُ دَوَامُهُ كَزَرْعِهَا وَضَرْبِ خِيَامٍ فِيهَا ، أَوْ لِمَا يُرَادُ دَوَامُهُ كَغَرْسٍ وَشُرِطَ قَلْعُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ ( وَغُرِسَتْ ) أَيْ الْأَرْضُ ، أَوْ بُنِيَتْ ( بِأُجْرَتِهَا ) الْحَاصِلَةِ بِإِيجَارِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ فَتْحُ شُبَّاكِ الطَّيْبَرِسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا قَالَهُ مِنْ مَنْعِ فَتْحِ بَابٍ مِنْ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ إلَى الْآخِرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الْوَجْهُ الْجَوَازُ ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْقُدْوَةِ وَغَيْرِهَا .
( وَلِلنَّاظِرِ الِاقْتِرَاضُ ) فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ ( بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، أَوْ الْإِنْفَاقُ ) عَلَيْهَا ( مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ ) وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِرَاضُ دُونَ إذْنِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْحَاكِمِ فِي الِاقْتِرَاضِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ وَمَالَ إلَيْهِ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا لِلنَّاظِرِ بِوَلِيِّ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَقْتَرِضُ دُونَ إذْنِ الْحَاكِمِ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِرَاضُ دُونَ إذْنِهِ ) اُسْتُشْكِلَ وَقِيلَ : لِمَ لَا يَقْتَرِضُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاقْتِرَاضِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إثْبَاتُ دَيْنٍ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْبُطُونِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ النَّاظِرُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ النَّظَرُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَاحْتِيجَ إلَى مَنْ لَهُ النَّظَرُ عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ الْحَاكِمُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ الِاسْتِقْرَاضُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ
( وَالْوَقْفُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ كُوزَ الْمَاءِ ) الْمُسَبَّلَ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَا وُقِفَ لَهُ فَتَلِفَ ( ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ فَتَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ ( وَإِنْ انْكَسَرَ الْمِرْجَلُ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالْجِيمِ أَيْ الْقِدْرُ بِلَا تَعَدٍّ ( فَإِنْ تَطَوَّعَ ) بِأَنْ تَطَوَّعَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ( بِإِصْلَاحِهِ فَذَاكَ ، وَإِلَّا أُعِيدَ صَغِيرًا بِبَعْضِهِ ) وَأُنْفِقَ الْبَاقِي مِنْهُ عَلَى إصْلَاحِهِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) اتِّخَاذُهُ مِرْجَلًا ( فَقَصْعَةً ، أَوْ مِغْرَفَةً ) أَوْ نَحْوَهَا اُتُّخِذَ ( وَلَا حَاجَةَ إلَى إنْشَاءِ وَقْفِهِ ) فَإِنَّهُ عَيْنُ الْمَوْقُوفِ وَكُلُّ مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ كَانَ أَوْلَى فَإِنْ تَعَذَّرَ اتِّخَاذُ شَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا يُمْكِنُ .
( وَيَدْخُلُ فِي ) الْوَقْفِ عَلَى ( الْفُقَرَاءِ ) الْفُقَرَاءُ ( الْغُرَبَاءُ وَأَهْلُ الْبَلَدِ ) أَيْ فُقَرَاءُ أَهْلِهَا وَالْمُرَادُ بَلَدُ الْوَقْفِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّ أَطْمَاعَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِبَلَدِ الْوَقْفِ ( لَا مَكْفِيٌّ بِأَبٍ ، أَوْ زَوْجٍ وَيَدْخُلُ ) فِيهِ ( أَرْبَابُ صَنَائِعَ تَكْفِيهِمْ وَلَا مَالَ لَهُمْ ) فَيُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ السُّبْكِيُّ : لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَمَّ بِالْحَاجَةِ لَا بِالْفَقْرِ وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى الزَّكَاةِ وَهُنَا بِاسْمِ الْفَقْرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بِدَلِيلِ خَبَرِ { لَا حَقَّ فِيهَا - أَيْ الزَّكَاةِ - لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ يَكْتَسِبُ } وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفِيِّ بِأَبٍ ، أَوْ زَوْجٍ بِأَنَّ الِاكْتِسَابَ فِيهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْأَخْذِ مِنْ الْآخَرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ وَغَيْرَهُمَا سَوَّوْا بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الدُّخُولِ .
قَوْلُهُ : لَا مَكْفِيٌّ بِأَبٍ ) مِثْلُهُ سَائِرُ الْأُصُولِ ، وَالْفُرُوعِ .
( تَنْبِيهٌ ) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْقُرَّاءِ وَيُصْرَفُ إلَى كُلِّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ ، سَوَاءٌ كَانَ حَافِظًا لَهُ أَوْ لَا وَلَا يُصْرَفُ إلَى مَنْ قَرَأَ بَعْضَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ مَنْ قَرَأَ قُرْآنًا فَيُصْرَفَ إلَى مَنْ قَرَأَ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ وَلَوْ قَالَ عَلَى حُفَّاظِ الْقُرْآنِ لَمْ يُعْطَ مَنْ نَسِيَهُ بَعْدَ حِفْظِهِ .
( وَلَوْ نَبَتَتْ شَجَرَةٌ بِمَقْبَرَةٍ فَثَمَرَتُهَا مُبَاحَةٌ ) لِلنَّاسِ تَبَعًا لِلْمَقْبَرَةِ ( وَصَرْفُهَا إلَى ) مَصَالِحِ ( الْمَقْبَرَةِ أَوْلَى ) مِنْ تَبْقِيَتِهَا لِلنَّاسِ ( لَا ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ ) غُرِسَتْ ( لِلْمَسْجِدِ ) فِيهِ فَلَيْسَتْ مُبَاحَةً بِلَا عِوَضٍ ( بَلْ يَصْرِفُ الْإِمَامُ عِوَضَهَا لِمَصَالِحِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِمَامِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَاظِرٌ خَاصٌّ ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ الشَّجَرَةُ عَنْ مِلْكِ غَارِسِهَا هُنَا بِلَا لَفْظٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَخَرَجَ بِغَرْسِهَا لِلْمَسْجِدِ غَرْسُهَا مُسَبَّلَةً لِلْأَكْلِ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا بِلَا عِوَضٍ وَكَذَا أَنْ جُهِلَتْ نِيَّتُهُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ ( وَتُقْلَعُ ) الشَّجَرَةُ ( مِنْهُ إنْ رَآهُ ) الْإِمَامُ ( بَلْ إنْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ فَلِلْإِمَامِ قَلْعُهَا ، وَإِنْ أَدْخَلَهَا ) الْوَاقِفُ ( فِي الْوَقْفِ ) بِأَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ مَسْجِدًا وَوَقَفَ الشَّجَرَةَ وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ اسْتِتْبَاعًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْعَلُ مَسْجِدًا وَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مَحَلُّهُ فِي وُقُوفِ الْأَرْضِ غَيْرَ مَسْجِدٍ فَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ هُنَا تَفْرِيغُ الْأَرْضِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ ، وَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْهَا مِنْ لُزُومِهِ لَهُ سَهْوٌ .
( قَوْلُهُ : وَتُقْطَعُ مِنْهُ إنْ رَآهُ ) قَالَ السُّبْكِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَفْتَيْت بِبُطْلَانِ وَقْفِ خِزَانَةِ كُتُبٍ وَقَفَهَا وَاقِفٌ لِتَكُونَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فِي مَدْرَسَةِ الصَّاحِبِ بِمِصْرَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِمُقْتَضَى الْوَقْفِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَظِيرُهُ إحْدَاثُ مِنْبَرٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ جُمُعَةٌ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إحْدَاثُ كُرْسِيِّ مُصْحَفٍ مُؤَبَّدٍ يُقْرَأُ فِيهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَالْعَجَبُ مِنْ قُضَاةٍ يُثْبِتُونَ وَقْفَ ذَلِكَ شَرْعًا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا .
( وَيَجُوزُ وَقْفُ سُتُورٍ لِجُدْرَانِ الْمَسْجِدِ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَرِيرًا أَمْ لَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَفِيهِ مَيْلٌ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتْوَى غَيْرِ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ بِأَمْرٍ مُبْتَدَعٍ وَلِشَغْلِ قَلْبِ الْمُصَلِّي وَلَعَلَّ الْفِتْنَةَ بِهِ أَشَدُّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَقِيَاسُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْكَعْبَةِ بَعِيدٌ ( فَإِنْ وَقَفَ ) عَلَى دُهْنٍ ( لِإِسْرَاجِ الْمَسْجِدِ ) بِهِ ( أُسْرِجَ كُلَّ اللَّيْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُغْلَقًا مَهْجُورًا ) بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ فِيهِ مِنْ مُصَلٍّ وَنَائِمٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ أَنْشَطُ لَهُ فَإِنْ كَانَ مُغْلَقًا مَهْجُورًا لَمْ يُسْرَجْ ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَصَابِيحِ فِيهِ احْتِرَامًا لَهُ وَتَنْزِيهًا عَنْ وَحْشَةِ الظُّلْمَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِغْلَاقُ قَيْدًا بَلْ يَكْفِي أَنْ لَا يُتَوَقَّعَ حُضُورُ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ انْتِفَاعًا جَائِزًا .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْغَزَالِيُّ : سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَرِيرًا أَمْ لَا ) وَحَيْثُ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لِسُتُورِهِ وَكَانَتْ حَرِيرًا بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا فِي مَصَالِحِهِ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّقْشِ إلَخْ ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي السُّتُورِ تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ وَبِأَنَّ صَرْفَ رِيعِهِ عَلَى شِرَائِهَا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ بِخِلَافِ النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( كِتَابُ الْهِبَةِ ) .
أَيْ مُطْلَقِهَا ( وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ) هِبَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَصَدَقَةٌ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } وَقَوْلُهُ { وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ } الْآيَةَ ، وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ فِيهَا وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ } أَيْ ظِلْفَهَا وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { لَوْ دُعِيتُ إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ } ، وَالْكُرَاعُ قِيلَ كُرَاعُ الْغَمِيمِ وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَمَامَ عُسْفَانَ بِثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ جَبَلٌ أَسْوَدُ فِي طَرَفِ الْحَرَّةِ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَرَجَّحَا أَنَّهُ كُرَاعُ الْغَنَمِ أَيْ طَرَفُ رِجْلِهَا كَمَا أَنَّ ذِرَاعَهَا طَرَفُ يَدِهَا وَهُوَ أَكْثَرُ لَحْمًا مِنْ الْكُرَاعِ وَأَهْلُ الْعُرْفُ يُعَبِّرُونَ بِالْكَارِعِ وَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا ( الْهِبَةُ ) بِلَا ثَوَابٍ ( تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ ) فِي الْحَيَاةِ هَذَا تَعْرِيفٌ لِمُطْلَقِ الْهِبَةِ لَا لِلْهِبَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ كَانَ أَوْلَى ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَهْدَى لِغَنِيٍّ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّةٍ ، أَوْ هَدْيٍ أَوْ عَقِيقَةٍ فَإِنَّهُ هِبَةٌ وَلَا تَمْلِيكَ فِيهِ وَمَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ بَلْ فِيهِ تَمْلِيكٌ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الْأُضْحِيَّةَ وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ ، وَإِطْلَاقُهُمْ التَّمْلِيكَ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْأَعْيَانَ .
( كِتَابُ الْهِبَةِ ) أَصْلُهَا مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ أَيْ مُرُورِهِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْوِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا مِنْ هَبَّ مِنْ نَوْمِهِ إذَا اسْتَيْقَظَ وَكَأَنَّ فَاعِلَهَا قَدْ اسْتَيْقَظَ لِلْإِحْسَانِ .
( قَوْلُهُ : { وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ } ) وقَوْله تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَهِيَ مِنْ الْبِرِّ ( قَوْلُهُ : وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ إلَخْ ) وَالْأَحَادِيثُ ، وَالْآثَارُ فِي الْهَدَايَا كَثِيرَةٌ فِي الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ { تَهَادَوْا تَحَابُّوا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ تَحَابُّوا فَقِيلَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْمَحَبَّةِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْمُحَابَاةِ قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ : صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تَذْهَبُ بِالضَّغَائِنِ } وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصُّدُورِ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ - غِشُّهُ وَوَسْوَاسُهُ وَقِيلَ الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ وَقِيلَ الْعَدَاوَةُ وَقِيلَ أَشَدُّ الْبُغْضِ ( قَوْلُهُ : فِي الْحَيَاةِ ) زَادَ الْبُلْقِينِيُّ " غَيْرُ وَاجِبٍ " لِيُخْرِجَ الْوَاجِبَ مِنْ زَكَاةٍ ، أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ ، أَوْ نَذْرٍ فَلَا تُسَمَّى هِبَةً .
ا هـ .
وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَنَحْوَهَا لَا تَمْلِيكَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمُزَكِّي وَالْمُكَفِّرِ وَالنَّاذِرِ بَلْ هِيَ كَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَمَنْ وَفَّى دَيْنَهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ مَلَّكَ ذَا الْمَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْهِبَةِ لِوُجُودِ الْعِوَضِيَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُسْكِتِ .
( ثُمَّ ) بَعْدَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ مُطْلَقَ الْهِبَةِ مَا ذُكِرَ وَأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَأَحَدُ أَنْوَاعِهَا ( الْهَدِيَّةُ وَهِيَ ) تَمْلِيكُ ( مَا يُحْمَلُ ) أَيْ يُبْعَثُ ( غَالِبًا ) بِلَا عِوَضٍ إلَى الْمُهْدَى إلَيْهِ ( إكْرَامًا ) لَهُ لِلْعُرْفِ وَأَدْخَلَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا بِالتَّقْرِيرِ الْمَذْكُورِ مَا يُهْدَى بِلَا بَعْثٍ بِأَنْ نَقَلَهُ الْمُهْدِي قَالَ السُّبْكِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَامَ لَيْسَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ هُوَ النَّقْلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ يُقَالُ احْتَرَزُوا بِهِ عَنْ الرِّشْوَةِ ( وَمِنْهَا ) أَيْ الْهَدِيَّةِ ( الْهَدْيُ الْمَنْقُولُ إلَى الْحَرَمِ وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْهَدِيَّةِ عَلَى الْعَقَارِ ) لِامْتِنَاعِ نَقْلِهِ فَلَا يُقَالُ أَهْدَى إلَيْهِ دَارًا وَلَا أَرْضًا ( بَلْ عَلَى الْمَنْقُولِ ) كَالثِّيَابِ ، وَالْعَبِيدِ وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ النَّذْرِ بِمَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذَا الْبَيْتَ ، أَوْ الْأَرْضَ ، أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَا يُنْقَلُ صَحَّ وَبَاعَهُ وَنَقَلَ ثَمَنَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْهَدْيَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْهَدِيَّةِ لَكِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهِ بِتَخْصِيصِهِ بِالْإِهْدَاءِ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَبِتَعْمِيمِهِ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ الْهَدْيَ انْصَرَفَ إلَى الْحَرَمِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْهَدِيَّةِ إلَى فَقِيرٍ .
( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَيُجَابُ بِأَنَّ الْهَدْيَ إلَخْ ) نَقَلَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَحَاشِيَةِ الْعِرَاقِيِّ هَذَا الْجَوَابَ عَنْ غَيْرِ الْإِسْنَوِيِّ .
( وَ ) ثَانِي الْأَنْوَاعِ ( الصَّدَقَةُ وَهِيَ ) تَمْلِيكُ ( مَا يُعْطَى ) بِلَا عِوَضٍ ( لِلْفَقِيرِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِلْمُحْتَاجِ ( لِثَوَابِ الْآخِرَةِ ) وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْحَاجَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ إنَّ كَوْنَهَا لِمُحْتَاجٍ هُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ ، وَالْغَالِبُ مِنْهَا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ قَالَ وَلَوْ مَلَّكَ شَخْصًا لِحَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً أَيْضًا فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْحَاجَةِ ، أَوْ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَ غَنِيًّا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ صَدَقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ) فَإِنْ انْضَمَّ إلَى قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ نَقْلُهُ إلَى مَكَانِهِ فَهُوَ هَدِيَّةٌ وَصَدَقَةٌ فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ التَّوَدُّدَ فَهِبَةٌ أَيْضًا وَلَوْ بَعَثَ شَيْئًا إلَى شَخْصٍ وَاخْتَلَفَا فِيهِ فَإِنْ تَلَفَّظَ حَالَةَ الْبَعْثِ بِالْإِهْدَاءِ أَوْ الْعَارِيَّةِ ، أَوْ الْأَمَانَةِ ، أَوْ غَيْرِهَا فَالْحُكْمُ لِلَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ فَالْحُكْمُ لِقَصْدِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَالْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْعَثْ فَالْقَوْلُ لِلدَّافِعِ وَلَوْ قَالَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ أَرْسَلَهُ هَدِيَّةً وَقَالَ الرَّسُولُ : بَلْ وَدِيعَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ .
( قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَ غَنِيًّا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الْهِبَةُ وَهِيَ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ خَالٍ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ، وَالِاسْمُ يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ ( فَكُلُّ هَدِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ ) وَهِبَةٍ بِالْمَعْنَى الْأَخِيرِ ( هِبَةٌ ) بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ( وَلَا عَكْسَ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ ) لَهُ ( فَتَصَدَّقَ ) عَلَيْهِ ، أَوْ أَهْدَى لَهُ ، أَوْ وَهَبَهُ بِالْمَعْنَى الْأَخِيرِ ( حَنِثَ لَا إنْ عَكَسَ ) وَتَجْتَمِعُ الْأَرْبَعَةُ فِيمَا لَوْ مَلَّكَهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَنَقَلَهُ إلَيْهِ إكْرَامًا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا تَقَرَّرَ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْقُصُورِ عَنْ الْمُرَادِ وَإِيهَامِ غَيْرِهِ ( وَالْكُلُّ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا ( مُسْتَحَبٌّ ) وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ ( وَ ) صَرْفُهُ ( إلَى الْجِيرَانِ ، وَالْأَقَارِبِ أَفْضَلُ ) مِنْهُ إلَى غَيْرِهِمْ ( وَلَا يَحْتَقِرُ الْمُهْدِي وَلَا الْمُهْدَى إلَيْهِ الْقَلِيلَ ) فَيَمْتَنِعَ الْأَوَّلُ مِنْ إهْدَائِهِ وَالثَّانِي مِنْ قَبُولِهِ لِخَبَرِ { لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ } ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ) بِالْبَرَكَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ يَدْعُوَ الْمُهْدَى إلَيْهِ لِلْمُهْدِي ثُمَّ يَدْعُوَ لَهُ الْآخَرُ .
( قَوْلُهُ : بِالْمَعْنَى الْأَخِيرِ ) أَيْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ .
( قَوْلُهُ : بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ) أَيْ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ .
( وَفِي الْكِتَابِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الْعَاقِدَانِ وَأَمْرُهُمَا وَاضِحٌ ) مِمَّا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُمَلِّكِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَفِي الْمُتَمَلِّكِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ ( وَالثَّالِثُ الصِّيغَةُ فَالْإِيجَابُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْقَبُولُ ) عَادَةً ( شَرْطٌ ) مَعَ الْقَبُولِ ( فِي الْهِبَةِ ) كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ بِخِلَافِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ ، وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِلَا قَبُولٍ ؛ لِأَنَّهَا إسْقَاطٌ وَمِنْ صَرِيحِ الْإِيجَابِ وَهَبْت وَمَنَحْت وَمَلَّكْت بِلَا ثَمَنٍ وَمِنْ صَرِيحِ الْقَبُولِ قَبِلْت وَرَضِيتُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِهِمَا الْهِبَةُ الضِّمْنِيَّةُ كَأَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَفَعَلَ ( وَلَا يُشْتَرَطَانِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الطُّعُومِ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ الْمُمَلِّكِ ، وَالْقَبْضُ مِنْ الْمُتَمَلِّكِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَهُمَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمْ فَإِنْ قُلْت هَذَا كَانَ إبَاحَةً لَا هَدِيَّةً قُلْنَا لَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا تَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ ) فَتَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ وَبِالْكِتَابَةِ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ ، وَكَتَبَ أَيْضًا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ جَهَّزَ بِنْتَهُ بِأَمْتِعَةٍ لَمْ تَمْلِكْهَا إلَّا بِلَفْظٍ مَعَ الْقَبْضِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا لَهَا إنْ ادَّعَتْهُ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَوْ نَقَلَ ابْنَتَهُ وَجِهَازَهَا إلَى دَارِ الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ هَذَا جِهَازُ ابْنَتِي فَهُوَ مِلْكٌ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَهُوَ عَارِيَّةٌ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّجْهِيزَ بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وِفَاقًا وَمَعَ اللَّفْظِ تَمْلِيكٌ لَكِنَّ قَوْلَ الْأَبِ هَذَا جِهَازُ ابْنَتِي إقْرَارٌ بِالتَّمْلِيكِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ .
وَلَوْ وُهِبَتْ لَيْلَتَهَا مِنْ ضَرَّتِهَا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهَا وَقَوْلُهُ : فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : فَالْحَاصِلُ إلَخْ .
( قَوْلُهُ : وَمَلَّكْتُك بِلَا ثَمَنٍ ) وَأَطْعَمْتُك هَذَا فَاقْبِضْهُ ( قَوْلُهُ : وَرَضِيتُ ) أَوْ أَجَبْتُ ( قَوْلُهُ : وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِهِمَا الْهِبَةُ الضِّمْنِيَّةُ ) وَمَا إذَا وُهِبَتْ نَوْبَتَهَا مِنْ ضَرَّتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَمَا لَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَزَيَّنَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكًا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى لِزَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهَا قَالَهُ الْقَفَّالُ ، .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ كَذَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مَا قَدْ يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقَبُولِ وَكَانَتْ مِنْ الْأَبِ ، أَوْ الْجَدِّ تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَهَلْ يُحْتَاجُ إلَى لَفْظَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَمْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ .
ا هـ .
وَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لَك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عِمَامَةً مَثَلًا وَمَا تَخْلَعُهُ الْمُلُوكُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ .
( فَرْعٌ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا ) أَيْ الصِّيغَةِ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَهَبْتُكَ هَذَا ( وَلَا تَوْقِيتُهَا ) كَ وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ ( وَفِي الرُّقْبَى كَلَامٌ ) يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( يَأْتِي ، وَيَقْبَلُ ) الْهِبَةَ ( لِلصَّغِيرِ ) وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقَبُولِ ( وَلِيُّهُ ) وَلَوْ وَصِيًّا ، أَوْ قَيِّمًا ( فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ) لَهُ ( انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ ) وَأَثِمَا لِتَرْكِهِمَا الْحَظَّ بِخِلَافِ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِمَا وَذِكْرُ الْقَيِّمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَ ) يَقْبَلُهَا ( لِلْعَبْدِ ) أَيْ عَبْدِ غَيْرِ الْوَاهِبِ أَوْ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ ( نَفْسُهُ فَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلِيُّ غَيْرُ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ ) وَإِنْ كَانَ أَبًا ، أَوْ جَدًّا تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ ( وَهَلْ يَصِحُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمَوْهُوبِ ، أَوْ قَبُولُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ ) لَعَلَّهُ مُحَرَّفٌ مِنْ " الشَّخْصَيْنِ " ( نِصْفَهُ ) أَيْ نِصْفَ مَا وُهِبَ لَهُمَا ( وَجْهَانِ ) كَالْبَيْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فِيهِمَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ، وَالْفَرْقُ - بِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ - غَيْرُ قَادِحٍ ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَدِحًا ( وَإِنْ غَرَسَ ) شَجَرًا ( وَقَالَ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ غَرْسِهِ ( أَغْرِسُهُ لِطِفْلِي لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَوْ قَالَ جَعَلْته صَارَ مِلْكَهُ ) لِأَنَّ هِبَتَهُ لَهُ لَا تَقْتَضِي قَبُولًا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَهُ لِبَالِغٍ ، هَذَا ( إنْ اكْتَفَيْنَا بِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ مِنْ الْوَالِدِ ) فَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِرْ مِلْكَهُ فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ " صَارَ مِلْكَهُ إلَى آخِرِهِ " كَانَ أَوْلَى بِطَرِيقَتِهِ ( وَلَوْ عَمِلَ دَعْوَةً ) بِالْفَتْحِ أَفْصَحُ مِنْ الضَّمِّ أَيْ وَلِيمَةً ( لِخِتَانِ وَلَدِهِ فَالْهَدَايَا ) الْمَحْمُولَةُ إلَيْهِ ( الْمُطْلَقَةُ ) عَنْ ذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
- قَالَ السُّبْكِيُّ : أَوْ عَنْ قَصْدِهِ - مِلْكٌ ( لِلْأَبِ ) لِأَنَّ
النَّاسَ يَقْصِدُونَ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الَّذِي اتَّخَذَ الدَّعْوَةَ ، وَالْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ( وَلَيْسَ الظَّرْفُ ) الْمَبْعُوثُ فِيهِ الْهَدِيَّةُ ( هَدِيَّةً إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ ) فِي مِثْلِهَا ( بِرَدِّهِ بَلْ ) هُوَ ( أَمَانَةٌ ) فِي يَدِ الْمُهْدَى إلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ لِلْعُرْفِ ( فَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ وَ ) اقْتَضَتْ ( الْعَادَةُ ذَلِكَ ) أَيْ تَنَاوُلَهُ مِنْهُ ( فَعَارِيَّةٌ ) فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ مِنْهُ وَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِهَا وَقَيَّدَهُ فِي بَابِهَا بِمَا إذَا لَمْ يُقَابَلْ بِعِوَضٍ ، وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا هُنَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَقْتَضِ الْعَادَةُ تَنَاوُلَهُ مِنْهُ ( وَجَبَ تَفْرِيغُهُ ) سَوَاءٌ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَنَاوُلِهِ أَمْ اضْطَرَبَتْ وَهَذَا الثَّانِي مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ مُتَدَافِعٌ أَمَّا إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَهُوَ هَدِيَّةٌ أَيْضًا لِلْعُرْفِ وَمَحَلُّهُ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ رَدِّهِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ اضْطَرَبَتْ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ أَمَانَةٌ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ الظَّرْفُ هَدِيَّةً قَالَ الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ لَهُ رَدُّهُ حَالًا لِخَبَرِ اسْتَبِقُوا الْهَدَايَا بِرَدِّ الظُّرُوفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالِاسْتِحْبَابُ الْمَذْكُورُ حَسَنٌ وَفِي جَوَازِ حَبْسِهِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ نَظَرٌ .
إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رِضَا الْمُهْدِي بِهِ وَهَلْ يَكُونُ إبْقَاؤُهَا فِيهِ مَعَ إمْكَانِ تَفْرِيغِهِ عَلَى الْعَادَةِ مُضَمِّنًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَا لَفْظًا وَلَا عُرْفًا ، أَوْ لَا فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُفْهِمُ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا أَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا .
( فَائِدَةٌ ) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْكُلُ هَدِيَّةً حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِلشَّاةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ إلَيْهِ
يَعْنِي الْمَسْمُومَةَ بِخَيْبَرَ } وَهُوَ أَصْلٌ لِمَا يَعْتَادُهُ الْمُلُوكُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَلْتَحِقَ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ ( وَالْكِتَابُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ) كَاتِبُهُ ( الْجَوَابَ ) أَيْ كِتَابَتَهُ ( عَلَى ظَهْرِ هَدِيَّةٍ ) لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَإِنْ اشْتَرَطَهَا كَأَنْ كَتَبَ فِيهِ : وَاكْتُبْ الْجَوَابَ عَلَى ظَهْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ ( وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك ) بِهَا ( عِمَامَةً أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( تَعَيَّنَتْ ) لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ هَذَا ( إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ ) بِالْعِمَامَةِ ( وَتَنْظِيفَهُ ) بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ ( فَلَا ) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فِي الشِّقَّيْنِ لَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا فِي الْجِهَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا كَالْغَنِيِّ الْمُهْدَى إلَيْهِ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةَ وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ صَرْفِهَا فِيمَا عُيِّنَتْ لَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَالشِّقِّ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ كَالثَّانِي ( وَكَذَا لَوْ طَلَبَ الشَّاهِدُ ) مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ ( مَرْكُوبًا ) لِيَرْكَبَهُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ( فَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ ) أَيْ الْمَرْكُوبِ فَيَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ ، وَالْأَصْلُ حَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ : أَحَدُهُمَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِيمَا ذُكِرَ ، وَثَانِيهِمَا لَهُ صَرْفُهَا فِي جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ .
الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ الشَّاهِدَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمَرْكُوبِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ
، وَالْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَالْبِرِّ فَرُوعِيَ فِيهِ غَرَضُ الدَّافِعِ ( وَإِنْ وَهَبَ لَهُ دِرْهَمًا بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ خُبْزًا فَيَأْكُلَهُ لَمْ تَصِحَّ ) الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ لَهُ التَّصَرُّفَ ( قَالَهُ الْقَاضِي ) وَيُفَارِقُ : اشْتَرِ لَك بِهَذَا عِمَامَةً بِأَنَّهُ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ عُقِّبَ بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ وُضِعَ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ ( وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفَنًا لِأَبِيهِ فَكَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ ) لَهُ ( إنْ كَانَ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِأَبِيهِ ) لِفِقْهٍ ، أَوْ وَرَعٍ قَالَ السُّبْكِيُّ : أَوْ قَصَدَ الْقِيَامَ بِفَرْضِ التَّكْفِينِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَلَى الْوَارِثِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا عُلِمَ قَصْدُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي " اشْتَرِ لَك بِهَذَا عِمَامَةً " ( وَمَا يُحَصِّلُ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ لَهُمْ ) مِنْ السُّوقِ وَغَيْرِهِ ( يَمْلِكُهُ دُونَهُمْ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهُمْ وَلَا وَكِيلٍ عَنْهُمْ ( وَ ) لَكِنْ ( وَفَاؤُهُ ) لَهُمْ ( مُرُوءَةٌ ) مِنْهُ أَيْ الْمُرُوءَةُ تَقْتَضِي الْوَفَاءَ لَهُمْ بِمَا تَصَدَّى لَهُ .
( فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ) أَيْ يَفِ ( فَلَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ إظْهَارِ الْجَمْعِ لَهُمْ ) وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ دُونَهُمْ أَفَادَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الدَّافِعَ يَقْصِدُهُ دُونَهُمْ وَلَوْ لِأَجْلِهِمْ كَمَنْ يَطْلُبُ شَيْئًا لِعِيَالِهِ فَيُعْطَاهُ لِأَجْلِهِمْ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ ، ثُمَّ يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ فَإِنْ قَصَدَهُمْ مَعَهُ ، أَوْ دُونَهُ فَالْمِلْكُ مُشْتَرَكٌ فِي الْأُولَى وَمُخْتَصٌّ بِهِمْ فِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُمْ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ أَحَدًا كَانَ الْمِلْكُ لَهُ دُونَهُمْ ( وَيَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْكَافِرِ ) لِلِاتِّبَاعِ ( وَ ) قَبُولُ ( مَا
يَحْمِلُهُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ مِنْهَا ) كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ ( وَيَحْرُمُ عَلَى الْعُمَّالِ ) قَبُولُ ( هَدَايَا رَعَايَاهُمْ ) عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ .
قَوْلُهُ : وَيَقْبَلُ لِلصَّغِيرِ وَلِيُّهُ ) لَوْ قَالَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَهَبْتهَا مِنْك بَطَلَ الْإِيجَابُ ( قَوْلُهُ : وَجْهَانِ كَالْبَيْعِ ) أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَرَجَّحَهَا أَبُو شُكَيْلٍ وَفَرَّقَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْإِحْيَاءِ وَصَوَّبَهَا الدَّمِيرِيِّ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ لَهُ سَمْنٌ وَأَقِطٌ وَكَبْشٌ فَقَبِلَ السَّمْنَ ، وَالْأَقِطَ وَرَدَّ الْكَبْشَ } .
قَالَ شَيْخُنَا قَدْ يُنَازَعُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ ؛ إذْ كَلَامُنَا فِي الْهِبَةِ وَمَا فِي الْحَدِيثِ فِي الْهَدِيَّةِ وَهِيَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبُولٌ نَعَمْ يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَى الْهَدِيَّةِ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا هِبَةً أَيْضًا كَأَنْ قَصَدَ مَعَ الْبَعْثِ التَّوَدُّدَ مَثَلًا وَوُجِدَ فِيهَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ .
كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ : لِخِتَانِ وَلَدِهِ ) أَيْ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ ، أَوْ السَّفِيهِ ( قَوْلُهُ : فَالْهَدَايَا الْمُطْلَقَةُ لِلْأَبِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَصْلُحُ لِلصَّبِيِّ خَاصَّةً فَلَهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ وَاقْتَضَتْ ذَلِكَ فَعَارِيَّةٌ ) وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْ كَالسُّبْكِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ هِبَةً لِلْمَنْفَعَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ قَالَ كَمَا أَنَّ هِبَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ لَا تَكُونُ إعَارَةً لِلدَّارِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَيُفَرَّق بِأَنَّهُ هُنَاكَ وُهِبَ الْمَنَافِعَ بِخِلَافِهِ هُنَا ش ( قَوْلُهُ : فَالْوَجْهُ أَمَانَةٌ ) هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا اطَّرَدَتْ بِهِ وَمَا إذَا اضْطَرَبَتْ فِيهِ وَلِهَذَا عَبَّرَ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِيهِ اطِّرَادُهَا بِقَوْلِهِ ، وَالْعَادَةُ ذَلِكَ أَيْ لَا غَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُفْهِمُ الْأَوَّلَ ) وَالرَّاجِحُ الثَّانِي ( قَوْلُهُ : لَزِمَهُ رَدُّهُ ) وَجَّهَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْكِتَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا فِيهِ فَهُوَ كَطَبَقِ الْهَدِيَّةِ قَالَ وَكَذَا لَوْ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَاءُ وَرْدٍ فِي قَارُورَةٍ
فَحُكْمُ الْقَارُورَةِ كَالْكِتَابِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُهُ كِتَابَةُ الْجَوَابِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَاتِبُ وَاجِبَ الطَّاعَةِ كَالْأَبِ ، وَالْحَاكِمِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ سِرٌّ لَمْ يَجُزْ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَاعَتُهُ وَإِطْلَاعُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الصَّحِيفَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَوْ قَرَأَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ وَأَلْقَاهُ ، أَوْ وُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ لَمْ تَحِلَّ أَيْضًا قِرَاءَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سِرٌّ لِلْكَاتِبِ لَا يَجِبُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فِي الشِّقَّيْنِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَالشِّقِّ الْأَوَّلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ إلَخْ ) بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِيهِ بِمَا بَعْدَ إلَّا ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ وَهَبَ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ ) تَفْسُدُ الْهِبَةُ ، وَالْوَقْفُ بِكُلِّ شَرْطٍ يُفْسِدُ الْبَيْعَ ( قَوْلُهُ : أَفَادَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَالَ : أَعُمْرَتك هَذَا الْعَبْدَ ، أَوْ ) هَذِهِ ( الدَّارَ مَا عِشْت ) أَوْ حَيِيت أَوْ بَقِيت ، أَوْ نَحْوَهَا ( فَإِذَا مِتّ فَهُوَ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَهِيَ ( لِوَرَثَتِك ) أَوْ لِعَقِبِك مِنْهُمْ ( فَهَذِهِ ) هِيَ ( الْهِبَةُ بِعَيْنِهَا ) لَكِنَّهُ طَوَّلَ الْعِبَارَةَ فَتَصِحُّ وَلَا يَعُودُ الْمَوْهُوبُ إلَى الْوَاهِبِ بِحَالٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا } لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ( وَكَذَا ) الْحُكْمُ ( إذَا قَالَ أَعُمْرَتك ) هَذَا ( أَوْ جَعَلْتُهُ لَك عُمُرَك ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا } وَلِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ أَحَدٍ يَتَقَدَّرُ بِحَيَاتِهِ وَلَيْسَ فِي جَعْلِهِ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَا يُنَافِي انْتِقَالَهُ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ بَلْ هُوَ شَرْطُ الِانْتِقَالِ ( فَإِنْ زَادَ ) عَلَيْهِ ( فَإِنْ مِتّ صَارَ ) الْعَبْدُ ( حُرًّا ، أَوْ عَادَ إلَيَّ ) أَوْ إلَى وَرَثَتِي إنْ مِتّ ( صَحَّ ) عَقْدُ الْهِبَةِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهَا ( وَلَغَا الشَّرْطُ ) لِإِطْلَاقِ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ شَيْئًا إنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ ، أَوْ الْعَوْدَ إلَيْهِ ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ قَدْ صَارَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ وَوُجِدَ التَّصْرِيحُ بِهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( وَتَصِحُّ الرُّقْبَى وَصُورَتُهَا ) أَنْ يَقُولَ ( وَهَبْتهَا لَك عُمُرَك فَإِنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ ، أَوْ إلَى زَيْدٍ ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ ) لَك وَيَلْغُو الشَّرْطُ ( أَوْ يَقُولُ أَرْقَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ ، أَوْ جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى ) أَخْذًا بِإِطْلَاقِ خَبَرِ أَبِي دَاوُد { لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا ، أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ } وَالنَّهْيُ لِلْإِرْشَادِ أَيْ لَا تُعْمِرُوا شَيْئًا طَمَعًا فِي عَوْدِهِ إلَيْكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِيرَاثٌ ( فَلَوْ وَقَّتَ الْوَاهِبُ
بِعُمُرِ نَفْسِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ) كَأَنْ قَالَ جَعَلْتهَا لَك عُمُرِي ، أَوْ عُمُرَ فُلَانٍ ( فَسَدَتَا ) أَيْ الصِّيغَتَانِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ وَلِمَا فِيهِمَا مِنْ تَأْقِيتِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِ فُلَانٍ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عُمُرَك ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْلِكُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ كَمَا مَرَّ فَلَا تَأْقِيتَ فِيهِ .
( تَنْبِيهٌ ) الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَالْعُمْرَى مِنْ الْعُمُرِ وَمِنْهُ { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أَيْ أَسْكَنَكُمْ مُدَّةَ أَعْمَارِكُمْ وَالرُّقْبَى مِنْ الرُّقُوبِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ .
( قَوْلُهُ : وَيَلْغُو الشَّرْطُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ إلَّا هَذَا وَلَعَلَّ الْمَعْنَى فِيهِ - كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ - أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْمُعْطَى بَلْ عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ الْآنَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مَعَ الْمَعْقُودِ مَعَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْعَقْدُ وَفَرَّقَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ بَيْنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ هُنَا بِأَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ تُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا بَطَلَتْ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهَا فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَيَبْطُلُ وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَى ثَمَنٌ فَصَحَّتْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْهِبَةَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَحَّتْ كَالْعُمْرَى وَهُوَ كَذَلِكَ وَفَرَّقَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَقْتَضِي فَسْخًا مُنْتَظَرًا وَلَا يَضُرُّ الْهِبَةَ بِدَلِيلِ هِبَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ وَيَضُرُّ الْبَيْعَ .
( تَنْبِيهٌ ) مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ كَالْخَبَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعْمِرِ وَالْمُرْقِبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِمَدْلُولِ هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ شَرْعًا وَأَنْ لَا يَكُونَا كَذَلِكَ وَهُوَ وَاضِحٌ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( جَعَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ دَارِهِ لِلْآخَرِ عُمُرَهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ عَادَتْ إلَى صَاحِبِ الدَّارِ ، أَوْ غَيْرِهِ صَحَّتْ ) أَيْ الصِّيغَةُ لِمَا مَرَّ ( وَهِيَ رُقْبَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ بَاعَ بِصُورَةِ الْعُمْرَى ) فَقَالَ مَلَّكْتُكَهَا بِعِشْرَةِ عُمُرِكَ ( لَمْ يَصِحَّ ) لِتَطَرُّقِ الشَّرْطِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَقِيلَ تَصِحُّ كَالْعُمْرَى وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ بَلْ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا ) أَيْ الْعُمْرَى وَفِي نُسْخَةٍ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى كَقَوْلِهِ إذَا مَاتَ فُلَانٌ ، أَوْ قَدِمَ ، أَوْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ فَهِيَ لَك عُمُرَك ( فَإِنْ عَلَّقَهَا بِمَوْتِهِ ) فَقَالَ إذَا مِتّ فَهَذِهِ الدَّارُ لَك عُمُرَك فَإِذَا مِتّ فَهِيَ لِوَرَثَتِك ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى : فَهَذِهِ الدَّارُ لَك عُمُرَك ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ فَإِذَا مِتّ عَادَتْ إلَيَّ ، أَوْ إلَى وَرَثَتِي إنْ مِتّ ( فَوَصِيَّةٌ ) تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ( وَلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ حُكْمُ ) الْعَقْدِ ( الْمُنَجَّزِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ ) فَتَصِحُّ .
( الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَوْهُوبُ فَمَا جَازَ بَيْعُهُ ) مِنْ الْأَعْيَانِ ( جَازَتْ هِبَتُهُ ) وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ ( وَمَا لَا ) يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَجْهُولٍ وَضَالٍّ ( فَلَا ) يَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ وَهَذَا ( فِي الْغَالِبِ ، وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ ) كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْبَائِعِ بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهَا لِلْآخَرِ وَكَالْأُضْحِيَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهُ وَكَالْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصُّلْحِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَكَحَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ فِيهَا لَكِنْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : إنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ وَهْمٌ فَفِي الرَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ أَنَّ مَا لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ .
إذْ لَا مَحْذُورَ فِي الْمُتَصَدِّقِ بِتَمْرَةٍ أَوْ شِقِّهَا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فَكَذَا الْهِبَةُ انْتَهَى وَقَدْ يُقَالُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ عَنْهُ لَا تَمْلِيكِهِ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هِبَتِهِ بِمَعْنَى تَمْلِيكِهِ وَقَدْ مَالَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ ( فَتَجُوزُ هِبَةُ أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ مَعَ زَرْعِهَا وَ ) هِبَةُ ( أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قَبْلَ ) بُدُوِّ ( الصَّلَاحِ ) وَلَوْ ( بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ ) ذِكْرُ عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ إنْ صَحَّ إنَّمَا يَصِحُّ فِي هِبَةِ الزَّرْعِ وَحْدَهُ ( وَ ) تَجُوزُ ( هِبَةُ مُشَاعٍ ) وَإِنْ كَانَ ( لَا يَنْقَسِمُ ) كَعَبْدٍ ( وَ ) هِبَةُ ( مَغْصُوبٍ لِقَادِرٍ ) عَلَى انْتِزَاعِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ) عَلَيْهِ ( فَوَجْهَانِ ) رَجَّحَ مِنْهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ كَالْبَيْعِ .
(
فَإِنْ وَكَّلَ الْمُتَّهِبُ ) لِلْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ ، أَوْ الْمَغْصُوبَةِ ( الْمُسْتَعِيرَ ، أَوْ الْغَاصِبَ ) لَهَا ( فِي الْقَبْضِ ) مِنْ نَفْسِهِ ( وَقَبِلَ ) الْوَكَالَةَ بِأَنْ لَمْ يَرُدَّهَا صَحَّ ( أَوْ ) إذَا ( مَضَتْ مُدَّةٌ يَتَأَتَّى فِيهَا ) الْقَبْضُ ( قَالَ ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مَلَكَهُ ، ( وَبَرِئَا ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ ، وَالْغَاصِبُ ( مِنْ الضَّمَانِ ، وَقَاعِدَتُهُمْ فِي الْقَبْضِ ) مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اتِّحَادِ الْقَابِضِ ، وَالْمُقْبِضِ ( تُخَالِفُهُ ) وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُهُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي قَبْضٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إقْبَاضِ مُقْبِضٍ بِأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ لَا مُعَيَّنًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ صَحَّ وَجَزَمَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ بِالْبُطْلَانِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ انْتَهَى .
، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَأْذَنَ الْوَاهِبُ لِلْمُتَّهِبِ فِي الْقَبْضِ مِمَّنْ ذُكِرَ وَيُوَكِّلَهُ الْمُتَّهِبُ فِي الْقَبْضِ لَا أَنْ يَأْذَنَ الْوَاهِبُ لِمَنْ ذُكِرَ فِي الْإِقْبَاضِ وَيُوَكِّلَهُ الْمُتَّهِبُ فِي الْقَبْضِ ( وَلَوْ وَهَبَ مَرْهُونًا وَكَلْبًا ) وَلَوْ مُعَلَّمًا ( وَخَمْرًا ) وَلَوْ ( مُحْتَرَمَةً وَجِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ دَبْغِهِ لَمْ يَصِحَّ ) كَالْبَيْعِ ( وَهِبَةُ الدَّيْنِ ) لِلْمَدِينِ ( إبْرَاءٌ ) لَهُ مِنْهُ ( لَا تَحْتَاجُ قَبُولًا ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَتَرْكُهُ لَهُ كِنَايَةُ إبْرَاءٍ وَقِيلَ صَرِيحُهُ ( وَهِبَتُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ بَاطِلَةٌ ) لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يُقْبَضُ مِنْ الْمَدِينِ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ ( وَتَمْلِيكُ الْمِسْكِينِ الدَّيْنَ ) اللَّازِمَ لِمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ( وَلَوْ ) كَانَ الدَّيْنُ ( عَلَى غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمِسْكِينِ ( عَنْ الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ ) لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا عَلَيْهِ إبْدَالٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَفِيمَا عَلَى غَيْرِهِ تَمْلِيكٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ .
قَوْلُهُ : فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الرَّاهِنُ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ أَوْ أَعْتَقَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ هِبَتُهَا لَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَجْهُولٍ إلَخْ ) يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَجْهُولِ مَا سُومِحَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَاخْتِلَاطِ الثِّمَارِ ، وَالْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ وَالصَّبْغِ فِي الْغَصْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي فَرَائِضِ الرَّافِعِيِّ : لَوْ اصْطَلَحَ الَّذِينَ وُقِفَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ ، أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهْلٍ لَكِنْ يَحْتَمِلُ لِلضَّرُورَةِ فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ مِنْ الْبَيْنِ وَوُهِبَ لَهُمْ عَلَى جَهْلٍ بِالْحَالِ جَازَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْهِبَةِ فَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَزَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ صَالَحَ عَنْهَا وَلِيُّهَا وَلَا يَجُوزُ نَقْصُهَا عَمَّا بِيَدِهَا فَلَوْ كَانَتْ إحْدَى ثَمَانٍ فَلَيْسَ لَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمَوْقُوفِ ا هـ وَمِنْ هَذَا اخْتِلَاطُ حَمَامِ الْبُرْجَيْنِ وَاخْتِلَاطُ الصُّبْرَتَيْنِ ، وَالْمَائِعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ أَنْت فِي حِلٍّ مِمَّا تَأْخُذُ مِنْ مَالِي ، أَوْ تُعْطِي أَوْ تَأْكُلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ دُونَ الْأَخْذِ ، وَالْإِعْطَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ إبَاحَةٌ وَهِيَ تَصِحُّ مَجْهُولَةً بِخِلَافِهِمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ قَالَ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اُدْخُلْ كَرْمِي وَخُذْ مِنْ الْعِنَبِ مَا شِئْت لَا يَزِيدُ عَلَى عُنْقُودٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَاسْتُشْكِلَ ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قَالَ اُدْخُلْ بُسْتَانِي وَأَبَحْت لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْ ثِمَارِهِ مَا شِئْت كَانَ إبَاحَةً ( قَوْلُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ ) حَيْثُ قَالَ إنَّ إيرَادَ الْهِبَةِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مُمْتَنِعٌ ( قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَتَجُوزُ هِبَتُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ بِلَا خِلَافٍ .
( قَوْلُهُ : بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ عَنْهُ إلَخْ ) كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي أَوَّلِ الدَّعَاوَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ التَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ الْمُعْتَضِدُ بِالدَّلِيلِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِتَمْرَةٍ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ ( قَوْلُهُ : فَتَجُوزُ هِبَةُ أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ إلَخْ ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ حُكْمُ الْهِبَةِ فِي الِاسْتِتْبَاعِ حُكْمُ الْبَيْعِ فَمَا تُبِعَ فِيهِ تُبِعَ فِيهَا ( قَوْلُهُ : رَجَّحَ مِنْهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَجَزَمَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ بِالْبُطْلَانِ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ ) أَمَّا هِبَةُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ عَلَى إرَادَةِ نَقْلِ الْيَدِ لَا التَّمْلِيكِ فَجَائِزَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهِبَةُ الدَّيْنِ إبْرَاءٌ لَا تَحْتَاجُ قَبُولًا ) مِثْلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : وَقِيلَ صَرِيحَةٌ ) جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ تَشْطِيرِ الصَّدَاقِ ( قَوْلُهُ : وَهِبَتُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ بَاطِلَةٌ ) وَقِيلَ تَصِحُّ وَنَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ الْأَقْيَسَ ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيهَا ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ إنْ صَحَّ فَالْهِبَةُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ بِالْمُسْتَقِرِّ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِهِ عَلَى بَاذِلٍ د وَالْمُعْتَمَدُ الْبُطْلَانُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هِبَةَ الْمَوْصُوفِ لَا تَصِحُّ قَالَ فِي الْخَادِمِ : وَجْهُهُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، وَهِبَةُ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ .
( فَصْلٌ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَمْلِكُ ) الْهِبَةَ الصَّادِقَةَ بِأَنْوَاعِهَا ( إلَّا إذَا قَبَضَ ) هَا فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْعَقْدِ ، وَإِلَّا لَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيمَا نَحَلَهَا فِي صِحَّتِهِ مِنْ عِشْرِينَ وَسْقًا وَدِدْتُ أَنَّكِ حُزْتِهِ ، أَوْ قَبَضْتِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ وَرَوَى الْحَاكِمُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ ، ثُمَّ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ إنِّي لَأَرَى النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ وَلَا أَرَى الْهَدِيَّةَ الَّتِي أَهْدَيْت إلَيْهِ إلَّا سَتُرَدُّ فَإِذَا رُدَّتْ إلَيَّ فَهِيَ لَكِ فَكَانَ كَذَلِكَ } وَفِي رِوَايَةٍ { أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ مِسْكًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ نِسَائِهِ } وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ ( بِالْإِذْنِ ) فِيهِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إذْنٍ وَلَا إقْبَاضٍ لَمْ يَمْلِكْهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا كَمَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ ( فَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ ) مِنْ الْمَوْهُوبِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِلْكٌ ( لِلْوَاهِبِ ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ ( وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ ) فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا ) الْإِتْلَافُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا ( الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِلَا إذْنِهِ ) وَفِي نُسْخَةٍ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْقَبْضِ كَقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَاعْتُبِرَ تَحْقِيقُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَجُعِلَ التَّمْكِينُ مِنْهُ قَبْضًا وَقَوْلُهُ بِلَا إذْنِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ ) عَقْدُ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى اللُّزُومِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ نَحْوِ الشَّرِكَةِ ، وَالْوَكَالَةِ وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ ، وَالْإِغْمَاءُ لَكِنْ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَظَاهِرٌ أَنَّ
لِمَوْلَى الْمُتَّهِبِ الْقَبْضَ قَبْلَهَا فِي الْجُنُونِ ( وَقَامَ الْوَارِثُ ) أَيْ وَارِثُ الْوَاهِبِ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَوَارِثُ الْمُتَّهِبِ فِي الْقَبْضِ ( مَقَامَهُ ) أَيْ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ ( فَإِنْ رَجَعَ ) الْوَاهِبُ ، أَوْ وَارِثُهُ ( فِي الْإِذْنِ ) فِي الْقَبْضِ ( أَوْ مَاتَ ) هُوَ ، أَوْ الْمُتَّهِبُ ( قَبْلَ الْقَبْضِ ) فِيهِمَا ( بَطَلَ الْإِذْنُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جُنُونُ الْوَاهِبِ وَإِغْمَاؤُهُ ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَفِي رِوَايَةٍ { أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّجَاشِيِّ مِسْكًا } ) أَيْ ثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً ( قَوْلُهُ : بِالْإِذْنِ فِيهِ ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذِهِ وَأَذِنْت لَك فِي قَبْضِهَا فَقَالَ الْمُتَّهِبُ قَبِلْت صَحَّ الْعَقْدُ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ الْإِذْنُ هَذَا فِي غَيْرِ الضِّمْنِيِّ أَمَّا هِبَةُ الضِّمْنِيِّ كَ أَعْتِقْ عَنِّي فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَنْهُ وَيَسْقُطُ الْقَبْضُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَحْصُلُ الْمِلْكُ فِيهَا بِالْقَبْضِ التَّقْدِيرِيِّ .
( فَرْعٌ ) لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِهِبَةٍ فَوَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُتَّهِبُ فَفِي عِتْقِهِ تَرَدُّدٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ لَمْ يَحْصُلْ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِهِبَتِهِ عَدَمُ التَّبَرُّعِ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقَبْضِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ لِوَلِيِّ الْمُتَّهِبِ الْقَبْضُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ إلَخْ ) لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ لَكِنْ قَالَ الْوَاهِبُ رَجَعْت قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ وَقَالَ الْمُتَّهِبُ بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَّهِبِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ عَلَى قِيَاسِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ أَقْبَضَهُ ، ثُمَّ قَالَ قَصَدَ بِهِ الْإِيدَاعَ ، أَوْ الْعَارِيَّةَ فَأَنْكَرَ الْمُتَّهِبُ فَقِيَاسُ الرَّهْنِ أَيْضًا تَصْدِيقُ الْمُتَّهِبِ لِقُوَّةِ يَدِهِ بِالْمِلْكِ لَكِنْ فِي الِاسْتِقْصَاءِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْإِذْنِ فَقَالَ الْوَاهِبُ أَذِنْت لَك فِي قَبْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ وَقَالَ الْمُتَّهِبُ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يُعَارِضُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ فِيهَا وَافَقَ الْقَابِضُ عَلَى قَبْضِهِ عَنْ جِهَةِ الْهِبَةِ وَلَكِنْ ادَّعَى الرُّجُوعَ قَبْلَهُ وَهُنَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ قَبْضُهُ عَنْ الْهِبَةِ ، كَاتِبُهُ .
(
قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جُنُونُ الْوَاهِبِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ وَلَا يَرِثُهُ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ هَلْ يَقُومُ الْإِمَامُ فِي الْإِقْبَاضِ مَقَامَ الْوَارِثِ الْخَاصِّ ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَكَلَامُ الْكِتَابِ قَدْ يُفْهِمُ الْمَنْعَ وَيَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ ؛ لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَلِّكَهَا الْمُتَّهِبَ كَانَ لَهُ إقْبَاضُهُ إيَّاهَا ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقَوْلُهُ : وَيَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : وَإِنْ مَاتَ الْمُهْدِي أَوْ الْمُهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لِلرَّسُولِ إيصَالُهَا ) أَيْ الْهَدِيَّةِ إلَى الْمُهْدَى إلَيْهِ ، أَوْ وَارِثِهِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَ الْفَرْعِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَ الْمُهْدِي ) أَيْ ، أَوْ جُنَّ ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ، أَوْ فَلَسٍ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ رَجَعْت عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ وَقَالَ الْمُتَّهِبُ بَلْ بَعْدَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَاهِبِ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الرُّجُوعِ قَبْلَهُ وَيَحْتَمِلُ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ قَالَ شَيْخُنَا وَالثَّانِي أَوْجَهُ .
( فَرْعٌ قَبْضُ الْمُشَاعِ ) يَحْصُلُ ( بِقَبْضِ الْجَمِيعِ ) مَنْقُولًا كَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ ( فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا وَمَنَعَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْقَبْضِ ( الشَّرِيكُ ) فِيهِ ( وَوَكَّلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْقَبْضِ ) لَهُ ( جَازَ ) فَيَقْبِضُهُ لَهُ الشَّرِيكُ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ ( مِنْ تَوْكِيلِهِ ) أَيْ الشَّرِيكِ ( قَبَضَ لَهُ الْحَاكِمُ ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ ( وَيَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا ) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَمَّا إذَا لَمْ يَمْنَعْ الشَّرِيكُ مِنْ الْقَبْضِ بِأَنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ نَصِيبِهِ أَيْضًا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَبَضَ الْجَمِيعَ فَيَحْصُلُ الْمِلْكُ وَيَكُونُ نَصِيبُهُ تَحْتَ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَدِيعَةً .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ نَصِيبِهِ أَيْضًا إلَخْ ) لَوْ اسْتَبَدَّ الْمُتَّهِبُ بِالْقَبْضِ صَحَّ وَأَثِمَ وَضَمِنَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ .
( فَرْعٌ لَيْسَ الْإِتْلَافُ ) مِنْ الْمُتَّهِبِ لِلْمَوْهُوبِ ( قَبْضًا ) بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ لِمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِخِلَافِ الْمُتَّهِبِ ، سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ( إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ ، أَوْ الْعِتْقِ ) عَنْهُ فَأَكَلَهُ ، أَوْ أَعْتَقَهُ ، أَوْ أَمَرَ الْمُتَّهِبُ الْوَاهِبَ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَيَكُونُ قَبْضًا وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الِازْدِرَادِ ، وَالْعِتْقِ ( وَيَصِحُّ بَيْعُ الْوَاهِبِ ) لِلْمَوْهُوبِ ( قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَ الْهِبَةِ ) وَحُصُولَ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ وَتَبْطُلُ الْهِبَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ ( وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ بِالْهِبَةِ ) وَلَوْ مَعَ الْمِلْكِ ( إقْرَارًا بِالْقَبْضِ ) لِلْمَوْهُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ ، وَالْإِقْرَارُ يُحْمَلُ عَلَى الْيَقِينِ ( إلَّا إنْ قَالَ وَهَبْته لَهُ وَخَرَجْت مِنْهُ إلَيْهِ ) فَيَكُونُ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ إلَى نَفْسِهِ مَا يُشْعِرُ بِالْإِقْبَاضِ ( وَهَذَا إنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ ، وَإِلَّا فَلَا ) يَكُونُ إقْرَارًا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ ( وَقَوْلُهُ وَهَبْته لَهُ وَأَقْبَضْته ) لَهُ ( إقْرَارٌ بِالْجَمِيعِ ) أَيْ بِالْهِبَةِ ، وَالْقَبْضِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ مَعَ الْمِلْكِ ) وَالْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ ( قَوْلُهُ : وَخَرَجَتْ مِنْهُ إلَيْهِ ) أَوْ مَلَكَهُ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ وَهَبْتُهُ لَهُ وَأَقْبَضْتُهُ لَهُ إقْرَارٌ بِالْجَمِيعِ ) وَلَوْ قِيلَ لَهُ وَهَبْتَ لِفُلَانٍ وَأَقْبَضْتَهُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا بِهِمَا .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْهِبَةِ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّوَابِ ) ( وَفِيهِ طَرَفَانِ : الْأَوَّلُ فِي الرُّجُوعِ وَيُكْرَهُ ) لِلْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا ( أَنْ يَهَبَ لِأَحَدِ وَلَدَاهُ أَكْثَرَ ) مِنْ الْآخَرِ ( وَلَوْ ذَكَرًا ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِئَلَّا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى الْعُقُوقِ وَفَارَقَ الْإِرْثَ بِأَنَّ الْوَارِثَ رَاضٍ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ بِخِلَافِ هَذَا وَبِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ ، أَمَّا بِالرَّحِمِ الْمُجَرَّدَةِ فَهُمَا سَوَاءٌ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ ، وَالْهِبَةُ لِلْأَوْلَادِ أُمِرَ بِهَا صِلَةً لِلرَّحِمِ نَعَمْ إنْ تَفَاوَتُوا حَاجَةً قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلَيْسَ فِي التَّفْضِيلِ وَالتَّخْصِيصِ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ ، وَإِذَا ارْتَكَبَ التَّفْضِيلَ الْمَكْرُوهَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرِينَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَدْلُ وَلَوْ رَجَعَ جَازَ بَلْ حَكَى فِي الْبَحْرِ اسْتِحْبَابَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ جَوَازِهِ ، أَوْ اسْتِحْبَابِهِ فِي الزَّائِدِ ( وَ ) يُكْرَهُ ( أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِمْ إنْ عَدَلَ ) بَيْنَهُمْ ( إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ) كَأَنْ يَكُونُوا عَقَقَةً ، أَوْ يَسْتَعِينُونَ بِمَا أَعْطَاهُ لَهُمْ فِي مَعْصِيَةٍ وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ إنْذَارِهِ لَهُمْ بِالرُّجُوعِ فَلَا يُكْرَهُ رُجُوعُهُ فِيهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ بَلْ الْقِيَاسُ فِي الثَّانِيَةِ اسْتِحْبَابُ الرُّجُوعِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَأَمَّا الْعَاقُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ زَادَهُ الرُّجُوعُ عُقُوقًا كُرِهَ ، أَوْ أَزَالَهُ اُسْتُحِبَّ ، أَوْ لَمْ يَفِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا أُبِيحَ وَيَحْتَمِلُ اسْتِحْبَابَ عَدَمِهِ ( وَالْعَدْلُ ) فِي هِبَةِ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ ( أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ ) كَعَكْسِهِ بَلْ أَوْلَى ( فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا فَالْأُمُّ ) أَوْلَى لِخَبَرِ { إنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِخْوَةَ وَنَحْوَهُمْ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْحُكْمُ قَالَ ابْنُ
الرِّفْعَةِ وَيَحْتَمِلُ طَرْدَهُ لِلْإِيحَاشِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْأَوْلَادِ عَدَمُ الْبِرِّ وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا بَيْنَ الْأَوْلَادِ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْهِبَةِ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّوَابِ ) ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ تَفَاوَتُوا حَاجَةً إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ ذَا فَضِيلَةٍ بِعِلْمٍ ، أَوْ وَرَعٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّخْصِيصِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَأَحْفَادٌ فَهَلْ تُشْرَعُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ ، أَوْ يَخْتَصُّ بِهَا الْأَوْلَادُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَالِدُ الْحَافِدِ مَوْجُودًا ، أَوْ مَيِّتًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَ الْغَزِّيِّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ وَالِدِي : وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَنَّ الثَّالِثَ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، فس ( قَوْلُهُ : فَلَا يُكْرَهُ رُجُوعُهُ فِيهَا ) أَيْ عَطِيَّتِهِمْ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ ) مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ بَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَصْلُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا إلَى الرُّجُوعِ لِنَفَقَةِ عِيَالٍ ، أَوْ دَيْنٍ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا عَنْهَا وَإِلَّا نُظِرَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ بَارًّا كُرِهَ الرُّجُوعُ لِلْإِيحَاشِ وَكَسْرِ الْقَلْبِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رِضَاهُ بِقَوْلٍ ، أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ ظَاهِرَةٍ فَلَا وَإِنْ كَانَ عَاقًّا لَكِنَّهُ لَا يَصْرِفُ الْمَوْهُوبَ فِي الْمَعَاصِي وَلَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَيْهَا أَنْذَرَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْعُقُوقِ كُرِهَ الرُّجُوعُ وَإِنْ أَصَرَّ لَمْ يُكْرَهْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الرُّجُوعَ يَزِيدُهُ عُقُوقًا فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ الْمَوْهُوبَ فِي الْمَعَاصِي أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَيْهَا كَسَيْفٍ يَقْطَعُ بِهِ الطَّرِيقَ ، أَوْ فَرَسٍ يَرْكَبُهُ لِذَلِكَ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ رَجَعَ الْأَبُ عَنْ الْهِبَةِ لَانْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الرُّجُوعِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا إلَى كَفِّهِ عَنْ الْمَعَاصِي وَهَذَا وَاضِحٌ وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ تَحْرِيمُ هِبَةِ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي الْمَعَاصِي لَا مَحَالَةَ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَقَوْلُهُ
: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الرُّجُوعِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ إلَخْ ) الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ .
( فَصْلٌ : لِلْأَبِ وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ ( لَا غَيْرِهِمْ ) كَالْإِخْوَةِ ( الرُّجُوعُ ) وَلَوْ كَانَ قَدْ أَسْقَطَهُ ( مِنْ دُونِ ) حُكْمِ ( الْحَاكِمِ ) بِالرُّجُوعِ ( فِي الْهِبَةِ ، وَالْهَدِيَّةِ ، وَالصَّدَقَةِ لِلْوَلَدِ ) سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا الْوَلَدُ أَمْ لَا غَنِيًّا كَانَ ، أَوْ فَقِيرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لِخَبَرِ { لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ، أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ بِجَامِعِ أَنَّ لِكُلٍّ وِلَادَةً كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَأَمَّا خَبَرُ { مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا } فَيُحْمَلُ عَلَى الْأُصُولِ وَخُصُّوا بِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُمْ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمْ فَلَا يَرْجِعُونَ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ ( وَعَبْدِهِ ) أَيْ وَلِعَبْدِ الْوَلَدِ ( غَيْرِ الْمُكَاتَبِ ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لِعَبْدِ الْوَلَدِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَهِبَةِ اثْنَيْنِ لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فِيهِ ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا كَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهِبَتُهُ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ( لَا فِي الْإِبْرَاءِ ) لِوَلَدِهِ عَنْ دَيْنِهِ أَيْ لَا يَرْجِعُ فِيهِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ إذْ لَا بَقَاءَ لِلدَّيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ ( وَلَا فِي الْهِبَةِ ) مِنْ اثْنَيْنِ ( لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فِيهِ ) أَيْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا فِيهِمَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ كَوْنِ الْوَلَدِ لَهُ ( فَلَوْ أُلْحِقَ ) الْوَلَدُ ( بِإِحْدَاهُمَا رَجَعَ ) عَلَيْهِ فِي هِبَتِهِ لَهُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ ( وَإِنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ الْوَلَدُ ) لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ وَإِنَّمَا وَرِثَهُ جَدُّ الْوَلَدِ ( لَمْ يَرْجِعْ ) فِي الْهِبَةِ ( الْجَدُّ الْحَائِزُ ) لِلْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا
تُورَثُ وَحْدَهَا إنَّمَا تُورَثُ بِتَبَعِيَّةِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَرِثُهُ .
( قَوْلُهُ : لِلْأَبِ وَكَذَا سَائِرُ الْأُصُولِ لَا غَيْرِهِمْ الرُّجُوعُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّمَا يُرْجَعُ فِي الصَّدَقَةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا وَغَيْرِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا الْوَاجِبَةُ فِي زَكَاةٍ أَوْ فِدْيَةٍ ، أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَحْمَ أُضْحِيَّةٍ تَطَوُّعًا وَهُوَ فَقِيرٌ ، أَوْ غَنِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِيَسْتَفِيدَ التَّصَرُّفَ وَهُوَ فِي مِثْلِ هَذَا مُمْتَنِعٌ قَالَ قُلْته تَخْرِيجًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ قُلْت لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي التَّصَرُّفِ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ فَقَدْ يَتَصَرَّفُ بِالْأَكْلِ ، أَوْ بِإِهْدَائِهِ أَوْ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ع قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ أَعْطَاهُ لَحْمَ الْأُضْحِيَّةِ ، أَوْ الزَّكَاةَ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا رُجُوعَ ا هـ وَلَوْ وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ هَلْ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ بِالرُّجُوعِ كَالْهِبَةِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي الْإِعْطَاءِ ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُهُمَا الْكَرَاهَةُ إلَّا إنْ وُجِدَ مُقْتَضٍ لَهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ ، كَاتِبُهُ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِوَلَدِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَهَبَهَا لَهُ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ هَلْ يُصَدَّقُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ بِهِ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَالثَّانِي لَا وَبِهِ أَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُقَالَ إنْ أَقَرَّ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْهُ إلَى الِابْنِ رَجَعَ ، أَوْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَلَا .
ا هـ .
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي التَّعْلِيقِ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ ابْنِي فِي يَدِي أَمَانَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ كَانَ نِحْلَةً وَقَدْ رَجَعْت فِيهِ وَكَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلَدِ وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَهَكَذَا صَوَّرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَسْأَلَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي يَدِ الْأَبِ ، أَوْ الْوَلَدِ وَلَا بَيْنَ
الْوَلَدِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَتَى ظَهَرَتْ قَرِينَةُ حَالٍ عَلَى صِدْقِ الْأَبِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ بِهِ مَعْرُوفًا بِهِ وَأَنَّهُ مَلَكَهُ ، أَوْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ مِنْ إرْثٍ وَلَا غَيْرِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَالْوَجْهُ تَصْدِيقُ الْأَبِ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَ ( قَوْلُهُ : فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إنَّمَا تُورَثُ بِتَبَعِيَّةِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَرِثُهُ ) مُرَادُهُ بِالْمَالِ الْمَوْهُوبُ فَإِنْ لَمْ يَرِثْ الْمَوْهُوبَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ .
( فَرْعٌ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ ) فِي الْمَوْهُوبِ ( بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ عَنْهُ ) بِتَلَفٍ ، أَوْ بَيْعٍ ، أَوْ غَيْرِهِ صِيَانَةً لِمِلْكِ غَيْرِهِ وَلِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عَلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ أَبِيهِ الْوَاهِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَوْ عَادَ ) إلَيْهِ بِإِرْثٍ ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ حَتَّى يُزِيلَهُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ ( وَ ) يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِيهِ ( بِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ ) بِأَنْ رَهَنَهُ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ لِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عَلَيْهِ وَصِيَانَةً لِمِلْكِ غَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَلَهُ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ فِي صُورَةِ الْأَجْنَبِيِّ - وَهُوَ إبْطَالُ حَقِّهِ - مُنْتَفٍ هُنَا وَلِهَذَا صَحَّحُوا بَيْعَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ دُونَ غَيْرِهِ .
وَخَرَجَ بِالْمَقْبُوضِ غَيْرُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِبَقَاءِ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ ( وَبِجِنَايَةٍ ) مِنْ الْمَوْهُوبِ أَوْجَبَتْ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِهِ كَمَا فِي الرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ ( وَبِحَجْرِ فَلَسٍ ) عَلَى الْوَلَدِ كَالرَّهْنِ ، وَالْجِنَايَةِ ( لَا ) بِحَجْرِ ( سَفَهٍ ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ وَلَوْ جُنَّ الْأَبُ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ حَالَ جُنُونِهِ وَلَا رُجُوعَ لِوَلِيِّهِ بَلْ إذَا أَفَاقَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ( وَ ) يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ ( بِاسْتِيلَادٍ ) لِلْمَوْهُوبَةِ لِعَدَمِ بَقَاءِ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهَا ( لَا وَطْءٍ ) لَهَا إذْ لَا مَانِعَ ( وَ ) يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ ( بِكِتَابَةٍ ) لِلْمَوْهُوبِ كَالرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ ( لَا تَدْبِيرٍ وَتَزْوِيجٍ ، وَإِجَارَةٍ ) وَزِرَاعَةٍ ، وَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ ( وَلَا بِفَسْخِهَا ) أَيْ الْوَالِدِ الْإِجَارَةَ ( إنْ رَجَعَ ) بَلْ تَبْقَى بِحَالِهَا كَالتَّزْوِيجِ ( وَيُمَكَّنُ ) الْوَالِدُ ( مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي لِيَرْجِعَ فِيهِ
لَا ) مِنْ فِدَاءِ ( الْمَرْهُونِ ) بِأَنْ يَبْذُلَ قِيمَتَهُ لِيَرْجِعَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ نَعَمْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ بِشَرْطِ رِضَا الْغَرِيمِ .
( وَلَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ ) شَيْئًا ( فَوَهَبَ ) هـ ( الْوَلَدُ لِلْجَدِّ ، ثُمَّ الْجَدُّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَالرُّجُوعُ ) ثَابِتٌ ( لِلْجَدِّ فَقَطْ ) أَيْ لَا لِوَلَدِهِ ( وَيَرْجِعُ ) الْوَاهِبُ ( فِي مَرْهُونٍ وَمُكَاتَبٍ انْفَكَّا ) عَنْ الرَّهْنِ ، وَالْكِتَابَةِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فِيهَا لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ فِيهِمَا ( وَ ) فِي ( عَصِيرٍ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ ) إذْ الْمِلْكُ الثَّابِتُ فِي الْخَلِّ سَبَبُهُ تَمَلُّكُ الْعَصِيرِ فَكَأَنَّهُ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ ( وَمَتَى ارْتَدَّ الْوَلَدُ فَالرُّجُوعُ مَوْقُوفٌ ) عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَإِلَّا فَلَا ( وَلَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ ) شَيْئًا ( وَ ) وَهَبَهُ ( الْوَلَدُ لِوَلَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لِلْأَوَّلِ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ بَيْعٍ ) لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْبَيْعِ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ ، أَوْ لَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ عَلَى قَوْلِ : الْمِلْكُ لَهُ ، وَسَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، أَوْ قَرِيبٍ لَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ فِي حَقِّهِ لِلْوَاهِبِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ الِامْتِنَاعُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ مَتَى كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ أَوْ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي لَمْ يَمْتَنِعْ الرُّجُوعُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ : وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ( قَوْلُهُ وَبِجِنَايَةٍ ) فَلَوْ قَالَ : أَفْدِيهِ وَأَرْجِعُ مُكِّنَ جَزْمًا كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : وَلَا يَفْسَخُهَا إنْ رَجَعَ ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأُجْرَةُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لِلْمُتَّهِبِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُجُوعِ الْبَائِعِ بِالتَّحَالُفِ أَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ يُرْفَعُ مِنْ أَصْلِهِ عَلَى وَجْهٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِيهِ نَظَرٌ .
ا هـ .
قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْجَزْمُ بِهِ وَقَوْلُهُ : يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ ) فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ دَرَاهِمِهِ مُسْتَحَقَّةً فَيَفُوتُ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ الْعَقْدَ وَلَا يَقَعُ مَوْقُوفًا بِخِلَافِ بَذْلِ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ مَوْقُوفًا فَإِنْ سَلَّمَ مَا بَذَلَهُ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ
( فَصْلٌ : يَرْجِعُ ) فِي الْمَوْهُوبِ ( بِالزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ ) كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ لَا يَرْجِعُ فِيهِ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِ الْمُتَّهِبِ ( لَا ) بِالزَّوَائِدِ ( الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ ) كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ لَا يَرْجِعُ فِيهِ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِ الْمُتَّهِبِ ( لَا ) بِالزَّوَائِدِ ( الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ ) كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ ، وَالْكَسْبِ بَلْ تَبْقَى لِلْمُتَّهِبِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ يَرْجِعُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْهُوبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَفِي جَعْلِ وَلَدِ الْحَمْلِ الْقَدِيمِ مِنْ الزَّوَائِدِ تَسَمُّحٌ ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ ( وَهَلْ يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ قَبْلَ الْوَضْعِ ) لِلْحَمْلِ الْحَادِثِ ( أَمْ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى الْوَضْعِ وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ وَلَهُ أَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ .
( وَلَوْ زَرَعَ ) الْوَلَدُ ( الْحَبَّ أَوْ تُفَرِّخُ الْبَيْضُ فَلَا رُجُوعَ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا إذَا ضَمَّنَّا الْغَاصِبَ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَقَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَيَرْجِعُ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الرُّجُوعِ وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ وَاخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْفَلَسِ ( وَإِنْ صَبَغَ الْوَلَدُ الثَّوْبَ شَارَكَهُ ) أَيْ شَارَكَ وَالِدَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ فِي الثَّوْبِ ( بِالصَّبْغِ وَلَوْ قَصَرَهُ ) أَوْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ( وَزَادَتْ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَيُشَارِكُهُ فِي الزَّائِدِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ فَلَا شَرِكَةَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا كَالْقِصَارَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْفَلَسِ عَلَى خِلَافِ مَا جَزَمَا بِهِ هُنَا مِنْ أَنَّهُ كَالسِّمَنِ وَالْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ هُنَا لِذَلِكَ
لَكِنْ أَجَابَ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا هُنَا تَعَلُّمٌ ، لَا مُعَالَجَةَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ وَمَا هُنَاكَ تَعْلِيمٌ فِيهِ مُعَالَجَةٌ مِنْهُ .
( وَيَتَخَيَّرُ ) الْوَالِدُ بَعْدَ رُجُوعِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْهُوبَةِ وَقَدْ غَرَسَ فِيهَا الْوَلَدُ أَوْ بَنَى ( فِي الْغَرْسِ ) أَوْ الْبِنَاءِ ( بَيْنَ قَلْعِهِ بِأَرْشٍ أَوْ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَةٍ ، أَوْ تَبَعِيَّتِهِ بِأُجْرَةٍ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ كَالْعَارِيَّةِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِيهَا فِي بَابِهَا التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ فَلْيُؤَوَّلْ قَوْلُهُ كَالْعَارِيَّةِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي مُطْلَقِ التَّخْيِيرِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ ثَمَّ مَنْعُ مَا صَحَّحَهُ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ ، وَالْقِيَاسَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثِ .
قَوْلُهُ : أَصَحُّهُمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا إذَا ضَمَّنَّا إلَخْ ) حَكَاهُ الْأَصْلُ حِكَايَةَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ وَلِهَذَا جَرَى الْأَصْفُونِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْفَلَسِ ) وَالْأَصَحُّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِهْلَاكَ الْمَوْهُوبِ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْوَاهِبِ بِالْكُلِّيَّةِ وَاسْتِهْلَاكُ الْمَبِيعِ مَثَلًا لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يُضَارِبُ بِثَمَنِهِ فَلِذَا رَجَعَ فِي الزَّرْعِ وَالْفَرْخِ ؛ لِأَنَّهُمَا حَدَثَا مِنْ عَيْنِ مَالِهِ ، أَوْ هُمَا عَيْنُ مَالِهِ اكْتَسَبَا صِفَةً أُخْرَى وَلَوْ نَذَرَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا أَفْتَى الْفَقِيهُ جَمَالُ الدِّينِ الْبَصَّالُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَقَالَ الْأَزْرَقُ فِي نَفَائِسِهِ إنَّهُ الصَّوَابُ وَهُوَ مُقْتَضَى تَرْجِيحِ الرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالَ وَالصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ كَالزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَمَا لَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ غَيْرُ الْبَصَّالِ مِنْ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ بِالرُّجُوعِ .
( فَرْعٌ ) مَلَّكَتْ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهَا لِابْنَتِهَا الصَّغِيرَةِ وَأَقَرَّتْ أَنَّهَا مَلَّكَتْهَا ذَلِكَ بِإِذْنِ أَبِيهَا صَحَّ وَتُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا .
( فَرْعٌ يَحْصُلُ الرُّجُوعُ ) فِي الْهِبَةِ ( بِ رَجَعْتُ فِي الْهِبَةِ وَأَبْطَلْتُهَا وَنَقَضْتُهَا وَنَحْوِهِ ) كَ ارْتَجَعْتُ الْمَوْهُوبَ وَاسْتَرْدَدْته وَرَدَدْته إلَى مِلْكِي وَكُلُّهَا صَرَائِحُ وَالْكِنَايَةُ كَ أَخَذْتُهُ وَقَبَضْته ( فَلَوْ بَاعَ ) الْوَالِدُ ( أَوْ أَتْلَفَ ) أَوْ وَهَبَ ، أَوْ وَقَفَ أَوْ أَعْتَقَ ، أَوْ وَطِئَ ، أَوْ اسْتَوْلَدَ الْمَوْهُوبَ ( لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ) لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْوَلَدِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِيهِ فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَالِدِ وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ مِلْكِ الْوَلَدِ لِلْمَوْهُوبِ ( فَيَلْزَمُهُ بِالْإِتْلَافِ وَالِاسْتِيلَادِ الْقِيمَةُ وَبِالْوَطْءِ الْمَهْرُ ) وَتَلْغُو الْبَقِيَّةُ ( وَتَحْرُمُ بِهِ ) الْأَمَةُ ( عَلَى الْوَلَدِ ) لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ وَالِدِهِ ( وَ ) تَحْرُمُ ( مَوْطُوءَتُهُ ) أَيْ مَوْطُوءَةُ الْوَلَدِ الَّتِي وَطِئَهَا الْوَالِدُ ( عَلَيْهِمَا ) مَعًا ، وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ مِنْ بَابِ مَوَانِعِ النِّكَاحِ ( وَالْمَوْهُوبُ بَعْدَ الرُّجُوعِ ) فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْدَادٍ لَهُ ( أَمَانَةٌ ) فِي يَدِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ ( وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرُّجُوعِ بِشَرْطٍ ) كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ رَجَعْت ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ( وَلَوْ اتَّفَقَا ) أَيْ الْمُتَوَاهِبَانِ ( عَلَى فَسْخِهَا ) أَيْ الْهِبَةِ بِأَنْ تَفَاسَخَاهَا ( حَيْثُ لَا رُجُوعَ ) فِيهَا ( فَهَلْ تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ تَقَايَلَا ، أَوْ لَا ) تَنْفَسِخُ ( كَالْخُلْعِ ) فِيهِ ( وَجْهَانِ ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ صِحَّةُ الْإِقَالَةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي امْتِنَاعَهَا وَبِهِ وَبِامْتِنَاعِ التَّفَاسُخِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فَقَالَ وَلَوْ تَقَايَلَا فِي الْهِبَةِ ، أَوْ تَفَاسَخَا حَيْثُ لَا رُجُوعَ لَمْ تَنْفَسِخْ .
( قَوْلُهُ : يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِ رَجَعْتُ إلَخْ ) ذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ رُجُوعًا فِي الْفَلَسِ كَانَ رُجُوعًا فِي الْهِبَةِ وَمَا لَا فَلَا ( قَوْلُهُ : وَبِهِ وَبِامْتِنَاعِ التَّفَاسُخِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فَقَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الْغَزِّيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مِثْلُ عِبَارَةِ الْأَنْوَارِ ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْإِقَالَةِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُتَقَايِلَيْنِ وَلَا تَقَايُلَ هَاهُنَا .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الثَّوَابِ ) عَلَى الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا ( وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِمُطْلَقِ الْهِبَةِ ، وَالْهَدِيَّةِ ) إذْ لَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَلَا الْعَادَةُ ( وَلَوْ ) وَقَعَ ذَلِكَ ( مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى ) كَمَا فِي إعَارَتِهِ لَهُ إلْحَاقًا لِلْأَعْيَانِ بِالْمَنَافِعِ وَكَمَا لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( فَإِنْ أَثَابَهُ ) الْمُتَّهِبُ عَلَى ذَلِكَ ( فَهِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهَا ) إذَا كَانَ هُوَ الْمُثِيبَ وَعَكَسَ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ فَأَعْطَاهُ الِابْنُ ثَوَابًا لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ ( وَإِذَا قَيَّدَهَا ) الْمُتَعَاقِدَانِ ( بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ لَا مَجْهُولٍ صَحَّ الْعَقْدُ بَيْعًا ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ مَعْلُومٍ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَيَّدَهَا بِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ لِتَعَذُّرِهِ بَيْعًا وَهِبَةً ( وَتَثْبُتُ فِيهِ ) أَيْ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ ( أَحْكَامُهُ ) أَيْ الْبَيْعِ كَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَاللُّزُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي ( بِالْعَقْدِ لَا الْقَبْضِ ) لِلْمَوْهُوبِ كَالْبَيْعِ ( فَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ ) فِيهِ ( وَيَجْتَنِبُ فِيهِ الرِّبَا ) وَفِي نُسْخَةٍ : الزِّيَادَةُ ، أَيْ الْمُفَاضَلَةُ فِي الرِّبَوِيِّ ( وَيَرُدُّ ) الثَّوَابَ ( بِالْعَيْبِ ) الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ ثَمَّ إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ طَالَبَ بِسَلِيمٍ ، أَوْ مُعَيَّنًا رَجَعَ إلَى عَيْنِ الْمَوْهُوبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَإِلَّا طَالَبَ بِبَدَلِهِ ( وَيَسْتَرِدُّ ) الْمُثِيبُ ( ثَوَابَهُ إنْ خَرَجَ الْمَوْهُوبُ مُسْتَحَقًّا ) بِنَاءً فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمَذْكُورَ بَيْعٌ ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ مُسْتَحَقًّا تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّوَابِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّوَابِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْبَدَلِ صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَدَلِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا قَيَّدَهَا ) أَيْ الْهِبَةَ بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُك بِكَذَا وَخَرَجَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَأَعْمَرْتُكَ وَأَرْقَبْتُكَ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ : لَا يَبْعُدُ عِنْدِي جَوَازُهُ
( فَصْلٌ فِيهِ مَسَائِلُ ) تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ لَوْ ( وَهَبَ لَهُ مَنَافِعَ دَارٍ فَهَلْ الدَّارُ عَارِيَّةٌ ) لَهُ فَلَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا ، أَوْ لَا فَتَكُونُ أَمَانَةً وَيَمْلِكَ مَنَافِعَهَا بِقَبْضِهَا وَهُوَ اسْتِيفَاؤُهَا لَا بِقَبْضِ الدَّارِ فِيهِ ( وَجْهَانِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ .
قَوْلُهُ : أَوْ لَا ) فَتَكُونُ أَمَانَةً فَلَا يَضْمَنُ الدَّارَ لَوْ انْهَدَمَتْ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ اسْتِيفَاؤُهَا ) فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ اسْتِيفَاءَهَا إتْلَافٌ لَهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ تَلَفِهَا قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِأَنَّهُ بِاسْتِيفَائِهَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَلَكَهَا قُبَيْلَهُ وَلَهُ نَظَائِرُ ، كَاتِبُهُ .
( قَوْلُهُ : بِقَبْضِ الدَّارِ ) وَاكْتُفِيَ فِي الْإِجَارَةِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ) وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ مَا يُرَجِّحُ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ : هَذِهِ الدَّارُ لَك هِبَةُ سُكْنَى إقْرَارًا بِالْعَارِيَّةِ .
ا هـ .
فَقَوْلُهُ : وَهَبْتُك سُكْنَاهَا إنْشَاءٌ لِلْعَارِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَفْتَيْت .
( وَلَوْ فَسَدَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَضْمَنْ الْمَقْبُوضَ ) بِهَا أَيْ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتَّهِبُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ فِيهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( فَإِنْ جَدَّدَ لَهُ ) الْوَاهِبُ ( الْهِبَةَ ) بَعْدَ فَسَادِهَا ( وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ الْأُولَى فَكَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ) وَهُوَ ( يَظُنُّهُ حَيًّا ) فَبَانَ مَيِّتًا فَتَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ فِيمَا لَوْ اعْتَقَدَ فَسَادَهَا ( وَقَوْلُهُ ) لِغَيْرِهِ ( كَسَوْتُك ) هَذَا ( الثَّوْبَ كِنَايَةٌ ) فِي الْهِبَةِ فَلَوْ قَالَ الْوَاهِبُ لَمْ أُرِدْهَا صُدِّقَ ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْعَارِيَّةِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْهِبَةِ بَلْ كِنَايَةً ( بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنَحْتُك ) هَذَا ( فَقَبِلَ وَأَقْبَضَهُ ) لَهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ .
( وَإِنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا وَأَقْبَضَهُ ) إيَّاهَا ( فِي الصِّحَّةِ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ) لِبَاقِي الْوَرَثَةِ ( أَنَّ أَبَاهُ ) قَدْ ( رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ لَهُ مُطْلَقًا ) بِأَنْ لَمْ تَذْكُرْ مَا رَجَعَ فِيهِ ( لَمْ تُسْمَعْ ) شَهَادَتُهَا فَلَا تُنْزَعُ بِهَا الْعَيْنُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَرْجُوعِ فِيهِ ( وَلَوْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْمُتَّهِبُ وَبَاقِي الْوَرَثَةِ ( هَلْ كَانَتْ ) أَيْ الْهِبَةُ ( فِي مَرَضِ الْوَاهِبِ ، أَوْ ) فِي ( صِحَّتِهِ ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُتَّهِبُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ وَبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمَرَضِ ( صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ ) غَيْرُهُ ( بِثَوْبٍ فَظَنَّهُ ) أَنَّهُ ( أَوْدَعَهُ ) أَوْ أَعَارَهُ لَهُ ( مَلَكَهُ ) اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الدَّافِعِ فَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَرْجُوعِ فِيهِ ) فَلَوْ ثَبَتَ إقْرَارُ الْوَلَدِ بِأَنَّ الْأَبَ لَمْ يَهَبْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ ثَبَتَ الرُّجُوعُ ( قَوْلُهُ : صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللُّزُومِ فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْوَارِثِ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ إلَّا أَنْ تُفْصِحَ بَيِّنَةُ الْمُتَّهِبِ بِأَنَّهُ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ مِنْ مَرَضٍ آخَرَ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَارِثُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَقَالَ الْمُتَّهِبُ بَلْ انْدَمَلَ ثُمَّ مَرِضَ ، ثُمَّ مَاتَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَرَضُ مَخُوفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَّهِبِ غ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّ فُلَانًا وُهِبَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ يَوْمَ كَذَا وَآخَرَانِ بِأَنَّهُ وَهَبَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَيِّنَةُ الْمَرَضِ أَوْلَى وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو بِمَالٍ فِي مَكَانِ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَآخَرَانِ بِأَنَّ زَيْدًا كَانَ مَجْنُونًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِقْرَارُهُ كَانَ فِي جُنُونِهِ ، قَالَ : إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ جُنُونٌ سَابِقٌ فَبَيِّنَةُ الْجُنُونِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ أَحْيَانًا وَيُفِيقُ أَحْيَانًا وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَالْبَيِّنَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ .
ا هـ .
وَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ بَيِّنَةَ مَرَضِ الْمَوْتِ مُقَدَّمَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ .
( وَأَفْضَلُ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا ) وَفِعْلِ مَا يَسُرُّهُمَا مِنْ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } الْآيَةَ { وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ تَحْتِي امْرَأَةٌ وَكُنْت أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ لِي طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلِّقْهَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَذِكْرُ أَفْضَلِيَّةِ الْبِرِّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَمِنْ بِرِّهِمَا الْإِحْسَانُ إلَى صَدِيقِهِمَا ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ } ( وَمِنْ الْكَبَائِرِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ) بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَفِي نُسْخَةٍ عُقُوقُ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَهُوَ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا أَذًى لَيْسَ بِهَيِّنٍ ) مَا لَمْ يَكُنْ مَا آذَاهُمَا بِهِ وَاجِبًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( وَصِلَةُ الرَّحِمِ ) أَيْ الْقَرَابَةِ ( مَأْمُورٌ بِهَا ) وَهِيَ فِعْلُك مَعَ قَرِيبِك مَا تُعَدُّ بِهِ وَاصِلًا غَيْرَ مُنَافِرٍ وَمُقَاطِعٍ لَهُ ( وَتَكُونُ ) صِلَتُهُمَا ( بِالْمَالِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ ، وَالْمُرَاسَلَةِ بِالسَّلَامِ ) وَنَحْوِهَا ( وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ وَفَاءِ الْوَعْدِ ) قَالَ تَعَالَى { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ } وَقَالَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَقَالَ { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } ( وَ ) تَتَأَكَّدُ ( كَرَاهَةُ خِلَافِهِ ) أَيْ الْوَعْدِ قَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ { آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ } زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ : { وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ }
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَلَمْ يَحْرُمْ إخْلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ
( كِتَابُ اللُّقَطَةِ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا ، وَيُقَالُ لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ ، وَلَقَطٌ بِفَتْحِهِمَا بِلَا هَاءٍ وَهِيَ لُغَةً الشَّيْءُ الْمَلْقُوطُ وَيُقَالُ : اللُّقَطَةُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - اسْمٌ لِلْمُلْتَقِطِ - بِكَسْرِهَا - أَيْضًا ، وَشَرْعًا مَا وُجِدَ مِنْ حَقٍّ ضَائِعٍ مُحْتَرَمٍ لَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ فَقَالَ : اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ ، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ : مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ، وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ : خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ ، أَوْ لِلذِّئْبِ } وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِ الضَّائِعِ بِأَنَّ الضَّائِعَ مَا يَكُونُ مُحْرَزًا بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَالْمَوْجُودِ فِي مُودَعِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمُغْلَقَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ ، وَاللُّقَطَةَ مَا وُجِدَ ضَائِعًا بِغَيْرِ حِرْزٍ وَفِي الْفَرْقِ نَظَرٌ يُتَلَقَّى مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وَفِي الِالْتِقَاطِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ ، وَالْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِيمَا الْتَقَطَهُ وَالشَّرْعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَفِيهِ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا .
( كِتَابُ اللُّقَطَةِ ) إنَّمَا ذُكِرَتْ بَعْدَ الْهِبَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَذَكَرَهَا فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ مِنْ الشَّارِعِ وَلَوْ ذُكِرَتْ عَقِبَ الْقَرْضِ كَانَ مُنَاسِبًا ؛ لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَهُ وَالشَّرْعُ أَقْرَضَهُ لِلْمُلْتَقِطِ ( قَوْلُهُ : بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ ) هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مَا سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَرُوَاةُ الْأَخْبَارِ ( قَوْلُهُ : وَيُقَالُ لُقَاطَةٌ ) نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ لُقَاطَةٌ وَلُقْطَةٌ وَلُقَطَهْ وَلَقْطُ مَا لَاقِطٌ قَدْ لَقَطَهْ ( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا مَا وُجِدَ ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ ( قَوْلُهُ : مِنْ حَقٍّ ضَائِعٍ إلَخْ ) شَمِلَ وَلَدَ اللُّقَطَةِ وَمَا ضَاعَ مِنْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ ، أَوْ أَجِيرٍ ، أَوْ غَاصِبٍ أَوْ نَحْوِهِمْ وَمَا لَوْ وَجَدَ مَالًا إسْلَامِيًّا مَدْفُونًا وَكَتَبَ أَيْضًا عَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ : مَا وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ مَالٍ أَوْ مُخْتَصٍّ ضَائِعٍ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ لِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ ، أَوْ نَحْوِهَا لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ بِقُوَّةٍ وَلَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ ( قَوْلُهُ : { اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا } ) قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ أَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُسْتَحَبُّ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ وَتَجِبُ بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَشَأْنَكَ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَا يَجِبُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ ) عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَخْذُهَا فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُهَا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بَلْ الْوُجُوبُ هُنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِهَا وَمِثْلُهُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا وَلَمْ تَكُنْ
عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي أَخْذِهَا كَاحْتِيَاجِهَا إلَى عَلَفٍ ، وَإِصْطَبْلٍ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا لَوْ تَرَكَهَا وَجَبَ ، وَإِلَّا فَلَا وَحَمَلَا النَّصَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إلَى الْجُمْهُورِ وَقَالَا لَا يَتَحَقَّقُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي أَخْذُهُ مِنْ إطْلَاقِ النَّصَّيْنِ وَتَصَرُّفِ الْأَصْحَابِ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ : بَلْ الْوُجُوبُ هُنَا أَوْلَى إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ لَمَّا حَكَى الْإِطْلَاقَ الْمَذْكُورَ قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَصْلُ الْقَبُولِ دُونَ أَنْ يُتْلِفَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَحِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ .
ا هـ .
هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي اللُّقَطَةِ فس قَالَ شَيْخُنَا يُجَابُ بِتَأَتِّيهِ فِيهَا أَيْضًا بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تُحْفَظُ إلَّا بِهِ مَعَ وُجُودِ حَاكِمٍ وَغَيْرِهِ تَضِيعُ بِأَخْذِهِ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ ، كَاتِبُهُ .
( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ ) الْتِقَاطٌ وَمُلْتَقِطٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَمُلْتَقَطٌ بِفَتْحِهَا ( الْأَوَّلُ الِالْتِقَاطُ وَلَا يَجِبُ ) - وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُ اللُّقَطَةِ وَأَمَانَةُ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَجِبُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ - ( بَلْ يُكْرَهُ لِفَاسِقٍ ) لِئَلَّا تَدْعُوَهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ ( وَيُسْتَحَبُّ لِأَمِينٍ يَثِقُ بِنَفْسِهِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ ( وَالْإِشْهَادُ ) بِالِالْتِقَاطِ ( مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ ) كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا قَبِلَهَا وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي خَبَرِ زَيْدٍ وَأَجَابُوا عَنْ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد { مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ ، أَوْ ذَوِي عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ } بِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَيُشْهِدُ ) مَعَ ذَلِكَ نَدْبًا ( عَلَى بَعْضِ الصِّفَاتِ ) أَيْ صِفَاتِ اللُّقَطَةِ لِيَكُونَ فِي الْإِشْهَادِ فَائِدَةٌ وَلَا يَسْتَوْعِبُهَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ كَاذِبٌ إلَيْهَا بَلْ يَصِفُهَا لِلشُّهُودِ بِأَوْصَافٍ تَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ بِهَا فَائِدَةٌ ( وَ ) مَعَ ذَلِكَ ( لَا يَحْرُمُ اسْتِيعَابُهَا ) بَلْ يُكْرَهُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، ثُمَّ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ ظَالِمًا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهَا أَخَذَهَا ، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ الْإِشْهَادُ وَكَذَا التَّعْرِيفُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ .
( قَوْلُهُ : وَتُسْتَحَبُّ لِأَمِينٍ يَثِقُ بِنَفْسِهِ ) فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ لِمَا يُخَافُ مِنْ الْخِيَانَةِ وَصُورَتُهَا أَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يَخَافُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ لَا تَسْتَمِرَّ أَمَانَتُهُ وَالْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَفْسَدَةَ عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ عَامَّةٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا ( قَوْلُهُ : لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ ) وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ ، أَوْ كَسْبٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجِبُ وَلِأَنَّهُ أَخْذُ مَالٍ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْوَدِيعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ ) لَا وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ جَازَ لِلْوَاجِدِ أَخْذُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرِّكَازِ ( قَوْلُهُ : كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ ) قَالَ الْجَبَلِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ : مَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا عَرَّفَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ السُّلْطَانُ لِجَوْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّعْرِيفُ بَلْ تَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ أَبَدًا وَلِلْإِشْهَادِ فَائِدَتَانِ أَنَّهُ رُبَّمَا طَمِعَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا أَشْهَدَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ مَجِيءِ صَاحِبِهَا فَيَأْخُذُهَا الْوَاجِدُ
( الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُلْتَقِطُ ، وَالْمُغَلَّبُ .
فِيهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ بِمَعْنَى الِالْتِقَاطِ وَفِي نُسْخَةٍ " فِيهِ " ( الِاكْتِسَابُ لَا الْوِلَايَةُ ) لِأَنَّهُ مَآلُ الْأَمْرِ وَمَقْصُودُهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِمَّا فَرَّعَهُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ ( فَيَصِحُّ الْتِقَاطُ ذِمِّيٍّ وَفَاسِقٍ وَمُرْتَدٍّ إنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَاصْطِيَادِهِمْ وَاحْتِطَابِهِمْ ( وَتُنْزَعُ ) اللُّقَطَةُ ( مِنْهُمْ ) وَتُسَلَّمُ ( إلَى عَدْلٍ ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْحِفْظِ لِعَدَمِ أَمَانَتِهِمْ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَأُجْرَةُ الْعَدْلِ فِي بَيْتِ الْمَالِ ( وَيُجْعَلُ عَلَيْهِمْ مُشْرِفٌ فِي التَّعْرِيفِ فَإِنْ تَمَّ ) التَّعْرِيفُ ( تَمَلَّكُوا ) اللُّقَطَةَ ( وَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُ عَبْدٍ بِلَا إذْنٍ وَلَوْ ) الْتَقَطَ ( لِسَيِّدِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَلَا لِلْوِلَايَةِ وَلَا يُعَرِّضُ سَيِّدَهُ لِلْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِ اللُّقَطَةِ لِوُقُوعِ الْمِلْكِ لَهُ بِخِلَافِ اتِّهَابِهِ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ فِيهِ ( وَيَضْمَنُهَا فِي رَقَبَتِهِ ) كَالْغَصْبِ ( فَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الْمُلْتَقِطَةُ ( مُسْتَوْلَدَةً ضَمِنَ السَّيِّدُ ) اللُّقَطَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْتِقَاطَهَا لِأَنَّ جِنَايَتَهَا عَلَيْهِ ( فَلَوْ انْتَزَعَهَا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ ( أَجْنَبِيٌّ صَارَ مُلْتَقِطًا ) لِأَنَّ يَدَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ يَدَ الْتِقَاطٍ كَانَ الْحَاصِلُ فِيهَا ضَائِعًا .
( وَسَقَطَ عَنْ ) رَقَبَةِ ( الْعَبْدِ الضَّمَانُ ) لِوُصُولِهَا إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ شَرْعًا ( وَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ ) الْتِقَاطَ الْعَبْدِ لَهَا ( وَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ ) أَيْ صَارَ مُلْتَقِطًا وَسَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ الضَّمَانُ لِذَلِكَ ( وَكَذَا ) الْحُكْمُ ( إنْ اسْتَحْفَظَ بِهَا ) بِزِيَادَةِ الْبَاءِ أَيْ إنْ اسْتَحْفَظَهُ إيَّاهَا السَّيِّدُ ( وَهُوَ أَمِينٌ أَيْ يَدُهُ كَيَدِهِ ) فَهُوَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهَا ابْتِدَاءً وَاسْتَعَانَ بِهِ فِي تَعْرِيفِهَا ( وَإِنْ اسْتَحْفَظَهُ ) إيَّاهَا ( وَهُوَ غَيْرُ أَمِينٍ أَوْ أَهْمَلَهُ ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحْفِظَهُ إيَّاهَا ( ضَمِنَ السَّيِّدُ
مَعَ الْعَبْدِ ) لِتَعَدِّيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالْعَبْدِ وَبِسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ وَلَوْ أَفْلَسَ السَّيِّدُ قُدِّمَ مَالِكُ اللُّقَطَةِ فِي الْعَبْدِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ( وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ يُتْلِفُ مَالًا ) لِغَيْرِهِ ( وَلَمْ يَمْنَعْهُ ضَمِنَ مَعَ الْعَبْدِ ) لِتَعَدِّيهِمَا وَلَوْ قَالَ بَدَلَ هَذَا كَمَا لَوْ رَآهُ يُتْلِفُ مَالًا وَلَمْ يَمْنَعْهُ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ( فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الِالْتِقَاطِ صَحَّ ) الِالْتِقَاطُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبُولِ الْوَدِيعَةِ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفِيدُهُ أَهْلِيَّةُ الْوِلَايَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ .
( وَهَلْ الْإِذْنُ فِي الِاكْتِسَابِ ) مُطْلَقًا ( إذْنٌ فِي الِالْتِقَاطِ ) أَوْ لَا فِيهِ ( وَجْهَانِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ هَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ وَالْأَصَحُّ الدُّخُولُ ( وَلَوْ عَتَقَ ) عَبْدٌ ( مُلْتَقِطٌ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ ( فَكَأَنَّهُ الْتَقَطَ حِينَئِذٍ ) فَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَيَصِحُّ الْتِقَاطُ ذِمِّيٍّ إلَخْ ) وَهَلْ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ إذَا جَاءَانَا كَالذِّمِّيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا وَقَالَ الْمُرَادُ بِالْفَاسِقِ الَّذِي لَا يُوجِبُ فِسْقُهُ حَجْرًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ .
ا هـ .
وَجَزَمَ بِهِ الدَّمِيرِيِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : وَتُنْزَعُ مِنْهُمْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ كَمَا يُزَوِّجُ مَعَ فِسْقِهِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْزَعَ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَأُجْرَةُ الْعَدْلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) إلَّا إنْ أَرَادُوا التَّمَلُّكَ فَهِيَ عَلَيْهِمْ ( قَوْلُهُ : وَهَلْ الْإِذْنُ فِي الِاكْتِسَابِ إذْنٌ فِي الِالْتِقَاطِ ) وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ
( فَرْعٌ : وَيَصِحُّ الْتِقَاطُ ) مُكَاتَبٍ ( صَحِيحِ الْكِتَابَةِ وَمُبَعَّضٍ وَصَبِيٍّ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ ، وَالْمُبَعَّضُ مُسْتَقِلَّانِ بِالتَّمَلُّكِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ فَاسِدِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ كَالْقِنِّ وَشَرَطَ الْإِمَامُ فِي صِحَّةِ الْتِقَاطِ الصَّبِيِّ التَّمْيِيزَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ ( فَإِنْ تَمَلَّكَهَا الْمُكَاتَبُ ) بَعْدَ تَعْرِيفِهَا وَتَلِفَتْ ( فَبَدَلُهَا فِي كَسْبِهِ وَهَلْ يُقَدَّمُ بِهِ الْمَالِكُ ) لَهَا ( عَلَى الْغُرَمَاءِ ) أَوْ لَا فِيهِ ( وَجْهَانِ ) الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُمَا فِي الْحُرِّ الْمُفْلِسِ ، أَوْ الْمَيِّتِ ( فَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ ) لِلُّقَطَةِ ( لَمْ يَأْخُذْهَا السَّيِّدُ ) لِأَنَّ الْتِقَاطَ الْمُكَاتَبِ لَا يَقَعُ لِلسَّيِّدِ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الْتِقَاطُهُ اكْتِسَابًا ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا كَالْحُرِّ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ ( بَلْ يَحْفَظُهَا الْحَاكِمُ لِلْمَالِكِ ، وَهِيَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمُبَعَّضٍ الْتَقَطَهَا ) فَيُعَرِّفَانِهَا وَيَتَمَلَّكَانِهَا بِحَسَبِ الرِّقِّ ، وَالْحُرِّيَّةِ كَشَخْصَيْنِ الْتَقَطَاهَا ( فَلَوْ تَنَاوَبَا فَلِصَاحِبِ ) أَيْ فَهِيَ لِصَاحِبِ ( النَّوْبَةِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَدَنِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا ، وَالْمُرَادُ صَاحِبُ النَّوْبَةِ ( حَالَةَ الِالْتِقَاطِ ) لَهَا لَا حَالَةَ تَمَلُّكِهَا فَلَوْ تَنَازَعَا فَقَالَ السَّيِّدُ وَجَدْتهَا فِي يَوْمِي وَقَالَ الْمُبَعَّضُ بَلْ فِي يَوْمِي صُدِّقَ الْمُبَعَّضُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ ( وَيَنْزِعُهَا الْوَلِيُّ مِنْ الصَّبِيِّ ) الَّذِي الْتَقَطَهَا ( وَيُعَرِّفُهَا لَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ بَلْ يَرْفَعُ ) - .
الْأَمْرَ ( إلَى الْقَاضِي ) لِيَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا لِمُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ ، وَالْقِيَاسُ لُزُومُهَا لِلصَّبِيِّ لِمَا
سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُتَمَلِّكَ وَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ ذَاكَ ( وَيَتَمَلَّكُ لَهُ الْوَلِيُّ ) إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَمَلُّكِهِ لَهُ ( حَيْثُ يَقْتَرِضُ ) أَيْ حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُ ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ إيَّاهَا لَهُ فِي مَعْنَى الِاقْتِرَاضِ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ حَفِظَهَا ، أَوْ سَلَّمَهَا لِلْقَاضِي ( فَإِنْ قَصَّرَ فِي انْتِزَاعِهَا ) مِنْهُ ( فَتَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا الصَّبِيُّ ضَمِنَ الْوَلِيُّ كَمَا لَوْ قَصَّرَ فِي حِفْظِ مَا احْتَطَبَهُ ) إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ الْحَاكِمَ فَالْأَشْبَهُ عَدَمُ ضَمَانِهِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي انْتِزَاعِهَا ( ضَمِنَ الصَّبِيُّ بِالْإِتْلَافِ لَا التَّلَفِ ) بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَوْدَعَ مَالًا فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ ( فَيُعَرِّفُ الْوَلِيُّ ) لُقَطَةً ( تَالِفَةً ضَمِنَهَا ) مُتْلِفُهَا ( وَيَتَمَلَّكُ لِلصَّبِيِّ الْقِيمَةَ ) إنْ رَأَى فِي تَمَلُّكِهِ لَهَا مَصْلَحَةً وَهَذَا ( بَعْدَ قَبْضِ الْحَاكِمِ لَهَا ) أَمَّا مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ لِلصَّبِيِّ ( وَالسَّفِيهُ ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ ) فِي حُكْمِ الِالْتِقَاطِ ( لَكِنَّ السَّفِيهَ يَصِحُّ تَعْرِيفُهُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ بِخِلَافِهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَيَصِحُّ الْتِقَاطُ صَحِيحِ كِتَابَةٍ كَالْحُرِّ ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا بِيَدِهِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ تُمْكِنُ مُطَالَبَتُهُ مَتَى جَاءَ الْمَالِكُ مَعَ أَنَّ الْتِقَاطَهُ اكْتِسَابٌ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِهِ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمُبَعَّضٍ الْتَقَطَهَا ) قَالَ شَيْخُنَا : ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ صِحَّةُ لُقَطَةِ الْمُبَعَّضِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُهَايَأَةِ وَعَدَمِهَا فِي التَّمَلُّكِ فَقَطْ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ مَعَ الْمُهَايَأَةِ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ ( قَوْلُهُ : وَشَرَطَ الْإِمَامُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ ( قَوْلُهُ : الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ قَبْلَ التَّمْلِيكِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ انْتَقَلَتْ إلَى سَيِّدِهِ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَخْ ) الْأَصَحُّ دُخُولُ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الْمُؤَنِ النَّادِرَةِ فَتَكُونُ عَلَى صَاحِبِ النَّوْبَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا ( قَوْلُهُ : وَيَنْزِعُهَا الْوَلِيُّ مِنْ الصَّبِيِّ إلَخْ ) يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَلِغَيْرِهِ أَخْذُ اللُّقَطَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَلَى وَجْهِ الِالْتِقَاطِ لِيُعَرِّفَهَا وَيَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَبْرَأُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مِنْ الضَّمَانِ قَوْلُهُ : وَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ ذَاكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَقْرَبُ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِمْ حَيْثُ قَالُوا مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمَالِكِ مَا لَمْ يُرِدْ التَّمَلُّكَ ، وَإِرَادَةُ الصَّبِيِّ لَهُ لَاغِيَةٌ وَالْوَلِيُّ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَغْرِيمِهِ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَحَظِّ لَهُ ، وَإِنْ قَامَ مَقَامَهُ فِي تَمَلُّكِهَا لَهُ ، كَاتِبُهُ .
( قَوْلُهُ : كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) الْأَشْبَهُ خِلَافُهُ
لِتَقْصِيرِهِ ( قَوْلُهُ : لَا التَّلَفِ ) وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ ضَمَانُ الصَّبِيِّ بِالتَّلَفِ فِي يَدِهِ بِتَقْصِيرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ السَّفِيهَ يَصِحُّ تَعْرِيفُهُ وَتَمَلُّكُهُ ) وَفِي إبْقَاءِ اللُّقَطَةِ بِيَدِهِ وَهُوَ أَمِينٌ وَجْهَانِ أَصَحُّهَا جَوَازُهُ كَالْعَبْدِ ( قَوْلُهُ : كَجِلْدِ مَيْتَةٍ ) أَيْ وَكَلْبٍ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ يُخْرِجُ صُوَرًا مِنْهَا الْمَوْقُوفُ وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ الْتِقَاطِهِ لِتَمَلُّكِ مَنَافِعِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَلْبِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ وَقْفِيَّتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ مَصْرِفَهُ جَازَ كَالْمُنْقَطِعِ الْآخِرِ وَلَا يُتَمَلَّكُ .
ا هـ .
فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ مَمْلُوكُ الْمَنَافِعِ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الثَّانِي إذَا جَوَّزْنَا الْتِقَاطَ الْمَوْقُوفِ لِتَمَلُّكِ مَنَافِعِهِ فَمَا وَجْهُ مَنْعِ الِالْتِقَاطِ لِلْمُنْقَطِعِ الْآخِرِ .
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي الْمُلْتَقَطِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُنَاسِبُ حَذْفُ فِي ( وَهُوَ نَوْعَانِ ) أَحَدُهُمَا ( جَمَادٌ وَكَلُّهُ يُلْتَقَطُ وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ ) كَجِلْدِ مَيْتَةٍ فَإِنَّهُ يُلْتَقَطُ ( لِلِاخْتِصَاصِ ) وَثَانِيهِمَا ( حَيَوَانٌ فَمِنْهُ الرَّقِيقُ ) عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً ( وَيُلْتَقَطُ لِلتَّمَلُّكِ مِنْهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ لَا الْمُمَيِّزِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى مَالِكِهِ بِالدَّلَالَةِ ( إلَّا ) إنْ وَجَدَهُ ( وَقْتَ نَهْبٍ ) أَوْ نَحْوِهِ كَغَرَقٍ ، أَوْ حَرِيقٍ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ ( فَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ اللُّقَطَةُ ( أَمَةً ) وَوُجِدَ فِيهَا الشَّرْطُ السَّابِقُ ( فَتَمَلُّكُهَا كَاقْتِرَاضِهَا ) أَيْ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ حَيْثُ يَجُوزُ اقْتِرَاضُهَا بِأَنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَمَحْرَمٍ وَمَجُوسِيَّةٍ وَيَمْتَنِعُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِأَنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ أَمَّا الْتِقَاطُ الرَّقِيقِ لِلْحِفْظِ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا لَا الْمُمَيِّزِ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ ( وَيُنْفِقُ عَلَى الرَّقِيقِ ) الْمُلْتَقَطِ مُدَّةَ حِفْظِهِ ( مِنْ كَسْبِهِ ) وَمَا بَقِيَ مِنْ كَسْبِهِ يُحْفَظُ مَعَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ ( فَعَلَى مَا سَيَأْتِي ) فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ مِنْ الْحَيَوَانِ ( فَلَوْ بِيعَ وَقَالَ الْمَالِكُ ) بَعْدَ ظُهُورِهِ ( كُنْت أَعْتَقْتُهُ أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَمِثْلُهُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ كَالْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الصَّدَاقِ .
( وَمَا سِوَاهُ مِنْ الْحَيَوَانِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ ) بِقُوَّتِهِ ( كَالْإِبِلِ ، وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ ) أَوْ بِعَدْوِهِ كَالْأَرَانِبِ ( وَالظِّبَاءِ ) الْمَمْلُوكَةِ أَوْ بِطَيَرَانِهِ كَالْحَمَامِ ( امْتَنَعَ الْتِقَاطُهُ فِي الْأَمْنِ لِلتَّمَلُّكِ مِنْ الْمَفَاوِزِ ) لِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ نَحْوُهُ ، وَلِأَنَّهُ مَصُونٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ أَكْثَرِ السِّبَاعِ مُسْتَغْنٍ بِالرَّعْيِ إلَى أَنْ يَجِدَهُ مَالِكُهُ لِتَطَلُّبِهِ لَهُ ( لَا ) مِنْ (
الْبُلْدَانِ ، وَالْقُرَى أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُمَا ) فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَضِيعُ بِعَدَمِ وِجْدَانِهِ مَا يَكْفِيهِ وَبِامْتِدَادِ الْيَدِ الْخَائِنَةِ إلَيْهِ لِعُمُومِ طُرُوقِ النَّاسِ بِالْعُمْرَانِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَفَازَةِ ( وَلَا ) فِي ( وَقْتِ نَهْبٍ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَوَجَدَهُ بِمَفَازَةٍ أَمْ غَيْرِهَا ( وَلَوْ وَجَدَ بَعِيرًا مُقَلَّدًا ) أَيَّامَ مِنًى ( الْتَقَطَهُ وَنَادَى عَلَيْهِ فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ أَيَّامِ مِنًى نَحَرَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْحَاكِمَ ) فَفَائِدَةُ الْتِقَاطِهِ مِنْ الْمَفَازَةِ نَحْرُهُ لَا تَمَلُّكُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ مَنْعِ الْتِقَاطِ الْحَيَوَانِ مِنْهَا لِتَمَلُّكِهِ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْ النَّاسِ ( وَلَوْ غَيْرَ الْحَاكِمِ الِالْتِقَاطُ لِلْحِفْظِ ) صَوْنًا عَنْ الضَّيَاعِ ( فَلَوْ الْتَقَطَ الْمُمْتَنِعَ ) مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ ( لِلتَّمَلُّكِ فِي مَفَازَةٍ آمِنَةٍ ) ضَمِنَهُ وَلَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ إلَى مَكَانِهِ .
، ثُمَّ إنْ ( سَلَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ بَرِئَ ) كَمَا فِي الْغَصْبِ ( وَمَا لَا يَمْتَنِعُ ) مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ ( كَالْكَسِيرِ وَالْفُصْلَانِ ، وَالْغَنَمِ يُلْتَقَطُ ) لِلتَّمَلُّكِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءً أَوَجَدَهُ بِمَفَازَةٍ أَمْ لَا ( فَإِنْ شَاءَ عَرَّفَهُ ) وَتَمَلَّكَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ، ( وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ) لِلْمُلْتَقَطِ ( وَلَهُ أَكْلُهُ ) إنْ كَانَ مَأْكُولًا ( فِي الْحَالِ ) مُتَمَلِّكًا .
لَهُ بِقِيمَتِهِ إنْ وَجَدَهُ ( فِي الْمَفَازَةِ لَا فِي الْعُمْرَانِ ) لِسُهُولَةِ الْبَيْعِ فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَفَازَةِ فَقَدْ لَا يَجِدُ فِيهَا مَنْ يَشْتَرِي وَيَشُقُّ النَّقْلُ إلَى الْعُمْرَانِ ، وَالْخَصْلَةُ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثِ عِنْدَ اسْتِوَائِهَا فِي الْأَحَظِّيَّةِ أَوْلَى مِنْ الثَّانِيَةِ ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ الثَّالِثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا لَا يَجِبُ فِيمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ قَالَ : لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِيهِ وَكَلَامُ
غَيْرِهِمْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيلَ الْإِمَامِ يُنَافِي ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ فَوْرًا وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْإِمَامِ مَعَ زِيَادَةٍ ثُمَّ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الثَّلَاثِ لَيْسَ تَشَهِّيًا بَلْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَحَظِّ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ .
( أَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولِ ) كَالْجَحْشِ ( فَلَهُ فِيهِ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ لَا التَّمَلُّكُ فِي الْحَالِ ) فَلَا يَتَمَلَّكُهُ إلَّا بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا صِغَارَ السِّبَاعِ فَقَطْ لِكَثْرَتِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ كِبَارِهَا ضَالَّةٌ .
( قَوْلُهُ : وَيَمْتَنِعُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِأَنْ تَحِلَّ لَهُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعَرِّفُ وَبَعْدَ الْحَوْلِ تُبَاعُ وَيَتَمَلَّكُ ثَمَنَهَا كَمَالِهِ بِيعَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، ثُمَّ يَتَمَلَّكُ ثَمَنَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ ( قَوْلُهُ : أَمَّا الْتِقَاطُ الرَّقِيقِ لِلْحِفْظِ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا ) يُعَرِّفُ الرِّقَّ بِعَلَامَةٍ كَعَلَامَةِ الْحَبَشَةِ وَالزِّنْجِ قَالَهُ الْفَارِقِيُّ وَكَذَا التَّمَجُّسُ أَوْ يُعَرِّفُ رَقِيقَةً مَجُوسِيَّةً ، ثُمَّ يَجْهَلُ مَالِكَهَا ، ثُمَّ يَجِدُهَا ضَالَّةً وَكَذَا مَعْرِفَةُ الْمُحَرَّمِ بِهَذَا وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ ) الْمُرَادُ بِصِغَارِ السِّبَاعِ الذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ كَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ صِغَارُ السِّبَاعِ مِثْلُ صِغَارِ الثَّعَالِبِ وَابْنِ آوَى وَأَوْلَادِ الذِّئْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
ا هـ .
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الذِّئْبَ الْكَبِيرَ مِنْ كِبَارِ السِّبَاعِ وَكَذَا النَّمِرُ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ النَّمِرَ مِنْ كِبَارِهَا فَقَالَ وَكِبَارُ السِّبَاعِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فس الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّمِرِ الصَّغِيرِ وَالثَّانِي عَلَى الْكَبِيرِ ( قَوْلُهُ : وَتَمَلَّكَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ) فَلَا يَتَمَلَّكُهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَكْلُهُ فِي الْحَالِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَإِنَّمَا جَازَ أَكْلُ الشَّاةِ لِلْحَدِيثِ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِالْأَكْلِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ .
ا هـ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ لَك يَقْتَضِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَيْهِ وَهِيَ تُلَائِمُ الْمِلْكَ ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهَا تَصِيرُ لَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ بَعِيدٌ ( قَوْلُهُ : أَوْلَى مِنْ الثَّانِيَةِ ) لِأَنَّ فِيهَا حِفْظَ الْعَيْنِ عَلَى مَالِكِهَا ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى مِنْ الثَّالِثَةِ ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَوَقَّفُ اسْتِبَاحَةُ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَى التَّعْرِيفِ وَفِي الْأَكْلِ تَتَعَجَّلُ الِاسْتِبَاحَةُ قَبْلَهُ ( قَوْلُهُ :
قَالَ : لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فِي الصَّحْرَاءِ ) قَالَ شَيْخُنَا فَلَا يُعَرِّفُ فِيهَا فَإِذَا جَاءَ الْعُمْرَانَ عَرَّفَهَا ( قَوْلُهُ : كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ) قِيَاسًا عَلَى مَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ صَرَّحَا بِاعْتِبَارِ الْغِبْطَةِ فِيهِ ، وَإِنْ اعْتَبَرَا هُنَا بِالتَّخْيِيرِ وَقَالَا إنَّ الْخَصْلَةَ الْأُولَى أَوْلَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ صَرَّحَ بِهِ فِي خَصْلَةِ الْبَيْعِ فَقَالَ يَجُوزُ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَظُّ .
( فَرْعٌ : لَوْ أَمْسَكَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ ( وَأَرَادَ الْإِنْفَاقَ ) عَلَيْهِ ( لِيَرْجِعَ اُشْتُرِطَ إذْنُ الْحَاكِمِ ) فِيهِ إنْ وَجَدَهُ ثَمَّ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ ) كَنَظَائِرِهِ ( وَلَوْ أَرَادَ بَيْعَ كُلِّهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( فِي الْحَالِ ) حَيْثُ جَازَ بِأَنْ كَانَ بَيْعُهَا أَحَظَّ مِنْ إبْقَائِهَا ( وَلَمْ يَجِدْ ثَمَّ حَاكِمًا اسْتَقَلَّ بِهِ ، وَإِنْ وَجَدَهُ اسْتَأْذَنَهُ ) قَالَ الْإِمَامُ وَيَجُوزُ بَيْعُ جُزْءِ الْحَيَوَانِ لِنَفَقَةِ بَاقِيهِ كَبَيْعِ كُلِّهِ وَحَكَى عَنْ شَيْخِهِ احْتِمَالًا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَسْتَغْرِقَ نَفْسَهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْلُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالثَّانِي هُوَ الْأَوْجَهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي قُبَيْلَ الْحُكْمِ الثَّالِثِ ( وَلَا يَسْتَقْرِضُ عَلَى الْمَالِكِ ) لِذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي هَرَبِ الْجِمَالِ وَنَحْوِهِ ، وَفَرَّقَ النَّوَوِيُّ بِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ أَيْ تَعَسُّرِهِ ثَمَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُكْتَرِي بِخِلَافِهِ هُنَا فَيَمْتَنِعُ الْإِضْرَارُ بِالْمَالِكِ بِلَا ضَرُورَةٍ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَسْتَقْرِضُ ) قَالَ شَيْخُنَا رُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ كَوْنِهِ قَرْضًا عَلَى الْمَالِكِ بِأَنَّ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ حِفْظًا لِلرُّوحِ بِخِلَافِ اقْتِرَاضِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ الْمُقْتَرِضَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ قَبْلَ إنْفَاقِهِ فَلَرُبَّمَا تَلِفَ وَيَصِيرُ دَيْنًا مَعَ عَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ إنْفَاقُهُ هُوَ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا حَتَّى يُنْفِقَهُ فَافْتَرَقَا ، كَاتِبُهُ .
( فَرْعٌ : الضَّالَّةُ ) إذَا حَصَلَتْ ( فِي يَدِ الْحَاكِمِ يَسِمُهَا ) وَنِتَاجَهَا ( بِسِمَةِ الضَّوَالِّ وَيُسَرِّحُهَا فِي الْحِمَى ) إنْ كَانَ ( فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حِمًى بَاعَهَا ) كُلَّهَا وَفِي بَيْعِ بَعْضِهَا مَا مَرَّ ( وَيَتَأَنَّى ) بِبَيْعِهَا أَيَّامًا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ ( إنْ تَوَقَّعَ وُصُولَ الْمَالِكِ ) أَيْ مَجِيئِهِ فِي طَلَبِهَا ( عَلَى قُرْبٍ ) بِأَنْ عَرَفَ أَنَّهَا مِنْ نَعَمِ بَنِي فُلَانٍ .
( وَلَوْ الْتَقَطَ كَلْبًا ) يُقْتَنَى ( عَرَّفَهُ سَنَةً ) أَوْ مَا يَلِيقُ بِهِ ( ثُمَّ اخْتَصَّ بِهِ فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ ) إنْ وَجَدَهُ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ ( وَتُعَرَّفُ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَهُوَ مُكَرَّرٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدُ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ الْتَقَطَ كَلْبًا عَرَّفَهُ سَنَةً ) ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ دَائِمَةٌ فَهُوَ كَكَثِيرِ الْمَالِ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُعَرِّفُهُ سَنَةً .
.
( فَصْلٌ : لَا يُلْتَقَطُ إلَّا مَا ضَاعَ بِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ ) عَنْهُ ، أَوْ نَحْوِهِمَا ( وَكَانَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ ) كَمَوَاتٍ وَشَارِعٍ وَمَسْجِدٍ ( وَ ) فِي ( بَلَدٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ ) بِأَنْ يَكُونَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَفِيهَا مُسْلِمُونَ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ أَلْقَى هَارِبٌ ، أَوْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي حِجْرِهِ ) مَثَلًا ( أَوْ خَلَّفَ مُوَرِّثُهُ وَدِيعَةً وَجَهِلَ الْمَالِكُ ) كَذَلِكَ ( لَمْ يَتَمَلَّكْهُ بَلْ يُحْفَظُ ) لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ ( وَمَا وُجِدَ فِي ) أَرْضٍ ( مَمْلُوكَةٍ فَلِذِي الْيَدِ ) فِيهَا فَلَا يُؤْخَذُ لِتَمَلُّكِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ .
( فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ ) ذُو الْيَدِ فَلِمَنْ كَانَ ذَا يَدٍ ( قَبْلَهُ ) وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ ( إلَى الْمُحْيِي ، ثُمَّ ) إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُحْيِي ( يَكُونُ لُقَطَةً ) كَمَا مَرَّ بِمَا فِيهِ مَعَ جَوَابِهِ فِي زَكَاةِ الرِّكَازِ وَمَا وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهَا ( فَغَنِيمَةٌ : الْخُمُسُ مِنْهَا لِأَهْلِهِ ، وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ ) .
( قَوْلُهُ : وَكَانَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ ) وَإِنْ كَانَ لِلْوَاجِدِ فَسَبَّلَهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْقَفَّالُ : وَإِذَا وَجَدَ دِرْهَمًا فِي بَيْتِهِ لَا يَدْرِي أَهُوَ لَهُ ، أَوْ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ لِمَنْ يَدْخُلُ بَيْتَهُ كَاللُّقَطَةِ أَيْ الْمَوْجُودَةِ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ مِمَّا مَرَّ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الِالْتِقَاطِ الصَّحِيحِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ) ( الْأَوَّلُ فِي الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ ) الْأَوْلَى حَذْفُ " فِي " ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِقَصْدِ الْآخِذِ ( فَإِنْ أَخَذَهَا ) ( لِلْحِفْظِ فَهِيَ أَمَانَةٌ ) فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ ( فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا ) ( عَرَّفَهَا مِنْ حِينَئِذٍ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا سَبَقَ ) مِنْ تَعْرِيفِهِ لَهَا ( فَإِنْ سَلَّمَهَا لِلْحَاكِمِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ ) وَكَذَا لَوْ أَخَذَهَا لِلتَّمَلُّكِ ثُمَّ سَلَّمَهَا لَهُ لَزِمَهُ الْقَبُولُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِخِلَافِهِ فِي الْوَدِيعَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ ثَمَّ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ وَجَدَ بَعِيرًا ضَالًّا فَعَرَّفَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ : إنَّهُ شَغَلَنِي عَنْ صَنْعَتِي قَالَ عُمَرُ أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ضَالَّةٍ لَا يَحِلُّ الْتِقَاطُهَا ( فَإِنْ الْتَقَطَهَا بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ .
فَهُوَ غَاصِبٌ ) فَيَضْمَنُهَا ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ كَالْمُودَعِ ( فَلَوْ أَرَادَ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( التَّعْرِيفَ لِلتَّمَلُّكِ ) لَهَا ( لَمْ يَجُزْ ) كَالْغَاصِبِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ عَرَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَرَادَ التَّمَلُّكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ( لَكِنْ لَوْ سَلَّمَهَا لِلْحَاكِمِ بَرِئَ ) مِنْ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْغَاصِبِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ " لَكِنْ " بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى وَأَوْفَقَ بِأَصْلِهِ ( وَإِنْ أَخَذَهَا لِلتَّمَلُّكِ فَهِيَ أَمَانَةٌ ) فِي يَدِهِ ( وَلَوْ بَعْدَ السَّنَةِ حَتَّى يَتَمَلَّكَ ) كَالْمُودَعِ وَيُفَارِقُ الْمُسْتَلِمَ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ لِحَظِّ آخِذِهِ حِينَ أَخَذَهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ فَإِذَا تَمَلَّكَهَا فَلَيْسَتْ أَمَانَةً بَلْ يَضْمَنُهَا كَالْقَرْضِ ( فَلَوْ أَحْدَثَ ) بَعْدَ الْأَخْذِ لِحِفْظٍ ، أَوْ تَمَلُّكٍ ( قَصْدَ خِيَانَةٍ لَمْ يَضْمَنْ ) بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ كَالْمُودَعِ ( أَوْ ) أَحْدَثَ ( خِيَانَةً ضَمِنَ ) لِتَحَقُّقِهَا ( فَلَوْ أَقْلَعَ )
عَنْهَا ( وَعَرَّفَ ) اللُّقَطَةَ ( لِيَتَمَلَّكَهَا ) ( جَازَ ) لِأَنَّ الْتِقَاطَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَقَعَ مُفِيدًا لِلتَّمَلُّكِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِطُرُوِّ تَفْرِيطِهِ ( وَإِنْ أَخَذَهَا وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا ) مِنْ حِفْظٍ ، أَوْ تَمَلُّكٍ ، أَوْ خِيَانَةٍ ( أَوْ قَصَدَ ) وَاحِدًا مِنْهَا ( وَنَسِيَ ) هـ ( لَمْ يَضْمَنْ وَلَهُ التَّمَلُّكُ بِشَرْطِهِ ) .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الِالْتِقَاطِ الصَّحِيحِ ) .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَخَذَهَا لِلْحِفْظِ فَهِيَ أَمَانَةٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ جَوَازِ الْتِقَاطِ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِمَا فِي لُقَطَةِ التَّمَلُّكِ خَاصَّةً ، أَمَّا لُقَطَةُ الْحِفْظِ فَمُخْتَصَّةٌ بِالثِّقَةِ الْأَمِينِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ نَصًّا وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : لَكِنْ لَوْ سَلَّمَهَا لِلْحَاكِمِ بَرِئَ ) مَحَلُّهُ فِي الْأَمِينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا فَسَلَّمَهَا لَهُ كَانَ ضَامِنًا قَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ أَقْلَعَ وَعَرَّفَ لِيَتَمَلَّكَ جَازَ ) وَفَارَقَ مَا لَوْ تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ ، ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ أَمِينًا إلَّا بِاسْتِئْمَانٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمَالِكِ بِأَنَّ ذَاكَ عَقْدٌ جَائِزٌ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ .
( الْحُكْمُ الثَّانِي فِي التَّعْرِيفِ ) لِلُّقَطَةِ الْأَوْلَى حَذْفُ " فِي " كَمَا فِي نُسْخَةٍ ( وَيَنْبَغِي ) لِمُلْتَقِطِهَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ يَجِبُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ يُنْدَبُ ( أَنْ يُحِيطَ عِلْمًا بِالْعِفَاصِ ) أَيْ الْوِعَاءِ ( وَالْوِكَاءِ ) أَيْ الْخَيْطِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ ( وَالْجِنْسِ ) أَيْ ذَهَبٍ أَمْ غَيْرِهِ ( وَالنَّوْعِ ) أَهَرَوِيَّةٌ أَمْ غَيْرُهَا ( وَالْقَدْرِ ) بِوَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ ، أَوْ عَدَدٍ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَائِلِهِ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً } وَقِيسَ بِمَعْرِفَةِ خَارِجِهَا فِيهِ مَعْرِفَةُ دَاخِلِهَا وَذَلِكَ ( لِيَعْرِفَ صِدْقَ مُدَّعِيهَا ) وَلِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ ( وَيُنْدَبُ كَتْبُهَا ) أَيْ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَنَّهُ الْتَقَطَهَا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا ( وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ سَنَةً وَلَوْ قَصَدَ ) بِأَخْذِهَا ( الْحِفْظَ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ وَلِئَلَّا يَكُونَ عَدَمُ التَّعْرِيفِ كِتْمَانًا مَفْتُونًا لِلْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَالْمَعْنَى فِي كَوْنِهَا سَنَةً أَنَّهَا لَا تَتَأَخَّرُ فِيهَا الْقَوَافِلُ وَتَمْضِي فِيهَا الْأَزْمِنَةُ الْأَرْبَعَةُ وَمَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ التَّعْرِيفِ فِيمَا إذَا الْتَقَطَ لِلْحِفْظِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَجَعَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ الْأَقْوَى وَالْمُخْتَارَ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْأَكْثَرُونَ عَدَمُ وُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ التَّمَلُّكِ ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَ اثْنَانِ لُقَطَةً عَرَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَنَةً قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ كَمُلْتَقِطٍ وَاحِدٍ وَقَالَ السُّبْكِيُّ بَلْ الْأَشْبَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعَرِّفُهَا نِصْفَ سَنَةٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لُقَطَةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّعْرِيفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا
لِكُلِّهَا لَا لِنِصْفِهَا ، وَإِنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّمَلُّكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ قَالُوا يَبْنِي الْوَارِثِ عَلَى تَعْرِيفِ مُوَرِّثِهِ نَعَمْ لَوْ أَقَامَا مُعَرِّفًا وَاحِدًا ، أَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فَلَا تَرَدُّدَ فِيمَا رَآهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّعْرِيفِ بَلْ مِنْ جَوَازِهِ مَا قَدَّمْته عَنْ نُكَتِ النَّوَوِيِّ أَوَّلَ الْكِتَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَالِبُ الرِّوَايَاتِ مُصَرِّحٌ بِتَأْخِيرِ التَّعْرِيفِ عَنْ التَّعَرُّفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ { عَرِّفْهَا ، ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا } وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا تَعَرُّفٌ آخَرُ عِنْدَ إرَادَةِ التَّمَلُّكِ فَيُنْدَبُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَمْرَهَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهَا .
( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ يَجِبُ ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَإِذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ فَعَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا وَيَتَأَمَّلَهَا حَقِيقَةَ التَّأَمُّلِ لِيَعْرِفَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ وَالْقَدْرَ وَزْنًا ، أَوْ عَدَدًا ، أَوْ يَتَأَمَّلَ ظَرْفَهَا وَالْخَيْطَ الْمَشْدُودَ عَلَيْهَا وَعِبَارَةُ الْمُقْنِعِ : وَكُلُّ مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ سِتَّةَ أَشْيَاءَ وَعِبَارَةُ الصَّيْمَرِيِّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَمَتَى أَخَذَهَا لَزِمَهُ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ وَعَدَّ مِنْهَا الْإِشْهَادَ عَلَيْهَا وَصَرَّحَ غَيْرُهُمْ بِوُجُودِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ كَثِيرِينَ وَعَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَحَصَلَ فِي إيجَابِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاسْتِحْبَابُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا إذَا انْتَهَى الْحَالُ إلَى التَّمَلُّكِ ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَيْ كَالسُّبْكِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا إذَا انْتَهَى الْحَالُ إلَى التَّمَلُّكِ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَدَدٍ ) ، أَوْ ذَرْعٍ .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ سَنَةً ) لَوْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ فَهَلْ يَبْنِي وَارِثُهُ عَلَى مَا مَضَى أَوْ يَسْتَأْنِفُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَالْأَقْرَبُ الِاسْتِئْنَافُ كَمَا فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ لَا يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَالْأَرْجَحُ الْبِنَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَقَدْ انْقَطَعَ حَوْلُ الْمُوَرِّثِ بِخُرُوجِ الْمِلْكِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ فَيَسْتَأْنِفُ الْوَارِثُ لِابْتِدَاءِ الْمِلْكِ .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ قَرِيبًا أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ : وَلِئَلَّا يَكُونَ عَدَمُ التَّعْرِيفِ كِتْمَانًا لِلْحَقِّ ) وَلَا يُقَالُ إنَّ رَبَّهَا
يَنْشُدُهَا فَيُعْلِمُ بِهِ آخِذُهَا لِلْحِفْظِ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْقُطُ مِنْ عَابِرِ سَبِيلٍ وَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ ، أَوْ مَوْتٍ ، أَوْ غَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : وَالْغَزَالِيُّ ) أَيْ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الْجَزْمُ بِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ السُّبْكِيُّ بَلْ الْأَشْبَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ ) لِلتَّعْرِيفِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ تَعْرِيفُ سَنَةٍ مَتَى كَانَ ، وَلَا الْمُوَالَاةُ ( فَلَوْ فَرَّقَ - .
السَّنَةَ ) كَأَنْ عَرَّفَ شَهْرَيْنِ وَتَرَكَ شَهْرَيْنِ وَهَكَذَا ( جَازَ ) لِأَنَّهُ عَرَّفَ سَنَةً وَكَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى نِسْيَانِ النُّوَبِ السَّابِقَةِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا وَبِأَنْ يُبَيِّنَ فِي التَّعْرِيفِ زَمَنَ الْوِجْدَانِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ مَا جَرَى مِنْ التَّأْخِيرِ الْمَنْسِيِّ ( وَلَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ ) لِلسَّنَةِ بَلْ يُعَرِّفُ عَلَى الْعَادَةِ ( فَيُنَادِيَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فِي طَرَفَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ ) لِلتَّعْرِيفِ ( ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً ، ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ مَرَّةً ، ثُمَّ فِي الشَّهْرِ ) أَيْ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُنْسَى أَنَّهُ تَكْرَارُ لِمَا مَضَى فَالْمُدَدُ الْمَذْكُورَةُ تَقْرِيبَاتٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَيُسْتَحَبُّ فِي التَّعْرِيفِ ذِكْرُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ ) لِلُّقَطَةِ ( كَالْجِنْسِ ، أَوْ الْعِفَاصِ أَوْ الْوِكَاءِ ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الظَّفَرِ بِالْمَالِكِ ( وَلَا يَسْتَوْفِيهَا ) لِئَلَّا يَعْتَمِدَهَا كَاذِبٌ ( فَلَوْ اسْتَوْفَاهَا ضَمِنَ ) لِأَنَّهُ قَدْ يَرْفَعُهُ إلَى مُلْزَمِ الدَّفْعِ بِالصِّفَاتِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِيفَاؤُهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ بَعْدَ اعْتِرَاضِهِ عَلَى نَقْلِ الْأَصْلِ عَنْ الْإِمَامِ : إنَّهُ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقُلْهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَخْتَصُّ الْبَيَانُ بِذِكْرِ الْجِنْسِ بَلْ يَكْفِي ذِكْرُ غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَشْهُورُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ يُوَافِقُهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْمُلْتَقِطِ أَنَّ التَّأْخِيرَ يُفَوِّتُ مَعْرِفَةَ الْمَالِكِ وَإِلَّا وَجَبَ الْبِدَارُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ فِي أَثْنَاءَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ أَتَمَّهَا وَارِثُهُ وَوَجْهُ اعْتِبَارِ السَّنَةِ أَنَّ الْقَوَافِلَ لَا تَتَأَخَّرُ فِيهَا وَتَمْضِي فِيهَا الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ وَلَوْ لَمْ يُعَرِّفْهَا سَنَةً لَضَاعَتْ الْأَمْوَالُ عَلَى أَرْبَابِهَا وَلَوْ جُعِلَ التَّعْرِيفُ أَبَدًا لَامْتَنَعَ مِنْ الْتِقَاطِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ السَّنَةِ لُقَطَةُ دَارِ الْحَرْبِ فَقَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْرِيفِهَا .
هُنَاكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا رُدَّتْ إلَى الْمَغْنَمِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا وَجَبَ الْبِدَارُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى نِسْيَانٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَيُنَادِيَ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ إلَخْ ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ يَحْتَمِلُ أَنْ تُجْعَلَ السَّنَةُ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً وَثَلَاثَةً كُلَّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً أَيْ وَجَزَمَ بِهِ الكوهكيلوني وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : يُعَرِّفُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يَشْتَهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ بِيَدِهِ لُقَطَةً يُعَرِّفُهَا فَإِذَا اشْتَهَرَ ذَلِكَ انْتَقَلَ إلَى تَعْرِيفِهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً حَتَّى يَتَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي يُعَرِّفُهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً هُوَ مَا كَانَ يُعَرِّفُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ انْتَقَلَ إلَى تَعْرِيفِهَا كُلَّ أُسْبُوعٍ حَتَّى يَتَقَرَّرَ أَنَّهَا الَّتِي عَرَّفَهَا أَوَّلًا فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَرَّفَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً .
ا هـ .
وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يُعَرِّفُ فِي الْأُسْبُوعِ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً وَبَعْدَهُ أُسْبُوعًا ، أَوْ أُسْبُوعَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً ، أَوْ كُلَّ يَوْمَيْنِ مَرَّةً ، ثُمَّ فِي
بَقِيَّةِ السَّنَةِ يُعَرِّفُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً ، أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقُ لَهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَجِبُ الْمُدَاوَمَةُ بَلْ الْعَادَةُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يُشِيعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً حَتَّى تَصِيرَ فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً لَا يُقَصِّرُ عَنْهَا وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ كُلَّ يَوْمٍ وَفِي الثَّانِي كُلَّ يَوْمَيْنِ وَفِي الثَّالِثِ مَرَّةً ، ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً عَلَى التَّتَابُعِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْخُوَارِزْمِيّ يُعَرِّفُهَا فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَفِي الثَّانِي كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً ، ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ مُتَقَارِبَةٌ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا يَنْسَى أَنَّهُ تَكْرَارٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ التَّعْرِيفِ .
وَسَبَبُ الِاضْطِرَابِ اضْطِرَابُ الْعُرْفِ ، أَوْ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِمَّا ذَكَرَاهُ .
ا هـ .
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَنَّهُ لَا يُعَرِّفُ لَيْلًا وَهُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ ضَمِنَ ) قَالَ شَيْخُنَا وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِهَا كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يَضْمَنْ بِأَنَّهُ ثَمَّ بَالَغَ فِي الْحِفْظِ إلَخْ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا .
( فَرْعٌ : وَمَنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ " مَنْ " ( قَصَدَ التَّمَلُّكَ ) وَلَوْ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ لِلْحِفْظِ أَوْ مُطْلَقًا ( فَمُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ ) الْوَاقِعِ بَعْدَ قَصْدِهِ ( عَلَيْهِ تَمَلَّكَ أَمْ لَا ) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ سَبَبٌ لِتَمَلُّكِهِ وَلِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ ( وَمَنْ قَصَدَ الْحِفْظَ ) وَلَوْ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ ، أَوْ مُطْلَقًا ( فَهِيَ ) أَيْ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ ( عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) إنْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ ( أَوْ ) عَلَى ( الْمَالِكِ ) إنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ سَعَةٌ بِأَنْ يَقْتَرِضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنْهُ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، أَوْ يَأْمُرَهُ بِصَرْفِهَا لِيَرْجِعَ كَمَا فِي هَرَبِ الْجِمَالِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُلْتَقِطِ ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ لِلْمَالِكِ فَقَطْ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إنْفَاقٌ لَا إقْرَاضٌ عَلَى الْمَالِكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الْأَقْرَبُ لَكِنَّ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إقْرَاضٌ حَيْثُ قَالَ : فَإِنْ رَأَى أَنْ يُقْرِضَ أُجْرَةَ التَّعْرِيفِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَكُونَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا ، أَوْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ الْآحَادِ ، أَوْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ فَعَلَ .
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : التَّعْرِيفُ ) يَكُونُ ( فِي الْأَسْوَاقِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ ) عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْجَمَاعَاتِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى وُجُودِ صَاحِبِهَا ( لَا فِيهَا ) أَيْ الْمَسَاجِدِ كَمَا لَا تُطْلَبُ اللُّقَطَةُ فِيهَا ( وَيَجُوزُ ) تَعْرِيفُهَا ( فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى كَذَلِكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمُ التَّعْرِيفِ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمَنْقُولُ الْكَرَاهَةُ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ الْمَنْقُولُ وَالصَّوَابُ التَّحْرِيمُ لِلْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ فِيهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يُرِدْ بِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ - قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ - : وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ ، أَوْ الْكَرَاهَةِ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ الْأَحَادِيثُ أَمَّا لَوْ سَأَلَ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ .
بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ .
( قَوْلُهُ : التَّعْرِيفُ فِي الْأَسْوَاقِ إلَخْ ) وَلَا يَكْفِي تَعْرِيفُهَا أَوْقَاتَ الْخَلَوَاتِ ( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ الْمَنْقُولَ الْكَرَاهَةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْمُلْتَقِطِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ هَلْ يَبْنِي وَارِثُهُ عَلَى مَا مَضَى ، أَوْ يَسْتَأْنِفُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَالْأَقْرَبُ الِاسْتِئْنَافُ كَمَا فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ لَا يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَى حَوْلِ الْمُوَرِّثِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ .
ا هـ .
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الْأَوَّلُ .
( وَيَجِبُ ) التَّعْرِيفُ ( فِي بَلَدِ اللُّقَطَةِ ) أَيْ مَحَلِّهَا ( وَلْيُكْثِرْ مِنْهُ حَيْثُ وَجَدَهَا ) أَيْ فِي مَكَانِ وُجُودِهِ لَهَا ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ فِي مَكَانِهِ أَكْثَرُ ( فَإِنْ سَافَرَ ) أَيْ أَرَادَ سَفَرًا ( اسْتَنَابَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيُعَرِّفُهَا وَإِلَّا ) بِأَنْ سَافَرَ بِهَا أَوْ اسْتَنَابَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِهِ ( ضَمِنَ ) لِتَقْصِيرِهِ ( وَلَوْ الْتَقَطَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُنَاكَ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَ ) فِيهَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّعْرِيفِ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ ( وَإِلَّا فَفِي بَلَدٍ يَقْصِدُهَا ) قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ سَوَاءٌ أَقَصَدَهَا ابْتِدَاءً أَمْ لَا حَتَّى لَوْ قَصَدَ بَعْدَ قَصْدِهِ الْأَوَّلِ بَلْدَةً أُخْرَى وَلَوْ بَلْدَتَهُ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا لَزِمَهُ التَّعْرِيفُ فِيهَا ( وَلَا يُكَلَّفُ الْعُدُولَ عَنْهَا ) إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيَتَوَلَّى التَّعْرِيفَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ ( وَلَا يُجْزِئُ ) وَفِي نُسْخَةٍ " وَلَا يَكْفِي " ( تَعْرِيفُ ) شَخْصٍ ( مَشْهُورٍ بِالْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ ) إذْ لَا تَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةُ التَّعْرِيفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمَانَةُ إذَا حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَالْمُجُونُ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ وَقَدْ مَجَنَ بِالْفَتْحِ يَمْجُنُ مُجُونًا وَمَجَانَةً .
قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَيْ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمَانَةُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : : مَا لَا يُتَمَوَّلُ لِقِلَّةٍ كَحَبَّةِ بُرٍّ ) وَزَبِيبَةٍ ( لَا يُعَرَّفُ ) وَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ فَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُعَرِّفُ زَبِيبَةً فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ : إنَّ مِنْ الْوَرَعِ مَا يَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرُوِيَ مَا يَمْقُتُهُ اللَّهُ وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّمْرَةِ الْمُلْقَاةِ { لَوْلَا أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَإِنْ تُمُوِّلَ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ لَا يُعَرَّفُ سَنَةً بَلْ ) يُعَرَّفُ ( إلَى أَنْ يُظَنَّ إعْرَاضُ صَاحِبِهِ عَنْهُ غَالِبًا ) لِأَنَّهُ لَا يَدُومُ فَاقِدُهُ عَلَى طَلَبِهِ سَنَةً بِخِلَافِ الْكَثِيرِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَدَانَقُ الْفِضَّةِ يُعَرَّفُ فِي الْحَالِ وَدَانَقُ الذَّهَبِ يُعَرَّفُ يَوْمًا ، أَوْ يَوْمَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ( وَالْقَلِيلُ ) الْمُتَمَوَّلُ ( مَا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ لَا يُكْثِرُ الْأَسَفَ عَلَيْهِ وَلَا يَطُولُ طَلَبُهُ ) لَهُ ( غَالِبًا ) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حَقَارَتِهِ .
( قَوْلُهُ : وَزَبِيبَةٍ ) أَيْ وَتَمْرَةٍ فَلَوْ اتَّفَقَ بِأَنْ حَصَلَتْ بِمَوْضِعٍ لَهَا فِيهِ قِيمَةٌ أَوْ كَانَ قَحْطٌ شَدِيدٌ يَكُونُ لِلتَّمْرَةِ فِيهِ قِيمَةٌ وَجَبَ تَعْرِيفُهَا وَصَحَّ بَيْعُهَا وَجَازَ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا كَمَا بَيَّنُوهُ فِي الصَّدَقَاتِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ يَأْخُذُهُ وَاجِدُهُ كَمَا يَأْخُذُ السَّاقِطَ مِنْ الثِّمَارِ وَالسَّنَابِلِ وَلَا يَمْلِكُهَا مَجَّانًا ، قِيلَ : لَكِنْ هَلْ نَقُولُ يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ كَالِاحْتِطَابِ ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ التَّمَلُّكِ الظَّاهِرُ الثَّانِي ، وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ فِي مَعْنَى اللُّقَطَةِ لَكِنْ لَا تُعَرَّفُ .
ا هـ .
، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّمْرَةَ وَالزَّبِيبَةَ وَنَحْوَهَا - حَيْثُ لَا قِيمَةَ لَهَا - مُلْحَقَةٌ بِالْمُبَاحَاتِ كَسَوَاقِطِ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا الَّتِي تُعْرِضُ أَرْبَابُهَا عَنْهَا وَقَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّمْرَةَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ فِي ) وَقْتِ ( الْحَصَادِ إنْ عُلِمَ إعْرَاضُ الْمَالِكِ عَنْهَا ، أَوْ رِضَاهُ بِأَخْذِهَا جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا ) يَجُوزُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ جَوَازِهِ بِأَهْلِ الزَّكَاةِ كَالْفُقَرَاءِ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِجَمِيعِ السَّنَابِلِ وَالْمَالِكُ مَأْمُورٌ بِجَمْعِهَا ، وَإِخْرَاجِ مَا لِأَهْلِهَا قَالَ وَلَعَلَّ إطْلَاقَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ، أَوْ عَلَى مَا لَوْ كَانَتْ أُجْرَةُ جَمْعِهَا تَزِيدُ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْهَا .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُغْتَفَرٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ ، وَالْخَلَفُ مَعَ أَنَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ نَظَرًا ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ ( وَمَا يَفْسُدُ كَبُقُولٍ وَرُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ ) وَهَرِيسَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ ( فَلِلْمُلْتَقِطِ بَيْعُهُ ، ثُمَّ يُعَرِّفُهُ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ وَلَهُ تَمَلُّكُهُ فِي الْحَالِ ، ثُمَّ أَكْلُهُ ) مَعَ غُرْمِ قِيمَتِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَوَجَدَهُ بِصَحْرَاءَ أَمْ بِعُمْرَانٍ ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْهَلَاكِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ كَالْغَنَمِ ، وَإِنَّمَا جَازَ أَكْلُهُ فِي الْعُمْرَانِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِخِلَافِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجِيءُ الْإِمْسَاكُ هُنَا لِتَعَذُّرِهِ ( وَبَيْعُهُ ) يَكُونُ ( كَمَا سَبَقَ ) مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُهُ اسْتِقْلَالًا إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ ( ثُمَّ ) بَعْدَ أَكْلِهِ ( يُعَرِّفُهُ إنْ وَجَدَهُ فِي غَيْرِ الصَّحْرَاءِ ) .
كَمَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ يُعَرِّفُ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فِي الصَّحْرَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّ الَّذِي يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا قَالَ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُعَرَّفُ بِالصَّحْرَاءِ لَا مُطْلَقًا ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الصَّحْرَاءِ الشَّارِعُ وَالْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُمَا ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْمَوَاتِ
مَحَالُّ اللُّقَطَةِ ( وَلَا يَجِبُ إفْرَازُ قِيمَتِهِ ) الْمَغْرُومَةِ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُخْشَى تَلَفُهُ نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهَا عِنْدَ تَمَلُّكِهَا ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي ( فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ أَفْرَزَهَا أَيْ اسْتِقْلَالًا إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ ( فَالْمُفْرَزُ أَمَانَةٌ ) فِي يَدِهِ ( لَا يُضْمَنُ إلَّا بِتَفْرِيطٍ ) فِيهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّفْرِيطِ ( وَيَتَمَلَّكُهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ) كَمَا يَتَمَلَّكُ نَفْسَ اللُّقَطَةِ وَكَمَا يَتَمَلَّكُ الثَّمَنَ إذَا بَاعَ الطَّعَامَ وَهَذَا يَقْتَضِي صَيْرُورَةَ الْمُفْرَزِ مِلْكًا لِمَالِكِ اللُّقَطَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ سَقَطَ حَقُّهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَالْمُعْتَبَرُ ) فِي قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ ( قِيمَةُ يَوْمِ الْأَخْذِ ) لَا قِيمَةُ يَوْمِ الْأَكْلِ ( - إنْ قَصَدَ الْأَكْلَ - وَإِلَّا ) بِأَنْ قَصَدَ التَّعْرِيفَ ( فَيَوْمِ الْأَكْلِ ) لَا يَوْمِ الْأَخْذِ .
( وَيَعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي رُطَبٍ يَتَتَمَّرُ ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ بِالْمُعَالَجَةِ ( مَنْ بَيْعٍ وَتَجْفِيفٍ ) فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي بَيْعِهِ رُطَبًا بِيعَ أَوْ فِي تَجْفِيفِهِ ، وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ أَوْ غَيْرُهُ جَفَّفَهُ ، وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي إنْ سَاوَى مُؤْنَةَ التَّجْفِيفِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ حَيْثُ يُبَاعُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ .
تَتَكَرَّرُ فَتُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْكُلَ نَفْسَهُ ( وَمُؤْنَتُهُ ) أَيْ التَّجْفِيفِ ، أَوْ نَحْوِهِ ( عَلَى الْمَالِكِ ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُغْتَفَرٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْإِمَامِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهَا إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَهَذَا يَقْتَضِي صَيْرُورَةَ الْمُفْرَزِ إلَخْ ( قَوْلُهُ : وَيَعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي رُطَبٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ يَسْتَبِدُّ الْمُلْتَقِطُ بِالنَّظَرِ فِي أَغْبَطِ الْأَمْرَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَالتَّجْفِيفِ أَمْ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي لَمْ يُصَرِّحَا فِيهِ بِشَيْءٍ وَالْأَشْبَهُ الْمُرَاجَعَةُ وَفِي مُرَاجَعَتِهِ فِي الْبَيْعِ مَا سَبَقَ .
( الْحُكْمُ الثَّالِثُ التَّمَلُّكُ ) لِلُّقَطَةِ الْمَمْلُوكَةِ ( وَتُمْلَكُ بِاللَّفْظِ بَعْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ ) غَنِيًّا كَانَ الْمُلْتَقِطُ ، أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِبَدَلٍ فَافْتَقَرَ إلَى لَفْظٍ كَالتَّمَلُّكِ بِالشِّرَاءِ ( كَ تَمَلَّكْتُ وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ ) فِيهَا كَالْقَرْضِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ يَخْتَارُ نَقْلَ الِاخْتِصَاصِ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَكْفِي إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَكَذَا الْكِنَايَةُ مَعَ النِّيَّةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَلَدَ اللُّقَطَةِ كَاللُّقَطَةِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ عِنْدَ الْتِقَاطِهَا أَوْ انْفَصَلَ مِنْهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ، وَإِلَّا مَلَكَهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يُمْلَكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأُمِّهِ أَيْ وَتَمَلُّكِهَا .
قَوْلُهُ : كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَيْ وَغَيْرُهُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ الْتَقَطَ مَالًا ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَمَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ صَغِيرًا ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : فِيهِ .
( فَرْعٌ : لَا يَلْتَقِطُ ) أَحَدٌ ( بِحَرَمِ مَكَّةَ ) لُقَطَةً ( إلَّا لِلْحِفْظِ ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ أَيْ لِمُعَرِّفٍ عَلَى الدَّوَامِ ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَكَّةَ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا ، أَوْ نَائِبُهُ لِطَلَبِهَا ، وَالْمُرَادُ بِحَرَمِ مَكَّةَ الْحَرَمُ الْمَكِّيُّ فَيَشْمَلُ مَكَّةَ مَعَ أَنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ " مَكَّةَ وَحَرَمِ مَكَّةَ " ( وَتَجِبُ ) عَلَيْهِ ( الْإِقَامَةُ ) بِهِ ( لِيُعَرِّفَهَا ، أَوْ يَدْفَعَهَا ) أَيْ أَوْ دَفَعَهَا ( إلَى الْحَاكِمِ ) لِيُعَرِّفَهَا ( وَقَدْ يَجِيءُ هَذَا ) أَيْ التَّخْيِيرُ ( فِي كُلِّ مَا اُلْتُقِطَ لِلْحِفْظِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَرَمِ مَكَّةَ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ أَنَّهُ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي حُرْمَةِ الصَّيْدِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد فِي الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا } بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِهَا .
( قَوْلُهُ : لَا يَلْتَقِطُ بِحَرَمِ مَكَّةَ إلَّا لِلْحِفْظِ ) فِي لُقَطَةِ عَرَفَةَ وَمُصَلَّى إبْرَاهِيمَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ لِأَنَّهُ حِلٌّ وَالثَّانِي لَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَمَعُ الْحَاجِّ وَأَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا ( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ .
( قَوْلُهُ : إنْ أَثْبَتَ بِهَا الْمَالِكُ حُجَّةً ) بِأَنْ أَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ ) لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ كَغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ وَصْفَهَا مِنْ صَاحِبِهَا ( قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَسْلِيمُهُ .
( الْحُكْمُ الرَّابِعُ وُجُوبُ الرَّدِّ ) لَهَا أَوْ لِبَدَلِهَا وَلَوْ ( بَعْدَ التَّمَلُّكِ إنْ أَثْبَتَ ) أَيْ أَقَامَ ( بِهَا الْمَالِكُ ) حُجَّةً ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ بَلْ لَا يَجُوزُ إنْ لَمْ يَصِفْهَا ( وَمَتَى وَصَفَهَا وَ ) إنْ ( أَقَامَ شَاهِدًا ) بِهَا وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ ( لَمْ يَجِبْ التَّسْلِيمُ ) إلَيْهِ ( فَإِنْ قَالَ ) لَهُ ( يَلْزَمُك تَسْلِيمُهَا إلَيَّ فَلَهُ ) إذَا لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَهُ ( الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ) ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ : تَعْلَمُ أَنَّهَا مِلْكِي فَلَهُ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَكِنْ يَجُوزُ ) لَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ ( الدَّفْعُ ) إلَيْهِ ( إنْ ظَنَّ صِدْقَهُ ) فِي وَصْفِهِ لَهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ وَلَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ صِدْقَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَلَوْ وَصَفَهَا جَمَاعَةٌ وَادَّعَاهَا كُلٌّ لِنَفْسِهِ لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَيِّنَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَيَجِبُ ) الدَّفْعُ إلَيْهِ ( إنْ عَلِمَ ) صِدْقَهُ ( وَيَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ ) أَيْ الضَّمَانُ ( لَا إنْ أَلْزَمَهُ تَسْلِيمَهَا ) إلَيْهِ ( بِالْوَصْفِ حَاكِمٌ ) يَرَى ذَلِكَ كَمَالِكِيٍّ وَحَنْبَلِيٍّ فَلَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فِي التَّسْلِيمِ ( وَإِنْ سَلَّمَهَا ، أَوْ ) سَلَّمَ ( بَدَلَهَا إلَى الْوَاصِفِ بِاخْتِيَارِهِ ) لَا بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ لَهُ ( ثُمَّ تَلِفَتْ عِنْدَهُ ) أَيْ الْوَاصِفِ ( وَأَثْبَتَ ) أَيْ أَقَامَ ( بِهَا آخَرُ ) حُجَّةً ( وَغَرِمَ الْمُلْتَقِطُ ) بَدَلَهَا ( رَجَعَ ) الْمُلْتَقِطُ بِمَا غَرِمَهُ ( عَلَى الْوَاصِفِ إنْ سَلَّمَ ) اللُّقَطَةَ لَهُ ( أَوْ غَرِمَ ) لَهُ ( الْبَدَلَ ) عَنْهَا كَمَا هُوَ الْفَرْضُ ( وَلَمْ يُقِرَّ لَهُ ) الْمُلْتَقِطُ ( بِالْمِلْكِ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ وَلِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ سَلَّمَهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرٍ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (
وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْوَاصِفِ أَيْضًا ) بِهَا ، أَوْ بِبَدَلِهَا ( إنْ قَبَضَهَا ) مِنْ الْمُلْتَقِطِ ( بِعَيْنِهَا لَا إنْ قَبَضَ ) مِنْهُ ( ثَمَنَهَا ) يَعْنِي بَدَلَهَا ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ عِنْدَهُ مَالُ الْمُلْتَقِطِ لَا مَالُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْوَاصِفُ فِي الْأُولَى عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِمَا غَرِمَهُ لِحُصُولِ التَّلَفِ عِنْدَهُ بِلَا تَغْرِيرٍ وَلِأَنَّهُ يَزْعُمُ ظُلْمَ الْمَالِكِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ بَاقِيَةً عِنْدَ الْوَاصِفِ فَتُنْزَعُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ لِلْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ تُوجِبُ الدَّفْعَ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصْفِ الْمُجَرَّدِ .
( فَرْعٌ : ) لَوْ ( شَهِدَ لِمُدَّعِي اللُّقَطَةِ فَاسِقَانِ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُلْتَقِطِ التَّسْلِيمَ ) لَهَا ( وَلَوْ اعْتَرَفَ ) هُوَ ( بِعَدَالَتِهِمَا ) لِأَنَّ التَّعْدِيلَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكْفِي فِيهِ اعْتِرَافُ الْخَصْمِ .
( فَصْلٌ : وَإِنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ ) لِلُّقَطَةِ ( وَهِيَ تَالِفَةٌ رَدَّ مِثْلَهَا ) إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً ( أَوْ قِيمَةَ يَوْمِ التَّمَلُّكِ ) إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً لِأَنَّهُ يَوْمُ دُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ ، وَضَمَانُهَا ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ يَوْمِ التَّلَفِ ( وَلَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً ) وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ ( تَعَيَّنَ رَدُّهَا ) لِمَالِكِهَا فَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ إلْزَامُهُ أَخْذَ بَدَلِهَا مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْقَرْضِ بَلْ أَوْلَى وَلِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَيَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ رَدُّهَا إلَيْهِ قَبْلَ طَلَبِهِ ، ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي الْوَدِيعَةِ ( مَعَ ) .
غُرْمِ ( الْأَرْشِ ) لِأَنَّ جَمِيعَهَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَذَا بَعْضُهَا ( إنْ نَقَصَتْ ) وَفِي نُسْخَةٍ " تَعَيَّبَتْ " ( بَعْدَ التَّمَلُّكِ ) فَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَدَلَهَا ، وَالْمُلْتَقِطُ رَدَّهَا مَعَ الْأَرْشِ أُجِيبَ الْمُلْتَقِطُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ النَّاقِصَةَ مَعَ الْأَرْشِ كَالتَّامَّةِ وَيَتَعَيَّنُ رَدُّهَا ( بِالزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ ) وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بَلْ لَوْ حَدَثَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ انْفَصَلَتْ رَدَّهَا كَنَظِيرِهِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ الْتَقَطَ حَائِلًا فَحَمَلَتْ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ، ثُمَّ وَلَدَتْ رَدَّ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ ( لَا ) بِالزَّوَائِدِ ( الْمُنْفَصِلَةِ ) الْحَادِثَةِ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ وَتَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْمُنْفَصِلِ فَيَكُونُ الْحَادِثُ هُنَا بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِلْمُلْتَقِطِ ( وَإِنْ جَاءَ الْمَالِكُ وَقَدْ بِيعَتْ ) أَيْ اللُّقَطَةُ ( فَلَهُ الْفَسْخُ ) لِلْبَيْعِ ( فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ) لِاسْتِحْقَاقِهِ الرُّجُوعَ لِعَيْنِ مَالِهِ مَعَ بَقَائِهِ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَاقِدُ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْقَطَّانِ ، وَالْأَوَّلُ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ
نَقْلِ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الشَّاشِيِّ كَمَا ذُكِرَ وَجَعَلَهُمَا ابْنُ كَجٍّ فِي أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْفَسْخِ وَيَجُوزُ فَرْضُهُمَا فِي الِانْفِسَاخِ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَطَلَبَ فِي الْمَجْلِسِ بِزِيَادَةٍ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ انْفِسَاخِهِ إنْ لَمْ يُفْسَخْ لَكِنْ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ إنَّ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعَ فِي الْمَبِيعِ إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَحُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ( لَا إنْ شُرِطَ ) الْخِيَارُ ( لِلْمُشْتَرِي ) وَحْدَهُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ كَالْبَائِعِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْمَالِكُ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا فَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً بِلَا تَقْصِيرٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، أَوْ بَاقِيَةً أَخَذَهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ ، وَالْمُنْفَصِلَةِ دُونَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْ الْمُلْتَقِطِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ قِيمَةَ يَوْمِ التَّمَلُّكِ ) بِمَكَانِهِ ( قَوْلُهُ : إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً ) لَا مِثْلُهَا الصُّورِيُّ ، وَمِثْلُ تَلَفِهَا زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا بِبَيْعٍ ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَوْ كَانَتْ رَقِيقًا وَقَالَ مَالِكُهُ : كُنْت أَعْتَقْته قَبْلَ تَصَرُّفِهِ صُدِّقَ ، وَبَانَ فَسَادُهُ ، ثُمَّ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَقَرَّ بِبَقَاءِ الْحَقِّ لِيَأْخُذَ الثَّمَنَ فَهَلْ يُقْبَلُ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ قَبُولِهِ قَوْلُهُ : تَعَيَّنَ رَدُّهَا ) مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَإِنْ حَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَالِكِهَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( قَوْلُهُ : لَا بِالزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ أَمَةً وَوَلَدَتْ عِنْدَهُ رَضِيعًا وَحَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَهُ فَهَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ ، أَوْ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي الْأُمِّ وَلَهُ الْقِيمَةُ وَيَبْعُدُ إجْبَارُ الْمُلْتَقِطِ ، ثُمَّ تَسْلِيمُ الْوَلَدِ بِالْقِيمَةِ وَبَيْعُهَا وَقِسْمَةُ الثَّمَنِ لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا .
( فَصْلٌ : فِيهِ مَسَائِلُ ) تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ ( وَإِنْ أَخَذَهَا اثْنَانِ فَتَرَكَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ ) مِنْهَا ( لِلْآخَرِ لَمْ يَسْقُطْ ) إذْ لَيْسَ لَهُ نَقْلُ حَقِّهِ إلَى الْآخَرِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ نَقْلُ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ وِلَايَةٌ أَثْبَتَهَا الشَّرْعُ لِلْوَاحِدِ ، وَالْوِلَايَاتُ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ ( وَإِنْ أَثْبَتَ ) أَيْ أَقَامَ ( كُلٌّ ) مِنْهُمَا بَيِّنَةً ( أَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ يَسْبِقْ تَارِيخٌ ) لِإِحْدَاهُمَا ( تَعَارَضَتَا ) فَتَكُونُ فِي يَدِهِمَا يُعَرِّفَانِهَا ، ثُمَّ يَتَمَلَّكَانِهَا فَإِنْ سَبَقَ لِإِحْدَاهُمَا تَارِيخٌ حُكِمَ بِهَا ( وَلَوْ سَقَطَتْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ ) لَهَا ( فَالْتَقَطَهَا آخَرُ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى ) بِهَا مِنْهُ لِسَبْقِهِ ( وَالْمَأْمُورُ بِالِالْتِقَاطِ ) فِيمَا لَوْ تَمَاشَى اثْنَانِ فَأَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لُقَطَةً وَأَمَرَهُ بِالْتِقَاطِهَا ( بِصِيغَةِ هَاتِهَا ) أَوْ نَحْوِهَا ( إنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ إلَّا إنْ قَصَدَ بِهَا الْآمِرَ ) وَحْدَهُ ، أَوْ مَعَ نَفْسِهِ فَتَكُونُ لِلْآمِرِ ، أَوْ لَهُمَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي الِالْتِقَاطِ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي عُمُومِ الِالْتِقَاطِ وَهَذَا فِي خُصُوصِ لُقَطَةٍ وُجِدَتْ فَالْأَمْرُ بِأَخْذِهَا اسْتِعَانَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَيَشْمَلُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ رَآهَا ) مَطْرُوحَةً ( فَدَفَعَهَا بِرِجْلِهِ ) مَثَلًا ( لِيَعْرِفَهَا ) جِنْسًا أَوْ قَدْرًا ( وَتَرَكَهَا ) حَتَّى ضَاعَتْ ( لَمْ يَضْمَنْهَا ) لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِهِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ ضَمَانِهَا ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ عَنْ مَكَانِهَا بِالدَّفْعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِي ضَمَانَ مَا تَتْلَفُ بِهَا حِينَئِذٍ كَالتَّلَفِ بِالْحَجَرِ الْمُدَحْرَجِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ ثَمَّ إنَّمَا هُوَ لِمَا يَتْلَفُ بِهَا لَا لَهَا وَعَلَى قِيَاسِهِ لَا يَضْمَنُ الْمُدَحْرِجُ الْحَجَرَ الَّذِي دَحْرَجَهُ ( وَلَوْ دَفَعَهَا
لِلْحَاكِمِ ) وَتَرَكَ تَعْرِيفَهَا وَتَمَلُّكَهَا ( ثُمَّ اسْتَقَالَ ) أَيْ طَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ إقَالَتَهُ مِنْهَا ( لِيُعَرِّفَهَا ) وَيَتَمَلَّكَهَا ( مُنِعَ ) مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ ( وَإِنْ أَخَذَ خَمْرًا أَرَاقَهَا صَاحِبُهَا فَتَخَلَّلَتْ ) عِنْدَهُ ( مَلَكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ ) لَهَا ؛ لِأَنَّ مُرِيقَهَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا وَقِيلَ هِيَ لِمُرِيقِهَا كَمَا لَوْ غَصَبَ بِهَا فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ هُنَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَفِي الْغَصْبِ ( وَقَبْلَ التَّخَلُّلِ ) لَهَا ( عَلَيْهِ ) إذَا جَمَعَهَا ( إرَاقَتُهَا إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ فَيُعَرِّفُهَا ) كَالْكَلْبِ الْمُحْتَرَمِ .
( قَوْلُهُ : وَالْوِلَايَاتُ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ ) فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالْيَدِ لَا عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا عَلَى النِّصْفِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ إذَا لَمْ يَنُصَّ لَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ ) قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ مَعَ الشَّكِّ لَا يُعَرِّفُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا إرَاقَةَ فِيهَا فَلَا إعْرَاضَ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ " جَمَعَهَا " ؛ إذْ الْمُرَادُ بِهِ جَمَعَهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ خَمْرٌ ( قَوْلُهُ : فَيُعَرِّفُهَا كَالْكَلْبِ الْمُحْتَرَمِ ) فَيُعَرِّفُ ذَلِكَ عَامًا إنْ كَثُرَ فَإِنْ قَلَّ اخْتَصَّ بِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ قَدْرَ مَا يَلِيقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَقَرًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفِهِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَالِ .
( كِتَابُ اللَّقِيطِ ) ( وَيُسَمَّى مَلْقُوطًا ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ ( وَمَنْبُوذًا أَيْضًا ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نُبِذَ وَيُسَمَّى دَعِيًّا أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } وَقَوْلُهُ { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَنَّ سُنَيْنًا أَبَا جَمِيلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ فَقَالَ وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا ، فَقَالَ عَرِيفُهُ - وَاسْمُهُ سِنَانٌ - : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ عُمَرُ : أَكَذَلِكَ قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ : اذْهَبْ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ لَك وَلَاؤُهُ أَيْ تَرْبِيَتُهُ وَحَضَانَتُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ أَيْ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ " وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ " .
( كِتَابُ اللَّقِيطِ ) .
( قَوْلُهُ : حِفْظًا لِلنَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الْهَلَاكِ ) كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ رُبَّمَا احْتَالَ لِنَفْسِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ لَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي الْأَرْكَانِ وَأَحْكَامِ الِالْتِقَاطِ فَالْأَرْكَانُ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الِالْتِقَاطُ وَالْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) حِفْظًا لِلنَّفْسِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الْهَلَاكِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } إذْ بِإِحْيَائِهَا أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ النَّاسِ فَأَحْيَاهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْتِقَاطُهَا بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عَلَيْهَا الِاكْتِسَابُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ كَالنِّكَاحِ ، وَالْوَطْءِ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَنْبُوذِ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ أَخْذُهُ فَلَوْ لَمْ يَلْتَقِطْهُ حَتَّى عَلِمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ عَلِمَا مَعًا ، أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ أَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ احْتِمَالًا قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا ( وَمَتَى الْتَقَطَ ) الْمَنْبُوذَ ( وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْتِقَاطِ الْمُلْتَقِطِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ وَفَارَقَ الْإِشْهَادَ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْمَالُ - وَالْإِشْهَادُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُسْتَحَبٌّ - ، وَمِنْ اللَّقِيطِ حِفْظُ حُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ فَوَجَبَ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَبِأَنَّ اللُّقَطَةَ يَشِيعُ أَمْرُهَا بِالتَّعْرِيفِ وَلَا تَعْرِيفَ فِي اللَّقِيطِ ( وَ ) وَجَبَ الْإِشْهَادُ ( عَلَى مَا مَعَهُ ) تَبَعًا لَهُ وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكَهُ وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وُجُوبَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا مَعَهُ بِالْمُلْتَقِطِ بِنَفْسِهِ أَمَّا مَنْ سَلَّمَهُ الْحَاكِمَ لَهُ فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ لَهُ قَطْعًا وَهُوَ ظَاهِرٌ ( فَيَجُوزُ الِانْتِزَاعُ ) لِلَّقِيطِ وَمَا مَعَهُ ( مِنْهُ إنْ لَمْ يُشْهِدْ ) وَالْمُنْتَزِعُ مِنْهُ - وَمِمَّنْ يَأْتِي - الْحَاكِمُ .
الرُّكْنُ ( الثَّانِي اللَّقِيطُ وَهُوَ كُلُّ صَبِيٍّ مَنْبُوذٍ لَا كَافِلَ لَهُ ) مَعْلُومٌ ( وَلَوْ مُمَيِّزًا ) لِحَاجَتِهِ إلَى التَّعَهُّدِ ( فَلَوْ وُجِدَ الْكَافِلُ ) لَهُ وَلَوْ مُلْتَقِطًا ( أَوْ فُقِدَ النَّبْذُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْكَافِلِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ الْقَاضِي ) فِي الثَّانِيَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَافِلِهِ فَيُسَلِّمُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ كَمَا يَقُومُ بِحِفْظِ مَالِ الْغَائِبِينَ وَلَوْ قَدَّمَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى كَانَ أَوْفَقَ بِالضَّابِطِ وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحِفْظِ نَعَمْ الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الصَّبِيَّ ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : نَعَمْ الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا : قَالَ فِي الْخَادِمِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ إنَّ حُكْمَ مَنْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ خَبَلٌ أَوْ وَلَهُ حُكْمُ الصَّغِيرِ .
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُلْتَقِطُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَرُشْدٌ ، وَإِسْلَامٌ وَعَدَالَةٌ ) وَلَوْ مَسْتُورَةً عَلَى مَا يَأْتِي ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ تَثْبُتُ عَلَى الْغَيْرِ بِالِاخْتِيَارِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ ( فَلَا يَصِحُّ ) مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَا ( مِنْ عَبْدٍ ) وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ ( إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، أَوْ تَقْرِيرِهِ ) لَهُ عَلَى الْتِقَاطِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ( وَيَكُونُ السَّيِّدُ ) هُوَ ( الْمُلْتَقِطَ ) وَالْعَبْدُ نَائِبَهُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْبِيَةِ إذْ يَدُهُ كَيَدِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَى الْتِقَاطِهِ ( اُنْتُزِعَ ) اللَّقِيطُ ( مِنْ الْعَبْدِ ) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّتُهُ ( وَلَا ) تَصِحُّ ( مِنْ مُكَاتَبٍ ) وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لِذَلِكَ ( إلَّا لِسَيِّدٍ قَالَ : ) - لَهُ - ( الْتَقِطْهُ لِي ) فَيَكُونُ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطَ ( وَفِي مُبَعَّضٍ الْتَقَطَ فِي نَوْبَتِهِ وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ أَيْضًا فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ وَإِلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ ( وَيُنْزَعُ ) اللَّقِيطُ ( مِنْ سَفِيهٍ ) مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا ( وَ ) مِنْ ( فَاسِقٍ وَكَافِرٍ ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِقَاطِهِمْ لَكِنَّ مَحَلَّ الْأَخِيرَةِ فِي اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيهِ بِخِلَافِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ وَسَيَأْتِي ( وَكَذَا مَنْ لَمْ يُخْتَبَرْ ) حَالُهُ ( وَظَاهِرُهُ الْأَمَانَةُ ) فَيُنْزَعُ مِنْهُ ( إنْ سَافَرَ ) أَيْ أَرَادَ السَّفَرَ ( بِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ ( وَيُرَاقَبُ فِي الْحَضَرِ ) بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ( سِرًّا ) لَا جَهْرًا ( لِئَلَّا يَتَأَذَّى فَإِنْ وَثِقَ بِهِ فَكَعَدْلٍ ) فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ وَلَا يُرَاقَبُ ( وَلِلْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ الْتِقَاطُ كَافِرٍ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِمَا بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ
مِنْ الْمُوَالَاةِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ لِلذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ الْتِقَاطَ الْحَرْبِيِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ .
( قَوْلُهُ : وَعَدَالَةٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْبَصَرِ وَالشِّفَاءِ مِنْ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ يَتَعَاهَدُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا اعْتَبَرُوهُ فِي الْحَاضِنَةِ ( قَوْلُهُ : وَيَكُونُ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطَ ) هَذَا مَا لَمْ يَرْفَعْ الْآمِرُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ رَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي كَفَالَتِهِ وَيَدْفَعُهُ الْحَاكِمُ إلَى مَنْ يَرَاهُ .
ا هـ .
يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا الْتَقَطَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يُقِرَّهُ عَلَيْهِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّرْكِ فِي يَدِهِ ( قَوْلُهُ : أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَجَزَمَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ بِتَصْحِيحِهِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ الْتَقَطَ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ اُنْتُزِعَ وَبِإِذْنِهِ فَالْمُرَجَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُنْزَعُ وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَاوِي وَتَعْلِيقِهِ أَنَّهُ كَلُقَطَةِ السَّيِّدِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ ) بِالدَّارِ .
( قَوْلُهُ : لِئَلَّا يَتَأَذَّى ) وَلِئَلَّا يُرَائِيَ وَيُدَلِّسَ ( قَوْلُهُ : وَلِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إلَخْ ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ .
( فَصْلٌ : وَإِنْ تَنَازَعَا ) أَيْ اثْنَانِ فِي لَقِيطٍ ( قَبْلَ أَخْذِهِ اخْتَارَ الْحَاكِمُ ) جَعْلَهُ فِي يَدِ مَنْ شَاءَ ( وَلَوْ غَيْرَهُمَا ) إذْ لَا حَقَّ لَهُمَا قَبْلَ الْأَخْذِ ( أَوْ ) تَنَازَعَا فِيهِ ( بَعْدَ الْأَخْذِ وَهُمَا أَهْلٌ لِلِالْتِقَاطِ فَالسَّابِقُ ) مِنْهُمَا ( بِالْأَخْذِ ) أَحَقُّ فَلَا أَحَقِّيَّةَ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) سَبْقًا ( قُدِّمَ الْغَنِيُّ ) لِأَنَّهُ قَدْ يُوَاسِيهِ بِمَالِهِ وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يَشْغَلُهُ طَلَبُ الْقُوتِ عَنْ الْحَضَانَةِ ( لَا الْأَغْنَى ) فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْغَنِيِّ نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَخِيلًا ، وَالْآخَرُ جَوَادًا فَقِيَاسُ تَقَدُّمِ الْغَنِيِّ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَادُ ؛ لِأَنَّ حَظَّ الطِّفْلِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ ( وَ ) قُدِّمَ ( ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ ) .
بِالِاخْتِبَارِ ( عَلَى فَقِيرٍ ) فِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ ( وَ ) عَلَى ( مَسْتُورٍ ) فِي مَسْأَلَةِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا لِلَّقِيطِ ( ثُمَّ ) إذَا اسْتَوَيَا فِي الصِّفَاتِ ( يُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا يُهَايَأُ بَيْنَهُمَا لِلْإِضْرَارِ بِاللَّقِيطِ وَلَا يُتْرَكُ فِي يَدَيْهِمَا لِتَعَذُّرِ أَوْ تَعَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمَا ( وَلَا يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ ) الْأَوْلَى عَلَى كَافِرٍ ( فِي ) لَقِيطٍ ( كَافِرٍ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ ) فِي الِالْتِقَاطِ ( فَيُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْحَضَانَةِ تُقَدَّمُ الْأُمُّ فِيهَا عَلَى الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ فِيهَا الشَّفَقَةُ وَهِيَ فِي الْأُمِّ أَتَمُّ ( وَلَوْ اخْتَارَ اللَّقِيطُ أَحَدَهُمَا ) فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِاخْتِيَارِ اللَّقِيطِ لَهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ لِتَعْوِيلِهِمْ ثَمَّ عَلَى الْمَيْلِ النَّاشِئِ عَنْ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْوَجْهُ تَقْدِيمُ الْبَصِيرِ عَلَى الْأَعْمَى وَالسَّلِيمِ عَلَى الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ إنْ قِيلَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لِلِالْتِقَاطِ ( وَلَوْ آثَرَ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ) أَيْ تَرَكَ حَقَّهُ لَهُ ( قَبْلَ الْقُرْعَةِ لَا بَعْدُ جَازَ ) فَيَنْفَرِدُ بِهِ الْآخَرُ كَالشَّفِيعَيْنِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْقُرْعَةِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ نَقْلُ حَقِّهِ إلَى غَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ : فَالسَّابِقُ مِنْهُمَا بِالْأَخْذِ أَحَقُّ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( قَوْلُهُ : فَقِيَاسُ تَقْدِيمِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْجَوَادُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَعَلَى مَسْتُورٍ ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ الْعَدْلُ فَقِيرًا وَالْمَسْتُورُ غَنِيًّا ( قَوْلُهُ : وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الرَّجُلِ فِي الرَّضِيعِ وَهِيَ عِنْدِي أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الْغَنِيِّ عَلَى الْفَقِيرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهَا إذَا كَانَ ظَاعِنًا وَلَمْ يَجِدْ مُرْضِعًا غَيْرَهَا وَلَوْ ازْدَحَمَ امْرَأَتَانِ فَيُشْبِهُ أَنْ تُقَدَّمَ الْخَلِيَّةُ عَلَى الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُرْضِعُ عَلَى غَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَالْوَجْهُ تَقْدِيمُ الْبَصِيرِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : وَأَمَّا أَحْكَامُهُ ) أَيْ الِالْتِقَاطِ ( فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ ) مِنْهَا ( حِفْظُ اللَّقِيطِ وَرِعَايَتُهُ ) أَيْ تَرْبِيَتُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودُ الِالْتِقَاطِ ( لَا نَفَقَتُهُ وَحَضَانَتُهُ ) الْمُفَصَّلَةُ فِي الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا مَشَقَّةً وَمُؤْنَةً كَثِيرَةً فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ هُنَا " وَحَضَانَتُهُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ " حِفْظُهُ وَتَرْبِيَتُهُ لَا الْحَضَانَةُ الْمَذْكُورَةُ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ حِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ لِأَمْرٍ عَرَضَ ( فَالْقَاضِي ) أَيْ فَيُسَلِّمُهُ لَهُ ( وَلَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ) لِتَبَرُّمٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَوْ قَدَرَ ) عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ ذَلِكَ بِالتَّبَرُّمِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ( وَيَحْرُمُ ) عَلَيْهِ ( نَبْذُهُ وَرَدُّهُ إلَى مَا كَانَ ) بِالِاتِّفَاقِ .
( فَرْعٌ : لَوْ نَقَلَهُ بِسُكْنَى ، أَوْ غَيْرِهَا ) كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ ( مِنْ بَادِيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ ) وَإِنْ بَعُدَتْ ( أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ ) أَوْ بَادِيَةٍ ( إلَى بَلَدٍ ) وَإِنْ بَعُدَ ( جَازَ ) لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ بَلَدٍ إلَى بَادِيَةٍ ، وَإِنْ قَرُبَتْ وَلَا مِنْ بَلَدٍ إلَى قَرْيَةٍ كَذَلِكَ لِخُشُونَةِ عَيْشِهِمَا وَفَوَاتِ الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَالصَّنْعَةِ فِيهِمَا نَعَمْ لَوْ قَرُبَتَا بِحَيْثُ يَسْهُلُ الْمُرَادُ مِنْهُمَا جَازَ النَّقْلُ إلَيْهِمَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَهُ نَقْلُهُ ) مِنْ قَرْيَةٍ وَبَلَدٍ ( إلَى مِثْلِهِمَا ) لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَعِيشَةِ وَتَعَلُّمِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ وَمِثْلُهُ نَقْلُهُ مِنْ بَادِيَةٍ إلَى مِثْلِهَا وَمَحَلُّ جَوَازِ نَقْلِهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ ، وَالْمَقْصِدِ ، وَتَوَاصُلِ الْأَخْبَارِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ( وَإِنْ وَجَدَهُ بَدَوِيٌّ فِي حِلَّةٍ ) مِنْ بَادِيَةٍ ( وَأَهْلِيٌّ حِلَّتُهُ مُسْتَقِرُّونَ بِأُخْرَى أُقِرَّ فِي يَدِهِ ) لِأَنَّهَا كَبَلَدٍ ، أَوْ قَرْيَةٍ ( وَكَذَا لَوْ تَنَقَّلُوا ) أَيْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لِلنُّجْعَةِ ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الْبَادِيَةِ كَمَحَالِّ الْبَلَدِ الْوَاسِعِ ( وَيُقَدَّمُ ) فِي الْتِقَاطِ لَقِيطِ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ ( بَلَدِيٌّ ، أَوْ قَرَوِيٌّ ) مُقِيمٌ بِهَا ( عَلَى ظَاعِنٍ ) يَظْعَنُ بِهِ مِنْهُمَا إلَى بَادِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَذِكْرُ حُكْمِ الْقَرْيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا ) عَلَى ظَاعِنٍ يَظْعَنُ بِهِ ( إلَى بَلْدَةٍ ) أُخْرَى ( بَلْ يَسْتَوِيَانِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدَةِ نَقْلُهُ إلَى بَلَدِهِ ( وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ تَقْدِيمَ قَرَوِيٍّ مُقِيمٍ بِهَا ) أَيْ بِالْقَرْيَةِ ( عَلَى بَلَدِيٍّ ظَاعِنٍ ) عَنْهَا ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَمَا قَالَهُ لَازِمٌ فِيمَا قَبْلَهَا لَا جَرَمَ جَعَلَهَا الرَّافِعِيُّ مِثْلَهَا وَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْهُ لَكِنَّ مَنْقُولَ الْأَصْحَابِ فِي
الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ ( وَيُقَدَّمُ حَضَرِيٌّ عَلَى بَدَوِيٍّ إنْ وَجَدَاهُ بِهَلَكَةٍ ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ مِنْهَا وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ إنْ وَجَدَاهُ بِحِلَّةٍ ، أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ الْبَدَوِيُّ مُنْتَجِعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدِهِ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا .
( قَوْلُهُ : وَتَوَاصُلِ الْأَخْبَارِ ) نَعَمْ إنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا وَأَخْبَارُهُ مُنْقَطِعَةً كَالْعِرَاقِيِّ يُرِيدُ نَقْلَهُ إلَى الْمَشْرِقِ ، أَوْ الْمَغْرِبِ مُنِعَ مِنْهُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ ( قَوْلُهُ : لَا جَرَمَ جَعَلَهَا الرَّافِعِيُّ مِثْلَهَا ) وَهُوَ الرَّاجِحُ .
( فَرْعٌ : ) ( وَيُحْكَمُ بِمِلْكِهِ ) أَيْ اللَّقِيطِ ( لِلِبَاسِهِ وَمِهَادِهِ ) الْمَفْرُوشِ تَحْتَهُ ( وَدِثَارِهِ ) الْمُغَطَّى بِهِ مِنْ لِحَافٍ وَغَيْرِهِ ( وَ ) لِمَالٍ ( مَرْبُوطٍ فِيهَا ) كَحُلِيٍّ وَدَرَاهِمَ ( أَوْ ) مَرْبُوطٍ ( عَلَيْهِ ) كَكِيسٍ مَرْبُوطٍ بِوَسَطِهِ ( وَالدَّنَانِيرِ الْمَنْثُورَةِ عَلَيْهِ وَفَوْقَ فِرَاشِهِ وَتَحْتَهُ ) أَيْ تَحْتَ بَدَنِهِ ، أَوْ فِرَاشِهِ ( وَدَارٍ ) أَوْ خَيْمَةٍ وُجِدَ ( هُوَ فِيهَا وَحْدَهُ ) وَلَا يُعْرَفُ لَهَا مُسْتَحِقٌّ وَسَائِرِ مَا يُوجَدُ تَحْتَ يَدِهِ وَاخْتِصَاصِهِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا وَاخْتِصَاصًا كَالْبَالِغِ ، وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ مَا لَمْ يُعْرَفْ غَيْرُهَا ، وَخَرَجَ بِوَحْدِهِ مَا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ لَقِيطَانِ ، أَوْ لَقِيطٌ وَغَيْرُهُ فَتَكُونُ لَهُمَا ( وَفِي ) الْحُكْمِ لَهُ بِمِلْكِ ( الْبُسْتَانِ ) الَّذِي وُجِدَ فِيهِ ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالدَّارِ وَثَانِيهِمَا لَا ؛ لِأَنَّ سُكْنَى الدَّارِ تَصَرُّفٌ ، وَالْحُصُولُ فِي الْبُسْتَانِ لَيْسَ تَصَرُّفًا ، وَلَا سُكْنَى ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُسْكَنُ عَادَةً يَكُونُ كَالدَّارِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَطَرَدَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الضَّيْعَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَا وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَزْرَعَةُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِسُكْنَاهَا ( لَا مَالٍ ) وُجِدَ وَلَوْ ( بِقُرْبِهِ ) عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ لَهُ نَعَمْ إنْ حُكِمَ بِإِنَّ الْمَكَانَ لَهُ كَدَارٍ فَهُوَ لَهُ مَعَ الْمَكَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ ( بِخِلَافِ ) الْمَوْجُودِ بِقُرْبِ ( الْبَالِغِ ) الْعَاقِلِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ لَهُ لِأَنَّ لَهُ رِعَايَةً ( وَلَا ) يُحْكَمُ لَهُ بِمَالٍ ( مَدْفُونٍ تَحْتَهُ ) كَمَا فِي الْبَالِغِ ؛ إذْ لَا يُقْصَدُ بِالدَّفْنِ الضَّمُّ إلَى اللَّقِيطِ نَعَمْ إنْ حُكِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ الْمَكَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلَوْ شَهِدَتْ ) لَهُ ( بِهِ رُقْعَةٌ ) مَكْتُوبَةٌ وُجِدَتْ ( فِي يَدِهِ ) فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ لِمَا مَرَّ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَهُ بِقَرِينَةِ الرُّقْعَةِ قَالَ الْإِمَامُ لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ مَنْ عَوَّلَ عَلَى الرُّقْعَةِ لَوْ دَلَّتْ عَلَى دَفِينٍ بَعِيدٍ قَالَ النَّوَوِيُّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلَّقِيطِ فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ إنَّمَا هُوَ عَلَيْهَا لَا عَلَى كَوْنِهِ تَحْتَهُ انْتَهَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَحْسُنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الدِّفْنِ الْقَدِيمِ ، وَالْحَدِيثِ ؛ إذْ الْحَدَاثَةُ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ دُفِنَ لَهُ كَالْمَوْجُودِ تَحْتَ فِرَاشِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الرُّقْعَةُ فِي نَفْسِ الدِّفْنِ يُقْضَى لَهُ بِهِ لِقُوَّةِ الْقَرِينَةِ ، أَوْ يَكُونُ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَوْلَى بِأَنَّهُ لَهُ وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ خَيْطٌ مُتَّصِلٌ بِالدَّفِينِ مَرْبُوطٌ بِبَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ يُقْضَى لَهُ بِهِ وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا انْضَمَّتْ الرُّقْعَةُ إلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ اللَّقِيطُ ( مَعَ الرَّاكِبِ لِدَابَّةٍ مَرْبُوطَةٍ فِي وَسَطِهِ كَالْقَائِدِ مَعَ الرَّاكِبِ ) لَهَا فَتَكُونُ لِلرَّاكِبِ فَقَطْ لِتَمَامِ الِاسْتِيلَاءِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهَا بَيْنَهُمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ وَجْهٌ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ كَمَا مَرَّ آخِرَ الصُّلْحِ فَمَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ حَسَنٌ .
( قَوْلُهُ : أَوْ خَيْمَةٍ ) أَوْ حَانُوتٍ ( قَوْلُهُ : هُوَ فِيهَا وَحْدَهُ ) أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ قَالَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مَشْدُودَةً بِاللَّقِيطِ وَعَلَيْهَا رَاكِبٌ قَالَ ابْنُ كَجٍّ هِيَ بَيْنَهُمَا وَأَقَرَّاهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُرَادُ بِالرَّاكِبِ الْآخَرِ لَقِيطٌ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الصُّلْحِ فِي الْقَائِدِ لِلدَّابَّةِ وَعَلَيْهَا رَاكِبٌ أَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ إلَخْ بِخَطِّ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : وَثَانِيهِمَا لَا ) قَطَعَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إلَخْ قَوْلُهُ : بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ ) قَالَ فِي الْإِبَانَةِ كَقُرْبِ الدَّابَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إذَا نَزَلَ عَنْهَا وَنَحْوُهُ فِي التَّتِمَّةِ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ ) وَتَبِعُوهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ ) قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْمَدْفُونِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ فَكَنْزٌ ، أَوْ فِي الْإِسْلَامِ فَلُقَطَةٌ .
( فَرْعٌ : نَفَقَةُ اللَّقِيطِ وَحَضَانَتُهُ ) أَيْ مُؤْنَتُهُمَا ( مِنْ مَالِهِ ) الثَّابِتِ لَهُ بِمَا مَرَّ ( أَوْ ) مِنْ غَيْرِهِ مِثْلِ ( مَوْقُوفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ ، أَوْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ، أَوْ مُوصًى لَهُ ) أَوْ لَهُمْ ( بِهِ ) أَوْ مَوْهُوبٍ لَهُ لِغِنَاهُ بِذَلِكَ ( وَيَقْبَلُ لَهُ الْقَاضِي ) مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ ( فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ) مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ بِلَا رُجُوعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ أَبِي جَمِيلَةَ السَّابِقِ وَقِيَاسًا عَلَى الْبَالِغِ الْمُعْسِرِ بَلْ أَوْلَى ( فَإِذَا عُدِمَ ) بَيْتُ الْمَالِ بِإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ ، أَوْ ثَمَّ مَا هُوَ أَهَمُّ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لَوْ تُرِكَ ، أَوْ حَالَتْ الظَّلَمَةُ دُونَهُ ( افْتَرَضَ عَلَيْهِ ) الْإِمَامُ ( مِنْ أَغْنِيَاءِ بَلَدِهِ ) ذَكَرَ أَغْنِيَاءَ بَلَدِهِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ قَيْدًا بَلْ ؛ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الِافْتِرَاضُ ( قَسَّطَهَا ) أَيْ النَّفَقَةَ ( عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ) قَرْضًا وَجَعَلَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) اسْتِيعَابُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ ( فَعَلَى مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ ) يُقَسِّطُهَا بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي اجْتِهَادِهِ تَخَيَّرَ ( فَلَوْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ ) أَوْ قَرِيبٌ ( رَجَعَ عَلَيْهِ ) وَاعْتِبَارُ الْقَرِيبِ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الرَّافِعِيِّ ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ .
وَالْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِهَذَا لَكِنْ أَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِنَّ النَّفَقَةَ وَقَعَتْ قَرْضًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، وَالْحَاكِمُ إذَا اقْتَرَضَ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بِهَا وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِهَا وَلَوْ سُلِّمَ مَا قَالَهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّقِيطَ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِذَا بَانَ لَهُ قَرِيبٌ وَأَنْفَقْنَا عَلَيْهِ رَجَعْنَا بِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَرْضِ الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي اللِّعَانِ
أَنَّهُ إذَا ادَّعَى اثْنَانِ نَسَبَ مَوْلُودٍ وَوَزَّعْنَا النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ ابْنُ أَحَدِهِمَا رَجَعَ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ وَقَدْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْقَرِيبِ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ ، وَالْعُدَّةِ ( أَوْ ) ظَهَرَ لَهُ ( مَالٌ ، أَوْ اكْتَسَبَهُ فَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ) لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( وَلَا كَسْبَ ) لَهُ ( فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) الرُّجُوعُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَجَبَ الْقَضَاءُ مِنْهُ ثَانِيًا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مَالٌ ، وَلَا كَسْبَ لَهُ تَبَيَّنَّ أَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَكُنْ قَرْضًا فَلَا رُجُوعَ بِهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمْنَاهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ كَمَا لَوْ افْتَقَرَ رَجُلٌ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ .
هَذَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ اللَّقِيطُ ( فَإِنْ بَلَغَ فَمِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ ) الشَّامِلِينَ لِلْفُقَرَاءِ أَيْ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ ، أَوْ الْفُقَرَاءِ ( أَوْ الْغَارِمِينَ ) بِحَسَبِ - .
مَا يَرَاهُ لَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَهُوَ سَهْوٌ نَشَأَ مِنْ تَقْدِيمِهِ بَيْتَ الْمَالِ وَزِيَادَتِهِ " فَإِنْ بَلَغَ " ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَضَى مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ ، وَالْغَارِمِينَ أَيْ لَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِاغْتِنَائِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ حَصَلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَيَسَارِهِ قَضَى مِنْهُ لَكِنْ فِي تَقْيِيدِهِ هَذَا بِقَبْلِ بُلُوغِهِ نَظَرٌ وَاسْتُشْكِلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ بِأَنَّهُمَا لَا يُقْضَى دَيْنُهُمَا مِنْ ذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا قَدْرُ كِفَايَتِهِمَا ، أَوْ مَا فَوْقَهَا فَيَمْلِكَانِ الْمَصْرُوفَ ، وَإِذَا مَلَكَاهُ صُرِفَ الْفَاضِلُ عَنْ قَدْرِ
كِفَايَتِهِمَا إلَى الدَّيْنِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ كَانَ ثَمَّ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ هَلْ يُنْفَقُ عَلَى اللَّقِيطِ مِنْهُ مُقَدَّمًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَوْقُوفِ عَلَى اللُّقَطَاءِ أَوْ لَا .
؟ قَالَ السُّبْكِيُّ فِيهِ احْتِمَالَانِ عِنْدِي أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْفَقْرِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ تَحَقُّقُهُ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ ( وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُلْتَقِطِ فِي الْإِنْفَاقِ ) عَلَى اللَّقِيطِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إذَا اُحْتِيجَ لِلِاقْتِرَاضِ لَهُ ( لِيَرْجِعَ ) بِهِ وَمِثْلُهُ وَاجِدُ الضَّالَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ( وَلَوْ كَانَ لَهُ ) أَيْ اللَّقِيطِ ( مَالٌ اسْتَقَلَّ الْمُلْتَقِطُ بِحِفْظِهِ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ كَحِفْظِهِ اللَّقِيطَ بَلْ أَوْلَى ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعَدْلِ الَّذِي يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلَا يُخَاصِمُ لَوْ نُوزِعَ فِيهِ ) إلَّا بِوِلَايَةٍ مِنْ الْقَاضِي كَالْمُودَعِ ( وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ ) مِنْهُ ( بِإِذْنِ الْقَاضِي ) إنْ وَجَدَهُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَاتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا بَلْ هُوَ كَقَيِّمِ الْيَتِيمِ يَأْذَنُ لَهُ الْقَاضِي فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ( فَإِنْ اسْتَقَلَّ ) بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْهُ ( ضَمِنَ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ وَدِيعَةَ يَتِيمٍ ) كَانَتْ عِنْدَهُ ( عَلَيْهِ ) اسْتِقْلَالًا نَعَمْ إنْ كَانَ مَالُهُ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ لَهُ فَأَكَلَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى ( وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِغَيْرِ الْمُلْتَقِطِ فِي الْإِنْفَاقِ ) عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ ( فَأَسْرَفَ ضَمِنَ الزَّائِدَ ) أَوْ قَتَّرَ عَلَيْهِ مُنِعَ مِنْهُ ( وَإِنْ كَانَ ) قَدْ ( سَلَّمَهُ )
أَيْ مَا أَنْفَقَ عَلَى اللَّقِيطِ ( إلَى الْمُلْتَقِطِ فَقَرَارُ ) ضَمَانِ ( الزَّائِدِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ ( وَنَزَعَهُ ) أَيْ مَالَ اللَّقِيطِ ( الْحَاكِمُ ) مِنْ الْمُلْتَقِطِ إنْ شَاءَ بِقَرِينَةِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِحِفْظِ مَالِ اللَّقِيطِ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ ( فِي دَعْوَى إنْفَاقٍ ) عَلَيْهِ ( بِالْإِذْنِ ) لِقَدْرٍ ( لَائِقٍ ) بِالْحَالِ إذَا نُوزِعَ فِيهِ ( فَإِنْ ادَّعَى فَوْقَهُ ) أَيْ اللَّائِقِ ( ضَمِنَ الزَّائِدَ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفْرِيطِهِ لَكِنْ لَوْ ادَّعَى إنْفَاقَ عَيْنٍ صُدِّقَ لِتَنْقَطِعَ الْمُطَالَبَةُ بِهَا ، ثُمَّ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ ( وَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ " وَإِذَا " ( لَمْ يَكُنْ ) ثَمَّ ( قَاضٍ أَنْفَقَ ) الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ ( مِنْهُ ) لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ إلَى أَمِينٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ ( وَأَشْهَدَ ) وُجُوبًا بِالْإِنْفَاقِ كُلَّ مَرَّةٍ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي مُجَلِّيٍّ ، وَفِيهِ حَرَجٌ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ .
( قَوْلُهُ : مِنْ مَالِهِ ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حَضَانَةِ أَبِيهِ الْمُوسِرِ وَلَهُ مَالٌ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَهُنَا أَوْلَى ( قَوْلُهُ : أَوْ مَوْقُوفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ إلَخْ ) أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُمْ بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجِهَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ، وَإِلَّا لَمْ يُصْرَفْ لِمَنْ حَدَثَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي الْجَوَابِ وَيُقَالُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مَنْ يُمْكِنُ الصَّرْفُ إلَيْهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْجِهَةُ وَيَكْفِي لِسُكَّانِهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ التَّخْيِيرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ نَقْلًا قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَالْأَفْقَهُ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ فَلَا يُنْفَقُ مِنْ الْعَامِّ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْخَاصِّ ( قَوْلُهُ : اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ أَغْنِيَاءِ بَلَدِهِ ) لَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ فَالنَّصُّ - وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ - الْجَوَازُ وَسَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : فَلَوْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ ، أَوْ قَرِيبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْفِ اللُّقَطَاءِ ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ ، أَوْ قَرِيبٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْإِنْفَاقِ كَانَ لَقِيطًا فَيُصْرَفُ لَهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِهَا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا أَحْسِبُ فِيهِ خِلَافًا ( قَوْلُهُ : وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْعُدَّةِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ ( قَوْلُهُ : فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ إلَخْ ) قَالَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْوَقْفِ مَا يُعَضِّدُهُ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعَدْلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (
قَوْلُهُ : إنْ وَجَدَهُ ) وَإِلَّا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ ( قَوْلُهُ : فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : مِنْ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِحِفْظِ مَالِ اللَّقِيطِ ) ( فَائِدَةٌ ) جَوَازُ اسْتِقْلَالِهِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا أَدَامَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ الْحَاكِمُ لَا يَضْمَنُهُ .
( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
.
( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ اللَّقِيطِ ) ( وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ وُجِدَ ) اللَّقِيطُ ( فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) بِأَنْ يَسْكُنَهَا الْمُسْلِمُونَ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ ( أَوْ كَانَتْ لِلْإِسْلَامِ ) بِأَنْ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ الْكُفَّارِ أَوْ كَانُوا يَسْكُنُونَهَا ، ثُمَّ جَلَّاهُمْ الْكُفَّارُ عَنْهَا ( وَفِيهَا مُسْلِمٌ ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ وَلَدَهُ وَلَوْ نَفَاهُ ، أَوْ كَانَ تَاجِرًا ، أَوْ أَسِيرًا ( حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ خَبَرُ { الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ } وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْطُوفَةَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ دَارَ إسْلَامٍ وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْلُ بِإِنَّ الْجَمِيعَ دَارُ إسْلَامٍ ( وَكَذَا ) يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِذَلِكَ لَوْ وُجِدَ ( فِي دَارٍ كُفْرٍ وَفِيهَا مُسْلِمٌ ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ ( فَكَافِرٌ ) إذْ لَا مُسْلِمَ يَحْتَمِلُ إلْحَاقَهُ بِهِ ( وَلَا أَثَرَ لِعَابِرِي السَّبِيلِ ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا لَا أَثَرَ لِلْمَحْبُوسِينَ فِي الْمَطَامِيرِ ( فَإِنْ كَانُوا ) أَيْ أَهْلُ الْبُقْعَةِ .
( مِلَلًا ) مُخْتَلِفَةً ( جُعِلَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ ادَّعَى ذِمِّيٌّ ) أَوْ نَحْوُهُ ( نَسَبَهُ لَحِقَهُ ) وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ وَارْتَفَعَ مَا كُنَّا ظَنَنَّاهُ إذْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كُفْرُ وَلَدِ الْكَافِرِ ( لَكِنْ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ ) بِذَلِكَ ( لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ ) وَإِنْ لَحِقَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ مُسْلِمَةٍ وَلِأَنَّهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُغَيَّرُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَمَا فِي إسْلَامِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ وَصَفَ الْمُمَيِّزُ الْإِسْلَامَ ، ثُمَّ إذَا بَلَغَ وَوَصَفَ الْكُفْرَ قُرِّرَ لَكِنَّهُ يُهَدَّدُ لَعَلَّهُ يُسْلِمُ ( وَيُنْفَقُ عَلَى ) اللَّقِيطِ ( الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) إذْ لَا
وَجْهَ لِتَضْيِيعِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَعُنَا بِالْجِزْيَةِ إذَا بَلَغَ هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْمَنْعُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَصْرُوفٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ فَعَلَيْهِ إنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِنَفَقَتِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا جَمَعَ الْإِمَامُ أَغْنِيَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَقَسَّطَ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِمْ قَرْضًا يَرْجِعُونَ بِهَا .
( قَوْلُهُ : أَوْ كَانَتْ لِلْإِسْلَامِ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ لَيْسَ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا ، أَوْ بَاطِنًا ، وَإِلَّا فَفِي الظَّاهِرِ ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّمَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ مُسْلِمٌ أَمَّا إذَا كَانَ جَمِيعُ مَنْ فِيهَا كُفَّارًا فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ سُلِّمَ هَذَا وَجَبَ رَدُّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " فِيهَا مُسْلِمٌ " إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ وَلَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِبَرِّيَّةٍ فَمُسْلِمٌ كَمَا حَكَاهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ جَدِّهِ تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِنَا ، أَوْ بَرِّيَّةً لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا أَمَّا بَرِّيَّةُ دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي لَا يَطْرُقُهَا مُسْلِمٌ فَفِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ وَلَدَهُ ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَإِنْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِهِ ( قَوْلُهُ : وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ ) أَيْ وَالدَّارَقُطْنِيّ ( قَوْلُهُ : وَلَا أَثَرَ لِعَابِرِي السَّبِيلِ ) قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَلَوْ مُجْتَازًا تَغْلِيبًا لِحُرْمَتِهَا وَكَذَا عَبَّرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مَعَ تَعْبِيرِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ بِالسَّكَنِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ اعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمٌ بِمِصْرٍ وَاحِدٍ عَظِيمٍ بِدَارِ الْحَرْبِ وَوَجَدَ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ لَقِيطٍ مَثَلًا أَنَّا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِمْ وَهَذَا إنْ كَانَ لِأَجْلِ تَبَعِيَّةِ الْإِسْلَامِ كَالسَّابِي ، أَوْ كَدَارِنَا فَذَاكَ ، وَإِنْ كَانَ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ الْمَوْجُودُ امْرَأَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى كَوْنِ الْمُسْلِمِ بِهَا وَقْتَ إمْكَانِ الْعُلُوقِ أَمَّا
لَوْ طَرَقَهَا مُسْلِمٌ ، ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا وُجِدَ فِيهَا مَنْبُوذٌ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالسُّكْنَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِيطَانَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ مَنْ انْقَطَعَ عَنْهُ حُكْمُ السَّفَرِ كَالسَّاكِنِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ بَعْضَ يَوْمٍ كَذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ ) شَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ شَهِدَتْ بِهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ وُجُوبُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ فِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمُهُ لِمُسْلِمٍ .
( فَصْلٌ : يَصِحُّ الْإِسْلَامُ ) أَيْ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ مُكَلَّفٍ ( بِالنُّطْقِ ) لِلنَّاطِقِ ( وَالْإِشَارَةِ لِلْعَاجِزِ ) عَنْ النُّطْقِ ( لَا مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَلَوْ مُمَيِّزًا ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ قَالُوا وَلَا تُقَاسُ صِحَّتُهُ مِنْ الْمُمَيِّزِ عَلَى صِحَّةِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْهُ لِأَنَّهَا تَقَعُ مِنْهُ نَفْلًا ، وَالْإِسْلَامُ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ وَأَمَّا صِحَّةُ إسْلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ صِغَرِهِ فَأُجِيبَ عَنْهَا بِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي عَامِ الْخَنْدَقِ أَمَّا قَبْلَهَا فَكَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ ، وَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ إسْلَامَهُ فَلَا نَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( وَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ بِهِ ) أَيْ بِإِسْلَامِهِ مُبَاشَرَةً ( الْجَنَّةَ ) قَطْعًا ( إذَا أَسَرَّهُ كَمَا أَظْهَرَهُ ) وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَفِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا مَاتُوا وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا بِالْإِسْلَامِ خِلَافٌ وَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ ( وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ ) وَأَهْلِهِ الْكُفَّارِ ( اسْتِحْبَابًا ) لِئَلَّا يَفْتِنُوهُ وَطَمَعًا فِي أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى مَا وَصَفَهُ ( فَإِنْ بَلَغَ كَافِرًا ) بِأَنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ ( هُدِّدَ ) وَطُولِبَ بِالْإِسْلَامِ ( فَإِنْ أَصَرَّ رُدَّ إلَيْهِمَا ) .
( قَوْلُهُ : وَصَبِيٍّ ) لِأَنَّ نُطْقَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إمَّا خَبَرٌ أَوْ إنْشَاءٌ فَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، أَوْ إنْشَاءً فَكَعُقُودِهِ ( قَوْلُهُ : بِأَنَّ الْأَحْكَامَ إلَخْ ) وَبِأَنَّهُ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ إسْلَامِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ) قَالَ لِشَيْخِنَا فِيهِ نَظَرٌ ؛ إذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ بِهِ الْجَنَّةَ إلَخْ ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ : وَيَرِدُ فِي خَاطِرِي أَنَّ الْجَوَابَ أَنْ يُقَالَ اعْتِبَارُ الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا وَإِذَا كَانَ اعْتِبَارُهُ لِدَلَالَةِ مَا فِي الْقَلْبِ وَغَيْرُ الْبَالِغِ لَا يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقَلْبِ ؛ إذْ لَا اعْتِدَادَ بِإِخْبَارِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَلْبُهُ مُوَافِقًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ سِرٌّ لَا نَعْلَمُهُ وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعًا عَلَى ضَمِيرِهِ وَكَانَ مُوَافَقَةُ قَلْبِهِ لِلِسَانِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ تَعَالَى كَانَ فَائِزًا بِالْجَنَّةِ لَا مَحَالَةَ .
( فَصْلٌ : وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ صَغِيرٍ وَذِي جُنُونٍ وَلَوْ طَرَأَ ) جُنُونُهُ ( فِي الْكِبَرِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَكَذَا لِسَائِرِ أُصُولِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ ( كَجَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ لِأَبٍ ، أَوْ أُمٍّ ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا ) سَوَاءٌ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْعُلُوقِ أَمْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جُزْءٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِوَسَطٍ وَلِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْفَرْعِيَّةِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ بِمَا ذُكِرَ ، فَإِنْ قُلْتَ إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ جَدِّهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُلْت أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حُكْمٌ جَدِيدٌ لِخَبَرِ { وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ } .
( قَوْلُهُ : تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ إلَخْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ } فَجَعَلَ مُوجِبَ كُفْرِهِ كُفْرَهُمَا جَمِيعًا وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ فِي إسْلَامِ الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ عِنْدَنَا ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لِسَائِرِ أُصُولِهِ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَحَدَ أُصُولِهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ زَنَى بِكَافِرَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى أَصْلًا ؛ إذْ يَصِحُّ وَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْعَلَائِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ إنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جُزْءٌ مِنْ مُسْلِمٍ ) هَذِهِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا أَوْ الْأُمُّ وَقُلْنَا الْوَلَدُ مِنْ مَائِهِمَا فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ مِنْ الرَّجُلِ فَقَطْ فَلَا .
.
( فَصْلٌ ) فِي تَبَعِيَّةِ السَّابِي ( وَإِنْ سَبَى مُسْلِمٌ لَا ذِمِّيٌّ صَبِيًّا ) أَوْ مَجْنُونًا ( دُونَ ) أَحَدِ ( أَبَوَيْهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي ) لِأَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ فَتَبِعَهُ كَالْأَبِ قَالَ الْإِمَامُ : وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ قَلَبَهُ قَلْبًا كُلِّيًّا فَعُدِمَ عَمَّا كَانَ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ تَحْتَ يَدِ السَّابِي وَوِلَايَتِهِ فَأَشْبَهَ تَوَلُّدَهُ - .
بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّابِي عَاقِلًا أَمْ مَجْنُونًا بَالِغًا أَمْ صَغِيرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَا فِي أَوْلَادِهِ فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي مُسَبَّبِهِ وَلِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ نَعَمْ هُوَ عَلَى دِينِ سَابِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ تَبِعَهُ فِي دِينِهِ ) وَإِنْ اخْتَلَفَ سَابِيهِمَا لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ تَبَعِيَّةِ السَّابِي فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ وَلَا يُؤَثِّرُ مَوْتُ الْأَصْلِ بَعْدُ ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي ابْتِدَاءِ السَّبْيِ ( وَإِنْ سَبَى الذِّمِّيُّ الصَّبِيَّ ، أَوْ ) الْمَجْنُونَ ( وَبَاعَهُ ، أَوْ بَاعَهُ السَّابِي الْمُسْلِمُ ) وَلَوْ ( دُونَ أَبَوَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ ) فِيهِمَا ( لَمْ يَتْبَعْهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ ( لِفَوَاتِ الْوَقْتِ ) أَيْ وَقْتِ التَّبَعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّ وَلَمْ تَثْبُتْ وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ بَيْعِ السَّابِي الْمُسْلِمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ بَلَغَ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي ، أَوْ لِلْأَبَوَيْنِ كَافِرًا ) بِأَنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ ( فَمُرْتَدٌّ ) لَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ ؛ لِأَنَّ