كتاب :الذخيرة
المؤلف : شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي
وف لمشتريك الثمن وأد كتابتك لسيدك ويعتق وإن اشتري من الغنيمة فأسلمه سيده فلا يلزمه إلا أداء كتابه لسيده ويعتق وإن عجز رق لمشتريه قال سحنون وإن أسلم الحربي على مكاتب لمسلم فله كتابته وإن عجز رق له وإن أدى فولاؤه للعاقد لها الثامن قال ابن يونس قال سحنون الموصى بخدمته ثم هو لفلان فأخذه العدو في الخدمة فابتاعه رجل يقال للمخدم افده بالثمن فإذا تمت الخدمة يقال لصاحب الرقبة ادفع إليه ما فداه به وإلا أسلمه إليه رقيقا التاسع في الكتاب إذا أسر العدو حرة مسلمة أو ذمية فولدت عندهم ثم غنمها فالصغار بمنزلتها ليس فيئا والكبار إذا بلغوا وقاتلوا فيء ولو كانت أمة فكبير ولدها وصغيرهم لسيدها قال ابن يونس قال عبد الوهاب إذا بلغ ولد الحرة لم يكن فيئا وإن لم يقاتل وقال ابن شبلون هم فيء قاتلوا أم لا تغليبا للدار وقال سحنون جميع ولد الأمة فيء إلا أن تقول تزوجت فولدت فلسيدها قال مالك ولد الحرة تبع لها في الإسلام كالمسلمة يغصبها النصراني في بلدنا ولو اغتصبها عبد كان الولد حرا وقال أشهب ولد الذمية صغارهم وكبارهم فيء وفي ولد الحرة المسلمة ثلاثة أقوال أحرار في التفرقة بين الصغير والكبير وفي ولد الأمة ثلاثة أقوال عبيد لسيدها فيء إن كانوا من زوج فلسيدها أو إن ملكها بالسبي أو غيره ففيء ومنشأ الخلاف في هذه الفروع النظر إلى تغليب الدار أو تغليب الإسلام أو تغليب النسب العاشر في الكتاب قال ابن القاسم إذا أسلم حربي ببلده وقدم إلينا وترك أهله وماله ثم غنمنا ذلك فماله وامرأته وولده فيء قال ابن يونس قال غيره ولده الصغير تبع له وماله له إلا أن يقسم فيأخذه بالثمن وامرأته فيء قال مالك ولو أسلم فأقام ببلده فدخلنا عليه فماله وولده فيء وقال أشهب ولده أحرار تبع له وماله له إلا أن يقسم وامرأته فيء ولو دخل مسلم وتزوج عندهم وكسب مالا وولدا فهو مثل الأول قال محمد وإذا قدم حربي بأمان فأسلم وغنم معنا فماله ودوابه ورقيقه وحريمه له وامرأته وولده الكبير فيء له وللجيش وينفسخ النكاح للشركة وولده الصغير تبع له وفي الجواهر إذا أسلم الحربي وغزا معنا ففيه ثلاثة أقوال المشهور انه فيء وأخذه قبل القسمة بغير شيء وبعدها بالثمن وقال ابن الحارث إن ضموه إلى أملاكهم من حين إسلامه وخرج هو من عندهم ففيء وإلا فلا الحادي عشر في الكتاب من ابتاع عبدا من الفيء فدل سيده على مال له أو لغيره بأرض العدو والعبد كافر أو أسلم أو عتق فإن دله في جيش أخر فالمال للجيش الآخر دون السيد والعبد لأنه باستيلائهم فإن دله قبل قفول الجيش الأول فهو للجيش الأول وإن نزل بأمان ومعه عبيد المسلمين فباعهم لم يكن لربهم أخذهم بخلاف بيعه إياهم في بلد الحرب لأن الذمي لو وهبهم في بلد الحرب لمسلم فوفر لهم أخذهم بغير ثمن والخارج إلينا لو وهبهم لم يأخذهم ربهم قال ابن يونس قال ابن القاسم إذا نزل الحربي بأمان فأسلم عبده أو قدم به مسلما لم يمنع من الرجوع إذا أدى ما عليه ولو كان أمه لم يمنع من وطئها وأنكر هذا ابن خلف من أهل المدينة فقال له مالك ألم تعلم أنه صالح أهل مكة على أن يرد عليهم من جاءه منهم فهرب أبو جندل مسلما إليه فطلبه أبوه من مكة فرده
وقال إنا لا نخفر بالعهد وقال عبد الملك يعطي في كل مسلم أوفر قيمته وينزع منه وأما ما بأيديهم من سبايا المسلمين فيؤخذ منهم بالقيمة وإن كرهوا وأبو جندل إنما أسلمه النبي لأبيه وشفقة الأبوة تأبى الضرر أو لأنه اطلع على عاقبة أمره وأما ما بأيديهم من أموال المسلمين أو رقيق كافر أو أحرار ذمتنا فلا يؤخذ منهم وروي عن مالك وانفرد ابن القاسم بأنه لا يعرض لهم في شيء مما أسلم من رقيقهم أو ما بأيديهم من أسرى المسلمين وسبيهم ووافقه محمد قال ابن القاسم إذا أسلم فأحرار الذمة رقيق له وكذلك العبد المسلم إذا ارتد لا يعرض له فإن باعه استتيب فإن تاب وإلا قتل قال محمد وفي شرائه إشكال ولو اعترف المستأمن أنه عبد أو ذمي أم مرتد قال محمد حكم عليه وقال ابن القاسم لا يقتل وروي عنه في الرسول يرتد يقتل قال أصبغ الرسول وغيره سواء وقال ابن القاسم لو سرق المعاهد عبدا أو حرا ثم قدم ثانية بأمان أخذ منه كما لو أدى ثم هرب ثم رجع عن أخذهما لأنهما صارا بيد حربي بعد الرحلة عنا الثاني عشر لو أسلم عبد الحربي بقي على ملكه إلا أن يخرج العبد إلينا أو يغنمه وهو مسلم وسيده مشرك ولا يرد إلى سيده إن اسلم بعد أخذه وقد ابتاع الصديق رضي الله عنه بلالا فلما أسلم أعتقه والدار دار شرك وقال أشهب إسلام العبد ببلاد الحرب يزيل ملكه عنه خرج أم لا وإن اشتري كان فدا واتبع بالثمن قال ابن القاسم ولو قدم إلينا عبد بأمان معه مال سيده فالمال للعبد لأنه ترك للمغيرة المال الذي أخذه لأصحابه تمهيد عندنا من أسلم على شيء فهو له وقال ش لربه أخذه بغير ثمن لنا ما رواه ابن وهب
قال من أسلم على شيء في يديه للمسلمين فهو له
وقوله الإسلام يجب ما قبله ولأن للكافر شبهة ملك فيما جازه لقوله تعالى ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) الحشر 8 فسماهم فقراء بعد هجرتهم ولهم أموال وديار تحت أيدي الكفار ولانعقاد الإجماع على عدم الضمان في الاستهلاك فارغة
الباب التاسع في التأمين
والأصل فيه قوله تعالى ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا ) الإسراء 24
وقوله عليه المسلمون تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم وفي الموطأ كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله أنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع قال رجل مطرس يقول له لا تخف فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان أحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه فائدة قوله مطرس فارسية وفيه لغتان الطاء والتاء وفيه ثلاثة أطراف الطرف الأول العاقد قال اللخمي الأمان في الجيش للأمير خاصة ليلا يفتري عليه وأجازه محمد من غير الأمير الأعلا أن لا يغزوهم أحد فإن أمن واحد من الجيش واحدا من الحصن مضى على رأي محمد ومنعه ابن حبيب وتقدم الإمام إلى الناس في ذلك ثم إن أمن أحد قبل النهي أو بعده يخير الإمام في ذلك قال سحنون وإذا أمن المسلم حربيين أمنوا ويتخير الإمام واتفق ابن حبيب وسحنون أن عقده على الإمام وعلى الناس أنه لا يلزم بل ينظر الإمام وفي الكتاب أمان العبد والمرأة والصبي إذا عقل الأمان جائز وقاله ش وقال غيره يتخير الإمام بين الإمضاء والرد إلى المأمن لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى سفيان بن عامر وهو يحاصر قيسارية من أمن منكم حر أو عبد أحدا من عدوكم فهو آمن إلى أن يرد إلى مأمنه أو يقيم فيكون على الحكم في الحرية وإن وجدتم في عسكركم أحدا منهم لم يعلمكم بنفسه حتى قدمتم عليه فلا أمان له ولا ذمة واحكموا فيه بما هو أفضل للمسلمين قال ابن يونس قال سحنون لا يجوز أمان الذمي بحال
لقوله يسعى بذمتهم أدناهم فأضافة إليهم فيكون مسلما وإن أجاز الإمام الصبي للقتال تخير في إمضاء أمانه وإلا فلا أمان له قال محمد فإن حسبنا المجير مسلما فهل يردون إلى مأمنهم أو هم فيء قولان لابن القاسم قال محمد ولو قالوا علمنا أنه ذمي وظننا جواز أمانه فهم فيء قال ابن يونس قال التونسي وهو ضعيف والأشهر ردهم إلى مأمنهم في هذا كله قال ابن سحنون وإن أمن أمير الجيش ذميا بالأمان فأمن فهو جائز فإن أمن الذمي عن مسلم من العسكر فقال أمنكم فلان المسلم أو قال فلان فإن علموا أنه ذمي فهم فيء وإلا فهي شبهة قال ابن سحنون ولو قال الإمام لأهل الحرب من دخل إلينا بأمان فلان من المسلمين أو بأمان أحد من المسلمين فهو ذمي لنا أو رقيق فكما قال وقول عمر مذهبنا إلا قوله فإن شككتم فإنه فيء وقول سحنون خلاف ما في الكتاب في قوله إذا وجدنا الذمي مقبلا إلينا فيقول جئت لأطلب الأمان يرد إلى مأمنه قال مالك والإشارة بالأمان كالكلام وليتقدم إلى الناس في ذلك قال سحنون وأمان الخوارج لأهل الحرب جائز وقال أشهب إذا أسر رجل من السرية فلما أحسوا بها طلبوا الامان من الأسير فأمنهم إن كان آمنا على نفسه جاز وإلا فلا وهو مصدق قال محمد وإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول قال سحنون لا يكون أمانه أمانا ولا أصدقه لأنه ضرر على المسلمين ولا يقدر الأسير على مخالفتهم قال ابن القاسم إن أمنهم بالتهديد فلا أمان لهم فإن قالوا تؤمننا ونخليك فهو أمان قال ابن حبيب إن أمن العدو أسيرا على أن لا يهرب فلا يهرب لأنه يؤذي إلى التضييق على الأسرى ولو خلوه على أن حلف بالطلاق والعتاق جاز الهرب لأنهم يقولون أعتق أو طلق بخلاف الأول ولا يلزمه ذلك لأنه مكره قال المازري المشهور جواز أمان العبد كالحر قال سحنون و ح إن إذن له سيده في القتال جاز وإلا فلا وروي عن مالك لا تأمين له والمشهور عدم اعتبار المرأة بخلاف المراهق ومنعه ش لأن عدم التكليف مخل بالثقة به في المصلحة وقيل إن أذن له جاز له وإلا فلا وفي الجواهر وقيل يصح تأمين الذمي لأنه تبع للمسلمين وكل من أجزتا تأمينه لا يتوقف على تنفيذ الإمام وقال عبد الملك لا يلزم غير تأمين الإمام ويشترط في المؤمن التمييز والعقل وعدم الخوف قال اللخمي اختلف في الأمان بعد الفتح قال محمد إذا أمن الأسير سقط عنه القتل دون الإسترقاق وقال سحنون لا يحل قتله لمن أمنه ويتعقبه الإمام وهو معنى
قوله أجرنا من أجرت يا أم هانئ يوم فتح مكة وإذا بعث الأمير سرية وجعل ما رأوه صوابا جاز وإن جعل لهم القتل والسبي لم يتعدوا ذلك فإن جاءت سرية أخرى من ذلك الجيش أو من بلد لم يكن لهم نقض ذلك وإن جاءت من بلد آخر وجيش آخر ولا يرجع إلى أمير الأولي فلهم ذلك على رأي سحنون وليس لهم ذلك على رأي غيره وإذا خرجت سرية بغير إذن الإمام لم يلزمه ما عقدت الطرف الثاني في المعقود وفي الجواهر هو الواحد والعدد المحصور وغير المحصور يختص بالسلطان الطرف الثالث نفس العقد وفي الجواهر ينعقد بصريح اللفظ وكنايته والإشارة المفهمة وإن رده الكافر ارتد ولا بد من القبول ولو بالفعل ولو ظن المسلم أن الكافر أراد الأمان ولم يرده لم يقتل ولو دخل إلى سفارة لم يفتقر إلى أمان بل القصد يؤمنه ولو قال الأمير أمنت كل من قصد التجارة صح منه دون الآحاد وإن ظن الكافر صحته وفي له به بل لو ظن ما ليس بتأمين تأمينا أمن فلو أمن جاسوسا أو طليعة لم ينعقد ولا يشترط فيه المصلحة بل يكفي عدم المضرة وإذا انعقد كففنا عن النفس والأهل والمال وإذا أمنت المرأة من الإسترقاق صح ويجب في المبارزة الوفاء بالشروط فلو أثخن المسلم وقصد ترقيقه منعناه على أحد القولين ولو خرج جماعة لإعانة الكافر باستنجاده قتلناه معهم وإن كان بغير إذنه لم يعرض له ولو خرج جماعة لجماعة ففزع بعضهم من قربه جاز له إعانة الآخر كما فعله علي وحمزة رضي الله عنهما مع عبيده بن الحارث ولو قال رجل من الحصن أفتح لكم على حكم رجل صح إن كان عاقلا عدلا بصيرا بمصالح القتال كما اتفق لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ويصح من الفاسق ويتعقبه الإمام بالإمضاء أو الرد إلى المأمن ولو حكموا ذميا أو امراة أو صبيا أو عبدا وهم عالمون به لم يجز حكمهم وليحكم الإمام بما يراه لأنهم رضوا بأقل المسلمين وهذا أعلا فلا حجة لهم
تفريع
في الكتاب إذا مات عندنا حربي مستأمن وترك مالا أو قتل فماله وديته لورثته ببلده وقال غيره يدفع إلى حكامهم قال ابن يونس قال ابن حبيب إذا ظهرنا على ورثته قبل وصوله إليهم فهو فيء لذلك الجيش وإنما يدفع ماله لورثته إذا استؤمن على أن يرجع أو كان شأنه الرجوع أما لو استؤمن على الإقامة فماله للمسلمين وإن جهل الحال فللمسلمين ولو أودع المستأمن عندنا مالا ثم رجع إلى بلده فمات أو قتل في محاربتنا رد ماله لورثته ولو أسر ثم قتل فماله فيء لا يخمس وإذا قتل العبد المستأمن مسلما أو ذميا عمدا قتل به أو خطأ فديته على عاقلته متى قدر على ذلك وهو كالذمي في أحكامه قال ابن القاسم وإذا داين ثم عاد لبلده فغنمناه وله عندنا ودائع وديون فالذي ببلد الحرب لمن غنمه والذي ببلد الإسلام لغرمائه ولو لا غرماؤه لكان لمن غنمه لقوة السبي وقال غيره يرد ما عندنا لأهله إن لم يكن عليه دين قال ابن عبدوس إذا سرق المستأمن قطع قياساً على الذمي وقال أشهب لا يقطع ولا السارق منه لضعف عقده بالتحديد عن عقد الذمة ولا يحد في القذف قال مالك وإن خصى عبده لا يعتق عليه كما لو أخصاه ببلده قال أشهب بخلاف الذمي لأنه عليه السلام اعتق على سندر عبده حين أخصاه وجذع انفه وسندر يومئذ كافر قال صاحب البيان إذا أمن الرجل على أنه حربي فظهر أنه مرتد أو عبد لمسلم أو ذمي قال ابن القاسم لا يستتاب المرتد ولا يرد العبد إلى سيده وقال ابن حبيب لا أمان لهما وقيل لا أمان لهما إلا إن يشترط ذلك قال والثاني أظهر لأن الشرط مبطل لحق الله تعالى في الردة وحق السيد في الرق وإن ظهر أنه ولد مسلم في دار الحرب فثلاثة أقوال الإستيتاب قاله ابن القاسم تغليبا للدار وقيل يحكم له بحكم الأب وقيل إن كان الولد مقيما معه ببلد الحرب وهو فيه على وجه الملك لا على وجه الجزية لا تراعى يده عليه وإن ولده في بلد الإسلام قال ابن القاسم يقتل ولا يستتاب إن أبى الإسلام لأن ولادته ببلد الإسلام شبهة تمنع رقه وإذا أسلم بعض الرسل قال مالك وابن القاسم يرد وقال ابن حبيب لا يرد وإن اشترطوا الرد وقيل لا يرد إلا أن يشترطوا الرد وفي الكتاب إذا أسلمت الرهائن قال مالك يردون قال ابن القاسم كانوا أحرار أو عبيدا وقال غيره لا يردون وإن اشترطوا لأن رده عليه السلام أبا جندل منسوخ بقوله ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) الأنفال 58 ونحن نخاف على المردودين
الباب العاشر في المهادنة والنظر في شروطها وأحكامها
النظر الأول في الشروط وهي أربعة الأول الحاجة إليه قال المازري فإن كان لغير حاجة مصلحته لا يجوز لوجوب القتال إلى غاية إعطاء الجزية وإن كان لمصلحة نحو العجز عن القتال مطلقا أو في الوقت الحاضر فيجوز بعوض أو بغير عوض على وفق الرأي السديد للمسلمين لقوله تعالى ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) الانفال 61 وصالح عليه السلام أهل مكة الشرط الثاني أن لا يتولاه إلا الإمام الشرط الثالث خلوه عن شرط فاسد كترك مسلم في أيديهم أو بذل مال من غير خوف الشرط الرابع أن لا يزاد على المدة التي تدعو إليها الحاجة في اجتهاد الإمام وقال أبو عمران يستحب أن لا يزيد على أربعة أشهر إلا مع العجز لقوله تعالى ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) التوبة 2 فإن استشعر جبانة فله نبذ العهد قبل المدة النظر الثاني في حكمه في الجواهر يجب الوفاء بالشروط الصحيحة ولا يجوز أن يشترط من جاءنا منهم مسلما أو مسلمة رددناه إليهم قال المازري عندنا يرد من جاء مسلما وفاء بالعهد من الرجال دون النساء لقوله تعالى ( فلا ترجعون إلى الكفار ) ولأن ردتهن أقرب وقيل يمنع الجميع لحرمة الإسلام فارغة
الباب الحادي عشر في الجزية
وفيه فصلان الفصل الأول في العقد ويتجه الفقه فيه في سبعة مباحث البحث الأول وفي الجواهر هو التزام تقريرهم في ديارهم وحمايتهم والدرء عنهم بشرط بذل الجزية والإستسلام والأصل فيه قوله تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ) إلى قوله تعالى ( من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) التوبة 29 وينبغي تعيين مقدار الجزية وقبولهم ذلك فإن لم يعين نزلوا على مقدار جزية أهل العنوه وهو ما قدره عمر رضي الله عنه وإذا وقع العقد فاسدا فلا نقتلهم ونلحقهم بمأمنهم البحث الثاني في العاقد وهو الإمام وفي الجواهر يجب عليه إذا بذلوه ورآها مصلحة إلا أن يخاف غائلتهم ولو عقده مسلم بغير إذن الإمام لم يصح لكن يمنع الاغتيال البحث الثالث في المعقود له وفي الجواهر وهو كل كافر ذكر بالغ حر قادر على أداء الجزية يجوز إقراره على دينه ليس مجنونا ولا مغلوبا على عقله ولا مترهبا منقطعا في دير قال في الجواهر هذا ظاهر المذهب وروى عن مالك استثناء الفرس لقوله تعالى في الآية ( من الذين أتوا الكتاب ) وهم لا كتاب لهم واستثنى ابن الجهم كفار قريش إما إكراما لهم عن صغار الجزية أو لأنهم أسلموا يوم الفتح واستثنى ابن وهب مجوس العرب وعبد الملك و ش من ليس بكتابي و ح مشركي العرب لتوهم إسلامهم وأما الصبي والمرأة والعبد والمجنون والمترهب فتبع لا جزية عليهم والفقير يقر مجانا وقيل تجب عليه لصيانة دمه وتؤخذ من الصبي عند بلوغه ولا تقبل من المرتد لأنه لا يقر على دينه وفي الكتاب قال مطرف وعبد الملك إنما تسقط الجزية عن الراهب في مبدأ حملها أما من ترهب بعد ضربها فلا قال ابن يونس لا يقبل من العرب إلا الإسلام إلا من دخل منهم في مكة وفي الجواهر قال مالك من انتقل من العدو إلى بلد الإسلام ضربت عليه الجزية وهو بالخيار بين الإقامة والرجوع إلى بلده واستحسنه ابن القاسم وقال محمد يسقط خيارة بعد التزامها وإذا اعتق النصراني عبده قال ابن القاسم تلزمه الجزية وليس له الخروج منها قال أشهب لا جزية عليه لأنه مروي عن علي رضي الله عنه فإن أعتقه مسلم قال مالك لا جزية عليه لئلا يضربه العتق قال ابن الحبيب الأحسن أخذها منه والذمي أن ينقل جزيته من بلد إلى بلد من بلاد الإسلام البحث الرابع البقعة وفي الجواهر يقرون في سائر البقاع إلا في جزيرة العرب وهي مكة والمدينة واليمن في رواية عيسى ومن أقصى عدن وما والاها إلى اليمن كلها إلى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام ومصر في المغرب والمشرق وما بين يثرب إلى منقطع السماوة في رواية ابن حبيب ولا يمنعون من الاجتياز بها مسافرين فائدة الجزيرة مأخوذة من الجزر الذي هو القطع ومنه الجزار لقطعه أعضاء الحيوان والجزيرة لانقطاع المياه عن أوساطها إلى أجنابها وجزيرة العرب قد احتف بها بحر القلزوم من جهة المغرب وبحر فارس من جهة المشرق وبحر الهند من جهة الجنوب فسميت جزيرة لذلك قال المازري إذا لم يأمن الإمام رجوعهم عن العقد لمجاورتهم العدو نقلهم من ديارهم إلى حيث يأمن وإلا فلا البحث الخامس في تفصيل ما يجب عليهم وفي الجواهر وهو أربعة الأول الجزية فلو أقرهم من غير جزية أخطأ ويخيرون بين الجزية والرد إلى المأمن وأكثر الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق ولا يزاد على ذلك ويخفف على الضعيف بالاجتهاد قال ابن القاسم لا ينقصون من فرض عمر رضي الله عنه لعسر ولا يزاد لغني وقال القاضي أبو الحسن لا حد لأقلها لأن فعل عمر رضي الله عنه إنما كان بالاجتهاد فيجتهد غيره من الأئمة بحسب الحال وقيل أقلها دينار أو عشرة دراهم وقال ش دينار على الغني والفقير
لقوله خذ من كل حالم دينارا وقال ح على الغني ثمانية وأربعون درهما والمتوسط أربعة وعشرون والفقير اثنا عشر درهما ويزاد ولينقص على قدر طاقتهم تنبيه الدنانير عندنا خمسة ثلاثة اثنا عشر درهما وهي دنانير الدماء في الدية والسرقة والنكاح واثنان عشرة دراهم الزكاة والجزية تمهيد الجزية مأخوذة من الجزاء الذي هو المقابلة والمأخوذ عند الأصحاب مقابل للدم ويرد عليه أنه اقتضى عصمة الأموال والذراري وهي غير مستحقة القتل فليس حقن الدم هو كل المقصود ويعزى للشافعية أنها أجرة الدار ويرد عليه أن المرأة تنتفع بالدار ولا جزية عليها والمتجه أن يقال هي قبالة جميع المقاصد المرتبة على العقد سؤال عادة الشرع دفع أعظم المفسدتين بإيقاع أدناهما وتفويت المصلحة الدنيا لتوقع المصلحة العليا ومفسدة الكفر توفي على مصلحة المأخوذ من أموال الكفار جزية بل على جملة الدنيا فلم أقرهم الشرع على الكفر بهذا النزر اليسير ولم لاحتم القتال درءا لمفسدته جوابه أن هذا من باب التزام المفسدة الدنيا لتوقع المصلحة العليا وذلك أن الكافر إذا قتل أنسد عنه باب الإيمان ومقام السعادة فشرع الله تعالى الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الزمان ولا سيما مع إطلاعه على محاسن الإسلام وإن مات على كفره فيتوقع ذلك من ذريته وذرية ذريته إلى يوم القيامة وساعة من إيمان تعدل دهرا من كفر ولذلك خلق الله تعالى آدم على وفق الحكمة واكثر ذريته كفار فعقد الجزية من آثار رحمته تعالى قال فلو أسلم أو مات بعد سنة سقطت عنه إذا اجتمعت عليه سنون قال أبو الوليد إن كان أقر أخذت منه أو لعسر فلا تؤخذ ولا تثبت في ذمته بالعجز لأن الفقير لا جزية عليه وقال ش إذا أسلم بعد وجوبها أخذت منه بناء على أنها أجرة وعندنا بدل من سفك الدم وحضا على الإسلام بالصغار لنا قوله تعالى ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) التوبة 29 فشرط في إعطائها الصغار وهو ممتنع على المسلم ووافقنا ش على إذلال الذمي حالة الأخذ منه والكراء لا يقتضي الهوان وفي المقدمات قال ش وهو الظاهر من المذهب وجوبها بآخر الحول وليس عن مالك نصا وقال ح بأول الحول عند العقد ثم بعد ذلك عند أول كل حول لأنها بدل الدم وقد سلم لهم المبدل فيجب البدل وجوابه أنها تؤخذ لصيانتهم سنة ولم تحصل الثاني في الجواهر الضيافة وأرزاق المسلمين لأن عمر رضي الله عنه فرض مع الدنانير مدين من حنطة عن كل نفس في الشهر وثلاثة أقساط زيتا على من كان بالشام والجزية على من كان بمصر أردب حنطة في كل شهر وقال ولا أدري كم من الودك والعسل وعليهم من الكسوة التي كان عمر رضي الله عنه يكسوها الناس وعلى أن يضيفوا من مر بهم ثلاثة أيام وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا كل شهر على كل رجل مع كسوة معروفة قال ولا أدري كم قدرها قال مالك وارى أن يوضع عنهم اليوم من الضيافة والأرزاق لما حدث عليهم من الجور الثالث الإهانة في الجواهر تؤخذ منهم على وجه الإهانة والصغار امتثالا لأمره تعالى الرابع العشر في التجارة والأصل فيه قوله
ليس على المسلمين عشر إنما العشر على اليهود والنصارى وقال عمر رضي الله عنه لأهل الذمة إذا اتجرتم في بلادكم فليس عليكم إلا الجزية وإذا اتجرتم إلى غيرها أخذ منكم العشر وفي الجواهر بؤخذ العشر من تجار الحربيين ولا بؤخذ من الذمي إلا أن يتجر في غير أفق عقد جزيته فتؤخذ منه كلما دخل ولو دخل مرارا في السنة وقال ح لا تؤخذ من السنة إلا مرة كالجزية لنا فعل عمر رضي الله عنه ولتكرر الانتفاع والحكم فيتكرر بتكرر سببه واختلف هل المأخوذ عما يعتاضون وهو رأي ابن القاسم أو عما يدخلون به قال ابن حبيب وسبب الخلاف أن المأخوذ لحق الانتفاع في القطر أو الوصول إليه وتفرع على ذلك فرعان الأول لو دخلوا ببضاعة أو عين فأرادوا الرجوع قبل البيع أو الشراء قال ابن حبيب يجب عليهم العشر كالحربيين وابن القاسم لا يوجبه الثاني لو دخلوا بإماء فإن ابن حبيب يمنعهم الوطء والاستخدام ويحول بينهم وبينهن لشركة المسلمين معهم خلافا لابن القاسم وفي الكتاب إذا قلنا لا يؤخذ منهم إلا بعد الشراء قال مالك إن قدم بعين فاشترى به سلعة أخذ منه عشر السلعة وقيل عشر ثمنها وقيل إن كانت تنقسم فعشرها وإلا فعشر قيمتها ويدل على الأول أن لو أخذنا عشر قيمتها كان مشتريا منا عشر السلعة فهي سلعة ثانية فيتسلسل ولو قدم بفضة ليصرفها أو بثياب لصبغها ترك عشرها بغير صبغ ولا صرف فإن لم ينظر في ذلك حتى عمل الجميع أخذ منه قيمة العشر غير معمول فإن باع واشترى بعد ذلك في البلد أو في بلد آخر من ذلك الأفق لم يؤخذ منه شيء قال محمد لا شيء عليه في الذي صبغه أو ضربه قال ابن القاسم يؤخذ من الحربي عشر المعمول وإذا أكرى الذمي ابله من بلد إلى غيره أخذ عشر كرائه في المكرى إليه وقال ابن القاسم لا يؤخذ منه شيء إلا من كراء الرجوع إلى بلده وقال أشهب لا شيء عليه لجلاب ابله وأولادها وقال محمد يؤخذ منه سواء أكرى من بلده أو من غيره وقيل يسقط الكراء على قدر مسيره فيما سار في بلاده سقط ويختلف إذا اسلم في سلعة ليقبضها بغير بلده هل يراعي موضع العقد أو موضع القبض وإذا تجر عبيد أهل الذمة أخذ منهم إلا عشر واحد كالأحرار لحصول المنفعة وفي الجواهر لو باعوا في بلد واشتروا فيه لم يؤخذ منهم إلا عشر واحد ولو باعوا في أفق ثم اشتروا في آخر بالثمن فعشران لتعدد النتفع فيه وهو سبب العشر ويخفف عن أهل الذمة فيما حملوه إلى مكة والمدينة من الزيت والحنطة خاصة فيؤخذ منهم نصف العشر لأن عمر رضي الله عنه كان يأخذ العشر من القطنية ونصف العشر من الحنطة والزيت وروى ابن نافع العشر قياسا على غيرهما ولأن ذلك إنما كان لتكثير الحمل إليهما وقد اتسع الإسلام وإذا دخل الحربي بأمان مطلق اخذ منه العشر لا يزاد عليه إلا أن يشترط عند العقد فلو نزل الذمي بالخمر وما يحرم علينا قال مالك يؤخذ منه العشر بعد البيع فإن خيف خيانتهم جعل عليهم أمين قال ابن نافع ذلك إذا جلبوه لأهل الذمة لا لأمصار المسلمين التي لا ذمة فيها وقال ابن حبيب يريق الوالي الخمر ويقتل الخنزير ولا يجوز إنزالهم على بقاء ذلك تنبيه مشهور المذهب أنهم مخاطبون بالفروع فتكون مباشرتهم لذلك منكرا تحب إزالته وتفسد المعاوضة فيه ولا ينقل الثمن عن ملك المشتري فيتضح قول ابن حبيب ويشكل قول مالك وقال إذا انتقل الذمي من قطر إلى قطر كمصر والشام فأوطن الثاني ثم قدم بتجارة للأول قال ابن القاسم لا يؤخذ منه شيء لأنه ببلد عقد ذمته ويؤخذ منه إذا رجع إلى الثاني قال أصبع ذلك إذا لم تحول جزيته فلو اشترى الذمي وأخذ منه العشر ثم استحق ما بيده أورد بالعيب رجع بالعشر قال ابن سحنون وإذا غلب على الذمي دين المسلم قال أشهب لا يؤخذ منه العشر ولكن لا يصدق فيه ولا يسقط العشر دين الذمي قال صاحب البيان إذا نزل الروم برقيق فصلحناهم على عشر ما معهم منه فأسلم الرقيق أخذ منهم ما صولحوا عليه ولهم الرجوع بهم وفي الكتاب ليس الذي يؤخذ من أهل الحرب بمعلوم إنما هو ما يصالح عليه وقال فضل بن مسلمة إن كانت لهم عادة حملوا عليها وإذا نزلوا ولم يبيعوا قال ابن القاسم يؤخذ منهم ما صولحوا عليه باعوا أم لا بخلاف الذمي لانتفاعهم بالنزول الذي لا يستحقونه والذمي يستحق المسعى في آفاق الإسلام إنما العشر عليه للانتفاع بتنمية المال وسوى ابن نافع البحث السادس فيما يجب علينا بمقتضى العقد في الجواهر هو وجوب الذب عنهم وصيانة أنفسهم وأموالهم وترك كنائسهم وخمورهم وخنازيرهم فإن أظهروا خمرا أهرقناها وإلا فيضمنها المسلم وقيل لا يضمن ولو غصبها وجب ردها ويؤدب من أظهر الخنزير ولو باع الأسقف عرصة أو حانوتا من كسبه جاز إن كان البلد صلحا ولم يجز إن كان عنوة ولا يجوز في أحباسهم إلا ما يجوز في أحباسنا ولا يحكم حاكم المسلمين في منع بيع الكنائس ولا برده ولا يعاد جنسها لأن التصحيح خلاف الشرع والإبطال خلاف العقد وإن اتفقوا في التحاكم إلينا فالحاكم مخير بين الحكم والترك وقيل لا يحكم بينهم إلا برضا أساقفتهم لأنه فساد عليهم ومستند المذهب قوله تعالى ( فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) المائدة 42 ومتى تعلقت الحكومة بمسلم وجب الحكم تغليبا للإسلام قال يحيى بن عمر وكذلك مختلفا الملة لعدم اتحاد الأساقفة فليس أحدهما أولى من الآخر فيسقطون فإن ترافعوا إلينا في التظالم حكمنا بينهم على كل حال للزوم ذلك إلينا بالإسلام ولهم بالعقد لأنه من الذب عنهم البحث السابع فيما يلزمهم بمقتضى العقد وهو ثلاثة أنواع النوع الأول الكنائس لا يمكنون من بنائها في بلد بناها المسلمون أو ملكوها عنوة ويجب نقض كنائسها فإن فتحت صلحا على أن يسكنوها بالخراج ورقاب الأبنية للمسلمين وشرطوا إبقاء كنيسة جاز وإن شرطوا الدار لهم وعليهم خراج ولا تنقض الكنائس فذلك لهم ثم يمنعون من رمها خلافا ل ش قال عبد الملك إلا أن يكون ذلك شرطا والمدرك أنها من المنكرات والعين التي تناولها العقد قد انهدمت والعود لم يتناوله العقد فهو منكر تجب إزالته ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة وقيل لهم الترميم لأنه من جملة أغراضهم الملزمة كعصير الخمر وإن اشترط أهل الصلح أحداث كنيسة قال عبد الملك هذا الشرط باطل إلا في بلدهم الذي لا يسكنه المسلمون معهم فهو لهم وإن لم يشترطوه وأما أهل العنوه فلا يمكنون من ذلك وإن كانوا معتزلين عن بلادنا لأن قهرنا لهم أزال ذلك والتمكن منه فلا نعيده ولا يمنع أهل الصلح من إظهار الخمر والناقوس ونحوه داخل كنائسهم ويمنعون خارجها ومن حمل الخمر من قرية إلى قريتهم التي يسكنونها مع المسلمين منع وتكسر الخمر إن ظهرنا عليها وإن قالوا لا نبيعها من مسلم وإن اظهروا ناقوسا كسرناه وإن وجدنا سكرانا أدبناه وإن اظهروا صلبهم في عيد أو استسقاء كسرناها وأدبناهم ويخفون أصوات نواقيسهم وقراءتهم في كنائسهم النوع الثاني يمنعون من ركون البغال والخيل النفيسة دون الحمير بالأكف عرضا دون السروج إما لأنه شرط في العقد أو لأن الصغار يأبى ذلك النوع الثالث يمنعون من جادة الطريق ويضطرون إلى المضيق إذا لم يكن الطريق خاليا لما يروى عنه لا تبدؤهم بالسلام والجؤهم إلى أضيق الطريق ولا يتشبهون بالمسلمين في الزي ويؤدبون على ترك الزنانير لأن اللبس يؤدي إلى تعظيمهم دون تعظيم المسلمين ولا يدخلون المساجد وأمر عمر بن عبد العزيز أن يختم في رقاب رجال أهل الذمة بالرصاص ويظهرون مناطقهم ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضا وقال عمر رضي الله عنه سموهم ولا تكنوهم وأذلوهم ولا تظلموهم ونهى أن يتخذ منهم كاتبا قال الله تعالى ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) آل عمران 118 ونهى عنه عثمان رضي الله عنه وكتب عمر رضي الله عنه أن يقاموا من الأسواق وقاله مالك الفصل الثاني فيما يوجب نقض العهد وما لا يوجب وفي الجواهر إذا أظهروا معتقدهم في المسيح أو غيره أدبناهم ولا ينتقض به العهد وإنما ينتقض بالقتال ومنع الجزية والتمرد على الأحكام وإكراه المسلمة على الزنا فإن أسلم لم يقتل لأن قتله لنقض العهد لا للحد وكذلك التطلع إلى عورات المسلمين وأما قطع الطريق والقتل الموجب للقصاص فكحكم المسلمين وتعرضهم له أو لغيره من الأنبياء يوجب القتل إلا أن يسلم وروي يوجع أدبا ولا يترك فإن رجع عن ذلك قبل منه وأما المسلم إن كذب على رسول الله عزر أو كذبه فمرتد وإن سب الله تعالى أو رسوله أو غيره من الأنبياء عليهم السلام قتل حدا ولا تسقطه التوبة فإن إظهار ذلك منه يدل على سوء باطنه فيكون كالزنديق لا تعلم توبته وقيل هو كالمرتد قال اللخمي إن زنى بالمسلمة تطوعا لم ينتقض عهده عند مالك وانتقض عهده عند ربيعة وابن وهب وإن غرها بأنه مسلم فتزوجها فهو نقض عند ابن نافع وإن علمت به لم يكن نقضا وإن طاوعته الأمة لم يكن نقضا وإن اغتصبها قال محمد ليس بنقض وفيه خلاف قال فإن عوهد على انه متى بشيء من ذلك فهو نقض انتقض عهده بذلك وإن عوهد على أنه يضرب ويترك فهو كذلك وفاء بالعهد قال ابن حزم في مراتب الإجماع اختلف العلماء في نقض عهد الذمي وقتله وسبي أهله وماله إذا أخل بواحد مما نذكره وهو إعطاء أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري صرف كل دينار أثنا عشر درهما وإن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة ولا يجددوا ما خرب منها ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم وبيعهم ليلا أو نهارا ويوسعوا أبوابها للنازلين ويضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا وإن لا يأووا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يمنعون الدخول في الإسلام ويوتروا المسلمين ويقوموا لهم من المجالس ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم ولا يتكلموا بكلامهم ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا السروج ولا يتقلدوا شيئا من السلاح ولا يحملوه مع أنفسهم ولا يتخذوه ولا ينقشوا في خواتمهم بالعربية ولا يبيعون الخمر ويجزون مقادم رؤسهم ويشدون الزنانير ولا يظهرون الصليب ولا يجاورون المسلمين بموتاهم ولا يظهرون في طريق المسلمين نجاسة ويخفون النواقيس وأصواتهم ولا يظهرون شيئا من شعائرهم ولا يتخذون من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين ويرشدون المسلمين ولا يطلعون عليهم عدوا ولا يعرفون مسلما شيئا من كفرهم ولا يسبوا أحدا من المسلمين فأحرى الأنبياء عليهم السلام ولا يظهرون خمرا ولا نكاح ذات محرم وأن يسكنوا المسلمين بينهم فمتى أخلوا بواحد من هذه اختلف في نقض عهدهم وقتلهم وسبيهم تمهيد هذه القيود إما أن تكون اشترطت عند العقد أو استفيدت من قوله تعالى ( وهم صاغرون ) وعلى التقديرين فقد يسبق إلى خاطر الفقيه أن نقض العهد بواحد منها متجه وإن مذهب الجمهور على خلاف الدليل وليس كذلك وكشف الحجاب عن الحق في المسألة أن نقول عقد الجزية عاصم للدماء كالإسلام وقد ألزم الله تعالى المسلم سائر التكاليف في عقد إسلامه كما الزمنا الذمي هذه الشروط في عقد أمانه فكما انقسم رفض التكليف في الإسلام إلى ما ينافي الإسلام ويبيح الدماء والأموال كرمي المصحف في القاذورات وانتهاك حرمة النبوات وإلى ما ليس بمناف للإسلام وهو ضربان كبائر توجب التغليظ بالعقوبة ورد الشهادة وسلب أهلية الولاية وصغائر توجب التأديب دون التغليظ فكذلك عقد الجزية تنقسم شروطه إلى ما ينافيه كالقتال والخروج عن أحكام السلطان فإن ذلك مناف للأمان والتأمين وهما مقصود العقد وإلى ما ليس بمناف للأمان والتأمين وهو عظيم المفسدة فهو كالكبيرة بالنسبة إلى الإسلام كالحرابة والسرقة وإلى ما هو كالصغيرة بالنسبة إلى الإسلام كسب المسلم وإظهار الترفع عليه فكما أن هذين القسمين لا ينفيان الإسلام ولا يبطلان عصمته للدماء والأموال فكذلك لا يبطلان عصمة عقد الجزية ولا يبطلانه لعدم منافاتها له والقاعدة أنه لا يبطل عقدا من العقود إلا ما ينافي مقصوده فكذلك ها هنا فبهذا التقدير يظهر إشكال في إكراه المسلمة على الزنا وجعله ناقصا بل إلحاقه بالحرابة متجه بطريق الأولى لعموم مفسدة الحرابة في النفوس والأبضاع والأموال وعدم اختصاص ذلك بواحد من الناس فعلى هذا التقدير تخرج مسائل هذا الباب وفي الكتاب قال ابن القاسم وإذا تلصص الذمي فقتل وأخاف السبيل فهو كالمحارب المسلم في حكمه فإن خرجوا نقضا للعهد وامتنعوا في غير ظلم والإمام عادل فهم فيء كما فعل عمرو بن العاص بالإسكندرية لما عصب عليه بعد الفتح قال التونسي لم يجعل القتل في الحرابة نقضا وهو يقول غصب المسلمة على الوطئ نقض وهو مشكل إلا أن يكون العهد اقتضاه قال ابن القاسم فإن كان لظلم ردوا إلى ذمتهم قال ابن يونس قال ابن مسلمة حرابة الذمي نقض للعهد ولا يؤخذ ولده لبقاء العهد في حقه بخلاف ماله إلا أن يكون من الحرابة لأنه في ذمته وقال الداودي إن كان من ظلم فهو نقض لأنهم لم يعاهدوا أن يظلموا من ظلمهم وروي أن عمر رضي الله عنه أخبر أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت عورتها فأمر بصلبه في ذلك الموضع وقال إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون وأن يهوديا دهن ناقته وعليها امرأة فوقعت فانكشفت فقتله ابنها فأهدر دمه قال ابن حبيب إذا غصب مسلمة فلها الصداق من ماله والولد على دين أمه ولو أسلم لم يقتل وروي عن عمر رضي الله عنه نقض عهده بذلك قال ابن القاسم إذا حاربت الذمة وظفر بهم والإمام عدل قتلوا وسبي نساؤهم ولا يعرض لمن يظن أنه مغلوب معهم كالشيخ الكبير والضعيف ولو ذهبوا لبلد الحرب نقضا للعهد وتركوا أولادهم لم يسبوا بخلاف إذا ذهبوا بهم إلا أن يكون ذلك لظلم أصابهم إلا أن يعينوا علينا المشركين فهم كالمحاربين وقال أيضا إذا حاربوا والإمام عدل استحل سبيهم وذرأريهم إلا من يظن انه مغلوب كالضعفاء ، ولم يستثن اصبغ وألحق الضعفاء بالأقوياء في النقص كما اندرجوا معه في العقد ولأنه سبى ذراري قريظة ونساءهم بعد النقص كما اندرجوا بالعهد قال ابن القاسم إذا استولى العدو على مدينة للمسلمين فيها ذمة فغزونا معهم واعتذروا بالقهر الذي لا يعلم إلا بقولهم فمن قتل منهم مسلما قتل وإلا أطيل سجنه وإذا نقضوا العهد وقد سرقوا أموالا وعبيدا ثم صالحونا على العود للذمة فأن لم يطلع على السرقة إلا بعد الصلح خيرهم الإمام بين ردها وبين عودهم إلى الجزية وإن اشترطوها فلا كلام له وكذلك ما أخذوه في الحرابة بعد النقص قال المازري وينتقض العهد إذا صار علينا للحربيين
الباب الثاني عشر في المسابقة والرمي
وفيه فصلان الفصل الأول في المسابقة وفي الترمذي قال
لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر وقال الله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) الأنفال 60 والسبق بسكون الباء الفعل وبفتحها ما يجعل للسابق وفي مسلم سابق بالخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان آخرها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وفي البخاري قال
من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن من أن يسبق فليس قمارا ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار قال ابن يونس قال ابن المسيب لا بأس برهان الخيل إذا كان فيها محلل يخرج هذا سبقا وهذا سبقا ويدخل بينهما ثالث لا يخرج شيئا فإن سبق المحلل أخذ وإن سبق لم يأخذ قال ابن عبد الحكم إذا سبق أخذ سبق الرجلين وإن لم يسبق هو وسبق أحدهما أخذ سبق صاحبه ولا شيء للمحلل وهذا لا يقوله مالك وإنما يجوز عنده أن يجعل الرجل سبقه خارجا بكل حال فإن تسابق رجلان وجعل ثالث سبقا للخارج منهما فإن سبق هو كان السبق للمصلي وإن كانت خيلا كثيرة وكذلك الرمي ويجوز عمل سرادق من دخله أولا سبق وفي الجواهر المسابقة عقد لازم يشترط في عوضه ما يشترط في عوضه وليس من شرطه استواؤه من الجانبين وله ثلاث صور الأولى أن يجعل الوالي أو غيره محللا للسابق والثانية أن يخرجه أحد المسابقين والثالث أن يخرج كل واحد منهما شيئا من سبق أخذهما فلا يختلف في إباحة الأولى وأما الثانية فإن كان المخرج لا يعود إليه المخرج بل إن سبق أخذه السابق أو سبق كان لمن يليه أو لمن حضر إن لم يكن معهما غيرهما فجائز قال الأستاذ أبو بكر هذا على قوله المشهور إن السبق لا يعود وعلى القول الآخر أن السبق لمن سبق من مخرجه أو غيره كما رواه ابن وهب عنه لا يكون طعمه لمن حضر بل للسابق ولو شرطه طعمه لمن حضر لم يجز عند معظم العلماء وإن شرط رجوعه إلى مخرجه إن سبق فرويت الكراهة وأخذ بها ابن القاسم وروى ابن وهب الجواز وأما الثالثة إن لم يكن معهما غيرهما فلا يجوز قولا واحدا فإن كان معهما من لا يأمنان أن يسبقهما يغرم إن سبق ولا يغرم إن سبق والمشهور عن مالك المنع وروي الجواز ويشترط تعيين الغاية والموقف إلا أن يكون لهم عادة فتتعين ويتعين الخيل دون معرفة جريها وراكبها وكره مالك حمل الصبيان عليها خشية العطب قال صاحب الإكمال يشترط أن تكون الخيل متقاربة الحال وفي الجواهر ولا تجوز السابقة بالعوض إلا في الخيل أو الركاب أو في الخيل والركاب وتجوز بالعرض بغير عوض في غير ذلك مما ينتفع به في نكاية العدو ونفع المسلمين كالسفن والطير لتوصيل الأخبار وأما طلب المغالبة فلا يجوز وتجوز المسابقة على الأقدام وفي رمي الحجارة ويجوز الصراع لقصد الرياضة للحرب بغير عوض قاعدة لا يجتمع في الشرع العوضا في باب المعاوضة لشخص واحد ولذلك منعنا الإجارة على الصلاة ونحوها لحصولها مع عوضها لفاعلها وحكمة المعاوضة انتفاع كل واحد من المتعارضين بما بذل له والسابق له أجر التسبب إلى الجهاد فلا يأخذ السبق تنبيه المسابقة مستثناة من ثلاث قواعد القمار وتعذيب الحيوان لغير مأكله وحصول العوض والمعوض لشخص واحد على الخلاف المتقدم واستثنيت من هذه القواعد لمصلحة الجهاد فائدة أسماء الخيل في حلبة السباق عشرة يجمعها قول الشاعر ( أتاني المجلي والمصلي وبعده ** المسلي وقال بعده عاطف يسري ) ( ومرتاحها ثم الحضي ومتوسل ** وجاء اللطيم والسكيت له يبري ) فالمجلي أولها والمصلي الثاني لكونه عند صلى فرس الأول ثم هي مرتبة كذلك إلى آخرها الفصل الثاني في الرمي وفي الجواهر هو كالسبق فيما يجوز ويمتنع ويشترط فيه رشق معلوم وإصابة معينة وسبق إلى عدد مخصوص أو لا يحسب لأحدهما إلا ما أصاب في الدائرة ويحسب للآخر ما أصاب في الجلد كله فجميع ذلك صحيح لازم ويختص بالرمي عن القوس دون غيره ولو عرض للسهم نكبة من بهيمة عرضت أو انكسر السهم أو القوس لا يكون بذلك مسبوقا بخلاف الفارس يسقط عن فرسه أو يسقط الفرس فينكسر فإن كان السبق بين جماعة خرج هذا وخرج هذا وإن كان بين اثنين قال محمد الذي رأى أهل الخيل أن الواصل إلى الغاية سابق وأنكره واختار أن ما كان من قبل الفارس من تضييع الشوط وانقطاع اللجام وخرق الفرس فلا يعذر به وكذلك إن نفر من السرادق فلم يدخله ودخل الآخر سبق الممتنع وإن كان ذلك من غيره كما لو نزع شوطه أو ضرب وجه فرسه لم يكن مسبوقا وعذر به قال ابن يونس ولا بأس بالرمي على أن يعتق عنه عبدا أو يعتق هو عن نفسه وعلى أن يعمل له عملا معروفا والله أعلم تم كتاب الجهاد وبه تم الجزء الثالث من الذخيرة يليه الجزء الرابع أوله كتاب الإيمان 1 بسم الله الرحمن الرحيم 2
كتاب الإيمان
واليمين في اللغة مأخوذة من اليمين الذي هو العضو لأنهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه فسمي الحلف يمينا لذلك وقيل اليمين القوة وسمي العضو يميتا لوفور قوته على اليسار ومنه قوله تعالى ( لأخذنا منه باليمين ) الحاقة 45 أي بالقوة ولما كان الحلف يقوي الخبر عن الوجود أو العدم سمي يمينا فعلى هذا التفسير يكون التزام الطلاق أو العتاق وغيرهما على تقدير المخالفة يمينا بخلاف التفسير الأول وفي الجواهر قال القاضي أبو بكر هو ربط العقد بالامتناع أو الترك أو بالإقدام على فعل بمعنى معظم حقيقة أو اعتقادا ويرد عليه أسئلة أحدها أن جميع ما ذكره يتصور بغير لفظ والعرب لا تسمي الساكت حالفا وثانيها أن اليمين قد تكون على خلاف المعتقد كما في الغموس وثالثها أن اليمين قد تكون على فعل الغير أو تركه فلا يكون فيها إقدام ولا إحجام والحق أن يقال هو جملة خبرية وضعا إنشائية بمعنى متعلقة بمنى معظم عند المتكلم مؤكدة بجملة أخرى من غير جنسها فقولنا خبرية لأن ذلك صيغتها وقولنا إنشائية لأنها لا تجمل التصديق والتكذيب فهي نحو بعت واشتريت وأنت حر وأنت طالق وقولنا من غير جنسها احترازا من تكرير القسم من غير ذكر المحلوف عليه فإنه لا يسمى حالفا إلا إذا ذكر المحلوف عليه وبقية القيود ظاهرة وقد خصص الشرع هذا المعنى في بعض موارده وهو أن يكون المعظم ذات الله أو صفاته العلي كما صنع في الصلاة والصوم وغيرهما وفي الكتاب ستة أبواب 1
الباب الأول في حكمه
وفي المقدمات هو مباح في الحلف بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى ومحرم وهو الحلف باللاة والعزى وما يعبد من دون الله تعالى لأن الحلف تعظيم وتعظيم هذه الأشياء كفر ومكروه وهو الحلف بما عدا ذلك وقاله ش لما في مسلم قال عليه السلام إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت وهو ينقسم إلى ما يلزم كالعتاق والطلاق وإلى ما لا يلزم كالتزام شرب الخمر ونحوه والحلف بالرسول عليه السلام أو الكعبة أو المشي إلى السوق قال اللخمي الحلف بالمخلوقات كالنبي عليه السلام والكعبة ممنوع فمن فعل فليستغفر الله تعالى واختلف في جواز الحلف بصفات الله تعالى كالقدرة فالمشهور الجواز ولزوم الكفارة ، وقاله الأئمة ، وروي عن مالك : الكراهة في : لعمر الله وأمانة الله وان احلف بالقران والمصحف ليس بيمين والاكفارة فيه وفي الجواهر : لا يجوز الحلف بصفاته الفعلية كالرزق والخلق ولا تجب الكفارة وهو موافق للخمي دون المقدمات ويدل على جواز الحلف بالصفات القديمة ما في البخاري أن أيوب عليه السلام قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك سؤال قال عليه السلام في حديث الأعرابي السائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق فقد حلف عليه السلام بمخلوق وجوابه إما منع الصحة في هذه اللفظة فإنها ليست في الموطأ أو بأنه منسوخ بالحديث المتقدم ذكره صاحب الاستذكار وإما بأن هذا خرج مخرج توطئة الكلام لا الحلف نحو قولهم قاتله الله ما أكرمه وقوله عليه السلام لعائشة تربت يداك ومن أين يكون الشبه خرج عن الدعاء إلى توطئة الكلام قاعدة توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام واجب إجماعا كتوحيده بالعبادة والخلق والإرزاق فيجب على كل أحد أن لا يشرك معه تعالى غيره في ذلك وما ليس بواجب إجماعا كتوحيده بالوجود والعلم ونحوهما فيجوز أن يوصف غيره بذلك إجماعا ومختلف فيه كالحلف بالله تعالى فإنه تعظيم له واختلف العلماء هل يجوز أن يشرك معه غيره فيه أم لا وإذا قلنا بالمنع فهل يمتنع أن يقسم على الله تعالى ببعض مخلوقاته فإن لقسم بها تعظيم لها نحو قولنا بحق محمد اغفر لنا ونحوه وقد حصل فيه توقف عند بعض العلماء ورجح عنده التسوية ولا يشكل على القول بالمنع حلفه تعالى بالتين والزيتون والسماء والشمس وغير ذلك لأن من العلماء من قال تقديره أقسم بها لينة عباده على عظمتها عنده فيعظمونها ولا يلزم من الحجر علينا الحجر عليه بل هو المالك على الإطلاق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد 1
الباب الثاني في الموجب لكفارة
وفيه فصلان الفصل الأول في الصريح والكناية أما الصريح الذي يوجب الكفارة بنطقه من غير احتياج إلى نية ففي الكتاب الحلف بجميع أسماء الله تعالى وصفاته يوجب الكفارة نحو العزيز اللطيف أو عزة الله وأمانته ولعمر الله وعلي عهد الله أو ذمته أو كفالته أو ميثاقه وقاله ح وابن حنبل وقال ش العهد والكفالة والميثاق وقولنا وحق الله والرحمن الرحيم والعليم والجبار كنايات لترددها بين القديم والمحدث إن نوى القديم وجبت الكفارة وإلا فلا قال اللخمي : العهد أربعة : تلزم الكفارة في وجه ، وتسقط في اثنين ، ومختلف في الرابع ، فالأول : علي عهد الله ، والاثنان : لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله ، والرابع : أعاهد الله ، اعتبره ابن حبيب وأسقطه ابن شعبان ، قال : وهو أحسن ، وقال ابن عبد الحكم : لآها الله ، يمين ، نحو بالله وفي البيان : إذا قال : يعلم 1 الله لافعلت ، استحب له مالك الكفارة احتياطا ، تنزيلا له منزلة أيم الله تعالى وقال سحنون : إن أراد الحلف وجبت الكفارة ، والا فلا ، لأن حروف القسم قد تحذف ، وإذا حلف بالقرآن : فرواية ابن القاسم الكفارة حملا له على القديم وقاله ش وابن حنبل وروي عن مالك عدم الكفارة حملا له على الحروف لأن المتبادر في العرف إلى الذهن والفهم وفي الجواهر أيم الله يمين وفي الكتاب وعزة الله لمالك في إيجابه الكفارة روايتان فوائد أمانة الله تعالى تكليفه لقوله تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض ) الأحزاب 72 الآية إلى قوله ( وحملها الإنسان ) وتكليفه كلامه القديم فهي صفته تعالى وعمر الله تعالى بقاؤه وهو استمرار وجوده مع الأزمان ووجوده ذاته وعهد الله تعالى إلزامه لقوله تعالى ( وأوفوا بعهدي ) البقرة 40 أي تكليفي فهو صفة ذاته تعالى وذمته إلزامه فيرجع إلى خبره وخبره كلامه وكذلك كفالته والميثاق هو العهد المؤكد بالحلف فيرجع إلى كلامه تعالى وأيمن الله تعالى قال سسيبويه هو من اليمن والبركة ولذلك قال ش هو كناية لتردده بين المحدث من تنمية الأخلاق والأرزاق وبين القديم الذي هو جلال الله وعظمته تعالى ومنه قوله تبارك وتعالى ( تبارك الذي بيده الملك ) الملك 1 أي عظم شأنه وكبر علاؤه وقال الفراء هو جمع يمين فيكون الكلام فيه كالكلام في أيمن المسلمين من جهة أنه هو صريح أو كناية ويقال أيمن الله وأيم الله ومن الله وم الله
فرع في الجواهر إذا قال الأيمان تلزمني قال الأستاذ أبو بكر ليس لمالك ولا لأصحابه فيها نص وإنما تكلم فيها المتأخرون فاجمعوا على لزوم الطلاق في جميع النساء والعتاق في جميع العبيد فإن لم يكن له عبيد فعليه عتق رقبة والمشي إلى مكة في الحج والتصدق بجميع
أمواله وصيام شهرين متتابعين وقال أبو بكر بن عبد الرحمان وأكثر الأندلسيين يلزمه الطلاق الثلاث وقال أبو عمران والعراقيون واحدة واختار الأستاذ أن لا تلزمه إلا ثلاث كفارات حملا لليمين على اليمين بالله تعالى الذي هو المشروع قال إلا أن ينوي غير ذلك أو يكون عرفا وحملا للصيغة على أقل الجمع قال ولا فرق بين الأيمان تلزمني أو لازمة لي أو جميع الأيمان أو الأيمان كلها تلزمني وقال أبو الطاهر لم يختلف المذهب أن جميع الأيمان تلزمه عند عدم النية ويلزمه التصدق بثلث ماله وكفارة يمين ومن اعتاد الحلف بصوم سنة لزمه وهكذا يجري في حكم أيمان البيعة وهي أيمان رتبها الحجاج فيها اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق والحج وصدقة المال يحلف بها الناس عند البيعة قال صاحب التخليص واختلف هل الطلقة بائنة أو رجعية قال ومنشأ الخلاف اختلاف الرواية عن مالك في أشد ما أخذ أحد على أحد هل تلزمه طلقة أو ثلاث قواعد اليمين حقيقته لغة الحلف على ما تقدم من الخلاف وإطلاقه على الطلاق والعتاق والنذر مجاز لأنه ليس بحلف فلو حلف بالطلاق أو العتاق لا يلزمه شيء لأنه حلف محدث والعلاقة في هذا المجاز أن الحالف ملتزم لحكم على تقدير وهو الكفارة على تقدير الحنث والمعلق من الطلاق وغيره قياسا على تقدير وجوب الشرط ثم هذا المجاز منه خفي لم يترجح على الحقيقة ولا سواها نحو لله علي هدي أو بناء مسجد أو الغزو ومنه راجح على الحقيقة أو مساو وهو ما ذكره المتأخرون ويدل على الشهرة قديما وحديثا قوله عليه السلام الطلاق والعتاق يمين الفساق فسماهما أيمانا ومن قواعد المذهب استعمال اللفظ المشترك في جميع مسمياته وغير المشترك في مجازاته المستوية ومجازه وحقيقته فلذلك حمل المتأخرون اللفظ على ما ذكروه دون غيره من التعاليق وأما إذا قلنا اليمين أصله من القوة لأنه يقوي المخبر عنه فالتعاليق أيضا مقويات للإقدام والإحجام فيكون اللفظ متواطئا في الجميع وقد دخلت عليه أداة العموم فيعم الجميع إلا ما خصه الدليل بالإجماع وقد تقدم تقريره أول الكتاب وقاعدة ش حمل اللفظ على حقائقه ومجازاته ومجازه وحقيقته وقد خالف في هذه القاعدة أصله فقال إن نوى شيئا لزمه وإلا فلا محتجا بأن هذا كناية فيتبع النية والصريح هو النطق بالاسم المعظم ولم ينطق به وجوابه أن كل ما يعتقد صريحا فلفظ اليمين صادق عليه حقيقة في اللغة فلفظ الأيمان تتناول الصريح بالوضع والكناية لا تتناول بالوضع بل تصلح للتناول فليست بكناية فإن قيل لفظ اليمين يتناول قولنا والله من جهة عموم كونه حلفا لا من جهة خصوص قولنا والله بل لفظ اليمين صادق عليه وعلى قولنا والكعبة وحياتي ولعمري والدال على الأعم غير الدال على الأخص وغير مستلزم له فيكون كناية قلنا القائل أيمان المسلمين والأيمان نطق بصيغة العموم الشاملة لكل ما يصدق عليه يمين لأن اللام للعموم واسم الجنس إذا أضيف عم فكانت الصيغة متناولة لكل يمين مخصوصة فيكون صريحا أجمعنا على سقوط ما لم يشرع وما لم يشتهر عرفا بقينا في صفة العموم على مقتضى الأصل قال ابن يونس إذا قال أشد ما أخذ أحد على أحد ولا نية له وحنث طلق نساؤه وعتق عبيده ومشى إلى البيت وتصدق بثلث ماله فائدة قال صاحب كتاب الخصال الموجب للكفارة سبع وعشرون صيغة الله وبالله وتالله ولعمر الله ووالله ويعلم الله ووحق الله وأيم الله وباسم الله وبعزة الله وبكبرياء الله وقدرة الله وعظمة الله وأمانة الله وعهد الله وذمة الله وكفالة الله وميثاق الله وأشهد بالله وأعزم بالله واحلف بالله وعلي نذر لله وبالقرآن وبالمصحف وبما أنزل الله وبالتوراة وبالإنجيل والكناية ما هو متردد بين الموجب وغيره على السواء ففي الكتاب إذا قال أشهد أو أقسم أو أحلف أو أعز إن أراد بالله فهو يمين إلا فلا شيء عليه قال ابن يونس قال أصحابنا معاذ الله ليست يمينا إلا أن يريد اليمين وقيل معاذ الله وحاشا لله ليست يمينا مطلقا لأن المعاذ من العوذ ومحاشاة الله من التبرئة إليه فهما فعلان محدثان تمهيد لما تقدم أن أسماء الله تعالى كلها يجوز الحلف بها وتوجب الكفارة على تفصيل يأتي إما لدلالتها كلها على الذات أما من حيث هي هي وهو قولنا والله لأنه على الصحيح موضوع للذات من حيث هي هي علما عليها لجريان النعوت عليه فنقول الله الرحمان الرحيم وقيل للذات مع جملة الصفات وإما لدلالتها على الذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذاته تعالى نحو قولنا عليم أو وجودي منفصل عن الذات نحو خالق أو عدمي نحو قدوس ثم هو أربعة أقسام ما ورد السمع به ولا يوهم نقصاً نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا وما لم يرد السمع به وهو موهم فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع وما ورد السمع وهو موهم فيقتصر به على محله نحو ماكر وما لم يرد السمع به وهو غير موهم فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن ويجوز عند القاضي وقيل بالوقف نحو السيد قال أبو الطاهر فكل ما جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة وإلا فلا فتنزل الأقسام المتقدمة على هذه الفتيا وما يسمى صفة لله تعالى ثلاثة أقسام قديم ومحدث ومختلف فيه هل هو قديم أو محدث والمحدث قسمان وجودي نحو الخلق والرزق فلا يحلف به ولا يوجب كفارة وسلبي نحو الحلم والإمهال والعفو لأن الأولين تأخر العقوبة والثالث اسقاطها والظاهر أنه كالوجودي ولم أر فيه نقلا بخصوصه والقديم ثلاثة أقسام ما هو عائد إلى نفس الذات كالوجود والقدم والبقاء فيجوز الحلف به ويوجب الكفارة وما هو زائد على الذات وجودي وهو سبعة العلم والكلام والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر وما لحق بها مما في معناها وإن اختلف اللفظ كالأمانة والعهد واختلف في القدم والبقاء هل هما وجوديان أم لا وفي الوجه والعينيين واليدين هل ترجع إلى السبعة على حسب ما تقتضيه قاعدة التعبير في لغة العرب أو هي صفات وجودية لا نعلمها والأول الصحيح وما هو سلبي قسمان سلب نقص كسلب الجوهر والعرض عن ذاته وصفاته تعالى وسلب المشارك في الكمال وهو الوحدانية والظاهر انهما كالوجودي ولم أر فيها نقلا بخصوصها مفصلة والثالث الذي اختلف فيه هـ هو قديم أو محدث كالغضب والسخط والرضا والرحمة فإن حقائقها اللغوية مستحيلة عليه تعالى لكونها تغيرات في الأمزجة وهو تعالى منزه عن المزاج وتغيراته فحملها الشيخ أبو الحسن الأشعري على إرادة آثار هذه الأمور لكون المتصف بها من المحدثين يريد هذه الآثار عند قيام هذه المعاني به فتكون هذه الأمور قديمة في حقه تعالى وحملها القاضي أبو بكر على آثارها لكونها ملازمة لها غالبا فعبر عنها فالمراد بالرحمة الإحسان والغضب العقوبة فعلى هذا تكون محدثة فلا توجب كفارة قال ابن يونس الحالف برضا الله ورحمته وسخطه عليه كفارة واحدة وهذا يدل على أن الفتيا على مذهب الشيخ دون القاضي وبسط هذا كله في أصول الدين وإنما الفقيه يحتاج ها هنا إلى ما يوجب الكفارة وما لا يوجب وقد تلخص ذلك مستوعبا بفضل الله تعالى تنبيه الألف واللام في اللغة تكون للعهد فالقائل العلم والقدرة تنصرف إلى ما عهد الحلف به وهو القديم وأن اللفظ بعمومه يتناول المحدث والقديم وأما الإضافة فلم توضع للعهد وعلى هذا قال وعلم الله وقدرته وعزته اندرج فيه القديم والمحدث لأن اسم الجنس إذا أضيف عم والإضافة تكفي فيها أدنى نسبة كقول أحد حاملي الخشبة مثل طرفك والمحدثات تضاف إلى الله تعالى لأنه خلقها ولذلك قال كعب الأحبار في قوله تعالى ( فنفخنا فيه من روحنا ) التحريم 12 قال نفخ فيه روحا من أرواحه إشارة إلى أرواح الخلائق كلها وإن روح عيسى عليه السلام من جملتها قال صاحب تهذيب الطالب الحالف بعزة الله وعظمته وجلال الله يكفر كفارة واحدة وهو متجه في إيجاب الكفارة لا في الجواز أما الكفارة فلأن الصيغة للعموم فيندرج فيها القديم والمحدث وإذا اجتمع الموجب وغير الموجب وجب الحكم وأما الجواز فلاندراج ما لا يباح مع ما يباح إلا أن يقال غلب استعمال هذا اللفظ بخصوصه في القديم حتى صار منقولا له وما هو أيضا متجه وقال أشهب إن أراد بعزة الله وأمانته القديمة وجبت الكفارة أو المحدثة لم تجب وقد قال تعالى ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) الصافات 185 ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) النساء 85 والقديم لا يكون مربوبا ولا مأمورا به ولهذه المدارك قال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان منهما ما هو مختص به فهي صريحة في الحلف كقولنا والله والرحيم ومنها ما لا يختص به كالحكيم والرشيد والعزيز والقادر والمريد والعالم فهي كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لأجل التردد بين الموجب وغير الموجب كما انعقد الإجماع في الطلاق والظهار وغيرهما من أبواب الفقه وجوابهم أن ذكر هذه الأسماء في سياق الحلف اشتهر عادة يختص بالله تعالى فأذهب الإحتمال اللغوي النقل العرفي وأما في غير سياق الحلف فاللفظ متردد بين القديم والمحدث وهذا الجواب يستقيم في الأسماء التي جرت العادة بالحلف بها أما الحكيم والرشيد ونحوهما فلعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء الله ولم يشتهر الحلف بها وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ووافقنا جمهور الحنفية لكنهم خالفونا في الصفات فقالوا إن تعارف الناس بالحلف بها كانت يمينا وإلا فلا سواء كانت صفات الذات أو صفات الفعل فاشترطوا الشهرة دوننا وسووا بين الفعل وغيره 2
فرع في الكتاب القائل إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو بريء من الله ونحو ذلك ليس بيمين وليستغفر الله تعالى لأنه التزم انتهاك حرمة الله تعالى على تقدير ممكن واللائق بالعبد الإمتناع من ذلك مطلقا ووافقنا ابن حنبل في الإثم وأوجب عليه الكفارة لما يروى
عنه عليه السلام أنه سئل عن رجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الله أو من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث قال عليه كفارة يمين وقال الحنفية ليس بإثم وتجب عليه الكفارة لأنه معظم لله تعالى لأن المفهوم من ذكر هذه الأمور في هذا السياق شدة قبحها عند الحالف ولذلك جعل ملابستها مانعة له من الفعل لأن الموقوف على الممتنع ممتنع وإذا كان معظما لله تعالى وجبت الكفارة لتعظيمه بذكر اسمائه وجوابهم أن العبد لو قال لسيده إن لم أسرج الدابة فأنا أصفعك أو فسق بامرأتك لاستحق الأدب في العرف لذكر هذه القبائح لسيده بل ينبغي أن يقول لو عرضت علي هذه الأمور لا أفعلها ولو قطعت أو انطبقت السماء على الأرض فإذا قبح ذلك في حق المخلوقين فأولى في حق رب العالمين سلمنا أنه تعظيم لكن لا نسلم وجوب الكفارة فإن التسبيح والتهليل تعظيم اتفاقا ولا يوجب الكفارة فرع في الكتاب إذا قال لرجل اعزم عليك بالله إلا ما فعلت واسألك بالله لتفعلن فامتنع فلا شيء عليهما وقال الشافعي وقال ابن يونس إذا أقسم عليه ليفعلن فيحنث إذا لم يجبه الفصل الثاني فيما ينعقد والأيمان ثلاثة لغو وغموس ومنعقدة وفي الاستذكار في اللغو خمسة مذاهب أن يحلف على شيء يعتقده ثم يتبين له خلافه وهو مذهب الكتاب ووالله وبلى والله مما يغلب على الألسنة من غير قصد إلى اليمين وبه قال ش والقاضي إسماعيل منا وقال ابن حنبل بالمذهبين ويمين الغضب لابن عباس وفي الدارقطني قال عليه السلام لا يمين في غضب ولا طلاق ولا عتاق وهو ضعيف والحلف على المعصية فيتركها لسعيد بن جبير وتحريم المباح لابن عباس أيضا والغموس في الكتاب الحلف على تعمد الكذب قال ابن أبي زيد في الرسالة أو على الشك وهي أعظم من أن تكفر وقاله ح وابن حنبل وقال ش تكفر بطريق الأولى لأنها معصية والتكفير شأن المعاصي وجوابه أن كفارة الأيمان ليست لزوال الإثم لقوله عليه السلام ( فليكفر وليأت الذي هو خير والمأمور به لا يكون معصية بل هي تشريف بالتكليف والمعصية تنافي شرف المخاطبة وفتح باب القربة ولقوله تعالى ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) المائدة 89 والغموس لا تقبل الحل فلا تقبل العقد كما لا يقال للحائط أعمى لأنه لا يقال بصير قال ابن يونس وهي من الكبائر لأنها في الحديث معدودة منها والمنعقدة في الكتاب هي الحلف على إيجاد الفعل المستقبل أو عدمه بأسماء الله تعالى وصفاته العلى فهذه هي التي توجب الكفارة 1
الباب الثالث فيما يوجب تعدد الكفارة واتحادها
قال أبو الطاهر إذا قصد الحالف بتكرار يمينه تعدد الكفارات تعددت أو اتحادها اتحدت وإن لم يقصد والمعنى واحد واللفظ واحد أو متعدد اتحدت كالحلف بأسماء الله تعالى وان تعدد المعنى تعددت كالحلف بالصفات وان حلف على أشياء بالعطف وقصد اتحاد اليمين اتحدت وهل يقع الحنث ببعضها وهو المشهور أو بالجميع قولان وإذا أتى بلفظ يدل على التكرار تكررت الكفارة نحو كلما أو متى وإلا فلا تتكرر إلا أن يظهر ذلك من قصد الحالف كالحالف لا يترك الوتر أو لا يشرب الخمر بالمدينة النبوية لأن المقصود اجتناب ذلك في سائر الأوقات لشرف الوتر والمدينة بخلاف لا كلمت زيدا وقالت الحنفية إذا كرر الأسماء أو الاسم الواحد بغير عطف فكفارة واحدة لأن الثاني يجري مجرى الصفة للأول وبالعطف كفارتان لأن العطف يوجب التعدد ولذلك يجوز للحاكم تأكيد اليمين بغير عطف ولا يجوز بالعطف لأن المستحق على الخصم يمين واحدة وجوابهم أن العلماء اختلفوا في قوله تعالى ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) الليل 1 ونحوه هل الواو الثانية للعطف أو للقسم والصحيح عندهم انها حفظت بالعطف لا بالقسم لأن القسم بالشيء تعظيم له والانتقال عنه إلى القسم بغيره إعراض عنه والإعراض يأبى التعظيم وأما العطف عليه فتقدير له يجعل غيره تابعا له في معناه فيكون القسم واحدا وقعت فيه الشركة فالمتعدد متعلقة لأنها أقسام متعددة وإذا اتحد القسم اتحدت الكفارة ووافقنا ابن حنبل وفي الكتاب إذا قال علي عشر كفارات أو مواثيق أو نذور لزمه عدد ذلك كفارات قال اللخمي لأن النطق بالعدد يقتضي إرادته بخلاف التكرير فحمل على التأكيد وإن قال والعزيز وعزة الله فكفارتان قال ابن يونس قال محمد إذا حلف بعدة أسماء أو كرر اسما واحدا فكفارة واحدة قال ابن حبيب وكذلك تعدد الصفات لأنها ليست غير الذات وقيل بتعدد الكفارة لأن مفهوم القدرة غير مفهوم العلم والأسماء يعبر بها عن مسمى واحد وما امتنع اطلاق لفظ الغير إلا لأن الغير في اللغة هو الذي شأنه المفارقة بالزمان والمكان فاطلاق لفظ الغير عليها يوهم ذلك واطلاق الموهم ممنوع قال وينبغي التفصيل فما يرجع لمعنى واحد فكفارة واحدة كالعزة والجلال والعظمة وكالميثاق والعهد وكالقرآن والتوراة والإنجيل فإنها ترجع إلى صفة الكمال وإلا تعددت الكفارة قال اللخمي ولو قال والله ثم والله ثم والله فكفارة واحدة وأرى أنها ثلاث وقال ابن عبد الحكم بالتعدد في الواو مع واو القسم وفي الكتاب إذا حلف لا أجامعكن فجامع واحدة أو الجميع فكفارة واحدة لأن الكفارة لمخالفة اليمين وهي واحدة والقائل والله لا دخلت هذا الدار والله لا كلمت فلانا تعددت الكفارة لتعدد اليمين ولو كرر اليمين على شيء واحد في مجلس واحد أو مجالس فكفارة واحدة حتى ينوي التأسيس ولو كرر لفظ النذر تعددت الكفارة نوى أم لا قال ابن يونس قال محمد إذا قال علي ثلاث نذور فثلاث كفارات ولفرق بين تكرار الطلاق يحمل على الإنشاء دون التأكيد واليمين على التأكيد أن الطلاق مختلف فأولى بوجوب التحريم والثانية تقرب من الثلاث والثالثة تحريم إلا بعد زوج آخر ومعنى الإيمان واحد وهو إيجاب الكفارة وبين النذر واليمين أن أصل وضع اليمين لتأكيد المخبر عنه فلما كان أصلها للتأكيد حملت عليه عند عدم النية وموضوع النذر اللزوم فحمل على الإنشاء ومن حلف فقيل له يحنثك فحلف لا يحنث فكفارتان وإن حلف لا باع من فلان فقال له آخر وأنا فقال والله ولا أنت فكفارتان إن باع منهما أو من أحدهما فردها عليه فباعها من الثاني عند ابن القاسم ولو حلف لا باعها من فلان ولا من فلان فباعها منهما أو من أحدهما فكفارة واحدة وفي الكتاب والحالف لا يكلم فلانا ثم قال علي حجة أو عمرة أن كلمته فهما يمينان قال ابن يونس قال ابن القاسم وإن قال والله لا أكلمه غدا والله لا أكلمه بعد غد والله لا أكلمه غدا فكفارتان أن كلمة في اليومين وإن قال والله لا أكلمه غداً ولا أكلمه غدا ولا بعد غد فكلمه غدا فكفارتان لأنهما يمينان على متابينين وقد تناولا غدا فإن كلمه بعد غد فلا شيء عليه لأن اليمين انحلت بالغد لأنه جزء ما حلف عليه في اليمين الثاني وإن كلمة بعد غد فقط فكفارة واحدة ولا ينوي أنه أراد باليمين الثانية الأولى كمن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا فأنت طالق لا ينوي أنه أراد بالثانية الأولى ولو قال والله لا كلمتك غدا أو بعد غد ثم قال والله لا كلمتك غدا فكلمه غدا فكفارة واحدة لأن اليمين الأولى اقتضت مطلق أحدهما والثانية خصوص الثاني وقيدت ذلك المطلق والمطلق في ضمن المقيد فاجتمعا على شيء واحد بخلاف لو حلف لا يكلمه غدا ثم حلف أو بعد غد لأن المطلق في اليمين الأولى ليس محلوفا عليه والثانية منشئة للحلف فيه فلم يترادفا وفي الكتاب لو حلف لا يكلم زيدا عشرة أيام فكلمه فيها مرارا فكفارة واحدة وفي البيان إذا قلنا بالكفارة في الحلف بالقرآن فقال والقرآن والمصحف والكتاب فثلاث كفارات عند ابن القاسم لاختلاف المسميات وإن كان المعنى واحدا وهو الكلام القديم تمهيد يقع التداخل في الشريعة في ستة مواضع في الطهارات كالوضوء إذا تعددت أسبابه أو تكرر السبب الواحد والغسل إذا اختلفت أسبابه أو تكرر السبب الواحد والوضوء مع الجنابة وفي تداخل طهارة الحدث والخبث خلاف وفي العبادات كسجود السهو إذا تعددت أسبابه وتحية المسجد مع الفرض والعمرة مع الحج وفي الكفارات في الإيمان وكما لو أفطر في اليوم الواحد من رمضان مرارا بخلاف اليومين أو أكثر خلافا ل ح في إيجابه كفارة واحدة في جملة رمضان واختلف قوله في الرمضانين وفي الحدود إذا تماثلت وهي أولى بالتداخل لكونها مهلكة وفي لعدد على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى وفي الأموال كدية الأطراف مع النفس والصدقات في وطء الشبهات إذا تكرر الوطء فيالشبهة الواحدة ويدخل المتقدم في المتأخر كالأطراف مع النفس والمتأخر في المتقدم كوطء الشبهة والكثير في القليل كالأطراف مع النفس والقليل في الكثير كالأصبع مع النفس والوضوء مع الغسل والعمرة مع الحج 1
الباب الرابع في الاستثناء
وهو مأخوذ من الثني لأن المتكلم رجع إلى كلامه بعد مفارقته فأخرج بعضه كما يرجع نصف الثوب على نصفه وهو حقيقة في الإخراج بإلا وأخواتها ثم يطلق على قولنا إن شاء الله تعالى مجازا لأنه شرط مشروط والشرط ليس باستثناء والعلاقة بينهما أن الشرط مخرج من المشروط أحوال عدم الشرط فالشرط مخرج لبعض الأحوال والاستثناء لبعض الأشخاص ويدل على تسمية هذا الشرط استثناء قوله عليه السلام من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف ومراده ذلك فإن الاستثناء بإلا لا يبطل حكم اليمين إجماعا وهاهنا بحثان البحث الأول في الاستثناء الحقيقي وهو الاستثناء بإلا وغير وسوى وحاشا وخلا وليس ولا يكون ونحوها ولا بد من اتصاله بالكلام والنطق به على الفور عادة احترازا من العطاس أو السعال قبله بعد الكلام وفي المقدمات لا يقع الاستثناء بإلا من الأعداد وان اتصل ما لم يبن كلامه عليه نحو والله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما وكذلك أنت طالق ثلاثا إلا واحدة بخلاف العموم وبخلاف الاستثناء بمشيئة الله تعالى فإنه يكفي فيها الإتصال وإن لم يبن الكلام عليه ولا يدخل الاستثناء أيضا فيما نص عليه بالعطف نحو والله لأعطين زيدا أو عمرا أو خالدا إلا زيدا فإن فيه إبطال حكم زيد وهو منصوص عليه وبخلاف ما اندرج مع المخصوص ضمنا وقال القاضي يجوز عندنا استثناء شطر الشيء وأكثره والاستثناء عندنا من النفي إثبات ومن الإثبات نفي خلافا ل ح البحث الثاني في الاستثناء المجازي وفي الكتاب من حلف بأسماء الله تعالى أو بصفاته العلى أو نذر نذرا لا مخرج له وقال إن شاء الله فإن أراد الاستثناء انحلت يمينه أو التبرك لقوله تعالى ( ولا قولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ) الكهف 23 فيمينه منعقدة ويكفي حدوث القصد إليه بعد اللفظ إذا وصله باليمين وإلا فلا ولا تكفي فيه النية بل لا بد من التلفظ وفي أبي داود قال عليه السلام من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث وفي الجلاب إن قطعه بسعال أو عطاس أو تثاؤب لم يضره ووافقنا الأمة على وجوب الاتصال وعن ابن حنبل أيضا يجوز الانفصال ما لم يطل وقال بعض أصحابه ما دام في المجلس لما في أبي داود قال عليه السلام والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله وجوابه أنه أدب لأجل اليمين لقوله تعالى ( واذكر ربك إذا نسيت ) الكهف 24 قواعد كل متكلم له عرف يحمل لفظه على عرفه في الشرعيات والمعاملات والإقرارات وسائر التصرفات والشرع له في الحلف نوعى شرع له واختص به فهو عرفه وهو الحلف بالله تعالى وصفاته العلى فيختص قوله عليه السلام من حلف واستثنى به ولا يتعدى إلى الطلاق والعتاق والنذور خلافا ل ش فالاستثناء جعله الشرع سببا حالا لليمين والأصل عدم نصبه سببا لحل غيره وسلامة غيره عن الحل والنقض والنذر الذي لا مخرج له كفارته كفارة يمين فلذلك سوي باليمين ولم تكف النية لأن المنصوب سببا للحل إنما هو هذا اللفظ ولم يوجد والقصد إلى الأسباب الشرعية لا يقوم مقامها والنية إنما نصبت سببا في التخصيص والتقييد فيما لم يبق الكلام عليه فلا جرم يستقل بهما قال اللخمي الإستثناء يصح بمشيئة الله تعالى أو آدمي حي أو ميت والمجمع عليه ما فيه النطق والنسق والنية قبل اليمين أو في موضع لو سكت لم تنعقد اليمين وعلى القول بانعقاد اليمين بمجرد النية يصح الإستثناء بالنية وقال محمد كل ما فيه إن شاء الله تعالى أو إلا أن يشاء الله وإلا نحو لقيت القوم وينوي في نفسه إلا فلانا فهذه الثلاثة لا يجزئ فيها إلا تحريك اللسان وقيل يكفي قي ( إلا ) النية بخلاف الآخرين ولم تختلف أن المحاشاة تكفي فيها النية وهي الإخراج قبل اليمين وقال محمد لا بد من نية الإستثناء قبل حرف من اليمين لأنه لو سكت حينئذ لم تنعقد أما بعد الإتمام لا يمكن رفع المنعقد والبحث معه هل الإستثناء راجع للسبب المنعقد وهو المذهب وإنما نصبه الشرع مانعا من الإنعقاد وظاهر كلام الشرع في قوله ( من حلف ) كمال الحلف فظاهر الحديث مع ظاهر المذهب قال ابن يونس قوله إلا أن يقضي الله أو يريد الله كقوله يشاء الله وفي البيان قال ابن القاسم إذا قال إلا أن يقضي الله تعالى غير ذلك ليس استثناء لأن هذا معلوم من اليمين قبل قوله خرج لفظ المشيئة فالدليل نفي بقية ألفاظ القضاء والقدر على الأصل وقال عيسى هو ثنيا للمساواة في المعنى وكذلك إلا أن يرني الله غير ذلك وفرق اصبغ بينهما فمنع الأخير وهذا يجب أن يرجع إلى الخلاف في الأسباب الشرعية هل القياس عليهما إذا عقل معناها أم لا كما قيل في قياس النبش على السرقة واللواط على الزنا وفي الجواهر اختلف الأصحاب هل الإستثناء حل لليمين وهو قول القاضي وفقهاء الأمصار أو بدل من الكفارة وهو قول ابن القاسم ويعضد الأول ظاهر الحديث وأن انتفاء الحكم الذي هو الكفارة لانتفاء سببه أولى من انتفاءه لقيام مانعه ويعضد الثاني أن الأصل عدم إيجاب اليمين للكفارة وحيث اشترطنا النطق فيكفي فيه تحريك شفتيه من غير جهر إلا المستحلف لا بد من جهره ولا بد من الإستثناء من قصد حال اليمين أو التفويض إلى مشيئة الله تعالى 1
الباب الخامس في مدارك البر والحنث
وهي أربعة عشر مدركا المدرك الأول النية واعلم أن الحنث في اللغة لفظ مشترك بين الإثم ومنه بلغ الصبي الحنث أي زمانا يكتب عليه الإثم وبين المخالفة لليمين قال الجوهري والبر في اللغة ضد العقوق ومنه بر الوالدين أي موافقتهما فالموافق لمقتضى اليمين بار والمخالف حانث سواء كان آثما أم لا قال الجوهري وللبر لفظان لا فعلت وإن فعلت ويجمعهما التزام عدم الفعل وللحنث لفظان إن لم أفعل ولأفعلن ويجمعهما التزام وجود الفعل فهو الآن على خلاف مقتضى اليمين بخلاف الأول فلذلك قيل له هو على حنث إلا أن يضرب أجلا فهو على بر لأنه إنما التزم أن لا يخلي ذلك الزمان من الفعل ولم يتعين خلوه إلا بمضي الزمان وفي الجواهر النية تقيد المطلقات وتخصص العمومات إذا صلح لها اللفظ كانت مطابقة له أو زائدة فيه أو ناقصة منه قال الخمي هي ثلاثة أقسام إن كانت في الطلاق أو العتاق وأحلفه الطالب لم يصدق في بينة وقضي بالظاهر فإن لم تكن عليه بينة أو يمينه مما لا يقضى بها فهل هي على نية الطالب أو الحالف قولان وإن تطوع باليمين وكان له التخلص بغيرها فله نيته وقيل على نية الطالب وإن دفع بها ظلما فله نيته وإن حلف بالحرام على قضاء حق قال مالك لا تنفعه محاشاة زوجته قال ابن القاسم وسواء استحلفه الطالب وضيق عليه حتى بدر باليمين وإن حلف بها ابتداء من غير طلب ولا إلجاء فله نيته وروي عن مالك تنفعه المحاشاة في الحرم وإن كان مستحلفا للخلاف في الحرام بخلاف غيره قال أبو الطاهر إذا لم تحضره بينة ففي ظاهر المذهب قولان والصحيح قبولها إذا ظهر لها محمل وإن احتملها اللفظ على قرب قبلت إن لم تقم بينة قولا واحدا وإلا قضى بمقتضى اللفظ حيث وجد قال صاحب الإكمال لا خلاف أن المستحلف في حق يقضى عليه بظاهر يمينه فأما بينه وبين الله تعالى ففي حنثه أقوال قال مالك وابن القاسم الحلف على نية المستحلف وقيل على نية المحلوف له مطلقا استحلف أم لا وقيل على نية الحالف وقيل عكس قول مالك للمستحلف نيته والمتطوع على نية المحلوف له وقيل ينفعه فيما لا يقضى عليه ويفترق المتطوع وغيره فيما يقضى به وهو مروي عن ابن القاسم أيضا قاعدة يجوز عندنا التقييد والتخصيص في مدلول اللفظ المطابقي والتضميني والإلتزامي وقاله ش وقال ح لا يجوز في الإلتزامي ويتخرج على الخلاف في الحالف لا آكل فيجوز له عندنا تخصيصه أو تقييده إن قيل بعدم العموم ببعض الماكولات فلا يحنث بما سواه وعنده لا يجوز لأن الفعل إنما يدل على المأكولات التزاما فيحنث عنده بجملة المأكولات ولا تنفعه النية لنا مدركان أحدهما قوله تعالى ( لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ) يوسف 66 فأخرج حالة الإحاطة من الحالات التي لم يدل عليها اللفظ إلا التزاما فكذلك يصح الإخراج بالنية لبعض المفاعيل والأزمنة والبقاع بجامع احتياج المكلف إلى تمييز موضع المصلحة وكلاهما إخراج الثاني ووافقنا على ما إذا قال لا آكل أكلا إن النية تنفعه والأكل إنما يدل على المأكولات التزاما وهو بعينه المراد بالفعل تنبيه يسأل الحالف باللفظ العام فإن قال أردت بعض أنواعه لا يلتفت لنيته ويعتبر عموم لفظه لأن هذه النية مؤكدة للفظ في ذلك النوع غير صارفة له على بقية الأنواع ومن شرط النية المخصصة أن تكون صارفة فإن قال أردت إخراج ما عدا هذا النوع حملت يمينه على ما بقي بعد الإخراج ومن شرط النية المخصصة أن تكون منافية لمقتضى اللفظ بخلاف المقيدة وقاله الأئمة وهذا مقام لا يحققه أكثر مفتي العصر المدرك الثاني السبب المنير لليمين ويسمى البساط وفي الجواهر هو عندن معتبر في تخصيص اللفظ لبعض معانيه وتعميمه فيما هو أهم من مسمى اللفظ نحو قول الحالف لا شربت لك ماء من عطش عقيب كلام يقتضى المنة فإنا نحمله على عموم ما فيه منة لأجل السبب المؤثر لليمين وقاله ابن حنبل خلافا ل ش وح لنا إن اللفظ بعد انضمامه للسبب يصير ظاهرا فيما ذكرناه فيحمل عليه كالعرف مع اللفظ بجامع موجب الظهور ولقوله تعالى ( ولا تظلمون فتيلا ) النساء 77 ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزلة 7 والمراد العموم فالتنبيه ببعض أنواع الشيء أو إفراده عليه كلام عرفي معلوم وقرينة تقديم السبب تصيره نصا أو ظاهرا في ذلك المعنى يستغنى بظهوره عن النية كسائر الظواهر وتمسك بعض الأصحاب بتخريجه على خلاف العلماء في ورود الخطاب عقيب السبب هل يحمل عليه أم لا وهو غير مستقيم لأن الخلاف ثمة إنما هو هل يختص بالسبب أو ينظر إلى عموم اللفظ أما تعميم الحكم فيما هو أعم من اللفظ فلم يقل به أحد ثمة فلا يستقيم التخريج تفريع في الكتاب لو من عليه بهبة فحلف لا يأكل من لبنها ولا لحمها حنث بما اشترى من ثمنها أكلا أو لباسا بخلاف غير ثمنها إلا أن يكون نوى أن لا ينتفع منه بشيء المدرك الثالث العرف وهو قسمان فعلي وقولي والقولي قسمان في المفردات والمركبات وعرف المفردات قسمان في بعض أفراد الحقيقة اللغوية وأجنبي منها فالفعلي هو غلبة ملابسة بعض أنواع مسمى اللفظ وهو غير مقدم على اللغة ولا معارض للوضع كما لو حلف الملك لا يأكل خبزا وعادته أكل الحوارى ولا نية له فإنه يحنث بالجريش لأن اللفظ لم يختص بالحوارى والأصل اعتبار اللغة والقولي في بعض أفراد الحقيقة كلفظ الدابة غلب استعماله في الحمار حتى صار لا يفهم من اللفظ غيره وكذلك الصلاة وسائر العبادات واصطلاحات أرباب العلوم والصناعات والأجنبي من الحقيقة نحو لفظ الغائط فإنه المكان المطمئن وغلب استعماله في الفضلة الخارجة من الإنسان وهي ليست بعض المواضع المطمئنة وعرف المركبات كغلبة استعمال مركب مخصوص ومعنى مخصوص في سياق مخصوص حتى يصير أشهر فيه مما لا تقتضيه لغة كقول القائل لغريمه لأقضينك في رأس الشهر في قصد عدم التأخير عن هذه الغاية دون التأخير إلى رأس الشهر وقول القائل لامرأته والله لا كسوتك في إرادة التضييق دون خصوص الكسوة حتى يحنث بدفع الدراهم إليها وهذا القسم من العرف غير بساط اليمين فإن البساط حالة تتقدم الحلف تختلف في صوره وهذا العرف يعلمه من نفس اللفظ المركب مع الجهل بالحالة كيف كانت فالعرف القولي كله مقدم على اللغة لأنه عليه استعمال اللفظ في غير المسمى اللغوي فهو ناسخ اللغة والناسخ مقدم على المنسوخ بخلاف الفعلي ليس معارضا للفظ النية ففرق بين غلبة استعمال اللفظ في غير مسماه وبين غلبة ملابسة بعض أنواع مسماه فتفطن لهذه المدارك فهي حسنة تفريع في الكتاب الحالف ليقضينه حقه غدا فقضاه اليوم بر خلافا ل ش قال ابن يونس قال مالك لو سأله قرض خمسة عشر فحلف ليس معه إلا عشرة فوجدها تسعة لا يحنث لأن المقصود في العادة ليس معنا إلا عشرة فما دون ولو وجدها أحد عشر حنث قال ابن القاسم الحالف لا يبيع بمائة دينار يزاد للمائة دينار وللخمسين نصف دينار إلا أن تكون له نية وقال ابن عبد الحكم يبر بأقل من ربع دينار وفي الكتاب الحالف لا يكسو زيدا أو امرأته فأعطاه أو إياها ما اشترى به ثوبا حنث وإن افتك ثيابها من الرهن حنث ثم عرضتها عليه فقال امحها وأرى أن لا يحنث إن واشرا ثوب أوهبه ولا حنث نظائر الممحوات في الكتاب أربعة هذه وإذا ولدت الأضحية فحسن أن يذبح معها ولدها وإن أبى لم أر ذلك عليه ثم قال امحها واترك إن ذبح فحسن قال ابن القاسم ولا أرى ذلك عليه واجبا ولا يجوز نكاح المريض والمريضة ويفسخ وإن دخلا وكان يقول لا يثبت وإن صحا فمحاه وقال يثبت وإذا سرق ولا يمين له أو له يمين شلاء قال تقطع رجله اليسرى ثم قال امحها بل يده اليسرى وبالأول قال ابن القاسم قال والحالف لا يهب لأجنبي أو امرأته دنانير فيكسوهما أو يعطي الرجل فرسا أو عرضا يحنث لأن المقصود بهذا في العادة تجنب النفع فإن نوى الدنانير دون غيرها نوي في الزوجة دون الرجل لأن العادة كراهة دفع الذهب للنساء لسوء نظرهن قال ابن يونس ينوى عندي في الرجل كالمرأة إذا علم من حاله سوء نظره في الذهب قال أبو محمد إنما يعني في الزوجة غير الثياب اللازمة أما اللازمة فلا يحنث وفي البيان الحالف ليوفينه حقه بموضع كذا فلم يجده قال ابن القاسم لا شيء عليه المدرك الرابع مقتضى اللفظة لغة في الجواهر المشهور ترتيب هذه المدارك في الاعتبار على ما تقدم إن فقدت النية فالبساط فإن فقد فالعرف فإن فقد فاللغة وقال ش وح وقال أبو الطاهر إن فقدت النية والبساط فهل يحمل اللفظ على اللغة أو العرف أو مقتضاه شرعا إن وجد ثلاثة أقوال قال أبو الوليد هذا في المظنون أما المعلوم كقوله والله لأرينه النجوم بالنهار ونحوه فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة دون الحقيقة قال اللخمي إذا اجتمع البساط والعادة واللغة قيل يحمل على اللغة دون البساط والعادة وقيل على البساط دون العادة وقيل عليهما تفريع على هذا المدرك في الكتاب الحالف لا يلبس ثياب فلان ولا يسكن داره ولا يأكل طعامه فاشترى ذلك منه وفعل ما حلف عليه لا يحنث إلا أن يكره تلك الأشياء لمعان فيها وإن انتقلت إليه بالهبة دون الصدقة ففعل فيها ذلك حنث إن كان الحلف لدفع المنة ولو أطعم المحلوف ولد الحالف خبزا فأكل منه الأب غير عالم حنث وفي النكت قال بعض القرويين إن كان الأب موسرا له رد ما وهب للصبي حنث وإلا فلا وهو معنى قول مالك والعبد والولد سواء إلا أن يكون على العبد دين فليس له رد ما وهب له قال التونسي ولم يفرق مالك ولعله أراد أن ذلك يسير للأب رده أما ماله بال لا يقدر على رده فلا ينبغي الحنث وإن حلف لا ينتفع بشيء من مال فلان فأطعم فلان ولد الحالف فإن كان يسيرا لا يدفع عنه مؤنة ابنه لم يحنث وإلا حنث قال ابن يونس قال سحنون يحنث بالولد دون الأب ولم يفصل قال مالك والحالف بالطلاق لا يأكل طعام فلان فاشتريا طعاما فأكلاه يحلف ما أراد إلا طعاما خالصا ولا شيء عليه قال اصبغ لا يحنث إذا أكل مثل طعامه فأقل وفي الكتاب الحالف لزوجته لا تخرج إلا بإذنه فأذن لها في سفر أو حيث لا تسمعه وأشهد فخرجت بعد إذنه وقيل علمها بإذنه فإنه حانث خلافا ل ش لأنها خرجت بداعيتها لا بإذنه والحالف لا يأذن لها إلا في عيادة مريض فخرجت بإذنه ثم مضت إلى حاجة أخرى لم يحنث لأن ذلك بغير إذنه إلا أن يتركها بعد علمه وقال ش إذا قال لها إن خرجت بغير إذني فأنت طالق فخرجت مرة بإذنه انحلت اليمين فإن خرجت بعد ذلك بغير إذنه لم يحنث خلافا ل ش ول ح لنا أن اليمين لا تحل إلا بالحنث ولم يحنث قاعدة الإستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي لغة ومقتضى ذلك أن الحالف حلف على أمرين الإثبات والنفي فيكون معنى قوله لا آذن لك إلا في عيادة مريض والله لا تخرجين للمريض إلا بإذني والله لا آذن لك في غيرها فإن خرجت لمريض بغير إذنه حنث وكذلك إذا قال والله لا لبست ثوبا إلا الكتان ينبغي أن يحنث إذا لم يلبس الكتان وقعد عريانا وبه قال الشافعية خلافا لنا قال صاحب القبس في كتاب الصلاة منه حلف شخص بالبيت المقدس لا لعبت معك شطرنجا إلا هذا الدست فجاء رجل فخبط عليهم ذلك الدست قال اختلفت فتاوى الفقهاء فيه حينئذ فأفتى بعض الشافعية بعدم حنثه وأفتى غيرهم بحنثه واجتمعت بعد ذلك بالطرطوشي فأفتى بعدم الحنث حجتنا من وجوه الأول إن هذا استثناء إثبات من الحلف لا من المحلوف عليه فيكون الكتان غير محلوف عليه فلا يحنث ويؤكده أن قبل النطق بالا كان حكم اليمين متقررا فقد تقدم قبلها أمران حكم اليمين وكونه محلوفا عليه فليس صرف الاستثناء إلى عدم اللبس بأولى من صرفه إلى الحلف بل الحلف أولى لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة الثاني سلمنا أنه استثناء من نفي وهو عدم اللبس فيكون مخبرا عن اللبس فيما بعد إلا لكن لا يلزم أن يكون محلوفا عليه لأن الأصل عدم تعلق اليمين بأكثر من واحد الثالث قدمنا أنه يقتضى في اللغة أن ما بعد إلا محلوف عليه لكا إذا لم لكن إلا بمعنى غير وسواء فإنها تستعمل بمعناها لقوله تعالى ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء 22 أي غير الله وعلى هذا التقدير يكون المحلوف عليه هو اللبس الموصوف بكونه مغايرا للكتان والكتان ليس داخلا فيه الرابع سلمنا أنها ليست لصفة لكن العرف اقتضى أن ما بعدها ليس محلوفا عليه فإنه لا يفهم عرفا إلا ذلك والعرف مقدم على اللغة تفريع قال اللخمي قال محمد الحالف لا خرجت بإذني ثم قال اخرجي حيث شئت فخرجت لم يحنث وإن قال لا خرجت لموضع إلا بإذني ثم قال اخرجي حيث شئت فخرجت حنث وقيل هو كالأول وإن أذن لها ولم تخرج حتى منعها حنث قال مالك وإن خرجت ثم رجعت لحاجتها ثم خرجت لم يحنث وإن رجعت رفضا لخروجها حنث وقال ابن القاسم هو حانث ولم يفرق قال ابن حبيب إن لم تبلغ الموضع الذي خرجت إليه لم يحنث والأحنث وإن حلف لا خرجت إلا بإذني فرآها تخرج ولم يمنعها حنث وإن حلف لا أذنت لك فرآها ولم يمنعها فإن أراد منعها من الخروج حنث وإن حلف لا خرجت إلا لعيادة مريض بإذنه فخرجت لغير مريض أو لمريض بغير إذنه حنث قال ابن القاسم القائل أنت طالق إن خرجت إلى أهلك فخرجت ولم تبلغ أهلها حتى ردها حنث لأنها قد خرجت لهذا الغرض
تفاريع اثنا عشر
الأول في الكتاب الحالف لا يلبس هذا الثوب فيقطعه قباء أو قميصا أو غيره يحنث بلبسه إلا أن يكرهه لضيقه وإن اتزر به أو لف به رأسه أو جعله على منكبه حنث ولو جعله في الليل على فرجه ولم يعلم لم يحنث لأن هذا ليس لبسا قال ابن يونس من سما أشهب إن حلف أن لا يضطجع على فراش ففتقه والتحف والتف به حنث إلا أن يكرهه لحشوه
الثاني في الكتاب الحالف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده يحنث إذا لو اشترى العبد من يعتق على سيده عتق وقال أشهب لا يحنث
الثالث في الكتاب إن الحالف لا ثوب له وله ثوب مرهون فحنث كان فيه فضل أم لا وإن حلف ليعلمنه أو ليخبرنه بكذا فعلماه جميعا لم يبر حتى أسره المسر لآخر ثم ذكره الآخر للحالف فقال له ما حسبت أنه أسره إلى غيري حنث والحالف لا يتكفل بالمال يحنث بالكفالة بالنفس لأنها كفالة بالمال إلا أن يشترط عدم المال لا يحنث والحالف لا يتكفل لفلان فتكفل لوكيله ولم يعلم أنه وكيله لم يحنث والحالف ليضربن عبده مائة سوط فيجمعها ويضربه بها ضربة واحدة لم يبر وقاله ابن حنبل خلافا ل ش وح لأنه ضرب بمائة سوط ولم يضربه مائة سوط وكذلك لو ضربه بسوط له رأسان خمسين أو ضربه ضربا غير مؤلم لأن العرف يفرق بين الضرب والمس بالإيلام
الرابع في الكتاب الحالف ليقضينه حقه إلى أجل فقضاه فوجد فيه نقصا بينا أو دانقا لا يجوز واستحق من يده فطالبه بعد الأجل حنث والحالف لا يفارقه إلا بحقه فأحاله ثم وجد فيه ما ذكرناه بعد المفارقة يحنث ولو أعطاه عرضا يساويه بر ثم استثقله مالك وبالأول قال ابن القاسم والحالف لا يفارقه إلا بحقه ففر منه أو أفلت حنث إلا أن يكون معنى قوله لا أتركه إلا أن يفر أو أغلب عليه
الخامس في الجواهر الحالف لا يفارق غريمة إلا بحقه لا يبر بالكفيل والرهن والحوالة والحالف لا يفارقه إلا بنفقة يبر بالثلاثة والحالف لا يفارقه وبينه وبينه معاملة يبر بالحوالة دون الكفيل والرهن
السادس قال ابن يونس الحالف ليبيعن عبده إلى أجل فباعه قبل الأجل فرد بعيب ففي تحنيثه أقوال ثالثها التفرقة بين علمه بالعيب فيحنث أو عدم علمه فلا يحنث وقال عبد الملك الحالف لا ينفعه ما عاش فمات فكفنه حنث لأن الكفن من توابع الحياة وكذلك لو حلف لا يدخل عليه ما عاش خلافا لسحنون ولو حلف لا ينفعه فنفع بنهي عن شتمه لا يحنث لأنه دفع ضرر لا تحصيل نفع بخلاف ما لو خلصه من يد خصمه قال محمد ولو أوصى به بوصية ثم رجع عنها حنث
السابع في الكتاب الحالف لامرأته لا قبلتك أو ضاجعتك فقبلته من ورائه أو ضاجعته نائما لا يحنث إلا أن يسترخي للقبلة والحالف لا قبلتني أو ضاجعتني يحننث مطلقا
الثامن في الحالف ليقضينه رأس الشهر أو عند رأس الشهر او إذا استهل فله يوم وليلة أول الشهر وإن قال إلى رمضان أو إلى استهلاله حنث بمجرد الاستهلال ولم يبر بهبة الحق أو إسقاطه صدقة أو صلة لأنه ليس نقصا وإن مات رب الحق قبل الأجل دفعه لورثته أو وصية أو رق للسلطان قبل الأجل والحالف لا يهبه يحنث بالصدقة والعارية ونحوهما إلا أن تكون له نية قال ابن يونس قال التونسي حنثه بالاستهلال ولم ير ذلك في المساكنة وكان يجب أن يكون القضاء موسعا ما دام يسمى هلالا وهو ليلتان وقيل في قوله لأقضينك في آخر الشهر أنه في عشر أيام منه والحالف ليقضينه بكرة أو غدوة ففيما بينه وبين نصف النهار وقيل في بكرة يعجل قبل ذلك قال ابن القاسم وإذا لم يقل إلى شعبان بل ذكر اللام أو عند أو لدى فله ليلة يهل الهلال أو يومه وإن قال إلى انسلاخه فبالغروب أو عند انسلاخه أو في انسلاخه وإذا انسلخ فليلة ويوم وفي انقضائه أو في آخره هو كانسلاخه وروي عن مالك أن الانسلاخ والاستهلال أو رؤيته كل ذلك يوم وليلة قال ابن القاسم ولأقضينك في رمضان لا يحنث إلا بغروب الشمس من آخره قال أشهب فإن قال نصفه فأربعة عشر يوما لاحتمال نقصه فإن قضي يوم خمسة عشر حنث وقيل لا شيء عليه لأنه النصف المعتاد وقاله أشهب أيضا قال صاحب البيان قال ابن القاسم الحالف ليقضينه في انسلاخ الهلال أو إلى استهلال الهلال أو إلى رؤية الهلال أو إلى رمضان أو في آخره أو في انقضائه أو إلى دخول الهلال أو عند آخر الهلال أو إلى ذهاب الهلال أو إلى رأس الهلال أو في رمضان وهو فيه أو إلى حلول رمضان حنث في جميع ذلك إذا غربت الشمس ولو قال حين محله أو مجيئه أو لمجيئه أو إلى مجيئه فكذلك ولو قال حين ينقضي أو حين يستهل أو حين يذهب أو إذا استهل أو عند رؤية الهلال أو إذا ريء الهلال أو في رؤية الهلال أو عند قضاء رمضان أو إذا دخل رمضان فله يوم وليلة فهي نحو خمسين صيغة تختلف بحسب اللغة يحنث فيها بغروب الشمس سواء سمى معها آخر شعبان أو أول رمضان وإذا لم يذكر إلى فما اقتضى الفعل قبل تمام شعبان فكذلك أو بعد تمامه فله يوم وليلة من أول رمضان ومنها ما هو بين ومنها ما هو مشكل نحو قولك لحلول رمضان فحنث بغروب الشمس بخلاف لمجيئه ولرؤيته له يوم وليلة قال وما بينهما فرق ونحو قوله عند آخر الهلال يحنث بغروب الشمس وعند انسلاخ الهلال له يوم وليلة وجعل ابن كنانة فيما جعل فيه ابن القاسم يوما وليلة من الغروب إلى الضحى حتى تقوم الأسواق ويشهد الناس على حقوقهم قال ابن القاسم الحالف ضحى لا يكلمه يوما يكف عن كلامه إلى مثل ذلك الوقت ولو قال أياما أمسك ذلك العدد إلى ذلك الحين وقيل يكفي بقية ذلك اليوم والحالف بالنهار لا يكلمه ليلا أو بالليل لا يكلمه نهارا لم يكن عليه الإمساك بقية يومه أو ليلته ولسحنون في الحالف لا يكلمه ليلة يكمل على بقية ليلته وأوله بهذه الليلة ويلزمه ذلك في اليوم وال فيه لا بد من النهار والليلة جنوحا إلى القول بأن الليل من الطلوع إلى الطلوع ومن الغروب إلى الغروب وهو مخالف لقوله تعالى ( سخرنا عليهم سبع ليال وثمانية أيام ) الحافة 7 بل متى حلف لا يكلمه ليلا اجتنب الليل أبدا أو نهارا اجتنب النهار أبدا إلا أن ينوي التخصيص وإذا حلف ليفعلن قبل البيات قال ابن القاسم هو إلى ثلث الليل الأول لأنه المقصود عادة وقال أصبغ إلى غروب الشمس نظرا إلى اللغة وإن حلف نهارا فإلى هدو الناس إن حلف عشاء قال والصواب إلى نصف الليل لأن الرجل لا يكون بائتا في المكان إلا إذا أقام أكثر من نصف الليل ولذلك يسأل اين تبيت إذا لقي قبل نصف الليل ويقال له بعد أين بت
التاسع في البيان المحالف لا يشتري أكثر من عشرة فاشترى هو وشركاؤه ثلاثين قال ابن القاسم لا يحنث إذا قاسمهم فحصل له عشر فأقل وإلا حنث والحالف لا يأكل ديكا لا يحنث بالدجاج وبالعكس يحنث لأن الديك أخص من الدجاج أو لا يركب فرسا حنث بالبرذون بخلاف العكس والحالف لا يأخذ منه درهما فأخذ ثوبا فيه دراهم لا يعلم بها حنث عند ابن القاسم لوجود الأخذ خلافا لأصبع ويأتي فيه قول ثالث من السرقة إن كان شأنه وضع الدراهم فيه حنث وإلا فلا والحالف لا يدخل بيت فلان أبدا فمات فلا يدخله حتى يدفن لبقاء صدق الإضافة والحالف ليقضينه في الربيع أو في الصيف أو الخريف أو الشتاء قال ابن القاسم الربيع قبل نزول الشمس الحمل بنصف شهر وتكمل له ثلاثة أشهر ثم يبتدئ الصيف ثم بقية الفصول كذلك وقال ابن حبيب الربيع قبل نزول الشمس الحمل بشهر ثم تترتب الفصول على ذلك لكل فصل ثلاثة أشهر شمسية قال وهو أعدل من القول الأول لأن الربيع يرجع إلى اعتدال الهواء وآخر كل فصل شبيه بما يليه في الحر والبرد قال ابن القاسم وإن حلف إلى الحصاد لا يحنث بآخره لأن الغاية تدخل في المغيا والحالف لا يدخل حتى يأكل زيد أو لا يبيع حتى يبيع ففعلا ذلك معا حنث لأن الغاية شأنها التأخير قال أبو الطاهر الحالف ليفعلن في العيد أو إلى العيد قيل تدخل ليلة العيد لأن الليل سابق النهار وقيل له صلاة العيد والانصراف منه وفي انتهاء العيد ثلاثة أقوال بانقضاء يومه بانقضاء ثلاثة أيام التفرقة بين الأضحى فله ثلاثة أيام وبين الفطر فينقضي بانقضاء يومه
العاشر قال صاحب البيان إذا حلف عبد ليقضين غريمه إلى أجل فقضاه قبله من عين سيده أو سرقة من ماله إن علم السيد قبل الأجل فأنكر لم يبر بهذا القضاء وإلا بر وإن لم يعلم إلا بعد الأجل فثلاثة أقوال الحنث لابن القاسم أجاز السيد أم لا وهو ظاهر الكتاب فيما إذا استحق ما قضى لأنه وإن أجاز فهو بعد الأجل وعكسه لأشهب لحصول القضاء في الأجل والتفرقة لابن كنانة بين إجازة السيد فيبرأ وإلا فلا وهذا إنما هو إذا قامت بينه على عين النقد أما إذا لم تقم بينه أو قامت وقلنا النقدان لا يتعينان بر العبد ورجع السيد على عبده أو غريمه
الحادي عشر قال ابن يونس قال ابن القاسم الحالف لأقضينك غدا يوم الجمعة أو يوم الجمعة غدا أو ذلك ظنه وظهر يوم الخميس إن لم يقص فيه حنث لأنه التزم المشار إليه وإن قال عند صلاة الظهر فإلى آخر القامة فإن قال قبل أن اصلي فإلى انصراف الناس من الجامع وإن لم يصل هو فإن لم يكن لهم مسجد جماعة فإلى آخر الوقت قال ابن حبيب إذا وهب له لحق قبل الأجل أو تصدق به عليه فقبله حنث ولا ينفعه القضاء قبل الأجل فإن لم يقبله وقضاه بر ولا قيام له بالهبة أو الصدقة إلا أن لا يظهر منه رد ولا قبول وإن ورثه الحالف لا يحنث لأنه مكروه واستحسن في العتبية أن يقضيه الإمام ثم يرده عليه قال محمد ولو حلف ليقضينه حقه أو ليرهننه فقضاه النصف ورهن النصف بر ولو حلف ليقضينه أو يرهننه داره فقضاه النصف ورهن نصف داره حنث لأنه أولا حلف على مسمى القضاء أو الرهن من غير تقييد وقد فعل وثانيا التزم الرهن في جملة الدار بدلا عن القضاء ولم يقض جملة الحق ولا فعل بدله وإذا غاب الطالب واحتجب عنه السلطان أو خشي من طلبه فوات الأجل أو كان بقرية ليس فيها سلطان دفعه إلى عدول وأشهد على ذلك قاله في الكتاب خلافا لسحنون وقاله مالك أيضا إن لم يجد سلطانا مأمونا ودفع إلى ثقة من أهل الطالب أو وكيل ضيعته أو إلى أخيه بر ولكنه يضمنه إلى وصوله إلى ربه وقيل إن دفع لبعض الناس من غير عذر بر قال مالك وإن دفعها إلى الإمام يأكلها عالما بذلك ضمن وإن لم يعلم فلا ولا يحلف فال ابن حبيب فإن غاب الحالف وأراد بعض أهله تخليصه من الحنث بالدفع من ماله أو من مال نفسه لم يبر إلا أن يوصي بذلك قبل الأجل قال ابن القاسم وكذلك وكيله على البيع والشراء لا يبرأ بدفعه إليه إلا أن يأذن له قال ابن حبيب وإن جن الحالف قبل الأجل قضى عنه الإمام وبريء لأنه وكيل المحجور عليهم فإن لم يفعل حتى مضى الأجل لم يحنث قياسا على عدم انعقاد يمينه وحنثه أصبغ نظرا إلى انعقاد السبب حالة التكليف وهو اليمين قال ابن القاسم فلو كان الحق عبدا فاستحق أو ظهر البيع حراما أورد بالعيب لا يبر حتى يوفيه ثم يرده إليه والحالف لا يضع فينظر حنثه مالك لأن النظرة إسقاط في المعنى وقيل لا يحنث لاستيفاء جملة حقه قال وفي الكتاب لأقضين لك حقك يوم كذا إلا أن تشاء فمات الطالب صح تأخير الوارث الكبير ووصي الصغير إن كان لا دين عليه لأنه حق ينتقل للوارث وقال ابن القاسم يجزئه تأخير الغرماء إن أحاط الدين بماله ولو مات الحالف قبل الأجل لم يحنث وليس على الورثة يمين ولا حنث والحالف لا يفعل كذا إلا بإذن زيد فمات زيد لم يجزه إذن ورثته لأنه ليس حقا للميت حتى ينتقل إلى الورثة ولو علق على إذن الأمير فمات الأمير أو عزل ناب إذن الذي يلي بعده ولا يفعل إلا بإذنه إن كان تحليف الوالي له نظرا وعدلا
الثاني عشر قال صاحب البيان الحالف ليقضينه صدرا من حقه قال مالك الصدر الثلثان قال ولو قيل النصف لكان وجها وقال ابن نافع الثلث والحالف لا يبيع عبدا رهنه فباعه عليه السلطان يجري على الخلاف في حنث الحالف لأفعل فعلا فقضى عليه السلطان به وإذا قلنا بحنثه لم ترجع اليمين عليه إلا على القول بأن المالك الثاني عبد ثان
المدرك الخامس كون المحلوف عليه مخالفا للشرع وفي الكتاب الحالف ليقتلن فلانا فلا يفعل ويكفر عن يمينه أو يطلق أو يعتق إن حلف بذلك ورفع إلى الحاكم فإن أجترأ وفعل قبل النظر في أمره بر لأن حنثه كان تقديرا شرعيا والمحسوس المناقض للمقدر يبطله لأنه أقوى منه وإلا فالحانث محققا لا ينقلب بارا فإن ضرب أجلا فهو على بر وطلاق حتى يحل الأجل قال ابن يونس المشهور أن الحاكم إنما يطلق عليه أو يعتق إذا كان الطلاق المحلوف به ثلاثا أو تتمتها والعتق معين أما الواحدة وغير المعين فلا فائدة في تعجيل ذلك لأنه لا يتعين الحنث وروي عن مالك التسوية في العتق المدرك السادس العزم على عدم الفعل وهو على حنثه وفي الكتاب إن قال أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فعزم على عدم التزوج طلقها وارتجع وبر وقال ش لا يحنث بالعزم لأن حنثه مغيا بانقضاء العمر فلا يحنث قبل ذلك وجوابه أنه الآن في عهدة ما حلف عليه فلا بد في بره من فعله أو العزم على الفعل كما قلنا في العبادات الموسعة لا بد من بدل وهو العزم وكما أنه في باب العبادات إذا عزم على عدم الفعل في جملة الوقت تتحقق مخالفته للأمر فكذلك تتحقق مخالفته ها هنا لليمين ومخالفته اليمين هو الحنث فيحنث إلا أن يضرب أجلا فليس له تعجيل الحنث لأنه الآن ليس في عهدة اليمين حتى ينقضي الأجل قال صاحب البيان المشهور في الحالف ليفعلن أنه مغيابا لعمر وروي عن مالك أنه على التعجيل إلا أن ينوي التأخير فإن أخر ولم ينو حنث وهو قول ابن كنانة فرع في الكتاب الحالف إذا كان على حنث حيل بينه وبين امرأته لأن سبب تحريمها عليه وهو الحنث متحقق في الحال وإنما الشرع جعل له رفع هذا السبب بالبر ولم يرفعه وإذا لم يترتب على السبب زوال العصمة فلا أقل من منع الوطئ المدرك السابع تزيل بعض المحلوف عليه منزلة كله في سياق البر دون الحنث وله ثلاث صور إحداها أن يكون المسمى واحدا ونحو والله لا أكلت هذا الرغيف ومع العطف نحو لا كلمت زيدا ولا عمرا أو التثنية والجمع نحو لا كلمت الرجلين أو الرجال وخالفنا الأئمة في الجميع لأنه حلف على اجتناب مدلول اللفظ فإذا ترك بعضه فقد وافق مقتضاه لأنه يكفي في نفي كل مركب نفي أحد أجزائه وإذا كان موافقا كان بارا فلا يحنث وهو متجه للأصحاب مالك الأول طريقة الفرض والبناء وهي أن تقول في صورة العطف لو قال لا كلمت زيدا ولا عمرا حنث بأحدهما اتفاقا واتفق أئمة اللغة على أن لا في العطف للأكيد والتأكيد لا يزيد على حكم الأصل شيئا فكما يحنث مع لا يحنث مع عدمها وإذا ثبت الحكم في هذه الصورة عم جميع الصور لأنه لا قائل بالفرق ويرد عليه أن الخصم يمكنه فرض الكلام في الحقيقة الواحدة بالرغيف مثلا وبين حصول موافقة اليمين بتركه لجزئه كما تقدم ثم نقول لا قائل بالفرق فينعكس المسلك بعينه للخصم الثاني أن القاعدة الشرعية أن الانتقال من الحل إلى الحرمة يكفي فيه أدنى سبب ومن الحرمة إلى الحل بالعكس لأن العقد على الأجنبية مباح فتذهب هذه الإباحة بعقد الأب عليها من غير وطئ والمبتوتة لا تذهب حرمتها إلا بعقد المحلل ووطئه وعقد الأول عليه والمسلم محرم الدم لا تذهب هذه الحرمة إلا بالردة ونحوها فإذا أبيح دمه يحرم بالتوبة وهي أيسر من الردة والقتل والزنا والحرابة والأجنبية لا يزول تحريم وطئها إلا بالعقد المتوقف عليها وعلى الوالي والزوج وإباحتها بعد العقد يكفي فيه الطلاق الذي يستقل الزوج به وذلك كثير في الشرع وكذلك الخروج إلى الحنث يكفي فيه أدنى سبب والخروج منه إلى البر يشترط فيه سبب أقوى وهو فعل الجميع ويرد عليه أنكم إن ادعيتموها كلية فمعناها لاندراج صورة النزاع فيها ولأن الدعوى الكلية لا تثبت بالمثل الجزئية وإن ادعيتموها جزئية فتحتاجون إلى دليل آخر يوجب كون صورة النزاع كذلك فإن كان القياس فأين الجامع المناسب لخصوص الحكم السالم عن الفارق أو غير القياس فبينوه الثالث إذا حلف ليفعلن فهو كالإبراء أولا يفعل فهو كالنهي والنهي عن الشيء نهي عن أجزائه فيكون فاعل الجزء مخالفا والمخالف حانث ويرد عليه إن هذه القضية بالعكس بل الأمر بالشيء أمر بأجزائه كإيجاب أربع ركعات والنهي عن الشيء ليس نهياً عن أجزاءه كالنهي عن خمس ركعات فعم النهي عن الشيء نهي عن جزء فإنه كالنهي عن مفهوم الخنزير وهو نهي عن الخنزير الطويل والقصير وهذا وذلك والأمر بالشيء ليس أمرا بجزئياته كالأمر باعتاق رقبة ليس أمرا باعتاق هذه وتلك فيثبت ما بين حكم الأجزاء والجزئيات فلا يغتر بذلك واعلم أنه لا فرق عندنا بين جزء المحلوف عليه وجزء الشرط في أن كل واحد منهما يقوم مقام كله مع أنه قد وقع في الكتاب مسألتان متناقضتان في كتاب العتق إحداهما قوله لأمته لئن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة فدخلت إحداهما عتقت والأخرى قوله لأمتيه أو زوجتيه إن دخلتما فأنتما حرتان أو طالقتان فدخلت إحداهما لم تعتق واحدة منهما وفي الصورتين وجد جزء الشرط مع أن أبا الطاهر نقل في الأخيرة ثلاثة أقوال يعتقان لا يعتقان تعتق الداخلة فقط وفي الجلاب قول بعدم التحنيث تحرير المحلوف عليه كقول الأئمة وإنما الإشكال على ظاهر المدونة قال صاحب البيان القائل إن رزقت ثلاثة دنانير صمت ثلاثة أيام فرزق اثنين فصام ثلاثة أيام ثم رزق الثالث قال ابن القاسم يستأنف الصيام لأن الشرط الآن تحقق وقول القائل إن قضى الله عني ثلاثة دنانير صمت ثلاثة أيام فقضى الله عنه نصفها وصام ما ذكر ثم قضى الباقي أجزأه ما تقدم وكان يضعفه قال والقياس الأول إلا أنه لاحظ خفة ثقل الدين وهو المقصود وقيل يصوم بقدر ما قضى عليه فتحصل ثلاثة أقوال وهذا أيضا على خلاف القاعدة قال أبو الطاهر الحالف بطلاق امرأته إن وضعت ما في بطنها فوضعت ولدا وبقي آخر يحنث على المشهور وقيل لا يحنث وإن علق الطلاق على الوطء حنث بمغيب الحشفة وقيل على الإنزال وإن ألحق باليمين غير المحلوف عليه قصدا للإلحاق لزم في اليمين وإلا فلا وهذا يمشي على أن القاعدة بخلاف ما أشار إليه صاحب البيان إلا أن يكون ذلك لخصوص عدد الثلاث والله تعالى أعلم وفي البيان إن حلف لا يشهد حياته ولا مماته فشهد جنازة ابنه حنث قال لأن الحنث يقع بأدنى الرجوع
تفريع
قال اللخمي قال محمد إذا قال لا أكلت هذا الرغيف كله حنث ببعضه ولا ينفعه قوله كله لأنه تأكيد فلا يزيد على حكم الأصل وخالف ابن سحنون وقال أبو الطاهر بل التصريح بالكل يرفع الخلاف كما أن التصريح بالبعض يرفع الخلاف وفي الكتاب الحالف لا أجامعكن حنث بوطئ واحدة قال صاحب البيان الحالف لا يتزوج يحنث بالعقد دون الدخول وإذا حلف لا يركب دابة فلان إن استوى بجسده عليها يحنث اتفاقا وإن لم يعقد على السرج وإن عمل رجله في الركاب واستقل وهو متعلق ولم يضع رجله من الجهة الأخرى لا يحنث إتفاقاً وإن وضع رجله من الجهة الأخرى ولم يستو بجسده فقولان الحنث ونفيه كالقولين فيما إذا حلف لا يدخل الدار فدخل برجله فرع قال ولو قال أنت طالق إن أعطيتني الوديعة فأعطته عشرة فادعى أن الوديعة عشرون طلقت في القضاء دون الفتياء لأن غرضه الذي طلق لأجله لم يتم كمن قال أنت طالق إن أعطيتني عشرة فأعطته خمسة المدرك الثامن تعارض المقاصد والوضع اللغوي والشرعي وإنها تغلب ففي الكتاب من حلف لا يفعل شيئا أو زمانا أو دهرا فذلك كله سنة وقال ش يحمل على العرف فإن فقد فاللغة وقال ح وابن حنبل الحين ستة أشهر لقوله تعالى ( تؤتي أكلها كل حين ) إبراهيم 45 أي في كل ستة أشهر وليس كما قالاه بل النخلة تحمل ويكمل حملها في سبعة أشهر وهو أحد الوجوه التي شبهت فيها الإنسان في قوله عليه السلام اكرموا عمتكم النخلة وروى ابن وهب عن مالك تردده في الدهر هل هو سنة أم لا وروي عن ابن عباس أنه سنة لا يأكل من هذه الحنطة أو هذه الحنطة حنث بالخبز والسويق لأنها كذلك تؤكل وإن حلف لا يأكل من هذا الطلع حنث ببسره وربطه وتمره إلا أن ينوي الطلع نفسه أو من هذا اللبن حنث بزيده إلا أن تكون له نية وقال ح لا يحنث في الجميع لانتقال الأسماء لنا أن صيغة من للتبعيض لغة والزبد بعض اللبن والتمر فيه أجزاء الطلع ولذلك أجمعنا على الحالف لا يأكل من هذا الرغيف أنه يحنث بلبابه منه والحالف لا يأكل بسر هذه النخلة أو من بسرها لا يحنث بالبلح لأنه لا يكون بلحا أو من هذه الحنطة أو من هذا الطعام يحنث بما اشترى بثمنها من طعام لأنه يصدق عليه أنه منها إلا أن يكون الشيء فيهما من الرداءة والحالف لا يشرب هذا السويق فأكله يحنث إلا أن ينوي الشرب والحالف لا يأكل سمنا فيأكل سويقا لت بسمن يحنث وجد طعمه أو ريحه أم لا لأنه لو أريد استخراجه بالماء الحار لخرج والحالف لا يأكل خلا فأكل مرقا طبخ بخل لأنه لا يمكن استخراجه إلا أن ينوي ما طبخ به وقاله ش فيهما قال صاحب تهذيب الطالب الحالف لا يأكل عسلا يحنث بعسل القصب وبالعسل مطبوخا وبالفالوذج وبالخبيص وطعام فيه عسل ويحتمل على قول أشهب أن لا يحنث بعسل القصب لأنه ليس العادة واعلم أن هذه المسألة تشكل على مسألة الخل في الكتاب قال ولم يفرق ابن القاسم بين وجود طعم السمن وعدمه وفرق ابن ميسر قال ولو أن الدقيق والخبز لت بخل حنث عندي لأن اللت غير مستهلك ووافق أشهب ابن القاسم في الخل واختلفا في السمن وحنثه سحنون في الخل وفي الكتاب الحالف لا يأكل لحما يحنث بالشحم خلافا ل ش ولو عكس لا يحنث باللحم لأن الله تعالى حرم لحم الخنزير فحرم شحمه وحرم على بني إسرائيل الشحم ولم يحرم اللحم ويحنث بلحم الحوت أو لا يأكل رؤسا أو بيضا حنث برؤس السمك وبيضها خلافا ل ش لأن لفظ الرؤس والبيض لم يختص في العرف ببعض أنواعها بل من قال رأيت رأسا يقال له رأس أي شيء ويحسن جوابه بما ذكرناه وإنما اختص الأكل ببعضها وقد تقدم أن العرف الفعلي لا عبرة به وإنما المعتبر القولي قال ابن يونس قال محمد لا يحنث في ثمن الحنطة ولا فيها أشبهه واستحسن أشهب في الطلع عدم الحنث بالبسر أو الرطب لبعد ما بينها في الطعم والاسم والمنفعة كالخل مع العنب ولم ير ابن القاسم الحنث بما يخرج من المحلوف عليه إلا في خمسة أشياء في الشحم من اللحم والنبيذ من التمر والزبيب والعصير من العنب والمرق من اللحم والخبز من القمح وقد جمعها الشاعر بقوله ( أمراق لحم وخبز قمح ** نبيذ تمر مع الزبيب ) ( وشحم لحم وعصر كرم ** يكون حنثا على المصيب ) والاقتصار على هذه الخمسة يعسر تقريره من جهة النظر وقيل لا يحنث بالخبز من القمح لبعده إلا أن يقول من هذا القمح أو من هذا الدقيق واستحسنه محمد ولا يحنث ابن القاسم الحالف لا يأكل لبنا أو اللبن بالزبد أو السمن ولا يأكل رطبا بالتمر أو لا يأكل عسلا بالرب إلا أن يأتي بصيغة من وعمم ابن وهب الحنث في ذلك قياسا وفرق ابن حبيب بين أن يشار إليه ب هذا فيحنث أو ينكر فلا يحنث لأن الإشارة تتناول الخصوص بجميع أجزائه والمتولد بعد ذلك فيه من هذه الأجزاء قال سحنون الحالف لا يأكل زعفرانا يحنث بالطعام المزعفر لأنه لا يؤكل إلا كذلك قال ابن القاسم الحالف على اللحم يحنث بالكرش والرأس والمعاء والدماغ وغيرها خلافا ل ش وابن حنبل فهما يلاحظان العرف وهو يلاحظ اللغة والحالف بأحدهما لا يحنث بالشحم لأنها لا تكون شحما والحالف على اللحم يحنث بالقديد دون العكس وقال أشهب الحالف على اللحم والرؤس لا يحنث إلا بلحم الأنعام ورؤسها كقول ش لأنها المقصودة بالأثمان عادة فهو عرف قولي في خصوص ألفاظ الأيمان والعرف قد يكون في المركبات كما يكون في الألفاظ المفردات كما تقدم ووافق ابن القاسم في البيض والفرق بعدما بين الأنعام والطير وغيره وتقارب بيض الدجاج والطير وقال ابن حبيب بيض الطير دون الحوت قال أبو محمد والحالف لا يأكل إداما يحنث بالإدام عرفا وقاله ابن حنبل وليس الملح منه قال صاحب البيان وحنثه أشهب بالملح لأنه عادة الضعفاء بمصر والمعول في ذلك على العادة كالتمر والزيتون ونحوه ووافقنا ش وخصصه ح بما يصنع فيه دون اللحم والشواء لقوله عليه السلام نعم الإدام الخل وائتدموا بالزيت فإنه من شجرة مباركة والجواب عنه أنه مفهوم لقب لا حجة فيه سلمناه ولكنه معارض بقوله عليه السلام الحم سيد إدام الدنيا والآخرة ولأن الإدام معناه الإئتلاف لأنه يؤلف الخبز مع النفس ومنه سمي آدم عليه السلام لأنه ألف من أجزاء الأرض وقوله عليه السلام هلا نظرت إليها فإنه أولى أن يؤدم بينكما أي تأتلفان فرع وقال والحالف لا يأكل خبزا وإداما لا يحنث بأحدهما عند أشهب لأن العادة الجمع خلاف ما في المدونة قال ابن يونس قال محمد الحالف لا يأكل فاكهة يحنث برطبها ويابسها من التمر والعنب والرمان والفتاء والبطيخ والقصب والفول والحمض والجلبان قال ابن حبيب والحالف على الخبز يحنث بالكعك دون العكس لأن الكعك خبز وزيادة ومن كتاب محمد والحالف لا يأكل غنما يحنث بالضأن والمعز والحالف على أحدهما لا يحنث بالآخر والحالف على الدجاج يحنث بالديك وعلى احدهما لا يحنث بالآخر والحالف لا يأكل كباشا يحنث بكبار النعاج وصغارها لدخولها في الاسم ولو قال كبشا ولم يقل كباشا لم يحنث بصغار الذكور ولا الإناث قال ابن يونس وكذلك الكباش لا يحنث بها عندنا في الصغار ولا الإناث الكبار لأنه العرف ولاحظ محمد اللغة قال محمد والحالف لا يأكل نعجة أو نعاجا لا يحنث بصغار الذكور والإناث وكبار الذكور والحالف لا يأكل خروفا لا يحنث بالكبش والحالف لا يأكل تيسا أو تيوسا يحنث بالعتود دون العكس قال صاحب التلخيص الحالف لا يأكل من مال فلان أو من طعامه أو لا ينتفع بشيء من ماله فانتفع بعد موته قبل جمع ماله ودفنه فثلاثة أقوال لا يحنث إلا أن يكون عليه دين أو وصايا ولا يحنث إلا أن يكون عليه دين دون الوصايا لأن الدين يقضي على ملكه والوصايا أربابها ولا يحنث وإن أحاط الدين بماله لانقطاع ملكه بموته والحالف لا ينفعه ما عاش أو لا يدخل عليه ما عاش فدخل عليه ميتا أو كفنه فقولان في الكتاب والحالف لا يكلمه فيؤم قوما فيهم فسلم من الصلاة عليهم أو صلى خلفه عالما به فرد عليه سلامه من الصلاة لم يحنث لأنه ليس كلاما عادة ولو سلم على جماعة هو فيهم حنث علم به أم لا إلا أن يحاشيه ولو سلم عليه وهو لا يعرفه ليلا حنث لأن الجهل ليس عذرا في الحنث ولو كتب إليه أو أرسل إليه حنث خلافا ل ش وابن حنبل إلا أن ينوي المشافهة لأن المقصود من الكلام إنما ما هو يدل على المقاصد والحروف الكتابية في ذلك كالنطقية ثم رجع فقال لا ينوي في الكتاب ويحنث إلا أن يرجع الكتاب قبل وصوله إليه قال ابن يونس قال محمد إن سلم اثنتين فأسمعه الثانية حنث قال ابن ميسر لا يحنث وإن أرتج على الحالف فلقنه المحلوف عليه لم يحنث بخلاف العكس وأما إذا أم الحالف فرد عليه المحلوف قال ابن القاسم وأشهب إن سمع رده وحنث قال ابن القاسم ولو مر المحلوف نائما فقال له الصلاة يا نائم فرفع رأسه فعرفه حنث وكذلك إن لم يسمعه لشدة النوم كالأصم وكذلك لو كلمه وهو مشغول بكلام رجل ولم يسمعه لأنه يصدق أنه كلمه وقال أصبغ إن تيقن نومه ولم ينتبه لكلامه لا يحنث كالميت والبعيد ولو كلم غيره يظنه إياه قاصدا للحنث لم يحنث لأن القصد إنما يوثر في الحنث إذا كان على حنث وهو ها هنا على بر ولو كلمه يظنه غيره حنث لأن الجهل ليس عذرا قال مالك ولو حلف لا يكلمه إلا ناسيا قبل قوله في النسيان ولو قامت البينة لأن ذلك لا يعلم إلا من جهته قال ابن القاسم والحالف لا يكلمه إلا بالإشارة إليه لأن الإشارة في الصلاة ليست كلاما بخلاف الكتابة لأنها حروف كالكلام وحروفها دالة على حروف القول فيتنزل أحدهما منزلة الآخر وقال غيره يحنث لقوله تعالى ( ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) آل عمران 41 والأصل في الاستثناء الاتصال وقال مالك في الرسول لا شيء عليه وقال أشهب لا يحنث فيه ولا في الكتابة إلا أن يسمعه الكلام الذي أرسل به الرسول لأنه لو حلف ليكلمنه لم يبر بالكتابة قال أشهب ولو رجع الكتاب بعد قراءته بقلبه دون لسانه لم يحنث لأن الحالف لا يقرأ جهرا لا يحنث بقراة قلبه ولو كتب المحلوف إلى الحالف فقرأ كتابه لم يحنث عند أشهب واختلف قول ابن القاسم فيه ومن كتاب ابن حبيب لو أمر الحالف من يكتب فكتب ولم يقرأه على الحالف ولا قراه الحالف لم يحنث ولو قرأه الحالف أو قرئ عليه حنث إذا قرأه المحلوف عليه أو عنوانه وإلا فلا قال الله تعالى ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا ) الشورى 51 فجعل ذلك كلاما وفي الجواهر في قبول النية في الكتاب والرسول أقوال ثالثها تقبل في الرسول دون الكتاب وإن لم يقرأ المحلوف الكتاب ففي الحنث قولان فرع قال لو انتقل المحلوف عليه إلى ما ليس معدا له كالحالف لا يأكل طعاما فيفسد بأكله فقيل يحنث لأنه أكله وقيل لا يحنث لأنه لم يأكل الطعام المعتاد وإنما انتقل إلا ما هو معد له فإن نطق ب من نحو لا أكلت من هذا فإن قرب تغيره فالمذهب كله على الحنث وإن بعد كانتقال الطلع إلى البسر والرطب فالمشهور الحنث ولا يحنث بالمتولد الذي ليس جزأ كالحلف على الشاة فيأكل من لبنها إلا أن يريد ترك الانتفاع مطلقا وفي تحنيثه بولدها خلاف فإن لم يذكر لفظة من ونكر فالمذهب عدم الحنث وإلا حنث وإن قرب التغير جدا والغالب أنه لا يستعمل إلا كذلك فلم يره ابن القاسم إلا في الخمسة المتقدمة والحالف لا يدخل عليه بيتا فدخل المحلوف عليه على الحالف بيتا أشار في الكتاب إلى عدم الحنث وقيل يحنث ولا يحنث بدخوله عليه المسجد اتفاقا لبعد لفظ البيت عن المسجد إلا بإضافته إلى الله تعالى وأحنثوه بالحمام والفرق أن الحمام لا يلزم دخوله بخلاف المسجد وخالف اللخمي في الحمام والحالف لينتقلن من دار قال صاحب البيان لا يعود عند ابن القاسم إلا بعد شهر ولم ير عليه حنثا إن رجع بعد خمسة عشر يوما قال صاحب البيان لا يعود عند ابن القاسم إلا بعد شهر لإن الشهر معتبر في تقديم الزكاة وانتزاع مال المعتق إلى أجل قبل أجله بشهر والحالف ليطيلن الهجران برّ بشهر ولم ير عليه حنثا إن رجع بعد خمسة عشر يوما قال ابن يونس قال عبد الملك لا أحب له الانتقال بنية مؤقتة قال عبد الملك والحالف ليخرجن فلانا من داره له رده بعد شهر وأن من عليه بالدار فحلف لينتقلن فتأخر ثلاثة أيام في الطلب ولم يجد قال محمد لا شيء عليه والحالف ليخرجن من المدينة ولم ينو إلى بلد معين خرج إلى ما تقصر فيه الصلاة فيقيم فيه شهرا قال مالك وقيل إلى موضع لا يجب فيه إتيان الجمعة فيقيم فيه ما قل أو كثر ويرجع وفي الكتاب الحالف لا يسكن هذه الدار أو دار فلان هذه فباعها فسكنها في غير ملكه حنث لأجل الإشارة إلا أن ينوي ما دامت في ملكه ولو قال دار فلان لم يحنث لزوال الإضافة قال ابن يونس قال ابن القاسم الحالف لا يسكن دار فلان حنث بدار له فيها شرك لصدق الإضافة وهو يصدق بأدنى سبب كقول أحد حاملي الخشبة شل طرفك قال أشهب الحالف لا يدخل منزل فلان فدخل الدار دون البيت إن كانت الدار لا تدخل إلا بإذن ومن سرق منها قطع حنث وقال غيره لا يحنث قال ابن حبيب إذا حلف أن لا يدخل دار فلان حنث بحانوته وقريته وخبائه وكل موضع له فيه أهل أو متا وإن لم يملكه لأن الدار من الدائرة تعمل حول البيت خشية السيل فسميت الدار دارا لذلك وخالف أصبغ في الحانوت والخباء وفي الكتاب الحالف لا يلبس ثوبا غزلته فلانة حنث بما غزلته مع غيرها أو حلف لا يسكن بيتا فسكن بيت شعر وهو بدوي أو حضري حنث لصدق الاسم عليه أولا يكسوها هذين الثوبين ونيته مجتمعين فكساهما أحدها حنث لأنه جزء المحلوف عليه أو لا يدخل هذه الدار فصارت طريقا ودخلها لم يحنث فإن بنيت ودخلها حنث لأنه يقال هذه دار فلان عمرت فالمشار إليه عاد أو لا يدخل من باب هذه الدار أو من هذا الباب فغير أو نقل حنث بالدخول إلا أن يكون الباب دون الدار قال ابن يونس إذا بنيت الدار بعد هدمها مسجدا لم يحنث وقال مالك الحالف لا خرجت امرأته من الدار فهدمها سيل أو أخرجها ملك الدار فلا شيء عليه إلا في الدار الثانية أو يرجع إلى الأولى قال سحنون وكذلك لو أخرجها السلطان ليحلفها في حق لم يحنث ولو انتقل الزوج باختياره فاليمين باقية حيث انتقل فإن المقصود صونها وقال مالك أيضا الحالف لا تخرج من باب بيتها حتى يقدم فنزلت بموضعها فتنة فخافت فخرجت من دبر بيتها يحنث وفي الكتاب الحالف لا يأكل طعاما أو شرابا فذاقه ولم يصل إلى جوفه لم يحنث لأن المقصود التغذي ولم يحصل والحالف لا يساكنه في دار فسكنا في مقصورتين في دار أو كانا قبل الحلف كذلك حنث وإن كانا في منزل فلا والحالف لا يساكنه في دار فقسمت واستقل كل واحد بنصفها كرهه مالك دون ابن القاسم قال ابن يونس ولو كانا من أهل العمود فحلف لا يجاوره أو لينتقلن عنه فانتقل إلى قرية والمضرب واحد حنث إلا أن ينتقل بيته قال أبو محمد لا بد من انقطاع خلطة الصبيان والعيال وتكون رحلته كرحلة أهل العمود قال مالك حيث لا تلتقي أغنامهم في الرعي قال التونسي لا يحنث بالزيادة ولو أقام أياما أو مرضه قال مالك والزيارة تختلف كما في الحضري والقروي وقال أشهب ليست الزيارة مساكنة وإن طالت إذا لم يكن القصد السكنى وقال أيضا إذا أكثر المبيت والمنام في غير الحضر حنث ومن كتاب ابن المواز الحالف لا يجاوره في أمهات القرى يحنث بالطريق التي تجمعهما في الدخول والخروج والمجتمع ولا يحنث قال أبو الطاهر ولو رفع مالا فنسيه فحلف لزوجته لقد أخذته ثم وجده حيث دفنه لا يحنث لأن المقصود إن كان تلف فأنت أخذته والحالف ليس معي أوزن من هذا الدرهم فوجد معه وزنه لا يحنث فرع قال صاحب البيان إذا حلف لا يتسرى على امرأته فذهب مالك وأكثر أصحابه أن التسري الوطء وقيل الإيلاد وقيل الإتخاذ للوطء فعلى القول بأنه الوطء لا تجوز له إلا المباشرة من التقبيل ونحوه وقيل يجوز له الوطء ولا ينزل وقيل وطأة كاملة ولا يحنث إلا بتمامها المدرك العاشر النظر إلى التمادي على الفعل هل يجعل كابتدائه ففي الكتاب الحالف لا يسكن هذه الدار وهو فيها يخرج مكانه ولو في جوف الليل فإن أقام إلى الصباح حنث إلا أن ينويه فإن وجد منزلا لا يوافقه أو غاليا انتقل إليه حتى يجد سواه وإلا حنث وقال ابن حنبل ينتقل بحسب العادة ويرتحل بولده وأهله وجميع متاعه إلا الوتد وما لا يعبأ به فإن بقي متاعه حنث وقاله ابن حنبل خلافا ل ش في قوله يكفي نقله بنفسه لنا أنه كل يوم ينتقل بنفسه من غير يمين فلا بد لليمين من غرض زائد على المعتاد وقال أبو يونس قال أشهب لا يحنث بإقامته يوم وليلة ولا يترك قشه فإنه لا يسمى مساكنة وقد قال ابن القاسم في الحالف ليقضينه حقه في الهلال له يوم وليلة ولو ابتدأ في النقلة وأقام أياما لكثرة عياله لا شيء عليه ولو ترك متاعه إعراضا عنه لصاحب الدار أو غيره لم يحنث وروي عنه إن ترك الوتد ونحوه إعراضا عنه لم يحنث أو نسيانا حنث وفي الجواهر الحالف على ركوب دابة أو لباس ثوب وهو راكب أو لابس ينزع وينزل فإن تمادى كان كابتداء الفعل قاله في الكتاب وقال الشافعي ولو حلف لا يدخل دارا وهو فيها قال ابن القاسم و ش لا شيء عليه إن لم يخرج خلافا لأشهب والفرق أنه يغدو راكبا ولابسا ولا يغدو راجلا ولو قال للحائض إذا حضت أو الطاهر إذا طهرت أو الحامل إذا حملت فأنت طالق قال سحنون هو على وجود هذه في المستقبل لأنه لا يقال حاضت أو طهرت أو حملت اليوم بل منذ مدة المدرك الحادي عشر ما يعد عذرا وهو الإكراه والسيان والجهل وفي الجواهر الحالف لا يفعل شيئا يحنث بوجود الفعل منه سهوا أو عمدا أو خطأ أو نسيانا أو جهلا ولا يحنث مكرها ووافقنا الأئمة على الإكراه على اليمين وخالفنا ح في الإكراه على الفعل ووافقنا في النسيان والجهل وخالفنا ش في النسيان والجهل تمهيد اللفظ لغة لا يختص بحالة فقد دلت العادة على أن الناس يستنون هذه الحالة حتى يكون معنى قوله لا فعلت كذا ما لم أنس أو أكره أو أجهل ولا يقصدون ذلك فنحن لم يثبت عندنا قصدهم فاعتبرنا اللفظ واستثنينا الإكراه للحديث وهو قوله عليه السلام لا طلاق في إغلاق أي في إكراه وإذا تمهد عذرا في الطلاق تمهد في غيره بجامع عدم الإيثار للفعل و ش يرى أن هذه الحالات مستثنيات في عرف الناس وهو غير ظاهر وفي الكتاب الحالف لا مال عنده وورث مالا لا يعلم به حانث والحالف لا يدخل دارا لا يحنث بدخولها مكرها وقال ابن يونس ولو هجمت به دابته كرها لم يحنث وإن قال لزوجته إن دخلت هذه الدار فأنت طالق فأكرهها غيره على الدخول لم يحنث وأما بإكراهه هو فقال سحنون أخاف أن يكون ذلك رضا بالحنث فيحنث قال مالك والمكره على اليمين لا يعتبر يمينه إلا أن يكون في حق عليه وهو يعلم ذلك وقال الأئمة والحالف بالطلاق لنجاة غيره من القتل بغير حق يلزمه الطلاق قاله محمد خلافا لأشهب والحالف ليس له مال قال محمد إن تصدق عليه وهو لا يعلم فلم يقبل فلا شيء عليه فإن قبل حنث وقيل لا يحنث نظرا لتأخير كمال الملك بعد اليمين قال صاحب تهذيب الطالب الحالف ليركبن الدابة فتسرق يحنث عند ابن القاسم خلافا لأشهب لأن الفعل ممكن وإنما منعه السارق فإن ماتت بر لتعذر الفعل ومنع الغاضب والمستحق كالسارق وكذلك لو حلف ليضربن عبده فكاتبه أو ليبيعها فوجدها حاملا لأن المانع شرعي والفعل ممكن وخالفه سحنون والحالف ليطأنها فوجدها حائضا قيل يحنث وقيل لا شيء عليه وقيل إن وطىء بر وقال ابن القاسم لا يبر وكذلك لو وجدها صائمة في رمضان وقال أصبغ إذا نذرت يوم الاثنين فصادف يوم الصيام مرض أفطرت ولا شيء عليها وقال أشهب الحالف ليصومن رمضان وشوال إن صام يوم الفطر بر وإلا فلا قاعدة المانع متى كان عقليا اعتبر قولا واحدا أو عاديا أو شرعيا فقولان والمدرك أن قول الحالف لأفعلن هل يعم الأحوال أو يخصص بحالة التمكن لأنه المقصود للعقلاء فلا يحنث أو يفرق بين المتعذر عقلا وغيره محافظة على ظاهر اللفظ وهو المشهور قال أبو الطاهر المشهور أن الخوف على الغير كالخوف على النفس وفي الإكراه قولان ومذهب مالك وأصحابه تحنيث الناسي والمتأخرون من محققي الأشياخ عدم تحنيثه وراموا تخريجه مما في المستخرجة في الحالف بالطلاق ليصومن يوما سماه فأفطره ناسيا لا شيء عليه قال ويمكن حمله على نفي القضاء دون الحنث وهو أحد القولين في المفطر في النذور وفيمن حلف لا يبايع إنسانا فبايع من هو من سببه أو ممن اشتراه المحلوف عليه ولم يعلم ولا حنث عليه ويمكن حمله على مراعاة ظاهر اللفظ فلا يحنث بمبايعة غيره لأن النسيان عذر المدرك الثاني عشر تنزيل الوكيل منزلة الموكل تحقيقا للنيابة وقاله ابن حنبل خلافا ل ش وقال صاحب الخصال كل من حلف لا يفعل شيئا فأمره غيره ففعله حنث إلا في مثل الحالف ليضربن عبده إلا أن ينوي النيابة في ضربه وفي الكتاب الحالف لا يشتري عبدا فيأمر غيره فيشتريه له يحنث والحالف لا يضرب عبده فيأمر غيره فيضربه يحنث لأن المقصود عدم إيلامه إلا أن تكون له نية والحالف لا يبيع لفلان شيئا فيدفع فلان ثوبا لرجل فيدفعه الرجل للحالف فيبيعه ولم يعلم فإن لم يكن الرجل صديقا ملاطفا أو من عماله أو ناحيته وإلا حنث وكذلك الحالف لا يبيع منه فيبيع ممن يشتري له ولم يعلم فإن لم يكن المشتري من ناحيته ولا من سببه لم يحنث وإلا حنث ولو أخبره عند البيع فحلفه فقال له أنا أبتاع لنفسي ثم تبين بعد البيع أن ابتياعه للمحلوف عليه حنث إن كان المشتري من ناحية فلان قال ابن يونس قال التونسي لو قال أبيعك بشرط أنك إن ابتعت لفلان فلا بيع بيني وبينك فتبين الشرط بطل البيع ولا يحنث ولو اشترى لنفسه ثم ولى للمحلوف عليه فيحتمل الحنث ونفيه فقد قيل في الحالف لا يشتري لامرأته ثوبا فاشتراه لنفسه ثم ولاه لها استثقله مالك وقال ابن القاسم لا يحنث قال صاحب البيان الحالف بعتق عبده لا يبيعه فرهنه فباعه عليه السلطان في الرهن لا يحنث لأنه زمان وقوع العتق لا مال له غيره والدين مقدم على العتق قال والمعلوم لمالك وابن القاسم وقوع العتق عليه ببيع السلطان فإن اشتراه بعد ذلك رجعت عليه اليمين ولو كان حلفه بغير عتق العبد لجرى في حنثه خلاف المدرك الثالث عشر تعذر المحلوف عليه قبل الأجل إما عقلا أو شرعا أو بآدمي وفي الكتاب الحالف ليأكلن هذا الطعام أو ليركبن هذه الدابة أو ليضربن عبده هذا إلى أجل فتعذر ذلك بموت بر بخلاف السرقة إلا أن ينوي أن لا يسرق لأن الفعل ممكن في السرقة بخلاف الموت قال ابن يونس قال محمد لا يحنث في موت ولا سرقة لضربه أجلا فهو علي بر ولو لم يضرب أجلا لحنث في الموت والسرقة أن مكنه الفعل قبل ذلك قال محمد وإن حلف ليقطعن خشبة غدا فوجدها مقطوعة من ساعته لا يحنث ولو امكنه القطع فتركه حنث وفي الكتاب الحالف ليذبحن حمامة ثم قام مكانه فوجدها ميتة لا شيء عليه وقاله ش لأن العاقل إنما يلتزم الفعل الممكن قال ابن يونس وهذا بخلاف الحالف ليبيعن أمته فيجدها حاملا عند ابن القاسم وسوى بينهما سحنون في عدم الحنث والفرق أن البيع ممكن وإنما الشرع منعه منه بخلاف الموت واصل ابن القاسم أن الحالف ليفعلن لا يعذر بالإكراه والغلبة إلا أن ينوي ذلك وفي الكتاب الحالف بعتق عبده ليضربن امرأته إلى سنة فماتت قبل ذلك لم يحنث لموتها وهو على بر فإن لم يضرب أجلا منع من بيع العبد حتى يبر فإن ماتت بعد اليمين والحالف صحيح عتق العبد من رأس ماله أو مريض فمن ثلثه نظرا إلي حالة الحنث دون اليمين لأن الحنث إن كان السبب فقد وجد في حالة المرض أو الشرط في اعتبار اليمين واليمين هو السبب فالآن حالة الإعتبار وقيل ذلك لغو قال ابن يونس يصدق الحالف أنه ضرب عبده أو امرأته بغير يمين وإن لم تقم بينه على قضاء الحق طلق عليه بالبينة التي على أصل الحق لأن العادة الإشهاد على قضاء الحق دون الضرب قال ابن القاسم إن صدقه الطالب وهو من أصل الصدق حلف معه ولا شيء عليه وإن اتهم فلا بد من البينة وقال سحنون العدل وغيره سواء يقبل قال مالك إذا لم تعلم يمينه إلا بالإقراء قبل قوله بغير بينة لعدم التهمة قال ابن كنانة لا تقبل شهادة الطالب له ولا عليه مطلقاً للتهمة وفي الكتاب من لزمه دين لرجل أو ضمان عارية يغاب عليها فحلف بالطلاق ثلاثا ليودين ذك وحلف الطالب بالطلاق ثلاثا لا يقبله فيجبر على أخذ الدين لتعين المنة في تركه فلا يلزم المديون إياها ويحنث الطالب بالطلاق ثلاثا لا يقبله ولا يجبر في أخذ قيمة العارية ويحنث المستعير لعدم تعيين المنة بترك شيء محقق قبله فإن ضمانها ضمان التهم فإن أراد المستعير أنه يعطيه قبله أولا لم يحنث كلاهما المدرك الرابع عشر النية العرية عن اللفظ هل ينعقد بها يمين حتى يترتب على الفعل حنث أو بر حكى أبو الطاهر قولين وإطلاق لفظ النية على ألسنة الأصحاب من مشكلات المذهب فقط غلط فيه كثير من الفقهاء الذين لا تحصيل لهم وبيان ذلك أنهم أجمعوا على ان صريح الطلاق لا يفتقر إلى نية وقال اللخمي في باب الإكراه على الطلاق وأبو الوليد في صريحه وكناياته في المقدمات الصحيح من المذهب أن الصريح لا بد فيه من النية فإن كان المراد بالنية واحدا فقد تناقض قولهم ولزم خلاف الأجماع حتى حكوا في الطلاق بالنية قولين والإجماع على ان العازم على طلاق زوجته لا يلزمه بعزمه الطلاق فأين محل الخلاف وأين محل الاجماع ثم النية هي من باب القصود والإرادات لا من باب العلوم والاعتقادات وقد قال ابن الجلاب من اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به ففي لزوم الطلاق له قولان فقد عبر عن النية بالاعتقاد وهو غير النية وهذه معميات تحتاج إلى الكشف والذي يكشف الغطاء عن ذلك أن لفظ النية عند الأصحاب مشترك بين الإرادة المخصصة والحقائق المترددة وهي المشترطة في العبادات وبين الكلام النفساني فإذا قالوا الصريح لا يفتقر إلى نية فهو المعنى الأول وإذا قالوا لا بد مع الصريح من النية المراد الثاني بمعنى أنه لا بد أن يطلق بكلامه النفساني كما يطلق باللسان فإن اللساني دليل عليه والدليل مع عدم المدلول باطل وإذا قالوا في الطلاق بمجرد النية قولان مرادهم بالكلام النفساني ويدل عليه استدلاهم بأنه يكون مؤمنا وكافرا بقلبه والإيمان والكفر خبران نفسانيان فالتشبيه يدل على التساوي وسماه ابن الجلاب اعتقادا لأن كل معتقد مخبر عن معتقده فالكلام النفساني لازم للعلم والإعتقاد فعبر عنه به لما بينهما من الملازمة والمراد ها هنا الكلام النفساني وهو الحلف بالقلب دون اللسان فهل يلغوا لأن الله تعالى إنما نصب سبب اللفظ ولم يؤجل أو يعبر نظرا لقوله تعالى ( ولكن يؤاخذهم بما عقدتم الأيمان ) المائدة 89 والعقد إنما هو بالقلب فإذا تمهد هذا تنزل أقوال الأصحاب على ما يليق به في كل موضع والله أعلم صفحة فارغة
الباب السادس في الكفارة
2 وهي مأخوذة من الكفر بفتح الكاف وهو التستر ومنه سمي الزارع كافرا لستره الحب بالتراب والبحر كافرا لستره ما فيه والمشرك كافرا لستره الحق من الوحدانية وغيرها وكفر النعمة عدم شكرها لما لم يظهر لها أثر عادت كالمستورة والمشكورة كالمشهورة ولما كان أصل الكفارة لزوال الإثم وستره كما في الظهار سميت كفارة وهي في اليمين بالله تعالى لا تزيل إثما لأن الحنث قد لا يكون حراما وهو أكبر مواردها وقد قال اللخمي والشافعية الحنث أربعة واجب إن كانت اليمين على معصية ومستحب إن كانت على ترك مندوب ومباح إن كانت على مباح ويضره البقاء عليه ومكروه إن كان المباح لا يضره البقاء عليه وفي مسلم قال عليه السلام إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير والمأمور به لا يكون معصية فلا تكون الكفارة على وضعها وقالت الحنفية الحنث حرام وهي تزيل الإثم الذي بسبب مخالفة اليمين لانعقاد الإجماع على تسميته حنثا والحنث الإثم ولقوله تعالى ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) المائدة 89 والمؤاخذة لا تكون إلا مع الإثم والجواب عن الأول أن الحنث لفظ مشترك بين الإثم ومخالفة اليمين نقله الجوهري وعن الثاني أن عقد اليمين لا إثم فيه بالإجماع وإنما الخلاف في الحنث فما دلت عليه الآية لا تقولون به وما تقولون به لا تدل عليه الآية ثم النظر في أنواعها وأحكامها والمخاطب بها فهذه ثلاثة فصول الفصل الأول في أنواعها وهي أربعة منها ثلاثة على التخيير وهي العتق والإطعام والكسوة والرابع مرتب بعد العجز عن اثلاثة وهو الصيام وأصل ذلك قوله تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) المائدة 89 النوع الأول الإطعام وفي الكتاب يطعم مد قمح لكل مسكين من أوسط عيش ذلك البلد ولا تغربل الحنطة إلا أن تكون مغلوثة قال ابن القاسم ولا يجزئ العوض وإن غذي أو عشي بالخبز والإدام أما الزيت واللحم وهو أجوده أجزأه لأنه اطعام معتاد ويعطي الفطيم من الطعام كما يعطي الكبير لأن الله تعالى وصفه بالوسط فحمل على الوسط جنسا ومقدارا فائدة في التنبيهات المغلوثة بالثاء المثلثة والغين المعجمة والمهملة معاً قال ابن يونس افتى ابن وهب بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث قال محمد ولا يعطي الذرة وهو يأكل الشعير ولا الشعير وهو يأكل البر ويجزئ الشعير وهو يأكل الذرة فإن أطعم خمسة البر ثم غلا السعر ثم انتقل إلى بلد عيشهم الشعير أجزأة الشعير قال اللخمي وقيل يجزئه الخبز قفازا والقفار بتقديم القاف وفتحها وتخفيف الفاء الذي لا إدام معه وقال مالك أيضا يعتبر وسط عيش المكفر دون البلد وحمل الأهل على الأخص وهو ظاهر الآية فإن أهل البلد لا يقال لهم أهل زيد قال ابن حبيب إلا أن يكون بخيلا يضيق على أهله واختلف في الرضيع والقياس عدم الأجزاء لأنه ليس من أهل الطعام ويشترط أن يكون المعطى مسلما حرا فقيرا لا تلزم المكفر نفقته فإن أعطى عبدا أو كافرا أو غنيا لم يجزئه إن علم واختلف إذا لم يعلم وهذا ذا فاتت فإن كانت قائمة انتزعت وصرفت لمستحقها وإن ضاعت لم يضمنوها إلا أن يعلموا أنها كفارة وغروا من أنفسهم فإن لم يعلموا وأكلوها وصانوا بها أموالهم فخلاف والغرم أحسن لقوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار وأما على القول بإجزائها فيغرمونها للمساكين لأن المسلط غير المستحق وعدم الإجزاء في هذه الوجوه أحسن بخلاف الزكاة لأنها في الذمة والزكاة في المال وتسقط بالضياع بعد العزل بخلاف الكفارة وفي الكتاب من عليه يمينان فأطعم عن أحدهما مساكين أكره أن يطعمهم لليمين الأخرى ولا يطعم عبدا ولا ذميا ولا أم ولد وإن كان السيد محتاجا وإن أعطى غنيا لم يجزه وكذلك الكسوة ويعطى صاحب دار وخادم لا فضل في ثمنها عن سواهما كالزكاة ولا يعجبني الإعطاء لقريب الذي لا تلزم نفقته ويجزي قال ابن يونس قال محمد إنما كره إطعامهم من اليمين الثانية ليلا تختلط النية أما إذا تميزت تصح ووافقه أبو عمران قال صاحب المنتقى فإذا قلنا يخرج الشعير قال محمد يطعم منه قدر ما يشبع القمح ولا يخرج السويق لأنه لا يقوت غالبا قاله أصبغ ويجزئ الدقيق إذا أعطى قدر ربعه ولا يجزئه القطنية ولا التين وإن كان عيش قوم لأنه ليس بقوت النوع الثاني الكسوة ففي الكتاب لا يجزئ إلا ما تحل الصلاة فيه ثوب للرجل ولا تجزئ العمامة وللمرأة درع وخمار وقال ش و ح أقل ما يسمى كسوة منديل أو عمامة أو غيرهما لأن الكسوة أطلقت في الآية ويجوز إعطاء كسوة الكبير للطفل ووافقنا ابن حنبل لنا إن الكسوة أطلقت في الآية على الكسوة الشرعية وهي ما يجزئ فيه الصلاة لأن القاعدة حمل كلام كل متكلم على عرفه ولقوله تعالى ( أو كسوتهم ) المائدة 90 فأضاف الكسوة إليهم فيعتبر حالهم قال اللخمي وليس عليه مثل كسوة نفسه أو اهل البلد لأنها أطلقت في الآية بخلاف الإطعام وإن كسا صبيا أو صبية كسوة مثلهما أجزاه وإن لم تومر بالصلاة لم تعط خمارا أو يستحب كسوة من أمر بالصلاة كما يستحب عتقه قال ابن القاسم يكسى المأمور بالصلاة كسوة رجل قال عبد الملك تكسى الصبية كسوة رجل وقال ابن القاسم أيضا يعطى الصغير مثل الكبير وهو استحسان النوع الثالث العتق وفي الكتاب يستحب عتق من صلى وصام ليستخلص للوظائف الواجبات ويجزئ الرضيع لأنه رقبة والأعجمي ولا يجزئ إلا سليم مؤمن لقوله عليه السلام في السوداء اعتقها فإنها مؤمنة ولا يجزئ المدبر والمكاتب وأم الولد والمعتق إلى أجل وأجاز الأعرج ورجع لعدم الإجزاء إلا أن يكون عرجا خفيفا ولا يعجبني الخصي ولا يجزئ من يعتق عليه ولا من علق عتقه على شرط ومن اشترى زوجته فاعتقها لم تجزئه لأنها تصير أم ولد بالحمل قال ابن يونس قال ابن القاسم إذا اعتق أعجميا لم يجبر على الإسلام قبل إسلامه وأجزأه خلافا لأشهب لأن الأعجمي ليس مضيها على دين سابق وإنما تبع لسيده وأجاز ابن القاسم عتق الصغير أبواه كافران إذا أراد إدخالهما في الإسلام ولا يجزئ أقطع أصبع أو الأذنين أو أجذم أو أبرص أو أصم وأجاز مالك عتق الأعور في الظهار واختلف في الخصي بالإجزاء أو عدمه قال صاحب المنتقى قال القرويون إذا كان النقص يمكن معه التصرف الكامل والتسبب غالبا أجزاه لأن المقصود هو تخليص الرقيق لاكتسابه ووظائفه الشرعية فلا بأس بقطع الأنملة قال ابن حبيب والجدع والصمم الخفيف وذهاب الضرس ولا يجزئ أقطع اليد أو الرجل والأشل أو الأعمى أو المقعد أو الأخرس أو المجنون المطبق أو المفلوج وقال عبد الملك يجزئ البرص الخفيف ولا يجزئ المريض النازع ولا المقطوع الابهامين من اليدين أو الرجلين ويجزئ المحموم والرمد ولمالك في الأعرج قولان وجوز ح أقطع اليد والرجل خلافا لنا و ش لنا إن إطلاق الرقبة يقتضي السلامة عرفا ومنع ابن القاسم الخصي لنقص خلقته كالأعور وجعله أشهب كالقبيح المنظر لأنه لا يتضرر به وإذا اعتق رقبة عن واجب ثم ظهر بها عيب رجع بأرش العيب قاله في العتبية ولا يجزئ الآبق إلا إن وجد بعد العتق سليما وتعلم سلامته عن العيوب يوم العتق ولا يجزئ الأصم عند مالك لخلله بالعمل خلافا لأشهب وجوز الشافعية أقطع الأذنين وروي عن ابن القاسم وجوز ش الأخرس ' النوع الرابع الصيام ويسترط فيه العجز عن الخصال المتقدمة وقاله الأئمة وفي الكتاب إن تعذرت الخصال الثلاثة صام ثلاثة أيام وتتابعها أفضل وقد قرأ عبد الله بن مسعود متتابعات وقاله ش وأوجبه ح وابن حنبل وإذا أفطر فيها قضاه ولا يجزئ في أيام التشريق إلا الرابع فعساه يجزئ لقوله عليه السلام هذه أيام أكل وشرب ولا يجزئ الصوم وله مال غائب إلا أن يكون عليه دين مثله ولا له دار أو خادم وإن قل ثمنها لظاهر الآية قال ابن يونس قيل إن كان له دين فصام ولم ينتظر أجزأه وقال صاحب البيان الإعتبار بحال التفكير دون حال اليمين وحال الحنث في الإعسار واليسار فإن أيسر في أثناء الصوم أجزأه التمادي عليه فإن أيسر عند الحنث ثم أعسر فصام ثم أيسر قال ابن القاسم يعتق والأول المشهور الفصل الثاني في أحكامها وهي أربعة الحكم الأول تقديمها قبل الحنث قال في الكتاب استحب مالك تأخيرها بعد الحنث فإن تقدمها أجزأه قاعدة اليمين عندنا وعند الشافعي وابن حنبل لا يغير حكم المحلوف عليه في إباحة ولا منع قال ح يغير حنى قال من حلف لا يصلي حرمت الصلاة عليه أو ليفسقن وجب الفسوق عليه ويصير ذلك كالصلاة في الدار المغصوبة واجبا من وجه حراما من وجه لأن مخالفة اليمين عنده حرام وقد تقدم مدركه وجوابه وبنى على ذلك منع التفكير قبل الحنث وإن من حرم طعاما أو غيره وجبت عليه الكفارة لأنه التزم تحريمه باليمين ولأن غير الواجب لا يجزئ عن الواجب وقبل الحنث لا تجب الكفارة إجماعا وقياسا على كفارة فطر رمضان وقتل الصيد والظهار لنا أن موضوع الحلف لغة تأكيد المحلوف عليه والتأكيد لا يغير الأصل وقال ش يجوز تقديم التكفير بالمال لتقديم الزكاة على الحول دون الصوم كامتناع تقديم رمضان على رؤية الهلال ووافقنا ابن حنبل لنا ما في مسلم قال عليه السلام إذا حلف أحدكم على اليمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر وليأت الذي هو خير ويروي فليأت الذي هو خير وليكفر ويروي ثم يكفر قواعد إذا تقدم سبب الحكم دون شرطه جاز تقديمه عليه كالعفو عن القصاص قبل زهوق الروح لتقدم السبب الذي هو الجراحة وتقديم الزكاة على الحول لتقدم ملك النصاب على الخلاف واليمين ها هنا هو السبب والحنث شرط فجاز تقديم الكفارة قبل الشرط بعد السبب ولا يجزئ قبل السبب اتفاقا حكاه في الإكمال بتقدم العفو على الجراحة وإسقاط الشفعة قبل البيع وفي الجواهر هل الحنث شرط أو ركن قولان وخرج الخلاف عليه وبهذا يظهر الجواب عن قول الشافعي في الصوم فإن الصوم قبل الهلال تقديم على السبب وعلى قول ح في القياس في تلك الصورة لأنه يلزم التقديم على السبب بخلاف صورة النزاع وعن قوله ما ليس بواجب لا يجزئ عن الواجب بتقديم الزكاة الثانية الواو لا تقتضي الترتيب على الصحيح والفاء تقتضيه فملاحظة الواو في قوله عليه السلام فليأت الذي هو خير وليكفر لا تقتضي تأخير الكفارة عن الحنث أو تقتضيه لأنها للترتيب عند الكوفيين وبعض الفقهاء وبتقدير تسليمه فالجواب عنه أن الفاء في قوله فليكفر تقتضي التعقيب لرؤية ما هو خير من المحلوف عليه فلا يتقدم عليه الحنث فيكون تعقيبها في هذه الرواية معارضا لترتيب الواو في الرواية الأخرى وينعكس هذا التقدير بعينه فيقال الفاء في قوله عليه السلام فليأت يقتضي تعقب الحنث لرؤية ما هو خير الثالثة ترتيب الحكم على الوصف يدل على سببية ذلك الوصف لذلك الحكم نحو اقتلوا الكافر واقطعوا السارق وقوله تعالى ( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) المائدة 89 ولم يقل إذا حنثتم يقتضي أن السبب إنما هو الحلف فهذه القواعد هي مدارك العلماء في هذه المسألة تفريع قال اللخمي الحالف إن كان على بر فأربعة أقوال كراهية التكفير لمالك والإجزاء له والمنع أيضا له ويخصص الجواز بكفارة اليمين دون الطلاق والعتق والصدقة والمشي ما لم تكن آخر طلقة أو عبد معينا وإن كان على حنث فالإجزاء لمالك وإن ضرب أجلا فثلاثة أقوال عدم الإجزاء في الكتاب لابن القاسم والإجزاء له في كتاب محمد والتفرقة بين اليمين بالله فيجزي وغيره فلا يجزئ الحكم الثاني لا يجوز أن يطعم جملة الطعام لمسكين واحد وقاله ش وابن حنبل وقال ح يجوز محتجا بأنه سد عشر خلات في محل فهو كسد عشر خلات في محال لأن المطلوب سد الخلة لا محلها وجوابه أن النص صرح بالعدد فيجب امتثاله ولأن الوصي لو صرح بالعدد لم تجز مخالفته اتفاقا فالله تعالى أولى بذلك ولأنه يتوقع في العدد ولي تستجاب دعوته ويتعين أن تحفظ بنيته ما لا يتوقع في الشخص الواحد فهذه المصالح هي الموجبة لتصريح الشرع بالعدد فلا تهمل تصريحه الحكم الثالث تلفيفها قال اللخمي اختلف قول ابن القاسم لو أطعم خمسة وكسا خمسة ففي الكتاب المنع لأن الله تعالى خير بين الأنواع دون أجزائها وقاله ابن حنبل و ح وفي كتاب محمد الإجزاء قال وهو أحسن وقاله الحنفي لأن كل واحد من النوعين سد مسد الآخر قال محمد من عليه ثلاث كفارات فأعتق وكسا وأطعم وأشرك في الجميع بطل العتق ويعتد من الإطعام بثلاثة ويكمل عليها سبعة وكذلك الكسوة ويكفر عن يمين بما أحب فإن أحب أن يكسو عما بقي عليه أو يطعم سبعة عشر لأن الذي يحصل له ثلاثة قال وهذا غلط بل يحتسب بثمانية عشر على القول بجواز التلفيق وعلى المشهور يحتسب بتسعة لأنه أطعم عشرة عن ثلاثة أيمان يجزيه منها ثلاثة عن كل يمين ويبطل مسكين واحد للشركة فيه وكذلك الكسوة فعلى الأول يجزيه اثنا عشر وعن الثاني يخير بين إطعام أحد وعشرين أو كسوتهم وفي الكتاب من كسا وأطعم وأعتق عن ثلاثة أيمان ولم يعين أحدهما لأحدهما أجزأه لأن النية لا تحتاج إلا عند الاختلاف لأنها شرعت لتمييز مراتب العبادات عن العادات أو مراتب العبادات في أنفسها وأسباب الكفارات مستوية ولا يجوز اخراج قيمة الكسوة لدلالة النص عليها كما في الزكاة الحكم الرابع إجزاء التكفير عن الغير ففي الكتاب المكفر عن غيره بعير إذنه أو بغير أمره أجزأه كالتكفير على الميت وقال ش يجزئه بإذنه دون عدم إذنه لأن أذنه ينزل منزلة الوكالة في التمليك والتكفير وقال ح إن لم يذكر البدل لم يجزئه ووافقنا في الإطعام والكسوة لنا على الفريقين أنه قام عنه بواجب فوجب خروجه عن العهدة كرد الوديعة والمغضوب عنه ولأنه إحسان فيكون مأمورا به لقوله تعالى ( إن اله يأمر بالعدل والإحسان ) النحل 90 وإذا كان مأمورا به يجزئ ولا لعرى الأمر عن المصلحة وهو خلاف الأصل الفصل الثالث في المخاطب بالكفارة وفي الجواهر هو المسلم لعدم صحة العبادة من الكافر المكلف لأنها من الواجبات على الحانث لتحقق السبب شرطه وفي التنبيهات في يمين الصبي يحنث بعد البلوغ تلزمه الكفارة وينبغي أن يتخرج هذا على أن الحنث سبب أو شرط وقال ابن حبيب ينعقد يمين الكافر وتلزمه الكفارة حنث في الكفر أو في الإسلام لقول عمر رضي الله عنه يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف يوما في المسجد فقال عليه السلام أوف بنذرك ولأنه يستحلف عند الحاكم فينعقد يمينه كالمسلم والجواب عن الأول أن مراده أيام الجاهلية بعد الإسلام ولم يقل وأنا كافر وعن الثاني الكفارة عبادة تفتقر إلى نية فلا تلزمه كالطلاق وفي الكتاب الكافر يحلف فيحنث بعد إسلامه لا كفارة عليه وإذا أطعم العبد أو كسا بإذن سيده رجوت أن تجزئه وليس بالبين لضعف ملكه والصوم أحب إلي ولا يجزئه العتق ولو أذن له السيد لأن الولاء لسيده ولو حنث وهو رقيق وكفر بعد عتقه أجزأه قال ابن يونس قال ابن حبيب إذا أذن السيد في الإطعام والكسوة لم يجزئه الصوم وقال أبو محمد يجزئه على مذهب المدونة لضعف إذن السيد قال بعض الأصحاب إذا أذن السيد ثم رجع قبل التكفير فله ذلك لأن الإطعام باق على ملكه حتى يخرجه وقيل إن كان العبد حنث لم يكن له الرجوع وإلا فله
كتاب النذر
وفي الإكمال نذر بكسر الذال المعجمة نذارة علم بالشيء ونذرت لله تعالى نذرا يفتحها ومعناه وعدت وقال عرفة النذر ما كان وعدا على شرط فمن قال لله علي دينار صدقة فليس بنذر فإن قال إن شفي الله مريضي فهو نذر وبه قال ش ولم يجب الوفاء بغير المعلق وإن استحبه لعدم تناول النصوص إياه قال وقال جماعة من الفقهاء الوعد المجرد يسمى نذرا لقول جميل ( فليت رجالا فيك قد نذروا دمي ** وهموا بقتلي يا بثين لقوني ) وقال عنترة ( الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ** والناذرين دمي ولم ألقاهما ) ويتمهد فقه الكتاب ببيان الملتزم والملتزم وصيغة الإلتزام فهذه ثلاثة أبواب
الباب الأول في الملتزم
2 وفي الجواهر هو المكلف المسلم لأن الصبي لا يتوجه عليه الوجوب والكافر لا تتوجه عليه العبادات أعني فعلها ( الباب الثاني( في الملتزم ) 2 وهو إما فعل أو ترك وكلاهما إما مندوب فيلزم أو واجب فهو على أصله لم يتغير بالنذر أو مكروه أومحرم فهو على أصله لقوله عليه السلام في البخاري من نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه فخصص الوجوب بالطاعة فتأثيره عندنا خاص بالمندوب كيف كان من جنسه واجبا أم لا وأوجب ابن حنبل في نذر المباح كفارة يمين لأنها عنده واجبة في نذر المعصية فقاس المباح بطريق الأولى ولأن امرأة قالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال عليه السلام أوف بنذرك إلا أنه خير بين فعل المباح وبين الكفارة وكذلك خير في نذر اللجاج ولم بشترط كون المنذور قربة ولا من جنسه واجب والجواب عن الأول منع الحكم في الأصل وما ورد في قوله عليه السلام ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وليكفر كفارة يمين فالمراد الإتيان بما يزيل الإثم من حيث الجملة لأن الحسنات يذهبن السيئات ولقوله عليه السلام من قال واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال تعالى أقامرك فيصدق وعن الثاني اظهار المسرة له عليه السلام به مندوب وقال المتقدمون من الشافعية لا يلزم بالنذر إلا مندوب من جنسه واجب احترازا من تجديد الوضوء لأنه ليس في الشرع وضوء واجب من غير حدث ونحو عيادة المرضى وزيارة القادم وإفضاء السلام وقال متأخروهم المندوبات كلها تلزم بالنذر إلا ما يفضي إلى ترك رخصة احترازا من نذر الصوم والإتمام في السفر أو القيام في الصلاة للمريض والمباحات التي يتصور وقوعها قربات كالأكل ليقوى على العبادة وكذلك النوم لنا الحديث السابق وقال الحنفية لا بد أن يكون من جنسه قربة واجبة كمتقدمي الشافعية ولم يشترطوا التعليق على الشرط خلافا ل ش وقالوا المعلق إن كان شرطه قربة وجب الوفاء به أو مباحا أو معصية خير بينه وبين كفارة يمين لنا الحديث السابق وهو يقتضي وجوب الطاعة على الإطلاق وصفة العبادات كإطاعة الركوع والمباح الذي يمكن التقرب به كالنوم لقيام الليل فرع فإن التزم تحريم ما ليس بحرام كالطعام والشراب قال في الجلاب هو حلال ولا كفارة عليه إلا أن يكون ذلك في أمة وينوي به عنقها فتعتق وقال ح وابن حنبل كفارة يمين في المأكول والمشروب دون الملبوس لقوله تعالى ( ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) التحريم 1 وقد حرم عسلا فأمره لله تعالى بالكفارة وجوابه ما روى ابن وهب أنه عليه السلام إنما حرم أم ولده وقياسا على الملبوس تفريع وفي الجواهر أن التزم مطلق الصوم فيوم إلا أن ينوي أكثر أو مطلق الصلاة فركعتان أو مطلق الصدقة فأقل ما يتصدق به أو الاعتكاف فليلة ويوم أو الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام قعد وفيه أشكال من جهة أن القعود ليس بقربة أو اعتكاف ليلة قال مالك يلزمه يوم وليلة لأن العرب تعبر عن اليوم بالليلة لقوله عليه السلام من صام رمضان وأتبعه بست من شوال ولم يقل بستة وناذر صوم نصف يوم أو بعض ركعة يتمهما كالمطلق نصف طلقة والمعتبر في النذور النية فإن عدمت فالعرف فإن كان للفظ مقتضيان ففي حمله على الأول أو على الأكثر قولان نظرا إلى أن الأصل براة الذمة أو إلى الأحوط ومتى التزم ما ليس في ملكه فالمشهور لزومه إذا ملكه وفي المنتقى إذا لم يعين لنذره مخرجا فكفارة يمين فإن قال علي نذران فكفارتان والفرق بينه وبين اليمين أن موضوع اليمين للتأكيد والنذر للالتزام فلذلك اتحدت الأيمان وتعددت النذور وستأتي زيادة تقرير وفي البيان اقائل علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به عليه كفارة يمين لأن الوفاء بهذا النذر المطلق ثم أنواع القربات التي يتسع الكلام فيها سبعة النوع الأول النسك ففي الكتاب إن كلمت فلانا فعلي المشي فكلمه لزمه المشي في حج أو عمرة وقاله ش وابن حنبل والمدرك إما لأن الحج والعمرة العادة تلزم أحدهما وأما لأن دخول مكة لا يتأتى إلا بالإحرام بأحدهما فكان الفظ دالا عليهما بالإلتزام قال ابن يونس وإحرامه من الميقاة لا من موضعه قال اللخمي الناذر المشي إن نوى حجا أو عمرة أو طوافا أو صلاة لزمه ويدخل محرما إذا نوى حجا أو عمرة وإن نوى طوافا يخرج دخوله محرما على الخلاف في جواز دخوله مكة حلالا وناذر السعي وحده يختلف فيه هل يسقط نذره أو يأتي بعمرة لأن السعي ليس بقربة بانفراده فيصحح نذره بحسب الإمكان وإن نوى الوصول خاصة معتقدا أن ذلك قربة فلا شيء عليه أو معتقدا عدم القربة فتكون معصية فيستحب له أن يأتي بذلك المشي في عمرة أو طواف ليكفر عنه فإن التقرب إلى الله تعالى بما ليس بقربة أو بقربة بدون شرطها كصلاة الحائض أو جزئها كصيام نصف يوم معصية لأنه سوء أدب مع الله تعالى وإنما صححنا نذره بالتكميل لأن القاعدة أن يصرف العاقل متى دار بين الإلغاء والإعتبار وكان حمله على الاعتبار أولى صونا للإنسان عن خطط الفساد وإن لم يكن له نية وكان من أهل المدينة مشى في حج أو عمرة لأنها عاداتهم فقام مقام الصريح أو من أهل المغرب مشى في حج لأنه عادتهم وعلى أحد قولي مالك في أن اللفظ يحمل عند عدم النية على اللغة دون العرف يسقط نذره لأن المشي وحده ليس بقربه فرع في البيان إذا نذرت المرأة المشي إلى بيت الله تعالى لزوجها منعها كما يمنعها التطوع لأنها متعدية عليه وفي الكتاب القائل علي المشي ولم يقل إلى بيت الله إن نوى مكة مشى وإلا فلا لأنه متردد فلا تتعين القربة إلا بالنية وكذلك السفر أو الإنطلاق قال اللخمي اختلف قول ابن القاسم في الإيجاب بالركوب وأوجب أشهب بهذه كلها الحج أو العمرة والقائل إلى بيت الله هو الكعبة إلا أن ينوي غيره لاشتهاره ولا يلزم المشي إلا من قال علي المشي إلى مكة أو المسجد الحرام أو الكعبة أو الحجر أو الركن بخلاف الصفا والمروة ومنى وذي طوى والحرام وعرفة ومزدلفة وغيرها من جبال الحرم فلا يلزمه ذلك وقال ابن حبيب إن نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزمه وإلا فلا قال اللخمي وإن قال علي ركوب إلى مكة فألزمه مالك مرة ولم يلزمه أخرى وإن قال علي الذهاب أو السير أو الانطلاق إلى مكة لم يلزمه وألزمه أشهب في ذلك كله الحج أو العمرة وقال ابن القاسم أيضا في المشي إلى مكة لا شيء عليه قال ولا فرق بين هذه الألفاظ لدلالة جميعها على الوصول إلى مكة فإن حمل قوله على العادة وتأخر الوصول وهو في الحج أو العمرة لزمه ذلك في جميعها وإلا لم يلزمه شيء وقال أصبغ يلزمه في ذلك كل ما هو في داخل القرية كالصفا والمروة والأبطح والحجون وقعيقعان وأبي قبيس فإنه لا وصول للبلد إلا بالإحرام فاعتبر الدلالة المعنوية دون العادية وقال ابن حبيب تلزمه إذا سمى الحرم أو ما هو فيه لدلالته على القرية دون ما خرج عنها إلا عرفات لأنه من مشاعر الحج وألزمه ابن القاسم بالقرية دون الصفا والمروة وهما داخلان فيها ومن المشاعر وألزمه بالمسجد دون المقام وهو داخل المسجد قال وهو مشكل لأن اللغة لا تقتضي ذلك واستلزام القرية مشترك بينهما واعلم أن الظاهر أن ابن القاسم وجد في هذه الألفاظ عرفا في زمانه فاعتبره ثم زال وبقيت الفتوى قال اللخمي وناذر المشي لا يجزئه الركوب لأنه أفضل وناذر الركوب لا يجزئه المشي إن قصد نفقة ماله في الركوب وإلا أجزأ وإن قال علي المشي أو الذهاب أو الانطلاق يخير بين المشي والركوب فرع في الكتاب القائل علي المشي إلى بيت الله إلا أن يبدو لي أو أرى خيرا من ذلك يلزمه المشي وإن قال إن شاء فلان فلا يلزمه إلا أن يشاء فلان قال ابن يونس إلا أن يتضمن نذره فعلا نحو إن كلمت زيدا فينفعه ذلك وكذلك الطلاق والعتاق قال القاضي إسماعيل لا ينبغي الخلاف في عدم اللزوم لأنه معلق على مشيئة آدمي وأنكر ذلك في المبسوط وكذلك عبد الحق في تهذيب الطالب تمهيد أعلم أن كلام الكتاب وابن يونس في غاية الخفاء على المحصلين فضلا على المبتئدين ومثل هذه الحجة العمياء والداهية والدهياء قول صاحب الجلاب القائل إن كلمت فلانا فعلي الحج إلى بيت الله إن شاء الله فكلمه لم يلزمه شيء إن أعاد الاستثناء على كلام زيد وإن أعاده على النذر لم يسقط عنه شيء فإعادته على كلام زيد إما بإعتبار وجوده أو باعتبار عدمه والأول لا يسقط النذر لأنه لو لم ينطق بالمشيئة لكانت معلومة فإنه من المحال أن يكلم زيدا إلا بالمشيئة والمعلوم في حكم إذا صرح به لا يغير ذلك الحكم والثاني معناه يلزمني الحج على تقدير الكلام إن أراد الله تعالى عدمه وإن أراد الله تعالى عدمه لا يقع بسبب عدم اللزوم والتقدير وقوعه فيتناقض قوله والتقدير أن كلامه لا تناقض فيه وكشف الغطاء عن الحق أن يقال الأسباب الشرعية قسمان منها ما وضعه الله تعالى في أصل شرعه وام يكله إلى خيرة خلقه كالزوال للظهر ورؤية الهلال للصوم ومنها ما فوضه لخيرة عباده فإن شاؤا جعلوه سببا وإلا فلا وهو شروط التعليق فمن شاء جعل دخول الدار سببا لطلاق زوجته بتعليقه عليه ومن لم يشأ يكن سببا في حقه وكذلك سائر النذور وغيرها وكل سبب مفوض إلى العبد لا يصير سببا إلا أذا جزم بسببيته فمعنى عود المشيئة على كلام زيد أي لا أجزم يجعله سببا إلا ان شاء الله تعالى جعله سببا وإلا فلا والله تعالى لم يشأ لأنه لم شاء لجزم العبد فجعله سببا لأنه لا طريق لسببيته إلا ذلك وإذا لم يكن كلام زيد سببا لا يلزم الحج به أما إذا أعاده على الحج فمعناه إني جزمت بجعله سببا فإن شاء الله تعالى لزمني الحج به على تقدير الكلام قلنا له قد شاء الله بالضرورة أنا نعلم أن من أراده الله تعالى لسبب حكم فقد أراده بذلك الحكم فمن أراده الله تعالى باصدار الصيغة المعتبرة في البيع فقد أراده بين نقل الملك بالضرورة ومن أراده بالسرقة المعتبرة فقد أراده باستحقاق القطع وكذلك سائر الأسباب والأحكام وقد صحت فجعل الكلام سببا للحج فنجزم نحن بأن الله تعالى أرادك بحكم هذا السبب فيلزمك الحج ومعنى قوله في الكتاب إلا أن يبدو لي أي جزمت بالإلتزام وإن بدا لي نقصته وهو إذا جزم فلا خيرة له بعد ذلك فإن الالتزام سبب وليس للمكلف خيرة في إبطال الأسباب الشرعية ولا في اقتطاع مسبباتها ويهذا يظهر الفرق بين هذا وبين قوله علي الحج إن شاء فلان لأنه لم يجزم بالسبب الذي هو الإلتزام بل علق ذلك على شرط ولم يعلم وجوده إلى الآن فإذا وجد انعقد السبب فلو فرضناه جزم باللزوم وقال إن شاء فلان لم يلزمني شيء لم ينفعه وإلى هذا المنهاج أشار ابن يونس فهذه قواعد مجمع عليها عقلا ونقلا يخرج عليها كلامهم رحمهم الله فعلى هذا إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق أو عبدي حر إن شاء الله وإن شاء زيد أمكن انتفاعه بهذا الاستثناء وعدم انتفاعه ومعنى قول مالك وأصحابه إن المشيئة لا تنفع في الطلاق ونحوه أي في حل السبب الملزم كما يحل اليمين فلا تلزم الكفارة أما إذا علق عليها سببيه المسبب فيتعين الجزم بنفعها وان لا يختلف فيه غير أن أبا الطاهر قال إن المشيئة إن عادت إلى الفعل دون اليمين فقولان المشهور إنها لا تنفع وهو يتجه إذا أعادها على الفعل باعتبار عدمه حتى يكون علق على كلام زيد على تقدير إرادة الله تعالى لعدمه فيكون محالا فيجزي فيه الخلاف في التعليق على المستحيل أما على ما قررته فلا يتأتى الخلاف ولهذا قال صاحب المقدمات وعلى ابن القاسم في قوله إن صرف الاستثناء إلى الفعل لا ينفع درك عظيم لأنه علق على صفة مستحيلة وهو فعل ما لا يشاءه الله تعالى قال والأصح من جهة النظر خلافه وإذا أحطت بهذه المدارك أمكنك صرف كل فتيا إلى مدرك يليق بها ولا يشكل عليك بعد ذلك شيء تنبيه قول الأصحاب التعليق على مشيئة الله تعالى تعليق على مشيئة من لا نعلم مشئيته بخلاف التعليق على مشيئة آدمي هو على العكس لأن متعلق مشيئة الله تعالى إما الوجود وإما العدم والواقع أحدهما بالضرورة وهو مراد الله تعالى بالضرورة فمشيئة الله تعالى معلومة بالضرورة اما مشيئة غيره فإنها تعلم بإخباره وهي لا تفيد العلم بل الظن فعلم أن مشيئة الله تعالى معلومة ومشيئة غيره غير معلومة فرع في الكتاب ناذر المشي حافيا ينتعل ويستحب له الهدى لأنه عليه السلام رأى امرأة تمشي حافية ناشرة رأسها فاستر منها بيده وقال ما شأنها فقالوا نذرت أن تحج حافية ناشرة رأسها فقال عليه السلام فلتتخمر ولتنتعل ولتمش ونظر عليه السلام إلى رجل يمشي إلى الكعبة القهقري فقال مرة فليمش لوجهه وإن قال إن فعلت كذا وكذا حملت فلانا إلى البيت وأراد التعب بحمله حج ماشيا واهدى وليس عليه إحجاج الرجل وإلا حج راكبا وأحج الرجل معه ولا هدي فإن امتنع الرجل تركه ولا شيء عليه وأنه نوى احجاج الرجل من ماله فليس عليبه إلا إحجاجه فإن امتنع سقط النذر والناذر حمل عمود أو غيره إلى مكة طلب المشقة يحج ما شاء غير حامل شيئا ويهدي قال ابن يونس إذا أراد التعب بحمل الرجل قال بعض شيوخنا يستحب الهدي كهدي ناذر الحفا وإذا لم يرد حمله قال بعض فقهائنا إنما يلزمه الحج بنفسه إذا نوى ذلك ثم إذا تعين المشي فالكلام في مبدأه ومنتهاه والعجز عنه فهذه ثلاثة أطراف الطرف الأول المبدأ وفي الكتاب يمشي الحالف من مكانه حلفه لأنه موضع السبب إلا ان ينوي غيره وإن قال إن كلمت فلانا فأنا محرم بحجة أو عمرة فكلمه في غير أشهر الحج لم يلزمه الحج إلا إلى أشهر الحج إلا أن ينوي من حيث حنثه وإن كان في غير أشهر الحج ويحرم بالعمرة وقت حنثه إلا أن تبعد ارفقة ويخاف فيؤخرها حتى يجد فيحرم ويحرم بالحج والعمرة من موضعه لا من ميقاته إلا أن ينوي وقد تقدم في الحج ان الميقاة المكاني أخف من الزماني وتقدم تقريره فلذلك قال يؤخر إلى الأشهر دون الميقاة المكاني والقائل أنا محرم يوم افعل كذا ففعل فهو محرم في ذلك اليوم توفية بمقتضى الصيغة قال ابن يونس قال محمد لو حلف بمصر وحنث بالمدينة فليرجع إلى مصر حتى يمشي قال عبد الملك إذا حنث ببلد الحلف فليمش من تلك المدينة من حيث شاء قال محمد وإن حنث بغير البلد الذي حلف فيه وهو ممن لا يقدر على المشي فليرجع إلى ذلك البلد ثم يمشي فيه ما قدر ثم يركب ويهدي قال أصبغ إن كان قريبا وليس عليه فيه مضرة رجع وإلا مشى من حيث حنث وأهدى قال محمد قال مالك وله أن يمشي في طريق أخصر من طريق قال اللخمي ان انتقل إلى بلد آخر مثله في المسافة مشى منه لأن المقصود عدد الخطى في القربة فإن انتقل إلى أقرب منه باليسير فقيل يجزئه وقال أبو الفرج يهدي هديا ويجزئه وإن كثر البعد لم يجزه وإذا قال علي المشي إلى مكة وهو بها خرج إلى الحل وأتى بعمرة لأن المفهوم من قوله أن يأتي إليها من غيرها وأقل ذلك أوائل الحل والقائل على المشي إلى المسجد وهو بمكة مشى إلى المسجد من موضعه وقال مرة يخرج إلى الحل وإن قال وهو في المسجد علي المشي إلى مكة خرج إلى الحل ودخل بعمرة وقال سحنون إذا قال فأنا محرم فهو محرم بنفس الحنث وهو الحج والعمرة وإن قال أنا أحرم لم ينعقد عليه بنفس الحنث حتى يحرم وقال عليه أن يحرم وإن لم يجد صحبة والقائل أنا محرم يوم أكلمه ولا يكون محرما بمضي ذلك اليوم ويجري فيه الخلاف بين مالك وسحنون وقال ابن يونس الحالف بصقلية قال أبو عمران يلزمه المشي من أقرب البر الذي يليه من افريقية وهو بين لأنه العادة في حلفهم وقيل من الإسكندرية لأنهم إنما يأتون افريقية للتجر وقوله لا يحرم حتى تدخل أشهر الحج محمول على ما إذا كان يصل أما البلد البعيد فيحرم في الوقت الذي يصل فيه وقال ابن القابسي يخرج من بلده غير محرم ويحرم حيث أدركته أشهر الحج والأول لأبي محمد وهو أولى لأنه المفهوم من قوله إن كلمت فلانا فأنا محرم بحجة الطرف الثاني نهاية المشي ففي الكتاب يمشي في العمرة حتى يسعى وإن ركب بعد السعي فلا شيء عليه وفي الحج إلى طواف الإفاضة وقاله ش لفراغ أركان النسكين وله الركوب في رجوعه من مكة إلى منى وفي رمي الجمار بمنى وأن آخر طواف الإفاضة فلا يركب في الرمي لبقاء ركن الحج وله الركوب في حوائجه كما يركب في المدينة فإن المشي إنما هو قربة في آخر العبادة وإذا ذكر حاجة نسيها ركب في رجوعه لها ويركب في المناهل قال ابن يونس قيل لابن القاسم لم لا ينتهي مشيه إذا انتهى إلى البيت وهو إنما الزم نفسه المشي إلى البيت قال لأن الله تعالى يقول في الهدي ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) الحج 33 ومحلها في الحج منى الطرف الثالث في العجز عن المشي ففي الكتاب يركب فيما عجز فإذا استراح نزل ثم يمشي ثانيا فيما ركب فقط ويهدي لتفريق المشي قال ابن عباس ينحر بدنة فإن عجز عما بقي عليه من المشي ثانيا لم يعد ثالثة وأهدى ولم علم في الثانية عجزه عن المشي قعد وأجزأه الهدي فإن علم عجزه ابتداء فإن كان شيخا ومنا أو امرأة ضعيفة أو مريضا ايس من البرء خرج راكبا ومشى ولو نصف ميل وأجزأه مع الهدي بعد ذلك لقوله عليه السلام إذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا رجا المريض قدرة على المشي انتظرها وإذا مشى حجه كله وركب في الإفاضة أو ركب الأميال لمرض لم يعد ثانية وأهدى ولو مشى السعي فقط قضى مشيه قابلا فيما ركبه قال ابن يونس لأنه ركوب كثير ولأن ركوبه في مواضع الحج أسهل ممن ركب في الطريق اليوم واليومين قال مالك ويهدي أحب لي من غير إيجاب ولم ير عليه الهدي مثل من عجز في الطريق عجزا يوجب الرجوع لأنه بلغ مكة وطاف وتم مشيه عند بعض الناس وفي الكتاب يرى عليه الهدي والرجل والمرأة سواء وله جعل مشيه الثاني في عير ما مشي فيه أولا إن أبهم نذره وإلا ففي مثل الأول لتعيينه ولا يجعل الأول ولا الثاني في فريضة قال ابن يونس قال محمد إذا مشى الطريق كله في عوده فلا هدي عليه لأنه لم يفرق مشيه قال ابن حبيب من ركب ليقص الطريق من غير عذر أهدى بخلاف العذر قال أبو الطاهر وظاهر المذهب لا فرق بين العذر وغيره وقد نص عليه في كتاب محمد وليس هذا مثل صيام التتابع لأنه لو لم يصل المشي المتتابع اجزأه والقاعدة إن العبادة تلزم بالشروع كما تلزم بالنذر وإنما جعله يمشي ثانيا في حج أو عمرة إذا كانت يمينه مطلقة لأن رجوعه لنذره لا لما شرع فيه قال ابن حبيب والهدي ها هنا بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فشاة فإن لم يجد فصيام عشرة أيام متى شاء وتجزئ شاة مع القدرة على الثلاثة قال اللخمي أما إذا كان المشي نصف الطريق فأكثر قال عبد الملك يمشي الطريق كله ونحوه لمالك وإن كان نذره من مكان بعيد نحو مصر فلمالك في رجوعه قولان قال وعدم العود أحسن لعدم المشقة كما أنه لو كان من المغرب لم يعد بحال وهذا كله في المضمون أما عام تعينه فلا يقضي ولو مرضه كله وإن حضر خروج الحاج وهو في القرب مثل المدينة وهو مريض خرج راكبا وإن كان مضمونا أخر لعام آخر ولو نوى المريض أن يمشي قدرته لم يكن عليه هدي وكذلك الشاب الضعيف القوة والمرأة الشابة التي مشيها عورة تمشي الأميال عزلة عن الناس ثم تركب وتهدي وقال ابن حبيب له جعل المشي الثاني في حج إذا نوى الأول في عمرة لاندراج العمرة في الحج فرع في الكتاب الناذر من المشي ما لا يبلغه عمره يمشي ما قدر عليه ويتقرب إلى الله بما قدر عليه من خير له لقوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن 16 قال ابن يونس قال بعض فقهائنا إن عجز هذا وركب لا يرجع ثانية لأجل ركوبه وعليه الهدي لذلك لأنه يرجع فيما عليه من النذر قال أبو محمد فله أن يجعل الثاني في حج أو عمرة لعله يريد إن لم يركب أولا في حجته في المناسك ولو ركب بمنى وعرفة ومزدلفة في حجه الأول كيف ينبغي أن يجعل الثانية في عمرة وهو لا يصل أن يمشي ما ركب وعن سحنون لا يجعل الثانية في عمرة لأنها أقصر من عمل الحج يريد إن كان مشيه في غير المناسك فرع في الكتاب إذا نوى بحجه فرضه ونذره أجزأه لنذره وقضى فرضه أو قارنا العمرة لنذره والحج لفرضه لم يجزه من الفرض وعليه دم القران وقال اللخمي ولمالك في القارن يجزيء في النذر ويقضي الفرض لقوته وله أيضا لا يجزيء عنهما للتشريك قال وأرى أن يجزيء عنهما لأن القران لا يحل بفريضة الإسلام وكل ما جاز تطوعا حاز وفاء النذر به قال ابن يونس قال محمد في المفرد هذا إذا لم يكن ينوي بنذره حجا ولا عمرة وأما إذا نوى فلا يجزيء عنهما لأنه لو مشى بحج لنذره ففاته لم تجزئه عمرة التحلل عن مشيه فكذلك ها هنا لأنه يصير لكل واحد منهما نصف حجة وهما حجتان أما إذا لم ينو فهو الذي قال فيه يجزئه لنذره وقال عبد الملك يعيدهما جميعا استحسانا وقال المغيرة يجزئه عن الفريضة لأنها أولى باستحقاق العمل ويعيد النذر قال محمد فلو أحرم بفريضة الحج ونوى مشيها لم يلزمه ذلك إلا بنذر قال ويلزم ذلك في المحرم بنافلة ينوي قيامها فله صلاتها جالسا وكذلك لو نوى قراة سورة طويلة النوع الثاني اتيان المساجد ففي الكتاب القائل علي إتيان المدينة أو بيت المقدس أو المشي إليهما فلا يأتيهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما أو ينوي فيهما أو يسميهما لتعيين القربة أو ما يلازمها وإن لم ينو الصلاة فيهما أتاهما راكبا ولا هدي عليه ولو نذر الصلاة في غيرهما من المساجد صلى بموضعه وقاله ش وابن حنبل قال اللخمي قال ابن وهب عليه أن يأتي مسجد المقدس والمدينة ماشيا وقال محمد إن قرب مشى وقال القاضي إسماعيل ناذر الصلاة في المسجد الحرام لا يلزمه الشي قال والمشي في ذلك كله أحسن لأن المشي في القرب قربة ومقتضى أصل مالك يأتي المكي المدينة لأنها أفضل فإتيانها من مكة قربة بخلاف الإتيان من المدينة إليها وقدم ش وابن حنبل المسجد الحرام عليها فإن قال علي المشي ولم يذكر مسجدا فلا شيء عليه عند ابن القاسم وعند أشهب عليه المشي إلى مكة قال ابن يونس يمشي إلى غير الثلاثة إن كان قريبا كالأميال الثلاثة اليسيرة ماشيا ويصلي فيه قال ابن حبيب إن كان بموضعه مسجد جمعة لزمه المشي إليه وقاله مالك وبه افتى ابن عباس في مسجد قباء وهو من المدينة على ثلاثة أميال وفي الجواهر الناذر المكي أو المدني الصلاة في بيت المقدس يصلي في مسجد موضعه لأنه أفضل والمقدسي يمشي إليهما والمدني إلى مكة والمكي إلى المدينة للخروج من الخلاف وأصل هذا الباب قوله عليه السلام لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد فذكر مسجده عليه السلام ومسجد إيليا والمسجد الحرام فاقتضى ذلك عدم لزوم المشي إلى غيرها فإن كل ما وجب المشي إليه وجب أعمال الركاب إليه وإلا فلا قاعدة النذر عندنا لا يؤثر إلا في مندوب فما لا رجحان في فعله في نظر الشرع لا يؤثر فيه وسائر المساجد مستوية من جهة أنها بيوت التقرب إلى الله تعالى بالصلاة فلا يجب الإتيان إلى شيء منها لعدم الرجحان ويختلج في نفس الفقيه أن المساجد أفضل من غيرها إجماعا وبعضها أفضل من بعض باعتبار كثرة طاعة الله فيها إما لقدم هجرته أو لكثرة جماعته أو لغير ذلك من أسباب التفضيل ومقتضى ذلك وجوب الصلاة فيها بالنذر لأجل الرجحان في نظر الشرع ويندفع هذا الإشكال بأن القاعدة الشرعية أن الفعل قد يكون راجحا في نفسه ولا يكون ضمه لغيره أو ضم غيره له راجحا وقد يكون فمن الأول الصلاة والحج راجحان وليس ضمهما راجحا في نظر الشرع وكذلك الصوم والزكاة بل قد يكون الفعلين راحجين وضمهما مرجوح كالصوم ووقوف عرفة والتنقل وصلاة العيد في المصلى والركوع وقراة القرآن والدعاء وبعض أجزاء الصلاة ومما رجح منفردا ومضموما الصوم والاعتكاف والتسبيح والركوع ونحو ذلك فاعتقاد رجحان المساجد على غيرها أو رجحان بعضها على بعض لا يوجب اعتقاد رجحان ضم الصلاة إليها لأن اعتقاد الرجحان الشرعي يوقف على مدرك شرعي بتوقيف على مدرك شرعي ولم يرد بل ورد الحديث المتقدم بعد ذلك النوع الثالث الهدايا وفي الكتاب القائل علي هدي فما نوى وإلا فبدنه فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فشاة ولو قال بدنة فلم يجدها فبقرة فإن لم يجدها فسبع من الغنم فإن لم يجد فلا يحب صوم فإن أحب فعشرة أيام لأنها بدل في دماء الحج فإن ايسر فعل ما نذر وإن قال لحر إن فعلت هذا أهديتك إلى بيت الله فيحنث فعليه هدي قال علي رضي الله عنه شاة تصحيحا لتصرف المكلف بأقرب وجوه الإمكان فإن قال عبد فلان أو داره أو شيء من ماله هدي فحنث فلا شيء عليه لقوله عليه السلام لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم قال اللخمي قال مالك في الحج القائل علي هدي يجزئه شاة والمدرك هل ينظر إلى أعلا مراتب الهدي احتياطا أو لأقله لأن الأصل براءة الذمة كمن نذر شهرا فقيل يصوم ثلاثين وقال ابن عبد الحكم تسعة وعشرين وهي قاعدة أصولية إذا علق الحكم على اسم هل يقتصر على أدناه أو يرتفع لأعلاه وقال ابن نافع لا تجزئه البقرة عند العجز لأن الناس لا يعرفون البدن إلا من الإبل وإن صدقت على البقر لغة قاله الخليل ودليل الغنم حديث جابر نحرنا مع النبي عليه السلام البدنة عن سبع والبقرة عن سبع وقال مالك أيضا إذا أعسر صام عشرة أيام إن قال علي هدي وإن قال علي بدنة صاح سبعين يوما وقال أشهب إن أحب صام تسعين يوما وقال أشهب إن أحب صام سبعين أو أطعم سبعين مسكينا لأن الكفارات لكل يوم مسكين وفي الكتاب القائل لله علي نحر جزور ينحرها مكانه وكذلك إذا قال بالبصرة وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال وقال أيضا ينحره حيث نوى لتعلق حق تلك المساكين بها قال ابن حبيب والحالف بصدقة ماله على بلد يتصدق به على مساكين تلك البلد والبحث ها هنا كالبحث في إتيان غير المساجد الثلاث وقد تقدم والناذر هديا معينا يوفي به إن كان يبلغ سالما من العيوب وفي سنن الهدى ويبعث الإبل وأن بعد الموضع وإن لم يبلغ بيع واشتري بثمنه من الإبل أن بلغ أو من البقر وإلا فمن الغنم والا تصدق بالثمن عند ابن القاسم حيث شاء وقال مالك يجعله فيما تحتاج إليه الكعبة قال والرأي أن يتصدق به بمكة ولو شرك به في هدي لكان له وجه ويشتري بموضع يرى أنه يبلغ أصلح ولا يؤخر إلى موضع أعلا إلا أن يتعذر سائقه فيؤخر الشراء إلى مكة ثم يخرج به إلى الحل لأنه شرط الهدي وإن وجد شراء الأقل ببعض الطريق وشراؤه بمكة يوجد أفضل اشتري الان وسيق إلى مكة وإن كان الأول خمسا أو ستا من الغنم ووجد بثمنها بقرة اشتراها وإن كانت ثماني فأكثر فشراؤها أفضل من شراء البدن إن كفاها الثمن لأن ابدنة جعلت عن سبع فالسبعة أفضل وأن نذر عبدا أو دارا بيعت واشترى من موضع هو أصلح قال أشهب إن نذر بدنة عوراء أو عرجاء معينة أهداها أو غير معينة أهدى سليمة قال وأرى المعين وغيره سواء إذا قصد القربة وإلا فهو نذر معصية وفي الكتاب القائل لله علي نحر بدنة أو هدي ينحر بمكة وإن قال جزور نحر بموضعه لأنه لفظ لا يختص بمكة وإن نوى موضعا أو سماه لا يخرجها إليه كانت معينة أو غير معينة وناذر مال غيره لا شيء عليه أو ماله يشتري بثمنه هديا فإن بعث به اشترى بثمنه هناك فإن لم يبلغ هديا فأقله شاة أو فضل عنه مالا يبلغ هديا دفع لخزنة الكعبة ينفق عليها قال ابن القاسم إن أحب تصدق به حيث شاء وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة غيرهم لأنها ولاية منه عليه السلام لدفعه المفاتح إلى عثمان بن طلحة وإن خاف على المنذور هديا عدم الوصول للبعد باعه واشترى بثمن الغنم غنما وبثمن الإبل إبلا وبثمن البقر بقرا ويجوز أن يشتري بثمن البقر إبلا لأنها لما بيعت صارت كالعين وأكره شراء الغنم بثمنها حتى يعجز عن البدن والبقر من مكة أوومن موضع تصل وإن ابتاعها من مكة أخرجها للحل ثم أدخلها الحرم لأنه شرط الهدي وفي الجواهر القائل علي هدي أن نوى شيئا فعله وإلا فبدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فشاة وقال أشهب أدنى ما يجزئه شاة إلا أن ينوي أفضل منها فرع في الكتاب القائل إن فعلت كذا فإني أنحر ولدي فعليه كفارة يمين قاله ابن عباس نظرا لفداء إسحاق عليه السلام أو لأنه نذر لا مخرج له لتعذر هذا المخرج شرعا ثم رجع مالك فقال فلا شيء عليه إلا أن يريد التقرب بالهدي فيهدي والقائل انحر ولدي بين الصفا والمروة أو بمنى فعليه الهدي لأن طرق مكة وفجاجها كلها منحر فصار للفظ دلالة على التقرب بالهدي لكن بما لا يجوز التقرب به فيسقط الخصوص لتعذره شرعا ويبقى العموم سالما عن المعارض وهو مفهوم الهدي فيوفي به ويلزمه في أبويه ما يلزمه بالولد قال ابن يونس قال ابن القاسم وكذلك الأجنبي وقال بعض فقهائنا إنما يهدي في الولد إذا ذكر فعلا نحو قوله إن فعلت وأما قوله علي نحر ولدي لله فلا شيء عليه لأنه نذر معصية قال والكل عندي سواء والصواب أن لا شيء عليه إلا أن ينوي وجه الهدي وفي الجواهر لو كان للحالف عدة أولاد أهدى عن كل واحد منهم هديا وقيل يكفي هدي النوع الرابع الضحايا في الجواهر القائل لله علي أن أضحي ببدنة لم تقم مقامها بقرة مع القدرة وفي إخراجها مع العجز خلاف وفي إخراج سبع من الغنم عند العجز عن بقرة خلاف وفي الكتاب الإجزاء فيهما تنيه الأصل في النذر أن لا يجزئ عنه غيره وإن كان أفضل منه عند الله تعالى فناذر التصدق بدرهم لا يجزئ عنه ألف وكذلك سائر المندوبات لأن النذر واجب وفعل غيره غير واجب وغير الواجب لا يجزئ عن الواجب خولفت هذه القاعدة في هذه المسألة المتقدمة على الخلاف وفي ناذر الركوب يجزئه المشي وليس منه ناذر الصلاة في المقدس وهو بالحرمين فإنه يصلي مكانه لأن الخروج من الحرمين للصلاة في غيرهما ليس قربة فلم ينعقد النذر في أصله لأنه عوض عما وجب بالنذر النوع الخامس الرباط ففي الكتاب ناذر الرباط أو الصوم بموضع اتيانه قربة كعسقلان والاسكندرية يلزمه ذلك وإن كان من أهل مكة والمدينة لأن الرباط فيهما للعدو وليس فضيلة في غيرهما قال اللخمي ولو نذر المكي اتيان هذه للصلاة فقط ويعود صلى موضعه ولم ياتها وفي الجواهر ولا يلزمه المشي ها هنا وإن سماه لعدم الدليل على كونه قربة في الرباط النوع السادس الصدقة ففي الكتاب القائل لله علي أن اهدي مالي أو مالي صدقة في سبيل الله أو أهدي أو حلف فحنث أجزأه الثلث وقاله ابن حنبل وإن سمى داراً أو دابة أو غيرهما أخرجه وإن أحاط بماله فكذلك إن سمى حرا ولو كان أكثر من ثلاثة أرباعه ما لم يقل الكل لما في الموطأ أن أبا لبابة حين تاب الله عليه قال يا رسول الله أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاروك وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول فقال له عليه السلام يجزئك من ذلك الثلث فقوله يدل على أنه التزم الصدقة بجملة المال لأن الأجزاء فرع شغل الذمة فإذا عين شيئا أخرجه لأنه يجوز أن يدخل في ملكه ما لا يعلمه بالميراث والأصل الوفاء بالصيغة وفي الصحيحين لا صدقة إلا عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول فتكون الصدقة بكل المال غير مطلوبة للشرع فلا تلزم بالنذر فرع قال صاحب تهذيب الطالب إذا أخرج الثلث أنفق عليه من عنده كالزكاة وقيل من الثلث قال ابن يونس هو كذلك إن قال هدي وإن قال صدقة وليس بالموضع مساكين قال مالك النفقة من الثلث أيضا ولو قال الثلثان فلا خلاف أن النفقة من عنده قال وينبغي أن لا فرق لأن من أوجب هديا فقد أوجب على نفسه إيصاله وروي عن عائشة رضي الله عنها تلزمه في صدقة ماله كفارة يمين وعن ابن مسلمة زكاة ماله وقال ابن نافع من تصدق بمعين وهو ماله كله اخرج الثلث وروي عن مالك إذا سمى أكثر من الثلث اقتصرعلى الثلث قال صاحب البيان وروى عن مالك إن كان موسرا فالثلث وإلا فربع عشره أو معدما فكفارة يمين والحالف بصدقة ما يكتسبه أبدا فيحنث فلا شيء عليه اتفاقا فإن قيده بمدة أو بلدة فكذلك عند ابن القاسم وقال أيضا يتصدق بالثلث وإذا قال كل مال أملكه إلى كذا من الأجل صدقة فخمسة أقوال ثلث ما يملكه الآن وما يملكه في المستقبل لابن عبد الحكم وثلث ما له الآن وجميع ما يملكه إلى ذلك الأجل لابن القاسم وثلث ما يملك الان فقط وجميع ما سيملكه فقط ولا شيء عليه مطلقا ومنشأ الخلاف لفظ أملكه هل هو موضوع للحال أو الاستقبال أو لهما وكله نقله النحاة وأما إذا نذر الصدقة بجميع ما يفيده إلى مدة أو في بلده أخرج ذلك قولا واحدا لقوله تعالى ( أوفوا بالعقود ) المائدة 1 وقوله تعالى ( ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما أتاهم من فضله يخلوا به وتولوا وهو معرضون ) التوبة 75 الآية قال وإن كان لم ينص في كتابه على الفرق بين النذر واليمين والوجه الفرق بينهما وفي الجواهر قال سحنون عين ما لا أن لا يخرج ما لا يضر به وفي الكتاب الحالف يهدي عبده المعين وجميع ماله يهدي المعين وثلث باقي المال وكذلك الصدقة وغيرها ولو قال فرسي ومالي في سبيل الله فليتصدق بثمن العبد في قوله صدقة وفي السبيل يدفع الثمن لمن يغزو به من موضعه إن وجد وإلا يبعث به والفرس وآلة الحرب يبعثه بعينه فإن تعذر بعث بثمنه يجعل في مثل المبيع بخلاف ثمن الهدي يباع إذا لم يبلغ ويشتري بثمنها إبل لأن المقصود من الجميع الأكل وأما في قوله صدقة فيبيع الجميع والسبيل هو الجهاد والرباط تفريع قال ابن يونس قال ابن القاسم إذا حنث مرة اخرى قبل إخراج الثلث أخرج الثلث وثلث الباقي ثم قال بكفيه الثلث وبالأول أخذ محمد وأشهب قال مالك إذا حلف بصدقة ماله ثم زاد ماله فعليه ثلث ماله يوم الحلف لأنه الذي يتناوله السبب وإن نقص فثلثه يوم حنث لأنه الممكن وإذا حنث ثم نما ماله ثم حنث فنما ماله فعليه ثلث ماله ثم حنث فنما ماله أخرج ثلث ما معه الآن لأنه ثلث الأول وثلث الزيادات وإن لم يزد لم يخرج إلا ثلثا واحدا ولو حنث وماله مائة ثم حنث وهو سبعون ثم حنث وهو أربعون فعليه ثلث المائة إلا أن ينقص ما بيده عنه فلا شيء عليه غير ما بيده إلا أن يذهب باتلافه أو أكله فيلزمه دينا عليه ولا يضمن بالتفريط في إخراجه قاله مالك لأنه كالشريك وقال محمد إن كان على حنث ضمن ما ذهب بسببه وإلا فلا وإذا اخرج الثلث فمن العين والدين وقيمة الكتابة وإن عجز المكاتب يوما وفي قيمة رقابهم فضل أخرج ثلثه ولا شيء في أم الولد ولا المدبر لتعذر بيعها وقال سحنون يخرج ثلث قيمة خدمتهم فإن لم يخرج ثلثه حتى ضاع فلا شيء عليه فرط أم لا وقال سحنون يضمن المفرط كالزكاة والفرق للمذهب أن الحالف بالصدقة قيل لا شيء عليه وقيل كفارة يمين بخلاف الزكاة فإن لم يكن له يوم حلف مال فلا شيء عليه فيما يتجدد لعدم تناول السبب إياه وفي الجواهر في الواضحة إن حلف فحنث وقد زاد ماله إن كانت الزيادة بمتجر فلا يلزمه إخراج ثلثها أو بولادة أخرج ثلثها وثلث الأصل والقائل كل ما أربحه في هذه السلعة صدقة يجري على الخلاف في قوله كل ما اكتسبه صدقة في مدة معينة أو بلدة وفي الكتاب القائل ما لي في الكعبة او رتاجها أو حطيمها فلا شيء عليه لأنها لا تنقض فتبنى والرتاج الباب ومنه أرتج على الخطيب والقارئ بتخفيف الجيم إذا انغلق دونه باب الكلام فإن قال في كسوة الكعبة أو طيبها دفع ثلث ماله للحجية وإن قال اضرب بمالي أو شيء بعينه حطيم الكعبة أو الركن فعليه حجة أو عمرة ولا شيء عليه في ماله لأن الضرب ليس بطاعة ويصحح لفظه بحسب الإمكان فيحمل على الوصول إليها للقربة المعتادة قال الله تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ) النساء 101 الآية قال اللخمي قال ابن حبيب يتصدق بماله النوع السابع الصوم وفي الجواهر الناذر الصوم يلزمه يوم وفي لزوم التتابع في الصوم المتعدد اقوال ثالثها إن ذكر أعواما أو شهورا جملة أو آحاد لزمه أو أياما فلا ومذهب الكتاب عدم اللزوم مطلقا وقال في الكتاب وناذر الشهور المتتابعة وغير المتتابعة له صومها بالأهلة وبغير الأهلة فإن صامها بالأهلة وكان الشهر تسعة وعشرين أجزأه أو بغير الأهلة أكمله ثلاثين وإن صام بعض شهر فله أن يصوم بالأهلة ثم يكمل الأول وناذر سنة غير معينة يصوم اثني عشر شهرا ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام الذبح وما صام من الأشهر فعلى الأهلة وما أفطر فيه لعذر أتمه ثلاثين ولو عين يوما بصوم تعين ولو شرط التتابع لزمه قاله في الكتاب والقائل أصوم هذه السنة لم يلزمه قضاء أيام العيد والتشريق ورمضان إلا أن ينويه وروي أن ناذر ذي الحجة يقضي أيام النحر إلا أن ينوي عدم القضاء والقولان في المدونة وبالأول أخذ ابن القاسم وفي الكتاب يصوم في السنة المعينة أخر أيام التشريق وما أفطره فيها لعذر فلا قضاء عليه وإلا قضاه وإن أفطر شهرا لغير عذر وكان تسعة وعشرين قضى عدد أيامه متتابعا أحب إلي ويجب قضاء ما أفطر في السفر قال في الكتاب لا أدري ما السفر قال ابن القاسم وكأنه أحب أن يقضي وهو خلاف نقل الجواهر وناذر سنة لا يكفيه إلا اثنا عشر شهرا ولا يسقط رمضان ولا العيدان والحيض وناذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا يصوم صبيحة تلك الليلة قاله في الكتاب وقال ش وابن حنبل لا يصوم لفوات شرط القدوم في اليوم وهو النهار لقوله تعالى ( فعدة من أيام أخر ) البقرة 184 وجوابه أن الليلة تبع للنهار لقوله عليه السلام من صام رمضان وأتبعه بستة من شوال ولم يقل بستة فإن قدم نهارا فقال ابن القاسم في الكتاب و ش و ح لا شيء عليه لتعذره عليه شرعا وقال أشهب يصوم غيره لأن الشرط يقتضي مشروطه بعده والقدوم في اليوم مشترط ولو قدم في الأيام المحرم صومها فالمنصوص نفى القضاء لتعذره شرعا والقضاء فرع سبب وجود الأداء قال عبد الملك ولو علم بقدومه أول النهار فبيت الصيام لم يجزئه لتقدمه على سبب الوجوب كالصلاة قبل الزوال وليصم اليوم الذي يليه ولو نذر صوم يوم قدومه ابدا لزمه إلا أن يوافق يوما محرما فلا يقضي وكذلك إن مرضه وقال ابن حبيب يقضي في المرض أول ما يصح ولو نذر صوم يوم سماه فوافق يوم حيض أو مرض لم يقضه قاله في الكتاب وكذلك لو كان شهرا وقيل يلزمه القضاء وفي الكتاب ناذر الشهر المعين يفطره متعمدا يقضي عدد أيامه متتابعات أفضل فإن نذره متتابعا بغير علة فأفطر منه ابتدأه وناذر صوم يوم بعينه يقطره متعمدا يقضيه وكره مالك نذر صوم يوم لوقته وناذر صوم الدهر يلزمه ولا شيء عليه لأيام العيد والحيض ورمضان وله الفطر بالمرض والسفر ولا قضاء لتعذره وقاله ش ونذر صوم يوم العيد أو الشك ملغى كنذر الصلاة في الأوقات المكروهة وقاله ش وهو مذهب الكتاب
الباب الثالث في صيغ الالتزام
2 وفي الجواهر فهي لله علي صوم أو نحوه مطلقا أو معلقا الشرط نحو إن شفى الله مريضي وقد تقدم أول الكتاب أن النذر الوعد كيف كان ومدركه فإن قال إن كلمت زيدا فعلي كذا ونحوه من الشروط المقصودة الإعدام لا الإيجاد لزم على المعروف من المذهب وحكي عن ابن القاسم تكفيه كفارة يمين وقاله ش وابن حنبل تمهيد في مسلم قال عليه السلام كفارة النذر كفارة يمين حمله ش وابن حنبل على نذر الحاج وهو ما قصد به حث على الإقدام والإحجام نحو إن عصيت الله تعالى فعلي صوم جمعا بينه وبين الإجماع على الوفاء بالنذر في الدراقطني قال عليه السلام من جعل المشي إلى بيت الله في أمر لا يريد به وجه الله تعالى فكفارته كفارة يمين وهو ضعيف السند وحمله مالك على النذر الذي لا مخرج له وهو اولى لوجوه أحدها أن لفظ الحديث مطلق فيجمل على المطلق الذي لا تعلق له وثانيها أن النصوص دالة على الوفاء بالملتزمات وهذا لم يلتزم شيئا معينا فتسلم النصوص على التخصيص بخلاف ما قاله وثالثهما ما في أبي داود قال عليه السلام من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين وهو مقيد فيحمل ذلك المطلق عليه قاعدة الأحكام الشرعية قسمان ما قرره الله تعالى في أصل شرعه ولم يكله إلى اختيار عبيده كالصلاة ونحوها ومنها ما وكله لاختيارهم وحصر ذلك في باب واحد وهو نقل ما شاءوا من المندوبات إلى حيز الوجوب بطريق واحد وهو نقل النذر بأي شيء أرادوا إيجابه بذلك وجب وإلا فلا ولما شرع الله تعالى الأحكام شرع لكل حكم سببا وجعل الأسباب قسمين منها ما قرر سببيته في أصل شرعه ولم يكله لاختيار عباده كأوقات الصلوات وأسباب العقوقات ومنها ما وكله لاختيارهم فإن شاءوا كان سبباً وإلا فلا وهو شرط النذر والطلاق والعتاق ونحوها فإنها أسباب يلزم من وجودها الوجود من عدمها العدم ولم يحصر ذلك في المندوبات كما عمل في الأحكام بل عمم ذلك في سائر الممكنات المستقبلات من الواجبات والمحرمات وما ليس من المكتسبات كهبوب الرياح ونزول الأمطار مما ليس فيه حكم شرعي ولا اكتساب اختياري فرع في البيان النذر إما مندوب وهو المطلق من غير شرط شكرا لله تعالى على ما قضى أو مكروه وهو المفكر مع الأيام مخافة التفريط أو مباح وهو المعلق على شرط مستقبل وفي الجواهر والمقدمات هذا هو المكروه عند مالك لما في مسلم أنه عليه السلام نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل قال والكل لازم وكيفما تصرف لا يقضي به لاشتراط النية فيه وهي متعذرة مع الإكراه
كتاب الأطعمة
1 وفيه بابان
الباب الأول فيما يباح للمختار
2 والمأكول إما جماد وإما حيوان أو نبات والحيوان ضربان بحري وبري فالبحري قال مالك في الكتاب يؤكل جميعه بغير ذكاة ولا تسمية سواء صيد أو وجد طافيا أو في بطن طير الماء وبطن حوت صاده مسلم او مجوسي كان له شبه في البر أم لا وقال ش السمك حلال وأما غيره من الدواب مما ليس له شيبة في البر أوله شيبة حلال فهو حلال وفي افتقاره إلى الذكاة قولان نظرا إلا كونه سمكا أم لا وما له شبه حرام كالخنزير والكلب وهو يعيش في البر كالضفدع فهو حرام لأنه من الخبائث أو السباع كالتمساح وقال ح يحرم غير السمك الذي يمون بنفسه لاندراجه في الميتة المحرمة ووافقنا ابن حنبل في الضفدع والتمساح وتوقف مالك في خنزير الماء وقال ابن القاسم أمقته من غير تحريم ونقل أبو الطاهر قولا بالتحريم لعموم قوله تعالى ( ولحم الخنزير ) وفي الجواهر قال ابن نافع ما تطول حياته في البر يفتقر إلى الذكاة واختلف في كراهة كلب الماء وخنزيره احتج ح بنهيه عليه السلام عن أكل الطافي وقال ما جزر عنه البحر فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه ولأنه مات حتف أنفه فلا يؤكل كالشاة والجواب عن الأول أنه ضعيف وعن الثاني العرف بأن البري حرمه الشرع إذا لم تستخرج منه الفضلات المستخبثة بأيسر الطرق عليه وهو الذكاة إلا لضرورة كالصيد وقد سقط اعتبار الفضلات في البحري بدليل المصيد فيحل مطلقا ولقوله تعالى ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) ولا طعام بعد المصيد إلا الطافي واما في الصحاح أن أبا عبيدة رضي الله عنه مع الصحابة رضي الله عنهم وجدوا على شاطئ البحر دابة تدعى العنبر فأكلوا منها وأدهنوا وأتوه عليه السلام فسألوه عن ذلك فقال عليه السلام هل معكم منه شيء فأطعموني
فرع
قال ابن يونس قيل إذا مات الطير والحوت في بطنه لا يؤكل لأنه نجس والصحيح أنه يغسل ويؤكل كما لو وقع في نجاسة وكالجدي يرضع خنزيره والطير الذي يأكل النجاسة فإنه يغسل بعد الذبح ويؤكل
فرع
قال صاحب تهذيب الطالب قال شيوخنا إذا اشترى حوتا فوجد فيه جوهرة غير معمولة فهي للبائع لأنه لم يبعها إن كان صيادا وإن علم تداول الأملاك عليها فهي لقطة وقال أبو العباس الأشباني إن كانت مثقوبة فلقطة وكذلك ان تداولها الأملاك وأما البري فحلال إجماعا كالأنعام والوحش والطير السالم عن السبعية والمخلب والاستخباث وحرام إجماعا وهو الخنزير قال اللخمي لحمه وسحمه وجلده ولبنه وخصصت الآية اللحم لأنه المقصود غالبا وقد يؤكل الحيوان مسموطا ومختلف فيه وهو في الكتاب تؤكل الضرايب وفي التنبيهات جميع ضرب مثل ثمر وهو حيوان له شوك
فرو خمسة
الأول السباع وفي الجواهر هي مكروهة على الإطلاق من غير تفصيل في رواية العراقيين وهو ظاهر الكتاب وظاهر الموطأ التحريم وقاله الأئمة وقال ابن حبيب لم يختلف المدنيون في تحريم العادي كالأسد والنمر والذئب والكلب وأما غير العادي كالضب والثعلب والضبع والهر الوحشي والانسي فمكروه وقال ابن كنانة كل ما يفترس ويأكل اللحم فلا يؤكل وغيره يؤكل لنا قوله تعالى ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طعام يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله ) فخرجت السباع عن التحريم وورد عليه أسئلة الأول إن هذا أجاز عن الماضي من الوحي فيبقى المستقبل فيبطل الحصر وثانيهما ينتقض بذبائح المجوس وثالثها انها مكية ووجود الوحي بعد ذلك بالمدينة معلوم ورابعها في الموطأ قال عليه السلام اكا كل ذي ناب من السباع حرام زاد في مسلم وذي مخلب من الطير والجواب عن الأول أن لا لنفي المستقبل دون الماضي فليس صرفها للماضي بأولى من صرف الماضي الذي هو أرجى إلى الحالة المستمرة المشتملة على الماضي والحال والاستقبال بل هذا أولى لأن التصرف في الفعل أولى من الحرف لأنه محل التصريف والتصرف عن الثاني أن قيام الدليل على التخصيص لا يمنع من التمسك بالنص وعن الثالث أن قوله لا أحد عام في المستقبل وخبره عليه السلام حق وعن الرابع أنه محمول على الكراهة جمعا بين الدليلين سلمنا أنه للتحريم لكنه ينتقض بالثعلب والضبع مع قول الخصم بإباحتمهما سلمنا عدم المنتقض لكن أصابة المصدر إلى الفاعل أولى من المفعول فيكون ذوا الناب هو الآكل فيحرم علينا ما افترسه ونحن نقول به تمهيد أجرى الله تعالى عادته بتغيير الأغذية للأخلاق حت وصف الأطباء قلوب الأسود من الوحش والطير للشجاعة وقوة القلب فمن أكل منها شيئا استحال طبعه إليه والسباع ظالمة غاشمة قاسية بعيدة من الرحمة فمنع الله تعالى بني آدم من أكلها ليلا يصير كذلك فتعبد من رحمته بكثرة الفساد والعناد فمن العلماء من نهضت عنده هذه المفسدة للتحريم ومنهم من لم تنهض عنده إلا للكراهة الثاني ذوات الحافر المقانسة وفي الجواهر الخيل مكروهة وقال ح دون كراهة السباع وقيل مباحة وقاله ش وابن حنبل وقيل محرمة ( والبغال والحمير لتركبوها ) النحل 8 فلو كانت يجوز أكلها لكان الامتنان به أولى ومذكورا مع الركوب قال اللخمي الخيل أخف من الحمير والبغال بينهما وفي الصحيحين نهى عليه السلام عن أكل لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل
فرع
في الكتاب إذا دجن حمار وحش وصار يحمل عليه لم يؤكل عند مالك نظرا لحاله الآن وأجازه ابن القاسم نظرا لأصله الثالث ما اختلف في أنه ممسوخ كالفيل والدب والقنفذ والقرد والضب وفي الجواهر اختلف في إباحته وتحريمه لنهيه عليه السلام عن ثمن القرد ولو أبيح أكله لم يحرم ثمنه وقيل يجوز القرد إن كان يرعى كل الحشيش قال أبو الوليد ظاهر المذهب عدم التحريم تنبيه في مسلم سئل عليه السلام عن أكل الضباب فقال عليه السلام إن أمة مسخت وأخشى أن يكون منها ثم قال بعد ذلك أن الممسوخ لا يعقب في حديث آخر وهذا هو الصحيح فإنه عليه السلام كان يخبر بالأشياء مجملة ثم يفصل له فيقدم التفصيل على الإجمال وكذلك أخبر بالدجال مجملا فقال حينئذ إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن لم أكن فيكم فامرء حجيج نفسه والله خليفتي عليكم ثم أخبر أنه إنما ينزل في آخر الزمان فتعليل هذه بالسبعية والاستخباث أولى الرابع الحيوانات المستقذرة ففي الجواهر يحكى المخالفون لنا عنا جوازها وهو خلاف المذهب لقوله تعالى ( ويحرم عليهم الخبائث ) الأعراف 157 وقاله الأئمة وأباح ابن حنبل الضب لأنه أكل على مائدته علبه السلام ولم ينكره خرجه مسلم واتفق الأئمة على إباحة الجراد لقوله عليه السلام في البخاري إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء والغالب موته فلو كان ينجس بالموت لما أمر بذلك صونا للطعام عن النجاسة فيكون أصلا لا نفس له وقوله عليه السلام أحلت لي مييتان الحوت والجراد والعجب من نقل الجواهر مع قوله في الكتاب لا بأس بأكل الجلد والوبر وإذا ذكيت الحيات موضع ذكاتها جاز أكلها لمن احتاج إليها ولا بأس بأكل خشاش الأرض وهو مما إذا ذكيت ذكاة الجراد وتؤكل الضفادع وإن ماتت لأنها من صيد الماء والحلزون كالجراد فيؤكل منه ما سلق أو شوي وما مات فلا فأي شيء بقي من الخبائث بعد الحشرات والهوام والحيات فائدة ذكاة الحيات لا يحكمها إلا طبيب ماهر وصفتها أن يمسك برأسها وذنبها من غير عنق وهي على مسمار مضروب في لوح يضرب بآلة حادة رزينة عليها وهي ممدودة على الخشبة في حد الرقيق من رقبتها وذنبها من الغليظ الذي هو وسطها ويقطع جميع ذلك في فور واحد بضربة واحدة فمتى بقيت جلدة يسيرة فسدت وقتلت بواسطة جريان السم من رأسها في جسمها بسبب عصبها أو ما هو قريب من السم من ذنبها في جسمها وهذا معنى قوله موضع ذكاتها
فرع
قال اللخمي قال مالك في الكتاب لا إكره الجلالة من الأنعام ولو كرهت ذلك لكرهت الطير الآكل للنجاسة وكرهها ابن حبيب وحرمها ش أن تغيرت رائحة لحمها وإلا فلا وقال ابن حنبل إن كان أكثر علفها النجاسة حرم لبنها ولحمها وفي بيضها قولان له لما في أبي داود نهى عليه السلام عن أكل الجلالة وألبانها وأما النبات المسقي بالنجاسة قال اللخمي كرهه مالك وأباحه ش وفرق بينه وبين الحيوان فإن نفس النجاسة المستقذرة يشاهد دخولها في الحيوان فتعافه النفوس فيصان اإنسان عنه بخلاف النبات فائدة الجلالة مشتقة من الجلة بكسر الجيم وشد اللام وهي العذرة تمهيد قد يتخيل الفقيه أن الجواب عن قوله تعالى ( ويحرم عليهم الخبائث ) عسير وليس كذلك لقوله ( والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) الأعراف 58 والمراد ضعف الانبات وقوله تعالى ( الخبيثات للخبيثين ) النور 26 والمراد العصاة وقوله تعالى ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) البقرة 167 والمراد به الدنية وقوله تعالى ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ) إبراهيم 26 المراد به المؤلمة وإذا كان الخبيث يطلق على معان مختلفة بقي محتملا فسقط الاستدلال به أو يحمل على المستعبد في نظر الشرع لأن القاعدة حمل كلام كل متكلم على عرفه والبعد في نظر الشرع إنما يعلم بدليل شرعي والنزاع فيه الخامس الطير ففي الجواهر كله مباح ذو المخلب وغيره وقاله في الكتاب وروي عن مالك لا يؤكل ذو المخلب وقاله ش وابن حنبل لنهيه عليه السلام في الحديث المتقدم عنه والجواب عنه أنها زيادة لم يروها الزهري ولا مالك ولا غيرهما والمنفرد بها قليل الرواية والفرق المشهور بأن الاستخباث في الظلم والسبيعة في السباع والوحش أعظم وهو علة التحريم والقصور في العلة يمنع من الاستواء في الحكم وفي الكتاب كراهة الخطاف ونحوها قال أبو الطاهر ولعله لقلة لحمها فيكون تعذيبا من غير فائدة وقال الأستاذ أبو بكر يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود وما بين ذلك إلا الآدمي والخنزير وهو عقد المذهب في رواية العراقيين إلا أن منه مباح ومنه مكروه وأما النبات والجماد ففي الجواهر تحريم ما كان نجسا فإن خالط الطاهر نجس فالمائع يطرح جميعه والجامد تطرح النجاسة وما حولها ويؤكل وقد تقدم في كتاب الطهارة دليله وتفصيله ولا يؤكل المغير بالأجسام وقاله ش وابن حنبل ويكره آكل الطين وحرمه عبد الملك لإفساده الأجسام وما كان طاهرا ولا ضرر فيه أبيح وحرم ش المخاط والمني وإن كان طاهرا عنده ونحوهما من المستقذرات
فرع
في الجواهر في كتاب البيوع وغيرها جواز أكل لبن الآدميات إذا جمع في إناء وقاله ش وابن حنبل وحرمه ح لأنه جزء آدمي فيحرم لنا القياس على الألبان
فرع
قال اللخمي إنما حرم الله تعالى الدم بقيد كونه مسفوحا وسوى مالك بين جملة الدماء في السمك والبراغيث وغيرهما في النجاسة وكل نجس حرام وقال أيضا لا تعاد الصلاة من الدم اليسير واختلف قول مالك في غير المسفوح وقال ابن مسلمة إنما يحرم المسفوح لقول عائشة رضي الله عنها لولا قول الله تعالى ( أو دما مسفوحا ) لاتبع المسلمون ما في العروق كما اتبعه اليهود وقال اللخمي ودم ما لا يؤكل لحمه يحرم قليله وكثيره وليس على رتبة من لحمه ودم ما يؤكل لحمه قبل الذكاة كذلك وبعدها يحرم المسفوح وهو الذي يخرج عند الذبح ومنه سفح الجبل لأنه يسيل عليه السيل والسفاح الذي يقابل به النكاح لأنه أراقة المني من غير فائدة زائدة فإذا استعملت الشاة قبل تقطيعها وظهور دمها كالمشوية جاز أكلها اتفاقا وإن قطعت فظهر الدم فقال مرة حرام وحمل الإباحة على ما لم يظهر نفيا لحرج التتبع ومرة قال حلال لظاهر الآية فلو خرج الدم بعد ذلك جاز أكله منفردا ودم ما لا يحتاج إلى ذكاته وهو الحوت فعلى القول بطهارته إذا صلي به حلال والقول بنجاسته وعدم حله أولى وما ليس له نفس سائلة على القول بذكاته يحرم رطوبته قبل الذكاة ويختلف فيما ظهر بعدها وعلى القول بعدمها فقبلها وبعدها سواء يختلف فيه إذا فارق
فرع
يوجد في وسط صفار البيض أحيانا نقطة دم يتولد منه فمقتضى مراعاة السفح في نجاسة الدم لا تكون نجسة وقد وقع فيها البحث مع جماعة ولم يظهر غيره
فرع
في البيان إذا سلق بيض فوجد في بعضها فرخ ميتة لا يؤكل البيض قاله ابن القاسم قال وينتقض بقوله إن اللحم إذا طبخ بالماء النجس يغسل ويؤكل والبيض يخرج من الدجاجة الميتة لا يؤكل لشربها رطوبة الميتة قاله مالك وقال ابن نافع يؤكل إذا اشتد كما لو ألقي في نجاسة
فرع
قال صاحب الأكمال أواني أهل الكتاب التي تطبخ فيها الميتات ولحم الخنزير تغسل وتستعمل لما في مسلم قال أبو ثعلبة الخشني إنا بأرض قوم من اهل الكتاب نأكل في آنيتهم فقال عليه السلام إن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها فإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ولأن الماء طهور لكل شيء قاعدة كل ما حرم الله تعالى أكله أو حلله إما لوصفه أو سببه فكل ما حرم لوصفه لا يحل إلا بسببه وكل ما حل لوصفه لا يحرم إلا بسببه فالسباع والميتة والخبائث ممنوعة لوصفها فلا تحل إلا بسببها كالاضطرار والبر والأطعمة المحسبة والملابس الشرعية والأنعام حلال لوصفها فلا تحرم إلا بسببها كالعقود الفاسدة وذكاة المجوس والمرتد ولنقتصر على هذه الفروع وطعام أهل الكتاب في الذبائح
الباب الثاني في الاضطرار
2 وفيه ثلاثة مياحث المبحث الأول في حد الضرورة قال اللخمي هي خوف الموت أو الجوع لأنه يوجب المواساة لقوله عليه السلام أطعموا الجائع واذا وجبت المواساه جاز أخذ مال الغير وإذا جاز ماله جازت الميتة بالقياس فعلى هذا يأكل شبعه ويتزود وعلى الثاني لا يزيد على سد الرمق قاله ش وإذا أكل مال مسلم اقتصر على سد الرمق إلا ان يعلم طول طريقه فيتزود لأن مواساته تجب إذا جاع قال صاحب الإكمال يأكل من الميتة ويتزود قال مالك في الموطأ وقال غيره ما يسد رمقه وقال عبد الملك أن تغذى حرمت عليه يومه أو تغشى حرمت عليه ليلته وفي الجواهر الضرورة ظن خوف الهلاك على النفس ولا يشترط الإشراف على الموت لأن الأكل حينئذ لا يفيد
فرع
في الجواهر إذا كان سبب الاضطرار معصية كسفر المعصية المشهور جواز الأكل وقاله ح ولا نقل فيها عن مالك والفرق بينه وبين القصر والفطر أن منعه يفضي إلى القتل وهو ليس عقوبة جنايته بخلافهما وقال ابن الجلاب و ش لا يأكل حتى يفارق المعصية لقوله تعالى ( غير باغ ولا عاد ) البقرة 173 أي ولا باغ بالمعصية ولا متعد ما يجوز له منها ولأن التوبة ممكنة فموته من جهته لا من منع الشرع واختاره القاضي أبو بكر وقال ما أظن أحدا يخالفه والقائل بذلك مخطئ قطعا وتوقف القاضي أبو الحسن وقال اللخمي إن كان العاصي بالسفر يتعين قتله كالمسافر إلى القتل أو الزنا لا يباح له الأكل وإلا فعلى القول بوجوب الأكل من الميتة لغير العاصي وهو قول ابن القصار وغيره حفظا للنفس يجب ها هنا وعلى القول بالإباحة قياسا على الإستسلام للصيال وهو قول سحنون يمنع ها هنا فإن اضطر بعد رجوعه من المعصية فكغير العاصي الميحث الثاني في جنس المستباح وفي الجواهر كل ما يرد عنه جوعا أو عطشا دفع الضرورة أو خففها كالأشرية النجسة والميتة من كل حيوان غير الآدمي وغير الخمر لأنها لا تحل إلا إساغة الغصة على الخلاف لأن دفع الضرورة بها معلوم وأما العطش فتزيده تحريما وقيل وقيل يجوز لتخفيفها العطش والجوع من حيث الجملة واختاره القاضي أبو بكر و ش لأن مدمن الخمر يكتفي بها عن شرب الماء وقال ش يجوز له أكل ميتة الآدمي حفظا للحي وقيل الحي الحربي والمرتد والزاني المحصن له أكله لأنه مباح الدم وإنما فيه الافتيات على الإمام واتلاف ما لا حرمة له لما له حرمة متعينة بخلاف الذمي المعاهد
فروع خمسة
الأول في الجواهر الواجد لطعام غير مضطر يطلبه منه بثمن في الذمة ويظهر له الحاجة فإن أبى استطعمه فإن أبى أعلمه أنه يقاتله فإن امتنع غضبه لأن إحياءه واجب عليه فإن دفعه جازت مدافعته له وإن أدت إلى القتل كدم المحارب ولو قتله المالك وجب القصاص لكونه متعديا وإن بذل له بثمن المثل وجب الشراء أو بأكثر فهو مكروه الثاني قال إذا وجد الميتة وطعام الغير أكل الطعام إن أمن أن يعد سارقا وحيث قلنا يأكل ضمن القيمة لأن الأصل عصمة الأموال أدت الضرورة إلى بذل الطعام أما مجانا فلا وقيل لا يضمن لأن الدفع واجب والواجب لا يستحق عوضا قال اللخمي إن خاف القطع بنسبته إلى السرقة فإن خاف الموت أكل تقديما للنفس على الطرف وإلا فلا يأكل إلا أن يكون عليه دليل الاضطرار وقد قيل لا يقطع السارق في سنة الحرب لأنها حالة يقبل فيها عذر الضرورة الثالث قال يقدم المحرم الميتة على الصيد لأن الاضطرار يبيح الميتة وقد وجد مبيح الصيد الإحلال ولم يوجد وقال ابن عبد الحكم يقدم الصيد لأن تحريمه خاص ولأن تحريمه لا لوصفه بخلاف الميتة فيهما فلذلك يقدم لحم الصيد الرابع قال أبو الوليد يقدم الميتة على الخنزير لأن تحريمها عارض بسبب عدم الذكاة وتحريمه متأصل قال اللخمي وحيث يأكل الخنزير يستحب له تذكيته الخامس في الجلاب لا يتداوى بخمر ولا بنجاسة خلافا ل ش عند الضرورة لقوله عليه السلام إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها والجعل بمعنى الخلق واقع فيتعين صرف النفي إلى المشروعية صونا للخبر عن المخالفة ومثله ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ) المائدة 103 أي شرع ومنع الشريعة عند الضرورة يدل على عظم المفسدة فيكون حراما
كتاب الأشربة
في الكتاب ما أسكر كثيره فقليله حرام من خمر أو نبيذ أو زبيب أو تمر أو تين أو حنطة أو غير ذلك وقاله ش وابن حنبل وقال ح يحرم أربعة أشربة عصير العنب إذا غلى واشتد والعصير إذا طبخ فذهب أقل من ثلثه وهي الطلاء وكذلك لو ذهب نصفه ودخلته الشدة ويسمى المنصف والثالث نقيع الرطب المشتد والرابع نقيع الزبيب المشتد إذا غلى وأباح هذه الثلاثة غيره ويختص عنده دون الخمر بعدم الحد في قليلها وخفة نجاستها وجواز بيعها وتضمينها بالقيمة دون المثل ويباح عنده ما يتخذ من الحنطة والشعير والعسل والذرة ولا يحد شاربه وإن سكر وقال أيضا نبيذ التمر والزبيب إذا طبخ حلال وان اشتد إذا شرب ما يغلب على ظنه عدم السكر وخصص اسم الخمر بما يعتصر من العنب ولا يندرج غيره في قوله تعالى ( إنما الخمر إلى قوله فاجتنبوه ) المائدة 90 ونحن عندنا اسم الخمر لما خامر العقل أي غطاه ومنه تخمير الآنية وخمار المرأة قال صاحب القبس والعجب من الحنفية في ذلك والصحابة رضوان الله عليهم لما حرمت عليهم الخمر أراقوها وكسروا دنانها وبادروا إلى امتثال الأمر مع أنه ليس عندهم بالمدينة عصير عنب بل نبيذ التمر وقال ح لو جعل السيف على رأسي أن اشرب النبيذ ما شربته ولو وضع السيف على رأسي أن أحرمه ما حرمته لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يشربونه قال وليس كما قال ما شربه أحد منهم إنما النابت أنه عليه السلام كان ينتبذ له فيشرب ولعن عليه السلام في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها والمبتاع لها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وشاهدها قال ويندرج في بائع الخمر بائع العنب لمن يعلم أنه يعصره خمرا إلا الذمي فمختلف فيه لاختلافهم في خطابهم بالفروع قال وما تعلق به أصحابنا من حديث الترمذي من قوله عليه السلام ما أسكر كثيرة فقليله حرام فليس بصحيح احتج ح بقوله تعالى ( تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) النحل 67 والامتنان إنما يكون بالمباح للمقدار المسكر من غيرها وبقي ما عداه على الأصل وقوله عليه السلام اشربوا ولا تسكروا والجواب عن الأول أن السكر بفتح الكاف والتسكير في اللغة المنع لقوله تعالى ( إنما سكرت أبصارنا ) الحجر 15 أي منعت وغلقت ومنع تسكير الباب أي غلقه فالآية تدل على أنها يتخذ منها ما يمنع الجوع والعطش والأمراض وذلك يتحقق بالتمر والرطب والخل والأنبذة قبل الشدة وهي حلال إجماعا فما تعين ما ذكرتموه وعن الثاني أن معناه اشربوا منه غير الذي يسكر كثيره لقوله في الحديث الآخر في مسلم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ويؤيده قوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) المائدة 90 ووجه الدليل والتمسك به من وجوه أحدها عطف الميسر عليه وهو حرام والعطف يقتضي التسوية والمساوى بالحرام حرام الثاني عطف الأنصاب عليه لما سبق الثالث عطف الأزلام عليه لما تقدم الرابع قوله رجس والرجس النجس لغة وهو يدل على نجاسة الجميع خرجت الثلاثة عن النجاسة أجماعا بقي الحكم مستصحبا في الخمر فتكون نجسة فتحرم وهي كل ما خامر كثيره كما تقدم أو يقول الرجس استعمل مجازا في البعد الشرعي والبعد شرعا محرم والأول أولى لدوران هذا البحث بين المجاز والتخصيص والتخصيص أولى لما علم في الأصول الخامس قوله تعالى ( من عمل الشيطان ) فاضافته إلى الشيطان تفيد التحريم في عرف الشرع السادس قوله فاجتنبوه والأمر محمول على الوجوب ولأن هذه الأشربة يسكر كثيرها فيحرم قليلها قياسا على محمل الآجماع وهو من أجل الأقيسة فقد اجتمعت الآثار ووجوب الاعتبار والعجب من الحنفية انهم يقدمون القياس على النصوص وها هنا رفضوا القياس المعضود بالنصوص المتضافرة في الكتاب والسنة الصحيحة في عدة مواضع ولا جرم قال ش أحد الحنفي في النبيذ وأقبل شهادته وقال مالك أحده ولا أقبل شهادته قاعدة المرقدات تغيب العقل ولا يحد شاربها ويحل قليلها أجماعا ولا ينجس قليلها ولا كثيرها ففارقت المسكرات في هذه الثلاثة الأحكام مع اشتراكها في إفساد العقل الذي هو سبب التحريم فما الفرق وبماذا ينضبط كل واحد منهما حتى يمتاز عن صاحبه فالضابط أن مغيب العقل إن كان يحدث سرورا للنفس فهو المسكر وإلا فهو المرقد لقول الشاعر ( ونشربها فتتركنا ملوكا ** وأسدا ما ينهنهنا اللقاء ) وأما المرقد فأما غيبته كلية كالأفيون أو يهيج من مزاج مستعمله ما هو غالب عليه من الخلاط فتارة خوفا وتارة بكاء وغير ذلك وأما الفرق فلأن المسكر لما أسر النفس توفرت الدواعي على تناوله تحصيلا للمسرة فزجر الشرع عنه بالحد والتنجيس والمرقد خسارة محضة وموت صرف فالدواعي منصرفة عنه فاكتفي في ذلك بالتعزير
فروع سبعة
الأول في الكتاب عصير العنب ونقيع الزبيب وجميع الأنبذة حلال ما لم تسكر من غير توقيت بزمان ولا هيئة ولا يحد الطبخ بثلثين ولا غيرهما بل ما منع إسكاره كثيره لأن العنب إذا كثرت مائيته احتاج إلى طبخ كثير أو قل فطبخ قليل وذلك مختلف في أقطار الأرض ولا ينبذ تمر مع زبيب ولا بسر ولا زهو مع رطب ولا حنطة مع شعير ولا أحدهما مع تين أو عسل لأن خلطها يسرع بشدتها وقاله ش وابن حنبل خلافا ل ح وفي مسلم نهيه عليه السلام عن شرب الخليطين وإذا نبذ كل واحد وحده لا ينبغي خلطهما عند الشرب ولا يجعل دردي المسكر ولا عكره في شراب ولا طعام وأرخص مالك في جعل العجين والسويق والدقيق في النبيذ قليلا ثم نهى عنه قال وفي المغرب تراب يجعل في العسل ليعجله أكرهه وخالفه ابن القاسم قال ولا يعجبني انتباذ البسر المدني لأنه رطب وبسر ولا بأس بأكل الخبز بالنبيذ لأنه ليس شرابا وكره نبذ الخبز فيه يوما أو يومين ليلا تتعجل شدته قال صاحب القبس طرد ابن عبد الحكم النهي عن الخليطين على عمومه حتى في أشربة الأطباء الثاني في الكتاب كره الانتباذ في الدباء والمزفت زاد في الجلاب الحنتم والنقير لورود الحديث الصحيح فيهما ولأنها تعجل الشدة في الخليطين فائدة الدباء اليقطين والمزفت في التنبيهات بسكون الزاي ماطلي بالزفت وهو القار الذي تطلى به السفن والحنتم الجرار الخضر وقيل الحمر وقيل الفخار كيف كان وهو جمع حنتمة وهي الجرة الثالث في الجلاب تباح السوبية والفقاع الرابع في الكتاب إذا ملك المسلم خمرا فليرقها فإن اجترأ فخللها أكلها وبئس ما صنع وكره أكل الخمر يجعل فيها الحيتان فتصير مريا وفي الجواهر تحليل الخمر مكروه وظاهر المذهب إباحة كل ما تخلل منها وكرهه سحنون وعبد الملك وقال الأستاذ أبو بكر صورة المسألة إذا خللت بشيء طرح فيها كالملح والخل والماء الحار فأما لو خللت بنفسها مع العلم بتحريمها فلا خلاف في جواز أكلها وقال صاحب المقدمات في تخليلها ثلاثة أقوال المنع مطلقا وقاله ش والكراهة والفرق بين اقتنائها لتصير خمرا وبين ما يصير خلا من عصيره لم يرده خمرا وبسبب الخلاف هل المنع تعبد فيمتنع مطلقا أو معلل بالتعدي في الاقتناء فيجوز لمن صار عصيره خمرا أو بالتهمة لقنيتها فيجوز للرجل في نفسه التخليل لما عنده على نوع من الكراهة وإذا منعنا التخليل ففي جواز الأكل ثلاثة أقوال الجواز لانتفاء علة المنع وهو الإسكار والمنع مؤاخذة له ينقيض قصده ولأن النهي يدل على الفساد في المنهي عنه وقاله ش وعلله بأن ما يلقى الخمر يصير نجسا بالخمر فيصير خلا مختلطا بنجاسة فيحرم ويرد عليه أن المقتضي لتنجيس الخمر وما لابسها هو وصف الإسكار وقد ذهب فيطهر ما في أجزاء الدواء المعالج به فلا ينجس الخل وجوز ح التخليل لقوله عليه السلام يحل الخل الخمر كما يحل الدباغ الجلد وهو معارض بأمره عليه السلام في مسلم باراقة الخمر التي اهديت له فلو كان التخليل مشروعا لأمر به حفظا للمالية والثالث الفرق بين تخليل ما اقتناه من الخمر فيمنع أو ما تخمر عنده ما لم يرد به الخمر قاله سحنون قاعدة أسباب الطهارة ثلاثة إزالة كالغسل بالماء أو إحالة كانقلاب الخمر خلا والدم منيا ثم آدميا وبهما كالدباغ الخامس في الجلاب من وجدت عنده خمر من المسلمين أريقت عليه وكسرت ظروفها تاديبا له لأن الشرع أدب بالمالية في الكفارات وقال غيره يشق منها ما أفسدته الخمر ولا ينتفع به إلا فيها وما لا فلا صونا للمالية عن الفساد وإذا قلنا لا تفسد ففي النوادر تغسل وينتفع بها ولا يضر بقاء الرائحة وفي مختصر ابن عبد الحكم أما الزقاق فلا ينتفع بها وأما القلال فيطبخ فيها الماء مرتين وتغسل وينتفع بها وفي الجلاب لا يحل لمسلم بيعها من كافر ولا مسلم لقوله عليه السلام في مسلم إن الذي حرم سربها حرم ثمنها ومن أسلم وعنده خمر أريقت لأن الملك لا يثبت عليها وإن أسلم وعنده ثمن خمر فلا بأس به لأن الاسلام يجب ما قبله وإذا تبايع نصرانيان خمرا فقبضت ثم أسلم البائع قبل قبض الثمن فله أخذه لأنه دين من جملة ديونه وإن أسلم مشتريها فعليه دفع الثمن للبائع لأنه دين عليه وإن أسلم البائع قبل قبض الخمر فسح البيع ورد الثمن لأنه ممنوع من التسليم والمنع الشرعي كالحسي فيصير كالبيع المستحق قيل القبض وإن أسلم المشتري قبل قبض الخمر فسخ البيع ورجع البائع بالثمن لتعذر القبض شرعا وقد توقف فيها مالك مرة وقال أخاف أن يظلم الذمي لأن المانع ليس من قبله قال غيره قال ابن عبد الحكم إذا أسلما بعد قبض الثمن دون المثمون عليه قيمة الخمر خلافا لمالك وابن القاسم وإن أسلما بعد قبض الخمر دون ثمنها قال اللخمي على قول عبد الملك يأخذ الثمن وفي الجلاب وإذا اشترى مسلم من نصراني خمرا وفاتت لم يدفع للبائع شيئا لأنه ممنوع من البيع المسلم فإن قبض الثمن تصدق به تأديبا له السادس في الكتاب أكره للمسلم أن يتسلف من ذمي ثمن خمر أو يبيعه به أو يأخذه بوجه أو يأكل ما اشتري به ويجوز أخذه في دينه كما يأخذ في الجزية السابع في الجلاب لا يؤاجر الرجل نفسه ولا شيئا من أملاكه في عمل الخمر لمسلم ولا نصراني فإن أخذ أجره تصدق بها ولم يتملكها لتحريم المنفعة المعاوض عليها
كتاب الذبائح
والنظر في المذكي والمذكى والمذكى به وصفة الذكاة النظر الأول في المذكي قال صاحب البيان ستة لا تجوز ذبائحهم وستة تكره وستة مختلف في جواز ذبائحهم فالأول الصغير الذي لا يعقل والمجنون حالة جنونه والسكران الذي لا يعقل والمجوسي والمرتد والزنديق وقال الأئمة والثانية الصغير المميز والمرأة والخنثى والخصي والأغلف والفاسق ومنشأ الخلاف هل النظر إلى أن ضعف طبع الثلاثة الأول يمنع من وقوع الذكاة على وجهها ومشابهة الخصي بهم ونقص الآخرين من جهة الدين أو أن القصد والفعل من الجميع ممكن فتصح والثالثة تارك الصلاة والسكران الذي يخطئ ويصيب والمبتدع المختلف في كفره والنصراني العربي والنصراني الذابح لمسلم بأمره والعجمي يجيب إلى الإسلام قبل البلوغ هذا كله على مذهب مالك رحمه الله وفي الكتاب تصح ذكاة المرأة والكتابيين رجالهم ونسائهم وصبيانهم والمرأة أولى منهم يكره أكل ما ذبحه الكتابي لكنيسة أو عيد من غير تحريم لقوله تعالى ( أو فسقا أهل لغير الله له ) الأنعام 145 قال ابن القاسم وكذلك ما سموا عليه المسيح عليه السلام وما ذبحوه فوجدوه حراما على أصلهم كرهه مالك ثم أجازه قال ابن القاسم وما لا يستحلونه لا يؤكل كذي الظفر وهو الإبل والنعام والبط ما ليس مشقوق الأصابع خلافا لابن حنبل لأنه ليس من طعامهم وكره مالك ذبائحهم والشراء منهم وأمر عمر رضي الله عنه ان يقاموا من أسواقنا كلها الجزارون وغيرهم وتؤكل ذبيحة الأخرس قال اللخمي واختلف في شحوم ذبائح الكتابي فحرمه مرة لأنه حرام عليهم وجعل الذكاة تتبعض باعتباره قياسا على الدم وأجازه مرة لأن الذكاة لا تتبعض فيما هو قابل واختلف في ذي الظفر كالشحم وأباحه ابن حنبل وقيل يجوز الشحم بخلافة لأن الزكاة لا تتبعض وقال أشهب كل ما نص الله تعالى على تحريمه كذي الظفر والشحوم حرم على المسلم بخلاف ما حرموه هم ومنعها ابن القاسم وأباحها ابن وهب نظرا إلى نسخ ذلك ويؤكل جل السحوم لما في الصحيحين قال معقل أصبت جرة شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت والله لا اعطي اليوم من هذا أحدا شيئا فالتفت فإذا رسول الله فتبسما وفي الجواهر يجوز ذبيحة السامرية وهم صنف من اليهود والمشهور من مذهب ملك كراهته الشحوم والصابئة ينكرون بعث الأجسام ولا تجوز ذبيحة من ليس بكتابي ولا الصابئة المعتقدة تأثير النجوم لأنهم كالمجوس وهذا كله إذا باشرنا الذكاة أما إذا غاب الكتابي على ذبيحته فإن علمنا استحلالهم للميتة كبعض النصارى أو شككنا لم نأكل وان علمنا تذكينهم أكلنا قال أبو إسحاق أكره قديد الروم وجبنهم وجبن المجوس لأجل ما فيه من إنفحة الميتة تنبيه كراهيته ينبغي أن تحمل على التحريم بدليل كراهيته لجبن المجوس وهي محرمة ولا يختلف اثنان ممن يسافر أن الافرنج لا تتوقى الميتة ولا تفرق بينها وبين الذكية وأنهم يضربون الشاة حتى تموت وقيذة بالعصا وغيرها ويسلون رؤس الدجاج من غير ذبح وهذه سيرتهم وقد صنف الطرطوشي رحمه الله في تحريم جبن الروم كتابا وهو الذي عليه المحققون فلا ينبغي لمسلم أن يشتري من حانوت فيها شيء منه لأنه ينجس الميزان والبائع والآنية
فرع
قال ابن يونس لا تؤكل ذبيحة الغلام إذا ارتد إلى أي دين كان قال محمد وتؤكل ذبيحة النصراني العربي والمجوسي إذا تنصر
فرع
في الكتاب تؤكل ذبيحة من أبوه كتابي وامه مجوسية لأن الولد تابع في الدين لأبيه وقال أبو تمام في تعليقه قال مالك لا تؤكل ذبيحة من أبوه محوسي أو وثني وقال ح يجوز إذا كانت أمه كتابية لأن العبرة عنده في الدين بالأم وقال ابن حنبل من احد أبويه لا تصح ذكاته تغليبا للحرمة النظر الثاني في المذكي وفي الجواهر الحيوان كله يقبل الذكاة وتطهر بها جميع أجزائه لحمه وعظمه وجلده وأن كان لا يؤكل لحمه كالسباع والكلاب والحمر والبغال إلا الخنزير فإن تذكيته ميتة لغلط تحريمه وقاله ح وقال ابن حبيب ما لا يؤكل لحمه كذلك تنبيه ألحق صاحب الجواهر الحمر بالسباع وفي الكتاب في كتاب الصلاة يصلي على جلد السباع إذا ذكي ولا يصلي على جلد حمار وأن ذكي وتوقف في الكيمخت وتركها أحب إليه وكذلك في آخر كتاب الأضاحي نص على طهارة جلود السباع ولم يذكر الكلاب فتأمل ذلك من جهة النقل قال اللخمي الحيوان ثلاثة بري له نفس سائلة لا تحل إلا بالذكاة وبحري لا حياة له في البر يحل من غير ذكاة وبري ليس له نفس سائلة وبحري يعيس في البر اختلف فيهما قال مالك ما لا دم له كالعقرب والخنفساء والزنبور والسوس والدود والذباب وسائر الحشرات ذكاته ذكاة الجراد إذا احتيج إلى دواء أو غيره وقال عبد الوهاب هي كدواب البحر لا تنجس في نفسها ولا تنجس وقال مطرف لا يحتاج الجراد إلى ذكاة لأن عامة السلف أجازوا أكل ميتة الجراد وفي الكتاب لا يحتاج فرس البحر إلى ذكاة وإن كان له رعي في البر ولا بد من تذكية طير الماء خلافا لعطاء وفي الجواهر وهل يجري في ذكاة ما ليس له نفس سائلة ما عدا الجراد الخلاف الذي في ذكاة الجراد أو يفتقر إلى الذكاة قولا واحدا طريقان للمتأخرين قاعدة الذكاة شرعت لاستخراج الفضلات المحرمات من الأجساد الحلال بأسهل الطرق على الحيوان فمن لاحظ عدم الفضلات مما ليس له نفس وجعلها أصلا وأراحه الحيوان تبعا أجاز ميتته ومن لاحظ شرعية زهوق الروح وجعله أصلا في نفسها لم يجزها قاعدة النادر ملحق بالغالب في الشرع فمن لاحظ هذه القاعدة أسقط ذكاة ما يعيش في البر من دواب البحر نظرا لغالبه ومن لاحظ القاعدة الأولى وأن ميتة البحر على خلاف الأصل لم يسقطها ويؤيده قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة ) أو يحمله على سبب وروده وهو الميتة التي كانوا يأكلونها من البر ويقولون تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فائدة النفس لفظ مشترك لأمور أحدها الدم لقوله ( تسيل على حد الظبات نفوسنا ** وليس على غير الظبات تسيل ) وقد تقدم بسطه في باب النفاس والحيض
فرع
في الكتاب لا يصلي على جلد حمار وإن ذكي قال ابن يونس لأن الذكاة لا تعمل فيه لنهيه عليه السلام عنه وهو خلاف نقل الجواهر
فرع
قال اللخمي تصح ذكاة المريضة إذا لم تشارف الموت فإن شارفت صحت ذكاتها عند مالك وفي مختصر الوقار لا تصح والأول أحسن لما في الصحيحين أن امة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأبصرت بشاة تموت فأدركتها فذكتها بحجر فسئل النبي عليه السلام فقال كلوها وفيه أربع فوائد ذكاة النساء وبالحجر وما أشرف على الموت وذكاة غير المالك بغير وكالة وإذا لم يتحرك من الذبيحة شيء بعد الذبح أكلت إن كانت صحيحة قال محمد إذا سفح دمها قال اللخمي وكذلك أرى في المريضة الظاهرة الحياة فإن قربت من الموت لم تؤكل إلا بدليل على الحياة عند الذبح قال ابن حبيب وذلك اضطراب عينها أو ضرب يدها أو رجلها أو استماع نفسها في جوفها ونحوها وإذا أشكل الأمر لم تؤكل والاختلاج الخفيف ترك الأكل معه أحسن لأن اللحم يختلج بعد السلخ وخروج الدم ليس دليلا وحده لخروجه من الميتة إلا أن يخرج بقوة لا تليق إلا بالحياة قال صاحب المقدمات في وقت اعتبار علامات الحياة ثلاثة أقوال بعد الذبح معه يكفي وجودها قبله
فرع
قال اللخمي المنخنقة والموقوذة بالذال المعجمة وهي التي تضرب حتى تموت والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ما مات منها فحرام وما لو ترك لعاش يذكي وغير المرجو والذي حدث به في موضع الذكاة لم تؤكل وفي غيره يذكي ويؤكل عند مالك قال ابن القاسم ولو انتثرت الحشوة لأن قوله تعالى ( إلا ما ذكيتم ) بعد ذكر هذه الأقسام استثناء متصل لأنه الأصل وقيل لا يؤكل لأنه متقطع أي من غيرهن لأنه لولا ذلك لكان قوله تعالى ( حرمت عليمن الميتة ) يعني عنه وفي الجواهر منع أبو الوليد جريان الخلاف الذي ذكره اللخمي إذا كان المقتل في غير محل الذكاة وقال المذهب كله على المنع وإنما الخلاف إذا بلغت الناس بغير إصابة مقتل والمقاتل خمسة انقطاع النخاع ونثر الدماغ وفري الأدواج وانثقاب المصران ونثر الحشوة وفي البيان اختلف في دق العنق من غير قطع الأوداج فلم يره ابن القاسم مقتلا وفي خرق الأوداج من غير قطع الأوداج فلم يره ابن عبد الحكم وقيل مقتل ومعنى قوله إن خرق المصران مقتل إذا كان في مجرى الطعام قبل كونه رجيعا أما حيث يكون رجيعا فليس مقتلا لأن الغذاء محفوظ عن الجسد وقد وجدنا من يعيش من بني آدم والدواب من هو كذلك ولذلك سقي عمر رضي الله عنه اللبن فلما خرج من مجرى الطعام قيل له أوص يا أمير المؤمنين ولذلك تؤكل البهيمة إذا ذكيت فوجدت مثقوبة الكرش لأنه محل الفرث وأما إذا شق الجوف فلا تذكى ولا تؤكل على الروايتين إلا على قول ابن القاسم في الذي ينفذ مقاتل رجل ثم يجهز عليه آخر يقتل به الثاني ويعاقب الأول قال في المقدمات والصواب رواية سحنون عنه أن الأول يقتل به ويعاقب الثاني قال في البيان وفي المنخنقة وأخواتها إذا سلمت مقاتلها أقوال ثالثها التفرقة بين الميؤس منه فيمتنع وبين المرجو فيجوز وجعلها ابن القاسم بخلاف المريضة الميؤسة والجواز مطلقا لمالك وابن القاسم والمنع مطلقا لعبد الملك
فرع
قال اللخمي الجنين إذا لم تجر فيه حياة لم تنفع فيه ذكاة أمه ولا يؤكل وإذا جرت فيه الحياة وعلامته عندنا كمال الخلق ونبات الشعر فإن ذكيت الأم وخرج حيا ثم مات على الفور كرهه محمد وحرمه ابن الجلاب ويحيى بن سعيد وان استهل صارخا انفرد بحكم نفسه وإن لم تذك الأم وألقته ميتا لم يؤكل وكذلك إن كان حيا حياة لا يعيش معها علم ذلك أو شك فيه وإن ذكيت الأم فخرج ميتا فذكاتها ذكاته وقاله ش خلافا ل ح ومنشأ الخلاف قوله عليه السلام في أبي داود ذكاة الجنين ذكاة أمه يروى برفع الذكاتين وهو الأصح الكثير وبنصب الثانية ورفع الأولى فعلى الرفع يحل بذكاة أمه لأن القاعدة أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر ومنه تحريمها التكبير وتحليلها التسليم أي ذكاته محصورة في ذكاة أمه فلا يحتاج لغيرها وعلى النصب معناه ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه ثم حدف مثل وما قبله وأقيم المضاف إليه مقام المضاف فيفتقر الجنين إلى الذكاة وعليه أسئلة أحدها انه شاذ الثاني أنه يحتاج إلى أضمار والأصل عدمه الثالث أن معناه ذكاة الجنين في ذكاة أمه ثم حذف حرف الجر فنصب كقوله تعالى ( واختار موسى قومه سبعين رجلا ) الأعراف 155 أي من قومه وهذا أولى لقلة الإضمار واتفاقه مع الرواية الأخرى وإلا نقض كل واحدة منهما الأخرى والحديث مخالف للأصول لأنه إذا كان حيا ثم مات بموت الأم فإنما مات خنقا
فرع
قال صاحب البيان قال ابن القاسم الدابة التي لا يؤكل لحمها بطول مرضها أو تتعب عن السير في أرض لا علف فيها ذبحها أولى من بقائها تتعذب وقيل تعقر ليلا يغر الناس بذبحها على أكلها وقال ابن وهب لا تذبح ولا تعقر لنهيه عليه السلام عن تعذيب الحيوان لعير مأكله
تفريع
قال لو تركها فأعلفها غيره ثم وجدها قال مالك هو أحق بها لأنه تركها مضطرا كالمكره ويعطيه ما انفق عليها وقيل هي لعالفها إعراض المالك عنها النظر الثالث في المذكى به وفي الكتاب يجوز بالحجر والعود والعظم قال اللخمي الذكاة جائزة بكل مجهز من حديد أو قصب أو زجاج لما في الصحيحن عنه عليه السلام ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر وسأخبرك عنهما أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة معناه عظم يرض ولا بفري والظفر يخنق ولا يذبح أو يكون ذكر الحبشة تنبيها على أنه من شعار الكفار فيكون ذلك من باب النهي عن زي الأعاجم قال وفي العظم والسن والظفر أربعة أقوال أجاز مالك وابن حنبل العظم والظفر ومنعهما ابن حبيب و ح إذا كانا مركبين وجوزا المنزوعين إن أمكن الذبح بهما لكبرهما وكره السن وأبيح العظم ومنع ش الثلاثة حتى لو عمل العظم نشابا لأن الاستثناء في الحديث ورد مطلقا وجوابه أنه معلل بما سبق وقال اللخمي لا ينبغي أن يذكى بغير الحديد إلا عند عدمه لقوله عليه في مسلم إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم مديته وليرح ذبيحته النظر الرابع في صفة الذكاة وهي خمسة أنواع عقر في الصيد البري ذي الدم وتأثير من الانسان من حيث الجملة بالرمي في الماء الحار أو قطع الرؤس أو أرجل أو أجنحة في الجراد ونحوه من غير ذي الدم عند ابن القاسم في الكتاب وقال أشهب في مدونته لا يؤكل إذا قطعت أجنحته أو أرجله قبل السلق ولا من قطع الرؤس قال ابن يونس قال أشهب أجنحتها كصوف الميتة وتؤكل ولو سلقت أفخاذها بعد قطعها منها لم يؤكل الجميع لأن المبان عن الحي ميتة قال أبو محمد وهذا غلط وقال ابن عبد الحكم لا بد من التسمية عند فعل الذكاة من سلق أو غيره الثالث الذبح في نحور الغنم الرابع النحر في الإبل الخامس التخيير بينهما مع أفضلية الذبح في البقر لقوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) البقرة 67 وفي الحديث الصحيح نحر عليه السلام عن أزواجه البقر في حجة الوداع وأصل ذلك أن المقصود بالذكاة الفصل بين الحرام الذي هو الفضلات المستقذرة وبين اللحم الحلال بأسهل الطرق على الحيوان فما طالت عنقه كالإبل فتحره أسهل لزهوق روحه لقربه من الجسد وبعد الذبح منه والذبح في الغنم أسهل عليها لقربه من الجسد والرأس معا ولما توسطت البقر بين النوعين جاز الأمران وأشكل على هذه القاعدة النعامة ففي الجواهر أنها تذبح ولم يحك خلافا مع طول عنقها ولعل الفرق بينها وبين الإبل أن نحرها ممكن من جوفها فنحرها شق لجوفها ولذلك حرم نحر الغنم وفي الجواهر قال الشيخ أبو بكر إذا نحر الفيل انتفع بعظمه وجلده قال أبو الوليد وخصه بالنحر مع قصر عنقه لأنه لا عنق له قال اللخمي النحر في البقرة ويجزئ منها ما أنهر الدم ولم يشترطوا فيه الودجين والحلقوم كالذبح وظاهر المذهب إجزاء الطعن ما بين اللبة والمنحر إذا كان في الودج لأن عمر رضي الله عنه بعث مناديا النحر في الحلق واللبة ولا يكفي الطعن في الحلقوم لبقاء الحياة بعد شقه وإذا وقع النحر في المنحر قطع الودجين لأنه مجمعهما ويجزئ قطع ودج فائدة اللبة واللبب وسط الصدر وفي الكتاب الذبح في الأوداج والحلقوم لا يجزئ أحدهما ولم يعتبر المريء واعتبره ش وابن حنبل مع الحلقوم لأنه مجرى الطعام واعتبر ح ثلاثة من هذه الأربعة غير معينة لأن الأقل تبع للأكثر لنا أن المقصود بالذكاة إخراج الفضلات بأسهل الطرق والمريء مجرى الطعام والشراب فقطعه لا يرجئ الموت وبقاء الوريد مجرى الطعام والشراب فقطعه لا يرجئ الموت وبقاء الوريد يمنع الموت فانحصر المقصود في الحلقوم لأنه مجرى النفس ولا حياة بعده وفي الوريدين بتعذر الحياة بعد الدماء وسقط المريء ويؤكده قوله عليه السلام ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل وإنهار الدم إنما يكون من الأوداج وأصل الإنهار السعة ومنه النهر لاتساعه للماء والنهار لاتساع الضوء فيه ومن ضرورة قطع الودجين قطع الحلقوم غالبا قال لأنه قبلهما فيدل اللفظ على الودجين مطابقة وعلى الحلقوم التزاما وأما المرئ فوراءهما ملتصق بعظم القفا فلا يدل اللفظ عليه البتة قال اللخمي وروي عن مالك لا بد من الأربعة والاكتفاء بالودجين لخروج الدم وقال ابن حبيب إن قطع الأوداج ونصف الحلقوم اجزأ قال صاحب المقدمات وفرائض الذكاة خمس النية إجماعا وقطع الودجين والحلقوم والفور والتسمية سنة وقاله ش وصاحب النكت وقال صاحب الاكمال المشهور وجوبها مع الذكر دون النسان ومتروك التسمية عمدا لا يؤكل وقاله ح وابن حنبل لقوله تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) الأنعام 121 وفي البخاري أن قوماً قالوا يا رسول الله إن قوما من الأعراب يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال سموا الله وكلوا وهو يدل على عدم اشتراطها وقد قال المفسرون في الآية معناها ما ذبح على ملتكم فكلوا وما لا فلا قال ابن يونس قال ابن حبيب باسم الله ولا إله إلا الله وسبحان الله ولا قوة إلا بالله كل واحدة منها تجزئ لأنه ذكر الله لكن العمل على باسم الله والتكبير وقاله ابن حنبل وفرق بين الحمد لله واللهم اغفر لي لأنه دعاء قال محمد والأفضل في الأضحية ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وفي الكتاب لا يعرف مالك اللهم منك ولك خلافا ل ش ومن أمر عبده بالتسمية مرتين وثلاثا وهو يقول سميت لم يسمعه صدقه وأكل قال أبو الطاهر إن ترك التسمية ناسيا لا يضره 1 لك قولا واحدا أو متهاونا لم تؤكل على اختلاف أو عامدا فقولان نظائر أربع مسائل أسقط مالك فيها الوجوب مع النسيان التسمية وموالاة الطهارة وإزالة النجاسة وترتيب الصلاة الفائتة مع الحاضرة لضعف مدرك الوجوب بسبب تعارض الأدلة فقوي السقوط بعذر النسيان
فرع
قال صاحب تهذيب الطالب لو استأجر رجلا على الذبح واسماع التسمية فذبح ولم يسمعه وقال سميت قال بعض شيوخنا لا شيء له من الأجرة لفوات الشرط ولا يغرم الذبيحة وقال بعض شيوخنا له تغريمة وقال أبو عمران وهي مجزئة لأنه إن أسرها فالسر كالعلانية فيها وإن نسي فنسيانها لا يقدح ولا يظن بالمسلم غير ذلك إلا أن تكون الشاة للبيع فينقصها ذلك من أجل تورع الناس فله ما نقص وقال أبو عمران أيضا إن كانت أجرة الإسماع أكثر من أجرة السر فله أجره المثل وفي الكتاب الذابح لغير القبلة تؤكل ذبيحته وبئس ما صنع ويسمى الله عند الذبح وليقل باسم الله والله أكبر لقوله عليه السلام ذلك وليس موضع الصلاة على النبي عليه السلام قال اللخمي يكره الذبح لغير القبلة فإن فعل أكلت عند ابن القاسم وقال محمد تؤكل إلا أن يكون متعمدا فتكره وقال ابن حبيب إن العمد حرمت وكذلك قال مالك قياسا على التسمية والفرق للمذهب أن الاستقبال أخف من التسمية لعدم دلالة النصوص عليه في الكتاب والسنة بخلاف التسمية تظافرت النصوص على الأمر بها وإنما الذبيحة لا بد لها من جهة فاختير أفضل الجهات وهي جهه الكعبة والفرق بينه وبين الاستقبال للبول وإن كان الدم نجاسة كالبول وجهان إن الدم أخف تنجيسا لأكل قليله والعفو عن يسيره وإن الذبائح في حبسها قربات بخلاف البول وأيضا البول تنضاف إليه العورة
تفريع
في الكتاب إذا نحرت الغنم إو ذبحت الإبل من غير ضرورة لم تؤكل وقال الأئمة يسد كل واحد من النحر والذبح مسد الآخر لحصول المقصود للفصل بين الحلال والحرام الذي هو الدم والواقع من الغنم في بئر لا يوصل لذكاته إلا بين اللبة والمذبح فيذبح أو ينحر ولا يجوز في موضع غير ذلك لأنه غير مشروع إلا في الصيد على خلاف الأصل وليس هذا صيدا قال اللخمي إذا عاد الوحشي إلى التوحش بعد التآنس فذكاته بالاصطياد واختلف في الإنسي يتوحش أو يسقط في بئر فلا يؤكل بما يؤكل به الصيد عند مالك وابن القاسم وقال ابن حبيب يؤكل البقر المتوحش بالعقر لأن من جنسها متوحشا وكذلك الأنعام تقع في البئر ويعجز عن ذكاتها وقاله ش إذا تدفق الدم لما يروي أن رجلا يقال له أبو العشراء تردى له بغير في بئر فهلك فقال عليه السلام له وأبيك لو طعنت في حاضرتها لحلت لك وجوز أشهب النحر مكان الذبح وبالعكس وقال ابن بكير يؤكل البعير بالذبح لأنه الأصل ولا تؤكل الشاة بالنحر لأنه بعض أعضاء الذبح
فرع
قال اللخمي الجوزة التي في رأس الحلقوم وتسمى الغلصمة إن وقع الذبح فيها أجزأ إذا استكمل دائرها فإن قطع نصفها أكلت عند ابن القاسم خلافا لسحنون وهما على أصليهما فإن صار جميعها إلى البدن دون الرأس لم تؤكل عند مالك وابن القاسم خلافا لأشهب لدلالة الحديث عليها التزاما وأشهب يرى انقطاع النفس حاصلا وهو كاف في زهوق الروح
فرع
قال اللخمي من شرط الذكاة الفور فإن رفع يده فبل كمال الذكاة ثم أعادها بعد طول لم تؤكل أو بفور ذلك أكلت عند ابن حبيب وقال سحنون لا تؤكل وقال أيضا تكره وتأول بعضهم قوله بما إذا رفع يده مختبرا فأتم على الفور فتؤكل وإن رفع جازما لم تؤكل قال ولو عكس لكان أبين لأنه أعذر من الشك قال ورأى أن تؤكل في الحالين لأن الفور كالمتحد وفي تهذيب الطالب قال الشيخ أبو الحسن إن كانت حين الرفع لو تركت لعاشت أكلت لأن الثانية ذكاة مستقلة وإلا لم تؤكل كالمتردية وأخواتها
فرع
في الكتاب إذا تمادى حتى قطع الرأس أكلت وأن لم يتعمد وقال ابن القاسم تؤكل وإن تعمد لحصول الذكاة المشروعة وزيادة الألم بعد ذلك منهي عنه لا يمنع الأجزاء قال اللخمي أن تعمد لم تؤكل والأول أحسن إلا أن يقصد ذلك أولا ولم ينو موضع الذكاة فلا تؤكل فإن ذبح من القفا لم تؤكل لنفوذ مقتلها الذي هو النخاع قبل الذكاة وقال الأئمة تؤكل إن استمرت الحياة عند أعضاء الذبح لحصول الذكاة في الحي وفي الجواهر قال ابن حبيب لا يؤكل ما ذبح من صفحة العنق
فرع
في الكتاب لا تسلخ الشاة ولا تنخع ولا يقطع شيء منها حتى تموت فإن فعل أكلت مع المقطوع والنخع قطع مخ عظم العنق ومن ذلك كسره قال اللخمي يكره سن المدية بحضرة الشاة والذبح بحضرتها فقد أمر عليه السلام أن تحد الشفار وتوارى عن البهائم ورأى عمر رضي الله عنه رجلا يحد شفرة وقد أخذ شاه ليذبحها فضربه بالدرة وقال أتعذب الروح ألا فعلت ذلك قبل أن تأخذها وتؤخذ البهيمة أخذا رفيقا وتضجع على شقها الأيسر ليتمكن بيده اليمنى ولأنه أهيأ للحيوان ولذلك كان عليه السلام ينام على الأيمن حتى لا يقوى نومه فينام عن ورده بسبب ميل القلب إليه في موضعه داخل الصدر ويعلي رأسها ويأخذ بيده اليسرى الجلدة التي على حلقها من اللحي الأسفل فيجد لحمها حتى يتبين موضع السكين ثم يمر السكين مرا مجهزا فإن كان أعسر قال ابن القاسم لا بأس بوضعها على الأيمن قال ابن حبيب يكره للأعسر الذبح قال ابن يونس كره مالك ذبح الدجاج والطير قائما فإن فعل أكلت وفي الجواهر تنحر الإبل قائمة معقولة ويجوز غير ذلك وقاله ابن حنبل لقوله تعالى ( فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها ) الحج 36 أي سقطت وهو يدل على نحرها قائمة
كتاب الأضحية
قال الجوهري فيها أربع لغات أضحية بضم الهمزة وتسكين الضاد وكسر الحاء وتشديد الياء وتكسر الهمزة والباقي على حاله والجمع أضاحي وفتح الهمزة وكسر الحاء وتشديد الياء وضحية على وزن فعلية والجمع ضحايا وأضحات بفتح الهمزة وتسكين الضاد والجمع أضحا مثل أرطأة وأرطأة وبهماة وبهما سمي يوم الأضحى ويمكن أن يكون من الضحى بالقصر وهو وقت طلوع الشمس أو من الضحاء المدود مع فتح الضاد وهو حين ارتفاع النهار لأنها تذبح فيهما ويتمهد الفقه بالنظر في مشروعيتها وما يجزئ فيها وزمانها واحكامها فهذه أربعة أنظار النظر الأول في مشروعيتها وفي الكتاب الأضحية واجبة على المستطيع مسافرا أو حاضرا إلا الحاج فإن سنتهم بالهدي وساكني منى والمكي الذي يشهد الموسم كالآفاقي وقال ح لا يؤمر المسافر بالأضحية لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا إذا سافرا لا يضحيان وفي تهذيب الطالب قال ربيعة هي أفضل من صدقة سبعين دينارا وقال ابن حبيب أفضل من العتق وعظيم الصدقة لأن إقامة السنة أفضل من النطوع وقال صاحب القبس يستحب للإنسان أن يضحي عن وليه كما يستحب له الحج عنه والصدقة وفي الترمذي قال علي رضي الله عنه أوصاني رسول الله أن أضحي عنه قال وعندي أن الميت يصل إليه كما عمل يعلمه الحي وفي الكتاب لا تجب على من فيه رق للحجر عليه في المال قال اللخمي المراد بالوجوب السنة المؤكذة وقاله ش وابن حنبل لما في مسلم قال عليه السلام إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا فوكل ذلك لإرادته وقال في كتاب محمد بالوجوب وقاله ابن القاسم في الكتاب لتصريحه بتأثيم من أخر أضحيته عن أيام النحر ووافقه ح لقوله عليه السلام لأبي بردة في جذعة الماعز تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك والإجزاء
فرع
شغل الذمة قال أبو الطاهر قول ابن القاسم بالتأثيم في الكتاب محمول على الوجوب وقيل إنما يثبت الوجوب إذا اشتراها ( فرع ) قال ابن القصار يستحب لمن أراد التضحية ألا يقص شعره ولا ظفره إذا أهل ذو الحجة حتى يضحي لقوله عليه السلام إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشره شيئا فإذا ضحى أخذ من كل ما منع من أخذه وقاله ش واختلف في تعليله فقيل تشبها بالمحرمين ويشكل بالطيب والمخيط وغيرهما وقيل لما يروي عنه عليه السلام قال كبر أضحيتك يعتق الله بكل جزء منها جزأ منك من النار والشعر والظفر أجزاء فيترك حتى يدخل في العتق
فرع
قال اللخمي قال ابن حبيب من ولد يوم النحر أو آخر أيامه يضحي عنه وكذلك من أسلم لبقاء وقت الخطاب بالأضحية بخلاف زكاة الفطر
فرع
ولا يؤمر بها من تجعف بماله من غير تحديد ويضحي عن الصبي لوجود السبب في حقه وهو أيام النحر كملك النصاب
فرع
وفي البيان للغزاة أن يضحوا من غنم الروم لأن لهم أكلها ولا يردوها للمقاسم النظر الثاني فيما يجزئ منها وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول في جنسها قال اللخمي يختص بالغنم الابل والبقر والغنم والابل دون الوحش كان له نظير من النعم أم لا لقوله تعالى ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام الحج 28 وأفضلها الغنم ثم البقر ثم الإبل وقال ش و ح أفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم لقوله عليه السلام من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا الحديث ولأن سد الخلات مطلوب للشرع وهو من الإبل أكثر فيكون أفضل والجواب عن الأول القول بالموجب لأنه عليه السلام قال فكأنما قرب بدنة ولم يقل في أي باب فيحمل على الهدايا وهو مجمع عليه وعن الثاني أن المطلوب من الضحايا ليس كثرة اللحم وسد الخلات بخلاف الهدايا لقوله عليه السلام خير الأضحية الكبش ولأن المطلوب إحياء قصة الخليل عليه السلام لقوله تعالى ( وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين ) الصافات 107 قيل جعلناه سنة للآخرين ولأن الله وصفه بالعظيم ولم يحصل هذا الوصف لغيره من جهة المعنى إن المفدى لم تكن نفاسته لعظم جسمه بل لعظم معناه فكذلك ينبغي أن يكون فداؤه تحصيلا للمناسبة لأنه عليه السلام لما ضحي عن نفسه ضحي بالكبش وفي مسلم أمر عليه السلام بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به قال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ثم ضحى به وحيث ضحى بالبقر إنما كان عن أزواجه وقال ابن شعبان أفضلهما الغنم ثم الإبل ثم البقر وقال أشهب الإبل ثم البقر وقال أيضا الإبل ثم البقر ثم الغنم لمن هو بمنى لأنه لا أضحية عليه بل يغلب عليه حكم الهدي وذكور كل جنس أفضل من إناثه وإناثه أفضل من الجنس الآخر وقال أيضا الذكور والإناث سواء والفحل عنده أفضل من الخصي لشبهه بالأنثى وقال ابن حبيب الخصي السمين أفضل من الفحل الهزيل لأنه عليه السلام ضحى بكبشين أملحين موجوئين أي خصيبين لأن الوجاء القطع فائدة من الإكمال الأملح الأبيض كلون الملح يشوبه سواد ممازج والذي يخالط بياضه حمرة أو سواد تعلوه حمرة أو بياضه أكثر من سواده أو في خلال بياضه طبقات سواد أو النقي البياض ستة أقوال
فرع
قال أبو الطاهر المتولد بين الأنعام وغيرها إن كانت الإناث من غير الأنعام لا تجزي اتفاقا لأن الحيوان غير الناطق إنما يلحق بأمه ولذلك إنما يسمى يتيما إذا ماتت أمه فإن كانت من الأنعام فالأجزاء لأنها هي الأصل وعدم الأجزاء لأن مورد الشرع ما خلص من الأنعام وهذا لم يخلص فائدة الأنعام والنعمة والنعم والنعماء والنعيم قال صاحب كتاب الزينة هي مأخوذة من لفظة نعم في الجواب لأنها تسر النفوس غالبا فاشتق اسم ما يسر منها وقيل النعم من نعامة الرجل وهي صدرها وهي تمشي على صدور أرجلها فسميت نعما الفصل الثاني في سنها وفي الكتاب لا يجزئ ما دون الثني من الأنعام كلها في الضحايا والهدايا إلا في الضأن وقاله الأئمة لما في مسلم قال أبو بردة بن نيار عندي جذعة من المعز هي خير من مسنة فقال عليه السلام اذبحها ولن تجزئ أحدا بعدك وفيه لا تذبحوا إلا مسنة فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن والمسنة هي الثنية قال ابن يونس قال ابن حبيب وسن الجذع من الضأن من ستة أشهر وقيل ثمانية أشهر وقيل سنة وقاله ح قال ابن حبيب والثني من المعز ابن سنتين وقاله ش ومن البقر ابن أربع ومن الإبل ابن ست وقاله ش وابن حنبل قال عبد الوهاب و ح الثني من المعز ما دخل في الثانية ومن البقر ما دخل في الثالثة وقاله ش و ح وفي الجواهر قال أشهب وابن نافع وعلي بن زياد وابن حبيب الجذع ماله سنة وقال ابن وهب عشرة أشهر وقيل ثمانية وروي عن سحنون وعن علي سنة قال والتحاكم في ذلك إلى أهل اللغة والأول أشهر عندهم قاله في كتاب الزكاة تنبيه إنما اختلف أسنان الثنايا لاختلافها في قبول الحمل والنزوان فإن ذلك إنما يحصل غالبا في الأسنان المذكورة ويحصل في الجذع من الضأن بخلاف غيره ولما كان ما دون الحمل من الآدمي ناقصا في حين الصغر كان من الأنعام كذلك لا يصلح للتقرب وقد تقدم في الزكاة استيعاب هذا المعنى الفصل الثالث في صفتها وينبغي أن تكون أفضل نوعها ويقتدى فيها بالصفات الواردة في السنة ولا يقصد بها المباهاة والمفاخرة فلا يقبل الله تعالى إلا الخالص له فإنه أغنى الشركاء عن الشرك وفي الصحيح سئل عليه السلام أي الرقاب أفضل فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قال صاحب الإكمال والمشهور تسمين الأضحية لما في الصحيحين قال أبو العالية كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون وقال ابن القوطي يكره لأنه سنة اليهود والعيوب المخلة بها ثلاثة أقسام ما يخل باللحم كقطع الأذن وما يفسد اللحم كالمرض والجرب وما يخل بالجمال فقط كشق الأذن وقطع الذنب الذي لا لحم فيه وعطب الضرع عن الحلاب فتطرد النصوص في ذلك ووفي الكتاب تجزئ المكسورة القرن إلا أن يدمي لأنه حينئذ مرض ولا تجزئ المريضة البين مرضها ولا البشمة ولا الجربة لأنهما مرض ولا بأس بالبياض اليسير في العين على غير الناظر والشق الوسم ويسير القطع بخلاف جلها ولا يجزئ العرج البين بخلاف ما لا يمنع لحوق الغنم ولا تجزئ العمياء ولا العوراء ولا العجفاء ولو حدث ذلك بعد الشراء بخلاف حدوثه بالهدايا بعد التقلييد لأن الأضحية لا تتعين إلا بالذبح ولا تجزئ الناقصة الخلق ولا بأس بالجلحاء وهي الجماء والسكاء وهي الصغيرة الأذن وهي الصمعاء ومنه صومعة الأذان لأنها لا يبرز منها شيء ولا تجزئ المخلوقة بغير الأذنين وفي النسائي قال عليه السلام أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والعجفاء التي لا تنقى قال اللخمي تسحب المنافسة في الأضحية قياسا على العتق بجامع القربة وإذا كثر عيب من غير الأربعة التي في الحديث فالمذهب قياسا عليها وقصر البغداديون ذلك على الأربعة وقال ابن حنبل لا يجزيء ما لا نقي لها وهو الشحم وقيل التي لا مخ لها فعلى هذا تجزئ أول ذهاب شحمها ولا يجزئ الجرب البين لأنه يفسد اللحم وقال ملك تجزيء الهرمة ما لم يكن بينا ولا يجزئ الجنون اللازم لأنه يمنع الرعي فينتقض اللحم ويمنع الجمال بخلاف ما يحدث في الأحايين وإذا ذهب الأكثر من كل عين لم تجزئ بخلاف اليسير منها والشرقاء المشقوقة الأذن والخرقاء المثقوبتها والمقابلة المقطوع أذنها من قبل وجهها والمدابرة من جهة دبرها ووافقنا الأئمة في جميع ذلك غير أن ح قال إذا حدث العيب عند الذبح أجزأت خلافا ل ش كأنه يرى أن العيب لم يبق له زمان يظهر فيه أثره ولم ير مالك و ش الخصاء عيبا لأن الخصية لا تجمل الحيوان ولا تقصد بالأكل غالبا وعدمها يطيب اللحم ولا خلاف في الأنثى الكثيرة الولادة والذكر الكثير النزو إن فسد لحمهما بذلك قال اللخمي لا يمنع الأجزاء عند البغداديين ذهاب أكثر الأذن وعلى المذهب لا يجزئ ماله بال لنقص الثمن فما كان دون الثلث فيسير أو فوقه فكثير وقال ابن حبيب و ح الثلث كما هو في الدية ومنع ش الإجزاء بذهاب قطعة من الأذن بخلاف الشق وقال محمد النصف كثير ولا احد قال اللخمي والشق أيسر من الذهاب فيجزئ النصف وقال محمد تجوز إذا ذهبت جملة قرونها وقال ابن حبيب لا تجوز العضباء وهي المكسورة القرن وإن لم يدم بخلاف ذهاب جارحة فقط قال اللخمي ولا أرى تجزئ من ذلك ما يكثر له شبيها وقال أشهب تجزئ وإن كانت تدمي إذا كان المرض خفيفا لسلامة اللحم قال ابن يونس المكسورة الخارج تسمى قصماء والذكر أقصم والمكسورة الداخل تسمى عضباء والذكر أعضب وقال مالك في الكبش يطول ذنبه فتنقطع منه قبضة يجتنب قال محمد الكثير مكروه والثلث كثير ولا خير في مشطور الضرع كله قال صاحب تهذيب الطالب قال محمد إذا يبس ضرعها كله لا يضحى بها وإن كانت ترضع ببعضه جاز قال أبو الطاهر والمخلوقة بغير ذنب لا تجزئ لنقصان اللحم إلا على القول بقصر العيوب على الأربعة قال اللخمي ولا تجزئ الذاهبة الأسنان بكسر ونحوه وقاله ش وقال ابن حبيب تجزئ إذا كان بإثغار قال مالك وكذلك الكبر ومنعه مرة والنتن في الفم مما يتقي لنقصان الجمال واستلزامه يغير اللحم أو بعضه النظر الثالث في زمانها وفي الكتاب يضحي الامام بالمصلى بعد الصلاة ثم يذبح الناس بعده والذبح قبل صلاة الامام أو بعدها وقبل ذبحه غير مجزيء ويجزيء أهل البوادي ومن لا إمام لهم أقرب الأئمة إليهم فإن صادفوا قبله أجزأهم لأن الواجب عليهم الاجتهاد كالقبلة في الصلاة وقد فعلوا وقال ح المعتبر الصلاة دون الذبح لقوله عليه السلام في مسلم من ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى وقال ش المعتبر وقت انقضاء الصلاة دون الصلاة والذبح وابن حنبل الفراغ من الصلاة والخطبة لنا ما في مسلم قال عليه السلام أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء وفي البخاري أنه عليه السلام كان يذبح وينحر بالمصلى وفي الكتاب أيام النحر ثلاثة أيام ولا تجزئ التضحية بليل لقوله تعالى ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) الحج 28 فذكر الأيام دون الليالي وأقل الجمع ثلاثة وقال عليه السلام من ضحى بليل فليعد وسميت معلومات أي علم الذبح فيها والأيام المعدودات ثلاثة بعد يوم النحر أي تعد فيها الجمار فيوم النحر معلوم غير معدود والرابع منه معدود غير معلوم والمتوسطان معلومان معدودان وفي الإكمال روي عن مالك الإجزاء بالليل وقاله ش و ح خلافا لابن حنبل لاندراج الليالي في الأيام لغة وقالا الذبح ثلاثة بعد يوم النحر فتكون أيام الذبح عندهما أربعة سؤال إذا فاته الذبح نهارا لا يذبح ليلا وإذا فاته الرمي نهارا رمى ليلا مع تناول النص الأيام فيهما فإن كان الليل يندرج ففيهما وإلا فلا يندرج جوابه من وجهين أحدهما أن كل يوم له رمي يخصه فتعين القضاء لليل والذبح واحد فلا ضرورة لليل وثانيها أن المطلوب من الأضحية إظهار الشعائر ولذلك شرعت في الآفاق والليل يأبى الظهور بخلاف الرمي وفي الجواهر ينحر في اليوم الثاني والثالث وقت ذبح الامام في اليوم الأول قياسا على اليوم الأول فلو تقدم عليه أجزأه قاله أصبغ قال ابن يونس الذبح في اليوم الأول أفضل للسنة والمبادرة إلى الطاعة قال محمد ولا يراعى في اليومين ذبح الإمام بل يجوز بعد الفجر قال مالك وكره في اليوم الأول بعد الزوال إلى غروب الشمس وكذلك الثاني فإن زالت الشمس أخر إلى الثالث لشبه الأضحية بالصلاة من جهة ارتباطها بها والصلاة لا تفعل بعد الزوال وقيل الأول كله أفضل من الثاني والثاني كله أفضل من الثالث تعجيلا للقربة والأول هو المعروف قال قال عبد الوهاب إذا لم يخرج الامام أضحيته تحروا ذبحه فإن تبين خطؤهم أجزأهم كالقبلة قال محمد ولو ذبح رجل قبل ذبح الإمام في منزله في وقت لو ذبح الإمام في المصلي لكان قبله أجزأه وروي عن مالك فيمن لا إمام لهم يتحرون أقرب الأئمة إليهم فيخطئون لا يجزئهم قال محمد إذا ذبح أهل المسافر عنه راعوا أمامهم دون إمام بلد السفر ولا يراعى الامام في الهدي قال اللخمي إذا لم يبرز الإمام أضحيته فذبح رجل قبله لم يجزه إلا أن يتوانى الإمام وكذلك إذا لم يذبح الامام بالمصلى قاله أبو مصعب وهو أحسن وقال محمد لا يجزئ لفوات الشرط والامام المعتبر هو الخليفة المعتبر شرعا ومن أقامه وأما السلطان يملك بالقهر فلا يعتبر هو ولا نوابه والناس معه كأهل البوادي الذين لا إمام لهم والخلاف في الذبح ليلا إنما هو فيما عدا ليلة اليوم الأول النظر الرابع في أحكامها وهي قسمان قبل الذبح وبعده القسم الأول قبل الذبح وهو سبعة أحكام الحكم الأول تعيينها ففي الجواهر إذا قال جعلت هذه أضحيتي تعينت وقاله ش وابن حنبل قياسا على تعيين العبد للعتق والدار للحبس قال مالك في العتبية إذا سمي أضحيته فلا يجزها لأنه ينقصها قال صاحب البيان لا تجب عند مالك بالتسمية وقال القاضي اسماعيل إذا قال أوجبتها أضحية تعينت قال وهو بعيد ولا تتعين عند مالك إلا بالذبح ثم قال في المقدمات وقد وقع في العتبية أنها تجب بالتسمية إذا قال هذه أضحيتي بعد ان حمله في البيان على الاستحباب قال أبو الطاهر وحمل بعض المتأخرين قول ابن القاسم في الكتاب بالتأثيم إذا أخر الأضحية بعد أيام النحر على أنها تجب بالشراء بالأصالة وإنما تجب بالشراء إذا قصد شراءها لذلك وقال بعض البغداديين إذا قال هذه أضحيتي وجبت ولا يجوز أبدا لها فيتلخص لتعيين الأضحية خمسة أسباب النذر والذبح والايجاب والتسمية والشراء والمشهور أنها لا تتعين إلا بالأولين وفي الكتاب له إبدال أضحيته ولا بدلها إلا بخير منها ولا يستفضل من ثمنها شيئا وإن ضلت ثم وجدها بعد أيام النحر ذبحها إلا أن يكون ضحى ببدلها ويصنع بها ما شاء وكذلك إن وجدها بعد أيام النحر وإن لم يضح ولو حبسها حتى خرجت أيام النحر قال ابن يونس قال القاضي إسماعيل إنما تعينت الهدايا لأن التقليد والإشعار فعل قربة فلا يجوز إبطاله والضحايا لم يوجد فيها إلا مجرد النية الحكم الثاني الاشتراك فيها وفي الكتاب لا يشترك فيها إلا أن يذبحها عن نفسه وأهل بيته وإن زادوا على السبعة لأنها شركة في الثواب دون اللحم ولقوله عليه السلام على كل أهل بيت أضحية أو عتيرة والعتيرة شاة كانت تذبح في رجب ثم نسخت والأفضل أن يضحي عن كل واحد شاة وليس عليه أن يضحي عن زوجته بخلاف النفقة لأنها قربة وهو لا يتوجه عليه التقرب عن زوجته والفرق بينها وبين زكاة الفطر أن زكاة الفطر متعلقة بالأبدان فاشبهت النفقة وأجاز الأئمة البقرة عن سبع والبدنة عن سبع قال صاحب البيان روى ابن وهب عن مالك الاشتراك في هذي التطوع ويلزم ذلك في الأضاحي على القول بعدم وجوبها وتحصيل الخلاف في المسالة أن في جواز الاشتراك قولين وإذا قلنا به فثلاثة أقوال يجوز في الشاة والبدنة والبقرة لأكثر من سبعة يشترك سبعة فأكثر في البدنة والبقرة فقط يشترك عشرة في البدنة وسبعة في البقرة وإذا قلنا لا يجوز الاشتراك فثلاثة أقوال المنع مطلقا المنع فيمن عدا اهل بيته الثالث له ذبحها عنه وعمن سواه وأن كانوا أهل بيت شتى المشهور القياس على الرقبة في العتق وعلى الشاة ولأن كل واحد منهما مأمور بما يسمى أضحية وجزؤها لا يسمى كذلك فلم يأت بالمأمور به فلا تجزئه وأما قول جابر نحرنا عام الحديبية البدنة عن سبع والبقرة عن سبع فمحمول على أن الذبائح كانت من عنده عليه السلام وأمته عياله فلذلك جاز ذلك وقد قال رجل لعلي رضي الله عنه اشتريت بقرة لأضحي بها فولدت فما ترى فيها وفي ولدها فقال لا تحلبها إلا فضلا عن ولدها واذبحها وولدها يوم النحر عن سبع من أهلك فكذلك هذه الأحاديث محمولة على الأهل وما يشبه الأهل وليس في تصريح بالأجانب بل ذكر العدد والسكوت عن المعدود فلا حجة فيها علينا ونحن متمسكون بالقواعد والقياس قال اللخمي الأضحية عن الغير خمسة أقسام القريب اللازم النفقة فعليه أن يضحي عنه إما بشاة شاة أو عن الجميع بشاة أو يدخل البعض في أضحيته وعن الباقي بشاة الثاني القريب المتطوع بنفقته كالأبوين مع اليسار والإخوة وابن الأخ وابن العم فليس عليه التضحية عنهم وله ذلك عن الأقسام المتقدمة وإذا فعل أسقط الأضحية عن المنفق عليهم وإن كان مخاطبا بها لليسارة والثالث الأجنبي المتطوع بنفقته إن كان أشركه فيها لم تجز واحداً منها الرابع الأجنبي الواجب النفقة كالأجير بطعامه هو كالثالث إلا الزوجة فله ادخالها لما شملها اسم الأهل وقد قال عليه السلام اللهم هذا عن محمد وآل محمد والآل الأهل الخامس الأجنبي لا ينفق عليه ولا يشركه وفي الكتاب استحب مالك حديث ابن عمر لمن قدر دون حديث أبي أيوب الأنصاري وفي النكت حديث ابن عمر أنه كان لا يضحي عمن في البطن يريد وأما من كان في غير البطن فيضحي عن كل نفس بشاة وحديث أبي أيوب ذكر فيه كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن اهل بيته ثم تباهى الناس فصارت مباهاة الحكم الثالث نسلها وغلتها وفي الكتاب إذا ولدت فحسن ذبح ولدها معها من غير وجوب وقاله ش قال ابن القاسم ثم أمرني أن امحو من غير وجوب وأنا أرى ذلك غير واجب قال اللخمي إن خرج بعد الذبح حيا فهو كأمه فإن ولدته قبل الذبح قال أشهب لا تجوز التضحية به لأنه دون السن وهي لا تتعين إلا بالذبح بخلاف المدبرة وغيرها من الرقيق وبخلاف الهدي وإن بعد زمان الولادة عن الذبح لم يذبح واختلفوا في لبنها قال ابن القاسم في الكتاب إن لم يشربه ولدها وأضر بها تصدق به وقال أشهب يصنع به ما شاء والصوف بعد الذبح كاللحم وفي الكتاب ليس له جزه قبل الذبح لأنه جمال لها فإن جزه قال ابن القاسم لا يبيعه خلافا لأشهب الحكم الرابع التعدي عليها وفي الجواهر إن عصبت فليشتر بقيمتها أخرى توفيه بالقربة وقيل يصنع بالقيمة ما شاء ولذلك لو لم تف القيمة بشاة تصدق بها به أو صرفه فيما شاء على الخلاف المتقدم الحكم الخامس موته قبلها ففي الجواهر ورثت عنه واستحب ابن القاسم ذبح الورثة لها عنه تنفيذا لما قصد من القربة ولم يره أشهب لانتفاء ملكه وانقضاء تقربه بعد الموت الحكم السادس مباشرة ذبحها وفي الكتاب إذا ذبحها ولدك أو بعض عيالك ممن فعله ليكفيك مؤنتها بغير أمرك أجزأ وأما غيره فلا ويضمن القيمة قال اللخمي تستحب مباشرة الأضحية اقتداء به عليه السلام وإلا وكل من له دين فقد كان الناس يتخيرون لضحاياهم أهل الدين لأنهم أولى بالتقرب فإن وكل تارك الصلاة استحب له الإعادة للخلاف في حل زكاته أو كتابيا ففي الكتاب لا يجزئه لأنه ليس من أهل القربة ولقوله عليه السلام لن أستعين بمشرك وجوزه أشهب و ح وابن حنبل على كراهة لأنه من اهل الذكاة والقربة لا تفتقر إلى نية التقرب من الذابح بل نية الذبح ونية التقرب من المالك ولو وكله أن يوكل مسلما ففعل ونوى الذابح القربة أجزاه وفي الجواهر إذا صحت استنابة الكتابي فلينو المضحي عن نفسه قال اللخمي واذا ذبح بغير وكالة من لا شأنه القيام بأمر الذابح خير بين تضمينه القيمة وأخذها وما نقصها الذبح وقال أشهب لا يجزيء الذبح بغير وكالة ولو كان ولدا فقاسها ابن القاسم على العتق عن الغير بطريق الأولى لأن المعتق عنه لم ينو التقرب ولأنه عليه السلام نحر عن اهله البقر من غير وكالة وقاسها أشهب على أصله في العتق عن الغير أنه لا يجزئ وفي الجواهر أن وكل بالتضحية والنية جاز
فرع
قال اللخمي لو ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه خطأ ففي الكتاب لا تجزئ صاحبها ولا الذابح عند ابن القاسم وقال أشهب تجزئ الذابح إذا ضمن تنزيلا للقيمة منزلة الثمن في الشراء وقال ح تجزئ كل واحد منهما كالوكيل ولا ضمان لأن كل واحد منهما كالوكيل
فرع
لو نوي الوكيل عن نفسه أجزأت صاحبها وقد اشترى ابن عمر رضي الله عنهما شاة من راع فأنزلها من الجبل وأمره بذبحها فذبحها الراعي وقال اللهم تقبل مني فقال ابن عمر ربك أعلم بمن أنزلها من الجبل وقال أصبغ لا تجزئه لأن النية المعتبرة ما قاربت الفعل الحكم السابع اختلاطها قال اللخمي قال ابن عبد الحكم إذا اختلطت أخذ كل واحد منهما أضحيته ضحى بها وأجزأه القسم الثاني في أحكامها بعد الذبح وهي أربعة الحكم الأول في الكتاب لا تبع من الأضحية لحما ولا جلدا ولا شعرا ولا غيره وقاله الأئمة لأنها صارت قربة لله تعالى والقربات لا تقبل المعاوضة وإنما الله تعالى أذن في الانتفاع بها ولا تنافي بين ملك الانتفاع ومنع البيع كأعضاء الإنسان له منفعتها دون المعاوضة على أعيانها وجوز ح إبدال الجلد بما ينتفع به في البيت بعد بقاء عينه دون ما يستهلك لأن البدل يقوم مقام الميدل فإن عاوض على شيء منها قال اللخمي قال ابن القاسم يتصدق به وقال سحنون يجعل ذلك في ثمن طعام يأكله وثمن الجلد في ماعون أو طعام تنزيلا للبدل منزلة المبدل وقال أصبغ يصنع به ما شاء لأن هذه العين لم تتعلق بها قربة
فرع
قال أبو الطاهر المشهور منع إجارة جلدها لأنها معاوضة في قربة وأجازه سحنون لأنه تصرف في المنفعة بعد بقاء الأصل كالاستعمال
فرع
قال التونسي إن وهب جلدها أو لحمها منع في كتاب محمد الموهوب له من البيع لتنزيله منزلة الواهب وقيل له البيع لأنه ليس بمتقرب وإنما يمنع المتقرب ليلا يجتمع له العوض الذي هو الثمن والمعوض الذي هو منفعة القربة من الثواب ولذلك منع بيع سائر العبادات
فرع
قال صاحب البيان الضأن يوم التروية يوم النحر فينحر قال ابن القاسم لا يبيع لحمها كمن ذبح قبل الإمام قال وليس هما سواء لأن الثانية تجزئه عند جماعه والأولى ليس منعها بالبين لأنها ليست بقربة وإذا باعت امرأته جلد أضحية أو لحمها تصدق بالثمن إلا ان ينفقوه فلا شيء عليه إذا لم يرخص لهم فيه أما إذا أرخص تصدق بالثمن أو بدله إن أنفق وكذلك إن أنفقوه فيما يلزمه الحكم الثاني اختلاطها بعد الذبح قال اللخمي قال يحيى بن عمر يجزئ ويتصدقون بها ولا يأكلونها وقال محمد إذا اختلطت رؤسها عند الشواء كره أكلها لعلك تأكل متاع من لم يأكل متاعك ولو اختلطت برؤس الشواء لكان خفيفا لأنه ضامن ضمان لحم الأضاحي وقيل ليس له طلب القيمة فعلى قول محمد تؤكل الشاة لأنه إنما كره لاحتمال كون لاخر لم يأكل قال وهذا استحسان وعدم أكله لا يمنع لأنه كلقطة طعام لا يتعين وفي الشواء أشد كراهة لأنه معروف ويمكن الرد عليه الحكم الثالث ما يصنع بها بعد الذبح قال ابن يونس قال مالك ليس للتصدق والأكل حد معلوم لقوله تعالى ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) الحج 36 ولم يحدد والقانع الفقير والمعتر الزائد وقال ح وابن حنبل يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث لما في مسلم قال عليه السلام إنما كنت نهيتكم لأجل الدافة فكلوا وتصدقوا وادخروا وفي الجلاب يأكل الأقل ويطعم الأكثر ولو قيل يأكل الثلث ويقسم الثلثين كان حسنا قال ابن يونس ويجوز عدم الأكل لأنه الأصل في القرب وقال ابن حبيب ينبغي الأكل والإطعام كما ورد في الآية وأوجب ش وابن حنبل أكل شيء ما لظاهر الأمر وهو عندنا محمول على الإذن لقرينته القربة وقال محمد الصدقة بها كلها أفضل لما في مسلم أمر عليه السلام ثوبان أن يصنع له أضحيته زادا إلى المدينة قال ابن حبيب يستحب أن يكون أول أكله يوم النحر من الأضحية وقال ابن شهاب من كبدها لقول علي رضي الله عنه في خطبته إن أميركم قد رضي في سنته بقطعة كبد من أضحيته وكره مالك إطعام الكافر منها وأن كان جارا أو مرضعة لأنه ليس من أهل القرب وقال ابن القاسم إلا أن يكون من العيال وكان مالك قبل ذلك يخففه وفي الحديث لا تطعموا المشركين من لحوم ضحاياكم الحكم الرابع موته بعد ذبحها قال التونسي لا تباع في دينه ويأكلها الورثة عند ابن القاسم من غير قسمة لأنها وجبت قربة بالذبح فصارت كالحبس وللزوجة وجميع الورثة فيها حق لأن الميت كذلك قصد ويستوي الذكر والأنثى إذا استوى الأكل وقال أشهب تقسم على المواريث ولا يقضي منها دين ويرد عليه أن الميراث لا يقدم على الدين قال ابن القاسم وللغريم بيعها عليه قبل الذبح بخلاف بعده قال وهو مشكل لأنه متعد بالذبح فأشبه العتق
فرع
قال مالك الذبيح إسحاق وقال ابن حبيب وأهل العراق وأكثر العلماء إسماعيل لقوله عليه السلام أنا ابن الذبيحين يعني عليه السلام أباه إسماعيل وأباه عبد الله لأن جده عبد المطلب نذر إذا بلغ ولده عشرة أن ينحر منهم واحدا فلما أكملوا عشرة أتى بهم البيت وضرب عليهم بالقداح ليذبح من خرج قدحه وكتب اسم كل واحد على قدح فخرج قدح عبد الله ففداه بعشرة من الإبل ثم ضرب عليه وعلى الإبل فخرج قدحه ففداه بعشرين إلى أن تمت مائة فخرج القدح على الجزور فنحرها وسن الدية مائة ولأن الذبح كان بمنى وإسحاق كان بالشام ولقوله تعالى بعد قصة الذبيح ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) الصافات 112 فدل على أن صاحب القصة غير المبشر به ولقوله ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) هود 71 قال أئمة اللغة والوراء ولد الولد ومن المحال أن يبشره بأنه يعقب ثم يأمره بذبحه فيعتقد الخليل عليه السلام الذبح والجواب عن الأول أن العم يسمى أبا ويدل على هذا المجاز ما روي أن ابراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة باسحق عليه السلام نذر ذبحه إذا ولد فلما بلغ معه السعي أي العمل والقوة قيل له أوف بنذرك وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبراهيم عليه السلام قال لاسحق عليه السلام يا بني اذهب بنا نتقرب إلى الله تعالى قربانا فذهبا فأخبره أنه هو القربان والقصة طويلة في المقدمات في الأضاحي وعن الثاني أنه قد قيل كان الذبح بالمقدس أو لأن الخليل كان يركب البراق إلى الحجاز كما ورد فلعله جاء معه في يومه وعن الثالث أن المراد وبشرناه بنبوة إسحق لصبره على المحنة كما تقول بشرتك بولدك قادما أي بقدومه لأن البشارة بالوجود فالقصة واحدة ولم يخرج منها بعد وعن الرابع أن لفظ الولد مشترك بين ولد الولد والجهة المضادة للأمام فاللفظ يصلح للأمرين على حد السواء فلا يدل على احدهما
كتاب العقيقة
قال أبو عبيدة العقيقة الشعر الذي يكون على رأس المولود كأن بقاءه عقوق في حق الجنين وكذلك في الحديث أميطوا عنه الأذى فسميت الشاة عقيقة لأنها تذبح عند حلقه وقال ابن حنبل العقيقة الذبح نفسه لأنه قطع الأوداج وغيرها ولذلك سمي قطع الرحم عقوقا فالذبيحة عقيقة فعليه بمعنى مفعولة أي مقطوعة كرهينة بمعنى مرهونة والعقيقة في الاسلام للمولود قال مالك كما يعمله أهل الكتاب لدخول صبيانهم في أديانهم كماء المعمودية وغيرها قال ابن يونس وهي سنة ليست بواجبة وقاله ش وابن حنبل وقال ح بدعة وفي النسائي قال عليه السلام كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى وقال عليه السلام من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل فالأول يدل على الطلب وتعليقها على الاختيار في الثاني يدل على عدم الوجوب فيتعين الندب ومن ولد له ولدان في بطن واحد فشاتان ولا يشترك فيها كالأضحية والذكر والانثى سواء شاة وقال ش و ح للغلام شاتان لما في أبي داود قال عليه السلام عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة ولأن النعمة في الغلام أتم فيكون الشكر أعلا والجواب عن الأول المعارضة بما في أبي داود أنه عليه السلام عق عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا قال وهو صحيح وعن الثاني أنها قربة فيستويان فيها كالأضحية قال مالك وهي جنسها جنس الأضاحي الغنم والبقر والإبل وقال محمد لا يعق إلا بجذع الضأن وثني المعز لأنه السنة قال ابن حبيب وهي كالأضحية في سلامتها من العيوب وسنها ومنع بيع شيء منها وتكسر عظام العقيقة خلافا لابن حنبل مخالفة للجاهلية فإنهم كانوا يفصلونها من المفاصل تفاؤلا بسلامة المولود من الكسر والاستعاذة بما لم يجعله الشرع عوذة ممنوع ولذلك نهى الشرع عن شد الأوتار على الخيل والركاب قال مالك أراه من العين قال عبد الوهاب الكسر مباح ليس بمستحب قال مالك وليس على الناس حلق رأس المولو والتصدق بوزن شعره ورقا أو ذهبا ويجوز فعله واستحسنه ش وفي الجواهر كرهه مالك مرة وأجازه أخرى وفي الترمذي عق عليه السلام بشاة عن الحسن وقال يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة قال فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض الدرهم ويستحب أن يلطخ رأس المولود بزعفران عوضا من الدم الذي كانت الجاهلية تفعله على رأسه من العقيقة وفي أبي داود كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الاسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران وقاله ش وابن حنبل قال مالك ولا يسمى إلا في اليوم السابع للحديث المتقدم ومن فاته أن يعق عنه في الأسبوع الأول فلا يعق بعده وقيل يعق في الأسبوع الثاني فإن فاته ففي الثالث وقاله ابن حنبل فإن فاته ففي الرابع وهو مروي عن مالك وأهل العراق يعقون عن الكبير ففي أبي داود أنه عليه السلام عق نفسه بعد النبوة ولظاهر قوله عليه السلام كل غلام رهين بعقيقته الحديث المتقدم وظاهره أنه لا يزال مرتهنا حتى يعق عنه وهو معارض بالقياس على فوات زمان الأضحية وفي الجواهر روى ابن وهب أن الأسابيع الثلاثة كالأيام الثلاثة للأضحية يعق فيها ولا تتعدى وفي مختصر الوقار إن فات الأول ففي الثاني ولا يتعدى قال ابن يونس وقال ابن حنبل يجوز تقديمها على السابع كتقدم الكفارة على الحنث والزكاة على الحول وجوابه أن اليمين والنصاب سببان والحنث والحول شرطان وتقديم الحكم على شرطه إذا تقدم سببه يجوز والسابع ها هنا سبب كيوم النحر للأضحية والتقديم عليه كالتقديم على اليمين وملك النصاب ولم يقل به أحد وفي الجواهر تذبح ضحى كالضحايا ورواه محمد وقال ابن حبيب لا تذبح سحرا ولا عشاء بل من الضحى إلى الزوال قال صاحب البيان قال عبد الملك تجزئ بعد الفجر قال وهو الأظهر لعدم ارتباطها بالصلاة فقياسها على الهدايا أولى من الضحايا وفي وقت حساب السابع أربعة أقوال سبعة أيام بليالها يبتدأ من غروب الشمس ويلغى ما قبل ذلك من ليل أو نهار وقاله عبد الملك وقال ابن القاسم ورواه في الكتاب إن ولد بعد الفجر الغي ذلك اليوم أو قبله حسب وكان مالك يقول إن ولد قبل الزوال حسب أو بعده ألغي وقال ابن أبي سلمة يحسب ولو كان قبل الغروب ويكمل السابع إلى مثل تلك الساعة قال ابن يونس قال مالك ويعمل طعاما ويدعو إليه قال اللخمي قال مالك وابن القاسم لا يعجبني جعلها صنيعا يدعو إليه وفي الجواهر الإطعام كالأضحية أفضل من الدعوة قال ابن يونس من مات ولده قبل السابع فلا عقيقة عليه ولا تسمية لفوات السبب قال ابن حبيب يسمى وكذلك السقط وفي الحديث يقول السقط يوم القيامة تركتني بلا اسم فلم يعرفه قال اللخمي من لا يعق عنه لا بأس أن يسمى يوم يولد وقد أتي عليه السلام بعبد الله بن أبي طلحة يوم ولد فحنكه بتمرة وسماه عبد الله قال ابن يونس فان كان سابعه يوم الأضحى قال مالك يعق بها قال ابن حبيب إلا ان يكون آخر أيام منى فليضح لأن الضحية إما واجبة وإما سنة على الخلاف والعقيقة أما سنة مستحبة أو بدعة على الخلاف
فرع
قال صاحب القبس قال شيخنا أبو بكر الفهري إذا ذبح أضحيته للأضحية والعقيقة لا تجزئه فلو طعمها وليمة للعرس أجزأه والفرق أن المقصود في الأولين إراقة الدم وإراقة لا تجزئ عن إراقتين والمقصود من الوليمة الإطعام وهو غير مناف للإراقة فأمكن الجمع
فصل
قال ابن يونس الختان سنة مؤكدة في الذكور والإناث وقال ش فرض لنا القياس على قص الظفر وسائر تحسينات البدن ويدل على طلبه قوله عليه السلام عشر من الفطرة فذكر الختان والفطرة هي السنة وأول من اختتن الخليل عليه السلام من مائة وعشرين سنة وعاش بعدها عشرين سنة واختتن اسماعيل عليه السلام ابن ثلاث عشرة سنة واختتن إسحاق عليه السلام ابن سبعة أيام وكرهه مالك يوم الولادة ويوم السابع لأنه من فعل اليهود قال وحد الختان الأمر بالصلاة من سبع سنين إلى عشر قال ابن حبيب الختان سنة للرجال مكرمة للنساء وأصله في النساء أن هاجر كانت أمة لسارة رضي الله عنها فوهبتها للخليل عليه السلام ثم غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاث أشراق فأمرها أن تثقب أذنيها وتخفضها وقال عليه السلام لأم عطية وكانت تخفض النساء يا أم عطية أشمي ولا تنهكي فإن ذلك أسر للوجه واحظى عند الزوج يعني لا تبالغي في القطع فإنه أحسن للوجه وللجماع والشأن عدم الطعام في ذلك والستر وأما ختن الرجل فكانوا يدعون إليه وأمر عليه السلام بالدعاء إليه فقال لا وليمة إلا في خرس أو عرس أو إعذار فالعرس البناء بالزوجة والخرس نفاسها والإعذار الختان كما ان العتيرة طعام يبعث به لأهل الميت والنقيعة طعام يعمل ليصلح بين الناس والقدوم من السفر والوكيرة ما عمل لبناء الدار ونحوها وكان ابن عمر رضي الله عنهما يدعو إليه
كتاب الصيد
قال اللخمي وهو خمسة أقسام مباح للمعاش حالة الإختبار ومندوب لسد الخلة والتوسعة على العيال وواجب لإحياء النفس عند الضرورة نفس الصائد أو غيره ومكروه للهو عند مالك مباح عند ابن عبد الحكم ومحرم بغير نية الذكاة عبثا لنهيه عليه السلام عن تعذيب الحيوان لغير مأكلة أوما أدي لترك الصلاة ونحوه ويتهذب فقه الباب بالنظر في الصائد والمصيد به والصيد وفعل الصائد فهذه أربعة فصول الفصل الأول في الصائد وفي الجواهر هو المسلم الذكر البالغ والمشهور أن المرأة والمميز كالبالغ وكرهه أبو مصعب لما تقدم في الذبائح وفي الكتاب أقوال ثالثها الكراهة ويمكن حمل المنع الذي في الكتاب عليه وبالإباحة قال ابن حنبل لأنه من أهل الذكاة حجة المنع قوله تعالى ( وليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ) المائدة 94 فظاهر الإضافة يقتضي الاختصاص ويرد عليه منع اختصاص الخطاب بالمسلمين لأن أصل خطاب الله تعالى للعموم في الكفار وغيرهم سلمناه لكن هذه الآية قد قيل إنها تقتضي المنع لأنها حطاب مع المحرمين وهو محرم عليهم سلمنا عدم ذلك لكن قوله تعالى ( قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) المائدة 4 عام في الخلق ولا يؤكل صيد المجوسي والمراد في ذلك مامات بالاصطياد لقوله تعالى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) المائدة 5 مفهومه تحريم طعام من لا كتاب له وهم الجوس وفي الكتاب إذا أرسل مسلم ومجوسي كلبا لمسلم لم يؤكل الصيد أو مسلم كلب مجوسي أكل لأن المعتبر الصائد دون الآلة قال ابن يونس وإذا رمى مسلم ومجوسي سهميهما لم يؤكل إلا ان يوقن انفاذ سهم المسلم مقاتله دون سهم المجوسي وقال ش وقال ابن حبيب إن انفذ سهم المسلم المقتل ووقع سهم المجوسي في أطرافه قسم بينهما قال عبد الوهاب فإن قال المجوسي أنا لا آكل ذبيحة المسلم بيع وقسم ثمنه إلا أن يكون بموضع لا ثمن له فختص به المسلم نفيا للضرر عنه والإسلام يعلو ولا يعلى عليه قال محمد ولا يؤكل صيد السكران ولا المجنون لعدم النية ولا ذبيحة الأعجمي الذي لا يعقل الصلاة كالمجوسي وفي الكتاب لا يؤكل صيد المرتد لأنه لا يقر على دينه فهو أسوأ حالا من المجوسي الفصل الثاني في المصيد به وهو كل حيوان معلم وقاله ش و ح لقوله عليه السلام إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليها فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن وإن أكلن فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه في الصحيحين فاشترط التعليم ليكون كالآلة للصائد ليلا يمسك على نفسه فيصير ميتة أو سلاح محدود رفقا بالحيوان لما في مسلم أنه سأله عليه السلام عدي بن حاتم عن المعراض فقال إن أصابه بحده فكل وإن أصابه بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ وقال لأبي ثعلبة ما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله وكل وفي الكتاب المعلم من الحيوان هو الذي إذا زجر انزجر وإذا أرسل أطاع والسلالقة وغيرها سواء قال أبو الطاهر في صفة التعليم أربعة أقوال ما في الكتاب والثاني إذا دعي أجاب من الكلاب ولا يشترط في الطير الانزجار الثالث التسوية لابن القاسم وغيره في اشتراط الثلاثة الأوصاف الرابع الانزجار ليس شرطا لقوله في الكتاب إذا أدرك الصيد ينهش وفات قبل ذكاته أكل قال هذه حكاية اللخمي وهو ليس بخلاف وإنما يقال كا ما يمكن من التعليم فهو مشترط والمقصود انتقال الجارح عن طبعه حتى يصير للصائد كالآلة المستعملة قال صاحب الاكمال مذهب مالك وأحد قولي ش إذا أكل الكلب من الصيد يؤكل ومذهب ح وابن حنبل وأحد القولين عندنا لا يؤكل بخلاف البازي عندنا وعندهم للحديث السابق ولقوله تعالى ( مما أمسكن عليكم ) المائدة 4 وهو إنما أمسك على نفسه والجواب
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29