كتاب :الذخيرة
المؤلف : شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي
ووجه الاسحباب أنه من جنس الأحداث كالسلس والفرق بينه وبين فضلة المنى أنها توجب الوضوء دون الغسل عدم الحرج فيها لندرتها بخلافه وإنما وزانه سلس المني لا جرم يستحب منه الوضوء ولو خرجت فضلة المني في الصلاة أبطلتها وفاقا بخلاف دم الاستحاضة . الثاني قال في الكتاب إذا انقطع دم الاستحاضة لا غسل عليها ثم رجع إلى الغسل وجه الأول أن الوضوء مستحب فلا يستحب الغسل كالسلس ووجه الثاني أمره عليه السلام لحمنة به حين أمرها بالجمع بين الصلاتين وكان الأصل أن تغتسل وتتوضأ لكل صلاة ترك العمل بالغسل في الابتداء وكان علي وابن عباس رضي الله عنهما يأمران المستحاضة به في كل صلاة إن قويت على ذلك نقله أبو داود قال ابن شاس تغتسل من طهر إلى طهر إن كانت مميزة وإلا فغسلها عند الحكم عليها بالاستحاضة يكفي . الثالث المستحاضة توطأ خلافا لابن علية لما في أبي داود أن حمنة بنت جحش كانت مستحاضة بأتيها زوجها ولقوله تعالى ( حتى يطهرن ) وهذه طاهر ولأن مطلقها لا يجبر على الرجعة فتوطأ قياسا على موضع الإجماع . الرابع قال في الكتاب إذا رأت الدم خمسة عشر يوما ثم الطهر خمسة ثم الدم أياما ثم الطهر سبعة فهي مستحاضة قال صاحب الطراز قال بعض المتأخرين أراد مستحاضة في الدم الثاني وقيل في السبعة وفيه نظر لأنه لا معنى لربط هذا الدم بالسبعة بعده وأرى أنه يريد بعد السبعة واختلف في هذا أيضا فقال التونسي راعي الطهر خمسة والأيام أقلها يومان فيكون الجميع سبعة مع سبعة الطهر أربعة عشر يوما فجاء الدم ولم يكمل الطهر . وقيل الدم الآتي بعد السبعة على صفة الاستحاضة قبلها قال التونسي يمكن أن تكون أيام الدم ثلاثة والدم الآتي بعد السبعة من جنس الآتي في الثلاثة التي بعد الخمسة فلذلك جعلها مستحاضة وينبغي إذا كان على صفة الحيض أن يكون حيضا والمستحاضة ترى دما تنكره قال والذي قاله صواب . الخامس إذا تغير دم الاستحاضة إلى الغلظ والسواد قال صاحب الطراز إن لم يمض بعد الحيض زمان هو أقل الطهر على ما تقدم فالستحاضة باقية وإن مضى فهو حيض فإن تمادى على صفته أو تغير قال مطرف تجلس خمسة عشر يوما وفرق عبد الملك بين هذه وبين ابتداء الاستحاضة فقال في تلك تجلس خمسة عشر وفي هذه تستظهر بثلاث ورواه ابن القاسم عن مالك وقال إن علق بها دم الاستحاضة بعد أيام حيضتها لن تستظهر يريد بعد أن تغتسل وقال ابن القاسم مرة تستظهر ومرة لا تستظهر قال اللخمي إذا جاء المستحاضة دم الحيض وزاد على العادة وهو مثل الاستحاضة فلا تحاط له وإن كان مثل دم الحيض فهي حائض وإن أشكل فالأحسن أنها مستحاضة وقيل تستظهر بثلاثة أيام وقيل تجلس خمسة عشر يوما . السادس لو تمادى دم الاستحاضة عشرة أيام تفريعا على أن الطهر خمسة عشر يوما ثم رأت الدم بعد الاستحاضة بخمسة أيام قال التونسي إن أشبه الحيض فهو حيض وإن أشبه الاستحاضة فهو استحاضة قال صاحب الطراز وهذا مشكل بأنها رأت ابتداء الدم بعد طهر تام فلا تراعى صفته كما لو انقطعت الاستحاضة مدة أقل الطهر ثم رأت الدم نعم لو جاء في أيام العادة دلت قرينتها على أنه حيض أو قبل العادة على صفة الحيض فقرينة الصفة تدل على الحيض . فإن كان قبل العادة على غير صفة الحيض فاستحاضة لانتفاء القرائن وفيه على هذا نظر لأن دم المرض قد انقطع والحيض لا يتغير زمانه والاحتياط أحسن فلا تدع الصلاة إلا بما لا يشكل أنه دم حيض وهو معنى قول مالك السابع إذا كانت لا ترى الدم إلا عند وضوئها فإذا قامت ذهب عنها قال صاحب الطراز روى ابن القاسم لا تدع الصلاة إلا أن ترى دما تنكره يعني المستحاضة أما غيرها فتغتسل منه ولا تدع الصلاة عند انقطاعه فإذا جاوز ذلك أيامها فهي مستحاضة لا تغتسل له وروى ابن القاسم في هذه أنها تشده وتصلي من غير غسل كالمستحاضة قال صاحب البيان لأنها مستنكحة بذلك من قبل الشيطان قال قال ابن أبي زيد معنى قوله مالك رضي الله عنه أنها تغتسل عند كل وضوء حتى تجاوز الأيام والاستظهار ثم هي مستحاضة قال وقد قال مالك ليس عليها غسل وهو أولى بتفسير قوله من ابن أبي زيد . والمستند في هذا الحكم أن امرأة استفتت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقالت كلما أقبلت أريد الطواف هرقت الدم ثم إذا ذهبت ذهب قال إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب وطوفي وقال أيضا في موضع آخر ومراده بعدم الغسل إذا أصابها ذلك في زمن الاستحاضة كما قاله ابن أبي زيد . الثامن قال صاحب الطراز يستحب للمستحاضة والحائض والنفساء إذا تطهرن أن يطيبن فروجهن لما في البخاري أن أمرأة سألته عليه الصلاة والسلام عن غسلها من الحيض فأراها كيف تغتسل قال
خذي فرصة من مسك فتطهري بها قالت كيف أتطهر بها قال سبحان الله تطهري بها قالت عائشة فأخذتها إلي فقلت لها تتبعي بها أثر الدم
التاسع قال صاحب البيان قال مالك إذا تركت المستحاضة الصلاة بعد انقضاء الاستظهار جاهلة لا إعادة عليها قال ابن القاسم الإعادة أحب إلي قال ولو طال ذلك أيضا عليها لأنها متأولة والقضاء إنما ورد في الناسي والنائم لتفريطهما وقيل تعيد إن كان يسيرا وإن كان كثيرا لم تعده قال وقد سألت شيخنا ابن رزق فقال ذلك محمول على ما بينها وبين خمسة عشر يوما للخلاف أما غير ذلك فلا بد من قضائه لأن ذلك ليس بحجة وكذلك قاله ابن حبيب
الفصل الرابع في النفاس
والكلام على لفظه وحقيقته . أما لفظه فالنفاس في اللغة ولادة المرأة لا نفس الدم ذكره صاحب العين والصحاح ولذلك يقال دم النفاس والشيء لا يضاف لنفسه وهو بكسر النون والمرأة نفساء بضمها وفتح الفاء والمد والجمع نفاس بكسرها وفتح الفاء . وليس في الكلام ما وزنه فعلا يجمع على فعال غير نفساء وعشراء ويجمعان أيضا على نفساوات وعشراوات بضم الأول وفتح الثاني ويقال نفست المرأة بفتح النون وكسر الفاء وبضم النون وكسر الفاء والولد منفوس وفي الحديثوما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة أو النار
ولا يتعين اشتقاقه من النفس بمعنى الدم لأن النفس مشترك بين الروح والدم والجسد والعين يقال أصيب فلان بنفس أي عين والنافس العائن ونفس الشيء ذاته نحو رأيت زيدا نفسه والنفس قدر دبغة مما يدبغ به الأديم من القرظ وغيره ومعاني هذا اللفظ كثيرة . وأما حقيقته فهي أن دم الحيض إذا اشتغل الرحم بالولد انقسم ثلاثة أقسام أصفاه وأعدله يتولد منه لحم الجنين فإن الأعضاء تتولد من المنيين واللحم يتولد من دم الحيض والقسم الذي يليه في الاعتدال يتولد منه لبن الجنين غذاؤه الذي يحل بعد الوضع في الثدي والثالث الأردأ يجتمع فيخرج بعد الولادة فدم النفاس في الحقيقة دم حيض اجتمع . وفي الفصل فروع خمسة : الأول قال في الكتاب غايته ستون يوما ثم رجع إلى العرف وكره التحديد وقال الشافعي ستون وأبو حنيفة أربعون ومقصود الفريقين أن يكون أربع حيض فلما كان أبو حنيفة يقول أكثر الحيض عشرة قال أكثر النفاس أربعون ولما قال مالك والشافعي خمسة عشر قالوا أكثره ستون وذلك كله بناء على عوائد عندهم وأما أقله فلا حد له كالحيض خلافا ح في أن أقله خمسة وعشرون يوما وعند أبي يوسف أحد عشر ليزيد النفاس على الحيض عنده بيوم وفائدة الخلاف ههنا وفي الحيض قضاء ما مضى من الصلوات ويرد على التحديد أنه موقوف على النصوص ولا نصوص فلا تحديد وأن الرجوع في هذا إلى ما يقوله النساء متعين . الثاني قال في الكتاب إذا انقطع ثم رأته بعد ثلاثة أيام ونحوها كان نفاسا وإن بعد كان حيضا وهذا مبني على أقل الطهر وقد تقدم وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان قبل الأربعين فهو نفاس والشافعي مثله مرة ومثلنا أخرى وقال ابن حبيب مشكوك فيه يعمل فيه بالاحتياط . لنا أن الطهر التام فصل بين دمين مانعين من العبادة فلا يلحق أحدهما بالآخر قياسا على الحيضتين . الثالث قال في الكتاب إذا زاد على العادة كان استحاضة قال صاحب الطراز قال عبد الملك تستظهر إلى السبعين لأن الدم قد يزيد كالحيض . وجه المذهب أنه اجتهاد فلا يزاد فيه كزمان الاستظهار . الرابع قال ابن القاسم في الكتاب إذا ولدت ولدا وبقي آخر إلى شهرين والدم متماد فدمها محمول على عادة النفاس ولزوجها الرجعة قال وقيل إن حكمها حكم الحامل حتى تضع الولد الثاني وقد اختلف الشافعية والحنفية على هذين القولين . لنا أن حقيقة دم النفاس موجودة وأن المانع من خروج الدم إنما هو انغلاق فم الرحم لسبب الحمل وقد انفتح بالولد الأول فيكون الخارج دم نفاس فلا يتوقف جعله نفاسا على الثاني قال صاحب الطراز والذي يرى أنه حيض يقول تجلس مدة حيض الحامل فقط وقال لو جعلناه نفاسا على وهو شهران وتضع آخر فإن قلنا تجلس شهرين لزم أن يكون النفاس أربعة أشهر ولا قائل به وإن قلنا لا تجلس مع أنه دم عقيب الولادة فذلك خلاف الأصل فالواجب حينئذ أن يكون حيضا والنفاس بعد الولد الثاني . فرع إذا قلنا إنه نفاس فوضعت الثاني بعد شهرين قال التونسي يكون الثاني نفاسا فإنه كأي ولد في وعائه بدمه ولأن الرحم ينصب إليه عند حركة الوضع من الدم ما لا ينصب إليه قبل الوضع فلو وضعت الثاني قبل تمام النفاس الأول ألغت الماضي واستأنفت من الثاني . وقال أبو حنيفة النفاس من الأول فإن أتمت أربعين لم يكن الثاني نفاسا وتابعه الشافعية محتجين بأن الحيضتين لا يتصلان فكذلك النفاسان وقياسا على ما إذا اتصلا قبل الولادة . الخامس لو وضعت الولد جافا ففي الغسل قولان مبنيان على أنه مخلوق من مائها وماؤها لو خرج لوجب الغسل أو الوضوء فكذلك هو أو أنه خرج عن ذلك الطور إلى طور الحصا ونحوه . انتهى الجزء الأول من كتاب الذخيرة يليه الجزء الثاني وأوله كتاب الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصلاة
والصلاة في اللغة الدعاء ومنه قوله تعالى ( وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ) أي دعواتك وسميت هذه العبادة صلاة قيل مجازا لما اشتملت عليه من الدعاء وقيل هي مأخوذة من الصلوين وهما عرقان في الردف وأصلهما الصلاة وهو عرق في الظهر يفترق عند عجب الذنب ومنه قول ابن دريد في صفة الفرس ( قريب ما بين القطاة والمطا ** بعيد ما بين القذال والصلا ) ولذلك كتبت الصلاة بالواو في المصحف قال صاحب التنبيهات قيل هما عظمان ينحنيان عند الركوع ولما كانا يظهران من الراكع سمي مصليا لذلك وفعله صلاة ومنه المصلي وهو الثاني من حلبة السباق لأن رأس فرسه يكون عند صلوى الأول وقيل لأنها ثانية الإيمان كالثاني في حلبة السباق وقيل لأن فاعلها متابع لرسول الله كما يتابع الفرس الثاني الأول وقيل هي مأخوذة من تصلية العود بالنار ليقوم ولما كانت تنهى عن الفحشاء والمنكر كانت مقومة لفاعلها وقيل من الصلة لأنها تصل بين العبد وربه وعلى الأول أكثر الفقهاء ثم اختلف العلماء هل اطلق هذا الاسم عليها بطريق النقل وهو مذهب المعتزلة وجماعة من الفقهاء أو بطريق المجاز وهو مذهب المازري والإمام فخر الدين وجماعة واختلفوا في وجه المجاز فقيل لما كان الدعاء جزءها وهو قوله تعالى آمرا لنا ( اهدنا الصراط المستقيم ) فسميت صلاة من باب تسمية الكل باسم الجزء وقيل من مجاز التشبيه لأن كل مصل خاضع متذلل لربه مشبه للداعي في ذلك وقال القاضي أبو بكر الباقلاني من أصحابنا ليس في اللفظ نقل ولا مجاز وهو مذهبه في سائر الألفاظ الشرعية بل لفظ الصلاة مستعمل في حقيقته اللغوية وهي الدعاء فإذا قيل له الدعاء ليس مجزئا وحده ويصح بغير طهارة ورسول اللهيقول لا يقبل الله صلاة بغير طهور ؟ نقول عدم الإجزاء لدلالة الأدلة على ضم أمور أخرى للدعاء لا من لفظ الصلاة وإذا فرعنا على الأول فهل لما نقل الشرع هذا اللفظ جعله متواطئا للقدر المشترك بين سائر الصلوات أو جعله مشتركا كلفظ العين في اللغة وهو اختيار الامام فخر الدين محتجا بأنه يطلق على ما فيه الركوع والسجود وعلى ما لا ركوع فيه ولا سجود كصلاة الجنازة وعلى ما لا تكبير فيه ولا سلام كالطواف وعلى ما لا حركة للجسم فيه كصلاة المريض المغلوب وليس بين هذه الصور قدر مشترك فيكون اللفظ مشتركا
قاعدة تقربات العباد على ثلاثة أقسام أحدها حق الله تعالى فقط كالمعارف والإيمان بما يجب ويستحيل ويجوز عليه سبحانه وتعالى وثانيها حق للعباد فقط بمعنى أنهم متمكنون من إسقاطه وإلا فكل حق للعبد ففيه حق الله تعالى وهو أمره بإيصاله لمستحقه كاداء الديون ورد الغضوب والودائع وثالثها حق لله تعالى وحق للعباد والغالب مصلحة العباد كالزكوات والصدقات والكفارات والأموال المنذورات والهدايا والضحايا والوصايا والأوقاف ورابعها حق لله تعالى ولرسوله والعباد كالأذان فحقه تعالى التكبيرات والشهادة بالتوحيد وحق رسوله عليه السلام الشهادة له بالرسالة وحق العباد الإرشاد للأوقات في حق النساء والمنفردين والدعاء للجماعات في حق المقتدين والصلاة مشتملة على حق الله تعالى كالنية والتكبير والتسبيح والتشهد والقيام والقعود والركوع والسجود وتوابعها من التورك والكف عن الكلام وكثير الأفعال وعلى حقه عليه السلام كالصلاة عليه والتسليم والشهادة له بالرسالة وعلى حق المكلف وهو دعاؤه لنفسه بالهداية والاستعانة على العبادة وغيرها والقنوت ودعاؤه في السجود والجلوس لنفسه وقوله سلام علينا وعلى حق العباد كالدعاء لهم بالهداية والقنوت وطلب الإعانة والسلام على عباد الله الصالحين والسلام على الرسول عليه السلام والتسليم آخر الصلاة على الحاضرين فلذلك كانت الصلاة أفضل الأعمال بعد الإيمان
تمهيد قال صاحب المقدمات كان المفروض من الصلاة قبل الخمس ركعتين غدوا وركعتين عشيا ما كان عليه السلام يصلي بمكة تسع سنين وفرضت الخمس قبل الهجرة بسنة وقال إمام الحرمين وابن مسلمة من أصحابنا فرض الصلوات الخمس ناسخ لما كان يجب على الناس من قيام الليل قال إمام الحرمين وقيل وجوبه لم ينسخ عنه عليه السلام في خاصته قال صاحب الاستذكار لم تختلف الآثار ولا العلماء في أن الصلاة أنها فرضت بمكة ليلة الإسراء أتى جبريل من الغد لصبيحة الإسراء فصلى به الصلوات لأوقاتها في يومين لكنهم اختلفوا في كيفية فرضها فروي عن عائشة رضي الله عنها أنها فرضت ركعتين ركعتين ثم أكملت صلاة الحضر أربعا قال الشافعي والحسن البصري وبعض رواة هذا الحديث الزيادة كانت بالمدينة وقال ابن عباس وعمر بن الخطاب فرضت أربعا أربعا إلا المغرب فرضت ثلاثا والصبح ركعتين ويعضده قوله تعالى ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وقوله عليه الصلاة والسلام إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وقوله عليه السلام إنما هي صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته يعني القصر وهذا كله يدل على أن الأصل الإتمام قال وحديث عائشة رضي الله عنها أصح إسنادا والجواب له عن النصوص أن ذلك بعد الإتمام بالمدينة ويدل على وجوب الصلاة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى ( حافظوا على الصلوات ) وقوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وهي الظهر والعصر ( ( إلى غسق الليل ) ) المغرب والعشاء ( ( وقرآن الفجر ) ) الصبح قاله ابن عباس وعكرمة ومالك بن أنس في جماعة وأما السنة فقوله عليه السلام في الموطأ خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة وفي الترمذي أنه عليه السلام قال أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك وفي الكتاب اثنان وعشرون بابا
الباب الأول في الأوقات
وهي مأخوذة من التوقيت وهو التحديد وسمي الزمان وقتا لما حدد بفعل معين فكل وقت زمان وليس كل زمان وقتا والزمان عند أهل السنة اقتران حادث بحادث قال المازري إن اقترن خفي بجلي سمي الجلي زمانا نحو جاء زيد طلوع الشمس فطلوع الشمس زمان المجئ إذا كان الطلوع معلوما والمجي خفيا ولو خفي طلوع الشمس عند ضرير أو مسجون قلت له تطلع الشمس عند مجئ زيد فيكون المجي زمان الطلوع وقيل هو حركات الفلك فإذا تحرك الفلك بالشمس على أفقها فهو النهار أو تحته فهو الليل وقد نصب الله تعالى الأزمان أسبابا كما نصب الأوصاف وفيها سبعة فصولالفصل الأول في أقسامها
قال صاحب التلقين وهي تنقسم إلى وقت أداء ووقت قضاء وإلى ما لا يجوز تقديم الصلاة عليه ولا تأخيره كوقت الصبح وإلى موسع كوقت الظهر ومضيق كوقت المغرب وإلى ما يتعلق به الفوات كوقت الصبح وإلى ما لا يتعلق به الفوات كوقت الظهر والمغرب فإن الظهر يكون أداء إلى الغروب والمغرب إلى الفجر وبقي عليه وقت الكراهة وفي الجواهر هو أربعة بعد الفجر حتى يصلي الصبح وبعد الصلاة حتى ترتفع الشمس وبعد صلاة العصر حتى الغروب وبعد الجمعة حتى ينصرف الناس ولا يلحق بها الزوال على ما في الكتاب ويلحق على رواية والمستند ما في مسلم أنه قال عليه السلام لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوها عند ذلك ونهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الفجر حتى تطلع الشمس وفي مسلم ثلاث ساعات كان النبي ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حتى تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين تقوم قائمة الظهيرة حتى تزول الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب قال مالك في الكتاب وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يهجرون ويصلون في نصف النهار وكرهه الشافعي إلا يوم الجمعة وهذه الآثار معارضة لقوله عليه السلام في مسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها وهذا عام في المفروضات المنسيات والأول عام في سائر الصلوات والخاص مقدم على العام فلا جرم استثنيت الفوائت وما كان مؤكدا كركعتي الفجر وقيام الليل لتأكده بالعادة والنهي نهي كراهة فيصلي القيام بعد الفجر وقبل الصلاة وكذلك الجنائز وسجود التلاوة بعد الصبح والعصر وقيل الحمرة على ما في الكتاب والمنع فيها في الموطأ وتخصيص الجواز بما بعد الصبح عند ابن حبيب أما إذا خشي على الميت صلى عليه مطلقا تقديما للواجب الذي هو صون الميت عن الفساد على المكروه الذي هو الوقت قال صاحب التلقين ووقت الأداء ينقسم خمسة أضرب وقت فضيلة وهو أول الأوقات وتوسعة وهو آخره ووقت عذر وهو أوقات الجمع للمسافر ووقت مشابه لوقت الفضيلة ووقت الضرورة وهو ما قبل الغروب وطلوع الفجر أو الشمس لأرباب الأعذار قال والفرق بين وقت التوسعة ووقت الرخصة أن التأخير إلى التوسعة يجوز من غير عذر والتأخير لوقت الرخصة لا يجوز الا لعذر لولاه لم يكن إما حظرا وإما ندبا ويعني بذلك أنه يجوز تأخير الظهر مثلا إلى آخر القامة الأولي من غير عذر ولا يجوز بعد القامة إلا لعذر لولاه لكان آثما على المشهور وإن كان مؤديا أو مضيعا لمندوب على غير المشهور في متعمد تأخير الظهر إلى غروب الشمس فهذا معنى قوله إما حظرا وإما ندباالفصل الثاني في وقت صلاة الظهر
وهي مشتقة من الظهيرة وهي شدة الحر يقال ظهر وظهيرة فكأنه وقت ظهور ميل الشمس أو غاية ارتفاعها لأن المرتفع ظاهر أو لأن وقتها أظهر الأوقات بسبب الظل وتسمى الهجيرة من الهاجرة وهي شدة الحر وتسمى الأولى لأنها أول صلاة صلاها جبريل برسول الله ولذلك بدأ العلماء بها في التصنيف وأول وقتها الزوال وهو نزول الشمس عن وسط السماء وعلامته زيادة الظل بعد نقصانهتنبيه قد يعلم من غير زيادة الظل لكن يحزر خطا على وجه الأرض مسامتا لخط الزوال في السماء بالطرق المعلومة عند أرباب المواقيت ويضع فيه قائما وعند الزوال يخرج ظل القائم من الخط من غير زيادة الظل خصوصا في الصيف فهذا أول الوقت الاختياري إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الظل الذي زالت عليه الشمس وقال أبو حنيفة آخر الاختياري إذا صار ظل كل شيء مثيله
الفصل الثالث في وقت صلاة العصر
وهي مأخوذة من العشي فإنه يسمى عصرا وقيل من طرف النهار والعرب تسمي كل طرف من النهار عصرا وفي الحديث حافظوا على العصرين صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها يريد الصبح والعصر وأول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس ووقت الفضيلة منه ما دامت الشمس نقية وهو قوله في الكتاب ما رأيت مالكا يحدد في وقت العصر قامتين بل يقول والشمس بيضاء نقية وروى ابن عبد الحكم أن الفضيلة إلى القامتين بعد زيادة ظل الزوال وهما متقاربان فإن الشمس حينئذ تكون نقية قال صاحب الطراز ولأصحابنا أن أول وقتها قبل انتهاء القامة الأولى بقدر أربع ركعات في العصر لقوله عليه السلام في حديث جبريل وصلى في العصر حين صار ظل كل شيء مثله واللفظ ظاهر من الجملة ووافقنا الشافعي وقال أبو حنيفة أول وقتها آخر القامتين لما في الموطأ عن القاسم بن محمد ما أدركنا الناس إلا وهم يصلون العصر بعشي وهذا يقتضي أن العصر بعد القامتين وهو معارض بحديث جبريل فإن صلى العصر قبل القامة الأولى لا يجزيه وقال أشهب أرجو إن صلى العصر قبل القامة والعشاء قبل الشفق أن يجزيه وإن كان لغير عذر لأن المسافر قد يصليهما كذلك عند رحيله ولأن القامة الأولى لو لم تكن وقتا لها لما جاز تقديمها للعذرفائدة من علم وقت الظهر علم وقت العصر بأن يزيد على ظل الزوال ستة أقدام ونصفا بقدمه فإنه قامة كل أحد غالبا ومن لم يعلم ظل الزوال فقد قال ابن أبي زيد من غلق يده وجعلها بين نحره على ترقوته وبين حنكه وخنصره مما يلي الترقوة واستقبل الشمس قائما لا يرفع حاجبيه فإن رأى قرص الشمس فقد دخل العصر وإن كان قرصها على حاجبيه لم يدخل ويعرف الظهر بأن تضرب وتدا في حائط تكون الشمس عليه عند الزوال فإذا زالت الشمس انظر طرف ظل الوتد واجعل في يدك خيطا فيه حجر مدلى من أعلى الظل فإذا جاء الخيط على طرف الظل فخط مع الخيط خطا طويلا فإنه يكون خطا للزوال ابد الدهر فمتى وصل ظل ذلك الوتد إليه فقد زالت الشمس ففي الشتاء يصل إليه أسفل وفي الصيف يصل إليه فوق
الفصل الرابع في وقت صلاة المغرب
وهي مشقة من الغروب ولا تسمى عشاء لغة ولا شرعا وفي الصحيح النهي عن تسميتها عشاء قال في الكتاب وقتها غروب قرص الشمس دون الشعاع إلى حين الفراغ منها للمقيمين ويمد المسافر الميل ونحوه ورواية الموطأ إلى الشفق وهو اختيار الباجي وأبي حنيفة ووقع في المدونة امتداد وقتها الاختياري لقوله في باب التيمم في الذي يخرج من قريته يريد قرية أخرى وهو غير مسافر وعلى غير وضوء إن طمع في إدراك الماء قبل الشفق أخر الصلاة حجة المشهور أن الأمة مجمعة على إقامتها في سائر الأعصار والأمصار عند غروب الشمس ولو كان ممتدا لفعلت فيها ما تفعله في الظهر وغيرها من التقديم والتأخير وأمكن أن يقال إن إجماعهم لوقوع الخلاف في امتداد وقتها الاختياري احتياطا لأن وقتها غير ممتد وهذا بخلاف سائر الصلوات وحديث جبريل في كونه صلى به عليه السلام المغرب في اليومين في وقت واحد حجة الثاني ما في مسلم أنه عليه السلام قال وقت المغرب إلى أن تغيب حمرة الشفق والقياس على سائر الصلوات وإذا فرعنا على عدم امتداد وقتها فما حده ؟ فعندنا ما تقدم وللشافعية قولان إحداهما يعتبر بعد الغروب الطهارة ولبس الثياب والأذان والإقامة وفعل ثلاث ركعات فإن أحرم بها بعد ذلك فهي قضاء أو في أثناء ذلك فقد أحرم في الوقت وثانيهما أنه غير ممدود وهو قول الشافعي قال صاحب الطراز واتفقوا على جواز امتدادها إلى مغيب الشفق لما في الموطأ أنه عليه السلام قرأ في المغرب بالطور وقرأ بالمرسلات قال وهذا مما يقوي امتداد وقتها لانه لايجوز امتداد وقتها إلى بعد الشفق قال وإذا قلنا بالامتداد والاشتراك فهل تخص العشاء قبل الشفق بمقدار فعلها ؟ أو تمتد بعد الشفق بمقدار المغرب ؟ وهل يجزئ تقديم العشاء من غير عذر ؟ وهل يأثم بتأخير المغرب إلى بعد الشفق ؟ يختلف في جميع ذلك كما في الظهر والعصرالفصل الخامس في وقت العشاء
والعشاء بكسر العين ممدودا أول الظلام وعتمة الليل ثلثه وظلمته واعتم القوم إذا ساروا حينئذ والعتمة أيضا الإبطاء وروي عن بعض السلف أنه كان يغضب ويصيح إذا سمع من يسميها العتمة ويقول إنما هي العشاء لما في مسلم أنه عليه السلام قال لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها في كتاب الله تعالى العشاء وإنما تعتم بحلاب الإبل والسهر في ذلك أن العادة أن العظماء إذا سموا شيئا باسم ا يليق العدول عنه لما فيه من تنقيصهم والرغبة عن صنيعهم والله تعالى أعظم العظماء قد سماها العشاء في قوله تعالى ( عشاء يبكون ) ( ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ) وفي الموطأ عنه عليه السلاملو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا وهذا يقتضي الجواز وأول وقتها مغيب الشفق وهو الحمرة دون البياض لقول العرب هذا الثوب أشد حمرة من الشفق ولو كان البياض لما صح ذلك الكلام وفي الجواهر لا تعتبر الصفرة أيضا قال صاحب الطراز وروى ابن القاسم عنه أيضا أن البياض الذي يشك فيه مع الحمرة وقال أبو حنيفة مغيب البياض لما في أبي داود أنه عليه السلام كان يصليها لمغيب القمر لثلاث وهذا ربع الليل ويعضده قوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) والغسق اجتماع الظلمة ولأنها عبادة متعلقة بأحد النيرين فيتعلق بالثاني منهما أصله صلاة الصبح مع الفجرين ولأن الشفق من الشفقة وهي رقة القلب فكلما كان أرق كان أولى بالاسم والبياض أرق من الحمرة ولأنه سبب لصلاة ضرورية من الدين وسبب الضروري لا يثبت الابيقين والجواب عن الأول أنه معارض بحديث جبريل وعن الثاني أنه بيان للغاية ونحن نقول به وعن الثالث أنه عبادة متعلقة بأحد النيرين فيتعلق بأقربهما إلي الشمس أصله الصبح وعن الرابع أنه معارض بما في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الشفق الحمرة فإذا غاب فقد وجبت الصلاة وعن الخامس أنه باطل باثباتهم آخر وقت العشاء إلي الفجر بغير نص ولا إجماع بل أكثر العلماء على خلافهم وكذلك أثبتوا وقت المغرب إلى الشفق ووقت الظهر آخر القامتين والجمهور على خلاف ذلك وفي الكتاب يمتد وقتها الاختياري إلى ثلث الليل وكذلك عند الشافعي وعند ابن حبيب إلى نصف الليل وعند أبي حنيفة الليل كله وعند النخعي ربع الليل حجة الثلث حديث جبريل حجة النصف رواية فيه وما في الموطأ أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل فإن أخرت فإلى نصف الليل ولا تكن من الغافلين
الفصل السادس في وقت الصبح
والصبح والصباح أول النهار وقيل من الحمرة التي عند ظهوره ومنه صباحة الوجه لحمرته وتسمى صلاة الفجر لتفجر النور كالمياه وأول وقتها طلوع الفجر المستطير الصادق وهو الثاني ولا يعتبر الأول الكاذب وهو الذي لا يمتد مع الأفق بل يطلب وسط السماء وكثير من الفقهاء لا يعرف حقيقته ويعتقد أنه عام الوجود في سائر الأزمنة وهو خاص ببعض الشتاء وسبب ذلك أنه المجرة فمتى كان الفجر بالبلدة ونحوها طلعت المجرة قبل الفجر وهي بيضاء فيعتقد أنها الفجر فإذا باينت الأفق ظهر من تحتها الظلام ثم يطلع الفجر بعد ذلك أما غير الشتاء فيطلع أول الليل أو نصفه فلا يطلع آخره إلا الفجر الحقيقي ثم يمتد وقتها الاختياري إلى الإسفار وهو في الكتاب وقيل إلى طلوع الشمس قال القاضي أبو بكر وهو الصحيح ولا يصح عن مالك غيره وجه الأول حديث جبريل ووجه الثاني ما في مسلم أنه عليه السلام قال إذا صليتم الفجر إلى أن يطلع قرص الشمس الأول وفي رواية وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس قال صاحب الطراز والجمهور أنها من صلاة النهار لتحريم الطعام على الصائم وهو لا يحرم إلا نهارا وقال الأعمش هي من الليل لقوله تعالى ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) وآية النهار هي الشمس ولقوله عليه السلامصلاة النهار عجماء والصبح ليست عجماء وقول أمية بن أبي الصلث ( والشمس تطلع كل آخر ليلة ** حمراء تبصر لونها يتوقد ) وقال المازري قيل هو وقت بداية والجواب عن الأول القول بالموجب وعن الحديث قال الدارقطني هو ليس بحديث وانما هو قول الفقهاء وعن الشعر أن الخليل قال النهار أوله من الفجر ولعل المراد بالشمس ضياؤها على حذف المضاف ويؤكد تقرير هذه الأوقات حديث جبريل في الترمذي وأبي داود أنه عليه السلام قال
أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظل كل شيء مثله وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل وصلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إلي فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين وفي بعض طرقه أنه عليه السلام كان يصلي بصلاة جبريل والناس يصلون بصلاة النبي
فروع ستة الأول الاشتراك عندنا واقع في الأوقات خلافا ( ش . ح ) وابن حبيب من أصحابنا لنا وجوه أحدها الأوقات الدالة على جمعه عليه السلام بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء دون غيرها ولولا الاشتراك لروعيت الضرورة في غيرها كما روعيت فيها وإلا يلزم نقض العلة لا لموجب وثانيها أن أرباب الضرورات يدركون الصلاتين قبل الغروب وقبل الفجر مع انعقاد الاجماع على أنه لا يجب عليهم ما خرج وقته في غير محل النزاع فيكون وقتها باقيا ولا معنى للاشتراك إلا ذلك ثالثها قوله عليه السلام أمني جبريل مرتين الحديث وذكر فيه أنه صلى به العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله وصلى به الظهر في اليوم الثاني ذلك الوقت فيكون مشتركا احتجوا بحديث عبد الله ابن عمر وفيه وقت الظهر مالم يدخل وقت العصر وبحديث جبريل وأنهما يوجبان حصر الأوقات وأما أوقات الضرورات فخاصة بهم والجواب عن الأول والثاني قوله عليه السلام من أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر فلا بد من الجمع بين الأحاديث فيحمل الأول على أفضل الأوقات والثاني على ما فيه تفريط أو عذر وعن الثالث أن معنى اختصاص الوقت بأرباب الضرورات أنهم غير مقصرين فيه بخلاف غيرهم لما ذكرناه من الإجماع على عدم لزوم ما خرج وقته التفريع إذا قلنا بالاشتراك فالمشهور المنقول في الجواهر أنه خاص بأربع ركعات من أول القامة الثانية وقال التونسي الاشتراك في آخر القامة الأولى بقدر أربع ركعات ومنشأ القولين قوله عليه السلام
فصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله ان حملنا الصلاة على أسبابها وهو مجاز كان الاشتراك واقعا في القامة الثانية أو على أحكامها وهو الحقيقة كان الاشتراك في آخر الأولى ولا يتجه في قوله عليه السلام فصلى بي الظهر حين زالت الشمس إلا الابتداء والمجاز ويكون من إطلاق لفظ الكل على الجزء وكذلك المغرب والصبح فيتأكد المشهور بهذه الصلوات قال صاحب التلخيص فما بين القامتين ثلاثة أقوال مشترك بين الصلاتين مقسوم بينها بقدر اشتراك مستقل بذاته قال ولو صلى الظهر عند الزوال والعصر بإثره لم تجب عليه الإعادة على القول بالاشتراك وحكاه صاحب اللباب وقال أشهب الاشتراك عام في الثانية بدليل أرباب الضرورات وقال صاحب التلقين وابن القصار وغيرهما تختص الظهر بمقدارها عند الزوال والعصر بمقدارها عند الغروب لوجوب إيقاع الظهر قبل العصر وفوات الظهر مع إيجاب العصر آخر النهار وقال المازري وعند بعض الأصحاب عدم الاختصاص مطلقا وبقول تقدم الظهر لأجل الترتيب لا لعدم الاشتراك الثاني قال صاحب الطراز تجب الصلاة عندنا وعند الشافعي وجوبا موسعا من أول الوقت وعند زفر يجب تأخير الوقت بقدر ما توقع فيه الصلاة وقال أبو بكر الرازي من الحنفية يكتفى بتكبيرة الإحرام وقال الكرخي منهم تجب اما بالشروع أو بالتأخير إلى آخر الوقت واختلف القائلون بآخر الوقت هل هي نافلة أول الوقت أو موقوفة فإن خرج الوقت وهو مكلف اثبتنا أنها واجبة وإلا كانت نفلا وروى المزني عن الشافعية أن الوجوب متعلق بأول الوقت وحكي عن بعضهم أن من مات وسط الوقت أثم وعندنا لا يأثم
قاعدة الواجب المخير والموسع والكفاية كلها مشتركة في أن الوجوب متعلق بأحد الأمور ففي المخير بأحد الخصال والموسع بأحد الأزمان الكامنة بين طرفي الوقت وفي الكفاية بأحد الطوائف ومتى تعلق الوجوب بقدر مشترك كفى فيه فرد من أفراده ولا يتعين الإخلال به إلا بترك جميع أفراده فلا جرم خرج المكلف عن العهدة بأي زمان كان منهلا إلا بترك جميعها فمن لاحظ هذه القاعدة وهو الحق قال الوقت كله طرف الوجوب لتحقق المشترك في جملة أجزائه الذي هو متعلق الوجوب ومن لاحظ أن الوقت سبب والإجزاء حاصل بالفعل أول الوقت مع أن الأصل ترتب المسببات على أسبابها حكم بأن أوله وقت الوجوب ومن لاحظ أن حقيقة الواجب ما يلحق الإثم بتركه وهذا إنما يتحقق آخر الوقت قال الوجوب مختص به ومن أشكلت عليه الحجاج قال بالوقف والحق الأبلج معنى ما تقدم في تقرير القاعدة
فرع قال القاضي عبد الوهاب الذي تقتضيه أصول مذهب مالك رحمة الله عليه أنه لا يجوز تأخير الواجب المخير إلا لبدل وهو العزم على أدائها في الوقت لأن من توجه عليه الأمر ولم يفعل ولم يعزم على الفعل فهو معرض عن الأمر بالضرورة والمعرض عن الأمر عاص والعاصي يستحق العقاب واختار الباجي وغيره عدم وجوب هذا العزم لأن الأمر دل على وجوب الفعل فقط والأصل عدم وجوب غيره ولأن البدل يقوم مقام البدل فيلزم سقوط المأمور به وهو خلاف الإجماع الثالث قال صاحب الطراز لا تزال الصلاة أداء ما بقي الوقت الضروري لأن الأداء إيقاع العبادة في وقتها المحدود لها ولهذا الوقت محدود لها فإذا تعمد التأخير إلى آخر الضروري لا يأثم عند ابن القصار حملا لقوله عليه السلام من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر على إدراك الأداء والمؤدي ليس بآثم لأنه فعل ما أمر به وقال الثوري لو قيل بالإثم لم يبعد للتأخير عن الوقت المحدود في حديث جبريل قال ولا خلاف أن من تعمد التأخير حتى بقي زمان ركعة فقط أنه عاص ورجح صاحب الطراز الأول محتجا بأن العبادة تسقط في هذه الحالة بالأعذار ولولا أن الوقت باق لم يسقط وأنكر الإجماع وظاهر كلام ابن القصار يأباه قال صاحب المقدمات اتفق أصحاب مالك على امتناع تأخير الصلاة عن الوقت المختار إلى ما بعده من وقت الضرورة وأنه لا تجوز إلا لضرورة وهو القامة في الظهر والقامتان في العصر أو ما لم تصفر الشمس ومغيب الشفق في المغرب على القول بأن له وقتين وانقضاء نصف الليل في العشاء الأخيره والإسفار في الصبح لقوله عليه السلام
تلك صلاة المنافقين الحديث ولأنه لم يعهد في السلف فمن فعل ذلك فهو مضيع لصلاته وإن كان مؤديا وأما تركها حتى يخرج الوقت فمن الكبائر لقوله تعالى ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) الرابع في التأخير والتعجيل قال في الكتاب احب إلي أن يصلي الظهر في الشتاء والصيف والفيء ذراع كما أمر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستحب الشافعي رحمه الله التعجيل أول الوقت أبو حنيفة التأخير إلى آخر الوقت للفذ والجماعة لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عماله ان أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا إلى أن يكون ظل أحدكم مثله حجة الشافعي ما في الموطأ أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري أن صل الظهر إذا زاغت الشمس وعن أبي داود كان عليه السلام يصلي الظهر إذا زالت الشمس وكان يشعر بالدوام والعادة وفيه أيضا سئل عليه السلام عن أفضل الأعمال فقال
الصلاة لأول وقتها حجة أبي حنيفة ما في الموطأ أن أبا هريرة سئل عن أول وقت الصلاة فقال للسائل صل الظهر إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان ظلك مثليك وجواب الشافعي أن كتابه لأبي موسى الأشعري تحذير عن قبل الزوال أو يخصه بذلك في نفسه جمعا بين كتابته وعن الثاني أن نعلم أن الأذان بعد الزوال لاجتماع الناس والنفل وهذه سنة السلف وجواب أبي حنيفة عما في الموطأ عن أبي هريرة أنه سئل عن وقت الصلاة لعل ذلك كان في زمن الشتاء إذا كان ظل الزوال كذلك أو لعله سئل عن آخر الوقت فلا يكون بينه وبين قول عمر خلاف بل قول عمر أرجح لكونه إمام المسلمين وأكثر فحصا عن دينهم وأما قوله والفيء ذراع فالفيء لا يقال إلا بعد الزوال لأن الظل يفيء للزيادة بعد النقصان أي يرجع وأما الذراع فقال التونسي هو ربع القامة فإنه الغالب من كل إنسان قال صاحب الطراز علة ذلك اجتماع الناس وأما الفذ فظاهر قوله أنه لا يؤخر وكذلك نص عليه ابن أبي زيد في الرسالة وهو قول ابن حبيب والعراقيين فيه وفي الجماعة المتوفرة وروى ابن القاسم أنه يؤخر قليلا لأن مساجد الجماعات أصل في الصلوات وما عداهم تبع لهم
فرع مرتب قال صاحب الطراز ظاهر الكتاب أن الذراع لا يزاد عليه لشدة الحر لذهابه به وقال أشهب والشافعي يؤخر ذراعين لما في أبي داوود أن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة قال أبو داوود حتى رأينا الفيء في التلول ومعنى الإبراد الدخول في وقت البرد نحو أتهم وأنجد إذا دخل تهامة ونجدا وأصبح وأمسى إذا دخل في الصباح والمساء والتلول جمع تل وهو الرابية وفيح جهنم انتشار حرها وأصله السعة ومنه مكان أفيح وأرض فيحاء أي واسعة ويحتمل أن يكون ذلك من جهنم حقيقة كما روي أن النار اشتكت إلى ربها أن قد أكل بعضي بعضا فأذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدونه من الحر في الصيف فهو من نفسها وأشد ما ترونه من البرد في الشتاء فهو منها وقيل أراد التشبيه واختلف في ابراد الفذ فقال ابن حبيب لا يبرد واشترط الشافعي في الإبراد أربعة شروط الاجتماع في المسجد وشدة الحر والبلاد الحارة كالحجاز وبعض العراق واختلف قوله في اتيان الناس المسجد من بعد واختار الباجي إلحاق الفذ بالجماعة بجامع الحر المشغل عن مقاصد الصلاة قال كالأحوال النفسانية نحو إفراط الجوع والعطش إذا حضرت الصلاة معهما
فرع قال صاحب الطراز قال مالك في المبسوط لا تؤخر العصر عن وقتها مثل الظهر قال الباجي وهو قول الجمهور من أصحابنا لأنها تدرك الناس متأهبين بخلاف الظهر فإنها تأتي وقت قائلة ودعة وسوى في التلقين بينهما وهو قول أشهب في النوادر لتحصيل فضيلة الجماعة وروى مالك ومسلم الذي تفوته صلاة العصر فكأنهما وتر أهله وما له قال البخاري وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا وأخذت ماله وقال الخطابي وتر نقص وبقي وترا ولأن النفل بعدها ممنوع فتؤخر حتى يتنفل الناس وقال الشافعي وأبو حنيفة تؤخر ما دامت الشمس نقية وأما المغرب فيتعجل أول وقتها للعمل ولأن الأصل المبادرة إلى طاعة الله تعالى وأما العشاء فقال صاحب الطراز يستحب تأخيرها لئلا تفوت الناس بسبب اشتغالهم بأعشيتهم ولا تؤخر جدا وقد أنكر في الكتاب تأخيرها إلى ثلث الليل خلافا ( ش و ح ) وروى العراقيون تأخيرها لذلك لما في البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال مكثنا ذات ليلة ننتظر النبي لصلاة العشاء خرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فلا أدري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك فقال حين خرج أنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وهذا الحديث كما يدل على جواز التأخير يدل على ترك التأخير لانتفاء ذلك فإن لولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره ولقول ابن عمر فلا أدري أشيء شغله فإنه يدل على أن عادتهم خلاف ذلك وفي الجواهر قيل تقديمها أفضل وقال بعض المتأخرين بالتقديم إن اجتمع الناس وينتظرون إن أبطأوا واستحب ابن حبيب تأخيرها في زمن الشتاء قليلا لطول الليل وفي ليالي رمضان أكثر من ذلك توسعة على الناس في الإفطار وأما الصبح فتعجيلها أفضل على ظاهر الكتاب عند الشافعي خلافا ( ح ) محتجا بأن الواقع من التغليس كان لضرورة أنهم أرباب ضرورات في أعمالهم وفلاحتهم وأن الأصل التأخير لما في الترمذي أسفروا بالفجر فهو أعظم للأجر وفي البخاري عن ابن مسعود أنه صلى حين طلع الفجر ثم قال ما صلى النبي هذه الصلاة هذا الوقت إلا في هذه الليلة في هذا المكان يعنى يوم الجمع في الحج لنا ما في مسلم سئل عليه السلام أي الأعمال أفضل فقال الصلاة لأول وقتها وما في أبي داوود أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله وما في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها كان نساء مؤمنات يشهدن الفجر مع رسول الله متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن ما يعرفن من الغلس والتلفع التلفف والمرط الكساء الغليظ وكان يشعر بالدوام ولقوله عليه السلام أن بلالا يؤذن ليلا فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ولولا التغليس لما حسن تقديم الأذان وفي أبي داوود أنه عليه السلام أسفر مرة بالصبح ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله والجواب عن قوله عليه السلام أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر أنه محمول على تعدي وقت الظن إلى وقت اليقين ودليله قوله أسفروا بالفجر ولم يقل أسفروا بالصلاة وعلى هذا يحمل حديث ابن مسعود إذا ثبت أن التغليس أفضل قال صاحب الطراز فعلها مع الجماعة في الإسفار أفضل من التغليس منفردا لأن فضيلة الجماعة مقدمة على فضيلة الوقت بدليل الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر
تمهيد الأصل أن المبادرة إلى طاعة الله تعالى في سائر الأحوال أفضل لما فيه من إظهار الطواعية والأمن من تفويت مصلحة العبادة إلا أن يقوم معارض راجح كالحر فإن الإبراد مقدم على مصلحة العبادة لأن المشي في الحر الشديد يذهب الخشوع الذي هو أفضل أوصاف الصلاة ولهذا أمرنا بالمشي إلى الجماعة بالسكينة والوقار وإن فاتت المبادرة وصلاة الجماعة وبركة الاقتداء وهذا عممه الشرع في سائر الصلوات ولذلك قال صاحب القبس إذا تعارض الشغل والصلاة فالأخيار من العلماء على تقديم الشغل ليتفرغ للخشوع وقال غيره ينبغي أن تؤخر الصلاة بكل مشوش ويؤخر الحاكم الحكم لأجله كإفراط الظمإ والجوع والحقنة لقوله في الصحيح
إذا حضر العشاء والصلاة زاد الدارقطني
وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء
تتمة قال في الكتاب لم أر مالكا يعجبه هذا الحديث الذي جاء إن الرجل ليصلي الصلاة وما فاتته ولما فاته من وقتها أعظم من الدنيا وما فيها لأنه كان يرى الناس يؤخرون الصلاة حتى يتمكن الوقت قال صاحب الطراز يريد لم يكن يأخذ بعمومة لكن يراعي أول الوقت في الجملة ولأن راوي هذا الحديث من المرجئة فلا يأخذ مالك بحديثه الخامس في الصلاة الوسطى فيها تسعة مذاهب قال صاحب الطراز هي الصبح عند مالك والشافعي والظهر عند زيد بن ثابت والعصر عند أبي حنيفة والمغرب عند قبيصة بن ذؤيب قال وقيل العشاء وقيل الصلوات الخمس وقيل مبهمة في الخمس كما أخفيت ليلة القدر وساعة الجمعة قال ولو قيل إنها الجمعة لاتجه ونقله المازري عن غيره ونقل عن بعض الأصحاب أنها العصر والصبح والوسطى مؤنثة أوسط أما من الفضيلة فلقوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ( وقال أوسطهم ) أو من التوسط بين صلاتين وهو مشترك في سائر الصلوات والصبح أحق بالمعنيين أما الفضل فلقوله تعالى ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) وفي الصحيحين تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) وقوله عليه السلام
لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا دليل فضلهما والصبح أفضلهما لما في مسلم عنه عليه السلام
من صلى العشاء في جماعة فكأنها قام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة فكأنها صلى الليل كله فتكون الصبح أفضل الخمس ولأنها أكثر مشقة وتأتي في وقت الرغبة عن الصلاة إلى النوم فتكون أقرب للتضييع فيناسب الاهتمام بالحث على حفظها لتخصصها بالذكر في الكتاب العزيز فتكون هي المرادة منه وأما التوسط باعتبار الوقت فلأنها منقطعة عما قبلها وعما بعدها عن المشاركة بخلاف غيرها حجة الظهر توسطها وقت الظهيرة وحجة العصر ما في الصحيح من قوله عليه السلام يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا أو أنها تأتي في وقت البيع والشراء فتضيع فنبه على المحافظة عليها كما قال في الجمعة ( وذروا البيع ) حجة المغرب توسط عددها بين الثنائية والرباعية وعدم امتداد وقتها وتجسيم الشرع لها وإتمامها في السفر حجة العشاء اختصاصها بعدم تعلقها بشيء من النهار بخلاف غيرها ولقوله عليه السلام فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم ولأن النوم قد يغلب فيها فتضيع حجة الخمس أنها الأوسط لها لكونها فردا وما لأوسط له إذا أطلق عليه الوسط كان كناية عن جميعه والجواب عن الأول أنها أخف مشقة من سائر الصلوات لإتيانها وقت فترة من الأعمال والأجر على قدر النصب فتنحط رتبتها وعن الثاني أن المتروك يوم الأحزاب ثلاثة الظهر والعصر والمغرب فلعل الإشارة للجميع أو غيرها من الثلاث أوهي لكن يكون تفضيلها على ما معها فلا يتناول الصبح وعن الثالث أنا بينا أن الصبح أفضل بالنص الصريح فلا يدفع بالاستدلال وعن الرابع ما تقدم في الثالث وعن الخامس أن الكناية لا يعدل إليها إلا عند عدم التصريح وقد وجد كما تقدم ولأن الثالث يمكن أن يجعل وسطا للخمسة لتأخره عن اثنين وتقدمه على اثنين
قاعدة الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما أن يتبعا كثرة المصلحة في الفعل وقلتها وكثرة المفسدة وقلتها كتفضيل التصدق بالدينار على الدرهم وإحياء الرجل الأفضل أفضل من إحياء المفضول وإثم الأذية في الأعراض والنفوس أعظم من الأذية في الأموال وكذلك غالب الشريعة وقد يستوي الفعلان في المصلحة والمفسدة من كل وجه ويوجب الله سبحانه أحدهما دون الآخر كإيجاب الفاتحة في الصلاة دون غيرها مع مساواتها لنفسها وكتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات وأبعد من هذا عن القاعدة تفضيل الأقل مصلحة على الأكثر كتفضيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد الخضوع والإجلال وأنواع التقرب وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا وتفضيل العصر على رأي من قصر القراءة فيها على ما وردت السنة به وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر والله تعالى هو الفاعل المختار يفضل ما شاء على ما شاء ومن شاء على من شاء سبحانه وتعالى إليه يرجع الأمر كله السادس في إثبات الأوقات قال صاحب الطراز إذا حصل الغيم أخر حتى يتيقن الوقت ولا يكتفي بالظن بخلاف القبلة والفرق من وجهين أحدهما أن الوصول إلى اليقين ممكن في الوقت بخلاف القبلة الثاني أن القبلة يجوز تركها في الخوف والنافلة بخلاف الوقت قال ويجوز التقليد المأمون كايمة المساجد لأنه لم يزل المسلمون يهرعون للصلاة عند الإقامة من غير اعتبار مقياس وكذلك المؤذنون لقوله عليه السلام المؤذنون أمناء وفي الجواهر من اشتبه عليه الوقت فليجتهد ليغلب على ظنه وان خفي ضوء الشمس استدل بالاورد والأعمال وسؤال أربابها ويحتاط قال وروى مطرف عن مالك أن منه الصلاة في الغيم وتأخير الظهر وتعجيل العصر وتأخير المغرب حتى لا يشك في الليل وتعجيل العشاء ويتحرى في ذهاب الحمرة وتأخير الصبح حتى لا يشك في الفجر
الفصل السابع في أوقات الضرورات
وهي الجنون والإغماء والصبا والكفر والحيض والنفاس زاد صاحب التلقين النسيان وأفصل ذلك فأقول قال في الكتاب المجنون والمغمى عليه والحائض والكافر إن كان ذلك بالنهار قضوا ذلك اليوم أو بالليل قضوا صلاة تلك الليلة أو ما يقضى فيه صلاة واحدة قضوا الأخيرة منهما قاله صاحب الطراز يريد زالت أعذارهم ويريد بالقضاء الفعل نحو قوله تعالى ( فإذا قضيتم الصلاة ) لأنهم يقضون الصلاة التي خرج وقتها قال فإن زال العذر قبل خروج الوقت الاختياري الأول فلا خلاف أنهم يصلونها وإن خرج وقت الظهر أو غاب الشفق صلوهما عندنا وعند الشافعي وعند أبي حنيفة الأخيرة فقط إلا أن يدرك من الأولى تكبيرة لنا إن وقت الأولى مشارك لوقت الثانية في الضرورة ولولا ذلك لما أخرت المغرب ليلة عرفة إلى المزدلفة وروى ابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف عن ابن عباس في الحائض تطهر قبل الفجر تصلي المغرب والعشاء وقوله في الكتاب قضوا الأخيرة منهما وللشافعي قولان في التقديم أحدهما كقولنا والآخر يدركهما بوقت الطهارة وإيقاع ركعة وفي الجديد قولان يدرك الصلاتين بركعة والثاني بتكبيرة نظرا للاشتراك في آخر الوقت لهما لنا ما في الموطأ قال عليه السلاممن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وهو يدل على نفي مشاركة الظهر لها في هذا القدر وأنها لا تدرك بأقل منه وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام في مسلم
إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل الشمس فليتم الصلاة فهو حجة لنا لأن إدراك السجود فرع إدراك الركوع وفي الجواهر لا تلزم الصلاة بأقل من إدراك ركعة وقال أشهب تلزم بالركوع فقط قال والمشهور أن آخر الأوقات لأولى الصلاتين وسبب الخلاف أن الاشتراك هل هو من أول وقت الأولى إلى آخر وقت الثانية أو تختص الأولى بمقدارها من آخر وقتها والأخيرة بمقدارها من آخر وقتها ويظهر الخلاف في أربع ركعات قبل الفجر هل تدرك بها الصلاتان أو العشاء فقط وهو قول ابن الماجشون وابن مسلمة وكذلك ثلاث ركعات للحائض المسافرة تدرك العشاء خاصة عند ابن القاسم والصلاتين عند ابن عبد الحكم واعلم أن في هذا المقام إشكالين أحدهما أن مقتضى الخلاف في آخر الأوقات لأولى الصلاتين أو أخراهما يقتضي الخلاف فيمن سافر قبل الغروب بركعة هل يقصر الظهر أم لا ولا يكاد يوجد ذلك في المذهب وهو موجود مشهور في العشاء فهل الحكم واحد أو مختلف ويحتاج حينئذ إلى الفرق وثانيهما أنه يلزم أيضا أن الحائض إذا طهرت قبل الغروب بركعة أن يجب عليها الظهر ويسقط العصر بناء على أنه آخر الوقت للصلاة الأولى ولم أره في المذهب غاية ما رأيته فروع الأول المازري قال بعض المتأخرين إذا أخرت العصر إلى قبل الغروب بركعة فحاضت فإنها تقضيها فإن كان هذا بناء على أن هذه الركعة للظهر بناء على المشهور من أواخر الأوقات فحاضت في وقت الظهر ولم تحض في وقت العصر فتقضيها فقد استوى البابان في الليل والنهار وإن لم يكن كذلك أو كانت التسوية خاصة فهذا المتأخر المحكي عنه فيكون الفرق لغيره أن المسافر يقصر العصر إذا سافر قبل الغروب بركعة ولا يقتصر العشاء على أحد القولين إذا سافر قبل الفجر بركعة إن اهتمام الشرع بالمغرب في الوقت أكثر من الظهر لتضييقه الوقت في المغرب على المشهور وتوسيعه للظهر إجماعا فلا يلزم من جعل آخر الوقت للمغرب لمزيد اهتمام الشرع جعله للظهر فافترقا الثاني والثالث والرابع والخامس قال صاحب البيان اختلف قول ابن القاسم في أربع مسائل إذا نسيت الظهر وصلت العصر وحاضت لركعة من النهار هل يسقط الظهر أم لا وإذا نسي المسافر الظهر في السفر وصلى العصر وقدم قبل الغروب فبينما توضأ غربت الشمس فهل يصليها حضرية أو سفرية وإذا سافر بعد صلاة العصر ناسيا للظهر لركعة فهل يصليها سفرية أو حضرية ومن صلى الظهر بثوب نجس والعصر بثوب طاهر ثم علم بنجاسة الثوب قبل الغروب بأربع ركعات فهل تسقط إعادة الظهر أم لا وخرج قوليه فيها على اختصاص العصر بمقدارها قبل الغروب فيكون آخر الوقت لها أو لا يخص فيكون الوقت للظهر فيلحقها إحكام القصر والسفر والإعادة إلا أن هذا الخلاف إنما حكاه إذا فعل إحدى الصلاتين أما إذا اجتمع الصلاتان فلم أر فيها خلافا وبعض الأصحاب يقول إذا أسقطنا صلاة أسقطنا ما بعدها فلا يمكن إسقاط الظهر وإيجاب العصر في حق من حاضت وإذا أوجبنا صلاة أوجبنا ما بعدها في حق من طهرت وهذا الكلام إنما يسلم مع الاستواء في العذر وعدمه أما إذا قلنا إن آخر الوقت لأولى الصلاتين وطهرت اختصت الظهر بزوال العذر فيجب بخلاف العصر وعكسه إذا طهرت
فروع ثمانية الأول قال في الكتاب فيمن أغمى عليه بعد الفجر حتى طلعت الشمس لا يقضي الصبح خلافا ش فتمهد الوقت الذي يقتضي طريان العذر فيه سقوط الصلاة فعندنا وقت الأداء وعند أبي حنيفة وقت الاختيار وعند معظم الشافعية إذا مضى من الوقت قدر فعل الصلاة ثم طرأ العذر بعده سقطت
قاعدة المعينات لا تثبت في الذمم وما في الذمم لا يكون معينا كان ما في الذمم يخرج عن عهدته بأي فرد شاء من نوعه والمعين لا يقبل البدل فالجمع بينهما محال وهذه القاعدة يظهر أثرها في المعاملات وههنا أيضا لأن الأداء معين بوقته فلا يكون في الذمة والقضاء ليس له وقت معين يتعين حكمه بخروجه فهو في الذمة والقاعدة ان من شروط الانتقال إلى الذمة تعذر العين كالزكاة مثلا ما دامت معينة بوجود نصابها لا تكون في الذمة وإذا تلف النصاب بعذر لا يضمن فكذلك إذا تعذر الأداء بعذر لا يجب القضاء ولا يعتبر في القضاء التمكن من الإيقاع أول الوقت كما لا يعتبر في ضمان الزكاة تأخر الجابي في الزرع والثمرة بعد وقت الوجوب وكما لو باع صاعا من صبرة وتمكن من كيله ثم تلفت الصبرة من غير البائع فإنه لا يخاطب بالتوفية ولهذا أجمعنا في حق المسافر يقدم أو المقيم يسافر على اعتبار آخر الوقت الثاني قال في الكتاب إذا أغمى عليه في الصبح حتى طلعت الشمس لا إعادة عليه فاسقط الإعادة قياسا على الحائط وكذلك الشافعي وقال ابن الماجشون في المجموعة لا يقضى ما خرج وقته إذا كان الإغماء متصلا بمرض قبله أو بعده فأما الصحيح يغمى عليه في الصلاة الواحدة فيقضيها وقال أبو حنيفة يقضي الخمس فما دونهن دون ما زاد محتجا بأن عمارا أغمى عليه يوما وليلة قضاها وأن ابن عمر أغمى عليه الأيام فلم يقضها وأوجب ابن حنبل الإعادة مطلقا قياسا على النائم والسكران قال صاحب الطراز اتفقت الأمة على أن من بلغ مطبقا أنه لا يقضى شيئا
تمهيد القضاء على الصحيح إنما يجب بأمر جديد غير أمر الأداء ولم يوجد نص في صورة النزاع لأنه إنما ورد في النوم والنسيان فقياسنا معضود بالبراءة الأصلية وقياس الحنابلة مدفوع بفارق أن النوم والسكر مكتسبان فلو أثر في السقوط لكان ذلك ذريعة للتعطيل وأما تفرقة الحنفية فهي خلاف الأصول فإن الأصل أن ما يسقط يسقط مطلقا كالحيض وما لا يسقط لا يسقط مطلقا كالنوم الثالث قال في الكتاب وقت الظهر والعصر في الإغماء مغيب الشمس والمغرب والعشاء الليل كله قال صاحب الطراز لا يختلف أصحابنا أن الأخيرة تتعين إذا ضاق الوقت عنهما وتسقط الأولى فإن زاحم العصر غير الظهر كصلاة منسية فالوقت للمنسية عند ابن القاسم وتسقط الحاضرة وعند أصبغ يصليهما ولانب القاسم فيها تردد والذي رجع إليه الأول لأن الوقت استحقته المنسية فلم يبق للحاضرة شيء ووجه القول الآخر أنها أدركت وقتها لقوله عليه السلام من أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر وكذلك لو طهرت قبل الفجر بأربع ركعات فلمالك في المجموعة أنها تصليهما وعليه أكثر الأصحاب وعند ابن الماجشون تسقط المغرب فكذلك الخلاف في المسافرة تطهر قبل الفجر بثلاث الرابع قال ابن أبي زيد في النوادر لم يختلف في الحائض أنه يشترط لها وقت الطهارة غير ما يدرك به الصلاة وفي المغمى عليه قولان عند ابن القاسم أحدهما يشترط كالحائض بجامع العذر والثاني لا يشترط لأن المانع من خطابه زوال العقل وقد عقل وفرق ابن القاسم في العتبية بين الكافر والحائض بأنه مخاطب بالفروع بخلافها ولأن المانع من قبله بخلافها وسوى بينهما سحنون في كتاب ابنه والقاضي في تلقينه لأن الإسلام يناسب عدم التغليظ وفي الجواهر لا يعتبر وقت الطهارة في أرباب الأعذار على الإطلاق عند سحنون وأصبغ وعند ابن القاسم يعتبر في الجميع إلا الكافر واستثنى ابن حبيب معه المغمى عليه وأجرى بعض المتأخرين الخلاف في الجميع قال ومنشأ الخلاف هل الطهارة شرط في الوجوب أو في الأداء وفيه نظر لأن شرط الوجوب لا يجب تحصيله على المكلف كالإقامة في الصوم لإتمام وإنما تجب شروط الأداء لأجل تقرر الوجوب المتوقف عليها والطهارة تجب إجماعا فلا تكون شرطا في الوجوب على قول وألزم اللخمي التيمم لمن يقول بعدم اشتراط الطهارة إذا عدم الماء وهو متجه وإذا قلنا باشتراط الطهارة على المشهور إلا الكافر فقال صاحب التلقين يضاف للطهارة ستر العورة وغيره مما تتوقف الصلاة عليه الخامس لو طرأ عائق بعد وقت الطهارة كالحدث قال ابن القاسم في العتبية تقضي الحائض والمغمى عليه ما لزمهما أما لو علما بعد الطهارة وقبل الصلاة أن الماء الذي تطهرا به نجس فإن المعتبر ما بعد الطهر الثاني قال في الموازية وإن لم يعلما حتى صليا وغربت الشمس لا شيء عليهما وسوى بينهما سحنون في كتاب ابنه وقال ابن القاسم في الموازية التسوية بين الماء والحدث ورأى طريان العذر كاستمراره بجامع عدم التمكن ورأى سحنون أن بالطهر تعلق الخطاب وأما تفرقة ابن القاسم فلأن الحدث لا يمنع وجوب الصلاة ونجاسة الماء تخلي حدث الحيض على حاله وهو مانع من الوجوب وهذا الفرق ينقدح في الحائض خاصة مع تعميم الحكم فيهما السادس إذا قدرت على أكثر من أربع ركعات فأحرمت بالظهر ثم تبين خطؤها فإن كانت صلت ركعة شفعتها إن كانت تدرك ركعة قبل الغروب وإلا قطعت فإن لم يتبين لها ذلك إلا بعد الغروب قال ابن القاسم في العتبية إن كان بعد ركعة شفعتها وسلمت وإن كان بعد ثلاث كملتها وهي نافلة ثم تصلي العصر وقال أصبغ في الموازية لو قطعت في الموضعين لكان واسعا ولو عكست فقدرت الوقت للعصر فقط وصلتها ثم تبين خلافه قال مالك في الموازية تصلي الظهر والعصر كما وجبا وقال ابن القاسم لا تعيد العصر وقال أشهب في العتبية تصلي الظهر فقط إلا أن بقي بعد قدر ركعة فأكثر وصح تقديرها للصلاتين لكن بدأت بالعصر ناسية ففي الجواهر تصلي الظهر لإدراكها وقتها وتؤمر بإعادة العصر لوقوعها في الزمان المختص بالظهر كمن أوقع العصر قبل الزوال وقيل لا تجب الإعادة لأنها إنما تجب لأجل المنسية في الوقت السابع في الجواهر حكم الصبي حكم الحائض في جميع ما تقدم فلو احتلم بعدما صلى وجبت الإعادة عندنا وعند أبي حنيفة خلافا ش متمسكا بأن الزوال سبب في الشرع لصلاة واحدة إجماعا لما نقل في حق الصبي أو فرض في حق البالغ وقد أوقع صلاة فلا تجب أخرى وإلا للزم أن يكون الزوال سببا لصلاتين والمقرر خلافه وفي الجواهر قيل بنفي الإعادة وكذلك الخلاف لو بلغ بعد الظهر وقبل الجمعة لنا أن المتقدم منه نفل وآخر الوقت هو المعتبر كما تقدم وهو مقتضى الوجوب والنفل لا يجزئ عن الواجب الثامن إذا ذهب عقله بدواء قال صاحب الطراز قال بعض الشفعوية إن لم يكن الغالب إزالته للعقل أسقط الغرض وإن كان لم يسقط قال ويحتمل أن يقال لا يسقط مطلقا كما لو شرب مسكرا لا يعلم أنه مسكر ولأن الصلاة واجبة إجماعا وحيث أجمعنا على السقوط فيعذر من غير صنعه وههنا ليس كذلك
الباب الثاني في الأذان والإقامة
فأما الأذان في اللغة فهو الإعلام بأي شيء كان قال ابن قتيبة أصله من الأذن كأنه أودع ما عمله أذن صاحبه ثم اشتهر في عرف الشرع بالإعلام بأوقات الصلاة فاختص ببعض أنواعه كما اختص لفظ الدابة والبشارة والنسيان والقارورة والخابية ببعض أنواعها وأذن إذا أعلم بفتح الذال وتشديدها وأذن له في شيء إباحة له بكسر الذال مخففة وهو أيضا بمعنى علم ومنه قوله تعالى ( فأذنوا بحرب من الله ) وبمعنى استمع ومنه قوله عليه السلاموما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن والمئذنة بكسر الميم المنارة والإقامة من القيام لأن الناس يقومون للصلاة بسببها ومعنى قد قامت الصلاة أي استقام إيقاعها وآن الدخول فيها وفي الباب خمسة فصول
الفصل الأول في صفة الأذان
وهو سبع عشرة جملة من الكلام وقول الأصحاب سبع عشرة كلمة مجاز عبروا بالكلمة عن الكلام وإلا فهو ثمانية وستون كلمة والخلاف في مواضع منه أحدها التكبير فعندنا مثنى وعند الشافعي وأبي حنيفة أربع والأحاديث الصحيحة مختلفة في ذلك وتترجح رواية مذهبنا بعمل أهل المدينة فإنها موضع إقامته عليه السلام حالة استقلال أمره وكمال شرعه إلى حين انتقاله لرضوان ربه والخلفاء بعده كذلك يسمعه الخاص والعام بالليل والنهار برواية الخلف عن السلف رواية متواترة مخرجة له من حين الظن والتخمين إلى حين اليقين وأما الروايات الأخر فلا تفيد إلا الظن وهو لا يعارض القطع ولذلك رجع أبو يوسف عن مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين وثانيها ترجيع الشهادتين خالف فيه أبو حنيفة محتجا بأن سبب الترجيع قد انتفى فينتفي وذلك أن سببه إغاظة المشركين بالشهادتين أو أمره أبا محذورة بالإعادة للتعليم أو أنه كان شديد البغض له عليه السلام فلما أسلم ومد في الأذان ووصل إلى الشهادتين أخفى صوته حياء من قومه فدعاه عليه السلام وعرك أذنه وأمره بالترجيع وجوابه أن الحكم قد ينتفي سببه ويبقى كالرملان في الحج لإغاظة المشركين وهو باق لقول عمر رضي الله عنه ما لي أرى الرملان ولا من أري مع أنه مخالف في المسألتين ولكن قولة عمر وغيره حجة عليه لنا ما تقدم من المدينة وما في أبي داوود أنه عليه السلام قال لأبي محذورة في تعليمه الأذان تقول الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله أشهد أن محمد رسول الله تخفي بها صوتك ثم ترفع بالشهادة وكمل له الأذان إلى قوله حي على الفلاح ثم قال له فإن كانت صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا اللهفرع قال في الكتاب يكون صوته في ترجيع الشهادتين أرفع من الأول قال صاحب الطراز هذا يقتضي الإسماع بالأول وهو الحق لأنه أذان فلا بد فيه من الإعلام قال والظاهر أنه لا يخفض التكبير على ما في الكتاب وهي رواية أشهب عنه وقد تأول بعض المتأخرين خفضه من الكتاب وهو غلط قال في سماع أشهب يرجع المؤذن الأول بخلاف من بعده وقال المازري اختلف في أول الأذان فقيل يخفض فيه الصوت مثل ما قبل الترجيع ويبتدئ الرفع من الترجيع وقيل يرفع أولا ثم يخفض ويرفع من الترجيع إلى آخره واختاره لما فيه من موافقة الأحاديث في علو الصوت ومما فيه من الإعلام وثالثها الصلاة خير من النوم عندنا مشروعة خلافا ش ح في أحد قوليهما لنا إجماع المدينة وحديث أبي محذورة المتقدم قال صاحب الطراز اختلف في حين مشروعيته فقيل أن عمر رضي الله عنه أمر به ففي الموطأ قال مالك بلغني أن المؤذن جاء يؤذن عمر بالصلاة فوجده نائما فقال الصلاة خير من النوم فقال له اجعلها في نداء الصبح وقيل أمر به رسول الله لما تقدم في حديث أبي محذورة ويحتمل أن يكون ذلك من عمر إنكارا لما قاله المؤذن في غير صلاة الصبح
فروع ثلاثة عشر الأول قال صاحب الطراز وسع مالك رحمه الله في مختصر ما ليس في المختصر في ترك ذلك لمن كان منفردا وقال الحسن بن صالح يشرع في العشاء وقال النخعي في سائر الصلوات واستحسن الأول بعض أصحابنا لمن كان وحده أو لمن معه ممن ليس بنائم قال وهو فاسد لأن الأذان متبع على مشروعيته ألا تراه يحيعل وإن كان وحده ويحمل قول مالك على أنه لا يبطل الأذان قال المازري واختلف المذهب هل يقال مرتين قياسا على التكبير أو مرة لأنها مختصة فيكون مرة كقولنا قد قامت الصلاة الثاني التثويب بين الأذان والإقامة قال صاحب الطراز هو عندنا غير مشروع خلافا ح محتجا بأن بلالا كان إذا أذن أتى النبي قال حي على الصلاة حي على الفلاح يرحمك الله وأنكر ذلك أصحاب الشافعي ورووا أن عمر لما قدم مكة جاء أبو محذورة وقد أذن فقال الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح فقال له عمر رضي الله عنه ويحك أمجنون أنت ما كان في دعائك الذي دعوت ما نأتيك حتى تأتينا ولو كان ذلك سنة لم ينكره وكرهه مالك وكره تنحنح المؤذن عند الفجر ليعلم الناس ويركعون وروي أنه حدث في زمان معاوية أن المؤذن إذا أذن على الصومعة دار إلى الأمير واختصه بحي على الصلاة إلى حي على الفلاح ثم يقول الصلاة الصلاة يرحمك الله وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز وأجازه ابن الماجشون في المبسوط وذكر في صفة التسليم السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح والصلاة يرحمك الله قال وأما في الجمعة فيقول السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته قد حانت الصلاة قد حانت الصلاة وعادة أهل المدينة تأبى هذه المحدثات
فائدة التثويب من قولهم ثاب إليه جسمه إذا رجع بعد المرض والبيت مثابة للناس أي مرجع لهم قال الخطابي أصله الإعلام يقال ثوب إذا لوح بثوبه وللفرق بين ثاب وتاب معجما ومهملا أن الأول للرجوع والثاني للإقلاع ومنه التوبة من الذنب أي الإقلاع عنه الثالث أنكر في الكتاب التطريب في الأذان قال ابن القاسم ما رأيت أحدا من مؤذني المدينة يطرب يعني العمل على خلافه والتطريب من الاضطراب الذي يصيب الإنسان من الخوف أو الفرح مشبه بتقطيع الصوت وترعيده بذلك وكرهه لما فيه من التشبيه بالغناء الذي بنزه التقرب عنه وفي الجواهر قال ابن حبيب وكذلك التحزين بغير تطريب ولا يبالغ في المد بل يكون عدلا قال صاحب الطراز والسنة أن يكون محددا عاليا الرابع أنكر في الكتاب دوران المؤذن والتفاته عن يمينه وعن شماله قال ابن القاسم فيه وبلغني عنه إجازته للإسماع وأنكر الإدارة إنكارا شديدا وفي الجواهر لا يحول صدره عن القبلة ولم يحك خلافا وفي الجلاب لا بأس أن يؤذن إلى القبلة وغيرها مبتدئا وفي أثناء أذانه وقال أبو حنيفة أن أذن على المنار فله أن يدور بجميع جسده عن القبلة وقال الشافعي لا يترك الاستقبال بوجهه ولا بقدميه كان في منار أو غيره ويلوي عنقه في حي على الصلاة حي على الفلاح ليسمع النواحي وقال ابن حنبل يثبت بجميع جسده في جميع أذانه وإن كان على المنار لوى عنقه واستحب الشافعي الاستقبال في الإقامة أيضا وقال ابن القاسم في الكتاب رأيت المؤذنين بالمدينة وجوههم إلى القبلة ورأيتهم يقيمون عرضا يخرجون مع الإمام وهم يقيمون يعني أنهم ذرية الصحابة ينقلون عن الآباء والأجداد وفي أبي داود رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع ههنا وههنا وأصبعاه في أذنيه وفيه عن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر قال الترمذي حديث صحيح وعليه عمل أهل العلم الخامس قال في الكتاب لا يؤذن قاعدا إلا من عذر إذا كان مريضا يؤذن لنفسه وأجاز في الحاوي قاعدا وراكبا وجه الأول الاتباع للسلف والقياس على الإقامة والخطبة ولأن الدعاء إلى الله تعالى يقتضي الاهتمام والجلوس تقصير الوجه الثاني أن المقصود الإعلام وهو حاصل ولأن الأذان من السنن التابعة للفرائض فأشبه نوافل الصلاة السادس وسع في الكتاب في ترك وضع الأصبعين في الأذنين قال ابن القاسم ورأيتهم بالمدينة لا يفعلونه واستحسنه الشافعي لما تقدم في الحديث وقولنا أرجح لأنه لو كان مستحسنا لكان في مسجده عليه السلام قال ابن القاسم والإقامة كالأذان السابع في الجواهر يجزم آخر كل جملة من الأذان ولا يصلها بما بعدها ويدمج الإقامة للعمل في ذلك الثامن قال في الكتاب يؤذن على غير وضوء بخلاف الإقامة واختار في المختصر الوضوء وهو اختيار صاحب المعونة والشافعي لقوله عليه السلام في الترمذي لا يؤذن إلا متوضئ وجوابه أن المراد به الإقامة لأنها أذان وإعلام بخروج الإمام ومنه قوله عليه السلام في الصحيحين
بين كل أذانين صلاة لمن شاء
فرع مرتب إذا لم يكره الحدث فكرهه ابن القاسم في العتبية للجنب وأجازه أبو الفرج في الحاوي وسحنون خارج المسجد ومنشأ الخلاف هل يكره ذكر الله تعالى لغير ضرورة للجنب أم لا ففي الصحيحين أنه عليه السلام قال أنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر يعني لما في السلام من ذكر الله التاسع قال في الكتاب يجوز أربعة مؤذنين لمسجد واحد قال صاحب الطراز قال ابن حبيب رأيت بالمدينة ثلاثة عشر مؤذنا وكذلك بمكة يؤذنون معا في أركان المسجد كل واحد لا ينقضي بأذان صاحبه فأما المسجد الكبير فيجوز أن يؤذن في كل ناحية رجل يسمع من يليه لأن كل جماعة يحتاجون للإعلام وأما الصغير فتوالي الأذان فيه أبلغ من جمعه بحسب الوقت قال ابن حبيب أما الصبح والظهر والعشاء فيؤذنون واحدا بعد واحد إلى العشرة وفي العصر إلى الخمسة وفي المغرب واحد فقط التونسي يريد أو جماعة مجتمعين فإن تشاحوا أقرع بينهم قال صاحب القبس بشرطين التساوي في الإمامة وأن لا يكون صاحب الوقت فإنه مقدم وتصح القرعة في المغرب وغيرها والأصل فيها قوله عليه السلام لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا وقد اختصم قوم بالقادسية فاقرع بينهم سعد وكره الحنفية تكراره في مسجد محلة بخلاف الشاغر محتجين بأن التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة باعتماد كل واحد منهم على أذان نفسه وجوابه أن من اعتاد الأذان حقق الوقت فلا يختلفون غالبا العاشر قال صاحب الطراز يفصل بين الأذان والإقامة إلا المغرب عندنا وعند أبي حنيفة خلافا لصاحبيه في الفصل بينهما بجلسة كالخطبتين وللشافعي في الفصل بينهما بركعتين خفيفتين لما في الصحيحين عن أنس قال كنا بالمدينة إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري يركعون ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها وجوابه ما في الصحيحين أنه عليه السلام كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب وهذا يقتضي عدم الفصل وعمل المدينة يدل على أنه آخر العملين من رسول الله الحادي عشر قال في الكتاب لا يسلم في أذانه ولا يرد سلاما لما في ذلك من خروج الأذان عن نظامه ولأنه العمل في السلف
فرع قال صاحب الطراز فان عرض له مهم كأعمى يخشى عليه من الوقوع في حفير ففي الواضحة يتكلم ويبتدئ وهو قول الشافعي قياسا على الخطبة فان الكلام فيها ممنوع الا لضرورة وأما التسليم عليه فالمذهب منعه قال التونسي وعلى القول بأنه يرد إشارة يجوز كالمصلي قال والفرق ان أبهة الصلاة وعظمتها تمنع من الانحراف في الكلام بخلاف الأذان ولذلك منعناه السلام في الخطبة وأبحناه في الجمعة قال فظاهر كلامه أنه لا يرد اشارة ونص عليه في مختصر الوقار واختلف فيه اصحابنا وخرج بعضهم على الجواز جواز التسليم عليه واذا قلنا لا يرد مطلقا فإنه يرد بعد فراغه كالمسبوق يرد على الامام اذا أتم صلاته وان لم يكن حاضرا قال والفرق بين المؤذن والمصلي في الرد بالإشارة أنها ليست سلاما وإنما هي بدل البدل إنما شرع عند تعذر المبدل منه والمصلي يتعذر عليه الكلام فشرعت له والمؤذن لو سلم لم يبطل أذانه وإن كان مكروها فكان الأحسن التأخير حتى يفرغ كما فعل عليه السلام في رد السلام حتى تيمم على الجدار لكراهة ذكر الله تعالى وهو جنب قال ابن القاسم في الكتاب فان تكلم بنى قال صاحب الطراز يريد إذا كان يسيرا وسوى فيه بين العمد والسهو لأن الإعلام يحصل بخلاف الكثير الثاني عشر قال في الجواهر إن نكس ابتدأ وقال صاحب الطراز إن نسي شيئا منه فإن طال لم يبن وإن قرب فلا شيء عليه في القليل ويعيد في الكثير من موضع نسي قاله ابن القاسم واصبغ وقال الشافعي يعيد اليسير في القرب لنا أن ترك الكلمة ونحوها قد لا يعلمها السامع وإن علمها علم أنه غلط فعودها لا يحصل إعلاما وربما لبس على السامع فلا يشرع
فرعان مرتبان الأول قال في الكتاب إن أراد الأذان فأخطأ فأقام أعاد الأذان وقال ابن الجلاب إن أراد الأذان فأقام أو الإقامة فأذن أعاد حتى يكون على نية لفعله ويستمر عليها فيحتمل أن يريد نية التقرب لأنه قربة من القربان وقد صرح بذلك الأبهري في شرح مختصر ابن عبد الحكم واحتج بأنه قربة فتجب فيه النية لقوله عليه السلام الأعمال بالنيات وكذلك صاحب تهذيب الطالب ويحتمل أن يريد نية الفعل وهي أعم من نية التقرب لوجودها في المحرمات والمباحات بدون التقرب ولذلك يقول بعض الشراح يعيد حتى يكون على صواب من فعله والأول هو الأظهر من قول الأصحاب قال أبو الطاهر وقيل إن أراد الأذان فأذ لا يعيد مراعاة للقول بأنها مثنى وهذا مما يؤيد عدم اشتراط نية التقرب فانه قد صحح الإقامة مع أنه لم يقصد التقرب بها الثاني قال صاحب الطراز فان أغمي عليه أو جن في بعضه ثم أفاق بنى فيما قرب وقاله أشهب في الإقامة وقال الشافعي يبني في الطول وهو باطل لأن الإعادة بعد الطول لبس فلا شرع فلو أغمى عليه في الإقامة فأراد غيره إتمامها قال أشهب يبتدئها وإن بنى أجزأه وسوى بين الإغماء والجنون والموت وسوغ فيه الاستخلاف قياسا على الخطبة والصلاة إذا سبق الإمام الحدث ومنعه الشافعي في الأذان واختلف قوله في الإمام يسبقه الحدث وفرق بعض أصحابه بأن المستخلف في الصلاة يأتي بجميعها في الجملة بخلاف الأذان وهو منقوض بالخطبة فان الخليفة يأتي بالبعض الثالث عشر ما في الصحاح إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلو علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سألوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي قال المازري اختلف في ثلاثة مواضع إحداها إذا أذن مؤذنون هل يحكيهم لقوله عليه السلام
إذا سمعتم المؤذن بالألف واللام ولأنه ذكر فيؤمر بتكريره أو يقتصر على المؤذن الأول لأن الأمر لا يقتضي التكرار وثانيها إذا رجع المؤذن هل يكتفي بالأول لحصول المثلية التي في قوله مثل ما يقول ولأن الترجيع إنما هو الإسماع والسامع ليس بمسمع وهو مذهب مالك وقال الداودي يكرر نظرا لعموم الحديث وثالثها هل يكرر معه آخر الأذان قولان في المدونة مبنيان على أن الأمر هل يقتضي التكرار أم لا ؟ أو يقال ان قوله مثل صيغة تشبيه ويكفي فيه وجه واحد لغة أو يحمل على أعلى مراتب التشبيه والأول هو الحقيقة والثاني مجاز قال في الكتاب في معنى الحديث وذلك فيما يقع في قلبي إلى آخر التشهد يعني لأنه ثناء على الله تعالى وما عداه دعاء للصلاة والسامع ليس بداع إليها ويؤيد ما وقع في قلبه رحمه الله وأنه الحق ما في مسلم أنه عليه السلام
قال من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالاسلام دينا غفر له ذنبه ولم يذكر زيادة على التمجيد والتوحيد والتشهد
تنبيه قال في المدونة ولو فعل ذلك رجل لم أربه باسا نقله صاحب التهذيب وإن أتم الأذان معه فلا بأس ووافقه على ذلك صاحب المنتقى وصاحب النكت وحكى عن سحنون ذلك وقال صاحب الطراز وعبد الحق في تهذيب الطالب بل معناه إن فعل الاقتصاد فلا بأس وهو اللائق إذ لا يحسن أن يقال لمن وافق ظاهر اللفظ لا بأس وإنما يحسن ذلك إذا خالف الظاهر واقتصر وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر يكمل الأذان معه ويبدل الحيعلتين بالحوقلتين لما في مسلم أنه عليه السلام
قال إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر وساق الحديث إلى آخر الأذان وقال عند حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله وكمل الأذان
فائدة الحول معناه المحاولة والتحيل والقوة معناها القدرة ومعنى الكلام لا حيلة لنا ولا قدرة على شيء إلا بقدرة الله تعالى ومشيئته فإن كان في الصلاة قال في الكتاب يحكي في النافلة دون الفريضة وفي الجواهر روى أبو مصعب يحكي فيهما وجوزه ابن وهب واستحسنه ابن حبيب ومنع سحنون والشافعي فيهما فمن نظر إلى قوله في أول الحديث فقولوا من غير تخصيص جوز ومن نظر إلى أن الصلاة أفضل العبادات فالعناية بها أولى منع ومن نظر إلى تأكد الفريضة منع فيها خاصة وجوز في النافلة كما اختصت سجود التلاوة والصلاة داخل الكعبة وعلى الراحلة إلى غير الكعبة تفريع قال صاحب الطراز إذا قلنا لا يحكيه في الفريضة حكاه بعد فراغها وقاله الشافعي وإذا قلنا يحكيه في الفرض والنفل أو في الفرض فقط فلا يتجاوز التشهدين فلو قال حي على الصلاة قال أبو محمد الأصيلي لا تبطل صلاته لأنه متأول وحكى صاحب النكت عن بعض القرويين البطلان لأنه متكلم قال صاحب الطراز وهو مقتضى أصل المذهب لأن الجهل مثل العمد في الصلاة فإن أبطأ المؤذن جوز في الكتاب أن يقول قبله ونقل صاحب المنتقى عنه يقول بعده أحب إلي نظرا إلى ظاهر الحديث فإن جواب الشرط لا يكون إلا بعده والأول أفقه لأن المقصود الذكر وهو حاصل مطلقا
فرع قال ابن القاسم في الكتاب إذا انتهى المؤذن إلى آخر الأذان يحكيه إن شاء وهذا الفرع أهمله أبو سعيد فنقله إذا أتم الأذان فلا بأس قال صاحب الطراز وفيه فوائد أحدها أنه يكتفي بذكر أول الأذان عن آخره لأن المقصود غير ذلك الذكر وهو حاصل وثانيها أنه إذا سمع مؤذنا آخر تأول بعضهم من هذا الفرع أنه لا تلزمه حكايته كآخر الأذان وقال بعضهم تلزمه بخلاف آخر الأذان قال والذي يوضح هذا الخلاف أن الفذ يقيم لنفسه والجماعة يقيم لها واحد فلو كان تكرار الحكاية لاستحب لكل من في المسجد أن يقيم الصلاة إذا أقامها المؤذن بعد اذانه أغاليط المؤذنين في مواضع من الأذان أحدها الله أكبر يمدون بعد الباء فيصيرا كبارا والأكبار جمع كبر والكبر الطبل فيخرج الأذان إلى معنى الكفر وثانيها يمدون في أول أشهد فيخرج إلى حيز الاستفهام والمراد أن يكون خبرا إنشائيا وكذلك يصنعون في أول الجلالة وثالثها الوقوف على لا إله وهو كفر وتعطيل فقد شاهدت ذلك في مؤذن الجامع الكبير بالاسكندرية فكان يمد إلى أن يفرغ نفسه هنالك ثم يبتدئ إلا الله ورابعها لا يدغمون تنوين محمدا في الراء بعده وهو لحن خفي عند القراء وخامسها لا ينطلقون بالهاء من الصلاة فيخرج الكلام إلى الدعاء إلى صلا النار وسادسها لا ينطقون بالحاء من الفلاح فخرج الكلام عن المقصود فوائد اختلف العلماء في أكبر هل معناه كبير لاستحالة الشركة بين الله تعالى وغيره في الكبرياء وصيغة افعل إنما تكون مع الشركة أو معناه أكبر من كل شيء لأن الملوك وغيرهم في العادة يوصفون بالكبرياء فجيئت صيغة افعل بناء على العادة وحي معناه الدعاء للشيء تقول العرب حي على الثريد أي اقبل وكذلك هلا بمعناه ويجمع بينهما فيقال حيهلا بالتنوين وبغيرتنوين بتسكين اللام وبتحريكها مع الألف ويعدى بعلى كما في الأذان وبإلى وبالباء ومنه الحديث إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر والفلاح في اللغة الخير الكثير أفلح الرجل إذا أصاب خيرا والإله المعبود وليس المراد نفي المعبود كيف كان لوجود المعبودين في الوجود كالأصنام والكواكب بل ثم صفة مضمرة تقديرها لا معبود مستحق للعبادة إلا الله ومن لم يضمر هذه الصفة لزمه أن يكون تشهده كذبا
الفصل الثاني في حكمه
قال اللخمي الأذان خمسة أقسام سنة وهو الأذان في المساجد وعرفة ومنى والعدد الكثير في السفر والايمة حيث كانوا ومختلف في وجوبه وهو أذان الجمعة قال والأحسن وجوبه لتعلق الأحكام كتحريم البيع ووجوب السعي ومستحب وهو أذان الفذ المسافر ومختلف فيه هل هو مستحب أم لا وهو أذان الفذ في غير السفر والجماعة التي لا تحتاج إلى إعلام غيرها والقولان لمالك قال والصواب عدم الاستحباب لعدم حكمة الأذان ومكروه وهو الأذان للفوائت والسنن وأذان النساء فرق الفذ في السفر في موضع ليس فيه شعائر الإسلام فشرع له إظهارها وسرايا المسلمين تقصده فيحتاج إلى الذب عن نفسه بخلاف الحاضر فإنه مندرج في شعائر غيره وصيانته وفي الجواهر عن جماعة من متأخري الأندلسيين والقرويين أن الأذان واجب لإقامة شعائر الاسلام فإن فعله واحد منهم سقط عن جملتهم قالوا وهو سنة مؤكدة في مساجد الجماعات ومواضع الأيمة وحيث يقصد الدعاء للصلاة وعن البغدادين أنه سنة واختار القاضي أبو الوليد وجوبه على الكفاية في المساجد والجماعة الراتبة وعلله بإظهار الشعائر وضبط الأوقات وقال المازري في الأذان معنيان احدهما إظهار الشعائر والتعريف بأن الدار دار إسلام وهو فرض كفاية يقاتل أهل القرية على تركه حتى يفعلوا إن عجز عن قهرهم على إقامة إلا بالقتال وهو مذهب ابن الطيب وثانيهما الدعاء للصلاة والإعلام بوقتها وهو جل المقصود منه فحكى البغداديون أنه سنة عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وفرض عند أهل الظاهر ووقع لمالك في الموطأ أنه واجب ومعناه سنة مؤكدة وتأول بعض المتأخرين قول من قال أنه سنة بأن معناه ليس شرطا في الصلاة ومنشأ الخلاف في قاعدتين إحداهما أنه عليه السلام أمر بالأذان بلالا وأبا محذورة وغيرهما والخلاف بين الأصوليين في حمل الأمر على الوجوب أو على الندب وثانيتهما أن الصلوات واجبة وصحتها متوقفة على معرفة دخول وقتها والخلاف بين العلماء فيما يتوقف عليه الواجب المطلق وهو مقدور للمكلف هل يكون واجبا أم لا ؟ سؤال إذا رتب الله تعالى وجوب شيء على سبب أو شرط لا يجب تحصيلهما ولا يبحث عنهما إجماعا كترتيب الرجم على الزنا والإحصان والقطع على السرقة ونحوهما فإنه لا يجب تحصيلهما ولا البحث عنهما وإنما يجب تحصيل ما يتوقف عليه الواجب بعد تحقق سبب وجوبه كتوقف الحج والجمعة على السعي لهما بعد تحقق وجوبهما و أسبابهما فلو خولفت هذه القاعدة ههنا فإن الأوقات أسباب الوجوب كالزنا والسرقة والاستطاعة في الحج جوابه إن أسباب الوجوب على قسمين منها ما يجوز أن يعرى عنه المكلف في جملة عمره فلا يجب عليه البحث عنه كالسرقة ونحوها ومنها ما يقطع بحصوله في الجملة من غير تعيين قيقطع بترتيب الوجوب في ذمته لقطعه بسببه وإذا قطع بالوجوب تعين الايقاع فيتعين البحث عن تعيين السبب حتى لا يقع الفعل قبله فيكون معصية غير مجز قال صاحب القبس روي أنه عليه السلام علمه الله تعالى الأذان ليلة الإسراء في السماء بهيئته وصفته وكان بمكة مع بقية من الكفار فكانت الصلاة اختلاسا إلى بعد الهجرة وفي الموطأ أنه عليه السلام أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة فأرى عبد الله بن زيد خشبتين في النوم فقال إن هاتين لنحو مما يريده النبي فقيل ألا تؤذنون للصلاة ؟ فأتى رسول الله حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر عليه السلام بالأذان وفي هذا الحديث عند أبي داود أنه عليه السلام اهتم كيف يجمع الناس للصلاة ؟ فقيل له تنصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه فذكر له القنع يعنى الشبور فلم يعجبه وقال هو من أمر اليهود وذكر له الناقوس فقال هو من أمر النصارى وروي أن عمر قال ابعثوا رجلا ينادي بالصلاة يعنى بقول الصلاة الصلاة ويروى اتخذوا نارا مثل المجوس ويروى نوروا بالليل ودخنوا بالنهار ويروى أن عمر رضي الله عنه رأى مثل ابن زيد وتابعه من الصحابة رضوان الله عليهم في الرؤيا بضعة عشرفائدة قال الخطابي يروى القبع بالباء مفتوحة وبالنون ساكنة قال وسمعت أبا عمر يقول الثبع بالثاء المثلثة والجميع اسماء للبوق فبللنون من اقناع الصوت والرأس وهو رفعه وبالباء من الستر يقال قبع رأسه في جيبه إذا أدخله فيه
تمهيد هذا الحديث يدل على أنه عليه السلام كان يجتهد فيما به يعرف الوقت وليس هذا من باب الاجتهاد في الأحكام كما ظنه أبو الطاهر وغيره من الفقهاء وجعلوه من المسئلة الأصولية هل له عليه السلام ان يجتهد في الأحكام أم لا ؟ لان الحكم هو وجوب تعرف الوقت وهذا لم يقع فيه اجتهاد بل وقع في الطرق المفضية الى ذلك والطرق ليست احكاما كما لو وجب علينا ان ننقذ الغريق فاجتهدنا في فعل ذلك هل يكون بسفينة أو بحبل أو خطام أو بالسباحة اليه فان هذه ليست احكاما وانما الحكم وجوب الانقاذ ولذلك يجتهد الناس في تعرف الوقت بالخطوط الموضوعة على الحيطان والرخامات وسائر الآلات ولا يعدون مجتهدين في الأحكام الشرعية فلما وقعت الرؤيا احتمل ان تكون وحيا من النبوة كما أقام عليه السلام يوحي إليه في أول نبوته ستة أشهر في المنام وكما أوحي لابراهيم عليه السلام في المنام بذبح ولده وعلم ذلك عليه السلام بوحي سابق أو بقرائن الأحوال تفيد القطع أو الظن الغالب بأنها وحي فعدل عن الاجتهاد إلى الوحي ويحتمل أن تكون الرؤيا منبهة على وجه المصلحة وليست وحيا فرجع إليها عليه السلام لرجحان ما دلت عليه من المصلحة لا لكونها وحيا والمصلحة في ذلك أرجح من كل ما تقدم قبلها لتحصيل ذكر الله تعالى والشهادة بالرسالة وإعلام الخلق ومباينة شعائر الكفر وإظهار اختصاص الأمة وفي البخاري المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة يروى بالكسر والفتح فالكسر معناه سرعة المشي ومنه أنه عليه السلام في حجة الوداع كان يسير العنق فإذا وجد فرجة نص والفتح قيل هو على ظاهره فتطول أعناقهم حتى لا يصل العرق إلى أفواههم التي كانوا يؤذنون بها وقيل أطول رجاء من قولهم تطاولت إليه الأعناق وطال عنقي إلى رجائك وقيل أطول أعناقا وعبر بالعنق عن الصوت لأنه محله وفي أبي داود المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس ومعناه يغفر له بسبب إسماعه ونشره لذكر الله في مد صوته لأن الحسنات يذهبن السيئات وشهادة الجمادات له يحتمل أن يخلق بها إدراكا وحياة عند الأذان فتضبط ذلك ويحتمل ذلك يوم القيامة وفي الموطأ أنه عليه السلام قال إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع النداء فإذا قضي الأذان أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر وحتى يضل الرجل أن يدري كم صلى والتثويب الإقامة وهو من الرجوع كما تقدم وهو يصدق على تكرار اللفظ في الأذان لأنه رجوع إليه وعلى الدعاء الذي بعد الأذان لأنه رجوع للفظ الأذان وعلى الإقامة لأنها رجوع إلى الأذان وقد روي إذا أقيمت الصلاة ويروى يظل الرجل بالظاء القائمة بمعنى يصير ومنه قوله تعالى ( ظل وجهه مسودا ) ( فيظللن رواكد على ظهره ) ويروى يضل من الضلال بالضاد الساقطة
فائدة لا يتوهم من هذا أن الأذان والإقامة أفضل من الصلاة لهروب الشيطان فيها دون الصلاة لأن المفضول قد يختص بما ليس للفاضل كما قال عليه السلام
أفضلكم علي وأقرأكم أبي وأفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل مع فضل أبي بكر على الجميع رضي الله عنهم أجمعين وكذلك تعرض الشيطان له عليه السلام في صلاته فهم يربطه ثم تركه كما جاء الحديث الصحيح وإذا سلك عمر رضي الله عنه فجا سلك الشيطان فجا غيره فهروبه من عمر وإلمامه به عليه السلام كهروبه من الأذان وتسلطه في الصلاة وفي الموطأ ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته حضرة النداء بالصلاة والصف في سبيل الله ويروى في تهذيب الطالب ونزول الغيث وقراءة القرآن
فرع اختلف العلماء أيهما أفضل الأذان أم الإمامة ؟ فقيل الأذان واختاره صاحب تهذيب الطالب لاشتماله على حق الله تعالى في التكبيرات والشهادة بالتوحيد وحقه عليه السلام في الشهادة له بالرسالة وحق العباد في الإعلام بالوقت في حق النساء والمنفردين والدعاء للجماعة في حق المقتدين بخلاف الإمامة فإن الإمام لم يتحدد له إلا الجهر بالذكر للإعلام بالأذكار ولذلك قال عمر رضي الله عنه لولا الخليفة لكنت مؤذنا أي الخلافة سؤال لم كان عليه السلام مؤذنا ؟ لأن أفضل الخلق شأنه المواظبة على أفضل الأعمال بل كان إماما ولم يؤذن إلا مرة واحدة في سفره جوابه من وجوه أحدها ان الأذان مشتمل على دعاء الناس إلى الصلاة فلو أذن لكان التخلف على إجابته شديد الحرج فكان يشق على الناس وثانيها أنه إن قال أشهد أني محمد رسول الله غير نظم الأذان وإن قال أشهد أن محمد رسول الله أوهم رسالة غيره وثالثها ان الأذان يحتاج إلى رصد ومراقبة والاشتغال بأعباء الرسالة ومصالح الأمة يمنع من ذلك بخلاف الإمامة وقيل الإمامة أفضل لإفادتها فضل الجماعة وهي خمس وعشرون درجة ولم يثبت ذلك للأذان
الفصل الثالث في صفة المؤذن
ففي الجواهر يشترط أن يكون مسلما عاقلا مميزا ذكرا بالغا عدلا عارفا بالمواقيت صيتا حسن الصوت فلا يعتد بأذان كافر أو مجنون أو سكران أو مختبط أو امرأة وقال أشهب لا يؤذن الصبي ولا يقيم الا مع النساء أو في موضع ليس فيه غيره وجوز مالك في الحاوي الأذان له والقاعد والراكب والجنب ومنع الإقامة ومنع في الكتاب أذانه وقال لأن المؤذن إمام وهو لا يكون إماما وهو قول الشافعي وإن جوز إمامة الصبي حجة المنع ما في أبي داود قال عليه السلامالمؤذنون أمناء وقال يؤمكم اقرأكم ويؤذن لكم خياركم وهذا حجة لسائر الشروط وأنه ليس له وازع شرعي فيحيل الوثوق بأمانته على الأوقات ولأنها ولاية على وسيلة أعظم القربات وهو ليس من أهل الولايات حجة الجواز ما رواه ابن المنذر بإسناده عن عبيد الله بن أبي بكر قال كان عمومتي يأمرونني بالأذان لهم وأنا لم أحتلم وأنس بن مالك شاهد ولم ينكر ولأنه ذكر الله وخبر عن أمر واقع يصحان منه كما تصح أخباره في الاستئذان والوسائل وغير ذلك قاله صاحب الطراز ولأنه من أهل التنفل بالصلاة فيكون من أهل التنفل بالأذان بطريق الأولى لأن الوسائل أخفض من المقاصد حجة الفرق بين الأذان والإقامة أنها آكد من الأذان للزومها للفذ حتى قيل إن تركها عمدا بطلت صلاته حجة تفرقة مالك في رواية أشهب عنه أن الحاجة قد تدعو إليه في هذه الحالة .
فروع خمسة الأول قال صاحب الطراز يستحب حسن الهيئة فقد قال أشهب من أذن وأقام في ثياب شعر أو سراويل فليعد إن لم يصلوا وخالفه ابن القاسم الثاني لم يكره في الكتاب أذان الأعمى قال وكان مؤذنه عليه السلام أعمى يعني ابن أم مكتوم قال صاحب الطراز ليس فيه خلاف إذا كان أمينا إلا أنه لا يرجع في الوقت إلى ما يقع في نفسه بل يستخبر الثقة ويتثبت وفضلهما أشهب على البعد إذا سددوا الوقت والقبلة وفضل العبد إذا كان رضى على الأعرابي والأعرابي إذا كان رضى على ولد الزنا الثالث قال صاحب الطراز ظاهر المذهب كراهية أذان النساء خلافا ل ( ش ) و ( ح ) غير أن الشافعي قال لا يجزئ عن الرجال حجتنا أن رفع صوتها مكروه مع الاستغناء عنه لما فيه من الفتنة ومن ترك الحياء الرابع في الجواهر للإمام أن يستأجر على الأذان من بيت المال واختلف في إجارة غيره من آحاد الناس على الأذان والصلاة فالمشهور المنع من الصلاة منفردة والجواز في الأذان منفردا ومع الصلاة وعند ابن عبد الحكم الجواز فيهما مطلقا وعند ابن حبيب المنع فيهما مطلقا وهو قول أبي حنيفة وتردد النقل عن الشافعي قال صاحب الطراز واتفق الجميع على جواز الرزقة وقد أرزق عمر بن الخطاب المؤذنين وكذلك تجوز الرزقة للحاكم وإن امتنعت الإجارة على الحكم حجة المشهور أنه فعل يجوز التبرع به عن الغير فلا يكون كونه قربة مانعا من الإجارة فيه قياسا على الحج عن الغير وبناء المساجد وكتب المصاحف والسعاية على الزكاة ويمتنع في الإمامة مفردة لأن فعل الإمام فعل المنفرد وفعل المنفرد لا يجوز أخذ الأجرة عليه حجة من جوزها منفردة ملاحظة التزامه للمكان المعين وهو غير مأمور به عينا فجاز أخذ الأجرة عليه قال المازري قال بعض أشياخي يرتفع الخلاف في المنع إذا كان ثم فعل لا يلزم المصلى كما يرتفع الخلاف في الجواز إذا لم يزد على الواجب حجة المنع ما في أبي داود والترمذي عن عثمان بن أبي العاصي أنه قال من آخر ما عهد إلى النبي
أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا وصححه الترمذي وإذا امتنع في الأذان امتنع في الإمامة بطريق الأولى لكونها أدخل في باب التقرب والتعلق بالذمة وبالقياس على الجهاد وجوابه أنه محمول على الورع ونحن نقول به وعن الثاني أن الجهاد يتعين بالحضور بخلاف الأذان والإمامة
فرع مرتب في الجواهر إذا فرعنا على المشهور واستؤجر عليها ثم طرأ ما يمنع الإمامة فهل يحط من الأجرة بسبب عجزه قولان للمتأخرين مبنيان على الأتباع هل لها حظ من الثمن أو لا قال المازري احتج القائل بعدم الحط بما وقع في المذهب أن من اشترى عبدا له مال أو شجرا مثمرا فاستحق المال من يد العبد وجائحة تصيب الثمرة لا يوجبان حطيطه من الثمن واحتج الآخر بأن حلية السيف التابعة له إذا استحقت فلها حطها من الثمن وكذلك سلعة من صفقة فيها سلع قال إنما سقط اعتبار الأولين لأن الثمرة مضمونة بالقبض لما لم يكن على البائع سقي وأن العبد مالك وإنما وقعت المعاوضة على تقدير يده على ماله وهذا قد فعله البائع ولم يبطل قال وقد قال بعض المتأخرين الأحسن الحطيطة بقدر ما يعلم أن المشتري زاده لأجل المال قياسا على ما إذا تعذر على المرأة شوارها فإنه يسقط من الصداق قدر ما يعلم أن الزوج زاده لأجله مع أن الزوج لا يملك انتزاعه قال المازري واعلم أن كون الأتباع مقصودة بالأعواض أمر مقطوع به بل نقول التبع قد يرتفع عنه التحريم الثابت له منفردا كحلية السيف التابعة له فإنه يحرم بيعها منفردة بجنسها ويجوز تبعا قال صاحب النكت يحط من الأجرة بقدر الإمامة والفرق أن الإمامة لو عقد عليها منفردة صح وكره بخلاف الثمرة ومال العبد الخامس من البيان قال سحنون إذا كان المؤذنون إذا صعدوا المنار عاينوا ما في الدور وطلب أهلها منعهم من الصعود منعوا وإن كان بعض الدور على البعد بينهم الفناء الواسع والسكة الواسعة لأن هذا من الضرر المنهي عنه قال صاحب البيان وهذا على أصل مالك في أن الاطلاع من الضرر الواجب الإزالة ومن يرى من أصحابه أن من أحدث اطلاعا على جاره لا يقضى عليه ويقال للجار استر على نفسك يفرق بأن المؤذن ليس بمالك بل طالب مندوبا بفعل محرم قال وهذا حكم الدور البعيدة إلا أن لا يتبين فيها الذكور من الإناث والهبآت
الفصل الرابع فيما يؤذن له
وهو الصلوات المفروضة على الأعيان المؤداة في مساجد الجماعات والأيمة حيث كانوا فالمفروضة احتراز من النوافل لعدم التوقيت فيها وأما صلاة العيدين فتوفر الدواعي عليها مغن عن الإعلام ولا ينادى لها الصلاة جامعة وعلى الأعيان احتراز من صلاة الجنازة لعدم تعين وقتها حتى يعلم به بل سنتها وجود الميت لا الوقت والأذان إنما هو إعلام بالأوقات وقولنا المؤادة احتراز من الفوائت ففي الكتاب من نسي صلوات كثيرة تجزيه الإقامة لكل صلاة بلا أذان وعند أبي حنيفة يؤذن لها وتردد الشافعي وقد اختلفت الرواية في صلاته عليه السلام يوم الوادي لما ناموا عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس هل أذن لها أم لا ففي الموطأ أمر بالإقامة فصلى بهم ولم يذكر أذانا وفي أبي داود ذكر الأذان وهو منسوخ بقوله عليه السلام بعد صلاته بهم من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول ( أقم الصلاة لذكري ) وهو يقتضي عدم الاشتغال بغيرها والأذان شغل عنها وقولنا في جماعات المساجد احتراز من الواحد إذا صلى وحده في المسجد فإنه يكتفي بالإقامة وروي عن الشافعي أنه يؤذن سرا وقولنا والأيمة حيث كانوا ففي الكتاب إذا خرج إمام المصر في الجنازة فتحضره الصلاة يؤذن لها ويقام قال صاحب الطراز قيل هو إمام الجامع المجمعة لأنه الذي جعل له صلاة الجنازة فيتوقى أمره ليجتمع له الناس وكذلك كل إمام مشهور يؤذن له ليجتمعوافروع أربعة الأول قال في الكتاب لا ينادى لصلاة قبل وقتها إلا الصبح ووافقه الشافعي وخالفنا أبو حنيفة وسوى بين سائر الصلوات لما في البخاري أنه عليه السلام
قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال ابن القاسم ولم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا وفي بعض طرقه وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت وإجماع أهل المدينة على ذلك ينقله الخلف عن السلف نقلا متواترا ولما أطلع أبو يوسف على ذلك رجع عن مذهب أبي حنيفة وهي تأتي في وقت نوم وحاجة إلى الاغتسال لكثرة الاجتماع بالنساء ليلا وفي الناس البطيء والسريع والفضيلة في التلغيس فيتعين الأذان قبل الفجر احتج أبو حنيفة بما في أبي داود أنه عليه السلام
قال لبلال لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر ومد يديه عرضا ولأن الأذان قبل الوقت كذب فيحرم وجواب الأول أن الحديث طعن فيه أبو داود وغيره ولو سلمنا صحته فيحمل الأذان على الإقامة لما بينهما من المشابهة ولأنها إعلام في نفسها والإعلام هو الأذان جمعا بينه وبين الأحاديث الصحيحة وعن الثاني أنه إعلام بوقت التأهب للصلاة لا بوقت فعلها فليس كذبا
فرع إذا قلنا بتقديم أذانها على وقتها قال صاحب الطراز الأحسن أن يكون آخر الليل غير محدود وإليه أشار مالك في الموطأ محتجا بقوله عليه السلام
لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال والسحور آخر الليل وقال ابن وهب سدس الليل الأخير وقال ابن حبيب من حين خروج وقت العشاء نصف الليل ونقل المازري يؤذن لهما بعد العشاء وإن صليت أول الليل لقوله عليه السلام
أن بلالا يؤذن بليل من غير تحديد ولأنها عبادة متعلقة بالفجر فجاز تقديم ما يتعلق بها كالنية مع الصوم وجوابه أن الأذان حينئذ إعلام بالتأهب للنوم لا للصلاة فهو على خلاف حكمة الأذان فلا يشرع الثاني أنكر في الكتاب تقديم أذان الجمعة على الزوال خلافا لابن حبيب فإنه جوز أذانها قبل الزوال وهو فاسد لأنها إن كانت ظهرا فحكمها حكم الظهر وإن كانت بدلا والبدل يتبع المبدل الثالث في الجواهر إذا جمع الإمام بين الصلاتين يؤذن لكل واحدة منهما وهو في الكتاب والأولى فقط عند ابن الماجشون ولا يؤذن مطلقا حكاه صاحب الجلاب ويقيم لكل صلاة قال المازري وهذه المقالات محكية في جمعه عليه السلام وفي المدونة وأما غير الإمام فتجزئهم إقامتان للمغرب والعشاء وعن أبي حنيفة تكفي إقامة الأولى حجة المذهب أن الأذان للصلاة في حق الأيمة من شعائرها فلا يترك مع إمكانه ولا يمنع منه توفر الجمع للثانية كما لا يمنعه للأولى وقياسا على الإقامة حجة الثاني ما في مسلم عن جابر لما وصف حجة النبي عليه السلام على الاستقصاء فقال في الجمع بعرفة ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا وقال فيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا حجة الثالث ما في مسلم أنه عليه السلام جمع بمزدلفة فلم يذكر أذانا وذكر الإقامة لكل صلاة ولأن الأذان إعلام للغائب والجمع إنما هو لمن حضر حجة الرابع ما في الموطأ أنه عليه السلام صلى المغرب ثلاث ركعات بالمزدلفة وصلى العشاء ركعتين بإقامة واحدة وهو يحتمل بإقامة واحدة لكل صلاة ولأن الجمع يوجب تعلق إحدى الصلاتين بالأخرى فكأن الإقامة الأولى وقعت لهما جميعا الرابع قال ابن القاسم في العتبية في قوم بنوا مسجدا فتنازعوا فيه فاقتسموه بجدار ليس لهم قسمته قال أشهب فإن فعلوا لم يجزهم مؤذن واحد وكذلك مسجدان متلاصقان أو مسجد فوق مسجد لأن الأذان من شعائر المساجد
الفصل الخامس في الإقامة
ففي الجلاب هي عشر كلمات يريد عشر جمل من الكلام وإلا فهو اثنان وثلاثون كلمة وهذا مجاز مشهور من باب تسمية الكل باسم الجزء كما أن العرب تسمي القصيدة كلمة وهي مرة مرة إلا التكبير خلافا ل ( ح ) في قوله هي مرتين وكذلك قد قامت الصلاة وخلافا ل ( ش ) في قوله هي مرة مرة إلا التكبير والإقامة لنا ما في مسلم أنه عليه السلام أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة والأحاديث قد وردت على وفق المذاهب كلها لكن أرجحها ما وافق عمل المدينة وفي الجلاب هي سنة آكد من الأذان وفي الكتاب ليس على النساء أذان ولا إقامة وإن أقمن فحسن وروى ابن وهب عن عبد الله بن عمر وجماعة من السلف أن المرأة ليس عليها أذان ولا إقامة واستحسان إقامتهن للشافعي وأبي حنيفة أيضا إذا أقمن لأنفسهن لا للجماعات لأنهما ذكر فأشبهت النسخ قال صاحب الطراز وروي عن مالك عدم الاستحسان لأن أزواجه عليه السلام لم ينقل عنهن ذلك قال والفرق بين المرأة والصبي في كونه يقيم أن الصبي يؤمر بذلك بعد البلوغ فيمرن عليه قبل البلوغ ولأن الصبي لا ينكر رفع صوتهفروع عشرة الأول قال في الكتاب لا بأس أن يقيم غير من أذن خلافا ل ( ش ) في الكراهة محتجا بما في أبي داود أن زياد بن الحارث قال أمرني عليه السلام أن أذن في صلاة الصبح فأذنت فأراد بلال أن يقيم فقال عليه السلام إن أخا صداء أذن فمن أذن فهو يقيم وجوابه أنه يدل على جواز أمر الإمام بذلك لأنه تصرف بالإمامة منه عليه السلام لا بالفتوى لأن زيادا كان حديث عهد بالإسلام فأراد عليه السلام تأليفه لما في أبي داود من حديث عبد الله بن زيد المازني حين رأى الأذان في منامه فأمره عليه السلام أن يلقيه على بلال ففعل فأذن بلال فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده فقال عليه السلام فأقم أنت ولأنها عبادة مستقلة عن الأذان بدليل توجهها على المنفرد دونه فجاز أن يقعا من اثنين كالإقامة والإمامة الثاني قال في الكتاب لا يقيم راكبا وفي الجلاب روايتان وروى ابن وهب في المدونة عن سالم بن عبد الله أنه كان ينادي بالصلاة على البعير فإذا نزل أقام وان ابن عمر كان يفعله لأن السنة إيصال الإقامة بالصلاة والنزول عن الدابة وعقلها وإصلاح المتاع طول الثالث إذا كان المستحب إيصالها بالصلاة فهل يبعد المؤذن عن الإمام مثل الجامع الواسع يخرج إلى بابه أو يصعد على سطحه فيقيم قال ابن القاسم يفعل إن كان يسمع من حوله وإلا فهو خطأ وقال مالك في المجموعة وأشهب يقيم في الصحن وفي الموطأ أن عبد الله بن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد ولو كانت الإقامة في داخل المسجد لم يسمعها وفي مختصر ابن عبد الحكم لا بأس بالكلام الخفيف بعد الإقامة ما لم يحرم الإمام فإذا أحرم فلا يتكلم أحد ولا يقيم في المسجد بعد إقامة المؤذن الرابع قال في الكتاب إن نسي الإقامة فلا شيء عليه وإن تعمد فليستغفر الله ولا شيء عليه قال صاحب الطراز وعند ابن كنانة يعيد في الوقت والأول أصح فقد جوز النخعي والشعبي وابن حنبل وأصحاب الرأي للفذ ترك الإقامة وبالقياس على الأذان
فرع مرتب قال فلو ظن أن ذلك يؤثر نقصا فسجد له بعد السلام فلا شيء عليه وقال في مختصر الطليطلي يعيد لأنه أدخل في الصلاة ما ليس منها كمن زاد جاهلا الخامس قال لو تركها جهلا حتى أحرم قال مالك في المجموعة لا يقطع قال ولو أنه بعد إحرامه أقام وصلى فقد أساء وليستغفر الله تعالى قال صاحب الطراز يريد أنه أقام ثم أحرم بعد ذلك فيكون قد خرج من الإحرام الأول بنيته وقوله المنافي له حي على الفلاح قد قامت الصلاة ولو تمادى على إحرامه الأول أعاد الصلاة سؤال كيف يطلق لفظ الاستغفار المختص بالذنوب في ترك السنن وتركها ليس ذنبا حتى يستغفر جوابه أن الله سبحانه وتعالى يحرم العبد من التقرب إليه بالنوافل والفرائض عقوبة له على ذنبه ويعينه على التقرب بسبب طاعته لقوله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) ولقوله تعالى ( فأما من أعطى واتقى ) إلى قوله ( فسنيسره لليسرى ) ( وأما من بخل واستغنى ) إلى قوله ( فسنيسره للعسرى ) فإذا استغفر من ذنوبه غفرت له بفضل الله وأمن حينئذ من الابتلاء بالمؤاخذة بالحرمان السادس من خاف فوات الوقت ترك الإقامة قال أشهب في المجموعة تقديما للفرض على فضيلة الإقامة ويشكل عليه ترك الإسراع الشديد وإن فاتته الجمعة حفظا للخشوع السابع قال في الكتاب إذا دخل المسجد وقد صلى أهله لا تجزئه إقامتهم وهذا يدل على تأكد الإقامة وقال في المبسوط يقيم أحب إلي وجه الأول أنها أهبة للصلاة ولذلك شرعت في الفوائت وجه الثاني انها دعاء للصلاة وهذا إنما يتصور في حق الفذ وهو مذهب أبي حنيفة وكذلك قال في الكتاب من صلى في بيته لا تكفيه إقامة أهل مصر وللشافعي في ذلك قولان لأن المسجد قد أدى فيه حق الإقامة فلا تتعدد بتعدد الفذ كما لا تتعدد بتعدد الجماعة الكائنين في المسجد حجة المذهب أنه ليس معهم في صلواتهم فأشبه مسجدا آخر ومسافر مع مقيم الثامن قال في الكتاب ينتظر الإمام بعد الإقامة قليلا قدر ما تستوي الصفوف ثم يكبر ولا يكون بين التكبير والقرآن شيء وقد كان عمر وعثمان رضي الله عنهما يوكلان رجلا لتسوية الصفوف فإذا أخبروهما بذلك كبرا وكذلك قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة كبر الإمام محتجا بما يروى أن بلالا قال يا رسول الله إنك لتستغني بأمين ولا يصدق المؤذن في قوله قد قامت الصلاة لنا ما في الصحيحين أنه قال إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت وهذا دليل على تأخر خروجه ولأن المنفرد لا يحرم حتى يفرغ وكذلك الجماعة وجوابهم أن الحديث ليس في الصحاح ولا مشهور ولعل السبق يتفاوت بقراءتهما لا بتعجيل الإحرام وأما التصديق فإن معنى قد قامت الصلاة تأهبوا لها كما نقول قد قامت الحرب فالكل صادق سواء أحرم الإمام أو تأخر فإذا كانت إخبارا عن التأهب فهو حاصل فلا كذب في التأخر وأما تسوية الصفوف ففي مسلم كان عليه السلام يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا في الصفوف ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وفي البخاري رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه وفي أبي داود أنه عليه السلام قال
أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله
التاسع قال في الكتاب لا توقيت لقيام الناس إذا أقيمت الصلاة فإن فيهم القوي والضعيف وقال أبو حنيفة إذا قال المؤذن حي على الفلاح قام الإمام فإن ذلك أمر بالمسارعة فيمتثل وقال زفر عند قوله قد قامت الصلاة وقال مالك في المجموعة يقومون بقدر ما إذا استوت الصفوف وفرغت الإقامة العاشر قال صاحب البيان قال مالك إذا أقيمت عليه صلاة وهو في صلاة أخرى إن طمع في فراغها قبل ركوع الإمام الركعة الأولى أتمها ودخل مع الإمام لوجوبها عليه قبل الحاضرة وإن يئس قطعها ودخل معه ثم استأنف الصلاتين قال ابن القاسم وأحب إلي أن يتمها ركعتين إن كان قد ركع لقوله تعالى ( ولا تبطلوا أعمالكم ) إلا أن يخاف فوات ركعة الإمام فيقطع من ركعة بسلام قال فإن كان يصلي تلك الصلاة بعينها ففي المدونة إن لم يركع قطع وإن أمكنة صلاة ركعتين قبل ركوع الإمام قال صاحب البيان وصلاته مع الإمام إنما هي نافلة لامتناع صلاة العصر قبل الظهر وقد قال في المدونة لا يصلي نافلة ولم يصلي الفريضة وإنما جوزنا ههنا ذلك لما في الخروج من المسجد بعد الإقامة من تعريضه لسوء الظن ولم يلتفت إلى هذا المعنى في المدونة وقال في سماع سحنون يضع يده على أنفه ويخرج
الباب الثالث في شروط الصلاة
الشرط في اللغة العلامة ومنه قوله تعالى ( فقد جاء أشراطها ) أي علاماتها قد تقدم في المقدمة حقيقته اصطلاحا وشروطها وهي عشرة الأول العلم بدخول الوقت فإن الوقت سبب والعلم بدخوله شرط قال صاحب التلقين وهو كما قال وقال ابن القصار في تعليق لا يجوز لعالم ولا عامي أن يقلد في وقت الظهر لأنه شاهد بالحس فالوصول إلى اليقين ممكن فلا يجوز التقليد الثاني طهارة الحدث وقد تقدم حكمها وهي شرط في الابتداء والدوام فلو زالت عمدا أو سهوا أو غلبة بطلت الصلاة الثالث طهارة الخبث في الجسد والثوب والمكان وقد تقدم كثير من فروعها في الطهارة ونذكر ههنا نبذة منها أما الجسد ففيه فروع أربعة وفصل الفرع الأول ففي الكتاب إذا سال أو قطر فيغسله عنه ثم يبني وقال القاضي أبو بكر إن كان يسيرا فتله ومضى قياسا على كان كثيرا فقيل يقطع قال وهو الأقيس وقيل يغسله ويتمادى على الرعاف الثاني من انكسر عظمه فجبر بعظم ميتة قال صاحب الإشراف وأبو حنيفة لا يجب عليه كسره وقال الشافعي يكسر وينزع إذا خاف المشقة دون التلف وقال بعض أصحابه يقلعه وإن أدى إلى التلف حجتنا أنه جرح فيسقط كدم الجراح ولأنه صار باطنا فأشبه ما لو أكل ميتة الثالث قال صاحب الطراز إذا سقطت السن فهل يجوز له ردها على قولنا إن الإنسان لا ينجس بالموت قال الظاهر أنه لا يجوز وهو قول الشافعي لأن ما أبين عن الحي فهو ميتة وأجازه أبو حنيفة وهو مقتضى مذهب ابن وهب وابن المواز لأنه ينجس جملته بالموت وكذلك بعضه بخلاف الأنعام فإن جملتها تنجس بالموت فينجس جزؤها إذا انفصل منها وهي حية الرابع في الجواهر لو جعل في حزامه المرتك المعمول من عظام الميتة أو غيرها من النجاسات فلا يصلي به حتى يغسله وأجاز ابن الماجشون الصلاة بهفصل في الرعاف
ففيه ثلاثة عشر فرعا الأول في اشتقاقه وهو مأخوذ من الرعاف الذي هو السبق فقول العرب فرس راعف إذا كان يتقدم الخيل ورعف فلان الخيل إذا تقدمها وقال رعف يرعف بفتح العين في الماضي وضم المستقبل وفتحه والشاذ الضم فيهما ولما كان الدم يسبق إلى الأنف سمي رعافا الثاني قال اللخمي الدم في الرعاف أربعة أقسام يسير يذهبه الفتل ففي الجواهر يستوي فيه الظن والشك فإنه يفتله وكثير لا يذهبه الفتل ولا يرجى انقطاعه لعادة تقدمت فهذان لا يخرج لهما من الصلاة يفتل الأول على رؤوس الأنامل ويكف الآخر ما استطاع وكثير يذهبه الفتل لثخانته ففيه قولان فكان ابن الماجشون يمسحه بأصابعه حتى تختضب فيغمسها في حصباء المسجد ويردها وقال مالك لا أحب ذلك فراعى مالك قدر النجاسة وتفاحشها وراعى عبد الملك المواضع دون القدر وكثير يذهبه الفتل فهذا يخرج لغسله ويبني على صلاته بعد الغسل إن شاء والأحسن أن يتكلم ويخرج من الصلاة فإنها رخصة على خلاف الأصول غير لازمة وإذا خرج فله شروط ستة أن يمسك أنفه وأن يغسل في أقرب المواضع وأن لا يمشي على نجاسة وأن لا يتكلم عمدا ولا سهوا وأن لا يتلطخ كثير من جسده أو ثيابه وأن لا يبعد المكان جدا ولا يشترط استقبال القبلة قاله اللخمي وصاحب الطراز ووافقنا الشافعي وقال أبو حنيفة تبطل طهارته ويتوضأ ويبني بناء على أن الخارج النجس يبطل الوضوء وقد تقدم الكلام عنه لنا ما يروى عن ابن عباس وابن عمر وابن المسيب وجماعة من التابعين من غير نكير فكان إجماعا وهو مذكور في الموطأ أيضا مثل هذا في مخالفة الأصول لا يقدم السلف عليه إلا بتوقيف ظاهر فإن كان تكلم لما خرج قال في الكتاب إذا تكلم الإمام حين خروجه بطلت صلاته قال صاحب الطراز تبطل عند ابن الماجشون عمدا أو سهوا إماما أو منفردا وقال سحنون إذا تكلم سهوا في غسل الدم والمستخلف لم يفرغ من صلاته حمله عند خليفته وفي كتاب ابن سحنون إذا تكلم الراعف قبل فراغ الإمام حمله الإمام عنه قال ابن حبيب إن تكلم في ذهابه ناسيا بطلت وإن تكلم في رجوعه لم تبطل وجه البطلان مطلقا انسلاخه من هيئة المصلين بالرعاف والكلام وقد جاء في الحديث إن كان مطعونا عليه من إصابة قيء أو رعاف فلينصرف وليتوضأ وليبن ما لم يتكلم ورأى ابن حبيب أن حالة الرجوع إقبال على الصلاة فيكون الكلام منافيا لها بخلاف الذهاب ويرد عليه أن الإمام لو سها والمأموم راجع فوجد الإمام قد سلم لم يلزمه سهوه قاله صاحب الطراز وقال ابن يونس لو أبطل الإمام صلاته عمدا حالة خروج المأموم بطلت عليه خلافا لسحنون ولو مشى على عشب يابس بطلت صلاته عند سحنون خلافا لابن عبدوس وقد جاء في الحديث أنه عليه السلام قال إذا جاء أحدكم المسجد فإن كان ليلا فليدلك نعله وإن كان نهارا فلينظر إلى أسفلها فدل ذلك على المسامحة في الرطب إذا دلك فضلا عن العشب وقد تقدم في الطهارة معنى العشب ولم يفرق وأما في الجواهر فقد حكي في الكلام سهوا والمشي على النجاسة ثلاثة أقوال تبطل مطلقا لا تبطل مطلقا التفرقة بين الرجوع فتبطل وبين الذهاب فلا تبطل ولم يعين لا إماما ولا غيره وكذلك أبو الطاهرتفريع فإن آثر الراعف ابتداء الصلاة من أولها فليأت بما ينافيها لئلا يكون قد زاد في الصلاة ما ليس منها وقال ابن القاسم في المجموعة فإن ابتدأها ولم يقطعها فسدت وإن آثر التمادي حيث قلنا له الخروج فإن وقف الدم فتله على أنامله فإن زاد قال مالك في الموازية يفتله على أربع أصابع إلى الأنملة فإن وصل إلى الوسطى أعاد صلاته احتياطا قال صاحب النكت إذا زاد على الأنامل الأول وابتلت الأصابع كلها أو جلها لا يباح له البناء قال صاحب الطراز هذا التحديد عسير بل يقال ما لا يزيد على رؤوس الأنامل لا يجب أن ينصرف منه لأنها حالة السلف وهو يقدر على أن يفتله بإبهامه فإن عسر فتله وجب الانصراف فإن لم ينصرف فسدت الصلاة قال وهذا الفتل إنما شرع في مسجد محصب غير مفروش حتى ينزل المفتول في ذلك الحصباء أما المفروش فيخرج من أول ما يسيل أو يقطر أحسن لأنه ينجس الموضع وحيث قلنا لا يخرج لكون الدم لا ينقطع بغسل ولا غيره فأضر به الدم قال صاحب الطراز قال ملك يوصي بالصلاة وكان ابن المسيب يأمر بذلك في هذه الحالة واختلف في تفسير الضرر الذي أشار إليه فقال محمد بن مسلمة معناه في جسمه كالأرمد إذا سجد يتضرر رأسه ووجهه وكذلك هذا ولأن المواد تنصب إلى الوجه والأنف حالة الركوع والسجود فتكثر الدماء فيضربه الاستفراغ وقال غيره بل معناه يتضرر بالتلويث كما قلنا في الطين الخضخاض يصلي فيه إيماء ليسلم من التلويث والدم أقبح من الطين قال والأول أقيس فإن العجز عن إزالة النجاسة لا يسقط وجوب الركوع والسجود كما قلنا في العجز عن السترة في العراة والفرق بين الدم والطين أن الطين يدخل في العينين والأنف فيشغل عن الصلاة وإذا قلنا بالإيماء فقال ابن حبيب يومئ للركوع والسجود ويقوم ويقعد وقال القاضي في المعونة يومئ للسجود ويأتي بالقيام والركوع قال وهو أطهر وإذا صلى بإيماء انقطع الدم بعد الصلاة وقبل خروج الوقت قال أعاد عند أشهب قال ويتخرج فيه قول أنه لا يعيد الثالث قال في الكتاب إذا رعف خلف الإمام وذهب لغسل الدم يصلي في أقرب المواضع قال ابن القاسم وذلك إذا سلم الإمام إلا في الجمعة فإنه يرجع إلى المسجد قال صاحب الطراز الرعاف على خلاف الأصل فيقتصر منه على الضرورة وقول ابن القاسم يقتضي الرجوع ولو أدرك الإمام في التشهد لأجل فضيلة الجماعة التي التزمها في صلاته وقال ابن شعبان إن رجا ركعة رجع وإلا فلا لأن أقل من ذلك نافلة زائدة على الصلاة ولا ضرورة إليها قال فلو كانت صلاته في المسجد الحرام أو في مسجد المدينة رجع إليه ولو سلم الإمام لفضيلة البقعة عند مالك وعلى قول ابن شعبان لا يرجع فإن قدر انصراف الإمام فأتم مكانه وتبين خطؤه قال ابن القاسم تجزيه لأنه عمل ما يجوز له من الاجتهاد ولذلك يلزم إذا قدر بقاءه فأخطأ
تنبيه تعارض ههنا محذوران أحدهما أن مفارقة الإمام بعد التزام الصلاة معه لا تجوز والثاني الحركات إلى الإمام فعل زائد في الصلاة لا يجوز ولا بد للراعف من أحدهما بعد مفارقة الإمام فيحتاج إلى الخروج فالمشهور مراعاة الأول ووجوب الرجوع لوجوه أحدها أن وجوب الاقتداء راجح بالاستصحاب لثبوته قبل الرعاف بخلاف الآخر وثانيها أن الزيادة إنما تمنع وتفسد إذا كانت خالية من القربة وهذه وسيلة للقربة في الاقتداء فتكون قربة وثالثها أن هذه حالة ضرورة فتؤثر في عدم اعتبار الحركات ولا تؤثر في ترك الاقتداء كما في صلاة الخوف فإن الرجوع جوزته الزيادة في صلاة الإمام بطول الانتظار لأجل الاقتداء الذي لم يجب فكيف إذا وجب وأما الجمعة فإنه يرجع إلى الجامع ولو علم انصراف الناس على ما في الكتاب لأن الجامع من جملة شروطها فلا تصح دونه قال صاحب الطراز قال ابن شعبان إذا انصرف الناس أتم الجمعة في أدنى موضع يصلي فيه بصلاة الإمام لأنه لو صلى ثم أحدث صحت صلاته ولأن المسجد إنما يجب عند استكمال الشروط وقد فاتت الجماعة والإمام فلا يجب الجامع ولأنه لو أدرك أحد ثمة ركعة وهو مسبوق لأتمها ثمة منفردا وكذلك الراعف وابن القاسم يرى أن الأصل استقلال كل شرط بنفسه وأن صلاة المنفرد عن الجامع إنما تصح لأجل اتصاله بالصفوف فهي ضرورة منفية ههنا وإذا فرعنا على المشهور فحال بينه وبينه سيل يضيف إليها أخرى ثم يصلي أربعا وهو يجري على أصل ابن القاسم فيمن نسي سجدة من أربع ركعات لا يدري من أيتها هي فيضيف إليها أخرى مراعاة لقول ابن شعبان ويعيد أربعا لعدم شرط الجمعة وهو المسجد فإن أتم في الجامع ثم ذكر أن عليه سجدتي سهو قال مالك اللتان قبل السلام لا يسجدهما إلا في الجامع قال محمد وإن سجدهما في غيره لم يجزياه لأنهما من نفس الجمعة الرابع قال في الكتاب إذا رعف في الجمعة بعد ركعة بسجدتيها ثم رجع فوجد الإمام جالسا جلس معه وسلم ثم قضى لأنه مأموم بجب عليه الاتباع والقضاء لا يكون إلا بعد سلام الإمام وإذا لم يتم الأولى بسجدتيها ولم يرجع حتى فرغ الإمام ابتدأ ظهرا أربعا قال صاحب الطراز وهذا متفق عليه بين أصحابنا بخلاف غير الجمعة لأنه لو صلى بها جمعة لصلاها فذا وهو لا يجوز وإذا قلنا يبتدئ الظهر فهل يستأنف الإحرام ثلاثة أقوال يقطع عند مالك في سائر الصلوات لأنه لا يعتد بما بعد الإحرام فلا يدخله في صلاته ولا يقطع عند سحنون مطلقا لأن إحرامه قد انعقد على فضل الجماعة وهو أعظم من مدرك التشهد الأخير مع الإمام وسبق في غيره لا سيما قد يكون قد حضر القراءة أو الركوع وهذه قربات لا ينبغي أن تهمل وقد نقل ابن حزم الإجماع في أن المسبوق إذا لم يطمع في إدراك جماعة أخرى ولم يبق إلا التشهد فإنه مأمور بالدخول مع الجماعة فيه وخيره أشهب لتعارض الأدلة فإن فارقه بعد ركعة في الجمعة فلما عاد نسي أم القرآن حتى ركع قال ابن الماجشون يسجد قبل السلام وتجزئه وقيل يبتدئ القراءة ويسجد بعد السلام وكذلك الخلاف إذا ذكر بعد سجدة فإن لم يذكر حتى فرغ من تلك الركعة أجزأه عند ابن الماجشون سجدتا السهو ويلغي تلك الركعة عند ابن عبد الحكم ويأتي بركعة وسجدة وعند ابن القاسم يسجد قبل السلام ويعيد ظهرا أربعا لوصول السهو نصف الصلاة فيسجد رجاء الإجزاء على قول من يرى ذلك ويعيد ظهرا لأن الجمعة لا تصح من الفذ الخامس قال في الكتاب لا يبني على أقل من ركعة ويلغي ما هو أقل منها ولو سجدة كانت الأولى أو غيرها منفردا كان أو مأموما قال صاحب الطراز فيها أربعة أقوال يلغى أقل من الركعة مطلقا ولا يلغى شيئا مطلقا إلا في الجمعة وقال أشهب الابتداء أحب إلي وإن بنى أجزأه وقال ابن الماجشون إن رأى أن الأقل من الركعة في الأولى ألغاه وإن كان في الثانية بنى عليه وجه المذهب قوله عليه السلام من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وقياسا على أرباب الأعذار في أواخر الأوقات وعلى المشهور وجه الثاني أن الرعاف لا يبطل الصلاة ويبني في القليل والكثير وامتنع في الجمعة لفوات الجماعة والإمام اللذين هما شرط وجه التخيير تعارض الأدلة وجه الفرق القياس على الناعس مع الإمام فإنه يبني ويلحق الإمام في الثانية بخلاف الأولى فإنه يلغيها والفرق المشهور بينه وبين الناعس أن منافاة الرعاف للصلاة أشد من النعاس فإنه فيه مفارقة المكان والهيئة وإذا قلنا يبني على القليل والكثير فرعف وهو راكع أو ساجد رفع وخرج لغسل الدم قال ابن حبيب يجزئه هذا الرفع ولا يعود إلى ركوعه ولا سجوده
قاعدة الموالاة شرط في الصلاة بالإجماع فلا يجوز أن يفرق بين ركعاتها ولا بين أجزاء ركعاتها فمن لاحظ أن الرعاف مخل بها سوى بين الركعات وأجزائها لأنه لا فرق ومن لاحظ أن الركعة الواحدة كالعبادة المستقلة والصلاة المنفردة لأن الشرع قد خصصها بأحكام إدراك الأوقات وفضيلة الجماعات والجهات وتحصيل الأداء بإدراكها دون القضاء فصارت أولى بالموالاة في نفسها من جملة الصلاة فلا يلزم من إهمال الموالاة في جملة الصلاة إهمالها في الركعة وهو المشهور السادس قال في الكتاب إذا فارق الإمام بعد التشهد وقبل السلام فإن رجع ووجد الإمام انصرف قعد وتشهد وسلم وإن رعف بعد ما سلم الإمام سلم وأجزت عنه قال صاحب الطراز معناه يرجع إلى طمع في إدراك الإمام والخلاف مع ابن شعبان على ما مر إن كان في جمعة أو في الحرمين وقال سحنون إذا رعف بعد سلام الإمام لا يسلم حتى يغسل الدم إن كان كثيرا لأن السلام ركن حجة المذهب أن وقوع السلام مع الرعاف أخف من العمل الكثير في الصلاة لإزالة الدم قال في الكتاب ولو فارقه بعد سجدة من الأولى فوجده في ركوع الثانية لا يضيف سجدة لتلك السجدة ويلغيها قال اللخمي يتخرج على قول أشهب فيمن أدرك الثانية من الجمعة وذكر بعد سلام الإمام أنه نسي سجدة أنه يسجد وتجزيه جمعته أنه يأتي بالسجدة وتجزئة الأولى قال صاحب الطراز وليس كذلك لأن الراعف عقد الإمام عليه ركعة فليس له البناء والناعس بخلاف الساهي عن سجدة حتى سلم الإمام فإن السلام عند أشهب ليس في حكم عقد ركعة ووافقه المازري على الإنكار السابع قال في الكتاب إذا فارقه بعد ركعة من الظهر وعاد إليه في الرابعة يتبعه فيها ولا يقضي ما فاته حتى يفرغ الإمام لما في ذلك من المخالفة وقد قال عليه السلام
فلا تختلفوا عليه قال صاحب الطراز قوله يقضي ما فاته فإنه يدل على أنه قضاء وقال ابن حبيب يقرأ في الأولى بأم القرآن ويقوم في الثانية بأم القرآن وحدها ولا يجلس بينهما لأن الأولى ثالثة إمامة ويكون بانيا في الفعل قاضيا في القول فيجتمع القضاء والبناء ها هنا في ثلاث صور إحداها تفوته الأولى ويصلي الثانية وتفوته بقية الصلاة فعند ابن القاسم يبدأ بالبناء فيأتي بركعة بأم القرآن ويجعلها ثانية ثم يأتي بأخرى بأم القرآن ويجلس كما كان يفعل مع إمامه ثم ركعة القضاء بأم القرآن وسورة وعند سحنون يبدأ بالقضاء يأتي بالأولى بالحمد وسورة ويجلس ثم بالرابعة بأم القرآن ويقوم ثم بركعة القضاء ونظيره مقيم أدرك ركعة من صلاة المسافر وهكذا يفعل عنده وقال ابن المواز في المسألتين تصير صلاته كلها جلوسا والبناء أرجح لأن حكم الأولى في المسبوق أن تؤخر إلى بعد الفراغ وثانيها تفوته الأولى ويصلي الوسطيين ومن رعف في الرابعة فصلى قول ابن القاسم يبدأ بالرابعة وتكون ثالثة ويجلس عند ابن القاسم ويقوم على القول الآخر وعلى قول سحنون يقضي الأولى بالحمد وسورة وثالثها تفوته الأوليان ويصلي الثالثة وتفوته الرابعة فعلى قول ابن القاسم يأتى بركعة بالحمد وسورة وهي ثانية له فيجلس ويأتي بركعتين متواليتين بالحمد لله وسورة وعند سحنون يأتي بالأوليين قبل الرابعة ويجلس بينهما كمن فاتته ركعة من المغرب الثامن إن فاتته الأولى وأدرك الثانية ورعف في الثالثة وأدرك الرابعة قال سحنون يأتي بالتي سبقه بها ثم بالتي رعف فيها وعلى قول ابن القاسم يبتدئ بالتي رعف فيها وهل يجلس لهما يأتي على حكم ما تقدم التاسع قال صاحب الطراز اختلف في الراعف في صلاة الجنازة والعيد قال ابن المواز يرجع بعد الغسل إلى موضع الصلاة لأن ذلك المكان من سننها ولو أتم في بيته أجزأه وقال أشهب إن خاف فواتها لم ينصرف وإن لم يكن كبر على الجنازة شيئا ولا صلى ركعة من العيدين العاشر قال في الكتاب إذا قآء عامدا أو غير عامد استأنف الصلاة بخلاف الرعاف قال صاحب الطراز القيء النجس الخارج عن صفة الطعام يبطل الصلاة على المشهور وإن لم يتعمده والطاهر يتعلق بالمتعمد وغيره كما بين في الأكل والشرب قال ابن القاسم في العتبية إن تقيأ بلغما أو قلسا فألقاه تمادى وإن ابتلع القلس بعد ظهوره على لسانه فسدت صلاته قال في المجموعة وإن كان سهوا بنى وسجد بعد السلام قال صاحب الطراز ولو طرأ عليه القيء النجس هل يغسله عنه ويبني فعند أشهب يبني فيه وفي غيره من النجاسات وعند ابن شهاب يبني في القيء والرعاف خاصة وإن كانا عنده موجبين للوضوء والبناء والفرق بين الرعاف والقيء عندنا إن القيء فيه تفريط بسبب أن أسبابه تتقدم بحس الغثيان وغيره بخلاف الرعاف الحادي عشر إذا ظن أنه رعف فخرج ثم تبين عدم الرعاف فعند مالك لا يبني لأنه مفرط وعند سحنون يبني لأنه فعل ما يجوز له قاله صاحب الطراز الثاني عشر قال لو افتتح الصلاة بالتيمم ثم صب المطر وهو في الصلاة ثم رعف غسل عنه الدم ولم يبطل صلاته فإن أحب قطع صلاته بالرعاف فتكلم ولو وجد من الماء قدر ما يغسل به الدم فقط فهل تبطل صلاته لأن تيممه لم يبطل بصلاته بسبب اشتغاله بالغسل أو لأنه يجب عليه اختبار الماء هل يكفيه أم لا فتبطل صلاته بالطلب أو لا تبطل وهو مذهب الشافعي الثالث عشر قال اتفق أصحابنا أن المأموم يبني في الرعاف لفضيلة الجماعة وكذلك الإمام لأنه واحد منهم وهو محتاج لفضيلة الجماعة واختلفوا في الفذ فأجاز مالك له البناء ومحمد بن مسلمة لأنه معنى لا يمنع البناء فيستوي فيه المصلون كالسلام من اثنتين ولأنه محتاج لتحصيل فضيلة أول الوقت ومنعه ابن حبيب بناء على أن سبب الرخصة فضيلة الجماعة فقط وأما الثوب ففي الجواهر إذا كان طرف عمامته على نجاسة قال عبد الحق إن كان يتحرك بحركته فهو مصل بالنجاسة وإلا فلا وفي السليمانية يعيد في الوقت وإن كانت العمامة طويلة نظرا للاتصال ويجب صون الثياب وما يلابسها عن النجاسات صونا للعبادات عن دنيء الهيئات وقال صاحب البيان إذا قطر على الإمام نجاسة في الصلاة ولم يكن عليه غير ذلك الثوب ولا معه غيره تمادى على صلاته ويعيد في الوقت وإن وجد غيره خرج واستخلف فإن كان فذا قطع وابتدأ بالثوب الطاهر وإن كان عليه سواه فالقياس الاستخلاف للإمام والقطع للفذ وقد روي عن مالك أن القطع أحب إليه لأن عقبة بن أبي معيط طرح على النبي وهو يصلي سلا الجزور وغسلته فاطمة رضي الله عنها وتمادى على صلاته وروي أنه فرث ودم ولا حجة فيه لأنه في أول الإسلام وقبل تحريم ذبائح المشركين والسلا وعاء الولد فهو كلحم الناقة المذكاة وكذلك الفرث طاهر عندنا ولعل الدم الذي كان فيه يسير قال صاحب الطراز إذا قلنا لا تجوز الصلاة بالعمامة المتصلة بالنجاسة فمن صلى ومعه حبل طرفه مربوط بميتة فإن كان الحبل تحت قدميه فلا شيء عليه كالبساط وإن كان مشدودا به ولم تجزه وهو قول ( ش ) ولو كان مربوطا في أذن دن خمر والأذن طاهرة لم ينفعه ذلك لأن الأذن متصل بالنجاسة لو كان مربوطا بقارب فيه النجاسة أو جرار خمر أو القارب في ماء نجس فإن كان الرباط في موضع نجس لم يجزه وإن كان متصلا بموضع طاهر ففيه نظر لأنه لو مشى على جنب النهر لتحرك القارب بما فيه من النجاسة كدن الخمر أو الميتة أو يقال إنما مسك القارب والنجاسة جاورته فهو كما لو ربطه في دابة واقفة على شيء نجس وللشافعية ههنا قولان فإن قلنا في الدابة لا تجزيه وكان مشدودا في رأس دابة وعليها رحل نجس فيظهر ههنا أن لا شيء عليه لأن الدابة لها فعل وهي التي تعد حاملة للنجاسة بخلاف القارب فإنه بمنزلة العود المتنجس ولهذا تؤثر النجاسة التي تقوم فيها بخلاف النجاسة التي تقف عليها الدابة
فرع في الكتاب إن صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أعاد في الوقت وكذلك جلدها إذا دبغ ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي وتوقف في الكيمخت قال ابن يونس يريد صلى بلحمها ناسيا وبجلدها المدبوغ عامدا أو ناسيا وتوقف في الكيمخت لأنه لم يزل في سيوف الصحابة وهم يصلون بها
فائدة في التنبيهات الكيمخت بفتح الكاف بعدها ياء باثنتين من تحتها ساكنة وفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وآخره تاء باثنتين فوقها وهو جلد الفرس وشبهه غير مذكى فارسي استعمل وأما المكان فليكن كل ما يماسه عند القيام والسجود والجلوس طاهرا وأما ما لا يلابسه فلا يضره كما قال في الكتاب يجوز أن يصلي على طرف حصير بطرفه الآخر نجاسة وقال أبو حنيفة إذا كان موضع قدميه طاهرا صحت الصلاة ولو كان موضع ركبتيه نجسا وفي الجبهة عنه روايتان بناء منه على أن الركبتين واليدين لا يجب السجود عليهما وإنما يجب عند تطهير ما يجب السجود عليه ويرد عليه الثوب النجس الزائد الذي لا يجب لبسه مع فساد الصلاة به
فائدة قال صاحب التلقين الجسد يجب تطهيره وأما الثوب فلا يتوجه عليه فرض إلا في ترك النجس منه أو وجوب الإزالة إن اختاره أو وجب لبسه يريد أن الجسد إذا كان نجسا توجه الخطاب بإزالة النجاسة عنه لتعذر فعل الصلاة بدونه وأما الثوب فلا يجب تطهيره لحصول مقصود الشرع بالترك فإن اختاره المكلف لسترته أو وجب لبسه لعدم غيره صار كالجسد تجب إزالة النجاسة عنه وهذا بعينه يتجه في المكان ولم يذكره وفي الجواهر لو صلى على حصير ونحوه مما ينتقل وطرفه متصل بنجاسة ففي تنزيله منزلة المتصل بجسده قولان للمتأخرين قال واختار عبد الحق أنه لا يتنزل وهذا خلاف ما في الكتاب كما تقدم والذي رأيته لعبد الحق خلاف هذا وهو أنه لما ذكر مسألة الكتاب في الحصير وبينها قال وإن كان يتحرك موضع النجاسة فالمختار عن جماعة من شيوخنا أنه لا يضر ومنهم من راعى تحريك موضع النجاسة وليس بصحيح وقولنا يتحرك بحركة المصلي مباين لقولنا هو مما يتنقل ولا يحسن تمثيله بالحصير فإنه يتنقل ولا يتحرك بحركة المصلي ويلحق بالمكان النجس ما تكره الصلاة فيه وهو أربعة عشر موضعا أحدها قال في الكتاب لا بأس بالصلاة وأمامه جدار مرحاض قال صاحب الطراز إن كان ظاهرة طاهرا لا رشح فيه فلا يختلف في صحة الصلاة وإن كانت مكروهة ابتداء لأن المصلي ينبغي أن يكون على أحسن الهيآت مستقبلا أفضل الجهات لأنه يناجي الله تعالى وقد قال ابن القاسم في العتبية إذا كان أمامه مجنون لا يتطهر أو صبي أو امرأة فليتنح عنهم وكذلك الكافر فإن كان ظاهره يرشح فيختلف فيه والمذهب أن صلاته صحيحة بغير إعادة وقال ابن حبيب من تعمد الصلاة إلى نجاسة أمامه أعاد إلا أن تبعد جدا ويواريها عنه بشيء فقاس المصلى إليه على المصلى عليه ونحن نقيسها على ما على يمينه أو يساره أو خلفه وثانيها الثلج قال في الكتاب لا بأس بالصلاة على الثلج قال صاحب الطراز يكره لفرط برودته المانعة من التمكن من السجود كالمكان الحرج وثالثها المقبرة قال في الكتاب لا بأس بالصلاة إلى القبر وفي المقبرة وبلغني أن أصحاب رسول الله كانوا يفعلون ذلك قال صاحب الطراز ومنع ابن حنبل من الصلاة إلى القبر وفي المقبرة والمقبرة تنقسم إلى مقبرة الكفار والمسلمين وعلى التقديرين فإما أن يتيقن نبشها أو عدمه أو يشك في ذلك فهذه ستة أقسام منع أحمد والشافعي جميع ذلك واختلف قول أحمد في صحة الصلاة فمرة حمل النهي على التعبد لا على النجاسة فحكم بالصحة وفرق ابن حبيب بين قبور المسلمين والمشركين فمنع من قبور المشركين لأنه حفرة من حفر النار وقال يعيد في العامرة أبدا في العمد والجهل لبقاء نبشها النجس ولا يعيد في الداثرة لذهاب نبشها وبين قبور المسلمين فلم يمنع كانت داثرة أو عامرة قال صاحب الطراز ويحمل قوله في الكتاب على أن المقبرة لم تنبش أما المنبوشة التي يخرج منها صديد الأموات وما في أمعائهم فلم يتكلم عليه مالك حجتنا أن مسجده عليه السلام كان مقبرة للمشركين فنبشها عليه السلام وجعل مسجده موضعها ولأنه عليه السلام صلى على قبور الشهداء وهذه المسألة مبنية على تعارض الأصل والغالب فرجح مالك الأصل وغيره الغالب حجة المخالف ما في الترمذي نهى عليه السلام أن يصلى في سبعة مواضع في المزيلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق ومعاطن الإبل وفي الحمام وفوق ظهر بيت الله عز وجل وقال عليه السلام
لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها رابعها الحمام قال في الكتاب إذا كان موضعه طاهرا فلا بأس به وكرهه الشافعي والقاضي عبد الوهاب ومنعه ابن حنبل مع سطحه وجه المذهب قوله عليه السلام في مسلم
وجعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا حجة الكراهة الحديث السابق ولأنه موضع النجاسات وكشف العورات خامسها أعطان الإبل أجاز في الكتاب الصلاة في مرابض الغنم والبقر وقال لا خير في معاطن الإبل قال المازري وروي عن مالك لا يصلى فيها ولو لم يجد غيرها ولو بسط عليها ثوبا وفي مسلم أن رجلا سأله عليه السلام فقال أصلي في مرابض الغنم قال نعم فقال أصلي في مبارك الإبل قال لا وفي أبي داود صلوا في مرابض الغنم فإنها بركة ولا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين واختلف في الفرق بينهما على ستة مذاهب فقيل لأن أهلها يستترون بها لقضاء الحاجة وهو مذهب ابن القاسم وابن وهب وابن حبيب وقيل لنفارها وقيل لكثرة ترابها ووسخها فتمنع من تمام السجود ومراح الغنم نظيف وقيل لأنها تقصد السهول فتجتمع النجاسة فيها والغنم تقصد الأرض الصلبة وقيل لسوء رائحتها والصلاة مأمور فيها بحسن الرائحة ولذلك تبخر المساجد وقيل لأنها خلقت من الشياطين والصلاة يبعد بها عن مواضعهم
فرع من صلى فيها قال أصبغ في الموازية يعيد في الوقت وقال ابن حبيب يعيد أبدا في الجهل والعمد وهو مبني على تعارض الأصل والغالب
فائدة ربض البطن ما يلي الأرض من البعير والشاة وجمعه أرباض والمربض موضع الربض وجمعه مرابض والشاة في المربض تسمى ربيضا والعطن بفتح الطاء والمعطن بكسرها واحد الأعطان والمعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب عللا وهو الشرب الثاني بعد نهل وهو الشرب الأول وعطنت الإبل بالفتح تعطن بضم الطاء وكسرها عطونا إذا رويت ثم بركت فهي إبل عاطنة وعواطن وعطن الجلد تخليته في فرث وملح حتى ينتثر صوفه وفلان واسع العطن أي رحب الذراع سادسها الكنائس كره في الكتاب الصلاة فيها لنجاستها بأقدامهم وما يدخلونه فيها وللصور وقال الحسن لأنها بنيت على غير التقوى وقيل لأنها مأوى الشياطين وقد خرج عليه السلام من الوادي لأن به شيطانا ولأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة ولا خير في موضع لا تدخله الملائكة قال صاحب الطراز أن عللنا بالصور لم نأمر بالإعادة وهو ظاهر المذهب وإن عللنا بالنجاسة قال سحنون يعيد في الوقت وعلى قول ابن حبيب يعيد أبدا في الجهل والعمد لأنه أصله في كل موضع لا ينفك من النجاسات كالمجزرة والمزبلة وقارعة الطريق قال صاحب البيان وأما الكنيسة الدارسة العافية من آثار أهلها فلا بأس بالصلاة فيها إذا اضطر إليها وإلا فهي مكروهة على ظاهر مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما روى مالك عنه أنه كره دخول الكنائس والصلاة فيها ومع ذلك فلا تعاد في وقت ولا غيره سابعها قارعة الطريق كره في الكتاب الصلاة على قارعة الطريق لأرواث الدواب قال صاحب الطراز والطريق القليلة الخاطر في الصحاري تخالف ذلك وكذلك لو كان في الطريق مكان مرتفع لا تصل إليه الدواب وقد قال مالك في النوادر في مساجد في الأفنية تمشي عليها الكلاب والدجاج وغيرها لا بأس بالصلاة فيها وفي البخاري عن ابن عمر قال كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله وكنت فتى شابا عزبا وكانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك ثامنها في الجواهر المجزرة لنجاستها واستقذارها تاسعها في الجواهر المزبلة لأنها موضع القمامات ومشتملة على القاذورات عاشرها في الجواهر بطن الوادي لأن الأودية مأوى الشياطين حادي عشرها القبلة تكون فيها التماثيل قال صاحب الطراز لا يختلف المذهب في كراهيتها اعتبارا بالأصنام فإن كانت في ستر على جدار الكعبة فأصل مالك الكراهة وقال أشهب لا أكرهه لما جاء إلا ما كان رقما في ثوب وكره في الكتاب الصلاة بالخاتم فيه تمثال لأنه من زي الأعاجم ثاني عشرها كره في الكتاب الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق أو غيرها بخلاف الحجارة الكثيرة لشبهه بالأصنام ثالث عشرها قال في الكتاب لا يستند المريض لحائض ولا جنب قال صاحب النكت قال ابن أبي زيد وهو محمول على أن أثوابهما نجسة نظرا إلى الغالب أما إذا كانت طاهرة فلا ينهى عن ذلك وقال صاحب التنبيهات قال في غير الكتاب يعيد في الوقت وأكثر شيوخنا على أنه باشر نجاسة في أثوابهما فكان كالمصلي عليها وقال بعضهم بل هما معاونان بالاستناد إليهما فبهما يدخل في الصلاة وهما لا تصح منهما الصلاة فلا يعينان فيها ويلزم على هذا أن يكون المستند متوضئا ولا قائل به ورأيت في حاشية لبعض الكتب كان الشيخ ابن الفخار يفرق بين الحائض والجنب ويقول الحائض لا تنفك عن النجاسة بخلاف الجنب وقال صاحب الطراز يحتمل أن يكون المنع لأجلها لا لأجله لأنهما لما منعا من الصلاة وتوابعها منعا من ملابسة المصلين ويحتمل أن يقال ورد في الحديث أن الملائكة لا تقرب الجنب وهو دليل على رداءة حاله والحائض ملابسة للأقذار فنهي عن ملابستها كالمزبلة وقارعة الطريق وإن فرش فيها الطاهر رابع عشرها قال المازري قال ابن حبيب من صلى في بيت نصراني أو مسلم لا يتنزه عن النجاسة أعاد أبدا الشرط الرابع ستر العورة والعورة الخلل في الثغر وغيره وما يتوقع منه ضرر أعور المكان إذا صار ذا عورة ومنه قوله تعالى ( إن بيوتنا عورة ) أي خالية يتوقع الفساد فيها فلذلك سميت السوءتان عورة لأن كشفهما موجب خللا في حرمة مكشوفهما والمرأة عورة لأنه يتوقع من رؤيتها أو سماع كلامها خلل في الدين والعرض وليس المراد بالعورة المستقبح فإن المرأة الجميلة تميل النفوس إليها وبهذا يظهر أن المرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل في حكم الستر وسائر مسائل العورة تخرج على هذا المعنى وفي الجواهر وقع الاتفاق على وجوب ستر العورة عن أعين الناس وفي وجوبه في الخلوة قولان قال المازري هو مستحب عن أعين الملائكة لما في الترمذي أنه عليه السلام قال إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي أحدكم إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم وأقل مراتبه الندب وهل هو شرط في الصلاة يجب فيها ولها ؟ قال ابن بشير المذهب على قول واحد في الوجوب وإنما الخلاف في وجوب إعادة الصلاة وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة قال صاحب القبس المشهور أنه ليس من شروط الصلاة وهذا محكي في الجواهر عن ابن بكير والقاضي أبي بكر حجة الشرطية قوله تعالى ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) قيل اللباس في الصلاة والطواف وفي أبي داود قال عليه السلام لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ولأن المصلي يناجي ربه فيشترط في حقه أفضل الهيآت والمكشوف العورة ليس كذلك حجة عدم الشرطية قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ) الآية فلو وجب شيء آخر لذكره وفي أبي داود لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله تعالى فذكر الوضوء وقال لم يستقبل القبلة ومفهومه أن ذلك القدر كاف في القبول فلا يكون غيره واجبا ثم النظر في العورة ما هي وفي سائرها ؟ أما العورة فثلاثة أقسام القسم الأول الرجال في الجواهر أجمعت الأمة على أن السوءتين من الرجال عورة وفي غيرها ثلاثة أقوال من السرة إلى الركبة وهما غير داخلتين وهو مذهب العراقيين والشافعي ووافقهم أبو حنيفة في السرة وخالف في الركبة لأنها مفصل وعظم الفخذ فيها وهو عورة فتكون عورة أو هما داخلتان أو السوءتان فقط وروى أبو الفرج ما ظاهره أن جميع بدن الرجل عورة في الصلاة وجه المذهب ما في أبي داود أنه عليه السلام قال لعلي غط فخدك ولا تنظر إلى فخد حي ولا ميت وجه الاقتصار على السوءتين ما في مسلم والبخاري أنه عليه السلام يوم خيبر انكشف الإزار عن فخذه قال أنس حتى أني لأنظر إلى بياض فخذه عليه السلام قال صاحب الاستذكار حديث علي رضي الله عنه ضعيف والذي يقتضيه النظر أن العورة السوءتان والفخذ والعانة حريم لهما القسم الثاني الإماء وهن مثل الرجال قال في الكتاب شأن الأمة أن تصلي بغير قناع قال صاحب الطراز اختلف في قوله شأنها هل معناه لا تندب إلى ذلك وهو الأظهر كالرجل أو يجوز لها ذلك مع الندب للستر وهو اختيار صاحب الجلاب وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع الإماء من الإزار وقال لابنه ألم أخبر أن جاريتك خرجت في الإزار وتشبهت بالحرائر ولو لقيتها لأوجعتها ضربا
فائدة معنى نهي عمر رضي الله عنه الإماء عن تشبههن بالحرائر أن السفهاء جرت عادتهم بالتعرض للإماء دون الحرائر فخشي رضي الله عنه أن يلتبس الأمر فيتعرض السفهاء للحرائر ذوات الجلالة فتكون المفسدة أعظم وهذا معنى قوله تعالى ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي أن يتميزن بعلاماتهن عن غيرهن وألحق في الكتاب المكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها بالأمة القن وأم الولد بالحرة وألحق صاحب الجلاب المكاتبة بأم الولد في استحباب الستر وألحق الشافعية الجميع بالأمة القن نظرا للميراث ونحن ننظر إلى عقود الحرية مع أنه قال في الكتاب لا تصلي الأمة إلا وعلى جسدها ثوب قال صاحب الطراز والأمر بذلك متفق عليه إنما الخلاف في الوجوب وسواء كانت من العلي أو الوخش والمشهور عدم الوجوب قال ابن حبيب لو صلت الأمة مكشوفة الفخذ أعادت في الوقت وقوله تعالى ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) يقتضي العفو عن الوجه واليدين من الحرة لأنه الذي يظهر عند الحركات للضرورة وعما يظهر من الأمة عند التقليب للشراء وهو ما عدا السرة والركبة
فرع قال صاحب الطراز لو أحرمت مكشوفة الساق أو نحوه مما يجوز لها كشفه فعتقت فقيل تستر ذلك وتتمادى إن كانت السترة قريبة وهو المشهور عندنا فإن بعدت فقيل تتمادى وقيل تقطع فإن قربت ولم تستر فقال ابن القاسم تعيد في الوقت وكذلك العريان خلافا ل ( ح ) مفرقا بينهما فإن هذه حالة ضرورة بخلاف الأمة فإنها كانت يباح لها ذلك وقال سحنون يقطعان وقال أصبغ هي كالمتيمم يجد الماء في الصلاة لا إعادة عليها في الوقت ولا بعده وروى ابن القاسم أحب إلي لو جعلتها نافلة وشفعتها وسلمت كمن سمع الإقامة وقال مالك أحب إلي أن تعيد قال وكذلك الخلاف في الحرة يلقي الريح خمارها والرجل يسقط إزاره قال ابن القاسم إذا سقط ثوب الإمام فظهر فرجه ودبره أخذه مكانه وأجزأه إذا لم يبعد ذلك قال سحنون ويعيد كل من نظر إلى فرجه ممن خلفه ولا شيء على من لم ينظر وقال في كتاب ابنه صلاته وصلاتهم فاسدة وإن رده قال صاحب البيان بنى ابن القاسم على أصله ان ستر العورة سنة وعلى القول الآخر بفريضيتها يخرج ويستخلف فإن تمادى فصلاة الجميع فاسدة وهو قول سحنون قال وآمر من نظر بالإعادة لأنه مرتكب لمعصية بالنظر قال ويلزمه الإبطال بجميع وجوه العصيان وهو خلاف ما ذهب إليه التونسي من أنها تبطل لا بذلك ولا بالسرقة ولا بالغضب لو وقع في الصلاة ولذلك قال المازري إن طرو اللباس على العريان والعتق على الأمة يتخرج على الخلاف في ستر العورة هل هي سنة وهي طريقة ابن القاسم أو فريضة وهي طريقة سحنون ؟ قال صاحب الطراز فلو عتقت قبل الصلاة ولم تعلم حتى صلت قال أصبغ تعيد في الوقت كما قال ابن القاسم وللشافعية قولان أحدهما كقولنا والثاني تعيد أبدا لأنها مفرطة القسم الثالث الحرائر في الجواهر أجسادهن كلها عورة إلا الوجه والكفين قال في الكتاب إذا صلت بادية الشعر أو ظهور القدمين أعادت في الوقت وقال أشهب في المجموعة أو بعض الفخذ أو البطن وقال ابن نافع في العتبية لا اعادة عليها ووافقنا الشافعي في أن القدمين عورة وخالفنا أبو حنيفة لنا ما في الموطأ عن أم سلمة زوج النبي لما سئلت ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب ؟ فقالت تصلي في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها وقد رفعه أبو داود للنبي
فروع خمسة الأول قال في الكتاب إذا صلت متنقبة لا إعادة عليها قال ابن القاسم ذلك رأيي والتلثم كذلك ونهى الشافعي عنه وأوجب ابن حنبل تغطية وجهها وكفيها لنا أن ذلك ليس عورة في الإحرام فلا يكون عورة في الصلاة ويستحب كشفه لمباشرة السجود والتلثم يستر الأنف وفي الموطأ عن سالم بن عبد الله كان إذا رأى إنسانا يغطي فاه في الصلاة جبذ الثوب عنه حتى يكشف فاه قال صاحب الطراز ولمالك رحمه الله في كراهية تغطية اللحية قولان وكرهه أبو حنيفة الثاني قال في الكتاب المراهقة بمنزلة الكبيرة لأن من أمر بالصلاة أمر بشروطها وفضائلها فلو صلت بغير قناع قال أشهب في المجموعة تعيد في الوقت وكذلك الصبي يصلي عريانا قال لو صليا بغير وضوء أعادا أبدا وقال سحنون في كتاب ابنه لا يعيدان الثالث قال في الكتاب العاجزون عن الستر يصلون أفذاذا قياما متباعدين بعضهم عن بعض وجماعة بإمام إن كانوا في ظلام ووافقنا الشافعي في تفرقهم وقيامهم وعدم إيمائهم بالسجود وخيرهم أبو حنيفة بين القيام وبين الصلاة قعودا بإيماء وقال ابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين يجب القعود لنا النصوص الدالة على وجوب الركوع والسجود وأنها أركان متفق عليها والسترة شرط مختلف فيه والأركان مقدمة على الشروط والمجمع عليه مقدم على المختلف فيه
قاعدة الوسائل أبدا أخفض رتبة من المقاصد إجماعا فمهما تعارضا تعين تقديم المقاصد على الوسائل ولذلك قدمنا الصلاة على التوجه إلى الكعبة لكونه شرطا ووسيلة والصلاة مقصد ولذلك قدمنا الركوع والسجود اللذين هما مقصدان على السترة التي هي وسيلة فلو جمعوا نهارا قال صاحب الطراز فعند ابن حبيب والشافعي يكونون صفا وإمامهم في صفهم قال لأن الستر سقط عنهم بالعجز والتباعد مستحب لما فيه من غض البصر قال فإن كثروا صفوا صفا آخر وغضوا أبصارهم فلو كانت امرأة لم تجد مكانا تستتر به عن الرجال قال مالك في العتبية تصلي جالسة وإن كانت خلوة صلت قائمة قال صاحب الطراز فلو كانوا في مكان ضيق صلى الرجال وصرف النساء وجوههن عنهم وصلى النساء وصرف الرجال وجوههم عنهن وهو قول الشافعي فإن لم يكونوا ديانين فلا يكلف النساء القيام ولا الركوع ولا السجود لما في ذلك من الضرر العظيم الذي لا يحتمله طباعهن الرابع قال صاحب الطراز لو كان في العراة صاحب ثوب لم يجز له العري واستحب له بعد صلاته دفع الثوب لغيره تعاونا على البر والتقوى ولا يجب إذ لا يجب عليه كشف عورته وقال بعض الشافعية إذا كان معه فضل سترة لا يلزمه دفعه بخلاف فضل الطعام للمضطر لأنه لا مندوحة عنه والسترة سقطت بالعجز الخامس قال لو أعير له ثوب لزمه قبوله للقدرة على السترة كالماء للمتيمم لقلة المنة في ذلك فلو وهب له فالشافعي لا يلزمه القبول كهبة الرقبة في الكفارة ويلزمه ويرده بعد صلاة ويلزم ربه أخذه قال وهو الراجح فلو أعاره لجماعة والوقت ضيق صلى من لم يصل إليه عريانا ويعيد إذا وصل إليه في الوقت الموسع وقال الشافعي يؤخرون ما دام وقت الأداء متسعا فإن لم يعر المكتسي أحدا السترة وهو يصلح للإمامة امهم متقدما عليهم النظر الثاني في الستر وفي الجواهر يكون صفيقا كثيفا فإن كان شفافا فهو كالعدم مع الانفراد وإن كان يصف ولا يشف كره وصحت الصلاة قال صاحب الطراز الخفيف الشفاف بمنزلة التلطخ بالطين لا يعد سترة بخلاف الكثيف الرقيق الذي يصف قال ويجب ستره العورة بكل ما يمكن من حطب أو حشيش أو غيره فإن لم يجد إلا طينا فللشافعية في التلطخ به قولان فإن وجد الستر لبعض العورة ستر الفرجين فإن وجده لأحدهما ستر أيهما شاء واختلف في أيهما أولى فقال الشافعي القبل لعدم الحائل بينه وبين النظر والدبر تحول بينه وبين النظر الأليتين ولأنه مستقبل به من يناجي ولبعض أصحابه الدبر أولى لفحشه عند الركوع والسجود قال وهذا أبين ويجعل مذاكيره بين فخديه ويمكنه سترها بظهر يديه بخلاف الدبر فروع ستة الأول لو وجد جلد كلب أو خنزير أو ميتة فظاهر المذهب الستر به في غير الصلاة وعلى قول عبد الملك في عدم الانتفاع بالنجاسة لا يلبسه إذا أبحنا له الخنزير والجلد النجس وجبت الصلاة به لأنه مأذون فيه وقال أبو حنيفة هو مخير بين لبسه وتركه لتعارض حرمة العري والصلاة بالنجاسة فتعين التخير وقال الشافعي في القديم يصلي عريانا وقال أيضا يصلي به لنا أن التطهير يسقطه عدم الماء وقد تحقق والستر لا يسقطه إلا العجز ولم يوجد ولأن في العري هتك حرمتين حرمة الستر عن الأبصار وحرمة الستر للصلاة بخلاف النجاسة الثاني قال إذا لم يجد إلا حريرا صلى به عند الكافة خلافا لابن حنبل ووقع مثله لابن القاسم قال ولعل الصحيح أن لبسه مع القدرة لا يفسد الصلاة وهو قول ابن وهب وابن الماجشون ولم يستحبا له إعادة وقال أشهب إن كان عليه غيره لم يعد وإلا أعاد في الوقت وقال ابن حبيب يعيد أبدا إذا لم يكن عليه غيره وإن كان لم يعد لأن جنسه لا ينافي الصلاة بدليل ما لو كان محشوا في كمه ولبسه للنساء وفي الحرب وجوزه ابن حبيب في الغزو إذا كان معه غيره وفي الصحيحين أنه عليه السلام أهدى إليه فروج من حرير فلبسه وصلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال لا ينبغي هذا للمتقين ولم يعد الصلاة وفي الجواهر إذا لم يجد إلا حريرا صلى عريانا عند ابن القاسم وأشهب واستقرأ الإمام أبو عبد الله من تقديمه الحرير على النجس في الكتاب أنه يصلي به ولا يصلي عريانا وهذا خلاف ما نقله صاحب الطراز وكذلك رأيته للمازري منقولا عن ابن القاسم وأشهب وقال في التخريج الذي عزاه إليه أنه في المدونة قدمه على النجس والنجس مقدم على العري والمقدم على المقدم على العري مقدم على العري وقال يلزم من قال بالإعادة مطلقا إذا صلى في الحرير وحده مختارا لأنه بمنزلة العريان اختيارا لكون الممنوع شرعا كالمعدوم حسا أنه إذا صلى في الثوب المغصوب يعيد فإن التزمه ألزمناه الصلاة في الدار المغصوبة والمعروف عند العلماء صحتها فلا يجد انفصالا إلا أن يقول الحرير حق الله تعالى فهو أشد من الغصب الذي هو حق للعباد ولقوله الإسقاط من جهتهم وفي الجواهر لو اجتمع له حرير ونجس ففي الكتاب يصلي في الحرير ويعيد في الوقت لأن تحريمه ليس لأجل الصلاة فلا ينافيها بخلاف النجاسة وعند أصبغ يصلي في النجس لعموم تحريم الحرير في الصلاة وغيرها فيكون أفحش من النجس الذي تحريمه خاص بالصلاة فلو صلى بثوب حرير مع القدرة على طاهر غير حرير فإن أفرده فقيل يعيد في الوقت وبعده وقيل لا يعيد مطلقا وقيل في الوقت فإن كان عليه غيره فقيل يعيد وقيل لا إعادة عليه وكذلك الخلاف فيمن صلى متختما بالذهب الثالث قال في الكتاب يجوز أن يصلي محلول الإزار بغير سراويل قال صاحب الطراز قال مطرف رأيت مالكا في المسجد مطلق الإزار فلما حضرت الصلاة زرره وقال ابن الصباغ من الشافعية إن كان ضيق الجيب لا ترى منه العورة جازت الصلاة وإلا لم تجز إلا أن يزرره أو يشد وسطه بحبل لما في أبي داود قال سلمة بن الأكوع اني رجل أصيد أفأصلي في القميص الواحد ؟ قال نعم وزرره ولو بشوكة وفرق الحنفية بين الأمرد وبين الملتحي لأن لحيته تستر الجيب والطوق لنا ما في البخاري كان رجال يصلون مع النبي عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان فيقال للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا وكل ما يتوقع من الجيب يتوقع من الذيل الرابع قال ابن القاسم في الكتاب تجوز الصلاة بمئزر وسراويل وقال ابن حنبل لا تجزئه حتى يكون على عاتقه منه شيء وكذلك السراويل لما في البخاري لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء وهو محمول عندنا على الاستحباب قال صاحب الطراز السراويل مكروه ابتداء وهو قول الشافعي ومالك في العتبية لما في أبي داود أنه عليه السلام نهى أن يصلي في سراويل ليس عليه رداء ولأنه يصف ومن زي العجم وقال أشهب يعيد من صلى في السروال والتبان في الوقت قال وكذلك من أذن في السراويل وحدها أعاد أذانه ما لم يصل وكان كمن صلى بغير أذان الخامس قال صاحب الجلاب من صلى في ثوب واحد فإن كان واسعا التحف به وخالف بين طرفيه وعقده على عنقه وإن كان ضيقا ائتزر به من سرته إلى ركبتيه ولا إعادة عليه إذا صلى كذلك مع وجود غيره ويعيد في الوقت وفي البخاري النهي عن اشتمال الصماء وهي عند أهل اللغة تجلل الرجل بإزاره لا يرفع منه جانبا كالصخرة الصماء التي فيها فإن وهمه أمر لا يمكنه إلا الاحتراز منه وعند الفقهاء هي أن يدخل الرداء من تحت إبطه الأيسر ويترك طرفه على يساره وبيدي منكبه الأيمن ويغطي الأيسر وهو عند أهل اللغة الاضطباع لأنه يبدي ضبعه الأيمن فكرهت لأنه في معنى المربوط ولا يتمكن من الركوع والسجود والمندوب أو لأنه لا يباشر الأرض بيديه وإن باشر انكشفت عورته فإن كان عليه مئزر فلا بأس به السادس قال في الكتاب إذا صلى محتزما أو جامعا شعره أو جامعا كميه إن كان ذلك لباسه أو كان يعمل فأقيمت الصلاة فدخل على هيئته فلا بأس وإلا فلا خير فيه وفي الصحيحين أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب والكفت الضم ومنه قوله تعالى ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) أي تضم الفرقتين قال صاحب الطراز وسر الكراهة أن يضم ذلك خشية التراب وقد قال عليه السلام عفروجك في التراب ولأنه شأن التذلل والخضوع قال وعلى هذا لو كان مكشوف الرأس فأراد ستره ليقيه التراب كره قال صاحب الجلاب الاختيار لمن صلى في جماعة أن يلبس أكمل اللباس والإمام أولى بذلك ويرتدي ولا يعري منكبيه ولا بأس بالمئزر والعمامة ويكره السروال والعمامة فإن كان عليه سيف أو قوس جعل عليه شيئا من اللباس والأصل في ذلك قوله تعالى ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) والعبد يناجي ربه فيستحب أن يتجمل له ولما كان الإمام ينبغي أن يكون أفضل القوم دينا فينبغي أن يكون افضلهم زيا وقوله تكره السراويل والعمامة الكراهة لأجل السروال وذكر العمامة حشو في الكلام وكره أن يصلي في ثوب يسجد على بعضه لأنه يصير بمنزلة الساجد على غير الأرض الشرط الخامس استقبال الكعبة والنظر في المستقبل إليه والمستقبل فيه والمستقبل نفسه فهذه ثلاثة أطراف الطرف الأول المستقبل إليه وهو الكعبة قال الله تعالى ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) والشطر في اللغة النصف وهو أيضا الجهة وهو المراد ههنا فيجب على العالم أن يكونوا مستقبليها بوجوههم كالدائرة لمركزها فأما داخلها فقال في الكتاب لا تصلي فيه ولا في الحجر فريضة ولا ركعتا الطواف الواجبتان ولا الوتر ولا ركعتا الفجر وغير ذلك لا بأس به فإن صلى مكتوبة أعاد في الوقت كمن صلى إلى غير القبلة وأجاز الشافعي وأبو حنيفة المكتوبة لقوله تعالى ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ) قال الشافعي في الأم ولا موضع أطهر منه ووافقنا ابن حنبل ومنع ابن جرير الجميع لما في مسلم أنه عليه السلام لما دخل البيت كبر في نواحيه ولم يصل فيه حتى خرج ركع في قبل البيت ركعتين وقال هذه القبلة لنا الآية المتقدمة والمصلي داخله لم يستقبله بل بعضه ولأنه لم يأت عن أحد من السلف أنه صلى في البيت وكيف تغفل الأمة عن الفضيلة التي ذكرها الشافعي مع اجتهاد سلفها وخلفها في تحصيل الفضائل ولأن الاستقبال مأمور به وكل مأمور به لا بد أن يكون ممكن الفعل والترك حالة التكليف والمصلي داخل البيت يستحيل ألا يكون مستقبلا لبعضه فيسقط التكليف وهو خلاف الإجماع والجواب عن هذه الآية أن موضع الطواف خارج البيت إجماعا فيكون موضع الركوع والسجود كذلك وأما جواز النافلة فلما في الموطأ أنه عليه السلام دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي وبلال فأغلقها عليه ومكث فيها قال ابن عمر فسألت بلالا حين خرج ماذا صنع عليه السلام ؟ فقال جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى زاد أبو داود صلى ركعتين وهذا الحرف يدفع تأويل ابن جرير أن صلاته كانت دعاء لأن النافلة يجوز ترك الاستقبال فيها مطلقا في السفر وترك القيام مع القدرة والإيماء بالركوع والسجود عند بعض العلماء قال صاحب الطراز وفي إعادة المكتوبة ثلاثة أقوال ففي الكتاب يعيد في الوقت كالمصلي بالاجتهاد لوقوع الخلاف في المسئلة وعند ابن حبيب وأصبغ يعيد أبدا ترجيحا لوجوب استقبال جميع البيت وعند أبن عبد الحكم لا يعيد مطلقا نظرا لمدرك الشافعي رضي الله عنهم أجمعين قال فلو صلى فوق ظهر البيت فثلاثة أقوال لمالك يعيد أبدا وعند أشهب في الوقت وعند ابن عبد الحكم لا يعيد مطلقا وقال أبو حنيفة إن لم يبق بين يديه من السطح شيء لم يجزه وإلا أجزأه وهو محكي عن أشهب وقال الشافعي لا يجزيه إلا أن يكون عليه ما يستره من البناء وقال أصحابه يكفيه من ذلك غرز خشبة أو عصا قال صاحب الجلاب يكره أن تصلى المكتوبة في الكعبة والحجر وعلى ظهرها ومن فعل أعاد في الوقت ولا بأس بصلاة النافلة في جميع ذلك قال صاحب الطراز ولو جوزنا الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها لم نجزها في سرب تحتها أو مطمورة لأن البيوت شأنها أن ترتفع وليس شأنها أن تنزل وكذلك قال في المساجد ان أسطحتها لها أحكام المساجد بخلاف ما لو حفر تحتها بيتا يجوز أن يدخله الجنب والحائض إلا أن ذلك لا يفعل إلا بإذن الإمام ومنشأ الخلاف هل المقصود بالاستقبال بعض هوائها أو بعض بنائها أو جملة بنائها وهوائها ؟ والأول مذهب أبي حنيفة وسوى بين داخل البيت وظهره لوجود بعض الهواء والثاني مذهب الشافعي فسوى بين جزء البناء داخل البيت وعلى ظهره والثالث مذهبنا وهو مقتضى ظواهر النصوص فإن جزء البناء لا يسمى بيتا ولا كعبة وأبعد من ذلك جزء الهواء العاري عن البناء فإن الكعبة في اللغة هي المرتفعة ومنه المرأة الكاعب إذا ارتفع ثديها وكعب الرجل والبيت هو ذو السقف والحيطان وهذا المعنى لا يتحقق إلا في جملة البيت ببنيانه وهوائه وهذا هو الفرق على المشهور بين داخله وظهره فإن داخله ارتفاع من حيث الجملة وظهره فراغ محض والفرق بين الصلاة على ظهرها وعلى أبي قبيس أن المصلي على أبي قبيس مستقبل بوجهه جملة البناء والهواء بخلاف ظهرها ولأن السنة فرقت بينهما فنهى عليه السلام عن الصلاة على ظهرها فروع ثلاثة الأول في الجواهر لو امتد صف طويل قريب البيت فالخارج عن سمت البيت تبطل صلاته ومثل هذا الصف في الآفاق تصح وكذلك الصلاة في بلدين متقاربين لسمت واحد تصح إجماعا وهو مبني على قاعدتين إحداهما ان الله تعالى إنما أوجب الاستقبال العادي دون الحقيقي فلو استقبل صف طويل حيوانا بعيدا في برية صدق في العادة أن كل واحد منهم قبالته في رأي العين ولو قرب منهم بطل ذلك فكذلك الكعبة طولها أربعة وعشرون ذراعا وعرضها عشرون ذراعا فالصف البعيد منها يعد في العادة مستقبلا لها بخلاف القريب القاعدة الثانية أن الخلائق يستقبلون الكعبة شرفها الله كاستقبال أجزاء محيط الدائرة لمركزها فإذا تخيلنا الكعبة مركزا فقد خرج منه خطوط مجتمعة الأطراف في المركز وكلما بعدت اتسعت مثل قصبتي شبكة الصيادين فمن المعلوم حينئذ أن كلما بعد خطان من هذه الخطوط وسع طرفاهما أكثر مما إذا قربا فلذلك كان الصف الطويل في البعد مستقبلا وفي القرب ليس مستقبلا الثاني في الجواهر الواقف بمكة خارج المسجد يستقبل بناء الكعبة فإن لم يقدر استدل فإن كان الاستدلال بمشقة فلبعض المتأخرين في جواز الاجتهاد تردد الثالث الواقف بالمدينة يتنزل محرابه عليه السلام في حقه منزلة الكعبة فلا يجوز له الاجتهاد بالتيامن والتياسر لأنه منصوب بالوحي ومباشرة المعصومين رسول الله وجبريل عليه السلام وإجماع الأمة وهي معصومة أيضا فيقطع بصحته وخطأ مخالفه فلا معنى للاجتهاد الطرف الثاني الذي يستقبل فيه وفي الجواهر يجب الاستقبال إلا في القتال لقوله تعالى ( فرجالا أو ركبانا ) ولا تصلي فريضة ولا صلاة جنازة على راحلة فإن فعلت مثل فعلها في الأرض ففي جواز ذلك وكراهيته قولان نظرا لصورة الأداء وإلى أن الأرض يتأتى فيها من التواضع والتذلل بمباشرة التراب والتمكن من الخشوع ما ليس في الرواحل وهذا هو مذهب الكتاب فقال في مريض لا يستطيع الجلوس لا يصلي المكتوبة في محمله بل على الأرض وهو قول الشافعي وفي أبي داود عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت هل رخص عليه السلام للنساء أن يصلين على الدواب ؟ قالت لم يرخص في ذلك في شدة ولا رخاء قال صاحب الطراز فإن فعل قال سحنون يعيد أبدا وقال ابن حبيب وابن عبد الحكم إذا استوت حالتا الأرض والمحمل في الإيماء فلا شيء عليه فروع أربعة الأول قال اللخمي إذا كان المريض لا يجد من يحوله إلى القبلة ولا يرجوه صلى أول الوقت وإن كان راجيا صلى آخر الوقت وإن شك فوسط الوقت الثاني قال في الكتاب من خاف السباع أو غيرها صلى على دابته إيماء حيثما توجهت به فإن أمن أعاد في الوقت لقوله تعالى ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) وفي الترمذي أنهم كانوا معه عليهم السلام في مسيرة فانتهوا إلى مضيق فمطروا والسماء من فوقهم والبلة من تحتهم فأذن النبي على راحلته وأقام أو أقيم فتقدم النبي عليه السلام على راحلته فصلي بهم يومئون إيماء السجود أخفض من الركوع قال صاحب الطراز قوله حيثما توجهت به راحلته معناه إذا لم يقدر أن يتوجه بها إلى القبلة والفرق بين هذا والمسايفة من وجهين أحدهما أن العذر ههنا قد يكون موهوما والمسايفة محققة ولذلك قال ابن الجلاب إذا كان عذره مشكلا غير محقق أعاد الثاني فضيلة الجهاد وسوى الغير بينهما في الإعادة في الوقت فلو خاف من السباع أو اللصوص وهو ماش قال ابن حبيب والشافعي يصلي إيماء كالمسايفة ولو كان جالسا وخاف من عدوه قال أشهب وغيره يصلي جالسا ويسجد إلا أن يخاف فيومئ الثالث قال صاحب الطراز لو غشيه السيل في واد لا مفر له إلا بطول وخاف فوات الوقت ولم يمكنه الوقوف صلى في غدوه وقال الشافعي وكذلك خوف الحيات وقال المزني الحيات عذر نادر والنادر لا يسقط القضاء وهذه الفروع كلها مبنية على قاعدة تقدم التنبيه عليها وهي تعارض المقاصد والوسائل فإنه يجب تقديم المقاصد لكونها أهم في نظر الشرع والأركان مقاصد والاستقبال شرط ووسيلة فلا تترك المقاصد لأجل تعذره الرابع قال في الكتاب لا يصلي عل دابته التطوع إلا في سفر تقصر فيه الصلاة قال صاحب الطراز إن كان مستقبل القبلة في السفر القصير فيختلف فيه المذهب على رأي من جوز الإيماء للمتنفل من غير ضرورة وإن لم يكن مستقبلا فقد جوزه الشافعي في كل سفر وأصحاب الرأي الفرسخين والأوزاعي لكل من خرج من بلد في حاجة راكبا أو ماشيا الأدلة الدالة على الركوع والسجود والاستقبال وجوز في الكتاب ركعتي الفجر والوتر على الراحلة خلافا ل ( ح ) في الوتر لنا ما في الموطأ أنه عليه السلام كان يسبح على الراحلة ويرسلها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة والتنفل على الدابة من حيث الجملة متفق عليه وإنما الخلاف في الماشي فمنعه مالك وأبو حنيفة وجوزه الشافعي حجتنا عمل السلف وليس للمخالف مدرك إلا القياس على الراكب والفرق أن الراكب بمنزلة الجالس المتنفل وحركة الماشي تنافي هيئة الصلاة وظاهر قوله في الكتاب يصلي على دابته في السفر حيثما توجهت به عدم اعتبار القبلة وقت الإحرام وقال الشافعي إن كانت دابته غير مقطورة واقفة افتتحها إلى القبلة وقال بعض أصحابه إذا كانت واقفة لا يصلي إلا إلى القبلة واتفقوا في المقطورة أنه يصلي حيث توجهت به وإن كانت واقفة واختلفوا في المفردة التي لا تصعب إدارتها فقال بعض الشافعية يلزمه إدارتها ويحرم إلى القبلة كالماشي عندهم ومنع بعضهم لزوم ذلك حجتهم ما في أبي داود أنه عليه السلام كان إذا سافر فإن أراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة وكبر ثم صلى حيث وجه ركابه وإذا أحرم إلى جهة مسيره فلا ينحرف بوجهه إلى غيرها قال مالك إذا مال محمله فحول وجهه إلى دبر البعير لم أحبه وليصل إلى سير البعير ولو صلى في المحمل مشرقا أو مغربا لا ينحرف إلى القبلة وإن كان يسيرا وليصل قبل وجهه قال صاحب الطراز فعلى هذا إذا انحرف بعد الإحرام من غير عذر ولا سهو فإن كانت القبلة فلا شيء عليه فإنها الأصل وإن كانت غيرها بطلت صلاته وقاله الشافعي وأما إذا ظن أن تلك طريقه أو غلبته دابته فلا شيء عليه وقال الشافعية يسجد للسهو فلو وصل منزلا وهو في الصلاة نزل وأتم بالأرض راكعا وساجدا إلا قول من يجوز الإيماء في النافلة للصحيح فإنه يتم صلاته على دابته إلى القبلة وإن لم يكن منزل إقامة خفف قراءته وأتم صلاته على الدابة لأنه يسير وله أن يعمل في صلاته ما لا يستغنى عنه من مسك العنان والضرب بالسوط وتحريك الرجل إلا أنه لا يتكلم ولا يلتفت ولا يسجد على قربوس سرجه ولكن يومئ قال في الكتاب قيام المصلى في المحمل متربعا وإذا ركع ركع متربعا ووضع يديه على ركبتيه فإذا رفع رأسه من ركوعه رفع يديه عن ركبتيه فإذا أهوى إلى السجدة بين رجليه وسجد إلا أن يقدر أن يثني رجليه فيومئ متربعا وهو قول الشافعي وقال في العتبية إذا أعيا في تربعه فمد رجليه أرجو أن يكون خفيفا قال صاحب الطراز لو صلى على دابته في قبلته قائما راكعا وساجدا من غير نقص أجزأه على المذهب وعلى قول سحنون لا يجزيه لدخوله على الغرر وللشافعي قولان
تمهيد أقام الشرع جهة السفر بدلا من جهة الكعبة في حق المتنفل لأن تحصيل مقاصد الصلاة أولى من رعاية شرط من شروطها ولو منع الشرع التنفل في الأسفار لغير القبلة لامتنع أكثر الناس من التنفل في السفر ولامتنع الأبرار من الأسفار حرصا على النوافل وكذلك لا تترك مقاصد الصلاة من الأركان لتعذر ستر العورة فإن القاعدة تقديم المقاصد على الوسائل الطرف الثالث المستقبل ففي الجواهر أحواله ست لأنه إن كان في أحد الحرمين وجب عليه اليقين وحرم الاجتهاد وإن كان غائبا عالما بأدلة الكعبة وجب عليه الاجتهاد وحرم التقليد وإن لم يكن عالما وأمكنه التعليم وجب التعليم وحرم التقليد وإن لم يمكنه وقد سمع أقوال العلماء بالأدلة وجب عليه أن يجتهد في تلك الأقوال وحرم التقليد فإن لم يسمع جاز له التقليد لقوله تعالى ( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ويلحق به الأعمى وحيث قلنا بالتقليد فيجب أن يكون المقلد مكلفا مسلما عارفا بأدلة القبلة فإن عدم من يقلده ويلحق به المجتهد إذا خفيت عليه الأدلة فقال ابن عبد الحكم يصلي إلى أي جهة شاء ولو صلى أربع صلوات لأربع جهات لكان مذهبا وفي المجتهد المتحير قول ثالث أنه يقلد قال صاحب الطراز فلو رجع للأعمى بصره في الصلاة فشك تحرى وبنى ولم يقطع كما لو شك في عدد الركعات قال فلو ترك الأعمى التقليد مع إمكانه وصلى برأي نفسه أو الجاهل قال بعض الشفعوية صلاته باطلة قال وليس كذلك لأنه وجد منه القصد إلى الجهة وهذا مشكل من صاحب الطراز فإن الجاهل ترك ما يجب عليه فأشبه ما لو ترك المجتهد الاجتهاد فإن صلاته باطلة ولو أخبر الأعمى رجل أن الذي قلده يخطئ ففي الجواهر فإن صدقه انحرف إلى الجهة التي أشار إليها وبنى لأنه اجتهد له مجتهد قال سحنون هذا هو الحق إن كان المخبر أخبر باجتهاد فإن كان عن معاينة بطل ما مضى ولم يبن قال ابن القصار في تعليقه البلد الخراب الذي لا أحد فيه لا يقلد المجتهد محاربيه فإن خفيت عليه الأدلة أو لم يكن من أهل الاجتهاد قلدها والبلد العامر الذي تتكرر الصلوات فيه ويعلم أن إمام المسلمين نصب محرابه أو اجتمع أهل البلد على نصبه فإن العالم والعامي يقلدونه قال لأنه قد علم أنه لم يبن إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك قال وأما المساجد التي لا تجري هذا المجرى فإن العالم بالأدلة يجتهد ولا يقلد فإن خفيت عليه الأدلة قلد محاريبها وأما العامي فيصلي في سائر المساجد وقال صاحب المقدمات من غاب عن الكعبة ففرضه الاجتهاد فإن صلى بغير اجتهاد فصلاته باطلة وإن وقعت إلى الكعبة ولم يفصل وههنا قواعد خمس تتعين الإحاطة بها القاعدة الأولى ليس الاجتهاد بذل الجهد كيف كان بل يشترط فيه معرفة الأدلة المنصوبة على الكعبة فمن اجتهد في غيرها فليس بمجتهد كما أن المجتهد في الأحكام الشرعية بغير أدلتها المنصوبة عليها ليس بمجتهد وأصول الأدلة على الكعبة ستة العروض والأطوال مع الدائرة الهندسية أو غيرها من الأشكال الهندسية على ما بسط في علم المواقيت والقطب والكواكب والشمس والقمر والرياح وهي أضعفها كما أن أقواها العروض والأطوال ثم القطب ويدل على اعتبار هذه الأدلة قوله تعالى ( وبالنجم هم يهتدون ) في سياق الامتنان وذلك يدل على المشروعية وقوله تعالى ( لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) والهداية إنما تكون للمقاصد والصلاة من أهم المقاصد وقوله تعالى ( والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) وهذا كله تنبيه على وجوه تحصيل المصالح من الكواكب ومن أهم المصالح إقامة الصلاة على الوجه المشروع ولأن القاعدة أن كل ما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب وهذه الأمور مفضية إلى إقامة الصلوات المطلوبة فتكون مطلوبة القاعدة الثانية حيث قلنا بتقليد المحاريب فيشترط فيها أن لا تكون مختلفة ولا مطعونا عليها من أهل العلم فمهما فقد أحد الشرطين لا يجوز تقليدها إجماعا فإن الأصل في التكاليف العلم لقوله تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) وقد أقام الشرع الظن مقامه لتعذره في كثير من الصور وغلبة صدق الظنون وندرة كذبها والمصلحة الغالبة لا تترك للمفسدة النادرة ونفي الشك ملغى بالإجماع ومع الاختلاف أو الطعن من أهل العلم لا علم ولا ظن بل نقطع مع الاختلاف بالخطأ ونظنه مع الطعن وهذا هو شأن محاريب القرى بالديار المصرية فإنها مختلفة جدا ومطعون عليها جدا وقد صنف الزين الدمياطي وغيره من العلماء تصانيف فيها ونبه على كثرة فسادها واختلافها وليس بالديار المصرية بلد نقلد محاريبها المشهورة حيث قلنا بالتقليد إلا مصر والقاهرة والاسكندرية وبعض دمياط أو بعض محاريب قوص وأما المحلة ومنية بني خصيب والفيوم فإن جوامعها في غاية الفساد فإنها مستقبلة بلاد السودان وليس بينها وبين جهة الكعبة ملابسة القاعدة الثالثة في معرفة الاستدلال بالأدلة المتقدمة أما العروض والأطوال فلا يليق ذكرها ههنا لطول أمرها بل نحيلها على كتبها الموضوعة لها وأما القطب فهو نقطة مقدرة ما بين الفرقدين والجدي وهو أقرب إلى الجدي والجدي والفرقدان مع نجوم صغار بينهما صورتها صورة سفينة أو سمكة وهي تدور أبدا على الدهر ليلا ونهارا مع بنات نعش فالجدي يلي النعش والفرقدان يليان البنات وهذا القطب هو وسط السماء فمن جعله بين عينيه فقد صار الجنوب بين كتفيه ومشرق الاعتدال على يمينه ومغرب الاعتدال على يساره وتنقسم له دائرة الأفق أربعة أرباع ويستعان على ذلك بمن هو عالم به فإذا عرفت القطب فهو يجعل بمصر وما قاربها خلف الكتف الأيسر لا بين الكتفين ولا قبالة صفحة الخد الأيسر بحيث يكون مطلع العقرب ومشرق الشتاء بين العينين وكلما صعدت في الديار المصرية ملت إلى المشرق وكلما انحدرت إلى الشمال ملت إلى الجنوب فأنت أبدا بين المشرق والجنوب على الوجه المحدود لك ولا يحصل التغير في أقل من مسيرة يومين شرقا أو غربا شمالا أو جنوبا وفي إفريقيه من أرض المغرب يميلون إلى الشرق أكثر من مصر وأهل المغرب الداخل يزيدون على ذلك ويقربون الجدي من صفحة الخد الأيسر أكثر وفي الأندلس يبعدونه عن صفحة الخد ويقربون إلى الجنوب أكثر من مصر وأهل اليمن يجعلونه بين أعينهم وأهل العراق والموصل وبلاد الروم والصقالبة يجعلونه بين أكتافهم وأهل الشام يميلون عن ذلك إلى جهة المشرق يسيرا وبلاد العجم يجعلونه على جنب الكتف الأيمن لا بين الكتفين ولا على صفحة الخد وبلاد الهند والسند يجعلونه على صفحة الخد ويستقبلون وسط المغرب وأوائل بلاد التكرور والنوبة والبجة يجعلونه على صفحة الخد الأيسر ويستقبلون وسط المشرق وأواخر بلاد التكرور والزيلع والحبشة يقربونه من بين العينين من جهة الخد الأيسر وهذا بيان هذه الجهات من حيث الجملة فإن ذكرها على التفصيل لا يسعه هذا المكان وعلى المجتهد تحرير ذلك في مواضعه بالزيادة والنقصان بحسب القرب والبعد وأما الاستدلال بالشمس فطلوعها يعين المشرق والمغرب وكذلك غروبها وزوالها يعين الشمال والجنوب فإنها لا تزول أبدا إلا قبالة القطب فمستقبلها حينئذ بالديار المصرية والشامية يكون الجنوب أمامه والشمال خلفه والمشرق والمغرب عن يساره ويمينه فإذا انقسمت لك الجهات الأربع في بلدك وأنت تعلم الكعبة في أي جهة من جهات بلدك استقبلها كما تقول في الديار المصرية الكعبة منها ما بين الشرق والجنوب وهي أقرب إلى المشرق وأما الاستدلال بالقمر فأنت تعلم أن القمر لا يزال قوسا إلا في منتصف الشهر ففي أول الشهر يكون محدب القوس أبدا إلى جهة المغرب ومقعده إلى الشرق وفي النصف الأخير من الشهر يكون على العكس محدبه إلى المشرق ومقعده إلى المغرب فمتى نظرت إليه في أي وقت شئت بالليل أو بالنهار خرجت لك الجهات الأربع وفعلت فيه ما فعلته في الشمس وأما منتصف الشهر حيث لا تحديب ولا تقعير فإن كنت في أول الليل فاعلم أن الجهة القريبة منه هي المشرق والبعيدة المغرب فتخرج لك الجهات الأربع فتتعين لك جهة القبلة وإن كنت في آخر الليل فالجهة القريبة منه المغرب والبعيدة المشرق فتخرج لك الجهات الأربع فاصنع حينئذ ما تصنعه مع الشمس وأما الرياح فاعلم أن العرب كانت تنصب بيوتها إلى جهة المشرق والبيت إنما يمال إليه من جهة بابه والميل الصبا ومنه سميت الصابئة صبئبة لأنها مالت إلى عبادة النجوم فسميت الريح الآتية من وسط المشرق صبا ولما كان باب البيت يتنزل منه منزلة الوجه من الإنسان كان ظهر البيت دبره فالريح الغربية تسمى دبورا ومنه قوله عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ويتعين حينئذ أن تكون جهة القطب شماله وضدها يمينه فسميت الريح من جهة القطب شمالا والبلاد التي في تلك الجهة من الحجاز شاما وهي التي تسمى بالديار المصرية بحرية لكون البحر الملح في تلك الجهة في الديار المصرية وعكسها تسمى جنوبية لكونها من جنب البيت والبلاد التي في تلك الجهة من الحجاز تسمى يمنا وتسمى بمصر مريسية لأجل بلد في هذه الجهة تسمى مريسية وكل ريح بين ريحين من هذه تسمى نكباء لتنكيبها عن كل واحد منهما فالرياح حينئذ ثمانية أربعة أصول وأربعة نواكب فإذا علمت ريحا من هذه الرياح تعينت لك الجهات الأربع وفعلت ما تقدم في الشمس فهذه أصول الأدلة وفروعها كثيرة من الأنهار كالنيل اعلم أنه يجري من الجنوب إلى الشمال فتخرج به الجهات الأربع وكذلك غيره من الأنهار والجبال والبلاد وغير ذلك فهذه الأدلة تتعين على الفقيه أن يعلمها أو بعضها ليخرج من عهدة ذلك الواجب في الكعبة
تنبيه إذا قلنا إن كل مجتهد مصيب في الأحكام الشرعية لا يمكن القول به ههنا لأن أدلة الأحكام يعارض بعضها بعضا وفيها العام والمخصص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ فقد يطلع أحد المجتهدين على العام دون المخصص ويطلع الآخر على المخصص فيختلفان وكذلك القول في سائر الأقسام وأما أدلة القبلة فلا تعارض بينها فمن علم جملتها كمن علم واحدا منها في الهداية فلا يقع الخلاف فيها إلا بين جاهل وعالم ولا يقع بين عالمين أبدا لأنها أمور محسوسة فالمصيب فيها واحد ليس إلا القاعدة الرابعة أن أرباب المذاهب ينقلون الخلاف في الواجب في الكعبة في حق الغائب عنها هل هو العين أو الجهة وهو مشكل فإن المعاين لا خلاف أن الواجب عليه العين بلا خلاف ههنا والغائب عنها إما واحد وقد اتفقت الأمة على أنه يجب عليه أن يتبع جهة يغلب على ظنه أن عين الكعبة وراءها إما بالاجتهاد أو بالتقليد ولم يقل أحد بأنه يجوز له العدول عن تلك الجهة ولأن الله تعالى كلفه برؤية العين مع الغيبة فلا خلاف ههنا أيضا وأما الكثير فقد اتفقوا على وجوب الصلاة في المدينتين المتقاربتين إلى جهة واحدة ومن المعلوم أن الكعبة لا يكفي طولها بذلك وأن بعضهم خارج عنها بالضرورة والصف الطويل بمنزلة المدينتين وقد انعقد الإجماع ههنا على الاكتفاء بالجهة التي يغلب على الظن أن الكعبة وراءها ولم يقل أحد أن صلاة بعضهم باطلة ولا سبيل إلى القول بذلك إذ ليس البعض أولى من البعض فيبقى محل الخلاف غير معلوم والجواب أن الأحكام على قسمين مقاصد ووسائل فالمقاصد كالحج والسفر إليه وسيلة وإعزاز الدين ونصر الكلمة مقصد والجهاد وسيلة ونحو ذلك من الواجبات والمحرمات والمندوبات والمكروهات والمباحات فتحريم الزنا مقصد لاشتماله على مفسدة اختلاط الأنساب وتحريم الخلوة والنظر وسيلة وصلاة العيدين مقصد مندوب والمشي إليها وسيلة ورطانة الأعاجم مكروهة ومخالطتهم وسيلة إليه وأكل الطيبات مقصد مباح والاكتساب له وسيلة مباحة وحكم كل وسيلة حكم مقصدها في اقتضاء الفعل أو الترك وإن كانت أخفض منه في ذلك الباب إذا تقرر هذا فالاجتهاد قد يكون في تعيين المقاصد كتميز الأخت من الأجنبية وقد تقع في الوسائل كالاجتهاد في أوصاف المياه ومقاديرها عند من يعتبر المقدار والمقصد هو الطهورية والقاعدة أنه مهما تبين عدم إفضاء الوسيلة إلى المقصد بطل اعتبارها كما إذا تيقنا أن الماء الذي اجتهدنا في أوصافه ماء ورد منقطع فإنه يجب إعادة الصلاة بطهارة أخرى فعين الكعبة مع الجهات كطهورية الماء مع الأوصاف فاختلف العلماء في الواجب وجوب المقاصد في الكعبة هل هو العين وتكون الجهات وسائل فإذا تبين خطؤها بطلت الصلاة كالمياه وهو مشهور مذهب الشافعي وهو الأصل فإن المقصود الذي دل النص عليه إنما هو البيت أو الواجب وجوب المقاصد هو الجهة ولا عبرة بالعين ألبتة لأن العين لما استحال تيقنها عادة أسقط الشرع اعتبارها وأقام مظنتها التي هي الجهة مقامها كإقامة السفر ثمانية وأربعين ميلا مقام المشقة وإقامة صيغ العقود مقام الرضا والرضا هو الأصل لقوله عليه السلام لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه منه لكن لما تعذرت معرفته لخفائه أقيمت مظنته مقامه وسقط اعتباره حتى لو رضي بانتقال الملك ولم يصدر منه قول ولا فعل لم ينتفل الملك فكذلك عين الكعبة سقط اعتبارها لخفائها وأقيمت الجهة مقامها فصارت هي الواجبة وجوب المقاصد وهذا هو المشهور عندنا ومذهب أبي حنيفة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين وسيلة الطهورية ووسيلة الكعبة فإن الوصول إلى الطهورية ممكن ولو في البحر بخلاف عين الكعبة فظهر أن الجهة واجبة إجماعا أما وجوب المقاصد أو وجوب الوسائل والعين واجبة وجوب المقاصد على أحد القولين وليست واجبة على القول الآخر مطلقا لا مقصد ولا وسيلة ويظهر حينئذ إمكان الخلاف في المسئلة ويتخرج وجوب الإعادة عليه في حق من أخطأ فإن قلنا الجهة هي المقصد وقد حصلت فلا إعادة وإن قلنا أنها وسيلة والوسيلة إذا لم تفض إلى المقصد سقط اعتبارها كالأوصاف مع المياه فتجب الإعادة لتحصيل المقصد الذي لم يحصل بعد القاعدة الخامسة هي أن جهة الكعبة تكون شرقا في قطر وغربا في قطر وكل نقطة تفرض بين المشرق والمغرب من جهة الشمال أو الجنوب فهي جهة الكعبة لقوم وعلى ثلاثمائة وستين نقطة وتحرير ذلك يحصل بالطرق المتقدمة من الاستدلال ولا يجب اتباع الاسطرلاب ولا الطرق الهندسية بل إن حصلت فهي حسن لأنها مؤكدة للحق لا مبطلة له وعلى هذه القاعدة يتعين أن يكون قوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبله رواه الترمذي وذكره مالك عن عمر في الموطأ خاصا ببعض الأقطار فإن اتباع ظاهره يوجب كون الجنوب والشمال قبلة لكل أحد وهو خلاف الإجماع وبأن المشرق والمغرب ليسا قبلة لأحد وهو خلاف الإجماع بل هو محمول على المدينة والشام ونحوهما في جهة الجنوب وعلى اليمن ونحوه في جهة الشمال فإن هذه الأقطار البيت منهم في هاتين الجهتين وأما من عداهم فلا يراد بالحديث ولذلك قال مالك رحمة الله عليه في المجموعة عن عمر رضي الله عنه ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت وعليه الأمر عندنا يعني بالمدينة فاشترط في استعمال الحديث مصادفة جهة الكعبة ومثل هذا الحديث قوله عليه السلام لا تستقبلوا القبلة لبول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا محمول على ما حمل الحديث الأول عليه فإن التشريق والتغريب قد يكون جهة الكعبة فينعكس الحكم
فروع ثمانية الأول قال في الكتاب إذا علم في الصلاة أنه إلى غير القبلة ابتدأ الصلاة من أولها بإقامة ووافقه الشافعي وأبو حنيفة قال صاحب الطراز ويتخرج فيها قول باستدارة والتمادي على أحد القولين فيمن ذكر النجاسة في صلاته فإنه يطرحها ويتمادى ومن صلى عريانا ثم وجد السترة والفرق على المشهور أن التوجه متفق على شرطيته بخلاف طهارة الخبث والسترة فيكون آكد والفرق بين ظهور الخطأ بعد الصلاة وفي أثنائها أن ظهوره في أثنائها كظهور الخطأ في الدليل قبل بت الحكم فإنه يجب الاستئناف إجماعا وبعدها كظهور الخطأ بعد بت الحكم وتنفيذه فلا يؤثر سؤال قد استدارت الصحابة رضوان الله عليهم في أثناء الصلاة لما أخبروا بتحول الجهة من البيت المقدس ولم يبتدئوا جوابه أن الماضي من صلاتهم لم يكن خطأ بل هو صحيح والطارئ نسخ فبنوا الصحيح على الصحيح بخلاف هذا المصلي الثاني قال في الكتاب إذا تبين الخطأ بعد الفراغ في البيان ناسيا أو مجتهدا يعيد في الوقت وفي الجواهر لسحنون يعيد مطلقا وكالأسير يجتهد فيصوم شعبان وحكي التفصيل عن الشافعي قال وذكر عن ابن القابسي يعيد الناسي أبدا بخلاف المجتهد قال فلو صلى بغير القبلة متعمدا أو جاهلا بوجوب الاستقبال فلا خلاف في إعادته أبدا ولمحمد بن مسلمة والمغيرة إن شرق أو غرب أعاد في الوقت وإن استدبر القبلة أعاد مطلقا حجة المشهور ما تقدم في القاعدة الرابعة وقوله تعالى ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) خص منه الجهة المعلومة الخطأ فتكون حجة فيما عدا ذلك وفي الترمذي كنا مع النبي في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل واحد منا على حاله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي عليه السلام فنزل قوله ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) وقول عمر رضي الله عنه إنها نزلت في التنفل على الرواحل لا ينافي ذلك لاحتمال الجمع في الإرادة قال صاحب الطراز أما من لا تلتبس عليه الكعبة وإنما سها فتوجه إلى غيرها أعاد أبدا الثالث قال صاحب الطراز لو شك المجتهد بعد إحرامه ولم تتعين له جهة تمادى لأنه دخل بالاجتهاد ولم يتبين خطؤه الرابع قال لو صلى باجتهاد وحضر صلاة أخرى في ذلك الموضع فإن كان الوقتان تختلف فيهما الأدلة اجتهد ثانيا وإلا فلا وفي الجواهر يعيد الاجتهاد مطلقا الخامس قال إذا أداه الاجتهاد إلى جهة فصلى إلى غيرها ثم تبين أنه صلى إلى الكعبة فصلاته باطلة عندنا وعند الشافعي وأبي حنيفة لتركه الواجب قال كما لو صلى ظانا أنه محدث ثم تبين أنه متطهر السادس قال في الكتاب إذا علم في صلاته أنه انحرف عن القبلة ولم يشرق ولم يغرب استقام إلى القبلة وبنى وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وقال بعض الشافعية تبطل لأن الصلاة الواحدة لا تكون إلى جهتين قال صاحب الطراز وهذا إذا لم يكن عند المسجد الحرام قال وأما لو اعتقد المأموم أن الإمام انحرف انحرافا بينا فارقه وأتم لنفسه ولو كانوا في بيت مظلم ثم تبين أنهم صلوا لجهات شتى فإن كان الإمام إلى غير القبلة أعادوا كلهم تبعا للإمام وإن كان غيره أعاد دون الإمام السابع قال صاحب الطراز الكافة على أن من يحسن الاستدلال ولا وجد دليلا أنه يتحرى جهة تركن إليها نفسه يصلي إليها صلاة واحدة وقال محمد بن مسلمة يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات وهو مذهبه في الأواني يصلي بعددها وزائد إحدى صلوات وكذلك في الثياب النجسة ووجه قول الجماعة قوله تعالى ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) وأن اليقين لا يحصل بأربع جهات لاحتمال أن تكون الكعبة في جهة بين اثنتين منها بل لا يحصل اليقين حتى يصلي ثلاثمائة وستين صلاة وهذا لم يقل به أحد ففارقت هذه المسئلة مسئلة الأواني الثامن قال لو أخبر مجتهد مجتهدا وهو ثقة خبير عن جهة البلد رجع إليه فإن قبلة البلد لا بد فيها من اجتهادات فهي أقرب للصواب من اجتهاد واحد وإن أخبره عن اجتهاد نفسه سأله عن وجه الاجتهاد فإن تبين لأحدهما صواب الآخر اتبعه وإلا فلا فإن فعل فصلاة المأموم منهما باطلة فإن طلع الغيم ونسي أحدهما وجه اجتهاده سأل صاحبه فإن تبين له صوابه اتبعه وإن لم يتبين انتظر زوال الغيم فإن خاف فوات الوقت قلد صاحبه كالأعمى الشرط السادس النية وقد تقدمت في الطهارة مباحثها فتراجع هناك ونذكر ههنا ما تختص به فنقول قال صاحب المقدمات النية الكاملة هي المتعلقة بأربعة أشياء تعيين الصلاة والتقرب بها ووجوبها وأدائها واستشعار الإيمان يعتبر في ذلك كله فهذه هي النية الكاملة فإن سها عن الإيمان أو وجوب الصلاة أو كونها أداء أو التقرب بها لم تفسد إذا عينها لاشتمال التعيين على ذلك قال صاحب الطراز والمعيد للصلاة في جماعة والصبي لا يتعرضان لفرض ولا لنفل وفي الجواهر إذا كان مأموما فلا بد من نية الاقتداء مع ذلك فإن تركها بطلت صلاته وأما الإمام فلا يجب عليه أن ينوي الإمامة إلا في خمسة مواضع قال ابن بشير في كتاب النظائر الذي له الجمعة والجمع والجنائز والخوف والاستخلاف يجمعها للحفظ ثلاث جيمات وخاآن والسر فيها من جهة الفقه شيء واحد وهو أن الإمامة فيها شرط ولما كانت صلاة المنفرد مساوية لصلاة الإمام لم يحصل وصف الإمامة إلا بالنية فيحصل الشرط حينئذ وحكى الباجي عن ( ش ) أن الإمام يجب عليه أن ينوي مطلقا وليس كذلك وقال ( ح ) لا تقتدي المرأة بمن لم ينو أنه يؤمها إلا في الجمعة قال لأن الإمام يجب عليه تأخيرها خلفه فلا يتوجه عليه هذا الفرض إلا بنية كما أنه لا يتوجه على المأموم فرض الاتباع إلا بالنية وما ذكره منقوض بالجمعة وأما المأموم فإنه تسقط عنه القراءة وسجود السهو في السهو الذي يخصه فلا بد من نية تؤثر في ذلك قال صاحب الطراز واختلف هل يشترط أن ينوي الدخول بتكبيرة الإحرام فمال إليه الباجي وقال هو معنى قول مالك إذا كبر للركوع ناسيا للإحرام قال ومن جوز تقديم النية لم يشترط ذلك قال وأما ما عدا الإحرام من الأركان فلا تحتاج إلى تعيين عند الإحرام ولا عند الفعل وقال بعض الشفعوية ينوي الأركان عند الإحرام قال وهو هوس وقد كانت الأمة على خلاف هذا ويلزمه أن ينوي حروف الفاتحة والتسليم لأنها واجبة قال ومثل هذه الهفوة قول القاضي أبي بكر من أصحابنا أنه يلزمه عند الإحرام أن يذكر حدث العالم وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز وأدلة المعجزة وتصحيح الرسالة ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه قال وحكى المازري أردت اتباع كلام القاضي عند إحرامي فرأيت في منامي كأني أخوض في بحر من ظلام فقلت هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر وحكى صاحب القبس مذهب القاضي عن إمام الحرمين أيضا وأنه كان يقول تذكار هذه الأمور يكفي فيه الزمن اليسير بخلاف تعلمها وفي الجواهر هل يفتقر إلى نية عدد الركعات فيه خلاف ينبني عليه الخلاف في ثلاث مسائل من افتتح بنية القصر فأتم أو بالعكس أو صلى الجمعة فلم تتم له شروطها هل عليه ظهر أم لا أو دخل مع الإمام في الجمعة يظنها الظهر أو بالعكس ويجب مقارنتها لتكبيرة الإحرام وحكى اللخمي ثلاثة أقوال قال مالك تجزئ الجمعة عن الظهر ولا يجزئ الظهر عن الجمعة وقال في السليمانية تجزئ عنها وقال أشهب لا تجزئ الجمعة عن الظهر إنشاء واستصحابا ووافقنا الشافعي وقال ابن حنبل وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه يجوز تقديمها بالشيء اليسير ووافقهما صاحب المقدمات وقال داود يجب تقديمها لنا أن النية شرعت لتميز العبادات عن العادات أو لتميز مراتب العبادات كما تقدم في كتاب الطهارة والذي لا يقارن الشيء لا يميزه وفي الجواهر لا يفتقر إلى لفظ سوى التكبير خلافا ل ش في استحبابه لذلك لما فيه من التكليف والتنبيه على متعلقاتها لنا أن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك فلا يشرع ويجب استصحابها حكما بأن لا يحدث ما ينافيها كنية الخروج في الحال أو في أثنائه قال صاحب النكت رفض النية في الوضوء والحج لا يضر بخلاف الصلاة والصوم والفرق أن الوضوء تعين بالأعضاء والحج بمواضعه المخصوصة بخلاف الآخرين فكان احتياجهما إلى النية أقل فكان تأثير الرفض فيهما أبعد والغفلة عنهما في أثناء الصلاة لا تضر ويحكى عن سحنون أنه كان يعيد صلاته معللا بأن نيته غربت وقال القاضي أبو بكر إن غربت لأمر مضى في الصلاة أو عارض لم يضر وإن كانت بأسباب متقدمة قد لزمت للعبد من الانهماك في الدنيا والتعلق بفضولها فيقوى ترك الاعتداد بها لأنه واقع باختياره وقال صاحب القبس ان الله تعالى سمح للعباد في استرسال الخواطر في الصلاة بما ليس منها فإذا ذكر عاد إليها فإن استمر مختارا من قبل نفسه وأعرض عن صلاته بطلت قال وقال الفقهاء الذي يقع من الصلاة في حال الخواطر مجز وقال الزهاد ليس بمجز وقد ورد في ذلك أنه عليه السلام قال إن الرجل ليصلي الصلاة فيكتب له نصفها ثلثها ربعها حتى ذكر عشرها
فرع قال صاحب الطراز النوافل على قسمين مقيدة ومطلقة فالمقيدة السنن الخمس العيدان والكسوف والاستسقاء والوتر وركعتا الفجر فهذه مقيدة إما بأزمانها أو بأسبابها فلا بد فيها من نية التعيين فمن افتتح الصلاة من حيث الجملة ثم أراد ردها لهذه لم يجز وألحق الشافعية بهذه قيام رمضان وليس كذلك لأنه من قيام الليل والمطلقة ما عدا هذه فيكفي فيها نية الصلاة وإن كان في الليل فهو قيام الليل أو في قيام رمضان كان منه أو في أول النهار فهو الضحى أو عند دخول مسجد فهو تحيته وكذلك سائر العبادات من صوم أو حج أو عمرة لا يفتقر إلى التعيين في مطلقه بل تكفي نية أصل العبادة الشرط السابع ترك الكلام قال صاحب المقدمات اختلف المذهب في كونه فرضا أو سنة وهو مذهب الأبهري قال وقال إن القول بالإعادة إذا تكلم عامدا إنما هو على القول بالإعادة ممن ترك السنن عامدا قال والأظهر أنه فرض قال اللخمي الكلام سبعة أقسام فإن تكلم ساهيا أو عامدا للكلام ساهيا عن الصلاة لم يفسدها أو عامدا ذاكرا أنه في الصلاة أو عالما بتحريمه فيفسدها أو جاهلا بجوازه فقيل تبطل لأنه عامد وقيل تصح لأنه متأول أو عامدا مأموما تكلم لإصلاح الصلاة لسهو دخل على الإمام فقال مالك وابن القاسم لا يفسدها وقال المغيرة يفسدها أو عامدا تكلم لإنقاذ مسلم من مهلكة أو نحوه فذلك واجب عليه ويستأنف الصلاة إلا أن يضيق فيكون كالمسابفة فإن خاف على مال له أو لغيره وكان كثيرا تكلم واستأنف وإن كان يسيرا لم يتكلم فإن فعل بطلت وفي الجواهر كل ما ينطلق عليه اسم كلام من غير تحديد بحروفه ولا تعيين لها مبطل للصلاة تعمده أو أكره عليه أو وجب لإنقاذ من مهلكة أو شبهه وقال بعض الشفعوية لا يبطلها لوجوبه عليه لقوله عليه السلام لأبي سعيد ما منعك أن تجيب إذ دعوتك ؟ فقال كنت أصلي فقال ألم تجد فيما أوحي إلي ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) قال بلى يا رسول الله لا أعود قال صاحب الطراز وهذا يحتمل أنه يجيبه بعد قطع النافلة أو يجيبه بالصلاة عليه أو بلفظ القرآن قال في الجواهر ولا يبطلها سبق اللسان ولا كلام الناسي ولا لإصلاح الصلاة وقال ت = المغيرة تبطل وتبطل بكلام الجاهل إلحاقا له بالعامد وقيل لا تبطل إلحاقا بالناسي قاعدة يجب على كل مكلف أن يعلم أحكام الله تعالى في كل فعل يقدم عليه فإن لم يتعلم ذلك كان عاصيا وعلم الإنسان بحالته التي هو فيها فرض العين من العلم فإذا أقدم على الصلاة ولم يعلم تحريم الكلام فيها فهو عاص مفرط فلذلك كان المشهور إلحاقه بالعامد المقصر دون الناسي المعذور فتخرج فروع الجاهل في الصلاة على هذه القاعدة فروع تسعة الأول التنحنح قال في الجواهر إن كان لضرورة فغير مبطل وإن كان لغير ضرورة فهو مبطل في أحد القولين فإن قصد به الإفهام لغيره لم يبطل عند ابن القاسم ويبطل عند ابن الحكم الثاني قال في الكتاب النفخ مثل الكلام يبطل الصلاة عمده وجهله ويسجد بعد السلام للسهو وكرهه في المجموعة ولم يره كالكلام وللشافعي قولان واشترط أبو حنيفة في إبطاله للصلاة أن يسمع ومنشأ الخلاف هل شبه بالنفس فلا يبطل أو يقال هو مركب من الألف والفاء فهو كلام قال الله تعالى ( فلا تقل لهما أف ) فجعله قولا وهو اسم لوسخ الأظافر والكاف اسم لوسخ البراجم ثم الحروف ليست شرطا فلو ضحك أو نهق كالحمير أو نعق كالغربان ونحوه قال صاحب الطراز تبطل صلاته الثالث قال والأنين كالكلام إلا أن تضطره إليه عند مالك والبكاء إن كان من باب الخشوع فلا شيء عليه وإلا فهو كالكلام وفي حديث الموطأ لما أمر عليه السلام أبا بكر أن يصلي بالناس قالت له عائشة رضي الله عنها إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء وهو دليل عدم إفساده للصلاة الرابع في الكتاب إذا قرأ كتابا ملقى بين يديه عامدا ابتدأ الصلاة فرضا كانت أو نقلا وسجد لسهوه إن كان ناسيا قال صاحب الطراز إن كان قرآنا فلا شيء عليه وهو قول الشافعي خلافا ل ح وإن كان ليس بقرآن وحرك به لسانه فكما قال في الكتاب وإن لم يتحرك لسانه فإن قل فلا شيء عليه وإن تعمد وإن طال مع الذكر أفسد لأنه تلبس بفعل من الصلاة ليس من جنسها كما لو طالت فكرته في شيء بين يديه الخامس قال في الكتاب إذا سلم ساهيا من ركعتين فتكلم يسيرا رجع وبنى وسجد لسهوه بعد السلام لحديث ذي اليدين وإن تباعد أعاد وقيل لابن القاسم إن إنصرف وأكل وشرب ولم يطل ذلك ؟ قال يبتدئ ولم أحفظه عن مالك وفي مسلم أنه عليه السلام صلى العصر فسلم من ثلاث ركعات ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال أصدق هذا ؟ فقالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ونص الشافعي على مثل قول مالك واختلف هو وأصحابه في القرب فقال مقدار ركعة وقال بعضهم مقدار الصلاة التي هو فيها وقيل ما كان في العرف طولا قال صاحب الطراز قال بعض أصحابنا يبني وإن طال وهو قول من يرى أنه ما خرج من الصلاة ولا يحتاج إلى إحرام عنده قال وقد نقل البراذعي هذه المسئلة نقلا فاسدا لقوله فإن تباعد وخرج من المسجد فأوهم أن الجمع بينهما شرط قال مالك إذا خرج إلى باب المسجد أو قرب مصلاه ابتدأ وقال أشهب الخروج من المسجد حد في القطع فإن لم يكن في المسجد فمقدار مجاوزة الصفوف بحيث لا يلصي بصلاتهم فرع مرتب قال صاحب الطراز فلو ذكر بالقرب فتكلم بعد ذلك لم يبن لأنه كلام بغير سهو وقاله مالك قال وأما قول ابن القاسم إذا أكل أو شرب يروى بالواو وبأو وقد قال ابن حبيب يبني إذا أكل أو شرب ما لم يطل ووجه قول ابن القاسم أن الأكل والشرب وأغلظ من الكلام ولم يشرع جنسه في الصلاة السادس في الجواهر لو قال ادخلوها بسلام إن قصد التلاوة لم يضره وإن لم يقصد إلا الإفهام فقال ابن حبيب لا يضره أيضا وقال المازري يتخرج فيها قول بالإبطال من الخلافة في بطلان صلاة من فتح بالقرآن على من ليس معه في الصلاة السابع القهقهة في الجواهر يبطل عمدها وسهوها وغلبتها وقيل هي كالكلام لا يبطل سهوها قاله أصبغ وقال في الكتاب إن كان وحده قطع وإن كان مع إمام مضى وأعاد قال صاحب الطراز وهو محمول على الخروج بسلام رفعا للخلاف ويستأنف الإحرام بيقين وهو سبب التمادي مع الإمام ولذلك قال ابن القاسم إذا قهقة الإمام مغلوبا استخلف وأتم معهم قال أبو الطاهر لأن غلبة القهقهة كسبق الكلام وقيل يبطل ما مضى لمنافاة القهقهه الصلاة أكثر من الكلام بسبب الخشوع معها أو لأنها لم يشرع جنسها في الصلاة بخلافه وهذا هو الفرق على رأي مالك وابن القاسم ولا تبطل بالتبسم لخفته في رواية ابن القاسم ولا سجود عليه قال ابن رشد وهو الصواب قياسا على المرتقب وعلى العابث بيده وعلى مسوي الحصباء بنعله وشبه ذلك مما في فعله ترك الخشوع ناسيا كان أو عامدا ولا سجود عليه بان باتفاق وفي رواية ابن عبد الحكم يسجد بعد السلام لكونه زيادة في الصلاة وفي الجلاب قبل السلام لنقصان الخشوع وهو ضعيف الثامن في الكتاب كره للمأموم أن يتعوذ إذا قرأ الإمام آية وعيد قال إن فعل سرا قال صاحب الطراز لأنه مأمور بالانصات قال وهذا متفق عليه وإنما الخلاف في المنفرد فعند الشافعي يتعوذ عند الوعيد ويسئل عند الوعد وكرهه مالك وأبو حنيفة في الفرض والنفل ومراده في الكتاب الفريضة التاسع في الكتاب لا يقل الحمد لله إن عطس إلا في نفسه وتركه أحسن لأنه ليس من أركان الصلاة المعتادة فيها فأشبه الكلام قال صاحب الطراز قال ابن حبيب تكره العطسة العالية في الصلاة وليحفظها ما قدر ويجعل يده على وجهه وجوز في الكتاب الدعاء على الظالم لما في أبي داود قال أبو هريرة كان عليه السلام في قنوته يدعو المؤمنين ويلعن الكافرين قال صاحب النوادر قال ابن شعبان إن قال يا فلان فعل الله بك فسدت صلاته بخلاف فعل الله بفلان أو اللهم افعل بفلان قال ولم أره لغيره من أصحابنا قال صاحب البيان إذا مر به إنسان فأخبره بما يسره فقال الحمد لله عامدا أو بما يضره فتوجع قال ابن القاسم لا يعجبني ولا تبطل الصلاة قال وهو كما قال لأنه أشغل نفسه بغير أمر صلاته من أمر دنياه بخلاف فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين رفع يديه في الصلاة وحمد الله لما أمره عليه السلام بالمكث في موضعه وفي الصحيحين قال ابن مسعود كنا نسلم على النبي عليه السلام وهو في الصلاة ويرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا وقال إن في الصلاة لشغلا زاد أبو داود فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى الصلاة قال إن الله يحدث من أمره ما يشاء وانه قد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة الشرط الثامن ترك الأفعال الكثيرة ففي الجواهر يبطلها كل ما يعد به عند الناظر معرضا عن الصلاة لفساد نظامها ومنع اتصالها ولا يبطلها ما ليس كذلك من تحريك الأصابع للتسبيح أو حكة وهو مكروه إذا لم يكن لمصلحة الصلاة كسد الفرج أو الضرورة كقتل ما يحاذره وإنقاذ نفس إذا كان على القرب فإن تباعد تغير النظام فيبطلها وإن كان واجبا فروع تسعة الأول قال في الكتاب يرد السلام برأسه أو بيده في الفرض والنفل ووافقه الشافعي وقال أبو حنيفة لا يرد مطلقا ولا الإشارة وقال أبو هريرة وجابر وجماعة من السلف يرد مطلقا بالإشارة وباللفظ المعتاد في رد السلام ويروى عن أبي هريرة أنه كان يرفع صوته برد السلام لما في الترمذي عن صهيب مررت بالنبي عليه السلام فسلمت عليه وهو يصلي فرد علي إشارة بإصبعه وللفقهاء على أبي هريرة وأصحابه حديث ابن مسعود في باب الكلام قد تقدم الثاني في الكتاب قال ابن القاسم إذا عطس فشمته رجل فلا يرد عليه إشارة في فرض ولا نفل لما في مسلم عن معاوية بن الحكم قال صليت مع النبي عليه السلام فعطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فعرفت أنهم يصمتوني فسكت فلما سلم النبي عليه السلام بأبي وأمي ما ضربني ولا نهرني ولا سبني ثم قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فما رأيت معلما قط أرفق منه عليه السلام ووجه الدليل أنه عليه السلام لم يقره على الكلام ولم يأمره بالإشارة والفرق بين رد السلام وجواب التشميت أن جواب التشميت دعاء وهو ما لا يتأتى بالإشارة ورد السلام تحية وهو يحسن في العادة بالإشارة بالرأس وغيره الثالث قال ابن القاسم في الكتاب مقتضى قول مالك أنه يرد بالإشارة أن للناس أن يسلموا عليه قال صاحب الطراز وفي هذا الاستقراء نظر فقد روى ابن وهب عن مالك ذلك وكذلك أبو حنيفة وللشافعية قولان قال والأول المشهور وبه قال ابن حنبل وحجته عموم التسليم وحديث ابن عمر أنه عليه السلام كان يرد بالإشارة ولم ينكر على من يسلم عليه واستحب الشافعي التصفيق لما في الصحيحين قال عليه السلام يسبح الرجال وليصفق النساء والعمل على خلافه والمعنى أيضا فإن التسبيح يناسب الصلاة بخلاف التصفيق فرع مرتب قال صاحب الطراز لفظ التسبيح سبحان الله قال ابن حبيب فإن قال سبحانه فقد أخطأ ولا يصل إلى الإعادة وإن قال لا حول ولا قوة إلا بالله أو كبر أو هلل فلا حرج الرابع قال ابن القاسم في الكتاب رأيت مالكا إذا أصابه التثاؤب يضع يده على فيه وينفث في غير الصلاة ولا أدري ما يفعله في الصلاة ؟ لما في أبي داود أنه عليه السلام قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل ها ها فإنما ذلك من الشيطان يضحك منه وفي رواية فليمسك على فيه فإن الشيطان يدخل قال صاحب الطراز وأما النفث فليس من أحكام التثاؤب بل ربما اجتمع الريق في فم الإنسان فينفثه ولو ابتلعه جاز وينبغي أن ينفثه إذا كان صائما وقال مالك في الواضحة يسد فاه بيده في الصلاة حتى ينقطع تثاؤبه قال فإن قرأ حال تثاؤبه فإن كان يفهم ما يقول فمكروه ويجزيه وإن لم يفهم فليعد ما قرأ فإن لم يعد فإن كان في الفاتحة لم يجزه وإلا أجزأه الخامس قال في الكتاب فإذا انفلتت دابته وطلبها على القرب بنى وإلا طلبها وابتدأ قال عبد الحق إن كان الوقت ضيقا قال ابن القاسم يتمادى في طلب دابته وهو في الصلاة كالمسابفة وقال صاحب الطراز هذا متجه إلا أن يكون لا يؤيس أمر الدابة فيشتغل بصلاته وفي البخاري عن الأزرق بن قيس قال كنا بالأهواز نقاتل الحرورية فبينما أنا على حرف نهر إذ جاء رجل فصلى فإذا لجام دابته في يده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها قال شعبة هو أبو هريرة الأسلمي فجعل الرجل من الخوارج يقول اللهم افعل بهذا الشيخ فلما انصرف الشيخ قال أبي سمعت قولكم وإني غزوت مع النبي ست غزوات أو سبع غزوات أو ثماني غزوات وشهدت مسيره وإني إن كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وفي أبي داود عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يصلي والباب عليه مغلق فجئت فاستفتحت فمشى يفتح لي ثم رجع وذكر في الحديث ان الباب في قبلة البيت السادس قال صاحب الطراز لو خاف على صبي بقرب النار قال مالك ينجيه فإن انحرف عن القبلة ابتدأ وإن لم ينحرف بنى قال وإن خاف فوات الوقت إن قطع لم يقطع السابع قال من قرب منه صبي في الصلاة فلينه عنه في المكتوبة ولا بأس به في النافلة لما في الموطأ عن عبادة قال رأيته عليه السلام يصلي وأمامة بنت رسول الله على عنقه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها زاد مسلم يؤم الناس وتأوله مالك في النوافل وروى عنه حمله على الضرورة ولم يفرق بين فرض ونفل خلاف ما في الكتاب وقد زاد أبو داود بينا نحن عنده عليه السلام في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال للصلاة فقام في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها فكبر حتى إذا أراد أن يركع أخذها ثم وضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده أخذها وردها في مكانها فما زال يصنع بها كذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته وقال ابن القاسم في العتبية في حمل المرأة ولدها في الفرض تركع به وتسجد لا ينبغي فإن لم يشغلها عن الصلاة لم تعد والذي قاله إنما يتصور إذا كان مشدودا لا يسقط إذا ركعت أو سجدت وإلا فتضعه في الركوع والسجود وتأخذه عند ابن القاسم ويكون ذلك العمل من حيز القليل الذي لا يعطل الصلاة الثامن قال في الكتاب إذا ابتلع طعاما بين أسنانه لم يقطع ذلك صلاته وكذلك إذا التفت في الصلاة قال صاحب الطراز نقله البراذعي لا يلتفت ولم يقل مالك ذلك وإنما قال إذا التفت والالتفات على ضربين لحاجة وهو مباح بحديث أبي بكر رضي الله عنه حيث التفت في الصلاة فرأى رسول الله فتأخر وفي أبي داود ثوب بصلاة الصبح فجعل عليه السلام يصلي وهو يلتفت إلى الشعب وكان أرسل فارسا إليه من الليل يحرس ولغير حاجة مكروه لما في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت سألنا النبي عليه السلام عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد وقال مالك في المختصر لا بأس أن يتصفح بجسده وقال ابن القاسم في الكتاب إن التفت بجميع جسده لم أسأل ملكا عنه وذلك كله سواء يعني لأن رجليه مع نصفه الأول يكون مستقبلا فهو مستقبل عادة وهو قول الشافعي قال صاحب الطراز إذا حول رجليه عن جهة الكعبة بطل توجهه التاسع أعاب في الكتاب تفريق القدمين أو يكون في فيه درهم أو في كمه خبز أو شيء يحشو كمه أو يفرقع أصابعه وغيره لأنه من فعل الفتيان وكرهه ابن القاسم في المسجد لأنه من العبث الذي تنزه المساجد عنه ولم يكره أن يحرك رجليه ولا أن يمسح التراب عن جبهته أو كفيه وأجاز مالك الصلاة في الغزو والجهاد والثغور ومواضع الرباط بالسيف وبالقوس وقال ليس كالسيف وكرهه ابن القاسم واستحب أن يجعل على عاتقه عمامته وأجاز ابن حبيب الصلاة بهما جميعا ولم ير بأسا بترك العمامة ورأى أن السيف والقوس عدل الرداء وأما في الحضر فيكره ذلك قال ابن حبيب إلا أن يأمر به السلطان لأمر ينوب فلا بأس وليطرح على السيف ما يستره قال صاحب الطراز تفريق القدمين قلة وقار وإلصاقهما زيادة تنطع فيكره وقد قال مالك في المختصر ذلك واسع وكره ما في الفم لأنه يمنع القراءة وهو يختلف باختلاف الناس فمنهم من يمنعه الدرهم مخارج الحروف ومنهم من لا يمنعه ذلك فمن خشي ذلك تجنبه وحشو الكم يمنع هيئة السجود من مرفقيه وكره مالك في المجموعة أن يكون في كمه صحيفة فيها شعر فإن كان ثمينا يخشى عليه حمله ولو كان حيوانا نجس الروث كالغراب لم يضره لأن ظاهر وباطن الحيوان لا عبرة به وكذلك الحيوان المذكى إذا غسل ظاهره من الدم ولا يضر ما في باطنه من الدم خلافا للشافعية في اعتبارهم إياه كدن الخمر وقارورة ملئت نجاسة والفرق طهارته بخلافهما وأما فرقعة الأصابع فلما ورد أن مولى ابن عباس قال صليت خلف ابن عباس ففرقعت أصابعي فلما صلى قال لي لا أم لك تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة وقد ورد النهي عن التشبيك وهو أخف منه وكرهه مالك في الصلاة دون المسجد وفي أبي داود سئل نافع عن الرجل يصلي مشبكا يده قال قال ابن عمر تلك صلاة المغضوب عليهم وفيه عنه عليه السلام إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك يديه فإنه في صلاة وقال به الشافعي وكذلك ينهى عن جعل اليد على الخاصرة لنهيه عليه السلام في مسلم أن يصلي الرجل مختصرا وأما مسح التراب إن كان من باب الترفه فمسحه مكروه وله أن يوطن موضع سجوده وروى عنه الكراهة ولم يكره تحويل الخاتم في الأصابع لضبط عدد الركعات وكرهه أبو حنيفة والشافعي لأنه عمل في الصلاة ليس منها ولاحظ مالك عونه على الصلاة وكره الترويح من الحر في المكتوبة وخففه في النافلة وكره المراويح في المسجد وكره قتل العقرب والحية والطير يرميه وروي عنه عدم كراهة قتل العقرب وفي أبي داود أمرنا عليه السلام بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب الشرط التاسع قال في التلقين ترتيب الأداء فيجب أن يكون الإحرام قبل القراءة والركوع قبل السجود والسجود قبل السلام وترتيب الصلاة لا أعلم فيه خلافا بخلاف ترتيب الطهارة الشرط العاشر الموالاة فيجب إيقاع أجزاء الصلاة وأركانها يلي بعضها بعضا من غير تفريق واستثنى من ذلك لأجل الضرورة الرعاف وصلاة الخوف في حق الإمام فإنه ينتظر الطائفة الثانية والمسبوق ينتظر الإمام فيما لا يعتد به من صلاته حتى يسلم ثم يقوم يصلي لنفسه والساهي عن بعض صلاته يبني ما لم يطل وقال ربيعة يبني وإن طال ما لم يحدث فجعل الموالاة واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان كالوضوء لا حق بالشروط وليس منها وهي السترة فإنها يجب تقديمها قبل الصلاة في بعض الصور ولا يلزم من عدمها بطلان الصلاة وهي من محاسن الصلاة وفائدتها قبض الخواطر عن الانتشار وكف البصر عن الاسترسال حتى يكون العبد مجتمعا لمناجاة ربه ولهذا السر شرعت الصلاة إلى جهة واحدة مع الصمت وترك الأفعال العادية ومنع من الجري إليها وإن فاتت الجماعة وفضيلة الاقتداء ومن إقامتها مع الجوع المبرح أو غيره من المشوشات إن أمكن استدراك ذلك قبل خروج الوقت تحصيلا لأدب القلب مع الرب أعاننا الله على ذلك في سائر الأحوال بمنه وكرمه ثم المار يأثم إن كانت له مندوحة لما في الموطأ أنه عليه السلام قال لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان له أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه قال أبو النضر لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة وشاركه المصلي في الإثم إن تعرض للمرور لقوله عليه السلام في الموطأ
إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان قال صاحب الطراز إلا أن يضطر إلى ذلك فقد كانت عائشة رضي الله عنها تبسط رجليها بين يديه عليه السلام وهو يصلي وإن لم يكن للمار مندوحة عن المرور أثم المصلي وحده ونحوه إن تعرض للمرور بعذر إذا لم يقصر والحالات أربع فاثنان لا يأثمان يأثم المار وحده يأثم المصلي وحده واختلف في قوله عليه السلام فليقاتله فقيل إذا فرغ من الصلاة يغلظ عليه وقيل يدعو عليه ومنه قوله تعالى ( قاتلهم الله أنى يوفكون ) أي لعنهم الله وقيل يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرأة ولا ينتهي إلى ما يفسد الصلاة وهو المشهور وقال أشهب في المجموعة إن قرب منه يدرأه ولا ينازعه فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته وروى ابن القاسم في المجموعة إذا تجاوزه لا يرده من حيث جاء لأنه مروران قال صاحب الطراز يدرأه حالة القيام وروى ابن القاسم لا يدرأه في حالة السجود لمنافاة السجود لذلك وإن مر به ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهر دفعه برجله أو يلصقه إلى السترة لما في أبي داود أنه عليه السلام لم يزل يدرأ بهيمة أرادت أن تمر بين يديه حتى لصق بطنه بالجدار قال أبو الطاهر لو دفعه فمات كانت ديته على العاقلة عند أهل المذهب قال وأجرى عبد الحق هذا على الخلاف فيمن عض إنسانا فأخرج المعضوض يده فكسر سن العاض والخلاف جار في كل من أذن له أذن خاص فأدى إلى التلف هل يسقط الأذن عنه أثر الجنابة أم لا
فائدة قال سيبويه الشيطان في اللغة كل متمرد عات من الجن والإنس والدواب وليس هذا الاسم خاصا بالجن ولما كان المار فعل ما لا يليق وخرق حرمة الصلاة وأبهتها كان ذلك نوعا من التمرد فسماه عليه السلام شيطانا ولا حاجة إلى قول من يتكلف المجاز في الحديث قال صاحب القبس فإن صلى إلى غير سترة فقد خلط بعض الناس فقال لا يمر أحد بين يديه بمقدار رمية السهم وقيل رمية الحجر وقيل رمية الرمح وقيل بمقدار المطاعنة وقيل بمقدار المضاربة بالسيف مغترين بقوله عليه السلام فليقاتله فحملوه على أنواع القتال وليس يستحق المصلي سواء وضع سترة أو لم يضعها سوى مقدار ما يحتاجه لقيامه وركوعه وسجوده
فروع سبعة الأول قال في الكتاب الخط باطل وهو قول جمهور الفقهاء وجوزه ابن حنبل إذا لم يجد غيره وأشهب في العتبية وللشافعي قولان لما في أبي داود قال عليه السلام إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصاه فإن لم يكن معه فليخطط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه وهو مطعون عليه جدا والنظر يرده لأنه لا يسمى سترة ولا يراه المار فيتحرز بسببه قال صاحب النوادر والحفرة والنهر وكل ما لا ينصب قائما كالخط ليس بسترة واختلف في صورة الخط فقيل من القبلة إلى دبرها وقيل بالضد وهو قول أحمد وقيل قوس كهيئة المحاريب الثاني قال في الكتاب لا بأس أن يصلي المسافر إلى غير سترة وأما في الحضر فلا قال ابن القاسم إلا أن يأمن المرور وروى أشهب في العتبية الاستتار مع الأمن حجة الأول ما في الصحيحين أنه عليه السلام قال إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي ما يمر وراء ذلك وهو يدل على أن السترة لأجل المرور فحيث لا مرور لا يشرع حجة الثاني ما في أبي داود أنه عليه السلام قال إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته والشيطان في كل موضع والحديث مضطرب الإسناد واختلف في هذا الشيطان فقيل هو الموسوس فيمنعه القرب من السترة كما يمنعه غلق الباب من الدخول والعوذ من الأواني والبسملة من الطعام وقيل هو المار ويعضد الأول ما في البخاري صلى عليه السلام بالناس بمنى إلى غير جدار
فرع روى ابن القاسم في المجموعة إذا صلى على مكان عال فإن غابت عنه رؤوس المارين وإلا عمل سترة في السطوح الثالث قال في الكتاب يجوز للمسبوق أن يتقدم أو يتأخر ويتيامن ويتياسر لسارية يستتر بها لأن ذلك أخف من مدافعته للناس قال صاحب الطراز ذلك إذا كانت قريبة الرابع قال في الكتاب السترة قدر مؤخرة الرحل في جلة الرمح والحربة نحو عظم الذراع وجلة الرمح أحب إلي واستحب طول الرمح أو الحربة لما في البخاري كان عليه السلام إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة توضع بين يديه فيصلي إليها والناس خلفه وكان يفعل ذلك في السفر وفي الفيافي قال ابن حبيب لا بأس لها دون مؤخرة الرحل في الطول ودون جلة الرمح في الغلظ وقد كانت العنزة التي كانت تركز له عليه السلام دون الرمح في الغلظ وإنما يكره من ذلك ما كان رقيقا جدا وفي التنبيهات مؤخرة الرحل بفتح الخاء وبالواو ويقال آخره الرحل وهو العود الذي خلف الراكب وجلة الرمح بكسر الجيم وتشديد اللام أي غلظة والعنزة الرمح القصير قال صاحب الطراز إذا سقطت الحربة قال مالك يقيمها إن كان ذلك خفيفا كان جالسا أو قائما فينحط لها كما ينحط للحجر ليقتل العقرب وكره السوط في الكتاب لأنه إن كان مطروحا فليس بسترة كالخط أو قائما فلا يؤبه له بخلاف القلنسوة العالية والوسادة قاله مالك وكذلك الحيوان الطاهر الروث جوزه في العتبية بخلاف الخيل والبغال والحمير وجوز أيضا الاستتار بظهر الرجل وتردد قوله في جنبه ومنع وجهه وجوز السترة بالصبي إذا استقر بخلاف المرأة ولو كانت أمه أو أخته وفي الجلاب لا يستتر بامرأة إلا أن تكون من محارمه قال أبو الطاهر لا يستتر بمرحاض ونحوه ولا بنائم ولا بمجنون ولا مأيون في دبره وحكاه المازري عن ابن القاسم وزاد الكافر قال ويختلف إذا كان وراء السترة رجل يتحدث ومنع في الكتاب من الصلاة الحجر المنفرد بخلاف الحجارة المجتمعة لشبهه بالصنم والمنع من القيام لاحتمال الانكشاف وفي الجلاب المنع من حلق المتكلمين في الفقه وغيره لما فيه من شغل البال بخلاف الطائفين بالبيت لما في أبي داود أنه عليه السلام صلى مما يلي باب بني سهم فالناس يمرون بين يديه ولأن الطواف بالبيت صلاة قال صاحب القبس ولا يجعل السترة قبالة وجهه لحديث المقداد ما رأيته عليه السلام صلى إلى شيء يصمد إليه صمدا إنما كان يجعله على يمينه أو على يساره قال ولا يتقدم من سترته كثيرا حتى إذا أراد أن يسجد تأخر وقد رأيت بعض الغافلين ممن ينتصب للتعليم يفعله وهو جهالة لأنه عمل في الصلاة وقال أبو الطاهر اختلفت الأحاديث في الذي كان بينه عليه السلام وبين سترته فروى بلال ثلاثة أذرع وروى سهل بن سعد ممر الشاة واختلف في الجمع فحمل أكثر الأشياخ الأول على حالة القيام والثاني على مقدار ما يتقى حالة السجود وروى أبو الطيب بن خلدون أنه يحمل على أنه عليه السلام كان إذا وقف قرب من سترته بالمقدار الثاني فإذا أراد الركوع بعد منها بالمقدار الأول وكان أبو الطيب هذا يفعله ويرى أنه عمل يسير للإصلاح لأن الدنو من السترة أجمع للقلب قال صاحب الطراز لا حد للقرب من السترة لكنه مأمور به وحده الشافعي وابن حنبل ثلاثة أذرع لأنه عليه السلام لما صلى في الكعبة كان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع قال وليس فيه دليل لأن الصلاة في الكعبة لا تحتاج إلى سترة قال وكان مالك يصلي يوما بعيدا من سترته فمر به رجل لا يعرفه فقال أيها المصلي ادن من سترتك فجعل مالك يتقدم ويقول ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) الخامس قال في الكتاب لا أكره المرور بين الصفوف والإمام يصلي لأنه سترة لهم قال وكان سعد بن أبي وقاص يمشي بين الصفوف عرضا حتى يصل إلى الصلاة وكذلك كل من عرض له عارض يمشي عرضا لما في الموطأ قال ابن عباس أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلي للناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصفوف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد ويؤكده وجهان أحدهما أن المأموم لا يوجب سهوه سجودا فكذلك خلل المأموم إذا اختص به لا يوجب خللا في الصلاة وثانيهما أن الجماعة لا تحتاج كل واحد منهم إلى سترة إجماعا فكانت سترة الإمام سترة لهم فإن لم يمر أحد بين الإمام وسترته كانت سترتهم سالمة عن الخلل فلا يضرهم ذلك مع أن أبا الطاهر قد حكى الخلاف في سترة الجماعة هل هي سترة للإمام فإذا وقع فيها خلل وقع في سترتهم أو هي للإمام فلا يضرهم الخلل في سترته ولفظ الكتاب كما سمعته والإمام سترة لهم السادس قال في الكتاب لا يقطع الصلاة شيء يمر بين يدي المصلي وهو قول ( ش ) و ( ح ) وجمهور الفقهاء وقال ابن حنبل يقطعها الكلب الأسود وفي نفسي من المرأة والحمار شيء محتجا بما في مسلم إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قال أبو ذر سألت النبي عليه السلام فقال الكلب الأسود شيطان وزاد أبو داود الخنزير واليهودي والمجوسي لنا ما في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت شبهتمونا بالحمير والكلاب لقد رأيته عليه السلام يصلي وأنا على السرير بينه وبين القبلة منضجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذيه عليه السلام فأنسل من عند رجليه وفي الموطأ قال علي بن أبي طالب وابن عمر رضي الله عنهم لا يقطع الصلاة شيء فيترجح ما ذكرناه بعمل الصحابة وبالقياس على الهوام والطيور أو يجمع بحمل القطع على قطع الإقبال على الصلاة بسبب الفكرة في المار لا على الإبطال السابع قال في الكتاب لا يتناول أحد شيئا من بين يدي المصلي لأنه بمنزلة المرور لاشتراكهما في قلة احترام الصلاة أو في اشتغال المصلي عنها وكره في المجموعة أن يتكلم رجل عن يمينه مع رجل عن يساره لما فيه من قلة الاحترام قال في الكتاب فإن كان المصلي هو المناول لغيره منع أيضا لأن العين المتناولة تمر بين يديه وتشغله عن الصلاة
الباب الرابع في أركان الصلاة
وهي عشرة الأول القيام وفي الجواهر يجب الإحرام والقراءة على وجه الاستقلال لقوله تعالى ( وقوموا لله قانتين ) فإن استند مع القدرة وكان بحيث لو أزيل المستند إليه سقط بطلت لأنه في حكم التارك للقيام وإلا لم تبطل مع الكراهة لتنقيص كمال القيام قال صاحب الطراز الظاهر عندي في الأول الإجزاء لأنه قيام في العادة ولو حلف لا يقوم فقام متكئا حنث وأما قوله في الكتاب لا يعجبني فمحمول على الكراهة فإن عجز عن الاستقلال ففرضه التوكؤ فإن عجز انتقل إلى الجلوس مستقلا فإن عجز ففرضه الجلوس مستندا وعلى التقديرين فيتربع وفي الكتاب إن عجز عن التربع صلى على قدر وسعه قاعدا أو على جنبه أو ظهره ورجلاه إلى الكعبة ويومئ برأسه قال صاحب الطراز يريد إن قدر أن يثني رجليه ثناهما وإلا أقامهما وإلا أمدهما لأنها كلها هيآت الجلوس فلا يجوز له الإخلال بها وكلامه في الكتاب محمول على الترتيب بين الهيآت المذكورات وهو قول ( ش ) و ( ح ) ولم يقل بالتخيير أحد ويوضحه أن الاستقبال مأمور به وعلى الجنب يستقبل بوجهه الكعبة وعلى الظهر إنما يستقبل السماء وكذلك قال ابن القاسم إن عجز عن الجنب الأيمن فعلى الأيسر فإن عجز فعلى الظهر وقال ( ش ) إن عجز عن الأيمن فعلى الظهر والتربع مروي عن ابن عباس وابن عمر وأنس ولأنه أليق بالأدب وتمييز بين البدل والمبدل وقال ( ش ) ( ح ) يجلس مثل جلوس التشهد لأنه أصل في الصلاة حالة السعة فيكون أفضل حالة الرفاهية ولأنه من شأن الأكفاء والافتراش أولى بالعبيد قال أبو الطاهر روي ذلك عن ابن عبد الحكم واستحبه المتأخرون وروي عن الشافعية قولان آخران ضم الركبتين إلى الصدر كالاحتباء وضم ركبته اليمنى ثانيا لركبته اليسرى كالجالس أمام المعلمفائدة قال بعض العلماء ينتقل القائم إلى القعود بالقدر الذي لا يشوش عليه الخشوع والاذكار ولا تشترط الضرورة ولا العجز عن إيقاع صورة القيام إجماعا ويشترط في الانتقال من الجلوس إلى الاضطجاع عذر أشق من الأول لأن الاضطجاع مناف للتعظيم أكثر من القعود قال أبو الطاهر فلو قدر على القيام دون القراءة اقتصر على أم القرآن فإن عجز عن كمال أم القرآن انتقل إلى الجلوس على مقتضى الروايات وهو ظاهر إن قلنا إنها فرض في كل ركعة وعلى القول بأنها فرض في ركعة واحدة يكفي أن يقوم مقدار وسعه إلا في ركعة واحدة فإنه يجلس ليأتي بأم القرآن وهكذا يجري الكلام على القول بأنها فرض في الأكثر
فروع تسعة الأول كره في الكتاب لقادح الماء من عينيه أن يصلي إيماء مستلقيا قال ابن القاسم فإن فعل أعاد أبدا قال ابن يونس روى ابن وهب عنه التسهيل في ذلك وجوزه أشهب و ( ح ) وقال ابن حبيب كره ذلك مالك أربعين يوما ولو كان اليوم ونحوه لم أر بذلك بأسا ولو كان يصلي جالسا ويومئ في الأربعين لم أكرهه ومنشأ الخلاف هل هذا الاستلقاء يحصل البرء غالبا أم لا والصحيح أنه يحصل والتجربة تشهد لذلك وكما جاز له الانتقال من الغسل إلى المسح بسبب الفصاد قال التونسي فكذلك ههنا قال غيره وكما جاز التعرض للتيمم بالأسفار بسبب الأرباح المباحة فههنا أولى الثاني قال في الكتاب إذا تشهد من اثنتين فيكبر وينوي بذلك القيام قبل أن يقرأ لأنه خروج من جلوس إلى جلوس مباين له فلا يتميز إلا بالنية قال صاحب الطراز والفرق بين الجلوس الأول في كونه لا يحتاج إلى نية بخلاف الثاني أن الأول أصل فتتناوله النية الأولى عند الإحرام والثاني عارض فيحتاج إلى نية ولما كان التكبير للثالثة يكون حالة القيام فتكون ههنا حالة التربع وينوي بجلوسه القيام الثالث قال ابن القاسم في الكتاب إذا افتتح عاجزا عن القيام فقدر في أثنائها قام أو قادرا فعجز جلس لقوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) الرابع قال صاحب الطراز لو كانت داره بمقربة من المسجد فيأتيه ماشيا ويصلي فيه جالسا قال مالك لا يعجبني قال وهذا فيه تفصيل فقد رأينا من يطيق المشي ولا يطيق القيام فيصلي هذا جالسا فإن كان يطيقه إلا أن الإمام يطول صلى وحده لأن القيام فرض والجماعة سنة وقاله ( ش ) قال صاحب البيان يلزمه أن يقف ما أطاق فإذا ضعف جلس يفعل ذلك في كل ركعة الخامس قال لو خاف من القيام انقطاع العرق ودوام العلة صلى إيماء عند مطرف وعبد الملك وإن خرج الوقت فإن خرج الوقت قبل زوال العرق لم يعد ولو لم يعرق إلا أنه يخاف معاودة علته فكذلك عند ابن عبد الحكم السادس قال لو خاف خروج الريح إن قام قال محمد يصلي جالسا قال وهو مشكل فإنه على هذا التقدير لا يوجب وضوءا كالسلس فكيف تترك أركان الصلاة لوسيلتها ولذلك أن العريان يصلي قائما السابع قال لو قدر على القيام والسجود وإن قام شق عليه الجلوس وإذا جلس شق عليه القيام فإن أدركته الصلاة قائما أحرم قائما لقدرته عليه ثم يركع إن قدر وإلا أومأ ثم يسجد ويجلس ويتم صلاته جالسا وإن أدركته جالسا أحرم جالسا وأتم جالسا للمشقة وفي الجواهر الإيماء قائما بالرأس والظهر ويحسر عن جبهته في الإيماء للسجود ولو قدر على القيام والركوع والسجود لكن لو سجد لم يقدر على النهوض قال التونسي يركع ويسجد في الأولى ثم يتم جالسا لأن السجود أعظم من القيام لمزيد الإجلال والاتفاق على وجوبه ولذلك قال عليه السلام أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا وقال غيره يصلي جملة صلاته إيماء إلا الأخيرة يركع ويسجد فيها إذ لا بدل عن القيام والركوع والسجود لهما بدل وهو الإيماء ويرد عليه أن الجلوس بدل من القيام قال وجلوسه في التشهد وغيره سواء كجلوس القائم ولو حضرت الصلاة في الأرض ذات الطين قال في البيان يسجد ويجلس على الطين والخضخاض من الماء الذي لا يغمره وقاله ابن عبد الحكم ولا يمنعه من ذلك تلويث يديه ولو صلى إيماء أعاد أبدا وروى زياد عن مالك وحكاه ابن حبيب عن مالك وعمن لقي من أصحابه أنه يصلي إيماء كالمريض العاجز عن الجلوس والسجود قال وأرى لذي الثياب الرثة لو أتى لا يفسدها الطين ولا يتضرر به في جسمه لا يجوز له الإيماء وإلا جاز قياسا على مسألة الكتاب في الذي لا يجد الماء إلا بثمن لأنه في الموضعين انتقل عما وجب عليه لحياطة ماله الثامن قال في الكتاب إذا صلى مضجعا أومأ برأسه قال صاحب الطراز هذا يدل على أن الإيماء بدل لا بعض المعجوز عنه فإن الإيماء بالرأس ليس من السجود وعلى هذا لا يجب فيه استيفاء القدرة ولو صح أعاد في الوقت عند ابن سحنون تحصيلا للأكمل وقيل لا إعادة عليه لأنه أتى بما أمر فإن عجز عن الإيماء برأسه أومأ بعينيه وقلبه وقال ( ح ) تسقط عنه الصلاة وفي الجواهر إذا لم تبق إلا النية فينوي عندنا وعند الشافعي احتياطا وهو الذي اقتضته المذاكرة وعند ( ح ) تسقط لأن الأصل البراءة ولأن النية وسيلة تسقط عنده بسقوط مقصدها ويجب على المضطجع الإحرام والقراءة فإن عجز عن النطق فبقلبه ويحرك لسانه ما استطاع وهذا واجب عند ( ش ) وأشهب والظاهر من المذهب السقوط لأن القراءة كلام عربي فلا يأتي إلا بلسان ووجوب غيره يحتاج إلى نص من جهة الشرع التاسع كره في الكتاب للقائم في الصلاة تنكيس الرأس ولم يعين لبصره جهة معينة وقال ابن القاسم فيه وبلغني عنه أنه يضعه في جهة قبلته ومذهب ( ش ) و ( ح ) يستحب له وضعه موضع سجوده وفي جلوسه إلى حجره لنا أن عدم الدليل دليل على عدم المشروعية ولم يرد دليل في ذلك وفي مسلم قال عليه السلام لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم ووجه استقبال القبلة أنه أمر باستقبال القبلة بجملته ومنها بصره وأما تنكيس الرأس فليس فيه استقبال بالوجه وقد قال عمر رضي الله عنه أرفع برأسك فإن الخشوع في القلب الركن الثاني تكبيرة الإحرام وسميت بذلك لأن الإنسان يدخل بها في حرمات الصلاة فيحرم عليه ما كان قبلها مباحا له كالكلام والأكل والشرب ومن قول العرب أصبح وأمسى إذا دخل في الصباح والمساء وأنجد وأتهم إذا دخل نجدا وتهامة وكذلك أحرم إذا دخل في حرمات الصلاة أو الحج والداخل يسمى محرما فيهما فهذه الهمزة للدخول في الشيء المذكور معها وتنعقد الصلاة بقولنا الله أكبر إجماعا وزاد ( ش ) الأكبر وأبو يوسف الكبير و ( ح ) الله أجل وأعظم ونحو ذلك ومنع من الانعقاد بالثناء على الله تعالى في النداء نحو يا رحمن وجوز ابن شهاب الاقتصار على النية دون لفظ ألبتة لنا على الفرق ما في أبي داود من قوله عليه السلام مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وجه الاستدلال به ما تقدم في المقدمة أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر فينحصر سببه في التكبير فلا يحصل بغيره فيبطل مذهب الحنفية ونقول لغيرهم إن كان التكبير تعبدا فيجب أن يتبع فعله عليه السلام والأمة بعده من غير قياس ولا تصرف وإلا فلا يقتصر على الأكبر لوجود الثناء في غيره كما قالت الحنفية وأيضا فينتقض بقولنا الأكبر الله فإنه أبلغ مما ذكره الشافعية ولا يقولون به وكذلك الله المستعان ويلزمهم أن يقولوا ذلك في ألفاظ الفاتحة وفي الركن فروع ثمانية الأول قال صاحب الطراز لا يجزئ إشباع فتحة الباء حتى يصير أكبار بالألف فإن الأكبار جمع كبر والكبر الطبل ولو أسقط حرفا واحدا لم يجزه أيضا ووافقنا ( ش ) في الموضعين وأما قول العامة الله وكبر فله مدخل في الجواز لأن الهمزة إذا وليت الضمة جاز أن تقلب واوا الثاني قال إذا أحرم بالعجمية وهو يحسن العربية لا يجزيه عندنا وعند ( ش ) خلافا ل ( ح ) فإن كان لا يحسنها فعند القاضي عبد الوهاب يدخل بالنية دون العجمية وقال أبو الفرج و ( ش ) يدخل بلغته لنا في الموضعين الحديث المتقدم ولأن المطلوب لفظ التكبير دون معناه فقد يكون العجمي موضوعا لغير الله تعالى في العربية
فرع مرتب قال لو كبر هذا بالعجمية وسبح أو دعا بطلت صلاته وقد أنكر مالك في الكتاب جميع ذلك لنهي عمر رضي الله عنه عن رطانة الأعاجم وقال إنها خب قال صاحب التنبيهات الرطانة بفتح الراء وكسرها معا وفتح الطاء المهملة وهي كلامهم بلسانهم والخب بكسر الخاء المعجمة وتشديد الباء بواحدة أي مكر وخديعة قال صاحب الطراز وقد تأول جواز ذلك بعض المتأخرين من الكتاب وهو فاسد ويجب على العجمي أن يتعلم من لسان العرب ما يحتاجه لصلاته وغيرها فإن أسلم أول الوقت أخر الصلاة حتى يتعلم كعادم الماء الراجي له آخر الوقت إن كان يجد آخر الوقت من يصلي به وإلا فالأفضل له التأخير قال فلو كان بلسانه عارض يمنعه من النطق بالراء لم يسقط عنه التكبير لأن كلامه يعد تكبيرا عند العرب فلو كان مقطوع اللسان أو لا ينطق إلا بالباء سقط عنه وقال الشافعي يحرك لسانه ما أمكنه الثالث قال في الكتاب إذا نسي تكبيرة الإحرام مع الإمام وكبر للركوع ناويا بذلك تكبيرة الإحرام أجزأته وإن لم ينو مضى مع الإمام وأعاد الصلاة وإن لم يكبر ألبتة كبر وكان من الآن داخلا في الصلاة قال صاحب الطراز ظاهر كلامه أنه نوى الإحرام والركوع معا وقال ( ش ) هذا لا يجزئ للإشراك في النية لنا أن تكبيرة الإحرام ونيتها حاصلان فلا يضر القصد إلى قربة أخرى كما لو نوي إسماع الغير فلو وقعت هذه التكبيرة المشتركة في الانحطاط قال الباجي هذا هو ظاهر الكتاب ويجزيه لأنه ابتدأها في آخر أجزاء القيام وقال ابن المواز لا يجزيه لأن القيام الذي يختص بالإحرام لا يتحمله الإمام عن المأموم وقال ( ش ) إذا أتى بحرف واحد منحنيا للركوع لم يدخل في المكتوبة وقول الباجي محمول على أنه يدخل بأول حرف وهي مسألة خلاف فمن جعلها جزءا من الصلاة قال يدخل بأول حرف ومن جعلها سبب الدخول في الصلاة لم يدخل في الصلاة حتى يتحقق السبب للدخول فلو كبر للركوع ولم ينو الإحرام وذكر وهو راكع قال في الكتاب يتمادى لاحتمال الصحة على رأي ابن شهاب وفي العتبية يرفع ويكبر ثم يركع لأنه قطع للشك وإذا قلنا يرجع فظاهر العتبية بغير سلام ترجيحا للبطلان وقال ابن القاسم بسلام ترجيحا للصحة على رأي ابن شهاب وإن لم يذكر حتى رفع فالمشهور يتمادى وخيره أبو مصعب بين القطع والتمادي مع الإعادة وقال ابن القاسم في الجمعة يقطع ورواه ابن حبيب وقال أيضا يتمادى ويعيد ظهرا للاحتياط للجمعة وأما إعادتها بعد فراغ الإمام فهو المشهور وهل ذلك على سبيل الوجوب وهو اختيار صاحب الطراز أو الندب قال وهو اختيار صاحب الجلاب وصاحب النكت لأن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام لمن نسيها عند ابن المسبب ولا تجزئ عند ربيعة بن أبي عبد الرحمان كما في الكتاب قال صاحب الطراز قال سحنون المعروف مكان ابن المسبب ابن شهاب وهو المذكور في الموطأ قال وخرج المسئلة على اشتراط مقارنة النية للتكبير فمن اشترط أوجب ومن لا فلا لأنه قصد الصلاة عند القيام قال وفيه نظر فإنه لو دخل المسجد لقصد الصلاة وكبر للركوع لم يجزه عند ربيعة قال وإنما مدرك المسئلة هل تفتقر تكبيرة الإحرام إلى نية غير نية الصلاة وهو مذهب ربيعة أو لا تفتقر وهو مذهب سعيد قال ونقل أبو سعيد أنها لا تجزئه عند ربيعة وليس في الكتاب إلا الإعادة فيحتمل الاحتياط وقد تأول بعض الناس على ابن شهاب وابن المسيب الدخول في الصلاة بمجرد النية كالصوم والحج
تنبيه قول صاحب الطراز إن صاحب الجلاب قال بالندب مشكل لأن ابن الجلاب قد قال يعيد إيجابا فصرح بالإيجاب قال صاحب القبس النقل عن ابن المسيب سهو في المدونة وإنما هو ابن شهاب وقال صاحب المقدمات وصاحب التنبيهات يجزئ عندهما معا فعلى هذا لا سهو وأمكن الجمع بين الموطأ والمدونة قال صاحب الطراز ولو ذكر وهو راكع فكبر للإحرام فقد أخطأ ويلغي تلك الركعة ويقضيها بعد سلام الإمام وقال ابن المواز تجزئه قال وكذلك إذا ذكر وهو ساجد فكبر للإحرام وأنكره بعض الأصحاب بناء على أن من شرط الإحرام القيام قال والذي قاله محمد ظاهر فإنه عليه السلام لم يشترط مع الإحرام قياما وإنما القيام ركن في الركعة فإذا لم تبطل لفواته لا تبطل لذهابه من الإحرام قال فإن لم يكبر للإحرام ولا للركوع لم تجزه تكبيرة السجود إلا على القول بأن الإمام يحملها ولا يكتفي بصورة التكبير على القول بعدم اشتراط النية فيها لأن من شرطها أن يقترن بها ما يعتد به من صلاته وههنا ليس كذلك فإن لم يذكر حتى ركع الثانية وكبر لركوعها فهل تكون الثانية كالأولى فقال ابن حبيب يحرم ولا يقطع بسلام ولا كلام وفي الموازية يتمادى ويقضي ركعة ثم يعيد وسوى بينهما قال والأول أبين فإن التكبير صادف قيام النية الحكمية واتصل بفعل معتد به قال فإن قيل لم لا يحمل الإمام تكبيرة الإحرام كالقراءة مع أنه مروي عن مالك قلنا حمل الإمام فرع صحة صلاة المأموم ولم تصح له صلاة قبل التكبير وهذا الذي ذكره مصادرة فإن الخصم لا يقول صحت بالنية بل يقول القراءة لها بدل حالة الجهر وهو السماع والقدر المقصود من القراءة وحالة السر وهو توفره على الخشوع والفكرة في المثول بين يدي الله تعالى فحملها الإمام لوجود ما يخلفها والتكبيرة لا بدل لها ولأن المأموم مفتقر إلى لفظ يخرج به من الصلاة ولا يحمله الإمام وهو السلام فيفتقر إلى لفظ يدخل به في الصلاة ولا يحمله الإمام وهو التكبير تسوية بين الطرفين بخلاف القراءة قد فقد فيها معنى التسوية وبهذا الفرق فرقنا بين الصلاة والصوم لما قاسها الحنفية عليه في عدم الاحتياج إلى السلام الرابع قال في الكتاب إذا نسي الإمام تكبيرة الإحرام وكبر للركوع وكبر من خلفه للإحرام أعاد جميعهم الصلاة وكذلك لو نوى بتكبيرة الركوع الإحرام لأنه ابتدأ الصلاة بالركوع وأما المأموم فقيام الإمام نائب عنه قال صاحب الطراز قال أبو الفرج هذا على القول بوجوب الفاتحة في كل ركعة وأما على غيره فتجزئه قال صاحب الطراز وعلى القول بأن من ترك القراءة في ركعة ألغاها فإنه يسجد لسهوه وتصح صلاته وهل يعيد أم لا يتخرج على مسئلة السهو عن القراءة الخامس إذا كبر ظانا بأن الإمام قد كبر ثم كبر الإمام أعاد صلاته إلا أن يكبر بعده قال صاحب الطراز لا يعيد على القول بحمل الإمام تكبيرة الإحرام ووافق المشهور ( ح ) وللشافعي قولان وإذا كبر بعده ففي الكتاب ليس عليه أن يسلم وعن سحنون و ( ش ) أنه يسلم كأنه عقد الصلاة في الجملة فأشبه من أحرم بالظهر قبل الزوال فإنها تنعقد نافلة حجة المشهور أنه إنما عقد صلاته بصلاة الإمام وليس للإمام حينئذ صلاة بلا عقد فلا حاجة إلى الحل قال ولو أحرم بعد سلام الإمام ظانا أنه في التشهد قال أشهب ليس عليه الاستئناف والفرق أن هذا بني على أمر ثبت وانقضى والأول بني على أمر لم يدخل الوجود البتة كمن أدرك الإمام في التشهد فإنه يصح إحرامه بنية الإتمام وإن كان لم يشاركه في الصلاة لأنه لا يسجد لسهو الإمام في تلك الصلاة وله إعادتها في جماعة قال ولو أحرم جماعة قبل إمامهم ثم أحدث امامهم فقدم أحدهم فصلى بأصحابه فسدت صلاتهم عند ابن سحنون وكذلك إن صلوا أفذاذا لفساد إحرامهم قال فلو لم يحرم بعد إمامه حتى ركع ونوى بتكبيرة الركوع الإحرام أو لم ينو يجري الحكم على ما تقدم فإن لم يكبر للركوع ولا للسجود فمقتضى قول مالك أنه لا يحتاج في القطع إلى سلام وقال ابن القاسم السلام أحب إلي قال قال التونسي جعل الركوع ينوي الإحرام قال ابن يونس وصاحب النكت إنما قال في الكتاب يجزئ المأموم تكبيرة الركوع إذا نوى بها الإحرام إذا كبر للركوع قائما لأن القيام واجب عليه ولا يحمله الإمام أما إذا كبر للركوع بعد القيام في الركوع فلا يجزئه لتركه القيام السادس قال فلو أحرما معا أعاد بعده عند مالك و ( ش ) خلافا لأبي حنيفة ملحقا الإحرام بالركوع والسجود وإنما الممنوع السبق لنا قوله عليه السلام في الموطأ
إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا والفاء للتعقيب وجواب الشرط أيضا بعده وأما الركوع والسجود فإنا وإن استحببنا تقدم الإمام فيهما فلا يتأخر المأموم حتى ينقضي لطول الأفعال فلا تحصل المتابعة فيهما على الكمال إلا كذلك وأما الأقوال كالتكبير كله والسلام والتأمين فيتأخر المأموم عن جملتها لضيق زمانها وذلك هو الاتباع عادة في الفصلين قال وإذا قلنا يعيد التكبير فهل يسلم قبل ذلك يتخرج على ما إذا تمادى على إحرامه هل يعيد وهو مذهب مالك فلا يحتاج إلى سلام أو يجزئه وهو مذهب ابن القاسم فيحتاج إلى السلام وقال ابن عبد الحكم إن لم يسبقه الإمام بحرف بطلت صلاته قال وهذا مبني على أصل هل يدخل المصلي في الصلاة بالهمزة الأولى أو لا يدخل إلا بالراء فإنه لو قال الله ثم شغله السعال حتى ركع الإمام فركع معه لم يجزه وينبني على هذا الفرع هل تكبيرة الإحرام ركن أو شرط فقوله عليه السلام تحريمها التكبير فإضافة التحريم إليها يقتضي شرطيتها قال وكذلك السلام أيضا هل هو من الصلاة أم لا ويؤكد الشرطية افتقاره إلى النية المخصصة به وكون المسبوق تقدمه كالنية والطهارة بخلاف الركوع والسجود يؤخره حتى يسلم الإمام ولا يحمله الإمام بخلاف أذكار الصلاة وكذلك السلام يفتقر إلى نية تخصه ولا يتبع المسبوق الإمام فيه بل يؤخره حتى يفرغ ولا يحمله الإمام ويشرع لغير القبلة متيامنا فيه قال واحتج أصحابنا على ركنيته بأن شروط الصلاة شروطه أيضا كالطهارة والستارة والقبلة ومقارنة النية ودخول الوقت وأما اختصاصه واختصاص السلام بالنية فلتعيين حالة الدخول في الصلاة والخروج منها ولا يسلم المسبوق مع الإمام لئلا يخرج من الصلاة قبل تمامها ولا يحملها الإمام لأنه إنما يصير مأموما بالتكبير ويجب السلام عليه تسوية بينهما لأنهما طرفا الصلاة وشرع فيه التيامن تنبيها على الخروج قال وإذا كانت ركنا دخل المصلي في الصلاة بحركة الهمزة حتى يقع التكبير من الصلاة إلا أن يمنع مانع من تمامها كما يدخل في الصوم بأول جزء من النهار وهو من الصوم قال وقول ابن القاسم يجزئه أوجه لأن إحرامه قارن إحرام الإمام موجودا أما لو سلما معا فيعيد أبدا عند أصبغ ويجري فيه الاختلاف الذي في الإحرام وقول ابن عبد الحكم السابع قال لو أحرم أحدهما مؤتما بالآخر ثم شكا عند التشهد في أيهما الإمام قال سحنون يتفكران من غير طول فإن طال أو سلم أحدهما قبل الآخر بطلت صلاة السابق لأنه سلم على شك والمتأخر إن كان إماما فلا يضره تقدم المأموم وإن كان مأموما فقد صادف الحكم فلو كانا مسافرا ومقيما وشكا بعد ركعتين قال سحنون يسلم المسافر ويعيد ويتم المقيم لأنه لو أتم أتم مع شكه وليس هو على يقين من إكمال الصلاة في حقه الثامن قال لو شك المصلي في تكبيرة الإحرام أما الإمام والمنفرد فهما كالمتيقن لعدم التكبير عند ابن القاسم ويمضيان ويعيدان عند ابن عبد الحكم كبرا للركوع أم لا إلا أن يذكرا قبل أن يركعا فيعيدان التكبير والقراءة وقال سحنون يتمادى الإمام وهو يتذكر فإذا سلموا سأل القوم فرأى ابن القاسم أن العمل على الشك لا يجزئه وهو مذهب الشافعي ورأى غيره احتمال حرمة الصلاة وأما المأموم إن ذكر قبل أن يركع قطع بسلام وأحرم وإن لم يذكر حتى ركع وكبر للركوع تمادى وأعاد وإن لم يكبر فقال أصبغ يقطع وابن حبيب لا يقطع ويتمادى لاحتمال الصحة ويعيد لاحتمال البطلان
نظائر ستة قال المازري إذا شك في في الإحرام أو في الطهارة وهو في الصلاة أو زاد فيها ركعة عامدا أو ساهيا ثم تبين عدم الزيادة أو فساد الأولى أو سلم من اثنتين ساهيا وصلى بقية صلاته بنية النافلة أو أحرم بالظهر ثم أكملها بنية العصر ثم تبين الصواب في جميع ذلك ففي الجميع قولان والبطلان إذا زاد عامدا أو أكمل بنية النافلة أرجح لفساد النية ومعتمد الخلاف في الجميع النظر إلى حصول الصواب في نفس الأمر فتصح أو عدم تصميم المصلي على العبادة فتبطل
الركن الثالث القراءة وفيها فروع ثمانية الأول البسملة وفيها أربعة مذاهب الوجوب ل ( ش ) والكراهة لمالك والندب لبعض أصحابنا والأمر بها سرا عند الحنفية قال في الكتاب لا يقرأ البسملة في المكتوبة سرا ولا جهرا إماما أو منفردا وهو مخير في النافلة قال صاحب الطراز لا يختلف في جوازها في النافلة وأنها لا تفسد الفريضة وقال ( ش ) وابن شهاب هي آية من الفاتحة وللشافعي فيما عدا الفاتحة قولان وقال أحمد ليست آية إلا في النمل لنا وجوه خمسة أحدها ما في الصحيحين قال أنس صليت خلف النبي وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمان الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها الثاني ما في الموطأ قال أبو هريرة سمعته عليه السلام يقول من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج هي خداج غير تمام قال أبو السائب مولى هشام ابن زهرة يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام قال فغمز ذراعي ثم قال اقرأ بها في نفسك يا فارسي قال سمعته عليه السلام يقول قال الله تبارك وتعالى
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل قال عليه السلام اقرءوا يقول العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي يقول العبد الرحمان الرحيم يقول الله أثنى علي عبدي يقول العبد مالك يوم الدين يقول الله مجدني عبدي يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهذه لعبدي ولعبدي ما سأل وساق الحديث والقسمة ليست في أفعال الصلاة لعدم ذكرها ولا في غير الفاتحة من الأذكار فتعين أن يكون لفظ الصلاة استعمل مجازا في القراءة الواجبة إما من باب التعبير بالجزء عن الكل لأن الدعاء جزؤها أو التعبير بالكل عن الجزء لأن الفاتحة جزء الصلاة ولم يذكر البسملة فيها فليست منها فإن قيل الجواب عن هذا الحديث من وجهين الأول الحقيقة الشرعية واللغوية ليستا مرادتين إجماعا فلم يبق سوى المجاز وهو عندنا مجاز عن الحقيقة اللغوية التي هي الدعاء إلى قراءة مقسومة بنصفين وهذا أعم من كونه جملة الفاتحة أو بعضها فيحتاج إلى الترجيح وهو معها فإن بعضها أقرب إلى الحقيقة من كلها والأقرب إلى الحقيقة أرجح فيبقى البعض الآخر غير مذكور وهو المطلوب الثاني أن الصلاة ليست مقسومة اتفاقا فيكون ثم إضمار تقديره قسمت بعض قراءة الصلاة ونحن نقول بموجبه والجواب عن الأول أن التجوز عن الحقيقة الشرعية أولى لوجهين أحدهما أن كل من أطلق لفظه حمل على عرفه ولذلك حملنا قوله عليه السلام لا يقبل الله صلاة بغير طهور على الصلاة الشرعية وثانيهما أن التجوز عن الكل إلى الجزء أولى من الجزء إلى الكل لحصول الاستلزام في الأول دون الثاني وعلى هذا يكون استيعاب القراءة الواجبة أقرب إلى الحقيقة من بعضها وعن الثاني أن المجاز أولى من الإضمار كما تقرر في علم الأصول الثالث أن الفاءات هي الفاصلة بين الآي فلو كانت البسملة من الفاتحة لكانت الآيات ثمانية وهو باطل لوجهين الأول تسميتها في الكتاب والسنة بالسبع المثاني والثاني أنه يلزم أن يكون قسم الله تعالى يكمل عند ( مالك يوم الدين ) وليس كذلك الرابع أن القول بما يفضي إلى التكرار وهو خلاف الأصل وهو في ( الرحمن الرحيم ) وأجاب بعضهم عن هذا السؤال بأن الأول ثناء على الله بالرحمة في الفعل المبسل عليه والثاني ثناء الله تعالى بالرحمة لكل مرحوم فلا تكرار الخامس إجماع أهل المدينة فإن الصلاة تقام بينهم من عهده عليه السلام إلى زمن مالك مع الجمع العظيم الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب فنقلهم لذلك بالفعل كنقلهم له بالقول فيحصل العلم فلا يعارضه شيء من أخبار الآحاد احتجوا بوجوه أحدها إجماع الصحابة على كتبها في المصحف والإرسال به إلى البلاد احترازا للقرآن وضبطا له فتكون من القرآن ولذلك لم يكتبوها في أول براءة لما لم يثبت أنها منها الثاني ما رواه النسائي عن نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن وذكر الحديث وقال والذي نفسي بيده أني لأشبهكه بصلاة رسول الله الثالث ما في الترمذي عن ابن عباس قال كان عليه السلام يستفتح الصلاة بسم الله الرحمان الرحيم والجواب عن الأولى أنها لما أنزلت في النمل أمر عليه السلام لا يكتب كتابا إلا ابتدئ بها فيه فجرى الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك كما هو اليوم وبذلك روي عن ابن عباس أنه قال قلت لعثمان ما بالكم كتبتم بسم الله الرحمان الرحيم وأسقطتموها من براءة فقال ما تحققت هل هي سورة على حيالها أم هي والأنفال سورة وعن الثاني أنه لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحة وحديثه في الموطأ يوهن هذا الحديث وعن الثالث أنه ضعفه الترمذي وأما قول مالك إن ذلك في النافلة واسع فعل ذلك في غير الفاتحة وهي رواية ابن القاسم في العتبية أو في الفاتحة وغيرها وهو حكاية الباجي عن العراقيين حجة الأول ما في أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عليه السلام يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وعموم اللام يشمل الفرض والنفل
تنبيه جمهور الأصحاب يعتمدون على أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر والبسملة ليست متواترة فلا تكون قرآنا ويعتقدون أنه دليل قاطع وهو باطل لأن قولهم القرآن لا يثبت إلا بالتواتر إن أخذوه كلية اندرجت فيها صورة النزاع فالخصم يمنع الكلية لاشتمالها على صورة النزاع أو جزئية لم تفد شيئا إذ لعل صورة النزاع فيما بقي غير الجزئية ومما يوضح لك فساده أن من زاد في القرآن ما ليس منه فهو كافر إجماعا وكذلك من نقص منه ما هومنه فكان يلزم تكفيرنا أو تكفير خصمنا وهو خلاف الإجماع فدل على أن القرآن ليس ملزوما للتواتر بل عند الخصم القرآن يثبت بالتواتر وبغير التواتر فمصادرته على ذلك لا تجوز لأنه يقول إن البسملة ليست متواترة وهي قرآن ونحن أيضا نقول هي غير متواترة ولا يكفر مثبتها من القرآن فدل ذلك على أننا غير جازمين بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر الثاني قال في الكتاب يتعوذ في غير الصلاة قبل القراءة إن شاء ولا يتعوذ أحد في المكتوبة ويجوز في قيام رمضان ولم يزل الناس يتعوذون فيه خلافا ل ( ش ) و ( ح ) لنا ما تقدم في البسملة من النصوص وعمل المدينة قال صاحب الطراز واختلف قوله قبل الفاتحة في النافلة فأجازه في الكتاب وكرهه في العتبية وإذا تعوذ فهل يجهر به كالقراءة أو كالتسبيح له قولان فكان ابن عمر يسره وأبو هريرة يجهر به ويتعوذ في جملة الركعات عند ابن حبيب و ( ش ) لأنه من توابع القراءة ويختص بالركعة الأولى عند ( ح ) لأنه لافتتاح الصلاة حجة الأول قوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) حجة الثاني أن المهم صرف الشيطان في هذه الحالة عن الصلاة وقد حصل ولفظه عند مالك و ( ش ) و ( ح ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وعند الثوري أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم ومذهب الجماعة موافق لظاهر الكتاب فيكون أولى الثالث قال في الكتاب ليس العمل على قول عمر حين ترك القراءة قالوا له انك لم تقرأ قال كيف كان الركوع والسجود قالوا حسنا قال فلا بأس إذن ويعيد بعد الوقت قال صاحب الطراز وروي عنه رواية شاذة أن الصلاة صحيحة قال المازري وقال ابن شبلون أن أم القرآن ليست فرضا محتجا بأنها لو كانت فرضا لما حملها الإمام فإن الإمام لا يحمل الفروض ولقضية عمر رضي الله عنه والجواب عن الأول أنه يحمل القيام وهو فرض ولأن الحمل رخصة فيقتصر بها على محلها جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على الوجوب وعن الثاني أن المتروك لعمر رضي الله عنه يحتمل أن يكون الجهر دون القراءة حجة المذهب المتقدم من الحديث في البسملة الرابع قال في الكتاب إذا لم يحرك لسانه فليس بقراءة وقاله ( ش ) لأن المعهود من القراءة حروف منظومة والذي في النفس ليس بحروف فإن حرك لسانه ولم يسمع نفسه قال ابن القاسم في العتبية يجزئه والاسماع يسير أحب إلي وقاله ( ش ) فلو قطع لسانه قال صاحب الطراز لا يجب عليه أن يقرأ في نفسه خلافا ل ( ش ) وأشهب لأن الذي في النفس ليس بقراءة وإذا لم تجب القراءة فيختلف في وقوفه تخريجا على الأمي قاله صاحب الطراز وفي الجواهر الأبكم يدخل بمجرد النية الخامس قال في الكتاب من ترك القراءة في ركعة من الصبح أو ركعتين من غيرها أعاد الصلاة فإن ترك في ركعة من غير الصبح استحب الإعادة في خاصة نفسه قال ابن يونس يريد إذا كانت حضرية وأتمها بالسجود وقال أيضا في الكتاب يلغيها ثم قال في آخر عمره يسجد قبل السلام قال ابن القاسم وما هو بالبين والأول أعجب إليه قال ابن يونس قال ابن المواز الذي استحب ابن القاسم وأشهب السجود قبل السلام والإعادة وكان عندهما إعادة الركعة الواحدة أبعد أقاويل مالك قال سحنون قول ابن القاسم وهو أعجب إليه مراده قوله الأخير بالسجود وعليه جل أصحابنا ونقل أبو محمد أن رأي ابن القاسم بإلغاء الركعة قال صاحب الطراز ومراده بالقراءة الفاتحة وفي الجواهر هي واجبة في كل ركعة على الرواية المشهورة وقال القاضي أبو محمد وهو الصحيح من المذهب يعني في التلقين وفي الأكثر على رواية وفي ركعة عند المغيرة وكلام التلقين والجواهر هو رأي العراقيين وهو خلاف ظاهر الكتاب كما ترى ووافقنا ( ش ) على وجوبها وقال ( ح ) سنة يسجد لسهوها والواجب مطلق القراءة نحو نصف آية وروى عنه آية وروى آية طويلة أو ثلاث آيات قصار ولا تجب القراءة عنده إلا في ركعتين فقط ملاحظة لأصل المشروعية والزائد على الركعتين شرع على الخفة لنا حديث أبي هريرة حجة ( ح ) قوله تعالى ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) ولأن الفاتحة مدنية وكانت الصلاة قبلها صحيحة إجماعا فلا يرتفع الإجماع إلا بمعارض راجح والجواب عن الأول أن المراد بالقراءة صلاة الليل قاله ابن عباس وعن الثاني أن صحة الصلاة معناه لم يدل دليل حينئذ اشتراط الفاتحة وذلك يرجع إلى البراءة الأصلية ويكفي في رفعها أدنى دليل وقد بينا رفعها بالحديث الصحيح وأما وجه اقتصار الوجوب على ركعة فهو ظاهر حديث أبي هريرة ولأنه نظر واجب فلا يتكرر كالتحريم والسلام وجه الوجوب في كل ركعة قوله عليه السلام في مسلم للإعرابي المسيء صلاته
قم واستقبل القبلة وكبر ثم اقرأ وساق الحديث ثم قال وافعل ذلك في صلاتك كلها وبالقياس على الركعة الأولى ولأنها لما وجبت في ركعة وجبت في جملة الركعات كالركوع والسجود وجه الوجوب في الأكثر أنها مسئلة اجتهاد فيستحب ترك الأقل ووجه السجود أن أقل أحوالها أن يلحق بالسنن وفي الجواهر لا تجب على المأموم وتستحب في السر دون الجهر وقال ابن وهب وأشهب لا يقرؤها فيهما قال صاحب الطراز لا تجب القراءة على المأموم على الإطلاق عند مالك و ( ح ) وقال ( ش ) تجب الفاتحة عليه لعموم النصوص وفي أبي داود والترمذي عن عبادة بن الصامت قال صلى عليه السلام الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم قال قلنا يا رسول الله إي والله قال فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وصححه الترمذي وفي النسائي أنه عليه السلام صلى بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فقال لا يقرأ احد منكم إذا جهر الإمام إلا بأم القرآن لنا قوله تعالى ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) والخلاف في الجهر والسر واحد وفي الموطأ أنه عليه السلام انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي منكم أحد آنفا فقال رجل نعم أنا يا رسول الله فقال إني أقول ما لي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة معه عليه السلام فيما جهر فيه وفي مسلم أقيموا الصفوف ثم ليؤمكم أقرؤكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا وقوله عليه السلام الأيمة ضمناء والضمان إنما يتحقق في الفاتحة والجواب عن الأول فيما ذكروه أن العمومات مخصوصة بما ذكرناه وعن الثاني أنه طعن في سنده مالك وأحمد وغيرهما السادس في الجواهر من لم يحسن القراءة وجب عليه تعلمها فإن لم يسع الوقت ائتم بمن يحسنها وفي الطراز ينبغي أن يتعلم ولا يتوانى لأنها من فروض الصلاة وينبغي له أن لا يصلي وحده قال فإن صلى وحده وهو يجد من يأتم به قال ابن المواز لم تجزه وأعادها هو ومن ائتم به كذلك قاله ابن القاسم فإن لم يجد قال سحنون فرضه ذكر الله تعالى وهو قول ( ش ) وعند الأبهري وصاحب الطراز لا يجب التعويض قياسا على تكبيرة الإحرام إذا تعذرت ولأن البدل يفتقر إلى نص والذي روي من ذلك في حديث الأعرابي المسئ لصلاته زيادة لم تصح وإذا لم يجب البدل فعند القاضي عبد الوهاب يقف وقوفا فإن لم يفعل أجزأه لأن القيام وسيلة القراءة وإذا بطل المقصد بطلت الوسيلة وعند ( ح ) يجب الوقوف بقدر آية وفي المبسوط ينبغي أن يقف بقدر الفاتحة وسورة ويذكر الله تعالى فلو افتتح الصلاة كما أمر فطرأ عليه العلم بها في أثناء الصلاة بأن يكون شديد الحفظ وسمع من يقرؤها فلا يستأنف الصلاة قال صاحب الطراز وكذلك لو نسي القراءة ثم ذكرها في أثناء الصلاة كالعاجز عن القيام فتطرأ عليه القدرة وقال ( ح ) يقطع في الموضعين لأنه عقد إحرامه على غير هذه الصلاة فلو ارتج عليه القراءة في الفاتحة أو غيرها فأراد أن يبتدئ السورة من أولها ثم تذكر كأن يستأنف القراءة ويبني على رفض النية هل تؤثر في الإبطال أم لا قال صاحب الطراز قال ويمكن الفرق بأن الصلاة مفتقرة إلى نية فأثر فيها الرفض والقراءة لا تحتاج إلى نية فلا يؤثر فيها الرفض وهو قول ( ش ) فلو كان لا يقدر على القراءة إلا بالعجمية لم يجز له خلافا ل ( ح ) محتجا بقوله تعالى ( إن هذا لفي الصحف الأولى ) ( وإنه لفي زبر الأولين ) ولم تكن فيها عربية ولأن الإعجاز يراد لإقامة الحجة وليس ذلك مقصودا في الصلاة بل الثناء على الله تعالى والاتعاظ وهما حاصلان وجوابه أن الأول معارض بقوله تعالى ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) والقرآن في عرف الشرع العربي وعن الثاني أن الإعجاز مراد في حق المصلي لاستصحاب الإيمان الذي هو شرط في الصلاة وهو منقوض بما لو نظم للثناء على الله تعالى شعرا وبالثناء على الله تعالى بغير القرآن السابع في الجواهر لا تجوز القراءة الشاذة ويعيد من صلى خلفه أبدا وقاله في الكتاب في قراءة عبد الله بن مسعود لأنها تفسير ومن قرأ بتفسير القرآن بطلت صلاته وقال أشهب في المجموعة من صلى بالتوراة او الإنجيل أو الزبور وهو يحسن القرآن أو لا يحسنه فسدت صلاته كالكلام في الصلاة الثامن كره في الكتاب أن يقول بعد الإحرام وقبل القراءة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وفي مختصر ما ليس في المختصر أنه كان يقول ذلك بعد إحرامه وهو قول ( ح ) رحمه الله وجه المشهور ما تقدم في البسملة الركن الرابع الركوع وهو في اللغة انحناء الظهر قال الشاعر ( أليس ورائي إن تراخت منيتي ** لزوم عصا تحني عليها الأصابع ) ( أخبر أخبار القرون التي مضت ** أدب كأني كلما قمت راكع ) دليل وجوبه قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) ومن السنة قوله عليه السلام ثم اركع حتى تطمئن راكعا والإجماع على ذلك وفي الجواهر أقله أن تنال راحتاه ركبتيه أو يقربا منهما وأكمله استواء الظهر والعنق وينصب ركبتيه ويضع كفيه عليهما ويجافي مرفقيه عن جنبيه ولا يجاوز في الانحناء الاستواء وفي الركن فروع ثلاثة الأول قال في الكتاب إذا عجز عن الركوع والسجود دون القيام يومئ قائما للركوع طاقته ويمد يديه إلى ركبتيه وإذا قدر على الجلوس أومأ للسجود ويتشهد تشهديه جالسا وإلا صلى صلاته كلها قائما يومئ للسجود أخفض من الركوع قال صاحب الطراز واختلف هل يشترط في الإيماء الطاقة أو يأتي بالحركات بدلا عن الركوع والسجود وهو مذهب الكتاب والأول لمالك أيضا و ( ش ) وجه المذهب القياس على المسايفة وصلاة النافلة وهما مجمع عليهما وأما الزيادة للسجود فقياسا على المبدل منه الثاني قال صاحب المنتقى القراءة في الركوع منهي عنها وكره مالك الدعاء لما في الموطأ أنه عليه السلام نهى عن لبس القسي وعن التختم بالذهب وعن قراءة القرآن في الركوع وروى ابن عباس عنه عليه السلام أنه قال
نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم
قاعدة الله سبحانه وتعالى غني عن خلقه على الإطلاق لا تنفعه الطاعة ولا تضره معصية لكنه أمرنا سبحانه وتعالى أن نظهر الذل والانقياد لجلاله في حالات جرت العادات بأنها موضوعة لذلك كالركوع والسجود والمبادرة إلى الأوامر والمباعدة عن النواهي وأن نتأدب معه في الحالات التي تقتضي الأدب عادة ولذلك قال عليه السلام استحي من الله كما تستحيي من شيخ من صالحي قومك ولما كانت العادة جارية عند الأماثل والملوك بتقديم الثناء عليهم قبل طلب الحوائج منهم لتنبسط نفوسهم لإنالتها أمرنا الله سبحانه وتعالى بتقديم الثناء على الدعاء كقول أمية بن أبي الصلت ( أأذكر حاجتي أم قد كفاني ** حياؤك إن شيمتك الحياء ) ( إذا أثنى عليك المرء يوما ** كفاه من تعرضك الثناء ) ( كريم لا يغيره صباح ** عن الخلق الجميل ولا مساء ) فيكون الدعاء في السجود لوجهين أحدهما لهذا المعنى والثاني أنه غاية حالات الذل والخضوع بوضع أشرف ما في الإنسان الذي هو رأسه في التراب فيوشك أن لا يرد عن مقصده وأن يصل إلى مطلبه
فائدة معنى قوله فقمن أي أولى ومثله قمين وحر وحري وجدير ومعناها كلها أولى الثالث يضع كفيه على ركبتيه وكان ابن مسعود رضي الله عنه يطبق يديه ويضعهما بين فخذيه لنا ما في البخاري قال مصعب بن سعيد صليت إلى جنب أبي فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني وقال كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب وهذا دليل على نسخ الأول ومشروعية الثاني قال صاحب الطراز فلو كان بيديه علة تثور عليه فوضعهما على ركبتيه أو قصر كثير لم يزد في الانحناء على تسوية ظهره أو قطعت إحداهما وضع الثانية على ركبته وقال بعض الشافعية على الركبتين الركن الخامس الرفع من الركوع ففي الجواهر إن أخل به وجبت الإعادة على رواية ابن القاسم قال المازري ولكنه يتمادى عنده مراعاة للخلاف ولم يجب في رواية علي بن زياد وفي مسلم قال عليه السلام للمسيء صلاته واركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تطمئن رافعا تعتدل والأمر للوجوب والرواية الأخرى على أن الرفع وسيلة الفرق بين الركوع والسجود وعدمه لا يوجب الالتباس قال وإذا قلنا برواية ابن القاسم فهل يجب الاعتدال فروى ابن القاسم لا يجب وعند أشهب يجب لظاهر الحديث وقال القاضي أبو محمد يجب ما هو إلى القيام أقرب ووافقنا الشافعي على وجوب القيام وخالفنا ح وقضى بصحة صلاة من خر من الركوع إلى السجود الركن السادس في السجود وهو في اللغة الانخفاض إلى الأرض سجدت النخلة إذا مالت ومنه قوله ( بجيش يظل البلق في حجراته ** ترى الاكم فيها سجدا للحوافر ) والأصل في وجوبه قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) وفعله عليه السلام وإجماع الأمة ونهى في الكتاب عن الإقعاء وإلصاق البطن بالفخذين وإلصاق الضبعين للجنبين ووضع الذراعين على الفخذين إلا في النوافل وافتراش الذراعين وأمر بتوجيه اليدين إلى القبلة ولم يعين موضعهما ومساواة النساء للرجال في السجود والجلوس والتشهد والسجود على الأنف والجبهة وفي الجواهر لا يجب كشف الكعبين ويستحب أما الإقعاء فاختلف في تفسيره قال أبو عبيدة الجلوس على الأليتين مع نصب الفخذين كالكلب إذا جلس وقال أهل الحديث وضع الأليتين على القدمين وزاد الخطابي ويقعد مستقرا وهو يكسر الهمزة الأولى ممدودا وأما حكمه قال الخطابي كرهه جماعة من الصحابة وأهل العلم وأهل المدينة وابن حنبل يستعملونه وفي مسلم سأل طاوس ابن عباس عن الإقعاء على القدمين فقال هي السنة وهو حجة لتفسير الحديثين وفي أبي داود قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه يا علي إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي لا تقع بين السجدتين وأما إلصاق البطن ومجافاة اليدين ففي مسلم أنه عليه السلام كان إذا صلى فرج ما بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه وفي أبي داود عن البراء بن عازب أنه وصف سجوده عليه السلام فوضع واعتمد على رأسه ورفع عجيزته وقال هكذا كان عليه السلام يسجد وأما الافتراش فلقوله عليه السلام إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك وأما توجه اليدين فلأنهما يسجدان فيتوجها وأما مكان وضعهما فلم يحدده في الكتاب وقال صاحب الطراز قال محمد بن مسلمة وش
حذو منكبيه وهو في الحديث عنه عليه السلام وحذر أذنيه عند ابن عمر ويروى عنه عليه السلام ذلك في الترمذي قال والخلاف ههنا مبني على الخلاف في موضعهما حالة الإحرام فإن الإنسان ينبغي أن تكون يداه حالة سجوده موضعهما حالة إحرامه قال ووضعهما بين المنكب والصدر أمكن للسجود ويبسطهما فإن قبضهما من غير عذر قال ابن القاسم يستغفر الله وهو محمول على أنه مس الأرض ببعض كفه أما لو لم يمس إلا ظاهر أصابعه لم يجزه وفي البيان في الماسك عنان فرسه ولا يصل بيده الأرض قال مالك لا بأس به للضرورة وهو أحسن من قوله أيضا ولا أحب له أن يتعمد ذلك ولا يعتاده وأما مساواة النساء للرجال ففي النوادر عن مالك تضع فخذها اليمنى على اليسرى وتنضم قدر طاقتها ولا تفرج في ركوع ولا سجود ولا جلوس بخلاف الرجل وهو قول ش وجه الأول ما في الحديث أن النساء شقائق الرجال وجه الثاني أن انفراج المرأة يذكر بحال الجماع فيفسد عليها صلاتها ولذلك قيل إنما يؤمرن بذلك إذا صلين مع الرجال وأما وضع الكفين مع الوجه في موضع واحد فلأنهما يسجدان مع الوجه فيشاركانه بخلاف الركبتين والقدم فإنهما يبقيان في الأرض بعد رفع الوجه فلا يضع يديه إلا على ما عليه وجهه وأما السجود على الأنف والجبهة قال صاحب الطراز هو قول الكافة فإن اقتصر على أنفه بطلت عند ابن القاسم وروى أبو الفرج في الحاوي الإجزاء وان اقتصر على الجبهة أجزأه عند مالك في النوادر واستحب له صاحب الإشراف الإعادة في الوقت وبطلت في الوجهين عند ابن حبيب وصحت في الوجهين عند ح والمشهور الإجزاء في الجبهة دون الأنف وجه الوجوب فيهما قوله عليه السلام لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين في الدارقطني حجة أبي حنيفة أن الأنف من الوجه فيجزئ كجزء من الجبهة وهو مدفوع بالحديث وبالقياس على الذقن قال وظاهر المذهب أن السجود على الوجه واليدين والركبتين والرجلين واجب وذكره الطليطلي وهو مذهب ابن حنبل وعند ح ليس بواجب وللشافعي قولان وفي الجواهر قال القاضي أبو الحسن يقوي في نفسي أن السجود على الركبتين وأطراف القدمين سنة في المذهب قال فإن لم يرفع يديه عند رفعه من السجود قيل تبطل صلاته وقيل لا تبطل فروع سبعة الأول قال في الكتاب إذا عجز عن السجود لا يرفع إلى جبهته شيئا ولا ينصب بين يديه شيئا يسجد عليه فإن استطاع السجود وإلآ أومأ فإن رفع شيئا وجهل لا إعادة عليه وقال ش ينصب شيئا يسجد عليه قياسا على الرابية تكون بين يديه فإن وضعه على يديه لم يجزه لأنه ساجد على ما هو حامل له وإنما يسجد على الأرض أو ما يقوم مقامها لنا ما في الكتاب عن ابن شهاب أنه عليه السلام نهى أن يصلي الرجل على رحل وقال فمن لم يستطع فليوم برأسه ايماء قال صاحب الطراز وأما قوله ان نصب شيئا لا إعادة عليه فهذا له حالتان أن الصلاة بجبهته وأنفه لم يجزه وان أومأ إليه أجزأه قاله في النوادر قال وفيه نظر فإن السجود كان على الأرض فوجب أن يكون الإيماء لها ألا ترى إلى قول مالك يحسر العمامة عن جبهته في إمائه وابن القاسم لاحظ كونه بدلا يعرض فيه عن الأول كالتيمم الثاني قال في الكتاب من بجبهته جراحات لا يستطيع بها الأرض إلا بأنفه فإنه يومئ قال صاحب الطراز على قول ابن حبيب إن السجود لا يجزئ على الجبهة دون الأنف وقول ح إن الأنف يجزئ عن الجبهة لا يجزيه الإيماء وقال ش يسجد على صدغيه لنا أن السجود إنما يكون بالجبهة لقوله عليه السلام في الصحيحين أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة واليدين والركبتين والرجلين وفي رواية أشار لأنفه وقد جعل الشرع الإيماء بدل السجود والعدول عن البدل الشرعي لا يصح كما لو سجد على هامته فلو سجد على أنفه قال أشهب يصح لأنه أبلغ من الإيماء الثالث قال صاحب الطراز لو رفع من الركوع فسقط على جبينه وانقلب على أنفه أجزأه عند ح خلافا ش ويتخرج في المذهب على قولين قياسا على من قرأ السجدة فأهوى إليها فركع ساهيا ففي النوادر روى جميع الأصحاب الإجزاء إلا ابن القاسم روى الإلغاء الرابع قال في الكتاب إذا نهض من بعد السجدتين من الركعة الأولى فينهض ولا يجلس على صدور قدميه قال صاحب الطراز هذا له صورتان إحداهما أنه يثبت ولا يعتمد على يديه وهو مذهب ش ح ومكروه عند مالك لما روى عنه عليه السلام أنه نهض معتمدا على الأرض وهو أقرب للوقار فإذا نزل للسجود هل ينزل على يديه أو ركبتيه ؟ قال القاضي عبد الوهاب ذلك واسع واليدان أحسن خلافا ش ح لما في أبي داود أنه عليه السلام قال
إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه والصورة الثانية أن يستقر على صدور قدميه قبل النهوض فكرهه مالك ح خلافا ش وقد روى الأمران في الحديث وما ذكرناه أرجح قياسا على سائر الانتقالات ورواية الاستراحة محمولة على العذر فان فعل ذلك أحد فلا يعيد ولا يسجد فإن السجود إنما يكون فيما يبطل الصلاة عمده وزعم اللخمي أنه اختلف في السجود له فإذا قام من الجلسة الأولى قام معتمدا على يديه اتفاقا وكره ( ش ) تقديم إحدى الرجلين وروي عن مالك لا بأس به ويروى عن ابن عباس أنها الخطوة الملعونة الخامس قال في الكتاب أحب إلي أن يرفع كور العمامة حتى يمس الأرض ببعض جبهته قال ابن القاسم أكرهه فإن فعل فلا إعادة وهو قول ح وابن حنبل وقال ش لا يجزيه وقال ابن حبيب إن كان كثيفا أعاد في الوقت وإن كان طاقتين لم يعد فائدة كور العمامة بفتح الكاف هو مجتمع طاقتها على الجبين السادس كره في الكتاب حمل التراب أو الحصباء من الظل إلى الشمس يسجد عليه قال ابن القاسم في العتبية ويسجد على فضل ثوبه كما فعل ابن عمر رضي الله عنهما قال صاحب النكت إنما كره ذلك في المساجد لأنه يؤدي إلى حفرها فيتأذى الماشون فيها السابع كره في الكتاب السجود على الطنافس والشعر والثياب والأدم بخلاف الحصر وما تنبته الأرض خلافا ( ش ) لما في ذلك من التواضع او اتباع السنة كان عليه السلام وأصحابه يسجدون على التراب والطين وفي الصحيح قال عليه السلام في ليلة القدر إني أراني في صبيحتها أسجد في ماء وطين فوكف سقف المسجد تلك الليلة بالمطر فخرج عليه السلام وعلى وجهه الماء والطين من أثر السجود على الأرض وقد انفق على مسجده عليه السلام في الزمن القديم مال عظيم ولم يفرش فيه بسط ولا غيرها وكذلك الكعبة تكسى ولا تفرش ولولا ما ذكرنا لتقرب الناس بالفرش كما تقربوا بغيره فأما ما تنبت الأرض فلأنه عليه السلام صلى على الخمرة المعمولة من الجريد وعلى الحصير الذي قد اسود من طول ما لبس وليست العلة كونه نبات الأرض فإن ثياب القطن والكتان نبات الأرض فلم تكره الصلاة عليهما بل العلة مركبة من نبات الأرض وفعل السنة مما فيه تواضع قال صاحب الطراز فإن فرش خمرة فوق البساط لم يكره وسئل عن المروحة فقال هي صغيرة إلا أن يضطر اليها ولا يلزم أن يضع رجليه وركبتيه على ما عليه وجهه بخلاف اليدين
فائدة من التنبيهات الطنفسة بكسر الطاء وفتح الفاء وهي أفصحهما وبضمهما معا وكسرهما معا وحكي فتح الطاء وكسر الفاء وهي بساط صغير كالخرقة وكل بساط طنفسة والأدم بفتح الهمزة والدال الجلود المدبوغة جمع أديم الركن السابع الفصل بين السجدتين والأصل في وجوبه فعله عليه السلام واجماع الأمة وفي الجواهر يجري في الاعتدال من الخلاف فيه ما يجري في الاعتدال من الركوع قال المازري والاتفاق على وجوب فعله بخلاف القيام من الركوع والاعتدال فيهما والفرق أن الركوع متميز عن السجود فلا حاجة إلى القيام على رأي من يراه بخلاف الفصل بين السجدتين لو ذهب صار السجدتان واحدة وأما الجلوس بينهما فواجب عند ش وشرط وعند ح ليس بشرط قال صاحب الطراز قال القاضي عبد الوهاب وهو عندنا يتخرج على الرفع من الركوع الركن الثامن الجلوس الأخير وفي الجواهر الواجب منه بقدر ما يعتدل فيه ويسلم لأن السلام واجب والواجب لا بد له من محل ولا محل له إلا الجلوس اجماعا وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب الركن التاسع السلام وهو موضوع في اللغة لستة معان السلامة والاستسلام واسم للتسليم واسم لله تعالى واسم شجر الواحدة منه سلامة وللبراءة من العيوب وفيه لغتان السلام على وزن الكلام بفتح السين وبكسرها وسكون اللام مثل عدل نحو قوله ( وفقنا فقلنا إيه سلم فسلمت ** فما كان إلا ومؤها بالحواجب ) فعلى الأول يكون دعاء للمصلين بكفاية الشرور وعلى الثاني أمان من المسلم للمسلم عليه في الصلاة وفي غيرها وعلى الثالث يحتمل المعنيين والرابع معناه الله عليكم حفيظ أو راض أو مقبل والخامس غير مراد في الصلوات ولا في التحيات والسادس دعاء بالسلامة من عيوب الذنوب وكلها يصلح أن يريدها المصلي والمسلم إلا الخامس فإن جوزنا استعمال اللفظ المشترك في جميع مفهوماته وهو مذهبنا ومذهب الشافعي كما تقدم في المقدمة جوزنا للمصلي أن يريد جميعها وهو أكمل في جدواها وان قلنا بالمنع فينبغي للمصلي أن يريد اتمها معنى والاصل في وجوبها ما في أبي داود من قوله عليه السلام مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر كما تقدم في المقدمة فيكون تحليلها منحصرا في التسليم فلو اعتمد غيره لكان باقيا في الصلاة مدخلا فيها ما ليس منها وهو حرام وترك الحرام واجب فيجب التسليم وفي الركن فروع ستة الأول قال في الكتاب لا يجزئ إلا السلام عليكم يسلمها الإمام والمنفرد الرجال والنساء مرة تلقاء الوجه ويتيامن قليلا قال صاحب الطراز وفي الواضحة يسلم المنفرد اثنتين عن يمينه وعلى يساره وكان يفعل ذلك في خاصة نفسه وخرج الباجي عليه الإمام ولا يقل للنساء السلام عليكن لوضع هذا اللفظ وضعا عاما ويقع التحليل به معرفا بغير خلاف وجوز ش المنكر وتردد في عليكم السلام وقال ح لفظه السلام عليكم ورحمة الله مرتين عن اليمين واليسار منفردا كان أو غيره وفي الجواهر جواز التنكير عن أبي القاسم بن شبلون وجوز أبو حنيفة سائر الكلام حتى لو أحدث قاصدا للخروج أجزأه وحكى المازري عن ابن القاسم إن أحدث آخر صلاته في التشهد صلاته صحيحة قال الباجي وهذا يعرف من مذهب الحنفية قال المازري وليس كذلك لأنهم لا يجوزون الخروج بالحدث من غير قصد وابن القاسم لم يشترط القصد لنا ما تقدم من الحديث وأنه تعبد فيقتصر به على تسليمه عليه السلام والسلف من بعده وإلا لجاز سلام الله عليكم وغيره من ألفاظ التحية وهو لا يجوز عند ش وفي الترمذي أنه عليه السلام كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه قال مالك وما أدركنا الأئمة إلا على تسليمة وروى سعد بن أبي وقاص قال كنت أراه عليه السلام يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده والأول أرجح للعمل منه عليه السلام والخلفاء الأربعة بعده وأهل المدينة بعدهم والقياس على تكبيرة الإحرام تسوية بين الدخول والخروج ولأنه لو أحدث بعد الأولى لم تفسد الصلاة اجماعا إلا عند ابن حنبل والحسن بن حي وهما مسبوقان بالاجماع وإذا كان الإمام يسلم اثنتين فقال في العتبية لا يقوم المسبوق للقضاء حتى يسلمها فإن قام أساء ولم تفسد ولما كان السلام سبب الخروج من الصلاة ( وهو من الصلاة ) شرع أوله للقبلة لأنه منها وآخره لغيرها إشارة للانصراف قال صاحب النوادر التيامن ليس شرطا فلو تياسر ثم تيامن لم تبطل لقوله عليه السلام وتحليلها التسليم من غير شرط وقال ابن شعبان تبطل لأنه غير السلام المعهود منه عليه السلام احتج الحنفية بما يروى عنه عليه السلام أنه قال إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة وقعد ثم أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته ولأنه لا يجب متابعة الإمام فيه بدليل قيام المسبوق ولم يسلم ولأن الأكل لما نافى الصوم خرج منه بالليل وإن لم يقع الأكل والجواب عن الأول أنه غير صحيح وعن الثاني أن عدم المتابعة كان لقيام المعارض وهو بقاء ما يجب تقديمه قبل السلام وعن الثالث أن التسليم آخر جزء من الصلاة فهو كآخر جزء من الصوم وليس كالليل ولأنا نمنع مضادة السلام للصلاة لأن الجزء لا ينافي الكل ومما يوضح مذهبنا أن الصلاة صلة بين العبد وربه ومواطن الإجلال والتعظيم والأدب والموانسة في حضرة الربوبية حتى أمر العبد فيها بالانقطاع عن سائر الجهات والحركات إلا جهة واحدة وهيئة واحدة بجمع شمله على أدب المناجاة وإذا كانت على هذه الصفات لا يليق ختمها بالحدث الذي هو أفحش القاذورات الثاني في الجواهر اختلف المتأخرون في انسحاب حكم النية على السلام أو اشتراط تجديد نية الخروج على قولين قال صاحب الإشراف إذا سلم بغير نية التحليل لا يجزيه خلافا لبعض الشفعوية ووافقه صاحب الطراز واستدل بأن تكبيرة الاحرام تفتقر إلى نية التحريم لتميزها عن غيرها وكذلك يشترط في التسليم نية التحليل لتميزه عن جنسه وقد تقدم في الطهارة أن النية لتمييز العبادات عن العادات أو لتمييز مراتب العبادات في أنفسها الثالث قال في الكتاب يسلم المأموم عن يمينه ثم على الإمام لما في أبي داود أمرنا عليه السلام ثم ذكر التشهد وقال ثم سلموا على اليمين ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم وفي الجواهر في رد المأموم ثلاث روايات ففي الكتاب كان يقول يبدأ بمن على يساره ثم الإمام ثم رجع يقول يبدأ بالإمام ثم يساره وروى القاضي عبد الوهاب التخيير وجه البداية باليسار أن جواب التحية على الفور وقد حال بين سلام الإمام والمأموم سلام التحلل بخلاف من على اليسار ولأن ابن المسيب كان يفعل ذلك وجه المشهور أن الإمام هو السابق بالتحية فيبدأ به ولأنه فعل ابن عمر رضي الله عنهما وجه التخيير تقابل الأدلة وفي الجواهر يرد على الإمام فقط قال صاحب الطراز هل يرد على الإمام ومن على يساره بتسليمة واحدة ؟ وقيل يرد قياسا على جملة المأمومين فإنه لا يحتاج إلى كل واحد تسليمة وقيل لا يجمع تشريفا للإمام ولأن تسليم الإمام في زمان آخر فكان الرد عليه بلفظ آخر وهل يشترط في الرد على اليسار التأخير حتى يسلم من على يسار وليس فيه نص والظاهر أنه ليس بشرط لأنه وإن تأخر فهو في حكم الواقع قال وإذا لم يكن على يساره أحد فالمشهور لا يسلم وعلى قوله إن المنفرد يسلم اثنتين يسلم فإذا فرعنا على المشهور فكان من على يساره مسبوقا فيحتمل أن يقال لا يرده لأن سلامه متأخر جدا ويحتمل أن يقال هو في حكم الواقع ولأن رد المأموم سنة مقدرة على من على يساره بدليل أنه يرد على من لم يقصد السلام عليه قال وظاهر كلام الكتاب أنه يتيامن في جملة تسليمه بخلاف الإمام لأن سلام المأموم مختص بمن على يمينه ولهذا لا يرد عليه إلا من على يمينه وسلام الإمام ليس مختصا بجهة ولهذا يرد عليه جملة المأمومين يمينا وشمالا وخلفا وأماما وقال ش ينوي الفذ بالسلام الخروج والتسليم على الحفظة وينوي بالتسليم الثاني الخروج فقط وينوي الإمام الخروج والتسليم على الحفظة والمأمومين وينوي بالثاني الحفظة والخروج وينوي المأموم بالأول التحليل والحفظة ومن على يمينه من المأمومين والإمام إن كان على يمينه وبالثاني الخروج والحفظة والإمام إن كان على يساره فإن كان أمامه فهو مخير قال صاحب الطراز وعندنا لا يرد على الإمام بتسليمة التحليل لأنه يصير بمنزلة المتكلم في الصلاة وإذا رد على الإمام فهل يشترط حضوره فلا يرد المسبوق الذي رجع إليه مالك وأخذ به ابن القاسم الرد نظرا إلى أنه من سنة الصلاة والقول الأول مبني على أنه شرع على الفور وقد تراخى وهذا فيمن أدرك ركعة فأكثر فإن لم يدرك إلا التشهد قال سحنون لا يرد لأنه ليس إماما له في صلاته ولهذا لا