كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني
الضبع والضب والثعلب فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وجاره فنادياه أبا الحسل فقال سميعا دعوتما قالا أتيناك لتحكم بيننا قال في بيته يؤتى الحكم قالت الضبع إني حللت عيبتي قال فعل الحرة فعلت قال فلقطت ثمرة قال طيبا لقطت قالت فأكلها الثعلب قال لنفسه نظر قالت فلطمته قال بجرمه قالت فلطمني قال حر انتصر قالت فاقض بيننا قال قد فعلت قال حدث امرأة حديثين فإن أبت فعشرة
فقال عبد الله بن همام السلولي
( زيادتَنا نعمانَ لا تحبِسنها ... خَفِ اللهَ فينا والكتابَ الذي تتلو )
( فإنك قد حُمِّلت منا أمانة ... بما عجزت عنه الصَّلاخمة البُزْل )
( فلا يك باب الشر تحسن فتحه ... وباب الندى والخيِّرات له قفل )
( وقد نلت سلطاناً عظيماً فلا يكن ... لغيرك جَمّات الندى ولك البخل )
( وأنت امرؤ حلو اللسان بليغه ... فما باله عند الزيادة لا يحلو )
( وقبلك قد كانوا علينا أئمة ... يهمهُم تقويمنا وهم عُصْل )
( إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكنّ حسن القول خالفه الفعل )
( يذمون دنياهم وهم يرضِعونها ... أفاويقَ حتى ما يدرّ لهم ثَعل )
( فيا معشر الأنصار إني أخوكُم ... وإني لمعروفٍ أنَى منكم أهل )
( ومن أجل إيواء النبيّ ونصره ... يحبكُم قلبي وغيركم الأصل )
فقال النعمان بن بشير لا عليه ألا يتقرب فوالله لا أجيزها ولا أنفذها أبدا
النعمان يقول عزة تزيد النفس طيبا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال حدثني شيخ قديم من أهل المدينة وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان عن أبي السائب المخزومي وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر لي عن جعفر بن محرز الدوسي قال
دخل النعمان بن بشير المدينة في أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير فقال والله لقد أخفقت أذناي من الغناء فأسمعوني فقيل له لو وجهت إلى عزة الميلاء فإنها من قد عرفت فقال إي ورب الكعبة إنها لممن تزيد النفس طيبا والعقل شحذا ابعثوا إليها عن رسالتي فإن أبت صرت إليها فقال له بعض القوم إن النقلة تشتد عليها لثقل بدنها وما بالمدينة دابة تحملها فقال النعمان بن بشير وأين النجائب عليها الهوادج فوجه إليها بنجب فذكرت علة فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه أنت كنت أخبر بها قوموا بنا فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها فأذنت وأكرمت واعتذرت فقبل النعمان عذرها وقال لها غني فغنت
صوت
( أجدَّ بعَمرة غُنيانها ... فتهجرَ أم شانُنا شانُها )( وعمرة من سَروات النساء ... تنفَح بالمسك أردانها )
قال فأشير إليها أنها أمه فأمسكت فقال غني فوالله ما ذكرت إلا كرما وطيبا ولا تغني سائر اليوم غيره فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف
قال إسحاق فتذاكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عدي فقال ألا أزيدكم فيه طريفة فقلنا بلى يا أبا عبد الرحمن فقال قال لقيط ونحن
عند سعيد الزبيري قال عامر الشعبي
اشتاق النعمان بن بشير إلى الغناء فصار إلى منزل عزة الميلاء فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له فلما خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها فقال النعمان لأقضين بينكما بقضية لا ترد علي قد أحل الله له من النساء أربعا مثنى وثلاث ورباع له مرتان بالنهار ومرتان بالليل
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الكلبي وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قالوا
الأعشى يمدح النعمان والأخطل يهجو الأنصار
خرج أعشى همدان إلى الشام في ولاية مروان بن الحكم فلم ينل فيها حظا فجاء إلى النعمان بن بشير وهو عامل على حمص فشكا إليه حاله فكلم له النعمان اليمانية وقال لهم هذا شاعر اليمن ولسانها واستماحهم له فقالوا نعم يعطيه كل واحد منا دينارين من عطائه فقال أعطوه دينارا واجعلوا ذلك معجلا فقالوا له أعطه إياه من بيت المال واحتسب ذلك على كل رجل من عطائه ففعل النعمان ذلك وكانوا عشرين ألفا فأعطاه عشرين ألف دينار وارتجعها منهم عند العطاء فقال الأعشى يمدح النعمان
( ولم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمانَ نعمانِ الندى ابن بشير )
( إذا قال أوفى ما يقول ولم يكن ... كمُدْلٍ إلى الأقوام حبل غرور )
( متى أكفرِ النعمان لا أُلْف شاكراً ... وما خير من لا يقتدي بشَكور )
( فلولا أخو الأنصار كنت كنازل ... ثَوَى ما ثوى لم ينقلب بنَقير )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا يحيى الزبيري قال حدثني ابن أبي زريق قال
شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال
( رملَ هل تذكرين يوم غزال ... إذ قطعنا مسيرنا بالتمني )
( إذ تقولين عمرك الله هل شيء ... وإنْ جلّ سوف يُسْليكَ عني )
( أم هَلْ اُطْمِعْتُ منكم يا بن حسان ... كما قد أراك أُطعمتَ مني )
فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فغضب ودخل على معاوية فقال يا أمير المؤمنين ألا ترى إلى هذا العلج من أهل يثرب يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا فقال ومن هو قال عبد الرحمن بن حسان وأنشده ما
قال فقال يا يزيد ليس العقوبة من أحد أقبح منها بذوي القدرة ولكن أمهل حتى يقدم وفد الأنصار ثم اذكرني به فلما قدموا أذكره به فلما دخلوا قال يا عبد الرحمن ألم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين قال بلى ولو علمت أن أحدا أشرف لشعري منها لذكرته فقال فأين أنت عن أختها هند قال وإن لها لأختا يقال لها هند قال نعم وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعا فيكذب نفسه قال فلم يرض يزيد ما كان من معاوية في ذلك فأرسل إلى كعب بن الجعيل فقال اهج الأنصار فقال أفرق من أمير المؤمنين ولكن أدلك على هذا الشاعر الكافر الماهر الأخطل قال فدعاه فقال له اهج الأنصار فقال أفرق من أمير المؤمنين قال لا تخف شيئا أنا بذلك لك فهجاهم فقال
( وإذا نسبت ابن الفُريعة خِلته ... كالجحش بين حمارة وحمار )
( لعن الإله من اليهود عصابة ... بالجِزْع بين صُليصل وصُدار )
( قوم إذا هدر العصيرُ رأيتهم ... حمراً عيونهمُ من المُسْطار )
( خَلُّوا المكارم لستمُ من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار )
( إن الفوارس يعرفون ظهوركم ... أولادَ كل مقبَّح أكار )
( ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار )
فبلغ ذلك النعمان بن بشير فدخل على معاوية فحسر عمامته عن رأسه وقال يا أمير المؤمنين أترى لؤما قال بل أرى كرما وخيرا فما ذاك قال زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائم الأنصار قال أوفعل ذلك قال نعم قال لك لسانه وكتب فيه أن يؤتى به فلما أتى به سأل الرسول أن يدخله إلى يزيد أولا فأدخله عليه فقال له هذا الذي كنت أخاف قال لا تخف شيئا ودخل إلى معاوية فقال علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا ويرمي من وراء جمرتنا قال هجا الأنصار قال ومن زعم ذلك قال النعمان بن بشير قال لا تقبل قوله عليه وهو المدعي لنفسه ولكن تدعوه بالبينة فإن أثبت شيئا أخذت به له فدعاه بالبينة فلم يأت بها فخلى سبيله فقال الأخطل
( وإني غداة استعبرتْ أم مالك ... لَراضٍ من السلطان أن يتهددا )
( ولولا يزيد ابن الملوك وسعيُه ... تجللتُ حِدْباراً من الشر أنكدا )
( فكم أنقذتْني من خطوب حبالُه ... وخَرْساء لو يُرْمَى بها الفيل بَلّدا )
( ودافع عني يوم جِلَّقَ غمرة ... وهمّاً ينسِّيني الشراب المبرَّدا )
( وبات نَجيّاً في دمَشقَ لحيةٍ ... إذا همَّ لم يَنَمِ السليمُ وأقصدا )
( يُخافته طوراً وطوراً إذا رأى ... من الوجه إقبالاً ألحّ وأجهدا )
( أبا خالد دافعت عني عظيمة ... وأدركت لحمي قبل أن يتبددا )
( وأطفأت عني نار نعمان بعدما ... أغذ لأمر فاجر وتجردا )
( ولما رأى النعمان دوني ابن حرّة ... طوى الكشح إذ لم يستطعني وعرّدا )
حدثني عمي قال حدثنا احمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال
لما أمر يزيد بن معاوية بن كعب بن الجعيل بهجاء الأنصار قال له أرادي أنت إلى الكفر بعد الإسلام أأهجو قوما آووا رسول الله ونصروه قال أما إذ كنت غير فاعل فأرشدني إلى من يفعل ذلك قال غلام منا خبيث الدين نصراني فدله على الأخطل
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن أبي الخطاب قال
لما كثر الهجاء بين عبد الرحمن بن حسان بن ثابت وعبد الرحمن بن
الحكم بن أبي العاص وتفاحشا كتب معاوية إلى سعيد بن العاص وهو عامله على المدينة أن يجلد كل واحد منهما مئة سوط وكان ابن حسان صديقا لسعيد وما مدح أحدا غيره قط فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمه فأمسك عنهما ثم ولى مروان فلما قدم أخذ ابن حسان فضربه مئة سوط ولم يضرب أخاه فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو بالشام وكان كبيرا أثيرا مكينا عند معاوية
( ليت شعري أغائبٌ ليس بالشام ... خليلي أم راقدٌ نعمان )
( أيةً ما يكن فقد يرجع الغائب ... يوماً ويوقظ الوسنان )
( إن عمراً وعامراً أبوينا ... وحراماً قِدْما على العهد كانوا )
( أفهم مانِعوك أم قلة الكتّاب ... أم أنت عاتب غضبان )
( أم جفاء أم أعوزتك القراطيس ... أمَ امري به عليك هوانُ )
( يوم أُنبئتَ أن ساقيَ رُضَّت ... وأتتكم بذلك الركبان )
( ثم قالوا إن ابن عمك في بلوى ... أمور أتى بها الحِدْثانُ )
( فنسيت الأرحام والودّ والصحبة ... فيما أتت به الأزمان )
( إنما الرمح فاعلمنّ قناة ... أو كبعض العيدان لولا السنان )
وهي قصيدة طويلة فدخل النعمان بن بشير على معاوية فقال يا أمير المؤمنين إنك أمرت سعيدا بأن يضرب ابن حسان وابن الحكم مئة مئة فلم يفعل ثم وليت أخاه فضرب ابن حسان ولم يضرب أخاه قال فتريد ماذا قال أن تكتب إليه بمثل ما كتبت به إلى سعيد فكتب معاوية إليه يعزم عليه أن يضرب أخاه مئة فضربه خمسين وبعث إليه ابن حسان بحلة وسأله أن يعفو عن خمسين ففعل وقال لأهل المدينة إنما ضربني حد الحر مئة وضربه حد العبد خمسين فشاعت هذه الكلمة حتى بلغت ابن الحكم فجاء إلى أخيه فأخبره وقال لا حاجة لي فيما عفا عنه ابن حسان فبعث إليه مروان لا حاجة لنا فيما تركت فهلم فاقتص من صاحبك فحضر فضربه به مروان خمسين أخرى
أخبرني الحسن بن علي قال أخبرنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن يعقوب بن داود الثقفي ومعاوية بن محارب
أن معاوية تزوج امرأة من كلب فقال لامرأته ميسون أم يزيد بن
معاوية ادخلي فانظري إلى ابنة عمك هذه فأتتها فنظرت إليها ثم رجعت فقالت ما رأيت مثلها ولقد رأيت خالا تحت سرتها ليوضعن تحت مكانه في حجرها رأس زوجها فتطير من ذلك فتزوجها حبيب بن سلمة ثم طلقها فتزوجها النعمان بن بشير فلما قتل وضعوا رأسه في حجرها
قالوا وكان النعمان بن بشير لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط في خلافة مروان بن الحكم أراد أن يهرب من حمص وكان عاملا عليها فخالف ودعا لابن الزبير فطلبه أهل حمص فقتلوه واحتزوا رأسه فقالت امرأته هذه الكلبية ألقوا رأسه في حجري فأنا أحق به فألقوه في حجرها فضمته إلى جسده وكفنته ودفنته
أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ قال حدثنا أبو عبيدة قال
نظر معاوية إلى رجل في مجلسه فراقه حسنا وشارة وجسما فاستنطقه فوجده سديدا فقال له ممن أنت قال ممن أنعم الله عليه بالإسلام فاجعلني حيث شئت يا أمير المؤمنين قال عليك بهذه الأزد الطويلة العريضة الكثير عددها التي لا تمنع من دخل فيهم ولا تبالي من خرج منهم فغضب النعمان بن بشير ووثب من بين يديه وقال أما والله إنك ما علمت لسيء المجالسة لجليسك عاق بزورك قليل الرعاية لأهل الحرمة بك فأقسم عليه إلا جلس فجلس فضاحكه معاوية طويلا ثم قال له إن قوما أولهم غسان وآخرهم الأنصار لكرام وسأله عن حوائجه فقضاها حتى رضي
باكورة شعر النعمان
نسخت من كتاب أبي سعيد السكري بخطه أخبرنا ابن حبيب قال قال خالد بن كلثومخرج النعمان بن بشير في ركب من قومه وهو يومئذ حديث السن حتى نزلوا بأرض من الأردن يقال لها حفير وحاضرتها بنو القين فأهدت لهم امرأة من بني القين يقال لها ليلى هدية فبينا القوم يتحدثون ويذكرون الشعراء إذ قال بعضهم يا نعمان هل قلت شعرا قال لا والله ما قلت فقال شيخ من الحارث بن الخزرج يقال له ثابت بن سماك لم تقل شعرا قط قال لا قال فأقسم عليك لتربطن إلى هذه السرحة فلا تفارقها حتى يرتحل القوم أو تقول شعرا فقال عند ذلك وهو أول شعر قاله
( يا خليليّ ودعا دار ليلى ... ليس مثلي يحل دار الهوان )
( إن قَيْنية تحل مُحِباً ... وحفيراً فجنبتي تَرْفُلان )
( لا تؤاتيك في المغيب إذا ما ... حال من دونها فروع قَنان )
( إن ليلى ولو كلفت بليلى ... عاقها عنك عائق غيرُوان )
قال وضرب الدهر على ذلك وأتى عليه زمن طويل ثم إن ليلى
القينية قدمت عليه بعد ذلك وهو أمير على حمص فلما رآها عرفها فأنشأ يقول
( ألا استأذنت ليلى فقلنا لها لِجِي ... ومالكِ ألا تدخلي بسلام )
( فإن أناساً زرتِهم ثم حَرَّموا ... عليك دخول البيت غير كرام )
وأحسن صلتها ورفدها طول مقامها إلى أن رحلت عنه
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن الحسن بن مسعود عن أبيه عن مشيخة من الأنصار قال
حضرت وفود الأنصار باب معاوية بن أبي سفيان فخرج إليهم حاجبه سعد أبو درة وقد حجب بعده عبد الملك بن مروان فقالوا له استأذن للأنصار فدخل إليه وعنده عمرو بن العاص فاستأذن لهم فقال له عمرو ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين اردد القوم إلى أنسابهم فقال معاوية إني أخاف من ذلك الشنعة فقال هي كلمة تقولها إن مضت عضتهم ونقصتهم وإلا فهذا الاسم راجع إليهم فقال له اخرج فقل من كان ههنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل فقالها الحاجب فدخل ولد عمرو بن عامر كلهم إلا الأنصار فنظر معاوية إلى عمرو نظرا منكرا فقال له باعدت جدا فقال اخرج
فقل من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل فخرج فقالها فلم يدخل أحد فقال له معاوية اخرج فقل من كان ههنا من الأنصار فليدخل فخرج فقالها فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير وهو يقول
( ياسعد لا تُعِد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار )
( نسب تخيّره الإِله لقومنا ... أثْقِل به نسباً على الكفار )
( إن الذين ثَوَوْا ببدر منكُم ... يوم القَليب همُ وقود النار )
فقال معاوية لعمرو قد كنا أغنياء عن هذا
والنعمان بن بشير هو من المعروفين في الشعر سلفا وخلفا جده شاعر وأبوه شاعر وعمه شاعر وهو شاعر وأولاده وأولاد أولاده شعراء
فأما جده سعد بن الحصين فهو القائل
( إن كنت سائلة والحق مَعْتبة ... فالأزد نسبتُنا والماء غسان )
( شم الأنوف لهم عز ومكرمة ... كانت لهم من جبال الطَّوْد أركان )
وعمه الحسين بن سعد أخو بشير بن سعد القائل
( إذ لم أزر إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت كفي إليّ طعامي )
( فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جّوْعة إن جعتها بغرام )
وأبوه بشير بن سعد الذي يقول
( لعمرةَ بالبطحاء بين معرَّفٍ ... وبين المطافِ مسكن ومحاضر )
( لعمري لَحَيٌّ بين دار مزاحم ... وبين الجُثَا لا يجشم السير حاضر )
( وحي حِلال لا يروع َسْرُبهم ... لهم من وراء القاصيات زوافر )
( أحق بها من فتية وركائب ... يقطع عنها الليلَ عوج ضوامر )
( تقول وتذري الدمع عن حُر وجهها ... لعلك نفسي قبل نفسِك باكر )
( أباح لها بِطريق فارس غائطاً ... لها من ذرا الجَوْلان بقل وزاهر )
( فقرَّبتها للرحلِ وهي كأنها ... ظلِيم نعامٍ بالسماوة نافر )
( فأوردتها ماء فما شربت به ... سوى أنه قد بُلّ منها المشافر )
( فباتت سُراها ليلة ثم عرست ... بيثرب والأعراب بادٍ وحاضر )
قال خالد بن كلثوم
ودخل النعمان بن بشير على معاوية لما هجا الأخطل الأنصار فلما مثل بين يديه أنشأ يقول
( معاويَ إلاّ تعطنا الحق تعترفْ ... لِحَي الأزد مشدوداً عليها العمائم )
( أيشتمنا عبد الأراقم ضَلة ... وماذا الذي تجدي عليك الأراقم )
( فماليَ ثأر غيرَ قطع لسانه ... فدونك من يرضيه عنك الدراهم )
( وَأَرْعِ رويداً لا تَسُمنا دَنِية ... لعلك في غِب الحوادث نادم )
( متى تلق منا عصبة خزرجية ... أو الأوس يوماً تخترمك المخارم )
( وتلقك خيل كالقطا مسبطِرّةٌ ... شماطيطُ أرسال عليها الشكائم )
( يسوّمِها العَمْرانِ عمرو بن عامر ... وعِمران حتى تستباح المحارم )
( ويبدو من الخَودِ الغريرة حِجلها ... وتبيض من هول السيوف المَقادم )
( فتطلب شَعْب الصدع بعد انفتاقِهِ ... فتعيا به فالآنَ والأمر سالم )
( وإلا فبَزِّي لأْمة تُبَعِية ... مواريث آبائي وأبيض صارم )
( وأجرد خوّار العِنان كأنه ... بدُومةَ موشيّ الذراعينِ صائم )
( وأسمر خَطِّي كأنّ كعوبه ... نوى القَسْبِ فيها لَهْذميّ ضُبارِم )
( فإن كنت لم تشهد ببدر وقيعة ... أذلت قريشاً والأنوف رواغم )
( فسائل بنا حَيَّيْ لؤيِّ بن غالب ... وأنت بما تخفي من الأمر عالم )
( ألم تبتدركم يوم بدر سيوفنا ... وليلك عما ناب قومك نائم )
( ضربناكُم حتى تفرّق جمعكم ... وطارت أكف منكُم وجماجم )
( وعاذت على البيت الحرام عوانِس ... وأنت على خوفٍ عليك تمائم )
( وعضت قريش بالأنامل بِغضة ... ومن قبلُ ما عُضت علينا الأباهم )
( فكنا لها في كل امر تكيده ... مكان الشَّجا والأمر فيه تفاقم )
( فما إن رمى رامٍ فأوهى صَفاتَنا ... ولا ضامنا يوماً من الدهر ضائم )
( وإني لأغضي عن أمور كثيرة ... ستُرقَى بها يوماً إليك السلالم )
( أصانع فيها عبد شمس وإنني ... لتلك التي في النفس مني أكاتم )
( فلا تشتُمنّا يابن حرب فإنما ... ترقَّي إلى تلك الأمورِ الأشائم )
( فما أنت والأمرَ الذي لستَ أهله ... ولكن ولي الحق والأمر هاشم )
( إليهم يصير الأمر بعد شتاته ... فمن لك بالأمر الذي هو لازم )
( بهم شرع الله الهدى واهتدى بهم ... ومنهم له هادٍ إمامٌ وخاتم )
قال فلما بلغت هذه الأبيات معاوية أمر بدفع الأخطل إليه ليقطع لسانه فاستجار بيزيد بن معاوية فمنع منه وأرضوا النعمان حتى رضي وكف عنه
وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه لما ضرب مروان بن الحكم عبد الرحمن بن حسان الحد ولم يضرب أخاه حين تهاجيا وتقاذفا كتب عبد الرحمن إلى النعمان بن بشير يشتكي ذلك إليه فدخل إلى معاوية وأنشأ يقول
( يابن أبي سفيانَ ما مثلُنا ... جار عليه ملك أو أميرْ )
( اذكر بنا مَقْدمَ أفراسنا ... بالحِنْو إذ أنت إلينا فقير )
( واذكر غداة الساعديّ الذي ... آثركم بالأمر فيها بشير )
( واحذر عليهم مثل بدر فقد ... مر بكم يومٌ ببدر عسير )
( إن ابن حسان له ثائر ... فأعطه الحق تَصِحّ الصدور )
( ومثلُ أيام لنا شتتت ... ملكاً لكم أمرك فيها صغير )
( أما ترى الأزد وأشياعها ... نحوك خُزْراً كاظمات تَزير )
( يطوف حولي منهمُ معشر ... ان صُلْتُ صالوا وهم لي نصير )
( يأبى لنا الضيم فلا يعتلي ... عز منيع وعديد كثير )
( وعنصر في حُرِّ جرثومة ... عاديّة تنقل عنها الصخور )
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن الهيثم الفراسي قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال
حضرت الأنصار باب معاوية ومعهم النعمان بن بشير فخرج إليهم سعد أبو درة وكان حاجب معاوية ثم حجب عبد الملك بن مروان فقال استأذن لنا فدخل فقال لمعاوية الأنصار بالباب فقال له عمرو بن العاص ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسبا ارددهم إلى نسبهم فقال معاوية إن علينا في ذلك شناعة قال وما في ذلك إنما هي كلمة مكان كلمة ولا مرد لها فقال له معاوية اخرج فناد من بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل فخرج فنادى بذلك فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار فقال له اخرج فناد من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل فخرج فنادى ذلك فوثب النعمان بن بشير فأنشأ يقول
( يا سعد لا تُعِد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار )
( نسب تخيره الإله لقومنا ... أثقل به نسباً على الكفار )
( إن الذين ثَوَوا ببدر منكم ... يوم القَليب همُ وقود النار )
وقام مغضبا وانصرف فبعث معاوية فرده فترضاه وقضى حوائجه وحوائج من حضر معه من الأنصار
من محتار شعر النعمان
ومن مختار شعر النعمان قوله رواها خالد بن كلثوم واخترت منها( إذا ذُكرت أم الحويرث أخضلت ... دموعي على السربال أربعة سكبا )
( كأنّي لما فرَّقتْ بيننا النَّوى ... أجاور في الأغلال تغلب أو كلبا )
( وكنا كماء العين والجفنِ لا تَرَى ... لواش بغَى نقض الهوى بيننا إِرْبا )
( فأمسى الوشاة غيَّروا وُدَّ بيننا ... فلا صلةً ترعَى لديّ ولا قُربَى )
( جرى بيننا سعي الوشاة فأصبحت ... كأنِّي - ولم أذنب - جَنيتُ لها ذنبا )
( فإن تصرميني تصرمي بيَ واصلاً ... لَدَى الود مِعْراضاً إذا ما التوى صعبا )
( عَزوفاً إذا خاف الهوان عن الهوى ... ويأبى فلا يعطي مودته غصبا )
( فإن أستطع أصبر وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت كلفني نُصْبا )
واخترت هذه الأبيات من قصيدة أخرى وأولها
( أهيَّجَ دمعَك رسمُ الطللْ ... عفا غيرَ مطَّردٍ كالخِللْ )
( نعم فاستهلّ لعرفانه ... يَسِح ويَهْمي بفَيْضٍ سَبَل )
( ديار الأَلوف وأترابِها ... وأنت من الحب كالمختَبَل )
( لياليَ تَسْبِي قلوب الرجال ... تحت الخدور بحسن الغزل )
( من الناهضات بأعجازهِنّ ... حين يقوم جزيلُ الكفل )
( كأن الرُّضاب وصَوْب السحابِ ... بات يُشاب بذَوْب العسل )
( من الليل خالط أنيابها ... بُعيد الكرى واختلافِ العَلل )
أخذ هذا المعنى جميل منه فقال
( وكأن طارقها على عَلَل الكرى ... والنجمُ وَهْناً قد دنا لتَغَوُّر )
( يشتمّ ريح مدامةٍ معلولة ... بِسحيقِ مسك في ذكي العنبر )
وفي هذه القصيدة يقول النعمان
( وأروعَ ذي شرف حازم ... صروم وصولٍ حبال الخُلل )
( كريم البلاء صبور اللقاء ... صافي الثناء قليل العذَل )
( عظيم الرماد طويل العمادِ ... واري الزناد بعيد القَفَل )
( أقمت له ولأصحابه ... عمود السُّرى بذمولٍ رمل )
( مداخَلةٍ سَرْحة جسرةٍ ... على الأين دّوْسّرة كالجمل )
ومن شعراء ولد النعمان بن بشير ابنه عبد الله بن النعمان وهو القائل
( ماذا رجاؤك غائبا ... من لا يَسُرك شاهدا )
( وإذا دنوت يزيده ... منك الدنو تباعدا )
ومنهم عبد الخالق بن أبان بن النعمان بن بشير شاعر مكثر وهو القائل في قصيدة طويلة
( وشاد أبونا الشيخ عمرو بن عامر ... بأعلى ذَرا العلياء ركناً تأثلا )
( وخَطّ حياض المجد مترعة لنا ... مِلاءً فعَلَّ الصفوَ منها وأنهلا )
( وأشرع فيها الناس بعدُ فما لهم ... من المجد إلا سُؤْرُه حين أفضلا )
( وفي غيرنا مجد من الناس كلهم ... فأما كمثل العُشْرِ من مجدنا فلا )
وله أشعار كثيرة لم أحب الإطالة بذكرها
ومنهم شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير شاعر مكثر مجيد وهو القائل من قصيدة طويلة يعاتب بني أمية عند اختلاف أمرهم في أيام الوليد بن يزيد وبعده أولها
( يا قلب صبراً جميلاً لا تمتْ حُزْنا ... قد كنتَ من أن تُرى جَلْد القُوَى قَمنَا )
يقول فيها
( بل أيها الراكبُ المُزْجِي مطيته ... لُقِّيتَ حيث توجهتَ الثَّنا الحسنا )
( أبلغْ أمية أعلاها وأسفلَها ... قولا ينفِّر عن نُوّامها الوَسَنا )
( إن الخلافة أمر كان يُعْظِمه ... خيار أوّلكم قِدْما وأوّلنا )
( فقد بقرتم بأيديكم بطونكُم ... وقد وُعظتم فما أحسنتُم الأَذَنا )
( أغريتُم بكمُ جهلاً عدوكُم ... في غير فائدة فاستوسَقوا سَنَنا )
( لما سفكتم بأيديكم دماءكُم ... بغياً وغشَّيتُم أبوابكم درنا )
ومنهم إبراهيم بن بشير بن سعد أخو النعمان شاعر مكثر وهو القائل في قصيدة طويلة
( أشاقتك أظعانُ الحُدوج البواكرِ ... كنخل النُّجَير الشامخاتِ المَواقر )
( على كل فَتْلاء الذراعين جَسْرةٍ ... وأَعْيَس نَضّاخ المَهَدّ عُذافِر )
( نعم فاستدرت عبرة العين لوعة ... وما أنت عن ذكرى سليمى بصابر )
( ولم أرى سلمى بعد إذ نحن جيرة ... من الدهر إلا وقفةً بالمَشاعر )
( ألا رُبَّ ليل قد سريتُ سواده ... الى رُدُح الأعجاز غُرّ المحاجر )
( لياليَ يدعوني الصِّبا فأجيبه ... أجر إزاري عاصياً أمر زاجري )
( وإذ لمتِي مثل الجناح أَثنيثةٌ ... أمشِّي الهُوَيْنَى لا يروَّع طائري )
( فأصبحت قد ودعت كُمْ بغيره ... مخافة ربي يوم تُبلَى سرائري )
وبنت النعمان بن بشير واسمها حميدة كانت شاعرة ذات لسان وعارضة وشر فكانت تهجو أزواجها وكانت تحت الحارث بن خالد المخزومي وقيل بل كانت تحت المهاجر بن عبد الله بن خالد فقالت فيه
( كهولُ دمشقَ وشبانُها ... أحب إليّ من الجاليهْ )
( صُماحهمُ كصماحِ التيوس ... أعيا على المسك والغاليه )
( وقملٌ يدب دبيب الجرادِ ... أكاريسَ أعيا على الفاليه )
فطلقها فتزوجها روح بن زنباع فهجته وقالت تخاطب أخاها الذي زوجها من روح وتقول
( أضل الله حلمك من غلام ... متى كانت مَناكحَنا جذامُ )
( أترضى بالأكارع والذَُنابَى ... وقد كنا يَقِر لنا السنام )
وقالت تهجو روحا
( بكى الخزُّ من روح وأنكر جلدَه ... وعَجَّت عجيجاً من جُذامَ المطارفُ )
( وقال العَباء نحن كنا ثيابهم ... وأكسيةٌ كدْريَّة وقطائف )
فطلقها روح وقال سلط الله عليك بعلا يشرب الخمر ويقيئها في حجرك فتزوجت بعده الفيض بن أبي عقيل الثقفي وكان يسكر ويقيء في حجرها فكانت تقول أجيبت في دعوة روح وقالت في الفيض
( سُمِّيت فَيْضاً وما شيءٌ تفيض به ... إلا بِسَلْحِكَ بين الباب والدار )
( فتلك دعوة رَوْح الخير أعرفها ... سقى الإله صَداه الأَوطفَ الساري )
وقالت فيه
( وَهَل أنا إلا مُهْرة عربية ... سليلة أفراس تجلّلها بغل )
( فإن نُتِجت مهراً كريماً فبالحَرَى ... وإن كان إقرافٌ فما أنجب الفحل )
هكذا روى خالد بن كلثوم هذين البيتين لها وغيره يرويهما لمالك بن أسماء لما تزوج الحجاج أخته هندا وهي القائلة لما تزوج الحجاج أختها أم أبان
( قد كنت أرجو بعض ما يرجو الراجْ ... أن تنكحيه ملكاً أو ذا تاجْ )
( إذا تذكرت نكاح الحجاجْ ... تضرّم القلب بحزن وهّاج )
( وفاضت العين بماء ثَجّاج ... لو كان نعمان قتيلُ الأعلاج )
( مستويَ الشخص صحيح الأوداج ... ما نلتَ بخَتْل الدُّراج )
فأخرجها الحجاج من العراق وردها إلى الشام
صوت
( نفرتْ قَلوصي من حجارة حَرّةٍ ... بُنيتْ على طلْقِ اليدين وَهوبِ )( لا تنفري يا ناقَ منه فإنه ... شِرِّيب خمر مِسْعر لحروب )
( لا يَبعَدنّ ربيعةُ بن مكدَّم ... وسقى الغوادي قبره بذَنوب )
( لولا السِّفارُ وبُعْد خَدْقٍ مَهْمَةٍ ... لتركتُها تحبو على العُرْقوب )
يقال إن الشعر لحسان بن ثابت الأنصاري ويقال إنه لضرار بن الخطاب الفهري
أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال الصحيح أن هذه الأبيات لعمرو بن شقيق أحد بني فهر بن مالك ومن الناس من يرويها لمكرز بن حفص بن الأحنف الفهري وعمرو بن شقيق أولى بها
والغناء لمالك - خفيف ثقيل - بإطلاق الوتر في مجرى البنصر
أخبار مقتل ربيعة ونسبه
وهذا الشعر قيل في قتل ربيعة بن مكدم بن عامر بن حرثان بن جذيمة بن علقمة بن جذل الطعان بن فراس بن عثمان بن ثعلبة بن مالك بن كنانة أحد فرسان مضر المعدودين وشجعانهم المشهورين قتله نبيشة بن حبيب السلمي في يوم الكديدوكان السبب في ذلك فيما ذكره محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم عن أبي عبيدة ونسخته أيضا من رواية الأصمعي وحماد صاحب أبي غسان دماذ والأثرم فجمعتها ههنا
قال أبو عبيدة قال أبو عمرو بن العلاء وقع تدارؤ بين نفر من بني سليم بن منصور وبين نفر من بني فراس بن مالك بن كنانة فقتلت بنو فراس رجلين من بني سليم بن منصور ثم إنهم ودوهما ثم ضرب الدهر ضرباته
فخرج نبيشة بن حبيب السلمي غازياً فلقي ظعنا من بني كنانة بالكديد في نفر من قومه وبصر بهم نفر من بني فراس بن مالك فيهم عبد الله بن جذل الطعان بن فراس والحارث بن مكدم أبو الفارعة وقال بعضهم أبو الفرعة أخو ربيعة بن مكدم قال وهو مجدور يومئذ يحمل في محفة فلما رآهم أبو الفارعة قال هؤلاء بنو سليم يطلبون دماءهم فقال أخوه ربيعة بن مكدم أنا أذهب حتى أعلم علم القوم فآتيكم بخبرهم فتوجه نحوهم فلما ولى قال بعض الظعن هرب ربيعة فقالت أخته أم عزة بنت مكدم أين تنتهي نفرة الفتى فعطف وقدسمع قول النساء فقال
( لقد علمنَ أنَّني غير فَرِقْ ... لأطعُنن طعنة وأعتنقْ )
( أُعْمِل فيهم حين تحمر الحَدَق ... عَضْباً حساماً وسناناً يأتلق )
قال ثم انطلق يعدو به فرسه فحمل عليه بعض القوم فاستطرد له في طريق الظعن وانفرد به رجل من القوم فقتله ربيعة ثم رماه نبيشة أو طعنه فلحق بالظعن يستدمي حتى أتى إلى أمه أم سيار فقال اجعلي على يدي عصابة وهو يرتجز ويقول
( شدي عليّ العَصْب أم سيارْ ... )
( لقد رُزِيتِ فارساً كالدينار ... )
( يطعُن بالرمح أمام الأدبار ... )
فقالت أمه
( إنا بنو ثعلبة بن مالكِ ... مُرَزَّأ أخيارنا كذلكِ )
( من بين مقتول وبين هالك ... ولا يكون الرزء إلا ذلك )
قال أبو عبيدة وشدت أمه عليه عصابة فاستسقاها ماء فقالت إنك إن شربت الماء مت فكر على القوم فكر راجعا يشد على القوم ويذبهم ونزفه الدم حتى أثخن فقال للظعن أوضعن ركابكن خلفي حتى تنتهين إلى أدنى بيوت الحي فإني لما بي وسوف أقف دونكن لهم على العقبة وأعتمد على رمحي فلن يقدموا عليكن لمكاني ففعلن ذلك فنحون إلى مأمنهن
قال أبو عبيدة قال أبو عمرو بن العلاء ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره قال وإنه يومئذ لغلام له ذؤابة قال فاعتمد على رمحه وهو واقف لهن على متن فرسه حتى بلغن مأمنهن وما تقدم القوم عليه فقال نبيشة بن حبيب إنه لمائل العنق وما أظنه إلا قد مات فأمر رجلا من خزاعة كان معه أن يرمي فرسه فرماها فقمصت وزالت فمال عنها ميتا قال ويقال بل الذي رمى فرسه نبيشة فانصرفوا عنه وقد فاتهم الظعن
قال أبو عبيدة ولحقوا يومئذ أبا الفرعة الحارث بن مكدم فقتلوه وألقوا على ربيعة أحجارا
أشعار في رثائه
فمر به رجل من بني الحارث بن فهر فنفرت ناقته من تلك الأحجار التي أهيلت على ربيعة فقال يرثيه ويعتذر ألا يكون عقر ناقته على قبره وحض على قتلته وعير من فر وأسلمه من قومه ( نفرت قلوصي من حجارة حَرة ... بُنيت على طلق اليدين وهوبِ )
( لا تنفري يا ناق منه فإنه ... سَبّاء خمر مِسْعَر لحروب )
( لولا السِّفار وبعد خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب )
( مر الفوارس عن ربيعة بعدما ... نَجّاهُم من غُمّة المكروب )
( يدعو علياً حين أسلم ظهره ... فلقد دعوتَ هناك غير مجيب )
( لله در بني عليّ إنهم ... لم يُحمشوا غزواً كولْغ الذيب )
( نِعْمَ الفتى أدى نبيشة بَزَّه ... يوم الكديد نبيشةُ بن حبيب )
( لا يبعَدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذَنوب )
قال أبو عبيدة ويقال إن الذي قال هذا الشعر هو ضرار بن الخطاب بن مرداس أحد بني محارب بن فهر وقال آخر هو حسان بن ثابت وقال الأثرم أنشدني أبو عبيدة مرة أخرى هذا البيت
( وسقى الغوادي قبره بذَنوب ... )
واحتج به في قول الله عز و جل ( ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) فسألته لمن هذا البيت فقال لمكرز بن حفص بن الأحنف أحد بني عامر بن لؤي رجل من قريش الظواهر ولم يسمه ههنا
وقال عبد الله بن جذل الطعان واسمه بلعاء
( لأطلبنْ بربيعة بن مكدم ... حتى أنال عُصَيّة بن مَعِيص )
يقال إن عصية من بني سليم وهو عصية بن معيص بن عامر بن لؤي
( وتقاد كل طِمِرةٍ ممحوصةٍ ... ومقلِّص عَبْل الشَّوَى ممحوص )
وقال رجل من بني الحارث بن الخزرج من الأنصار يرثي ربيعة بن مكدم وقال أبو عبيدة زعم أبو الخطاب الأخفش أنه لحسان بن ثابت يحض على قتله
( ولأصرِفنّ سِوى حذيفة مِدْحتي ... لفتى الشتاء وفارس الأجراف )
( مأوى الضَّريك إذا الرياح تناوَحتْ ... ضخم الدَّسيعة مُخِلفٍ مِتلاف )
( من لا يزال يَكُب كل ثقيلة ... كَوْماء غير مُسائل منزاف )
( رَحْب المَباءة والجناب موطَّأ ... مأوىً لكل مُعتَّق بسَواف )
( فسقى الغوادي قبرك ابن مكدم ... من صَوْب كل مُجلجِل وَكّاف )
( أبلغ بني بكر وخُص فوارساً ... لحِقوا الملامة دون كل لحاف )
( أسلمتُم جِذل الطعان أخاكُم ... بين الكديد وقُلة الأعراف )
الأعراف رمل قال الأثرم الأعراف كل ما ارتفع ومنه قول الله تعالى ( ونادى أصحاب الأعراف )
( حتى هوى مُتزايِلاً أوصاله ... للَّحْد بين جنادل وقِفاف )
( لله در بني عليّ إن هُم ... لم يثأروا عوفاً وحيَّ خِفاف )
قال الأثرم وأنشدنا أبو عبيدة هذه القصيدة مرة لقيس بن الخطيم حين قتل قاتل أبيه فقال
( تذكر ليلى حُسنَها وصفاءَها ... )
وقال ابن جذل الطعان في ذلك أيضا
( ألا لله در بني فِراس ... لقد أُورثتُمُ حزناً وجيعا )
( غداة ثوى ربيعة في مَكَرّ ... تمج عروقه عَلَقاً نَجيعا )
( فلن أنسى ربيعةَ إذ تَعالَى ... بكاء الظُّعْن تدعو يا ربيعا )
وقال كعب بن زهير وأمه من بني أشجع بن عامر بن الليث بن بكر بن كنانة يرثي ربيعة بن مكدم ويحض على بني سليم ويعير بني كنانة بالدماء
التي أدوها إلى بني سليم وهم لا يدركون قتلاهم عندهم بدرك قتل فيهم ولا دية
( بان الشبابُ وكل إلفٍ بائن ... ظعن الشباب مع الخليط الظاعنِ )
( قالت أُميمة ما لجسمك شاحباً ... وأراك ذا بَثٍّ ولست بدائن )
( غُضِّي ملامك إن بي من لومكم ... داءً أظن مُماطِلي أو فاتني )
( أبلغ كنانة غَثَّها وسمينها ... الباذلين رِباعها بالقاطن )
( أن المذلة أن تُطَلَّ دماؤكم ... ودماء عوفٍ ضامن في العاهن )
( أموالكم عوض لهم بدمائهم ... ودماؤكم كَلَف لهم بظعائن )
( طلبوا فأدرك وترَهم مولاهمُ ... وأبت محامِلكم إباء الحارن )
( شُدوا المآزر فاثأروا بأخيكُم ... إن الحفائظ نِعم ربح الثامِن )
( كيف الحياة ربيعةَ بن مكدم ... يُغدَى عليك بِمزْهَر أو قائنِ )
( وهو التَّريكة بالعراء وحارثٌ ... فَقْعُ القَراقر بالمكان الواتن )
( كم غادروا لك من أراملَ عُيَّا ... جَزَر الضِّباع ومن ضَريكٍ واكنِ )
وقالت أم عمرو أخت ربيعة ترثي ربيعة
( ما بال عينك منها الدمع مهراقُ ... سَحًّا ولا عازب لالا ولا راقي )
( أبكِي على هالك أودى وأورثني ... بعد التفرق حزناً بعده باقي )
( لو كان يَرجِع ميتا وجدُ ذي رحمٍ ... أبقى أخي سالماً وجدي وإشفاقي )
( أو كان يُفدَى لكان الأهل كلُّهمُ ... وما أُثمِّر من مال له واقي )
( لكنْ سهام المنايا من نصَبْنَ له ... لم ينجه طِب ذي طِب ولا راقي )
( فاذهب فلا يُبعدنْك الله من رجل ... لاقى الذي كلُّ حي مثله لاقي )
( فسوف أبكيك ما ناحت مطوقة ... وما سريتُ مع الساري على ساقي )
( أبكَى لذكرته عَبْرى مفجَّعة ... ما إن يجف لها من ذكره ماقِي )
وقال عبد الله يرثيه
( خَلَّى عليّ ربيعة بن مكدم ... حزناً يكاد له الفؤاد يزولُ )
( فإذا ذَكرتُ ربيعةَ بن مكدم ... ظلت لذكراه الدموع تسيل )
( نِعْم الفتى حياً وفارسُ بُهمةٍ ... يَرْدي بشِكته أقبُّ ذؤول )
( سقت الغوادي بالكُدَيِّدِ رِمّة ... والناس إما هالك وقتيل )
( فإذا لقيتَ ربيعة بن مكدم ... فعلى ربيعة من نداه قبول )
( كيف العزاء ولا تزال خريدة ... تبكي ربيعة غادة عُطبول )
( يأبى ليَ الله المذلة إنما ... يعطَى المذلة عاجز تنبيل )
وقال عبد الله أيضا يرثيه
( نادى الظعائنُ يا ربيعةُ بعد ما ... لم يبق غيُر حُشاشة وفُواق )
( فأجابها والرمح في حيزومه ... أَنَفاً بطعن كالشَّعيب دُفاق )
( يا رَيْطَ إن ربيعة بن مكدم ... وربيع قومك آذنا بفراق )
( ولئن هلكت لرُبَّ فارِس بُهْمة ... فرجتُ كُرْبته وضيق خِناق )
وقال أيضا يتوعد بني سليم
( ولست لحاضر إن لم أُزِركم ... كتائب من كنانة كالصرِيم )
( على قُبِّ الأياطل مضمَرات ... أضرّ بنِيِّها علكُ الشكيم )
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني الطلحي قال أخبرني عبد الله بن إبراهيم الجمحي ومحمد بن الحسن بن زبالة في مجلس واحد قالا مر حسان بن ثابت بقبر ربيعة بن مكدم الكناني بثنية كعب ويقال بثنية غزال فقلعت به راحلته فقال
( نفرت قلوصي من حجارة حَرَّة ... بنيت على طلق اليدين وهوب )
( لا تنفري يا ناقَ منه فإنه ... شِرّيب خمر مِسْعر لحروب )
( لولا السِّفار وبعد خَرْق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب )
فبلغ شعره بني كنانة فقالوا والله لو عقرها لسقنا إليه ألف ناقة سود الحدق
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا السجستاني قال
حدثنا أبو عبيدة قال
خرج دريد بن الصمة في فوارس من بني جشم حتى إذا كانوا بواد لبني كنانة يقال له الأخرم وهو يريد الغارة على بني كنانة رفع له رجل من ناحية الوادي معه ظعينة فلما نظر إليه قال لفارس من أصحابه صح به أن خل عن الظعينة وانج بنفسك وهو لا يعرفه فانتهى إليه الرجل فصاح به وألح عليه فلما أتى ألقى الزمام وقال للظعينة
( سِيري على رِسْلك سير الآمِن ... سير رَداحٍ ذات جأش ساكن )
( إن انثنائي دون قِرني شائني ... وابلِي بلائي واخبُرِي وعايني )
ثم حمل على الفارس فقتله وأخذ فرسه فأعطاه الظعينة فبعث دريد فارسا آخر لينظر ما صنع صاحبه فرآه صريعا فصاح به فتصامم عنه فظن أنه لم يسمعه فغشيه فألقى الزمام إليها ثم حمل على الفارس فطعنه فصرعه وهو يقول
( خلِّ سبيل الحُرة المنيعهْ ... إنك لاقٍ دونها ربيعهْ )
( في كفه خَطِّية مطِيعه ... أو لا فخذها طعنةً سريعه )
( فالطعن مني في الوغى شريعه ... )
فلما أبطأ على دريد بعث فارسا آخر لينظر ما صنعا فانتهى إليهما فرآهما صريعين ونظر إليه يقود ظعينته ويجرر رمحه فقال له الفارس
خل عن الظعينة فقال لها ربيعة اقصدي قصد البيوت ثم أقبل عليه فقال
( ماذا تريد من شَتيم عابسِ ... ألم تر الفارس بعد الفارسِ )
( أرداهما عامل رمح يابِس ... )
ثم طعنه فصرعه وانكسر رمحه فارتاب دريد وظن أنهم قد أخذوا الظعينة وقتلوا الرجل فلحق بهم فوجد ربيعة لا رمح معه وقد دنا من الحي ووجد القوم قد قتلوا فقال دريد أيها الفارس إن مثلك لا يقتل وإن الخيل ثائرة بأصحابها ولا أرى معك رمحا وأراك حديث السن فدونك هذا الرمح فإني راجع إلى أصحابي فمثبط عنك فأتى دريد أصحابه وقال إن فارس الظعينة قد حماها وقتل فوارسكم وانتزع رمحي ولا طمع لكم فيه فانصرف القوم وقال دريد في ذلك
( ما إنْ رأيتُ ولا سمعت بمثله ... حامي الظعينة فارساً لم يُقتلِ )
( أردى فوارسَ لم يكونوا نُهْزة ... ثم استمرّ كأنه لم يفعل )
( متهلل تبدو أسِرَّة وجهه ... مثلَ الحمام جلته كف الصيقل )
( يُزجِي ظعينته ويسحب رمحه ... متوجهاً بمُناه نحو المنزل )
( وترى الفوارسَ من مخافة رمحه ... مثل البغاثِ خَشين وقع الأجدل )
( يا ليت شعري من أبوه وأمه ... يا صاح من يك مثلَه لم يُجهل )
فقال ربيعة
( إن كان ينفعكِ اليقينُ فسائِلي ... عني الظعينة يوم وادي الأخرمِ )
( هل هِي لأول من أتاها نُهزة ... لولا طعان ربيعة بن مكدم )
( إذ قال لي أدنى الفوارس مِيتة ... خَلِّ الظعينة طائعاً لا تندم )
( فصرفتُ راحلة الظعينة نحوه ... عبداً ليعلم بعض ما لم يعلم )
( وهتكت بالرمح الطويل إهابه ... فهوى صريعاً لليدين وللفم )
( ومنحت آخر بعده جياشة ... نجلاء فاغرة كشدق الأضجم )
( ولقد شفعتهما بآخر ثالث ... وأبى الفرارَ ليَ الغداة تكرمي )
قال
فلم يلبث بنو مالك بن كنانة رهط ربيعة بن مكدم أن أغاروا على بني جشم رهط دريد فقتلوا وأسروا وغنموا وأسروا دريد بن الصمة فأخفى نسبه فبينا هو عندهم محبوس إذ جاء نسوة يتهادين إليه فصرخت امرأة منهن فقالت هلكتم وأهلكتم ماذا جر علينا قومنا هذا والله الذي أعطى ربيعة رمحه يوم الظعينة ثم ألقت عليه ثوبها وقالت يا آل فراس أنا جارة له منكم هذا صاحبنا يوم الوادي فسألوه من هو فقال أنا دريد بن الصمة فمن صاحبي قالوا ربيعة بن مكدم قال فما فعل قالوا قتله بنو سليم قال فمن الظعينة التي كانت معه قالت المرأة ريطة بنت جذل الطعان وأنا هي وأنا امرأته فحبسه القوم وآمروا أنفسهم وقالوا لا ينبغي أن تكفر نعمة دريد على صاحبنا وقال بعضهم والله لا يخرج من أيدينا إلا برضا المخارق الذي أسره وانبعثت المرأة في الليل فقالت
( سنجزي دريدا عن ربيعة نعمة ... وكل فتى يُجزَى بما كان قَدِّما )
( فإن كان خيراً كان خيراً جزاؤه ... وإن كان شراً كان شراً مذمَّما )
( سنجزيه نُعمى لم تكن بصغيرة ... بإعطائه الرمح السديد المقوّما )
( فقد أدركتْ كفاه فينا جزاءه ... وأهلٌ بأن يجزَى الذي كان أنعما )
( فلا تكفروه حق نُعماه فيكمُ ... ولا تركبوا تلك التي تملأ الفما )
( فلو كان حياً لم يضق بثوابه ... ذراعاً غنياً كان أو كان معدِما )
( ففُكوا دريداً من إسار مُخارق ... ولا تجعلوا البؤسَى إلى الشر سلما )
فأصبح القوم فتعاونوا بينهم فأطلقوه وكسته ريطة وجهزته ولحق بقومه ولم يزل كافا عن غزو بني فراس حتى هلك
أحيل الناس وأشجعهم وأجبنهم
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني محمد بن يعقوب بن أبي مريم العدوي البصري قال حدثني محمد بن عمر الأزدي قال حدثني أبو البلاد الغطفاني وقبيصة بن ميمون الصادري قالاسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن معد يكرب الزبيدي من أشجع من رأيت فقال والله يا أمير المؤمنين لأخبرنك عن أحيل الناس وعن أشجع الناس وعن أجبن الناس فقال له عمر هات فقال أربعت المدينة فخرجت كأحسن ما رأيت وكانت لي فرس شمقمقة طويلة سريعة
الإبقاء تمطق بالعرق تمطق الشيخ بالمرق فركبتها ثم آليت لا ألقى أحدا إلا قتلته فخرجت وعلي مقدي فإذا أنا بفتى بين غرضين فقلت له خذ حذرك فإني قاتلك فقال والله ما أنصفتني يا أبا ثور أنا كما ترى أعزل أميل عوارة والعوارة الذي لا ترس معه فأنظرني حتى آخذ نبلي فقلت وما غناؤها عنك قال أمتنع بها قلت خذها قال لا والله أو تعطيني من العهود ما يثلجني أنك لا تروعني حتى آخذها فأثلجته فقال وإله قريش لا آخذها أبدا فسلم والله مني وذهبت فهذا أحيل الناس
ثم مضيت حتى اشتمل علي الليل فوالله إني لأسير في قمر زاهر كالنور الظاهر إذا بفتى على فرس يقود ظعينة وهو يقول
( يا لُدَينا يا لُدَينا ... ليتنا يُعدَى علينا )
( ثم يُبْلَى ما لدينا ... )
ثم يخرج حنظلة من مخلاته فيرمي بها في السماء فلا تبلغ الأرض حتى ينظمها بمشقص من نبله فصحت به خذ حذرك ثكلتك أمك فإني قاتلك فمال عن فرسه فإذا هو في الأرض فقلت إن هذا إلا استخفاف فدنوت منه وصحت به ويلك ما أجهلك فما تحلحل ولا زال عن
موضعه فشككت الرمح في إهابه فإذا هو كأنه قد مات منذ سنة فمضيت وتركته فهذا أجبن الناس
ثم مضيت فأصبحت بين دكادك هرشى إلى غزال فنظرت إلى أبيات فعدلت إليها فإذا فيها جوار ثلاث كأنهن نجوم الثريا فبكين حين رأينني فقلت ما يبكيكن فقلن لما ابتلينا به منك ومن ورائنا أخت هي أجمل منا فأشرفت من فدفد فإذا بمن لم أر شيئا قط أحسن من وجهه وإذا بغلام يخصف نعله عليه ذؤابة يسحبها فلما نظر إلي وثب على الفرس مبادرا ثم ركض فسبقني إلى البيوت فوجدهن قد ارتعن فسمعته يقول لهن
( مهلاً نُسَيّاتي إذن لا ترتعْنْ ... ان يُمنع اليوم نساء تُمنعْنْ )
( أرخين أذيال المروط وارتَعنْ ... )
فلما دنوت منه قال أتطردني أم أطردك قلت أطردك فركض وركضت في أثره حتى إذا مكنت السنان في لفتته واللفتة أسفل من الكتف اتكأت عليه فإذا هو والله مع لبب فرسه ثم استوى في سرجه فقلت
أقلني قال اطرد فتبعته حتى إذا ظننت أن السنان في ماضغيه اعتمدت عليه فإذا هو والله قائم على الأرض والسنان ماض زالج واستوى على فرسه فقلت أقلني قال اطرد فطردته حتى إذا مكنت السنان في متنه اتكأت عليه وأنا أظن أني قد فرغت منه فمال في ظهر فرسه حتى نظرت إلى يديه في الأرض ومضى السنان زالجا ثم استوى وقال أبعد ثلاث تريد ماذا أطردني ثكلتك أمك فوليت وأنا مرعوب منه فلما غشيني ووجدت حس السنان التفت فإذا هو يطردني بالرمح بلا سنان فكف عني واستنزلني فنزلت ونزل فجز ناصيتي وقال انطلق فإني أنفس بك عن القتل فكان ذلك والله يا أمير المؤمنين عندي أشد من الموت فذاك أشجع من رأيت وسألت عن الفتى فقيل ربيعة بن مكدم الفراسي من بني كنانة
وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري هذا الخبر وفيه خلاف للأول قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن موسى الهذلي قال حدثني سكين بن محمد قال
دخل عمرو بن معد يكرب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له يا أبا ثور من أين أقبلت قال من عند سيد بني مخزوم أعظمها هامة وأمدها قامة وأقلها ملامة وأفضلها حلما وأقدمها سلما وأجرئها مقدما قال ومن هو قال سيف الله وسيف رسوله قال وأي شيء صنعت عنده قال أتيته زائرا فدعا لي بكعب وقوس وثور فقال
عمر وأبيك إن في هذا لشبعا قال لي أو لك يا أمير المؤمنين قال لي ولك قال له فوالله إني لآكل الجذعة وأشرب التبن من اللبن رثيئة وصرفا فلم تقول هذا يا أمير المؤمنين فقال له عمر أي أحياء قومك خير قال مذحج وكل قد كان فيه خير شداد فوارسها فوارس أبطالها أهل الربا والرباح قال عمر وأين سعد العشيرة قال هم أشدنا شريسا وأكثرنا خميسا وأكرمنا رئيسا وهم الأوفياء البررة المساعير الفجرة قال عمر يا أبا ثور ألك علم بالسلاح قال على الخبير سقطت سل عما بدا لك قال أخبرني عن النبل قال منايا تخطىء وتصيب قال فأخبرني عن الرمح قال أخوك وربما خانك قال فأخبرني عن الترس قال ذاك مجن وعليه تدور الدوائر قال أخبرني عن الدرع قال مشغلة للفارس متعبة للراجل قال أخبرني عن السيف قال عنه قارعتك لأمك الهبل قال لا بل لأمك قال عمرو بل لأمك فرفع عمر الدرة فضرب بها عمرا وكان عمرو محتبيا فانحلت حبوته فاستوى قائما وأنشأ يقول
( أتضربني كأنك ذو رُعَين ... بخير معيشة أو ذو نواس )
( فكم مُلْك قديم قد رأينا ... وعز ظاهر الجبروت قاسي )
( فأضحى أهله بادوا وأضحى ... ينقَّل من أناس في أناس )
قال صدقت يا أبا ثور وقد هدم ذلك كله الإسلام أقسمت عليك لما جلست فجلس فقال له عمر هل كععت من فارس قط ممن لقيت قال
اعلم يا أمير المؤمنين أني لم أستحل الكذب في الجاهلية فكيف أستحله في الإسلام ولقد قلت لجبهة من خيلي خيل بني زبيد أغيروا بنا على بني البكاء فقالوا بعيد علينا المغار فقلت فعلى بني مالك بن كنانة قال فأتينا على قوم سراة فقال عمر ما علمك بأنهم سراة قال رأيت مزاود خيلهم كثيرة وقدورا مثفاة وقباب أدم فعرفت أن القوم سراة فتركت خيلي حجرة وجلست في موضع أتسمع كلامهم فإذا بجارية منهم قد خرجت من خيمتها فجلست بين صواحب لها ثم دعت وليدة من ولائدها فقالت ادعي فلانا فدعت لها برجل من الحي فقالت له إن نفسي تحدثني أن خيلا تغير على الحي فكيف أنت إن زوجتك نفسي فقال أفعل وأصنع وجعل يصف نفسه فيفرط فقالت له انصرف حتى أرى رأيي وأقبلت على صواحباتها فقالت ما عنده خير ادعي لي فلانا فدعت بآخر فخاطبته بمثل ما خاطبت به صاحبه فأجابها بنحو جوابه فقالت له انصرف حتى أرى رأيي وقالت لصواحباتها ولا عند هذا خير أيضا ثم قالت للوليدة ادعي لي ربيعة بن مكدم فدعته فقالت له مثل
قولها للرجلين فقال لها إن أعجز العجز وصف المرء نفسه ولكني إذا لقيت أعذرت وحسب المرء غناء أن يعذر فقالت له قد زوجتك نفسي فاحضر غدا مجلس الحي ليعلموا ذلك فانصرف من عندها وانتظرت حتى ذهب الليل ولاح الفجر فخرجت من مكمني وركبت فرسي وقلت لخيلي أغيري فأغارت وتركتها وقصدت نحو النسوة ومجلسهن فكشفت عن خيمة المرأة فإذا أنا بامرأة تامة الحسن فلما ملأت بصرها مني أهوت إلى درعها فشقته وقالت واثكلاه والله ما أبكي على مال ولا تلاد ولكن على أخت من وراء هذا القوز تبقى بعدي في مثل هذا الغائط فتهلك ضيعة وأومأت بيدها إلى قوز رمل إلى جانبهم فقلت هذه غنيمة من وراء غنيمة فدفعت فرسي حتى أوفيت على الأيفاع فإذا أنا برجل جلد نجد أهلب أغلب يخصف نعله وإلى جنبه فرسه وسلاحه فلما رآني رمىبنعله ثم استوى على فرسه وأخذ رمحه ومضى ولم يحفل بي فطفقت أشجره بالرمح خفقا وأقول له يا هذا استأسر فمضى ما يحفل بي حتى أشرف على الوادي فلما رأى الخيل تحوي إبله استعبر باكيا وأنشأ يقول
( قد علمتْ إذ منحتني فاها ... أني سأحوي اليوم من حَواها )
( بل ليت شعري اليوم من دهاها ... )
فأجبته
( عمرو على طول الوجَى دهاها ... بالخيل يحميها على وجاها )
( حتى إذا حل بها احتواها ... )
فحمل علي وهو يقول
( أَهْوِن بنضر العيش في دار نَدَمْ ... أفيض دمعاً كلما فاض انسجمْ )
( أنا ابن عبد الله محمود الشيم ... مؤتمن الغيب وفيّ بالذمم )
( أكرم من يمشي بساق وقدم ... كالليث إن هم بتَقْصام قَصَم )
فحملت عليه وأنا أقول
( أنا ابن ذي التقليد في الشهر الأصمّ ... أنا ابن ذي الإكليل قتال البُهَم )
( من يلقَني يُودِ كما أودت إِرَم ... أتركه لحماً على ظهر وضَمْ )
وحمل علي وهو يقول
( هذا حِمًى قد غاب عنه ذائده ... الموت وِرْد والأنام وارده )
وحمل علي فضربني فرغت وأخطأني فوقع سيفه في قربوس السرج فقطعه وما تحته حتى هجم على مسح الفرس ثم ثنى بضربة أخرى فرغت وأخطأني فوقع سيفه على مؤخر السرج فقطعه حتى وصل إلى فخذ الفرس وصرت راجلا فقلت ويحك من أنت فوالله ما ظننت أحدا من العرب يقدم علي إلا ثلاثة الحارث بن ظالم للعجب والخيلاء وعامر بن الطفيل للسن والتجربة وربيعة بن مكدم للحداثة والغرة فمن
أنت ويلك قال بل الويل لك فمن أنت قلت عمرو بن معد يكرب قال وأنا ربيعة بن مكدم قلت يا هذا إني قد صرت راجلا فاختر مني إحدى ثلاث إن شئت اجتلدنا بسيفينا حتى يموت الأعجز وإن شئت اصطرعنا فأينا صرع صاحبه حكم فيه وإن شئت سالمتك وسالمتني قال الصلح إذن إن كان لقومك فيك حاجة وما بي أيضا على قومي هوان قلت فذاك لك وأخذت بيده حتى أتيت أصحابي وقد حازوا نعمه فقلت هل تعلمون أني كععت عن فارس قط من الأبطال إذا لقيته قالوا نعيذك من ذاك قال قلت فانظروا هذا النعم الذي حزتموه فخذوه مني غدا في بني زبيد فإنه نعم هذا الفتى والله لا يوصل إلى شيء منه وأنا حي فقالوا لحاك الله فارس قوم أشقيتنا حتى إذا هجمنا على الغنيمة الباردة فثأتنا عنها قال قلت إنه لا بد لكم من ذلك وأن تهبوها لي ولربيعة بن مكدم فقالوا وإنه لهو قلت نعم فردوها وسالمته فأمن حربي وأمنت حربه حتى هلك
وفي بعض هذه الأراجيز التي جرت بين عمرو بن معد يكرب وربيعة بن مكدم غناء نسبته وقد جمع شعراهما معا في لحن واحد وهو
صوت
( أنا ابن ذي التقليد في الشهر الأصمّ ... أنا ابن عبد الله قَتّال البُهَمْ ) ( أكرم من يمشي بساق وقدم ... من يلقَنِي يودِ كما أودت إِرَم )
( أتركه لحماً على ظهر وَضَم ... كالليث إن همَّ بتَقْصام قَصَم )
( مؤتمَنُ الغيب وفيٌّ بالذمم ... )
ذكر أحمد بن يحيى المكي أن الغناء في هذا الشعر لحنين - خفيف ثقيل - بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وذكر الهشامي أنه لابن سرجيس الملقب بقراريط
حدثتني قمرية العمرية جارية عمرو بن بانة أنها أخذت عن أحمد بن العلاء هذا اللحن فقال لها انظري أي صوت أخذت فوالله لقد أخذته عن مخارق فلما استوى لي قال لي مخارق انظر أي صوت أخذت فوالله لقد أخذته عن يحيى المكي فلما غنيته الرشيد أطربه فوهب ليحيى عشرة آلاف درهم
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن الأحول عن الطرسوسي عن ابن الأعرابي قال
أجود بيت وصفت به الطعنة قول أهبان بن عادياء قاتل ربيعة بن مكدم حيث يقول
( ولقد طعنتُ ربيعة بن مكدمٍ ... يوم الكديد فخرّ غير موسَّدِ )
( في ناقع شَرِقت بما في جوفه ... منه بأحمر كالعقيق المُجسَد )
صوت
( أدركتِ ما منيتُ نفسي خالياً ... لله درك يابنة النعمانِ ! )
( إني لِحَلْفِك بالصليبِ مصدق ... والصُّلْب أصدق حَلْفةِ الرهبان )
( ولقد رددتِ على المغيرةِ ذهنه ... إن الملوك بطيئة الإذعان )
( يا هند حسبكِ قد صدقتِ فأمسِكِي ... والصدق خير مقالة الإِنسان )
الشعر للمغيرة بن شعبة الثقفي يقوله في هند بنت النعمان بن المنذر وقد خطبها فردته وخبره في ذلك وغيره يذكر هاهنا إن شاء الله والغناء لحنين ثاني - ثقيل - بالبنصر عن الهشامي وإبراهيم
أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه
هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيفب ويكنى أبا عبد الله وكان يكنى أبا عيسى فغيرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكناه أبا عبد الله وأمه أسماء بنت الأفقم بن أبي عمرو بن ظويلم بن جعيل بن عمرو بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازنوكان المغيرة بن شعبة من دهاة العرب وحزمتها وذوي الرأي منها والحيل الثاقبة وكان يقال له في الجاهلية والإسلام مغيرة الرأي وكان يقال ما اعتلج في صدر المغيرة أمران إلا اختار أحزمهما
وصحب النبي وشهد معه الحديبية وما بعدها وبعثه أبو بكر رضي الله عنه إلى أهل النجير وشهد فتح اليمامة وفتوح الشام وكان أعور أصيبت عينه في يوم اليرموك وشهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص فلما أراد مراسلة رستم لم يجد في العرب أدهى منه ولا أعقل فبعث به إليه وكان السفير بينهما حتى وقعت الحرب
وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدة ولايات إحداها البصرة
ففتح وهو واليها ميسان ودست ميسان وأبرقباذ وقاتل الفرس بالمرغاب فهزمهم ونهض إلى من كان بسوق الأهواز فقاتلهم وهزمهم وفتحها وانحازوا إلى نهر تيرى ومناذر الكبرى فزحف إليهم فقاتلهم وهزمهم وفتحها وخرج إلى المشرق مع النعمان بن المقرن وكان المغيرة على ميسرته وكان عمر قد عهد إن هلك النعمان فالأمير حذيفة فإن هلك
حذيفة فالأمير المغيرة بن شعبة
ولما فتحت نهاوند سار المغيرة في جيش إلى همذان ففتحها
وولاه عمر رضي الله عنه بعد ذلك الكوفة فقتل عمر وهو واليها وولاه أيضا إياها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فكان عليها إلى أن مات بها
وهو أول من وضع ديوان الإعطاء بالبصرة ورتب الناس فيه فأعطاهم على الديوان ثم صار ذلك رسما لهم بعد ذلك يحتذونه
إسلامه
قال محمد بن سعد كاتب الواقدي أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني محمد بن سعيد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز وعبد الملك بن عيسى الثقفي وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب ومحمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم قالوا قال المغيرة بن شعبةكنا قوما من العرب متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات فأراني لو رأيت قوما قد أسلموا ما تبعتهم فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وأهدوا له هدايا فأجمعت الخروج معهم فاستشرت عمي عروة بن مسعود فنهاني وقال لي ليس معك من بني أبيك أحد فأبيت
إلا الخروج وخرجت معهم وليس معهم أحد من الأحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر فركبت قاربا حتى حاذيت مجلسه فنظر إلي فأنكرني وأمر من يسائلني ما أنا وما أريد فسألني المأمور فأخبرته بأمرنا وقدومنا عليه فأمر بنا أن ننزل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافة ثم دعا بنا فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه إليه وأجلسه معه ثم سأله أكل القوم من بني مالك فقال نعم إلا رجلا واحدا من الأحلاف فعرفه إياي فكنت أهون القوم عليه ووضعوا هداياهم بين يديه فسر بها وأمر بقبضها وأمر لهم بجوائز وفضل بعضهم على بعض وقصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له
وخرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم وهم مسرورون ولم يعرض علي أحد منهم مواساة وخرجوا وحملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها وأشرب معهم ونفسي تأبى أن تدعني معهم وقلت ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا وما حباهم به الملك ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إياي فأجمعت على قتلهم فقلت أنا أجد صداعا فوضعوا شرابهم ودعوني فقلت رأسي يصدع ولكني أجلس وأسقيكم فلم ينكروا شيئا وجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب فجعلت أصرف لهم وأترع الكأس فيشربون ولا يدرون فأهمدتهم الكأس حتى ناموا ما يعقلون فوثبت إليهم فقتلتهم جميعا وأخذت جميع ما كان معهم
فقدمت على النبي فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه وعلي ثياب السفر فسلمت بسلام الإسلام فنظر إلي أبو بكر بن أبي قحافة وكان بي عارفا فقال ابن أخي عروة قلت نعم جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال رسول الله الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام فقال أبو بكر رضي الله عنه أفمن مصر أقبلتم قلت نعم
قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك قلت كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها ويرى فيها رأيه فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدق بمحمد فقال رسول الله أما إسلامك فنقبله ولا نأخذ من أموالهم شيئا ولا نخمسها لأن هذا غدر والغدر لا خير فيه فأخذني ما قرب وما بعد وقلت يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة قال فإن الإسلام يجب ما كان قبله وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية
قال المغيرة وأقمت مع النبي حتى اعتمر عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة فكانت أول سفرة خرجت معه فيها وكنت أكون مع أبي بكر وألزم النبي فيمن يلزم
وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي فأتاه يكلمه وجعل يمس لحية رسول الله وأنا قائم على رأسه مقنع في الحديد فقلت لعروة وهو يمس لحية رسول الله اكفف يدك قبل ألا تصل إليك فقال عروة يا محمد من هذا ما أفظه وأغلظه فقال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة فقال عروة يا عدو الله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس يا غدر
أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أحمد بن الهيثم الفراسي قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال قال المغيرة بن شعبة
أول ما عرفني به العرب من الحزم والدهاء أني كنت في ركب من قومي في طريق لنا إلى الحيرة فقالوا لي قد اشتهينا الخمر وما معنا إلا
درهم زائف فقلت هاتوه وهلموا زقين فقالوا وما يكفيك لدرهم زائف زق واحد فقلت أعطوني ما طلبت وخلاكم ذم ففعلوا وهم يهزأون بي فصببت في أحد الزقين شيئا من ماء ثم جئت إلى خمار فقلت له كل لي ملء هذا الزق فملأه فأخرجت الدرهم الزائف فأعطيته إياه فقال لي ما هذا ويحك أمجنون أنت فقلت مالك قال إن ثمن هذا الزق عشرون درهما جيادا وهذا درهم زائف فقلت أنا رجل بدوي وظننت أن هذا يصلح كما ترى فإن صلح وإلا فخذ شرابك فاكتال مني ما كاله وبقي في زقي من الشراب بقدر ما كان فيه من الماء فأفرغته في الزق الآخر وحملتهما على ظهري وخرجت وصببت في الزق الأول ماء
ودخلت إلى خمار آخر فقلت إني أريد ملء هذا الزق خمرا فانظر إلى ما معي منه فإن كان عندك مثله فأعطني فنظر إليه وإنما أردت ألا يستريب بي إذا رددت الخمر عليه فلما رآه قال عندي أجود منه قلت هات فأخرج لي شرابا فاكتلته في الزق الذي فيه الماء ثم دفعت إليه الدرهم الزائف فقال لي مثل قول صاحبه فقلت خذ خمرك فأخذ ما كان كاله لي وهو يرى أني خلطته بالشراب الذي أريته إياه وخرجت فجعلته مع الخمر الأول
ولم أزل أفعل ذلك بكل خمار في الحيرة حتى ملأت زقي الأول وبعض الآخر ثم رجعت إلى أصحابي فوضعت الزقين بين أيديهم
ورددت درهمهم فقالوا لي ويحك أي شيء صنعت فحدثتهم فجعلوا يعجبون وشاع لي الذكر في العرب بالدهاء حتى اليوم
قال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن معاوية النيسابوري قال حدثنا داود بن خالد عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس قال
أول من خضب بالسواد المغيرة بن شعبة خرج على الناس وكان عهدهم به أبيض الشعر فعجب الناس منه
قال محمد وأخبرني شهاب بن عباد قال حدثنا إبراهيم بن حميد الرواسي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي خازم عن المغيرة بن شعبة قال
كنت جالسا عند أبي بكر إذ عرض عليه فرس له فقال له رجل من الأنصار احملني عليها فقال أبو بكر لأن أحمل عليها غلاما قد ركب الخيل على غرلته أحب إلي من أن أحملك عليها فقال له الأنصاري أنا خير منك ومن أبيك قال المغيرة فغضبت لما قال ذلك لأبي بكر رضي الله عنه فقمت إليه فأخذت برأسه فركبته وسقط على أنفه فكأنما كان عزالي مزادة فتوعدني الأنصار أن يستفيدوا مني فبلغ ذلك أبا بكر فقام فقال أما بعد فقد بلغني عن رجال منكم زعموا أني مقيدهم من المغيرة ووالله لأن أخرجهم من دارهم أقرب إليهم من أن أقيدهم من وزعة الله الذين يزعون إليه
يخطب هند ابنة التسعين عاما
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال حدثنا حسان بن العلاء الرياحي عن أبيه عن الشعبي قالركب المغيرة بن شعبة إلى هند بنت النعمان بن المنذر وهي بدير هند متنصرة عمياء بنت تسعين سنة فقالت له من أنت قال أنا المغيرة بن شعبة قالت أنت عامل هذه المدرة تعني الكوفة قال نعم قالت فما حاجتك قال جئتك خاطبا إليك نفسك قالت أما والله لو كنت جئت تبغي جمالا أو دينا أو حسبا لزوجناك ولكنك أردت أن تجلس في موسم من مواسم العرب فتقول تزوجت بنت النعمان بن المنذر وهذا والصليب أمر لا يكون أبدا أو ما يكفيك فخرا أن تكون في ملك النعمان وبلاده تدبرهما كما تريد وبكت
فقال لها أي العرب كان أحب إلى أبيك قالت ربيعة قال فأين كان يجعل قيسا قالت ما كان يستعتبهم من طاعة قال فأين كان يجعل ثقيفا قالت رويدا لا تعجل بينا أنا ذات يوم جالسة في خدر لي إلى جنب أبي إذ دخل عليه رجلان أحدهما من هوازن والآخر من بني مازن كل
واحد منهما يقول إن ثقيفا منا فأنشأ أبي يقول
( إن ثقيفاً لم يكن هوازنا ... ولم يناسب عامراً ومازنا )
( إلا قريباً فانشِر المحاسِنا ... )
فخرج المغيرة وهو يقول
( أدركتِ ما منيتُ نفسِيَ خالياً ... لله درك يابنة النعمانِ ! )
وذكر الأبيات التي مضت وذكرت الغناء فيها
أخبرني محمد بن خلف قال أخبرنا الحارث بن محمد قال قال أبو عبيدة قال العلاء بن جرير العنبري
بينا حسان بن ثابت ذات يوم جالس بالخيف من منى وهو يومئذ مكفوف إذ زفر زفرة ثم أنشأ يقول
( وكأن حافرها بكل خميلةٍ ... صاع يكيل به شحيح معدِمُ )
( عاري الأشاجعِ من ثقيفٍ أصله ... عبد ويزعم أنه مِنْ يَقْدُم )
قال والمغيرة بن شعبة يسمع ما يقول فبعث إليه بخمسة آلاف درهم فلما أتاه بها الرسول قال من بعث بهذه قال المغيرة بن شعبة سمع ما قلت فقال واسوأتاه وقبلها
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل
العتكي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال
أحصن المغيرة بن شعبة إلى أن مات ثمانين امرأة فيهن ثلاث بنات لأبي سفيان بن حرب وفيهن حفصة بنت سعد بن أبي وقاص وهي أم ابنه حمزة بن المغيرة وعائشة بنت جرير بن عبد الله
وقال أبو اليقظان
صلى المغيرة بالناس سنة أربعين في العام الذي قتل فيه علي بن أبي طالب عليه السلام فجعل يوم الأضحى يوم عرفة أظنه خاف أن يعزل فسبق ذلك فقال الراجز
( سِيري رُويداً وابتغي المغيرهْ ... كلفتُها الإِدلاج بالظهيرة )
قال وكان المغيرة مطلاقا فكان إذا اجتمع عنده أربع نسوة قال إنكن لطويلات الأعناق كريمات الأخلاق ولكني رجل مطلاق فاعتددن
وكان يقول النساء أربع والرجال أربعة رجل مذكر وامرأة مؤنثة فهو قوام عليها ورجل مؤنث وامرأة مذكرة فهي قوامة عليه ورجل مذكر وامرأة مذكرة فهما كالوعلين ينتطحان ورجل مؤنث وامرأة مؤنثة فهما لا يأتيان بخير ولا يفلحان
المغيرة يتزوج تسعا وثمانين امرأة
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا أبو هلال عن مطير الوراق قال قال المغيرة بن شعبةنكحت تسعا وثمانين امرأة أو قال أكثر من ثمانين امرأة فما أمسكت
امرأة منهن على حب أمسكها لودها ولحسبها ولكذا ولكذا
قال أبو زيد وبلغني أنهم ذكروا النساء عند المغيرة بن شعبة فقال أنا أعلمكم بهن تزوجت ثلاثا وتسعين امرأة منهن سبعون بكرا فوجدت اليمانية كثوبك أخذت بجانبه فاتبعك بقيته ووجدت الربعية أمتك أمرتها فأطاعتك ووجدت المضرية قرنا ساورته فغلبته أو غلبك
حدثنا ابن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو عاصم قال رأى المغيرة امرأة له تخلل بعد صلاة الصبح فطلقها فقالت علام طلقني قيل رآك تخللين فظن أنك أكلت فقالت أبعده الله والله ما أتخلل إلا من السواك
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن زيد بن أسلم
أن رجلا جاء فنادى يستأذن لأبي عيسى على أمير المؤمنين فقال عمر أيكم أبو عيسى قال المغيرة بن شعبة أنا فقال له عمر هل لعيسى من أب أما يكفيكم معاشر العرب أن تكتنوا بأبي عبد الله وأبي عبد الرحمن
فقال له رجل من القوم أشهد أن النبي كناه بها فقال له عمر إن النبي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأنا لا أدري ما يفعل بي فكناه أبا عبد الله
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال حدثني عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ قال
كان الجمال بالكوفة ينتهي إلى أربعة نفر المغيرة بن شعبة وجرير بن عبد الله والأشعث بن قيس وحجر بن عدي وكلهم كان أعور فكان المغيرة والأشعث وجرير يوما متواقفين بالكوفة بالكناسة فطلع عليهم أعرابي فقال لهم المغيرة دعوني أحركه قالوا لا تفعل فإن للأعراب جوابا يؤثر قال لا بد قالوا فأنت أعلم قال له يا أعرابي هل تعرف المغيرة بن شعبة قال نعم أعرفه أعور زانيا فوجم ثم تجلد فقال هل تعرف الأشعث بن قيس قال نعم ذاك رجل لا يعرى قومه قال وكيف
ذاك قال لأنه حائك ابن حائك قال فهل تعرف جرير بن عبد الله قال وكيف لا أعرف رجلا لولاه ما عرفت عشيرته قالوا له قبحك الله فإنك شر جليس فهل تحب أن نوقر لك بعيرك هذا مالا وتموت أكرم العرب قال فمن يبلغه أهلي إذن فانصرفوا عنه وتركوه
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أبو سعيد السكري قال حدثنا محمد بن أبي السري واسم أبي السري سهل بن سلام الأزدي قال حدثني هشام بن محمد قال أخبرنا عوانة بن الحكم قال
خرج المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يومئذ ومعه الهيثم بن الأسود النخعي بعد غب مطر يسير بظهر الكوفة والحوف فلقي ابن لسان الحمرة أحد بني تيم الله بن ثعلبة وهو لا يعرف المغيرة فقال له المغيرة من أين أقبلت يا أعرابي قال من السماوة قال فكيف تركت الأرض خلفك قال عريضة أريضة قال وكيف كان المطر قال عفى الأثر وملأ الحفر قال ممن أنت قال من بكر بن وائل قال فكيف علمك بهم قال إن جهلتهم لم أعرف غيرهم قال فما تقول في بني شيبان قال سادتنا وسادة غيرنا قال فما تقول في بني ذهل قال سادة نوكى قال فقيس بن ثعلبة قال إن جاورتهم سرقوك وإن
ائتمنتهم خانوك قال فبنو تيم الله بن ثعلبة قال رعاء البقر وعراقيب الكلاب قال فما تقول في بني يشكر قال صريح تحسبه مولى قال هشام لأن في ألوانهم حمرة قال فعجل قال أحلاس الخيل قال فحنيفة قال يطعمون الطعام ويضربون الهام قال فعنزة قال لا تلتقي بهم الشفتان لؤما قال فضبيعة أضجم قال جدعا وعقرا قال فأخبرني عن النساء قال النساء أربع ربيع مربع وجميع تجمع وشيطان سمعمع وغل لا يخلع قال فسر قال أما الربيع المربع فالتي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أقسمت عليها أبرتك وأما التي هي جميع تجمع فالمرأة تتزوجها ولها نشب فتجمع نشبك إلى نشبها وأما الشيطان السمعمع فالكالحة في وجهك إذا دخلت والمولولة في أثرك إذا خرجت وأما الغل الذي لا يخلع فبنت عمك السوداء القصيرة الفوهاء الدميمة التي قد نثرت لك بطنها إن طلقتها ضاع ولدك وإن أمسكتها فعلى جدع أنفك فقال له المغيرة بل أنفك ثم قال له ما تقول في أميرك المغيرة بن شعبة قال أعور زناء فقال الهيثم فض الله فاك ويلك هذا الأمير المغيرة فقال إنها كلمة والله تقال فانطلق به المغيرة إلى منزله وعنده يومئذ أربع نسوة وستون أو سبعون أمة قال له ويحك هل يزني الحر وعنده مثل هؤلاء ثم قال لهن المغيرة ارمين إليه بحلاكن ففعلن
فخرج الأعرابي بملء كسائه ذهبا وفضة
يغش علي ويخدع مصقلة الشيباني
أخبرني عبيد الله بن محمد قال حدثنا الخراز عن المدائني عن أبي مخنف وأخبرني أحمد بن عيسى العجلي قال حدثنا الحسن بن نصر قال حدثني أبي نصر بن مزاحم قال حدثنا عمر بن سعد عن أبي مخنف عن رجالهأن المغيرة بن شعبة جاء إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له اكتب إلى معاوية فوله الشام ومره بأخذ البيعة لك فإنك إن لم تفعل وأردت عزله حاربك فقال علي عليه السلام ( ما كنت متخذ المضلين عضدا ) فانصرف المغيرة وتركه فلما كان من غد جاءه فقال إني فكرت فيما أشرت به عليك أمس فوجدته خطأ ووجدت رأيك أصوب فقال له علي لم يخف علي ما أردت قد نصحتني في الأولى وغششتني في الآخرة ولكني والله لا آتي أمرا أجد فيه فسادا لديني طلبا لصلاح دنياي فانصرف المغيرة
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني إبراهيم بن سعيد بن شاهين قال حدثني محمد بن يونس الشيرازي قال حدثني محمد بن غسان الضبي قال حدثني زاجر بن عبد الله الثقفي مولى الحجاج بن يوسف قال
كان بين المغيرة بن شعبة وبين مصقلة بن هبيرة الشيباني تنازع
فضرع له المغيرة وتواضع في كلامه حتى طمع فيه مصقلة واستعلى عليه فشتمه فقدمه المغيرة إلى شريح وهو القاضي يومئذ فأقام عليه البينة فضربه الحد فآلى مصقلة ألا يقيم ببلدة فيها المغيرة بن شعبة ما دام حيا وخرج إلى بني شيبان فنزل فيهم إلى أن مات المغيرة ثم دخل الكوفة فتلقاه قومه وسلموا عليه فما فرغ من التسليم حتى سألهم عن مقابر ثقيف فأرشدوه إليها فجعل قوم من مواليه يلتقطون له الحجارة فقال ما هذا قالوا ظننا أنك تريد أن ترجم قبره فقال ألقوا ما في أيديكم فألقوه وانطلق حتى وقف على قبره ثم قال والله لقد كنت نافعا لصديقك ضائرا لعدوك وما مثلك إلا كما قال مهلهل في أخيه كليب
( إن تحت الأحجار حزماً وعزماً ... وخَصيماً ألدّ ذا معلاق )
( حيةٌ في الوِجار أربدُ لا ينْقع ... منه السليمَ نفثُ الراقي )
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن القاسم عن العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي
أن مصقلة قال له والله إني لأعرف شبهي في عروة ابنك فأشهد عليه بذلك وجلده الحد وذكر باقي الخبر مثل الذي قبله
عمر لا ينخدع
أخبرني محمد بن عبد الله الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن مسلمة بن محارب قال
قال رجل من قريش لعمر بن الخطاب رضوان الله عليه ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر فتحفظه بعد وفاته وتخلفه في أهله فقال عمر بلى إني لأحب ذاك فاذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك وعد إلي بجوابها فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر فأجابته إلى ذلك وقالت له حبا وكرامة ودخل إليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة فقال لها مالك يا أم المؤمنين فأخبرته برسالة عمر وقالت إن هذه جارية حدثة وأردت لها ألين عيشا من عمر فقال لها علي أن أكفيك وخرج من عندها فدخل على عمر فقال بالرفاء والبنين قد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله وخطبتك أم كلثوم فقال قد كان ذاك قال إلا أنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك وهذه صبية حديثة السن فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها فتصيح يا أبتاه فيغمك ذلك وتتألم له عائشة ويذكرون أبا بكر فيبكون عليه فتجدد لهم المصيبة به مع قرب عهدها في كل يوم فقال له متى كنت عند عائشة واصدقني فقال آنفا فقال عمر أشهد أنهم كرهوني فتضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت وقد أعفيتهم فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر وأمسك عمر عن معاودتها
المغيرة يزني وأبو بكرة يشهد عليه
حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد الله بن عمار قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن محمد بن سليمان الباقلاني عن قتادة عن غنيم بن قيس قال
كان المغيرة بن شعبة يختلف إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء فلقيه أبو بكرة فقال له أين تريد قال أزور آل فلان فأخذ بتلابيبه وقال إن الأمير يزار ولا يزور
وحدثنا بخبره لما شهد عليه الشهود عند عمر رضي الله عنه أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز قالا حدثنا عمر بن شبة فرواه عن جماعة من رجاله بحكايات متفرقة
قال عمر بن شبة حدثني أبو بكر العليمي قال أخبرنا هشام عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة
قال عمر بن شبة وحدثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة
قال أبو زيد عمر بن شبة وحدثنا علي بن محمد بن حباب بن موسى عن مجالد عن الشعبي
قال وحدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا عوف عن قسامة بن زهير
قال أبو زيد عمر بن شبة قال الواقدي حدثنا عبد الرحمن بن محمد ابن أبي بكرة عن أبيه عن مالك بن أوس بن الحدثان
قال وحدثني محمد بن الجهم عن علي بن أبي هاشم عن إسماعيل بن أبي عبلة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك
أن المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار وكان أبو بكرة يلقاه فيقول له أين يذهب الأمير فيقول آتي حاجة فيقول له حاجة ماذا إن الأمير يزار ولا يزور
قال وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة قال فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شبل بن معبد وكانت غرفة جارته تلك بحذاء غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها فقال أبو بكرة هذه بلية ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا قال وذهب ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال له لا والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت فقال الناس دعوه فليصل فإنه الأمير واكتبوا بذلكم إلى عمر فكتبوا إليه فورد كتابه بأن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود
وقال المدائني في حديثه عن حباب بن موسى وبعث عمر بأبي موسى الأشعري على البصرة وعزم عليه ألا يضع كتابه من يده حتى يرحل المغيرة بن شعبة قال قال علي بن أبي هاشم في حديثه إن أبا موسى قال لعمر لما أمره أن يرحله من وقته أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين نتركه يتجهز ثلاثا ثم يخرج قال فصلينا صلاة الغداة بظهر المربد ودخلنا المسجد فإذا هم يصلون الرجال والنساء مختلطين فدخل رجل على المغيرة فقال له
إني رأيت أبا موسى في جانب المسجد عليه برنس فقال له المغيرة ما جاء زائرا ولا تاجرا فدخلنا عليه ومعه صحيفة ملء يده فلما رآنا قال الأمير فأعطاه أبو موسى الكتاب فلما قرأه ذهب يتحرك عن سريره فقال أبو موسى مكانك تجهز ثلاثا
وقال الآخرون إن أبا موسى أمره أن يرحل من وقته فقال له المغيرة لقد علمت ما وجهت فيه فألا تقدمت فصليت فقال له أبو موسى ما أنا وأنت في هذا الأمر إلا سواء فقال له المغيرة فإني أحب أن أقيم ثلاثا لأتجهز فقال قد عزم علي أمير المؤمنين ألا أضع عهدي من يدي إذا قرأته عليك حتى أرحلك إليه قال إن شئت شفعتني وأبررت قسم أمير المؤمنين قال وكيف قال تؤجلني إلى الظهر وتمسك الكتاب في يدك قالوا فقد رئي أبو موسى يمشي مقبلا ومدبرا وإن الكتاب لفي يده معلقا بخيط فتجهز المغيرة وبعث إلى أبي موسى بعقيلة جارية عربية من سبي اليمامة من بني حنيفة ويقال إنها مولدة الطائف ومعها خادم لها وسار المغيرة حين صلى الظهر حتى قدم على عمر وقال في حديث محمد بن عبد الله الأنصاري فلما قدم على عمر قال له إنه قد شهد عليك بامر إن كان حقا لأن تكون مت قبل ذلك كان خيرا لك
قال أبو زيد وحدثني الحكم بن موسى قال حدثنا يحيى بن حمزة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن مصعب بن سعد
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس ودعا المغيرة والشهود فتقدم
أبو بكرة فقال له أرأيته بين فخذيها قال نعم والله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها فقال له المغيرة لقد ألطفت النظر فقال له لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به فقال له عمر لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه كما يلج المرود في المكحلة فقال نعم أشهد على ذلك فقال له اذهب عنك مغيرة ذهب ربعك
ثم دعا نافعا فقال له علام تشهد قال على مثل شهادة أبي بكرة قال لا حتى تشهد أنه كان يلج فيه ولوج المرود في المكحلة فقال نعم حتى بلغ قذذه فقال اذهب عنك مغيرة ذهب نصفك ثم دعا الثالث فقال علام تشهد فقال على مثل شهادة صاحبي فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك قال حتى مكث يبكي إلى المهاجرين فبكوا وبكى إلى أمهات المؤمنين حتى بكين معه وحتى لا يجالس هؤلاء الثلاثة أحد من أهل المدينة
قال ثم كتب إلى زياد فقدم على عمر فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع إليه رؤوس المهاجرين والأنصار قال المغيرة ومعي كلمة قد رفعتها لأكلم القوم قال فلما رآه عمر مقبلا قال إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين
قال أبو زيد وحدثنا عفان قال حدثنا السري بن يحيى قال حدثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهدي قال
لما شهد عند عمر الشاهد الأول على المغيرة تغير لذلك لون عمر ثم جاء آخر فشهد فانكسر لذلك انكسارا شديدا ثم جاء رجل شاب يخطر بين يديه فرفع عمر رأسه إليه وقال له ما عندك يا سلح العقاب وصاح أبو
عثمان صيحة تحكي صيحة عمر قال عبد الكريم لقد كدت أن يغشى علي
وقال آخرون قال المغيرة فقمت إلى زياد فقلت له لا مخبأ لعطر بعد عروس ثم قلت يا زياد اذكر الله واذكر موقف يوم القيامة فإن الله وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر ما رأيت فلا يحملك شر منظر رأيته على أن تتجاوزه إلى ما لم تر فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها قال فترنقت عيناه واحمر وجهه وقال يا أمير المؤمنين أما أن أحق ما حق القوم فليس ذلك عندي ولكني رأيت مجلسا قبيحا وسمعت نفسا حثيثا وانبهارا ورأيته متبطنها فقال له أرأيته يدخله كالميل في المكحلة فقال لا
وقال غير هؤلاء إن زيادا قال له رأيته رافعا برجليها ورأيت خصيتيه تترددان بين فخذيها ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا فقال له أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة فقال لا فقال عمر الله أكبر قم إليهم فاضربهم فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين وأعجبه قول زياد ودرأ عن المغيرة الرجم فقال أبو بكرة بعد أن ضرب فإني أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا فهم عمر بضربه فقال له علي عليه السلام إن ضربته رجمت صاحبك ونهاه عن ذلك
قال يعني أنه إن ضربه جعل شهادته بشهادتين فوجب بذلك الرجم على المغيرة
قال واستتاب عمر أبا بكرة فقال إنما تستتيبني لتقبل شهادتي قال أجل قال لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا قال فلما ضربوا
الحد قال المغيرة الله أكبر الحمد لله الذي أخزاكم فقال له عمر اسكت أخزى الله مكانا رأوك فيه قال وأقام أبو بكرة على قوله وكان يقول والله ما أنسى رقط فخذيها قال وتاب الاثنان فقبلت شهادتهما قال وكان أبو بكرة بعد ذلك إذا دعي إلى شهادة يقول اطلب غيري فإن زيادا قد أفسد علي شهادتي
قال أبو زيد وحدثني سليمان بن داود بن علي قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال
لما ضرب أبو بكرة أمرت أمه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره قال فكان أبي يقول ما ذاك إلا من ضرب شديد
حدثنا ابن عمار والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد عن يحيى بن زكريا عن مجالد عن الشعبي قال
كانت أم جميل بنت عمر التي رمي بها المغيرة بن شعبة بالكوفة تختلف إلى المغيرة في حوائجها فيقضيها لها قال ووافقت عمر بالموسم والمغيرة هناك فقال له عمر أتعرف هذه قال نعم هذه أم كلثوم بنت علي فقال له عمر أتتجاهل علي والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء
حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن عباد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال
قال علي بن أبي طالب عليه السلام لئن لم ينته المغيرة لأتبعنه أحجاره وقال غيره لئن أخذت المغيرة لأتبعنه أحجاره
أخبرني ابن عمار والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني قال
قال حسان بن ثابت يهجو المغيرة بن شعبة في هذه القصة
( لوَ إن اللؤم ينسَب كان عبداً ... قبيح الوجه أعور من ثقيفِ )
( تركتَ الدين والإسلام لما ... بدت لك غُدوةً ذاتُ النَّصيف )
( وراجعت الصِّبا وذكرت عهداً ... من القَينات والغمز اللطيف )
أخبرني الجوهري وابن عمار قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني عن عبد الله بن سلم الفهري قال
لما شخص المغيرة إلى عمر رأى في طريقه جارية فأعجبته فخطبها إلى أبيها فقال له أنت على هذه الحال قال وما عليك إن أعف فهو الذي تريد وإن أقتل ترثني فزوجه
قال أبو زيد قال الواقدي تزوجها بالرقم وهي امرأة من بني مرة فلما قدم بها على عمر قال إنك لفارغ القلب طويل الشبق
وقال محمد بن سعد أخبرني محمد بن عبد الله الأسدي قال حدثنا مسعر عن زياد بن علاقة قال
سمعت جرير بن عبد الله حين مات المغيرة بن شعبة يقول استغفروا لأميركم هذا فإنه كان يحب العافية
قال وكان المغيرة أصهب الشعر جدا أكشف يفرق رأسه
قرونا أربعة أقلص الشفتين مهتوما ضخم الهامة عبل الذراعين بعيد ما بين المنكبين
قال وقال الواقدي حدثني محمد بن موسى الثقفي عن أبيه قال
مات المغيرة بن شعبة بالكوفة سنة خمسين في خلافة معاوية وهو ابن سبعين سنة وكان رجلا طوالا أعور أصيبت عينه يوم اليرموك
صوت
( جِنية ولها جِن يعلمها ... رمي القلوب بقوس ما لها وترُ )( إن كان ذا قدَراً يعطيكِ نافلة ... منا ويحرِمنا ما أنصف القدر )
الشعر لمحمد بن بشير الخارجي والغناء لإبراهيم - هزج - بالبنصر عن الهشامي
أخبار محمد بن بشير الخارجي ونسبه
هو محمد بن بشير بن عبد الله بن عقيل بن أسعد بن حبيب بن سنان بن عدي بن عوف بن بكر بن يشكر بن عدوان الخارجي من بني خارجة بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر ويقال لعدوان وفهم ابنا جديلة نسبا إلى أمهما جديلة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ويكنى محمد بن بشير أبا سليمان شاعر فصيح حجازي مطبوع من شعراء الدولة الأموية وكان منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي أحد بني أسد بن عبد العزى وهو جد ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن لأمهم هند بنت أبي عبيدة بن زمعة القرشي ولدت لعبد الله محمدا وإبراهيم وموسى وكانت لمحمد بن بشير فيه مدائح ومراث مختارة وهي عيون شعره وكان يبدو في أكثر زمانه ويقيم في بوادي المدينة ولا يكاد يحضر مع الناسأخبرني بقطعة من أخباره الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب الزبيري قال أحمد وحدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي وعمي مصعب وحدثني بقطعة أخرى منها عيسى بن الحسن الوراق عن الزبير عن سليمان بن عياش وقد ذكرت كل ذلك في مواضعه
عائشة بنت يحيى تأبى أن تتزوجه
قال ابن أبي خيثمة في روايته عن مصعب وعن الزبير عن سليمان بن عياشكان الخارجي واسمه محمد بن بشير بن عبد الله بن عقيل بن سعد بن حبيب بن سنان بن عدي بن عوف بن بكر شاعرا فصيحا ويكنى أبا سليمان فقدم البصرة في طلب ميراث له بها فخطب عائشة بنت يحيى بن يعمر الخارجية من خارجة عدوان فأبت أن تتزوجه إلا أن يقيم معها بالبصرة ويترك الحجاز ويكون أمرها في الفرقة إليها فأبى أن يفعل وقال في ذلك
( أرِق الحزينُ وعاده سُهُدهْ ... لطوارق الهم التي تَرِدُهْ )
( وذكرتُ من لانت له كبدي ... فأبى فليس تلين لي كبده )
( ونأى فليس بنازل بلدي ... أبدا وليس بمُصلِحي بلده )
( فصُدِعت حين أبى مودتَه ... صَدْعَ الزجاجة دائم أبده )
( وعرفت أن الطير قد صدقت ... يوم الكِدانة شرَّ ما تَعِده )
( فاصبر فإن لكل ذي أجل ... يوماً يجيء فينقضي عدده )
( ماذا تعاتب من زمانك إذ ... ظعن الحبيب وحل بي كمَدُه )
قالا وخاطب أباها يحيى بن يعمر في ذلك فقال له إنها امرأة برزة عاقلة لا يفتات على مثلها بأمرها وما عندها عنك من رغبة ولكنها امرأة في خلقها شدة ولها غيرة وقد بلغني أن لك زوجتين وما أراها تصبر على أن تكون ثالثة لهما فانظر في أمرك وشاور فيه فإما أن أقمت بالبصرة معها فعفت لك عن صاحبتيك إذ لا مجاورة بينهما وبينها ولا عشرة وإن شئت
فارقتهما وأخرجها معك فصار إلى رحله مغموما وشاور ابن عم له يقال له وراد بن عمرو في ذلك فقال له إن في يحيى بن يعمر لرغبة لثروته وكثرة ماله وما ذكرته من جمال ابنته وما نحب أن تفارق زوجتيك وكانت إحداهما ابنة عمه والأخرى من أشجع فتقيم معها السنة بالبصرة ونمضي نحن فإن رغبت فيها تمسكت بها وأقمت بمكانك وإن رغبت في العود إلى بلدك كتبت إلينا فجئناك حتى تنصرف معنا إلى بلدك ففكر ليلة أجمع في ذلك ثم غدا عازما على الرجوع إلى الحجاز وقال
( لئن أقمتُ بحيث الفيضُ في رجب ... حتى أُهِلَّ به من قابلٍ رَجَبَا )
( وراح في السَّفْر ورّاد فهيجني ... ان الغريب إذا هيجته طربا )
( إن الغريب يَهيج الحزنُ صَبْوته ... إذا المصاحب حياه وقد ركبا )
( قد قلت أمس لوراد وصاحبه ... عُوجا على الخارجيّ اليوم واحتسِبا )
( وأبلغا أم سعد أنّ عانيها ... أعيا على شفعاء الناس فاجتنبا )
( لما رأيت نجِيَّ القوم قلت لهم ... هل يعدُوَنَّ نجيُّ القوم ما كُتبا )
( وقلت إني متى أجلب شفاعتكم ... أندم وإنّ أشقّ الغيّ ما اجتُلِبا )
( وإنّ مثلي متى يسمع مقالتكم ... ويعرف العين يندم قبل أن يجبا )
( إني وما كبّر الحُجّاج تحملهم ... بُزْل المطايا بجنبي نخلةٍ عُصَبا )
( وما أهلّ به الداعي وما وقفت ... عُلْيا ربيعة ترمي بالحصى الحصِبا )
( جهداً لَمَنْ ظن أني سوف أُظعنها ... عن ربع غانية أخرى لقد كذبا )
( أأبتغي الحسن في أخرى وأتركها ... فذاك حين تركت الدين والحسبا )
( وما انقضى الهم من سُعدى وما عَلِقت ... مني الحبائل حتى رمتُها حِقَبا )
( وما خلوت بها يوماً فتعجبني ... إلا غدا أكثرَ اليومين لي عجبا )
( بل أيها السائِلي ما ليس يدركه ... مهلاً فإنك قد كلفتَني تعبا )
( كم من شفيع أتاني وهو يحسُب لي ... حَسْبا فأُقصِرهُ من دون ما حَسَبا )
( فإن يكن لهواها أو قرابتها ... حب قديم فما غاب ولا ذهبا )
( هما عليّ فإن أرضيتها رضيا ... عني وإن غضبتْ في باطل غضبا )
( كائنْ ذهبتُ فَردّاني بكيدهما ... عما طلبت وجاءاها بما طلبا )
( وقد ذهبت فلم أصبح بمنزلة ... إلا أنازع من أسبابها سببا )
( وَيْلُمِّها خُلّةً لو كنتِ مُسجِحةً ... أو كنتَ ترجع من عَصْرَيْك ما ذهبا )
( أنت الظعينة لا تُرْمَى برمتها ... ولا يفجِّعها ابن العم ما اصطحبا )
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال
قدم أعراب من بني سليم أقحمتهم السنة إلى الروحاء فخطب إلى
بعضهم رجل من الموالي من أهل الروحاء فزوجه فركب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة وواليها يومئذ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة فاستعداه الخارجي على المولى فأرسل إبراهيم إليه وإلى النفر السلميين وفرق بين المولى وزوجته وضربه مائتي سوط وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه فقال محمد بن بشير في ذلك
( شهدتُ غداةَ خصم بني سُليم ... وجوهاً من قضائك غير سود )
( قضيتَ بسنة وحكمت عدلاً ... ولم تَرِث الحكومة من بعيد )
( إذا غُمِز القنا وُجِدتْ لعمري ... قناتك حين تغمَز خيرَ عُود )
( إذا عض الثِّقاف بها اشمأزت ... أبيَّ النفس بائنة الصعود )
( حمى حَدَباً لحوم بنات قوم ... وهم تحت التراب أبو الوليد )
( وفي المِئَتَيْنِ للمولى نَكال ... وفي سلب الحواجب والخدود )
( إذا كافأتَهم ببنات كِسرى ... فهل يجد الموالي من مَزيد )
( فأي الحق أنصف للموالي ... مِن اصْهار العبيد إلى العبيد )
حدثني عمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش قال
كان للخارجي عبد وكان يتلطف له ويخدمه حتى أعتقه وأعطاه مالا فعمل به وربح فيه ثم احتاج الخارجي بعد ذلك إلى معونة أو قرض في نائبة لحقته فبعث إلى مولاه في ذلك وقد كان المولى أثرى واتسعت حاله فحلف
له أنه لا يملك شيئا فقال الخارجي في ذلك
( يسعى لك المولى ذليلاً مُدقِعا ... ويخذلك المولى إذا اشتدّ كاهلُهْ )
( فأمسِك عليك العبد أوّل وَهْلةٍ ... ولا تنفلِت من راحتيك حبائله )
وقال أيضا
( إذا افتقر المولى سعى لك جاهداً ... لترضى وإن نال الغنى عنك أدبرا )
تأخرت زوجتاه فتزوج ثالثة
حدثني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قالكان محمد بن بشير الخارجي بين زوجتين له وكان يسكن الروحاء فأجدب عليه منزله فوجه غنما إلى سحابة وقعت برجفان وهو جبل يطل على مضيق يليل فشقت غيبتها عليه فقال لزوجتيه لو تحولتما إلى غنمنا فقالتا له بل تذهب فتطلع إليها وتصرفها إلى موضع قريب حتى نوافيك فيه فمضى وزودتاه وطبين وقالتا له اجمع لنا اللبن ووعدتاه موضعا من رجفان يقال له ذو القشع فانطلق فصرف غنمه إلى ذلك الموضع ثم انتظرهما فأبطأتا عليه وخالفته سحابة إليهما فأقامتا وقالتا يبلغ إلى غنمه ثم يأتينا فجعل يصعد في الجبل وينزل يتبصرهما فلا يراهما فبينما هو كذلك إذ أبصر امرأتين قد نزلتا فقال أنزل فأتحدث إليهما فإذا هو بامرأة مسنة ومعها بنت لها شابة فأعجبته فقال لها أتزوجينني ابنتك هذه قالت إن كنت كفوءا فانتسب لها فقالت أعرف النسب ولا أعرف الوجه ولكن يأتي أبوها فجاء
أبوها فعرفه فأخبرته امرأته بما طلب فقال نعم وزوجه إياها فساق إليها قطعة من غنمه ثم بنى بها وانتظر فلم ير زوجتيه تقدمان عليه فارتحل إليهما بزوجته وبقية غنمه فلما طلع عليهما وقف فأخذ بيدها ثم أنشأ يقول
( كأني مُوف للهلال عشية ... بأسفل ذات القِشع منتظِرَ القَطْرِ )
( وأنتن تلبسن الجديدة بعدما ... طُردت بطَيِّ الوَطْب في البُلْق والعُفْرِ )
( فكان الذي قلتن أَعْدِدْ بضاعة ... لناهد بيضاء الترائب والنحر )
( كأنّ سُموط الدر منها معلق ... بجَيْداءَ في ضالٍ بوَجْرة أو سدر )
( تكون بلاغاً ثم لست بمخبر ... إذا وُدِيت لي ما وددتن من أمري )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب قال حدثني أحمد بن زهير وحدثني الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش قالا
كان محمد بن بشير يتحدث إلى امرأة من مزينة وكان قومها قد جاوروهم ثم جاء الربيع وأخصبت بلاد مزينة فارتحلوا فقال محمد بن بشير
( لو بَيَّنتْ لك يوم فراقِها ... أن التفرّق من عشيةَ أو غدِ )
( لشكوت إذ علِق الفؤاد بهائم ... علقٍ حبائلَ هائم لم يُعهد )
( وتبرجت لك فاستَبَتْك بواضح ... صَلت وأسود في النصيف معقّد )
( بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط ليل صيف مُبْرِد )
( موسومة بالحسن ذات حواسد ... إن الجمال مظِنة للحسَّد )
( لم يُطْغِها سَرَف الشباب ولم تضِع ... عنها معاهدة النصيح المرشد )
( خَود إذا كثر الكلام تعوّذت ... بِحمَى الحياء وإن تكلمْ تُقصِدِ )
( وكأَن طعم سُلافة مشمولةٍ ... تنصبّ في إثر السواك الأغيدِ )
( وترى مدامعها تُرَقْرِق مقلة ... حوراء ترغب عن سواد الإِثمد )
( ماذا إذا برزت غداة رحيلهامِ ... الحسن تحت رِقاق تلك الأبرد )
( وُلِدت بأسعدِ أنجمٍ فمحلها ... ومسيرها أبداً بطلق الأسعدُ )
( الله يُسعدها ويُسْقِي دارها ... خَضِلَ الرَّباب سَرَى ولما يُرْعِدِ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال
صحب محمد بن بشير رفقة من قضاعة إلى مكة وكانت فيهم امرأة جميلة فكان يسايرها ويحادثها ثم خطبها إلى نفسها فقالت لا سبيل إلى ذلك لأنك لست لي بعشير ولا جاري في بلدي ولا أنا ممن تطمعه رغبة عن بلده ووطنه فلم يزل يحادثها ويسايرها حتى انقضى الحج ففرق بينهما
نزوعهما إلى أوطانهما فقال الخارجي في ذلك
( أستغفر الله ربي من مخدَّرة ... يوماً بدا لي منها الكشحُ والكتِدُ )
( من رُفقة صاحبونا في ندائِهمُ ... كلٌّ حرام فما ذُمُّوا ولا حُمِدوا )
( حتى إذا البُدْن كانت في مناحرها ... يعلو المناسمَ منها مُزبِد جَسِد )
( وحلّق القوم واعتمّوا عمائمهم ... واحتلِ كل حرامٍ رأسُه لَبِد )
( أقبلتُ أسألها ما بالُ رُفقتها ... وما أبالي أغاب القوم أم شهِدوا )
( فقربت لِيَ واحلولت مقالتها ... وعوّقتني وقالت بعضَ ما تجد )
( أنّى ينال حِجازيّ بحاجته ... إحدى بني القين أدنى دارِها بَرِد )
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال
خطب محمد بن بشير امرأة من قومه فقالت له طلق امرأتك حتى أتزوجك فأبى وانصرف عنها وقال في ذلك
( أأطلب الحسن في أخرى وأتركها ... فذاك حين تركت الدين والحسبا )
( هي الظعينة لا يُرْمى برُمتها ... ولا يفجّعها ابن العم ما اصطحبا )
( فما خلوت بها يوماً فتعجِبني ... إلا غدا أكثر اليومينِ لي عجبا )
حدثني عيسى قال حدثنا الزبير قال بلغني عن صالح بن قدامة بن إبراهيم أن محمد بن حاطب الجمحي يروي شيئا من أخبار الخارجي
وأشعاره فأرسلت إليه مولى من موالينا يقال له محمد بن يحيى كان من الكتاب وسألته أن يكتب لي ما عنده فكان فيما كتب لنا قال
زعم الخارجي واسمه محمد بن بشير وكنيته أبو سليمان وهو رجل من عدوان وكان يسكن الروحاء قال
بينا نحن بالروحاء في عام جدب قليل الأمطار ومعنا سليمان بن الحصين وابن أخته وإذا بقطار ضخم كثير الثقل يهوي قادم من المدينة حتى نزلوا بجانب الروحاء الغربي بيننا وبينهم الوادي وإذا هم من الأنصار وفيهم سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فلبثنا أياما ثم إذا بسليمان بن الحصين يقول لي أرسل إلي النساء يقلن أمالكم في الحديث حاجة فقلت لهن فكيف برجالكن قلن بلغنا أن لكم صاحبا يعرف بالخارجي صاحب صيد فإن أتاهم فحدثهم عن الصيد انطلقوا معه وخلوتم فتحدثتم قال فقلت لسليمان بئس لعمر الله ما أردت مني أأذهب إلى القوم فأغرهم وآثم وأتعب وتنالون أنتم حاجتكم دوني ما هذا لي برأي قال لي سليمان فأنظرني إذن أرسل إلى النساء وأخبرهن بقولك فأرسل إليهن فأخبرهن بما قلت فقلن قل له احتل لنا عليهم هذه المرة بما قلنا لك وعلينا أن نحتال لك المرة الأخرى
قال الخارجي فخرجت حتى أتيت القوم فحدثتهم وذكرت لهم الصيد فطارت إليه أنفسهم فخرجت بهم وأخذت لهم كلابا وشباكا وتزودنا لثلاث وانطلقت أحدثهم وألهيهم فحدثتهم بالصدق حتى نفد ثم حدثتهم بما يشبه الصدق حتى نفد ثم صرحت لهم بمحض الكذب حتى مضت ثلاث
وجعلت لا أحدثهم حديثا إلا قالوا صدقت وغبت بهم ثلاثا ما أعلم أنا عاينا صيدا فقلت في ذلك
( إني لأعجَبُ مني كيف افْكِههم ... أم كيف أخدع قوماً ما بهم حُمُق ! )
( أظل في البيد أُلهيهم وأخبرهم ... أخبار قوم وما كانوا وما خُلقوا )
( ولو صدقت لقلت القومُ قد قدموا ... حين انطلقنا وآتي ساعة انطلقوا )
( أم كيف تُحْرَم أيد لم تخن أحدا ... شيئاً وتظفر أيديهم وقد سرقوا )
( ونرتمي اليوم حتى لا يكون له ... شمس ويرمون حتى يبرُق الأفق )
( يرمون أحور مخضوباً بغير دم ... دفعاً وأنت وشاحا صيدك العَلَق )
( تسعى بكلبين تبغيه وصيدهم ... صيد يرجَّى قليلا ثم يُعْتنق )
( ما زلت أحدوهم حتى جعلتهم ... في أصل مَحْنية ما إن بها طَرَق )
( ولو تركتهم فيها لمزقهم ... شيخا مزينة إن قالا انعِقوا نعقوا )
( إن كنتم أبدا جاريْ صديقِكم ... والدهر مختلف ألوانه طرق )
( فمتعوني فإني لا أرى أحداً ... إلا له أجل في الموتِ مستَبَق )
رثاؤه سليمان بن الحصين
قال سليمان بن عياش ومات سليمان بن الحصين هذا وكان خليلا للخارجي مصافيا له وصديقا مخلصا فجزع عليه وحزن حزنا شديدا فقال يرثيه( يا أيها المتمني أن يكون فتىً ... مثل ابن ليلى لقد خلّى لك السبلا )
( إن ترحل العيسَ كي تسعى مساعيَه ... يَشفَقْ عليك وتعملْ دون ما عملا )
( لو سرت في الناس أقصاهم وأقربهم ... في شُقة الأرض حتى تُحسِر الإِبلا )
( تبغي فتى فوق ظهر الأرض ما وجدوا ... مثل الذي غيبوا في بطنها رجلا )
( اعْدُد ثلاث خصال قد عُرفن له ... هل سُب من أحد أو سَبَّ أو بخلا )
قال سليمان بن عياش لما مات عبد العزيز بن مروان ونعي إلى أخيه عبد الملك تمثل بأبيات الخارجي هذه وجعل يرددها ويبكي
أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن أبيه قال قال الرشيد يوما لجلسائه
أنشدوني شعرا حسنا في امرأة خفرة كريمة فأنشدوا فأكثروا وأنا ساكت فقال لي إيه يا بن مصعب أما إنك لو شئت لكفيتنا سائر اليوم فقلت نعم يا أمير المؤمنين لقد أحسن محمد بن بشير الخارجي حيث يقول
( بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط جنح ليل مُبرِد )
( موسومة بالحسن ذات حواسد ... ان الحسان مظنة للحسد )
( وترى مدامعها تُرقرق مقلة ... حوراء ترغب عن سواد الإِثمد )
( خَوْد إذا كثر الكلام تعوذت ... بحمى الحياء وإن تكلم تُقْصد )
( لم يطغها شرف الشباب ولم تضع ... منها مُعاهدة النصيح المرشد )
( وتبرجت لك فاستبتك بواضح ... صَلْت وأسود في النصيف معقد )
( وكأن طعم سلافة مشمولة ... بالريق في أثر السواك الأغيد )
فقال الرشيد هذا والله الشعر لا ما أنشدتمونيه سائر اليوم ثم أمر مؤدب ابنيه محمد الأمين وعبد الله المأمون فرواهما الأبيات
الخارجي رجل النساء
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش قالكان محمد بن بشير الخارجي يتحدث إلى عبدة بنت حسان المزنية ويقيل عندها أحيانا وربما بات عندها ضيفا لإعجابه بحديثها فنهاها قومها عنه وقالوا ما مبيت رجل بامرأة أيم فجاءها ذات يوم فلم تدخله خباءها وقالت له قد نهاني قومي عنك وكان قد أمسى فمنعته المبيت وقالت لا تبت عندنا فيظن بي وبك شر فانصرف وقال فيها
( ظللتُ لدى أطنابها وكأنني ... أسيرٌ مُعَنًّى في مخلخله كَبْلُ )
( أخيَّر إما جَلسةٌ عند دارها ... وإما مَرَاح لا قريب ولا سهل )
( فإنك لو أكرمتِ ضيفك لم يعب ... عليكِ الذي تأتين حَمْوٌ ولا بعل )
( وقد كان يَنميها إلى ذروة العلا ... أب لا تخطاه المطية والرحْل )
( فهل أنتِ إلا جِنَّة عبقرية ... يخالط من خالطتِ من حبكم خَبْل )
( وهل أنت إلا نبعة كان أصلها ... نضاراً فلم يفضحك فرع ولا أصل )
( صددت امرأ عن ظل بيتك ماله ... بواديك لولاكم صديق ولا أهل )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال
خرج محمد وسليمان ابنا عبيد الله بن الحصين الأسلميان حتى أتيا امرأة من الأنصار من بني ساعدة فبرزت لهما وتحدثا عندها وقالا لها هل لك في صاحب لنا ظريف شاعر فقالت من هو قالا محمد بن بشير الخارجي قالت لا حاجة بي إلى لقائه ولا تجيئاني به معكما فإنكما إن أتيتما به لم آذن لكما فجاءا به معهما وأخبراه بما قالت لهما وأجلساه في بعض الطريق وتقدما إليها فخرجت إليهما وجاءهما الخارجي بعد خروجها إليهما فرحبا به وسلما عليه فقالت لهما من هذا قالا هذا الخارجي الذي كنا نخبرك عنه فقالت والله ما أرى فيه من خير وما أشبهه إلا بعبدنا أبي الجون فاستحيا الخارجي وجلس هنيهة ثم قام من عندها وعلقها قلبه فقال فيها
( ألا قد رابني ويريب غيري ... عشية حكمها حيفٌ مريبُ )
( وأصبحت المودة عند ليلى ... منازل ليس لي فيها نصيب )
( ذهبتُ وقد بدا ليَ ذاك منها ... لأهجوها فيغلبني النسيب )
( وأنسى غيظ نفسي إن قلبي ... لمن واددت فَيئته قريب )
( فلا قلب مُصِرٌّ كل ذنب ... ولا راض بغير رضا غضوب )
( فدعها لست صاحبها وراجع ... حديثك إن شأنكما عجيب )
قال وبلغ الأشجعية زوجة محمد بن بشير ما قالته الأنصارية فعيرته بذلك وكانت إذا أرادت غيظه كنته أبا الجون فقال في ذلك
( وأيدي الهدايا ما رأيتُ مُعاتباً ... من الناس إلا الساعديةُ أجملُ )
( وقد أخطأتْني يوم بطحاء منعم ... لها كِفَف يُصطاد فيها وأحبلُ )
( وقد قال أهلي خير كسب كسبته ... أبو الجَون فاكسب مثلها حين ترحل )
( فإن بات إيضاعي بأمر مسرة ... لكن فما تسخطن في العيش أطول )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال
اجتمع محمد بن بشير الخارجي وسائب بن ذكوان راوية كثير بمكة فوافقا نسوة من بني غفار يتحدثن فجلسا إليهن وتحدثا معهن حتى تفرقن وبقيت واحدة منهن تحدث الخارجي وتستنشده شعره حتى أصبحوا فقال لهم رجل مر بهم أما تبرحون عن هذا الشعر وأنتم حرم ولا تدعون إنشاده وقول الزور في المسجد فقالت المرأة كذبت لعمر الله ما قول الشعر بزور ولا السلام والحديث حرام على محرم ولا محل فانصرف الرجل وقال فيها الخارجي
( أما لك أن تزور وأنت خِلْو ... صحيح القلب أخت بني غفار )
( فما برحت تُعِيرك مقلتيها ... فتعطيك المنية في استتار )
( وتسهو في حديث القوم حتى ... يُبينَ بعض ذلك ما تواري )
( فمت يا قلب ما بك من دفاع ... فينجيَك الدفاع ولا فرار )
( فلم أر طالباً بدم كمثلي ... أودَّ وحسن مطلوب بثار )
( إذا ذكروا بثأري قلت سقيا ... لثأري ذي الخواتم والسوار )
( وما عرفت دمي فتبوءَ منه ... برهن في حبالي أو ضِمار )
( وقد زعم العواذل أن يومي ... ويومك بالمحصَّب ذي الجمار )
( من الإِغباء ثم زعمت أن لا ... وقلت لدى التنازع والتَّمارِ )
( كذبتم ما السلام بقول زُور ... وما اليوم الحرام بيوم ثار )
( ولا تسليمنا حُرُماً بإثم ... ولا الحب الكريم لنا بعار )
( فإن لم نلقكم فسقى الغوادي ... بلادك والرويّاتُ السواري )
قال سليمان وفي هذه المرأة يقول الخارجي وقد رحلوا عن مكة فودعها وتفرقوا
( يا أحسن الناس لولا أن نائلها ... قِدْماً لمن يبتغي ميسورها عَسِرُ )
( وإنما دَلُّها سحر تصيد به ... وإنما قلبها للمشتكي حجر )
( هل تذكرين كما لم أنس عهدكم ... وقد يدوم لعهد الخُلَّة الذَّكر )
( قَوْلي وركبك قد مالت عمائمهم ... وقد سقاهم بكأس الشقوةِ السفرُ )
( يا ليت أني بأثوابي وراحلتي ... عبد لأهلك هذا العام مؤتجر )
( فقد أطلتِ اعتلالاً دون حاجتنا ... بالحج أمسِ فهذا الحِل والسفر )
( ما بال رأيك إذ عهدي وعهدكم ... إلفان ليس لنا في الود مُزدجَر )
( فكان حظك منها نظرةً طرفتْ ... إنسانَ عينك حتى ما بها نظر )
( أكنتِ أبخل من كانت مواعده ... دَيناً إلى أجلٍ يرجَى وينتظر )
( وقد نظرتُ وما ألفيت من أحد ... يعتاده الشوق إلا بدؤه النظر )
( أبقت شجىً لك لا ينسى وقادحة ... في أسود القلب لم يشعر بها أخِر )
( جِنية أوْ لها جن يعلمها ... رمي القلوب بقوس ما لها وتر )
( تجلو بقادمتي ورقاء عن بَرَد ... حمر المفاغر في أطرافها أشر )
( خَوْد مبتَّلة ريا معاصمها ... قدرَ الثياب فلا طول ولا قصر )
( إذا مجاسدها اغتالت فواضلها ... منها روادف فَعْمات ومؤتزر )
( إن هبت الريح حنت في وشائحها ... كما يجاذب عودَ القينة الوتر )
( بيضاء تعشو بها الأبصار إن برزت ... في الحج ليلة إحدى عشرة القمر )
( ألا رسول إذا بانت يبلغها ... عنا وإن لم تؤلِّف بيننا المِرر )
( أني - بآية وجد قد ظفرتِ به ... مني ولم يك في وجدي بكم ظفر )
( - قتيلُ يومَ تلاقَينا وأن دمي ... عنها وعمن أجارت من دمي هَدَر )
( تقضين فِيَّ ولا أقضي عليك كما ... يقضي المليك على المملوك يقتسر )
( إن كان ذا قَدَرا يعطيك نافلةِ ... منا ويحرمنا ما أنصف القدر )
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال
كان الخارجي قدم البصرة فتزوج بها امرأة من عدوان كانت موسرة
فأقام عندها بالبصرة مدة ثم توخم البصرة فطالبها بأن ترحل معه إلى الحجاز فقالت ما أنا بتاركة مالي وضيعتي ههنا تذهب وتضيع وأمضي معك إلى بلد الجدب والفقر والضيق فإما أن أقمت هاهنا أو طلقتني فطلقها وخرج إلى الحجاز ثم ندم وتذكرها فقال
( دامت لعينكَ عَبرة وسُجوم ... وثوت بقلبكَ زَفرة وهُمومُ )
( طيف لزينب ما يزال مؤرقي ... بعد الهدوِّ فما يكاد يَرِيم )
( إذا تعرض في المنام خيالها ... نكأ الفؤادَ خيالُها المحلوم )
( أجعلتِ ذنبكِ ذنبه وظلمتِه ... عند التحاكم والمُدِل ظلومُ )
( ولئن تجنيتِ الذنوب فإنه ... ذو الداء يَعْذِر والصحيح يلوم )
( ولقد أراكِ غداة بنتِ وعهدُكم ... في الوصل لا حَرج ولا مذموم )
( أضحت تُحَكمك التجارب والنهى ... عنه ويُكْلِفه بك التحكيم )
صوت
( بَرَأَ الأُلى عِلقوا الحبائل قبله ... فنَجوا وأصبح في الوَثاق يهيم )( ولقد أردت الصبر عنك فعاقني ... عَلَق بقلبي من هواك قديم )
( ضعفت معاهد حبهن مع الصبا ... ومع الشباب فبِن وهو مقيم )
( يبقى على حدث الزمان وريبه ... وعلى جفائك إنه لكريم )
( وجنيتِ حين صَحَحْت وهو بدائه ... شتان ذاك مصحَّحٌ وسقيم )
( وأَدَيْتِه زمناً فعاذ بحلمه ... إن المحب عن الحبيب حليم )
( وزعمت أنك تبخلين وشفَّه ... شوق إليك وإن بخلت أليم )
غنى في هذه الأبيات الدارمي - خفيف رمل - بالوسطى عن الهشامي وفيه لعريب - خفيف ثقيل - مطلق وهو الذي يغنى الآن ويتعارفه الناس
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال
كان الخارجي منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة وكان يكفيه مؤونته ويفضل عليه ويعطيه في كل سنة ما يكفيه ويغنيه ويغني قومه وعياله من البر والتمر والكسوة في الشتاء والصيف ويقطعه القطعة بعد القطعة من إبله وغنمه وكان منقطعا إليه وإلى زيد بن الحسن وابنه الحسن بن زيد وكلهم به بر وإليه محسن فمات أبو عبيدة وكان ينزل الفرش من ملل وكان الخارجي ينزل الروحاء فقال يرثيه
( ألا أيها الناعي ابن زينب غدوة ... نعيت الندى دارت عليه الدوائر )
( لعمري لقد أمسى قرى الضيف عاتماً ... بذي الفَرش لما غيبتك المقابر )
( إذا سوفوا نادَوا صداك ودونه ... صفيح وخَوّار من الترب مائرُ )
( ينادون من أمسى تَقَطَّعُ دونه ... من البعد أنفاس الصدور الزوافر )
( فقومي اضربي عينيك يا هند لن تَرَي ... أباً مثله تسمو إليه المفاخرُ )
قال الزبير فحدثني سليمان بن عياش قال
كانت هند بنت أبي عبيدة عند عبد الله بن حسن بن حسن فلما مات أبوها جزعت عليه جزعا شديدا ووجدت وجدا عظيما فكلم عبد الله بن الحسن محمد بن بشير الخارجي أن يدخل إليها فيعزيها ويسليها عن أبيها فدخل إليها معه فلما نظر إليها صاح بأعلى صوته
( قومي اضربي عينيك يا هند لن تَرَيْ ... أباً مثله تسمو إليه المفاخر )
( وكنتِ إذا فاخرتِ أسميتِ والداً ... يزين كما زان اليدينِ الأساور )
( فإن تُعْوِليه يشفِ يوماً عويلُه ... غليلَك أو يعذرك بالنوح عاذر )
( وتحزنك ليلات طوال وقد مضت ... بذي الفرش ليلات تسر قصائر )
( فلقاه رب يغفر الذنب رحمة ... إذا بُلِيت يوم الحساب السرائر )
( إذا ما ابن زاد الركب لم يمسِ ليلة ... قفا صفِرٍ لم يقرب الفَرش زائر )
( لقد علم الأقوام أن بناتِه ... صوادقُ إذ يندبنه وقواصر )
قال فقامت هند فصكت وجهها وعينيها وصاحت بويلها وحربها والخارجي يبكي معها حتى لقيا جهدا فقال له عبد الله بن الحسن ألهذا دعوتك ويحك فقال له أفظننت أني أعزيها عن أبي عبيدة والله ما يسليني عنه أحد ولا لي عنه ولا عن فقده صبر فكيف يسليها عنه من ليس يسلو بعده
يمدح زيد بن الحسن ويبكي سليمان بن الحصين
أخبرني عيسى قال حدثني الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قالوعد رجل محمد بن بشير الخارجي بقلوص فمطله فقال فيه يذمه ويمدح زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام
( لعلك والموعود حق وفاؤه ... بدا لك في تلك القَلوص بَدَاءُ )
( فإن الذي ألقى إذا قال قائل ... من الناس هل أحسستها لعناء )
( يقول الذي يبدي الشَّماتَ وقوله ... عليّ وإشمات العدوّ سواء )
( دعوتُ - وقد أخلفتني الوعد - دعوة ... بزيد فلم يَضْلِل هناك دعاء )
( بأبيض مثل البدر عظَّم حقه ... رجال مِنَ آل المصطفى ونساء )
فبلغت الأبيات زيد بن الحسن فبعث إليه بقلوص من خيار إبله فقال يمدحه
( إذا نزل ابن المصطفى بطن تَلْعة ... نفى جدبها واخضر بالنبت عودها )
( وزيد ربيع الناس في كل شَتْوة ... إذا أخلفت أنواؤها ورعودها )
( حمول لأشناق الديات كأنه ... سراج الدجى إذ قارنته سعودها )
أخبرني عيسى قال حدثني الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال
نظر الخارجي إلى نعش سليمان بن الحصين وقد أخرج فهتف بهم فقال
( ألم تروا أن فتىً سيداً ... راح على نعش بني مالك )
( لا أنفَسُ العيش لمن بعده ... وأنفَس الهُلك على الهالك )
وقال فيه أيضا
( ألا أيها الباكي أخاه وإنما ... تفرّق يوم الفدفدِ الأخوانِ )
( أخي يوم أحجار الثُّمام بكيته ... ولو حُمَّ يومِي قبله لبكاني )
( تداعت به أيامه فاخترمنه ... وأبقين لي شجواً بكل زمان )
( فليت الذي ينعَى سليمان غُدوة ... بكى عند قبري مثلها ونهاني )
( فلو قسمت في الجن والإنس لوعتي ... عليه بكى من حرّها الثقَلان )
( ولو كانت الأيام تطلب فِديةً ... إليه وصرف الدهر ما أَلوَاني )
أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال
خرج محمد بن بشير يرمي الأروى ومعه جماعة فيهم رجل من الموالي من أهل السيالة فصعد المولى على صفاة بيضاء يرمي من فوقها فزلت قدمه عنها فصاح حتى سقط على الأرض وأحدث في ثيابه فقال الخارجي في ذلك
( حُرِّق يا صفاة في ذُراكِ ... بِالنارِ إن لم تمنعِي أَرواكِ )
( تَعَلَّمِي أن بذي الأراكِ ... أيتها الأَروى - ذوي عِرَاكِ )
( قَوماً أَعَدُّوا شَبَكَ الشِّباكِ ... يبغون ضَبْعاً قتلت أباكِ )
( نِعْمَ مُلَوِّي الحِيدِ المَدَاكِ ... إذا صوت الجالب في أخراك )
( ولم يقل منتصِحاً إياك ... بين مقاطِيها ركبْتِ فاكِ )
( فَعُدتِ والطعن على كُلاكِ ... مثل الأضاحي بيد النساكِ )
( يُرمِى بالأكتافِ على الأوراكِ ... كما أطحتِ العبد عن صفاكِ )
( أما السَّياليّ فلن ينساكِ ... لو يرتميك الناس ما رماك )
أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال
كانت عند الخارجي بنت عم له فهجاه بعض قرابتها فأجابه الخارجي فغضبت زوجته وقالت هجوت قرابتي فقال الخارجي في ذلك
( أَمَّا ما أقول لهم فعابت ... عليّ وقد هُجيت فما تعيب )
( فرمت وقد بدا لي ذاك منها ... لأهجوها فيمنعني النسيب )
( فلا قلب يبصَّر كل ذنب ... ولا راض بغير رضا غَضُوبُ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب قال وحدثني الزبير عن سليمان بن عياش قالا
تزوج الخارجي جارية من بني ليث شابة وقد أسن وأسنت زوجته العدوانية فضربت دونه حجابا وتوارت عنه ودعت نسوة من عشيرتها فجلسن عندها يلهون ويتغنين ويضربن بالدفوف وعرف ذلك محمد فقال
( لئِن عانسٌ قد شاب ما بين قَرْنها ... الى كعبها وابيضَّ عنها شبابُها )
( صَبَتْ في طِلاب اللهو يوماً وعَلَّقتْ ... حجاباً لقد كانت يَسِيراً حجابُها )
( لقد مُتِّعت بالعيش حتى تشعَّبت ... من اللهو إذ لا ينكر اللهوَ بابُها )
( فبِينِي برغمٍ ثم ظَلِّي فربما ... ثَوى الرغم منها حيث يثوِي نقابها )
( لبيضاءَ لم تُنسَبْ لجدٍّ يَعيبها ... هِجانٍ ولم تَنبَحْ لئيماً كلابها )
( تأوّدُ في المَمْشى كأنّ قناعَها ... على ظبية أدْماءَ طابَ شبابها )
( مُهفهفة الأعطافِ خَفّاقةِ الحَشَى ... جميل محياها قليلٍ عِتابها )
( إذا ما دعتْ بابني نِزار وقارَعَتْ ... ذَوِي المجد لم يُرْدد عليها انتسابها )
إبراهيم المخزومي يصله بعد استعطاف
حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن الضحاك بن عثمان قاللما ولي إبراهيم بن هشام الحرمين دخل إليه محمد بن بشير
الخارجي وكان له قبل ذلك صديقا فأعرض عنه ولم يظهر به بشاشة ولا أنسا ثم عاوده فاستأذنه في الإنشاد فأعرض عنه وأخرجه الحاجب من داره وكان إبراهيم بن هشام تياها شديد الذهاب بنفسه فوقف له يوم الجمعة على طريقه إلى المسجد فلما حاذاه صاح به
( يابن الهِشَامَيْنِ طُرًّا حُزت مجدَهما ... وما تَخَوَّنه نقضٌ وإمرارُ )
( لا تُشمِتنّ بي الأعداءَ إنهمُ ... بيني وبينك سُمّاع ونُظّار )
( وإن شكرِيَ إنْ رُدُّوا بغيظهمُ ... في ذمة الله إعلانٌ وإسرار )
( فاكْرر بنائلك المحمود مِنْ سعة ... عليّ إنك بالمعروف كَرّار )
فقال لحاجبه قل له يرجع إلي إذا عدت فرجع فأدخله إليه وقضى دينه وكساه ووصله وعاد إلى ما عهده منه
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب عن أبيه قال
عثر بعروة بن أذينة حماره عند ثنية العويقل فقال عروة
( ليتَ العُوَيقلَ مسدودٌ وأَصبحَ من ... فوق الثنيةِ فيه رَدمُ يأجوجِ )
( فتستريحَ ذوو الحاجات من غِلَظ ... ويَسْلُكَ السهلَ يمشِي كلُّ مَنْتوجِ )
فقال محمد بن بشير الخارجي يرد عليه
( سبحانَ ربك تب مما أتيتَ به ... ما يسدُدِ اللهُ يُصبحْ وهو مَرْتوجُ )
( وهل يُسَدّ وللحُجّاج فيه إذا ... ما أصعدوا فيه تكبير وتلْجِيج )
( ما زال منذُ أذلّ اللهُ مَوطِئَه ... ومنذ آذَنَ أنّ البيت مَحْجوج )
( يهدِي له الوفدَ وفدَ الله مَطْربة ... كأنه شُطَب بالقِدّ منسوج )
( خل الطريق إليها إن زائرها ... والساكنينَ بها الشتم الأَباليج )
( لا يسدُد الله نَقباً كان يسلكه البيض ... البهالِيل والعُوج العَناجِيج )
( لو سدَّه الله يوماً ثم عَجّ له ... من يسلك النقبَ أمسى وهو مفروج )
أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب قال
كان للخارجي أخ يقال له بشار بن بشير وكان يجالس أعداءه ويعاشر من يعلم أنه مباين له وفيه يقول
( وإني قد نَصَحْت فلم تُصدِّق ... بنصحي واعتَددتُ فما تبَالي )
( وإني قد بدا لي أنَّ نُصحي ... لغيبك واعتدادي في ضلال )
( فكمْ هذا أذودُك عن قِطاعي ... كتذويد المَحََّلأَة النَّهال )
( فلا تبغ الذنوب عليَّ واقصِدْ ... لأمركَ من قِطاع أو وصال )
( فسوف أرَى خلالَك مَنْ تُصافِي ... إذا فارقتني وترى خِلالي )
( وإن جزاءَ عهدِك إذْ تَوَلَّى ... بأن أغضِي وأسكتَ لا أبالي )
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا سليمان بن عياش قال
كان الخارجي معجبا بزوجته سعدى وكانت من أسوأ الناس خلقا وأشده على عشير فكان يلقى منها عنتا فغاضبها يوما لقول آذته به واعتزلها وانتقل إلى زوجته الأخرى فأقام عندها ثلاثا ثم اشتاق إلى سعدى وتذكرها وبدا له في الرجوع إلى بيتها فتحول إليها وقال
( أرانِي إذا غالبتُ بالصبر حُبَّها ... أبى الصبرُ ما ألقى بسُعدى فأُغلَبُ )
( وقد علِمَتْ عند التعاتب أننا ... إذا ظَلَمْتنا أو ظَلَمنا سنُعْتِب )
( وإنّي وإن لم أجن ذنباً سأبتغِي ... رضاها وأعفو ذنبَها حين تذنب )
( وإني وإن أنبتُ فيها يزيدني ... بها عَجَبا من كان فيها يؤنب )
أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال
كان بشار بن بشير أخو محمد بن بشير يعاديه ويجالس أعداءه فقال الخارجي فيه
( كفاني الذي ضَّيعتَ مني وإنما ... يُضيعُ الحقوقَ ظالماً من أضاعَها )
( صنِيعةَ من وَلاَّك سوءَ صنيعها ... وولى سواكَ أجْرَها واصطناعَها )
( أبى لك كسبَ الخير رأيٌ مُقَصِّرٌ ... ونفس أضاق الله بالخير باعها )
( إذا هي حثَّته على الخير مرةً ... عصاها وإن همت بشر أطاعها )
( فلولا رجالٌ كاشحون يَسُرُّهم ... أَذاكَ وقُرْبَى لا أحبُّ انقطاعَها )
( إذاً بان إن زلَّتْ بك النعلُ زَلَّةً ... فِراقُ خِلال لا تُطِيق ارتجاعها )
( وإني متى أُحْمَل على ذاك أطَّلِعْ ... عليك عيوباً لا أحبُّ اطلاعها )
( فإِنْ تك أحلامٌ تردُّ إخاءنا ... علينا فمن هذا يردُّ سماعها )
( سأنهاك نهياً مُجمِلاً وقصائداً ... نواصح تشفي من شؤون صُداعَها )
( ومن يجتلب نحوي القصائد يجتلب ... قِراهُ ويتبع من يُحِبّ اتباعَها )
( إذا ما الفتى ذو اللب حلت قصائد ... إليه فَيُخْلِ للقوافي رباعَها )
رثاؤه زيد بن حسن
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قاللما دفن زيد بن حسن وانصرف الناس عن قبره جاء محمد بن بشير إلى الحسن بن زيد وعنده بنو هاشم ووجوه قريش يعزونه فأخذ بعضادتي الباب وقال
( أعينيّ جودا بالدموع وأَسعِدا ... بني رحِم ما كان زيدٌ يُهينُها )
( ولا زيدَ إلا أن يجود بعَبرة ... على القبر شاكي نكبة يستكينها )
( وما كنتَ تلقى وجهَ زيد ببلدة ... من الأرض إلا وجهُ زيد يزينها )
( لعمر أبي الناعي لعمَّتْ مصيبةٌ ... على الناس واختصت قُصَيًّا رَصينها )
( وأنَّى لنا أمثالُ زيد وجَدُّه ... مبلِّغُ آيات الهدَى وأمينُها )
( وكانَ حَليفيه السماحةُ والنَّدى ... فقد فارق الدنيا نداها وليِنها )
( غدت غُدْوةً ترمِي لُؤيَّ بن غالب ... بجَعْد الثَّرى فوق امرىء ما يَشِينها )
( أغرُّ بِطاحِيٌّ بكت من فراقه ... عُكاظُ فبطحاء الصفا فحجَونها )
( فقل للتي يعلو على الناس صوتُها ... ألا لا أعان الله من لا يُعينها )
( وأرملةٍ تبكي وقد شُقّ جيبُها ... عليه فآبت وهيَ شُعْث قرونها )
( ولو فقِهت ما يفقه الناسُ أصبحت ... خواشعَ أعلامُ الفَلاة وعِينها )
( نعاه لنا الناعي فظَلنا كأننا ... نرى الأرضَ فيها آيةٌ حانَ حِينها )
( وزالت بنا أقدامنا وتقلبتْ ... ظهورُ روابيها بنا وبطونها )
( وآب ذوو الألباب منا كأنما ... يرون شِمالاً فارقتها يمينها )
( سقى الله سُقْيَا رحمةٍ تُربَ حفْرة ... مقيم على زيدٍ ثراها وطينها )
قال فما رئي يوم كان أكثر باكيا من يومئذ
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن لقيط قال
كان محمد بن بشير الخارجي من أهل المدينة وكانت له بنت عم سرية
جميلة قد خطبها غير واحد من سروات قريش فلم ترضه فقال لأبيه زوجنيها فقال له كيف أزوجكها وقد رد عمك عنها أشراف قريش فذهب إلى عمه فخطبها إليه فوعده بذلك وقرب منه فمضى محمد إلى أبيه فأخبره فقال له ما أراه يفعل ثم عاوده فزوجه إياها فغضبت الجارية وقالت له خطبني إليك أشراف قريش فرددتهم وزوجتني هذا الغلام الفقير فقال لها هو ابن عمك وأولى الناس بك فلما بنى بها جعلت تستخف به وتستخدمه وتبعثه في غنمها مرة وإلى نخلها أخرى فلما رأى ذلك من فعلها قال شعرا ثم خلا في بيت يترنم به ويسمعها وهو
( تثاقلتِ أن كُنتُ ابنَ عمّ نكحتِهِ ... فملتِ وقد يُشْفى ذوو الرأي بالعَذلِ )
( فإنك إلاّ تتركي بعضَ ما أرى ... تُنازِعْك أخرى كالقَرينة في الحبلِ )
( تَلُزُّك ما اسطاعت إذا كان قَسْمُها ... كَقَسْمِك حَقّاً في التِّلاد وفي البعْل )
( متى تحمليها منك يوماً لحالة ... فتتبعَها تحمِلك منها على مِثل )
قال فصلحت ولم ير منها بعد ما سمعت شيئا يكرهه
صوت
( علامَ هَجرتِ ولم تُهْجرِي ... ومثلكِ في الهجر لم يُعذَرِ )( قطعتِ حبالَكِ من شادنٍ ... أغنَّ قَطوفِ الخُطا أَحْورِ )
الشعر لسديف مولى بني هاشم والغناء لأبي العبيس بن حمدون - خفيف ثقيل - بالسبابة والوسطى
ذكر سديف وأخباره
هو سديف بن ميمون مولى خزاعة وكان سبب ادعائه ولاء بني هاشم أنه تزوج مولاة لآل أبي لهب فادعى ولاءهم ودخل في جملة مواليهم على الأيام وقيل بل أبوه هو كان المتزوج مولاة اللهبيين فولدت منه سديفا فلما يفع وقال الشعر وعرف بالبيان وحسن العارضة ادعى الولاء في موالي أبيه فغلبوا عليهوسديف شاعر مقل من شعراء الحجاز ومن مخضرمي الدولتين وكان شديد التعصب لبني هاشم مظهرا لذلك في أيام بني أمية فكان يخرج إلى أحجار صفا في ظهر مكة يقال لها صفي السباب ويخرج مولى لبني أمية معه يقال له سباب فيتسابان ويتشاتمان ويذكران المثالب والمعايب ويخرج معهما من سفهاء الفريقين من يتعصب لهذا ولهذا فلا يبرحون حتى تكون بينهم الجراح والشجاج ويخرج السلطان إليهم فيفرقهم ويعاقب الجناة فلم تزل تلك العصبية بمكة حتى شاعت في العامة والسفلة فكانوا صنفين يقال لهما السديفية والسبابية طول أيام بني أمية ثم انقطع ذلك في أيام بني هاشم وصارت العصبية بمكة في الحناطين والحرارين
أخبرني عمر بن عبيد الله بن جميل العتكي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني فليح بن إسماعيل قال
قال سديف قصيدة يذكر فيها أمر بني حسن بن حسن وأنشدها المنصور بعد قتله لمحمد بن عبد الله بن حسن فلما أتى على هذا البيت
( يا سوءَنا للقوم لا كَفُّوا ولا ... إذ حاربوا كانوا من الأحرار )
فقال له المنصور أتحضهم علي يا سديف فقال لا ولكني أؤنبهم يا أمير المؤمنين
وذكر ابن المعتز أن العوفي حدثه عن أحمد بن إبراهيم الرياحي قال
سلم سديف بن ميمون يوما على رجل من بني عبد الدار فقال له العبدري من أنت يا هذا قال أنا رجل من قومك أنا سديف بن ميمون فقال له والله ما في قومي سديف ولا ميمون قال صدقت لا والله ما كان قط فيهم ميمون ولا مبارك
صوت
( لعمرُك إنني لأحب داراً ... تكون بها سُكينة والرَّبابُ )( أحبهما وأبذل جُلَّ مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب )
الشعر للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام والغناء لابن سريج
- رمل - بالبنصر وفيه للهذلي ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق
أخبار الحسين بن علي ونسبه
الحسين بن علي بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وقد تكرر هذا النسب في عدة مواضع من هذا الكتاب واسم أبي طالب عبد مناف واسم عبد المطلب شيبة واسم هاشم عمرو وأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكانت أول هاشمية تزوجها هاشمي وهي أم سائر ولد أبي طالب وأم الحسين بن علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وكانت خديجة تكنى أم هند وكانت فاطمة تكنى أم أبيها ذكر ذلك قعنب بن محرز قال حدثنا أبو نعيم عن حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه وكان علي بن أبي طالب سمى الحسن حربا فسماه رسول الله الحسن ثم ولد له الحسين فسماه حربا فسماه رسول الله الحسينحدثني بذلك أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال حدثنا يحيى بن عيسى قال حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال قال علي بن أبي طالب
كنت رجلا أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا فسماه رسول الله الحسن فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حربا فسماه رسول الله الحسين ثم قال سميتهما باسمي ابني هارون شبر وشبير
وأخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال حدثنا محمد بن يحيى الأحول قال حدثنا خلاد المقرىء قال حدثنا قيس بن الربيع بن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر قال
كان على الحسن والحسين تعويذتان حشوهما من زغب جناح جبريل عليه السلام
وهذا الشعر يقوله الحسين بن علي في امرأته الرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب بن وبرة بن تغلب ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وأمها هند بنت الربيع بن مسعود بن معاذ بن حصين بن كعب بن عليم بن كلب وفي ابنته منها سكينة بنت الحسين واسم سكينة أميمة وقيل أمينة وقيل آمنة وسكينة لقب لقبت به
قال مصعب فيما أخبرني به الطوسي عن زبير عنه
اسمها آمنة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو نعيم عن عمر بن ثابت عن مالك بن أعين قال
سمعت سكينة بنت الحسين تقول عاتب عمي الحسن أبي في أمي فقال
( لعمركَ إنني لأحبُّ داراً ... تكون بها سُكينة والرَّباب )
( أحبهما وأبذل جُلّ مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب )
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن ابن الكلبي عن أبيه قال
قال لي عبد الله بن الحسن بن الحسن ما اسم سكينة بنت الحسين فقلت سكينة فقال لا اسمها آمنة
وروى أن رجلا سأل عبد الله بن الحسن عن اسم سكينة فقال أمينة فقال له إن ابن الكلبي يقول أميمة فقال سل ابن الكلبي عن أمه وسلني عن أمي وقال المدائني حدثني أبو إسحاق المالكي قال
سكينة لقب واسمها آمنة وهذا هو الصحيح
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي قال حدثنا شيخ من قريش قال حدثنا أبو حذافة أو غيره قال
أسلم امرؤ القيس بن عدي على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فما صلى الله صلاة حتى ولاه عمر وما أمسى حتى خطب إليه علي عليه السلام ابنته الرباب على ابنه الحسين فزوجه إياها فولدت له عبد الله وسكينة ولدي الحسين عليهما السلام وفي سكينة وأمها يقول
( لعمرُك إنني لأحب داراً ... تحل بها سُكينة والرباب )
وذكر البيت الآخر وزاد على البيتين
( فَلَسْتُ لهم وإن غابوا مُضِيعاً ... حياتي أو يغيِّبني الترابُ )
ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي عبد الرحمن الغلابي وهو أتم قال
حدثنا علي بن صالح عن علي بن مجاهد عن أبي المثنى محمد بن السائب الكلبي قال أخبرنا عبد الله بن حسن بن حسن قال حدثني خالي عبد الجبار بن منظور بن زبان بن سيار الفزاري قال حدثني عوف بن خارجة المري قال
والله إني لعند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته إذ أقبل رجل أفحج أجلى أمعر يتخطى رقاب الناس حتى قام بين يدي عمر فحياه بتحية الخلافة فقال له عمر فمن أنت قال امرؤ نصراني أنا امرؤ القيس بن عدي الكلبي قال فلم يعرفه عمر فقال له رجل من القوم هذا صاحب بكر بن وائل الذي أغار عليهم في الجاهلية يوم فلج قال فما تريد قال أريد الإسلام فعرضه عليه عمر رضي الله عنه فقبله ثم دعا له برمح فعقد له على من أسلم بالشام من قضاعة فأدبر الشيخ واللواء يهتز على رأسه
قال عوف فوالله ما رأيت رجلا لم يصل لله ركعة قط أمر على جماعة من المسلمين قبله
ونهض علي بن أبي طالب رضوان الله عليه من المجلس ومعه ابناه الحسن والحسين عليهم السلام حتى أدركه فأخذ ثيابه فقال له يا عم أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وصهره وهذان ابناي الحسن والحسين من ابنته وقد رغبنا في صهرك فأنكحنا فقال قد أنكحتك يا علي المحياة بنت امرىء القيس وأنكحتك يا حسن سلمى بنت امرىء القيس وأنكحتك يا حسين الرباب بنت امرىء القيس
وقال هشام بن الكلبي كانت الرباب من خيار النساء وأفضلهن فخطبت بعد قتل الحسين عليه السلام فقالت ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله
قال المدائني حدثني أبو إسحاق المالكي قال
قيل لسكينة واسمها آمنة وسكينة لقب أختك فاطمة ناسكة وأنت تمزحين كثيرا فقالت لأنكم سميتموها باسم جدتها المؤمنة - تعني فاطمة بنت رسول الله - وسميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام تعني آمنة بنت وهب أم رسول الله
الرباب ترثي زوجها الحسين
أخبرني عمي قال حدثنا الكناني عن قعنب بن المحرز الباهلي عن محمد بن الحكم عن عوانة قالرثت الرباب بنت امرىء القيس أم سكينة بنت الحسين زوجها الحسين عليه السلام حين قتل فقالت
( إنّ الذي كان نوراً يُستضاء به ... بكَربلاءَ قتيلٌ غير مدفونِ )
( سِبْطَ النبيّ جَزَاك الله صالحةً ... عنا وجُنِّبتَ خُسران الموازينِ )
( قد كنت لي جَبَلاً صعْباً ألوذ به ... وكنت تصحبنا بالرُّحم والدِّين )
( من لليتامَى ومن للسائلينَ ومَن ... يُغْنِي ويَأوِي إليه كلُّ مسكين )
( والله لا أبتغي صهراً بصهركُم ... حتى أغيَّبَ بين الرمل والطين )
أخبرني الطوسي قال حدثني الزبير عن عمه قال أخبرني إسماعيل بن بكار قال حدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسين العلوي عن الزبير عن عمه قال وأخبرني إسماعيل بن يعقوب عن عبد الله بن موسى قالا
كان الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب خطب إلى عمه الحسين فقال له الحسين عليهم السلام يابن أخي قد كنت أنتظر هذا منك انطلق معي فخرج به حتى أدخله منزله فخيره في ابنتيه فاطمة وسكينة فاختار فاطمة فزوجه إياها وكان يقال إن امرأة تختار على سكينة لمنقطعة القرين في الحسن وقال عبد الله بن موسى في خبره إن الحسين خيره فاستحيا فقال له قد اخترت لك فاطمة فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله
أحاديث عن سكينة
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن العلوي قالكتب إلي عباد بن يعقوب يخبرني عن جدي يحيى بن سليمان بن الحسين العلوي قال
كانت سكينة في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان أنا بنت الشهيد فسكتت سكينة فلما قال المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله قالت سكينة هذا أبي أو أبوك فقالت العثمانية لا جرم لا أفخر عليكم أبدا
أخبرني أحمد بن محمد قال حدثنا يحيى قال حدثنا مروان بن موسى القروي قال حدثنا بعض أصحابنا قال
كانت سكينة تجيء في ستارة يوم الجمعة فتقوم بإزاء ابن مطيرة وهو خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم إذا صعد المنبر فإذا شتم عليا شتمته هي وجواريها فكان يأمر الحرس فيضربون جواريها
أخبرني الطوسي عن الزبير عن عمه مصعب قال
كانت سكينة عفيفة سليمة برزة من النساء تجالس الأجلة من قريش وتجتمع إليها الشعراء وكانت ظريفة مزاحة
أخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير عن عمه قال حدثني معاوية بن بكر قال
قالت سكينة أدخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن موسى عن أبي أيوب المديني عن مصعب قال
كانت سكينة أحسن الناس شعرا فكانت تصفف جمتها تصفيفا لم ير أحسن منه حتى عرف ذلك فكانت تلك الجمة تسمى السكينية وكان عمر بن عبد العزيز إذا وجد رجلا قد صفف جمته السكينية جلده وحلقه
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن أبي سفيان الحميري قال
بعثت سكينة بنت الحسين عليهما السلام إلى حبيش بن دلجة بغالية لأنه كان من أخوالها فلما وصلت إليه قال فأين كانت - حبيش بن دلجة - عن الصياح يقدر أن الصياح أرفع من الغالية
قال محمد بن سلام
كانت سكينة مزاحة فلسعتها دبرة فولولت فقالت لها أمها مالك يا سيدتي وجزعت فقالت لسعتني دبيرة مثل الأبيرة فأوجعتني قطيرة
وقال هارون بن أبي عبيد الله حدثني ضمرة بن ضمرة قال
أجلست سكينة شيخا فارسيا على سلة بيض وبعثت إلى سليمان بن يسار كأنها تريد أن تسأله عن شيء فجاءها إكراما لها فأمرت من أخرج إليه ذلك الشيخ جالسا على السلة فيها البيض فولى يسبح
قال وبعثت سكينة إلى صاحب الشرطة بالمدينة أنه دخل علينا شامي
فابعث إلينا بالشرط فركب ومعه الشرط فلما أتى إلى الباب أمرت ففتح له وأمرت جارية من جواريها فأخرجت إليه برغوثا فقال ما هذا قالت هذا الشامي الذي شكوناه فانصرفوا يضحكون
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم قال حدثنا أبو هفان قال حدثنا سيف بن إبراهيم صاحب إبراهيم بن المهدي قال حدثني إبراهيم بن المهدي
أن الرشيد لما ولاه دمشق استوهبه صحبة دبية والغاضري وعبيدة بن أشعب وحكم الوادي فوهبهم له فأشخصهم معه
قال فكان فيما حدثني به عبيدة قال إبراهيم
ركبت حمارة وهو عديلي ونمت على ظهرها فلما بلغنا ثنية العقاب اشتد علي البرد فاحتجت إلى الزيادة من الدثار فدعوت بدواج سمور فألقيته على ظهري ودعوت بمن كان معي في سمري في تلك الليلة وكانوا
حولي فقلت لابن أشعب حدثني بأعجب ما تعلم من طمع أبيك فقال أعجب من طمع أبي طمع ابنه فقلت وما بلغ من طمعك فقال دعوت آنفا لما اشتد عليك البرد بدواج سمور لتستدفىء به فلم أشك أنك دعوت به لتجعله علي فغلبني الضحك وخلعت عليه الدواج ثم قلت له ما أحسب لك قرابة بالمدينة فقال اللهم غفرا لي بالمدينة قرابات وأي قرابات قلت أيكونون عشرة قال وما عشرة قلت فعشرين قال اللهم غفرا لا تذكر العشرات ولا المئين وتجاوز ذكر الألوف إلى ما هو أكثر منها قلت ويحك ليس بينك وبين أشعب أحد فكيف يكون هذا فقال
إن زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان تزوج سكينة بنت الحسين فخف أبي على قلبها فأحسنت إليه وكانت عطاياها خلاف عطايا مولاه فمال إليها بكليته
قال وحج سليمان بن عبد الملك وهو خليفة فاستأذن زيد بن عمرو سكينة وأعلمها أنها أول سنة حج فيها الخليفة وأنه لا يمكنه التخلف عن الحج معه وكانت لزيد ضيعة يقال لها العرج وكان له فيها جوار فأعلمته أنها لا تأذن له إلا أن يخرج أشعب معه فيكون عينا لها عليه ومانعا له من العدول إلى العرج ومن اتخاذ جارية لنفسه في بدأته ورجعته فقنع بذلك وأخرج أشعب معه وكان له فرس كثير الأوضاح حسن المنظر يصونه عن
الركوب إلا في مسايرة خليفة أو أمير أو يوم زينة وله سرج يصونه ولا يركب به غير ذلك الفرس وكان معه طيب لا يتطيب به إلا في مثل ذلك اليوم الذي يركب فيه وحلة موشية يصونها عن اللبس إلا في يوم يريد التجمل فيه بها فحج مع سليمان وكانت له عنده حوائج كثير فقضاها ووصله وأجزل صلته وانصرف سليمان من حجه ولم يسلك طريق المدينة وانصرف ابن عثمان يريد المدينة فنزل على ماء لبني عامر بن صعصعة ودعا أشعب فأحضره وصر صرة فيها أربعمائة دينار وأعلمه أنه ليس بينه وبين العرج إلا أميال وأنه إن أذن له في المسير إليها والمبيت بها عند جواريه غلس إليه فوافى وقت ارتحال الناس ووهب له أربعمائة دينار فقبل يده ورجله وأذن له في السير إلى حيث أحب وحلف له أنه يحلف لسكينة بالأيمان المحرجة أنه ما سار إلى العرج ولا اتخذ جارية منذ فارق سكينة إلى أن يرجع إليها فدفع إليه مولاه الدنانير ومضى
قال أبو إسحاق قال ابن أشعب حدثني أبي أنه لا يتوهم أن مولاه سار نصف ميل حتى رأى في الماء الذي كان عليه رحل زيد جاريتين عليهما قربتان فألقتا القربتين وألقتا ثيابهما عنهما ورمتا بأنفسهما في الغدير وعامتا فيه ورأى من مجردهما ما أعجبه واستحسنه فسألهما عند خروجهما من الماء عن نسبهما فأعلمتاه أنهما من إماء نسوة خلوف لبني عامر بن صعصعة هن بالقرب من ذلك الغدير فسألهما هل سبيل إلى مولياتهما لمحادثة شيخ
حسن الخلق طيب العشرة كثير النوادر فقالتا وأنى لهن بمن هذه صفته فقال لهما أنا ذاك فقالتا انطلق معنا فوثب إلى فرس زيد فأسرجه بسرجه الذي كان يسرجه به ويركبه ودعا بحلته التي كان يضن بها فلبسها وأحضر السفط الذي كان فيه طيبه فتطيب منه وركب الفرس ومضى معهما حتى وافى الحي فأقام في محادثة أهله إلى قرب وقت صلاة العصر فأقبل في ذلك الوقت رجال الحي وقد انصرفوا غانمين من غزاتهم وأقبلت تمر به الرعلة بعد الرعلة فيقفون به فيقولون ممن الرجل فينتسب في نسب زيد فيقول كل من اجتاز به ما نرى به بأسا وينصرفون عنه إلى قرب غروب الشمس فأقبل شيخ فان على حجر هرمة هزيل ففعل مثل ما كان يفعل من اجتاز فسأله مثلما يسألون عنه فأخبره بمثل ما كان يخبر من تقدمه فقال مثل قولهم
قال ابن أشعب قال أبي ثم رأيت الشيخ وقد وقف بعد قوله فأوجست منه خيفة لأني رأيته قد جعل يده اليسرى تحت حاجبيه فرفعهما ثم استدار ليرى وجهي فركبت الفرس فما استويت عليه حتى سمعته يقول أقسم بالله ما هذا قرشي وما هذا إلا وجه عبد فركضت وركض خلفي فرأى حجره مقصرة فلما يئس من اللحاق بي انتزع سهما فرماني به فوقع في مؤخرة السرج فكسرها ودخلتني من صوته روعة أحدثت لها في الحلة ووافيت رحل مولاي فغسلت الحلة ونشرتها فلم تجف ليلا وغلس مولاي من العرج فوافاني في وقت الرحيل فرأى الحلة منشورة ومؤخرة السرج
مكسورة والفرس قد أضر بها الركض وسفط الطيب مكسور الختم فسألني عن السبب فصدقته فقال لي ويحك أما كفاك ما صنعت بي حتى انتسبت في نسبي فجعلتني عند أشراف قومي من العرب جماشا وسكت عني فلم يقل لي أحسنت ولا أسأت حتى وافينا المدينة فلما وافاها سألته سكينة عن خبره فقال لها يا بنت رسول الله وما سؤالك إياي ولم يزل ثقتك معي وهو أمين علي فسليه عن خبري يصدقك عنه فسألتني فأخبرتها أني لم أنكر عليه شيئا ولم أمكنه من ابتياع جارية ولم أطلق له الاجتياز بالعرج فاستحلفتني على ذلك فلما حلفت لها بالأيمان المحرجة فيها طلاق أمك وثب فوقف بين يديها وقال أي ابنة عم ويا بنت رسول الله كذبك والله العلج ولقد أخذ مني أربعمائة دينار على أن أذن لي في المصير إلى العرج فأقمت بها يوما وليلة وغسلت بها عدة من جواري وها أنا ذا تائب إلى الله مما كان مني وقد جعلت توبتي هبتهن لك وتقدمت في حملهن إليك وهن موافيات المدينة في عشية اليوم فبيعهن أو عتقهن إليك الأمر فيه وأنت أعلم بما ترين في العبد السوء فأمرتني بإحضار أربعمائة الدينار فأحضرتها فأمرت بابتياع خشب بثلثمائة دينار وأمرت بنشره وليس عندي ولا عند أحد من أهل المدينة علم بما تريده فيه ثم أمرت بأن يتخذ بيت كبير وجعلت النفقة عليه في أجرة النجارين من المائة الدينار الباقية ثم أمرت بابتياع بيض وتبن وسرجين بما بقي من المائة الدينار بعد أجرة النجارين ثم أدخلتني البيت وفيه البيض والتبن والسرجين وحلفت بحق جدها ألا أخرج من ذلك البيت حتى أحضن ذلك البيض كله إلى أن يفقس ففعلت ذلك ولم أزل أحضنه حتى
فقس كله فخرج منه الألوف من الفراريج وربيت في دار سكينة فكانت تنسبهن إلي وتقول بنات أشعب
قال أبو إسحاق قال لي وبقي ذلك النسل في أيدي الناس إلى الآن فكلهم إخواني وأهلي قال فضحكت والله حتى غلبت وأمرت له بعشرة آلاف درهم فحملت بحضرتي إليه
أزواج سكينة
أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قالتزوجت سكينة بنت الحسين عليه السلام عدة أزواج أولهم عبد الله بن الحسن بن علي وهو ابن عمها وأبو عذرتها ومصعب بن الزبير وعبد الله بن عثمان الحزامي وزيد بن عمرو بن عثمان والأصبغ بن عبد العزيز بن مروان ولم يدخل بها وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولم يدخل بها
قال مصعب ويحيى بن الحسن العلوي إن عبد الله بن حسن زوجها كان يكنى أبا جعفر وأمه بنت السليل بن عبد الله البجلي أخي جرير بن عبد الله
قال ثم خلفه عليها مصعب بن الزبير زوجه إياها أخوها علي بن الحسين ومهرها مصعب ألف ألف درهم
قال مصعب وحدثني مصعب بن عثمان أن علي بن الحسين أخاها حملها إليه فأعطاه أربعين ألف دينار
قال مصعب وحدثني معاوية بن بكر الباهلي قال قالت سكينة
دخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة
قال فولدت من مصعب بنتا فقال لها سميها زهراء قالت بل أسميها باسم إحدى أمهاتي وسمتها الرباب فلما قتل مصعب ولي أخوه عروة تركته فزوجها يعني الرباب بنت مصعب ابنه عثمان بن عروة فماتت وهي صغيرة فورثها عثمان بن عروة عشرة آلاف دينار
قال الزبير فحدثني محمد بن سلام عن شعيب بن صخر عن أمه سعدة بنت عبد الله بن سالم قالت
لقيت سكينة بين مكة ومنى فقالت قفي لي يابنة عبد الله فوقفت فكشفت عن بنتها من مصعب فإذا هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ فقالت ما ألبستها إياه إلا لتفضحه
قال الزبير وحدثني عمي عن الماجشون قال
قالت سكينة لعائشة بنت طلحة أنا أجمل منك وقالت عائشة بل أنا
فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة فقال لأقضين بينكما أما أنت يا سكينة فأملح منها وأما أنت يا عائشة فأجمل منها فقالت سكينة قضيت لي والله وكانت سكينة تسمي عائشة ذات الأذنين وكانت عظيمة الأذنين
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا المدائني قال
خطب سكينة بنت الحسين عليه السلام عبد الملك بن مروان فقالت أمها لا والله لا يتزوجها أبدا وقد قتل ابن أخي تعني مصعبا
وأما محمد بن سلام الجمحي فإنه ذكر فيما أخبرني به أبو الحسن الأسدي عن الرياشي عنه
أن أبا عذرتها هو عندي عبد الله بن الحسن بن علي ثم خلف عليها العثماني ثم مصعب بن الزبير ثم الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان فقال فيه بعض المدنيين
( نَكَحَتْ سُكينة بالحساب ثلاثةً ... فإذا دخلتَ بها فأنت الرابعُ )
قال وكان يتولى مصر فكتبت إليه إن أرض مصر وخمة فبنى لها مدينة تسمى مدينة الأصبغ وبلغ عبد الملك تزوجه إياها فنفس بها عليه فكتب إليه اختر مصر أو سكينة فبعث إليها بطلاقها ولم يدخل بها ومتعها بعشرين ألف دينار ومروا بها في طريقها على منزل فقالت ما اسم هذا المنزل قالوا جوف الحمار قالت ما كنت لأدخل جوف الحمار أبدا
وذكر محمد بن سلام في هذا الخبر الذي رواه الرياشي عن شعيب بن صخر أن الحزامي عبد الله بن عثمان خلف الأصبغ عليها وولدت منه بنتا وذكر عن أمه سعدة بنت عبد الله أن سكينة أرتها بنتها من الحزامي وقد أثقلتها باللؤلؤ وهي في قبة فقالت والله ما ألبستها إياه إلا لتفضحه تريد أنها تفضح الحلي بحسنها لأنها أحسن منه
أخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان وغيره
أن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام ثم تزوجها بعده زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ثم تزوجها مصعب بن الزبير فلما قتل مصعب خطبها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فبعثت إليه أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله تخطبها فأمسك عن ذلك
قال ثم تنفست يوما بنانة جارية سكينة وتنهدت حتى كادت أضلاعها تتحطم فقالت لها سكينة مالك ويلك قالت أحب أن أرى في الدار جلبة تعني العرس فدعت مولى لها تثق به فقالت له اذهب إلى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقل له إن الذي كنا ندفعك عنه قد بدا لنا فيه أنت من أخوال رسول الله فأحضر بيتك قال فجمع عدة من بني زهرة وأفناء قريش من بني جمح وغيرهم نحوا من سبعين رجلا أو ثمانين ثم أرسل إلى
علي بن الحسين والحسن بن الحسن وغيرهم من بني هاشم فلما أتاهم الخبر اجتمعوا وقالوا هذه السفيهة تريد أن تتزوج إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فتنادى بنو هاشم واجتمعوا وقالوا لا يخرجن أحد منكم إلا ومعه عصا فجاؤوا وما بقي إلا الكلام فقال اضربوا بالعصى فاضطربوا هم وبنو زهرة حتى تشاجوا فشج بينهم يومئذ أكثر من مائة إنسان ثم قالت بنو هاشم أين هذه قالوا في هذا البيت فدخلوا إليها فقالوا أبلغ هذا من صنعك ثم جاؤوا بكساء طاروقي فبسطوه ثم حملوها وأخذوا بجوانبه - أو قال بزواياه الأربع - فالتفتت إلى بنانة فقالت يا بنانة أرأيت في الدار جلبة قالت إي والله إلا أنها شديدة
وقال هارون بن الزيات أخبرني أبو حذيفة عن مصعب قال
كان أول أزواج سكينة عبد الله بن الحسن بن علي قتل عنها ولم تلد له
وخلف عليها مصعب فولدت له جارية ثم خلف عليها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فنشزت عليه فطلقها ثم خلف عليها الأصبغ بن عبد العزيز فأصدقها صداقا كثيرا فقال الشاعر
( نكحت سُكَينة بالحساب ثلاثة ... فإذا دخلت بها فأنت الرابعُ )
( إن البقيع إذا تتابع زرعُه ... خاب البقيعُ وخاب فيه الزارع )
وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فغضب وقال أما تزوجنا أحسابنا حتى تزوجنا أموالنا فطلقها فطلقها فخلف عليها العثماني وشرطت عليه ألا يطلقها ولا يمنعها شيئا تريده وأن يقيمها حيث خلتها أم منظور ولا يخالفها
في أمر تريده فكانت تقول له يابن عثمان اخرج بنا إلى مكة فإذا خرج بها فسارت يوما أو يومين قالت ارجع بنا إلى المدينة فإذا رجع يومه ذاك قالت اخرج بنا إلى مكة فقال له سليمان بن عبد الملك أعلم أنك قد شرطت لها شروطا لم تف بها فطلقها فطلقها فخلف عليها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فكره ذلك أهلها وخاصموه إلى هشام بن إسماعيل فبعث إليها يخيرها فجاء إبراهيم بن عبد الرحمن من حيث تسمع كلامه فقال لها جعلت فداءك قد خيرتك فاختاريني فقالت قلت ماذا بأبي تهزأ بي فعرف ذلك فانصرف وخيروها فقالت لا أريده
قال وماتت فصلى عليها شيبة بن نصاح
وأما ابن الكلبي فذكر فيما أخبرنا به الجوهري عن عمر بن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم عنه
أن أول أزواجها الأصبغ ومات ولم يرها ثم زيد بن عمرو العثماني قال وولدت له ابنه عثمان الذي يقال له قرين ثم الحزامي ثم خلف عليها مصعب فولدت له جارية ثم خلف عليها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولم يدخل بها
قال عمر بن شبة وحدثني محمد بن يحيى قال
تزوج مصعب سكينة وهو يومئذ بالبصرة عامل لأخيه عبد الله بن الزبير وكان بين مصعب وبين أخيه رسول يقال له أبو السلاس وهو الذي جاء بنعيه فقال ابن قيس فيه
( قد أتانا بما كرهنا أبو السلاَّس ... كانت بنفسه الأوجاع )
وفي هذا الشعر غناء قد ذكر في موضعه وهذا غلط من محمد بن يحيى ليست قصة أبي السلاس مع مصعب وإنما هي مع ابن جعفر
قال محمد بن يحيى ولما تزوج مصعب سكينة على ألف ألف كتب عبد الله بن همام على يد أبي السلاس إلى عبد الله بن الزبير
( أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... من ناصح لك لا يريد خِداعا )
( بُضْع الفتاة بألف ألف كاملٍ ... وتبيت سادات الجنود جياعا )
( لو لأبي حفص أقول مقالتي ... وأبث ما أبثثتكم لارتاعا )
قال وكان ابن الزبير قد أوصاه ألا يعطيه أحد كتابا إلا جاء به فلما أتاه بهذا الكتاب قال صدق والله لو يقول هذه المقالة لأبي حفص لارتاع من تزويج امرأة على ألف ألف درهم ثم قال إن مصعبا لما وليته البصرة أغمد سيفه وسل أيره وعزله عن البصرة وأمره أن يجيء على ذات الجيش وقال إني لأرجو أن يخسف الله بك فيها فبلغ عبد الملك بن مروان قول عبد الله في مصعب فقال لكن عبد الله والله أغمد سيفه وأيره وخيره
مغاضبة زيد بن عمرو العثماني لسكينة
قال ابن زيد أخبرني محمد بن يحيى عن ابن شهاب الزهري قالذكر أن زيد بن عمرو بن عثمان العثماني خرج إلى مال له مغاضبا لسكينة وعمر بن عبد العزيز يومئذ والي المدينة فأقام سبعة أشهر فاستعدته سكينة على زيد وذكرت غيبته مع ولائده سبعة أشهر وأنها شرطت عليه أنه إن مس امرأة أو حال بينها وبين شيء من ماله أو منعها مخرجا تريده فهي خلية فبعث إليه عمر فأحضره وأمر ابن حزم أن ينظر بينهما
قال حدثني أبو بكر بن عبد الله قال بعثني عمر وبعث معي محمد بن معقل بن يسار الأشجعي إلى ابن حزم وقال اشهدا قضاءه
فدخلنا عليه وعنده زيد جالس وفاطمة امرأة ابن حزم في الحجلة وجاءت سكينة فقال ابن حزم أدخلوها وحدها فقالت والله لا أدخل إلا ومعي ولائدي فأدخلن معها فلما دخلت قالت يا جارية أثني لي هذه الوسادة ففعلت وجلست عليها ولصق زيد بالسرير حتى كاد يدخل في جوفه خوفا منها فقال لها ابن حزم يابنة الحسين إن الله عز و جل يحب القصد في كل شيء فقالت له وما أنكرت مني إني وإياك والله كالذي يرى الشعرة في عين صاحبه ولا يرى الخشبة في عينه فقال لها أما والله لو كنت رجلا لسطوت بك فقالت له يابن فرتنى ألا تزال تتوعدني وشتمته وشتمها فلما بلغا ذلك قال ابن أبي الجهم العدوي ما بهذا أمرنا فأمض الحكم ولا تشاتم فقالت لمولاة لها من هذا قالت أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم فقالت لا أراك ههنا وأنا اشتم بحضرتك ثم هتفت برجال قريش وحضت ابن أبي الجهم وقالت اما والله لو كان أصحاب الحرة أحياء لقتلوا هذا العبد اليهودي عند شتمه إياي أي عدو الله تشتمني وأبوك الخارج مع يهود صبابة بدينهم لما أخرجهم رسول الله إلى أريحاء يابن فرتنى قال وشتمها وشتمته
قال ثم أحضرنا زيدا فكلمها وخضع لها فقالت ما أعرفني بك يا
زيد والله لا تراني أبدا أتراك تمكث مع جواريك سبعة أشهر لا تقربهن املأ عينك الآن مني فإنك لا تراني بعد الليلة أبدا وجعلت تردد هذا القول ومثله فكلما تكلمت ترفث لابن حزم وامرأته في الحجلة وهو يقلق لسماع امرأته ذلك فيه ثم حكم بينهما بأن سكينة إن جاءت ببينة على ما ادعنه وإلا فاليمين على زيد فقامت وقالت لزيد يابن عثمان تزود مني بنظرة فإنك والله لا تراني بعد الليلة أبدا وابن حزم صامت ثم خرجنا وجئنا إلى عمر بن عبد العزيز وهو ينتظرنا في وسط الدار في ليلة شاتية فسألنا عن الخبر فأخبرناه فجعل يضحك حتى أمسك بطنه ثم دعا زيدا من غد فأحلفه ورد سكينة عليه
وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار عن عمه قال
قالت سكينة لأم أشعب سمعت للناس خبرا قالت لا فبعثت إلى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فتزوجته وبلغ ذلك بني هاشم فأنكروه وحملوا العصي وجاؤوا فقاتلوا بني زهرة حتى كثرت الشجاج ثم فرق بينهم وخيرت سكينة فأبت نكاح إبراهيم ثم التفتت إلى أم أشعب وقالت أترين الآن أنه كان للناس اليوم خبر قالت أي والله - بأبي أنت - وأي خبر
زوجها بخيل وهي تبغض أهل الكوفة
قال هارون بن الزيات وجدت في كتاب القاسم بن يوسف حدثني الهيثم بن عدي عن أشعب قالتزوج زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان سكينة وكان أبخل قرشي رأيته فخرج حاجا وخرجت سكينة معه فلم تدع إوزة ولا دجاجة ولا خبيصا ولا
فاكهة إلا حملته معها وأعطتني مائة دينار وقالت يابن أم حميدة اخرج معنا فخرجت ومعنا طعام على خمسة أجمال فلما أتينا السيالة نزلنا وأمرت بالطعام أن يقدم فلما جيء بالأطباق أقبل أغيلمة من الأنصار يسلمون على زيد فلما رآهم قال أوه خاصرتي باسم الله ارفعوا الطعام وهاتوا الترياق والماء الحار فأتي به فجعل يتوجرهما حتى انصرفوا ورحلنا وقد هلكت جوعا فلم آكل إلا مما اشتريته من السويق فلما كان من الغد أصبحت وبي من الجوع ما الله أعلم به ودعا بالطعام وأتي به قال فأمر بإسخانه وجاءته مشيخة من قريش يسلمون عليه فلما رآهم اعتل بالخاصرة ودعا بالترياق والماء الحار فتوجره ورفع الطعام فلما ذهبوا أمر بإعادته فأتي به وقد برد فقال لي يا أشعب هل إلى إسخان هذا الدجاج سبيل فقلت له أخبرني عن دجاجك هذا أمن آل فرعون فهو يعرض على النار غدوا وعشيا
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة قال
جاء قوم من أهل الكوفة يسلمون على سكينة فقالت لهم الله يعلم أني أبغضكم قتلتم جدي عليا وأبي الحسين وأخي عليا وزوجي مصعبا فبأي وجه تلقونني أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة
أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن المدائني قال بينما
سكينة ذات ليلة تسير إذ سمعت حاديا يحدو في الليل يقول
( لولا ثلاث هنَّ عيشُ الدهرِ ... )
فقالت لقائد قطارها ألحق بنا هذا الرجل حتى نسمع منه ما هذه الثلاث فطال طلبه لذلك حتى أتعبها فقالت لغلام لها سر أنت حتى تسمع منه فرجع إليها فقال سمعته يقول
( الماء والنوم وأم عمرو ... )
فقالت قبحه الله أتعبني منذ الليلة
قال وحدثني المدائني أن أشعب حج مع سكينة فأمرت له بجمل قوي يحمل أثقاله فأعطاه القيم جملا ضعيفا فلما جاء إلى سكينة قالت له أعطوك ما أردت قال عرسه الطلاق لو أنه حمل قتبا على الجمل لما حمله فكيف يحمل محملا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن نعيم بن سالم بن علي الأنصاري عن سفيان بن حرب قال
رأيت سكينة بنت الحسين عليه السلام ترمي الجمار فسقطت من يدها الحصاة السابعة فرمت بخاتمها مكانها
وقال هارون بن الزيات حدثني أبو حذافة السهمي قال أخبرني غير واحد منهم محمد بن طلحة
أن سكينة ناقلت بمالها بالزوراء إلى قصر يقال له البريدي بلزق الجماء فلما سال العقيق خرجت ومعها جواريها تمشي حتى جاءت السيل فجلست
على جرفه ومالت برجليها في السيل ثم قالت هذا في است المغبون والله لهذه الساعة من هذا القصر خير من الزوراء قال وكان البريدي قصرا لا غلة له وإنما يتنزه فيه وكانت غلة الزوراء غلة وافرة عظيمة
بدراقُس يجري لها عملية جراحية
وقال هارون وحدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمه وغيرهما من مشايخ الهاشميين والطالبيين
أن سكينة بنت الحسين عليه السلام خرجت بها سلعة في أسفل عينها فكبرت حتى أخذت وجهها وعينها وعظم شأنها وكان بدراقس منقطعا إليها في خدمتها فقالت له ألا ترى ما قد وقعت فيه فقال لها أتصبرين على ما يمسك من الألم حتى أعالجك قالت نعم فأضجعها وشق جلد وجهها حتى ظهرت السلعة ثم كشط الجلد عنها أجمع وسلخ اللحم من تحتها حتى ظهرت عروق السلعة وكان منها شيء تحت الحدقة فرفع الحدقة عنه حتى جعلها ناحية ثم سل عروق السلعة من تحتها فأخرجها أجمع ورد العين إلى موضعها وعالجها وسكينة مضطجعة لا تتحرك ولا تئن حتى فرغ مما أراد فزال عنها وبرئت منها وبقي أثر تلك الجراحة في مؤخر عينها فكان أحسن شيء في وجهها وكان أحسن على وجهها من كل حلي وزينة ولم يؤثر ذلك في نظرها ولا في عينها
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال أخبرني عيسى بن إسماعيل عن محمد بن سلام عن جرير المديني عن المدائني وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن
أبيه عن محمد بن سلام وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة موقوفا عليه قالوا
اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين عليه السلام جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب فمكثوا أياما ثم أذنت لهم فدخلوا عليها فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث فقالت أيكم الفرزدق فقال لها هأنذا فقالت أنت القائل
( هما دلّتاني من ثمانينَ قامةً ... كما انحط بازٍ أقتم الريشِ كاسرُه )
( فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يُرَجَّى أم قتيل نحاذرهْ )
( فقلت ارفعوا الأمراس لا يشعروا بنا ... وأقبلتُ في أعجاز ليلٍ أبادِرهْ )
( أبادر بوابَيْن قد وُكِّلا بنا ... وأحمر من ساج تبِصُّ مسامرهْ )
قال نعم قالت فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك هلا سترتها وسترت نفسك خذ هذه الألف والحق بأهلك
ثم دخلت على مولاتها وخرجت فقالت أيكم جرير فقال لها هأنذا فقالت أنت القائل
( طرقتكَ صائدة القلوب وليس ذا ... حينَ الزيارةِ فارجعي بسلامِ )
( تُجْري السواك على أغرّ كأنه ... بَرَد تحدر من مُتون غَمام )
( لو كان عهدك كالذي حدثتِنا ... لوصلتِ ذاك فكان غير رِمامِ )
( إني أواصل من أردتُ وصاله ... بحبالِ لا صلِفٍ ولا لَوّام )
قال نعم قالت أفلا أخذت بيدها ورحبت بها وقلت لها ما يقال لمثلها أنت عفيف وفيك ضعف خذ هذه الألف والحق بأهلك ثم دخلت على مولاتها وخرجت فقالت أيكم كثير فقال هأنذا فقالت أنت القائل
( وأعجبني يا عَزُّ منك خلائق ... كرام إذا عُدَّ الخلائق أربعُ )
( دنوُّك حتى يطمع الطالبُ الصِّبا ... ودفعك أسباب الهوى حين يطمع )
( وقطعُك أسبابَ الكريم ووصلك الْلئيم ... وخَلاَّت المكارم ترفع )
( فوالله ما يدري كريم مماطَلٌ ... أينساك إذ باعدتِ أم يتَضرعُ )
قال نعم قالت ملحت وشكلت خذ هذه الثلاثة الآلاف والحق بأهلك
ثم دخلت إلى مولاتها وخرجت فقالت أيكم نصيب قال هأنذا قالت أأنت القائل
( ولولا أن يقال صبا نُصَيْب ... لقلت بنفسيَ النَّشَأُ الصِّغارُ )
( بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظُلِمَتْ فليس لها انتصار )
قال نعم قالت ربيتنا صغارا ومدحتنا كبارا خذ هذه الأربعة الآلاف والحق بأهلك
ثم دخلت على مولاتها وخرجت فقالت يا جميل مولاتي تقرئك السلام وتقول لك والله ما زلت مشتاقة لرؤيتك منذ سمعت قولك
( ألا ليتَ شعري هل أبيتن ليلةً ... بوادي القُرَى إني إذاً لسعيدُ )
( لكلِّ حديثٍ بينهن بشاشة ... وكلُّ قتيل عندهن شهيد )
جعلت حديثنا بشاشة وقتلانا شهداء خذ هذه الأربعة الآلاف الدينار والحق بأهلك
سكينة تحكم في شعر الشعراء
أخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد عن أبيه عن أبي عبد الله الزبيري قالاجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب وراوية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه وقال صاحبي أشعر فحكموا
سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام لما يعرفونه من عقلها وبصرها بالشعر فخرجوا يتقادون حتى استأذنوا عليها فأذنت لهم فذكروا لها الذي كان من أمرهم فقالت لراوية جرير أليس صاحبك الذي يقول
( طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حِينَ الزيارةِ فارجِعي بسلامِ )
وأي ساعة أحلى للزيارة من الطروق قبح الله صاحبك وقبح شعره ألا قال فادخلي بسلام
ثم قالت لراوية كثير أليس صاحبك الذي يقول
( يَقَرّ بعيني ما يقَرُّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قَرّتِ )
فليس شيء أقر لعينها من النكاح أفيحب صاحبك أن ينكح قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية جميل أليس صاحبك الذي يقول
( فلو تَرَكَتْ عقلِي معي ما طلبتُها ... ولكن طِلابيها لما فات من عقلي )
فما أرى بصاحبك من هوى إنما يطلب عقله قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية نصيب أليس صاحبك الذي يقول
( أهيم بدعد ما حييت فإن أَمُت ... فيا حَرَبا من ذا يهيم بها بعدِي )
فما أرى له همة إلا من يتعشقههما بعده قبحه الله وقبح شعره ألا قال
( أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فلا صَلَحت دعد لذي خُلَّة بعدي )
ثم قالت لراوية الأحوص أليس صاحبك الذي يقول
( مِن عاشقين تواعدا وتراسلا ... ليلا إذا نجمُ الثريا حَلَّقا )
( باتا بأنعمِ ليلة وألذها ... حتى إذا وضَح الصباحُ تفرّقا )
قال نعم قالت قبحه الله وقبح شعره ألا قال تعانقا
قال إسحاق في خبره فلم تثن على أحد منهم في ذلك اليوم ولم تقدمه
قال وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم إلا جميلا فإنه خالف هذه الرواية وقال فقالت لراوية جميل أليس صاحبك الذي يقول
( فيا ليتني أعمى أصمُّ تقودني ... بُثَينة لا يَخْفى علي كلامها )
قال نعم قالت رحم الله صاحبك كان صادقا في شعره كان جميلا كاسمه فحكمت له
وفي الأشعار المذكورة في الأخبار أغان تذكر ها هنا نسبتها
فمنها
صوت
( هما دلتانِي من ثمانين قامةً ... كما انقض بازٍ أقتم الريش كاسرُهْ )( فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحَيٌّ يرجَّى أم قتيل نحاذره )
عروضه - الطويل - الشعر للفرزدق والغناء للحجبي - ورمل - بالبنصر عن الهشامي وحبش
وأخبرني أبو خليفة في كتابه إلي قال حدثنا محمد بن سلام عن يونس وحدثنا به اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سلام عن يونس قال
كان للفرزدق غلامان يقال لأحدهما وقاع وللآخر زنقطة قال ولوقاع يقول الفرزدق
( تغلغل وقّاع إليها فأقبلت ... تخوض خُدارِيا من الليل أخضرا )
( لطيف إذا ما انغلَّ أدرك ما ابتغى ... إذا هو للظبي المَرُوعِ تقتَّرا )
وله يقول أيضا
( فأبْلَغَهنّ وحيَ القولِ عني ... وأدخل رأسه تحت القِرامِ )
( أُسَيِّد ذو خُرَيِّطةٍ نهارا ... من المتلقِّطِي قَرَدِ القُمامِ )
( فقلن له نواعدك الثريا ... وذاك إليه مجتمعُ الرِّجام )
صوت
( ثلاث واثنتان فهن خمسٌ ... وسادسة تميل مع السَّنام )
( خرجن إليّ لم يطمثنَ قبلي ... فهُن أصح من بيض النعام )
( فبتن بجانبيَّ مُصَرَّعاتٍ ... وبت أفُضُّ أغلاق الختام )
في هذه الأبيات الثلاثة لابن جامع - خفيف رمل - بالبنصر عن الهشامي
وفيها هزج يمان بالوسطى عن عمرو بن بانة وذكر حبش أن الهزج لفليح وأن لحن ابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال قال الفرزدق وهو بالمدينة
( هما دلتانِي من ثمانين قامةً ... كما انقض باز أقتم الريش كاسرُه )
( فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحَيٌّ يُرَجَّى أم قتيل نحاذره )
( فقلت ارفعوا الأسباب لا يفطُنوا بنا ... ووليت في أعجاز ليل أبادره )
( أبادر بوابَيْن قد وُكِّلا بنا ... وأحمرَ من ساجٍ تبِص مسامرُهْ )
( وأصبحت في القوم الجلوسِ وأصبحت ... مُغَلَّقة دوني عليها دساكرُه )
قال فأنكرت ذلك قريش عليه وأزعجه مروان عن المدينة وهو واليها لمعاوية وأجله ثلاثة أيام فقال
( يا َمْروَ إنّ مطيتي محبوسة ... ترجوا الحِباء وربها لم ييأسِ )
( وأتيتني بصحيفةٍ مختومةٍ ... أخشى عليّ بها حِباءَ النَّقْرِس )
( ألقِ الصحيفة يا فرزدقُ لا تكن ... نكداءَ مثلَ صحيفة المتلمسِ )
وقال في ذلك
( وأخرجني وأجَّلني ثلاثا ... كما وُعِدت لمهلِكِها ثمودُ )
وذكر ذلك جرير في مناقضته إياه فقال
( وشبهتَ نفسك أشقى ثمودٍ ... فقالوا ضَلَلْت ولم تهتدِ )
يعني تأجيل مروان له ثلاثا وقال فيه أيضا جرير
( تدليتَ تزني من ثمانين قامةً ... وقَصَّرت عن باع العلا والمكارم )
وهما قصيدتان
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال سليمان بن عبد الملك للفرزدق أنشدني أجود شعر قلته فأنشده قوله
( عَزَفْتَ بأعشاشٍ وما كدتَ تعزِفُ ... وأنكرت من حَدْراء ما كنت تعرفُ )
فقال له زدني فأنشده قوله
( ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى الشمام )
فقال له سليمان ما أظنك إلا قد أحللت بنفسك العقوبة أقررت بالزنا عندي وأنا إمام ولا بد لي من إقامة الحد عليك قال إن أخذت في بقول الله عز و جل لم تفعل قال وما قال الله عز و جل قال قال ( والشعراء يتبعهم الغاوون
ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فضحك سليمان وقال تلافيتها ودرأت عن نفسك وأمر له بجائزة سنية وخلع عليه
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال
نزل الفرزدق هو ومن معه بقوم من العرب فأنزلوه وأكرموه وأحسنوا قراه فلما كان في الليل دب إلى جارية منهم فراودها عن نفسها فصاحت فتبادر القوم إليها فأخذوها من يده وأنبوه فجعل يفكر واهتم فقال له الرجل الذي نزل به مالك أتحب أن أزوجك من هذه الجارية فقال لا والله ما ذلك بي ولكني كأني بابن المراغة قد بلغه هذا الخبر فقال في
( وكنتَ إذا حللتَ بدار قوم ... رحلتَ بخَزْية وتركت عارا )
فقال له الرجل لعله لا يفطن لهذا فقال عسى أن يكون ذلك قال فوالله ما لبثوا أن مر بهم راكب ينشد هذا البيت فسألوه عنه فأنشدهم قصيدة لجرير يعيره بذلك الفعل وفيها هذا البيت بعينه
ومنها
صوت
( طرقتك صائدةُ القلوب وليس ذا ... حِين الزيارة فارجعي بسلامِ )( تُجْرِي السواكَ على أغرَّ كأنه ... بَرَد تحدَّر من مُتون غَمام )
( هيهاتَ منزلُنا بجوِّ سُوَيْقةٍ ... ممن يَحِلّ بواطن الآجام )
( إقر السلام على سُعاد وقُل لها ... لَوْمَا تردَ رسولنا بسلام )
الشعر لجرير والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن ابن المكي وذكره إسحاق في هذه الطريق أيضا ولم ينسبه إلى أحد وأظنه من منحول يحيى وذكره عمرو بن بانة أيضا لابن سريج في الثاني والرابع في هذه الطريقة وذكر علي بن يحيى أن فيه لابن سريج ثقيل أول في الثاني والثالث وأنكر ذلك حبش وقال هو بالوسطى قال علي بن يحيى ومن الناس من ينسبه إلى سياط وذكر حبش أن فيه للهذلي خفيف ثقيل بالبنصر وللغريض ثاني ثقيل بالوسطى ومنها
صوت
( مِن عاشقين تراسلا وتواعدا ... بِلِقاً إذا نجم الثريا حَلَّقا )
( بعثا أمامهما مخافة رِقبة ... رَصَداً فمزَّق عنهما ما مَزَّقا )
( باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى إذا وضح الصباحُ تفرقا )
الشعر للأحوص والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر عن يونس والهشامي
رجع الحديث إلى أخبار سكينة
سكينة والفرزدق
وروى أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي يعقوب الثقفي عن عامر الشعبي وذكر أيضا أبو عبيدة معمر بن المثنىأن الفرزدق خرج حاجا فلما قضى حجه خرج إلى المدينة فدخل على سكينة بنت الحسين عليه السلام مسلما فقالت له يا فرزدق من أشعر الناس قال أنا قالت كذبت أشعر منك الذي يقول
( بنفسيَ من تجنُّبه عزيزٌ ... عليّ ومن زيارته لِمامُ )
( ومن أُمسي وأصبح لا أراه ... ويَطْرُقُني إذا هجَع النِّيامُ )
قال والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه قالت أقيموه فأخرج ثم عاد إليها من الغد فدخل عليها فقالت يا فرزدق من أشعر الناس قال أنا قالت كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول
( لولا الحياء لعادني استعبارُ ... ولزرت قبرَك والحبيب يزارُ )
( كانت إذا هجر الضجيعُ فراشها ... كُتِم الحديث وعفَّتِ الأسرارُ )
( لا يُلْبِث القرناءَ أن يتفرقوا ... ليلٌ يكُرّ عليهم ونهارُ )
فقال والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه فأمرت به فأخرج ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولدات كأنهن التماثيل فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها فقالت يا فرزدق من أشعر الناس فقال أنا فقالت كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول
( إن العيون التي في طرفها مَرَض ... قتلننا ثم لم يُحْيِين قتلانا )
( يَصْرَعن ذا اللب حتى لا حَرَاك به ... وهن أضعفُ خلق الله أركانا )
فقال يا بنت رسول الله إن لي عليك حقا عظيما ضربت إليك من مكة أريد التسليم عليك فكان في دخولي إليك تكذيبي ومنعك إياي أن أسمعك وبي ما قد عيل معه صبري وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت فإن أنا مت فمري أن أدرج في كفني وأدفن في حر تلك الجارية يعني الجارية التي أعجبته فضحكت سكينة وأمرت له بالجارية فخرج بها آخذا بريطتها وأمرت الجواري أن يدفعن في أقفائهما ثم قالت يا فرزدق أحسن صحبتها فإني آثرتك بها على نفسي
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي عن أبيه وعمومته وجماعة من شيوخ بني هاشم
أنه لم يصل على أحد بعد رسول الله بغير إمام إلا سكينة بنت الحسين عليه السلام فإنها ماتت وعلى المدينة خالد بن عبد الملك فأرسلوا إليه فآذنوه بالجنازة وذلك في أول النهار في حر شديد فأرسل إليهم لا تحدثوا حدثا حتى أجيء فأصلي عليها فوضع النعش في موضع المصلى على
الجنائز وجلسوا ينتظرونه حتى جاءت الظهر فأرسلوا إليه فقال لا تحدثوا فيها شيئا حتى أجيء فجاءت العصر ثم لم يزالوا ينتظرونه حتى صليت العشاء كل ذلك يرسلون إليه فلا يأذن لهم حتى صليت العتمة ولم يجىء ومكث الناس جلوسا حتى غلبهم النعاس فقاموا فأقبلوا يصلون عليها جمعا جمعا وينصرفون فقال علي بن الحسين عليه السلام من أعان بطيب رحمه الله قال وإنما أراد خالد بن عبد الملك فيما ظن قوم أن تنتن قال فأتي بالمجامر فوضعت حول النعش ونهض ابن أختها محمد بن عبد الله العثماني فأتى عطارا كان يعرف عنده عودا فاشتراه منه بأربعمائة دينار ثم أتى به فسجر حول السرير حتى أصبح وقد فرغ منه فلما صليت الصبح أرسل إليهم صلوا عليها وادفنوها فصلى عليها شيبة بن نصاح
وذكر يحيى بن الحسين في خبره أن عبد الله بن حسن هو الذي ابتاع لها العود بأربعمائة دينار
صوت
( وأنا الأخضرُ من يعرفني ... أخضرُ الجلدة من بيت العَرَبْ )( من يساجلْني يساجلْ ماجداً ... يملأ الدلوَ إلى عَقْد الكَرَبْ )
( إنما عبد مناف جوهر ... زيَّن الجوهرَ عبدُ المطلِبْ )
( كل قوم صيغة من فضة ... وبنو عبد مناف من ذَهَبْ )
( نحن قوم قد بنى الله لنا ... شرفاً فوق بُيوتات العرب )
( بنبي الله وابني عمه ... وبعباس بن عبد المطَّلِبْ )
الشعر للفضل بن العباس اللهبي والغناء لمعبد - ثقيل - أول بالبنصر في الأول والثاني والثالث ولابن محرز في الأول والثاني - خفيف ثقيل - أول مطلق في مجرى البنصر وذكر يونس أن فيهما لمعبد ومالك وابن محرز وابن مسجح وابن سريج خمسة ألحان وذكر الهشامي أن لحن ابن سريج رمل ولحن مالك - خفيف ورمل - ولحن معبد - خفيف ثقيل - ولحن ابن محرز - ثقيل - أول وذكر ابن المكي أن الثقيل الأول لمالك وذكر عمرو بن بانة في كتابه الثاني أن لابن مسجح أو لابن محرز فيه - خفيف رمل - وذكر الهشامي أن فيه رملا آخر بالوسطى لأبي سعيد مولى فائد ولأبي الحسن مولى سكينة في الثالث والرابع - خفيف ثقيل - وذكر حبش أن لابن صاحب الوضوء في الأول
والثاني ثاني - ثقيل - بالبنصر ولابن سريج - ثقيل - أول بالبنصر وذكر حماد عن أبيه أن لابن عائشة فيهما لحنا ووافقه ابن المكي وذكر أنه - خفيف رمل - قال وقيل إنه لدحمان وذكر ابن خرداذبه أن لخليدة المكية في الرابع والثالث - خفيف رمل - وفي الخامس والسادس والأول - رمل - يقال إنه لإبراهيم ويقال إنه لإسحاق والخامس والسادس من هذه الأبيات وإن كان شعر الفضل بن العباس اللهبي فليس من القصيدة التي فيها
( وأنا الأخضر من يعرفني ... )
لكن من قصيدة له أولها
( شاب رأسي ولِداتي لم تشب ... بعد لهو وشباب ولَعِبْ )
( شيبَ المفرِق مني وبدا ... في حفافَيْ لحيتي مثلُ العطَبْ )
في هذين البيتين لهاشم ونفيلة - خفيف رمل - بالوسطى والقصيدة التي فيها
( وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من نسل العرب )
أولها قوله
( طَرِب الشيخُ ولا حينَ طَرَبْ ... وتصابى وصِبا الشيخِ عَجَبْ )
أخبار الفضل بن العباس اللهبي ونسبه
الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب واسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكان أحد شعراء بني هاشم المذكورين وفصحائهم وكان شديد الأدمة ولذلك قال( وأنا الأخضر من يعرفني ... )
وهو هاشمي الأبوين أمه بنت العباس بن عبد المطلب
أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب وإنما أتاه السواد من قبل أمه جدته وكانت حبشية
وكان النبي زوج عتبة إحدى بناته فلما بعثه الله تعالى نبيا أقسمت عليه أم جميل أن يطلقها فجاء إلى النبي فقال يا محمد أشهد من حضر أني قد كفرت بربك وطلقت ابنتك فدعا عليه رسول الله أن يبعث الله عليه كلبا من كلابه يقتله فبعث الله عز و جل عليه أسدا فافترسه
أخبرني الحسن بن القاسم البجلي الكوفي قال حدثنا علي بن إبراهيم بن المعلى قال حدثني الوليد بن وهب عن أبي حمزة الثمالي عن عكرمة قال
لما نزلت ( والنجم إذا هوى ) قال عتبة للنبي أنا أكفر برب
النجم إذا هوى فقال رسول الله اللهم أرسل عليه كلبا من كلابك قال فقال ابن عباس فخرج إلى الشام في ركب فيهم هبار بن الأسود حتى إذا كانوا بوادي الغاضرة وهي مسبعة نزلوا ليلا فافترشوا صفا واحدا فقال عتبة أتريدون أن تجعلوني حجرة لا والله لا أبيت إلا وسطكم فبات وسطهم قال هبار فما أنبهني إلا السبع يشم رؤوسهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه فأنشب أنيابه في صدغيه فصاح أي قوم قتلني دعوة محمد فأمسكوه فلم يلبث أن مات في أيديهم
أخبرني الحسن بن الهيثم قال حدثنا علي بن إبراهيم قال حدثني الوليد بن وهب عن أبي حمزة عن هشام بن عروة عن أبيه مثله إلا أنه قال قال عتبة أن بريء من الذي دنا فتدلى قال وقال هبار فضغمه الأسد ضغمة فالتقت أنيابه عليه
الفضل والأحوص
نسخت من كتاب ابن النطاح عن الهيثم بن عدي وقد أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي في كتاب الجوابات قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني إلا أن رواية ابن النطاح أتم واللفظ له قال
مر الفضل اللهبي بالأحوص وهو ينشد وقد اجتمع الناس عليه فحسده فقال له يا أحوص إنك لشاعر ولكنك لا تعرف الغريب ولا تعرب قال بلى والله إني لأبصر الناس بالغريب والإعراب فأسألك قال نعم قال
( ما ذاتُ حَبْلٍ يراها الناس كلهمُ ... وَسْط الجحيم فلا تخفَى على أحدِ )
( كل الحِبالِ حبالِ الناسِ من شَعَرٍ ... وحبلها وَسْطَ أهلِ النار من مسدِ )
فقال له الفضل بن العباس
( ماذا أردت إلى شتمِي ومَنْقَصتِي ... ماذا أردت إلى حمَّالةِ الحطبِ )
( أَذْكَرْتَ بنتَ قُروم سادةٍ نُجُبٍ ... كانت حليلة شيخ ثاقبِ النَّسبِ )
فانصرف عنه
بين الفضل والحزين الديلي والفرزدق
قال ابن النطاحوحدثت أن الحزين الديلي مر بالفضل يوم جمعة وعنده قوم ينشدهم فقال له الحزين أتنشد الشعر والناس يروحون إلى الصلاة فقال الفضل ويلك يا حزين أتتعرض لي كأنك لا تعرفني قال بلى والله إني لأعرفك
ويعرفك معي كل من قرأ سورة ( تبت يدا أبي لهب ) وقال يهجوه
( إذا ما كنت مفتخِراً بجَد ... فعرِّج عن أبي لهبٍ قليلا )
( فقد أَخزَى الإِله أباك دهراً ... وقَلَّد عِرسه حبلا طويلا )
فأعرض عنه الفضل وتكرم عن جوابه وكان الحزين مغرى به وبهجائه
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا القاسم بن محمد الأنباري قال حدثنا أبو عكرمة عامر بن عمران قال
دخل الفرزدق المدينة فنظر إلى الفضل بن العباس بن عتبة ينشد
( من يساجِلْنِي يساجِلْ ماجداً ... يملأ الدلو إلى عَقْدِ الكَرَبْ )
فقال الفرزدق من المنشد فأخبر به فقال ما يساجلك إلا من عض بظر أمه
حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم قال
قدم الوليد بن عبد الملك حاجا إلى مكة وهو خليفة فدخل عليه
الفضل بن العباس بن عتبة فشكا إليه كثرة العيال وسأله فأعطاه مالا وإبلا ورقيقا فلما مات الوليد ولي سليمان فحج فأتاه فسأله فلم يعطه شيئا فقال
( يا صاحب العيِسِ التي رُحِلت ... محبوسة لعشِيةِ النَّفْرِ )
( امرر على قبر الوليدِ فقل له ... صلَّى الإِله عليك من قبر )
( يا واصل الرَّحم التي قُطِعت ... وأصابها الجَفَوات في الدهر )
( إني وجدت الخِلّ بعدك كاذبا ... فبرِئت من كذبٍ ومن غَدْر )
( ولقد مررت بنسوةٍ يندبنه ... بيضِ السواعدِ من بني فِهر )
( تبكي لسيدها الأجل وما ... يبكين من نابٍ ولا بَكْر )
( يبكِينه ويقلن سَيدَنا ... ضاع الخلافةُ آخر الدهر )
( ماذا لقيتُ جزِيتَ صالحة ... من جفوةِ الإخوان لو تدرِي )
أخبرني وكيع بهذا الخبر قال حدثني محمد بن علي بن حمزة قال حدثنا أبو غسان قال أخبرنا أبو عبيدة عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال
كان الفضل بن العباس منقطعا إلى الوليد بن عبد الملك فلما مات الوليد جفاه سليمان وحرمه فقال
( يا راكب العيسِ التي وُقِفت ... لِلنفْر يوم صبيحةِ النحرِ )
وذكر الأبيات قال وكان الوليد فرض له فريضة يعطاها كل سنة فقال يا أمير المؤمنين بقي شارب الريح قال وما شارب الريح قال حماري افرض له شيئا ففرض له خمسة دنانير فأخذها ولم يكن يطعمه فعمد رجل فكتب رقعة يذكر فيها قصة الحمار وعلقها في عنقه وجاء بها إلى القاضي فأضحك منه الناس
بخل الفضل
حدثنا اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني أبو الشكر مولى بني هاشم كوفي ظريف قالكان الفضل بن العباس بخيلا فقدم علي بن عبد الله بن العباس حاجا فأتاه في منزله مسلما عليه فقال كيف أنت وكيف حالك قال بخير نحن في عافية قال فهل من حاجة قال لا والله وإني لأشتهي هذا العنب وقد أغلاه علينا هؤلاء العلوج فغمز غلاما له فذهب فأتاه بسلة عظيمة من عنب فجعل يغسل له عنقودا عنقودا ويناوله فكلما فعل ذلك قال برتك رحم
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال
كان الفضل بن العباس بخيلا وكان ثقيل البدن إذا أراد أن يمضي في حاجة استعار مركوبا فطال ذلك عليه وعلى أهل المدينة من فعله فقال له بعض بني هاشم أنا أشتري لك حمارا تركبه وتستغني عن العارية ففعل
وبعث به إليه فكان يستعير له سرجا إذا أراد أن يركبه فتواصى الناس بألا يعيره أحد سرجا فلما طال عليه ذلك اشترى سرجا بخمسة دراهم وقال
( ولما رأيت المال مَأْلف أهلِه ... وصان ذوِي الأخطار أن يتبذلوا )
( رجعت إلى مالِي فأعتبت بعضه ... فأعتبني إني كذلك أفعل )
ثم قال للذي اشترى له الحمار إني لا أطيق علفه فإما أن تبعث إلي علفه وإلا رددته فكان يبعث إليه بعلف كل ليلة وشعير ولا يدع هو أيضا أن يطلب من كل أحد يأنس به علفا لحماره فيبعث به إليه فيعلفه التبن دون الشعير حتى هزل وعطب فرفع الحزين الكناني إلى ابن حزم أو عبد العزيز بن عبد المطلب رقعة وكتب في رأسها قصة حمار الفضل اللهبي وذكر فيها أنه يركبه ويأخذ علفه وقضيمه من الناس ويعلفه التبن ويبيع الشعير ويأخذ ثمنه ويسأل أن ينصف منه فضحك لما قرأ الرقعة وقال لئن كنت مازحا إني لأراك صادقا وأمر بتحويل حمار اللهبي إلى إصطبله ليعلفه ويقضمه فإذا أراد ركوبه دفع إليه
أخبرني وكيع قال حدثني محمد بن سعد الشامي عن ابن عائشة قال
كان الفضل اللهبي بغير سرج فاستعار سرجا فمطله الرجل حتى خاف أن تفوته حاجته فاشترى سرجا ومضى لحاجته وأنشأ يقول
( ولما رأيت المال مألف أهله ... )
وذكر البيتين ولم يزد عليهما شيئا
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال
كان أبي عند إسحاق بن عيسى بن علي وهو والي البصرة وعنده وجوه أهل البصرة وقد كانت فيهم بقية حسنة في ذلك الدهر فأفاضوا في ذكر بني هاشم وما أعطاهم الله من الفضل بنبيه فمن منشد شعرا ومتحدث حديثا وذاكر فضيلة من فضائل بني هاشم فقال أبي قد جمع هذا الكلام الفضل بن العباس اللهبي في بيت قاله ثم أنشد قوله
( ما بات قومٌ كرام يدّعون يدا ... إلا لقومي عليهم مِنَّة ويدُ )
( نحن السَّنام الذي طالت شظِيته ... فما يخالطه الأدواء والعَمَد )
فمن صلى صلاتنا وذبح ذبيحتنا عرف أن لرسول الله يدا عليه بما هداه الله عز و جل إلى الإسلام به ونحن قومه فتلك منة لنا على الناس
وفي هذين البيتين غناء لابن محرز هزج بالبنصر في رواية عمرو بن بانة وقوله طالت شظيته الشظية الشظى قال دريد بن الصمة
( سليم الشَّظَى عَبْلُ الشَّوَى شنِج النسا ... أمين القُوى نهدٌ طويل المقلَّد )
والعمد داء يصيب البعير من مؤخر سنامه إلى عجزه فلا يلبثه أو يقتله
مدحه عبد الملك
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال أخبرني أحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قال
قدم الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب على عبد الملك بن مروان فأنشده وعنده ابن لعبيد الله بن زياد فقال الزيادي والله ما أسمع شعرا فلما كان العشي راح إليه الفضل فوقف بين يديه ثم قال يا أمير المؤمنين
( أتيتك حالا وابن عم وعمةٍ ... ولم أك شَعْبا لاطه بك مِشعَبُ )
( فصِلْ واشجاتٍ بيننا من قرابة ... ألا صِلةُ الأرحام أبقَى واقرب )
( ولا تجعلّني كامرىء ليس بينه ... وبينكم قربى ولا متَنسَّب )
( أتحدِب من دون العشيرةِ كلها ... فأنت على مولاك أحنى وأحدب )
فقال الزيادي هذا والله يا أمير المؤمنين الشعر فقال عبد الملك النخس يكفيك البطيء وجعل يضحك من استرسال الزيادي في يده وأحسن صلته
وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي قال حدثني عمي قال
لما قدم الفضل اللهبي على عبد الملك بن مروان أمر له بعشرة آلاف درهم ثم حج الوليد فأمر له بمثلها فلما قدم الأحيحي على المهدي فمدحه قال المهدي لمن حضر كم كان عبد الملك أعطى الفضل اللهبي لما مدحه فما أعلم هاشميا مدحه غيره فقيل له أعطاه عشرة آلاف درهم قال فكم أعطاه الوليد قالوا مثل عطية أبيه فأمر للأحيحي بثلاثين ألف درهم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي قال
خرج علي بن عبد الله بن العباس بالفضل اللهبي إلى عبد الملك بن مروان بالشام فخرج عبد الملك يوما رائحا على نجيب له ومعه بغلة تجنب فحدا حادي عبد الملك به فقال
( يا أيها البكر الذي أراكا ... عليك سهلَ الأرضِ في ممشاكا )
( ويلَك هل تعلم من علاكا ... إن ابن مروان على ذُراكا )
( خليفة الله الذي امتطاكا ... لم يَعْلُ بكراً مثلُ من علاكا )
فعارضه الفضل اللهبي فحدا بعلي بن عبد الله بن عباس فقال
( يا أيها السائل عن عليّ ... سألت عن بدر لنا بدرِيّ )
( أغلبَ في العلياء غالبيِّ ... وليِّنِ الشيمةِ هاشمي )
( حاء على بكر له مَهْرِي ... )
فنظر عبد الملك إلى علي فقال أهذا مجنون آل أبي لهب قال نعم فلما أعطى قريشا مر به اسمه فحرمه وقال يعطيه علي هكذا رواية عمر بن شبة
وأخبرني ابن عمار بهذا الخبر عن علي بن محمد بن النوفلي عن عمه
أن سليمان بن عبد الملك حج في خلافة الوليد فجاء إلى زمزم فجلس عندها ودخل الفضل اللهبي يستقي فجعل يرتجز ويقول
( يا أيها السائل عن عليّ ... سألت عن بدرٍ لنا بدريِّ )
( مقدَّم في الخير أبطحِيِّ ... ولينِ الشيمةِ هاشميّ )
( زمزمَنا بوركتِ من ركيِّ ... بورِكتِ للساقي وللمسقيّ )
فغضب سليمان وهم بالفضل فكفه عنه علي بن عبد الله ثم أتاه بقدح
فيه نبيذ من نبيذ السقاية فأعطاه إياه وسأله أن يشربه فأخذه من يده كالمتعجب ثم قال نعم إنه يستحب ووضعه في يده ولم يشربه فلما ولي الخلافة وحج لقيه الفضل فلم يعطه شيئا
نسخت من كتاب ابن النطاح قال
ذكر أبو الحسن المدائني أن الحارث بن خالد المخزومي كان يحسد الفضل اللهبي على شعره ويعاديه لأن أبا لهب كان قامر جده العاصي بن هشام على ماله فقمره ثم قامره على رقة فقمره فأسلمه قينا ثم بعث به بديلا يوم بدر فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام فكان إذا أنشد شيئا من شعره يقول هذا شعر ابن حمالة الحطب فقال الفضل في ذلك
( ماذا تحاول من شتمي ومنقصتي ... ماذا تُعَيِّر من حمالة الحطبِ )
( غراء سائلة في المجد غُرتها ... كانت حليلة شيخ ثاقِب النسب )
( إنا وإن رسول الله جاء بنا ... شيخ عظيم شؤون الرأس والنشبِ )
( يا لعن الله قوما أنت سيدهم ... في جلدة بين أصل الثيِّل والذنب )
( أبالقيون توافيني تفاخِرني ... وتدعي المجد قد أفرطتَ في الكذبِ )
( وفي ثلاثةِ رهطٍ أنت رابعهم ... توعدني واسطاً جرثومةَ العرب )
( في أسرة من قريش هم دعائمها ... تشفِي دماؤهم للخيْل والكَلَب )
( اما أبوك فعبدٌ لستَ تنكره ... وكان مالكَه جدي أبو لهب )
( النبعُ عيداننا والمجدُ شِيمتنا ... لسنا كقومِك من مَرْخ ولا غَرَبِ )
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله بن محمد عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال
كان رجل من بني كنانة يقال له عقرب حناط قد داين الفضل اللهبي فمطله ثم مر به الفضل وهو يبيع حنطة له ويقول
( جاءت بها ضابطة التِّجَارِ ... صافية كقطع الأوتارِ )
فقال الفضل
( قد تَجَرت عَقْربُ في سوقنا ... يا عجَباً للعقربِ التاجرهْ )
( قد صافتِ العقربُ واستيقنت ... أنْ مالها دنيا ولا آخرهْ )
( فإن تعدْ عادت لما ساءها ... وكانتِ النعلُ لها حاضرهْ )
( إنّ عدُوا كيدُه في استِهِ ... لَغَيرُ ذي كيدٍ ولا نائرهْ )
( كل عدو يُتَّقَى مقبلاً ... وعَقْرب تُخْشَى من الدابِرهْ )
( كأنها إذ خرجت هَوْدجٌ ... شَدَّت قُواه رُفعة باكرهْ )
مفاخرته مع عمر بن أبي ربيعة
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ أبو غسان عن أبي عبيدة ووجدته في بعض الكتب عن الرياشي عن زكويه العلائي عن ابن عائشة عن أبيه والروايتان كالمتفقتينأن عمر بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك بن مروان فأدخل عليه فسأله عن نسبه فانتسب فقال له
( لا أنعم الله بقَيْن عينا ... تحية السخطِ إذا التقينا )
أأنت لا أم لك القائل
صوت
( نظرت إليها بالمحصَّب مِن مِنىً ... ولي نظر لولا التحرُّج عارِمُ )( فقلت أشمس أم مصابيح بِيعةٍ ... بدت لك خلف السجفِ أم أنت حالم )
( بعيدةُ مَهْوى القُرْط إمّا لنوفل ... أبوها وإما عبدُ شمس وهاشِمُ )
الغناء لابن سريج - رمل - بالوسطى من رواية عمرو بن بانة ومن رواية حماد بن إسحاق عن أبيه ولمعبد فيه لحن من رواية إسحاق - ثقيل - أول بالسبابة في مجرى البنصر أوله
( بعيدة مهْوَى القرطِ إما لنوفل ... )
وفي لحن معبد خاصة قوله
( ومد عليها السجف يوم لقيتها ... على عجلٍ تُبَّاعها والخوادم )
وتمام الشعر
( فلم أستطعها غير أنْ قد بدا لنا ... عشية راحت كفُّها والمعاصمُ )
( معاصم لم تضرب على البَهْم بالضُّحَى ... عصاها ووجه لم تَلُحْه السَّمائم )
نرجع إلى سياقة الخبر
ثم قال له عبد الملك قاتلك الله ما ألأمك أما كانت لك في بنات العرب مندوحة عن بنات عمك فقال عمر بئست والله هذه التحية يا أمير المؤمنين لابن العم على شحط الدار ونأي المزار فقال له عبد الملك أراك مرتدعا عن ذلك فقال إني إلى الله تعالى تائب فقال عبد الملك إذن يتوب الله عليك وسيحسن جائزتك ولكن أخبرني عن منازعتك اللهبي في المسجد الجامع فقد أتاني نبأ ذلك وكنت أحب أن أسمعه منك قال عمر نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا جالس في المسجد الحرام في جماعة من قريش إذ دخل علينا الفضل بن العباس بن عتبة فسلم وجلس ووافقني وأنا أتمثل بهذا البيت
( وأصبح بَطنُ مكة مقشعِرَّا ... كأن الأرضَ ليسَ بها هِشام )
فأقبل علي وقال يا أخا بني مخزوم والله إن بلدة تبحبح بها عبد المطلب وبعث منها رسول الله واستقر بها بيت الله عز و جل لحقيقة ألا تقشعر لهشام وإن أشعر من هذا البيت وأصدق قول من يقول
( إنما عبد مناف جوهر ... زَيَّنَ الجوهرَ عبدُ المطلِب )
فأقبلت عليه فقلت يا أخا بني هاشم إن أشعر من صاحبك الذي يقول
( إن الدليل على الخيراتِ أجمعِها ... أبناءُ مخزومَ للخيرات مخزومُ )
فقال لي أشعر والله من صاحبك الذي يقول
( جبريلُ أهْدَى لنا الخيرات أجمعَها ... إذ أمَّ هاشمَ لا أبناءَ مخزوم )
فقلت في نفسي غلبني والله ثم حملني الطمع في انقطاعه علي فخاطبته فقلت بل أشعر منه الذي يقول
( أبناء مخزومٍ الحريقُ إذا ... حركته تارة ترى ضَرَما )
( يَخرج منه الشَّرارُ معْ لَهَبٍ ... من حاد عن حَرِّه فقد سلِما )
فوالله ما تلعثم أن أقبل علي بوجهه فقال يا أخا بني مخزوم أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول
( هاشمُ بحر إذا سما وطما ... أخمد حَرّ الحريق واضطرما )
( واعْلَم وخير المقال أصدقُه ... بأنّ من رام هاشماً هُشِما )
قال فتمنيت والله يا أمير المؤمنين أن الأرض ساخت بي ثم تجلدت عليه فقلت يا أخا بني هاشم أشعر من صاحبك الذي يقول
( أبناءُ مخزومَ أنجمٌ طلعتْ ... للناس تجلو بنورها الظُّلما )
( تجود بالنَّيل قبلَ تُسْأَله ... جُوداً هنيئاً وتضربُ البُهما )
فأقبل علي بأسرع من اللحظ ثم قال أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول
( هاشمُ شمسٌ بالسَّعْدِ مَطْلَعها ... إذا بَدَت أخفت النجومَ مَعَا )
( اختار منها ربِّي النبيَّ فمن ... قارَعَها بعد أحمد قُرِعا )
فاسودت الدنيا في عيني ودير بي وانقطعت فلم أحر جوابا ثم قلت له يا أخا بني هاشم إن كنت تفخر علينا برسول الله فما يسعنا مفاخرتك فقال كيف لا أم لك والله لو كان منك لفخرت به علي فقلت صدقت واستغفر الله إنه لموضع الفخار وداخلني السرور لقطعه الكلام ولئلا ينالني عوز عن إجابته فأفتضح ثم إنه ابتدأ بالمناقضة فأفكر هنيهة ثم قال قد قلت فلم أجد بدا من الاستماع فقلت هات فقال
( نحنُ الذين إذا سما لِفَخارهم ... ذو الفخر أقعده هناك القُعْدُدُ )
( افخَر بنا إن كنتَ يوماً فاخراً ... تَلْق الأُلى فخروا بفخرك أُفْرِدوا )
( قل يابن مخزومٍ لكل مفاخرٍ ... منا المباركُ ذو الرسالة أحمد )
( ماذا يقول ذوو الفَخار هُنِا لِكُمْ ... هَيهاتَ ذلك هل يُنال الفرقَدُ )
فحصرت والله وتبلدت وقلت له إن لك عندي جوابا فأنظرني وأفكرت مليا ثم أنشأت أقول
( لا فَخْرَ إلا قد علاه محمدٌ ... فإذا فخرتَ به فإني أشهدُ ... )
( أَنْ قَدْ فخرتَ وفُقْت كلَّ مفاخرٍ ... وإليك في الشرف الرفيعِ المَعْمَدُ )
( ولنا دعائم قد بناها أوّلٌ ... في المكرمات جرى عليها المَوْلِدُ )
( من رامها حاشى النبي وأهله ... بالفخر غطمطه الخليجُ المُزْبد )
( دعْ ذا ورُحْ لِغناء خَوْدٍ بَضَّةٍ ... مما نطقتَ به وغَنَّى مَعْبدُ )
( معْ فتية تَنْدى بطونُ أكفهم ... جُودا إذا هَرَّ الزمانُ الأنكَدُ )
( يتناولون سُلافة عانيَّة ... طابت لشاربها وطاب المقْعَد )
فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجابني بجواب كان أشد علي من الشعر قال لي يا أخا بني مخزوم أريك السها وتريني القمر - قال أبو عبد الله اليزيدي أدلك على الأمر الغامض وأنت لم تبلغ أن ترى الأمر الواضح وهذا مثل - أتخرج من المفاخرة إلى شرب الراح وهي الخمر المحرمة فقلت له أما علمت أصلحك الله أن الله عز و جل يقول في الشعراء ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فقال صدقت وقد استثنى الله قوما منهم فقال ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإن كنت منهم فقد دخلت تحت الاستثناء وقد استحققت العقوبة بدعائك إليها وإن لم تكن منهم فالشرك بالله عليك أعظم من شرب الخمر فقلت أصلحك الله لا أجد للمستخذي شيئا أصلح من السكوت فضحك وقال أستغفر الله وقام عني
قال فضحك عبد الملك حتى استلقى وقال يابن أبي ربيعة أما علمت أن لبني عبد مناف ألسنة لا تطاق ارفع حوائجك قال فرفعتها فقضاها وأحسن جائزتي وصرفني
واللفظ في هذا الخبر لمحمد بن العباس
ذكر خبر من لم يمض له خبر ولا يأتي ممن ذكرت صنعته في هذا الخبر
منهم خليدة المكية وهي مولاة لابن شماس كانت هي وعقيلة وربيحة يعرفن بالشماسيات وقد أخذت الغناء عن ابن سريج ومعبد ومالك فأخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال
كانت لهشام بن عروة جفنة يصيب منها هو وبنوه ناحية وكان محمد بن هشام يصنع الطعام الرقيق فيشير إليهم فيمسكون عن الأكل فيفطن هشام فيقول لقد حدث شيء ثم يقوم محمد فيتسلل القوم إليه وجاءت خليدة المكية فصعدوا غرفة فلما غنت إذا حفز ونفس فإذا هو هشام قد طلع وهو ينشد
( يا قدميّ الحقاني بالقوم ... لا تَعِداني كَسَلا بعد اليومْ )
فلما رآهم قال أحسبه قد جلس معهم وقال لخليدة غني فغنت فقال لها اكتبي في صدرك قل هو الله أحد والمعوذتين لا تصيبك العين
أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب عن ابن خرداذبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن الفضل بن الربيع قال
ما رأيت ابن جامع يطرب لغناء كما يطرب لغناء خليدة المكية وكانت سوداء وفيها يقول الشاعر
( فتَنَت كاتبَ الأَمير رِياحا ... يا لقومٍ خُلَيدة المكيهْ )
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة ونسخت هذا الخبر
بعينه من كتاب جعفر بن قدامة يخطه قال حدثني عمر بن شبة قال
بلغني أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أرسل إلى خليدة المكية أبا عون مولاه يخطبها عليه فاستأذن فأذنت له وعليها ثياب رقاق لا تسترها ثم وثبت فقالت إنما ظننتك بعض سفهائك ولكني ألبس لك ثياب مثلك ثم أخرج إليك ففعلت وقالت قل قال أرسلني إليك مولاي وهو من تعلمين بين رسول الله وبين علي وعثمان وهو ابن عم أمير المؤمنين يخطبك وقالت قد نسبته فأبلغت فاسمع نسبي أنا بأبي أنت
إن أبي بيع على غير عقد الإسلام ولا عهده فعاش عبدا ومات وفي رجله قيد وفي عنقه سلسلة وعلى الإباق والسرقة وولدتني امي على غير رشدة وماتت وهي آبقة فأنا من تعلم فإن أراد صاحبك نكاحا مباحا أو زنا صراحا فهلم إليه فنحن له فقال إنه لا يدخل في الحرام قالت ولا ينبغي أن يستحيي من الحلال فأما نكاح السر فلا والله لا فعلته ولا كنت عارا على القيان قال فأتيت محمدا فأخبرته فقال ويلك أتزوجها معلنا وعندي بنت طلحة بن عبيد الله لا ولكن ارجع إليها فقل لها تختلف إلي أردد بصري فيها لعلي أسلو فرجعت فأبلغتها الرسالة فضحكت وقالت أما هذا فنعم لسنا نمنعه منه
صوت
( رُبَّ ليلٍ ناعم أحييتُه ... في عفافٍ عند قبّاءِ الحشَى )( ونهار قد لهونا بالتي ... لا نرى شبهاً لها فيمن مَشَى )
( لِطلوعِ الشمس حتى آذنت ... بغروب عند إبان العِشا )
( لِسُلَيمَى ما دعت قُمْريّة ... بهديل فوق غصن من غَضَى )
( وعُقارٍ قهوةْ باكرتُها ... في ندامَى كمصابيح الدُّجى )
( وجواد سابح أقحمته ... حَوْمة الموت على زُرق القَنا )
الشعر للمهاجر بن خالد بن الوليد فيما ذكر الزبير بن بكار وذكر أبو عمرو الشيباني وخالد بن كلثوم أنه لابنه خالد بن المهاجر والغناء لابن محرز - ثقيل - أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لإبراهيم الموصلي لحنان أحدهما - هزج خفيف - بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وابن المكي والآخر - رمل - بالبنصر عن عمرو وابن المكي والهشامي وفيه لمعبد - خفيف ثقيل - بالخنصر والبنصر عن ابن المكي قال وفيه لمالك - خفيف ثقيل - آخر نشيد ووافقه عمرو والهشامي وذكر عمرو في نسخته الأولى أنه لابن محرز والمعمول عليه الرواية الثانية
أخبار المهاجر بن خالد ونسبه وأخبار ابنه خالد
المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وكان الوليد بن المغيرة سيدا من سادات قريش وجوادا من جودائها وكان يلقب بالوحيد وأمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله بن عبد شمس امرأة من بجيلة ثم من قسر ولما مات الوليد بن المغيرة أرخت قريش بوفاته مدة لإعظامها إياه حتى كان عام الفيل فجعلوه تاريخا هكذا ذكر ابن دأبوأما الزبير بن بكار فذكر عن عمرو بن أبي بكر المؤملي أنها كانت تؤرخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين إلى أن كانت السنة التي بنوا فيها الكعبة فأرخوا بها
خالد سيف الله
ولخالد بن الوليد من الشهرة بصحبة رسول الله والغناء في حروبه المحل المشهور ولقبه رسول الله سيف الله وهاجر إلى النبي قبل الفتح وبعد الحديبية هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فقال النبي لما رآهم رمتكم مكة بأفلاذ كبدها وشهد فتح مكة مع النبي فكان أول من دخلها في مهاجرة العرب من أسفل مكة وشهد يوم مؤتة فلما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ورأى ألا طاقة للمسلمين بالقوم انحاز بهم وحامى عليهم حتى سلموا فلقبه يومئذ رسول الله سيف الله
حدثنا بذلك أجمع الحرمي بن أبي العلاء والطوسي عن الزبير بن بكار
وكان خالد يوم حنين في مقدمة رسول الله ومعه بنو سليم فأصابته جراح كثيرة فأتاه رسول الله بعد هزيمة المشركين فنفث على جراحه فاندملت ونهض وله آثار في قتال أهل الردة في أيام أبي بكر رضي الله عنه مشهورة يطول ذكرها وهو فتح الحيرة بعث إليه أهلها عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة فكلمه خالد فقال له من أين أقبلت قال من ورائي قال وأين تريد قال أمامي قال ابن كم أنت قال ابن رجل وامرأة قال فأين أقصى أثرك قال منتهى عمري قال أتعقل قال نعم وأقيد قال ما هذه الحصون قال بنيناها نتقي بها السفيه حتى يردعه الحليم قال لأمر ما اختارك
قومك ما هذا في يدك قال سم ساعة قال وما تصنع به قال أردت أن أنظر ما تردني به فإن بلغت ما فيه صلاح لقومي عدت إليهم وإلا شربته فقتلت نفسي ولم أرجع إلى قومي بما يكرهون فقال له خالد أرنيه فناوله إياه فقال خالد باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثم أكله فتجللته غشية ثم أفاق يمسح العرق عن وجهه فرجع ابن بقيلة إلى قومه فأخبرهم بذلك وقال ما هؤلاء القوم إلا من الشياطين وما لكم بهم طاقة فصالحوهم على ما يريدون ففعلوا
أخبرني بذلك إبراهيم بن السري عن يحيى التميمي عن أبيه عن شعيب بن سيف وأخبرني به الحسن بن علي عن الحارث بن محمد عن محمد بن سعد عن الواقدي
وأمره أبو بكر على جميع الجيوش التي بعثها إلى الشام لحرب الروم وفيهم أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فرضوا به وبإمارته
قالوا وكان رسول الله قد حلق رأسه ذات يوم فأخذ خالد شعره فجعله في قلنسوة له فكان لا يلقى جيشا وهي عليه إلا هزمه
وروى عن النبي الحديث وحمل عنه ورآه النبي متدليا من هرشى فقال نعم الرجل خالد بن الوليد
أخبرنا بذلك الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني
يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الواحد بن أبي عون عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله قال ذلك له
قال الزبير وحدثني محمد بن سلام عن أبان بن عثمان قال
لما مات خالد بن الوليد لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبره يعني حلقت رأسها ووضعت شعرها على قبره
قال ابن سلام وقال يونس النحوي إن عمر رضي الله عنه قال حينئذ دعوا نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان ويرقن من دموعهن سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقة
قال والنقع مد الصوت بالنحيب واللقلقة حركة اللسان بالولولة ونحوها
قال الزبير فيما ذكره لي من رويت عنه حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أشبه الناس بخالد بن الوليد فخرج عمر سحرا فلقيه شيخ فقال له مرحبا بك يا أبا سليمان فنظر إليه عمر فإذا هو علقمة بن علاثة فرد عليه السلام فقال له علقمة عزلك عمر بن الخطاب فقال له عمر نعم قال ما شبع لا أشبع الله بطنه قال له
عمر فما عندك قال ما عندي إلا السمع والطاعة
فلما أصبح عمر دعا بخالد وحضره علقمة بن علاثة فأقبل على خالد فقال له ماذا قال لك علقمة قال ما قال لي شيئا قال اصدقني فحلف خالد بالله ما لقيه ولا قال له شيئا فقال له علقمة حلا أبا سليمان فتبسم عمر فعلم خالد أن علقمة قد غلط فنظر إليه وفطن علقمة فقال له قد كان ذلك يا أمير المؤمنين فاعف عني عفا الله عنك فضحك عمر وأخبره الخبر
أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني عن شيخ من أهل الحجاز عن زيد بن رافع مولى المهاجرين خالد بن الوليد وعن أبي ذئب عن أبي سهيل أو ابن سهيل
أن معاوية لما أراد أن يظهر العهد ليزيد قال لأهل الشام إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ورق جلده ودق عظمه واقترب أجله ويريد أن يستخلف عليكم فمن ترون فقالوا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فسكت وأضمرها ودس ابن أثال الطبيب إليه فسقاه سما فمات وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة وكان أسوأ الناس رأيا في عمه لأن أباه المهاجر كان مع علي عليه السلام بصفين وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه هاشمي المذهب ودخل مع بني هاشم الشعب فاضطغن ذلك ابن الزبير عليه فألقى عليه زق خمر وصب بعضه على رأسه وشنع عليه بأنه وجد ثملا من الخمر فضربه الحد فلما قتل عمه عبد الرحمن مر به عروة بن الزبير فقال له يا خالد أتدع ابن أثال ينقي أوصال عمك بالشأم وأنت بمكة مسبل إزارك
تجره وتخطر فيه متخايلا فحمي خالد ودعا مولى له يدعى نافعا فأعلمه الخبر وقال له لا بد من قتل ابن أثال وكان نافع جلدا شهما
فخرجا حتى قدما دمشق وكان ابن أثال يمسي عند معاوية فجلس له في مسجد دمشق إلى اسطوانة وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج فقال خالد لنافع إياك أن تعرض له أنت فإني أضربه ولكن احفظ ظهري واكفني من ورائي فإن رابك شيء يريدني من ورائي فشأنك فلما حاذاه وثب عليه فقتله وثار إليه من كان معه فصاح بهم نافع فانفرجوا ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه فلما غشوهما حملا عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقا ضيقا ففاتا القوم وبلغ معاوية الخبر فقال هذا خالد بن المهاجر اقلبوا الزقاق الذي دخل فيه ففتش عليه فأتي به فقال لا جزاك الله من زائر خيرا قتلت طبيبي قال قتلت المأمور وبقي الآمر فقال له عليك لعنة الله أما والله لو كان تشهد مرة واحدة لقتلتك به أمعك نافع قال لا قال بلى والله ما اجترأت إلا به ثم أمر بطلبه فوجد فأتي به فضربه مئة سوط ولم يهج خالدا بشيء أكثر من أن حبسه وألزم بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم أدخل بيت المال منها ستة آلاف درهم وأخذ ستة آلاف درهم ولم يزل ذلك يجري في دية المعاهد حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه وأثبت الذي يدخل بيت المال
وخالد بن المهاجر الذي يقول
صوت
( يا صاحِ يا ذا الضامِرِ العَنْسِ ... والرحلِ ذي الأنساع والحِلسِ )( سَيْرَ النهارِ ولستَ تاركه ... وتُجِدُّ سَيراً كلما تمسِي )
في هذين البيتين وبيت ثالث لم أجده في شعر المهاجر ولا أدري أهو له أم ألحقه به المغنون لحنان - ثقيل - أول - وخفيف ثقيل - ذكر يونس أن أحدهما لمالك ولم يذكر طريقة لحنه ووجدته في جامع غناء معبد عن الهشامي ويحيى المكي له فيه - خفيف ثقيل - وهكذا ذكر علي بن يحيى أيضا ولعله رواه عن ابن المكي وإن كان هذا لمعبد صحيحا فلحن مالك هو الثقيل الأول وذكر حبش وهو ممن لا يحصل قوله أن لحن معبد - ثقيل - أول بالوسطى
رجع الخبر إلى سياقة خبر خالد
قال ولما حبس معاوية خالد بن المهاجر قال في الحبس( إمَّا خُطَايَ تقارَبَتْ ... مَشْيَ المقيَّد في الحِصارِ )
( فبما أُمَشِّي في الأباطِح ... يقتفي أثري إزارِي )
( دع ذا ولكنْ هل تَرَى ... نارا تُشَبُّ بذي مُرَار )
( ما إن تُشَبُّ لِقُرَّة ... للمصطلين ولا قُتار )
( ما بالُ ليلكَ ليس يَنْقُص ... طُولَه طول النهارِ )
( لتقاصُرِ الأزمانِ أم ... غَرَضِ الأسير من الإِسارِ )
قال فبلغت أبياته معاوية فرق له وأطلقه فرجع إلى مكة فلما قدمها لقي عروة بن الزبير فقال له أما ابن أثال فقد قتلته وذاك ابن جرموز ينقي
أوصال الزبير بالبصرة فاقتله إن كنت ثائرا فشكاه إلى أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فأقسم عليه أن يمسك عنه ففعل
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني إسحاق بن محمد قال حدثني عيسى بن محمد القحطبي قال حدثني محمد بن الحارث بن بسخنر قال
غنى إبراهيم بن المهدي يوما بحضرة المأمون وأنا حاضر
( يا صاحِ يا ذا الضامر العنسِ ... والرحِل ذي الأقتابِ والحِلْسِ )
قال وكانت لي جائزة قد خرجت فقلت تأمر سيدي يا أمير المؤمنين بإلقاء هذا الصوت علي مكان جائزتي فهو أحب إلي منها فقال له يا عم ألق هذا الصوت على محمد فألقاه علي حتى إذا كدت أن آخذه قال اذهب فأنت أحذق الناس به فقلت إنه لم يصلح لي بعده قال فاغد غدا علي فغدوت عليه فأعاده ملتويا فقلت له أيها الأمير لك في الخلافة ما ليس لأحد أنت ابن الخليفة وأخو الخليفة وعم الخليفة تجود بالرغائب وتبخل علي بصوت فقال ما أحمقك إن المأمون لم يستبقني محبة لي ولا صلة لرحمي ولا ليرب المعروف عندي ولكنه سمع من هذا الجرم ما لم يسمعه من غيره قال فأعلمت المأمون بمقالته فقال إنا لا نكدر على أبي إسحاق عفونا عنه فدعه فلما كانت أيام المعتصم نشط للصبوح يوما فقال
أحضروا عمي فجاء في دراعة بغير طيلسان فأعلمت المعتصم بخبر الصوت سرا فقال يا عم غنني
( يا صاحِ يا ذا الضامرِ العنسِ ... والرحِل ذي الأقتاب والحلسِ )
فغناه فقال ألقه على محمد فقال قد فعلت وقد سبق مني قول ألا أعيده عليه ثم كان يتجنب أن يغنيه حيث أحضر
صوت
( أقفَر بعد الأحبّة البلَدُ ... فهْو كأنْ لم يكنْ به أحدُ )( شَجاك نُؤْيٌ عَفَت معالمُهُ ... وهامدٌ في العِراص مُلتبدُ )
( أمُّك عَنْسية مهذَّبة ... طابت لها الأُمَّهات والقَصَد )
( تُدْعى زهيرية إذا انتسبتْ ... حيث تلاقى الأنسابُ والعَدَد )
الشعر لحمزة بن بيض والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لابن عباد ثاني - ثقيل - بالوسطى عن الهشامي وعمرو وابن المكي
أخبار حمزة بن بيض ونسبه
حمزة بن بيض الحنفي شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية كوفي خليع ماجن من فحول طبقته وكان كالمنقطع إلى المهلب بن أبي صفرة وولده ثم إلى أبان بن الوليد وبلال بن أبي برده واكتسب بالشعر من هؤلاء مالا عظيما ولم يدرك الدولة العباسيةأخبرني عمي قال حدثنا أبو هفان قال أخبرني أبو محلم عن المفضل قال
أخذ حمزة بن بيض الحنفي بالشعر ألف ألف درهم من مال وحملان
وثياب ورقيق وغير ذلك
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة قال
قدم حمزة بن بيض على بلال بن أبي بردة فلما وصل إلى بابه قال لحاجبه استأذن لحمزة بن بيض الحنفي فدخل الغلام إلى بلال فقال حمزة بن بيض بالباب وكان بلال كثير المزح معه فقال اخرج إليه فقل حمزة بن بيض ابن من فخرج الحاجب إليه فقال له ذلك فقال ادخل فقل له الذي جئت إليه إلى بنيان الحمام وأنت أمرد تسأله أن يهب لك طائرا فأدخلك وناكك ووهب لك طائرا فشتمه الحاجب فقال له ما أنت وذا بعثك برسالة فأخبره بالجواب فدخل الحاجب وهو مغضب فلما رآه بلال ضحك وقال ما قال لك قبحه الله قال ما كنت لأخبر الأمير بما قال فقال يا هذا أنت رسول فأد الجواب قال فأبى فأقسم عليه حتى أخبره فضحك حتى فحص برجله وقال قل له قد عرفنا العلامة فادخل فدخل فأكرمه ورفعه وسمع مديحه وأحسن صلته
قال وأراد بقوله ابن بيض ابن من قول الشاعر فيه
( أنت ابن بِيض لعمري لست أنكره ... وقد صدقت ولكن مِن أبو بِيض )
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن الأحول عن الأثرم عن أبي عمرو وأخبرني وكيع قال حدثني عبيد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان قال حدثني أبو الحسن الشيباني قال حدثني شعيب بن صفوان قال
حمزة يمدح فيثاب
قدم حمزة بن بيض على مخلد بن يزيد بن المهلب وعنده الكميت فأنشده قوله فيه
( أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحباً يَجِبِ المرحبُ )
( ولا تَكِلَنَّا إلى معشر ... متى يعدوا عِدة يكذبوا )
( فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب )
( وفي أدبٍ منهُم ما نشأتَ ... ونعْمَ لعمرك ما أدّبوا )
( بلغت لعَشر مضت من سنيك ... ما يبلغ السيدُ الأشيب )
( فَهَمُّك فيها جسام الأمور ... وهمُّ لِداتك أن يلعبوا )
( وجُدْتَ فقلت ألا سائل ... فيعطَى ولا راغبٌ يرغب )
( فمنك العطية للسائلين ... وممن ينوبك أن يَطلُبوا )
فأمر له بمئة ألف درهم فقبضها قال وكيع في خبره وسأله عن حوائجه فأخبره بها فقضى جميعها وقال أيضا في خبره فحسده الكميت فقال له يا حمزة أنت كمهدي التمر إلى هجر قال نعم ولكن تمرنا
أطيب من تمر هجر
أخبرني علي بن سليمان قال حدثني محمد بن يزيد النحوي قال قال الجاحظ
أصاب حمزة بن بيض حصر فدخل عليه قوم يعودونه وهو في كرب القولنج إذ ضرط رجل منهم فقال حمزة من هذا المنعم عليه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال قال علي بن الصباح حدثني هشام بن محمد عن الشرقي قال
زعم هشام بن عروة أن عبد الرحمن بن عنبسة مر فإذا هو بغلام أصبح الغلمان وأحسنهم ولم يكن لعبد الرحمن ولد فسأل عنه فقيل له يتيم من أهل الشام قدم أبوه العراق في بعث فقتل وبقي الغلام هاهنا فضمه ابن عنبسة إليه وتبناه فوقع الغلام فيما شاء من الدنيا ومر يوما على برذون ومعه خدم على ابن بيض وحول ابن بيض عياله في يوم شات وهم شعث عراة فقال ابن بيض من هذا فقيل صدقة يتيم ابن عنبسة فقال
( يَشْعَث صِبياننا وما يَتموا ... وأنت صافي الأديم والحدقهْ )
( فليت صِبياننا إذا يَتِموا ... يلقَون ما قد لقيت يا صدقهْ )
( عوّضك الله من أبيك ومن ... أمك في الشام بالعراق مِقهْ )
( كَفاك عبد الرحمن فَقْدَهما ... فأنت في كِسوة وفي نَفَقهْ )
( تظل في دَرْمك وفاكهة ... ولحمِ طير ما شئت أو مرقهْ )
( تأوِي إلى حاضن وحاضنة ... زادا على والديك في الشفقهْ )
( فكل هنيئاً ما عاش ثم إذا ... مات فَلَغْ في الدماء والسرِقهْ )
( وخالِف المسلمين قِبلَتهم ... وضَلَّ عنهم وخادِنِ الفسقه )
( واشتر نهد التلِيل ذا خصَلٍ ... لصوته في الصهيلِ صَهْصَلقَه )
( واقطع عليه الطريق تُلْفَ غدا ... رَبَّ دنانيرَ جمةٍ ورِقهْ )
فلما مات عبد الرحمن أصابه ما قال ابن بيض أجمع من الفساد والسرقة وصحبة اللصوص ثم كان آخر ذلك أنه قطع الطريق فأخذ وصلب
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه قال ابن عمار وأخبرني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال حدثني أبي عن أبي سفيان الحميري قال
خرج حمزة بن بيض يريد سفرا فاضطره الليل إلى قرية عامرة كثيرة الأهل والمواشي من الشاء والبقر كثيرة الزرع فلم يصطنعوا به خيرا فغدا عليهم وقال
( لعن الإِله قرية يممتها ... فأضافني ليلاً إليها المغربُ )
( الزارِعين وليس لي زرع بها ... والحالبين وليس لي ما أحلُب )
( فلعل ذاك الزرع يُودِي أهلُه ... ولعل ذاك الشاء يوما يَجْرب )
( ولعل طاعوناً يصيب علوجها ... ويصيب ساكنها الزمان فتخرب )
قال فلم يمر بتلك القرية سنة حتى أصابهم الطاعون فأباد أهلها وخربت إلى اليوم فمر بهم ابن بيض فقال كلا زعمت أني لا أعطى منيتي قالوا
وأبيك لقد أعطيتها فلو كنت تمنيت الجنة كان خيرا لك قال أنا أعلم بنفسي لا أتمنى ما لست له بأهل ولكني أرجو رحمة ربي عز و جل
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن زكرياء الغلابي قال قال ابن عائشة
خرج ابن بيض في سفر فنزل بقوم فلم يحسنوا ضيافته وأتوه بخبز يابس وألقوا لبغلته تبنا فأعرض عنهم وأقبل على بغلته فقال
( أُحسُبيها ليلة أدلجتُها ... فكلي إن شئت تِبْناً أو ذري )
( قد أتى ربَّكِ خبزٌ يابس ... فتعزَّي معه واصطبري )
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال
قال حمزة بن بيض يوما للفرزدق أيما أحب إليك تسبق الخير أو يسبقك قال لا أسبقه ولا يسبقني ولكن نكون معا فأيما أحب إليك أن تدخل إلى بيتك فتجد رجلا قابضا على حر امرأتك أو تجد امرأتك قابضة على أيره فقال كلام لا بد من جوابه والبادي أظلم بل أجدها قابضة على أيره قد أغبته عن نفسها
نسخت من كتاب أبي إسحاق الشايميني قال ابن الأعرابي
وقع بين بني حنيفة بالكوفة وبين بني تميم شر حتى نشبت الحرب بينهم فقال رجل لحمزة بن بيض ألا تأتي هؤلاء القوم فتدفعهم عن قومك فإنك ذو بيان وعارضة فقال
( ألا لا تلمني يابن ماهان إنني ... أخاف على فَخَّارتي أن تَحَطَّما )
( ولو أنني أبتاع في السوق مثلَها ... وجدِّك ما باليت أن أتقدّما )
مفاضلة بين ناسك وشارب للنبيذ
قال وكان لابن بيض صديق عامل من عمال ابن هبيرة فاستودع رجلا ناسكا ثلاثين ألف درهم واستودع مثلها نبيذيا فأما الناسك فبنى بها داره وتزوج النساء وأنفقها وجحده وأما النبيذي فأدى إليه الأمانة في ماله فقال حمزة بن بيض فيهما( ألا لا يغرَّنْك ذو سجدة ... يظل بها دائباً يَخْدَعُ )
( كأن بجبهته جُلْبة ... يسبح طوراً ويسترجع )
( وما للتُّقى لزمت وجهه ... ولكن ليغترَّ مستودِع )
( فلا تنفِرنَّ مِنَ اهل النبيذِ ... وإن قيل يشرب لا يُقلِع )
( فعندك علم بما قد خبرتُ ... إن كان علم بهم ينفع )
( ثلاثون ألفاً حواها السجود ... فليست إلى أهلها تَرجع )
( بنى الدار من غير ما ماله ... وأصبح في بيته أربعُ )
( مهائر من غير مال حواه ... يقاتون أرزاقَهم جُوَّعُ )
وأخبرني بهذا الخبر الحسين بن محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز قال حدثنا أبو عبيدة والأصمعي وكيسان بن المعرف فذكروا نحو هذا الخبر إلا أنه حكى أن حمزة بن بيض هو الذي استودع الرجلين المال وقال
( وأدى أخو الكأس ما عنده ... وما كنت في ردها أطمع )
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني أحمد بن محمد عن ابن داجة قال
اختصم أبو الجون السحيمي وحمزة بن بيض إلى المهاجر بن عبد الله الكلابي وهو على اليمامة فوثب عليه حمزة وقال
( غَمَّضتُ في حاجة كانت تؤرقني ... لولا الذي قلت فيها قلَّ تغميضي )
فقال وما الذي قلت لك قال
( حلفت بالله لي أن سوف تنصفني ... فساغ في الحلق ربقِي بعد تجريضي )
قال وأنا أحلف لأنصفنك قال
( سل هؤلاءِ إلى ماذا شهادتهم ... أم كيف أنت وأصحابَ المعاريضِ )
قال أوجعهم ضربا فقال
( وسل سُحيما إذا وافاك أجمعُهم ... هل كان بالشرَ حوض قبل تحويضي )
قال فقضى له فأنشأ السحيمي يقول
( أنت ابن بِيض لعمري لستُ أُنكره ... حقاً يقيناً ولكن من أبو بيض )
( إن كنت أنبضت لي قوساً لترميني ... فقد رميتك رمياً غير تنبيض )
( أو كنت خَضْخضت لي وطْباً لتسقيني ... فقد سقيتك محضاً غير ممخوض )
قال فوجم حمزة وقطع به فقيل له ويلك ما لك لا تجيبه قال وبم أجيبه والله لو قلت له عبد المطلب بن هاشم أبو بيض ما نفعني ذلك بعد قوله ولكن من أبو بيض
وأخبرني بهذا الخبر ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة بمثله وقال فيه إن المخاصم له أبو الحويرث السحيمي
مدح يزيد بن المهلب وسليمان بن عبد الملك فكافآه
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد قالدخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب السجن فأنشده
( أغلِق دون السماح والجود والنجدة ... باب حديدُه أَشِبُ )
( ابنُ ثلاث وأربعين مضت ... لا ضرع واهن ولا نَكِب )
( لا بَطِر إن تتابعت نِعَم ... وصابر في البلاء محتسِب )
( بَرَّزْتَ سبقَ الجواد في مَهَل ... وقصَّرتْ دون سعيك العرَب )
فقال والله يا حمزة لقد أسأت إذ نوهت باسمي في غير وقت تنويه ولا منزل لك ثم رفع مقعدا تحته فرمى إليه بخرقة مصرورة وعليه صاحب خبر
واقف فقال خذ هذا الدينار فوالله ما أملك ذهبا غيره فأخذه حمزة وأراد أن يرده فقال له سرا خذه ولا تخدع عنه فقال حمزة فلما قال لي لا تخدع عنه قلت والله ما هذا بدينار فقال لي صاحب الخبر ما أعطاك يزيد فقلت أعطاني دينارا فأردت أن أرده عليه فاستحييت منه فلما صرت إلى منزلي حللت الصرة فإذا فص ياقوت أحمر كأنه سقط زند فقلت والله لئن عرضت هذا بالعراق ليعلمن أني أخذته من يزيد فيؤخذ مني فخرجت به إلى خراسان فبعته من رجل يهودي بثلاثين ألفا فلما قبضت المال وصار الفص في يده قال لي
والله لو أبيت إلا خمسين ألف درهم لأخذته منك فكأنما قذف في قلبي جمرة فلما رأى تغير وجهي قال إني رجل تاجر ولست أشك أني قد غممتك قلت إي والله وقتلتني فاخرج إلي مائة دينار فقال أنفق هذه في طريقك لتتوفر عليك تلك
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي
دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب وهو في حبس عمر بن عبد العزيز فأنشده قوله فيه
( أصبح في قيدك السماحة والحاملُ ... للمعضلات والحَسَبُ )
( لا بطرٌ إن تتابعت نعمٌ ... وصابرٌ في البلاء محتسِبُ )
فقال له ويحك أتمدحني على هذه الحال قال نعم لئن كنت هكذا لطالما أثبت على الثناء فأحسنت الثواب والرفد فهل بأس أن نسلفك الآن قال أما إذ جعلته سلفا فاقنع بما حضر إلى أن يمكن قضاء دينك وأمر غلامه فدفع إليه أربعة آلاف درهم وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال قاتله الله يعطي في الباطل ويمنع الحق يعطي الشعراء ويمنع الأمراء
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الأول بن مزيد قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي قال أخبرني مخلد بن حمزة بن بيض قال
قدم أبي على يزيد بن المهلب وهو عند سليمان بن عبد الملك فأدخله إليه فأنشده
( ساس الخلافةَ والداك كلاهما ... من بين سَخْطة ساخط أو طائعِ )
( أبواك ثم أخوك أصبح ثالثاً ... وعلى جبينك نُور مَلْك الرابعِ )
( سَرَّيتَ خوف بني المهلَّب بعدما ... نظروا إليك بسَمِّ موتٍ ناقِع )
( ليس الذي ولاك ربُّك منهمُ ... عند الإِله وعندهم بالضائع )
فأمر له بخمسين ألفا
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني جعفر بن محمد العاصمي قال حدثني عيينة بن المنهال قال حدثني الهيثم بن عدي قال حدثني أبو يعقوب الثقفي قال
قال لي حمزة بن بيض لما وفد الكميت بن زيد إلى مخلد بن يزيد بن المهلب وهو يخلف أباه على خراسان وكان واليها وله ثماني عشرة سنة وقد مدحه بقصيدته التي أولها
( هلاَّ سألتَ معالم الأطلالِ ... )
وهي التي يقول فيها
( يمشين مشي قطا البطاحِ تأوُّدا ... قُبّ البطون رواجح الأكفالِ )
وقصيدته التي يقول فيها
( هلا سألت منازلا بالأبرقِ ... )
أعطاه مئة ألف درهم سوى العروض والحملان فقدم الكوفة في هيئة لم ير مثلها فقلت في نفسي والله لأنا أولى من الكميت بما ناله من مخلد بن يزيد وإني لحليفه وناصره في العصبية على الكميت وعلى مضر جميعا فهيأت لمخلد مديحا على روي قصيدتي الكميت وقافيتيهما ثم شخصت إليه فلما كان قبل خروجي إليه بيوم أتتني جماعة من ربيعة في خمس ديات عليهم لمضر في البدو فقالوا إنك تأتي مخلدا وهو فتى العرب ونحن نعلم أنك لا تؤثر على نفسك ولكن إذا فرغ من أمرك فأعلمه ممشانا إليك ومسألتنا إياك كلامه فنرجو أن تكون عند ظننا فلما قدمت على مخلد خراسان أنزلني وفرش لي وأخدمني وحملني وكساني وخلطني بنفسه فكنت أسمر معه فقال لي ليلة أعليك دين يابن بيض قلت دعني من مسألتك إياي عن الدين إنك قد أعطيت الكميت عطية لست أرضى بأقل منها وإلا لم أدخل الكوفة ولم أعير بتقصيرك بي عنه فضحك ثم قال لي بل أزيدك على ما أعطيت الكميت فأمر لي بمئة ألف درهم كما أعطى الكميت وزادني عليه وصنع بي في سائر الألطاف كما صنع به فلما فرغت من حاجتي أتيته يوما ومعي تذكرة بحاجة القوم في الديات فلما جلس أنشدته
( أتيناك في حاجة فاقضِها ... وقُلْ مرحباً يجِبِ المرحَبُ )
( ولا تَكِلَنَّا إلى معشر ... متى يعِدوا عِدة يكذِبوا )
( فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب )
( وفي أدب منهم ما نشأْتَ ... ونِعْم لعمرُك ما أدَّبوا )
( بلغت لعشرٍ مضت من سِنيك ... ما يبلغ السيدُ الأشيب )
( فهمُّك فيها جِسام الأمورِ ... وهمُّ لِداتك أن يلعبوا )
فقال مرحبا بك وبحاجتك فما هي فأخرجت إليه رقعة القوم وقلت حمالات في ديات فتبسم ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم فقلت أو غير ذلك أيها الأمير قال وما هو قلت أدل على قبر المهلب حتى أشكو إليه قطيعة ولده فتبسم ثم قال زده يا غلام عشرة آلاف أخرى فأبيت وقلت بل أدل على قبر المهلب فقال زده يا غلام عشرة آلاف أخرى فما زلت أكررها ويزيدني عشرة آلاف حتى بلغت سبعين ألفا فخشيت والله أن يكون يلعب أو يهزأ بي فقلت وصلك الله أيها الأمير وآجرك وأحسن جزاءك فقال مخلد أما والله لو أقمت على كلامك ثم أتى ذلك على خراج خراسان لأعطيتكه
المأمون والنضر بن شميل
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني النضر بن شميل قالدخلت على أمير المؤمنين المأمون بمرو وعلي أطمار مترعبلة فقال لي يا نضر تدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب فقلت إن حر مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق فقال لا ولكنك رجل متقشف فتجارينا
الحديث فقال المأمون حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال قال رسول الله إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز هكذا قال سداد بالفتح فقلت صدق يا أمير المؤمنين حدثني عوف الأعرابي عن الحسن أن النبي قال إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا وقال السداد لحن يا نضر عندك قلت نعم هاهنا يا أمير المؤمنين وإنما هشيم لحن وكان لحانة فقال ما الفرق بينهما قلت السداد القصد في الدين والطريقة والسبيل والسداد البلغة وكل ما سددت به شيئا فهو سداد وقد قال العرجي
( أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ... ليوم كريهة وسِداد ثغرِ )
قال فأطرق المأمون مليا ثم قال قبح الله من لا أدب له ثم قال أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب قال قلت قول حمزة بن بيض يا أمير المؤمنين
( تقول لي والعيون هاجعة ... أقم علينا يوماً فلم أُقِم )
( قالت فأيَّ الوجوه قلت لها ... لأيّ وجه إلا إلى الحَكَم )
( متى يقُلْ حاجبا سرادِقِه ... هذا ابن بِيض بالباب يبتسِم )
( قد كنت أسلمت فيكَ مُقْتَبِلاً ... فهات إذ حلَّ أعطني سَلَمِي )
فقال المأمون لله درك كأنما شق لك عن قلبي فأنشدني أنصف بيت للعرب قال قلت قول أبي عروبة المدني
( إني وإن كان ابن عمي عاتبا ... لَمزاحِمٌ من خلفهِ وورائِه )
( ومُفيده نصري وإن كنت امرأ ... متزحزحا عن أرضه وسمائه )
( وأكون واليَ سِره وأصونه ... حتى يحين عليّ وقتُ أدائه )
( وإذا الحوادث أجحفت بسَوامِه ... قُرِنت صَحيحتنا إلى جَرْبائه )
( وإذا دعا باسمي ليركب مَرْكباً ... صعبا قعدتُ له على سِيسائِه )
( وإذا أتى من وجهه بطريفةٍ ... لم أطَّلع ممَّا وراء خِبائه )
( وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل ... يا ليت أن عليَّ حسنَ ردائه )
فقال أحسنت يا نضر أنشدني الآن أقنع بيت قالته العرب فأنشدته قول ابن عبدل الأسدي
( إني امرؤ لم أزل وذاك من الله ... قديماً أعلّم الأدبا )
( أقيم بالدار ما اطمأنت بيَ الدار ... وإن كنت مازحاً طرِبا )
( لا أجتوِي خُلَّة الصديق ولا ... أُتبِع نفسي شيئاً إذا ذهبا )
( أطلب ما يطلب الكريم من الرِّزق ... بنفسي وأُجْمِل الطلبا )
( وأحلب الثرة الصفِي ولا ... أُجهَد أخلاف غيرِها حَلَبا )
( إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغَّبته في صنيعة رغِبا )
( والعبد لا يطلب العَلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهِبا )
( مثلُ الحمار المُوَقَعَ السَّوْءِ لا ... يُحسن مَشْياً إلا إذا ضُرِبا )
( قد يُرزق الخافضُ المقيمُ وما ... شد بِعيس رحلا ولا قَتَبا )
( ويُحرَمُ الرزقَ ذو المطية والرحل ... ومن لا يزال مغتربا )
( ولم أجد عُدّة الخلائق إلاّ ... الدِّين لما اعتبرتُ والحَسَبا )
فقال أحسنت يا نضر وكتب لي إلى الحسن بن سهل بخمسين ألفا وأمر خادما بإيصال رقعة وتنجيز ما أمر به لي فمضيت معه إليه فلما قرأ التوقيع ضحك وقال لي يا نضر أنت الملحن لأمير المؤمنين قلت لا بل لهشيم قال فذاك إذن وأطلق لي الخمسين ألف درهم وأمر لي بثلاثين ألفا
وأخبرني الحسين بن يحيى قال حدثنا حماد عن أبيه قال
بلغني أن حمزة بن بيض الحنفي كان يسامر عبد الملك بن بشر بن مروان وكان عبد الملك يعبث به عبثا شديدا فوجه إليه ليلة برسول وقال خذه على أي حال وجدته عليها ولا تدعه يغيرها وحلفه على ذلك وغلظ الأيمان عليه فمضى الرسول فهجم عليه فوجده يريد أن يدخل الخلاء فقال أجب الأمير فقال ويحك إني أكلت طعاما كثيرا وشربت نبيذا حلوا وقد أخذني بطني قال والله لا تفارقني أو أمضي بك إليه ولو سلحت في ثيابك فجهد في الخلاص فلم يقدر عليه فمضي به إلى عبد الملك
فوجده قاعدا في طارمة له وجارية جميلة كان يتحظاها جالسة بين يديه تسجر الند في طارمته فجلس يحادثه وهو يعالج ما هو فيه
قال فعرضت لي ريح فقلت أسرحها وأستريح فلعل ريحها لا يتبين مع هذا البخور فأطلقتها فغلبت والله ريح الند وغمرته فقال ما هذا يا حمزة قلت علي عهد الله وميثاقه وعلي المشي والهدي إن كنت فعلتها وما هذا إلا عمل هذه الفاجرة فغضب واحتفظ وخجلت الجارية فما قدرت على الكلام ثم جاءتني أخرى فسرحتها وسطع والله ريحها فقال ما هذا ويلك أنت والله الآفة فقلت امرأتي فلانة طالق ثلاثا إن كنت فعلتها قال وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها وما هو إلا عمل هذه الجارية فقال ويلك ما قصتك قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين حسا فزاد خجلها وأطرقت وطمعت فيها فسرحت الثالثة وسطع من ريحها ما لم يكن في الحساب فغضب عبد الملك حتى كاد يخرج من جلده ثم قال خذ يا حمزة بيد الزانية فقد وهبتها لك وامض فقد نغصت علي ليلتي
فأخذت والله بيدها وخرجت فلقيني خادم له فقال ما تريد أن تصنع قلت أمضي بهذه قال لا تفعل فوالله لئن فعلت ليبغضنك بغضا لا تنتفع به بعدها أبدا وهذه مئة دينار فخذها ودع الجارية فإنه يتحظاها وسيندم على هبته إياها لك قلت والله لا نقصتك من خمس مئة دينار فلم يزل يزايدني حتى بلغ مئتي دينار ولم تطب نفسي أن أضيعها فقلت هاتها فأعطانيها وأخذها الخادم
فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك فلما قربت من داره لقيني الخادم
فقال لي هل لك في مئة دينار وتقول ما لا يضرك ولعله أن ينفعك قلت وما ذاك قال إذا دخلت إليه ادعيت إليه عنده الثلاث الفسوات ونسبتها إلى نفسك وتنفح عن الجارية ما قرفتها به قلت هاتها فدفعها إلي ودخلت على عبد الملك فلما وقفت بين يديه قلت ألي الأمان حتى أخبرك بخبر يسرك وتضحك منه قال لك الأمان قلت أرأيت ليلة حضوري وما جرى قال نعم فقلت فعلي وعلي إن كان فسا تلك الفسوات غيري فضحك حتى سقط على قفاه ثم قال ويلك فلم لم تخبرني قلت أردت بذلك خصالا منها أن قمت فقضيت حاجتي وقد كان رسولك منعني منها ومنها أني أخذت جاريتك ومنها أن كافأتك على أذاك لي بمثله فقال فأين الجارية قلت ما برحت من دارك ولا خرجت حتى سلمتها إلى فلان الخادم وأخذت مائتي دينار فسر بذلك وأمر لي بمئتي دينار أخرى وقال هذه لجميل فعلك بي وتركك أخذ الجارية
قال حمزة بن بيض ودخلت إليه يوما وكان له غلام لم ير الناس أنتن إبطا منه فقال لي يا حمزة سابق غلامي حتى يفوح صنانكما فأيكما كان صنانه أنتن فله مئة دينار فطمعت في المائة ويئست منها لما أعلمه من نتن إبط الغلام فقلت أفعل وتعادينا فسبقني فسلحت في يدي ثم لطخت إبطي بالسُّلاح وقد كان عبد الملك جعل بيننا حكما يخبره بالقصة فلما دنا الغلام منه فشمه وثب وقال هذا والله لا يساجله شيء فصحت به لا تعجل بالحكم مكانك ثم دنوت منه فألقمت أنفه إبطي حتى علمت أنه قد
خالط دماغه وأنا ممسك لرأسه تحت يدي فصاح الموت والله هذا بالكنف أشبه منه بالآباط فضحك عبد الملك ثم قال أفحكمت له قال نعم فأخذت الدنانير
أخبرني عمي قال حدثني جعفر العاصمي قال حدثنا عيينة بن المنهال عن الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي قال قال حمزة بن بيض
دخلت يوما على مخلد بن يزيد فقلت
( إنّ المشارق والمغارب كلها ... تُجْبَى وأنت أميرها وإمامُها )
فضحك ثم قال مه فقلت
( أغفيتُ قبل الصبح نومَ مسهَّدٍ ... في ساعة ما كنت قبلُ أنامها )
قال ثم ماذا كان قلت
( فرأيت أنك جُدت لي بوصيفة ... موسومة حَسَنٍ عليَّ قيامُها )
قال قد فعلت فقلت
( وببَدرة حُمِلت إليّ وبلغة ... سَفْواء ناجية يصِلُّ لجامها )
قال قد حقق الله رؤياك ثم أمر لي بذلك كله وما علم الله أني رأيت من ذلك شيئا
قال مؤلف هذا الكتاب وقد روي هذا الخبر بعينه لابن عبدل الأسدي وذكرته في أخباره
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير قال
حج حمزة بن بيض الحنفي فقال له ابن عم له أحجج بي معك فأخرجه معه فحوقل عليه بعد نشاطه فقال ابن بيض فيه
( وذي سِنةٍ لم يدر ما السير قبلها ... ولم يعتسِف خَرْقاً من الأرض مَجْهلا )
( ولم يدر ما حَلُّ الحبال وعقدُها ... إذا البردُ لم يترك لكفيه مَعْملا )
( ولم يقر مأجوراً ولا حج حِجة ... فيضربَ سهما أو يصاحبَ مِكتلا )
( غدونا به كالبغل ينفض رأسَه ... نشاطاً بناه الخير حتى تفتَّلا )
( ترى المَحْمِل المحسور ناءَ عُرامَه ... وباباً إذا أمسى من الشر مُقْفلا )
( وإن قلت ليلاً أين أنت لحاجةٍ ... أجاب بأن لبيك عشراً وأقبلا )
( يسوق مطي القوم طوراً وتارة ... يقود وإن شئنا حدا ثم جلجلا )
( فأجّلته خمساً وقلت له انتظر ... رُوَيدا وأجلنا المطيّ ليدبُلا )
( فلما صدرنا عن زُبالة وارتمت ... بنا العيس منها مَنْقلاً ثم مَنْقلا )
( ترامت به المَوماة حتى كأنما ... يَسَفُّ بمعسول الخزيرة حنظلا )
( وحتَّى نَبا عن مِزود القوم ضِرْسُه ... وعادى من الجهدِ الثريدَ المرعبلا )
( وحتى لوَ أن الليثَ ليث خَفَّية ... يحاوله عن نفسه ما تَحَلْحلا )
( وحتى لَوَ أن الله أعطاه سؤله ... وقيل له ما تشتهي قال محملا )
( فقلت له لما رأيتُ الذي به ... وقد خِفت أن ينضِى لدينا ويهزِلا )
( أطعني وكُلْ شيئاً فقال معذِرا ... من الجهد أطعِمني تراباً وجندلا )
( فللموت خير منك جاراً وصاحباً ... فدعنِي فلا لبيك ثم تَجَدلا )
( وقال أقلني عثرتي وارعَ حرمتي ... وقد فر مني مرتين لِيقفِلا )
( فقلت له لا - والذي أنا عبده - ... أقيلُك حتى تمسح الركن أوّلا )
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثني عبد الله بن عمرو بن سعد قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي قال حدثني أبو عمر العمري قال حدثني عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال
قدم حمزة بن بيض على مخلد بن يزيد بن المهلب فوعده أن يصنع به خيرا ثم شغل عنه فاختلف إليه مرارا فلم يصل إليه وأبطأت عليه عدته فقال ابن بيض
( أمَخْلِد إن الله ما شاء يصنع ... يجود فيعطي من يشاء ويمنعُ )
( وإنّي قد أملت منك سحابة ... فحالت سراباً فوق بيداء تلمع )
( فأجمعت صُرْماً ثم قلت لعله ... يثوب إلى أمر جميل فيرجع )
( فأيأسني من خير مخلدَ أنه ... على كل حال ليس لي فيه مطمع )
( يجود لأقوام يودون أنه ... من البغض والشَّنْآن أمسى يُقَطَّعُ )
( ويَبْخَل بالمعروف عمن يوَدُّه ... فوالله ما أدري به كيف أصنع )
( أأصرِمه فالصُّرم شرُّ مغبَّةً ... ونفسي إليه بالوصال تَطَلَّع )
( وشتانَ بيني في الوصال وبينَه ... على كل حال أستقيمُ ويَظْلَع )
( وقد كان دهراً واصلاً لي مودةً ... ويمنعني من صرف دهري أضرع )
( وأعقبني صُرْماً على غير إِحنة ... وبخلاً وقِدْماً كان لي يتبرع )
( وغيَّره ما غيّر الناسَ قبلَه ... فنفسي بما يأتي به ليس تقنع )
ثم كتبها في قرطاس وختمه وبعث به مع رجل فدفعه إلى غلامه فدفعه الغلام إليه فلما قرأه سأل الغلام من صاحب الكتاب قال لا أعرفه فأدخل إليه الرجل فقال من أعطاك هذا الكتاب ومن بعث به معك قال لا أدري ولكن من صفته كذا وكذا ووصف صفة ابن بيض فأمر فضرب عشرين سوطا على رأسه وأمر له بخمس مئة درهم وكساه وقال إنما ضربناك أدبا لك لأنك حملت كتابا لا تدري ما فيه لمن لا تعرف فإياك أن تعود لمثلها قال الرجل لا والله أصلحك الله لا أحمل كتابا لمن أعرف ولا لمن لا أعرف قال له مخلد احذر فليس كل أحد يصنع بك صنيعي وبعث إلى ابن بيض فقال له أتعرف ما لحق صاحبك الرجل قال لا فحدثه مخلد بقصته فقال ابن بيض والله أصلحك الله لا تزال نفسه تتوق إلى العشرين سوطا مع الخمس مائة أبدا فضحك مخلد وأمر له بخمسة آلاف درهم وخمسة أثواب وقال وأنت والله لا تزال نفسك تتوق إلى عتاب إخوانك أبدا
قال أجل والله ولكن من لي بمثلك يعتبني إذا استعتبته ويفعل بي مثل فعلك ثم قال
( وأبيضَ بُهْلُولٍ إذا جئت داره ... كفاني وأعطاني الذي جئت أسألُ )
( ويُعتِبني يوماً إذا كنت عاتباً ... وإن قلت زدني قال حقًّا سأفعلُ )
( تراه إذا ما جئته تطلب الندى ... كأنك تعطيه الذي جئتَ تسألُ )
( فللَّه أبناءُ المهلَّب فتيةً ... إذا لَقحَتْ حرب عَوانٌ تأكَّل )
( هٌم يصطلون الحرب والموتُ كانعٌ ... بسُمْر القنا والمشرفيةُ من عَلُ )
( ترى الموت تحت الخافقات أمامَهُمْ ... إذا وردوا عَلُّوا الرماح وأَنهلوا )
( يجودون حتى يحسِب الناس أنهم ... لجودهم نذر عليهم يُحَلَّل )
( غيوث لمن يرجو نداهم وجودهم ... سِمام لأقوام ذُعافٌ يُثَمّلُ )
( وفَى لي أبناءُ المهلّب إنهم ... إذا سئلوا المعروف لم يَتَسَعَّلوا )
( فذلك مِيراث المهلَّلب إنه ... كريم نَماه للمكارم أَوّلُ )
( جرى وجرت آباؤه فتحرَّزوا ... عن الذمّ في عَيطاء لا تُتَوَقَّل )
فلما أنشده ابن بيض هذه الأبيات أمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب وقال نزيدك ما زدتنا ونضعف لك فقال
( أَمَخْلَد لم تترك لنفسي بُغْيَةً ... وزدت على ما كنت أرجو وآملُ )
( فكنتَ كما قد قال مَعْنٌ فإنه ... بصير بما قد قال إذ يتمثَّلُ )
( وَجَدْتُ كثير المالِ إذ ضَنَّ مُعَدِماً ... يُذَمُّ ويَلْحاه الصديقُ المؤَمَّل )
( وإن أحقّ الناس بالجودِ من رأى ... أباه جَواداً للمكارم يُجْزل )
( تَرُبُّ الذي قَدَّم كان قَدّضم والد ... أغَرُّ إذا ما جئته يَتَهَلل )
( وَجَدْتَ يزيداً والمهلَّبَ برَّزا ... فقلت فإني مثلَ ذلك أفعل )
( ففزت كما فازا وجاوزتَ غاية ... يُقَصِّر عنها السابق المتمهِّل )
( فأنت غِياث لليتامى وعصمة ... إليك جِمال الطالبي الخيرِ تُرحل )
( أصاب الذي رجَّى نداك مُخِيلةً ... تصُبّ عزاليها عليه وتَهطِل )
( ولم تُلْفَ إذ رَجَّوا نوالَك باخلا ... تضَن على المعروف والمالُ يُعْقَلُ )
( وموت الفتى خير له من حياته ... إذا كان ذا مال يَضَنُّ ويبخل )
فقال له مخلد احتكم فأبى فأعطاه عشرة آلاف دينار وجارية وغلاما وبرذونا
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال
كان حمزة بن بيض شاعرا ظريفا فشاتم حماد بن الزبرقان وكان من ظرفاء أهل الكوفة وكلاهما صاحب شراب وكان حماد يتهم بالزندقة فمشى الرجال بينهما حتى اصطلحا فدخلا يوما على بعض ولاة الكوفة فقال لابن بيض أراك قد صالحت حمادا فقال ابن بيض نعم أصلحك الله على ألا آمره بالصلاة ولا ينهاني عنها
اشتاق إلى أهله فقال شعرا
أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثني الهيثم بن عدي قال قدم حمزة بن بيض البصرة زائرا لبلال بن أبي بردة بن أبي موسى وبينهما مودة منذ الصبا فطال مقامه عنده فاشتاق إلى أهله وولده فكتب إلى بلال
( كَلَّتْ رحالي وأعواني وأحراسي ... إلى الأمير وإدلاجي وإمْلاسي )
( إلى امرىء مُشْبَع مجدا ومكرُمة ... عادية فهو حالٍ منهما كاسي )
( فلستُ منك ولا مما مَنَنْتَ به ... من فضل ودك كالمرميّ في راسي )
( إني وإياك والإخوانَ كلَّهم ... في العسر واليسر لو قِيسوا بمقياس )
( وذاك مما ينوبُ الدهرُ من حَدَث ... كالْورد في المَثَل المضروب والآس )
( يبيد هذا فيبلَى بعد جدّته ... غَضًّا وآخره رهن بإيناس )
( وأنت لي دائم باقٍ بشاشته ... يهتز في عود لا عَشٍّ ولا عاسي )
فعجل له بلال صلته وسرحه إلى الكوفة
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا إسحاق بن محمد النخعي قال حدثنا أبو المعارك الضبي قال حدثني أبو مسكين قال
دخل حمزة بن بيض على سليمان بن عبد الملك فلما مثل بين يديه أنشأ يقول
( رأيتك في المنام شننت خزاً ... عليّ بَنَفْسَجاً وقضيت ديني )
( فصدق يا فدتْك النفس رؤيا ... رأتها في المنام لديك عَيْني )
فقال سليمان يا غلام أدخله خزانة الكسوة واشنن عليه كل ثوب خز
بنفسجي فيها فخرج كأنه مشجب ثم قال له كم دينك قال عشرة آلاف درهم فأمر له بها
صوت
( من سره ضرب يُرعبلُ بعضه ... بعضاً كمعمعة الأَباء المُحرَق )( فليأتِ مأسدة تُسَنُّ سيوفُها ... بين المَذاد وبين جِزْع الخَنْدَقِ )
ويروى يمعمع بعضه بعضا والمعمعة اختلاف الأصوات وشدة زجلها والمأسدة الموضع الذي تجتمع فيه الأسد وتسن تحد يقال سيف مسنون والمذاد موضع بالمدينة والخندق يعني به الذي احتفره رسول الله وأصحابه حول المدينة والشعر لكعب بن مالك الأنصاري والغناء لابن محرز خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو
أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه
هو كعب بن مالك بن أبي كعب واسم أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سواد وقيل القين بن سواد هكذا قال ابن الكلبي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوثوكان كعب بن مالك من شعراء أصحاب رسول الله المعدودين وهو بدري عقبي وأبوه مالك بن أبي كعب بن القين شاعر وله في حروب الأوس والخزرج التي كانت بينهم قبل الإسلام آثار وذكر وعمه قيس بن أبي كعب شهد بدرا وهو شاعر أيضا وهو الذي حالف جهينة على الأوس وخبره في ذلك يذكر في موضعه بعد أخبار كعب وأبيه
ولكعب بن مالك أصل عريق وفرع طويل في الشعر ابنه عبد الرحمن شاعر وابن ابنه بشير بن عبد الرحمن شاعر والزبير بن خارجة بن عبد الله بن كعب شاعر ومعن بن عمرو بن عبد الله بن كعب شاعر وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أبو الخطاب شاعر ومعن بن وهب بن كعب شاعر وكلهم مجيد مقدم
وعمر كعب بن مالك وروى عن النبي حديثا كثيرا وكل بني كعب بن مالك قد روى عنه الحديث
فمما رواه ابن ابنه بشير عن أبيه عنه حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد بن عبد الملك قال حدثنا عتاب بن سلمة عن إسحاق بن راشد عن الزهري قال كان بشير بن عبد الرحمن بن كعب يحدث عن أبيه أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل بما تقولون لهم من الشعر
ومما رواه عنه ابنه عبد الله أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال حدثنا عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن مسلم عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال كان رسول الله يصلي المغرب ثم يرجع الناس إلى أهاليهم وهم يبصرون مواقع النبل حين يرمون
ومما رواه ابنه محمد أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن محمد بن كعب عن أبيه أنه حدثه أن النبي بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فنادى
إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب
ويقال كان كعب بن مالك عثمانيا وهو أحد من قعد عن علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يشهد معه حروبه وخاطبه في أمر عثمان وقتلته خطابا نذكره بعد هذا في أخباره ثم اعتزله وله مراث في عثمان بن عفان رحمه الله وتحريض للأنصار على نصرته قبل قتله وتأنيب لهم على خذلانه بعد ذلك منها قوله
( فلو حُلْتُمُ من دونه لم يزلْ لكم ... يَدَ الدهر عِزٌّ لا يبوخُ ولا يَسْري )
( ولم تَقْعدوا والدار كابٍ دُخانها ... يُحَرَّق فيها بالسعير وبالجمر )
( فلم أرَ يوماً كان أكثر ضيعةً ... وأقربَ منه للغَواية والنُّكْر )
كعب يرثي عثمان في المسجد
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال كان كعب بن مالك الأنصاري أحد من عاون عثمان على المصريين يجري وشهر سلاحه فلما ناشد عثمان الناس أن يغمدوا سيوفهم انصرف ولم ير أن الأمر يخلص إليه ولا ويجري القوم إلى قتله فلما قتل وقف كعب بن مالك على مجلس الأنصار في مسجد رسول الله فأنشدهم( مَنْ مُبْلِغُ الأنصارِ عنِّيَ آيةً ... رُسُلاً تَقُصُّ عليهمُ التِّبيانا )
( أَن قد فَعَلْتم فَعْلة مذكورة ... كَستِ الفُضُوح وأبدَتِ الشنَّآنا )
( بقعودكم في دوركم وأميركم ... تُحْشَى ضواحي دارِه النيرانا )
( بينا يرجِّي دفعَكم عن دارِه ... مُلِئت حَريقاً كابِياً ودُخانا )
( حتى إذا خَلَصوا إلى أبوابه ... دخلوا عليه صائماً عطشانا )
( يُعلُون قُلَّته السيوفَ وأنتُم ... متلبِّثون مكانكم رِضوانا )
( الله يَعلم أنني لم أرضَه ... لكمُ صنيعاً يوم ذاك وشانا )
( يا لَهْفَ نفسي إذ يقول ألا أَرَى ... نَفَراً من الأنصار لي أعوانا )
( والله لو شهد ابن قيسٍ ثابتٌ ... ومعاشر كانوا له إخوانا )
يعني ثابت بن قيس بن شماس
( وأبو دُجانة وابنُ أرقمَ ثابتٌ ... وأخو المَشاهد من بني عَجْلانا )
أبو دجانة سماك بن خرشة وابن أرقم ثابت البلوي وأخو المشاهد من بني عجلان معن بن عدي عقبي
( ورِفاعة العُمَريُّ وابن مُعاذِهم ... وأخو مُعَاويَ لم يخف خذلانا )
رفاعة ابن عبد المنذر العُمَريّ وابن معاذ سعد بن معاذ وأخو معاوية المنذر بن عمرو الساعدي عقبي بدري
( قومٌ يَرَوْن الحق نصرَ أميرِهم ... ويَرون طاعةَ أمره إيمانا )
( إن يُتركوا فَوْضَى يَرَوا في دينهم ... أمْرًا يُضَيِّق عنهمُ البُلدانا )
( فَلَيُعْلِينَّ الله كعبَ وَليهِ ... وَلَيَجْعَلنَّ عَدُوَّه الذُّلاَّنا )
( إني رأيت محمداً إختاره ... صِهراً وكان يَعُدُّه خُلْصانا )
( مَحْضَ الضرائبِ ماجداً أعراقُهُ ... من خيرِ خِندِفَ مَنصِباً ومَكانا )
( عَرَفَتْ له عُلْيا مَعَدّ كلُّها ... بعدَ النبيّ الملكَ والسلطانا )
( من مَعْشَر لا يغدِرون بجارهم ... كانوا بمكة يَرْتَعون زمانا )
( يُعْطون سائلهم ويأمنُ جارهم ... فيهم ويُرْدون الكُماة طِعانا )
( فلَوَ انكم مع نصركم لنبيكم ... يوم اللقاء نصرتُمُ عثمانا )
( أَنَسِيتُم عهد النبيّ إليكُمُ ... ولقد أَلَظَّ ووَكَّد الأَيمانا )
قال فجعل القوم يبكون ويستغفرون الله عز و جل
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو عامر عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه قال
رجز راجز من قريش برسول الله فقال
( لم يَغْذُها مُدٌّ ولا نصِيفُ ... ولا تُمَيراتٌ ولا تَعْجِيف )
( لكن غذاها اللبنُ الحِرِّيفُ ... والمَخْضُ والقارصُ والصَّريفُ )
قال فاحتفظت الأنصار حيث ذكر المد والتمر فقالوا لكعب بن مالك
انزل فنزل فقال
( لم يَغذْها مدٌّ ولا نَصِيفُ ... لكن غذاها الحنظلُ النَّقيفُ )
( ومَذْقة كطُرَّة الخنيف ... تبيتُ بين الزَّرْب والكَنيفِ )
فقال رسول الله اركبا
أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا عوف بن محمد عن محمد بن سيرين في حديث طويل قال
كان يهجوهم يعني قريشا ثلاثة نفر من الأنصار يجيبونهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكان حسان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ويعيرانهم بالمثالب وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر وينسبهم إليه ويعلم أن ليس فيهم شيء شر من الكفر فكانوا في ذلك الزمان أشد شيء عليهم قول حسان وكعب وأهون شيء عليهم قول ابن رواحة فلما أسلموا وفقهوا الإسلام كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة
كعب يستأذن الرسول في هجاء قريش
أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال حدثني حاتم بن أبي صغيرة قال حدثنا سماك بن حرب قال
أتي رسول الله فقيل إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك فقام ابن رواحة فقال يا رسول الله ائذن لي فيه فقال له أنت الذي تقول فثبت الله قال نعم يا رسول الله أنا الذي أقول
( فثبت الله ما أعطاك من حَسَنٍ ... تثبيت مُوسَى ونَصْراً كالذي نَصَرا )
فقال وأنت فعل الله بك مثل ذلك قال فوثب كعب بن مالك فقال يا رسول الله ائذن لي فيه فقال أنت الذي تقول همت قال نعم يا رسول الله أنا الذي أقول
( همت سَخِينةُ أَنْ تغالَب ربَّها ... ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلاَّب )
فقال أما إن الله لم ينس لك ذلك
أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن يحيى مولى ثقيف قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا مجالد عن الشعبي قال
لما انهزم المشركون يوم الأحزاب قال رسول الله إن المشركين لن يغزوكم بعد اليوم ولكنكم تغزونهم وتسمعون منهم أذى ويهجونكم فمن يحمي أعراض المسلمين فقام عبد الله بن رواحة فقال أنا فقال إنك لحسن الشعر ثم قام كعب فقال أنا فقال وإنك لحسن الشعر
أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني
محمد بن منصور قال حدثني سعيد بن عامر قال حدثني جويرية بن أسماء قال
بلغني أن رسول الله قال أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن وأمرت حسانا فشفى واشتفى
أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن عيسى قال حدثني عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث أن يحيى بن سعيد حدثه عن عبد الله بن أنيس عن أمه وهي بنت كعب بن مالك
أن النبي خرج على كعب وهو في مسجد رسول الله ينشد فلما رآه كأنه انقبض فقال ما كنتم فيه فقال كعب كنت أنشد فقال رسول الله فأنشد فأنشد حتى أتى على قوله
( مُقاتَلُنا عن جِذْمِنا كُلَّ فَخْمةٍ ... )
فقال رسول الله لا تقل عن جذمنا ولكن قل مقاتلنا عن ديننا
قال أبو زيد وحدثني سعيد بن عامر قال حدثنا أبو عون عن ابن سيرين قال
وقف رسول الله بباب كعب بن مالك فخرج فقال له رسول الله إيه فأنشده ثم قال إيه فأنشده ثم قال إيه فأنشده ثلاث مرات فقال رسول الله لهذا أشد عليهم من مواقع النبل
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور الربعي وذكر أنه إسناد شآم هكذا قال قال ابن عمار في الخبر
وذكر حديثا فيه طول لحسان بن ثابت والنعمان بن بشير وكعب بن مالك فذكرت ما كان لكعب فيه قال
لما بويع لعلي بن أبي طالب عليه السلام بلغه عن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير - وكانوا عثمانية - أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم ويقولون الشأم خير من المدينة واتصل بهم أن ذلك قد بلغه فدخلوا عليه فقال له كعب بن مالك يا أمير المؤمنين أخبرنا عن عثمان أقتل ظالما فنقول بقولك أم قتل مظلوما فنقول بقولنا ونكلك إلى الشبهة فيه فالعجب من تيقننا وشكك وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه فهاته نعرفه ثم قال
( كَفَّ يديهِ ثم أغلقَ بابه ... وأيقنَ أن الله ليس بغافلِ )
( وقال لمن في داره لا تقاتلوا ... عفا الله عن كل امرىء لم يقاتلِ )
( فكيف رأيتَ الله صبَّ عليهم العداوة ... والبغضاء بعد التواصُل )
( وكيف رأيت الخير أدبر عنهمُ ... وولَّى كإدبار النعام الجوافِل )
فقال لهم علي عليه السلام لكم عندي ثلاثة أشياء استأثر عثمان فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع وعند الله ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة فقالوا لا ترضى بهذا العرب ولا تعذرنا به فقال علي عليه السلام أتردون علي بين ظهراني المسلمين بلا بينة صادقة ولا حجة واضحة اخرجوا عني ولا تجاوروني في بلد أنا فيه أبدا فخرجوا من يومهم فساروا حتى أتوا معاوية فقال لهم لكم الولاية والكفاية فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار وكعب بن مالك ألف دينار وولى النعمان بن بشير حمص ثم نقله إلى الكوفة بعد