كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

زهير بن جذيمة في حربنا غير أن الكميت بن زيد الأسدي وكانت له أمان من غني ذكر من مقتل أخواله من غني في بني عبس ومن قتلوا من بني نمير بن عامر في كلمة له واحدة فلعله لهذا الحديث قالها وذكر إدراكاتهم وذكر قتل شبيب بن سالم النميري فقال في ذلك
( أنا ابنُ غَنِيٍّ والداي كلاهما ... لأُِمَّيْن فيهم في الفُروع وفي الأصلِ )
( هم استودعوا هوى شبيبَ بن سالمٍ ... وهم عَدلوا بين الحُصَيْنَينِ بالنَّبْلِ )
( وهم قتلوا شَأْسَ المُلوكِ ورَغَّمُوا ... أباه زُهَيْراً بالمَذَلَّةِ والثُّكْلِ )
( فما أدركْت فيهم جَذِيمةُ وَتْرَها ... بِما قَوَدٍ يوماً لديها ولا عَقْلِ )
قال أبو عبيدة فذكر عبد الحميد أنه أتى عليهم هنيئة من الدهر لا أدري كم وقت ذلك بعد انصرام أمر شأس
قال فما زادوا على هذا فهو باطل
قال الأثرم هنيئة من الدهر وهنيهة وبرهة وحقبة بمعنى الدهر

مقتل زهير بن جذيمة العبسي
قتله خالد بن جعفر بن كلاب
قال أبو عبيدة قال أبو حية النميري كان بين انصراف حديث شأس وحديث قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة ما بين العشرين سنة إلى الثلاثين سنة
قال أبو عبيدة وهوازن بن منصور لا ترى زهير بن جذيمة إلا ربا
قال وهوازن يومئذ لا خير فيها ولم تكثر عامر بن صعصعة بعد فهم أذل من يد في رحم وإنما هم رعاء الشاء في الجبال
قال وكان زهير يعشرهم وكان إذا كان أيام عكاظ أتاها زهير ويأتيها الناس من كل وجه فتأتيه هوازن بالإتاوة التي كانت له في أعناقهم فيأتونه بالسمن والأقط والغنم وذلك بعد ما خلع ذلك من أبي الجناد أخي بني أسيد بن عمرو بن تميم
ثم إذا تفرق الناس عن عكاظ نزل زهير بالنفرات
قال أبو عبيدة عن عبد الحميد وأبي حية النميري قالا فأتته عجوز رهيش من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وقال أبو حية بل أتته

عجوز من هوازن بسمن في نحي واعتذرت إليه وشكت السنين التي تتابعن على الناس
فذاقه فلم يرض طعمه فدعها بقوس في يده عطل في صدرها فاستلقت لحلاوة القفا فبدت عورتها فغضبت من ذلك هوازن وحقدت عليه إلى ما كان في صدرها من الغيظ والدمن وأوحرها من الحسك
قال وقد أمرت عامر بن صعصعة يومئذ فآلى خالد بن جعفر فقال والله لأجعلن ذراعي وراء عنقه حتى أقتل أو يقتل
قال وفي ذلك يقول خالد بن جعفر بن كلاب
( أدِيروني إدارتَكم فإنِّي ... وحَذْفةَ كالشّجَا تحت الوَرِيدِ )
( مُقرَّبةٌ أُسَوِّيها بجَزْءٍ ... وأَلْحَفُها رِدائي في الجَلِيدِ )
( وأُوصِي الرّاعِيَيْن ليُؤْثِراها ... لها لَبَنُ الخَلِيّةِ والصَّعُودِ )
( تراها في الغزاةِ وهنّ شُعْثٌ ... كقُلْبِ العاجِ في الرُّسْغ الجديدِ )
( يَبِيتُ رِباطُها بالليل كَفِّي ... على عُود الحشيش وغير عود )
( لعل اللَّه يُمْكِنني عليها ... جِهاراً من زُهَيْرٍ أو أَسِيدِ )

( فإمّا تَثْقَفُونِي فاقتُلوني ... فَمنْ أَثْقَفْ فليس إلى خُلودِ )
( وقيس في المَعَارِك غادرتْه ... قَنَاتِي في فوارس كالأسود )
( ويرْبُوع بن غَيْظٍ يومَ ساقٍ ... تركناهم كجارية وبيد )
( تركتُ بها نساء بني عُصَيمٍ ... أراملَ ما تَحِنّ إلى وليد )
( يَلُذْنَ بحَارِثٍ جَزَعاً عليه ... يَقُلْنَ لحارثٍ لولا تسود )
( ومنِّي بالظُّوَيْلمِ قارعاتٌ ... تَبِيدُ المُخْزِياتُ ولا تَبِيد )
( وَحكّتْ بَرْكَها ببني جِحَاشٍ ... وقد أجْرَوْا إليها من بعيدِ )
( تركت ابَنيْ جَذِيمةَ في مَكَرٍّ ... ونَصْراً قد تركتُ لها شُهودي )

قتله خالد بن جعفر وما كان قبل قتله
قال أبو عبيدة وحدثني أبو سرار الغنوي قال كان زهير رجلا عدوسا فانتقل من قومه ببنيه وبني أخويه زنباع وأسيد بركبة يريغ الغيث في عشراوات له وشول
قال وبنو عامر قريب منهم ولا يشعر بهم
قال عبد الحميد وأبو حية بل بنو عامر بدمخ وزهير بالنفرات وبينهم ليلتان أو ثلاث
قال فقال أبو سرار فأتى الحارث بني عامر والله ما تغير

طعم اللبن الذي زوده الحارث بن عمرو بن الشريد السلمي حتى أتى بني عامر فأخبرهم
قال أبو عبيدة أخبرني سليمان بن المزاحم المازني عن أبيه قال بل كانت بنو عامر بالجريثة وزهير بالنفرات وكانت تماضر بنت عمرو ابن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف السلمي امرأة زهير بن جذيمة وهي أم ولده
فمر بها أخوها الحارث بن عمرو
فقال زهير لبنيه إن هذا الحمار لطليعة عليكم فأوثقوه
فقالت أخته لبنيها أيزوركم خالكم فتوثقوه وتحرموه فخلوه
فقالت تماضر لأخيها الحارث إنه ليريبني اكبئنانك وقروبك فلا يأخذن فيك ما قال زهير فإنه رجل بيذارة غيذارة شنؤة
قال ثم حلبوا له وطبا وأخذوا منه يمينا ألا يخبر عنهم ولا ينذر بهم أحدا
قال أبو عبيدة وزعم أبو حية النميري أنه لما أتوه بقراهم أراهم أنه يشربه في الظلمة وجعل يهوي به إلى جيبه فيصبه بين سرباله وصدره أسفا وغظيا
قال وكان الذي حلب له الوطب وقراه الحارث بن زهير وبه سمي
قال فخرج يطير حتى أتى عامرا عند ناديهم فأتى حاذة أو شجرة غيرها فألقى الوطب تحتها والقوم ينظرون ثم قال أيتها الشجرة الذليلة اشربي من هذا اللبن فانظري ما طعمه
فقال أهل المجلس هذا رجل مأخوذ عليه عهد وهو يخبركم خبرا
فأتوه فإذا هو الحارث بن عمرو وذاقوا اللبن فإذا هو حلو لم يقرص بعد فقالوا إنه ليخبرنا أن طلبنا قريب
فركب معه ستة

فوارس لينظروا ما الخبر وهم خالد بن جعفر بن كلاب على حذفة وحندج بن البكاء ومعاوية بن عبادة بن عقيل فارس الهرار وهو الأخيل جد ليلى الأخيلية قال والأخيل هو معاوية قال وهو يومئذ غلام له ذؤابتان وكان أصغر من ركب وثلاثة فوارس من سائر بني عامر فاقتصوا أثر السير حتى إذا رأوا إبل بني جذيمة نزلوا عن الخيل
فقالت النساء إنا لنرى حرجة من عضاه أو غابة رماح بمكان لم نكن نرى به شيئا ثم راحت الرعاء فأخبروا بمثل ما للنساء
قال وأخبرت راعية أسيد بن جذيمة أسيدا بمثل ذلك فأتى أسيد أخاه زهيرا فأخبره بما أخبرته به الراعية وقال إنما رأت خيل بني عامر ورماحها
فقال زهير كل أزب نفور فذهبت مثلا وكان أسيد كثير الشعر خناسيا وأين بنو عامر أما بنو كلاب فكالحية إن تركتها تركتك وإن وطئتها عضتك
وأما بنو كعب يصيدون اللأي يريد الثور الوحشي
وأما بنو نمير فإنهم يرعون إبلهم في رؤوس الجبال
وأما بنو هلال فيبيعون العطر
قال فتحمل عامة بني رواحة وآلي زهير لا يبرح مكانه حتى يصبح
وتحمل من كان معه غير ابنيه ورقاء والحارث
قال وكان لزهير ربيئة من الجن فحدثه ببعض أمرهم حتى أصبح وكانت له مظلة دوح يربط فيها أفراسه لا تريمه حذرا من الحوادث
قال فلما أصبح صهلت فرس منها حين أحست بالخيل وهي القعساء
فقال زهير ما لها فقال ربيئته
( أحسّت الخيل فصهَلت إليهن ... فلم تُؤْذِنْهم بِهم إلا والخيلُ دَوَائسُ )

محاضير بالقوم غدية
فقال زهير وظن أنهم أهل اليمن يا أسيد ما هؤلاء فقال هؤلاء الذين تعمي حديثهم منذ الليلة
قال وركب أسيد فمضى ناجيا
قال ووثب زهير وكان شيخا نبيلا فتدثر القعساء فرسه وهو يومئذ شيخ قد بدن وهو يومئذ عقوق متهم واعرورى ورقاء والحارث ابناه فرسيهما ثم خالفوا جهة مالهم ليعموا على بني عامر مكان مالهم فلا يأخذوه
فهتف هاتف من بني عامر ياليحامر يريد يحامر وهو شعار لأهل اليمن لأن يعمي على الجذميين من القوم
فقال زهير هذه اليمن قد علمت أنها أهل اليمن وقال لابنه ورقاء انظر يا ورقاء ما ترى قال ورقاء أرى فارسا على شقراء يجهدها ويكدها بالسوط قد ألح عليها يعني خالدا
فقال زهير شيئا ما يريد السوط الى الشقراء فذهبت مثلا وقال في المرة الثانية شيئا ما يطلب السوط الى الشقراء وهي حذفة فرس خالد بن جعفر والفارس خالد بن جعفر
قال وكانت الشقراء من خيل غني
قال وتمردت القعساء بزهير وجعل خالد يقول لا نجوت إن نجا مجدع يعني زهيرا
فلما تمعطت القعساء بزهير ولم تتعلق بها حذفة قال خالد لمعاوية الأخيل بن عبادة وكان على الهرار حصان أعوج أدرك معاوي فأدرك معاوية زهيرا وجعل ابناه ورقاء والحارث يوطشان عنه أي عن أبيهما
قال فقال خالد اطعن يا معاوية

في نساها فطعن في أحدى رجليها فانخذلت القعساء بعض الانخذال وهي في ذلك تمعط
فقال زهير اطعن الأخرى يكيده بذلك لكي تستوي رجلاها فتحامل فناداه خالد يا معاوية أفذ طعنتك أي اطعن مكانا واحدا فشعشع الرمح في رجلها فانخذلت
قال ولحقه خالد على حذفة فجعل يده وراء عنق زهير فاستخف به عن الفرس حتى قلبه وخر خالد فوقع فوقه ورفع المغفر عن رأس زهير وقال يا لعامر اقتلونا معا فعرفوا أنهم بنو عامر
فقال ورقاء وا أنقطاع ظهراه إنها لبنو عامر سائر اليوم
وقال غيره فقال بعض بني جذيمة وا انقطاع ظهري
قال ولحق حندج بن البكاء وقد حسر خالد المغفر عن رأس زهير فقال نح رأسك يا أبا جزء لم يحن يومك
قال فنحى خالد رأسه وضرب حندج رأس زهير وضرب ورقاء بن زهير رأس خالد بالسيف وعليه درعان وكان أسجر العينين أزب أقمر مثل الفالج فلم يغن شيئا
قال وأجهض ابنا زهير القوم عن زهير فانتزعاه مرتثا
فقال خالد حين استنقذ زهيرا ابناه والهفتاه قد كنت أظن أن هذا المخرج سيسعكم ولام حندجا
فقال حندج وكان لجلالته غصة إذا تكلم
السيف حديد والساعد شديد وقد ضربته ورجلاي متمكنتان في الركابين وسمعت السيف قال قب حين وقع برأسه ورأيت على ظبته مثل ثمر المرار وذقته فكان حلوا
فقال خالد قتلته بأبي أنت
ونظر بنو زهير فإذا الضربة قد بلغت الدماغ
ونهي بنو زهير أن يسقوا أباهم الماء فاستسقاهم فمنعوه حتى

نهك عطشا
قال وذلك أن المأموم يخاف عليه الماء حتى بلغ منه العطش فجعل يهتف أميت أنا عطشا وينادي يا ورقاء قال أبو حية فجعل ينادي يا شأس فلما رأوا ذلك سقوه فمات لثالثة
فقال ورقاء بن زهير

شعر ورقاء بن زهير حين قتل والده
( رأيتُ زُهَيْراً تحت كَلْكَلِ خالدٍ ... فأقبلْتُ أسعَى كالعَجُولِ أُبادِرُ )
( إلى بَطَلَيْن يَنْهَضانِ كلاهما ... يُريغانِ نَصْلَ السَّيفِ والسيفُ نادرُ )
( فشَلَّتْ يميني إذ ضربتُ ابنَ جَعْفَرٍ ... وأَحرزه منِّي الحديدُ الْمُظاهَرُ )
قال أبو عبيدة وسمعت أبا عمرو بن العلاء ينشد هذا البيت فيها
( وشَلّتْ يميني يوم أضربُ خالداً ... وشَلَّ بَنَاناها وشلّ الخَنَاصرُ )
قال أبو عبيدة وأنشدني أبو سرار أيضا فيها
( فياليتني من قبلِ أيّامِ خالدٍ ... ويومِ زُهَيْرٍ لم تَلِدنِي تُمَاضِرُ )
تماضر بنت عمرو بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف السلمي امرأة زهير بن جذيمة
قال أبو عبيدة أنشدني أبو سرار فيها
( لَعَمْرِي لقد بُشِّرت بي إذ وَلَدْتنِي ... فماذا الذي رَدّتْ عليكِ البشائرُ )
وقال خالد بن جعفر يمن على هوازن بقتله زهيرا ويصدق الحديث قال أبو عبيدة أنشدنيه مالك بن عامر بن عبد الله بن بشر بن عامر ملاعب الأسنة
( بل كيف تكفُرني هوازنُ بعدما ... أعتقتُهم فَتَوَالَدُوا أحرارا )

( وقتلتُ ربَّهُم زهيراً بعد ما ... جدع الأُنوف وأكثر الأوتارا )
( وجعلتُ حَزْنَ بِلاَدِهم وجِبالهم ... أرضاً فضاءً سهلةً وعشارا )
( وجعلتُ مَهْرَ بناتهم ودمائهم ... عَقْلَ الملوكِ هجائناً أبكَارا )
قال أبو عبيدة ألا ترى أنه ذكر في شعره أن زهيرا كان ربهم وقد كان جدعهم وأنه قتله من أجلهم لا من أجل غني وأن غنيا ليسوا من ذلك في ذكر ولا لهم فيه معنى
قال وقال ورقاء بن زهير
( أمّا كِلاَبٌّ فإنّا لا نُسالِمُها ... حتى يُسالم ذِئبَ الثَّلةِ الرَّاعِي )
( بنو جَذِيمةَ حاموا حول سَيِّدهم ... إلاّ أَسِيداً نجا إذ ثَوَّب الداعي )
قال ثم نعى الفرزدق على بني عبس ضربة ورقاء خالدا واعتذر بها الى سليمان بن عبد الملك فقال
( إنْ يَكُ سيفٌ خانَ أو قَدَرٌ أبى ... لتأخير نَفْسٍ حَتْفُها غيرُ شاهدِ )
( فسيفُ بني عَبْسٍ وقد ضربوا به ... نَبَا بِيَدَيْ وَرْقاءَ عن رأس خالد )
( كذاك سيوفُ الهِنْدِ تنبو ظُبَاتُها ... وتقطَع أحياناً مناطَ القلائدِ )
( ولو شِئتُ قدَّ السيفُ ما بين عُنْقِه ... إلى عَلَقٍ تحت الشَّراسِيفِ جامدِ )
قال وكان ضلع بني عبس مع جرير فقال الفرزدق فيهم هذه الأبيات
هذه رواية أبي عبيدة

ماذا قال الاصمعي عن مقتل زهير وابنه
وأما الأصمعي فإنه ذكر فيما رواه الأثرم عنه قال حدثني غير واحد من الأعراب أن سبب مقتل زهير العبسي أن ابنه شأس بن زهير وفد إلى بعض الملوك فرجع ومعه حباء قد حبي به فمر بأبيات من بني عامر بن صعصعة وأبيات من بني غني على ماء لبني عامر أو غيرهم الشك من الأصمعي
قال فاغتسل فناداه الغنوي استتر فلم يحفل بما قال
فقال استتر ويحك البيوت بين يديك فلم يحفل
فرماه الغنوي رياح بن الأسك بسهم أو ضربه فقتله والحي خلوف فاتبعه أصحاب شأس وهم في عدة فركب الفلاة واتبعوه فرهقوه فقتل حصينا وأخاه حصينا ثم نجا على وجهه حتى أدركه العطش فلجأ إلى منزل عجوز من بني إنسان وبنو إنسان حي من بني جشم
فقالت له العجوز لا تبرح حتى يأتي بني فيأسروك
قال الأصمعي فأخبرني مخبران اختلفا فقال أحدهما إنه أخذ سكينا فقطع عصبتي يديها وقال الآخر أخذ حجرا فشدخ به رأسها ثم أنشأ يقول
( ولأنتَ أشْجَعُ من أسامةَ أو ... مِنَّي غداةَ وقفتُ للخَيْلِ )
( إذِ الحُصَيْنُ لدى الحُصَيْنِ كما ... عَدَلَ الرِّجازةُ جانبَ المَيْلِ )
( وإذا أُنَهْنِهُها لأِفتِلَها ... جاشتْ لِيَغْلِبَ قولُها قولي )

قال فضرب الزمان ضربانه فالتقى خالد بن جعفر بن كلاب وزهير بن جذيمة العبسي
فقال خالد لزهير أما آن لك أن تشتفي وتكف قال الأصمعي يعني مما قتل بشأس قال فأغلظ له زهير وحقره
قال الأصمعي وأخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب أن ذلك الكلام بينهما كان بعكاظ عند قريش
فلما حقره زهير وسبه قال خالد عسى إن كان يتهدده ثم قال اللهم أمكن يدي هذه الشقراء القصيرة من عنق زهير بن جذيمة ثم أعني عليه
فقال زهير اللهم أمكن يدي هذه البيضاء الطويلة من عنق خالد ثم خل بيننا
فقالت قريش هلكت والله يا زهير فقال إنكم والله الذين لا علم لكم
قال الأصمعي ثم نرجع إلى حديث العبسيين والعامريين وبعضه من حديث أبي عمرو بن العلاء
قال فجاء أخو امرأة زهير وكانت امرأته فاطمة بنت الشريد السلمية وهي أم قيس بن زهير وكان زهير قد أساء إليهم في شيء فجاء أخوها إلى بني عامر فقال هل لكم في زهير بن جذيمة ينتج إبله ليس معه أحد غير أخيه أسيد بن جذيمة وعبد راع لإبله وجئتكم من عنده وهذا لبن حلبوه لي
فذاقوه فإذا هو ليس بحازر فعلموا أنه قريب
فخرج حندج بن البكاء وخالد بن جعفر ومعاوية بن عبادة بن عقيل ليس على أحدهم درع غير خالد كانت عليه درع أعاره إياها عمرو بن يربوع الغنوي وكانت درع ابن الأجلح المرادي كان قتله فأخذها منه وكان يقال لها ذات الأزمة
وإنما سميت بذلك لأنها كانت لها عرى تعلق فضولها بها إذا أراد أن يشمرها
قال فطلعوا
فقال أسيد بن جذيمة قال الأصمعي وكان أسيد شيخا كبيرا وكان كثير شعر الوجه والجسد أتيت ورب الكعبة
فقال زهير

كل أزب نفور فذهبت مثلا
فلم يشعر بهم زهير إلا في سواد الليل فركب فرسه ثم وجهها فلحقه قوم أحدهم حندج أو العقيلي واختلفوا فيهما فطعن فخذ الفرس طعنة خفيفة ثم أراد أن يطعن الرجل الصحيحة فناداه خالد يا فلان لا تفعل فيستويا أقبل على السقيمة قال فطعنها فانخذلت الفرس فأدركوه
فلما أدركوه رمى بنفسه وعانقه خالد فقال اقتلوني ومجدعا
فجاء حندج وكان أعجم اللسان فقال لخالد وهو فوق زهير نح رأسك يا أبا جزء فنحى رأسه فضرب حندج زهيرا ضربة على دهش ثم ركبوا وتركوه
قال فقال خالد ويحك يا حندج ما صنعت فقال ساعدي شديد وسيفي حديد وضربته ضربة فقال السيف قب وخرج عليه مثل ثمرة المرار فطعمته فوجدته حلوا يعني دماغه
قال إن كنت صدقت فقد قتلته
قال فجاء قوم زهير فاحتملوه ومنعوه الماء كراهة أن يبتل دماغه فيموت
فقال يا آل غطفان أأموت عطشا فسقي فمات وذلك بعد أيام
ففي ذلك يقول ورقاء بن زهير وكان قد ضرب خالدا ضربة فلم يصنع شيئا فقال
( رأيتُ زهيراً تحت كَلْكَلِ خالدٍ ... فأقبلتُ أسعَى كالعَجُولِ أُبادِرُ )
( إلى بَطَلَيْنِ ينهَضان كِلاَهما ... يُريدان نَصْلَ السَّيْفِ والسيفُ نادرُ )
قال الأصمعي فضرب الدهر من ضربانه إلى أن التقى خالد بن جعفر والحارث بن ظالم

ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلاب
قتله الحارث بن ظالم المري
قال أبو عبيدة كان الذي هاج من الأمر بين الحارث بن ظالم وخالد بن جعفر أن خالد بن جعفر أغار على رهط الحارث بن ظالم من بني يربوع بن غيظ بن مرة وهم في واد يقال له حراض فقتل الرجال حتى أسرع والحارث يومئذ غلام وبقيت النساء
وزعموا أن ظالما هلك في تلك الوقعة من جراحة أصابته يومئذ
وكانت نساء بني ذبيان لا يحلبن النعم فلما بقين بغير رجال طفقن يدعون الحارث فيشد عصاب الناقة ثم يحلبنها ويبكين رجالهن ويبكي الحارث معهن فنشأ على بغض خالد
وأردف ذلك قتل خالد زهير بن جذيمة فاستحق العدواة في غطفان
فقال خالد بن جعفر في تلك الوقعة
( تركتُ نساءَ يَرْبُوعِ بنِ غَيْظٍ ... أراملَ يشتكين إلى وَلِيدِ )
( يَقُلْنَ لحارثٍ جَزَعاً عليه ... لك الخيراتُ مالك لا تسودُ )
( تركتُ بَنِي جَذِيمةَ في مَكَرٍّ ... ونصراً قد تركتُ لدى الشهودِ )

( ومنِّي سوف تَأتِي قارعاتٌ ... تَبِيدُ المخزِياتُ ولا تَبِيدُ )
( وقيس ابن المعاركِ غادرتْه ... قَنَاتِي في فوارسَ كالأسود )
( وحَلّتْ برَكْهَا ببني جِحَاشٍ ... وقد مَدُّوا إليها من بَعِيد )
( وحَيّ بني سبيعٍ يومَ ساقٍ ... تركناهم كجارية وبيد )
قال أبو عبيدة فمكث خالد بن جعفر برهة من دهره حتى كان من أمره وأمر زهير بن جذيمة ما كان وخالد يومئذ رأس هوازن
فلما استحق عداوة عبس وذبيان أتى النعمان بن المنذر ملك الحيرة لينظر ما قدره عنده وأتاه بفرس فألفى عنده الحارث بن ظالم قد أهدى له فرسا فقال أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك هذا فرس من خيل بني مرة فلن تؤتى بفرس يشق غباره إن لم تنسبه انتسب كنت ارتبطته لغزو بني عامر بن صعصعة فلما أكرمت خالدا أهديته إليك
وقام الربيع بن زياد العبسي فقال أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم يخفق في غزوة ولم يعتلك في سفره وفضله على هذين الفرسين كفضل بني عامر على غيرهم
قال فغضب النعمان عند ذلك وقال يا معشر قيس أرى خيلكم أشباها أين اللواتي كأن أذنابها شقاق أعلام وكأن مناخرها وجار الضباع وكأن عيونها بغايا النساء رقاق

المستطعم تعالك اللجم في أشداقها تدور على مذاودها كأنما يقضمن حصى
قال خالد زعم الحارث أبيت اللعن أن تلك الخيل خيله وخيل آبائه
فغضب النعمان عند ذلك على الحارث بن ظالم
فلما أمسوا اجتمعوا عند قينة من أهل الجيرة يقال لها بنت عفزر يشربون
فقال خالد تغني
( دارٌ لهندٍ والرَّبَابِ وفَرْتَنَى ... ولَمِيسَ قَبْلَ حوادثِ الأيّامِ )
وهن خالات الحارث بن ظالم فغضب الحارث بن ظالم حتى امتلأ غيظا وغضبا وقال ما تزال تتبع أولى بآخرة
قال أبو عبيدة ثم إن النعمان بن المنذر دعاهم بعد ذلك وقدم لهم تمرا فطفق خالد بن جعفر يأكل ويلقي نوى ما يأكل من التمر بين يدي الحارث
فلما فرغ القوم قال خالد بن جعفر أبيت اللعن انظر إلى ما بين يدي الحارث بن ظالم من النوى ما ترك لنا تمرا إلا أكله
فقال الحارث أما أنا فأكلت التمر وألقيت النوى وأما أنت فأكلته بنواه فغضب خالد وكان لا ينازع فقال أتنازعني يا حارث وقد قتلت حاضرتك وتركتك يتيما في حجور النساء
فقال الحارث ذلك يوم لم أشهده وأنا مغن اليوم بمكاني
قال خالد فهلا تشكر لي إذ قتلت زهير بن جذيمة وجعلتك سيد غطفان
قال بلى أشكرك على ذلك
فخرج الحارث بن ظالم إلى بنت عفزر فشرب عندها وقال لها تغني
( تَعَلَّمْ أبَيْتَ اللَّعْنَ أنِّيَ فاتكٌ ... من اليومِ أو مِنْ بعدِه بابن جَعْفَرِ )

( أخالدُ قد نَبَّهْتَني غيرَ نائمٍ ... فلا تَأْمَنَنْ فَتْكِي يَدَ الدهرِ واحْذَرِ )
( أعيَّرْتَني أنْ نِلْتَ منّا فوارساً ... غداةَ حُرَاضٍ مثلَ جِنَّانِ عَبْقَرِ )
( أصابهمُ الدّهرُ الخَتُورُ بخَتْرِهِ ... ومَنْ لا يَقِ اللهُ الحوادثَ يَعْثُرْ )
( فعلّك يوماً أن تنوء بضَرْبةٍ ... بكفِّ فتًى من قومه غير جَيْدَرِ )
( يُغِصّ بها عُلْيَا هَوازِنَ والمُنَى ... لقاءُ أبي جَزْءٍ بأبيضَ مِبْتَرِ )
قال فبلغ خالد بن جعفر قوله فلم يحفل به
فقال عبد الله بن جعدة وهو ابن أخت خالد وكان رجل قيس رأيا لابنه يا بني ائت أبا جزء فأخبره أن الحارث بن ظالم سفيه موتور فأخف مبيتك الليلة فإنه قد غلبه الشراب
فإن أبيت فاجعل بينك وبينه رجلا ليحرسك
فوضعوا رجلا بإزائه ونام ابن جعدة دون الرجل وخالد من خلف الرجل
وعرف أن ابن عتبة وابن جعدة يحرسان خالدا
فأقبل الحارث فانتهى إلى ابن جعدة فتعداه ومضى إلى الرجل وهو يحسبه خالدا فعجنه بكلكله حتى كسره وجعل يكدمه لا يعقل فخلى عنه والرجل تحته ومضى إلى خالد وهو نائم فضربه بالسيف حتى قتله
فقال لعروة أخبر الناس أني قتلت خالدا
وقال في ذلك

( أَلاَ سائِل النُّعْمانَ إن كنتَ سائلاً ... وَحيّ كِلاَب هل فتكتُ بخالدِ )
( عَشَوْتُ عليه وابنُ جَعْدةَ دونَه ... وعُرْوةُ يَكْلاَ عمَّه غيرَ راقدِ )
( وقد نَصَبَا رَجْلاً فباشرتُ جَوْزَه ... بكَلْكَلِ مَخْشِيِّ العداوةِ حاردِ )
( فأَضرِبُه بالسَّيفِ يأفُوخَ رأسِه ... فصمّم حتى نال نُوطَ القلائدِ )
( وأَفلتَ عبدُ الله منِّي بذُعْرِه ... وعُرْوةُ من بعد ابنِ جَعْدةِ شاهدي )

شعر قيس بن زهير للحارث
حين قتل خالدا
فلما أبت غطفان أن تجيره غضبت لذلك بنو عبس
وبعث إليه قيس بن زهير بن جذيمة بهذه الأبيات
( جزاك الله خيراً مِنْ خَلِيلٍ ... شفَى من ذي تُبُولته الخليلا )
( أزحتَ بها جوىً ودَخِيلَ حُزْنٍ ... تَمَخَّخَ أعظُمِي زمناً طويلا )
( كسوتَ الجعفريَّ أبا جُزَيْءٍ ... ولم تَحْفِلْ به سيفاً صَقِيلا )
( أبأْتَ به زُهَيْرَ بَنِي بَغِيضٍ ... وكنتَ لِمثْلَها ولها حَمُولا )
( كشفتَ له القِناعَ وكنتَ ممن ... يُجَلِّي العارَ والأمرَ الجليلا )

فأجابه الحارث بن ظالم
( أتانيَ عن قُيَيْسِ بني زُهَيْرٍ ... مقالةُ كاذبٍ ذكر التُّبُولاَ )
( فلو كنتم كما قلتم لكنتم ... لقاتل ثأرِكم حِرْزاً أَصِيلا )
( ولكن قلتُم جَاوِرْ سِوَانَا ... فقد جَلَّلْتَنا حَدَثاً جليلا )
( ولو كانوا هُمُ قتلوا أخاكم ... لَمَا طردوا الذي قتَل القَتيلا )
قال ابوعبيدة فلما منعته غطفان لحق بحاجب بن زرارة فأجاره ووعده أن يمنعه من بني عامر
وبلغ بني عامر مكانه في بني تميم فساروا في عليا هوازن
فلما كانوا قريبا من القوم في أول واد من أوديتهم خرج رجل من بني غني ببعض البوادي فإذا هو بامرأة من بني تميم ثم من بني حنظلة تجتني الكمأة فأخذها فسألها عن الخبر فأخبرته بمكان الحارث بن ظالم عند حاجب بن زرارة وما وعده من نصرته ومنعه
فانطلق بها الغنوي الى رحله فانسلت في وسط من الليل فأتى الغنوي الأحوص بن جعفر فأخبره أن المرأة قد ذهبت وقال هي منذرة عليك
فقال له الأحوص ومتى عهدك بها قال عهدي بها والمني يقطر من فرجها
قال وأبيك إن عهدك بها لقريب
وتبع المرأة عامر بن مالك يقص أثرها حتى انتهى إلى بني زرارة والمرأة عند حاجب وهو يقول لها أخبريني أي قوم أخذوك قالت أخذني قوم يقبلون بوجوه الظباء ويدبرون بأعجاز النساء
قال أولئك بنو عامر
قال فحدثيني من في القوم قالت رأيتهم يغدون على شيخ كبير لا ينظر بمأقيه حتى يرفعوا له من حاجبيه
قال ذلك الأحوص بن جعفر
قالت ورأيت شابا شديد الخلق

كأن شعر ساعديه حلق الدرع يعذم القوم بلسانه عذم الفرس العضوض
قال ذلك عتبة بن بشير بن خالد
قالت ورأيت كهلا إذا أقبل معه فتيان يشرف القوم إليه فإذا نطق أنصتوا
قال ذلك عمرو بن خويلد والفتيان ابناه زرعة ويزيد
قالت ورأيت شابا طويلا حسنا إذا تكلم بكلمة أنصتوا لها ثم يؤلون إليه كما تؤل الشول إلى فحلها
قال ذلك عامر بن مالك
قال أبو عبيدة فدعا حاجب الحارث بن ظالم فأخبره برأيه وخبر القوم وقال يا بن ظالم هؤلاء بنو عامر قد أتوك فما أنت صانع قال الحارث ذلك إليك إن شئت أقمت فقاتلت القوم وإن شئت تنحيت
قال حاجب تنح عني غير ملوم
فغضب الحارث من ذلك وقال
( لَعَمْرِي لقد جاورتُ في حَيِّ وائلٍ ... ومنْ وائلٍ جاورتُ في حَيِّ تَغْلِبِ )
( فأصبحتُ في حيِّ الأراقم لم يَقُلْ ... لِيَ القومُ يا حارِ بنَ ظالمٍ أذْهَبِ )
( وقد كان ظَنِّي إذ عقلتُ إليكُم ... بني عُدُسٍ ظَنِّي بأصحاب يَثْرِبِ )
( غَداةَ أتاهم تُبَّعٌ في جُنودِهِ ... فلم يُسْلِمُوا المرين من حَيِّ يَحْصُبِ )
( فإنْ تَكُ في عُلْيَا هَوازِنَ شَوْكَةٌ ... تُخَافُ ففيكم حَدُّ نابٍ ومِخْلَبِ )
( وإِن يَمْنَعِ المَرْءُ الزُّرارِيُّ جارَه ... فأَعْجِبْ بها من حاجبٍ ثم أعْجِب )
فغضب حاجب فقال
( لَعَمْرُ أبيك الخَيْرِ يا حارِ إنني ... لأمْنَعُ جاراً من كُلَيْبِ بن وائلِ )
( وقد علِم الحيُّ المَعَدِّيُّ أنّنا ... على ذاك كنّا في الخطوبِ الأوائل )

( وأنّا إذا ما خاف جارٌ ظُلاَمةً ... لبِسنا له ثَوْبَيْ وَفاءٍ ونائل )
( وأنّ تميماً لم تُحارِبْ قبيلةً ... من النّاس إلا أُولعتْ بالكواهل )
( ولو حاربتْنا عامرٌ يا بنَ ظالمٍ ... لعَضتْ علينا عامرٌ بالأنامل )
( وَلاسْتيقنتْ عُلْيَا هَوازِنَ أنّنا ... سنُوطِئها في دارها بالقنابلِ )
( ولكنّني لا أبَعث الحربَ ظالماً ... ولو هِجْتُها لم أُلْفَ شَحْمةَ آكل )
قال فتنحى الحارث بن ظالم عن بني زرارة فلحق بعروض اليمامة
ودعا معبدا ولقيطا ابني زرارة فقال سيرا في الظعن فموعدكما رحرحان فإنا مقيمون في حامية الخيل حتى تأتينا بنو عامر
وخرج عامر بن مالك الى قومه بالخبر
فقالوا ما ترى قال أن ندعهم بمكانهم ونسبقهم إلى الظعن
قال فلقوها برحرحان فاقتتلوا قتالا شديدا فأصابوها وأسر معبد وجرح لقيط
فبعثوا بمعبد الى رجل بالطائف كان يعذب الأسرى فقطعه إربا إربا حتى قتله
وقال عامر بن مالك يرد على حاجب قوله
( أَلِكْني الى المرءِ الزُّرَاريَّ حاجبٍ ... رئيسِ تَميمٍ في الخطوب الأوائلِ )
( وفارسِها في كلِّ يومِ كريهةٍ ... وخيرِ تميمٍ بين جافٍ وناعلِ )
( لَعَمْري لقد دافعتُ عن حيّ مالكٍ ... شآبيبَ من حَرْبٍ تَلَقَّحُ حائلِ )

( على كل جَرْداءِ السَّرَاةِ طِمِرّةٍ ... وأجْرَدَ خَوّارِ العِنَانِ مُناقِلِ )
( نصحتُ له إذ قلتُ إنْ كنتَ لاحقاً ... بقَوْمٍ فلا تَعْدِلْ بأبناء وائلِ )
( ولو ألجأتْه عُصْبةٌ تَغْلِبيّةٌ ... لَسِرْنَا إليهم بالقنا والقَنَابلِ )
( ولو رُمْتُمُ أن تمنَعوه رأيتُمُ ... هناك أُموراً غَيُّهَا غيرُ طائلِ )
( لشابَ وليدُ الحيِّ قبل مَشِيبهِ ... وعَضّت تميمٌ كلُّها بالأناملِ )
( وقامتْ رجالٌ منكمُ خِنْدِفَّيةٌ ... يُنادون جهراً ليتَنا لم نُقَاتِل )

الحارث يقتل ابن النعمان حين رآه في حجر سلمى بنت ظالم
قال فخرج الحارث بن ظالم من فوره ذلك حتى أتى سلمى بنت ظالم وفي حجرها ابن النعمان فقال لها إنه لن يجيرني من النعمان إلا تحرمي بابنه فادفعيه إلي
وقد كان النعمان بعث إلى جارات للحارث بن ظالم فسباهن فدعاه ذلك الى قتل الغلام فقتله
فوثب النعمان على عم الحارث بن ظالم فقال له لأقتلنك أو لتأتيني بابن أخيك
فاعتذر اليه فخلى عنه
فأقبل ينطلق فقال
( يا حارُ إنّيَ أحْيَا من مُخَبّأةٍ ... وأنت أَجْرَأُ من ذي لَبْدةٍ ضارِي )
( قد كان بيتيَ فيكم بالعَلاَءِ فقد ... أحْلَلْتَ بيتيَ بين السَّيْلِ والنارِ )

( مهما أَخَفْكَ على شيءٍ تجيء به ... فلم اخفْكَ على أمثالها حارِ )
( ولم أَخَفْكَ على لَيْثٍ تُخَاتِله ... عَبْلِ الذِّارعَيْنِ للأقرانِ هَصّارِ )
( وقد علمتُ بأنِّي لن يُنَجِّيَني ... ممّا فعلتَ سوى الإِقرارِ بالعار )
( فقد عَدَوْتَ على النُّعْمانِ ظالِمَه ... في قتل طِفْلٍ كمثل البَدْرِ مِعْطارِ )
( فاعلَمْ بأنّك منه غيرُ مُنْفَلِتٍ ... وقد عدوتَ على ضِرْغامةٍ شَارِي )
وقال الحارث بن ظالم في ذلك
( قِفَا فاسْمَعَا أخْبِرْكُما إذْ سألتما ... مُحارِبُ مَوْلاهُ وثَكْلانُ نادمُ )
( حَسِبْتَ أبا قابُوسَ أنّك سابِقي ... ولَمّا تَذُقْ فَتْكِي وأنفُك راغمُ )
( أخُصْيَيْ حِمارٍ بات يَكْدُمُ نَجْمةً ... أتُؤكَلُ جاراتي وجارُك سالم )
( تَمَنَّيْتَهُ جهراً على غير رِيبةٍ ... أحاديثُ طَسْمٍ إنما أنت حالم )
( فإنْ تك أذواداً أصبتَ ونسوةً ... فهذا ابنُ سَلْمَى أمْرُه متفاقم )

( علوتُ بذي الحَيّاتِ مَفْرِقَ رَأْسِه ... وكان سِلاَحِي تجتويه الجماجم )
( فتكتُ به فتكاً كفتكي بخالدٍ ... وهل يركب المكروهَ إلا الأكارمُ )
( بدأتُ بهذي ثم أَثنِي بمثلها ... وثالثةٍ تبيضّ منها المَقَادِمُ )
( شَفَيْتُ غَلِيلَ الصدرِ منه بضربةٍ ... كذلك يأبى المُغْضَبون القَماقِم )
فقال النعمان بن المنذر ما يعني بالثالثة غيري
قال سنان بن أبي حارثة المري وهو يومئذ رأس غطفان أبيت اللعن والله ما ذمة الحارث لنا بذمة ولا جاره لنا بجار ولو أمنته ما أمناه
فبلغ ابن ظالم قول سنان بن أبي حارثة فقال في ذلك
( أَلاَ أبْلِغ النُّعْمانُ عنِّي رسالةً ... فكيف بخَطَّابِ الخُطُوبِ الأعاظِم )
( وأنت طَويلُ البَغْيِ أبْلَخُ مُعْوِرٌ ... فَزُوعٌ إذا ما خِيفَ إحْدَى العَظَائِم )
( فما غَرَّة والمرءُ يُدْرِكُ وِتْرَهُ ... بأرْوَعَ ماضي الهَمِّ من آل ظالم )
( أخي ثِقَةٍ ماضِي الجَنَانِ مُشَيَّعٍ ... كَمِيشِ التَّوَالِي عند صِدْقِ العَزَائِم )
( فأُقْسِم لولا مَنْ تعرَّض دونه ... لَعُولِي بِهِنْديِّ الحديدةِ صارم )
( فأقْتُلُ أقواماً لِئاماً أذِلَّةً ... يَعَضُّون من غَيْظٍ أصولَ الأباهمِ )
( تمنَّى سِنانٌ ضَلَّةً أن يُخِيفَني ... ويأْمَنَ ما هذا بفعل المُسالمِ )
( تَمنَّيتَ جهداً أن تَضِيعَ ظُلامتي ... كذبتَ وربِّ الراقصاتِ الرَّواسِم )

( يمين امرىء لم يَرْضَعِ اللُّؤْمَ ثَدْيَه ... ولم تَتَكَنَّفْه عروقُ الألائِم )

ديهث تستجير بالحارث بن ظالم بعد أن سلبت إبلها
قال فأمنه النعمان وأقام حينا
ثم إن مصدقا للنعمان أخذ إبلا لامرأة من بني مرة يقال لها ديهث فأتت الحارث فعلقت دلوها بدلوه ومعها بني لها فقالت أبا ليلى إني أتيتك مضافة
فقال الحارث إذا أورد القوم النعم فنادي بأعلى صوتك
( دَعَوْتِ بالله ولم تُراعِي ... ذلك راعيكِ فنعْمَ الرَّاعِي )
( وتلك ذودُ الحارِث الكساعِ ... يمشي لها بصارمٍ قَطّاعِ )
( يَشْفِي به مَجَامع الصُّداعِ ... ) وخرج الحارث في أثرها يقول
( أنا أبو ليلَى وسَيْفِي المَعْلُوبْ ... كَم قد أَجَرْنا من حَرِيبٍ محروب )
( وكم رَدَدْنا من سَلِيبٍ مسلوبْ ... وطَعنَةٍ طعنتُها بالمنصوب )
( ذاك جيهزُ الموت عند المكروبْ ... )
ثم قال لها لا تَرِدَنّ عليكِ ناقةٌ ولا بعيرٌ تَعْرِفينه إلا أخَذْتِيه ففعلتْ فأتت على لَقُوحٍ لها يحلِبُها حَبَشِيٌّ فقالت يا أبا ليلى هذه لي
فقال الحبشي كذبت
فقال الحارث أرسلها لا أم لك فضرط الحبشي
فقال

الحارث است الحالب أعلم فسارت مثلا
قال أبو عبيدة ففي ذلك يقول في الإسلام الفرزدق
( كما كان أوْفَى إذ يُنادي ابنُ دَيْهَثٍ ... وصِرْمَتُهُ كالمَغْنَم المُتَنَهَّبِ )
( فقام أبو ليلَى اليه ابنُ ظالمٍ ... وكان مَتَى ما يَسْلُلِ السِّيْفَ يَضْرِبِ )
( وما كان جاراً غيرَ دَلْوٍ تَعلّقتْ ... بحَبْلَيْنِ في مُسْتَحْصِدِ القِدِّ مُكْرَبِ )
قال أبو عبيدة حدثني أبو محمد عصام العجلي قال فلما قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر في جوار الملك خرج هاربا حتى أتى صديقا له من كندة يحل شعبي قال شعبي غير ممدود فلما ألح الأسود في طلب الحارث قال له الكندي ما أرى لك نجاة إلا أن ألحقك بحضرموت ببلاد اليمن فلا يوصل إليك
فسار معه يوما وليلة فلما غربه قال إنني أنقطع ببلاد اليمن فأغترب بها وقد برئت منك خفارتي
فرجع حتى أتى أرض بكر بن وائل فلجأ الى بني عجل بن لجيم فنزل على زبان فأجاره وضرب عليه قبة
وفي ذلك يقول العجلي
( ونحن مَنَعْنا بالرِّماح ابنَ ظالمٍ ... فظلّ يغنِّي آمِناً في خِبائنا )
قال أبو عبيدة فجاءته بنو ذهل بن ثعلبة وبنو عمرو بن شيبان فقالوا أخرج هذا المشؤوم من بين أظهرنا لا يعرنا بشر فإنا لا طاقة لنا بالملحاء

والملحاء كتيبة الأسود فأبت عجل أن تخفره فقاتلوه فامتنعت بنو عجل
فقال الحارث بن ظالم في الكندي وفيهم
( يُكَلِّفُني الكِنْدِيُّ سَيْرَ تَنُوفةٍ ... أكابِدُ فيها كلَّ ذِي صُبَّةٍ مُثْرِي )
الصبة قطعة من الغنم أو بقية منها
( وأقبلَ دُوني جَمْعُ ذُهْلٍ كأنّني ... خَلاَةٌ لِذُهْلٍ والزَّعانِفِ من عَمْرِو )
( ودُونِيَ رَكْبٌ من لُجَيْمٍ مُصَمِّمٌ ... وزَبّانُ جارِي والخَفِيرُ على بَكْرِ )
( لَعَمْرِيَ لا أخشَى ظُلاَمةَ ظالمٍ ... وسَعْدُ بن عِجْلٍ مُجْمِعون على نَصْرِي )
قال أبو عبيدة ثم قال لهم الحارث إني قد اشتهر أمري فيكم ومكاني وأنا راحل عنكم
فارتحل فلحق بطيىء
فقال الحارث في ذلك
( لَعَمْرِي لقد حلّتْ بِيَ اليومَ ناقتي ... إلى ناصرٍ من طيّىء غيرِ خاذلِ )
( فأصبحتُ جاراً للمَجَرّةِ منهمُ ... على باذخٍ يعلو على المُتَطاوِلِ )
قال أبو عبيدة وحدثني أبو حية ان الأسود حين قتل الحارث خالدا سأل عن أمر يبلغ منه
فقال له عروة بن عتبة إن له جارات من بلي بن عمرو ولا أراك تنال منه شيئا أغيظ له من أخذهن وأخذ أموالهن فبعث الأسود فأخذهن واستاق أموالهن
فبلغ ذلك الحارث فخرج من الحين فانساب في غمار الناس حتى عرف موضع جاراته ومرعى إبلهن فأتى الإبل فوجد حالبين يحلبان ناقة لهن يقال لها اللفاع وكانت لبونا كأغزر الإبل إذا حلبت اجترت ودمعت عيناها وأصغت برأسها وتفاجت تفاج البائل وهجمت في

المحلب هجما حتى تسنمه وتجاوبت أحاليلها بالشخب هثا وهثيما حتى تصف بين ثلاثة محالب
فصاح الحارث بهما ورجز فقال
( إذا سَمِعْتِ حَنّةَ اللِّفَاعِ ... فَادْعِي أبا لَيْلَى ولا تُرَاعي )
( ذلك راعيكِ فنِعْمَ الرّاعِي ... يُجِبْكِ رَحْبَ البَاعِ والذِّراعِ )
( مُنَطِّقاً بصارمٍ قَطَّاعِ ... )
خليا عنها فعرفاه فضرط البائن
فقال الحارث است الضارط أعلم فذهبت مثلا قال الأثرم البائن الحالب الأيمن والمستعلي الحالب الأيسر ثم عمد إلى أموال جاراته والى جاراته فجمعهن ورد أموالهن وسار معهن حتى اشتلاهن أي أنقذهن

رواية في قتله ابن الملك
قال أبو عبيدة ولحق الحارث ببلاد قومه مختفيا
وكانت أخته سلمى بنت ظالم عند سنان بن أبي حارثة المري
قال أبو عبيدة وكان الأسود بن المنذر قد تبنى سنان بن أبي حارثة المري ابنه شرحبيل فكانت سلمى بنت كثير بن ربيعة من بني غنم بن دودان امرأة سنان بن أبي حارثة المري ترضعه وهي أم هرم وكان هرم غنيا يقدر على ما يعطي سائليه
فجاء الحارث وقد كان اندس في بلاد غطفان فاستعار سرج سنان ولا يعلم سنان وهم نزول

بالشربة فأتى به سلمى ابنة ظالم فقال يقول لك بعلك ابعثي بابن الملك مع الحارث حتى أستأمن له ويتخفر به وهذا سرجه آية إليك
فزينته ثم دفعته الى الحارث فأتى بالغلام ناحية من الشربة فقتله ثم أنشأ يقول
( قِفَا فاسْمَعَا أخْبِرْكما إذ سألتُما ... مُحارِبُ مولاه وثَكْلانُ نادمُ )
ثكلان نادم يعني الأسود لأنه قتل ابنه شرحبيل
محارب مولاه يعني الحارث نفسه ومولاه سنان
( أَخُصْيَيْ حِمَارٍ باتَ يَكْدِمُ نجمةً ... أتُؤْكَلُ جاراتي وجارُك سالمُ )
( حَسِبت أبيتَ اللَّعْنَ أنك فائتٌ ... ولمّا تَذُقْ ثُكْلاً وأَنْفُك راغمُ )
( فإن تك أذواداً أصبتَ ونسوةً ... فهذا ابنُ سَلْمَى رأسُهُ مُتفاقِم )
( علوتُ بذي الحَيّاتِ مَفْرِقَ رأسِه ... وكان سِلاَحِي تجتويه الجماجم )
( فتكتُ به كما فتكتُ بخالدٍ ... ولا يركَب المكروهَ إلاّ الأكارم )
( بدأتُ بتِلك وانثنيتُ بهذه ... وثالثةٍ تبيضّ منها المَقَادِمُ )
قال ففي ذلك يقول عقيل بن علفة في الإسلام وهو من بني يربوع بن

غيظ بن مرة لما هاجى شبيب بن البرصاء وأبوه يزيد وهو من بني نشبة بن غيظ بن مرة ابن عم سنان بن أبي حارثة فعيره بقتل الحارث بن ظالم شرحبيل لأنه ربيب بني حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ رهط شبيب ففي ذلك يقول عقيل
( قتْلنا شُرَحْبيلاً رِبيبَ أبيكُم ... بناصيةِ المَعْلُوب ضاحية غصْبَا )
( فلم تُنْكِرُوا أن يَغْمِزَ القومُ جارَكم ... بإحْدَى الدَّوَاهِي ثم لم تَطْلُعُوا نَقْبَا )
قال أبو عبيدة وهرب الحارث فغزا الأسود بني ذبيان إذ نقضوا العهد وبني أسد بشط أريك
قال أبو عبيدة وسألته عنه فقال هما أريكان الأسود والأبيض ولا أدري بأيهما كانت الوقعة
قال أبو عبيدة وقال آخرون إن سلمى امرأة سنان التي أخذ الحارث شرحبيل من عندها من بني أسد
قال فإنما غزا الأسود بني أسد لدفع الأسدية سلمى ابنه إلى الحارث فقتل فيهم قتلا ذريعا وسبى واستاق أموالهم
وفي ذلك يقول الأعشى ميمون
( وشُيوخٍ صَرْعَى بشَطَّيْ أَرِيكٍ ... ونساءٍ كأنَّهن السَّعالِي )
( من نَوَاصِي دُودَانَ إذ نقضوا العهدَ ... وذُبْيانَ والهِجَانِ الغَوالِي )

( رُبَّ رَفْدٍ هَرَقْتَه ذلك اليومَ ... وأَسْرَى من مَعْشَرٍ أَقْتالِ )
( هؤلاَ ثم هؤلاَ كُلاًّ أحْذَيْتَ ... نِعالاً مَحْذُوّةً بمِثَالِ )
( وأرى مَنْ عصاكَ أصبح مخذولاً ... وكَعْبُ الذي يُطيعك عالي )
قال ووجد نعل شرحبيل عند أضاخ
وهو من الشربة في بني محارب بن خصفة بن قيس عيلان
قال فأحمى لهم الأسود الصفا التي بصحراء أضاخ وقال لهم إني أحذيكم نعالا فأمشاهم على الصفا المحمى فتساقط لحم أقدامهم
فلما كان الإسلام قتل جوشن الكندي رجلا من بني محارب فأقيد به جوشن بالمدينة
وكان الكندي من رهط عباس بن يزيد الكندي فهجا بني محارب فعيرهم بتحريق الأسود أقدامهم فقال
( على عَهْدِ كِسْرَى نَعَّلتكم ملوكُنا ... صَفاً من أضَاخٍ حامياً يَتَلهّبُ )
قال أبو عبيدة وصار ذلك مثلا يتوعد به الشعراء من هجوه ويحذرونهم مثل ذلك
ومن ذلك أن ابن عتاب الكلبي ورد على بني النوس من جديلة طيىء فسرقوا سهاما له فقال يحذرهم
( بني النوس رُدُّوا أَسْهُمي إنّ أَسهُمِي ... كنَعْلِ شُرَحْبِيلَ التي في مُحَارِبِ )
وقال في الجاهلية ابن أم كهف الطائي في مدحه لمالك بن حمارالشمخي فذكر نعل شرحبيل فقال
( ومولاك الذي قتل ابنَ سَلْمَى ... عَلانِيةً شُرَحْبِيلَ ابنِ نَعْلِ )

لأنه لولا النعل لم يعرف وإنما عرف بما صنع أبوه ببني محارب من أجل نعله التي وجدت في بني محارب
قال أبو عبيدة وأخذ الأسود سنان بن أبي حارثة فأتاه الحارث بن سفيان أحد بني الصارد وهو الحارث بن سفيان بن مرة بن عوف بن الحارث بن سفيان أخو سيار بن عمرو بن جابر الفزاري لأمه فاعتذر الى الأسود أن يكون سنان بن أبي حارثة علم أو اطلع ولقد كان أطرد الحارث من بلاد غطفان وقال علي دية ابنك ألف بعير دية الملوك فحملها إياه وخلى عن سنان فأدى الى الأسود منها ثمانمائة بعير ثم مات
فقال سيار بن عمرو أخوه لأمه أنا أقوم فيما بقي مقام الحارث بن سفيان
فلم يرض به الأسود
فرهنه سيار قوسه فأدى البقية
فلما مدح قراد بن حنش الصاردي بني فزارة جعل الحمالة كلها لسيار بن عمرو فقال
( ونحن رَهَنَّا القَوْسَ ثُمّتَ فُودِيت ... بأَلْفٍ على ظَهْرِ الفَزَارِيِّ أَقْرَعَا )
( بعَشْرِ مِئِينٍ للملوكِ سَعَى بها ... لِيُوفيَ سَيَّارُ بنُ عمروٍ فأَسْرَعا )
( رَمَيْنَا صَفَاهُ بالمِئينَ فأصبحتْ ... ثَنَايَاه للساعين في المَجْدِ مَهْيَعَا )
قال ويقال بل قالها ربيع بن قعنب فرد عليه قراد فقال
( ما كان ثَعْلَبُ ذِي عاجٍ لِيَحْمِلَها ... ولا الفَزَاريُّ جُوفَانُ بن جُوفَان )
( لكن تَضَمَّنها ألْفاً فأخرجها ... على تَكَالِيفها حارُ بنُ سُفْيانِ )

وقال عويف القوافي بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في الإسلام يفخر على أبي منظور الوبري حين هاجاه أحد بني وبر بن كلاب
( فهل وجدتم حاملاً كَحَامِلِي ... إذ رَهَنَ القَوْسَ بألفٍ كاملِ )
( بدِيَةِ ابنِ الملكِ الحُلاَحِلِ ... فافتكّها من قبلِ عامٍ قابلِ )
( سَيّارٌ المُوفِي بها ذو السائِل ... )
لحوق الحارث ببني دارم بعد قتله شرحبيل
قال أبو عبيدة فلما قتل الحارث شرحبيل لحق ببني دارم فلجأ الى بني ضمرة
قال وبنو عبد الله بن دارم يقولون بل جاور معبد بن زرارة فأجاره فجر جواره يوم رحرحان وجر يوم رحرحان يوم جبلة
وطلبه الأسود بن المنذر بخفرته
فلما بلغه نزوله ببني دارم أرسل فيه إليهم أن يسلموه فأبوا
فقال يمن على بني قطن بن نهشل بن دارم بما كان من النعمان بن المنذر في أمر بني رشية وهي رميلة حين طلبهم من لقيط بن زرارة حتى أستنقذهم
ورشية أمة كانت لزرارة بن عدس بن زيد المجاشعي فوطئها رجل من بني نهشل فأولدها وكان زرارة يأتي بني نهشل يطلب الغلمة التي ولدت وولدت الأشهب بن رميلة والرباب بن رميلة وغيرهما وكانوا يسمعونه ما يكره فيرجع

الى ولده فيقول أسمعني بنو عمي خيرا وقالوا سنبعث بهم إليك عاجلا حتى مات زرارة
فقام لقيط ابنه بأمرهم فلما أتاهم أسمعوه ما كره ووقع بينهم شر
فذهب النهشلي إلى الملك فقال أبيت اللعن لا تصلني وتصل قومي بأفضل من طلبتك إلى لقيط الغلمة ليكف عني
فدعاه فشرب معه ثم استوهبهم منه فوهبهم له
فقال الأسود بن المنذر في ذلك
( كَأَيِّنْ لنا من نِعْمَةٍ في رِقابكم ... بنِي قَطَنٍ فضلاً عليكم وأَنْعُمَا )
( وكَمْ مِنَّةٍ كانتْ لنا في بُيوتكم ... وقَتْلِ كَرِيم لم تَعُدُّوه مغرَمَا )
( فإنكُم لا تمنَعون ابنَ ظالمٍ ... ولم يمس بالأيدِي الوَشِيجَ المُقَوَّما )
فأجابه ضمرة بن ضمرة فقال
( سَنَمْنَع جاراً عائذاً في بيوتكم ... بأسيافنا حتى يؤوبَ مُسَلَّمَا )
( إذا ما دَعَوْنَا دَارِماً حالَ دونَه ... عَوَابِسُ يَعْلُكْنَ الشَّكِيمَ المُعَجَّمَا )
( ولو كنتَ حَرْباً ما وردتَ طُوَيْلِعاً ... ولا حَوْفَه إلاّ خَمِيساً عَرَمْرَماً )
( تركتَ بني ماءِ السماءِ وفِعْلَهم ... وأشبهتَ تَيْساً بالحِجازِ مُزَنَّما )
( ولن أذْكُرَ النُّعْمانَ إلاّ بصالحٍ ... فإنّ له فضلاً علينا وأنْعُمَا )

قال وبلغ ذلك بني عامر فخرج الأحوص غازيا لبني دارم طالبا بدم أخيه خالد بن جعفر حين انطووا على الحارث وقاموا دونه فغزاهم فالتقوا برحرحان فهزمت بنو دارم وأسر معبد بن زرارة فانطلقوا به حتى مات في أيديهم وحديثه في يوم رحرحان يأتي بعد
ثم أسر بنو هزان الحارث بن ظالم
وقال أبو عبيدة خرج الحارث من عندهم فجعل يطوف في البلاد حتى سقط في ناحية من بلاد ربيعة ووضع سلاحه وهو في فلاة ليس فيها أثر ونام فمر به نفر من بني سعد قيس بن ثعلبة ومعهم قوم من بني هزان من عنزة وهو نائم فأخذوا فرسه وسلاحه ثم أوثقوه فانتبه وقد شدوه فلا يملك من نفسه شيئا
فسألوه من أنت فلم يخبرهم وطوى عنهم الخبر فضربوه ليقتلوه على أن يخبرهم من هو فلم يفعل
فاشتراه القيسيون من الهزانيين بزق خمر وشاة ويقال أشتراه رجل من بني سعد بإغلاق بكرة وعشرين من الشاء ثم انطلقوا به إلى بلادهم
فقالوا له من أنت وما حالك فلم يخبرهم
فضربوه ليموت فأبى
قال وهو قريب من اليمامة
قال فبينما هم على تلك الحال وهم يريغونه ضربا مرة وتهددا أخرى ولينا مرة ليخبرهم بحاله
وهو يأبى حتى ملوه فتركوه في قيده حتى انفلت ليلا فتوجه نحو اليمامة وهي قريب منه فلقي غلمة يلعبون فنظر إلى غلام منهم أخلقهم للخير عنده فقال من أنت قال أنا بجير بن أبجر العجلي وله ذؤابة يومئذ وأمه امراة قتادة بن مسلمة الحنفي
فأتاه وأخذ بحقويه والتزمه وقال أنا لك جار
فيقال إن عجلا أجارته في هذا اليوم لا في اليوم الأول

الذي ذكرناه في أول الحديث
فأتى الغلام أباه فأخبره وأجاره وقال ائت عمك قتادة بن مسلمة الحنفي فأخبره فأتى قتادة فأخبره فأجاره
قال أبو عبيدة وأما فراس فزعم أنه أفلت من بني قيس فأقبل شدا حتى أتى اليمامة واتبعوه حتى انتهى إلى نادي بني حنيفة وفيه قتادة بن مسلمة
فلما رأوه يهوي نحوهم قال إن هذا لخائف وبصر بالقوم خلفه فصاح به الحصن الحصن فأقبل حتى ولج الحصن
وجاءت بنو قيس فحال دونه وقال لو أخذتموه قبل دخوله الحصن لأسلمته إليكم فأما إذ تحرم بي فلا سبيل إليه
قال فقالوا أسيرنا أشتريناه بأموالنا وما هو لك بجار ولا تعرفه وإنما أتاك هاربا من أيدينا ونحن قومك وجيرتك
قال أما أن أسلمه أبدا فلا يكون ذلك ولكن اختاروا مني إن شئتم فانظروا ما اشتريتموه به فخذوه مني وإن شئتم أعطتيه سلاحا كاملا وحملته على فرس ودعوه حتى يقطع الوادي بيني وبينه ثم دونكموه
فقالوا رضينا
فقال ذلك للحارث فقال نعم
فألبسه سلاحا كاملا وحمله على فرسه وقال له إن أفلتهم فرد إلي الفرس والسلاح لك
قال فخرج وتركوه حتى جاز الوادي ثم أتبعوه ليأخذوه فلم يزل يقاتلهم ويطاردهم حتى ورد بلاد بني قشير وهو قريب من اليمامة أيضا بينهما أقل من يوم
فلما صار إلى بلاد بني قشير يئسوا منه فرجعوا عنه
وعرفه بنو قشير فانطووا عليه وأكرموه
ورد إلى قتادة بن مسلمة فرسه وأرسل إليه بمائة من الإبل لا أدري أأعطاه إياها بنو قشير من أموالهم ليكافىء بها قتادة أم كانت له لم يفسر أبو عبيدة أمرها ولا سألته عنها
فقال الحارث بن ظالم في ابني حلاكة وهما من الذين باعوه من القيسيين وفيما كان من أمره قال أبو عبيدة ويقال أسره راعيان من بني هزان يقال لهما ابنا حلاكة

( أَبْلِغْ لديكَ بني قَيْسٍ مُغَلْغَلَةً ... أنِّي أُقَسَّمُ في هِزّانَ أرباعَا )
( اِبنَا حُلاَكةَ باعاني بلا ثَمَنٍ ... وباع ذو آل هِزانٍ بما باعا )
( يا بْنَيْ حُلاَكةَ لمّا تأخُذَا ثمني ... حتّى أُقَسَّمَ أفراساً وأدراعا )
( قَتادةُ الخَيْرُ نالتنِي حَذيّتُه ... وكان قِدْماً إلى الخيراتِ طَلاّعا ) وقال في ذلك أيضا
( هَمَّتْ عُكَابةُ أن تَضِيمَ لجيما ... فأبتْ لُجَيْمَ ما تقول عُكَابَهْ )
( فآسْقِي بُجَيْراً من رَحِيقِ مُدَامةٍ ... واسْقِي الخفِيرَ وطَهِّري أثوابَهْ )
( جاءتْ حَنِيفةُ قبل جَيْئةِ يَشْكُرٍ ... كُلاًّ وَجدْنا أوْفِيَاءَ ذُؤابَهْ )
وزعم أبو عبيدة أن الحارث لما هزمت بنو تميم يوم رحرحان مر برجل من بني أسد بن خزيمة فقال ياحار إنك مشؤوم وقد فعلت فانظر إذا كنت بمكان كذا وكذا من برقة رحرحان فإن لي به جملا أحمر فلا تعرض له
وإنما يعرض له ويكره أن يصرح فيبلغ الأسود فيأخذه
فلما كان الحارث بذلك المكان أخذ الجمل فنجا عليه وإذا هو لا يساير من أمامه ولا يسبق من ورائه
فبلغ ذلك الأسود فأخذ الأسود الأسدي وناسا من قومه
وبلغ ذلك الحارث بن ظالم فقال كأنه يهجوهم لئلا يتهمهم الأسود
( أرَانِي الله بالنَّعمِ المُنَدَّى ... بِبُرْقةِ رَحْرَحانَ وقد أرانِي )
( لِحيِّ الأنكدِينَ وحيِّ عَبْسٍ ... وحيِّ نَعَامةٍ وبني غُدَانِ )

قال فلما بلغ قوله الأسود خلى عنهم
ولحق الحارث بمكة وانتمى إلى قريش وذلك قوله
( وما قَوْمِي بثَعْلَبةَ بنِ سَعْدٍ ... ولا بفَزَارةَ الشُّعْرِ الرِّقابَا )
( وقَوْمِي إنْ سألتِ بنو لُؤَيٍّ ... بمكّةَ عَلَّمُوا مُضَرَ الضِّرَابا )
قال فزوده وحمله رواحة الجمحي على ناقة فذلك قوله
( وهَشَّ رَوَاحةُ الجُمَحِيُّ رَحْلِي ... بناجيةٍ ولم يَطْلُبْ ثَوَابَا )
( كأنّ الرَّحْلَ والأنساعَ منها ... ومِيثَرتِي كُسِينَ أَقَبَّ جَابَا )

خبر مقتله
يروى حش وهش وهما لغتان
وحش سوى قال فلحق الحارث بالشام بملك من ملوك غسان يقال هو النعمان ويقال بل هو يزيد بن عمرو الغساني فأجاره
وكانت للملك ناقة محماة في عنقها مدية وزناد وصرة ملح وإنما يختبر بذلك رعيته هل يجترىء عليه أحد منهم
ومع الحارث أمرأتان فوحمت إحدى امرأتيه قال أبو عبيدة وأصابت الناس سنة شديدة فطلبت الشحم إليه
قال ويحك وأنى لي بالشحم والودك
فألحت عليه فعمد إلى الناقة فأدخلها بطن واد فلب في سبلتها أي

طعن
فأكلت امرأته ورفعت ما بقي من الشحم في عكتها
قال وفقدت الناقة فوجدت نحيرا لم يؤخذ منها إلا السنام فأعلموا ذلك الملك وخفي عليهم من فعله
فأرسل إلى الخمس التغلبي وكان كاهنا فقال من نحر الناقة فذكر أن الحارث نحرها
فتذمم الملك وكذب عنه
فقال إن أردت أن تعلم علم ذلك فدس امرأة تطلب إلى امرأته شحما ففعل
فدخل الحارث وقد أخرجت امرأته إليها شحما فعرف الداء فقتلها ودفنها في بيته
فلما فقدت المرأة قال الخمس غالها ما غال الناقة فإن كره الملك أن يفتشه عن ذلك فليأمر بالرحيل فإذا ارتحل بحث بيته ففعل
واستثار الخمس مكان بيته فوثب عليه الحارث فقتله فأخذ الحارث فحبس
فاستسقى ماء فأتاه رجل بماء فقال أتشرب فأنشأ الحارث يقول
( لقد قال لي عند المجَاهِدِ صاحبي ... وقد حِيلَ دون العَيْشِ هل أنت شاربُ )
( وَدِدْتُ بأطرافِ البَنَانِ لَوَ انَّنِي ... بذي أَرْوَنَى تَرْمِي ورائي الثَّعَالِبُ )
الثعالب من مرة وهم رماة
أروني مكان
وقال مرة أخرى الثعالب بنو ثعلبة
يقول كانوا يرمون عني ويقومون بأمري قال فأمر الملك بقتله
فقال إنك قد أجرتني فلا تغدرني
فقال لا ضير إن غدرت بك مرة فقد غدرت بي مرارا
فأمر مالك بن الخمس التغلبي أن يقتله بأبيه
فقال با بن شر الأظماء أنت تقتلني فقتله
وقال ابن الكلبي لما قام ابن الخمس إلى الحارث ليقتله قال من أنت قال ابن الخمس قال أنت ابن شر الأظماء
قال وأنت ابن شر الأسماء فقتله
فقال رجل من ضري وهم حي من جرهم يرثي الحارث بن ظالم

( يا حارِ حِنِّيَّا ... حُرّاً قُطَامِيّا )
( ما كنت ترْعِيّا ... في البيت ضِجْعِيّا )
( أدْعَى لُباخِيَّا ... مُمَّلأً عِيًّا )
وأخذ ابن الخمس سيف الحارث بن ظالم المعلوب فأتى به سوق عكاظ في الحرم فجعل يعرضه على البيع ويقول هذا سيف الحارث بن ظالم فاستراه إياه قيس بن زهير بن جذيمة فأراه إياه فعلاه به حتى قتله في الحرم
فقال قيس بن زهير يرثي الحارث بن ظالم
( ما قَصَرتْ من حاضنٍ سِتْرَ بَيْتِها ... أبَرَّ وأوْفَى منك حَارِ بنَ ظالمِ )
( أعَزَّ وأحْمَى عند جارٍ وذِمَّةٍ ... وأضْرَبَ في كاب من النَّقْعِ قاتم )
هذه رواية أبي عبيدة والبصريين
وأما الكوفيون فإنهم يذكرون أن النعمان بن المنذر هو الذي قتله
أخبرني بذلك علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد عن محمد بن حبيب عن ابن الاعرابي عن المفضل قال
لما هرب الحارث إلى مكة أسف النعمان بن المنذر على فوته إياه فلطف له وراسله وأعطاه الأمان وأشهد على نفسه وجوه العرب من ربيعة ومضر واليمن أنه لا يطلبه بذحل ولا يسوءه في حال وأرسل به مع جماعة ليسكن الحارث اليهم وأمرهم أن يتكفلوا له بالوفاء ويضمنوا له عنه أنه لا

يهيجه ففعلوا ذلك
وسكن إليه الحارث فأتى النعمان وهو في قصر بني مقاتل فقال للحاجب استأذن لي والناس يومئذ عند النعمان متوافرون فآستأذن له فقال النعمان ائذن له وخذ سيفه
فقال له ضع سيفك وادخل
فقال الحارث ولم أضعه قال ضعه فلا بأس عليك
فلما ألح عليه وضعه ودخل ومعه الأمان
فلما دخل قال أنعم صباحا أبيت اللعن
قال لا أنعم الله صباحك
فقال الحارث هذا كتابك
قال النعمان كتابي والله ما أنكره أنا كتبته لك وقد غدرت وفتكت مرارا فلا ضير أن غدرت بك مرة
ثم نادى من يقتل هذا فقام ابن الخمس التغلبي وكان الحارث فتك بأبيه فقال أنا أقتله
وذكر باقي الخبر في قصته مع ابن الخمس مثل ما ذكر أبو عبيدة

خبر الحارث وعمرو بن الإطنابة
وإنما ذكر هاهنا لاتصاله بمقتل خالد بن جعفر ولأن فيما تناقضاه من
الأشعار أغاني صالح ذكرها في هذا الموضع
قال أبو عبيدة كان عمرو بن الإطنابة الخزرجي ملك الحجاز ولما بلغه قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر وكان خالد مصافيا له غضب لذلك غضبا شديدا وقال والله لو لقي الحارث خالدا وهو يقظان لما نظر إليه ولكنه قتله نائما ولو أتاني لعرف قدره ثم دعا بشرابه ووضع التاج على رأسه ودعا بقيانه فتغنين له
( عَلِّلانِي وعَلِّلاَ صاحِبَيَّا ... وأسْقِيَانِي مِنَ المُرَوَّقِ رِيّا )
( إنّ فينا القِيَانَ يَعْزِفْنَ بالدُّفِّ ... لفِتْيانِنا وعيشاً رَخِيّا )
( يَتَبارَيْنَ في النَّعِيم ويَصْبُبْنَ خِلالَ القُرونِ مِسْكاً ذَكِيّا )
( إنّما هَمُّهنّ أنْ يَتَحَلَّنَ ... سُموطاً وسُنْبلاً فَارِسيّا )
( من سُموطِ المَرْجانِ فُصِّلَ بالشَّذْرِ ... فأَحْسِنْ بِحَلْيِهنّ حُلِيّا )
( وفتىً يَضرِب الكَتِيبةَ بالسَّيْفِ ... إذا كانتِ السيوفُ عِصِيّا )

( إنّنا لا نُسَرُّ في غير نَجْدٍ ... إنّ فِينا بها فتىً خَزْرَجِيَّا )
( يدفَع الضَّيْمَ والظُّلاَمةَ عنها ... فَتَجافَيْ عنه لنا يامَنِيّا )
( أَبْلِغِ الحارثَ بنَ ظالمٍ الرِّعدِيدَ ... والناذرَ النُّذُور عَلَيّا )
( أنما يَقْتُل النِّيَامَ ولا يقتلُ ... يَقْظانَ ذا سلاحٍ كَمِيّا )
( ومَعِي شِكّتي مَعَابِلُ كالجَمْرِ ... وأعددتُ ضارماً مَشْرَفِيّا )
( لو هبطتَ البلادّ أَنْسيتُك القتلَ ... كما يُنْسِىء النَّسِيء النَّسِيا )

شعر الحارث بعد أن انخذل عمرو عنه
قال فلما بلغ الحارث شعره هذا ازداد حنقا وغيظا فسار حتى أتى ديار بني الخزرج ثم دنا من قبة عمرو بن الإطنابة ثم نادى أيها الملك أغثني فإني جار مكثور وخذ سلاحك فأجابه وخرج معه
حتى إذا برز له عطف عليه الحارث وقال أنا أبو ليلى فاعتركا مليا من الليل
وخشي عمرو أن يقتله الحارث فقال له يا حار إني شيخ كبير وإني تعتريني سنة فهل لك في تأخير هذا الأمر إلى غد فقال هيهات ومن لي به في غد فتجاولا ساعة ثم ألقى عمرو الرمح من يده وقال يا حار ألم أخبرك أن النعاس قد يغلبني قد سقط رمحي فاكفف فكف
قال أنظرني إلى غد
قال لا أفعل
قال فدعني آخذ رمحي
قال خذه
قال أخشى أن تعجلني عنه أو تفتك بي إذا أردت أخذه
قال وذمة ظالم لا أعجلتك ولا قاتلتك ولا

فتكت بك حتى تأخذه
قال وذمة الإطنابة لا آخذه ولا أقاتلك
فانصرف الحارث إلى قومه وقال مجيبا له
( اِعْزِفَا لي بلَذّةٍ قَيْنَتَيّا ... قبلَ أن يُبْكِرَ المنونُ عَلَيّا )
( قبلَ أن يُبْكِرَ العواذلُ إنِّي ... كنتُ قِدْماً لأِمْرِهِنّ عَصِيّا )
( ما أُبالِي أراشداً فآصْبَحَانِي ... حَسِبتْني عَوَاذِلِي أم غَوِيّا )
( بعدَ ألاَّ أُصِرَّ لله إنَّما ... في حياتي ولا أخونَ صَفِيّا )
( من سُلافٍ كأنها دمُ ظَبْيٍ ... في زُجَاجٍ تخالُه رَازِقِيا )
( بلغتْنا مقالةُ المرءِ عمرٍو ... فأنِفْنا وكان ذاك بَدِيّا )
( قد هَمَمْنا بقتلِه إذ بَرَزْنَا ... وَلقِيناهُ ذا سِلاَحٍ كَمِيّا )
( غيَر ما نائمٍ تعلَّلَ بالحُلْمِ ... مُعِدًّا بكَفِّه مَشْرَفِيّا )
( فَمَنَنَّا عليه بعد عُلُوٍّ ... بوفاءٍ وكنتُ قِدْماً وَفيّا )
( ورجعنا بالصَّفْحِ عنه وكان ... المَنُّ منا عليه بعدُ تَلِيّا )

نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني منها في شعر عمرو بن الإطنابة
صوت
( عَلِّلانِي وعَلِّلاَ صاحِبَيَّا ... وأسْقِيَانِي مِنَ المُرَوَّقِ رِيّا )
( إنّ فينا القِيَانَ يعزِفن بالدفّ ... لفِتْيانِنا وعيشاً رَخِيّا )

غنته عزة الميلاء من رواية حماد عن أبيه خفيف رمل بالوسطى
قال حماد أخبرني أبي قال بلغني أن معبدا قال دخلت على جميلة وعندها عزة الميلاء تغنيها لحنها في شعر عمرو بن الإطنابة الخزرجي
( علِّلاني وعللا صاحبيّا ... )
على معزفة لها وقد أسنت فما سمعت قط مثلها وذهبت بعقلي وفتنتني فقلت هذا وهي كبيرة مسنة فكيف بها لو أدركتها وهي شابة وجعلت أعجب منها
ومنها في شعر الحارث بن ظالم

صوت
( ما أُبالي إذا اصطبحتُ ثلاثاً ... أرشيداً حَسِبْتَني أم غَوِيّا )
( مِن سُلاَفٍ كأنها دمُ ظَبْيٍ ... في زُجاجٍ تخالُه رَازِقيّا )
غناه فليح بن أبي العوراء رملا بالبنصر عن عمرو بن بانة
وغناه ابن محرز خفيف ثقيل أول بالخنصر من رواية حبش ومنها
صوت
( بلغتْنا مقالةُ المرءِ عمرٍو ... فأنِفْنا وكان ذاك بَدِيّا )
( قد هَمَمْنا بقتلِه إذ بَرَزْنا ... ولَقِيناه ذا سَلاحٍ كَمِيّا )

غناه مالك خفيف رمل بالبنصر من رواية حبش وذكر اسحاق في مجرده أن الغناء في هذين البيتين ليونس الكاتب ولم ينسب الطريقة ولا جنسها

ونذكر ها هنا خبر رحرحان ويوم قتله إذ كان مقتل الحارث وخبره خبرهما
يوم رحرحان الثاني
أخبرني علي بن سليمان ومحمد بن العباس اليزيدي في كتاب النقائض قالا قال أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة قال
كان من خبر رحرحان الثاني أن الحارث بن ظالم المري لما قتل خالد بن جعفر بن كلاب غدرا عند النعمان بن المنذر بالحيرة هرب فأتى زرارة بن عدس فكان عنده وكان قوم الحارث قد تشاءموا به فلاموه وكره أن يكون لقومه زعم عليه والزعم المنة فلم يزل في بني تميم عند زرارة حتى لحق بقريش وكان يقال إن مرة بن عوف من لؤي بن غالب وهو قول الحارث بن ظالم ينتمي إلى قريش
( رفعتُ السَّيْفَ إذ قالوا قُرَيْشٌ ... وبَيَّنْتُ الشَّمائلَ والقِبَابَا )
( فما قوْمِي بثَعْلَبةَ بنِ سَعْدٍ ... ولا بفَزَارةَ الشُّعْرِ الرِّقابَا )
وأتاهم لذلك النسب فكان عند عبد الله بن جدعان
فخرجت بنو عامر

إلى الحارث بن ظالم حيث لجأ إلى زرارة وعليهم الأحوص بن جعفر فأصابوا امرأة من بني تميم وجدوها تحتطب وكان في رأس الخيل التي خرجت في طلب الحارث بن ظالم شريح بن الأحوص وأصابوا غلمانا يجتنون الكمأة
وكان الذي أصاب تلك المرأة رجلا من غني فأرادت بنو عامر أخذها منه فقال الأحوص لا تأخذوا أخيذة خالي
وكانت أم جعفر يعني أبا الأحوص خبية بنت رياح الغنوي وهي إحدى المنجبات
ويقال أتى شريح بن الأحوص بتلك المرأة إليه فسألها عن بني تميم فأخبرتهم أنهم لحقوا بقومهم حين بلغهم مجيئكم
فدفعها الأحوص إلى الغنوي فقال اعفجها الليلة واحذر أن تنفلت فوطئها الغنوي ثم نام فذهبت على وجهها
فلما أصبح دعوا بها فوجدوها قد ذهبت
فسألوه عنها فقال هذا حري رطبا من زبها
وكانت المرأة يقال لها حنظلة وهي بنت أخي زرارة بن عدس
فأتت قومها فسألها عمها زرارة عما رأت فلم تستطع أن تنطق فقال بعضهم اسقوها ماء حارا فإن قلبها قد برد من الفرق ففعلوا وتركوها حتى اطمأنت فقالت يا عم أخذني القوم أمس وهم فيما أرى يريدونكم فاحذر أنت وقومك
فقال لا بأس عليك يا بنت أخي فلا تذعري قومك ولا تروعيهم وأخبريني ما هيئة القوم وما نعتهم
قالت أخذني قوم يقبلون بوجوه الظباء ويدبرون بأعجاز النساء
قال زرارة أولئك بنو عامر فمن رأيت فيهم قالت رأيت رجلا قد سقط حاجباه على عينيه فهو يرفع حاجبيه صغير العينين عن أمره يصدرون
قال ذاك الأحوص بن جعفر
قالت ورأيت رجلا قليل المنطق إذا تكلم اجتمع القوم لمنطقه كما تجتمع الإبل لفحلها وهو من أحسن الناس وجها ومعه ابنان له لا يدبر أبدا إلا وهما يتبعانه ولا يقبل إلا وهما بين يديه
قال ذلك مالك بن جعفر وابناه

عامر وطفيل
قالت ورأيت رجلا أبيض هلقامة جسيما والهلقامة الأفوه وقال ذلك ربيعة بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب
قالت ورأيت رجلا أسود أخنس قصيرا إذا تكلم عذم القوم عذم المنخوس
قال ذلك ربيعة بن قرط بن عبد بن أبي بكر بن كلاب
قالت ورأيت رجلا صغير العينين أقرن الحاجبين كثير شعر السبلة يسيل لعابه على لحيته إذا تكلم
قال ذلك حندج بن البكاء
قالت ورأيت رجلا صغير العينين ضيق الجبهة طويلا يقود فرسا له معه جفير لا يجاوز يده
قال ذلك ربيعة بن عقيل
قالت ورأيت رجلا آدم معه ابنان له حسنا الوجه أصبهان إذا أقبلا نظر القوم إليهما حتى ينتهيا وإذا أدبرا نظروا إليهما
قال ذلك عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب وابناه يزيد وزرعة
ويقال قالت ورأيت فيهم رجلين أحمرين جسيمين ذوي غدائر لا يفترقان في ممشى ولا مجلس فإذا أدبرا اتبعهما القوم بأبصارهم وإذا أقبلا لم يزالوا ينظرون إليهما حتى يجلسا
قال ذانك خويلد وخالد ابنا نفيل
قالت ورأيت آدم جسيما كأن رأسه مجز غضورة والغضورة حشيش دقاق خشن قائم يكون بمكة
تريد أن شعره قائم خشن كأنه حشيش قد جز
قال ذلك عوف بن الأحوص
قالت ورأيت رجلا كأن شعر فخذيه حلق الدروع
قال ذلك شريح بن الأحوص
قالت ورأيت رجلا أسمر طويلا يجول في القوم كأنه غريب
قال ذلك عبد الله بن جعدة
ويقال قالت ورأيت رجلا

كثير شعر الرأس صخابا لا يدع طائفة من القوم إلا أصخبها
قال ذلك عبد الله بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة
فسارت بنو عامر نحوهم والتقوا برحرحان وأسر يومئذ معبد بن زرارة أسره عامر بن مالك واشترك في أسره طفيل بن مالك ورجل من غني يقال له أبو عميلة وهو عصمة بن وهب وكان أخا طفيل بن مالك من الرضاعة
وكان معبد بن زرارة رجلا كثير المال
فوفد لقيط بن زرارة على عامر بن مالك في الشهر الحرام وهو رجب وكانت مضر تدعوه الأصم لأنهم كانوا لا يتنادون فيه يا لفلان ويا لفلان ولا يتغازون ولا يتنادون فيه بالشعارات وهو أيضا منصل الأل
والأل الأسنة كانوا إذا دخل رجب أنصلوا الأسنة من الرماح حتى يخرج الشهر
وسأل لقيط عامرا أن يطلق أخاه
فقال أما حصتي فقد وهبتها لك ولكن أرض أخي وحليفي اللذين اشتركا فيه
فجعل لقيط لكل واحد مائة من الإبل فرضيا وأتيا عامرا فأخبراه
فقال عامر للقيط دونك أخاك فأطلق عنه فلما أطلق فكر لقيط في نفسه فقال أعطيهم مائتي بعير ثم تكون لهم النعمة علي بعد ذلك لا والله لا أفعل ذلك ورجع إلى عامر فقال إن أبي زرارة نهاني أن أزيد على مائة دية مضر فإن أنتم رضيتم أعطيتكم مائة من الإبل
فقالوا لا حاجة لنا في ذلك فانصرف لقيط
فقال له معبد مالي يخرجني من أيديهم
فأبى ذلك عليه فقال إذا يقتسم العرب بني زرارة
فقال معبد لعامر بن مالك يا عامر أنشدك الله لما خليت سبيلي فإنما يريد ابن الحمراء أن يأكل كل مالي ولم تكن أمه أم لقيط
فقال له عامر أبعدك الله إن لم يشفق عليك أخوك فأنا أحق ألا أشفق عليك
فعمدوا إلى معبد فشدوا عليه القد وبعثوا به إلى الطائف فلم يزل به حتى مات
فذلك قول شريح بن الأحوص

( لَقِيطُ وأنت امرؤٌ ماجدٌ ... ولكنّ حِلْمَكَ لا يَهْتدِي )
( ولَمّا أَمِنْتَ وساغ الشِّرابُ ... واحتلّ بيتُك في ثَهْمَدِ )
( رفعتَ برِجْلَيْكَ فوق الفِرَاشِ ... تُهْدِي القصائدَ في مَعْبَد )
( وأسلمتَه عند جِدِّ القِتَالِ ... وتبخَل بالمالِ أن تَفْتَدِي )
وقال في ذلك عوف بن عطية بن الخرع التيمي يعير لقيط بن زرارة
( هَلاَّ فَوارِسَ رَحْرَحانَ هَجَوْتَهم ... عُشَراً تَنَاوَحُ في سَرَارةِ وَاد )
( لا تأكُل الإِبِلُ الغِراثُ نَباتَه ... ما إن يقومُ عِمادُه بعِمَادِ )
( هَلاَّ كَرَرْتَ على أُخَيِّك مَعْبَدٍ ... والعامريُّ يقودُه بصِفَادِ )
( وذكرتَ من لَبَن المُحَلَّقِ شَرْبةً ... والخيلُ تعدو بالصِّفَاحِ بَدَاد )
بداد متفرقة
والصفاح موضع
والمحلق موسومة بحلق على وجوهها
يقول ذكرت لبنها يعني إبله
( لو كنتَ إذ لا تستطيعُ فديتَه ... بهِجانِ أُدْمٍ طارف وتِلاَدِ )

( لكنْ تَرَكْتَهُ في عَميقٍ قَعْرُها ... جَزَراً لخامعةٍ وطيرِ عَوَادِ )
( لو كنتَ مُسْتَحِياً لِعرْضِكَ مَرّةً ... قاتلتَ أو لَفَدَيْتَ بالأذواد )
وفيها يقول نابغة بني جعدة
( هَلاَ سألتَ بيومَيْ رَحْرَحانَ وقد ... ظَنّتْ هَوَازِنُ أنّ العِزّ قد زَالاَ )

بعض ما قاله الشعراء في يوم رحرحان
وفيها يقول مقدام أخو بني عدس بن زيد في الإسلام وقتلت بنو طهية ابنا للقعقاع بن معبد فتوادوا فأخذت بنو طهية منهم الفضل
( وأنتم بنو مَاءِ السماءِ زعمتمُ ... ومات أبوكم يا بَنِي مَعْبَدٍ هُزْلاً )
وقال المخبل السعدي يذكر معبدا
( فإنْ تَكُ نالتْنا كُلَيْبٌ بقرَّةٍ ... فيومُك فيهم بالمصيفةِ أَبْرَدُ )
( هم قَتَلُوا يومَ المصيفةِ مالكاً ... وشاط بأيديهم لَقِيطٌ ومَعْبَدُ )
وفيها يقول عياض بن مرثد بن أسيد بن قريط بن لبيد في الإسلام
( نحن أسَرْنَا مَعْبَداً يوم مَعْبَدٍ ... فما افْتُكَّ حتّى مات مَنْ شِدّةِ الأَسْرِ )
( ونحن قتلنا بالصَّفَا بعد مَعْبَدٍ ... أخاه بأطرافِ الرُّدَيْنيّةِ السُّمْرِ )

وهذا يوم شعب جبلة
السبب في يوم جبلة
قال أبو عبيدة وأما يوم جبلة وكان من عظام أيام العرب وكان عظام أيام العرب ثلاثة يوم كلاب ربيعة ويوم جبلة ويوم ذي قار
وكان الذي هاج يوم جبلة أن بني عبس بن بغيض حين خرجوا هاربين من بني

ذبيان بن بغيض وحاربوا قومهم خرجوا متلددين
فقال الربيع بن زياد العبسي أما والله لأرمين العرب بحجرها اقصدوا لبني عامر فخرج حتى نزل مضيقا من وادي بني عامر ثم قال امكثوا
فخرج ربيع وعامر ابنا زياد والحارث بن خليف حتى نزلوا على ربيعة بن شكل بن كعب بن الحريش وكان العقد من بني عامر الى بني كعب بن ربيعة وكانت الرياسة في بني كلاب بن ربيعة
فقال ربيعة بن شكل يا بني عبس شأنكم جليل وذحلكم الذي يطلب منكم عظيم وأنا أعلم والله ان هذه الحرب أعز حرب حاربتها العرب قط
ولا والله ما بد من بني كلاب فأمهلوني حتى أستطلع طلع قومي
فخرج في قوم من بني كعب حتى جاؤوا بني كلاب فلقيهم عوف بن الأحوص فقال يا قوم أطيعوني في هذا الطرف من غطفان فاقتلوهم واغنموهم لا تفلح غطفان بعده أبدا
ووالله إن تزيدون على أن تسمنوهم وتمنعوهم ثم يصيروا لقومكم أعداء
فأبوا عليه وانقلبوا حتى نزلوا على الأحوص بن جعفر فذكروا له من أمرهم
فقال لربيعة بن شكل أظللتهم ظلك وأطعمتهم طعامك قال نعم
قال قد والله أجرت القوم
فانزلوا القوم وسطهم بحبوحة دارهم
وذكر بشر بن عبد الله بن حيان الكلابي أن عبسا لما حاربت قومها أتوا بني عامر وأرادوا عبد الله بن جعدة وابن الحريش ليصيروا حلفاءهم دون كلاب فأتى قيس بن زهير وأقبل نحو بني جعفر هو والربيع بن زياد حتى انتهيا الى الأحوص جالسا قدام بيته
فقال قيس للربيع إنه لا حلف ولا ثقة دون أن أنتهي إلى هذا الشيخ
فتقدم إليه قيس فأخذ بمجامع ثوبه من وراء فقال هذا مقام العائذ بك قتلتم أبي فما أخذت له عقلا ولا قتلت به أحدا وقد أتيتك

لتجيرنا
فقال الأحوص نعم أنا لك جار مما أجير منه نفسي
وعوف بن الأحوص عن ذلك غائب
فلما سمع عوف بذلك أتى الأحوص وعنده بنو جعفر فقال يا معشر بني جعفر أطيعوني اليوم وأعصوني أبدا وإن كنت والله فيكم معصيا
إنهم والله لو لقوا بني ذبيان لولوكم أطراف الأسنة إذا نكهوا في أفواههم بكلام
فابدأوا بهم فاقتلوهم واجعلوهم مثل البرغوث دماغه في دمه
فأبوا عليه وحالفوهم
فقال والله لا أدخل في هذا الحلف
قال وسمعت بهم حيث قر قرارهم بنو ذبيان فحشدوا واستعدوا وخرجوا وعليهم حصن بن حذيفة بن بدر ومعه الحليفان أسد وذبيان يطلبون بدم حذيفة وأقبل معهم شرحبيل بن أخضر بن الجون والجون هو معاوية سمي بذلك لشدة سواده ابن آكل المرار الكندي في جمع من كندة وأقبلت بنو حنظلة بن مالك والرباب عليهم لقيط بن زرارة يطلبون بدم معبد بن زرارة ويثربي بن عدس وأقبل معهم حسان بن عمرو بن الجون في جمع عظيم من كندة وغيرهم فأقبلوا إليهم بوضائع كانت تكون بالحيرة مع الملوك وهم الرابطة
وكان في الرباب رجل من اشرافهم يقال له النعمان بن قهوس التيمي وكان معه لواء من سار الى جبلة وكان من فرسان العرب
وله تقول دختنوس بنت لقيط بن زرارة يومئذ
( فَرَّ ابنُ قَهْوَسٍ الشُّجَاعُ ... بكَفِّه رُمْحٌ مِتَلُّ )
( يعدُو به خَاظِي البَضِيعِ ... كأنّه سِمْعٌ أزَلُّ )
( إنّك مِنْ تَيْمٍ فَدَعْ ... غَطَفانَ إن ساروا وحلُّوا )

متل مستقيم يتل به كل شيء
الخاظي الشيء المكتنز
والسمع ولد الضبغ من الذئب
والعسبار ولد الذئب من الكلبة
( لا مِنْكَ عدُّهمُ ولا ... آبَاكَ إن هَلَكُوا وذَلُّوا )
( فَخْرَ البَغِيِّ بحِدْجِ ربَّتها ... إذا النّاسُ استقلُّوا )
( لا حِدْجَها رَكِبْت ولا ... لِرَغَالِ فيه مُسْتَظَلُّ )
( ولقد رأيتُ أباكَ وَسْطَ ... القَوْمِ يَرْبُقُ أو يَجُلّ )
( مُتَقَلِّداً رِبْقَ الفُرَارِ ... كأنه في الجِيدِ غُلُّ )
يجل يلقط البعر
والفرار أولاد الغنم واحدها فرارة
قال وكان معهم رؤساء بني تميم حاجب بن زرارة ولقيط بن زرارة وعمرو بن عمرو وعتيبة بن الحارث بن شهاب وتبعهم غثاء من غثاء الناس يريدون الغنيمة فجمعوا جمعا لم يكن في الجاهلية قط مثله أكثر كثرة فلم تشك العرب في هلاك بني عامر
فجاؤوا حتى مروا ببني سعد بن زيد مناة فقالوا لهم سيروا معنا إلى بني عامر
فقالت لهم بنو سعد ما كنا لنسير معكم ونحن نزعم أن عامر بن صعصعة ابن سعد بن زيد مناة
فقالوا أما إذ أبيتم أن تسيروا معنا فاكتموا علينا
فقالوا أما هذا فنعم
فلما سمعت بنو عامر بمسيرهم اجتمعوا الى الأحوص بن جعفر وهو يومئذ شيخ كبير قد وقع حاجباه على عينيه وقد ترك الغزو غير أنه يدبر أمر الناس وكان مجربا حازما ميمون

النقيبة فأخبروه الخبر
فقال لهم الأحوص قد كبرت فما أستطيع أن أجيء بالحزم وقد ذهب الرأي مني ولكني إذا سمعت عرفت فأجمعوا آراءكم ثم بيتوا ليلتكم هذه ثم اغدوا علي فاعرضوا علي آراءكم ففعلوا
فلما أصبحوا غدوا عليه فوضعت له عباءة بفنائه فجلس عليها ورفع حاجبيه عن عينيه بعصابة ثم قال هاتوا ما عندكم
فقال قيس بن زهير العبسي بات في كنانتي الليلة مائة رأي
فقال له الأحوص يكفينا منها رأي واحد حازم صليب مصيب هات فانثر كنانتك
فجعل يعرض كل رأي رآه حتى أنفد
فقال له الأحوص ما أرى بات في كنانتك الليلة رأي واحد
وعرض الناس آراءهم حتى أنفدوا
فقال ما أسمع شيئا وقد صرتم إلي احملوا أثقالكم وضعفاءكم ففعلوا ثم قال احملوا ظعنكم فحملوها ثم قال اركبوا فركبوا وجعلوه في محفة وقال انطلقوا حتى تعلوا في اليمين فإن أدرككم أحد كررتم عليه وإن أعجزتموهم مضيتم
فسار الناس حتى أتوا وادي بحار ضحوة فإذا الناس يرجع بعضهم على بعض
فقال الأحوص ما هذا قيل هذا عمرو بن عبد الله بن جعدة في فتيان من بني عامر يعقرون بمن أجاز بهم ويقطعون بالنساء حواياهن
فقال الأحوص قدموني فقدموه حتى وقف عليهم فقال ما هذا الذي تصنعون قال عمرو أردت أن تفضحنا وتخرجنا هاربين من بلادنا ونحن أعز العرب وأكثرهم عددا وجلدا وأحدهم شوكة تريد أن تجعلنا موالي في

العرب إذ خرجت بنا هاربا
قال فكيف أفعل وقد جاءنا ما لا طاقة لنا به فما الرأي قال نرجع الى شعب جبلة فنحرز النساء والضعفة والذراري والأموال في رأسه ونكون في وسطه ففيه ثمل أي خصب وماء
فإن أقام من جاءك أسفل أقاموا على غير ماء ولا مقام لهم وإن صعدوا عليك قاتلتهم من فوق رؤوسهم بالحجارة فكنت في حرز وكانوا في غير حرز وكنت على قتالهم أقوى منهم على قتالك
قال هذا والله الرأي فأين كان هذا عنك حين استشرت الناس قال إنما جاءني الآن
قال الأحوص للناس ارجعوا فرجعوا
ففي ذلك يقول نابغة بني جعدة
( ونحن حَبَسْنا الحَيَّ عَبْساً وعامراً ... لحسَّانَ وابنِ الجَوْنِ إذ قيل أقْبِلاَ )
( وقد صَعِدتْ وادي بِحَارٍ نساؤهم ... كإصْعادِ نَسْرٍ لا يرومون منزلاَ )
( عَطَفْنا لهم عَطْفَ الضَّرُوسِ فصادفوا ... من الهَضْبةِ الحمراءِ عِزًّا ومَعْقِلا )
الضروس الناقة العضوض فدخلوا شعب جبلة وجبلة هضبة حمراء بين الشريف والشرف
والشريف ماء لبني نمير
والشرف ماء لبني كلاب
وجبلة جبل عظيم له شعب عظيم واسع لا يؤتى الجبل إلا من قبل الشعب والشعب متقارب المدخل وداخله متسع وبه اليوم عرينة من بجيلة
فدخلت بنو عامر شعبا منه يقال له مسلح فحصنوا النساء والذراري والأموال في رأس الجبل وحلؤوا الإبل عن الماء واقتسموا الشعب بالقداح فأقرع بين القبائل في شظاياه فخرجت بنو تميم ومعهم بارق حي من الأزد حلفاء يومئذ لبني نمير
وبارق هو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن

عامر ماء السماء
وسمي مزيقياء لأنه كان يمزق عليه كل يوم حلة فولجوا الخليف والخليف الطريق بين الشعبين شبه الزقاق لأن سهمهم تخلف
وفيه يقول معقر بن أوس بن حمار البارقي
( ونحن الأَْيمَنُونَ بنو نُمَيْرٍ ... يَسِيلُ بنا أمَامَهمُ الخَلِيفُ )
قال وكان معقر يومئذ شيخا كبيرا أعمى ومعه ابنة له تقود به جمله
فجعل يقول لها من أسهل من الناس فتخبره وتقول هؤلاء بنو فلان وهؤلاء بنو فلان حتى إذا تناهى الناس قال اهبطي لا يزال هذا الشعب منيعا سائر هذا اليوم وهبط
وكانت كبشة بنت عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب يومئذ حاملا بعامر بن الطفيل فقالت ويلكم يا بني عامر ارفعوني فوالله إن في بطني لعز بني عامر

القبائل التي شهدت وقعة جبلة
فصفوا القسي على عواتقهم ثم حملوها حتى أثووها بالقنة يقال قنة وقنان
فزعموا أنها ولدت عامرا يوم فرغ الناس من القتال
فشهدت بنو عامر كلها جبلة إلا هلال بن عامر وعامر بن ربيعة بن عامر وشهدها مع بني عامر من العرب بنو عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم وكان لهم بأس وحزم وعليهم مرداس بن أبي عامر وهو أبو العباس بن مرداس
وكانت بنو عبس بن رفاعة حلفاء بني عمرو بن كلاب
وزعم بعض بني عامر أن مرداسا كان مع أخواله غني وكانت أمه فاطمة بنت جلهمة الغنوية
وشهدتها غني وباهلة وناس من بني سعد بن بكر وقبائل بجيلة كلها إلا قسرا

لحرب كانت بين قسر وقومها فارتحلت بجيلة فتفرقت في بطون بني عامر فكانت عادية بن عامر بن قداد من بجيلة في بني عامر بن ربيعة وكانت سحمة من بجيلة في بني جعفر بن كلاب ويقال عمرو بن كلاب وكانت عرينة من بجيلة في عمرو بن كلاب وكانت بنو قيس كبة لفرس يقال لها كبة من بجيلة في بني عامر بن ربيعة وكانت فتيان في بني عامر بن ربيعة وبنو قطيعة من بجيلة في بني أبي بكر بن كلاب ونصيب بن عبد الله من بجيلة في بني نمير وكانت ثعلبة والخطام من بجيلة في بني عامر بن ربيعة وبنو عمرو بن معاوية بن زيد من بجيلة في بني أبي بكر بن كلاب معهم يومئذ نفير من عكل فبلغ جمعهم ثلاثين ألفا
وعمي على بني عامر الخبر فجعلوا لا يدرون ما قرب القوم من بعدهم
وأقبلت تميم وأسد وذبيان ولفهم نحو جبلة فلقوا كرب بن صفوان بن شجنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة فقالوا له أين تذهب أتريد أن تنذر بنا بني عامر قال لا
قالوا فأعطنا عهدا وموثقا ألا تفعل فأعطاهم فخلوا سبيله
فمضى مسرعا على فرس له عري حتى إذا نظر إلى مجلس بني عامر وفيهم الأحوص نزل تحت شجرة حيث يرونه فأرسلوا إليه يدعونه قال لست فاعلا ولكن إذا رحلت فأتوا منزلي فإن الخبر فيه
فلما جاؤوا منزله إذا فيه تراب في صرة وشوك قد كسر رؤوسه وفرق جهته وإذا حنظلة موضوعة وإذا وطب معلق فيه لبن
فقال الأحوص هذا رجل قد أخذ عليه المواثيق ألا يتكلم وهو يخبركم أن القوم مثل التراب كثرة وأن شوكتهم كليلة وهم متفرقون وجاءتكم بنو حنظلة
انظروا ما في الوطب فاصطبوه فإذا فيه لبن حزر قرص

فقال القوم منك على قدر حلاب اللبن إلى أن يحزر
فقال رجل من بني يربوع ويقال قالته دختنوس بنت لقيط بن زرارة
( كَرِبُ بن صَفْوانَ بنِ شِجْنةَ لم يَدَعْ ... مِن دَارمٍ أحداً ولا مِن نَهْشَلِ )
( أجعلتَ يَرْبوعاً كقَوْرةِ دائرٍ ... ولَتَحْلِفَنْ بالله أنْ لم تَفْعل ) وذلك قول عامر بن الطفيل بعد جبلة بحين
( أَلاَ أبْلِغْ جُموعَ سَعْدٍ ... فبِيتُوا لن نَهِيجَكُم نِيَامَا )
( نَصَحْتُمْ بالمَغِيبِ ولم تُعِينُوا ... علينا إنكم كنتم كِرَاما )
( ولو كنتم مع أبن الجَوْنِ كنتم ... كَمَنْ أوْدَى وأصبح قد أَلاَمَا )

تشاور الأعداء في الصعود الى بني عامر
فلما أستيقنت بنو عامر بإقبالهم صعدوا الشعب وأمر الأحوص بالإبل التي ظمئت قبل ذلك فقال اعقلوها كل بعير بعقالين في يديه جميعا
وأصبح لقيط والناس نزول به وكانت مشورتهم إلى لقيط فاستقبلهم جمل عود أجرب أحذ أعصل كاشر عن أنيابه فقال الحزاة من بني أسد والحازي العائف اعقروه
فقال لقيط والله لا يعقر حتى يكون فحل إبلي

غدا
وكان البعير من عصافير المنذر التي أخذها قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير
والعصافير إبل كانت للملوك نجائب ثم أستقبلهم معاوية بن عبادة بن عقيل وكان أعسر فقال
( أنا الغُلامُ الأعْسَرْ ... الخَيْرُ فيّ والشَرّ )
( والشرُّ فيّ أكَثْر ... )
فتشاءمت بنو أسد وقالوا ارجعوا عنهم وأطيعونا
فرجعت بنو أسد فلم تشهد جبلة مع لقيط إلا نفيرا يسيرا منهم شأس بن أبي بلي أبو عمرو بن شأس الشاعر ومعقل بن عامر بن موءلة المالكي
وقال الناس للقيط ما ترى فقال أرى أن تصعدوا إليهم
فقال شأس لا تدخلوا على بني عامر فإني أعلم الناس بهم قد قاتلتهم وقاتلوني وهزمتهم وهزموني فما رأيت قوما قطد أقلق بمنزل من بني عامر والله ما وجدت لهم مثلا إلا الشجاع فإنه لا يقر في جحره قلقا وسيخرجون إليكم
والله لئن بتم هذه الليلة لا تشعرون بهم إلا وهم منحدرون عليكم
فقال لقيط
والله لندخلن عليهم
فأتوهم وقد أخذوا حذرهم
وجعل الأحوص أبنه شريحا على تعبئة الناس
فأقبل لقيط وأصحابه مدلين فأسندوا الى الجبل حتى ذرت الشمس
فصعد لقيط في الناس وأخذ بحافتي الشجن
فقالت بنو عامر للأحوص قد أتوك
فقال دعوهم
حتى إذا نصفوا الجبل وانتشروا فيه قال الأحوص حلوا عقل الإبل ثم احدروها واتبعوا آثارها وليتبع كل رجل منكم بعيره حجرين أو ثلاثة ففعلوا ثم صاحوا بها فلم يفجا الناس إلا الإبل تريد الماء والمرعى وجعلوا يرمونهم بالحجارة والنبل وأقبلت الإبل تحطم كل شيء مرت به وجعل البعير يدهدي بيديه كذا وكذا حجرا
وقد كان لقيط وأصحابه سخروا منهم حين صنعوا بالإبل ما صنعوا
فقال رجل من بني أسد

( زعمتَ أنّ العِيرَ لا تُقاتِلُ ... بَلَى إذا تَقَعْقَعَ الرحائلُ )
( واختلف الهِنْدِيُّ والذّوابلُ ... وقالتِ الأبطالُ مَنْ يُنَازِلُ )
( بَلَى وفيها حَسَبٌ ونائلُ ... )
شعر بني عامر في يوم جبلة
فانحط الناس منهزمين من الجبل حتى السهل
فلما بلغ الناس السهل لم يكن لأحد منهم همة إلا أن يذهب على وجهه فجعلت بنو عامر يقتلونهم ويصرعونهم بالسيوف في آثارهم فانهزموا شر الهزيمة
فجعل رجل من بني عامر يومئذ يرتجز ويقول
( لم أرَ يوماً مثلَ يوم جَبَلَهْ ... يوم أتتنا أَسَدٌ وحَنْظَلهْ )
( وَغَطفانُ والملوكُ أزفَلَهْ ... نَضْرِبُهم بقُضبٍ مُنْتَخَلَه )
( لم تَعْدُ أن أَفرش عنها الصَّقَلَهْ ... حتى حَدَوْناهم حُدَاءَ الزَّوْمَلهْ )
وجعل معقل بن عامر يرتجز ويقول

( نحن حُمَاةُ الشِّعْبِ يومَ جبله ... بكلِّ عَضْبٍ صارمٍ ومِعْبَلَهْ )
( وهَيْكَلٍ نَهْدٍ معاً وهَيْكَلَهْ ... )
المعبلة السهم إذا كان نصله عريضا فهو معبلة والرقيق القطبة
وخرجت بنو تميم من الخليف على الخيل فكركروا الناس يعني ردوهم وانقطع شريح بن الأحوص في فرسان حتى أخذ الجرف فقاتل الناس قتالا شديدا هناك وجعل لقيط يومئذ وهو على برذون له مجفف بديباج أعطاه إياه كسرى وكان أول عربي جفف يقول
( عَرَفْتكُمْ والدمعُ مِ الْعَيْن يَكِفْ ... لفارِسٍ أتلفتموه ما خُلِفْ )
( إنّ النَّشِيلَ والشِّوَاء والرُّغُفْ ... والقَيْنةَ الحسناءَ والكأسَ الأُنفْ )
( وصَفْوةَ القِدْرِ وتَعْجِيلَ اللَّقَفْ ... للطاعنين الخيلَ والخيلُ قُطُفْ )
وجعل لا يمر به أحد من الجيش إلا قال له أنت والله قتلتنا وشتمتنا
فجعل يقول
( يا قَوْمِ قد أحرقتموني باللَّوْمْ ... ولم أُقَاتِلْ عامراً قبل اليَوْمْ )

( فاليومَ إذ قاتلتُهم فلا لَوْمْ ... تَقَدَّموا وقَدِّموني للقَوْمْ )
( شَتّانَ هذا والعناقُ والنَّوْمْ ... والمَضْجَعُ الباردُ في ظِلِّ الدَّوْمْ )
وقال شأس بن أبي بلي يجيبه
( لكن أنا قاتلتها قبلَ اليَوْمْ ... إذ كنتُ لا تُعْصَى أُموري في القَوْمْ )
وجعل لقيط يقول من كر فله خمسون ناقة وجعل يقول
( أكُلُّكُمْ يَزْجركُمْ أرْحِبْ هَلاَ ... ولن تَرَوْهُ الدَّهْرَ إلاّ مُقْبِلاَ )
( يحمل زَغْفاً ورَئيساً حَجْفَلاَ ... وسائلاً في أهله ما فعلا ) وجعل يقول أيضا
( أَشْقَرُ إنْ لم تَتَقَدَّمْ تُنْحَر ... وإنْ تَأخَّرْ عن هِيَاجٍ تُعْقَرِ ) ثم عاد يقول
( إنّ الشواء والنَّشيلَ والرُّغُفْ ... )
فأجابه شريح بن الأحوص
( إن كنتَ ذا صدْقٍ فأقْحِمْهُ الجُرُفْ ... وقَرِّب الأشْقَرَ حتى تَعْتَرِفْ )
( وجوهَنا إنّا بنوالبِيضِ العُطُفْ ... )

وبينه وبينه جرف منكر فضرب لقيط فرسه وأقحمه عليه الجرف فطعنه شريح فسقط
وقد اختلفوا في ذلك فذكروا أن الذي طعنه جزء بن خالد بن جعفر وبنو عقيل تزعم أن عوف بن المنتفق العقيلي قتله يومئذ وأنشأ يقول
( ظَلّتْ تلومُ لِما بها عِرْسِي ... جَهْلاً وأنتِ حَليمةٌ أمْسِ )
( إنْ تقتلوا بَكْرِي وصاحبَه ... فلقد شَفَيْتُ بسَيْفه نفسي )
( فقتلتُه في الشِّعْبِ أوّلَ فارسٍ ... في الشَّرْقِ قبل تَرَحُّلِ الشمس )
فزعموا أن عوفا هذا قتل يومئذ ستة نفر وقتل ابن له وابن أخ له
وأما العلماء فلا يشكون أن شريحا قتله وأرتث وبه طعنات والارتثاث أن يحمل وهو مجروح فإن حمل ميتا فليس بمرتث فبقي يوما ثم مات
فجعل لقيط يقول عند موته
( يا ليتَ شَعْرِي عَنْكِ دَخْتَنُوسُ ... إذا أتاك الخبرُ المَرْسُوسُ )
( أتَحْلقُ القُرُونَ أم تَمِيسُ ... لا بَلْ تَمِيسُ إنّها عَروسُ )
دختنوس بنت لقيط بن زرارة وكانت تحت عمرو بن عمرو بن عدس
وجعلت بنو عبس يضربونه وهو ميت فقالت دختنوس
( أَلاَ يالَها الوَيْلاتُ وَيْلاتُ مَنْ بَكَى ... لضَرْبِ بني عَبْس لَقِيطاً وقد قَضَى )

( لقد ضربوا وجهاً عليه مَهابةٌ ... وما تَحفِلُ الصُّمُّ الجنادلُ مَنْ رَدَى )
( فلو أنّكم كنتم غداة لَقِيتُم ... لقيطاً صَبرتُم لِلأَسِنَّةِ والقَنَا )
( غَدَرْتُم ولكن كنتمُ مِثْلَ خُضَّبٍ ... أصابَ لها القَنَّاصُ من جانب الشَّرَى )
( فما ثَأْرُه فيكم ولكنّ ثأرَه ... شُرَيْحٌ وأردته الأسِنّةُ إذ هَوَى )
( فإن تُعْقِبِ الأيّامُ من عامرٍ يَكُنْ ... عليهم حَريقاً لا يُرامُ إذا سما )
( ليجزيهم بالقتل قَتْلاً مُضَعَّفاً ... وما في دِمَاء الحُمْسِ يا مالُ مِنْ بَوَا )
( ولو قتلتنا غالبٌ كان قتلُها ... علينا من العار المجدِّع للعُلاَ )
( لقد صَبَرْت للموت كعبٌ وحافظت ... كِلابٌ وما أنتم هناك لمن رأى )
وقالت دختنوس أيضا
( لعمري لئن لاقت من الشرّ دارمٌ ... عناءً لقد آبتْ حميداً ضِرابُها )
( فما جَبُنوا بالشِّعب إذ صَبَرتْ لهم ... ربيعةُ يُدْعَى كَعْبُها وكِلابُها )
( عَصُوا بسيوف الهِنْدِ وأعتكرت لهم ... بَرَاكاءُ موتٍ لا يطير غُرابُها )
براكاء مباركة القتال وهو الجد في القتال
يقال للرجل إذا وقع في خطب لا يطير غرابه
وقالت دختنوس

( بَكَر النَّعِيُّ بخير خِنْدِفَ ... كَهْلِها وشَبابِها )
( وبخيرها نَسَباً إذا ... عُدَّتْ إلى أنسابِها )
( فرّت بنو أسدٍ حُرُودَ ... الطيرِ عن أربابها )
( لم يَحْفِلوا نَسَباً ولم ... يَلْوُوا لفيء عُقَابها )

اخبار الذين نجوا أو قتلوا في الموقعة
وقتل يومئذ قريظ بن معبد بن زرارة وزيد بن عمرو بن عدس قتله الحارث بن الأبرص بن ربيعة بن عامر بن عقيل وقتل الفلتان بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل وقتل أبو إياس بن حرملة بن جعدة بن العجلان بن حشورة بن عجب بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان وهو يقول
( أقْدِمْ قَطِينُ إنهم بنو عَبْسْ ... المَعْشَرُ الحِلّةُ في القَوْمِ الحُمْسْ )
الحلة لم يكونوا يتشددون في دينهم
قال واستلحم عمرو بن حسحاس بن وهب بن أعياء بن طريف الأسدي فاستنقذه معقل بن عامر بن موءلة فداواه وكساه
فقال معقل في ذلك
( يَدَيْتُ على ابن حَسْحَاسِ بنِ وَهْبٍ ... بأسفلِ ذي الجَذَاةِ يدَ الكريمِ )

( قَصَرْتُ له من الدّهماءِ لمّا ... شهِدتُ وغاب مَنْ لَهْ مِنْ حميمِ )
( ولو أنِّي أشاء لكنتُ منه ... مكانَ الفَرْقَدَيْنِ من النُّجوم )
( أُخبّره بأن الجُرْحَ يُشْوِي ... وأنّك فوق عِجْلِزَةٍ جَمُومِ )
يقول إن الجرح الذي بك شوى لم يصب منك مقتلا
( ذكرتُ تَعِلّةَ الفتيانِ يوماً ... وإلحاقَ المَلامةِ بالمُليم )
قال وحمل معاوية بن يزيد الفزاري فأخذ كبشة بنت الحجاج بن معاوية بن قشير وكانت عند مالك بن خفاجة بن عمرو بن عقيل فحمل معاوية بن خفاجة أخو مالك على معاوية بن يزيد فقتله واستنقذ كبشة وقال يا بني عامر إنهم يموتون وقد كان قيل لهم إنهم لا يموتون
ونزل حسان بن عامر بن الجون وصاح يا آل كندة فحمل عليه شريح بن الأحوص فاعترض دون ابن الجون رجل من كندة يقال له حوشب فضربه شريح بن الأحوص في رأسه فانكسر السيف فيه فخرج يعدو بنصف السيف وكان مما رعب الناس مكانه
وشد طفيل بن مالك بن جعفر فأسر حسان بن الجون وشد عوف بن الأحوص على معاوية بن الجون فأسره وجز ناصيته وأعتقه على الثواب
فلقيته بنو عبس فأخذه قيس بن زهير فقتله
فأتاهم عوف فقال قتلتم طليقي فأحيوه أو ائتوني بملك مثله
فتخوفت بنو عبس شره وكان مهيبا فقالوا أمهلنا
فانطلقوا حتى أتوا أبا براء عامر بن مالك بن جعفر يستغيثونه على عوف فقال دونكم سلمى بن مالك فإنه نديمه وصديقه وكانا مشتبهين أحمرين أشقرين ضخمة أنوفهما وكان في سلمى حياء فأتوه فقال سأكلم لكم طفيلا حتى يأخذ أخاه فإنه لا ينجيكم من عوف إلا ذلك وأيم الله

ليأتين شحيحا
فانطلقوا إليه فقال طفيل قد أتوني بك ما أعرفني بما جئتم له أتيتموني تريدون مني ابن الجون تقيدون به من عوف خذوه فأعطاهم إياه فأتوا به عوفا فجز ناصيته وأعتقه فسمي الجزاز
فذلك قول نافع بن الخنجر بن الحكم بن عقيل بن طفيل بن مالك في الإسلام
( قَضَيْنا الْجَوْنَ عن عَبْسٍ وكانت ... مَنِيّةُ مَعْبَدٍ فينا هُزَالاَ )
قال وشهدها لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر وهو ابن تسع سنين ويقال كان ابن بضع عشرة سنة وعامر بن مالك يقول له اليوم يتمت من أبيك إن قتل أعمامك
وقتل يومئذ زهير بن عمرو بن معاوية وجد مقتولا بين ظهراني صفوف بني عامر حيث لم يبلغ القتال وهو معاوية الضباب بن كلاب
فقال أخوه حصين للذي قتله
( يا ضَبُعاً عثواءَ لا تَسْتَأنِسي ... تلتقم الهَبْرَ من السَّقْبِ الرَّذي )
( أقسم بالله وما حجّتْ بَلي ... وما على العُزَّى تُعِزُّه غَنِي )

( وقد حلفتُ عند مَنْحَر الهَدِي ... أُعْطيكُم غيرَ صُدور المَشْرَفي )
( فليس مثلي عن زُهَيْرٍ بغَني ... هو الشُّجاعُ والخطيبُ اللَّوْذَعِي )
( والفارسُ الحازمُ والشهمُ الأبي ... والحاملُ الثِّقْلَ إذا ينزلُ بي )
وذكروا أن طفيل بن مالك لما رأى القتال يوم جبلة قال ويلكم وأين نعم هؤلاء فأغار على نعم عمرو وإخوته وهم من بني عبدالله بن غطفان ثم من بني الثرماء فاستاق ألف بعير
فلقيه عبيدة بن مالك فاستجداه فأعطاه مائة بعير وقال كأني بك قد لقيت ظبيان بن مرة بن خالد فقال لك أعطاك من ألفه مائة فجئت مغضبا
فلقي عبيدة ظبيان فقال له كم أعطاك قال مائة
فقال أمائة من ألف فغضب عبيدة
قال وذكر أن عبيدة تسرع يومئذ إلى القتال فنهاه أخواه عامر وطفيل أن يفعل حتى يرى مقاتلا فعصاهما وتقدم فطعنه رجل في كتفه حتى خرج السنان من فوق ثديه فاستمسك فيه السنان فأتى طفيلا فقال له دونك السنان فانزعه فأبى أن يفعل ذلك غضبا فأتى عامرا فلم ينزعه منه غضبا فأتى سلمى بن مالك فانتزعته منه وألقي جريحا مع النساء حتى فرغ القوم من القتال
وقتلت بنو عامر يومئذ من تميم ثلاثين غلاما أغرل
وخرج حاجب بن زرارة منهزما وتبعه الزهدمان زهدم وقيس ابنا حزن بن وهب بن عويمر بن رواحة العبسيان فجعلا يطردان حاجبا ويقولان له استأسر وقد قدرا عليه فيقول من أنتما فيقولان الزهدمان فيقول لا أستأسر اليوم لموليين
فبينما هم كذلك إذ أدركهم مالك ذو الرقيبة بن سلمة بن قشير فقال لحاجب استأسر
قال ومن أنت قال أنا مالك ذو الرقيبة
فقال أفعل فلعمري ما أدركتني حتى كدت أن أكون عبدا
فألقى إليه رمحه واعتنقه زهدم فألقاه عن فرسه فصاح حاجب يا

غوثاه
وندر السيف وجعل زهدم يريغ قائم السيف
فنزل مالك فاقتلع زهدما عن حاجب
فمضى زهدم وأخوه حتى أتيا قيس بن زهير بن جذيمة فقالا أخذ مالك أسيرنا من أيدينا
قال ومن أسيركما قالا حاجب بن زرارة
فخرج قيس يتمثل قول حنظلة بن الشرقي القيني أبي الطمحان رافعا صوته يقول
( أجَدُّ بني الشَّرْقيّ اُولِعَ أنَّني ... مَتَى أسْتَجِرْ جاراً وإنْ عَزَّ يَغْدُرِ )
( إذا قلتُ أوفى أدركتْه دَرُوكَةٌ ... فيا مُوزعَ الجِيرانِ بالغَيِّ أقْصِرِ )
حتى وقف على بني عامر فقال إن صاحبكم أخذ أسيرنا
قالوا من صاحبنا قال مالك ذو الرقيبة أخذ حاجبا من الزهدمين
فجاءهم مالك فقال لم آخذه منهما ولكنه استأسر لي وتركهما
فلم يبرحوا حتى حكموا حاجبا في ذلك وهو في بيت ذي الرقيبة فقالوا من أسرك يا حاجب فقال أما من ردني عن قصدي ومنعني أن أنجو ورأى مني عورة فتركها فالزهدمان
وأما الذي استأسرت له فمالك فحكموني في نفسي
قال له القوم قد جعلنا إليك الحكم في نفسك
يقال أما مالك فله ألف ناقة وللزهدمين مائة
فكان بين قيس بن زهير وبين الزهدمين مغاضبة بعد ذلك فقال قيس
( جَزَاني الزهدمانِ جزاءَ سَوْءٍ ... وكنتُ المرءَ يُجْزَى بالكَرَامهْ )
( وقد دافعتُ قد عَلِمتْ مَعَدٌّ ... بني قُرْطٍ وعَمَّهم قُدَامهْ )
( رَكِبتُ بهم طريقَ الحقِّ حَتَّى ... أَثبْتُهمُ بها مائةً ظُلاَمهْ )
وقال جرير في ذلك

( ويومَ الشِّعْبِ قد تركوا لَقِيطاً ... كأنّ عليه حُلَّةَ أُرْجُوَانِ )
( وكُبِّل حاجبٌ بَشَمامِ حوْلاً ... فَحكّم ذا الرُّقَيْبةِ وهو عَانِي )
وأما عمرو بن عمرو بن عدس فأفلت يومئذ
فزعمت بنو سليم أن الخيل عرضت على مرداس بن أبي عامر يوم جبلة وكان أبصر الناس بالخيل فعرضت عليه فرس لغلام من بني كلاب فقال والله لا أعجزها ولا أدركها ذكر ولا أنثى فهذا ردائي بها وخمس وعشرون ناقة
فلما انهزم الناس يوم جبلة خرج الكلابي على فرسه تلك يطلب عمرو بن عمرو
قال الكلابي فراكضته نهارا على السواء والله ما علمت أنه سبقني بمقدار أعرفه ثم زاد مكانه ونقصت
فقلت قمر والله مرداس
وهوى عمرو إلى فرسه فضربها بالسوط فانكشفت فإذا هي خنثى لا ذكر ولا أنثى فأخبرتهم أني سبقت
فقالوا قمر السلمي فقلت لا
ثم أخبرتهم الخبر
فقال مرداس
( تَمَطَّتْ كُمَيْتٌ كالهِرَاوةِ ضامرٌ ... لعَمْرِو بن عمرٍو بعد ما مُسَّ باليَدِ )
( فلولا مَدَى الخُنْثَى وبُعْدُ جِرَائها ... لَقَاظَ ضعيفَ النَّهْضِ حَقَّ مُقَيَّد )
( تذكَّر رُبْطاً بالعراقِ وراحةً ... وقد خفَقَ الأسيافُ فوق المُقَلَّدِ )

وزعم علماء بني عامر أنه لما انهزم الناس خرجت بنو عامر وحلفاؤهم في آثارهم يقتلون ويأسرون ويسلبون فلحق قيس بن المنتفق بن عامر بن طفيل بن عقيل عمرو بن عمرو فأسره
فأقبل الحارث بن الأبرص بن ربيعة بن عقيل في سرعان الخيل فرآه عمرو مقبلا فقال لقيس إن أدركني الحارث قتلني وفاتك ما تلتمس عندي فهل أنت محسن إلي وإلى نفسك تجز ناصيتي فتجعلها في كنانتك ولك العهد لأفين لك ففعل
وأدركهما الحارث وهو ينادي قيسا ويقول أقتل أقتل
فلحق عمرو بقومه
فلما كان الشهر الحرام خرج قيس إلى عمرو يستثيبه وتبعه الحارث بن الأبرص حتى قدما على عمرو بن عمرو فأمر عمرو بن عمرو ابنة أخية آمنة بنت زيد بن عمرو فقال اضربي على قيس الذي أنعم على عمك هذه القبة
وقد كان الحارث قتل أباها زيدا يوم جبلة
فجاءت بالقبة فرأت الحارث أهيأهما وأجملهما فظنته قيسا فضربت القبة على رأسه وهي تقول هذا والله رجل لم يطلع الدهر عليه بما اطلع به علي
فلما رجعت إلى عمها عمرو قال يابنة أخي على من ضربت القبة فنعتت له نعت الحارث
فقال ضربتها والله على رجل قتل أباك وأمر بقتل عمك
فجزعت مما قال لها عمها
فقال الحارث بن الأبرص
( أمَا تَدْرين يابنةَ آلِ زَيْدٍ ... أُمَيْنُ بما أجَنّ اليومَ صدري )
( فكم من فارسٍ لم تُرْزَئيه ... فَتَى الفتيانِ في عِيصٍ وقصر )
( رأيتُ مكانَه فصددتُ عنه ... فأعيا أمره وشددتُ أزري )
( لقد آمرتُه فعَصَى إمَارِي ... بأمِّ عزيمةٍ في جَنْبِ عمرو )
( أمرت به لتَخْمُشَ حَنَّتَاهُ ... فضيّع أمرَه قيسٌ وأمري )

الحنة الزوجة
يقال حنته وطلته
ثم إن عمرا قال يا حار مالذي جاء بك فوالله مالك عندي نعمة ولقد كنت سيء الرأي في قتلت أخي وأمرت بقتلي
فقال بل كففت عنك ولو شئت إذ أدركتك لقتلتك
قال ما لك عندي من يد ثم تذمم منه فأعطاه مائة من الإبل ثم انطلق فذهب الحارث
فلما جاء عمرا قيس أعطاه إبلا كثيرة فخرج قيس بها حتى إذا دنا من أهله سمع به الحارث بن الأبرص فخرج في فوارس من بني أبيه حتى عرض لقيس فأخذ ما كان معه
فلما أتى قيس بني أبيه بني المنتفق اجتمعوا إليه وأرادوا الخروج
فقال مهلا لا تقاتلوا إخوتكم فإنه يوشك أن يرجع وأن يؤول إلى الحق فإنه رجل حسود
فلما رأى الحارث أن قيسا قد كف عنه رد إليه ما أخذ منه
وأما عتيبة بن الحارث بن شهاب فإنه أسر يومئذ فقيد في القد وكان يبول على قده حتى عفن
فلما دخل الشهر الحرام هرب فأفلت منهم بغير فداء
وغنم مرداس بن أبي عامر غنائم وأخذ رجلا فأخذ منه مائة ناقة فانتزعها منه بنو أبي بكر بن كلاب فخرج مرداس إلى يزيد بن الصعق وكان له خليلا فانتهى إليه مرداس وهو يقول
( لعمرُك ما ترجو مَعَدٌّ ربيعَها ... رجائي يزيداً بل رجائي أكثرُ )
( يزيد بن عمرو خير مَنْ شَدّ ناقةً ... بأقتادها إذا الرياحُ تُصَرّصِرُ )
( تداعت بنو بكر عليّ كأنما ... تداعت عليّ بالأحِزَة بَرْبَرُ )

( تداعَوْا عليّ أن رأوني بخَلْوةٍ ... وأنتم بأحْدان الفَوارس أبصر )
ويروى بوحدان
فركب يزيد حتى أخذ الإبل من بني أبي بكر فردها إليه
فطرَقه البكريون فسقوه الخمر حتى سكر ثم سألوه الإبل فأعطاهم إياها
فلما أصبح ندم فخرج إلى يزيد فوجد الخبر قد جاءه
فقال له يزيد أصاح أنت أم سكران فانصرف فاطرد إبلا من إبل بني جعفر فذهب بها وأنشأ يقول
( أجُنَّ بلَيْلَى قلبُه أم تَذَكَّرَا ... منازلَ منها حول قُرَّى ومَحْضَرَا )
( تَخِرُّ الهِدَالُ فوق خَيْماتِ أَهْلها ... ويُرْسون حِسًّا بالعِقال مُؤَطَّراَ )
الحس الفرس الخفيفة
والمؤطر المعطوف
( سآبَى وأستغنِي كما قد أمرتَني ... وأصرِفُ عنك العُسْرَ لستُ بأفقرا )
( وإنّ سُلَيْماً والحجازُ مكانُها ... متى آتِهم أجِدْ لبيتيَ مَهْجَرا )
المهجر الموضع الصالح يقال هذا أهجر من هذا إذا كان أجود منه وأصلح
( يُفَرِّج عنِّي حَدُّهم وعَدِيدُهم ... وأُسْرِج لِبْدِي خارجيًّا مُصدَّرا )
( قَصَرْتُ عليه الحالبَيْنِ فَجَوْدُه ... إذا ما عدا بلّ الحِزامَ وأمطرا )

الحالبين الراعيين
يقول احتبستهما
( فخُذْ إبلاً إنّ العِتابَ كما ترى ... على خَذَمٍ ثم ارْمِ للنصر جعفرا )
( فإنّ بأكناف البِحار إلى المَلاَ ... وذي النَّخْل مَصْحًى إن صحَوْتَ ومَسْكُرا )
( وأرْعَى من الأظلاف أثْلاً وحَمْضةً ... وترعَى من الأطْواء أثْلاً وعَرعَرَاَ )
وانصرف يومئذ سنان بن أبي حارثة المري في بني ذبيان على حاميته فلحق بهم معاوية بن الصموت بن الكامل الكلابي وكان يسمى الأسد المجدع ومعه حرملة العكلي ونفر من الناس فلحق بسنان بن أبي حارثة ومالك بن حمار الفزاري في سبعين فارسا من بني ذبيان
فقال سنان يا مالك كر واحمنا ولك خولة بنت سنان ابنتي أزوجكها
فكر مالك فقتل معاوية ثم اتبعه حرملة العكلي وهو يقول
( لأيِّ يوم يَخْبَأ المرءُ السَّعَهْ ... مُوَدِّعٌ ولا تَرَى فيه الدَّعَهْ )
فكر عليه مالك فقتله ثم اتبعه رجل من بني كلاب فكر عليه مالك فقتله ثم اتبعه رجلان من قيس كبة من بجيلة فكر عليهما فقتلهما ومضى مالك وأصحابه
فقال مالك في ذلك

( ولقد صَدَدْتُ عن الغَنيمة حَرْمَلاً ... ولَقِيتُه لَدَداً وخيلي تَطْرُدُ )
( أقبلته صَدْرَ الأغَرِّ وصارماً ... ذَكَراً فخرّ على اليَدَينِ الأبعدُ )
( وابنَ الصموت تركتُ حين لَقِيتُه ... في صدر مارنةٍ يقوم ويقعد )
( وابنا ربيعةَ في الغُبَارِ كلاهما ... وابنَا غنِيٍّ عامرٌوالأسْوَدُ )
( حتى تنفّس بعد نَكْظٍ مُجْحَراً ... أذهبتُ عنه والفَرَائصُ تُرْعَدُ )
النكظ الجهد
قال
( يعدو ببَزِّي سابحٌ ذو مَيْعةٍ ... نَهْدُ المَرَاكلِ ذُو تَليلٍ أقود )
فخطب إليه مالك خولة فأبى أن يزوجه
وأما بنو جعفر فيزعمون أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر وجد سنان بن أبي حارثة وابنيه هرما ويزيد على غدير قد كاد العطش أن يهلكهم فجز نواصيهم وأعتقهم
ثم إن عروة أتى سنانا بعد ذلك يستثيبه ثوابا يرضاه فلم يثبه شيئا
فقال عروة في ذلك
( أَلاَ مَنْ مبلغٌ عنِّي سِنَاناً ... أَلوكاً لا أريد بها عِتَابَا )
( أفي الخَضْراءِ تَقْسِمُ هَجْمتَيْكم ... وعُرْوةُ لم يُثَبْ الا التُّرَابَا )

( فلو كان الجعافرُ طاوعوني ... غداةَ الشِّعْبِ لم نَذُق الشَّرَابا )
( أَتجْزي القَيْنَ نِعْمتَها عليكم ... ولا تَجْزِي بنعمتها كِلاَبَا )
وأما بنو عامر فيزعمون أن سنانا انصرف ذات يوم هو وناس من طيىء وغيرهم قبل الوقعة فبلغه أن بني عامر يقولون مننا عليه فأنشأ يقول
( والله ما مَنُّوا ولكن شِكَّتِي ... مَنَّتْ وحادرةُ المَنَاكِبِ صِلْدِمُ )
( بخرير شول يومَ يُدْعَى عامرٌ ... لا عاجزٌ وَرَعٌ ولا مستسلمُ )
وأما مارق فتدعي أسر سنان يومئذ على الثواب ثم أتوه فلم يصنع بهم خيرا
فقال معقر بن أوس بن حمار البارقي
( مَتَى تَكُ في ذُبْيانَ منك صنيعةٌ ... فلا تَحْمَدَنْها الدَّهْرَ بعد سِنَانِ )
( يَظَلّ يُمَنِّينا بحسن ثوابهِ ... لكم مائةٌ يحدو بها فَرَسان )
( مخاضٌ أُؤدِّيها وجلّ لقائح ... وأُكْرِمُ مثوى منكُم مَنَ اتاني )
( فجئناه للنُّعْمَى فكان ثوابَه ... رَغوثٌ ووَطْبَا حازرٍ مَذِقان )

( وظلّ ثلاثاً يسأل الحيّ ما يرى ... يُؤامرهم فينا له أمَلان )
( فإن كنتَ هذا الدهرَ لا بدّ شاكراً ... فلا تثقنْ بالشكر في غَطَفان )

تأريخ يوم جبلة وما قيل فيه من الشعر
قال وكان جبلة قبل الإسلام بتسع وخمسين سنة قبل مولد النبي بتسع عشرة سنة
وولد النبي عام الفيل ثم أوحى الله إليه بعد أربعين سنة وقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة وقدم عامر بن الطفيل في السنة التي قبض فيها قال وهو ابن ثمانين سنة
وقال المعقر بن أوس بن حمار البارقي حليف بني نمير بن عامر
( أمنْ آل شَعْثاءَ الخُمْولُ البواكرُ ... مع اللّيل أم زالتْ قُبَيْلُ الأباعرُ )
( وحلّت سُلَيْمَى في هضَابٍ وأيكةٍ ... فليس عليها يومَ ذلك قادر )
( وأتت عصاها واستقرّت بها النَّوَى ... كما قَرّ عيناً بالإياب المسافر )
( وصبّحها أملاكُها بكتيبةٍ ... عليها إذا أمستْ من الله ناظرُ )
( معاويةُ بنُ الجون ذُبْيانُ حولَه ... وحَسّانُ في جَمْع الرِّباب مُكَاثِرُ )
( فمرّوا بأطناب البيوت فردّهم ... رجالٌ بأطراف الرماح مساعرُ )
( وقد جمعوا جمعاً كأن زُهَاءَه ... جَرَادٌ هوَى في هَبْوةٍ متطايرُ )

( فباتوا لنا ضَيْفاً وبِتْنَا بنَعْمةٍ ... لنا مُسْمِعاتٌ بالدُّفوف وسامِرُ )
( ولم نَقْرِهم شيئاً ولكنّ قَصْدَهم ... صَبُوحٌ لدينا مَطْلَعَ الشَّمس حازرُ )
( صَبَحْناهُم عند الشُّروق كتائباً ... كأركان سَلْمَى شَبْرُها متواتر )
( كأنّ نَعَامَ الدَّو باضَ عليهمُ ... وأعْيُنُهم تحت الحبِيكِ جواحرُ )
الحبيك في البيض إحكام عملها وطرائقها
( من الضاربين الكَبْشَ يمشون مَقْدَماً ... إذا غَصّ بالريق القليلِ الحناجرُ )
( وظنّ سَراةُ القومِ ألاَّ يُقَتَّلوا ... إذا دُعِيَتْ بالسَّفْحِ عَبْسٌ وعامرُ )
( ضربنا حَبِيكَ البَيْض في غَمْر لُجَّةٍ ... فلم يَبْقَ في الناجين منهم مفاخرُ )
( ولم ينجُ إلاَّ مَنْ يكون طِمِرُّه ... يُوَائلُ أو نَهْدٌ مُلِحُّ مُثَابِرُ )
( هوَى زَهْدَمٌ تحت الغُبَار لحاجبٍ ... كما انقضّ أقنَى ذو جناحين ماهرُ )
( هما بطلان يَعْثُران كلاهما ... أراد رئاس السيف والسيف نادر )
( ولا فضلَ إلا أن يكون جَراءةٌ ... وذُبيانَ تسمو والرؤوسُ حواسرُ )
( ينوءُ وكفَّا زَهْدَمٍ من ورائه ... وقد عَلِقتْ ما بينهن الأظافرُ )

( يفرِّج عنّا كلَّ ثَغْرٍ نخافُه ... مِسَحٌّ كسِرْحان القَصيمةِ ضامرُ )
القصيمة من الرمل ما أنبتت الغضى والرمث
( وكلُّ طَمُوحٍ في العِنَانِ كأنّها ... إذا اغتمست في الماء فَتْخاءُ كاسرُ )
( لها ناهضٌ في المهد قد مَهَدْت لها ... كما مَهَدْت للبَعْلِ حسناءُ عاقرُ )
وبهذا البيت سمي معقرا واسمه سفيان بن أوس
وإنما خص العاقر لأنها أقل دلا على الزوج من الولود فهي تصنع له وتداريه
( تخاف نِساءً يبتدرنَ حليلَها ... مُحَرَّدةٌ قد حَرَّدَتْها الضراءُ )
وقال عامر بن الطفيل بعد ذلك بدهر
( ويومَ الْجَمعِ لاَقَيْنَا لَقِيطاً ... كَسَوْنَا رأسَه عَضْباً حُسَامَا )
( أسَرْنَا حاجباً فَثوَى بقدٍّ ... ولم نترك لنسوته سَوَامَا )
( وجَمْعُ الجَوْن إذ دَلَفُوا إلينا ... صَبَحْنَا جَمْعَهم جَيْشاً لُهَامَا )
وقال لبيد بن ربيعة في ذلك
( وهُمُ حُمَاةُ الشِّعْب يومَ تواكلتْ ... أسَدٌ وذُبْيَانُ الصَّفَا وتميمُ )
( فارتَثّ كَلْماهم عَشِيّةَ هَزْمِهم ... حَيٌّ بمُنْعَرَجِ المَسِيلِ مُقِيمُ )

تم اليوم والحمد لله

صوت
( أيجمُل ما يُؤْتَى إلى فتياتكم ... وأنتم رجالٌ فيكم عَدَدُ النّمْلِ )
( فلو أَننا كنا رجالاً وكنتُم ... نساءَ حِجَالِ لم نُقِرَّ بذا الفعلِ )
الشعر لعفيرة بنت عفار وقيل بنت عباد الجديسية التي يقال لها الشموس
والغناء لعريب خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر
وفيه لحن من الثقيل الأول قديم
سبب مقتل عمليق ملك طسم
أخبرني بهذا الشعر والسبب الذي من أجله قيل علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل أن عمليقا ملك طسم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وجديس بن لاوذ بن

إرم بن سام بن نوح عليه السلام وكانت منازلهم في موضع اليمامة كان في أول مملكته قد تمادى في الظلم والغشم والسيرة بغير الحق وأن أمرأة من جديس كان يقال لها هزيلة وكان لها زوج يقال له قرقس فطلقها وأراد أخذ ولدها منها فخاصمته الى عمليق فقالت يا أيها الملك إني حملته تسعا ووضعته دفعا وأرضعته شفعا حتى إذا تمت أوصاله ودنا فصاله أراد أن يأخذه مني كرها ويتركني من بعده ورها
فقال لزوجها ما حجتك قال حجتي أيها الملك أني قد أعطيتها المهر كاملا ولم أصب منها طائلا إلا وليدا خاملا فافعل ما كنت فاعلا
فأمر بالغلام أن ينزع منهما جميعا ويجعل في غلمانه وقال لهزيلة ابغيه ولدا ولا تنكحي أحدا واجزيه صفدا
فقالت هزيلة أما النكاح فإنما يكون بالمهر وأما السفاح فإنما يكون بالقهر وما لي فيهما من أمر
فلما سمع ذلك عمليق أمر بأن تباع هي وزوجها فيعطى زوجها خمس ثمنها وتعطى هزيلة عشر ثمن زوجها
فأنشأت تقول
( أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فأنفذ حكما في هزيلة ظالما )
( لَعَمْرِي لقد حُكِّمْتَ لا مُتَوَرِّعاً ... ولا كنتَ فيما تُبرم الحكم عالما )
( نَدِمتُ ولم أنْدَمْ وأنِّي بَعَثْرِتي ... وأصبح بعلي في الحكومة نادِما )
فلما سمع عمليق قولها أمر ألا تزوج بكر من جديس وتهدى الى زوجها حتى يفترعها هو قبل زوجها فلقوا من ذلك بلاء وجهدا وذلا
فلم يزل يفعل هذا حتى زوجت الشموس وهي عفيرة بنت عباد أخت الأسود الذي وقع الى

جبل طيىء فقتلته طيىء وسكنوا الجبل من بعده
فلما أرادوا حملها الى زوجها أنطلقوا بها الى عمليق لينالها قبله ومعها القيان يتغنين
( اِبدَيْ بِعِمْليقٍ وقُومِي فاركَبِي ... وبَادِرِي الصُّبْحَ لأمرٍ مُعْجِبِ )
( فسوف تَلقَيْنَ الذي لم تطلُبي ... وما لِبِكْرٍ عنده من مَهْرَبِ )

افترع عفيرة بنت عباد فحرضت قومها عليه
فلما أن دخلت عليه أفترعها وخلى سبيلها
فخرجت إلى قومها في دمائها شاقة درعها من قبل ومن دبر والدم يسيل وهي في أقبح منظر وهي تقول
( لا أحدٌ أذَلّ من جَدِيسِ ... أهكذا يُفْعَلُ بالعَرُوسِ )
( يرضَى بهذا يا لَقوْمِي حُرُّ ... أَهْدَى وقد أعطَى وسِيقَ المَهْرُ )
( لأخذةُ الموتِ كذا لنفسه ... خيرٌ مِنَ انْ يُفْعَلَ ذا بعِرْسِه )
وقالت تحرض قومها فيما أتي إليها
( أيَجْمُلُ ما يُؤْتَى الى فَتَيَاتكم ... وأنتم رجالٌ فيكم عَدَدُ النَّمْلِ )
( وتُصْبِحُ تمشِي في الدِّماء عَفِيرةٌ ... جِهاراً وزُفّتْ في النساء الى بعل )
( ولو أننا كنا رجالاً وكنتم ... نساءً لَكُنّا لا نُقِرّ بذا الفعل )
( فموتُوا كِراماً أو أميتوا عَدُوّكم ... ودِبّوا لنار الحرب بالحَطَبِ الجَزْل )
( وإلا فَخلُّوا بطنَها وتحمّلوا ... الى بَلَدٍ قَفْرٍ ومُوتوا من الهُزْلِ )

( فللبينُ خيرٌ من مُقَامٍ على أذًى ... ولَلْمَوْتُ خير من مُقَامٍ على الذُّلّ )
( وإن أنتمُ لم تغضَبوا بعدَ هذه ... فكونوا نساءً لا تُعاب من الكُحْلِ )
( ودونَكُم طِيبَ العروس فإنما ... خُلِقتم لأثواب العروس وللغِسْل )
( فبُعْداً وسُحْقاً للذي ليس دافعاً ... ويختال يمشي بيننا مِشْيةَ الفَحْل )
فلما سمع الأسود أخوها ذلك وكان سيدا مطاعا قال لقومه يا معشر جديس إن هؤلاء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم إلا بما كان من ملك صاحبهم علينا وعليهم ولولا عجزنا وإدهاننا ما كان له فضل علينا
ولو امتنعنا لكان لنا منه النصف
فأطيعوني فيما آمركم به فإنه عز الدهر وذهاب ذل العمر وأقبلوا رأيي
قال وقد أحمى جديسا ما سمعوا من قولها فقالوا نطيعك ولكن القوم أكثر وأحمى وأقوى
قال فإني أصنع للملك طعاما ثم أدعوهم له جميعا
فإذا جاؤوا يرفلون في الحلل ثرنا الى سيوفنا وهم غارون فأهمدناهم بها
قالوا نفعل
فصنع طعاما كثيرا وخرج به الى ظهر بلدهم ودعا عمليقا وسأله أن يتغدى عنده هو وأهل بيته فأجابه الى ذلك وخرج إليه مع أهله يرفلون في الحلى والحلل حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدوا أيديهم إلى الطعام أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم فشد الأسود على عمليق فقتله وكل رجل منهم على جليسه حتى أماتوهم
فلما فرغوا من الأشراف شدوا على السفلة فلم يدعوا منهم أحدا
فقال الأسود في ذلك

( ذُوِقي ببغيك يا طَسْمٌ مجلِّلةً ... فقد أتيتِ لَعَمْرِي أعجبَ العجبِ )
( إنّا أبينا فلم ننفكَ نقتُلهم ... والبَغْيُ هيّج منّا سَورةَ الغضب )
( ولن يعودَ علينا بغيُهم أبداً ... ولن يكونوا كذي أَنْفٍ ولا ذنب )
( وإن رَعَيْتم لنا قُرْبَى مُؤكَّدةً ... كنَّا الأقاربَ في الأرحام والنسب )
ثم إن بقية طسم لجأوا إلى حسان بن تبع فغزا جديسا فقتلها وأخرب بلادها
فهرب الأسود قاتل عمليق فأقام بجبلي طيىء قبل نزول طيىء إياهما
وكانت طيىء تسكن الجرف من أرض اليمن
وهو اليوم محلة مراد وهمدان وكان سيدهم يومئذ أمامة بن لؤي بن الغوث بن طيىء وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم وقد كان ينتابهم بعير في أزمان الخريف ولم يدر أين يذهب ولم يروه إلى قابل وكانت الأزد قد خرجت من اليمن أيام العرم فاستوحشت طيىء لذلك وقالت قد ظعن إخواننا فصاروا الى الأرياف
فلما هموا بالظعن قالوا لأسامة إن هذا البعير يأتينا من بلد ريف وخصب
وإنا لنرى في بعره النوى
فلو أننا نتعهده عند انصرافه فشخصنا معه لكنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا هذا
فأجمعوا أمرهم على ذلك
فلما كان الخريف جاء البعير فضرب في إبلهم فلما انصرف احتملوا واتبعوه يسيرون بسيره ويبيتون حيث يبيت حتى هبط على الجبلين
فقال أسامة بن لؤي
( اِجْعَلْ طَرِيباً كحبيبٍ يُنْسَى ... لكل قَوْمٍ مُصْبَحٌ ومُمْسَى )
قال وطريب اسم الموضع الذي كانوا ينزلون به
فهجمت طيىء على النخل في الشعاب وعلى مواش كثيرة وإذا هم برجل في شعب من تلك الشعاب وهو الأسود بن عباد فهالهم ما رأوا من عظم خلقه وتخوفوه وقد

نزلوا ناحية من الأرض واستبروها هل يرون بها أحدا غيره فلم يروا
فقال أسامة بن لؤي لابن له يقال له الغوث أي بني إن قومك قد عرفوا فضلك عليهم في الجلد والبأس والرمي فإن كفيتنا هذا الرجل سدت قومك آخر الدهر وكنت الذي أنزلتنا هذا البلد
فانطلق الغوث حتى أتى الرجل فكلمه وساءله
فعجب الأسود من صغر خلق الغوث فقال له من أين أقبلتم قال من اليمن وأخبره خبر البعير ومجيئهم معه وأنهم رهبوا ما رأوا من عظم خلقه وصغرهم عنه وشغلوه بالكلام فرماه الغوث بسهم فقتله وأقامت طيىء بالجبلين بعده فهم هنالك الى اليوم

صوت
( إذا قبّل الإنسانُ آخرَ يشتهي ... ثناياه لم يَحْرَجْ وكان له أجراً )
( فإن زاد زاد اللهُ في حَسَناته ... مثاقيلَ يمحو الله عنه بها وِزْرا )
الشعر لرجل من عذرة
والغناء لعريب ثقيل أول بالوسطى
عمر بن أبي ربيعة وصاحبه العذري
نسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن موسى بن حماد قال ذكر الرياشي قال قال حماد الراوية أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن أبي ربيعة فتذاكروا من العذريين فقال عمر بن أبي ربيعة كان لي صديق من عذرة يقال له الجعد بن مهجع وكان أحد بني سلامان وكان يلقى مثل الذي ألقى من الصبابة بالنساء والوجد بهن على أنه كان لا عاهر الخلوة ولا سريع السلوة

وكان يوافي الموسم في كل سنة فإذا راث عن وقته ترجمت عنه الأخبار وتوكفت له الأسفار حتى يقدم
فغمني ذات سنة إبطاؤه حتى قدم حجاج عذرة فأتيت القوم أنشد صاحبي وإذا غلام قد تنفس الصعداء ثم قال أعن أبي المسهر تسأل قلت عنه أسأل وإياه أردت
قال هيهات هيهات أصبح والله أبو المسهر لا مؤيسا فيهمل ولا مرجوا فيعلل أصبح والله كما قال القائل
( لَعَمْرُك ما حُبِّي لأسماء تاركي ... أعيشُ ولا أقضي به فأموت )
قال قلت وما الذي به قال مثل الذي بك من تهوركما في الضلال وجركما أذيال الخسار فكأنكما لم تسمعا بجنة ولا نار
قلت من أنت منه يا بن أخي قال أخوه
قلت أما والله يا بن أخي ما يمنعك أن تسلك مسلك أخيك من الأدب وأن تركب منه مركبه إلا أنك وأخاك كالبرد والبجاد لا ترقعه ولا يرقعك ثم صرفت وجه ناقتي وأنا أقول
( أرائحةٌ حُجَّاجُ عُذْرَةَ وِجْهةً ... ولَمَّا يَرُحْ في القوم جَعْدُ بنُ مِهْجَعِ )
( خليلانِ نشكو ما نُلاَقِي من الهوى ... متى ما يَقُلْ أسْمَعْ وإن قلتُ يَسمع )
( ألاَ ليت شعري أيُّ شيءٍ أصابه ... فلي زَفَراتٌ هِجْنَ ما بين أضلُعي )
( فلا يُبْعِدَنْكَ الله خِلاًّ فإنني ... سألقَى كما لاقيتَ في كلِّ مَصْرَعِ ... )
ثم انطلقتُ حتى وقفت موقفي من عرفات
فبينا أنا كذلك إذ أنا بإنسان

قد تغير لونه وساءت هيئته فأدنى ناقته من ناقتي حتى خالف بين أعناقهما ثم عانقني وبكى حتى اشتد بكاؤه
فقلت ما وراءك قال برح العذل وطول المطل ثم أنشأ يقول
( لئن كانت عُدَيَّةُ ذاتَ لُبٍّ ... لقد علمتْ بأنّ الحبّ داء )
( ألم تنظُرْ إلى تغيير جسمي ... وأنِّي لا يفارقُني البكاء )
( ولو أنِّي تكلّفتُ الذي بي ... لقَفَّ الكَلْمُ وانكشف الغطاء )
( فإنّ معاشري ورجال قومي ... حُتُوفُهم الصّبابةُ واللِّقاء )
( إذا العُذْرِيُّ مات خَليَّ ذَرْعٍ ... فذاك العبدُ يبكيه الرِّشاء )
فقلت يا أبا المسهر إنها ساعة تضرب إليها أكباد الإبل من شرق الأرض وغربها
فلو دعوت الله كنت قمنا أن تظفر بحاجتك وأن تنصر على عدوك
قال فتركني وأقبل على الدعاء
فلما نزلت الشمس للغروب وهم الناس أن يفيضوا سمعته يتكلم بشيء فأصغيت إليه فإذا هو يقول
( يا رَبَّ كلِّ غَدْوةٍ ورَوْحهْ ... من مُحْرِمٍ يشكو الضُّحَى ولَوْحَهْ )
( أنت حسيبُ الخَلْق يومَ الدَّوْحهْ ... )
عمر بن أبي ربيعة يسعى لزواج الجعد بن مهجع من عشيقته
فقلت له وما يوم الدوحة قال والله لأخبرنك ولو لم تسألني
فيممنا

نحو مزدلفة فأقبل علي وقال إني رجل ذو مال كثير من نعم وشاء وذو المال لا يصدره ولا يرويه الثماد
وقطر الغيث أرض كلب فانتجعت أخوالي منهم فأوسعوا لي عن صدر المجلس وسقوني جمة الماء وكنت فيهم في خير أخوال
ثم إني عزمت على موافقة إبلي بماء لهم يقال له الحوذان فركبت فرسي وسمطت خلفي شرابا كان أهداه إلي بعضهم ثم مضيت حتى إذا كنت بين الحي ومرعى النعم رفعت لي دوحة عظيمة فنزلت عن فرسي وشددته بغصن من أغصانها وجلست في ظلها
فبينا أناكذلك إذ سطع غبار من ناحية الحي ورفعت لي شخوص ثلاثة ثم تبينت فإذا فارس يطرد مسحلا وأتانا فتأملته فإذا عليه درع أصفر وعمامة خز سوداء وإذا فروع شعره تضرب خصريه فقلت غلام حديث عهد بعرس أعجلته لذة الصيد فترك ثوبه ولبس ثوب أمرأته
فما جاز علي إلا يسيرا حتى طعن المسحل وثنى طعنة للأتان فصرعهما وأقبل راجعا نحوي وهو يقول
( نَطْعُنُهم سُلْكَى ومخلوجةً ... كَرَّكَ لامَيْنِ على نابِل )
فقلت إنك قد تعبت وأتعبت فلو نزلت فثنى رجله فنزل فشد فرسه

حذف 176

بغصن من أغصان الشجرة وألقى رمحه وأقبل حتى جلس فجعل يحدثني حديثا ذكرت به قول أبي ذؤيب
( وإنّ حديثاً منكِ لو تَبْذُلِينَه ... جَنَى النَّحْلِ في ألبان عُوذٍ مَطَافلِ )
فقمت إلى فرسي فأصلحت من أمره ثم رجعت وقد حسر العمامة عن رأسه فإذا غلام كأن وجهه الدينار المنقوش
فقلت سبحانك اللهم ما أعظم قدرتك وأحسن صنعتك
فقال مم ذاك قلت مما راعني من جمالك وبهرني من نورك
قال وما الذي يروعك من حبيس التراب وأكيل الدواب ثم لا يدري أينعم بعد ذلك أم يبأس
قلت لا يصنع الله بك إلا خيرا
ثم تحدثنا ساعة فأقبل علي وقال ما هذا الذي أرى قد سمطت في سرجك قلت شراب أهداه إلي بعض أهلك فهل لك فيه من أرب قال أنت وذاك
فأتيته به فشرب منه وجعل ينكت أحيانا بالسوط على ثناياه فجعل والله يتبين لي ظل السوط فيهن
فقلت مهلا فإني خائف أن تكسرهن
فقال ولم قلت لأنهن رقاق وهن عذاب
قال ثم رفع عقيرته يتغنى
( إذا قبّل الإنسانُ آخر يشتهي ... ثناياه لَمْ يأثَمْ وكان له أجْراً )
( فإن زاد زاد الله في حَسَناته ... مثاقيلَ يمحو الله عنه بها الوِزْرَا )
ثم قام إلى فرسه فأصلح من أمره ثم رجع
قال فبرقت لي بارقة تحت الدرع فإذا ثدي كأنه حق عاج
فقلت نشدتك الله امرأة قالت إي والله إلا أني أكره العشير وأحب الغزل
ثم جلست فجعلت تشرب معي ما أفقد

من أنسها شيئا حتى نظرت إلى عينيها كأنهما عينا مهاة مذعورة
فوالله ماراعني إلا ميلها على الدوحة سكرى
فزين لي والله الغدر وحسن في عيني ثم إن الله عصمني منه فجلست حجرة منها
فما لبث إلا يسيرا حتى انتبهت فزعة فلاثت عمامتها برأسها وجالت في متن فرسها وقالت جزاك الله عن الصحبة خيرا
قلت أو ما تزودينني منك زادا فناولتني يدها فقبلتها فشممت والله منها ريح المسك المفتوت فذكرت قول الشاعر
( كأنها إذ تقضَّى النوم وانتبهت ... سَحَابةُ ما لها عينٌ ولا أثرُ )
قلت وأين الموعد قالت إن لي إخوة شرسا وأبا غيورا
ووالله لأن أسرك أحب إلي من أن أضرك ثم انصرفت
فجعلت أتبعها بصري حتى غابت
فهي والله يا بن أبي ربيعة أحلتني هذا المحل وأبلغتني
فقلت له يا أبا المسهر إن الغدر بك مع ما تذكر لمليح
فبكى واشتد بكاؤه
فقلت لاتبك فما قلت لك ما قلت إلا مازحا ولو لم أبلغ في حاجتك بمالي لسعيت في ذلك حتى أقدر عليه فقال لي خيرا فلما انقضى الموسم شددت على ناقتي وشد على ناقته ودعوت غلامي فشد على بعير له وحملت عليه قبة حمراء من أدم كانت لأبي ربيعة المخزومي وحملت معي ألف دينار ومطرف خز وانطلقنا حتى أتينا بلاد كلب فنشدنا عن أبي الجارية فوجدناه في نادي قومه وإذا هو سيد الحي وإذا الناس حوله فوقفت على القوم فسلمت فرد الشيخ السلام ثم قال من الرجل قلت عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة فقال المعروف غير المنكر فما الذي جاء بك قلت خاطبا
قال الكفء والرغبة
قلت إني لم آت ذلك لنفسي عن غير زهاده فيك ولا جهالة بشرفك ولكني أتيت في حاجة ابن أختكم العذري وها هو ذاك
فقال

والله إنه لكفيء الحسب رفيع البيت غير أن بناتي لم يقعن إلا في هذا الحي من قريش فوجمت لذلك وعرف التغير في وجهي فقال أما إني صانع بك ما لم أصنعه بغيرك
قلت وما ذاك فمثلي من شكر قال أخيرها فهي وما اختارت
قلت ما أنصفتني إذ تختار لغيري وتولي الخيار غيرك
فأشار إلي العذري أن دعه يخيرها
فأرسل إليها إن من الأمر كذا وكذا
فأرسلت إليه ما كنت لأستبد برأي دون القرشي فالخيار في قوله حكمه
فقال لي إنها قد ولتك أمرها فاقض ما أنت قاض
فحمدت الله عز و جل وأثنيت عليه وقلت اشهدوا أني قد زوجتها من الجعد بن مهجع وأصدقتها هذا الألف الدينار وجعلت تكرمتها العبد والبعير والقبة وكسوت الشيخ المطرف وسألته أن يبني بها عليه في ليلته
فأرسل إلى أمها فقالت أتخرج ابنتي كما تخرج الأمة فقال الشيخ هجري في جهازها فما برحت حتى ضربت القبة في وسط الحريم ثم أهديت إليه ليلا وبت أنا عند الشيخ
فلما أصبحت أتيت القبة فصحت بصاحبي فخرج إلي وقد أثر السرور فيه فقلت كيف كنت بعدي وكيف هي بعدك فقال لي أبدت لي والله كثيرا مما كانت أخفته عني يوم لقيتها
فسألتها عن ذلك فأنشأت تقول
( كتمتُ الهوى لما رأيتك جازعاً ... وقلتُ فتىً بعضَ الصديق يريد )
( وأنْ تَطْرَحَنّي أو تقولَ فُتَيَّةٌ ... يَضُرّ بها بَرْحُ الهوى فتعود )
( فورّيتُ عمّا بي وفي داخل الحَشَى ... من الوجد بَرْحٌ فاعْلَمَنّ شديدُ )
فقلت أقم على أهلك بارك الله لك فيهم وانطلقت وأنا أقول
( كفيتُ أخي العذريَّ ما كان نابَه ... وإني لأعباء النوائب حَمّال )
( أمَا استُحْسِنتْ منِّي المَكَارِمُ والعُلاَ ... إذا طُرِحتْ إنِّي لمالي بَذّال )

وقال العذري
( إذا ما أبو الخَطّاب خلّى مكانَه ... فَاُفٍّ لِدُنْيَا ليس من أهلها عُمَرْ )
( فلا حَيَّ فِتْيانُ الحجازين بعدَه ... ولا سُقِيتْ أرضُ الحجازين بالمطرْ )

صوت
( إنّ الخليطَ قَد ازْمَعوا تَرْكي ... فوقفتُ في عَرَصاتهم أبكي )
( جِنِّيَّةٌ بَرَزتْ لتقتُلَني ... مَطْلِيّةُ الأَصداغ بالمسك )
( عجباً لمثلكِ لا يكونُ له ... خَرْجُ العِراقِ ومِنْبَرُ الملكِ )
الشعر لابن قيس الرقيات يقوله في عائشة بنت طلحة والغناء لمعبد
ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر
والسبب في قول ابن قيس هذا الشعر فيها يذكر في أخبارها إن شاء الله تعالى

أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها
عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم
وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قال أبي قال مصعب
كانت فريدة بين نساء عصرها
كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد
فعاتبها مصعب في ذلك فقالت إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم فما كنت لأستره ووالله ما في وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد
وطالت مرادة مصعب إياها في ذلك وكانت شرسة الخلق
قال وكذلك نساء بني تيم هن أشرس خلق الله وأحظاه عند أزواجهن
وكانت عند الحسين بن علي صلوات الله عليهما أم إسحاق بنت طلحة فكان يقول والله لربما حملت ووضعت وهي مصارمة لي لا تكلمني
قال نالت عائشة من مصعب وقالت علي كظهر أمي وقعدت في

غرفة وهيأت فيها ما يصلحها
فجهد مصعب أن تكلمه فأبت
فبعث إليها ابن قيس الرقيات فسألها كلامه فقالت كيف بيميني فقال ها هنا الشعبي فقيه أهل العراق فاستفتيه
فدخل عليها فأخبرته فقال ليس هذا بشيء
فقالت أتحلني وتخرج خائبا فأمرت له بأربعة آلاف درهم
وقال ابن قيس الرقيات لما رآها
( جِنِّيَّةٌ بَرَزتْ لتقتلنا ... مَطْلِيَّةُ الأقراب بالمِسْك )
وذكر باقي الأبيات

هي وأشعب يتآمران على مصعب
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن إسحاق اليعقوبي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم قال
كان أشعب يألف مصعبا فغضبت عليه عائشة بنت طلحة يوما وكانت من أحب الناس إليه فشكا ذلك إلى أشعب
فقال ما لي إن رضيت قال حكمك
قال عشرة آلاف درهم
قال هي لك فانطلق حتى أتى عائشة فقال جعلت فداءك قد علمت حبي لك وميلي قديما وحديثا

إليك من غير منالة ولا فائدة
وهذه حاجة قد عرضت تقضين بها حقي وترتهنين بها شكري
قالت وما عناك قال قد جعل لي الأمير عشرة آلاف درهم إن رضيت عنه
قالت ويحك لا يمكنني ذلك
قال بأبي أنت فارضي عنه حتى يعطيني ثم عودي الى ما عودك الله من سوء الخلق
فضحكت منه ورضيت عن مصعب
وقد ذكر المدائني أن هذه القصة كانت لها مع عمر بن عبيد الله بن معمر وأن الرسول إليها والمخاطب لها بهذه المخاطبة ابن أبي عتيق
وأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قال أبي حدثت عن صالح بن حسان قال
كان بالمدينة امرأة حسناء تسمى عزة الميلاء يألفها الأشراف وغيرهم من أهل المروءات وكانت من أظرف الناس وأعلمهم بأمور النساء
فأتاها مصعب بن الزبير وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن العاص فقالوا إنا خطبنا فانظري لنا فقالت لمصعب يا بن أبي عبد الله ومن خطبت فقال عائشة بنت طلحة
فقالت فأنت يا بن أبي أحيحة قال عائشة بنت عثمان
قالت فأنت يابن الصديق قال أم القاسم بنت زكريا بن طلحة
قالت يا جارية هاتي منقلي تعني خفيها فلبستهما وخرجت ومعها خادم لها فإذا هي بجماعة يزحم بعضهم بعضا فقالت يا جارية انظري ما هذا
فنظرت ثم رجعت فقالت امرأة أخذت مع رجل
فقالت داء قديم امض ويلك
فبدأت بعائشة بنت طلحة فقالت فديتك كنا في مأدبة أو مأتم لقريش فتذاكروا جمال النساء وخلقهن فذكروك فلم أدر كيف أصفك فديتك
فألقي ثيابك ففعلت فأقبلت وأدبرت فارتج كل شيء منها
فقالت لها عزة خذي ثوبك فديتك
فقالت عائشة قد قضيت

حاجتك وبقيت حاجتي
قالت عزة وما هي بنفسي أنت قالت تغنيني صوتا
فاندفعت تغني لحنها

صوت
( خَليليَ عُوجَا بالمَحَلّة من جُمْلِ ... وأترابِها بين الأُصَيْفِرِ والخبلِ )
( نَقفْ بمغانٍ قد محا رسمَها البِلَى ... تَعَاقَبُها الأيّام بالريح والوبْل )
( فلو دَرج النملُ الصِّغارُ بجلدها ... لأندَبَ أعلَى جِلْدِها مَدْرَجُ النملِ )
( وأحسنُ خلق الله جيداً ومقلةً ... تُشَبَّه في النسوان بالشادن الطَّفْل )
الشعر لجميل بن عبد الله بن معمر العذري
والغناء لعزة الميلاء ثقيل أول بالوسطى فقامت عائشة فقبلت ما بين عينيها ودعت لها بعشرة أثواب وبطرائف من أنواع الفضة وغير ذلك فدفعته الى مولاتها فحملته
وأتت النسوة على مثل ذلك تقول ذلك لهن حتى أتت القوم في السقيفة
فقالوا ما صنعت فقالت يابن أبي عبد الله أما عائشة فلا والله إن رأيت مثلها مقبلة ومدبرة محطوطة المتنين عظيمة العجيزة ممتلئة الترائب نقية الثغر وصفحة الوجه فرعاء الشعر لفاء الفخذين ممتلئة الصدر

خميصة البطن ذات عكن ضخمة السرة مسرولة الساق يرتج مابين أعلاها الى قدميها وفيها عيبان أما أحدهما فيواريه الخمار وأما الآخر فيواريه الخف عظم القدم والأذن
وكانت عائشة كذلك
ثم قالت عزة وأما أنت يا بن أبي أحيحة فإني والله ما رأيت مثل خلق عائشة بنت عثمان لامرأة قط ليس فيها عيب
والله لكأنما أفرغت إفراغا ولكن في الوجه ردة وإن استشرتني أشرت عليك بوجه تستأنس به
وأما أنت يابن الصديق فوالله ما رأيت مثل أم القاسم كأنها خوط بانة تنثني وكأنها جدل عنان أو كأنها جان يتثنى على رمل لو شئت أن تعقد أطرافها لفعلت
ولكنها شختة الصدر وأنت عريض الصدر فإذا كان ذلك كان قبيحا لا والله حتى يملأ كل شيء مثله
قال فوصلها الرجال والنساء وتزوجوهن
أخبرني الطوسي وحرمي عن الزبير عن عمه وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الزبيري والمدائني ونسخت بعض هذه الأخبار من كتاب أحمد بن الحارث عن المدائني وجمعت ذلك قالوا جميعا
إن أم عائشة بنت طلحة أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الخزرج بن الحارث
قالوا وكانت عائشة بنت طلحة تشبه بعائشة أم المؤمنين خالتها
فزوجتها عائشة عبد الله بن عبد

الرحمن بن أبي بكر وهو ابن أخيها وابن خال عائشة بنت طلحة وهو أبو عذرها فلم تلد من أحد من أزواجها سواه ولدت له عمران وبه كانت تكنى وعبد الرحمن وأبا بكر وطلحة ونفيسة وتزوجها الوليد بن عبد الملك ولكل هؤلاء عقب
وكان ابنها طلحة من أجواد قريش وله يقول الحزين الديلي
( فإنْ تك يا طَلْحَ أعطيتَني ... عُذافِرةً تَسْتخِفّ الضِّفارا )
( فما كان نَفْعُك لي مَرّةً ... ولا مَرّتين ولكن مِرارا )
( أبوك الذي صدّق المصطفى ... وسار مع المصطفى حيث سارا )
( وأُمُّك بيضاء تَيْمِيّةٌ ... إذا نُسِب الناسُ كانوا نُضَارا )
قال فصارمت عائشة بنت طلحة زوجها وخرجت من دارها غضبى فمرت في المسجد وعليها ملحفة تريد عائشة أم المؤمنين فرآها أبو هريرة فقال سبحان الله كأنها من الحور العين
فمكثت عند عائشة أربعة أشهر
وكان زوجها قد آلى منها فأرسلت عائشة إني أخاف عليك الإيلاء فضمها إليه
وكان موليا منها فقيل له طلقها فقال
( يقولون طَلِّقْها لأُصبحَ ثاوياً ... مُقيماً عليّ الهمُّ أحلامُ نائِم )
( وإنّ فِرَاقي أهلَ بَيْتٍ أُحِبُّهم ... لهم زُلفةٌ عندي لإَحدى العظائم )

زواجها من مصعب بن الزبير
فتوفي عبد الله بعد ذلك وهي عنده فما فتحت فاها عليه وكانت عائشة أم المؤمنين تعدد عليها هذا في ذنوبها التي تعددها
ثم تزوجها بعده مصعب بن الزبير فأمهرها خمسمائة ألف درهم وأهدى لها مثل ذلك
وبلغ ذلك أخاه فقال إن مصعبا قدم أيره وأخر خيره
فبلغ ذلك من قوله عبد الملك بن مروان فقال لكنه أخر أيره وخيره
وكتب ابن الزبير إلى مصعب يؤنبه على ذلك ويقسم عليه أن يلحق به بمكة ولا ينزل المدينة ولا ينزل إلا بالبيداء وقال له إني لأرجو أن تكون الذي يخسف به بالبيداء فما أمرتك بنزولها إلا لهذا
وصار إليه وأرضاه من نفسه فأمسك عنه
قال وحدثني المدائني عن سحيم بن حفص قال
كان مصعب بن الزبير لا يقدر عليها إلا بتلاح ينالها منه وبضربها
فشكا ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه
فقال له أنا أكفيك هذا إن أذنت لي
قال نعم افعل ما شئت فإنها أفضل شيء نلته من الدنيا
فأتاها ليلا ومعه أسودان فاستأذن عليها
فقالت له أفي مثل هذه الساعة قال نعم
فأدخلته
فقال للأسودان احفرا هاهنا بئرا
فقالت له جاريتها وما تصنع بالبئر قال شؤم مولاتك أمرني هذا الفاجر أن أدفنها حية وهو أسفك خلق الله لدم حرام
فقالت عائشة فأنظرني أذهب إليه
قال هيهات لاسبيل إلى ذلك وقال للأسودين احفرا
فلما رأت الجد منه بكت ثم قالت يابن أبي فروة إنك لقاتلي ما منه بد قال نعم وإني لأعلم أن الله سيجزيه بعدك ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب
قالت وفي أي شيء غضبه
قال في امتناعك عنه وقد ظن أنك تبغضينه وتتطلعين إلى غيره فقد جن
فقالت أنشدك الله إلا عاودته
قال إني أخاف أن يقتلني
فبكت وبكى جواريها
فقال قد

رققت لك وحلف أنه يغرر بنفسه ثم قال لها فما أقول قالت تضمن عني ألا أعود أبدا
قال فما لي عندك قالت قيام بحقك ما عشت
قال فأعطيني المواثيق فأعطته
فقال للأسودين مكانكما وأتى مصعبا فأخبره
فقال له استوثق منها بالأيمان ففعلت وصلحت بعد ذلك لمصعب

بعض اخبارها مع مصعب
قال ودخل عليها مصعب يوما وهي نائمة متصبحة ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار فأنبهها ونثر اللؤلؤ في حجرها
فقالت له نومتي كانت الي من هذا اللؤلؤ
قال وصارمت مصعبا مرة فطالت مصارمتها له وشق ذلك عليها وعليه وكانت لمصعب حرب فخرج إليها ثم عاد وقد ظفر فشكت عائشة مصارمته إلى مولاة لها
فقالت الآن يصلح أن تخرجي إليه
فخرجت فهنأته بالفتح وجعلت تمسح التراب عن وجهه
فقال لها مصعب إني أشفق عليك من رائحة الخديد
فقالت لهو والله عندي أطيب من ريح المسك الأذفر
أخبرني ابن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسعر قال
كان مصعب من أشد الناس إعجابا بعائشة بنت طلحة ولم يكن لها شبه في زمانها حسنا ودماثة وجمالا وهيئة ومتانة وعفة وإنها دعت يوما نسوة من قريش فلما جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد فيه الريحان والفواكه والطيب و المجمر وخلعت على كل امرأة منهن خلعة تامة من الوشي والخز ونحوهما ودعت عزة الميلاء ففعلت بها مثل ذلك وأضعفت ثم قالت لعزة

هاتي يا عزة فغنينا فغنتهن في شعر امرىء القيس
( وثَغْرٍ أغَرَّ شَتِيتِ النباتِ ... لذيذِ المُقَبَّلِ والمُبْتَسَمْ )
( وما ذقتُه غيرَ ظَنٍّ به ... وبالظن يقضِي عليك الحَكَمْ )
وكان مصعب قريبا منهن ومعه إخوان له فقام فانتقل حتى دنا منهن والستور مسبلة فصاح يا هذه إنا قد ذقناه فوجدناه على ما وصفت فبارك الله فيك يا عزة ثم أرسل إلى عائشة أما أنت فلا سبيل لنا إليك مع من عندك وأما عزة فتأذنين لها أن تغنينا هذا الصوت ثم تعود إليك ففعلت
وخرجت عزة إليه فغنته هذا الصوت مرارا وكاد مصعب أن يذهب عقله فرحا
ثم قال لها يا عزة إنك لتحسنين القول والوصف وأمرها بالعود إلى مجلسها وتحدث ساعة مع القوم ثم تفرقوا
وقال المدائني وذكره القحذمي أيضا في خبره فلما قتل مصعب عن عائشة خطبها بشر بن مروان وقدم عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي من الشام فنزل الكوفة فبلغه أن بشر بن مروان خطبها فأرسل إليها جارية لها وقال قولي لابنة عمي يقرئك السلام ابن عمك ويقول لك أنا خير من هذا المبسور المطحول وأنا ابن عمك وأحق بك وإن تزوجت بك ملأت بيتك خيرا وحرك أيرا
فتزوجته فبنى بها بالحيرة ومهدت له سبعة أفرشة عرضها أربع أذرع فأصبح ليلة بنى بها عن تسع
قال فلقيته مولاة لها فقالت أبا حفص فديتك قد كملت في كل شيء حتى في هذا
وقال مصعب في خبره إن بشرا بعث إليها عمر بن عبيد الله بن معمر يخطبها عليه فقالت له يا مصارع قلة أما وجد بشر رسولا الى ابنة عمك

غيرك فأين بك عن نفسك قال أو تفعلين قالت نعم فتزوجها
وقال مصعب الزبيري في خبره لما بنى بها عمر قال لها لأقتلنك الليلة فلم يصنع إلا واحدة
فقالت له لما أصبح قم يا قتال
قال وقالت له حينئذ
( قد رأيناك فلم تَحْلُ لنا ... وبلوناك فلم نرض الخبر )
وهذه الحكاية تحامل من مصعب الزبيري وعصبية
والخبر في رضاها عنه والحكاية في هذا غير ما حكاه وهو ما سبق

زواجها من عمر بن عبيد الله
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد عن القحذمي أن عمر بن عبيد الله لما قدم الكوفة تزوج عائشة بنت طلحة فحمل اليها ألف ألف درهم خمسمائة ألف درهم مهرا وخمسمائة ألف هدية وقال لمولاتها لك علي ألف دينار إن دخلت بها الليلة
وأمر بالمال فحمل فألقي في الدار وغطي بالثياب
وخرجت عائشة فقالت لمولاتها أهذا فرش أم ثياب قالت انظري إليه فنظرت فإذا مال فتبسمت فقالت أجزاء من حمل هذا أن يبيت عزبا قالت لا والله ولكن لايجوز دخوله إلا بعد أن أتزين له وأستعد
قالت فيم ذا فوجهك والله أحسن من كل زينة وما تمدين يدك الى طيب أو ثوب أو مال أو فرش إلا وهو عندك
وقد عزمت عليك أن تأذني له
قالت افعلي
فذهبت إليه فقالت له بت بنا الليلة
فجاءهم عند العشاء الآخرة فأدني إليه طعام فأكل الطعام كله حتى أعرى الخوان وغسل يده وسأل عن المتوضأ فأخبرته فتوضأ وقام يصلي حتى ضاق صدري ونمت ثم قال أعليكم إذن قلت نعم
فادخل فأدخلته وأسبلت الستر

عليهما
فعددت له في بقية الليل على قلتها سبع عشرة مرة دخل المتوضأ فيها
فلما أصبحنا وقفت على رأسه فقال أتقولين شيئا قلت نعم والله ما رأيت مثلك أكلت أكل سبعة وصليت صلاة سبعة ونكت نيك سبعة
فضحك وضرب يده بيده على منكب عائشة فضحكت وغطت وجهها وقالت
( قد رأيناك فلم تحلُ لنا ... وبلوناك فلم نرضَ الخبر )
ويدل أيضا على بطلان خبره أنه لما مات ندبته قائمة ولم تندب أحدا من أزواجها إلا جالسة
فقيل لها في ذلك فقالت إنه كان أكرمهم علي وأمسهم رحما بي وأردت ألا أتزوج بعده
وكانت ندبة المرأة زوجها قائمة مما تفعله من لا تريد أن تتزوج بعد زوجها
أخبرني بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن زهير بن حرب عن محمد بن سلام
وهذا دليل على خلاف ما ذكره مصعب
ثم رجع الخبر إلى سياقة خبرها
قال المدائني في خبره قالت أمرأة كنت عند عائشة بنت طلحة فقيل لها قد جاء الأمير فتنحيت ودخل عمر بن عبيد الله وكنت بحيث أسمع كلامهما فوقع عليها فجاءت بالعجائب ثم خرج فقلت لها أنت في نفسك وموضعك وشرفك تفعلين هذا فقالت إنا نتشهى لهذه الفحول بكل ما حركها وكل ما قدرنا عليه
قال المدائني وحدثني مسلمة بن محارب قال
قالت رملة بنت عبد الله بن خلف وكانت تحت عمر بن عبيد الله بن معمر وقد ولدت منه ابنه طلحة الجود لمولاة لعائشة بنت طلحة أريني عائشة متجردة ولك ألفا درهم
فأخبرت عائشة بذلك
قالت فإني أتجرد فأعلميها ولا تعرفيها أني أعلم
فقامت عائشة كأنها تغتسل وأعلمتها فأشرفت عليها مقبلة ومدبرة فأعطت رملة مولاتها ألفي درهم وقالت لوددت أني

أعطيتك أربعة آلاف درهم ولم أرها
قال وكانت رملة قد أسنت وكانت حسنة الجسم قبيحة الوجه عظيمة الأنف
وفيها وفي عائشة يقول الشاعر
( انْعَمْ بعائشَ عَيْشاً غير ذي رَنَقِ ... وانبِذْ برملةَ نَبْذَ الجَوْرَبِ الخَلَقِ )
ويقال إن رملة قد أسنت عند عمر بن عبيد الله فكانت تجتنبه في أيام أقرائها ثم تغتسل تريه أنها تحيض وذلك بعد انقطاع حيضها
فقال في ذلك بعض الشعراء
( جعل الله كلَّ قَطْرةِ حَيْضٍ ... قَطَرتْ منكِ في حَمَاليقِ عيني )
أخبرنا بذلك الجوهري عن عمر بن شبة
وذكر هارون بن الزيات عن أبي محلم عن أبي بكر بن عياش قال
قال عمر بن عبيد الله لعائشة بنت طلحة وقد أصاب منها طيب نفس ما مر بي مثل يوم أبي فديك
فقالت له اعدد أيامك واذكر أفضلها فعد يوم سجستان ويوم قطري بفارس ونحو ذلك
فقالت عائشة
قد تركت يوما

لم تكن في أيامك أشجع منك فيه
قال وأي يوم قالت يوم أرخت عليها وعليك رملة الستر
تريد قبح وجهها
قال فمكثت عائشة عند عمر بن عبيد الله بن معمر ثماني سنين ثم مات عنها في سنة اثنتين وثمانين فتأيمت بعده فخطبها جماعة فردتهم ولم تتزوج بعده أحدا
قال المدائني كان عمر بن عبيد الله من أشد الناس غيرة فدخل يوما على عائشة وقد ناله حر شديد وغبار فقال لها انفضي التراب عني
فأخذت منديلا تنفض به عنه التراب ثم قالت له ما رأيت الغبار على وجه أحد قط كان أحسن منه على وجه مصعب قال فكاد عمر يموت غيظا
وقال أحمد بن حماد بن جميل حدثني القحذمي قال
كانت عائشة بنت طلحة من أشد الناس مغايظة لأزواجها وكانت تكون لمن يجيء يحدثها في رقيق الثياب فإذا قالوا قد جاء الأمير ضمت عليها مطرنها وقطبت
وكانت كثيرا ما تصف لعمر بن عبيد الله مصعبا وجماله تغيظه بذلك فيكاد يموت
وقال المدائني حدثني مسلمة بن محارب وعبيد الله بن فائد وأخبرنا به حرمي عن الزبير عن عمه ومحمد بن الضحاك قالوا
دخلت عائشة بنت طلحة على الوليد بن عبد الملك وهو بمكة فقالت يا أمير المؤمنين مر لي بأعوان
فضم إليها قوما يكونون معها فحجت ومعها

ستون بغلا عليها الهوادج والرحائل
فعرض لها عروة بن الزبير فقال
( عائشُ يا ذاتَ البغالِ الستِّينْ ... أكُلَّ عامٍ هكذا تَحُجِّينْ )
فأرسلت إليه نعم يا عرية فتقدم إن شئت فكف عنها ولم تتزوج حتى ماتت

حجت مع سكينة بنت الحسين
وقال غير المدائني إن عائشة بنت طلحة حجت وسكينة بنت الحسين عليهما السلام معا وكانت عائشة أحسن آلة وثقلا
فقال حاديها
( عائش يا ذات البغال الستِّين ... لا زِلْتِ ما عِشْتِ كذا تَحُجِّين )
فشق ذلك على سكينة ونزل حاديها فقال
( عائش هذي ضَرَّةٌ تشكوك ... لولا أبوها ما اهتدى أبوك )
فأمرت عائشة حاديها أن يكف فكف
وقال إسحاق بن إبراهيم في خبره حدثني محمد بن سلام عن يزيد بن عياض قال

استأذنت عاتكة بنت يزيد بن معاوية عبد الملك في الحج فأذن لها وقال ارفعي حوائجك واستظهري فإن عائشة بنت طلحة تحج ففعلت فجاءت بهيئة جهدت فيها
فلما كانت بين مكة والمدينة إذا موكب قد جاء فضغطها وفرق جماعتها
فقالت أرى هذه عائشة بنت طلحة فسألت عنها فقالوا هذه خازنتها
ثم جاء موكب آخر أعظم من ذلك فقالوا عائشة عائشة فضغطهم فسألت عنه فقالوا هذه ماشطتها
ثم جاءت مواكب على هذا الى سننها ثم أقبلت كوكبة فيها ثلثمائة راحلة عليها القباب والهوادج
فقالت عاتكة ماعند الله خير وأبقى
وقال هارون بن الزيات حدثني قبيصة عن ابن عائشة عن أمه عن سلامة مولاة جدته أثيلة بنت المغيرة بن عبد الله بن معمر قالت
زرت مع مولاتي خالتها عائشة بنت طلحة وأنا يومئذ وصيفة فرأيت عجيزتها من خلفها وهي جالسة كأنها غيرها فوضعت أصبعي عليها لأعلم ما هي فلما وجدت مس أصبعي قالت ما هذا قلت جعلت فداءك لم أدر ماهو فجئت لأنظر
فضحكت وقالت ما أكثر من يعجب مما عجبت منه
وزعم بكر بن عبد الله بن عاصم مولى عرينة عن أبيه عن جده أن عائشة نازعت زوجها إلى أبي هريرة فوقع خمارها عن وجهها فقال أبو هريرة سبحان الله ما أحسن ما غذاك أهلك لكأنما خرجت من الجنة

قال ابن عائشة وحدثني أبي أن عائشة بنت طلحة وفدت على هشام فقال لها ما أوفدك قالت حبست السماء المطر ومنع السلطان الحق
قال فإني أبل رحمك وأعرف حقك ثم بعث إلى مشايخ بني أمية فقال إن عائشة عندي فاسمروا عندي الليلة فحضروا فما تذاكروا شيئا من أخبار العرب وأشعارها وأيامها إلا أفاضت معهم فيه وما طلع نجم ولا غار إلا سمته
فقال لها هشام أما الأول فلا أنكره وأما النجوم فمن أين لك قالت أخذتها عن خالتي عائشة
فأمر لها بمائة ألف درهم وردها إلى المدينة

خبرها مع النميري الشاعر
أخبرني عمي عن الكراني عن المغيرة بن محمد المهلبي عن محمد بن عبد الوهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله قال حدثني ابن عمران البزازي قال
لما تأيمت عائشة بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة وبالمدينة سنة تخرج إلى مال لها بالطائف عظيم وقصر لها فتتنزه وتجلس فيه بالعشيات فتناضل بين الرماة
فمر بها النميري الشاعر فسألت عنه فنسب لها فقالت ائتوني به
فقالت له لما أتوها به أنشدني مما قلت في زينب فامتنع وقال ابنة عمي وقد صارت عظاما بالية
قالت أقسمت لما فعلت
فأنشدها قوله
( نزلنَ بفَخٍِّ ثم رُحْنَ عشيّةً ... يُلَبِّين للرحمن مُعْتَمِرات )

( يخبِّئن أطرافَ الأكُفِّ من التّقَى ... ويخرجن شَطْرَ الليل مُعتجرات )
( ولمّا رأت رَكْبَ النميريّ أعرضتْ ... وكُنَّ مِنَ انْ يَلْقَيْنَه حَذِرات )
( تضوّع مِسكاً بطنُ نَعْمَانَ أن مَشَتْ ... به زينبٌ في نِسوة خَفِرات )
فقالت والله ما قلت إلا جميلا ولا وصفت إلا كرما وطيبا وتقى ودينا أعطوه ألف درهم
فلما كانت الجمعة الأخرى تعرض لها فقالت علي به فجاء
فقالت أنشدني من شعرك في زينب
فقال أو أنشدك من قول الحارث فيك فوثب مواليها فقالت دعوه فإنه أراد أن يستقيد لابنة عمه هات فأنشدها
( ظعَن الأميرُ بأحسنِ الخَلْقِ ... وغَدَوْا بُلبِّكَ مَطْلَعَ الّشَّرْق )
( وتَنُوْءُ تُثْقِلُها عَجيزتُها ... نَهْضَ الضعيفِ ينوء بالوَسْقِ )
( ما صَبَّحتْ زوجاً بطَلعتها ... إلاّ غَدَا بكواكب الطَّلْقِ )
( قُرَشيَّةٌ عَبِقَ العبيرُ بها ... عَبَقَ الِّرهانِ بجانب الحُقِّ )
( بيضاءُ من تيم كَلِفْتُ بها ... هذا الجنون وليس بالعشق )
قالت والله ما ذكر إلا جميلا ذكر أني إذا صبحت زوجا بوجهي غدا بكواكب الطلق وأني غدوت مع أمير تزوجني إلى الشرق
أعطوه ألف درهم واكسوه حلتين ولا تعد لإتياننا يا نميري

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن محمد بن سلام
أن عبد الملك ولى الحارث بن خالد على مكة
فأذن المؤذن وخرج للصلاة فأرسلت اليه عائشة بنت طلحة قد بقي من طوافي شيء لم آته وكان يتعشقها فأمر المؤذن فكف عن الإقامة ففرغت من طوافها
وبلغ ذلك عبد الملك فعزله فقال ما أهون والله غضبه وعزله إياي علي عند رضاها عني
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال
قال سلم بن قتيبة رأيت عائشة بنت طلحة بمنى أو مسجد الخيف فسألتني من أنت قلت سلم بن قتيبة
فقالت رحم الله مصعبا ثم ذهبت تقوم ومعها امرأتان تنهضانها فأعجزتها أليتاها من عظمهما فقالت إني بكما لمعناة فذكرت قول الحارث
( وتنوء تُثْقِلُها عَجِيزَتُها ... نَهْضَ الضعيفِ ينوء بالوَسْقِ )
وروى هذا الخبر هارون بن الزيات عن جعفر بن محمد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو عمرو بن خلاد عن المدائني قال
قال أبو هريرة لعائشة بنت طلحة ما رأيت شيئا أحسن منك إلا معاوية أول يوم خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت والله لأنا أحسن من النار في الليلة القرة في عين المقرور

رفضت الزواج من أبان بن سعيد
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة قال

كتب أبان بن سعيد إلى أخيه يحيى يخطب عليه عائشة بنت طلحة ففعل
فقالت ليحيى ما أنزل أخاك أيلة قال أراد العزلة
قالت اكتب إلى أخيك
( حَلَلْتَ مَحَلَّ الضَّبِّ لاأنتَ ضائرٌ ... عدوّاً ولا مستنفَعٌ بك نافعُ )

صوت
( إذا المالُ لم يُوجِبْ عليك عطاءَه ... صنيعة تَقْوَى أو صديقٌ تُوَامِقُهْ )
( مَنَعْتَ وبعضُ المَنْعِ حَزْمٌ وقُوةٌ ... فلمَ يَفْتَلِتْك المالَ إلاّ حقائقُهْ )
عروضه من الطويل
توامقه تفاعله من الموامقة أي توده ويودك يقال ومقته أمقه أي أحببته
ويفتلتك أي يخرجه من يدك وقبضتك
الشعر لكثير
والغناء لمالك بن أبي السمح ويقال إنه للهذلي خفيف ثقيل أول بالبنصر
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا طلحة بن عبد الله قال حدثني أبو معمر عافية بن شيبة قال حدثني العتبي قال

أفلس صيرفي بالمدينة فخرج قوم يسألون له فمروا بابن عمران الطلحي وفتح بابه واجتمع له أصحابه فسألوه فقرع بمخصرته ثم رفع رأسه اليهم فقال
( إذا المالُ لم يُوجِبْ عليكَ عطاءَه ... صنيعةُ تَقْوَى أو صَدِيقٌ تُوَامِقُه )
( بَخِلتَ وبعضُ البُخْلِ حَزْمٌ وقوةٌ ... فلَمَّ يفتَلْتكَ المالَ إلاّ حقائقه )
إنا والله ما نحيد عن الحق ولانتدفق في الباطل وإن لنا لحقوقا تشغل فضول أموالنا وما كل من أفلس من صيارفة المدينة قدرنا أن نجبره قوموا قال فقمنا نستبق الباب
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو مسلمة المديني قال أخبرني أبي قال
كان رجل من الأنصار من بني حارثة مملقا ليس في ديوان ولاعطاء وكان صديقا لإبراهيم بن هشام بن إسماعيل
فقال له يوما إن أمير المؤمنين مسابق عدا بين الخيل وقد أمرت الحرس ألا يعرضوا لك حتى تكلمه
قال فسبق هشاما يومئذ ابن له وكان السبق يشتد عليه
فعرض له الأنصاري فقال يا أمير المؤمنين أنا امرؤ من الأنصار وقد بلغت هذه السن ولسن في ديوان
فإن رأى أمير المؤمنين أن يفرض لي فعل
قال فأقبل عليه هشام فقال والله لا أفرض لك حتى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة ثم أقبل على الأبرش فقال يا أبرش أخطأ أخو الأنصار المسألة
فقال يا أمير المؤمنين ابن أبي جمعة يقول

( إذا المالُ لم يُوجِبْ عليك عطاءَه ... صنيعةُ تَقْوَى أو خليلٌ توامقه )

شعر لعمرو بن شائس
( منعتَ وبعض المنع حزمٌ وقوّة ... فلم يفتلتك المالَ إلاّ حقائقُه )
صوت
( فوانَدَمي على الشبابِ ووانَدَمْ ... نَدِمتُ وبان اليومَ منِّي بغير ذَمّْ )
( وإذ إخوتي حولي وإذ أنا شامخٌ ... وإذ لا أجيب العاذلاتِ من الصَّمَمْ )
( أرادتْ عِراراً بالهَوان ومن يُرِدْ ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظَلَم )
( فإن كنتِ منِّي أو تريدين صُحْبتي ... فكوني له كالسَّمْنِ رُبَّتْ له الأَدَمْ )
( وإلاّ فبِينِي مثلَ ما بان راكبٌ ... تيمّممَ خِمْساً ليس في وِرْده يَتَمْ )
( فإنّ عِراراً إن يكن واشكيمه ... تَعَافِينها منه فما أمْلِكُ الشِّيَمْ )
( وإنّ عِراراً إن يكن غيرَ واضح ... فإنّي أحِبّ الجَوْنَ ذَا المَنْكِبِ العَمَمْ )
( وإني لأُعطي غَثّها وسمينها ... وأسِري إذا ما الليلُ ذو الظُّلَم ادْلَهَمّ )
( حِذاراً على ما كان قّدم والدي ... إذا روّحتهم حَرْجَفٌ تطرُد الصِّرَم )
عروضه من الطويل
الشعر لعمرو بن شأس الأسدي
والغناء في الأول والثاني من الأبيات لمعبد ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق
وذكر عمرو أن فيهما لمالك خفيف رمل بالبنصر
وفي الثامن والتاسع لابن جامع هزج بالوسطى عن الهشامي وعلي بن يحيى وفيهما لإبراهيم ماخوري بالبنصر من نسخة عمرو الثانية ولابن سريج ثاني ثقيل

بالبنصر عن حبش وفيهما رمل مجهول وقيل إنه لسليم
الشامخ الذي يشمخ بأنفه زهوا وكبرا
وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه
والشيمة الطبيعة
ربت له يعني للسمن فلا تفسده
والأدم جمع واحدها أديم وجمعها أدم كما يقال أفيق وأفق
واليتم الغفلة والضيعة واليتيم مأخوذ من هذا
واليتيم من البهائم ما اختلج عن أمه
والعرب تقول لا تخلج الفصيل عن أمه فإن الذئب عالم بمكان الفصيل اليتيم
ويقال فلان شديد الشكيمة أي شديد اللسان كثير البيان ومنه شكيمة اللجام وجمعها شكائم
قال عويف القوافي
( أقولُ لِفِتْيانٍ كرامٍ تَرَوّحُوا ... على الجُرْدِ في أفواههن الشكائمُ )
والواضح الأبيض
والجون الأسود والأبيض أيضا وهو من الأضداد
والعمم الطويل يقال رجل عمم وامرأة عمم ورجل عميم وامرأة عميمة ونخل عميم ونبت عميم
والسرى السير ليلا
وادلهم اشتد سواده
والحرجف الريح الشديدة الباردة
والصرم جمع صرمة وهي القطعة من الإبل
يعني أن هذه الريح إذا هبت طرد الرعاء الإبل الى مراحها وأعطانها فتسكن فيها

نسب عمرو بن شأس وأخباره في هذا الشعر وغيره
هو عمرو بن شأس بن عبيد بن ثعلبة بن ذؤيبة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة
وهذا الشعر يقوله في امرأته أم حسان وابنه عرار بن عمرو وكانت تؤذيه وتعيره بسواده
وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن الحسن الأحول قال قال ابن الأعرابي
كانت امرأة عمرو بن شأس من رهطه ويقال لها أم حسان واسمها حية بنت الحارث بن سعد وكان له ابن يقال له عرار من أمة له سوداء وكانت تعيره وتؤذي عرارا وتشتمه ويشتمها
فلما أعيت عمرا قال فيها
( ديارَ ابنةِ السَّعْدِيِّ هِيهِ تَكَلَّمي ... بدَافِقةِ الحَوْمانِ فالَّسفْح من رَمَمْ )
( لَعَمْرُ ابنةِ السَّعْدِيِّ إنِّي لأتَّقِي ... خلائقَ تُؤْبَى في الثَّرَاء وفي العَدَمْ )
( وقفتُ بها ولم أكن قبلُ أرتجي ... إذا الحَبْلُ من إحدى حَبَائبِيَ انصرم )
( وإنِّي لمُزْرٍ بالمَطِيِّ تَنَقُّلي ... عليه وإيقاعِي المُهَنَّدَ بالعِصَمْ )

( وإنِّي لأَعْطِي غَثَّها وسَمِينَها ... وأَسْري إذا ما الليلُ ذو الظُّلَمِ ادلهمّ )
( إذا الثلجُ أضحَى في الديار كأنه ... مَنَاثرُ مِلْحٍ في السُّهول وفي الأَكَمْ )
( حِذَاراً على ما كان قدّم والدي ... إذا روّحتهم حَرْجَفٌ تطرُد الصِّرَمْ )
( وأترك نَدْمِاني يَجُرّ ثيابَه ... وأوصالَه من غير جُرْحٍ ولا سَقَمْ )
( ولكنّها من رَيّةٍ بعد رَيّةٍ ... مُعَتّقةٍ صهباء راووقُها رَذَمْ )
( من العانيات من مُدَامٍ كأنها ... مَذَابحُ غِزْلانٍ يَطِيبُ بها الشَّمَمْ )
( وإذ إخوتي حولي وإذ أنا شامخٌ ... وإذ لا أجيب العاذلات من الصمم )
( ألم يأتها أنِّي صَحَوْتُ وأنَّني ... تحالمتُ حتى ما أُعارِم من عَرَمْ )
( وأطرقتُ إطراق الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِنَابَيْهِ الشجاعُ لقد أزَمْ )
( وقد علمتْ سعدٌ بأنِّي عميدُها ... قديماً وأنّي لستُ أَهْضِمُ من هَضَمْ )
يقول لا أظلم أحدا من قومي وأتهضمه فيطلبني بمثل ذلك أي أرفع نفسي عن هذا
( خُزَيْمةُ رَدّاني الفَعَالَ ومَعْشَرٌ ... قديماً بَنَوْا لي سُورةَ المَجْدِ والكَرَمْ )
( إذا ما وَرَدْنا الماءَ كانت حُمَاتَه ... بنو أَسَدٍ يوماً على رَغْمِ من رَغَمْ )
( أرادتْ عِراراً بالهوانِ ومن يُرِدْ ... عِرَاراً لَعَمْرِي بالهوان فقد ظَلَمْ )

طلق زوجته بعد أن يئس من الصلح بينها وبين ابنه عرار
وذكر باقي الأبيات
قال ابن الأعرابي وأبو بكر الشيباني فجهد عمرو بن شأس أن يصلح بين ابنه وامرأته أم حسان فلم يمكنه ذلك وجعل الشر يزيد بينهما
فلما رأى ذلك طلقها ثم ندم ولام نفسه فقال في ذلك
( تَذَكَّر ذِكْرَى أُمِّ حَسّانَ فاقْشَعَرْ ... على دُبُرٍ لَمّا تَبَيَّنَ ما ائتمر )
( فكِدتُ أذوقُ الموتَ لو أنّ عاشقاً ... أمَرَّ بمُوساه الشوارِبَ فانتحرْ )
( تذكّرتُها وَهْناً وقد حال دونها ... رِعانٌ وقِيعانٌ بها الزَّهْرُ والشجر )
( فكنتُ كذاتِ البَوِّ لما تَذَكّرتْ ... لها رُبَعاً حَنَّتْ لِمَعْهَدِه سَحَرْ )
( حِفَاظاً ولم تَنْزِعْ هوايَ أَثِيمةٌ ... كذلك شأوُ المرء يَخْلِجُه القَدَرْ )
قال ابن الأعرابي الأثيمة الفعيلة من الإثم وهي مرفوعة بفعلها كأنه قال لم تنزع الأثيمة هواي
تخلجه تصرفه
شأوه همه ونيته
قال وقال فيها أيضا
( ألم تَعْلَمِي يا أمَّ حَسّانَ أنني ... إذا عَبْرةٌ نَهْنَهْتُهَا فَتَخلتِ )
( رجعتُ الى صَدْرٍ كَجرَّة حَنْتَمٍ ... إذا قُرِعتْ صِفْراً من الماء صَلّتِ )

خبر ابنه عرار مع عبد الملك
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق بن محمد بن سلام وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال قال ابن سلام
لما قتل الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بعث برأسه مع عرار بن عمرو بن شأس الأسدي فلما ورد به وأوصل كتاب الحجاج جعل عبد الملك يعجب من بيانه وفصاحته مع سواده فقال متمثلا
( وإنّ عِراراً إن يَكُن غيرَ واضح ... فإنِّي أُحِبُّ الجَوْنَ ذا المَنْكِبِ العَمَمْ )
فضحك عرار من قوله ضحكا غاظ عبد الملك فقال له مم ضحكت ويحك قال أتعرف عرارا يا أمير المؤمنين الذي قيل فيه هذا الشعر قال لا قال أنا والله هو
فضحك عبد الملك ثم قال حظ وافق كلمة وأحسن جائزته وسرحه
وقال الطوسي أغار ملك من ملوك غسان يقال له عدي وهو ابن أخت الحارث بن أبي شمر الغساني على بني أسد فلقيته بنو سعد بن ثعلبة بن دودان بالفرات ورئيسهم ربيعة بن حذار فاقتتلوا قتالا شديدا فقتلت بنو سعد عديا اشترك في قتله عمرو وعمير ابنا حذار أخوا ربيعة وأمهما امرأة من كنانة يقال لها تماضر إحدى بني فراس بن غنم وهي التي يقال لها مقيدة الحمار
فقالت فاختة بنت عدي
( لَعَمْرُكَ ما خَشِيتُ على عَدِيٍّ ... رِماحَ بني مُقَيِّدة الحمارِ )

( ولكنِّي خشيتُ على عديٍّ ... رماحَ الجِنِّ أو إيَّاكَ حار )
تعني الحارث بن أبي شمر خاله
( قَتِيلٌ مّا قتيلُ ابنَيْ حُذَارٍ ... بعيدُ الهَمِّ طَلاَّعُ النّجارِ )
ويروى جواب الصحاري
فقال عمرو بن شأس في ذلك

صوت
( متَى تَعْرِفِ العينانِ أطلالَ دمْنةٍ ... لليلَى بأعلى ذي مَعَارِكَ تَدْمَعَا )
( على النحر والسِّرْبالِ حتى تَبُلَّهُ ... سَجُومٌ ولم تَجْزَعْ على الدار مَجْزَعَا )
( خليليَّ عُوجَا اليومَ نَقْضِ لُبَانةً ... وإلاّ تَعُوجَا اليومَ لا نَنْطَلِقْ مَعَا )
( وإن تنظُراني اليومَ أتْبَعْكما غداً ... قِيادَ الجَنيبِ أو أذلَّ وأطوعا )
وهي قصيدة
غنى في هذه الأبيات إبراهيم ثقيلا أول بالوسطى عن الهشامي
والدمنة في هذا الموضع آثار الناس وما سودوا وهي في غير هذا الموضع الحقد يقال في صدره علي إحنة وترة وضب وحسيكة ودمنة
وعوجا احبسا وتلبثا عاج يعوج عياجا
وما أعيج بكلامك أي ما ألتفت إليه
واللبانة الحاجة يقال لي في كذا لبانة ولبونة ولماسة ووطر وحوجاء ممدودة
وقوله لا ننطلق معا يقول إن لم تقفا تأخرت عنكما فتفرقنا
وتنظراني تنظراني يقال نظرته أنظره وأنظرته أنظره إنظارا ونظرة أيضا إذا أخرته قال الله عز و جل ( فنظرة إلى ميسرة )
والجنيب المجنوب من فرس وغيره والجنيب أيضا الذي يشتكي رئته من شدة العطش

وقال الطوسي قال الأصمعي جاور رجل من بني عامر بن صعصعة عمرو ابن شأس ومعه بنت له من أجمل الناس وأظرفهم فخطبها عمرو إلى أبيها
فقال أبوها أما ما دمت جارا لكم فلا لأني أكره أن يقول الناس غصبه أمره ولكن إذا أتيت قومي فاخطبها إلي أزوجكها
فوجد عمرو من ذلك في نفسه وأعتقد ألا يتزوجها أبدا إلا أن يصيبها مسبية
فلما ارتحل أبوها هم عمرو بغزو قومها فسار في أثر أبيها
فلما وقعت عينه عليه وظفر به استحيا من جواره وما كان بينهما من العهد والميثاق فنظر إلى الجارية أمامهم وقد أخرجت رأسها من الهودج تنظر إليه
فلما رآها رجع مستحييا متذمما منها
وكان عمرو مع شجاعته ونجدته من أهل الخير فقال في ذلك
صوت
( إذا نحن أدْلَجْنا وأنتِ أمامنا ... كَفَى لمطَايَانَا بوجهكِ هاديا )
( أليس يزيدُ العِيسَ خِفَّةَ أذْرُعٍ ... وإن كُنَّ حَسْرَى أن تكوني أمَامِيا )
( ولولا اتِّقاءُ اللهِ والعَهدُ قد رأى ... مَنِيّتَه منِّي أبوك اللَّيالِيَا )
( ونحن بنو خيرِ السِّباع أكِيلةً ... وأحْرَبِه إذا تنفَّس عاديا )
( بنو أَسَدٍ وَرْدٍ يَشُقّ بِنَابِه ... عظامَ الرجالِ لا يُجِيب الرَّواقِيا )
( متى تَدْعُ قيساً أدْعُ خِنْدِفَ إنّهم ... إذا ما دُعُوا أسمعتَ ثَمَّ الدَّوَاعيا )
( لنا حاضرٌ لم يَحْضُرِ الناسُ مثلَه ... وبادٍ إذا عدُّوا علينا البَوَادِيا )
الغناء لإسحاق الموصلي ثاني ثقيل في الأول والثاني من الأبيات وفيه لحن قديم

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا الحزامي قال حدثنا معن بن عيسى عن رجل عن سويد بن أبي رهم قال قلت لابن سيرين ما تقول في الشعر قال هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح
قلت فما تقول في النسيب قال لعلك تريد مثل قول الشاعر
( إذا نحن أدلجنا وأنتِ أمامنا ... كفى لمطايانا بوجهك هاديا )
( أليس يزيد العيسَ خِفّةَ أَذرُعٍ ... وإن كُنَّ حَسْرَى أن تكوني أماميا )
قال وأراد بإنشاده إياهما أنك قد رأيتني أحفظ هذا الجنس وأرويه وأنشدتك إياه فلو كان به بأس ما أنشدته

صوت
( فإنْ تَكُنِ القَتْلَى بَوَاءً فإنّكم ... فتًى مّا قتلتم آلَ عَوْفِ بن عامر )
( فتًى كان أَحْيَا من فتاةٍ حَيِيّةٍ ... وأشْجَعَ من لَيْثٍ بخَفَّانَ خادرِ )
عروضه من الطويل
البواء بالباء التكافؤ يقال ما فلان لفلان ببواء أي ما هو له بكفء أن يقتل به
وما في قولها فتى ما قتلتم صلة
وآل عوف نداء
وخفان موضع مشهور
وخادر مقيم في مكمنه وغيله وهو مأخوذ من الخدر
الشعر لليلى الأخيلية ترثي توبة بن الحمير
والغناء لإسحاق بن

إبراهيم الموصلي رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر
وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش
وفي هذه القصيدة عدة أغان تذكر مع سائر ما قاله توبة في ليلى وقالت فيه من الشعر عند أنقضاء الخبر في مقتله إن شاء الله تعالى

ذكر ليلى ونسبها وخبر توبة بن الحمير معها وخبر مقتله
هي ليلى بنت عبد الله بن الرحال وقيل ابن الرحالة بن شداد بن كعب بن معاوية وهو الأخيل وهو فارس الهرار ابن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة
وهي من النساء المتقدمات في الشعر من شعراء الإسلام
وكان توبة بن الحمير يهواها
وهو توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل
أخبرني ببعض أخبارهما أحمد بن عبد العزيز الجوهري ومحمد بن حبيب ابن نصر المهلبي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثنا محمد بن علي أبو المغيرة قال حدثنا أبي عن أبي عبيدة قال حدثني أنيس بن عمرو العامري قال
كان توبة بن الحمير أحد بني الأسدية وهي عامرة بنت والبة بن الحارث وكان يتعشق ليلى بنت عبد الله بن الرحالة ويقول فيها الشعر فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها وزوجها في بني الأدلع
فجاء يوما كما كان يجيء لزيارتها فإذا هي سافرة ولم ير منها إليه بشاشة فعلم أن ذلك لأمر ما كان فرجع إلى راحلته فركبها ومضى وبلغ بني الأدلع أنه أتاها فتبعوه ففاتهم
فقال توبة في ذلك

( نَأتْكَ بليلَى دارُها لا تزورُها ... وشَطَّتْ نَوَاها واسْتَمَرّ مَرِيرُها )
وهي طويلة يقول فيها
( وكنتُ إذا ما جئتُ ليلَى تبرقعتْ ... فقد رَابَني منها الغَداةَ سُفُورَها )

كانت تخرج إلى توبة بن الحمير في برقع
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال
كان توبة بن الحمير إذا أتى ليلى الأخيلية خرجت إليه في برقع
فلما شهر أمره شكوه الى السلطان فأباحهم دمه إن أتاهم
فمكثوا له في الموضع الذي كان يلقاها فيه
فلما علمت به خرجت سافرة حتى جلست في طريقة
فلما رآها سافرة فطن لما أرادت وعلم أنه قد رصد وأنها سفرت لذلك تحذره فركض فرسه فنجا
وذلك قوله
( وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تبرقعتْ ... فقد رابني منها الغداةَ سفورُها )
قال أبو عبيدة وحدثني غير أنيس أنه كان يكثر زيارتها فعاتبه أخوها وقومها فلم يعتب وشكوه الى قومه فلم يقلع فتظلموا منه إلى السلطان فأهدر دمه إن أتاهم
وعلمت ليلى بذلك وجاءها زوجها وكان غيورا فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنها ولئن أنذرته بذلك ليقتلنها
قالت ليلى وكنت أعرف الوجه الذي يجيئني منه فرصدوه بموضع ورصدته بآخر فلما اقبل لم أقدر على كلامه لليمين فسفرت وألقيت البرقع عن رأسي
فلما رأى ذلك أنكره فركب راحلته ومضى ففاتهم

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد ابن معاوية بن بكر قال حدثني أبو زياد الكلابي قال
خرج رجل من بني كلاب ثم من بني الصحمة يبتغي إبلا له حتى أوحش وأرمل ثم أمسى بأرض فنظر إلى بيت بواد فأقبل حتى نزل حيث ينزل الضيف فأبصر امرأة وصبيانا يدورون بالخباء فلم يكلمه أحد
فلما كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائحة وسمع فيها صوت رجل حتى جاء بها فأناخها على البيت ثم تقدم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول ما هذا السواد حذاءك قالت راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلمه
فقال لهاكذبت ما هو إلا بعض خلانك ونهض يضربها وهي تناشده
قال الرجل فسمعته يقول والله لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك
فلما عيل صبرها قالت يا صاحب البعير يا رجل وأخذ الصحمي هراوته ثم أقبل يحضر حتى أتاها وهو يضربها فضربه ثلاث ضربات أو أربعا ثم أدركته المرأة فقالت يا عبد الله مالك ولنا نح عنا نفسك فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته كلها وقد ظن أنه قتل الرجل وهو لا يدري من الحي بعد حتى أصبح في أخبية من الناس ورأى غنما فيها أمة مولدة فسألها عن أشياء حتى بلغ به الذكر فقال أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا
فضحكت وقالت إنك لتسألني عن شيء وأنت به عالم
فقال وما ذاك لله بلادك فوالله ما أنا به عالم
قالت ذاك خباء ليلى الأخيلية وهي أحسن الناس وجها وزوجها رجل غيور فهو يعزب بها عن

الناس فلا يحل بها معهم والله ما يقربها أحد ولا يضيفها فكيف نزلت أنت بها قال إنما مررت فنظرت إلى الخباء ولم أقربه وكتمها الأمر
وتحدث الناس عن رجل نزل بها فضربها زوجها فضربه الرجل ولم يدر من هو
فلما أخبر باسم المرأة وأقر على نفسه تغنى بشعر دل فيه على نفسه وقال
( أَلاَ يا ليلَ أخْتَ بني عُقَيْلٍ ... أنا الصّحْمِيُّ إنْ لم تَعْرِفيني )
( دعَتْني دعوةً فحجَزتُ عنها ... بصَكَّاتٍ رفعتُ بها يميني )
( فإنْ تَكُ غَيْرةٌ أُبْرِئكَ منها ... وإن تَكُ قد جُنِنْتَ فذا جُنُوني )

جوابها للحجاج عندما ارتاب بأمرها مع توبة
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا رشد بن حنتم الهلالي قال حدثني أيوب بن عمرو عن رجل يقال له ورقاء قال
سمعت الحجاج يقول لليلى الأخيلية إن شبابك قد ذهب واضمحل أمرك وأمر توبة فأقسم عليك إلا صدقتني هل كانت بينكما ريبة قط أو خاطبك في ذلك قط فقال لا والله أيها الأمير إلا أنه قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننت أنه قد خضع فيها لبعض الأمر فقلت له
( وذي حاجةٍ قلنا له لا تَبُحْ بها ... فليس إليها ما حَيِيتَ سبيلُ )
( لنا صاحبٌ لا ينبغي أن نخونَه ... وأنت لأخْرَى فارغٌ وحَلِيلٌ )

فلا والله ما سمعت منه ريبة بعدها حتى فرق بيننا الموت
قال لها الحجاج فما كان منه بعد ذلك قالت وجه صاحبا له إلى حاضرنا فقال إذا أتيت الحاضر من بني عبادة بن عقيل فاعل شرفا ثم أهتف بهذا البيت
( عفا الله عنها هل أبِيتَّن ليلةً ... من الدهرِ لا يَسْرِي إليّ خيَالُها )
فلما فعل الرجل ذلك عرفت المعنى فقلت له
( وعنه عفا ربِّي وأحسَنَ حالَهُ ... عزيزٌ علينا حاجةٌ لا ينالُها )
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء وهو أجمع في قصيدة توبة
( نأتك بليلى دارها لا تزورها ... )
صوت
( حمامةَ بطن الوادِيَيْن تَرَنَّمي ... سقاكِ من الغُرِّ الغَوادِي مَطِيرَها )
( أبِيني لنا لا زالَ رِيشُك ناعماً ... ولا زلتِ في خَضْراءَ دانٍ بَرِيرُها )
( وأُشْرِفُ بالقَوْزِ اليَفَاعِ لعلّني ... أرى نارَ ليلى أو يراني بصيرُها )
( وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تبرقعتْ ... فقد رابني منها الغداةَ سُفورُها )
( عليّ دِماءُ البُدْنِ إن كان بَعْلُها ... يرى ليَ ذنباً غيرَ أنِّي أزورُها )
( وأنِّي إذا ما زرتُها قلتُ يا اسْلَمِي ... وما كان في قولي اسْلَمِي ما يَضِيرُها )
( وغيَّرني إن كنتِ لَمّا تَغَيَّري ... هَوَاجِرُ تَكْتَنِّينَها وأسيرُها )

( وأدماءَ من سِرِّ المَهَارى كأنّها ... مَهاةُ صُوَارٍ غيرَ ما مَسَّ كُورُها )
( قطعتُ بها أجوازَ كلِّ تَنُوفةٍ ... مَخٌوفِ رَدَاهَا كلّما استَنَّ مُورُها )
( ترى ضُعَفَاء القومِ فيها كأنّهم ... دَعَامِيصُ ماءٍ نَشَّ عنها غديرُها )
غنى في الأربعة الأبيات الأول فليح بن أبي العوراء ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو
وغنى في الثالث والرابع ابن سريج رملا بالوسطى عن الهشامي وعلي بن يحيى المنجم وذكر غيرهما أنه لمحمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيع
وغنى فيها الهذلي ثقيلا أول بالبنصر عن حبش
وغنى ابن محرز في علي دماء البدن والذي بعده خفيف رمل بالبنصر عن عمرو
وعن ابن مسجح في
( وغيّرني إن كنتِ لَمّا تَغَيّرِي ... )
وما بعده لحن ذكر أن عبد الله بن جعفر رواه الأبيات وأمره أن يغني بها أخبرني بذلك إسماعيل بن يونس الشيعي عن عمر بن شبة عن إسحاق الموصلي عن ابن الكلبي في خبر قد ذكرته في أخبار ابن مسجح وذكر الهشامي أن اللحن ثقيل أول بالوسطى
حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن يعقوب بالأنبار قال حدثني من أنشد الأصمعي

( عليّ دماءُ البُدْنِ إن كان زوجُها ... يرى ليَ ذنباً غيرَ أنِّي أزورُها )
( وأنِّي إذا ما زرتُها قلت يَا اسْلَمِي ... فهل كان في قولي اسْلَمي ما يَضِيرُها )
فقال الأصمعي شكوى مظلوم وفعل ظالم

سبب وكيفية مقتل توبة بن الحمير
أخبرني بالسبب في مقتل توبة محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم السجستاني عن أبي عبيدة والحسن بن علي الخفاف قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا محمد بن علي بن المغيرة عن أبيه عن أبي عبيدة وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي ورواية أبي عبيدة أتم واللفظ له
قال أبو عبيدة
كان الذي هاج مقتل توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة بن عمرو ابن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أنه كان بينه وبين بني عامر بن عوف بن عقيل لحاء ثم إن توبة شهد بني خفاجة وبني عوف وهم يختصمون عند همام بن مطرف العقيلي في بعض أمورهم
قال وكان مروان بن الحكم يومئذ أميرا على المدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان فاستعمله على صدقات بني عامر
قال فوثب ثور بن أبي سمعان بن كعب بن عامر بن عوف بن عقيل على توبة بن الحمير فضربه بجرز وعلى توبة الدرع والبيضة فجرح أنف البيضة وجه توبة
فأمر همام بثور بن أبي سمعان

فأقعد بين يدي توبة فقال خذ بحقك يا توبة
فقال له توبة ما كان هذا إلا عن أمرك وما كان ليجترىء علي عند غيرك
وأم همام صوبانة بنت جون بن عامر بن عوف بن عقيل فاتهمه توبة لذلك فانصرف ولم يقتص منه
فمكثوا غير كثير وإن توبة بلغه أن ثور بن أبي سمعان خرج في نفر من رهطه إلى ماء من مياه قومه يقال له قوباء يريدون مالهم بموضع يقال له جرير بتثليث قال وبينهما فلاة فاتبعه توبة في ناس من أصحابه فسأل عنه وبحث حتى ذكر له أنه عند رجل من بني عامر بن عقيل يقال له سارية بن عمير بن أبي عدي وكان صديقا لتوبة
فقال توبة والله لا نطرقهم عند سارية الليلة حتى يخرجوا عنه
فأرادوا أن يخرجوا حين يصبحون
فقال لهم سارية ادرعوا الليل فإني لا آمن توبة عليكم الليلة فإنه لا ينام عن طلبكم
قال فلما تعشوا ادرعوا الليل في الفلاة
وأقعد له توبة رجلين فغفل صاحبا توبة
فلما ذهب الليل فزع توبة وقال لقد اغتررت الى رجلين ما صنعا شيئا وإني لأعلم أنهم لم يصبحوا بهذه البلاد فاقتص آثارهم فإذا هو بأثر القوم قد خرجوا فبعث الى صاحبيه فأتياه فقال دونكما هذا الجمل فأوقراه من الماء في مزادتيه ثم اتبعا أثري فإن خفي عليكم أن تدركاني فإني سأنور لكما إن أمسيتما دوني
وخرج توبة في أثر القوم مسرعا حتى إذا انتصف النهار جاوز علما يقال له أفيح في الغائط
فقال لأصحابه هل ترون سمرات إلى جنب قرون بقر وقرون

بقر مكان هنالك فإن ذلك مقيل القوم لم يتجاوزوه فليس وراءه ظل
فنظروا فقال قائل أرى رجلا يقود بعيرا كأنه يقوده لصيد
قال توبة ذلك ابن الحبترية وذلك من أرمى من رمى
فمن له يختلجه دون القوم فلا ينذرون بنا قال فقال عبد الله أخو توبة أنا له
قال فاحذر لا يضربنك وإن استطعت أن تحول بينه وبين أصحابه فافعل
فخلى طريق فرسه في غمض من الأرض ثم دنا منه فحمل عليه فرماه ابن الحبترية قال وبنو الحبتر ناس من مذحج في بني عقيل فعقر فرس عبد الله أخي توبة واختل السهم ساق عبد الله فانحاز الرجل حتى أتى أصحابه فانذرهم فجمعوا ركابهم وكانت متفرقة
قال وغشيهم توبة ومن معه فلما رأوا ذلك صفوا رحالهم وجعلوا السمرات في نحو وأخذوا سلاحهم ودرقهم وزحف إليهم توبة فارتمى القوم لا يغني أحد منهم شيئا في أحد
ثم إن توبة وكان يترس له أخوه عبد الله قال يا أخي لا تترس لي فإني رأيت ثورا كثيرا ما يرفع الترس عسى أن أوافق منه عند رفعه مرمى فأرميه
قال ففعل فرماه توبة على حلمة ثديه فصرعه
وجال القوم فغشيهم توبة وأصحابه فوضعوا فيهم السلاح حتى تركوهم صرعى وهم سبعة نفر
ثم إن ثورا قال انتزعوا هذا السهم عني
قال توبة ما وضعناه لننتزعه
فقال أصحاب توبة أنج بنا نأخذ آثارنا ونلحق راويتنا فقد أخذنا ثأرنا من هؤلاء وقد متنا عطشا
قال توبة كيف بهؤلاء القوم الذين لا يمنعون ولا يمتنعون
فقالوا

ابعدهم الله
توبة ما أنا بفاعل وما هم إلا عشيرتكم ولكن تجيء الراوية فأضع لهم ماء وأغسل عنهم دماءهم وأخيل عليهم من السباع والطير لا تأكلهم حتى أوذن قومهم بهم بعمق
فأقام توبة حتى أتته الراوية قبل الليل فسقاهم من الماء وغسل عنهم الدماء وجعل في أساقيهم ماء ثم خيل لهم بالثياب على الشجر ثم مضى حتى طرق من الليل سارية بن عويمر بن أبي عدي العقيلي فقال إنا قد تركنا رهطا من قومكم بسمرات من قرون بقر فأدركوهم فمن كان حيا فداووه ومن كان ميتا فادفنوه ثم انصرف فلحق بقومه
وصبح سارية القوم فاحتملهم وقد مات ثور بن أبي سمعان ولم يمت غيره
فلم يزل توبة خائفا
وكان السليل بن ثور المقتول راميا كثير البغي والشر فأخبر بغرة من توبة وهو بقنة من قنان الشرف يقال لها قنة بني الحمير فركب في نحو ثلاثين فارسا حتى طرقه فترقى توبة ورجل من إخوته في الجبل فأحاطوا بالبيوت فناداهم وهو في الجبل هأنذا من تبغون فاجتنبوا البيوت
فقالوا إنكم لن تستطيعوه وهو في الجبل ولكن خذوا ما استدف لكم من ماله فأخذوا أفراسا له ولإخوته وانصرفوا
ثم إن توبة غزاهم فمر على أفلت بن حزن بن معاوية بن خفاجة ببطن بيشة

فقال يا توبة أين تريد قال أريد الصبيان من بني عوف بن عقيل
قال لا تفعل فإن القوم قاتلوك فمهلا
قال لا أقلع عنهم ما عشت ثم ضرب بطن فرسه فاستمر به يحضر وهو يرتجز ويقول
( تنجُو إذا قِيل لها يعَاطِ ... تنجو بهم من خَلَل الأمشاطِ )
حتى انتهى الى مكان يقال له حجر الراشدة ظليل أسفله كالعمود وأعلاه منتشر فاستظل فيه هو وأصحابه
حتى إذا كان بالهاجرة مرت عليه إبل هبيرة بن السمين أخي بني عوف بن عقيل واردة ماء لهم يقال له طلوب فأخذها وخلى طريق راعيها وقال له إذا أتيت صدغ البقرة مولاك فأخبره أن توبة أخذ الإبل ثم انصرف توبة يطرد الإبل
قال فلما ورد العبد على مولاه فأخبره نادى في بني عوف وقال حتام هذا
فتعاقدوا بينهم نحوا من ثلاثين فارسا ثم اتبعوه
ونهضت امرأة من بني خثعم من بني الهرة كانت في بني عوف وكانت تؤخذ لهم فقالت أروني أثره فخرجوا فأروها أثره فأخذت من ترابه فسافته فقالت اطلبوه فإنه سيحبس عليكم
فطلبوه فسبقهم فتلاوموا بينهم وقالوا ما نرى له أثرا وما نراه إلا وقد سبقكم
قال وخرج توبة حتى إذا كان بالمضجع من أرض بني كلاب جعل نذارته وحبس أصحابه
حتى إذا كان بشعب من هضبة يقال لها هند من كبد المضجع جعل ابن عم له يقال له قابض بن عبد الله ربيئة له على رأس الهضبة فقال انظر فإن شخص لك شيء فأعلمنا
فقال عبد الله بن

الحمير يا توبة إنك حائن أذكرك الله فوالله ما رأيت يوما أشبه بسمرات بني عوف يوم أدركناهم في ساعتهم التي أتيناهم فيها منه فانج إن كان بك نجاة
قال دعني فقد جعلت ربيئة ينظر لنا
قال يرجع بنو عوف بن عقيل حين لم يجدوا أثر توبة فيلقون رجلا من غني فقالوا له هل أحسست في مجيئك أثر خيل أو أثر إبل قال لا والله
قالوا كذبت وضربوه
فقال يا قوم لا تضربوني فإني لم أجد أثرا ولقد رأيت زهاء كذا وكذا إبلا شخوصا في هاتيك الهضبة وما أدري ما هو
فبعثوا رجلا منهم يقال له يزيد بن رويبة لينظر ما في الهضبة
فأشرف على القوم فلما رآهم ألوى بثوبه لأصحابه حتى جاؤوا فحمل أولهم على القوم حتى غشي توبة وفزع توبة وأخوه الى خيلهما فقام توبة إلى فرسه فغلبته لا يقدر على أن يلجمها ولا وقفت له فخلى طريقها وغشيه الرجل فاعتنقه فصرعه توبة وهو مدهوش وقد لبس الدرع على السيف فانتزعه ثم أهوى به ليزيد بن رويبة فاتقاه بيده فقطع منها وجعل يزيد يناشده رحم صفية وصفية أم له من بني خفاجة
وغشي القوم توبة من ورائه فضربوه فقتلوه وعلقهم عبد الله بن الحمير يطعنهم بالرمح حتى انكسر
قال فلما فرغوا من توبة لووا على عبد الله بن الحمير فضربوا رجله فقطعوها
فلما وقع بالأرض أشرع سيفه وحده ثم جثا على ركبتيه وجعل يقول هلموا ولم يشعر القوم بما أصابه
وانصرف بنو عوف بن عقيل وولى قابض منهزما حتى لحق بعبد العزيز بن زرارة الكلابي فأخبره الخبر
قال فركب عبد العزيز حتى أتى توبة فدفنه وضم أخاه
ثم ترافع القوم إلى مروان بن الحكم فكافأ بين الدمين وحملت الجراحات
ونزل بنو عوف بن عقيل البادية ولحقوا بالجزيرة والشام

ابو عبيدة يروي مقتل توبة وسببه
قال أبو عبيدة وقد كان توبة أيضا يغير زمن معاوية بن أبي سفيان على قضاعة وخثعم ومهرة وبني الحارث بن كعب
وكانت بينهم وبين بني عقيل مغاورات فكان توبة إذا أراد الغارة عليهم حمل الماء معه في الروايا ثم دفنه في بعض المفازة على مسيرة يوم منها فيصيب ما قدر عليه من إبلهم فيدخلها المفازة فيطلبه القوم فإذا دخل المفازة أعجزهم فلم يقدروا عليه فانصرفوا عنه
قال فمكث كذلك حينا
ثم إنه أغار في المرة الأولى التي قتل فيها هو وأخوه عبد الله بن الحمير ورجل يقال له قابض بن أبي عقيل فوجد القوم قد حذروا فانصرف توبة مخفقا لم يصب شيئا
فمر برجل من بني عوف بن عامر بن عقيل متنحيا عن قومه فقتله توبة وقتل رجلا كان معه من رهطه واطرد إبلهما ثم خرج عامدا يريد عبد العزيز بن زرارة بن جزء بن سفيان بن عوف بن كلاب وخرج ابن عم لثور بن أبي سمعان المقتول فقال له خزيمة صر إلى بني عوف بن عامر بن عقيل فأخبرهم الخبر
فركبوا في طلب توبة فأدركوه في أرض بني خفاجة وقد أمن في نفسه فنزل وقد كان أسرى يومه وليلته فاستظل ببرديه وألقى عنه درعه وخلى عن فرسه الخوصاء تتردد قريبا منه وجعل قابضا ربيئة له ونام فأقبلت بنو عوف بن عامر متقاطرين لئلا يفطن لهم أحد فنظر قابض فأبصر رجلا منهم فأقبل الى توبة فأنبهه
فقال توبة ما رأيت قال رأيت شخص رجل واحد فنام ولم يكترث له وعاد قابض الى مكانه فغلبته عيناه فنام
قال فأقبل القوم على

تلك الحال فلم يشعر بهم قابض حتى غشوه فلما رآهم طار على فرس
وأقبل القوم إلى توبة وكان أول من تقدم غلام أمرد على فرسه عري يقال له يزيد بن رويبة بن سالم بن كعب بن عوف بن عامر بن عقيل ثم تلاه ابن عمه عبد الله بن سالم ثم تتابعوا
فلما سمع توبة وقع الخيل نهض وهو وسنان فلبس درعه على سيفه ثم صوت بفرسه الخوصاء فأتته فلما أراد أن يركبها أهوت ترمحه ثلاث مرات فلما رأى ذلك لطم وجهها فأدبرت وحال القوم بينه وبينها
فأخذ رمحه وشد على يزيد بن رويبة فطعنه فأنفذ فخذيه جميعا
وشد على توبة ابن عم الغلام عبد الله بن سالم فطعنه فقتله وقطعوا رجل عبد الله
فلما رجع عبد الله بعد ذلك الى قومه لاموه وقالوا له فررت عن أخيك فقال عبد الله بن الحمير في ذلك
قال أبو عبيدة وحدثني أيضا مزرع بن عبد الله بن همام بن مطرف بن الأعلم قال
كان أهل دار من بني جشم بن بكر بن هوازن يقال لهم بنو الشريد حلفاء لبني عداد بن خفاجة في الإسلام فكان بينهم وبين خميس بن ربيعة رهط قومه قتال على ماءة تدعى الحليفة وعامتها لجد بن همام
قال وشهد عبد الله بن الحمير ذلك وهو أعرج عرج يوم قتل توبة فلم يغن كثير غناء
فقالت بنو عقيل لو توبة تلقاهم لبلوا منه بغير أفوق ناصل
فقال عبد الله بن الحمير يعتذر إليهم

شعر عبد الله اخي توبة في اعتذاره لقومه
( تَأَوّبَني بعارمةَ الهمومُ ... كما يعتادُ ذَا الدَّيْنِ الغريمُ )
( كأنّ الهَمّ ليس يُريدُ غيري ... ولو أمسَى له نَبَطٌ ورُوم )
( عَلاَمَ تقومُ عاذلتي تلومُ ... تُؤرّقني وما انجاب الصَّرِيمُ )
( فقلتُ لها رُوَيْداً كي تَجَلَّى ... غَوَاشِي النَّوْمِ والليلُ البهيمُ )
( ألَمّا تَعْلَمِي أنِّي قديماً ... إذا ما شِئتُ أَعصِي مَنْ يلومُ )
( وأنّ المرءَ لا يَدْرِي إذا ما ... يَهُمُّ عَلاَمَ تحمِله الهُمومُ )
( وقد تُعْدِي على الحاجات حَرْفٌ ... كُركِن الرَّعْن ذِعْلِبَةٌ عقيمُ )
( مُدَاخَلةُ الفَقارِ وذاتُ لَوْثٍ ... على الِحُزَّانِ مُقْحَمةٌ غَشُومُ )
( كأنّ الرَّحْلَ منها فوق جَأْبٍ ... بذاتِ الحاذِ مَعْقِلُه الصّرِيمُ )
( طَبَاه بِرِجْلَةِ البَقّارِ برقٌ ... فبات الليلَ مُنْتَصِباً يَشيم )

( فبينَا ذاك إذ هَبَطتْ عليه ... دَلُوحُ المُزْنِ واهيةٌ هَزِيمُ )
( تَهُبُّ لها الشَّمالُ فتمتريها ... ويَعْقُبُها بنافحةٍ نسيمُ )
( يُكِبُّ إذا الرَّذَاذُ جرى عليه ... كما يُصْغِي الى الآسي الأَمِيم )
( إذا ما قال أقْشَعَ جانباهُ ... نَشَتْ من كلّ ناحيةٍ غيوم )
( فأشْعِرَ ليله أرَقاً وقُرًّا ... يُسَهّره كما أرِقَ السليم )
( ألاَ مَنْ يشتري رِجلاً بِرِجْلٍ ... تَخَوَّنَهَا السِّلاحُ فما تَسُوم )
( تَلومُكَ في القتال بنو عُقَيْلٍ ... وكيف قِتالُ أعرَجَ لا يقوم )
( ولو كنتُ القتيلَ وكان حيًّا ... لَقَاتلَ لا ألَفُّ ولا سؤوم )
( ولا جَثَّامةٌ وَرَعٌ هَيوبٌ ... ولا ضَرَِعٌ إذا يُمْسِي جَثُومُ )
قال ثم إن خفاجة رهط توبة جمعوا لبني عوف بن عامر بن عقيل الذين قتلوا توبة فلما بلغهم الخبر لحقوا ببني الحارث بن كعب ثم افترقت بنو خفاجة
فلما بلغ ذلك بني عوف رجعوا فجمعت لهم بنو خفاجة أيضا قبائل عقيل
فلما رأت ذلك بنو عوف بن عامر بن عقيل لحقوا بالجزيرة فنزلوها

وهم رهط إسحاق بن مسافر بن ربيعة بن عاصم بن عمرو بن عامر بن عقيل
ثم إن بني عامر بن صعصعة صاروا في أمرهم إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة لمعاوية بن أبي سفيان فقالوا ننشدك الله أن تفرق جماعتنا فعقل توبة وعقل الآخرين معاقل العرب مائة من الإبل فأدتها بنوعامر
قال فخرجت بنو عوف بن عامر قتلة توبة فلحقوا بالجزيرة فلم يبق بالعالية منهم أحد وأقامت بنو ربيعة بن عقيل وعروة بن عقيل وعبادة بن عقيل بمكانهم بالبادية

رواية اخرى لأبي عبيدة عن مقتل توبة
قال أبو عبيدة وحدثنا مزرع بن عمرو بن همام قال أبو عبيدة وكان معي أبو الخطاب وغيره قال توبة بن حمير بن ربيعة بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل وأمه زبيدة
فهاج بينه وبين السليل بن ثور بن أبي سمعان بن عامر بن عوف بن عقيل كلام وكان شريرا ونظير توبة في القوة والبأس فبلغ الحور وهو الكلام إلى أن أوعد كل واحد منهما صاحبه فالتقى بعد ذلك توبة والسليل على غدير من ماء السماء فرمى توبة السليل فقتله
ثم إن توبة أغار ثانية على إبل بني السمين بن كعب بن عوف بن عقيل واردة ماءهم فاطردها
واتبعوه وهم سبعة نفر يزيد بن رويبة وعبد الله بن سالم ومعاوية بن عبد الله قال أبو عبيدة ولم يذكر غير هؤلاء فانصرفوا يجنبون الخيل يحملون المزاد فقصوا أثر توبة وأصحابه فوجدوهم وقد

أخذوا في المضجع من أرض بني كلاب في أرض دمثة تربة فضلت فرس توبة الخوصاء من الليل فأقام واضطجع حتى أصبح وساق أصحابه الإبل وهم ثلاثة نفر سوى توبة المحرز أحد بني عمرو بن كلاب وقابض بن أبي عقيل أحد بني خفاجة وعبد الله بن حمير أخو توبة لأمه وأبيه
فلما أصبح توبة إذا فرسه الخوصاء راتعة أدنى ظلم قريبة منه ليس دونها وجاح فأشلاها حتى أتته ثم خرج يعدو حتى لحق بأصحابه فانتهوا الى هضبة بكبد المضجع فارتقى توبة فوقها ينظر الطلب فرآه القوم ولم يرهم عند طلوع الشمس وبالت الخوصاء حين انتهت الى الهضبة فقال القوم إنه لطائر أو إنسان
فركب يزيد بن رويبة وكان أحدث القوم سنا وأمه بنت عم توبة فأغار ركضا حتى انتهى الى الهضبة فإذا بول الفرس وعليه بقية من رغوته وإذا أثر توبة يعرفونه فرجع فخبر أصحابه
واندفع توبة وأصحابه حتى نزلوا إلى طرف هضبة يقال لها الشجرة من أرض بني كلاب فقالوا بالظهيرة فلم يشعر شعر إلا والإبل قد نفرت وكانت بركا بالهاجرة من وئيد الخيل
فوثب توبة وكان لا يضع السيف فصب الدرع على السيف متقلده وهلا وداجت القوم فطلب قائم السيف فلم يقدر عليه تحت الدرع فلم يستطع سله فطار إلى الرمح فأخذه فأهوى به طعنا الى يزيد بن رويبة وقد كان يزيد عاهد الله ليقتلنه أو ليأخذنه فأنفذ فخذ يزيد واعتنقه يزيد فعض

بوجنتيه واستدبره عبد الله بالسيف ففلق رأس توبة
وهيت توبة حين اعتوره الرجلان بقابض يا قابض فلم يلو عليه وفر قابض والكلابي وذب عبد الله بن حمير عن أخيه فأهوى له معاوية بن عبد الله بالسيف فأصاب ركبته فاختلعت أي سقطت
فأتى قابض من فوره ذلك عبد العزيز بن زرارة أحد بني أبي بكر بن كلاب فقال قتل توبة
فنادى في قومه فجاءه أبوه زرارة فقال أين تريد فقال قتل توبة
فقال أبوه طوط سحقا لك أتطلب بدم توبة أن قتلته بنو عقيل ظالما لها باغيا عاديا عليها قال لكني أجنه إذا
قال أبوه أما هذه فنعم
فألقى السلاح وانطلق حتى أجنه وحمل أخاه عبد الله بن حمير
قال فأهل البادية يزعمون أن محرزا سحر فأخذ عن سيفه

شعر ليلى في رثاء توبة
فقالت ليلى الأخيلية بنت عبد الله بن الرحالة بن شداد بن كعب بن معاوية فارس الهرار ابن عبادة بن عقيل
( نظرتُ ورُكْنٌ من ذِقَانَيْنِ دونَه ... مَفَارِزُ حَوْضَى أيّ نَظْرةِ ناظرِ )

( لأونسَ إنْ لم يَقْصُرِ الطَّرْفُ عنهُم ... فلم تُقْصُرِ الأخبارُ والطَّرْفُ قاصري )
( فوارسَ أجلى شأوُها عن عَقِيرةٍ ... لِعَاقِرِها فيها عَقِيرةُ عاقر )
شأوها سرعتها وهو الطلق وجريها وقال غيره غايتها
عقيرة تعني توبة
لعاقرها تعني لعاقر توبة تريد يزيد بن رويبة
ووجه آخر في عقيرة عاقر معنى مدح أي عقيرة كريمة لعاقرها
ووجه آخر عقيرة لعاقرها فيها الهلاك بعقرها
( فآنستُ خيلاً بالرُّقَيِّ مُغيرةً ... سَوَابِقُها مثلُ القَطَا المُتَواتِرِ )
( قَتِيلُ بني عَوْفٍ وأَيصُرُ دونَه ... قتيلُ بني عَوْفٍ قتيلُ يُحَابِرِ )
( تَوَاردَه أسيافُهم فكأنّما ... تَصَادَرْنَ عن أَقطاع أبيضَ باتر )
( من الهِندُوانِيات في كلِّ قِطْعةٍ ... دَمٌ زلّ عن أَثْرٍ من السَّيف ظاهر )
( أتْته المنايَا دون زَغْفٍ حصينةٍ ... وأسمر خَطِّيٍّ وخَوْصاءَ ضامر )
( على كلّ جَرْداء السَّراة وسابحٍ ... دَرَأْنَ بشُبَّاكِ الحديدِ زوافر )

( عَوَابسَ تعدُو الثَّعْلبيّةَ ضُمَّراً ... وهُنّ شَوَاحٍ بالشَّكيم الشواجر )
( فلا يُبْعِدَنْكَ اللهُ يا تَوْبُ إنّما ... لِقاء المنايا دارعاً مثلُ حاسِر )
( فإلاّ تَكُ القَتْلَى بَوَاءً فإنّكم ... ستَلْقَوْن يوماً وِرْدُه غيرُ صادر )
( وإنّ السليلَ إذ يباوِي قَتِيلَكم ... كمرحومةٍ من عَرْكِها غيرِ طاهر )
( فإن تَكُنِ القَتْلَى بَواءً فإنكم ... فَتًى ما قتلتم آلَ عَوْفِ بن عامر )
( فَتًى لا تَخَطَّاه الرِّفَاقُ ولا يرى ... لِقَدْرٍ عِيالاً دون جارٍ مُجَاوِرِ )
( ولا تأخذُ الكُومُ الجِلادُ رِماحَها ... لتوبةَ في نَحْسِ الشِّتاء الصَّنَابِرِ )
( إذا ما رأتْه قائماً بسلاحه ... تَقَتْه الخِفَافُ بالثِّقال البَهَازِرِ )
( إذا لم يَجُدْ منها بِرْسلٍ فقَصْرُه ... ذُرَى المُرْهَفاتِ والقِلاَصِ التَّواجِرِ )

( قَرَى سيفَه منها مُشَاشاً وضَيْفَه ... سَنَامَ المَهَارِيسِ السِّباطِ المَشَافِرِ )
( وتَوْبةُ أحْيَا من فتاةٍ حيِيَّةٍ ... وأجرأُ من لَيْثٍ بخَفّانَ خادرِ )
( ونِعْمَ الفتى إنْ كان توبةُ فاجراً ... وفوق الفتى إنْ كان ليس بفاجر )
( فتى يُنْهِلُ الحاجاتِ ثم يَعُلُّها ... فيُطلِعُها عنه ثَنَايا المَصَادِرِ )

صوت
( كأنّ فتى الفِتْيان تَوْبةَ لم يُنِخْ ... قَلائصَ يَفْحَصْنَ الحَصَا بالكَرَاكرِ )
( ولم يَبْنِ أبراداً عِتاقاً لِفْتيةٍ ... كِرَامٍ ويَرْحَلْ قبل فَيْء الهواجر )
في هذين البيتين لحن من الثقيل الأول لمحمد بن إبراهيم قريض وهو من خاص صنعته وغنائه
( ولم يَتَجَلَّ الصُّبْحُ عنه وبَطْنُه ... لَطِيف كطَيِّ السِّبِّ ليس بحادرِ )
( فتًى كان للمولَى سناءً ورفعة ... وللطارق السارِي قِرًى غيرَ باسر )
( ولم يُدْعَ يوماً للحِفَاظِ وللنَّدَا ... وللحَرْبِ يرمى نارَها بالشرائر )

( وللبازلِ الكَوْماءِ يرغو حُوَارُها ... وللخيلِ تعدو بالكُمَاةِ المَسَاعر )
( كأنّكَ لم تَقْطَعْ فلاةً ولم تُنِخْ ... قِلاصاً لدى فأْوٍ من الأرض غائر )
( وتُصْبِحْ بمَوْماةٍ كأنّ صَرِيفَها ... صَريفُ خَطَاطِيفِ الصَّرَى في المَحَاوِرِ )
( طوتْ نَفْعَها عنّا كِلاَبٌ وآسَدتْ ... بنَا أجْهَلِيها بين غاوٍ وشاعرِ )
( وقد كان حقًّا أن تقولَ سَرَاتُهم ... لَعًا لأخينا عالياً غيرَ عاثر )
( ودَوِّيّةٍ قَفْرٍ يحارُ بها القَطَا ... تَخَطَّيْتَها بالنّاعجات الضّوامر )
( فتَاللهِ تَبْنِي بيتَها أُمُّ عاصمٍ ... على مثله أُخْرَى الليالي الغوابر )
( فليس شِهَابُ الحربِ تَوْبةُ بعدَها ... بغازٍ ولا غادٍ برَكْبٍ مُسَافر )
( وقد كان طَلاّعَ النّجادِ وبَيِّن الل ... سان ومِدْلاجَ السُّرَى غيرَ فاتِر )
( وقد كان قبل الحادثاتِ إذا انتحَى ... وسائق أو معبوطةً لم يُغَادرِ )
( وكنتَ إذا مولاك خاف ظُلاَمةً ... دعاك ولم يهْتِفْ سواك بناصر )

( فإنْ يَكُ عبدُ الله آسَى أبنَ أُمِّه ... وآبَ بأسلاب الكَمِيِّ المُغَاوِرِ )
( وكان كذات البَوِّ تَضْرِب عنده ... سِباعاً وقد ألقَيْنَه في الجَرَاجِرِ )
( فإنك قد فارقتَه لك عاذراً ... وأَنَّى لِحَيٍّ عُذْرُ مَنْ في المَقَابِرِ )
( فأقسمتُ أبكي بعد تَوْبةَ هالكاً ... وأحفِلُ مَنْ نالتْ صروفُ المَقَادرِ )
( على مثلِ هَمَّامٍ ولابنِ مُطَرِّفٍ ... لِتَبْكِ البَوَاكِي أو لبِشْرِ بن عامر )
( غُلاَمان كانا استَوْرَدَا كلَّ سَوْرةٍ ... من المَجْدِ ثم أستوثقا في المَصَادرِ )
( رَبِيعَيْ حَياً كانَا يَفِيضُ نَدَاهُما ... على كُلِّ مغمورٍ نَداهُ وغامرِ )
( كأَنّ سَنَا نارَيْهما كلَّ شَتْوةٍ ... سَنَا البَرْقِ يبدو للعيون النواظر )
وقالت أيضا ترثي توبة عن أم حمير وأمها أبنة أخي توبة عن أمها
قال أبو عبيدة أم حمير أخت أبي الجراح العقيلي
قال
وأمها بنت أخي توبة بن حمير
قال وكان الأصمعي يعجب بها
( أيا عَيْنُ بَكِّي توبةَ بنَ حُمَيِّرِ ... بسَحٍّ كفيض الجَدْوَلِ المُتَفَجِّرِ )
( لِتَبْكِ عليه من خَفَاجةَ نسوةٌ ... بماء شؤونِ الغَبْرة المتحدِّر )
( سَمِعْنَ بهيْجَا أرهقتْ فذكرنَه ... ولا يبعَثُ الأحزانَ مثلُ التَّذَكُّر )

( كأنّ فَتَى الفِتْيانِ توبةَ لم يَسِرْ ... بنَجْدٍ ولم يَطْلُعْ مع المُتَغوِّرِ )
( ولم يَرِدِ الماء السَّدامَ إذا بَدَا ... سَنَا الصُّبْحِ في بادي الحواشِي مُنَوِّر )
( ولم يَغْلِبِ الخَصْمَ الضِّجاجَ ويَمْلأ الجِفانَ ... سَدِيفاً يوم نَكْباء صَرْصَر )
( ولم يَعْلُ بالجُرْدِ الجيادِ يَقُودُها ... بسُرّةَ بين الأشْمَساتِ فَايْصُرِ )
( وصحراءَ مَوْماةٍ يَحارُ بها القَطَا ... قَطَعْتَ على هَوْلِ الجَنَان بمِنْسَرِ )
( يقودون قُبًّا كالسَّراحينِ لاَحَها ... سُرَاهُمْ وسَيْرُ الراكبِ المُتَهَجِّرِ )
( فلمّا بدتْ أرضُ العدو سَقَيْتَها ... مُجَاجَ بَقِيّاتِ المَزَادِ المُقَيَّرِ )
( ولمّا أهابُوا بالنِّهابِ حَوَيْتَها ... بخاظِي البَضيعِ كَرُّه غيرُ أعْسَرِ )

( مُمَرٍّ ككَرِّ الأَنْدَرِيِّ مُثَابِرٍ ... إذا ما وَنَيْنَ مُهْلِبِ الشَّدّ مُحْضِرِ )
( فألوتْ بأعناقٍ طِوَالٍ وراعَها ... صَلاَصِلُ بَيْضٍ سابغٍ وسَنَوَّر )
( ألم تَرَ أنّ العبدَ يقتل ربَّه ... فيظهَرُ جَدُّ العبد من غير مَظْهَرِ )
( قتلتم فتىً لا يُسْقطُ الرَّوْعُ رُمْحَه ... إذا الخيلُ جالت في قنًا متكسِّرِ )
( فيا تَوْبُ لِلهَيْجَا ويا تَوْبُ للنَّدَى ... ويا تَوْبُ للمُسْتَنْبِحِ المتنوِّر )
( ألاَ ربّ مكروبٍ أجَبْتَ ونائلٍ ... بذلتَ ومعروف لديكَ ومُنْكَر ) وقالت ترثيه
( أقسمتُ أرثِي بعد توبةَ هالكاً ... وأَحْفِلُ مَنْ دارت عليه الدوائرُ )
( لَعَمْرُكَ ما بالموتِ عارٌ على الفَتَى ... اذا لم تُصِبْه في الحياةِ المَعَايرُ )
( وما أحدٌ حَيٌّ وإنْ عاش سالماً ... بأخْلَدَ ممن غيّبته المقابر )
( ومَنْ كان مما يُحْدِثُ الدهرُ جازعاً ... فلا بُدَّ يوماً أن يُرَى وهو صابر )
( وليس لِذِي عيشٍ عن الموتِ مَقْصَرٌ ... وليس على الأيّامِ والدهر غابرُ )

( ولا الحيُّ مما يُحْدِثُ الدهرُ مُعْتَبٌ ... ولا المَيْتُ إن لم يَصْبِرِ الحيُّ ناشرُ )
( وكلُّ شبابٍ أو جديدٍ إلى بِلًى ... وكلُّ امرىء يوماً إلى الله صائر )
( وكُلُّ قَرِينَيْ أُلْفَةٍ لِتَفَرُّقٍ ... شَتَاتاً وإنْ ضَنّا وطال التّعاشُرُ )
( فلا يُبْعِدَنْكَ الله حيًّا ومَيِّتاً ... أخَا الحرب إن دارتْ عليك الدوائرُ )
ويروى
( فلا يُبْعِدَنْك الله يا توبُ هالكاً ... أخا الحرب إن دارت عليك الدوائر )
( فآليتُ لا أنفَكّ أبكيك ما دعتْ ... على فَنَنٍ ورقاءُ أو طارَ طائرُ )
( قتيلُ بني عَوْفٍ فيا لَهْفَتَا له ... وما كنتُ إيّاهم عليه أُحاذر )
( ولكنما أخشَى عليه قبيلةً ... لها بدروب الروم بادٍ وحاضرُ )
وقالت ترثيه
( كم هاتفٍ بك من باكٍ وباكيةٍ ... يا تَوْبُ للضيف إذ تُدْعَى وللجار )
( وتَوْبُ للخَصْمِ إن جارُوا وان عَدَلوا ... وبدّلوا الأمْرَ نَقْضاً بعد إمرارِ )
( إن يُصْدِرُوا الأمرَ تُطْلِعْهُ مواردَه ... أو يُورِدوا الأمرَ تُحْلِلْهُ بإصدار )
وقالت ترثيه
( هَرَاقتْ بنو عَوْفٍ دماً غيرَ واحدٍ ... له نَبَأُ نَجْدِيُّه سَيَغُورُ )
( تداعتْ له أفناءُ عوفٍ ولم يكن ... له يوم هَضْبِ الرّدْهَتَيْنِ نصيرُ )
وقالت ترثيه
( يا عينُ بَكِّي بدَمْعٍ دائمِ السَّجَمِ ... وابْكِي لتوبةَ عند الرَّوْعِ والبُهَمِ )

( على فَتًى من بني سعدٍ فُجِعْتُ به ... ماذا أُجِنّ به في الحُفْرةِ الرَّجَمِ )
( من كلِّ صافيةٍ صِرْفٍ وقافيةٍ ... مثلِ السِّنَانِ وأمْرٍ غيرِ مُقْتَسَمِ )
( ومُصْدِرٍ حين يُعْيِي القومَ مُصْدِرُهم ... وجَفْنةٍ عند نَحْسِ الكوكب الشَّبِمِ )
وقالت تعير قابضا
( جزى ا لله شَرًّا قابضاً بصَنِيعِهِ ... وكلُّ امرىء يُجْزَى بما كان ساعيَا )
( دعا قابضاً والمُرْهَفاتُ يَرِدْنَه ... فقُبِّحْتَ مدعوًّا ولَبَّيْكَ داعيا )
وقالت لقابض وتعذر عبد الله أخا توبة
( دعا قابضاً والموتُ يَخْفِقُ ظِلُّه ... وما قابضٌ إذ لم يُجِبْ بنَجِيبِ )
( وآسَى عُبَيْدُ الله ثَمَّ أبنَ أمِّه ... ولو شاء نَجَّى يوم ذاك حَبِيبِي )

خبر توبة مع زنجي لقيه في الشام
أخبرني الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي سعد عن أحمد بن معاوية بن بكر قال حدثني أبو الجراح العقيلي عن أمه دينار بنت خيبري بن الحمير عن توبة بن الحمير قال
خرجت إلى الشام فبينا أنا أسير ليلة في بلاد لا أنيس بها ذات شجر نزلت لأريح وأخذت ترسي فألقيته فوقي وألقيت نفسي بين المضطجع والبارك
فلما وجدت طعم النوم إذا شيء قد تجللني عظيم ثقيل قد برك علي ونشزت عنه ثم قمصت منه قماصا فرميت به على وجهه وجلست إلى راحلتي فانتضيت السيف ونهض نحوي فضربته ضربة انخزل منها

وعدت إلى موضعي وأنا لا أدري ما هو أإنسان أم سبع فلما أصبحت إذا هو أسود زنجي يضرب برجليه وقد قطعت وسطه حتى كدت أبريه وانتهيت إلى ناقة مناخة موقرة ثيابا من سلبه وإذا جارية شابة ناهد وقد أوثقها وقرنها بناقته
فسألتها عن خبرها فأخبرتني أنه قتل مولاها وأخذها منه
فأخذت الجميع وعدت إلى أهلي
قال أبو الجراح قالت أمي وأنا أدركتها في الحي تخدم أهلنا

جواب ليلى عندما سألها معاوية عن توبة
أخبرنا اليزيدي عن ثعلب عن أبن الأعرابي قال أخبرنا عطاء بن مصعب القرشي عن عاصم الليثي عن يونس بن حبيب الضبي عن أبي عمرو بن العلاء قال
سأل معاوية بن أبي سفيان ليلى الأخيلية عن توبة بن الحمير فقال ويحك يا ليلى أكما يقول الناس كان توبة قالت يا أمير المؤمنين ليس كل ما يقول الناس حقا والناس شجرة بغي يحسدون أهل النعم حيث كانوا وعلى من كانت
ولقد كان يا أمير المؤمنين سبط البنان حديد اللسان شجا للأقران كريم المخبر عفيف المئزر جميل المنظر
وهو يا أمير المؤمنين كما قلت له
قال وما قلت له قالت قلت ولم أتعد الحق وعلمي فيه
( بَعيدُ الثَّرَى لا يبلُغ القومُ قَعْرَه ... أَلَدُّ مُلِدٌّ يَغْلِبُ الحقَّ بَاطِلُه )

( اذا حلّ رَكْبٌ في ذَرَاه وظِلّهِ ... لِيَمْنَعَهم مما تُخافُ نَوازِلُهْ )
( حماهم بنَصْلٍ السَّيْف من كلِّ فادحٍ ... يخافونه حتى تموتَ خَصَائلُه )
فقال لها معاوية ويحك يزعم الناس أنه كان عاهرا خاربا
فقالت من ساعتها
( مَعَاذَ إلهِي كان واللهِ سَيِّداً ... جَوَاداً على العِلاَّتِ جَمَّاً نَوَافِلُه )
( أغَرَّ خَفَاجِيّا يرى البُخْلَ سُبّةً ... تَحَلَّبُ كَفَّاهُ النَّدَى وأنَامِلُه )
( عفيفاً بعيدَ الهَمِّ صُلْباً قناتُه ... جميلاً مُحَيَّاهُ قليلاُ غوائلُه )
( وقد علِم الجوعُ الذي بات سارياً ... على الضَّيْف والجيرانِ أنّك قاتلُه )
( وأنك رَحْبُ الباع يا تَوْبُ بالقِرَى ... إذا مالئيمُ القومِ ضاقت مَنَازِلُه )
( يَبِيتُ قريرَ العينِ مَنْ بات جارَه ... ويُضْحِي بخيرٍ ضيفُه ومُنَازِلُه )
فقال لها معاوية ويحك يا ليلى لقد جزت بتوبة قدره
فقالت والله يا أمير المؤمنين لو رأيته وخبرته لعرفت أني مقصرة في نعته وأني لا أبلغ كنه ما هو أهله
فقال لها معاوية من أي الرجال كان قالت
( أتتْه المَنَايَا حين تَمّ تَمَامُه ... وأقصر عنه كلُّ قِرْنٍ يُطَاوِلُهْ )
( وكان كليث الغابِ يحمِي عَرِينَه ... وترضَى به أشبالُه وحلائلُه )
( غَضُوبٌ حليمٌ حين يُطْلَبُ حِلْمُه ... وسُمُّ زُعافٌ لا تُصَابُ مَقَاتِلُه )

قال فأمر لها بجائزة عظيمة وقال لها خبريني بأجود ما قلت فيه من الشعر
قالت يا أمير المؤمنين ما قلت فيه شيئا إلا والذي فيه من خصال الخير أكثر منه
ولقد أجدت حين قلت
( جزى اللهُ خيراً والجزاءُ بِكَفه ... فتًى من عُقَيْلٍ ساد غيرَ مُكَلَّفِ )
( فتىً كانتِ الدُّنيا تهونُ بأَسْرِها ... عليه ولا ينفَكّ جَمَّ التَّصَرُّفِ )
( ينالُ عَلِيّاتِ الأُمورِ بهَوْنَةٍ ... إذا هي أعيتْ كلَّ حِرْقٍ مُشَرَّفِ )
( هو الذَّوْبُ بل أرْيُ الخَلاَيَا شَبيهُه ... بدرْياقةٍ من خمر بَيسانَ قَرقفِ )
( فياتَوْبُ مافي العيش خيرٌ ولا نَدًى ... يُعَدّ وقد أمسيتَ في تُرْب نَفْنَفِ )
( وما نَلْتُ منك النَّصْفَ حتى ارتمت بك ال ... بسهمٍ صائب الوقع أعْجَفِ )
( فيا أَلْفَ ألفٍ كنتَ حَيّاً مُسَلَّماً ... لألقاكَ مثلَ القَسْوَرِ المُتَطَرِّفِ )
( كما كنتَ إذ كنتَ المُنَحَّى من الرَّدَى ... إذا الخيلُ جالت بالقَنَا المُتَقَصِّفِ )
( وكمْ من لَهِيفٍ مُحْجَرٍ قد أجبتَه ... بأبيضَ قَطَّاعِ الضَّرِيبَةِ مُرْهَفِ )

( فانقذته والموتُ يَحْرُقُ نابَه ... عليه ولم يُطْعَنْ ولم يُتَنَسَّفِ )

جميل يظهر غيرة على بثينة من توبة
أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن ابن أبي سعد قال حدثت عن القحذمي عن محارب بن غصين العقيلي قال
كان توبة قد خرج إلى الشام فمر ببني عذرة فرأته بثينة فجعلت تنظر إليه فشق ذلك على جميل وذلك قبل أن يظهر حبه لها
فقال له جميل من أنت قال أنا توبة بن الحمير
قال هل لك في الصراع قال ذلك إليك فشدت عليه بثينة ملحفة مورسة فأتزر بها ثم صارعه فصرعه جميل
ثم قال هل لك في النضال قال نعم فناضله فنضله جميل
ثم قال له هل لك في السباق فقال نعم فسابقه فسبقه جميل
فقال له توبة يا هذا إنما تفعل هذا بريح هذه الجالسة ولكن أهبط بنا الوادي فصرعه توبة ونضله وسبقه
ليلى تسخر من عبد الملك عندما حاول ان يسخر منها
أخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال
بلغني أن ليلى الأخيلية دخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنت وعجزت فقال لها ما رأى توبة فيك حين هويك قالت ما رآه الناس فيك

حين ولوك
فضحك عبد الملك حتى بدت له سن سوداء كان يخفيها
وأخبرني الحسن بن علي عن ابن أبي سعد عن أحمد بن رشيد بن حكيم الهلالي عن أيوب بن عمرو عن رجل من بني عامر يقال له ورقاء قال
كنت عند الحجاج بن يوسف فدخل عليه الآذن فقال أصلح الله الأمير بالباب أمرأة تهدر كما يهدر البعير الناد
قال أدخلها فلما دخلت نسبها فانتسبت له
فقال ما أتى بك يا ليلى قالت إخلاف النجوم وقلة الغيوم وكلب البرد وشدة الجهد وكنت لنا بعد الله الرد
قال فأخبريني عن الأرض
قالت الأرض مقشعرة والفجاج مغبرة وذو الغنى مختل وذو الحد منفل
قال وما سبب ذلك قالت أصابتنا سنون مجحفة مظلمة لم تدع لنا فصيلا ولا ربعا ولم تبق عافطة ولا نافطة فقد أهلكت الرجال ومزقت العيال وأفسدت الأموال ثم أنشدته الأبيات التي ذكرناها متقدما
وقال في الخبر قال الحجاج هذه التي تقول

( نحنُ الأَخايِلُ لا يزالُ غُلاَمُنا ... حتّى يَدِبَّ على العصا مشهورَا )
( تَبْكِي الرِّماحُ إذا فَقَدْنَ أكُفَّنا ... جَزَعاً وتَعْرِفُنا الرِّفاقُ بُحورا )
ثم قال لها يا ليلى أنشدينا بعض شعرك في توبة فأنشدته قولها
( لَعَمْرُكَ ما بالموتِ عارٌ على الفَتَى ... اذا لم تُصِبْه في الحياةِ المَعَايرُ )
( وما أحدٌ حَيٌّ وإنْ عاش سالماً ... بأخْلَدَ ممن غيّبته المقابر )
( فلا الحيُّ مما أحدث الدهرُ مُعْتَبٌ ... ولا المَيْتُ إن لم يَصْبِرِ الحيُّ ناشرُ )
( وكلُّ جديدٍ أو شَبَابٍ إلى بِلًى ... وكلُّ امرىء يوماً إلى الموت صائر )
( قتيلُ بني عَوْفٍ فيا لَهْفَتَا له ... وما كنتُ إيّاهم عليه أُحاذر )
( ولكنّني أخشَى عليه قبيلةً ... لها بدروب الشأم بادٍ وحاضرُ )
فقال الحجاج لحاجبه أذهب فاقطع لسانها
فدعا لها بالحجام ليقطع لسانها فقالت ويلك إنما قال لك الأمير أقطع لسانها بالصلة والعطاء فارجع إليه واستأذنه
فرجع إليه فاستأمره فاستشاط عليه وهم بقطع لسانه ثم أمر بها فأدخلت عليه فقالت كاد وعهد الله يقطع مقولي وأنشدته
( حَجّاجُ أنت الذي لا فوقَه أحدٌ ... إلاّ الخليفةُ والمُسْتَغْفَرُ الصَّمَدُ )
( حَجّاجُ أنت سِنانُ الحَرْبِ إن نُهِجتْ ... وأنتَ للنَّاسِ في الداجي لنا تَقِدُ )
أخبرنا الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو الحسن

ميمون الموصلي عن سلمة بن أيوب بن مسلمة الهمداني قال كان جدي عند الحجاج فدخلت عليه أمرأة برزة فانتسبت له فإذا هي ليلى الأخيلية
وأخبرني بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيدي وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال كنت عند الحجاج
وأخبرني وكيع عن إسماعيل بن محمد عن المدائني عن جويرية عن بشر بن عبد الله بن أبي بكر أن ليلى دخلت على الحجاج ثم ذكر مثل الخبر الأول وزاد فيه فلما قالت
( غُلامٌ إذا هزّ القناةَ سقاها ... )
قال لها لا تقولي غلام قولي همام
وقال فيه فأمر لها بمائتين
فقالت زدني فقال أجعلوها ثلاثمائة
فقال بعض جلسائه إنها غنم
فقالت الأمير أكرم من ذلك وأعظم قدرا من أن يأمر لي إلا بالإبل
قال فاستحيا وأمر لها بثلاثمائة بعير وإنما كان أمر لها بغنم لا إبل
وأخبرنا به وكيع عن إبراهيم بن إسحاق الصالحي عن عمر بن شبة عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وقال فيه ألا قلت مكان غلام همام وذكر باقي الخبر الذي ذكره من تقدم وقال فيه فقال لها أنشدينا ما قلت في توبة فأنشدته قولها
( فإنْ تَكُنِ القَتْلَى بَوَاءً فإنّكم ... فتًى ما قلتم آلَ عَوْفِ بن عاِمر )
( فتًى كان أَحْيَا من فَتاةٍ حَيِيّةٍ ... وأشْجَعَ من لَيْثٍ بخَفَّانَ خادرِ )
( أتْته المنايَا دون دِرْعٍ حَصِينةٍ ... وأسْمَرَ خَطِّيٍّ وجَرْداءَ ضامر )
( فنِعْمَ الفتى إنْ كان توبةُ فاجراً ... وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر )

( كأنّ فتَى الفِتْيانِ تَوْبةَ لم يُنِخْ ... قلائصَ يَفْحَصْنَ الحَصَا بالكَرَاكِر )
فقال لها أسماء بن خارجة أيتها المرأة إنك لتصفين هذا الرجل بشيء ما تعرفه العرب فيه
فقالت أيها الرجل هل رأيت توبة قط قال لا
فقالت أما والله لو رأيته لوددت أن كل عاتق في بيتك حامل منه فكأنما فقىء في وجه أسماء حب الرمان
فقال له الحجاج وما كان لك ولها
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي سعد عن محمد بن علي بن المغيرة قال سمعت أبي يقول سمعت الأصمعي يذكر أن الحجاج أمر لها بعشرة آلاف درهم وقال لها هل لك من حاجة قالت نعم أصلح الله الأمير تحملني الى أبن عمي قتيبة بن مسلم وهو على خراسان يومئذ فحملها إليه فأجازها وأقبلت راجعة تريد البادية فلما كانت بالري ماتت فقبرها هناك هكذا ذكر الأصمعي في وفاتها وهو غلط
وقد أخبرني عمي عن الحزنبل الأصبهاني عمن أخبره عن المدائني وأخبرني الحسن بن علي عن ابن مهدي عن ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن النخعي عن ابن الخصيب الكاتب واللفظ في الخبر للحزنبل وروايته أتم

وفاة ليلى الأخيلية
أن ليلى الأخيلية أقبلت من سفر فمرت بقبر توبة ومعها زوجها وهي في هودج لها
فقالت والله لا أبرح حتى أسلم على توبة فجعل زوجها يمنعها من ذلك وتأبى إلا أن تلم به
فلما كثر ذلك منها تركها فصعدت أكمة عليها قبر توبة فقالت السلام عليك يا توبة ثم حولت وجهها إلى القوم فقالت ما عرفت له كذبة قط قبل هذا قالوا وكيف قالت أليس القائل

صوت
( ولو أنّ ليلَى الأَخْيَليّةَ سَلَّمتْ ... عليّ ودوني تُرْبةٌ وصفائحُ )
( لَسَلَّمْتُ تسليمَ البشَاشةِ أو زَقَا ... إليها صَدًى من جانب القبر صائح )
( وأُغْبَطُ من ليلَى بما لا أنالُه ... ألاَ كُلُّ ما قَرَّتْ به العينُ صالح )
فما باله لم يسلم علي كما قال
وكانت الى جانب القبر بومة كامنة فلما رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت في وجه الجمل فنفر فرمى بليلى على رأسها فماتت من وقتها فدفنت الى جنبه
وهذا هو الصحيح من خبر وفاتها
غنى في الأبيات المذكورة آنفا حكم الوادي لحنين أحدهما رمل بالوسطى عن عمرو والآخر خفيف ثقيل أول بالوسطى عن حبش وقال حبش وفيها لحنان لجميلة والميلاء رملان بالبنصر وذكر أبو العبيس بن حمدون أن الرمل لعمر الوادي
قال أبو عبيدة كان توبة شريرا كثير الغارة على بني الحارث بن كعب وخثعم وهمدان فكان يزور نساء منهن يتحدث اليهن وقال
( أَيَذْهَبُ رَيْعانُ الشَّبابِ ولم أَزُرْ ... غرائرَ من هَمْدانَ بِيضاً نُحورُها )
قال أبو عبيدة وكان توبة ربما ارتفع الى بلاد مهرة فيغير عليهم وبين بلاد مهرة وبلاد عقيل مفازة منكرة لا يقطعها الطير وكان يحمل مزاد الماء

فيدفن منه على مسيرة كل يوم مزادة ثم يغير عليهم فيطلبونه فيركب بهم المفازة وإنما كان يتعمد حمارة القيظ وشدة الحر فإذا ركب المفازة رجعوا عنه
أخبرني حرمي عن الزبير عن يحيى بن المقدام الربعي عن عمه موسى بن يعقوب قال
دخل عبد الله بن مروان على زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فرأى عندها امرأة بدوية أنكرها فقال لها من أنت قالت أنا الوالهة الحرى ليلى الأخيلية
قال أنت التي تقولين
( أرِيقتْ جِفانُ ابنِ الخَليعِ فأصبحتْ ... حِياضُ النَّدَى زَالَتْ بهنّ المراتبُ )
( فعُفَاتهُ لهفى يطوفون حوله ... كما انقضّ عرشُ البئر والوِرْدُ عاصبُ )
قالت أنا التي أقول ذلك
قال فما أبقيت لنا قالت الذي أبقاه الله لك
قال وما ذاك قالت نسبا قرشيا وعيشا رخيا وامرة مطاعة
قال أفردته بالكرم قالت أفردته بما أفرده الله به
فقالت عاتكة إنها قد جاءت تستعين بنا عليك في عين تسقيها وتحميها لها
ولست ليزيد إن شفعتها في شيء من حاجاتها لتقديمها أعرابيا حلفا على أمير المؤمنين
قال فوثبت ليلى فقامت على رجلها واندفعت تقول
( ستَحْمِلُني ورَحْلي ذاتُ وَخْدٍ ... عليها بنتُ آباءٍ كرامِ )

( إذا جعلتْ سوادَ الشَّأم جَنْباً ... وغُلِّقَ دونَها بابُ اللِّئامِ )
( فليس بعائدٍ أبداً إليهم ... ذوو الحاجات في غَلَسِ الظَّلام )
( أعَاتِكُ لو رأيتِ غَداةَ بِنَّا ... عَزاءَ النَّفْسِ عنكُم واعتزامي )
( إذاً لَعَلمتِ واستَيْقَنْتِ أنِّي ... مُشَيَّعةٌ ولم تَرْعَيْ ذِمَامِي )
( أأجعلُ مثلَ توبةَ في نَدَاهُ ... أبا الذِّبَّانِ فُوهُ الدَّهْرَ دامِي )
( مَعَاذَ الله ما عَسَفتْ برَحْلِي ... تُغِذّ السَّيْرَ للبلد التَّهَامِي )
( أقُلْتِ خليفةٌ فَسِواه أحْجَى ... بإمْرَتِه وأوْلَى باللِّثامِ )
( لِثَامِ الملك حين تُعَدُّ كَعْبٌ ... ذوو الأخطار والخُطَطِ الجِسَامِ )
فقيل لها أي الكعبين عنيت قالت ما أخال كعبا ككعبي

خبر آخر في وفودها على الحجاج
أخبرنا اليزيدي عن الخليل بن أسد عن العمري عن الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن الحجاج بن يوسف قال
بينا الأمير جالس إذ استؤذن لليلى
فقال الحجاج ومن ليلى قيل الأخيلية صاحبة توبة
قال أدخلوها
فدخلت امرأة طويلة دعجاء العينين حسنة المشية إلى الفوه ما هي حسنة الثغر فسلمت فرد الحجاج عليها ورحب بها فدنت فقال الحجاج دراك ضع لها وسادة يا غلام

فجلست
فقال ما أعملك إلينا قالت السلام على الأمير والقضاء لحقه والتعرض لمعروفه
قال وكيف خلفت قومك قالت تركتهم في حال خصب وأمن ودعة
أما الخصب ففي الأموال والكلأ
وأما الأمن فقد أمنهم الله عز و جل بك
وأما الدعة فقد خامرهم من خوفك ما أصلح بينهم
ثم قالت ألا أنشدك فقال إذا شئت
فقالت
( أحَجَّاجُ إنّ اللهَ أعطاك غايةً ... يُقَصِّرُ عنها مَنْ أرادَ مَدَاهَا )
( أحَجَّاجُ لا يُفْلَلْ سِلاَحُكَ إنّما المَنَايَا ... بكَفِّ الله حيث تراها )
( إذا هبَط الحجّاجُ أرضاً مريضةً ... تَتَبَّعَ أقصَى دائها فشَفَاها )
( شَفَاهَا من الدَّاء العُضَالِ الَّذِي بها ... غُلاّمٌ إذا هَزّ القناةَ سَقَاها )
( سَقَاهَا دِماءَ المارقينَ وعَلّها ... إذا جَمَحتْ يوماً وخِيفَ أذاها )
( إذا سَمِع الحجّاجُ رِزَّ كَتِيبةٍ ... أعَدّ لها قبل النُّزول قِرَاها )
( أعدّ لها مصقولةً فارسيَّةً ... بأيدي رِجَالٍ يَحْلِبون صَرَاها )
( أحَجَّاجُ لا تُعْطِ العُصاةَ مُنَاهُمُ ... ولا اللهُ يُعْطِي لِلعُصاةِ مُنَاها )
( ولا كلَّ حَلاَّفٍ تَقَلّدَ بيعةً ... فأعْظَمَ عهدَ الله ثم شَرَاها )
فقال الحجاج ليحيى بن منقذ لله بلادها ما أشعرها
فقال ما لي بشعرها علم
فقال علي بعبيدة بن موهب وكان حاجبه فقال أنشديه فأنشدته فقال عبيدة هذه الشاعرة الكريمة قد وجب حقها
قال ما أغناها عن شفاعتك يا غلام مر لها بخمسمائة درهم واكسها خمسة أثواب أحدها كساء خز وأدخلها على ابنة عمها هند بنت أسماء فقل لها حليها

فقالت أصلح الله الأمير
أضر بنا العريف في الصدقة وقد خربت بلادنا وانكسرت قلوبنا فأخذ خيار المال
قال اكتبوا لها الى الحكم بن أيوب فليبتع لها خمسة أجمال وليجعل أحدها نجيبا وأكتبوا الى صاحب اليمامة بعزل العريف الذي شكته
فقال ابن موهب أصلح الله الأمير أأصلها قال نعم فوصلها بأربعمائة درهم ووصلتها هند بثلاثمائة درهم ووصلها محمد بن الحجاج بوصيفتين
قال الهيثم فذكرت هذا الحديث لإسحاق بن الجصاص فكتبه عني ثم حدثني عن حماد الراوية قال لما فرغت ليلى من شعرها أقبل الحجاج على جلسائه فقال لهم أتدرون من هذه قالوا لا والله ما رأينا امرأة أفصح ولا أبلغ منها ولا أحسن إنشادا
قال هذه ليلى صاحبة توبة
ثم أقبل عليها فقال لها بالله يا ليلى أرأيت من توبة أمرا تكرهينه أو سألك شيئا يعاب قالت لا والله الذي أسأله المغفرة ما كان ذلك منه قط
فقال إذا لم يكن فيرحمنا الله وإياه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي عن خالد بن سعيد عن أبيه قال كنت عند الحجاج فدخلت عليه ليلى الأخيلية ثم ذكر مثل الخبر الأول وزاد فيه فلما قالت
( غلامٌ إذا هزّ القناةَ سقاها ... )
فقال لا تقولي غلام قولي همام

صوت
( سَالَنِي الناسُ أينَ يَعْمِدُ هذا ... قلتُ آتِي في الدَّار قَرْماً سَرِيّا )

( ما قطعتُ البلادَ أسْرِي ولا يَمَّمْتُ ... إلاّ إيّاكَ يا زكريّا )
( كَمْ عطاءٍ ونائلٍ وجزيلٍ ... كان لي منكُم هَنِيّاً مَرِيّا )
عروضه من الخفيف الشعر للأقيشر الأسدي
والغناء لدحمان وله فيه لحنان أحدهما خفيف ثقيل من أصوات قليلة الأشباه عن إسحاق والآخر ثقيل أول بالبنصر في الثالث والثاني عن عمرو وذكر يونس أنه للأبجر ولم يجنسه وذكر الهشامي أن لحن الأبجر خفيف ثقيل وأن لحن ابن بلوع في الثالث ثاني ثقيل
وليحيى بن واصل ثقيل أول بالوسطى بالوسطى

ذكر الأقيشر وأخباره
سبب تلقيبه الأقيشر
الأقيشر لقب غلب عليه لأنه كان أحمر الوجه أقشر واسمه المغيرة بن عبد الله بن معرض بن عمرو بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار
وكان يكنى أبا معرض وقد ذكر ذلك في شعره في مواضع عدة منها قوله
( فإنّ أبا مُعْرِضٍ إذ حَسَا ... من الرَّاحِ كأْساً على المِنْبَرِ )
( خَطيبٌ لَبِيبٌ أبو مُعْرِضٍ ... فإنْ لِيمَ في الخَمْرِ لم يَصْبِرِ )
وعمر عمرا طويلا فكان أقعد بني أسد نسبا وما أخلقه بأن يكون ولد في الجاهلية ونشأ في أول الإسلام لأن سماك بن مخرمة الأسدي صاحب سماك بالكوفة بناه في أيام عمر وكان عثمانيا وأهل تلك المحلة إلى اليوم كذلك
فيروي أهل الكوفة أن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لم يصل فيه وأهل الكوفة إلى اليوم يجتنبونه
وسماك الذي بناه هو سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث بن عمرو بن معرض بن أسد والأقيشر أقعد نسبا منه
وقال الأقيشر في ذكر مسجد سماك شعرا
أخبرني محمد بن الحسن الكندي الكوفي قال أخبرني الحسن بن عليل

العنزي عن محمد بن معاوية وكنيته أبو عبد الله محمد بن معاوية قال الأقيشر من رهط خريم بن فاتك الأسدي
وخريم إنما نسب إلى جد أبيه فاتك وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك الأسدي وفاتك ابن قليب بن عمرو بن أسد
والأقيشر هو المغيرة بن عبد الله بن معرض بن عمرو بن أسد
قال وهو القائل لما بنى سماك بن مخرمة مسجده الذي بالكوفة وهو أكبر مسجد لبني أسد وهو في خطة بني نصر بن قعين
( غَضِبتْ دُودانُ من مَسْجِدنا ... وبه يَعْرِفُهم كلُّ أَحَدْ )
( لو هَدَمْنَا غُدْوةً بنْيانَه ... لاَنْمحتْ أسماؤهم طُولَ الأبَدْ )
( اسمُهم فيه وهم جِيرانُه ... واسمُه الدَّهْرَ لعمرو بن أَسَدْ )
( كُلّمَا صَلَّوْا قَسَمْنَا أَجْرَه ... فلَنَا النِّصْفُ على كلِّ جَسَدْ )
فحلف بنو دودان ليضربنه
فأتاهم فقال قد قلت بيتا محوت به كل ما قلت
قالوا وما هو يا فاسق قال قلت
( وبنو دُودانَ حَيٌّ سادةٌ ... حَلّ بيتُ المَجْدِ فيهم والعَدَدْ )
فتركوه
أخبرني وكيع عن إسماعيل بن مُجَمِّع عن المدائني قال وأخبرني أبو أيوب المديني عن محمد بن سلام قال
كان الأقيشر كوفيا خليعا ماجنا مدمنا لشرب الخمر وهو الذي يقول لنفسه
( فإنّ أبا مُعرِضٍ إذ حَسَا ... من الرّاح كأْساً على المِنْبَرِ )

( خطيبٌ لبيبٌ أبو مُعْرِضٍ ... فصار خليعاً على المَكْبِرِ )
( أحَلّ الحرامَ أبو مُعْرِضٍ ... فإنْ لِيمَ في الخمر لم يَصْبِرِ )
( يُجِلّ الِّلئامَ يلحي الكرامَ ... وإن أقصروا عنه لم يُقْصِرِ )

كان يهجو من يناديه بلقبه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني وأخبرني عبد الوهاب بن عبيد الصحاف الكوفي عن قعنب بن محزر الباهلي عن المدائني
أن الأقيشر مر يريد الحيرة فاجتاز على مجلس لبني عبس فناداه أحدهم يا أقيشر وكان يغضب منها فزجره الأشياخ ومضى الأقيشر ثم عاد إليه ومعه رجل وقال له قف معي فإذا أنشدت بيتا فقل لي ولم ذلك ثم انصرف وخذ هذين الدرهمين
فقال له أنا أصير معك إلى حيث شئت يا أبا معرض ولا أرزؤك شيئا قال فأفعل فأقبل حتى أتى مجلس القوم فوقف عليهم ثم تأملهم وقد عرف الشاب فأقبل عليه وقال
( أتدعوني الأُقَيْشِرَ ذلك اسمي ... وأدعوك ابنَ مُطْفئةِ السِّراجِ )
فقال له الرجل ولم ذاك فقال
( تُناجِي خِدْنَها بالليلِ سِرًّا ... ورَبُّ الناس يعلَمُ ما تُنَاجِي )

قال قعنب في خبره فلقب ذلك الرجل ابن مطفئة السراج
وقال قعنب في خبره عن المدائني أخبرنا به اليزيدي عن الخراز عن المدائني في كتاب الجوابات ولم يروه الباقون
كان الأقيشر يكتري بغلة أبي المضاء المكاري فيركبها إلى الخمارين بالحيرة
فركبها يوما ومضى لحاجته وعند أبي المضاء رجل من تميم يكنى أبا الضحاك فقال له من هذا قال الأقيشر
فأخذ طبق الميزان وكتب فيه
( عَجِبْتُ لشاعرٍ من حَيِّ سَوْءٍ ... ضَئِيلِ الجسمِ مِبْطانٍ هَجِينِ )
وقال لأبي المضاء إذا جاء فأقرئه هذا
فلما جاء أقرأه
فقال له الأقيشر ممن هو قال من بني تميم
فكتب الأقيشر تحت كتابه
( فلا أَسَداً أسب ولا تَمِيماً ... وكيف يجوزُ سَبُّ الأكرمينَ )
( ولكنّ التَّمِيمِي حال بيني ... وبينَك يا ابنَ مُضْرِطةِ العَجِينِ )
فهرب إلى الكوفة فلم يزد على هذا
وقال قعنب في خبره عن المدائني فجاء التميمي فقرأ ما كتب فكتب تحته
( يأيها المُبْتَغِي حُشّاً لحاجته ... وجهُ الأُقَيْشِرِ حشٌّ غيرُ ممنوعِ )
فلما قرأه قال اللهم إني أستعديك عليه وكتب تحته

( إنِّي أتاني مقالٌ كنت آمَنُه ... فجاء من فاحشٍ في الناس مخلوعِ )
( عبدِ العزيز أبو الضحّاك كُنْيَتُه ... فيه من اللُّؤْمِ وَهْيٌ غير ممنوع )
( ولم تَبِتْ أُمُّهُ إلاّ مُطَاحَنَةً ... وأن تُؤَاجَر في سوق المراضيع )
( ينساب ماء البرايا في استها سَرِباً ... كأنما انساب في بعض البلاليع )
( مِنْ ثَمّ جاءت به والبَظْرُ حَنَّكَه ... كأنه في استها تِمْثالُ يُسروع )
فلما جاءه جزع ومشى إليه بقوم من بني تميم فطلبوا أن يكف ففعل
وأما عبد الله بن خلف فذكر عن أبي عمرو الشيباني أن الأقيشر قال هذا في مسكين
والشعر الذي فيه الغناء يقوله الأقيشر في زكريا بن طلحة الذي يقال له الفياض وكان مداحا له

عبد الملك اعجب بشعره فمدحه
أخبرني الحسن بن علي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال غنت جارية عند عبد الملك بن مروان بشعر الأقيشر
( قرّب اللهُ بالسلامِ وحيّا ... زَكَرِيّا بنَ طَلّحةَ الفَيَّاضِ )

( مَعْدِنُ الضَّيْفِ إنْ أناخوا إليه ... بعد أَيْنِ الطلائح الأنقاض )
( ساهماتُ العيونِ خوصٌ رَذَايا ... قد براها الكَلاَلُ بعد أياض )
( زادَه خالدُ ابنُ عمّ أبيه ... مَنْصِباً كان في العُلاَ ذا انتقاض )
( فَرْعُ تَيْمِ من مُرّةَ حَقّاً ... قد قضَى ذاك لابن طلحةَ قاض )
فقال عبد الملك للجارية ويحك لمن هذا قالت للأقيشر
قال هذا المدح لا على طمع ولا فرق وأشعر الناس الأقيشر
وذكر عبد الله بن خلف أن أبا عمرو الشيباني أخبره أن الكميت بن زيد لقي الأقيشر في سفرة فقال له أين تقصد يا أبا معرض فقال
( سالني الناس أين يَقْصِدُ هذا ... قلتُ آتي في الدار قَرْماً سَرِيّا )
وذكر باقي الأبيات التي فيها الغناء فلم يزل الكميت يستعيده إياها مرارا ثم قال ما كذب من قال إنك أشعر الناس

اتهم بالعنة فنفى ذلك
أخبرني عمي عن الكراني عن ابن سلام قال
كان الاقيشر عنينا وكان لا يأتي النساء وكان كثيرا ما كان يصف

ضد ذلك من نفسه
فجلس إليه يوما رجل من قيس فأنشده الأقيشر
( ولقد أروح بِمُشْرِفٍ ذي شَعْرةٍ ... عَسِرِ المَكَرَّةِ ماؤه يَتَفَصَّدُ )
( مَرِحٍ يطيرُ من المِرَاحِ لُعَابُه ... وتكاد جِلْدَتُه به تتقدّد )
ثم قال للرجل أتبصر الشعر قال نعم
قال فما وصفت قال فرسا
قال أفكنت لو رأيته ركبته قال إي والله وأثني عطفه
فكشف عن أيره وقال هذا وصفت فقم فاركبه
فوثب الرجل من مجلسه وجعل يقول له قبحك الله من جليس سائر اليوم
ونسخت من كتاب عبد الله بن خلف حدثني أبو عمرو الشيباني قال
ماتت بنت زياد العصفري فخرج الأقيشر في جنازتها فلما دفنوها انصرف
فلقيه عابس مولى عائذ الله فقال له هل لك في غداء وطلاء أتيت به من طيزناباذ قال نعم
فذهب به إلى منزله فغداه وسقاه فلما شرب قال
( فليتَ زِياداً لا يَزَلْنَ بَنَاتُه ... يَمُتْنَ وألقَى كُلَّمَا عِشتُ عابسَا )
( فذلك يومٌ غاب عنِّيَ شَرُّه ... وأنجحتُ فيه بعد ما كنتُ آيِسا )
ونسخت من كتابه حدثني أبو عمرو قال
شرب الأقيشر في بيت خمار بالحيرة فجاءه الشرط ليأخذوه فتحرز

منهم وأغلق بابه وقال لست أشرب فما سبيلكم علي قالوا قد رأينا العس في كفك وأنت تشرب
قال إنما شربت من لبن لقحة لصاحب الدار فلم يبرحوا حتى أخذوا منه درهمين
فقال
( إنَّما لِقْحَتُنا بَاطِيَةٌ ... فإذَا ما مُزِجتْ كانت عَجَبْ )
( لَبَنٌ أصفرُ صافٍ لونُه ... يَنْزع الباسورَ من عَجْبِ الذَّنَبْ )
( إنما نشرَب من أموالنا ... فسَلوا الشُّرْطِيَّ ما هذا الغَضَبْ )
أخبرني الحسن بن علي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال
دخل وفد بني أسد على عبد الملك بن مروان فقال من شاعركم يا بني أسد قالوا إن فينا لشعراء ما يرضى قومهم أن يفضلوا عليهم أحدا
قال لهم فما فعل الأقيشر قالوا مات
قال لم يمت ولكنه مشتغل بعشقه وما أبعد أن يكون شاعركم إلا أنه يضيع نفسه
أليس هو القائل
( يأيُّها السائل عَمّا مَضَى ... مِنْ عِلْمِ هذا الزَّمن الذاهبِ )
( إن كنتَ تَبْغِي العلمَ أوْ أهلَه ... أو شاهداً يُخْبِرُ عن غائبِ )
( فاعتبرِ الأرضَ بأسمائها ... واعتبرِ الصاحبَ بالصاحبِ )
وذكر عبد الله بن خلف عن أبي عمرو الشيباني أن جارا للأقيشر طحانا كان ينسىء الناس يكنى أبا عائشة
فأتاه الأقيشر يسأله فلم يعطه فقال له
( يُرِيدُ النساءَ ويأبى الرجالَ ... فما لي وما لأبي عائشه )

( أدامَ له الله كَدَّ الرِّجالِ ... وأثكله ابنتَه عائشه )
فأعطاه ما أراد واستعفاه من أن يزيد شيئا
نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي بخطه قال الهيثم بن عدي حدثني عطاف بن عاصم بن الحدثان قال
مر أعرابي من بني تميم كان يهزأ بالأقيشر فقال له
( أبا مُعْرِضٍ كن أنتَ إن مُتُّ دَافِنِي ... إلى جَنْبِ قبرٍ فيه شِلْوُ المُضَلَّلِ )
( فعَلِّيَ أنْ أنجو من النارِ إنّها ... تُضَرَّمُ للعبد اللئيمِ المُبَخَّلِ )
( بذلك أوصاها الإلهُ ولم تَزَلْ ... تُحَشُّ بأوصالٍ وتُرْبٍ وجَنْدَل )
( وأنت بحمدِ الله إن شئتَ مُفْلِتِي ... بحَزْمِك فاحْزُمْ يا أقيشرُ واعْجَل )
فقال له ممن أنت قال من بني تميم ثم أحد بني الهجيم بن عمرو بن تميم
فقال الأقيشر
( تميمَ بنَ مُرٍّ كَفْكِفُوا عن تَعَمُّدِي ... بذُلٍّ فإنِّي لستُ بالمتذلِّلِ )
( أيهزَأ بي العبدُ الهُجَيْمِيُّ ضَلَّةَ ... ومثلي رمى ذا التُّدْرَإ المتضلِّل )
( بداهيةٍ دَهْياءَ لا يَسْتَطِيعُها ... شماريخُ من أركان سَلْمَى ويَذْبُل )
( وبالله لولا أنّ حِلْمِيَ زَاجِرِي ... تركتُ تميماً ضُحْكةً كلَّ مَحْفِلِ )
( فكُفُّوا رماكم ذو الجلالِ بخِزْية ... تُصَبِّحُكم في كلِّ جَمْعٍ ومنزل )

( فأنتم لئامُ الناسِ لا تُنْكِرونه ... وألأمُكم طُرًّا حُرَيْثُ بن جَنْدَلِ )
فصار إليه شيوخ من بني الهجيم واعتذروا إليه واستكفوه فكف

كان يرتجل الشعر وهو في حلقات الشرب والغناء
أخبرني الأخفش قال حدثني أبو الفياض بن أبي شراعة عن أبيه قال
شرب الأقيشر بالحيرة في بيت فيه خياط مقعد ورجل أعمى وعندهم مغن مطرب فطرب الأقيشر فسقاهم من شربه فلما انتشوا وثب الأعمى يسعى في حوائجهم وقفز الخياط المقصد يرقص على ظلعه
فجهد في ذلك كل جهد
فقال الأقيشر
( ومُقْعَدِ قومٍ قد مشى من شَرَابِنا ... وأَعْمَى سَقَيناه ثلاثا فأبصرا )
( شراباً كريح العَنْبَرِ الوَرْدِ رِيحُه ... ومَسْحوقِ هِنْدِيٍّ من المسكِ أذفرا )
( من الفَتَياتِ الغُرِّ من أرضِ بابلٍ ... إذا شَفّها الحانِي من الدَّنّ كبّرا )
( لها من زُجاج الشام عُنْقٌ غريبة ... تأنّق فيها صانعٌ وتخيَّرا )
( ذخائرُ فرعونَ التي جُبِيتْ له ... وكلٌّ يُسَمَّى بالعَتِيق مشهَّرا )
( إذا ما رآها بعد إنقاء غَسْلِها ... تدور علينا صائمُ القوم أفطرا )
أخبرنا علي بن سليمان قال حدثني سوار قال حدثني أبي قال
كان الأقيشر صاحب شراب وندامى فأشخص الحجاج بعض ندمائه إلى

بعض النواحي ومات بعضهم ونسك بعضهم وهرب بعضهم فقال في ذلك
( غُلِبَ الصَّبْرُ فاعترتْني هُمُومٌ ... لفِرَاقِ الثِّقاتِ من إخواني )
( مات هذا وغاب هذا وهذا ... دائبٌ في تِلاَوةِ القُرْآن )
( ولقد كان قبل إظهاره النُّسْكَ ... قديماً من أظرف الفتيان )
وأخبرني أبو الحسن الأسدي عن العنزي قال قال ابن الكلبي حدثني سلمة ابن عبد سواع عن أبيه قال
كان الأقيشر لا يسأل أحدا أكثر من خمسة دراهم يجعل درهمين في كراء بغل إلى الحيرة ودرهمين للشراب ودرهما للطعام
وكان له جار يكنى أبا المضاء له بغل يكريه وكان يعطيه درهمين ويأخذ بغله فيركبه الى الحيرة حتى يأتي بيت الخمار فينزل عنده ويربطه بلجامه وسرجه فيقال إنه أعطى ثمنه في الكراء ثم يجلس فيشرب حتى يمسي ثم يركبه وينصرف
فقال في ذلك
( يا بَغْلُ بَغْلَ أبِي المَضاء تَعَلَّمَنْ ... أنِّي حلفتُ ولليمين نُذُورُ )
( لتُعَسِّفَنَّ وإن كَرِهْتَ مَهَامِهاً ... فيما أُحِبّ وكلُّ ذاك يسيرُ )
( بالرغْمِ يا ولدَ الحمارِ قطعتَها ... عمداً وأنت مُذَلَّلٌ مصبور )
( حتى تزور مُسَمِّعاً في داره ... وترى المُدَامةَ بالأكُفِّ تدورُ )
( لا يَرفعون بما يسوءُك نَعْرةً ... وإذا سَخِطْتَ فخَطْبُ ذاك صغيرُ )

خبره مع أم حنين في بيت الخمار
قال فأتى يوما من الأيام بيت الخمار الذي كان يأتيه فلم يصادفه فجعل

ينتظره ودخلت الدار امرأة عبادية فقال لها ما فعل فلان قالت مضى في حاجة وأنا امرأته فما تريد قال نبيذا
قالت بكم قال بدرهمين
قالت هلم درهميك وانتظرني
قال لا
قالت فذلك إليك ومضت وتبعها فدخلت دارا لها بابان وخرجت من أحدهما وتركته
فلما طال جلوسه خرج إليه بعض أهل الدار قالوا وما يجلسك فأخبرهم
فقالوا له تلك امرأة محتالة يقال لها أم حنين من العباديين
فعلم أنه قد خدع فانصرف الى خماره فأخبره بالقصة وقال له أنسئني اليوم فاسقني ففعل
وأنشأ الأقيشر يقول
( لم يُغَرَّرْ بذاتِ خُفٍّ سِوَانَا ... بعد أُخت العِبَادِ أُمِّ حُنَيْنِ )
( وَعَدتْنَا بدرهمين نبيذاً ... أو طِلاءً مُعَجَّلاً غيرَ دَيْنِ )
( ثم ألوتْ بالدرهمين جميعاً ... يا لَقَوْمِي لِضَيْعةِ الدرهمين )
وذكر هذا الخبر عبد الله بن خلف عن أبي عمرو الشيباني وزاد فيه أن الخمار كان يسمى بحنين وأن المرأة المحتالة قالت له إنها أم حنين الخمار الذي كان يعامله حتى أخذت الدرهمين ثم هربت منه وذكر الأبيات الثلاثة التي تقدمت وبعدها
( عاهدتْ زوجَها وقد قال إنِّي ... سوف أغدُو لحاجتي ولِدَيْنِي )
( فدَعَتْ كالحِصَانِ أبيضَ جَلْداً ... وافرَ الأَيْرِ مُرْسَلَ الخُصْيَتَيْنِ )
( قال ما أَجْرُذا هُدِيت فقالت ... سوف أُعطيك أجْرَه مَرَّتين )
( فأبدِأ الآنَ بالسِّفَاحِ فلمّا ... سافحْته أرْضَتْه بالأُخْرَيَيْنِ )

( تَلَّها للجَبِينِ ثُمَّ امتطاها ... عَالِمُ الأَيْر أفْحَجُ الحالبين )
( بينما ذاك منهما وهي تحوِي ... ظهرَه بالبَنَانِ والمِعْصَمَيْنِ )
( جاءها زَوْجُها وقد شام فيها ... ذا انتصابٍ مُوَثَّقَ الأَخْدَعَيْنِ )
( فتأسَّى وقال وَيْلٌ طويلٌ ... لِحُنَيْنٍ من عارِ أُمِّ حُنَيْنِ )
قال فجاء حنين الخمار فقال له يا هذا ما أردت بهجائي وهجاء أمي
قال أخذت مني درهمين ولم تعطني شرابا
قال والله ما تعرفك أمي ولا أخذت منك شيئا قط فانظر إلى أمي فإن كانت هي صاحبتك غرمت لك الدرهمين
قال لاوالله ما أعرف غير أم حنين ما قالت لي إلا ذلك ولا أهجو إلا أم حنين وابنها فإن كانت أمك فإياها أعني
وإن كانت أم حنين أخرى فإياها أعني
فقال أذا لا يفرق الناس بينهما
قال فما علي أذا أترى درهمي يضيعان فقال له هلم إذا أغرمهما لك وأقم ما تحتاج إليه لا بارك الله لك ففعل

كان يرفض القليل من العطاء
قال عبد الله وحدثني أبو عمرو قال
كان العريان بن الهيثم النخعي صديقا للأقيشر فقال له يا أقيشر إني أريد أن أمتد الى الشأم فأكتبني من ملحك فأكتبه
فخرج إلى الشأم فأصاب مالا فبعث الى الأقيشر بخمسين درهما ففعل وقال هات
قال المولى على أن تهجوه إذ وضع منك قال نعم فأعطاه خمسين درهما
وقال الأقيشر

( وسألتَني يومَ الرَّحِيلِ قصائداً ... فَملأْتُهُنَّ قصائداً وكتَابَا )
( إنَّي صَدَقتُك إذ وجدتُك صادقاً ... وكَذَبْتَني فوجدتَني كَذّابا )
( وفتحتُ باباً للخِيانةِ عامداً ... لَمّا فتحتَ من الخِيانةِ بابا )
وكان أبو العريان على الشرطة فخافه الأقيشر من هجاء ابنه
وبلغ الهيثم هذه الأبيات فبعث إليه بخمسمائة درهم وسأله الكف عن ابنه وألا يشهره فأخذها وفعل
قال أبو عمرو وخطب رجل من حضرموت امرأة من بني أسد فأقبل يسأل عنها وعن حسبها وأمهاتها حتى جاء الأقيشر فسأله عنها
فقال له من أين أنت قال من حضرموت
فأنشأ يقول
( حَضْرَمَوْتٌ فَتَّشَتْ أحسابنَا ... وإلينا حَضْرَمَوْتٌ تَنْتَسِبْ )
( إخوةُ القِرْدِ وهم أعمامُه ... بَرِئتْ منكم إلى الله العَرَبْ )
أخبرني الحسن بن علي عن أبي أيوب المديني قال قال أبو طالب الشاعر حدثني رجل من بني أسد قال
سمعت عمة الأقيشر تقول له يوما اتق الله وقم فصل فقال لا أصلي
فأكثرت عليه فقال قد أبرمتني فاختاري خصلة من خصلتين إما أن أصلي ولا أتطهر وإما أن أتطهر ولا أصلي
قالت قبحك الله فإن لم يكن غير هذا فصل بلا وضوء

كان يحتال على رجال الشرطة فيتخلص منهم
قال أبو أيوب وحدثت أنه شرب يوما في بيت خمار بالحيرة فجاء شرطي من شرط الأمير ليدخل عليه فغلق الباب دونه
فناداه الشرطي اسقني نبيذا وأنت آمن
فقال والله ما آمنك ولكن هذا ثقب في البال فاجلس عنده

وأنا أسقيك منه ثم وضع له أنبوبا من قصب في الثقب وصب فيه نبيذا من داخل والشرطي يشرب من خارج الباب حتى سكر
فقال الأقيشر
( سأل الشُّرْطِيُّ أن نَسْقِيَه ... فَسَقيناه بأنبوب القَصَبْ )
( إنما نشرَب من أموالنا ... فسَلُوا الشُّرْطِيِّ ما هذا الغضب )
أخبرني عمي عن الكراني عن قعنب بن المحرز وحدثنا محمد بن خلف عن أبي أيوب المديني عن قعنب بن الهيثم بن عدي قال
كان قيس بن محمد بن الأشعث ضرير البصر فأتاه الأقيشر فسأله فأمر قهرمانه فأعطاه ثلاثمائة درهم فقال لاأريدها جملة ولكن مر القهرمان أن يعطيني في كل يوم ثلاثة دراهم حتى تنفذ
فكان يأخذها منه فيجعل درهما لطعامه ودرهما لشرابه ودرهما لدابة تحمله إلى بيوت الخمارين
فلما نفذت الدراهم أتاه الثانية فسأله فأعطاه وفعل مثل ذلك وأتاه الثالثة فأعطاه وفعل مثل ذلك وأتاه الرابعة فسأله
فقال له قيس لا أبا لك كأنك قد جعلت هذا خراجا علينا
فانصرف وهو يقول
( ألم تَرَ قيسالأَكْمَهَ ابنَ محمد ... يقول ولا تلقَاه للخير يَفْعَلُ )
( رأيتُكَ أعمَى العَيْنِ والقلبِ مُمْسِكاً ... وما خيرُ أعمى العينِ والقلب يبخَلُ )
( فلو صَمَّ تَمّتْ لَعْنةُ الله كلُّها ... عليه وما فيه من الشرِّ أفضلُ )
فقال قيس لو نجا أحد من الأقيشر لنجوت منه
اخبرني أبو الحسن الأسدي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال
اختصم قوم بالكوفة في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فقالوا نجعل بيننا أول من يطلع علينا
فطلع الأقيشر عليهم وهو سكران
فقال بعضهم

لبعض انظروا من حكمنا
فقالوا يا أبا معرض قد حكمناك
قال فيماذا فأخبروه
فمكث ساعة ثم أنشأ يقول
( إذا صَلَّيتُ خمساً كلَّ يومٍ ... فإنّ الله يغفِر لي فُسوقِي )
( ولم أُشْرِكْ بربّ الناس شيئاً ... فقد أمسكتُ بالحَبْلِ الوثيقِ )
( وهذا الحقُّ ليس به خَفَاءٌ ... ودَعْنِي من بُنَيّات الطَّريقِ )
قال محمد بن معاوية وتزوج الأقيشر ابنة عم له يقال لها الرباب على أربعة آلاف درهم ويقال على عشرة آلاف درهم فأتى قومه فسألهم فلم يعطوه شيئا فأتى ابن رأس البغل وهو دهقان الصين وكان مجوسيا فسأله فأعطاه الصداق فقال الأقيشر
( كفاني المَجُوسيُّ مَهْرَ الرَّبابِ ... فِدًى للمجوسيِّ خالي وعمّ )
( شَهِدتُ بأنّك رَطْبُ المُشَاشِ ... وأنّ أباك الجوادُ الخِضَمّ )
( وأنَّك سيِّدُ أهلِ الجحيم ... اذا ما تَرَدَّيْتَ فيمن ظَلَم )
( تُجَاوِرُ قارونَ في قَعْرِها ... وفِرْعَوْنَ والمُكْتَنَى بالحَكَمْ )
فقال له المجوسي ويحك سألت قومك فلم يعطوك وجئتني فأعطيتك فجزيتني هذا القول ولم أفلت من شعرك وشرك قال أوما ترضى أن جعلتك مع الملوك وفوق أبي جهل
ثم جاء إلى عكرمة بن ربعي التميمي فلم يعطه فقال فيه

( سألتُ رَبِيعةَ مَنْ شَرُّها ... أباً ثم أُمّاً فقالوا لِمَهْ )
( فقلتُ لأَعْلَمَ مَنْ شَرُّكُمْ ... وأجعلَ بالسبِّ فيه سِمَه )
( فقالوا لعِكْرِمةَ المُخْزِياتُ ... وماذا يرى الناسُ في عِكْرمَهْ )
( فإنْ يَكُ عبداً زَكَا مالُه ... فما غيرُ ذا فيه من مَكْرُمَهْ )

شرب بثيابه حتى غلقت
قال ابن الكلبي وشرب الأقيشر في حانة خمار حتى أنفد مامعه ثم شرب بثيابه حتى غلقت فلم يبق عليه شيء وجلس في تبن إلى جانب البيت إلى حلقه مستدفئا به
فمر رجل به ينشد ضالة فقال اللهم اردد عليه واحفظ علينا
فقال له الخمار سخنت عينك أي شيء يحفظ عليك ربك قال هذا التبن لا تأخذه فأموت من البرد
فضحك الخمار ورد عليه ثيابه وقال اذهب فاطلب ما تشرب به ولا تجئني بثيابك فإني لا أشتريها بعد ذلك
قال ابن الكلبي واجتاز الأقيشر برجل يقال له هشام وكان على شرطة عمرو بن حريث وهو سكران
فدعا به فقال له أنت سكران قال لا
قال فما هذه الرائحة قال أكلت سفرجلا ثم قال
( يقولون لي اِنْكَهْ شَرِبتَ مُدامةً ... فقلت كذبتمْ بل أكلتُ سفرجلا )
فضحك منه ثم قال فإن لم تكن سكران فأخبرني كم تصلي في كل يوم
فقال

( يسائلني هشامٌ عن صلاتي ... صلاةِ المسلمين فقلتُ خمسُ )
( صلاةُ العصرِ والأولى ثَمَانٍ ... مُوَاتَرةٌ فما فيهنّ لَبْسُ )
( وعند مَغِيبِ قَرْنِ الشمس وِترٌ ... وشَفْعٌ بعدها فيهنّ حَبسُ )
( وغُدْوةً اثنتانِ معاً جميعاً ... ولمّا تبدُ للرائين شَمْسُ )
( وبعدهما لوقتهما صَلاةٌ ... لِنُسْكٍ بالضَّحَاء إذا نَبُسُّ )
( أأحصيتُ الصلاةَ أيا هشاماً ... فذاك مُكَدَّرُ الأخلاقِ جبْسُ )
( تَعَوَّد أن يُلامَ فليس يوماً ... بحامده من الأقوامِ إنْسُ )
قال فضحك هشام وقال بلى قد أخبرتنا يا أبا معرض فانصرف راشدا
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي عبيدة قال
قدم رجل من بني سلول على قتيبة بن مسلم بكتاب عامله على الري وهو المعلى بن عمرو المحاربي فرآه على الباب قدامه بن جعدة بن هبيرة المخزومي وكان صديقا لقتيبة فدخل عليه فقال له ببابك ألأم العرب سلولي رسول محاربي إلى باهلي
فتبسم قتيبة تبسما فيه غيظ
وكان قدامة بن جعدة يتهم بشرب الخمر وكان الأقيشر ينادمه
فقال قتيبة ادعوا لي مرداس بن جذام الأسدي فدعي
فقال له أنشدني ما قال الأقيشر في قدامة بن جعدة وهو بالحيرة
فأنشده قوله
( رُبَّ نَدْمانٍ كريمٍ ماجدٍ ... سَيِّدِ الجَدَّيْنِ من فَرْعَيْ مُضَرْ )
( قد سَقَيْتُ الكأسَ حتى هَرَّها ... لم يُخَالِطْ صَفوَها منه كَدَرْ )

( قلتُ قُمْ صَلِّ فصلَّى قاعداً ... تتغشّاه سماديرُ السَّكَرْ )
( قرَنَ الظُّهْرَ مع العصر كما ... تُقْرَنُ الحِقَّةُ بالحِقِّ الذَّكَرْ )
( تَرَكَ الفجرَ فما يَقْرَؤها ... وقرا الكَوْثَرَ من بين السُّوَرْ )
قال فتغير لون وجه القرشي وخجل
فقال له قتيبة هذه بتلك والبادىء أظلم
أخبرني الأخفش عن محمد بن الحسن بن الحرون قال حدثنا الكسروي عن الأصمعي قال
قال عبد الملك للأقيشر أنشدني أبياتك في الخمر فأنشده قوله
( تُرِيك القَذَى من دونها وهي دونه ... لِوَجْهِ أخيها في الإناء قُطوبُ )
( كُمَيْتٌ إذا فُضَّتْ وفي الكأسِ وَرْدةٌ ... لها في عِظام الشاربين دبيبُ )
فقال له أحسنت يا أبا معرض ولقد أجدت وصفها وأظنك قد شربتها
فقال والله يا أمير المؤمنين إنه ليريبني منك معرفتك بهذا

كان ندماؤه يختبئون منه عندما تنفد دراهمه
أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن ابن الكلبي عن رجل من الأزد قال
كان الأقيشر يأتي إخوانا له يسألهم فيعطونه فأتى رجلا منهم فأمر له بخمسمائة درهم فأخذها وتوجه إلى الحانة ودفعها إلى صاحبها وقال له أقم لي ما أحتاج إليه ففعل ذلك وانضم إليه رفقاء له فلم يزل معهم حتى نفدت

الدراهم فأتاهم بعد إنفاقها بيوم ثم أتاهم من غد فاحتملوه فلما أتاهم في اليوم الثالث نظر إليه أصحابه من بعيد فقالوا لصاحب الحانة أصعدنا إلى غرفتك هذه وأعلم الأقيشر أنا لم نأت اليوم
فلما جاء الأقيشر أعلمه ما قالوه له
فعلم الأقيشر أنه لا فرج له عند صاحب الحانة إلا برهن فطرح إليه ثيابه وقال له
أقم لي ما أحتاج إليه ففعل
فلما أخذ فيه الشراب أنشأ يقول
( يا خَلِيلَيّ اسْقِيانِيَ كاسَا ... ثم كأساً حتّى أخِرّ نُعَاسَا )
( إنّ في الغُرْفةِ التي فوق رأسي ... لأُناساً يُخادِعون أُناسا )
( يشرَبون المُعَتَّقَ الراحَ صِرْفاً ... ثم لا يرفَعون بالزَّوْرِ راسا )
فلما سمع أصحابه هذا الشعر فدوه بآبائهم وأمهاتهم ثم قالوا له إما أن تصعد إلينا أو ننزل إليك فصعد إليهم
أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهرويه قال حدثني أبو مسلم المستملي عن المدائني قال
مدح الأقيشر بشر بن مروان ودخل إليه فأنشده القصيدة وعنده أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي فقال أيمن هذا والله كلام حسن من جوف خرب
فأجابه بالبيت المذكور
وقال أبو عمرو أيضا في خبره فلما صار الأقيشر إلى منزله بعث عمه فأخذ منه الألف الدرهم وقال والله لا أخليك تفسدها وتشرب بها الخمر
قال فتصنع بها ماذا قال أكسوك واكسو عيالك وأعد لك قوت عامك
فتركه ودخل على بشر فقال له
( أَبلِغْ أبا مَرْوانَ أنّ عطاءه ... أزاغ به مَنْ ليس لي بعِيالِ )
قال ومن ذلك فأخبره الخبر
فأمر صاحب شرطته أن يحضر عمه

وينتزع منه الألف الدرهم ويسلمها إليه وقال خذها ونحن نقوم لعيالك بما يصلحهم
أخبرني هاشم بن محمد عن أبي غسان دماذ عن أبي عبيدة قال
مر الأقيشر بخمارة بالحيرة يقال لها دومة فنزل عندها فاشترى منها نبيدا ثم قال لها جودي لي الشراب حتى أجيد لك المدح ففعلت
فأنشأ يقول
( ألاَ يا دَوْمَ دامَ لك النَّعِيمُ ... وأسْمَرُ مِلءُ كَفِّكِ مستقيمُ )
( شديدُ الاسْرِ يَنْبِضُ حالباه ... يُحَمُ كأنّه رجلٌ سقيمُ )
( يُرَوِّيه الشرابُ فيَزْدَهِيهِ ... ويَنْفُخُ فيه شيطانٌ رجيمُ )
قال فسرت به الخمارة وقالت ما قيل في أحسن من هذا ولا أسر لي منه
أخبرني أبو الحسن الأسدي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال كان فاتك بن فضالة بن شريك الأسدي كريما على بني أمية وهو الوافد على عبد الملك بن مروان قبل أن ينهض الى حرب ابن الزبير فضمن له على أهل العراق طاعتهم وتسليم بلادهم إليه وأن يسلموا مصعبا إذا لقيه ويتفرقوا عنه
وله يقول الأقيشر في هذه الوفادة
( وَفَد الوفودُ فكنتَ أفضلَ وافدٍ ... يا فاتِكُ بنَ فَضَالةَ بنِ شِرّيكِ )

هجوه بني تميم
أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن السكري قال حدثني ابن حبيب قال

ولي الكوفة رجل من بني تميم يقال له مطر فلما علا المنبر انكسرت الدرجة من تحته فسقط عنها فقال الأقيشر
( أبنَي تَمِيمٍ ما لِمِنْبَرِ مُلْكِكُمْ ... ما يَستقِرّ قرارُه يَتَمَرْمَرُ )
( إنَّ المنابرَ أنكرتْ أستاهَكم ... فادعُوا خُزَيْمةَ يَسْتَقِرَّ المنبرُ )
أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال
مر رجل من محارب يقال له قريظة بن يقظة بالأقيشر الأسدي وهو في مجلس من مجالس بني أسد فسلم على الأقيشر وكان به عارفا
فقال له القوم من هذا يا أبا معرض وكان مخمورا فقال
( ومَنْ لي بأنْ أسطيعَ أن أذكُرَ اسْمَه ... وأَعْيا عِقالاً أن يُطِيقَ له ذِكرا )
قال فضحك القوم وقالوا سبحان الله أي شيء تقول فقال اسمه ونسبه أعظم من أن أقدر على ذكرهما في يوم فإن شئتم سميته اليوم ونسبته غدا وإن شئتم نسبته اليوم وسميته غدا
قالوا هات اسمه اليوم
فقال قريظة
فقال رجل منهم ينبغي أن يكون ابن يقظة
فقال الأقيشر صدقت والله وأصبت ولقد أثقلني اسمه حين ذكرته أن أقول نعم
فبلغ قريظة قوله وكان شاعرا فقال

( لِسَانُك من سُكْرٍ ثقيلٌ عن التُّقَى ... ولكنّه بالمُخْزِيات طليقُ )
( وأنتَ حَقيقٌ يا أُقَيْشِرُ أن تُرَى ... كذاك إذا ما كنتَ غيرَ مُفِيقِ )
( تَسَفُّ من الصهباء صِرفاً تَخالُها ... جَنَى النَّحلِ يُهْدِيه إليكَ صديقُ )
فبلغ الأقيشر قول المحاربي وكان يكنى أبا الذيال فأجابه فقال
( عَدمْت أبَا الذيَّالِ من ذِي نَوَالةٍ ... له في بيوتِ العاهراتِ طريقُ )
( أبِالخَمْرِ عَيَّرْتَ أمْرَأً ليس مُقْلِعاً ... وذلك رأيٌ لو عَلِمْتَ وثيقُ )
( سأشرَبُها ما دُمْتُ حيّاً وإن أمُتْ ... ففي النَّفْسِ منها زَفرةٌ وشهيقُ )

شعر له في توبته من الخمر
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال
بلغني أن الرشيد سمع ليلة رجلا يغني
( إنْ كانتِ الخمرُ قد عَزّتْ وقد مُنِعتْ ... وحال من دونها الإسلامُ والحَرَجُ )
( فقد أباكِرُها صِرْفاً وأشْربَهُا ... أَشْفِي بها غُلَّتِي صِرْفاً وأمْتَزِجُ )
( وقد تقومُ على رأسي مُغَنِّيةٌ ... لها إذا رَجَّعَتْ في صوتها غُنُجُ )
( وترفَع الصوتَ أحياناً وتَخْفِضُه ... كما يَطِنّ ذُبَابُ الرَّوْضةِ الهَزِجُ )
قال فوجه في أثر الصوت من جاءه بالرجل وهو يرعد فقال لا ترع فإنما أعجبني حسن صوتك
فقال والله يا أمير المؤمنين ما تغنيت بهذا الشعر إلا وأنا قد تبت من شرب النبيذ وهذا شعر يقوله الأقيشر في توبته من النبيذ
فقال له الرشيد وما حملك على تركه قال خشية الله
وإني فيه يا أمير المؤمنين كما قال زيد بن ظبيان

( جاءوا بقاقُزَّةٍ صَفْراءَ مُتْرَعةٍ ... هل بين ذِي كَبْرَةٍ والخمرِ من نَسَبِ )
( بئس الشَّرابُ شراباً حين تَشْرَبُه ... يُوهِي العِظامَ وطوراً مُفْتِرُ العَصَبِ )
( إنِّي أخافُ مَلِيكِي أنْ يٌعَذِّبَني ... وفي العشيرةِ أن يُزْرِي على حَسَبِي )
فقال له الرشيد أنت وما اخترت أعلم فأعد الصوت فأعاده
وأمر بإحضار المغنين واستعاده وأمرهم بأخذه عنه فأخذوه ووصله وانصرف وكان صوت الرشيد أياما
هكذا ذكر إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبة في هذا الخبر أن الأبيات للأقيشر ووجدتها في شعر أبي محجن الثقفي له لما تاب من الشراب

باع حماره وشرب بثمنه
أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد عن محمد بن حبيب قال
كان القباع وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة قد أخرج الأقيشر مع قومه لقتال أهل الشأم ولم يكن عند الأقيشر فرس فخرج على حمار فلما عبر جسر سورا فوصل لقرية يقال لها قنين توارى عند خمار نبطي يبرز زوجته

للفجور فباع حماره وجعل ينفقه هناك ويشرب بثمنه ويفجر إلى أن قفل الجيش وقال في ذلك
( خرجتُ من المِصْرِ الحَوَارِيِّ أهلُه ... بلا نَدْبَةٍ فيها أحتسابٌ ولا جُعْلِ )
( إلى جَيْشِ أهلِ الشَّأْمِ أُغْزِيتُ كارهاً ... سَفَاهاً بلا سيفٍ حديد ولا نَبْلِ )
( ولكنْ بِتُرْسٍ ليس فيه حِمالةٌ ... ورُمْحٍ ضَعيفِ الزُّجِّ مُنْصَدِعِ النَّصْلِ )
( حَبَاني به ظُلْمُ القُبَاعِ ولم أَجِدْ ... سوى أمرِه والسَّيْرِ شيئاً من الفِعْلِ )
( فأزمعتُ أمْرِي ثم أصبحتُ غازياً ... وسَلّمتُ تسليمَ الغُزَاةِ على أهلي )
( وقلتُ لَعَلِّي أنْ أُرَى ثَمَّ راكباً ... على فرس أو ذَا مَتاعٍ على بَغْلِ )
( جَوادِي حمارٌ كان حيناً لِظَهْرِه ... إكافٌ وإشناق المَزَادةِ والحبلِ )
( وقد خان عينيه بياضٌ وخانَه ... قوائمُ سَوْءٍ حين يُزْجَرُ في الوَحْلِ )
( إذا ما انتَحَى في الماء والوَحْلِ لم تَرِمْ ... قوائمُه حتّى يُؤَخَّرَ بالحِمْلِ )
( أنادِي الرِّفاقَ بارَكَ الله فيكمُ ... رُوَيْدَكُمُ حتّى أجوزَ إلى السَّهْلِ )
( فسِرْنَا الى قنّين يوماً وليلةً ... كأنّا بَغَايَا ما يَسِرْنَ الى بَعْلِ )
( إذا ما نزلنا لم نَجِدْ ظِلَّ ساحةٍ ... سوى يابس الأنهار أو سَعَفِ النخلِ )
( مَرَرْنَا على سُورَاءَ نَسْمَع جِسْرَها ... يَئطّ نَقيضاً عن سفائنه الفضلِ )
( فلمّا بدا جسرُ السَّراةِ وأَعرضت ... لنا سُوق فُرَّاغِ الحديثِ إلى شُغْلِ )

( نزلنا إلى ظِلٍّ ظليلٍ وباءةٍ ... حَلالٍ برغم القلطمان وما نفلِ )
( يُشَارِطُه مَنْ شاء كان بدرهمٍ ... عَرُوساً بما بين السَّبيئة والنَّسْلِ )
( فأتبعتُ رُمْحَ السَّوْء سمية نصله ... وبِعْتُ حماري واسترحتُ من الثِّقْلِ )
( تقول ظبايا قل قليلا ألاليا ... فقلتُ لها إصوي فإنّي على رِسْلِ )
( مهرت لها جرديقة فتركتُها ... بمرها كطَرْفِ العين شائلةَ الرِّجْلِ )
ومما يغنى فيه من شعر الأقيشر

صوت
( لاَ أَشْرَبَنْ أبداً راحاً مُسَارَقةً ... إلاّ مع الغُرّ أبناءِ البَطَاريقِ )
( أفنَى تِلاَدِي وما جَمَّعتُ من نَشَبٍ ... قَرْعُ القَوَاقيزِ أفواهُ الأباريقِ )
الغناء لحنين هزج بالبنصر عن عمرو
وفيه لعمر الوادي رمل بالبنصر عن الهشامي
وفيه ثقيل أول ينسب إلى حنين وعمر وحكم جميعا
وهذا الغناء المذكور من قصيدة للأقيشر طويلة أولها
( إنِّي يذكِّرني هنداً وجارتَها ... بالطَّفِّ صوتُ حَمامات عل نيق )

صوت
( دَعاني دَعْوةً والخيلُ تَرْدِي ... فلا أدرِي أبِاسْمِي أمْ كَنَانِي )
( وكانَ إجَابتي إيَّاهُ إِنِّي ... عَطَفْتُ عليه خَوَّارَ العِنَانِ )
الشعر لابن الغريزة النهشلي
والغناء ليحيى المكي رمل بالوسطى عن الهشامي
وقد جعل المغنون معه هذا البيت ولم أجده في قصيدته ولا أدري أهو له أم لغيره
( أَلاَ يا مَن لِذَا البَرْقِ اليَمَانِي ... يلوحُ كأنّه مِصْباحُ بانِ )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45