كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني
لحيان فبعثوا إليهم مائة رجل راميا فوجدوا مأكلهم حيث أكلوا التمر فقالوا نوى يثرب ثم اتبعوا آثارهم حتى إذا أحس بهم عاصم وأصحابه التجأوا إلى الجبل وأحاط بهم الآخرون فاستنزلوهم وأعطوهم العهد
فقال عاصم والله لا أنزل على عهد كافر اللهم أخبر نبيك عنا ونزل إليهم ابن الدثنة البياضي وخبيب ورجل آخر فأطلق القوم أوتار قسيهم ثم أوثقوهم فجرحوا رجلا من الثلاثة فقال هذا والله أول الغدر والله لا أتبعكم فضربوه وقتلوه وانطلقوا بخبيب وابن الدثنة إلى مكة فدفعوا خبيبا إلى بني الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بأحد
فبينما خبيب عند بنات الحارث استعار من إحدى بنات الحارث موسى ليستحد بها للقتل فما راع المرأة ولها صبي يدرج إلا خبيب قد أجلس الصبي على فخذه والموسى بيده فصاحت المرأة فقال خبيب أتحسبين أني أقتله إن الغدر ليس من شأننا
قال فقالت المرأة بعد ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد أريته وما بمكة من ثمرة وإن في يده لقطفا من عنب يأكله إن كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا
وبعث حي من قيس إلى عاصم ليؤتوا من لحمه بشيء وقد كان عاصم فيهم آثار بأحد فبعث الله عليه دبرا فحمت لحمه فلم يستطيعوا أن يأخذوا من لحمه شيئا
فلما خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه قال ذروني أصل ركعتين
فتركوه فصلى ركعتين فجرت سنة لمن قتل صبرا يصلي ركعتين ثم قال لولا أن يقال جزع لزدت وما أبالي
( عَلَى أيِّ شِقِّ كان لله مَصْرَعي ... )
ثم قال
( وذلك في ذاتِ الإِلهِ وإنْ يَشِأْ ... يُبَارِكْ على أوصالِ شِلْوٍ مُمزَّعِ )
اللهم أحصهم عددا وخذهم بددا
ثم خرج به أبو سروعة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف فضربه فقتله
حدثنا محمد قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل قال وأخبرني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه عن جده
أن رسول الله بعثه وحده عينا إلى قريش
قال فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد ثم التفت فلم أر لخبيب أثرا فكأنما الأرض ابتلعته فلم تظهر لخبيب رمة حتى الساعة
قال محمد بن جرير وأما زيد بن الدثنة فإن صفوان بن أمية بعث به فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم فأخرجه من الحرم ليقتله واجتمع إليه رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك فتضرب عنقه وأنك في أهلك فقال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصبيه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي قال يقول أبو سفيان ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس
أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال
نزل عبد الله وأبو أحمد ابنا جحش حين قدما مهاجرين على عاصم بن ثابت وكنيته أبو سليمان
وقال عاصم
( أبو سليمان ورِيشُ المُقْعَدِ ... وهجْناٌ من جلد ثورٍ أَجْرَدِ )
وذكر لنا الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير أن عاصما فيما قيل كان يكنى أبا سفيان
قال وقال في يوم الرجيع
( أنا أبو سُفْيانَ مِثْلِي رَامَا ... أَضْرِبُ كَبْشُ العارِض القَدَّامَا )
بعض صفات الأحوص
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه قالكنية الأحوص أبو محمد وأمه أثيلة بنت عمير بن مخشي وكان أحمر أحوص العينين
ماذا قال الفرزدق في شعر الأحوص
قال الزبير فحدثني محمد بن يحيى قالقدم الفرزدق المدينة ثم خرج منها فسئل عن شعرائها فقال رأيت بها شاعرين وعجبت لهما أحدهما أخضر يسكن خارجا من بطحان يريد ابن هرمة والآخر أحمر كأنه وحرة على برودة في شعره يريد الأحوص
والوحرة يعسوب أحمر ينزل الأنبار
وقال الأحوص يهجو نفسه ويذكر حوصه
( أَقْبِحْ به من وَلَدٍ وأَشْقِحِ ... مِثْلِ جُرَيِّ الكلب لم يُفَقِّحِ )
( إنْ يَرَ سُوءاً لم يَقُمْ فَيَنْبَحِ ... بالبابِ عند حاجةِ المُسْتَفْتِحِ )
قال الزبير ولم يبق للأحوص من ولده غير رجلين
رأي أبي الفرج فيه
قال الزبير وجعل محمد بن سلام الأحوص وابن قيس الرقيات ونصيبا وجميل بن معمر طبقة سادسة من شعراء الإسلام وجعله بعد ابن قيس وبعد نصيب قال أبو الفرج والأحوص لولا ما وضع به نفسه من دنيء الأخلاق والأفعال أشد تقدما منهم عند جماعة أهل الحجاز وأكثر الرواة وهو أسمح طبعا وأسهل كلاما وأصح معنى منهم ولشعره رونق وديباجة صافية وحلاوة وعذوبة ألفاظ ليست لواحد منهم
وكان قليل المروءة والدين هجاء للناس مأبونا فيما يروى عنه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني أبو عبيدة أن جماعة من أهل المدينة أخبروه
أن السبب في جلد سليمان بن عبد الملك أو الوليد بن عبد الملك إياه ونفيه له أن شهودا شهدوا عليه عنده أنه قال إذا أخذت جريري لم أبال أي الثلاثة لقيت ناكحا أو منكوحا أو زانيا
قالوا وانضاف إلى ذلك أن سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما فخرت يوما برسول الله ففاخرها بقصيدته التي يقول فيها
( ليس جهلٌ أَتَيْتِهِ ببَديعِ ... )
فزاده ذلك حنقا عليه وغيظا حتى نفاه
مفاخرته لسكينة بنت الحسين
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة أن الأحوص كان يوما عند سكينة فأذن المؤذن فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله فخرت سكينة بما سمعت فقال الأحوص
( فخَرتِ وانتمتْ فقلتُ ذَرِيني ... ليس جهلٌ أَتيتِه بِبَديعِ )
( فأنا ابنُ الذي حَمَتْ لَحْمَه الدَّبْرُ ... قتيل اللحيان يومَ الرَّجِيعِ )
( غَسَّلتْ خاليَ الملائكةُ الأبْرارُ ... مَيْتاً طُوبَى له مِن صَرِيعِ )
قال أبو زيد وقد لعمري فخر بفخر لو على غير سكينة فخر به وبأبي سكينة حمت أباه الدبر وغسلت خاله الملائكة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن يحيى عن أيوب بن عمر عن أبيه قال
لما جاء ابن حزم عمله من قبل سليمان بن عبد الملك على المدينة والحج جاءه ابن أبي جهم بن حذيفة وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وسراقة فدخلوا عليه فقالوا له إيه يا بن حزم ما الذي جاء بك قال استعملني والله أمير المؤمنين على المدينة على رغم أنف من رغم أنفه
فقال له ابن أبي جهم يا بن حزم فإني أول من يرغم من ذلك أنفه
قال فقال ابن حزم صادق والله يحب الصادقين
فقال الأحوص
( سليمانُ إذْ وَلاَّكَ رَبُّك حُكْمنَا ... وسُلْطانَنا فاحْكُمْ إذا قلتَ واعْدِلِ )
( يَؤُمُّ حَجيجَ المسلمين ابنُ فَرْتَنَى ... فهَبْ ذاكَ حَجاً ليس بالمُتَقَبَّلِ )
فقال ابن أبي عتيق للأحوص الحمد لله يا أحوص إذ لم أحج ذلك العام بنعمة ربي وشكره
قال الحمد لله الذي صرف ذلك عنك يا بن أبي بكر
الصديق فلم يضلل دينك ولم تعن نفسك وترما يغيظك ويغيظ المسلمين معك
تعرضه للخبازين وجلده من قبل عامل المدينة
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه موسى بن عبد العزيز قالوفد الأحوص على الوليد بن عبد الملك وامتدحه فأنزله منزلا وأمر بمطبخه أن يمال عليه ونزل على الوليد بن عبد الملك شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاصي فكان الأحوص يراود وصفاء للوليد خبازين عن أنفسهم ويريدهم أن يفعلوا به
وكان شعيب قد غضب على مولى له ونحاه
فلما خاف الأحوص أن يفتضح بمراودته الغلمان اندس لمولى شعيب ذلك فقال ادخل على أمير المؤمنين فاذكر له أن شعيبا أرادك عن نفسك ففعل المولى فالتفت الوليد إلى شعيب فقال ما يقول هذا فقال لكلامه غورا يا أمير المؤمنين فاشدد به يدك يصدقك
فشدد عليه فقال أمرني بذلك الأحوص
فقال قيم الخبازين أصلحك الله إن الأحوص يراود الخبازين عن أنفسهم فأرسل به الوليد إلى ابن حزم بالمدينة وأمره أن يجلده مائة ويصب على رأسه زيتا ويقيمه على البلس ففعل ذلك به
فقال وهو على البلس أبياته التي يقول فيها
( ما مِنْ مُصِيبةِ نَكْبَةٍ أمْنَى بها ... إلاّ تُشَرِّفُني وتَرْفَعُ شاني )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أيوب بن عمر قال أخبرني عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال
رأيت الأحوص حين وقفه ابن حزم على البلس في سوق المدينة وإنه ليصيح ويقول
( ما مِنْ مُصِيبةِ نَكْبَةٍ أمْنَى بها ... إلاّ تُعَظِّمُني وترفَع شانِي )
( وتَزولُ حين تزولُ عن مُتَخَمِّطٍ ... تُخْشَى بَوَادِرُه على الأقْرانِ )
( إنِّي إذا خَفِيَ الِّلئامُ رأيتَني ... كالشمس لا تَخْفَى بكلِّ مكان )
هجاؤه لابن حزم
قال وهجا الأحوص ابن حزم بشعر كثير منه( أقولُ وأبصرت ابنَ حَزْمٍ بنِ فَرْتَنَى ... وُقُوفاً له بالمَأزِمَيْنِ القبائلُ )
( تُرَى فَرْتَنَى كانتْ بما بلغَ ابنُها ... مُصَدِّقةً لو قال ذلك قائلُ )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن أبي عبيدة قال كل أمة يقال لها فرتنى وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال فرتنى الأمة بنت الأمة قال الزبير فقال ابن حزم حين سمع قول الأحوص فيه ابن فرتنى لرجل من قومه له علم أنحن من ولد فرتنى أو تعرفها فقال لا والله قال ولا أنا أعلم والله ذلك ولقد عضهني به ولو كانت ولدتني لم أجهل ذلك
قال الزبير وحدثني عمي مصعب عن عبد الله بن محمد بن عمارة قال
فرتنى أم لهم في الجاهلية من بلقين كانوا يسبون بها لا أدري ما أمرها قد طرحوها من كتاب النسب وهي أم خالد بنت خالد بن سنان بن وهب ابن لوذان الساعدية أم بني حزم
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون أن الأحوص قال لابن حزم
( لَعَمْري لقد أجرى ابنُ حَزْمِ بنِ فَرْتَنَى ... إلى غايةٍ فيها السِّمَامُ المُثَمَّلُ )
( وقد قلتُ مهلاً آلَ حَزْمِ بنِ فَرْتَنَى ... ففي ظُلْمِنا صابٌ مُمِرٌّ وحَنْظَلُ )
وهي طويلة وقال أيضا
( أَهْوى أُميَّةَ إنْ شَطَّتْ وإنْ قَرُبتْ ... يوماً وأَهْدِي لها نُصْحٍي وأَشْعارِي )
( ولو وردتُ عليها الفَيْضَ ما حَفَلتْ ... ولا شَفَتْ عَطَشي من مائه الجاري )
( لا تَأَوِينَ لِحَزْمِيٍّ رأيتَ به ... ضُراً ولو طُرِح الحَزْمِيُّ في الناّرِ )
( الناخِسين بمَرْوانٍ بِذي خُشب ... والمُقحِمِين على عثمانَ في الدَّارِ )
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جماعة من مشايخ الأنصار
إن ابن حزم لما جلد الأحوص ووقفه على البلس يضربه جاءه بنو زريق فدفعوا عنه واحتملوه من أعلى البلس
فقال في ذلك قال ابن الزبير أنشدنيه عبد الملك بن الماجشون عن يوسف بن أبي سلمة الماجشون
( إمّا تُصِبني المَنَايَا وهْيَ لاحقةٌ ... وكلُّ جَنْبٍ له قد حُمَّ مُضْطَجَعُ )
( فقد جَزَيتُ بني حَزْمٍ بظُلْمِهمُ ... وقد جزيتُ زُرَيْقاً بالّذي صنعوا )
( قومٌ أبىَ طَبَعَ الأخلاق أوّلهمْ ... فهُمْ على ذاك من أخلاقهم طُبِعوا )
( وإنْ أُنَاسٌ وَنَوْا عن كلِّ مَكْرُمَةٍ ... وضاق باعُهُمُ عن وُسْعِهمْ وَسِعوا )
( إنِّي رأيتُ غداةَ السُّوق مَحْضَرَهُمْ ... إذْ نحنُ ننظر ما يُتْلَى ونَسْتَمِعُ )
شعره بعد أن نفي إلى دهلك
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني غير واحد من أهل العلمأن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم جلد الأحوص في الخنث وطاف به وغربه إلى دهلك في محمل عريانا
فقال الأحوص وهو يطاف به
( ما مِنُ مُصيبةِ نَكْبةٍ أبْلَى بها ... )
237 - الأبيات وزاد فيها
( إنِّي على ما قد تَرَوْن محسَّد ... أَنْمى على البَغضاءِ والشَّنآنِ )
( أصبحتُ للأنصارِ فيما نابَهم ... خَلَفاً وللشُّعرَاء من حَسّانِ )
قال الزبير ومما ضرب فيه أيضا قوله
( شَرُّ الحِزَامِيِّينَ ذو السِّينّ منهمُ ... وخيرُ الحِزَامِيِّن يَعْدِلُه الكَلْبُ )
( فإِنْ جئتَ شيخاً من حِزَامٍ وجدتَه ... من النَّوْكِ والتقصير ليس له قلبُ )
( فلَوْ سَبَّني عَوْنٌ إذاً لَسَبَبْتُه ... بِشعْرِي أو بعضُ الأُلى جَدُّهُمْ كَعْبُ )
عون يعني عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله
وكعب يعني كعب بن لؤي
( أولئك أكفاءٌ لبيتي بيُوتُهُمْ ... ولا تستوي الأَعْلاثُ والأقْدُحُ القُضْب )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن ثابت الأنصاري عن محمد بن فضالة قال
كان الأحوص بن محمد الأنصاري قد أوسع قومه هجاء فملاهم شرا فلم يبق له فيهم صديق إلا فتى من بين جحجبى
فلما أراد الأحوص الخروج إلى يزيد بن عبد الملك نهض الفتى في جهازه وقام بحوائجه وشيعه فلما كان بسقاية سليمان وركب الأحوص محمله أقبل على الفتى فقال لا أخلف الله عليك بخير فقال مه غفر الله لك قال الأحوص لا والله أو أعلقها حربا يعني قباء وبني عمرو بن عوف
هجوه بعض خصومه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال قال غسان بن عبد الحميدأقبل الأحوص حتى وقف على معن بن حميد الأنصاري أحد بني عمرو ابن عوف بن جحجبى فقال
( رأيتُك مَزْهُوّاً كأنّ أباكُمُ ... صُهَيْبَةَ أَمْسَى خيرَ عَوْفٍ مُرَكَبا )
( تُقِرُّبكم كُوثَى إذا ما نُسِبْتُمُ ... وتُنكركم عَمْرُ بن عَوْفِ بن جَحْجَبَى )
( عليكَ بأدنى الخطْبِ إنْ أنت نِلْتَهُ ... وأَقْصِرْ فلا يَذْهَبْ بك التِّيهُ مَذْهَبَا )
فقام إليه بنوه ومواليه فقال دعوا الكلب خلوا عنه لا يمسه أحد منكم
فانصرف حتى إذا كان عند أحجار المراء بقباء لقيه ابن أبي جرير أحد بني العجلان وكان شديدا ضابطا فقال له الأحوص
( إنّ بقومٍ سَوَّدُوكَ لَحاجةً ... إلى سّيِّد لو يَظْفَرون بسَيَّد )
فألقى ثيابه وأخذ بحلق الأحوص ومع الأحوص راويته وجاء الناس ليخلصوه فحلف لئن خلصه أحد من يديه ليأخذنه وليدعن الأحوص فخنقه حتى استرخى وتركه حتى أفاق ثم قال له كل مملوك لي حر لئن سمع أو سمعت هذا البيت من أحد من الناس لأضربنك ضربة بسيفي أريد بها نفسك ولو كنت تحت أستار الكعبة فأقبل الأحوص على راويته فقال إن هذا مجنون ولم يسمع هذا البيت غيرك فإياك أن يسمعه منك خلق
أخبرني الحرمي والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني بعض أصحابنا
أن الأحوص مر بعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ومحمد بن مصعب بن الزبير بخيمتي أم معبد وهما يريدان الحج مرجعه من عند يزيد بن عبد الملك وهو على نجيب له فاره ورحل فاخر وبزة مرتفعة فحدثهما أنه قدم على يزيد بن عبد الملك فأجازه وكساه وأخدمه فلم يرهما يهشان لذلك
فجعل يقول خيمتي أم معبد عباد ومحمد كأنه يروض القوافي للشعر يريد قوله فقال له محمد بن مصعب إني أراك في تهيئة شعر وقواف وأراك تريد أن تهجونا وكل مملوك لي حر لئن هجوتنا بشيء إن لم أضربك بالسيف مجتهدا على نفسك
فقال الأحوص جعلني الله فداك إني أخاف أن تسمع هذا في عدوا فيقول شعرا يهجوكما به فينحلنيه وأنا أبرئكما الساعة كل مملوك لي حر إن هجوتكما ببيت شعر أبدا
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال حدثنا الزبير ابن خبيب عن أبيه خبيب بن ثابت قال
خرجنا مع محمد بن عباد بن عبد الله بن الزبير إلى العمرة فإنا لبقرب قديد إذ لحقنا الأحوص الشاعر على جمل برحل فقال الحمد لله الذي وفقكم
لي ما أحب أنكم غيركم وما زلت أحرك في آثاركم مذ رفعتم لي فقد ازددت بكم غبطة فأقبل عليه محمد وكان صاحب جد يكره الباطل وأهله فقال لكنا والله ما اغتبطنا بك ولا نحب مسايرتك فتقدم عنا أو تأخر فقال والله ما رأيت كاليوم جوابا قال هو ذاك قال وكان محمد صاحب جد يكره الباطل وأهله فأشفقنا مما صنع ومعه عدة من آل الزبير فلم يقدر أحد منهم أن يرد عليه
قال وتقدم الأحوص ولم يكن لي شأن غير أن أعتذر إليه
فلما هبطنا من المشلل على خيمتي أم معبد سمعت الأحوص يهمهم بشيء فتفهمته فإذا هو يقول خيمتي أم معبد محمد كأنه يهيء القوافي فأمسكت راحلتي حتى جاءني محمد فقلت إني سمعت هذا يهيء لك القوافي فإما أذنت لنا أن نعتذر إليه ونرضيه وإما خليت بيننا وبينه فنضربه فإنا لا نصادفه في أخلى من هذا المكان
قال كلا إن سعد بن مصعب قد أخذ عليه ألا يهجو زبيريا أبدا فإن فعل رجوت أن يخزيه الله دعه
قال الزبير وأما خبره مع سعد بن مصعب فحدثني به عمي مصعب قال أخبرني يحيى بن الزبير بن عباد أو مصعب بن عثمان شك أيهما حدثه قال
كانت أمة الملك بنت حمزة بن عبد الله بن الزبير تحت سعد بن مصعب ابن الزبير وكان فيهم مأتم فاتهمته بامرأة فغارت عليه وفضحته فقال الأحوص يمازحه
( وليس بسَعْدِ النّارِ مَنْ تزعُمونه ... ولكنّ سَعْدَ النارِ سعدُ بن مُصْعَبِ )
( ألم تَرَ أنّ القومَ ليلَةَ نَوْحِهِمْ ... بَغَوْهُ فألفَوْهُ على شَرِّ مَرْكَبِ )
( فما يَبتغي بالغَيِّ لا دَرَّ درُّه ... وفي بيتِه مثلُ الغَزَالِ المُرَبَّبِ )
قال وسعد النار رجل يقال له سعد حضنة وهو الذي جدد لزياد بن عبيد الله الحارثي الكتاب الذي في جدار المسجد وهو آيات من القرآن أحسب أن منها ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )
فلما فرغ منه قال لزياد أعطني أجري فقال له زياد انتظر فإذا رأيتنا نعمل بما كتبت فخذ أجرك
قال فعمل سعد بن مصعب سفرة وقال للأحوص اذهب بنا إلى سد عبيد الله بن عمر نتغد عليه ونشرب من مائه ونستنقع فيه فذهب معه فلما صارا إلى الماء أمر غلمانه أن يربطوه وأراد ضربه وقال ما جزعت من هجائك إياي ولكن ما ذكرك زوجتي فقال له يا سعد إنك لتعلم أنك إن ضربتني لم أكفف عن الهجاء ولكن خير لك من ذلك أحلف لك بما يرضيك ألا أهجوك ولا أحدا من آل الزبير أبدا فأحلفه وتركه
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني مصعب عمي عن مصعب بن عثمان قال
قال الأحوص لمجمع بن يزيد بن جارية
( وجُمِّعْتَ من أشياءَ شَتَّى خبيثةٍ ... فسُمِّيتَ لمّا جئتَ منها مُجَمِّعَا )
فقال له مجمع إني لا أحسن الشعر ثم أخذ كرنافة فغمسها في ماء فغاصت ثم رفع يده عنها فطفت فقال هكذا والله كانت تصنع خالاتك السواحر
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال
كانت امرأة يقال لها أم ليث امرأة صدق فكانت قد فتحت بينها وببن جارة لها من الأنصار خوخة وكانت الأنصارية من أجمل أنصارية خلقت
فكلم الأحوص أم ليث أن تدخله في بيتها يكلم الأنصارية من الخوخة التي فتحت بينها وبينها فأبت فقال أما لأكافئنك ثم قال
( هيهاتَ منكَ بنو عَمْرِ ومَسْكَنُهمْ ... إذا تَشَتَّيْتَ قِنَّسرِينَ أو حَلَبا )
( قامتْ تراءى وقد جَدّ الرحيلُ بنا ... بين السَّقِيفةِ والبابِ الذي نُقبَا )
( إني لمَانٍحُها ودِّي ومُتَّخِذٌ ... بأُمّ لَيْثٍ إلى معروفِها سَبَبَا )
فلما بلغت الأبيات زوج المرأة سد الخوخة فاعتذرت إليه أم ليث فأبى أن يقبل ويصدقها
فكانت أم ليث تدعو على الأحوص
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني أبي قال
ركب الأحوص إلى الوليد بن عبد الملك قبل ضرب ابن حزم إياه فلقيه رجل من بني مخزوم يقال له محمد بن عتبة فوعده أن يعينه
فلما دخل على الوليد قال ويحك ما هذا الذي رميت به يا أحوص قال والله يا أمير المؤمنين لو كان الذي رماني به ابن حزم من أمر الدين لاجتنبته فكيف وهو من أكبر معاصي الله فقال ابن عتبة يا أمير المؤمنين إن من فضل ابن حزم وعدله كذا وكذا
وأثنى عليه
فقال الأحوص هذا والله كما قال الشاعر
( وكنتَ كذئب السَّوْءِ لما رأى دَماً ... بصاحبه يوماً أحالَ على الدّمِ )
رفض عمر بن عبد العزيز أن يأذن له بالقدوم
فأما خبره في بقية أيام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز فأخبرني به أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال حدثنا عون بن محمد بن سلام قال حدثني أبي عمن حدثه عن الزهري وأخبرني به الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن مصعب بن عثمان قالكان الأحوص ينسب بنساء ذوات أخطار من أهل المدينة ويتغنى في شعره معبد ومالك ويشيع ذلك في الناس فنهي فلم ينته فشكي إلى عامل سليمان بن عبد الملك على المدينة وسألوه الكتاب فيه إليه ففعل ذلك وكتب سليمان إلى عامله يأمره أن يضربه مائة سوط ويقيمه على البلس للناس ثم يصيره إلى دهلك ففعل ذلك به فثوى هناك سلطان سليمان بن عبد الملك
ثم ولي عمر بن عبد العزيز فكتب إليه يستأذنه في القدوم ويمدحه فأبى أن يأذن له
وكتب فيما كتب إليه به
( أيا راكباً إمّا عَرَضْتَ فَبلِّغَنْ ... هُدِيتَ أميرَ المؤمنين رسائلي )
( وقُلْ لأبي حَفِصٍ إذا ما لَقيتَهُ ... لقد كنت نَفّاعاً قليلَ الغوائل )
( وكيف ترى للعيش طِيباً ولذّةً ... وخالُك أمسَى مُوثَقاً في الحبائل )
هذه الأبيات من رواية الزبير وحده ولم يذكرها ابن سلام قال فأتى رجال من الأنصار عمر بن عبد العزيز فكلموه فيه وسألوه أن يقدمه وقالوا له قد عرفت نسبه وموضعه وقديمه وقد أخرج إلى أرض الشرك
فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله ودار قومه فقال لهم عمر فمن الذي يقول
( فما هُوَ إلاّ أن أرَاها فُجَاءةً ... فأُبْهَت حتَّى ما أكادُ أُجِيبُ )
قالوا الأحوص
قال فمن الذي يقول
( أَدُورُ ولولا أنْ أرى أُمَّ جَعْفَرٍ ... بأبياتكم ما دُرْتُ حيث أدورُ )
( وما كنتُ زَوَّاراً ولكِنِّ ذا الهوى ... إذا لم يزرْ لا بُدَّ أنْ سَيَزُورُ )
قالوا الأحوص
قال فمن الذي يقول
( كأنّ لُبْنَى صَبِير غاديةٍ ... أو دُمْيةٌ زُيِّنَتْ بها البيعُ )
( اللهُ بيني وبين قَيِّمها ... يَفْرُّ منِّي بها وأَتِّبعُ )
قالوا الأحوص
قال بل الله بين قيمها وبينه
قال فمن الذي يقول
( ستَبْقى لها في مُضْمَرِ القلبِ والحَشَا ... سريرةُ حُبٍّ يومَ تُبْلَى السَّرَائر )
قالوا الأحوص
قال إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول والله لا أرده ما كان لي سلطان
قال فمكث هناك بقية ولاية عمر وصدرا من ولاية يزيد بن عبد الملك
حبابة تنشد شعره ليزيد بن عبد الملك
قال فبينا يزيد وجاريته حبابة ذات ليلة على سطح تغنيه بشعر الأحوص قال لها من يقول هذا الشعر قالت لا وعينيك ما أدري قال وقد كان ذهب من الليل شطره فقال ابعثوا إلى ابن شهاب الزهري فعسى أن يكون عنده علم من ذلكفأتي الزهري فقرع عليه بابه فخرج مروعا إلى يزيد
فلما صعد إليه قال له يزيد لا ترع لم ندعك إلا لخير إجلس من يقول هذا الشعر قال الأحوص بن محمد يا أمير المؤمنين
قال ما فعل قال قد طال حبسه بدهلك
قال قد عجبت لعمر كيف أغفله
ثم أمر بتخلية سبيله ووهب له أربعمائة دينار
فأقبل الزهري من ليلته إلى قومه من الأنصار فبشرهم بذلك
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن إسماعيل ومحمد بن زيد الأنصاري قالا
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أدنى زيد بن أسلم وجفا الأحوص فقال له الأحوص
( ألستَ أبا حفْصٍ هُدِيتَ مُخَبِّريّ ... أفِي الحَقِّ أنْ أُقْصَى ويُدْنَى ابنُ أَسْلَمَا )
فقال عمر ذلك هو الحق
قال الزبير وأنشدنيها عبد الملك بن الماجشون عن يوسف بن الماجشون
( ألاَ صِلَةُ الأرحامِ أدنَى إلى التُّقَى ... وأظهرُ في أكقائه لو تَكَرَّمَا )
( فما تركَ الصُّنْعُ الذي قد صنعتَه ... ولا الغيظُ منِّي ليس جِلْداً وأَعْظُما )
( وكنّا ذَوِي قُرْبَى لديك فأَصبحتْ ... قرابتُنا ثَدْياً أَجَدَّ مُصَرَّمَا )
( وكنتَ وما أمّلْتُ منك كَبارِقٍ ... لَوى قَطْرَه من بعَد ما كان غَيَّما )
( وقد كنتَ أرْجَى الناسِ عندي مَودّةً ... لياليَ كان الظنُّ غَيْباً مُرَجَّما )
( أَعُدُّك حِرْزاً إن جَنيتُ ظُلامة ... ومالاً ثَرِيّاً حين أحمِلُ مَغْرَمَا )
( تَدَارَكْ بعُتْبَى عاتباً ذا قَرابَةٍ ... طَوَى الغيظَ لم يَفْتَحْ بسُخْط له فَما )
شعره الذي غنته حبابة
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال كتب إلي إسحاق بن إبراهيم أن أبا عبيدة حدثهأن الأحوص لم يزل مقيما بدهلك حتى مات عمر بن عبد العزيز فدس إلى حبابة فغنت يزيد بأبيات له قال أبو عبيدة أظنها قوله
صوت
( أيُّهذا المُخَبِّري عن يزيدٍ ... بصَلاَحٍ فِدَاكَ أهلي ومالي )( ما أُبالي إذا يزيدُ بقَي لي ... مَنْ تَولَّتْ به صُروفُ الليالي )
لم يجنسه كذا جاء في الخبر أنها غنته به ولم يذكر طريقته قال أبو عبيدة أراه عرض بعمر بن عبد العزيز ولم يقدر أن يصرح مع بني مروان فقال من
يقول هذا قالت الأحوص وهونت أمره وكلمته في أمانه فأمنه
فلما أصبح حضر فاستأذنت له ثم أعطاه مائة ألف درهم
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح ابن حسان
أن الأحوص دس إلى حبابة فغنت يزيد قوله
( كريمُ قُرَيْشٍ حين يُنْسَبُ والذي ... أقرَّتْ له بالمُلْكِ كُهْلاً وأَمْردَا )
( وليس وإِن أعطاك في اليوم مانِعاً ... إذا عُدْتَ من أضعاف أضعافِه غَدَا )
( أهان تِلادَ المالِ في الحمد إِنَّه ... إمامُ هُدىً يجرِي على ما تَعَوَّدا )
( تَشرَّف مجداً من أبيه وجَدّه ... وقد وَرِثا بُنْيَان مجدٍ تَشَيّدا )
فقال يزيد ويلك يا حبابة من هذا من قريش قالت ومن يكون أنت هو يا أمير المؤمنين فقال ومن قال هذا الشعر قالت الأحوص يمدح به أمير المؤمنين فأمر به أمير المؤمنين أن يقدم عليه من دهلك وأمر له بمال وكسوة
إعجاب يزيد بن عبد الملك بشعره
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بعض أهل العلم قالدخل الأحوص على يزيد بن عبد الملك وهو خليفة فقال له يزيد والله لو لم تمت إلينا بحرمة ولا توسلت بدالة ولا جددت لنا مدحا غير أنك مقتصر على البيتين اللذين قلتهما فينا لكنت مستوجبا لجزيل الصلة مني حيث تقول
( وإِنِّي لأَستحيِيكُمُ أنْ يقودَني ... إلى غيركم من سائر الناس مُطْمَعُ )
( وأنْ أَجْتدِي للنفع غيرَك منهمُ ... وأنت إمامُ للرعيّة مَقْنَعُ )
قال وهذه قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز
إكرام يزيد له
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال حدثني عمر بن موسى بن عبد العزيز قاللما ولي يزيد بن عبد الملك بعث إلى الأحوص فأقدم عليه فأكرمه وأجازه بثلاثين ألف درهم
فلا قدم قباء صب المال على نطع ودعا جماعة من قومه وقال إني قد عملت لكم طعاما فلما دخلوا عليه كشف لهم عن ذلك المال وقال ( أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون )
قال الزبير وقال في يزيد بن عبد الملك يمدحه حينئذ بهذه القصيدة
( صَرَمتْ حَبْلَك الغداةَ نَوَارُ ... إنّ صَرْماً لكلِّ حبلٍ قُصَارُ )
وهي طويلة يقول فيها
( مَنْ يَكُنْ سائلاً فإِنّ يزيداً ... مَلِكٌ مِنْ عطَائه الإِكثارُ )
( عمَّ معروفُه فعَزَّ به الدِّينُ ... وذَلَّتْ لمُلْكِه الكُفَّارُ )
( وأقامَ الصِّراطَ فابتهَج الحَقُّ ... منيراً كما أنار النَّهارُ )
ومن هذه القصيدة بيتان يغني فيهما وهما
صوت
( بَشَرٌ لو يَدِبُّ ذَرٌّ عليه ... كان فيه من مَشْيِه آثارُ ) ( إنّ أرْوَى إذا تذكَّر أرْوَى ... قَلْبُه كاد قلبُه يُسْتَطارُ )
غنت فيه عريب لحنا من الثقيل الأول بالبنصر وذكر ابن المكي أنه لجده يحيى
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب عن مصعب بن عثمان قال
حج يزيد بن عبد الملك فتزوج بنت عون بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصدقها مالا كثيرا فكتب الوليد بن عبد الملك إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه بلغ أمير المؤمنين أن يزيد بن عبد الملك قد تزوج بنت عون بن محمد بن علي بن أبي طالب وأصدقها مالا كثيرا ولا أراه فعل ذلك إلا وهو يراها خيرا منه قبح الله رأيه فإذا جاءك كتابي هذا فأدع عونا فاقبض المال منه فإن لم يدفعه إليك فأضربه بالسياط حتى تستوفيه منه ثم افسخ نكاحه
فأرسل أبو بكر بن محمد بن عمرو إلى عون بن محمد وطالبه بالمال فقال له ليس عندي شيء وقد فرقته
فقال له أبو بكر إن أمير المؤمنين أمرني إن لم تدفعه إلي كله أن أضربك بالسياط ثم لا أرفعها عنك حتى أستوفيه منك
فصاح به يزيد تعال إلي فجاءه فقال له فيما بينه وبينه كأنك خشيت أن أسلمك إليه إدفع إليه المال ولا تعرض له نفسك فإنه إن دفعه إلي رددته عليك وإن لم يرده علي أخلفته عليك ففعل
فلما ولي يزيد بن عبد الملك كتب في أبي بكر بن محمد بن حزم وفي الأحوص فحملا إليه لما بين أبي بكر والأحوص من العداوة وكان أبو بكر قد ضرب الأحوص وغربه إلى دهلك وأبو بكر مع عمر بن عبد العزيز وعمر إذ ذاك على المدينة
فلما صارا بباب يزيد أذن للأحوص فرفع أبو
بكر يديه يدعو فلم يخفضهما حتى خرج الغلمان بالأحوص ملببا مكسور الأنف وإذا هو لما دخل على يزيد قال له أصلحك الله هذا ابن حزم الذي سفه رأيك ورد نكاحك فقال يزيد كذبت عليك لعنة الله وعلى من يقول ذلك اكسروا أنفه وأمر به فأخرج ملببا
خبره مع عبد الحكم بن عمرو الجمحي
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو الجمحي قالكان عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي قد اتخذ بيتا فجعل فيه شطرنجات ونردات وقرقات ودفاتر فيها من كل علم وجعل في الجدار أوتادا فمن جاء علق ثيابه على وتد منها ثم جر دفترا فقرأه
أو بعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم
قال فإن عبد الحكم يوما لفي المسجد الحرام إذا فتى داخل من باب الحناطين باب بني جمح عليه ثوبان معصفران مدلوكان وعلى أذنه ضعث ريحان وعليه ردع الخلوق فأقبل يشق الناس حتى جلس إلى عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله فجعل من رآه يقول ماذا صب عليه من هذا ألم يجد أحدا يجلس إليه غيره ويقول بعضهم فأي شيء يقوله له عبد
الحكم وهو أكرم من أن يجبه من يقعد إليه فتحدث إليه ساعة ثم أهوى فشبك يده في يد عبد الحكم وقام يشق المسجد حتى خرج من باب الحناطين قال عبد الحكم فقلت في نفسي ماذا سلط الله علي منك رآني نصف الناس في المسجد ونصفهم في الحناطين حتى دخل مع عبد الحكم بيته فعلق على وتد وحل أزراره واجتز الشطرنج وقال من يلعب فبينا هو كذلك إذ دخل الأبجر المغني فقال له أي زنديق ما جاء بك إلى هاهنا وجعل يشتمه ويمازحه
فقال له عبد الحكم أتشتم رجلا في منزلي فقال أتعرفه هذا الأحوص
فاعتنقه عبد الحكم وحياه
وقال له أما إذا كنت الأحوص فقد هان علي ما فعلت
عبد الملك بن مروان يتمثل بشعره
أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني حميد بن عبد العزيز عن أبيه قاللما قدم عبد الملك بن مروان حاجا سنة خمس وسبعين وذلك بعدما اجتمع الناس عليه بعامين جلس على المنبر فشتم أهل المدينة ووبخهم ثم قال إني والله يا أهل المدينة قد بلوتكم فوجدتكم تنفسون القليل وتحسدون على الكثير وما وجدت لكم مثلا إلا ما قال مخنثكم وأخوكم الأحوص
( وكَمْ نزلتْ بي من خُطُوبٍ مُهِمّةٍ ... خَذَلْتُمْ عليها ثم لم أتَخَشَّع )
( فأَدْبَر عنِّي شَرّها لم أُبَلْ بها ... ولم أَدْعُكُمْ في كَرْبِها المُتَطلِّعِ )
فقام إليه نوفل بن مساحق فقال يا أمير المؤمنين أقررنا بالذنب وطلبنا المعذرة فعد بحلمك فذلك ما يشبهنا منك ويشبهك منا فقد قال من ذكرت من بعد بيتيه الأولين
( وإنِّي لَمُسْتأنٍ ومُنْتَظِرٌ بكم ... وإنْ لم تقولوا في المُلمَّاتِ دَعْ دعِ )
( أُؤمِّلُ منكم أنْ تَرَوْا غيرَ رأيكم ... وشيكاً وكيما تَنْزِعُوا خيرَ مَنْزَعِ )
أخبرني الحرمي والطوسي قالا حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك عن المنذر بن عبد الله الحزامي
أن عراك بن مالك كان من أشد أصحاب عمر بن عبد العزيز على بني مروان في انتزاع ما حازوا من الفيء والمظالم من أيديهم فلما ولي يزيد بن عبد الملك ولي عبد الواحد بن عبد الله النصري المدينة فقرب عراك بن مالك وقال صاحب الرجل الصالح وكان لا يقطع أمرا دونه وكان يجلس معه على سريره
فبينا هو معه إذ أتاه كتاب يزيد بن عبد الملك أن ابعث مع عراك بن مالك حرسيا حتى ينزله أرض دهلك وخذ من عراك حمولته
فقال لحرسي بين يديه وعراك معه على السرير خذ بيد عراك فابتع من ماله راحلة ثم توجه به نحو دهلك حتى تقر فيها ففعل ذلك الحرسي قال وأقدم الأحوص فمدحه الأحوص فأكرمه وأعطاه
قال فأهل دهلك يأثرون الشعر عن الأحوص والفقه عن عراك بن مالك
أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام عن أبي الغراف عمن يثق به قال
بعث يزيد بن عبد الملك حين قتل يزيد بن المهلب في الشعراء فأمر بهجاء يزيد بن المهلب منهم الفرزدق وكثير والأحوص
فقال الفرزدق لقد
امتدحت بني المهلب بمدائح ما امتدحت بمثلها أحدا وإنه لقبيح بمثلي أن يكذب نفسه على كبر السن فليعفني أمير المؤمنين قال فأعفاه وقال كثير إني أكره أن أعرض نفسي لشعراء أهل العراق إن هجوت بني المهلب
وأما الأحوص فإنه هجاهم
ثم بعث به يزيد بن عبد الملك إلى الجراح بن عبد الله الحكمي وهو بأذربيجان وقد كان بلغ الجراح هجاء الأحوص بني المهلب فبعث إليه بزق من خمر فأدخل منزل الأحوص ثم بعث إليه خيلا فدخلت منزله فصبوا الخمر على رأسه ثم أخرجوه على رؤوس الناس فأتوا به الجراح فأمر بحلق رأسه ولحيته وضربه الحد بين أوجه الرجال وهو يقول ليس هكذا تضرب الحدود فجعل الجراح يقول أجل ولكن لما تعلم
ثم كتب إلى يزيد بن عبد الملك يعتذر فأغضى له عليها
رأي أبي الفرج فيه
قال أبو الفرج الأصبهاني وليس ما جرى من ذكر الأحوص إرادة للغض منه في شعره ولكنا ذكرنا من كل ما يؤثر عنه ما تعرف به حاله من تقدم وتأخر وفضيلة ونقص فأما تفضيله وتقدمه في الشعر فمتعالم مشهور وشعره ينبئ عن نفسه ويدل على فضله فيه وتقدمه وحسن رونقه وتهدبه وصفائهأخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز قال حدثني عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي قال حدثنا شيخ لنا من هذيل كان خالا للفرزدق من بعض أطرافه قال
سمعت بالفرزدق وجرير على باب الحجاج فقلت لو تعرضت ابن
أختنا فامتطيت إليه بعيرا حتى وجدتهما قبل أن يخلصا ولكل واحد منهما شيعة فكنت في شيعة الفرزدق فقام الآذان يوما فقال أين جرير فقال جرير هذا أبو فراس فأظهرت شيعته لومه وأسرته فقال الآذن أين الفرزدق فقام فدخل
فقالوا لجرير أتناوئه وتهاجيه وتشاخصه ثم تبدى عليه فتأبى وتبديه قضيت له على نفسك فقال لهم إنه نزر القول ولم ينشب أن ينفد ما عنده وما قال فيه فيفاخره ويرفع نفسه عليه فما جئت به بعد حمدت عليه واستحسن
فقال قائلهم لقد نظرت نظرا بعيدا
قال فما نشبوا أن خرج الآذن فصاح أين جرير فقام جرير فدخل
قال فدخلت فإذا ما مدحه به الفرزدق قد نفد وإذا هو يقول
( أينَ الذين بِهِمْ تُسَامِي دَارماً ... أَمْ مَنْ إلى سَلفي طُهَيَّةَ تجعلُ )
قال وعمامته على رأسه مثل المنسف فصحت من روائه
( هذا ابنُ يُوسُفَ فاعْلَمُوا وتَفَهَّمُوا ... بَرِحَ الخَفاءُ فليس حين تَنَاجِي )
( مَنْ سَدّ مُطَّلَع النِّفاقِ عليكُمُ ... أَمْ مَنْ يَصُولُ كصَوْلة الحَجَّاجِ )
( أم مَنْ يَغارُ على النِّساء حفيظةً ... إذ لا يَثِقْنَ بغَيْرَةِ الأزواج )
( قُلْ لِلْجَبانِ إذا تأخَّر سَرْجُهُ ... هل أنتَ من شَرَكِ المَنِيَّةِ ناجي )
قال وما تشبيبها وطرب فقال جرير
( لَجَّ الهَوَى بفُؤادِكَ المِلْجَاجِ ... فاحْبِسْ بتُوضِحَ باكِرَ الأحْدَاجِ )
وأمرها أو قال أمضاها
فقال أعطوه كذا وكذا فاستقللت ذلك
فقال الهذلي وكان جرير عربيا قرويا فقال للحجاج قد أمر لي الأمير بما لم يفهم عنه فلو دعا كاتبا وكتب بما أمر به الأمير فدعا كاتبا واحتاط فيه بأكثر من ضعفه وأعطى الفرزدق أيضا
قال الهذلي فجئت الفرزدق فأمر لي بستين دينارا وعبد ودخلت على رواته فوجدتهم يعدلون ما انحرف من شعره فأخذت من شعره ما أردت ثم قلت له يا أبا فراس من أشعر الناس قال أشعر الناس بعدي ابن المراغة
قلت فمن أنسب الناس قال الذي يقول
( لي ليلتانِ فليلةٌ مَعْسُولةٌ ... أَلْقَى الحبيبَ بها بِنَجْمِ الأَسْعُدِ )
( ومُرِيحةٌ هَمِّي عليَّ كأنَّني ... حتَّى الصَّباحِ مُعَلَّقٌ بالفَرْقَدِ )
قلت ذاك الأحوص
قال ذاك هو
قال الهذلي ثم أتيت جريرا فجعلت أستقل عنده ما أعطاني صاحبي أستخرج به منه فقال كم أعطاك ابن أختك فأخبرته
فقال ولك مثله فأعطاني ستين دينارا وعبدا
قال وجئت رواته وهم يقومون ما
انحرف من شعره وما فيه من السناد فأخذت منه ما أردت ثم قلت يا أبا حزرة من أنسب الناس قال الذي يقول
( يا ليتَ شِعْري عَمَّنْ كَلِفْتُ به ... من خَثْعمٍ إذ نَأَيْتُ ما صَنَعُوا )
( قومٌ يَحُلُّون بالسَّديرِ وبالْحِيرَةِ ... منهمُ مَرْأًى ومُسْتَمَعُ )
( أنْ شَطَّتِ الدارُ عن دِيارِهِمُ ... أأمسكوا بالوِصال أم قَطَعُوا )
( بل هُمْ على خَيْرِ ما عَهِدْتُ وما ... ذلِكَ إلاّ التأميلُ والطَّمَعُ )
قلت ومن هو قال الأحوص
فاجتمعا على أن الأحوص أنسب الناس
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
منها الأبيات التي يقول فيها الأحوص( لي ليلتان فليلةٌ معسولةٌ ... )
وأول ما يغنى به فيها
صوت
( يا للرَّجالِ لِوَجْدِكَ المُتَجَدِّدِ ... ولِمَا تُؤَمِّلُ من عَقِيلةَ في غَدِ )( ترجو مَوَاعِدَ بَعْثُ آدمَ دونها ... كانتْ خَبَالاً للفؤاد المُقْصَدِ )
( هل تذكُرين عَقِيلَ أو أنْساكِهِ ... بَعْدِي تَقَلُّبُ ذا الزَّمانِ المُفْسِدِ )
( يومي ويَوْمَكِ بالعَقِيق إذِ الهَوَى ... منَّا جَمِيعُ الشَّمْلِ لم يَتَبَدَّدِ )
( لي ليلتانِ فليلةٌ معسولةٌ ... ألقَى الحبيبَ بها بنَجْمِ الأَسْعُدِ )
( ومُرِيحةٌ هَمِّي عليّ كأنَّني ... حتَّى الصباحِ مُعّلَّقٌ بالفَرْقَدِ )
عروضه من الكامل
يقال يا للرجال ويا للرجال بالكسر والفتح وفي الحديث أن عمر رضي الله عنه صاح لما طعن يا لله يا للمسلمين
وقوله في غد يريد فيما بعد وفي باقي الدهر قال الله سبحانه ( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر )
والخبل والخبال النقصان من الشيء
والمخبل أصله مأخوذ من النقص لأنه ناقص العقل
والمعسولة الجلوة المشتهاة
الشعر للأحوص
والغناء في البيت الأول والثاني لمالك خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش
وفي الثالث والرابع لسليمان أخي بابويه ثقيل أول بالوسطى عن عمرو
وفيهما وفي الخامس والسادس لحن لابن سريج ذكره يونس ولم يجنسه وذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أن لمعبد في الأبيات كلها لحنا وأنه من صحيح غنائه ولم يجنسه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية قال
بلغني أن ابنا للأحوص بن محمد الشاعر دخل على امرأة شريفة وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن زيد عن عنبسة بن سعيد بن العاصي قال أخبرني أشعب بن جبير قال
امرأة تستفسر ابنه عن شعر له
حضرت امرأة شريفة ودخل عليها ابن الأحوص بن محمد الشاعر فقالت له أتروي قول أبيك( لي ليلتانِ فليلةٌ معسولةٌ ... ألقَى الحبيبَ بها بنجم الأسْعُدِ )
( ومُرِيحةٌ هَمِّي عليّ كأنَّني ... حتَّى الصباحِ معلَّق بالفَرْقَدِ )
قال نعم
قالت أتدري أي الليلتين التي يبيت فيها معلقا بالفرقد قال لا والله
قالت هي ليلة أمك التي يبيت معها فيها
قال إبراهيم في خبره فقلت لأشعب يا أبا العلاء فأي ليلتيه المعسولة فقال
( سَتُبْدِي لك الأيّامُ ما كنتَ جاهلاً ... ويأتِيكَ بالأخبار مَنْ لم تُزَوِّدِ )
هي ليلة الإسراف ولا تسأل عما بعدها
أخبرني عبد العزيز ابن بنت الماجشون قال
أنشد ابن جندب قول الأحوص
( لي ليلتانِ فليلةٌ معسولةٌ ... ألقَى الحبيبَ بها بنجم الأَسْعُدِ )
( ومُرِيحةٌ هَمِّي عليّ كأنِّني ... حتّى الصباحِ معلَّق بالفَرْقَدِ )
فقال أما إن الله يعلم أن الليلة المريحة همي لألذ الليلتين عندي
قال الحرمي ابن أبي العلاء وذلك لكلفه بالغزل والشوق والحنين وتمني اللقاء
من هي عقيلة التي شغف بها الأحوص
وللأحوص مع عقيلة هذه أخبار قد ذكرت في مواضع أخروعقيلة امرأة من ولد عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه
وقد ذكر الزبير عن ابن بنت الماجشون عن خاله أن عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين عليهما السلام كنى عنها بعقيلة
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي
أن إنسانا أنشد عند إبراهيم بن هشام وهو والي المدينة قول الأحوص
( إذْ أنتِ فينا لِمَنْ يَنْهَاكِ عاصيةٌ ... وإِذْ أجُرُّ إليكم سادراً رسَني )
فوثب أبو عبيدة بن عمار بن ياسر قائما ثم أرخى رداءه ومضى يمشي على تلك
الحال ويجره حتى بلغ العرض ثم رجع
فقال له إبراهيم بن هشام حين جلس ما شأنك فقال أيها الأمير إني سمعت هذا البيت مرة فأعجبني فحلفت لا أسمعه إلا جررت رسني
نسبة هذا البيت وما غني فيه من الشعر
صوت
( سَقْياً لِرَبْعكِ من رَبْع بذِي سَلَمٍ ... ولِلزَّمانِ به إذ ذاكَ من زَمَنِ )( إذْ أنتِ فينا لمن يَنْهاكِ عاصيةٌ ... وإِذا أجُرُّ إليكم سادِراً رَسَنِي )
عروضه من - البسيط -
غنى ابن سريج في هذين البيتين لحنا من الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو
وذكر إسحاق فيه لحنا من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى ولم ينسبه إلى أحد وذكر حبش أنه للغريض
حماد الراوية فضله على الشعراء في النسيب
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن سالم بن أبي السحماء وكان صاحب حماد الراويةأن حمادا كان يقدم الأحوص في النسيب
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمر بن أبي سليمان عن يوسف ابن أبي سليمان بن عنيزة قال
هجا الأحوص رجلا من الأنصار من بني حرام يقال له ابن بشير وكان كثير
المال فغضب من ذلك فخرج حتى قدم على الفرزدق بالبصرة وأهدى إليه وألطفه فقبل منه ثم جلسا يتحدثان فقال الفرزدق ممن أنت قال من الأنصار
قال ما أقدمك قال جئت مستجيرا بالله عز و جل ثم وبك من رجل هجاني
قال قد أجارك الله منه وكفاك مؤنته فأين أنت عن الأحوص قال هو الذي هجاني
فأطرق ساعة ثم قال أليس هو الذي يقول
( ألاَ قِفْ بِرَسْم الدَّارِ فاسْتَنْطِقِ الرّسْمَا ... فقَدْ هاج أحزاني وذَكَّرَني نُعْمَا )
قال بلى
قال فلا والله لا أهجو رجلا هذا شعره
فخرج ابن بشير فاشترى أفضل من الشراء الأول من الهدايا فقدم بها على جرير فأخذها وقال له ما أقدمك قال جشت مستجيرا بالله بولك من رجل هجاني
فقال قد أجارك الله عز و جل منه وكفاك أين أنت عن ابن عمك الأحوص بن محمد قال هو الذي هجاني
قال فأطرق ساعة ثم قال أليس هو الذي يقول
( تَمَشَّى بشَتْمِي في أَكَارِيسِ مالكٍ ... تُشِيدُ به كالكَلْبِ إذ يَنْبَحُ النَّجْمَا )
( فما أنا بالمخْسُوسِ في جِذْمِ مالكٍ ... ولا بالمُسَمَّى ثم يَلْتَزِمُ الإِسْمَا )
( ولكنّ بيتِي إنْ سألتَ وجدتَه ... تَوَسَّطَ منها العِزَّ والحَسَبَ الضَّخْمَا )
قال بلى والله
قال فلا والله لا أهجو شاعرا هذا شعره
قال فاشترى أفضل من تلك الهدايا وقدم على الأحوص فأهداها إليه وصالحه
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( ألاَ قِفْ بِرَسْمِ الدَّارِ فاسْتَنْطِقِ الرّسْمَا ... فقد هاجَ أحزاني وذكَّرني نُعْمَا ) ( فبِتُّ كأنِّي شاربٌ من مُدَامةٍ ... إذا أذهبتْ هَمّاً أتاحتْ له هَمَّا )
غناه إبراهيم الموصلي خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي
وذكر عبد الله ابن العباس الربيعي أنه له
أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال قال لي أبو السائب المخزومي أنشدني للأحوص فأنشدته قوله
( قالتْ وقلتُ تَحَرَّجِي وصِلي ... حَبْلَ امْرِئٍ بوصالكم صَبِّ )
( وَاصِلْ إذاً بَعْلِي فقُلْتُ لها ... الغَدْرُ شيءٌ ليس من ضَرْبي )
صوت
( ثِنْتَانِ لا أدنو لِوَصْلِهما ... عِرْسُ الخليل وجارةُ الجَنْبِ )
( أمّا الخليلُ فلستُ فاجعَه ... والجارُ أوصاني به رَبِّي )
( عُوجُوا كذا تَذْكُرْ لغانِيةٍ ... بعضَ الحديثِ مَطِيَّكم صَحْبي )
( ونَقُلْ لها فِيمَ الصُّدودُ ولَمْ ... نُذْنِبْ بَلَ انتِ بَدَأْتِ بالذَّنْبِ )
( إنْ تُقْبِلي نُقْبِلْ ونُنْزِلكم ... مِنّا بدار السَّهْلِ والرُّحبِ )
( أو تُدْبِرِي تكدُرْ مَعِيشَتُنا ... وتُصَدِّعِي مُتَلائمَ الشَّعْبِ )
غنى في ثنتان لا أدنو والذي بعده ابن جامع ثقيلا أول بالوسطى
وغنى في عوجوا كذا نذكر لغانية والأبيات التي بعده ابن محرز لحنا
من
القدر الأوسط من الثقيل الأول مطلقا في مجرى البنصر قال فأقبل علي أبو السائب فقال يابن أخي هذا والله المحب عينا لا الذي يقول
( وكنتُ إذا خليلٌ رامَ صُرْمِي ... وجدتُ ورَايَ مُنْفَسَحاً عَرِيضاً )
إذهب فلا صحبك الله ولا وسع عليك يعني قائل هذا البيت
المهدي يسأل عن أنسب بيت قالته العرب
أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثنا خالد بن وضاح قال حدثني عبد الأعلى بن عبد الله بن محمد بن صفوان الجمحي قالحملت دينا بعسكر المهدي فركب المهدي بين أبي عبيد الله وعمر بن بزيع وأنا وراءه في موكبه على برذون قطوف فقال ما أنسب بيت قالته العرب فقال له أبو عبيد الله قول أمرئ القيس
( وما ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلا لِتَضْرِبي ... بسَهْمَيْكِ في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ )
فقال هذا أعرابي قح
فقال عمر بن بزيع قول كثير يا أمير المؤمنين
( أُرِيدُ لأنْسَى ذِكْرَها فكأنَّما ... تَمَثَّلُ لي لَيْلَى بكلِّ سَبيلِ )
فقال ما هذا بشيء وماله يريد أن ينسى ذكرها حتى تمثل له فقلت عندي حاجتك يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك قال الحق بي
قلت لا لحاق بي ليس ذلك في دابتي
قال احملوه على دابة
قلت هذا أول الفتح فحملت على دابة فلحقت
فقال ما عندك فقلت قول الأحوص
( إذا قلتُ إنِّي مُشْتَفٍ بِلِقائها ... فحُتم التلاقِي بيننا زادنِي سُقْمَا )
فقال أحسن والله اقضوا عنه دينه فقضي عني ديني
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
منها الشعر الذي هو( أريدَ لأَنْسَى ذِكْرَهَا فكأنَّما ... تَمَثَّلُ لي لَيلى بكِّل سبيلِ )
صوت
( ألا حَيِّيَا ليلَى أجَدّ رَحِيلي ... وآذَنَ أصحابي غَداً بِقُفُولِ )( ولم أرَ من لَيْلَى نَوَالاً أَعُدُّهُ ... ألاَ رُبَّما طالبتُ غيرَ مُنِيلِ )
( أُريد لأنْسَى ذِكْرَها فكأنَّما ... تَمَثَّلُ لي لَيْلَى بكلِّ سبيلِ )
( وليس خَلِيلي بالمَلُولِ ولا الذي ... إذا غِبْتُ عنه باعَنِي بخليلِ )
( ولكنْ خَليلِي مَنْ يَدُومُ وِصَالُهُ ... ويَحْفَظُ سِرِّي عند كلِّ دَخِيلِ )
عروضه من - الطويل -
الشعر لكثير
والغناء في ثلاثة الأبيات الأول لإبراهيم ولحنه من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر
ولابنه إسحاق في
( وليس خليلي بالمَلُول ولا الّذي ... )
ثقيل آخر بالوسطى
حديث البعض عن كثير وجميل
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن محمد بن سلام قالكان لكثير في النسيب حظ وافر وجميل مقدم عليه وعلى أصحاب النسيب جميعا ولكثير من فنون الشعر ما ليس لجميل
وكان كثير راوية جميل وكان جميل صادق الصبابة والعشق ولم يكن كثير بعاشق وكان يتقول
قال وكان
الناس يستحسنون بيت كثير في النسيب
( أُريد لأنْسَى ذَكْرَها فكأنّما ... تَمَثَّلُ لي ليلَى بكلِّ سبيل )
قال وقد رأيت من يفضل عليه بيت جميل
( خليلَيّ فيما عِشْتُما هل رأيتُما ... قَتِيلاً بَكَى من حُبِّ قاتِلِه قَبلِي )
قرأت في كتاب منسوب إلى أحمد بن يحيى البلاذري وذكر إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن عبد الله بن معصب الزبيري كان يوما يذكر شعر كثير ويصف تفضيل أهل الحجاز إياه إلي أن انتهى إلى هذا البيت
قال إسحاق فقلت له إن الناس يعيبون عليه هذا المعنى ويقولون ما له يريد أن ينساها فتبسم ابن مصعب ثم قال إنكم يأهل العراق لتقولون ذلك
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو يحيى الزهري قال حدثني الهزبري قال
قيل لكثير ما أنسب بيت قلته قال الناس يقولون
( أريد لأنْسَى ذِكْرَها فكانّما ... تَمَثَّلُ لي ليلَى بكلِّ سبيل )
وأنسب عندي منه قولي
( وقُلْ أُمُّ عَمْرٍ داؤه وشفاؤه ... لديها ورَيَّاها الشِّفاءُ مِنَ الخبْل )
وقد قيل إن بعض هذه الأبيات للمتوكل الليثي
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عثمان قال الحرمي أحسبه ابن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا إبراهيم بن أبي عبد الله قال
قيل لمحرز بن جعفر أنت صاحب شعر ونراك تلزم الأنصار وليس هناك منه شي قال بلى والله إن هناك لشعر عين الشعر وكيف لا يكون للشعر هناك وصاحبهم الأحوص الذي يقول
( يقولون لو ماتت لقد غاض حُبُّهُ ... وذلك حِينُ الفاجِعاتِ وحِيني )
( لَعَمْرُك إنِّي إنْ تُحَمَّ وفاتُها ... بصُحْبِة مَنْ يَبْقَى لَغَيْرُ ضَنِينِ )
وهو الذي يقول
( وإنِّي لِمِكْرَامٌ لسادات مالكٍ ... وإنِّي لِنَوْكَى مالكٍ لَسَبُوبُ )
( وإنِّي على الحِلِمْ الذي من سَجِيَّتي ... لحَمَّالُ أضْغانٍ لَهُنّ طَلُوبُ )
شعره في مرض موته
أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني عمي مصعب قال حدثني يحيى بن الزبير بن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير قال الزبير وحدثني علي بن صالح عن عامر بن صالحأن الأحوص قال في مرضه الذي مات فيه وقال عامر بن صالح حين هرب من عبد الواحد النصري إلى البصرة
( يا بِشْرُ يا رُبَّ مَحْزونٍ بمَصرَعنا ... وشَامِتٍ جَذِلٍ ما مَسَّهُ الحَزَنُ )
( وما شَمَاتُ امْرئٍ إن ماتَ صاحبهُ ... وقد يَرَى أنَّه بالموت مُرْتَهَنُ )
( يا بشْرُ هُبِّي فإنّ النَّوْمَ أرّقَهُ ... نأْي مُشِتٌّ وأرضٌ غيرُها الوَطَنُ )
ذكر الدلال وقصته حين خصي ومن خصي معه والسبب في ذلك وسائر أخباره
الدلال اسمه ناقد وكنيته أبو زيدوهو مدني مولى بني فهم
وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال
قال إسحاق لم يكن في المخنثين أحسن وجها ولا أنظف ثوبا ولا أظرف من الدلال
قال وهو أحد من خصاه ابن حزم
فلما فعل ذلك به قال الآن تم الخنث
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبد الله مصعب الزبيري قال
الدلال مولى عائشة بنت سعيد بن العاص
بعض صفاته
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبد الله مصعب الزبيري قالكان الدلال من أهل المدينة ولم يكن أهلها يعدون في الظرفاء وأصحاب النوادر من المخنثين بها إلا ثلاثة طويس والدلال وهنب فكان هنب أقدمهم والدلال أصغرهم
ولم يكن بعد طويس أظرف من الدلال ولا أكثر ملحا
قال إسحاق وحدثني هشام بن المرية عن جرير وكانا نديمين مدنيين قال ما ذكرت الدلال قط إلا ضحكت لكثرة نوادره
قال وكان نزر الحديث فإذا تكلم أضحك الثكلي وكان ضاحك السن وصنعته نزرة جيده ولم يكن يغني إلا غناء مضعفا يعني كثير العمل
قال إسحاق وحدثني أيوب بن عباية قال
شهدت أهل المدينة إذا ذكروا الدلال وأحاديثه طولوا رقابهم وفخروا به فعلمت أن ذلك لفضيلة كانت فيه
قال وحدثني ابن جامع عن يونس قال
كان الدلال مبتلى بالنساء والكون معهن وكان يطلب فلا يقدر عليه وكان بديع الغناء صحيحه حسن الجرم
كيف كان يتوسط بين الرجال والنساء
قال إسحاق وحدثني الزبيري قالإنما لقب بالدلال لشكله وحسن دله وظرفه وحلاوة منطقة وحسن وجهه وإشارته وكان مشغوفا بمخالطة النساء ووصفهن للرجال
وكان من أراد خطبة امرأة سأله عنها وعن غيرها فلا يزال يصف له النساء واحدة فواحدة حتى ينتهي إلى وصف ما يعجبه ثم يتوسط بينه وبين من يعجبه منهن حتى يتزوجها فكان يشاغل كل من جالسه عن الغناء بتلك الأحاديث كراهة منه للغناء
السبب الذي من أجله خصي
قال إسحاق وحدثني مصعب الزبيري قالأنا أعلم خلق الله بالسبب الذي من أجله خصي الدلال وذلك أنه كان
القادم يقدم المدينة فيسأل عن المرأة يتزوجها فيدل على الدلال فإذا جاءه قال له صف لي من تعرف من النساء للتزويج فلا يزال يصف له واحدة بعد واحدة حتى ينتهي إلى ما يوافق هواه فيقول كيف لي بهذه فيقول مهرها كذا وكذا فإذا رضي بذلك أتاها الدلال فقال لها إني قد أصبت لك رجلا من حاله وقصته وهيئته ويساره ولا عهد له بالنساء وإنما قدم بلدنا آنفا فلا يزال بذلك يشوقها ويحركها حتى تطيعه فيأتي الرجل فيعلمه أنه قد أحكم له ما أراد
فإذا سوي الأمر وتزوجته المرأة قال لها قد آن لهذا الرجل أن يدخل بك والليلة موعده وأنتم مغتلمة شبقة جامة فساعة يدخل عليك قد دفقت عليه مثل سيل العرم فيقذرك ولا يعاودك وتكونين من أشأم النساء على نفسك وغيرك
فتقول فكيف أصنع فيقول أنت أعلم بدواء حرك ودائه وما يسكن غلمتك
فتقول أنت أعرف
فيقول ما أجدله شيئا أشفى من النيك
فيقول لها إن لم تخافي الفضيحة فابعثي إلى بعض الزنوج حتى يقضي بعض وطرك ويكف عادية حرك فتقول له ويلك ولا كل هذا فلا تزال المحاورة بينهما حتى يقول لها فكما جاء علي أقوم فأخففك وأنا والله إلى التخفيف أحوج
فتفرح المرأة فتقول هذا أمر مستور فينيكها حتى إذا قضى لذته منها قال لها أما أنت فقد استرحت وأمنت العيب وبقيت أنا
ثم يجيء إلى الزوج فيقول له قد واعدتها أن تدخل عليك الليلة وأنت رجل عزب ونساء المدينة خاصة يردن المطاولة في الجماع وكأني بك كما تدخله عليها تفرغ وتقوم فتبغضك وتمقتك ولا تعاودك بعدها ولو أعطيتها الدنيا ولا تنظر في وجهك بعدها
فلا يزال في مثل هذا القول حتى يعلم أنه قد هاجت شهوته فيقول له كيف أعمل قال تطلب زنجية فتنيكها مرتين أو
ثلاثا حتى تسكن غلمتك فإذا دخلت الليلة إلى أهلك لم تجد أمرك إلا جميلا
فيقول له ذاك أعوذ بالله من هذه الحال أزنا وزنجية لا والله لا أفعل فإذا أكثر محاورته قال له فكما جاء علي قم فنكني أنا حتى تسكن غلمتك وشبقك فيفرح فينيكه مرة أو مرتين
فيقول له قد استوى أمرك الآن وطابت نفسك وتدخل على زوجتك فتنيكها نيكا يملؤها سرورا ولذة
فينيك المرأة قبل زوجها وينيكه الرجل قبل امرأته
فكان ذلك دأبه إلى أن بلغ خبره سليمان بن عبد الملك وكان غيورا شديد الغيرة فكتب بأن يخصى هو وسائر المخنثين بالمدينة ومكة وقال إن هؤلاء يدخلون على نساء قريش ويفسدونهن
فورد الكتاب على ابن حزم فخصاهم
هذه رواية إسحاق عن الزبيري
والسبب في هذا أيضا مختلف فيه وليس كل الرواة يروون ذلك كما رواه مصعب
رواية أخرى عن سبب خصيه
فمما روي من أمرهم ما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري وهذا الخبر أصح ما روي في ذلك إسنادا قال أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة عن معن بن عيسى هكذا رواه الجوهري وأخبرنا به إسماعيل بن يونس قال حدثني عمر ابن شبة قال حدثني أبو غسان قال قال ابن جناح حدثني معن بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه وعن محمد بن معن الغفاري قالاكان سبب ما خصي له المخنثون بالمدينة أن سليمان بن عبد الملك كان في نادية له يسمر ليلة على ظهر سطح فتفرق عنه جلساؤه فدعا بوضوء فجاءت به جارية له
فبينا هي تصب عليه إذا أومأ بيده وأشار بها مرتين أو ثلاثا فلم تصب
عليه فأنكر ذلك فرفع رأسه فإذا هي مصغية بسمعها إلى ناحية العسكر وإذا وصوت رجل يغني فأنصت له حتى سمع جميع ما تغني به
فلما أصبح أذن للناس ثم أجرى ذكر الغناء فلين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه ويريده فأفاضوا فيه بالتسهيل وذكر من كان يسمعه
فقال سليمان فهل بقي أحد يسمع منه الغناء فقال رجل من القوم عندي يا أمير المؤمنين رجلان من أهل أيلة مجيدان محكمان
قال وأين منزلك فأومأ إلى الناحية التي كان الغناء منها
قال فابعث إليهما ففعل
فوجد الرسول أحدهما فأدخله على سليمان فقال ما اسمك قال سمير فسأله عن الغناء فاعترف به
فقال متى عهدك به قال الليلة الماضية
قال وأين كنت فأشار إلى الناحية التي سمع سليمان منها الغناء
قال فما غنيت به فأخبره الشعر الذي سمعه سليمان
فأقبل على القوم فقال هدر الجمل فضبعت الناقة ونب التيس فشكرت الشاة وهدر الحمام فزافت الحمامة وغنى الرجل فطربت المرأة ثم أمر به فخصي وسأل عن الغناء أين أصله فقيل بالمدينة في المخنثين وهم أئمته والحذاق فيه
فكتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وكان عامله عليها أن اخص من قبلك من المخنثين المغنين فزعم موسى بن جعفر بن أبي كثير قال أخبرني بعض الكتاب قال قرأت كتاب سليمان في الديوان فرأيت على الخاء نقطة كتمرة العجوة
قال ومن لا يعلم يقول إنه صحف القارئ وكانت أحص قال فتتبعهم ابن حزم فخصى منهم تسعة فمنهم الدلال وطريف وحبيب نومة
الضحى
وقال بعضهم حين خصي سلم الخاتن والمختون
وهذا كلام يقوله الصبي إذا ختن
قال فزعم ابن أبي ثابت الأعرج قال أخبرني حماد بن نشيط الحسني قال أقبلنا من مكة ومعنا بدراقس وهو الذي ختنهم وكان غلامه قد أعانه على خصائهم فنزلنا على حبيب نومة الضحى فاحتفل لنا وأكرمنا
فقال له ثابت من أنت قال يابن أخي أتجهلني وأنت وليت ختاني أو قال وأنت ختنتني
قال واسوءتاه وأيهم أنت قال أنا حبيب
قال ثابت فاجتنبت طعامه وخفت أن يسمني
قال وجعلت لحية الدلال بعد سنة أو سنتين تتناثر
وأما ابن الكلبي فإنه ذكر عن أبي مسكين ولقيط أن أيمن كتب بإحصاء من في المدينة من المخنثين ليعرفهم فيوفد عليه من يختاره للوفادة فظن الوالي أنه يريد الخصاء فخاصهم
أخبرني وكيع قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني محمد بن سلام قال حدثني ابن جعدبة ونسخت أنا من كتاب أحمد بن الحارث الخراز عن المديني عن ابن جعدبة واللفظ له
أن الذي هاج سليمان بن عبد الملك على ما صنعه بمن كان بالمدينة من المخنثين أنه كان مستلقيا على فراشه في الليل وجارية له إلى جنبه وعليها غلالة ورداء معصفران وعليها وشاحان من ذهب وفي عنقها فصلان من لؤلؤ وزبرجد وياقوت وكان سليمان بها مشغوفا وفي عسكره رجل يقال له سمير الأيلي يغني فلم يفكر سليمان في غنائه شغلا بها وإقبالا عليها وهي لاهية عنه لا تجيبه مصغية إلى الرجل حتى طال ذلك عليه فحول وجهه عنها مغضبا ثم عاد إلى ما كان مشغولا عن فهمه بها فسمع سميرا يغني بأحسن صوت وأطيب نغمة
صوت
( محجوبة سَمِعتْ صوتي فأَرّقَها ... من آخر اللَّيل حتّى شَفَّها السَّهَرُ )( تُدْنِي على جِيدِها ثِنْيَيْ مُعَصْفَرةٍ ... والحَلْيُ منها على لَبَّاتها خَصِرُ )
( في ليلة النصف ما يدري مُضَاجِعُها ... أوجهُها عنده أبهىَ أَمِ القمرُ )
ويروى
( أوجُهُها ما يَرَى أم وجهُها القمرُ ... )
( لَوْ خُلِّيَتْ لَمَشتْ نَحْوِي على قَدَمٍ ... تكاد من رِقَّةٍ للمشي تَنْفَطِرُ )
الغناء لسمير الأيلي رمل مطلق بالبنصر عن حبش
وأخبرني ذكاء وجه الرزة أنه سمع فيه لحنا للدلال من الثقيل الأول فلم يشكك سليمان أن الذي بها مما سمعت وأنها تهوى سميرا فوجه من وقته من أحضره وحبسه ودعا لها بسيف ونطع وقال والله لتصدقني أو لأضربن عنقك قالت سلني عما تريد
قال أخبريني عما بينك وبين هذا الرجل
قالت والله ما أعرفه ولا رأيته قط وأنا جارية منشأي الحجاز ومن هناك حملت إليك ووالله ما أعرف بهذه البلاد أحدا سواك
فرق لها وأحضر الرجل فسأله وتلطف له في المسألة فلم يجد بينه وبينها سبيلا ولم تطب نفسه بتخليته سويا فخصاه وكتب في المخنثين بمثل ذلك
هذه الرواية الصحيحة
أسف ابن أبي عتيق والماجشون لخصائه
وقد أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار يقال حدثنا عمي قال قيل للوليد بن عبد الملك إن نساء قريش يدخل عليهن المخنثون بالمدينة وقد قال رسول الله ( لا يدخل عليكن هؤلاء )
فكتب إلى ابن حزم الأنصاري أن اخصهم فخصاهم
فمر ابن أبي عتيق فقال أخصيتم الدلال أما والله لقد كان يحسن
( لِمَنْ رَبْعٌ بذات الجَيْشِ ... أمسَى دارساً خَلَقَا )
( تأبَّد بعد ساكنه ... فأصبح أهلُه فِرَقَا )
( وقفتُ به أُسائلُه ... ومَرّتُ عِيسُهم حِزَقَا )
ثم ذهب ثم رجع فقال إنما أعني خفيفة لست أعني ثقيله
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الواقدي عن ابن الماجشون
أن خليفة صاحب الشرطة لما خصي المخنثون مر بأبيه الماجشون وهو في حلقته فصاح به تعال فجاءه فقال أخصيتم الدلال قال نعم
قال أما إنه كان يجيد
( لِمَنْ رَبعٌ بذات الجيش ... أمسى دارساً خَلَقَا )
ثم مضى غير بعيد فرده ثم قال أستغفر الله إنما أعني هزجه لا ثقيله
أخبر له في المسجد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني حمزة النوفلي قالصلى الدلال المخنث إلى جانبي في المسجد فضرط ضرطة هائلة سمعها
من في المسجد فرفعنا رؤوسنا وهو ساجد وهو يقول في سجوده رافعا بذلك صوته سبح لك أعلاي وأسفلي فلم يبق في المسجد أحد إلا فتن وقطع صلاته بالضحك
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن المدائني عن أشياخه
أن عبد الله بن جعفر قال لصديق له لو غنتك جاريتي فلانه
( لِمَنْ رَبْعٌ بذات الجيش ... أمسَى دارساً خَلَقَا )
لما أدركت دكانك
فقال جعلت فداك قد وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير
فقال عبد الله يا غلام مر فلانة أن تخرج فخرجت معها عودها
فقال عبد الله إن هذا الشيخ يكره السماع
فقالت ويحه لو كره الطعام والشراب كان أقرب له إلى الصواب فقال الشيخ فكيف ذاك وبهما الحياة فقالت إنهما ربما قتلا وهذا لا يقتل
فقال عبد الله غني
( لِمَنْ ربعٌ بذات الجيش ... أمسى دارساً خَلَقاَ )
فغنت فجعل الشيخ يصفق ويرقص ويقول
( هذا أوانُ الشَّدِّ فاشْتَدِّي زِيَمْ ... )
ويحرك رأسه ويدور حتى وقع مغشيا عليه وعبد الله بن جعفر يضحك منه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال
مر الغمر بن يزيد بن عبد الملك حاجا فغناه الدلال
( بانتْ سُعادُ وأمسى حَبْلُها انْصَرَمَا ... واحْتَلَّت الغَمْرَ فالأجراعَ من إِضَما )
فقال له الغمر أحسنت والله وغلبت فيه ابن سريج فقال له الدلال نعمة الله علي فيه أعظم من ذلك
قال وما هي قال السمعة لا يسمعه أحد إلا علم أنه غناء مخنث حقا
نسبة هذا الصوت
صوت
بانتْ سعادُ وأمسى حبلُها انصرما ... واحتلّتِ الغَمْرَ فالأجراعَ من إِضَمَا )( إِحْدَى بَلِي وما هامَ الفؤادُ بها ... إلاّ السَّفَاهَ وإلاّ ذُكْرةً حُلُمَا )
( هَلاَّ سألتِ بني ذُبْيانَ ما حَسَبي ... إذا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشمط البَرَمَا )
الشعر للنابغة الذبياني
والغناء للدلال خفيف ثقيل أول بالوسطى عن
الهشامي
وفيه خفيف ثقيل بالبنصر لمعبد عن عمرو بن بانة
وفيه لابن سريج ثقيل أول بالبنصر عن حبش
وفيه لنشيط ثاني ثقيل بالبنصر عنه
وذكر الهشامي أن لحن معبد ثقيل أول وذكر حماد أنه للغريض
وفيه لجميلة ودحمان لحنان ويقال إنهما جميعا من الثقيل الأول
أخبرني الحسين بن يحيى قال أخبرنا حماد بن إسحاق إجازة عن أبيه عن المدائني قال
اختصم شيعي ومرجئ فجعلا بينهما أول من يطلع فطلع الدلال
فقالا له أبا زيد أيهما خير الشيعي أم المرجئ فقال لا أردي إلا أن أعلاي شيعي وأسفلي مرجئ
هروبه من المدينة إلى مكة
قال إسحاق قال المدائني وأخبرني أبو مسكين عن فليح بن سليمان قالكان الدلال ملازما لأم سعيد الأسلمية وبنت ليحيى بن الحكم بن أبي العاصي وكانتا من أمجن النساء كانتا تخرجان فتركبان الفرسين فتستبقان عليهما حتى تبدو خلاخيلهما
فقال معاوية لمروان بن الحكم إكفني بنت أخيك فقال أفعل
فاستزارها وأمر ببئر فحفرت في طريقها وغطيت بحصير فلما مشت عليه سقطت في البئر فكانت قبرها
وطلب الدلال فهرب إلى مكة
فقال له نساء أهل مكة قتلت نساء أهل المدينة وجئت لتقتلنا فقال والله ما قتلهن إلا
الحكاك
فقلن اعزب أخزاك الله ولا أدنى بك دارا ولا آذانا بك قال فمن لكن بعدي يدل على دائكن ويعلم موضع شفائكن والله ما زنيت قط ولا زني بي وإني لأشتهي ما تشتهي نساؤكم ورجالكم
قال إسحاق وحدثني الواقدي عن ابن الماجشون قال
كان أبي يعجبه الدلال ويستحسن غناءه ويدنيه ويقربه ولم أره أنا فسمعت أبي يقول غناني الدلال يوما بشعر مجنون بني عامر فلقد خفت الفتنة على نفسي
فقلت يا أبت وأي شعر تغني قال قوله
صوت
( عَسَى اللهُ أنْ يُجْرِي المَوَدّةَ بيننا ... ويُوصِلَ حبلاً منكُم بحِبالِيَا )( فكَمْ من خَلِيلَيْ جَفْوةٍ قد تَقَاطَعَا ... على الدَّهْرِ لمّا أنْ أطالاَ التَّلاَقِيَا )
( وإنّي لفي كَرْبٍ وأنتِ خَلِيّةٌ ... لقد فارقتْ في الوصف حالُكِ حاليا )
( عتبتُ فما أعتبتِني بمودّةٍ ... ورُمْتُ فما أسعفتِني بسؤاليا )
الغناء في هذا الشعر للغريض ثقيل أول بالوسطى ولا أعرف فيه لحنا غيره
وذكر حماد في أخبار الدلال أنه للدلال ولم يجنسه
قال إسحاق وحدثني الواقدي عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي قال
قدم مخنث من مكة يقال له مخة فجاء إلى الدلال فقال يا أبا زيد دلني على بعض مخنثي أهل المدينة أكايده وأمازحه ثم أجاذبه
قال قد وجدته لك وكان خثيم بن عراك بن مالك صاحب شرطة زياد بن عبيد الله الحارثي جاره وقد
خرج في ذلك الوقت ليصلي في المسجد فأومأ إلى خثيم فقال الحقه في المسجد فإنه يقوم فيه فيصلي ليرائي الناس فإنك ستظفر بما تريد منه
فدخل المسجد وجلس إلى جنب ابن عراك فقال عجلي بصلاتك لا صلى الله عليك فقال خثيم سبحان الله فقال المخنث سبحت في جامعة قراصة انصرفي حتى أتحدث معك
فانصرف خثيم من صلاته ودعا بالشرط والسياط فقال خذوه فأخذوه فضربه مائة وحبسه
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال
صلى الدلال يوما خلف الإمام بمكة فقرأ ( وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ) فقال الدلال لا أدري والله فضحك أكثر الناس وقطعوا الصلاة
فلما قضى الوالي صلاته دعا به وقال له ويلك ألا تدع هذا المجون والسفه فقال له قد كان عندي أنك تعبد الله فلما سمعتك تستفهم ظننت أنك قد تشككت في ربك فثبتك
فقال له أنا شككت في ربي وأنت ثبتني إذهب لعنك الله ولا تعاود فأبالغ والله في عقوبتك
قصته مع رجل زوجه امرأة لم يدخل بها
قال إسحاق وحدثني الواقدي عن عثمان بن إبراهيم قالسأل رجل الدلال أن يزوجه امرأة فزوجه
فلما أعطاها صداقها وجاء بها إليه فدخلت عليه قام إليها فواقعها فضرطت قبل أن يطأها فكسل عنها الرجل ومقتها وأمر بها فأخرجت وبعث إلى الدلال فعرفه ما جرى عليه
فقال له الدلال فديتك هذا كله من عزة نفسها
قال دعني منك فإني قد أبغضتها
فاردد علي دراهمي فرد بعضها
فقال له لم رددت بعضها وقد خرجت كما دخلت قال للروعة التي أدخلتها على استها
فضحك وقال له اذهب فأنت أقضى الناس وأفقههم
فتية من قريش يسقونه حتى يسكروه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني محمد بن سلام عن أبيه قال وأخبرني به الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد ابن سلام عن أبيه قالأن الدلال خرج يوما مع فتية من قريش في نزهة له وكان معهم غلام جميل الوجه فأعجبه وعلم القوم وعلم القوم بذلك فقالوا قد ظفرنا به بقية يومنا وكان لا يصبر في مجلس حتى ينقضي وينصرف عنه استثقالا لمحادثة الرجال ومحبة في محادثة النساء
فغمزوا الغلام عليه وفطن لذلك فغضب وقام لينصرف فأقسم الغلام عليه والقوم جميعا فجلس
وكان معهم شراب فشربوا وسقوه وحملوا عليه لئلا يبرح ثم سألوه أن يغنيهم فغناهم
صوت
( زُبَيْرِيّةٌ بالعَرْج منها منازلٌ ... وبالخَيْفِ من أدنى مَنازِلها رَسْمُ )( أُسائلُ عنها كلَّ رَكْبٍ لَقِيتُه ... ومالي بها من بعد مَكَّتِنا عِلْمُ )
( أيا صاحب الخَيْماتِ من بَطْن أَرْثّدٍ ... إلَى النخل من وَدّانَ ما فعلتْ نُعْمُ )
( فإنْ تَكُ حَرْبٌ بين قومي وقومِها ... فإنِّي لها في كلِّ نائرةٍ سَلْمُ )
ذكر يحيى المكي وعمرو بن بانة أن الغناء في هذا الشعر لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى وذكر غيرهما أنه للدلال
وفيه لمخارق رمل
وذكر إسحاق هذا اللحن في طريقة الثقيل الثاني ولم ينسبه إلى أحد قال فاستطير القوم فرحا وسرورا وعلا نعيرهم فنذر بهم السلطان وتعادت الأشراط فأحسوا بالطلب فهربوا وبقي الغلام والدلال ما يطيقان براحا من السكر فأخذا فأتي بهما أمير المدينة
فقال للدلال يا فاسق فقال له من فمك إلى السماء
قال جؤوا فكه قال وعنقه أيضا
قال يا عدو الله أما وسعك بيتك حتى خرجت بهذا الغلام إلى الصحراء تفسق به فقال لو علمت أنك تغار علينا وتشتهي أن نفسق سرا ما خرجت من بيتي
قال جردوه واضربوه حدا
قال وما ينفعك من ذلك وأنا والله أضرب في كل يوم حدودا
قال ومن يتولى ذلك منك قال أيور المسلمين
قال ابطحوه على وجهه واجلسوا على ظهره
قال أحسب أن الأمير قد اشتهى أن يرى كيف أناك
قال أقيموه لعنه الله واشهروه في المدينة مع الغلام
فأخرجا يدار بهما في السكك
فقيل له ما هذا يا دلال قال إشتهى الأمير أن يجمع بين الرأسين فجمع بيني وبين هذا الغلام ونادى علينا ولو قيل له الآن إنك قواد غضب فبلغ قوله الوالي فقال خلوا سبيلهما لعنة الله عليهما
قال إسحاق في خبره خاصة ولم يذكره أبو أيوب فحدثني أبي عن ابن جامع عن سياط قال
سمعت يونس يقول قال لي معبد ما ذكرت غناء الدلال في هذا الشعر
( زُبَيْريَّةٌ بالعَرْج منها مَنازِلٌ ... )
إلا جدد لي سرورا ولوددت أني كنت سبقته إليه لحسنه عندي
قال يونس فقلت له ما بلغ من حسنه عندك قال يكفيك أني لم أسمع أحسن منه قط
خبره هو وطويس والوليد مع عبد الرحمن بن حسان
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قالكان بالمدينة عرس فاتفق فيه الدلال وطويس والوليد المخنث فدخل عبد الرحمن بن حسان فلما رآهم قال ما كنت لأجلس في مجلس فيه هؤلاء
فقال له طويس قد علمت يا عبد الرحمن نكايتي فيك وأن جرحي إياك لم يندمل يعني خبره معه بحضرة عبد الله بن جعفر وذكره لعمته الفارعة فاربح نفسك وأقبل على شأنك فإنه لا قيام لك بمن يفهمك فهمي
وقال له الدلال يا أخا الأنصار إن أبا عبد النعيم أعلم بك مني وسأعلمك بعض ما أعلم به
ثم اندفع ونقر بالدف وكلهم ينقر بدفه معه فتغنى
صوت
( أتهجُر يا إنسانُ مَنْ أنت عاشقُهْ ... ومَنْ أنت مشتاقٌ إليه وشائقُهْ )( وريمٍ أحَمَّ المقلتين مُوَشَّحٍ ... زَرَابِيُّه مبثوثةٌ ونَمَارِقُهْ )
( ترى الرَّقْمَ والدِّيباجَ في بيته معاً ... كما زيَّن الروضَ الأنيقَ حدائقُهْ )
( وسِرب ظباء ترْتَعِي جانبَ الحِمَى ... إلى الجو فالْخَبْتَيْنِ بِيضٌ عَقَائقُهْ )
( وما مِنْ حمىً في الناس إلاّ لنا حِمىً ... إلاّ لنا غَرْبِيَّهُ ومَشَارقُهْ )
فاستضحك عبد الرحمن وقال اللهم غفرا وجلس
لحن الدلال في هذه الأبيات هزج بالبنصر عن يحيى المكي وحماد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبد الله الجمحي عن محمد بن عثمان عن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال سمعت عمي عتبة يقول حدثني مولى للوليد بن عبد الملك قال
كان الدلال ظريفا جميلا حسن البيان من أحضر الناس جوابا وأحجهم وكان سليمان بن عبد الملك قد رق له حين خصي غلطا فوجه إليه مولى له وقال له جئني به سرا وكانت تبلغه نوادره وطيبه وحذر رسوله أن يعلم بذلك أحد
فنفذ المولى إليه وأعلمه ما أمره به وأمره بالكتمان وحذر أن يقف على مقصده أحد ففعل
وخرج به إلى الشام فلما قدم أنزله المولى منزله وأعلم سليمان بمكانه فدعا به ليلا فقال ويلك ما خبرك فقال جببت من القبل مرة أخرى يا أمير المؤمنين فهل تريد أن تجبني المرة من الدبر فضحك وقال اعزب أخزاك الله ثم قال له غن
فقال لا أحسن إلا بالدف
فأمر فأتي له بدف فغنى في شعر العرجي
( أفي رسمِ دارٍ دَمْعُكَ المُتَحَدِّرُ ... سَفَاهاً وما استنطاقُ ما ليس يُخْبِرُ )
( تغيَّر ذاك الربعُ من بعد جِدَّةٍ ... وكلُّ جديدٍ مَرّةً متغيِّرُ )
( لأسماءَ إذ قلبي بأسماءَ مُغْرَمٌ ... وما ذِكْرُ أسماءَ الجميلةِ مُهْجَرُ )
( ومَمْشَى ثَلاثٍ بعد هَدْءٍ كَوَاعبٍ ... كمثل الدُّمَى بل هُنّ من ذاك أنضَرُ )
( فَسَلَّمْنَ تسليماً خفيّاً وسَقَّطَتْ ... مَصَاعِبةٌ ظُلْعٌ مِنَ السير حُسَّرُ )
( لها أَرَجٌ من زاهر البَقْلِ والثَّرَى ... وبُرْدٌ إذا ما باشر الجِلْدَ يَخْصَرُ )
( فقالتْ لِتِرْبَيْها الغداةَ تَبَقَيَّا ... بعينٍ ولا تَسْتبعِدَا حين أُبْصِرُ )
( ولا تُظْهِرَا بُرْدَيْكما وعليكما ... كِساءانِ من خَزٍّ بنَقْشٍ وأخضرُ )
( فعَدِّي فما هذا العتابُ بنافعٍ ... هوايَ ولا مُرْجِي الهوى حين يُقْصِر )
فقال له سليمان حق لك يا دلال أن يقال لك الدلال أحسنت وأجملت فوالله ما أدري أي أمريك أعجب أسرعة جوابك وجودة فهمك أم حسن غنائك بل جميعا عجب وأمر له بصلة سنية
فأقام عنده شهرا يشرب على غنائه ثم سرحه إلى الحجاز مكرما
قصة الشامي الذي أراد أن يتزوج من المدينة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعي قالحج هشام بن عبد الملك فلما قدم المدينة نزل رجل من أشراف أهل الشأم وقوادهم بجنب دار الدلال فكان الشامي يسمع غناء الدلال ويصغي إليه ويصعد فوق السطح ليقرب من الصوت ثم بعث إلى الدلال إما أن تزورنا وإما أن نزورك فبعث إليه الدلال بل تزورنا
فتهيأ الشامي ومضى إليه وكان للشامي غلمان روقة فمضى معه بغلامين منهم كأنهما درتان
فغناه الدلال
( قد كنتُ آمُلُ فيكُم أمَلاً ... والمرءُ ليس بمُدْرِكِ أمَلَهْ )
( حتّى بدا لي منكم خُلُفٌ ... فزجرتُ قلبي عن هوىً جَهِلَهْ )
( ليس الفتى بمُخَلَّدٍ أبداً ... حَقّاً وليس بفائتِ أجَلَهْ )
( حَيِّ العَمُودَ ومَنْ بِعَقْوتِه ... وقَفَا العَمُودِ وإن جَلاَ أهلُهْ )
قال فاستحسن الشامي غناءه وقال له زدني فقال أو ما يكفيك ما سمعت قال لا والله ما يكفيني
قال فإن لي إليك حاجة قال وما هي قال تبيعني أحد هذين الغلامين أو كليهما
قال اختر أيهما شئت فاختار أحدهما
فقال الشامي هو لك فقبله الدلال ثم غناه
( دَعَتْني دَوَاعٍ من أُرَيَّا فهيَّجتْ ... هَوىً كان قِدْماً من فؤادِ طَرُوبِ )
( لعلَّ زماناً قد مضى أن يعودَ لي ... فتَغْفِرَ أَرْوَى عند ذاك ذُنوبي )
( سَبَتْنِي أُرَياَّ يوم نَعْف مُحَسَّرٍ ... بوجهٍ جميلٍ للقلوبِ سَلُوبِ )
فقال له الشامي أحسنت ثم قال له أيها الرجل الجميل إن لي إليك حاجة
قال وما هي قال أريد وصيفة ولدت في حجر صالح ونشأت في خير جميلة الوجه مجدولة وضيئة جعدة في بياض مشربة حمرة حسنة القامة سبطة أسيلة الخد عذبة اللسان لها شكل ودل تملأ العين والنفس
فقال له الدلال قد أصبتها لك فما لي عليك إن دللتك قال غلامي هذا
قال إذا رأيتها وقبلتها فالغلام لي قال نعم
فأتى امرأة كنى عن اسمها فقال لها جعلت فداك إنه نزل بقربي رجل من أهل الشأم من قواد هشام له ظرف وسخاء وجاءني زائرا فأكرمته ورأيت معه غلامين كأنهما الشمس الطالعة والقمر المنير والكواكب الزاهرة ما وقعت عيني على مثلهما ولا ينطلق لساني بوصفهما فوهب
لي أحدهما والآخر عنده وإن لم يصل إلي فنفسي خارجة قالت فتريد ماذا قال طلب مني وصيفة يشتريها على صفة لا أعلمها في أحد إلا في فلانة بنتك فهل لك أن تريها له قالت وكيف لك بأن يدفع الغلام إليك إذا رآها قال فإني قد شرطت عليه ذلك عند النظر لا عند البيع قالت فشأنك ولا يعلم أحد بذلك فمضى الدلال فجاء الشامي معه فلما صار إلي المرأة أدخلته فإذا هو بحجلة وفيها امرأة على سرير مشرف برزة جميلة فوضع له كرسي فجلس فقالت له أمن العرب أنت قال نعم قالت من أيهم قال من خزاعة قالت مرحبا بك وأهلا أي شيء طلبت فوصف الصفة فقالت أصبتها وأصغت إلى جارية لها فدخلت فمكثت هنيهة ثم خرجت فنظرت إليها المرأة فقالت لها أي حبيبتي أخرجي فخرجت وصيفة ما رأى الراؤون مثلها
فقالت لها أقبلي فأقبلت ثم قالت لها أدبري فأدبرت تملأ العين والنفس فما بقي منها شيء إلا وضع يده عليه فقالت أتحب أن نؤزرها لك قال نعم
قالت أي حبيبتي ائتزري فضمها الإزار وظهرت محاسنها الخفية وضرب بيده على عجيزتها وصدرها
ثم قالت أتحب أن نجردها لك قال نعم
قالت أي حبيبتي وضحي فألقت إزارها فإذا أحسن خلق الله كأنها سبيكة
فقالت يا أخا أهل الشأم كيف رأيت قال منية المتمني
قال بكم تقولين قالت ليس يوم النظر يوم البيع ولكن تعود غدا حتى نبايعك ولا تنصرف إلا على الرضا فانصرف من عندها
فقال له الدلال أرضيت قال نعم ما كنت أحسب أن مثل هذه في الدنيا فإن الصفة لتقصر دونها
ثم دفع إليه الغلام الثاني
فلما كان من الغد قال له الشامي امض بنا فمضيا حتى قرعا الباب فأذن لهما فدخلا وسلما ورحبت المرأة بهما ثم قالت للشامي اعطنا ما تبذل قال ما لها عندي ثمن إلا وهي أكبر منه فقولي يا أمة الله
قالت بل قل فإنا لم نوطئك أعقابنا ونحن نريد خلافك وأنت لها رضا
قال ثلاثة آلاف دينار فقالت والله لقبلة من هذه خير من ثلاثة آلاف دينار
قال
بأربعة آلاف دينار
قالت غفر الله لك أعطنا أيها الرجل
قال والله ما معي غيرها ولو كان لزدتك إلا رقيق ودواب وخرثي أحمله إليك
قالت ما أراك إلا صادقا أتدري من هذه قال تخبريني
قالت هذه ابنتي فلانة بنت فلان وأنا فلانة بنت فلان وقد كنت أردت أن أعرض عليك وصيفة عندي فأحببت إذا رأيت غدا غلظ أهل الشأم وجفاءهم ذكرت ابنتي فعلمت أنكم في غير شيء قم راشدا
فقال للدلال خدعتني قال أولا ترضى أن ترى ما رأيت من مثلها وتهب مائة غلام مثل غلامك قال أما هذا فنعم
وخرجا من عندها
نسبة ما عرفت نسبته من الغناء المذكور في هذا الخبر
صوت
( قد كنتُ آمُلُ فيكُم أَمَلاً ... والمرءُ ليس بمُدْرِكٍ أَمَلَهْ )( حتَّى بدا لي منكُم خُلُفٌ ... فزجرتُ قلبي عن هَوىً جَهِلَهْ )
الشعر للمغيرة بن عمرو بن عثمان
والغناء للدلال ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها وجدته في بعض كتب إسحاق بخط يده هكذا
وذكر علي بن يحيى المنجم أن هذا اللحن في هذه الطريقة لابن سريج وأن لحن الدلال خفيف ثقيل نشيد
وذكر أحمد بن المكي أن لحن الدلال ثاني ثقيل بالوسطى ولحن ابن سريج ثقيل أول
وفيه لمتيم وعريب لميتم خفيفا ثقيل المطلق المسجح منهما لعريب
ومنها
صوت
( دعتْني دَوَاعٍ من أُرَيَّا فهيَّجَتْ ... هَوىً كان قِدْما من فُؤادِ طَرُوبِ )
( سبتْني أرَيَّا يومَ نَعْفِ مُحَسِّرٍ ... بوجهٍ صبِيح للقلوب سَلُوبِ )
( لعلّ زماناً قد مضى أن يعودَ لي ... وتَغْفِرَ أَرْوَى عند ذاك ذُنوبي )
الغناء للدلال خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من رواية حماد عن أبيه وذكر يحيى المكي أنه لابن سريج
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي قبيصة قال
جاء الدلال يوما إلى منزل نائلة بنت عمار الكلبي وكانت عند معاوية فطلقها فقرع الباب فلم يفتح له فغنى في شعر مجنون بني عامر ونقر بدفه
( خَلِيلَيَّ لا واللهِ ما أَمْلِكُ البُكَا ... إذا عَلَمٌ من أرض لَيلَى بَدَا لِيَا )
( خليلَيَّ إنْ بانُوا بليلَى فَهَيِّئا ... لِيَ النَّعْشَ والأكفان واسْتَغْفِرَا لِيا )
فخرج حشمها فزجروه وقالوا تنح عن الباب
وسمعت الجلبة فقالت ما هذه الضجة بالباب فقالوا الدلال
فقالت ائذنوا له
فلما دخل عليها شق ثيابه وطرح التراب على رأسه وصاح بويله وحربه فقالت له الويل ويلك ما دهاك وما أمرك قال ضربني حشمك
قال ولم قال غنيت صوتا أريد أن أسمعك إياه لأدخل إليك فقالت أف لهم وتف نحن نبلغ لك ما تحب ونحسن تأديبهم
يا جارية هاتي ثيابا مقطوعة
فلما طرحت عليه جلس
فقالت ما حاجتك قال لا أسألك حاجة حتى أغنيك
قال فذاك إليك فاندفع يغني شعر جميل
( اِرْحَمِينِي فقد بَلِيتُ فَحَسْبي ... بعضُ ذا الدَّاءِ يا بُثَيْنةُ حَسْبِي )
( لامَني فيكِ يا بثنيةُ صَحْبِي ... لا تَلُومُوا قد أقْرح الحُبُّ قلبي )
( زعَم الناسُ أنّ دائيَ طِبِّي ... أنتِ واللَّهِ يا بثنيةُ طِبِّي )
ثم جلس فقال هل من طعام قالت علي بالمائدة فأتي بها كأنها كانت مهيأة عليها أنواع الأطعمة فأكل ثم قال هل من شراب قالت أما نبيذ فلا ولكن غيره
فأتي بأنواع الأشربة فشرب من جميعها
ثم قال هل من فاكهة فأتي بأنواع الفواكه فتفكه ثم قال حاجتي خمسة آلاف درهم وخمس حلل من حلل معاوية وخمس حلل من حلل حبيب بن مسلمة وخمس حلل من حلل النعمان بن بشير
فقالت وما أردت بهذا قال هو ذاك والله ما أرضى ببعض دون بعض فإما الحاجة وإما الرد
فدعت له بما سأل فقبضه وقام
فلما توسط الدار غنى ونقر بدفه
( ليتَ شِعْرِي أَجَفْوةٌ أم دَلاَلٌ ... أمْ عَدُوٌّ أتى بُثَيْنَة بعدي )
( فمُرِيني أُطِعْكِ في كلِّ أمرٍ ... أنت واللَّهِ أوجهُ الناسِ عندي )
وكانت نائلة عند معاوية فقال لفاختة بنت قرظة إذهبي فانظري إليها فذهبت فنظرت إليها فقالت له ما رأيت مثلها ولكني رأيت تحت سرتها خالا ليوضعن منه رأس زوجها في حجرها
فطلقها معاوية فتزوجها بعده رجلان أحدهما حبيب بن مسلمة
والآخر النعمان بن بشير فقتل أحدهما فوضع رأسه في حجرها
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني
صوت
( خليلَيَّ لا واللَّه ما أَمْلْكُ البُكَا ... إذا عَلَم من أرض ليلَى بَدَالِيا )( خليلَيَّ إنْ بانوا بليلَى فَهيِّئا ... لي النَّعْشَ والأكفان واستغفِرالِيا )
( أمضروبة ليلَى عَلَى أنْ أزورها ... ومتَّخَذ ذنباً لها أنْ تَرانِيا )
( خليلَيّ لا واللَّه ما أمِلِك الذي ... قضى اللَّه في ليلى ولا ما قَضَى ليا )
( قَضَاها لغيري وابتلاني بحُبِهَا ... فَهلاّ بشيء غير ليلى ابتلانيا )
الشعر للمجنون
والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وذكر الهشامي أن فيه لحنا لمعبد ثقيل أول لا يشك فيه
قال وقد قال قوم إنه منحول يحيى المكي
وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل عن الهشامي أيضا
وفيه ليحيى المكي رمل من رواية ابنه أحمد
وفيه خفيف رمل عن أحمد بن عبيد لا يعرف صانعه
ومنها
صوت
( ليتَ شِعْرِي أَجَفْوَةٌ أم دَلاَلٌ ... أم عَدُوٌّ أتى بثينةَ بعدي )
( فمِرِينِي أُطِعْكِ في كلِّ أمرٍ ... أَنتِ والله أوجهُ الناسِ عندي )
الشعر لجميل
والغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيه لعلويه خفيف ثقيل آخر
وذكر عمرو بن بانة أن فيه خفيف ثقيل بالوسطى لمعبد
وذكر إسحاق أن فيه رملا بالبنصر في مجراها ولم ينسبه إلى أحد وذكر الهشامي أنه لمالك
وفيه لمتيم خفيف رمل
وفيه لعريب ثقيل أول بالبنصر
وذكر حبش أن فيه للغريض ثقيلا أول بالبنصر
ولمعبد فيه ثقيل أول بالوسطى
وذكر ابن المكي أن فيه خفيف ثقيل لمالك وعلويه
غناؤه في زفاف ابنة عبد الله بن جعفر
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني عن عوانة بن الحكم قاللما أراد عبد الله بن جعفر إهداء بنته إلى الحجاج كان ابن أبي عتيق عنده فجاءه الدلال متعرضا فاستأذن
فقال له ابن جعفر لقد جئتنا يا دلال في وقت حاجتنا إليك
قال ذلك قصدت
فقال له ابن أبي عتيق غننا فقال ابن جعفر ليس وقت ذلك نحن في شغل عن هذا
فقال ابن أبي عتيق ورب الكعبة ليغنين
فقال له ابن جعفر هات
فغنى ونقر بالدف والهوادج والرواحل قد هيئت وصيرت بنت ابن جعفر فيها مع جواريها والمشيعين لها
( يا صاح لو كنتَ عالماً خَبِراً ... بما يُلاَقِي المُحِبُّ لم تَلُمُهْ )
( لا ذنبَ لي في مُقَرَّطٍ حَسَنٍ ... أعجبني دَلُّهُ ومُبْتَسَمُهْ )
( شيمتُه البُخْلُ والبِعادُ لنا ... يا حَبَّذّا هُوَ وحَبَّذَا شيَمُهْ )
( مُضَمَّخٌ بالعَبِيرِ عارِضُه ... طُوبَى لِمَنْ شَمَّه ومَنْ لَثَمُهْ )
قال ولابن محرز في هذا الشعر لحن أجود من لحن الدلال فطرب ابن جعفر وابن أبي عتيق
وقال له ابن جعفر زدني وطرب
فأعاد اللحن ثلاثا ثم غنى
( بَكَرَ العواذِلُ في الصَّباحِ ... يَلُمْنَنِي وألُومُهُنَّهْ )
( ويَقُلْن شيبٌ قد عَلاكَ ... وقد كَبِرْتَ فقُلْتُ إنَّهْ )
ومضت بنت ابن جعفر فاتبعها يغنيها بهذا الشعر ولعبد آل الهذلي فيه لحن وهو أحسنها
( إنّ الخَلِيطَ أجَدّ فاحتملاَ ... وأراد غَيْظَكَ بالذي فَعَلاَ )
( فوقفتُ أنظر بعضَ شأنهمُ ... والنَّفْسُ مما تأمُلُ الأَمَلاَ )
( وإذا البِغالُ تُشَدُّ صافِنةً ... وإذا الحُداةُ قَدَ ازْمَعُوا الرِّحَلاَ )
( فهناك كاد الشَّوْقُ يقتُلني ... لَوْ أنَّ شوقاً قبلَه قَتَلا )
فدمعت عينا عبد الله بن جعفر وقال للدلال حسبك فقد أوجعت قلبي وقال لهم امضوا في حفظ الله على خير طائر وأيمن نقيبة
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( بَكَرَ العواذلُ في الصَّباح ... يَلُمْنَنِي وأَلُومُهُنَّهْ )( ويقلنَ شيبٌ قد علاكَ ... وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ )
( لا بُدَّ من شيبٍ فَدَعْنَ ... ولا تُطِلْنَ مَلاَمَكُنَّهْ )
( يَمْشِينَ كالبَقَرِ الثِّقالِ ... عَمَدْنَ نحو مُرِاحِهِنَّهْ )
( يَحْفَيْنَ في المَمْشَى القريبِ ... إذا يُرِدْنَ صَدِيقَهُنَّهْ )
الشعر لابن قيس الرقيات
والغناء لابن مسجح خفيف ثقيل أول بالسبابة
في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيه ثقيل أول للغريض عن الهشامي
وفيه خفيف ثقيل آخر بالوسطى ليعقوب بن هبار عن الهشامي ودنانير وذكر حبش أنه ليعقوب
ومنها
صوت
( إنّ الخليطَ أجدّ فاحتملاَ ... وأراد غيظَك بالذي فعلا )الأبيات الأربعة
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء للغريض ثقيل أول بالسبابة عن يحيى المكي
وفيه ليحيى أيضا ثقيل أول بالوسطى من رواية أحمد ابنه وذكر حبش أن هذا اللحن لبسباسة بنت معبد
غنى شعرا لعمر بن أبي ربيعة فأجازه
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص الثقفي قالكان للدلال صوت يغني به ويجيده وكان عمر بن أبي ربيعة سأله الغناء فيه وأعطاه مائة دينار ففعل وهو قول عمر
صوت
( ألم تَسْأَلِ الأَطلالَ والمُتَرَبَّعَا ... ببطن حُلَيَّاتٍ دَوَارِسَ بَلْقَعَا )
( إلى السَّرْحِ من وادي المُغَمَّسِ بُدِّلتْ ... مَعَالِمُه وَبْلاً ونَكْباءَ زَعْزَعَا )
( وقَرَّبْنَ أسبابَ الهَوَى بمُتَيَّمٍ ... يقِيس ذِرَاعاً كُلَّما قِسْنَ أَصْبَعَا )
( فقلتُ لِمُطْرِيهِنّ في الحُسْنِ إِنّما ... ضَرَرْتَ فهل تَسْطِيعُ نَفْعاً فَتَنْفَعَا )
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء للغريض فيه لحنان أحدهما في الأول والثاني من الأبيات ثقيل أول بالبنصر عن عمرو والآخر في الثالث والرابع ثاني ثقيل بالبنصر
وفي هذين البيتين الآخرين لابن سريج ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
وفي الأول والثاني للهذلي خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو
وفيهما لابن جامع رمل بالوسطى عنه أيضا
وقال يونس لمالك فيه لحنان ولمعبد لحن واحد
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال حدثني هشام بن المرية قال
كنا نعرف للدلال صوتين عجيبين وكان جرير يغني بهما فأعجب من حسنهما
فأخذتهما عنه وأنا أغني بهما
فأما أحدهما فإنه يفرح القلب والآخر يرقص كل من سمعه
فأما الذي يفرح القلب فلابن سريج فيه أيضا لحن حسن وهو
( ولقد جرى لك يومَ سَرْحةِ مالكٍ ... مما تَعَيَّفُ سانحٌ وبَرِيحُ )
أَحْوَى القَوَادِمِ بالبياض مُلَمَّعٌ ... قَلِقُ المَواقِعِ بالفِراقِ يَصِيحُ )
( الحُبُّ أبغضُه إليَّ أقلُّه ... صَرٍّحْ بذاك فرَاحَتي التَّصْرِيحُ )
( بانتْ عُوَيْمةُ فالفؤادُ قَرِيحُ ... ودموعُ عينِك في الرِّداء سُفُوحُ )
والآخر
( كلَّما أبصرتُ وجهاً ... حَسَناً قلتُ خَليلي )
( فإذا ما لم يَكُنْهُ ... صِحْتُ وَيْلي وعَوِيل )
( فصِلِي حبلَ مُحِبٍ ... لكُمُ جِدِّ وَصُولِ )
( وانظُرِي لا تَخْذُلِيهِ ... إنّه غيرُ خَذُولِ )
نسبة هذين الصوتين
للدلال في الشعر الأول الذي أوله( ولقد جرى لك يوم سرحةِ مالكٍ ... )
خفيف ثقيل بالوسطى
وفيه لابن سريج ثقيل أول عن الهشامي
وقال حبش إن للدلال فيه لحنين خفيف ثقيل أول وخفيف رمل
وأول خفيف الرمل
( بانتْ عويمةُ فالفؤادُ قَرِيحُ ... )
ذكر أن لحن ابن سريج ثاني ثقيل وأن لابن مسجح فيه أيضا خفيف ثقيل
والصوت الثاني الذي أوله
( كلّما أبصرتْ وجهاً ... حَسَناً قلتُ خليلي )
الغناء فيه لعطرد خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش ويقال إنه للدلال وفيه ليونس خفيف رمل
وفيه لإبراهيم الموصلي خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو
شرب الخمرة وسكر فخلع ثيابه
أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن مصعب بن عبد الله الزبيري قالكان الدلال لا يشرب النبيذ فخرج مع قوم إلى متنزه لهم ومعهم نبيذ فشربوا ولم يشرب منه وسقوه عسلا مجدوحا وكان كلما تغافل صيروا في
شرابه النبيذ فلا ينكره وكثر ذلك حتى سكر وطرب وقال اسقوني من شرابكم فسقوه حتى ثمل وغناهم في شعر الأحوص
( طاف الخيالُ وطاف الهَمُّ فاعتَكَرَا ... عند الفِرَاشِ فبات الهَمُّ مُحْتَضِراَ )
( أُرَاقِبُ النَّجْمَ كالحَيْرَانِ مُرْتَقِباً ... وقَلَّصَ النومُ عن عينيّ فانْشَمَرَا )
( من لوعةٍ أورثتْ قَرْحاً على كَبِدي ... يوماً فأصبحَ منها القلبُ مُنْفطِرا )
( ومَنْ يَبِتْ مُضْمِراً هَمَّا كما ضَمِنَتْ ... منِّي الضُّلُوعُ يَبِتْ مُسْتَبْطِنَاً غِيَرا )
فاسحتسنه القوم وطربوا وشربوا
ثم غناهم
( طَرِبْتَ وهاجَكَ مَنْ تَدَّكِرْ ... ومَنْ لستَ من حُبِّه تَعْتَذِرْ )
( فإنْ نِلتُ منها الذي أَرتجي ... فذاك لَعَمْرِي الذي أَنْتَظِرْ )
( وإلاّ صبرتُ فلا مُفْحِشاً ... عليها بِسُوءٍ ولا مُبْتَهِرْ )
لحن الدلال في هذا الشعر خفيف ثقيل أول بالبنصر عن حبش
قال وذكر قوم أنه للغريض
قال وسكر حتى خلع ثيابه ونام عريانا فغطاه القوم بثيابهم وحملوه إلى منزله ليلا فنوموه وانصرفوا عنه
فأصبح وقد تقيأ ولوث ثيابه بقيئه فأنكر نفسه
وحلف ألا يغني أبدا ولا يعاشر من يشرب النبيذ فوفى بذلك إلى أن مات
وكان يجالس المشيخة والأشراف فيفيض معهم في أخبار الناس وأيامهم حتى قضى نحبه
انقضت أخبار الدلال
ومما في شعر الأحوص من المائة المختارة
صوت من المائة المختارة
( يا دِينَ قَلْبِك منها لست ذاكِرَها ... إلا تَرَقْرَقَ ماءُ العين أو دَمَعا )( أدعو إلى هَجْرِها قلبي فَيَتْبَعُني ... حتّى إذا قلتُ هذا صادقٌ نَزَعَا )
( لا أستطيعُ نُزُوعاً عن مَحَبَّتها ... أو يَصْنَعَ الحُبُّ بي فوق الذي صنَعا )
( كَمْ مِنْ دَنِيٍّ لها قد صرتُ أتْبَعُه ... ولو سلا القلبُ عنها صار لي تَبَعَا )
( وزادنَى كَلَفاً في الحُبِّ أنْ منعتْ ... وحَبُّ شيء إلى الإِنسان ما مُنِعاَ )
الشعر للأحوص
والغناء ليحيى بن واصل المكي وهو رجل قليل الصنعة غير مشهور ولا وجدت له خبرا فأذكره
ولحنه المختار ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق
وذكر يونس أن فيه لحنا لمعبد ولم يجنسه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا مطرف بن عبد الله المدني قال حدثني أبي عن جدي قال
بينا أطوف بالبيت ومعي أبي إذا بعجوز كبيرة يضرب أحد لحييها الآخر
فقال لي أبي أتعرف هذه قلت لا ومن هي قال هذه التي يقول فيها الأحوص
( يا سَلْمَ ليت لساناً تَنْطِقين به ... قبلَ الذي نالني من حُبِّكم قُطِعَا )
( يلومني فيكِ أقوامٌ أُجالسهم ... فما أبَالي أطارَ اللومُ أم وَقَعَا )
( أدعو إلى هَجْرِها قلبي فَيَتْبَعُني ... حتَّى إذا قلتُ هذا صادقٌ نَزَعَا )
قال فقلت له يا أبت ما أرى أنه كان في هذه خير قط
فضحك ثم قال يا بني هكذا يصنع الدهر بأهله
حدثنا به وكيع قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا أبو خويلد مطرف بن عبد الله المدني عن أبيه ولم يقل عن جده وذكر الخبر مثل الذي قبله
صوت من المائة المختارة
( كالبَيْضِ بالأُدْحِيّ يلمَع في الضُّحى ... فالحُسْنُ حسنٌ والنَّعيمُ نعيمُ )
( حُلِّينَ من دُرِّ البُحورِ كأنّه ... فوق النُّحورِ إذَا يلوح نُجومُ )
الأدحي المواضع التي يبيض فيها النعام واحدتها أدحية
وذكر أبو عمرو الشيباني أن الأدحي البيض نفسه
ويقال فيه أدحي وأداح أيضا
الشعر لطريح بن إسماعيل الثقفي
والغناء لأبي سعيد مولى فائد ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيه للهذلي خفيف ثقيل من رواية الهشامي
وقد سمعنا من يغني فيه لحنا من خفيف الرمل ولست أعرف لمن هو
ذكر طريح وأخباره ونسبه
هو فيما أخبرني به محمد بن الحسن بن دريد عن عمه عن ابن الكلبي في كتاب النسب إجازة وأخبرنا يحيى بن علي بن يحيى عن أبي أيوب المديني عن ابن عائشة ومحمد بن سلام ومصعب الزبيري قال طريح بن إسماعيل بن عبيد بن أسيد بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن عنزة بن عوف بن قسي وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضرالخلاف في نسب ثقيف
قال ابن الكلبي ومن النسابين من يذكر أن ثقيفا هو قسي بن منبه بن النبيت ابن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزارويقال إن ثقيفا كان عبدا لأبي رغال وكان أصله من قوم نجوا من ثمود فانتمى بعد ذلك إلى قيس
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه أنه مر بثقيف فتغامزوا به فرجع إليهم فقال لهم يا عبيد أبي رغال إنما كان أبوكم عبدا له فهرب منه فثقفه بعد ذلك ثم انتمى إلى قيس
وقال الحجاج في خبطة خطبها بالكوفة بلغني أنكم تقولون إن ثقيفا من
بقية ثمود ويلكم وهل نجا من ثمود إلا خيارهم ومن آمن بصالح فبقي معه عليه السلام ثم قال قال الله تعالى ( وثمود فما أبقى )
فبلغ ذلك الحسن البصري فتضاحك ثم قال حكم لكع لنفسه إنما قال عز و جل ( فما أبقى ) أي لم يبقهم بل أهلكهم
فرفع ذلك إلى الحجاج فطلبه فتوارى عنه حتى هلك الحجاج
وهذا كان سبب تواريه منه
ذكر ابن الكلبي أنه بلغه عن الحسن
وكان حماد الراوية يذكر أن أبا رغال أبو ثقيف كلها وأنه من بقية ثمود وأنه كان ملكا بالطائف فكان يظلم رعيته
فمر بامرأة ترضع صبيا يتيما بلبن عنز لها فأخذها منها وكانت سنة مجدبة فبقي الصبي بلا مرضعة فمات فرماه الله بقارعة فأهلكه فرجمت العرب قبره وهو بين مكة والطائف
وقيل بل كان قائد الفيل ودليل الحبشة لما غزوا الكعبة فهلك فيمن هلك منهم فدفن بين مكة والطائف فمر النبي بقبره فأمر برجمه فرجم فكان ذلك سنة
قال ابن الكلبي وأخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال
كان ثقيف والنخع من إياد فثقيف قسي بن منبه بن النبيت بن يقدم بن أقصى بن دعمي بن إياد
والنخع بن عمرو بن الطمنان بن عبد مناة بن يقدم بن
أقصى فخرجا ومعهما عنز لهما لبون يشربان لبنها عرض لهما مصدق لملك اليمن فأراد أخذها فقالا له إنما نعيش بدرها فأبى أن يدعها فرماه أحدهما فقتله
ثم قال لصاحبه إنه لا يحملني وإياك أرض فأما النخع فمضى إلى بيشة فأقام بها ونزل القسي موضعا قريبا من الطائف فرأى جارية ترعى غنما لعامر بن الظرب العدواني فطمع فيها وقال أقتل الجارية ثم أحوي الغنم فأنكرت الجارية منظره فقالت له إني أراك تريد قتلي وأخذ الغنم وهذا شيء إن فعلته قتلت وأخذت الغنم منك وأظنك غريبا جائعا فدلته على مولاها
فأتاه واستجار به فزوجه بنته وأقام بالطائف
فقيل لله دره من أثقفه حين ثقف عامرا فأجاره
وكان قد مر بيهودية بوادي القرى حين قتل المصدق فأعطته قضبان كرم فغرسها بالطائف فأطعمته ونفعته
قال ابن الكلبي في خبر طويل ذكره كان قسي مقيما باليمن فضاق عليه موضعه ونبا به فأتى الطائف وهو يومئذ منازل فهم وعدوان ابني عمرو بن قيس ابن عيلان فانتهى إلى الظرب العدواني وهو أبو عامر بن الظرب فوجده نائما تحت شجرة فأيقظه وقال من أنت قال أنا الظرب
قال علي ألية إن لم أقتلك أو تحالفني وتزوجني ابنتك ففعل
وانصرف الظرب وقسي معه فلقيه ابنه عامر بن الظرب فقال من هذا معك يا أبت فقص قصته
قال عامر لله أبوه لقد ثقف أمره فسمي يومئذ ثقيفا
قال وعير الظرب تزويجه قسيا وقيل
زوجت عبدا
فسار إلى الكهان يسألهم فانتهى إلى شق بن صعب البجلي وكان أقربهم منه
فلما انتهى إليه قال إنا قد جئناك في أمر فما هو قال جئتم في قسي وقسي عبد إياد أبق ليلة الواد في وج ذات الأنداد فوالى سعدا ليفاد ثم لوى بغير معاد
يعني سعد بن قيس بن عيلان بن مضر
قال ثم توجه إلى سطيح الذئبي حي من غسان ويقال إنهم حي من قضاعة نزول في غسان فقال إنا جئناك في أمر فما هو قال جئتم في قسي وقسي من ولد ثمود القديم ولدته أمه بصحراء بريم فالتقطه إياد وهو عديم فاستعبده وهو مليم
فرجع الظرب وهو لا يدري ما يصنع في أمره وقد وكد عليه في الحلف والتزويج وكانوا على كفرهم يوفون بالقول
فلهذا يقول من قال إن ثقيفا من ثمود لأن إيادا من ثمود
قال وقد قيل إن حربا كانت بين إياد وبين قيس وكان رئيسهم عامر بن الظرب فظفرت بهم قيس فنفتهم إلى ثمود وأنكروا أن يكونوا من نزار
قال وقال عامر بن الظرب في ذلك
( قالتْ إِيَادٌ قد رأينا نَسَبَا ... في ابْنَيْ نِزَارٍ ورأينا غَلَبَا )
( سيرِي إيَادُ قد رأينا عَجَبَا ... لا أصلُكم منّا فسَامِي الطَّلَبا )
( دارَ ثَمُودٍ إِذْ رأيتِ السَّبَبَا ... )
قال وقد روي عن الأعمش أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
قال على المنبر بالكوفة وذكر ثقيفا لقد هممت أن أضع على ثقيف الجزية لأن ثقيفا كان عبدا لصالح نبي الله وإنه سرحه إلى عامل له على الصدقة فبعث العامل معه بها فهرب واستوطن الحرم وإن أولى الناس بصالح محمد وإني أشهدكم أني قد رددتهم إلى الرق
قال وبلغنا أن ابن عباس قال وذكر عنده ثقيف فقال هو قسي بن منبه وكان عبدا لامرأة صالح نبي الله وهي الهيجمانة بنت سعد فوهبته لصالح وإنه سرحه إلى عامل له على الصدقة ثم ذكر باقي خبره مثل ما قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه
وقال فيه إنه مر برجل معه غنم ومعه ابن له صغير ماتت أمه فهو يرضع من شاة ليست في الغنم لبون غيرها فأخذ الشاة فناشده الله وأعطاه عشرا فأبى فأعطاه جميع الغنم فأبى
فلما رأى ذلك تنحى ثم نثل كنانته فرماه ففلق قلبه فقيل له قتلت رسول الله صالح
فأتى صالحا فقص عليه قصته فقال أبعده الله فقد كنت أنتظر هذا منه فرجم قبره فإلى اليوم والليلة يرجم وهو أبو رغال
قال وبلغنا عن عبد الله بن عباس أن رسول الله حين انصرف من الطائف مر بقبر أبي رغال فقال ( هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف كان في الحرم فمنعه الله عز و جل فلما خرج منه رماه الله وفيه عمود من ذهب ) فابتدره المسلمون فأخرجوه
قال وروى عمرو بن عبيد عن الحسن أنه سئل عن جرهم هل بقي منهم أحد قال ما أدري غير أنه لم يبق من ثمود إلا ثقيف في قيس عيلان وبنو لجإ في طيئ والطفاوة في بني أعصر
قال عمرو بن عبيد وقال الحسن ذكرت القبائل عند النبي فقال
( قبائل تنتمي إلى العرب وليسوا من العرب حمير من تبع وجرهم من عاد وثقيف من ثمود )
قال وروي عن قتادة أن رجلين جاءا إلى عمران بن حصين فقال لهما ممن أنتما قالا من ثقيف فقال لهما أتزعمان أن ثقيفا من إياد قالا نعم
قال فإن إيادا من ثمود فشق ذلك عليهما
فقال لهما أساء كما قولي قالا نعم والله
قال فإن الله أنجى من ثمود صالحا والذين آمنوا معه فأنتم إن شاء الله من ذرية من آمن وإن كان أبو رغال قد أتى ما بلغكما
قالا له فما اسم أبي رغال فإن الناس قد اختلفوا علينا في اسمه قال قسي بن مبنه
قال وروى الزهري أن النبي قال ( من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يحب ثقيفا ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبغض الأنصار )
قال وبلغنا عنه أنه قال ( بنو هاشم والأنصار حلفان وبنو أمية وثقيف حلفان )
قال وفي ثقيف يقول حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه
( إذا الثَّقَفيّ فاخركم فقولوا ... هَلُمَّ نَعُد شأنَ أبي رِغَالِ )
( أبوكم أخبثُ الآباء قِدْماً ... وأنتم مُشْبِهوه على مثالِ )
( عَبيد الفِزر أورثهم بَنيه ... وولّى عنهم أُخْرَى الليالي )
نسب أم طريح
وأم طريح بنت عبد الله بن سباع بن عبد العزى بن نضلة بن غبشان من خزاعة وهم حلفاء بني زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيوسباع بن عبد
العزى هو الذي قتله حمزة بن عبد المطلب يوم أحد
ولما برز إليه سباع قال له حمزة هلم إلي يابن مقطعة البظور وكانت أمه تفعل ذلك وتقبل نساء قريش بمكة فحمي وحشي لقوله وغضب لسباع فرمى حمزة بحربته فقتله رحمة الله عليه وقد كتب ذلك في خبر غزاة أحد في بعض هذا الكتاب
ويكنى طريح أبا الصلت كني بذلك لابن كان له اسمه صلت
وله يقول
( يا صَلْتُ إنّ أباك رَهْنُ مَنِيّةٍ ... مكتوبةٍ لا بُدّ أنْ يلقاها )
( سَلَفتْ سَوالِفُها بأنْفُسِ مَنْ مَضَى ... وكذاك يَتْبَعُ باقياً أُخْرَاها )
( والدّهرُ يُوشِك أن يُفَرِّقَ رَيْبُه ... بالموت أو رِحَلٍ تَشِتُّ نَوَاها )
( لا بُدَّ بينكما فتُسْمِع دَعْوةً ... أو تَستجيب لدعوةٍ تُدْعاها )
وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال أخبرني أبو الحسن الكاتب أن أم الصلت بن طريح ماتت وهو صغير فطرحه طريح إلى أخواله بعد موت أمه
وفيه يقول
( بات الخيالُ من الصُّلَيْتِ مُؤَرِّقِي ... يَفْرِي السَّراةَ مع الرَّبَابِ المُلْثِقِ )
( ما راعني إلاّ بياضُ وُجَيْههِ ... تحت الدُّجُنَّة كالِّسراج المُشْرِقِ )
نشأة طريح
ونشأ طريح في دولة بني أمية واستفرغ شعره في الوليد بن يزيد وأدرك دولة بني العباس ومات في أيام المهدي وكان الوليد له مكرما مقدما لانقطاعه إليه ولخؤولته في ثقيف فأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني أحمد بن حماد بن الجميل عن العتبي عن سهم بن عبد الحميد قال أخبرني طريح بن إسماعيل الثقفي قال
خصصت بالوليد بن يزيد حتى صرت أخلو معه
فقلت له ذات يوم وأنا معه في مشربة يا أمير المؤمنين خالك يحب أن تعلم شيئا من خلقه
قال وما هو قلت لم أشرب شرابا قط ممزوجا إلا من لبن أو عسل
قال قد عرفت ذاك ولم يباعدك من قلبي
قال ودخلت يوما إليه وعنده الأمويون فقال لي إلي يا خالي وأقعدني إلى جانبه ثم أتي بشراب فشرب ثم ناولني القدح فقلت يا أمير المؤمنين قد أعلمتك رأيي في الشراب قال ليس لذلك أعطيتك إنما دفعته إليك لتناوله الغلام وغضب
فرفع القوم أيديهم كأن صاعقة نزلت على الخوان فذهبت أقوم فقال أقعد فلما خلا البيت افترى علي ثم قال يا عاض كذا وكذا أردت أن تفضحني ولولا أنك خالي لضربتك ألف سوط ثم نهى الحاجب عن إدخالي وقطع عني أرزاقي
فمكثت ما شاء الله ثم دخلت عليه يوما متنكرا فلم يشعر إلا وأنا بين يديه وأنا أقول
( يابنَ الخلائفِ مالي بعدَ تَقْربةٍ ... إليك أقْصَى وفي حالَيْك لي عَجَبُ )
( مالي أُذَادُ وأُقْصَى حين أَقصِدُكم ... كما تُوَقِّيَ من ذي العرّة الجَرَبُ )
( كأنّني لم يكن بيني وبينكُم ... إلٌّ ولا خُلَّةٌ تُرْعَى ولا نَسبُ )
( لو كان بالوُدّ يُدْنَى منك أزْلَفَني ... بِقُربْك الودُّ والإِشفاقُ والحَدَبُ )
( وكنتُ دون رجالٍ قد جعلتُهُم ... دوني إذ ما رأَوْني مُقْبِلاً قَطَبُوا )
( إنْ يَسْمَعُوا الخير يُخْفُوهُ وإِنْ سَمِعوا ... شَرّاً أذاعُوا وإن لم يَسمعوا كَذَبُوا )
( رأَوْا صُدودَك عنِّي في اللِّقاء فقد ... تحدَّثوا أنَّ حبلي منكَ مُنْقَضِبُ )
( فذوا الشَّماتةِ مسرورٌ بهَيْضَتِنا ... وذوا النَّصيحةِ والإِشفاقِ مكتئبُ )
قال فتبسم وأمرني بالجلوس فجلست ورجع إلي وقال إياك أن تعاود وتمام هذه القصيدة
( أين الذِّمامَةُ والحَقُّ الذي نزلتْ ... بحِفْظه وبتعظيمٍ له الكُتُبُ )
( وحَوْكِيَ الشِّعْرَ أُصْفِيهِ وأَنْظِمهُ ... نظمَ القلائدِ فيها الدُّرُّ والذهبُ )
( وإنَّ سُخْطَكَ شيءٌ لم أُنَاجِ به ... نفسي ولم يك مما كنتُ أكتسِبُ )
( لكن أتاك بقَوْلٍ كاذبٍ أَثِمٍ ... قومٌ بَغوْني فنالوا فيّ ما طلبوا )
( وما عَهِدْتُكَ فيما زَلَّ تقْطَعُ ذا ... قُرْبَى ولا تدفع الحقَّ الذي يجب )
( ولا تَوَجّعُ من حَقٍّ تَحَمِّلُه ... ولا تَتَبَّعُ بالتكدير ما تَهَبُ )
( فقد تقرّبتُ جهداً من رَضاك بما ... كانت تُنالُ به من مثلك القُرَبُ )
( فغير دَفْعِكَ حَقِّي وارتفاضِكَ لي ... وطَيِّكَ الكَشْحَ عنِّي كنت أحتسبُ )
( أمُشِمتٌ بِيَ أقواماً صُدُورُهُمُ ... عليّ فيك إلى الأذقانِ تَلْتَهِبُ )
( قد كنتُ أحسبُ أنِّي قد لجأتُ إلى ... حِرْزٍ وألاّ يَضرُّوني وإنْ ألبُوا )
( إنّ التي صُنْتُها عن مَعْشَرٍ طَلبوا ... منِّي إليّ الذي لم يُنْجِحِ الطَّلَبُ )
( أخلصتُها لك إخلاصَ امرئٍ علِم الأقوامُ ... أنْ ليس إلاّ فيك يَرتَغبُ )
( أصبحتَ تدفَعها منِّي وأَعْطِفُها ... عليكَ وَهْي لمن يُجْبَى بها رَغبُ )
( فإنْ وصلتَ فأهل العُرْف أنت وإنْ ... تَدْفَعْ يَديَّ فلي بقْيَا ومُنْقَلبُ )
( إنيِّ كريمُ كِرامٍ عشتْ في أَدَبٍ ... نَفى العيوبَ ومَلْكُ الشِّيمةِ الأدَبُ )
( قد يَعلمون بأنَّ العُسْرَ منقطعٌ ... يوماً وأنَّ الغنَى لا بدّ منقلبُ )
( فمالُهُمْ حُبُسٌ في الحقِّ مُرْتَهَنُ ... مثل الغنائم تُحْوَى ثم تُنْتَهَبُ )
( وما علي جارِهمُ ألاّ يكونَ له ... إذا تَكَنَّفَه أبياتُهم نَشَبُ )
( لا يفرَحون إذا ما الدَّهْرُ طاوَعَهم ... يوماً بُيسْرٍ ولا يَشكُون إنْ نُكِبُوا )
( فارقتُ قومي فلم أعتضْ بهم عِوَضاً ... والدَّهرُ يُحْدِثُ أحداثاً لها نُوَبُ )
رواية أخرى عن خلاف طريح مع الوليد بن يزيد
وأما المدائني فقال كان الوليد بن يزيد يكرم طريحا وكانت له منه منزلة قريبة ومكانه وكان يدني مجلسه وجعله أول داخل وآخر خارج ولم يكن يصدر إلا عن رأيه فاستفرغ مديحه كله وعامة شعره فيه فحسده ناس من أهل بيت الوليدوقدم حماد الرواية على التفئة الشأم فشكوا ذلك إليه وقالوا والله لقد ذهب طريح بالأمير فما نالنا منه ليل ولا نهار
فقال حماد ابغوني من ينشد الأمير بيتين من شعر فأسقط منزلته فطلبوا إلى الخصي الذي كان يقوم على رأس الوليد وجعلوا له عشرة آلاف درهم على أن ينشدهما الأمير في خلوة فإذا سأله من قول من هذا قال من قول طريح فأجابهم الخصي إلى ذلك وعلموه البيتين
فلما كان ذات يوم دخل طريح على الوليد وفتح الباب وأذن للناس فجلسوا طويلا ثم نهضوا وبقي طريح مع الوليد وهو ولي عهد ثم دعا بغدائه فتغديا جميعا
ثم إن طريحا خرج وركب إلى منزله وترك الوليد في مجلسه ليس معه أحد فاستلقى على فراشه
واغتنم الخصي خلوته فاندفع ينشد
( سيرِي ركابي إلى مَنْ تَسْعَدِين به ... فقد أقمتِ بدار الهُونِ ما صَلَحا )
( سِيرِي إلى سَيِّدٍ سَمْحٍ خلائقُه ... ضخمِ الدَّسيعةِ قَرْمٍ يحمِل المِدَحَا )
فأصغى الوليد إلى الخصي بسمعه وأعاد الخصي غير مرة ثم قال الوليد ويحك يا غلام من قول من هذا قال من قول طريح
فغضب الوليد حتى امتلأ غيظا ثم قال والهفا على أم لم تلدني قد جعلته أول داخل وآخر خارج ثم يزعم أن هشاما يحمل المدح ولا أحملها ثم قال علي بالحاجب فأتاه فقال لا أعلم ما أذنت لطريح ولا رأيته على وجه الأرض فإن حاولك فاخطفه بالسيف
فلما كان العشي وصليت العصر جاء طريح للساعة التي كان يؤذن له فيها فدنا من الباب ليدخل
فقال له الحاجب وراءك فقال مالك هل دخل على ولي العهد أحد بعدي قال لا ولكن ساعة وليت من عنده دعاني فأمرني ألا آذن لك وإن حاولتني في ذلك خطفتك بالسيف
فقال لك عشرة آلاف درهم واذن لي في الدخول عليه
فقال له الحاجب والله لو أعطيتني خراج العراق ما أذنت لك في ذلك وليس لك من خير في الدخول عليه فارجع
قال ويحك هل تعلم من دهاني عنده قال الحاجب لا والله لقد دخلت عليه وما عنده أحد ولكن الله يحدث ما يشاء في الليل والنهار
قال فرجع طريح وأقام بباب الوليد سنة لا يخلص إليه ولا يقدر على الدخول عليه
وأراد الرجوع إلى بلده وقومه فقال والله إن هذا لعجز بي أن أرجع من غير أن ألقى ولي العهد فأعلم من دهاني عنده
ورأى أناسا كانوا له أعداء قد فرحوا بما كان من أمره فكانوا يدخلون على الوليد ويحدثونه ويصدر عن رأيهم
فلم يزل يلطف بالحاجب ويمنيه حتى قال له الحاجب أما إذا أطلت المقام فإني أكره أن تنصرف على حالك هذه ولكن الأمير إذا كان يوم كذا وكذا دخل الحمام
ثم أمر بسريره فأبرز وليس عليه يومئذ حجاب فإذا كان ذلك اليوم أعلمتك فتكون قد دخلت عليه وظفرت بحاجتك وأكون أنا على حال عذر فلما كان ذلك اليوم دخل الحمام وأمر بسريره فأبرز وجلس عليه وأذن للناس فدخلوا عليه والوليد ينظر إلى من أقبل
وبعث الحاجب إلى طريح فأقبل وقد تتام الناس
فلما نظر الوليد إليه من بعيد صرف عنه وجهه واستحيا أن يرده من بين الناس فدنا فسلم فلم يرد عليه السلام
فقال طريح يستعطفه ويتضرع إليه
( نام الخَليُّ من الهُمومِ وبات لِي ... ليلٌ أُكَابِدُه وهَمٌّ مُضْلِعُ )
( وسَهِرْتُ لا أَسْرِي ولا في لَذّةٍ ... أرَقي وأغْفَل ما لَقيتُ الهُجَّعُ )
( أبغي وجوَه مَخَارجي من تُهْمةٍ ... أَزَمتْ عليّ وسُدَّ منها المَطْلَعُ )
( جزعاً لمَعْتَبِة الوليدِ ولم أكُنْ ... من قبلِ ذاك من الحوادث أَجْزَعُ )
( يابنَ الخلائفِ إنّ سُخْطَك لامرئٍ ... أمسيتَ عِصْمَته بلاءٌ مُفْظِعُ )
( فَلانْزِعنّ عن الذي لم تَهْوَه ... إنْ كان لي ورأيتُ ذلك مَنْزعُ )
( فاعْطِفْ فِدَاك أبي عليّ تَوَسُّعاً ... وفضيلةً فعلى الفضيلة تتبعُ )
( فلقد كفاكَ وزادَ ما قد نالني ... إن كنتَ لي ببلاء ضُرٍّ تَقْنَعُ )
( سِمَةٌ لذاك عليَّ جِسْمٌ شاحبٌ ... بادٍ تَحسُّرُه ولونٌ أَسْفَعُ )
( إنّ كنتَ في ذنبٍ عتبتَ فإِنّني ... عمّا كَرهتَ لنازعٌ متضرِّعُ )
( ويئستُ منك فكلُّ عُسْرٍ باسطٌ ... كفّاً إليّ وكلُّ يُسْرٍ أقْطَعُ )
( من بعد أخْذِي من حبالك بالّذي ... قد كنتُ أحسَبُ أنّه لا يُقْطَع )
( فاربُبْ صنيعَك بي فإنّ بأعينِ ... للكاشحين وسمْعِهم ما تصنَع )
( أدَفعتَني حتى انقطعتُ وسُدِّدتْ ... عني الوجوه ولم يكن لي مَدْفَعُ )
( ورُجِيتُ واتّقِيَتْ يدايَ وقيل قد ... أمسي يَضُرُّ إذا أحبَّ ويَنفع )
( ودخلتُ في حرم الذِّمام وحاطَني ... خَفَرٌ أخذت به وعهدٌ مُولِعُ )
( أفهادِمٌ ما قد بنيتَ وخافضٌ ... شرفي وأنت لغير ذلك أوسعُ )
( أفلا خَشيتَ شَماتَ قومٍ فُتَّهم ... سَبْقاً وأنفُسهم عليك تَقَطَّعُ )
( وفَضلتَ في الحَسبِ الأشَمِّ عليهم ... وصنعتَ في الأقوامِ ما لم يصنعوا )
( فكأنَّ انُفهَمْ بكلِّ صنيعةٍ ... أسديتها وجميل فعلٍ تُجْدَعُ )
( وَدُّوا لَو أنَّهُم ينال أكُفِّهُمْ ... شَلَل وأنِّك عن صَنيعَك تنْزعُ )
( أو تسْتليمُ فيجعلونك أُسْوةً ... وأبى المَلاَم لك النَّدَى والمَوْضِعُ )
قال فقربه وأدناه
وضحك إليه وعاد له إلى ما كان عليه
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا محمد بن عبد الله بن حمزة بن عتبة اللهبي عن أبيه
أن طريحا دخل على أبي جعفر المنصور وهو في الشعراء فقال له لا حياك الله ولا بياك أما اتقيت الله ويلك حيث تقول للوليد بن يزيد
( لو قلتَ للسيل دَعْ طريقَك والموج ... عليه كالهَضْبِ يَعْتَلِج )
( لساخ وارتدّ أو لكانَ له ... في سائر الأرض عنك مُنْعَرَجُ )
فقال له طريح قد علم الله عز و جل أني قلت ذاك ويدي ممدودة إليه عز و جل وإياه تبارك وتعالى عنيت فقال المنصور يا ربيع أما ترى هذا التخلص
مدح الوليد فأطربه
نسخت من كتاب أحمد بن الحارث مما أجاز لي أبو أحمد الجريري روايته عنه حدثنا المدائنيأن الوليد جلس يوما في مجلس له عام ودخل إليه أهل بيته ومواليه والشعراء وأصحاب الحوائج فقضاها وكان أشرف يوم رئي له فقام بعض الشعراء فأنشد ثم وثب طريح وهو عن يسار الوليد وكان أهل بيته عن يمينه وأخواله عن شماله وهو فيهم فأنشده
صوت
( أنت ابنُ مُسْلَنْطِح البِطَاحِ ولم ... تُطْرقْ عليك الحُنِيُّ والوُلُجُ )( طوبَى لفَرْعَيْك من هنا وهنا ... طُوبَى لأعراقك التي تَشِجُ )
( لو قلتَ للسيل دَعْ طريقَك والموجُ ... عليه كالهَضْبِ يعتلِجُ )
( لساخَ وارتدّ أو لكانَ له ... في سائر الأرض عنك مُنْعَرَجُ )
فطرب الوليد بن يزيد حتى رئي الارتياح فيه وأمر له بخمسين ألف درهم وقال ما أرى أحدا منكم يجيئني اليوم بمثل ما قال خالي فلا ينشدني أحد بعده شيئا وأمر لسائر الشعراء بصلات وانصرفوا واحتبس طريحا عنده وأمر ابن عائشة فغنى هذا الشعر
نسبة هذا الصوت
( أنت ابنُ مُسْلَنْطِح البِطاح ولم ... تُطْرِق عليك الحُنِيُّ والوُلُجُ )الأبيات الأربعة
عروضه من المنسرح
غناه ابن عائشة ولحنه رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق
المسلنطح من البطاح ما اتسع واستوى سطحه منها
وتطرق عليك تطبق عليك وتغطيك وتضيق مكانك يقال طرقت الحادثة بكذا وكذا إذا أتت بأمر ضيق معضل
والوشيج أصول النبت يقال أعرقك واشجة في الكرم أي نابتة فيه قال الشاعر
( وهل يُنبِتُ الخَطِّيَّ إلاّ وِشَيجُه ... وتَنْبُت إلاّ في مَغَارسها النِّخْلُ )
يعني أنه كريم الأبوين من قريش وثقيف
وقد ردد طريح هذا المعنى في الوليد فقال في كلمة له
( واعتامَ كَهْلُك من ثَقِيفٍ كُفْأه ... فتنازعاكَ فأنت جَوْهَرُ جوهرِ )
( فنَمَتْ فروعُ القَرْيَتَيْن قُصَيُّها ... وقَسِيّها بك في الأشمّ الأكبرِ )
والحني ما انخفص من الأرض والواحدة حنا والجمع حني مثل عصا وعصي
والولج كل متسع في الوادي الواحدة ولجة ويقال الولجات بين الجبال مثل الرحاب
أي لم تكن بين الحني ولا الولج فيخفى مكانك
أي لست في موضع خفي من الحسب وقال أبو عبيدة سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقول لآخر يفخر عليه أنا ابن مسلنطح البطاح وابن كذا وكذا فقال له عمر إن كان لك عقل فلك أصل وإن كان لك خلق فلك شرف وإن كان لك تقوى فلك كرم وإلا فذاك الحمار خير منك أحبكم إلينا قبل أن نراكم
أحسنكم سمتا فإذا تكلمتم فأبينكم منطقا فإذا اختبرناكم فأحسنكم فعلا
وقوله لو قلت للسيل دع طريقك يقول أنت ملك هذا الأبطح والمطاع فيه فكل من تأمره يطيعك فيه حتى لو أمرت السيل بالانصراف عنه لفعل لنفوذ أمرك وإنما ضرب هذا مثلا وجعله مبالغة لأنه لا شيء أشد تعذرا من هذا وشبهه فإذا صرفه كان على كل شيء سواه أقدر
وقوله لساخ أي لغاض في الأرض
وارتد أي عدل عن طريقه وإن لم يجد إلى ذلك سبيلا كان له منعرج عنك إلى سائر الأرض
ابن عائشة استعرض الوليد بأن غنى له في شعر طريح
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال إسحاق وحدثني به الواقدي عن أبي الزناد عن إبراهيم بن عطيةأن الوليد بن يزيد لما ولي الخلافة بعث إلى المغنين بالمدينة ومكة فأشخصهم إليه وأمرهم أن يتفرقوا ولا يدخلوا نهارا لئلا يعرفوا وكان إذ ذاك تيستر في أمره ولا يظهره فسبقهم ابن عائشة فدخل نهارا وشهر أمره فحبسه الوليد وأمر به فقيد وأذن للمغنين وفيهم معبد فدخلوا عليه دخلات ثم إنه جمعهم ليلة فغنوا له حتى طرب وطابت نفسه
فلما رأى ذلك منه معبد قال لهم أخوكم ابن عائشة فيما قد علمتم فاطلبوا فيه
ثم قال يا أمير المؤمنين كيف ترى مجلسنا هذا قال حسنا لذيذا
قال فكيف لو رأيت ابن عائشة وسمعت ما عنده قال فعلي به
فطلع ابن عائشة يرسف في قيده
فلما نظر إليه الوليد اندفع ابن عائشة فغناه في شعر طريح والصنعة فيه له
( أنت ابنُ مُسْلَنْطِح البِطَاح ولم ... تُطْرِقْ عليك الحُنِيُّ والوُلُجُ )
فصاح الوليد اكسروا قيده وفكوا عنه فلم يزل عنده أثيرا مكرما
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي سعد عن الحزامي عن عثمان بن حفص عن إبراهيم بن عبد السلام بن أبي الحارث الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة
( يا أبا الحارث قلبي طائرٌ ... فأْتَمرْ أمْرَ رَشيدٍ مُؤْتَمَنْ )
قال والله إني لقاعد مع مسلمة بن محمد بن هشام إذ مر به ابن جوان بن عمر بن أبي ربيعة وكان يغني فقال له اجلس يابن أخي غننا فجلس فغنى
( أنت ابن مُسْلَنْطِح البِطَاحِ ولم ... تطْرِقْ عليك الحُنِيُّ والوُلُجُ )
فقال له يابن أخي ما أنت وهذا حين تغناه ولا حظ لك فيه هذا قاله طريح فينا
( إذ النَّاسُ ناسٌ والزِّمانُ زمانُ ... )
ومما في المائة الصوت المختارة من الأغاني من أشعار طريح بن إسماعيل التي مدح بها الوليد بن يزيد
صوت من المائة المختارة
( وَيْحي غَداً إنْ غَدَا عليِّ بما ... أحْذَرُ من لَوْعَةِ الفِرَاقِ غَدُ )( وكيف صَبْرِي وقد تجاوبَ بالفُرْقَةِ ... مِنْها الغُراب والصُّرَدُ )
الشعر لطريح بن إسماعيل والغناء لابن مشعب الطائفي ولحنه المختار من الرمل بالوسطى
ذكر ابن مشعب وأخباره
هو رجل من أهل الطائف مولى لثقيف وقيل إنه من أنفسهم وانتقل إلى مكة فكان بهاوإياه يعني العرجي بقوله
( بِفنَاءِ بيتِك وابنُ مِشْعَبَ حاضرٌ ... في سَامرٍ عَطِر وليلٍ مُقْمِرِ )
( فَتَلاَزَمَا عند الفِراق صبابةً ... أَخْذَ الغَرِيم بفضل ثوب المُعْسِرِ )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
ابن مشعب مغن من أهل الطائف وكان من أحسن الناس غناء وكان في زمن ابن سريج والأعرج وعامة الغناء الذي ينسب إلى أهل مكة له وقد تفرق غناؤه فنسب بعضه إلى ابن سريج وبعضه إلى الهذليين وبعضه إلى ابن محرز
قال ومن غنائه الذي ينسب إلى ابن محرز
( يا دارَ عَاتِكَةَ التي بالأزْهَرِ ... )
ومنه أيضا
( أقفرَ ممن يَحُلُّه السِّنَدُ ... فالمُنْحَنَي فالعَقِيقُ فالجُمُدُ )
أخبرني الحسين قال قال حماد وحدثني أبي قال
مرض رجل من أهل المدينة بالشأم فعاده جيرانه وقالوا له ما تشتهي قال أشتهي إنسانا يضع فمه على أذني ويغنيني في بيتي العرجي
( بِفَنَاءِ بَيْتِك وابنُ مِشْعَبَ حاضرٌ ... في سامرٍ عَطِرٍ وليلٍ مُقْمِرِ )
( فَتَلاَزَمَا عند الفِرَاقِ صبابةً ... أَخْذَ الغريمُ بفضل ثوبِ المُعْسِرِ )
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
( يا دارَ عاتِكةَ الّتي بالأَزْهَرِ ... أو فوقَه بَقَفَا الكَثِيبِ الأحمرِ )( بِفناء بيتِك وابنُ مِشْعَبَ حاضرٌ ... في سَامرٍ عَطرٍ وليلٍ مُقْمِرِ )
( فتلازمَا عند الفراق صبابةً ... أَخْذَ الغريمِ بفضل ثوب المُعْسِرِ )
الشعر للعرجي
والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالبنصر وذكر إسحاق أنه لابن مشعب
وذكر حبش وذكر حبش أن فيه لابن المكي هزجا خفيفا بالبنصر
وأما الصوت الآخر الذي أوله
( أَقفرَ ممن يَحُلُّه السَّنَدُ ... )
فإنه الصوت الذي ذكرناه الذي فيه اللحن المختار وهو أول قصيدة طريح التي منها
( وَيْحي غداً إنّ غَدَا عليّ بما ... أكره من لَوْعِة الفِرَاق غدُ )
وليس يغني فيه في زماننا هذا
وهذه القصيدة طويلة يمدح فيها طريح الوليد بن يزيد يقول فيها
( لم يَبْقَ فيها من المَعَارِفِ بعد ... الحَيّ إلاّ الرَّمَادُ والوَتِدُ )
( وعَرْصةٌ نَكَّرتْ مَعَالِمَها الريحُ ... بها مَسْجِدٌ ومُنْتَضَدُ )
المنصور يمدح قصيدة لطريح
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني محمد بن خلف القارئ قال أخبرنا هارون بن محمد وأخبرنا به وكيع وأظنه هو الذي كنى عنه يحيى بن علي فقال محمد بن خلف القارئ قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني علي بن عبد الله اللهبي قال حدثنا أبي عن أبيه قالأنشد المنصور هذه القصيدة فقال للربيع أسمعت أحدا من الشعراء ذكر في باقي معالم الحي المسجد غير طريح
وهذه القصيدة من جيد قصائد طريح يقول فيها
( لم أنْس سلمى ولا ليَالِينَا ... بالحَزْنِ إذ عيشُنا بها رَغَدُ )
( إذْ نحن في مَيْعة الشَّبَاب وإذْ ... أيّامُنا تلك غَضّةٌ جُدُدُ )
( في عِيشةٍ كالفِريْد عازبةِ الشِّقوةِ ... خَضْرَاءَ غُصْنُها خَضَدُ )
( نُحْسَدُ فيها على النَّعيم وما ... يُولَعُ إلاّ بالنَّعْمة الحَسَدُ )
( أيّامَ سَلْمَى غَرِيرةٌ أُنُفٌ ... كأنَّها خُوطُ بانةٍ رُؤدُ )
( وَيْحِي غَداً إنْ غَدَا عليّ بما ... أكره من لَوْعةِ الفِراق غَدُ )
( قد كنتُ أبكي من الفراق وحَيَّانَا ... جميعٌ ودارُنا صَدَدُ )
( فيكف صَبْرِي وقد تَجاوَبَ بالفُرقة ... منها الغُرابُ والصُّرَدُ )
( دَعْ عنك سَلْمَى لغير مَقْلِيَةٍ ... وعُدَّ مَدْحاً بُيوتُه شُرُدُ )
( للأَفْضَل الأَفْضَل الخليفة عبد ... الله من دون شَأْوِه صُعُدُ )
( في وجهه النُّورُ يُسْتبانُ كما ... لاح سِراجُ النَّهار إذ يَقِدُ )
( يمضي على خير ما ي قول ولا ... يخلف ميعادَه إذا يَعِد )
( من مَعْشَرٍ لا يَشَمُّ مَنْ خّذَلُوا ... عِزّاً ولا يُسْتَذَلُّ مَنْ رَفَدُوا )
( بِيضٌ عظامُ الحلومِ حَدُّهُمُ ... ماضٍ حُسَامٌ وخيرُهم عَتَدُ )
( أنت إيامُ الهدي الذي أصلَح الله ... به الناسَ بعدما فَسَدُوا )
( لمّا أتى الناسَ أنّ مُلْكَهُمُ ... إليكَ قد صار أمره سجَدوا )
( واستبشروا بالرضا تَبَاشُرَهم ... بالخُلْدِ لو قيل إنّكم خُلُدُ )
( وَعَجَّ بالحمد أهلُ أرضِك حتّى ... كاد يَهْتَزّ فرحةً أُحُدُ )
( واستقبل الناسُ عِيشةً أُنُفاً ... إنْ تبق فيها لهم فقد سَعِدوا )
( رُزِقتَ من ودِّهم وطاعتهم ... ما لم يَجِدْه لِوالدٍ وَلَد )
( أَثْلَجهمْ منك أنَّهم عَلِموا ... أنّك فيما وَلِيتَ مُجتهِدُ )
( وأنّ ما قد صنعتَ من حَسَنٍ ... مِصْداقُ ما كنتَ مَرّةً تَعِدُ )
( ألَّفْتَ أهواءهمُ فأصبحتِ الأضغانُ ... سِلْماً وماتتِ الحِقَدُ )
( كنتُ أرى أنّ ما وجدتُ من الفَرْحةِ ... لم يلقَ مثلَه أَحَدُ )
( حتى رأيت العبادَ كلَّهمُ ... قد وجدوا من هواك ما أَجِدُ )
صوت
( قد طلب الناسُ ما بلغتَ فما ... نالوا ولا قاربوا وقد جَهَدوا ) ( يرفَعُك اللهُ بالتَّكَرُّمِ والتقْوَى ... فتعلو وأنت مُقْتَصِدُ )
( حَسْبُ امرءٍ من غِنًى تَقَرُّبُه ... منك وإن لم يكن له سَبَدُ )
( فأنت أمْنٌ لمن يَخاف وللمَخْذولِ ... أودى نصيرهُ عَضُدُ )
غنى في هذه الأبيات الأربعة إبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر
( كلُّ امرئٍ ذي يدٍ تُعَدّ عليه ... منك معلومة يَدٌ ويدُ )
( فهم ملوكٌ ما لم يَرَوْكَ فإِنْ ... دَاناهُمُ منكَ منزلٌ خَمَدوا )
( تعروهم رِعْدةٌ لديكَ كما ... قَفْقَفَ تحت الدُّجُنَّةِ الصَّرِدُ )
( لا خوفَ ظُلْمٍ ولا قِلَى خُلُقٍ ... إلاّ جَلالاً كَسَاكَهُ الصَّمَدُ )
( وأنت عَمْرٌ النَّدى إذا هَبَط الزُّوّارُ ... أرضاً تَحُلُّها حُمِدُوا )
( فهم رِفاقٌ فرْفْقةٌ صَدَرتْ ... عنكَ بغُنْمٍ ورُفْقةٌ تَرِدُ )
( إنْ حال دهرٌ فإِنّك لا ... تَنْفَكُّ عن حالِك التي عَهِدوا )
( قد صدّق اللهُ مادِحيك فما ... في قولهم فِرْيةٌ ولا فَنَدُ )
علم جعفر بن يحيى بالأشعار والألحان
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى قالسمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنه ما رأى أذكى من جعفر بن يحيى قط ولا أفطن ولا أعلم بكل شيء ولا أفصح
لسانا ولا أبلغ في مكاتبة
قال ولقد كنا يوما عند الرشيد فغنى أبي لحنا في شعر طريح بن إسماعيل وهو
( قد طلب الناسُ ما بلغتَ فما ... نالوا ولا قاربوا وقد جَهَدُوا )
فاستحسن الرشيد اللحن والشعر واستعاده ووصل أبي عليه
وكان اللحن في طريقة خفيف الثقيل الأول
فقال جعفر بن يحيى قد والله يا سيدي أحسن ولكن اللحن مأخوذ من لحن الدلال الذي غناه في شعر أبي زبيد
( مَنْ يَرَ العِيرَ لابنَ أرَوى على ظَهْرِ ... المَرَوْرى حُدَاتُهُنَّ عجالُ )
وأما الشعر فنقله طريح من قول زهير
( سعَى بعدَهم قومُ لكي يُدركوهُمُ ... فلم يَبْلُغُوا ولم يُلاَمُوا ولم يأْلُوا )
قال إسحاق فعجبت والله من علمه بالألحان والأشعار وإذا اللحن يشبه لحن الدلال قال وكذلك الشعر فاغتممت أني لم أكن فهمت اللحن وكان ذلك أشد علي من ذهاب أمر الشعر علي وأنا والله مع ذلك أغني الصوتين وأحفظ الشعرين
قال الحسين ولحن الدلال في شعر أبي زبيد هذا من خفيف الثقيل أيضا
طريح يذكر لأبي ورقاء قصته مع أعرابي عاشق
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني أبو الحسن البلاذري أحمد ابن يحيى وأبو أيوب المديني قال البلاذري وحدثني الخرمازي وقال أبو أيوب وحدثونا عن الحرمازي قال حدثني أبو القعقاع سهل بن عبد الحميد عن أبي ورقاء الحنفي قالخرجت من الكوفة أريد بغداد فلما صرت إلى أول خان نزلته بسط غلماننا
وهيأوا غداءهم ولم يجئ أحد بعد إذ رمانا الباب برجل فاره البرذون حسن الهيئة فصحت بالغلمان فأخذوا دابته فدفعها إليهم ودعوت بالغداء فبسط يديه غير محتشم وجعلت لا أكرمه بشيء إلا قبله
ثم جاء غلمانه بعد ساعة في ثقل سري وهيئة حسنة فتناسبنا فإذا الرجل طريح بن إسماعيل الثقفي
فلما ارتحلنا ارتحلنا في قافلة غناء لا يدرك طرفاها
قال فقال لي ما حاجتنا إلى زحام الناس وليست بنا إليهم وحشة ولا علينا خوف نتقدمهم بيوم فيخلوا لنا الطريق ونصادف الخانات فارغة ونودع أنفسنا إلى أن يوافوا
قلت ذلك إليك قال فأصبحنا الغد فنزلنا الخان فتغدينا وإلى جانبنا نهر ظليل فقال هل لك أن نستنقع فيه فقلت له شأنك
فلما سرا ثيابه إذا ما بين عصعصه إلى عنقه ذاهب وفي جنبيه أمثال الجرذان فوقع في نفسي منه شيء
فنظر إلي ففطن وتبسم ثم قال قد رأيت ذعرك مما رأيت وحديث هذا إذا سرنا العشية إن شاء الله تعالى أحدثك به
قال فلما ركبنا قلت الحديث قال نعم قدمت من عند الوليد بن يزيد بالدنيا وكتبت إلى يوسف بن عمر مع فراش فملأ يدي أصحابي فخرجت أبادر الطائف
فلما امتد لي الطريق وليس يصحبني فيه خلق عن لي أعرابي على بعير له فحدثني فإذا هو حسن الحديث وروى لي الشعر فإذا هو راوية وأنشدني لنفسه فإذا هو شاعر
فقلت له من أين أقبلت قال لا أدري قلت فأين تريد فذكر قصة يخبر فيها أنه عاشق لمريئة قد أفسدت عليه عقله
وسترها عنه أهلها وجفاه أهله فإنما يستريح إلى الطريق ينحدر مع منحدريه ويصعد مع مصعديه
قلت فأين هي قال غدا ننزل بإزائها
فلما نزلنا أراني ظربا على يسار الطريق فقال لي أترى ذلك الظرب قلت أراه
قال فإنها في مسقطه
قال فأدركني أريحية الشباب فقلت أنا والله آتيها برسالتك
قال فخرجت وأتيت الظرب وإذا بيت حريد وإذا فيه امرأة جميلة ظريفة
فذكرته لها فزفرت زفرة كادت أضلاعها تساقط
ثم قالت أوحي هو قلت نعم تركته في رحلي وراء هذا الظرب ونحن بائتون ومصبحون
فقالت يا أبي أرى لك وجها يدل على خير فهل لك في الأجر فقلت فقير والله إليه
قالت فالبس ثيابي وكن مكاني ودعني حتى آتيه وذلك مغيربان الشمس
قلت أفعل
قالت إنك إذا أظلمت أتاك زوجي في هجمة من إبله فإذا بركت أتاك وقال يا فاجرة يا هنتاه فيوسعك شتما فأوسعه صمتا ثم يقول اقمعي سقاءك فضع القمع في هذا السقاء حتى يحقن فيه وإياك وهذا الآخر فإنه واهي الأسفل قال فجاء ففعلت ما أمرتني به ثم قال اقمعي سقاءك فحينني الله فتركت الصحيح وقمعت الواهي فما شعر إلا باللبن بين رجليه فعمد إلى رشاء من قد مربوع فثناه باثنين فصار على ثمان قوى ثم جعل لا يتقي مني
رأسا ولا رجلا ولا جنبا فخشيت أن يبدو له وجهي فتكون الأخرى فألزمت وجهي الأرض فعمل بظهري ما ترى
ذكر أخبار أبي سعيد مولى فائد ونسبه
جمع الشعر إلى جانب الغناء
أبو سعيد مولى فائدوفائد مولى عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه
وذكر ابن خرداذبة أن اسم أبي سعيد إبراهيم
وهو يعرف في الشعراء بابن أبي سنة مولى بني أمية وفي المغنين بأبي سعيد مولى فائد
وكان شاعرا مجيدا ومغنيا وناسكا بعد ذلك فاضلا مقبول الشهادة بالمدينة معدلا
وعمر إلى خلافة الرشيد ولقيه إبراهيم بن المهدي وإسحاق الموصلي وذووهما
وله قصائد جياد في مراثي بني أمية الذين قتلهم عبد الله وداود ابنا علي بن عبد الله بن العباس يذكر هاهنا في موضعه منها ما تسوق الأحاديث ذكره
أخبرني علي بن عبد العزيز عن عبيد الله بن عبد الله عن إسحاق وأخبرني الحسين بن يحيى عن ابن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه وأخبرنا به يحيى بن علي عن أخيه أحمد بن علي عن عافية بن شبيب عن أبي جعفر الأسدي عن إسحاق قال يحيى خاصة في خبره
قال إسحاق حججت مع الرشيد فلما قربت من مكة استأذنته في التقدم فأذن لي فدخلت مكة فسألت عن أبي سعيد مولى فائد فقيل لي هو في المسجد الحرام
فأتيت المسجد فسألت عنه فدللت عليه فإذا هو قائم يصلي
فجئت فجلست قريبا منه
فلما فرغ قال لي يا فتى ألك حاجة قلت نعم تغنيني لقد طفت سبعا
هذه رواية يحيى بن علي
وأما الباقون فإنهم ذكروا عن إسحاق أن المهدي قال هذا لأبي سعيد وأمره أن يغني له
( لقد طُفْتُ سبعاً قلتُ لمّا قَضَيْتُها ... أَلاَ ليتَ هذا لا عَلَيّ ولا لِيَا )
ورفق به وأدنى مجلسه وقد كان نسك فقال أو أغنيك يا أمير المؤمنين أحسن منه قال أنت وذاك
فغني
( إنّ هذا الطويلَ من آلِ حَفْصٍ ... نَشَرَ المَجْدَ بعدما كان ماتَا )
( وبَنَاهُ على أَسَاسٍ وثَيقٍ ... وعِمَادٍ قد أُثْبِتَتْ إثباتا )
( مثلَ ما قد بنى له أوّلُوه ... وكذا يُشْبِهُ البُنَاةُ البُنَاتَا )
الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد فأحسن
فقال له المهدي أحسنت يا أبا سعيد فغني لقد طفت سبعا
قال أو أغنيك أحسن منه قال أنت وذاك
فغناه
( قَدِم الطويلُ فأشرقتْ واستبشرتْ ... أرضُ الحجازِ وبانَ في الأشجارِ )
( إنّ الطويلَ منَ آل حَفْصٍ فاعلموا ... سادَ الحضَورَ وساد في الأسفارِ )
فأحسن فيه
فقال غنني لقد طفت سبعا
قال أو أغنيك أحسن منه قال فغنني
فغناه
( أيّها السائلُ الذي يَخْبِطُ الأرض ... دعِ الناسَ أجمعين وراكا )
( وأْتِ هذا الطويلَ مِنْ آل حَفْصٍ ... إنْ تخوّفتَ عَيْلةً أو هلاكا )
فأحسن فيه
فقال له غنني لقد طفت سبعا فقد أحسنت فيما غنيت ولكنا نحب أن تغني ما دعوناك إليه
فقال لا سبيل إلى ذلك يا أمير المؤمنين لأني رأيت رسول الله منامي وفي يده شيء لا أدري ما هو وقد رفعه ليضربني به وهو يقول يا أبا سعيد لقد طفت سبعا لقد طفت سبعا سبعا طفت ما صنعت بأمتي في هذا الصوت فقلت له بأبي أنت وأمي اغفر لي فوالذي بعثك بالحق واصطفاك بالنبوة لا غنيت هذا الصوت أبدا فرد يده ثم قال عفا الله عنك إذا ثم انتبهت
وما كنت لأعطي رسول الله شيئا في منامي فارجع عنه في يقظتي
فبكى المهدي وقال أحسنت يا أبا سعيد أحسن الله إليك لا تعد في غنائه وحباه وكساه وأمر برده إلى الحجاز
فقال له أبو سعيد ولكن اسمعه يا أمير المؤمنين من منة جارية البرامكة
وأظن حكاية من حكى ذلك عن المهدي غلطا لأن منة جارية البرامكة لم تكن في أيام المهدي وإنما نشأت وعرفت في أيام الرشيد
وقد حدثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي عن أبيه أنه هو الذي لقي أبا سعيد مولى فائد وجاراه هذه القصة
وذكر ذلك أيضا حماد بن إسحاق عن إبراهيم بن المهدي وقد يجوز أن يكون إبراهيم بن المهدي وإسحاق سألاه عن هذا الصوت فأجابهما فيه بمثل ما أجاب المهدي
وأما خبر إبراهيم بن المهدي خاصة فله معان غير هذه والصوت الذي سأله عنه غير هذا وسيذكر بعد انقضاء هذه الأخبار لئلا تنقطع
رفض الشخوص إلى بغداد مع إبراهيم بن المهدي
وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبةأن إبراهيم بن المهدي لقي أبا سعيد مولى فائد وذكر الخبر بمثل الذي قبله وزاد فيه فقال له اشخص معي إلى بغداد فلم يفعل
فقال ما كنت
لآخذك بما لا تحب ولو كان غيرك لأكرهته على ما أحب ولكن دلني على من ينوب عنك
فدل على ابن جامع وقال له عليك بغلام من بني سهم قد أخذ عني وعن نظرائي وتخرج وهو كما تحب
فأخذه إبراهيم معه فأقدمه بغداد فهو الذي كان سبب وروده إياها
نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
صوت من المائة المختارة
( لقد طُفْتُ سبعاً قلتُ لمّا قَضَيْتُها ... ألاَ ليت هذا لا عَلَيَّ ولا لِيَا )( يُسَائلني صَحْبِي فما أَعقِلُ الَّذي ... يقولون من ذِكْرٍ لليلَى اعترانيا )
عروضه من الطويل
ذكر يحيى بن علي أن الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد وذكر غيره أن الشعر للمجنون
ولحنه خفيف رمل بالبنصر وهو المختار
وذكر حبش أن فيه لإبراهيم خفيف رمل آخر
والذي ذكر يحيى بن علي من أن الشعر لأبي سعيد مولى فائد هو الصحيح
أخبرني عمي عن الكراني عن عيسى بن إسماعيل عن القحذمي أنه أنشده لأبي سعيد مولى فائد
قال عمي وأنشدني هذا الشعر أيضا أحمد بن أبي طاهر عن أبي دعامة لأبي سعيد وبعد هذين البيتين اللذين مضيا هذه الأبيات
( إذا جئتَ بابَ الشِّعْبِ شِعْبِ ابن عامرٍ ... فأقْرِئ غزالَ الشِّعْبِ مِنِّي سَلامِيَا )
( وقُلْ لغزال الشِّعْب هل أنتَ نازلٌ ... بشِعْبِكَ أم هل يُصْبِحُ القلبَ ثاويا )
( لقد زادني الحُجَّاجُ شوقاً إليكمُ ... وقد كنتُ قبل اليومِ لِلْحَجِّ قالِيا )
( وما نظرتْ عيني إلى وجه قادمٍ ... من الحَجِّ إلاّ بَلَّ دَمْعِي ردائيا )
في البيت الأول من هذه الأبيات وهو
( إذا جئت باب الشعب شعب ابن عامر ... )
لحن لابن جامع خفيف رمل عن الهشامي
ومنها
صوت
( إنّ هذا الطويلَ مِنْ آل حَفْصٍ ... نَشَر المجد بعدما كان ماتا )( وبناه على أساسٍ وَثِيقٍ ... وعِمّادٍ قد أُثْبِتَتْ إثباتا )
( مثلَ ما قد بنَى له أوّلْوه ... وكذا يشبِه البُنَاةُ البُنَاتَا )
عروضه من الخفيف
الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد
ولحنه رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق
ومنها
صوت
( قَدِم الطويلُ فأشرقت لقدومه ... أرضُ الحجاز وبان في الأشجارِ )( إنّ الطويلَ من آل حَفْصٍ فاعلموا ... ساد الحُضُورَ وساد في الأسفارِ )
الشعر والغناء لأبي سعيد
ومنها
صوت
( أيّها الطالب الذي يَخْبِطُ الأرْضَ ... دَعِ الناسَ أجمعين وراكا )
( وأنِ هذا الطويلَ من آل حَفْصٍ ... إن تخوفتَ عَيْلةً أو هلاكا )
عروضه من الخفيف
الشعر لأبي سعيد مولى فائد وقيل إنه للدارمي والغناء لأبي سعيد خفيف ثقيل
وفيه للدارمي ثاني ثقيل
الطويل من آل حفص الذي عناه الشعراء في هذه الأشعار هو عبد الله بن عبد الحميد بن حفص وقيل ابن أبي حفص بن المغيرة المخزومي وكان ممدحا
مدح عبد الله بن عبد الحميد
فأخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة عن أبي أيوب المديني قال حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمهأن عبد الله بن عبد الحميد المخزومي كان يعطي الشعراء فيجزل وكان موسرا وكان سبب يساره ما صار إليه من أم سلمة المخزومية امرأة أبي العباس السفاح فإنه تزوجها بعده فصار إليه منها مال عظيم فكان يتسمح به ويتفتى ويتسع في العطايا
وكانت أم سلمة مائلة إليه فأعطته ما لا يدري ما هو ثم إنها اتهمته بجارية لها فاحتجبت عنه فلم تعد إليه حتى مات
وكان جميل الوجه طويلا
وفيه يقول أبو سعيد مولى فائد
( إنّ هذا الطويلَ من آل حفصٍ ... نشرَ المجدَ بعد ما كان ماتا )
وفيه يقول الدارمي
( أيُّها السائل الذي يَخْبِطُ الأرضَ ... دَعَ الناسَ أجمعين وراكا )
( وأْتِ هذا الطويلَ من آل حَفْصٍ ... إنّ تَخوْفتَ عَيْلةً أو هلاكا )
وفيه يقول الدارمي أيضا
صوت
( إنّ الطويلَ إذا حَلَلْتَ به ... يوماً كفاك مَؤونةَ الثِّقْلِ )ويروى
( ابن الطويل إذا حللت به ... )
( وحللتَ في دَعَةٍ وفي كَنَفٍ ... رَحْبِ الفنِاء ومنزلٍ سَهلِ )
غناه ابن عباد الكاتب ولحنه من الثقيل الأول الذي بالبنصر عن ابن المكي
فأما خبر إبراهيم بن المهدي مع أبي سعيد مولى فائد الذي قلنا إنه يذكر هاهنا فأخبرني به الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني القطراني المغني قال حدثني ابن جبر قال
سمعت إبراهيم بن المهدي يقول كنت بمكة في المسجد الحرام فإذا شيخ قد طلع وقد قلب إحدى نعليه على الأخرى وقام يصلي فسألت عنه فقيل لي هذا أبو سعيد مولى فائد
فقلت لبعض الغلمان احصبه فحصبه فأقبل عليه وقال ما يظن أحدكم إذا دخل المسجد إلا أنه له
فقلت للغلام قل له يقول لك مولاي ابلغني فقال ذلك له
فقال له أبو سعيد من مولاك حفظه الله قال مولاي إبراهيم بن المهدي فمن أنت قال أنا أبو سعيد مولى فائد وقام فجلس بين يدي وقال لا والله بأبي أنت وأمي ما عرفتك فقلت لا عليك أخبرني عن هذا الصوت
( أفاضَ المدامعَ قَتْلَى كُدىً ... وقَتْلَى بكُثْوةَ لم تُرْمَسِ )
قال هو لي قلت ورب هذه البنية لا تبرح حتى تغنيه
قال ورب هذه البنية لا تبرح حتى تسمعه
قال ثم قلب إحدى نعليه وأخذ بعقب الأخرى وجعل يقرع بحرفها على الأخرى ويغنيه حتى أتى عليه فأخذته منه
قال ابن جبر وأخذته أنا من إبراهيم بن المهدي
محمد بن عمران يقبل شهادته بعد أن ردها
أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدثني دنية المدني صاحب العباسة بنت المهدي وكان آدب من قدم علينا من أهل الحجازأن أبا سعيد مولى فائد حضر مجلس محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة لأبي جعفر وكان مقدما لأبي سعيد
فقال له ابن عمران التيمي يا أبا سعيد أنت القائل
( لقد طفتُ سبعاً قلتُ لمّا قضيتُها ... ألا ليت هذا لا عَليَّ ولا لِيَا )
فقال أي لعمر أبيك وإني لأدمجه إدماجا من لؤلؤ
فرد محمد بن عمران شهادته في ذلك المجلس
وقام أبو سعيد من مجلسه مغضبا وحلف ألا يشهد عنده أبدا
فأنكر أهل المدينة على ابن عمران رده شهادته وقالوا عرضت حقوقنا للتوى وأموالنا للتلف لأنا كنا نشهد هذا الرجل لعلمنا بما كنت عليه والقضاة قبلك من الثقة به وتقديمه وتعديله
فندم ابن عمران بعد ذلك على رد شهادته ووجه إليه يسأله حضور مجلسه والشهادة عنده ليقضي بشهادته فامتنع وذكر أنه لا يقدر على حضور مجلسه ليمين لزمته إن حضره حنث
قال فكان ابن عمران بعد ذلك إذا ادعى أحد عنده شهادة أبي سعيد صار إليه إلى منزله أو مكانه من المسجد حتى يسمع منه ويسأله عما يشهد به فيخبره
وكان محمد بن عمران كثير اللحم
عظيم البطن
كبير العجيزة صغير القدمين دقيق الساقين يشتد عليه المشي فكان كثيرا ما يقول لقد أتعبني هذا الصوت لقد طفت سبعا وأضر بي ضررا طويلا شديدا
وأنا رجل ثقال بترددي إلى أبي سعيد لأسمع شهادته
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا النضر بن عمرو عن الهيثم بن عدي قال
كان المطلب بن عبد الله بن حنطب قاضيا على مكة فشهد عنده أبو سعيد مولى فائد بشهادة فقال له المطلب ويحك ألست الذي يقول
( لقد طفتُ سبعاً قلتُ لمّا قضيتُها ... ألاَ ليت هذا لا عليَّ ولا ليا )
لا قبلت لك شهادة أبدا
فقال أبو سعيد أنا والله الذي أقول
( كأن وُجوهَ الحَنْطَبِيِّين في الدُّجَى ... قناديلُ تَسْقيها السَّلِيطَ الهياكلُ )
فقال الحنطبي إنك ما علمتك إلا دبابا حول البيت في الظلم مدمنا للطواف به في الليل والنهار وقبل شهادته
نسبة الصوت المذكور قبل هذا الذي في حديث إبراهيم بن المهدي وخبره
صوت
( أفاضَ المدامعَ قَتْلَى كُدىً ... وقَتْلَى بكُثْوةَ لم تُرْمَسِ )( وقَتْلى بِوَجٍّ وباللاَّبَتَين ... من يَثْرِبٍ خيرُ ما أَنْفُسِ )
( وبالزَّابَيَيْنِ نفوسٌ ثَوَتْ ... وأُخْرَى بنهر أبي فُطْرُسِ )
( أولئك قومي أناختْ بهم ... نوائبُ من زَمَنٍ مُتْعِسِ )
( إذا رَكِبوا زيَّنوا المَوْكَبْينِ ... وإن جَلَسوا الزَّيْنُ في المجلس )
( همُ أضرعوني لريب الزَّمان ... وهُمْ أَلْصَقُوا الرَّغْمَ بالمَعْطِسِ )
عروضه من المتقارب
الشعر للعبلي واسمه عبد الله بن عمر ويكنى أبا عدي وله أخبار تذكر مفردة في موضعها إن شاء الله
والغناء لأبي سعيد مولى فائد ولحنه من الثقيل الثاني بالسبابة في مجرى البنصر
وقصيدة العبلي أولها
( تقول أُمامةُ لمّا رأتْ ... نُشُوزي عن المَضْجَعِ الأَنْفسَ )
الشاعر العبلي ينشد ابن حسن رثاء في قومه فيبكي
نسخت من كتاب الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار وأخبرني الأخفش عن المبرد عن المغيرة بن محمد المهلبي عن الزبير عن سليمان بن عياش السعدي قال
جاء عبد الله بن عمر العبلي إلى سويقة وهو طريد بن العباس وذلك بعقب أيام بني أمية وابتداء خروج ملكهم إلى بني العباس فقصد عبد الله وحسنا ابني الحسن بن حسن بسويقة فاستنشده عبد الله بن حسن شيئا من شعره فأنشده فقال له أريد أن تنشدني شيئا مما رثيت به قومك فأنشده قوله
( تقول أمامةُ لمّا رأتْ ... نُشُوزِي عن المَضْجَع الأَنْفَسِ )
( وقِلَّةَ نَوْمي على مضجعي ... لدي هَجْعةِ الأَعْيُنِ النُّعَّس )
( أبي ما عَرَاك فقلتُ الهُموم ... عَرَوْن أباكِ فلا تَبْلِسي )
( عَرَوْنَ أباكِ فحبَّسْنَه ... من الذُّلِّ في شِرّ ما مَحْبِسِ )
( لِفَقْدِ الأحِبَّة إذ نالها ... سهامٌ من الحَدَث المُبْئسِ )
( رمتْها المَنُونُ بلا نُكَّلٍ ... ولا طائشاتٍ ولا نُكَّسِ )
( بأسْهُمِها المُتْلِفاتِ النفوسِ ... متى ما تُصِبْ مُهْجةً تَخْلِسِ )
( فصَرَّعْنَهمْ في نَواحي البلادِ ... مُلَقًّى بأرْضٍ ولم يُرْسَسِ )
( تَقِيٍّ أصِيبَ وأثوابهُ ... من العَيْبِ والعارِ لم تَدْنَسِ )
( وآخَرُ قد دُسَّ في حُفْرةٍ ... وآخرَ قد طار لم يُحْسَسِ )
( إذا عنّ ذِكْرُهُمُ لم يَنَمْ ... أبوكِ وأَوْحَشَ في المَجْلِسِ )
( فذاك الذي غالني فاعلمي ... ولا تسألي بامرىءٍ مُتْعَسِ )
( أذلُّوا قَنَاتِي لمن رامَها ... وقد أَلْصَقُوا الرَّغمَ بالمَعْطَسِ )
قال فرأيت عبد الله بن حسن وإن دموعه لتجري على خده
وقد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن إبراهيم بن رباح قال
عمر أبو سعيد بن أبي سنة مولى بني أمية وهو مولى فائد مولى عمرو بن عثمان إلى أيام الرشيد فلما حج أحضره فقال أنشدني قصيدتك
( تقول أُمامةُ لمّا رأتْ ... )
فاندفع فغناه قبل أن ينشده الشعر لحنه في أبيات منها أولها
( أفاضَ المدامعَ قَتْلَى كُدى ... )
وكان الرشيد مغضبا فسكن غضبه وطرب فقال أنشدني القصيدة
فقال يا أمير المؤمنين كان القوم موالي وأنعموا علي فرثيتهم ولم أهج أحدا فتركه
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا الحزنبل قال
كنا عند ابن الأعرابي وحضر معنا أبو هفان فأنشدنا ابن الأعرابي عمن أنشده قال قال ابن أبي سبة العبلي
( أفاضَ المدامعَ قَتْلَى كذا ... وقَتْلَى بكبوة لم تُرْمَس )
فغمز أبو هفان رجلا وقال له قل له ما معنى كذا قال يريد كثرتهم
فلما قمنا قال لي أبو هفان أسمعت إلى هذا المعجب الرقيع صحف اسم الرجل
هو ابن أبي سنة فقال ابن أبي سبة وصحف في بيت واحد موضعين فقال قتلى كذا وهو كدى وقتلى بكبوة وهو بكثوة
وأغلظ علي من هذا أنه يفسر تصحيفه
بوجه وقاح
وهذا الشعر الذي غناه أبو سعيد يقوله أبو عدي عبد الله بن عمر العبلي فيمن قتله عبد الله بن علي بنهر أبي فطرس وأبو العباس السفاح أمير المؤمنين بعدهم من بني أمية
وخبرهم والوقائع التي كانت بينهم مشهورة يطول ذكرها جدا ونذكر هاهنا ما يستحسن منها
ذكر من قتل أبو العباس السفاح من بني أمية
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني مسبح بن حاتم العكلي قال حدثني الجهم بن السباق عن صالح بن ميمون مولى عبد الصمد بن علي قاللما استمرت الهزيمة بمروان أقام عبد الله بن علي بالرقة وأنفذ أخاه عبد الصمد في طلبه فصار إلى دمشق وأتبعه جيشا عليهم أبو إسماعيل عامر الطويل من قواد خراسان فلحقه وقد جاز مصر في قرية تدعى بوصير فقتله وذلك يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة ووجه برأسه إلى عبد الله بن علي فأنفذه عبد الله بن علي إلى أبي العباس فلما وضع بين يديه خر لله ساجدا ثم رفع رأسه وقال الحمد لله الذي أظهرني عليك وأظفرني بك ولم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين ثم تمثل قول ذي الإصبع العدواني
( لو يَشربون دَمِي لم يُرْوِ شاربَهم ... ولا دِماؤُهم للغَيْظِ تُرْوِيني )
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني محمد بن يزيد قال
نظر عبد الله بن علي إلى فتى عليه أبهة الشرف وهو يقاتل مستنتلا فناداه يا فتى لك الأمان ولو كنت مروان بن محمد
فقال إلا أكنه فلست بدونه
قال فلك الأمان من كنت
فأطرق ثم قال
( أَذُلَّ الحياةِ وكُرْه الممماتِ ... وكلاًّ أرى لك شرّاً وَبِيلاَ )
ويروى
( وكلاّ أراه طعاماً وبِيلا ... )
( فإنْ لم يكن غير إحداهما ... فسَيْراً إلى الموت سَيْراً جَميلاَ )
ثم قاتل حتى قتل
قال فإذا هو ابن مسلمة بن عبد الملك بن مروان
مقتل جماعة من الأمويين في اجتماع عند السفاح
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثني النضر بن عمرو عن المعيطي وأخبرنا محمد بن خلف وكيع قال قال أبو السائب سلم بن جنادة السوائي سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقولدخل سديف وهو مولى لآل أبي لهب على أبي العباس بالحيرة
هكذا قال وكيع
وقال الكراني في خبره واللفظ له كان أبو العباس جالسا في مجلسه على سريره وبنو هاشم دونه على الكراسي وبنو أمية على الوسائد قد ثنيت لهم وكانوا في أيام دولتهم يجلسون هم والخلفاء منهم على السرير ويجلس بنو هاشم على الكراسي فدخل الحاجب فقال يا أمير المؤمنين بالباب رجل حجازي أسود راكب على نجيب متلثم يستأذن ولا يخبر باسمه ويحلف ألا يحسر اللثام عن وجهه حتى يراك قال هذا مولاي سديف يدخل فدخل
فلما نظر إلى أبي
العباس وبنو أمية حوله حدر اللثام عن وجهه وأنشأ يقول
( أصبح المُلْكُ ثابتَ الآساسِ ... بالبَهاليل من بني العبّاس )
( بالصدورِ المُقَدَّمين قديماً ... والرُّؤوس القَماقِم الرُّؤَّاسِ )
( يا أميرَ المُطَهَّرينَ مِنَ الذَّمّ ... ويا رأسَ منتهى كلِّ راس )
( أنت مَهْدِيُّ هاشمٍ وهُدَاها ... كم أُناسٍ رَجَوْكَ بعد إياسِ )
( لا تُقيلَنّ عبدَ شَمْسٍ عِثَاراً ... واقْطَعَنْ كلَّ رَقْلةٍ وغِرَاسِ )
( أَنْزِلُوها بحيث أنزَلها اللّهُ ... بدار الهَوَانِ والإِتْعاسِ )
( خَوْفُهم أظهرَ التَّودُّدَ منهمْ ... وبهم منكمُ كحَزِّ المَوَاسِي )
( أقْصِهم أيُّها الخليفةُ واحْسِمْ ... عنك بالسَّيف شَأفَةَ الأرْجاسِ )
( واذْكُرَنْ مَصْرَعَ الحُسَيْنِ وزَيْدٍ ... وقَتِيلٍ بجانبِ المِهْراسِ )
( والإِمامِ الذي بحَرَانَ أمْسَى ... رَهْنَ قبرٍ في غْربةٍ وتَنَاسِي )
( فلقد ساءني وساء سَوَائي ... قُرْبُهمْ من نَمَارِقٍ وكَرَاسِي )
( نِعْمَ كَلْبُ الهِرَاش مولاك لولا ... أودٌ من حبائل الإِفلاس )
فتغير لون أبي العباس وأخذه زمع ورعدة فالتفت بعض ولد سليمان بن عبد الملك إلى رجل منهم وكان إلى جنبه فقال قتلنا والله العبد
ثم أقبل أبو العباس عليهم فقال يا بني الفواعل أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا وأنتم أحياء تتلذذون في الدنيا خذوهم فأخذتهم الخراسانية بالكافر كوبات فأهمدوا إلا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فإنه استجار بداود بن علي وقال له إن أبي لم يكن كآبائهم وقد علمت صنيعته إليكم فأجاره واستوهبه من السفاح وقال له قد علمت يا أمير المؤمنين صنيع أبيه إلينا فوهبه له وقال له لا تريني وجهه وليكن بحيث تأمنه وكتب إلى عماله في النواحي بقتل بني أمية
لماذا قتل السفاح بني أمية
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمهأن سبب قتل بني أمية أن السفاح أنشد قصيدة مدح بها فأقبل على بعضهم فقال أين هذا مما مدحتم به فقال هيهات لا يقول والله أحد فيكم مثل قول ابن قيس الرقيات فينا
( ما نَقَمُوا من بني أُمَيَّة إلا ... أنَّهمْ يَحْلُمون إنْ غَضِبوا )
( وأنَّهُمْ مَعْدِنُ المُلوكِ ولا ... تَصْلُحُ إلاّ عليهم العَرَبُ )
فقال له يا ماص كذا من أمه أو إن الخلافة لفي نفسك بعد خذوهم فأخذوا فقتلوا
أخبرني عمي عن الكراني عن النضر بن عمرو عن المعيطي
أن أبا العباس دعا بالغداء حين قتلوا وأمر ببساط فبسط عليهم وجلس فوقه يأكل وهم يضطربون تحته
فلما فرغ من الأكل قال ما أعلمني أكلت أكلة قط أهنأ ولا أطيب لنفسي منها
فلما فرغ قال جروا بأرجلهم فألقوا في الطريق يلعنهم الناس أمواتا كما لعنوهم أحياء
قال فرأيت الكلاب تجر بأرجلهم وعليهم سراويلات الوشي حتى أنتنوا ثم حفرت لهم بئر فألقوا فيها
أخبرني عمر بن عبد الله بن جميل العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن معن الغفاري عن أبيه قال
لما أقبل داود بن علي من مكة أقبل معه بنو حسن جميعا وحسين بن علي بن حسين وعلي بن عمر بن علي بن حسين وجعفر بن محمد والأرقط محمد بن عبد الله وحسين بن زيد ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وعبد الله بن عنبسة بن سعيد بن العاصي وعروة وسعيد ابنا خالد بن سعيد بن عمرو بن عثمان فعمل لداود مجلس بالرويثة فجلس عليه هو والهاشميون وجلس الأمويون تحتهم فأنشده إبراهيم بن هرمة قصيدة يقول فيها
( فلا عَفَا اللهُ عن مَرْوانَ مَظْلِمةً ... ولا أُمَيّة بئس المجلسُ النّادِي )
( كانوا كعادٍ فأمسَى اللهُ أهلكهم ... بمثلِ ما أهلك الغاوين من عادِ )
( فلن يُكَذِّبني من هاشمٍ من أحدٌ ... فيما أقول ولو أكثرتُ تعْدَادي )
قال فنبذ داود نحو ابن عنبسة ضحكة كالكشرة فلما قام قال عبد الله بن حسن لأخيه حسن أما رأيت ضحكته إلى ابن عنبسة الحمد لله الذي صرفها عن أخي يعني العثماني
قال فما هو إلا أن قدم المدينة حتى قتل ابن عنبسة
قال محمد بن معن حدثني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال
استحلف أخي عبد الله بن حسن داود بن علي وقد حج معه سنة اثنتين وثلاثين ومائة بطلاق امرأته مليكة بنت دواد بن حسن ألا يقتل أخويه محمدا والقاسم ابني عبد الله
قال فكنت أختلف إليه آمنا وهو يقول بني أمية وكان يكره أن يراني أهل خراسان ولا يستطيع إلي سبيلا ليمينه
فاستدناني يوما فدنوت منه فقال ما أكثر الغفلة وأقل الحزمة فأخبرت بها عبد الله بن حسن فقال يابن أم تغيب عن الرجل فتغيبت عنه حتى مات
خبر آخر عن مقتل الأمويين عند السفاح
أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى قالا حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن الهيثم بن بشر مولى محمد بن علي قالأنشد سديف أبا العباس وعنده رجال من بني أمية قوله
( يابنَ عمّ النبيّ أنت ضِيَاءٌ ... اسْتَبنَّا بك اليقينَ الجَلِيّا )
فلما بلغ قوله
( جَرِّد السَّيْف وارْفَعِ العفْو حتَّى ... لا ترى فوق ظهرها أُمَويا )
( لا يَغُرَّنْكَ ما ترى من رجالٍ ... إنّ تحت الضُّلوع داء دَويّا )
( بَطن البُغضُ في القديم فأضحَى ... ثاوياً في قلوبهم مَطْويّا )
وهي طويلة قال يا سديف خلق الإنسان من عجل ثم قال
( أحيا الضغائن آباءٌ لنا سَلَفُوا ... فلنْ تَبِيدَ وللآباءِ أبناءُ )
ثم أمر بمن عنده منهم فقتلوا
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه عن عمومته
أنهم حضروا سليمان بن علي بالبصرة وقد حضره جماعة من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة فكأني أنظر إلى أحدهم وقد أسود شيب في عارضيه من الغالية فأمر بهم فقتلوا وجروا بأرجلهم فألقوا على الطريق وإن عليهم لسراويلات الوشي والكلاب تجر بأرجلهم
عمرو بن معاوية يأخذ الأمان من سليمان بن علي
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن عبد الله بن عمرو قال أخبرني طارق بن المبارك عن أبيه قالجاءني رسول عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة فقال لي يقول لك عمرو قد جاءت هذه الدولة وأنا حديث السر كثير العيال منتشر المال فما أكون في قبيلة إلا شهر أمري وعرفت وقد اعتزمت على أن أفدي حرمي بنفسي وأنا صائر إلى باب الأمير سليمان بن علي فصر إلي
فوافيته فإذا عليه طيلسان مطبق أبيض
وسراويل وشي مسدول فقلت يا سبحان الله ما تصنع الحداثة بأهلها أبهذا اللباس تلقى هؤلاء القوم لما تريد لقاءهم فيه فقال لا والله ولكنه ليس عندي ثوب إلا أشهر مما ترى
فأعطيته طيلساني وأخذت طيلسانه ولويت سراويله إلى ركبتيه فدخل ثم خرج مسرورا
فقلت له حدثني ما جرى بينك وبين الأمير قال دخلت عليه ولم نتراء قط فقلت أصلح الله الأمير لفظتني البلاد إليك ودلني فضلك عليك فإما قتلتني غانما وإما رددتني سالما
فقال ومن أنت ما أعرفك فانتسبت له
فقال مرحبا بك أقعد فتكلم آمنا غانما ثم أقبل علي فقال ما حاجتك يابن أخي فقلت إن الحرم اللواتي أنت أقرب الناس إليهن معنا وأولى الناس بهن بعدنا قد خفن لخوفنا ومن خاف خيف عليه
فوالله ما أجابني إلا بدموعه على خديه ثم قال يابن أخي يحقن الله دمك ويحفظك في حرمك ويوفر عليك مالك ووالله لو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت فكن متواريا كظاهر وآمنا كخائف ولتأتني رقاعك قال فكنت والله أكتب إليه كما يكتب الرجل إلى أبيه وعمه قال فلما فرغ من الحديث رددت عليه طيلسانه فقال مهلا فإن ثيابنا إذا فارقتنا لن ترجع إلينا
قول الشعراء في تحريض السفاح على بني أمية
أخبرني أحمد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر ابن شبة قالقال سديف لأبي العباس يحضه على بني أمية ويذكر من قتل مروان وبنو أمية من قومه
( كيف بالعفو عنهمُ وقَدِيماً ... قتلوكم وهَتَّكُوا الحُرُماتِ )
( أين زيدٌ وأين يحيى بن زيدٍ ... يا لَها من مُصِيبةٍ وتِرَاتِ )
( والإِمامُ الذي أُصِيبَ بحَرّانَ ... إمامُ الهُدَى ورأسُ الثِّقاتِ )
( قتلوا آلَ أحمدٍ لا عفا الذَّنْبَ ... لمروانَ غافرُ السَّيِّئات )
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال
أنشدني محمد بن يزيد لرجل من شيعة بني العباس يحرضهم على بني أمية
( إيّاكُم أنْ تلينوا لاعتذارهُم ... فليس ذلك إلاّ الخَوْفُ والطَّمَعُ )
( لو أنَّهم أمنُوا أبْدَوْا عَداوتَهُمْ ... لكنّهم قُمعُوا بالذلّ فانقمَعُوا )
( أليس في ألفِ شهرٍ قد مضت لهُم ... سقَوْكُمُ جُرَعاً من بعدها جُرَعُ )
( حتّى إذا ما انقضتْ أيّامُ مُدّتهمْ ... مَتُّوا إليكم بالأَرحامِ التي قَطَعوا )
( هيهاتَ لا بدّ أن يُسَقوْا بكأسهمُ ... ريّاً وأن يَحْصُدُوا الزَّرْعَ الذي زَرعوا )
( إنّا وإِخوانَنا الأنصارَ شيعتُكم ... إذا تفرّقت الأهواءُ والشِّيَعُ )
( إيّاكُمُ أن يقولَ الناسُ إنَّهُم ... قد مُلِّكوا ثم ما ضرُّوا ولا نفعوا )
وذكر ابن المعتز
أن جعفر بن إبراهيم حدثه عن إسحاق بن منصور عن أبي الخصيب في قصة سديف بمثل ما ذكره الكراني عن النضر بن عمرو عن المعيطي إلا أنه قال فيها
فلما أنشده ذلك التفت إليه أبو الغمر سليمان بن هشام فقال يا ماص بظر أمه أتجبهنا بهذا ونحن سروات الناس فغضب أبو العباس وكان سليمان بن هشام صديقه قديما وحديثا يقضي حوائجه في أيامهم ويبره فلم يلتفت إلى ذلك
وصاح بالخراسانية خذوهم فقتلوا جمعيا إلا سليمان بن هشام فأقبل عليه السفاح فقال يا أبا الغمر ما أرى لك في الحياة بعد هؤلاء خيرا
قال لا والله فقال اقتلوه وكان إلى جنبه فقتل وصلبوا في بستانه حتى تأذى جلساؤه بروائحهم فكلموه في ذلك فقال والله لهذا ألذ عندي من شم المسك والعنبر غيظا عليهم وحنقا
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء
صوت
( أصبح الدِّينُ ثابتَ الاساسِ ... بالبَهَالِيلِ من بني العبَّاسِ )( بالصُّدُورِ المُقَدَّمين قديماً ... والرُّؤُوس القَمَاقِمِ الرُّؤَّاس )
عروضه من الخفيف الشعر لسديف والغناء لعطرد رمل بالبنصر عن حبش قال وفيه لحكم الوادي ثاني ثقيل وفيه ثقيل أول مجهول
ومما قاله أبو سعيد مولى فائد في قتلى بني أمية وغنى فيه
صوت
( بكيتُ وماذا يَرُدّ البُكَاءْ ... وقَلَّ البكاءُ لقَتْلى كُدَاءْ )
( أُصِيبوا معاً فتوَلَّوْا معاً ... كذلك كانوا معاً في رَخَاءْ )
( بكتْ لهم الأرضُ من بعدهم ... وناحتْ عليهم نجومُ السماءْ )
( وكانوا الضياءَ فلمَّا انقضى الزَّمانُ بقومي تولَّ الضياءْ )
عروضه من المتقارب
الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد ولحنه من الثقيل الأول بالبنصر من رواية عمرو بن بانة وإسحاق وغيرهما
ومما قاله فيهم وغنى فيه على أنه قد نسب إلى غيره
صوت
( أثَّر الدهر في رجالي فَقلُّوا ... بعد جَمْعٍ فراحَ عَظْمِي مَهِيضا )( ما تذكَّرتُهم فتَمْلِك عَيْنِي ... فَيْض غَرْبٍ وحُقَّ لي أن تَفيضا )
الشعر والغناء لأبي سعيد خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكي والهشامي
وروى الشيعي عن عمر بن شبة عن إسحاق أن الشعر لسديف والغناء للغريض ولعله وهم
ومنها
صوت
( أولئك قَوْمي بعد عَزٍّ ومَنْعَةٍ ... تَفَانَوْا فإِلاَّ تَذْرِفِ العينُ أَكْمَدِ )
( كأنَّهمُ لا ناسَ للموت غيرُهم ... وإن كان فيهمْ مُنْصِفاً غيرَ مُعْتَدي )
الشعر والغناء لأبي سعيد وفيه لحن لمتيم
خبر المأمون مع المغني علويه
أخبرني عبد الله بن الربيع قال حدثنا أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثني عمي طياب بن إبراهيم قالركب المأمون بدمشق يتصيد حتى بلغ جبل الثلج فوقف في بعض الطريق على بركة عظيمة في جوانبها أربع سروات لم ير أحسن منها ولا أعظم فنزل المأمون وجعل ينظر إلى آثار بني أمية ويعجب منها ويذكرهم ثم دعا بطبق عليه
بزما ورد ورطل نبيذ فقام علويه فغنى
( أولئك قَوْمي بعد عِزٍّ ومَنْعَةٍ ... تَفَانَوْا فإِلاَّ تَذْرِفِ العينُ أَكْمَدِ )
قال فغضب المأمون وأمر برفع الطبق وقال يابن الزانية ألم يكن لك وقت تبكي فيه على قومك إلا هذا الوقت قال نعم أبكي عليهم مولاكم زرياب يركب معهم في مائة غلام وأنا مولاهم معكم أموت جوعا فقام المأمون فركب وانصرف الناس وغضب على علويه عشرين يوما فكلمه فيه عباس أخو بحر فرضي عنه ووصله بعشرين ألف درهم
صوت من المائة المختارة
( مَهَاةٌ لَوَ انّ الذَّرَّ تَمْشِي ضِعَافُه ... على مَتْنِها بَضَّتْ مَدَارِجُه دَمَا )( فقُلْنَ لها قُومِي فديْنَاكِ فَارْكَبِي ... فأومَتْ بلاَ لا غيرَ أنْ تَتَكَلَّمَا )
عروضه من الطويل بضت سالت
يقول لو مشى الذر على جلدها لجرى منه الدم من رقته
وروى الأصمعي
( مُنَعَّمَةٌ لو يُصْبِحُ الذَّرُّ سارياً ... على مَتْنِها بَضَّتْ مَدَارِجُه دَمَا )
الشعر لحميد بن ثور الهلالي
والغناء في اللحن المختار لفليح بن أبي
العوراء ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى
وذكر عمرو بن بانه أن لحن فليح من خفيف الثقيل الأول بالوسطى وأن الثقيل الأول للهذلي
ومما يغني فيه من هذه القصيدة
صوت
( إذا شئتُ غَنَّتْنِي بأجزاع بِيشَةٍ ... أوِ النَّخْلِ من تَثْلِيثَ أو مِنْ يَلَمْلَمَا )( مُطَوَّقةٌ طَوْقاً وليس بحِلْيةٍ ... ولا ضَرْبِ صَوّاغِ بكَفَّيْهِ دِرْهَما )
( تُبَكِّي على فَرْخ لها ثمّ تَغْتَدِي ... مُوَلَّهةً تبغِي له الدّهْرَ مَطْعَمَا )
( تُؤَمِّل منه مُؤْنِساً لاِنْفرادها ... وتَبْكي عليه إنْ زَقَا أو تَرَنَّما )
غناه محمد الرَّفّ خفيف رمل بالوسطى
ذكر حميد بن ثور ونسبه وأخباره
هو حميد بن ثور بن عبد الله بن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزاروهو من شعراء الإسلام
وقرنه ابن سلام بنهشل بن حري وأوس بن مغراء
وقد أدرك حميد بن ثور عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال الشعر في أيامه
وقد أدرك الجاهلية أيضا
يخرج على نهي عمر ويشبب بالنساء
أخبرنا وكيع قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد وعبد الله بن شبيب قالا حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثني محمد بن فضالة النحوي قالتقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشعراء ألا يشبب أحدا بامرأة إلا جلده
فقال حميد بن ثور
( أبَى اللهُ إلاّ أنَّ سَرْحةَ مالكٍ ... على كُلِّ أفنانِ العِضَاةِ تَرُوقُ )
( فقد ذهبتْ عَرْضاً وما فوق طُولها ... من السَّرْحِ إلاَّ عَشَّةٌ وسَحُوقُ )
العشة القليلة الأغصان والورق
والسحوق الطويلة المفرطة
( فلا الظِّلَّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَستَطِيعهُ ... ولا الفَيْءَ من بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ )
( فَهَلْ أنا إنْ عَلَّلْتُ نَفْسِي بسَرْحةٍ ... مِن السَّرْحِ موجودٌ عليَّ طريقُ )
وهي قصيدة طويلة أولها
( نأتْ أُمُّ عَمْرٍ فالفُؤادُ مِشُوقُ ... يَحِنُّ إليها والهاً ويَتُوقُ )
صوت
وفيها ما يغني فيه( سَقَى السَّرْحَةَ المحْلاَلَ والأَبْرَقَ الذي ... به السَّرْحُ غيثٌ دائمٌ وبُروقُ )
( وهلْ أنا إنْ عَلَّلْتُ نَفْسِي بِسَرْحةٍ ... مِنَ السَّرْح موجودٌ عليّ طريقٌ )
غناه إسحاق ولحنه ثاني ثقيل بالوسطى
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال
وفد حميد بن ثور على بعض خلفاء بني أمية فقال له ما جاء بك فقال
( أتاكَ بِيَ الله الذي فوق مَنْ تَرَى ... وخيرٌ ومعروفٌ عليك دليلُ )
( وَمَطْوِيَّةُ الأَقْرَابِ أمّا نهارُها ... فَنَصٌّ وأمّا ليلُها فَذَمِيلُ )
( ويَطْوِي عليَّ اللَّيْلُ حِضْنَيْهِ إنَّني ... لذاك إذا هاب الرجالُ فَعُولُ )
فوصله وصرفه شاكرا
أخبار فليح بن أبي العوراء
فليح رجل من أهل مكة مولى لبني مخزوم ولم يقع إلينا اسم أبيهوهو أحد مغني الدولة العباسية له محل كبير من صناعته وموضع جليل
وكان إسحاق إذا عد من سمع من المحسنين ذكره فيهم وبدأ به
وهو أحد الثلاثة الذين اختاروا المائة الصوت للرشيد
إسحاق الموصلي يمدح غناءه
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ابن المكي عن أبيه عن إسحاق قالما سمعت أحسن غناء من فليح بن أبي العوراء وابن جامع فقلت له فأبو إسحاق يعني أباه فقال كان هذان لا يحسنان غير الغناء وكان أبو إسحاق فيه مثلهما ويزيد عليهما فنونا من الأدب والرواية لا يداخلانه فيها
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا يزيد بن محمد المهلبي قال
قال لي إسحاق أحسن من سمعت غناء عطرد وفليح
وكان فليح أحد الموصوفين بحسن الغناء المسموع في أيامه وهو أحد من كان يحكي الأوائل فيصيب ويحسن
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات
قال حدثني محمد بن محمد العنبسي قال حدثني محمد بن الوليد الزبيري قال
سمعت كثير بن المحول يقول كان مغنيان بالمدينة يقال لأحدهما فليح بن أبي العوراء والآخر سليمان بن سليم فخرج إليهما رسول الرشيد يقول لفليح غناؤك من حلق أبي صدقة أحسن منه من حلقك فعلمه إياه قال وكان يغني صوتا يجيده وهو
( خيرُ ما نَشْرَبُها بالبُكَرْ ... )
قال فقال فليح للرسول قل له حسبك
قال فسمعنا ضحكة من وراء الستارة
تفرده برؤية المهدي وهو يغني
أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدثنا الفضل بن الربيعأن المهدي كان يسمع المغنين جميعا ويحضرون مجلسه فيغنونه من وراء الستارة لا يرون له وجها إلا فليح بن أبي العوراء فإن عبد الله بن مصعب الزبيري كان يرويه شعره ويغني فيه في مدائحه للمهدي فدس في أضعافها بيتين يسأله فيهما أن ينادمه وسأل فليحا أن يغنيهما في أضعاف أغانيه وهما
صوت
( يا أمين الإِلهِ في الشَّرْقِ والغَرْبِ ... على الخَلْقِ وابنَ عَمِّ الرَّسُولِ )( مجلساً بالعَشِيِّ عندك في المَيْدَانِ ... أبغِي والإِذْنَ لي في الوُصُولِ )
فغناه فليح إياهما
فقال المهدي يا فضل أجب عبد الله إلى ما سأل وأحضره مجلسي إذا حضره أهلي وموالي وجلست لهم وزده على ذلك أن ترفع بيني وبين
روايته فليح الستارة فكان فليح أول مغن عاين وجهه في مجلسهم
أخبرني رضوان قال حدثني يوسف بن إبراهيم قال حدثني بعد قدومي فسطاط مصر زياد بن أبي الخطاب كاتب مسرور خادم الرشيد قال سمعت محبوب بن الهفتي يحدث أبي قال
دعاني محمد بن سليمان بن علي فقال لي قد قدم فليح من الحجاز ونزل عند مسجد ابن رغبان فصر إليه فأعلمه أنه إن جاءني قبل أن يدخل إلى الرشيد خلعت عليه خلعة سرية من ثيابي ووهبت له خمسة آلاف درهم
فمضيت إليه فخبرته بذلك فأجابني إليه إجابة مسرور به نشيط له
وخرج معي فعدل إلى حمام كان بقربه فدعا القيم فأعطاه درهمين وسأله أن يجيئه بشيء يأكله ونبيذ يشربه فجاءه برأس كأنه رأس عجل ونبيذ دوشابي غليظ مسحوري رديء فقلت له لا تفعل وجهدت به ألا يأكل ولا يشرب إلا عند محمد بن سليمان فلم يلتفت إلي وأكل ذلك الرأس وشرب من ذلك النبيذ الغليظ حتى طابت نفسه وغنى وغنى القيم معه مليا ثم خاطب القيم بما أغضبه وتلاحيا وتواثبا فأخذ القيم شيئا فضربه به على رأسه فشجه حتى جرى دمه
فلما رأى الدم على وجهه اضطرب وجزع وقام يغسل جرحه ودعا بصوفة محرقة وزيت وعصبه وتعمم وقام معي
فلما دخلنا دار محمد بن سليمان ورأى الفرش والآلة وحضر الطعام فرأى سروه وطيبه وحضر النبيذ وآلته ومدت الستائر وغنى الجواري أقبل علي وقال يا مجنون سألتك بالله أيما أحق بالعربدة وأولى مجلس القيم أم مجلس الأمير فقلت وكأنه لا بد من عربدة قال لا والله مالي منها بد فأخرجتها من
رأسي هناك
فقلت أما على هذا الشرط فالذي فعلت أجود
فسألني محمد عما كنا فيه فأخبرته فضحك ضحكا كثيرا وقال هذا الحديث والله أظرف وأطيب من كل غناء وخلع عليه وأعطاه خمسة آلاف درهم
اتفق مع حكم الوادي على ابن جامع
قال هارون بن محمد وحدثني حماد بن إسحاق قال حدثني أبو إسحاق القرمطي قال حدثنا مدركة بن يزيد قالقال فليح بن أبي العوراء بعث يحيى بن خالد إلي والى حكم الوادي وإلى ابن جامع فأتيناه
فقلت لحكم إن قعد ابن جامع معنا فعاوني عليه لنكسره
فلما صرنا إلى الغناء غنى حكم فصحت وقلت هكذا والله يكون الغناء ثم غنيت ففعل لي حكم مثل ذلك
وغنى ابن جامع فما كنا معه في شيء
فلما كان العشي أرسل إلى جاريته دنانير إن أصحابك عندنا فهل لك أن تخرجي إلينا فخرجت وخرج معها وصائف فأقبل عليها يقول لها من حيث يظن أنا لا نسمع ليس في القوم أنزه نفسا من فليح
ثم أشار إلى غلام له أن ائت كل إنسان بألفي درهم فجاء بها فدفع إلى ابن جامع ألفي درهم فأخذها فطرحها في كمه وفعل بحكم الوادي مثل ذلك فطرحها في كمه ودفع إلي ألفين
فقلت لدنانير قد بلغ مني النبيذ فاحبسيها لي عندك حتى تبعثي بها إلي فأخذت الدراهم مني وبعثت بها إلي من الغد وقد زادت عليها وأرسلت إلي قد بعثت إليك بوديعتك وبشيء أحببت أن تفرقه على أخواتي تعني جواري
قال هارون بن محمد وحدثني حماد قال حدثني أبي قال
كنا عند الفضل بن الربيع فقال هل لك في فليح بن أبي العوراء قلت نعم
فأرسل إليه فجاء الرسول فقال هو عليل فعاد إليه فقال الرسول لا بد من أن تجيء فجاء به محمولا في محفة فحدثنا ساعة ثم غنى
فكان فيما غنى
( تقول عِرْسِي إذ نبا المَضْجَعُ ... ما بالك الليلةَ لا تَهْجَعُ )
فاستحسناه منه واستعدناه منه مرارا ثم انصرف ومات في علته تلك وكان آخر العهد به ذلك المجلس
غنى لفتى وعشيقته فعجلت في أمر خطبتها
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي قال حدثني أبي عن فليح بن أبي العوراء قالكان بالمدينة فتى يعشق ابنة عم له فوعدته أن تزوره
وشكا إلي أنها تأتيه ولا شيء عنده فأعطيته دينارا للنفقة
فلما زارته قالت له من يلهينا قال صديق لي ووصفني لها ودعاني فأتيته فكان أول ما غنيته
( مِنَ الخَفِراتِ لم تَفْضَحْ أخاها ... ولم تَرْفَعْ لِوالدها شَنَارَا )
فقامت إلى ثوبها فلبسته لتنصرف فعلق بها وجهد بها كل الجهد في أن تقيم فلم تقم وانصرفت
فأقبل علي يلومني في أن غنيتها ذلك الصوت
فقلت والله ما هو شيء اعتمدت به مساءتك ولكنه شيء اتفق
قال فلم نبرح حتى عاد رسولها بعدها ومعه صرة فيها ألف دينار ودفعها إلى الفتى وقال له تقول لك ابنة عمك هذا مهري ادفعه إلى أبي واخطبني ففعل فتزوجها
نسبة هذا الصوت
صوت
( مِنَ الخَفِراتِ لم تَفْضَحْ أخاها ... ولم ترفَعْ لوالدها شَنَارَا )( كأنّ مَجامِعَ الأردافِ منها ... نَقاً درجتْ عليه الريحُ هارا )
( يعافُ وِصالَ ذاتِ البَذلِ قلبي ... وأتَّبع المُمَنَّعةَ النَّوَارا )
الشعر لسليك بن السلكة السعدي
والغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى
وفيه لابن الهربذ لحن من رواية بذل أوله
( يعاف وِصَالَ ذاتِ البذل قلبي ... )
وبعده
( غَذَاها قارِصٌ يغدو عليها ... ومَحْضٌ حين تنتظر العِشَارَا )
انتشار أغانيه بأصوات جواري إبراهيم بن المهدي
أخبرني رضوان بن أحمد قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قالكتب إلي جعفر بن يحيى وأنا عامل للرشيد على جند دمشق قد قدم علينا فليح بن أبي العوراء فأفسد علينا بأهزاجه وخفيفه كل غناء سمعناه قبله
وأنا محتال لك في تخليصه إليك لتستمتع به كما استمتعنا
فلم ألبث أن ورد علي فليح بكتاب الرشيد يأمر له بثلاثة آلاف دينار
فورد علي رجل أذكرني لقاؤه الناس
وأخبرني أنه قد ناهز المائة فأقام عندي ثلاث سنين فأخذ عنه جواري كل ما كان معه من الغناء وانتشرت أغانيه بدمشق
قال يوسف ثم قدم علينا شاب من المغنين مع علي بن زيد بن الفرج الحراني عند مقدم عنبسة بن إسحاق فسطاط مصر يقال له مونق فغناني من غناء فليح
صوت
( يا قُرّة العين اقْبَلي عُذْري ... ضاق بهِجرانكم صدري )( لو هَلَك الهجرُ استراح الهوى ... ما لَقَى الوصلُ من الهجر )
ولحنه خفيف رمل فلم أر بين ما غناه وبين ما سمعته في دار أبي إسحاق فرقا فسألته من أين أخذه فقال أخذته بدمشق فعلمت أنه مما أخذه أهل دمشق عن فليح
صوت من المائة المختارة
( أفاطمَ إنّ النأْيَ يسلِي ذوي الهَوَى ... ونأيُكِ عنِّي زاد قلبي بكم وَجْدَا )( أرى حَرَجاً ما نِلتُ من وُدّ غيركم ... ونافلةً ما نلتُ من ودّكم رُشْدَا )
( وما نلتقي من بعدِ نأْيٍ وفُرْقةٍ ... وشَحْط نَوًى إلاّ وجدتُ له بَرْدا )
( على كَبِدٍ قد كان يُبْدي بها الهوى ... نُدوباً وبعضُ القوم يحسَبُني جَلْدا )
عروضه من الطويل
النأي البعد ومثله الشحط
والحرج الضيق قال الله تعالى ( يجعل صدره ضيقا حرجا ) والندوب آثار الجراح واحدها ندب
الشعر لإبراهيم بن هرمة
والغناء في اللحن المختار على ما ذكره
إسحاق ليونس الكاتب وهو من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى
وذكر يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه مثل ذلك
وذكر حبش بن موسى أن الغناء لمرزوق الصراف أو ليحيى بن واصل
وفي هذه الأبيات للهذلي لحن من خفيف الثقيل الأول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة ومن الناس من ينسب اللحنين جميعا إليه
ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه
هو إبراهيم بن علي بن سلمة بن هرمة بن هذيل هكذا ذكر يعقوب بن السكيتوأخبرني الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب وذكر ذلك العباس بن هشام الكلبي عن أبيه هشام بن محمد بن السائب قالوا جميعا هو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة بن الهذيل بن ربيع بن عامر ابن صبيح بن كنانة بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر وفهر أصل قريش فمن لم يكن من ولده لم يعد من قريش وقد قيل ذلك في النضر بن كنانة وفهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر
قال من ذكرنا من النسابين قيس بن الحارث هو الخلج وكانوا في عدوان ثم انتقلوا إلى بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن
فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتوه ليفرض لهم فأنكر نسبهم
فلما استخلف عثمان أتوه فأثبتهم في بني الحارث بن فهر وجعل لهم معهم ديوانا
وسموا الخلج لأنهم اختلجوا ممن كانوا معه من عدوان ومن بني نصر بن معاوية
وأهل المدينة يقولون إنما سموا الخلج لأنهم نزلوا بالمدينة على خلج وواحدها خليج فسموا بذلك
ولهم
بالمدينة عدد
قال مصعب كان لإبراهيم بن هرمة عم يقال له هرمة الأعور فأرادت الخلج نفيه منهم فقال أمسيت الأم العرب دعي أدعياء
ثم قال يهجوهم
( رأيتُ بنِي فِهْر سَبَاطاً أَكُفُّهُمْ ... فما بالُ أَنْبُوني أَكُفِّكُم قُفْدا )
( ولم تُدْرِكوا ما أدرك القومُ قبلَكم ... من المجدِ إلا دَعْوَةً ألحقتْ كَدَّا )
( على ذي أيادِي الدّهرِ أفلح جَدُّهم ... وخِبْتُمْ فلم يَصْرَعْ لكم جَدُّكم جَدَّا )
وقال يحيى بن علي حدثني أبو أيوب المديني عن المدائني عن أبي سلمة الغفاري قال
نفى بنو الحارث بن فهر ابن هرمة فقال
( أحارِبنَ فِهْرٍ كيف تَطَّرحونني ... وجاء العِدا من غيركم تبتغي نَصْرِي )
قال فصار من ولد فهر في ساعته
قال يحيى بن علي وحدثني أحمد بن يحيى الكاتب قال حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال
كان ابن هرمة يقول أنا الأم العرب دعي أدعياء هرمة دعي في الخلج والخلج أدعياء في قريش
خبره مع رجل من أسلم ضافه
حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال
زرت عبد الله بن حسن بباديته وزاره ابن هرمة فجاءه رجل من أسلم فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن أصلحك الله سل الأسلمي أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره
فقال له عبد الله بن حسن ائذن له فأذن له الأسلمي
فقال له إبراهيم بن هرمة إني خرجت أصلحك الله أبغي ذودا لي فأوحشت وضفت هذا الأسلمي فذبح لي شاة وخبز لي خبزا وأكرمني ثم غدوت من عنده فأقمت ما شاء الله ثم خرجت أيضا في بغاء ذود لي فأوحشت فضفته فقراني بلبن وتمر ثم غدوت من عنده فأقمت ما شاء الله
ثم خرجت في بغاء ذود لي فأوحشت فقلت لو ضفت الأسلمي فاللبن والتمر خير من الطوى فضفته فجاءني بلبن حامض
فقال قد أجبته أصلحك الله إلى ما سأل فسله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت
فقال له ائذن له فأذن له فقال الأسلمي ضافني فسألته من هو فقال رجل من قريش فذبحت له الشاة التي ذكر ووالله لو كان غيرها عندي لذبحته له حين ذكر أنه من قريش
ثم غدا من عندي وغدا علي الحي فقالوا من كان ضيفك البارحة قلت رجل من قريش فقالوا لا والله ما هو من قريش ولكنه دعي فيها
ثم ضافني الثانية على أنه دعي في قريش فجئته بلبن وتمر وقلت دعي قريش خير من غيره
ثم غدا من عندي ثم غدا علي الحي فقالوا من كان ضيفك البارحة قلت الرجل الذي زعمتم أنه دعي في قريش فقالوا لا والله ما هو بدعي في قريش ولكنه دعي أدعياء قريش
ثم
جاءني الثالثة فقريته لبنا حامضا ووالله لو كان عندي شر منه لقريته إياه
قال فانخذل ابن هرمة وضحك عبد الله وضحكنا معه
طلب منه ابن ميادة أن يتهاجيا
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني نوفل بن ميمون قاللقي ابن ميادة ابن هرمة فقال ابن ميادة والله لقد كنت أحب أن ألقاك لا بد من أن نتهاجى وقد فعل الناس ذلك قبلنا
فقال ابن هرمة بئس والله ما دعوت إليه وأحببته وهو يظنه جادا
ثم قال له ابن هرمة أما والله إنني للذي أقول
( إنِّي لَميمونٌ جِوَاراً وإِنَّني ... إذا زَجَر الطَّيْرَ العِدَا لَمَشُومُ )
( وإنِّي لملآنُ العِنَانِ مُنَاقِلٌ ... إذا مَا وَنَى يوماً ألَفُّ سَؤومُ )
( فَوَدَّ رجالٌ أنَّ أُمِّي تَقَنَّعتْ ... بشيبٍ يُغَشِّي الرأسَ وهي عقيمُ )
فقال ابن ميادة وهل عندك جراء ثكلتك أمك أنت ألأم من ذلك ما قلت إلا مازحا
أخبرنا به وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال قال عبد العزيز بن عمران
اجتمع ابن هرمة وابن ميادة عند جميع بن عمر بن الوليد فقال ابن ميادة لابن هرمة قد كنت أحب أن ألقاك
ثم ذكر نحوه
وقال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال حدثني أبو سلمة الغفاري عن أبيه قال
وفدت على المهدي في جماعة من أهل المدينة وكان فيمن وفد يوسف بن موهب وكان في رجال بني هاشم من بني نوفل وكان معنا ابن هرمة فجلسنا يوما على دكان قد هيئ لمسجد ولم يسقف في عسكر المهدي وقد كنا نلقى الوزراء وكبراء السلطان وكانوا قد عرفونا وإذا حيال الدكان رجل بين يديه ناطف يبيعه في يوم شات شديد البرد فأقبل إذا ضربه بفأسه فتطاير جفوفا فأقبل ابن هرمة علينا فقال ليوسف يابن عم رسول الله أما معك درهم نأكل به من هذا الناطف فقال له متى عهدتني أحمل الدراهم قال فقلت له لكني أنا معي فأعطيته درهما خفيفا فاشترى به ناطفا على طبق للناطفي فجاء بشيء كثير فأقبل يتمضغه وحده ويحدثنا ويضحك
فما راعنا إلا موكب أحد الوزيرين أبي عبيد الله أو يعقوب بن داود
ثم أقبلت المطرقة فقلنا ما لك قاتلك الله يهجم علينا هذا وأصحابه فيرون الناطف بين أيدينا فيظنون أنا كنا نأكل معك
قال فوالله ما أحد أولى بالستر على أصحابه وتقلد البلية منك يابن عم الرسول
الله فضعه بين يديك
قال أعزب قبحك الله قال فأنت يا بن أبي ذر فزبرته
قال فقال قد علمت أنه لا يبتلى بهذا إلا دعي أدعياء عاض كذا من أمه
ثم أخذ الطبق في يده فحمله وتلقى به الموكب فما مر به أحد له نباهة إلا مازحه حتى مضى القوم جميعا
إكرام عبد الله بن حسن على مدحه له
وقال هارون حدثني أبو حذافة السهمي قال حدثنا إسحاق بن نسطاس قالكان ابن هرمة مشتهرا بالنبيذ فأتى عبد الله بن حسن وهو بالسيالة فأنشده مديحا له
فقام عبد الله إلى غنم كانت له فرمى بساجة عليها فافترقت فرقتين فقال اختر أيهما شئت قال فإما أن تكون زادت بواحدة أو نقصت بواحدة على الأخرى
قال وكانت ثلاثمائة وكتب له إلى المدينة بدنانير
فقال له يابن هرمة انقل عيالك إلينا يكونوا مع عيالنا
فقال أفعل يابن رسول الله
ثم قدم ابن هرمة المدينة وجهز عياله لينقلهم إلى عبد الله بن حسن واكترى من رجل من مزينة
فبينا هو قد شد متاعه وحمله والكري ينتظره أن يتحمل إذ أتاه صديق له فقال أي أبا إسحاق عندي والله نبيذ يسقط لحم الوجه
فقال ويحك أما ترانا على مثل هذه الحال أعليها يمكن الشراب فقال إنما هي ثلاثة لا تزد عليهن شيئا فمضى معه وهم وقوف ينظرون فلم يزل يشرب حتى مضى من الليل صدر صالح ثم أتي به وهو سكران فطرح في شق
المحمل وعادلته امرأته ومضوا
فلما أسحروا رفع رأسه فقال أين أنا فأقبلت عليه امرأته تلومه وتعذله وقالت قد أفسد عليك هذا النبيذ دينك ودنياك فلو تعللت عنه بهذه الألبان فرفع رأسه إليها وقال
( لا نبتغي لبن البعيرِ وعندنا ... ماءُ الزَّبِيبِ وناطفُ المِعْصارِ )
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا زكريا بن يحيى بن خلاد قال
كان الأصمعي يقول ختم الشعراء بابن هرمة والحكم الخضري وابن ميادة وطفيل الكناني ومكين العذري
ولعه بالنبيذ
قال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثني أبو حذافة السهمي أحمد بن إسماعيل قالكان ابن هرمة مدمنا للشراب مغرما به فأتى أبا عمرو بن أبي راشد مولى عدوان فأكرمه وسقاه أياما ثلاثة
فدعا ابن هرمة بالنبيذ فقال له غلام لأبي عمرو بن أبي راشد قد نفد نبيذنا
فنزع ابن هرمة رداءه عن ظهره فقال للغلام اذهب به إلى ابن حونك نباذ كان بالمدينة فارهنه عنده وأتنا بنبيذ ففعل
وجاء ابن أبي راشد فجعل يشرب معه من ذلك النبيذ
فقال له أين رداؤك يا أبا إسحاق فقال نصف في القدح ونصف في بطنك
قال هارون حدثني محمد بن عمر بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال حدثني عمي عبد العزيز بن إسماعيل قال
مدح ابن هرمة محمد بن عمران الطلحي وبعث إليه بالمديح مع ابن ربيح فاحتجب عنه فمدح محمد بن عبد العزيز وكان ابن هرمة مريضا فقال قصيدته التي يقول فيها
( إنِّي دعوتُكَ إذْ جُفِيتُ وشَفَّني ... مرضٌ تَضَاعفني شديدُ المُشْتَكَى )
( وحُبِستُ عن طلب المَعيِشةِ وارتقتْ ... دوني الجوائجُ في وعُورِ الَمُرْتَقَى )
( فأَجِبْ أخاك فقد أنافَ بصوته ... يا ذا الإِخاء ويا كريمَ الْمُرْتَجَى )
( ولقد حُفِيتَ صَبيبَ عُكَّةِ بَيْتِنا ... ذَوْباً ومِزْتُ بصَفْوِه عنك القَذَى )
( فخُذِ الغَنِيمةَ واغتنمني إِنَّني ... غُنُمٌ لمثلك والمكارِمُ تُشْتَرَى )
( لا تَرْمِيَنَّ بحاجتي وقضائها ... ضَرْحَ الحجاب كما رَمى بي مَنْ رَمَى )
فركب إلى جعفر بن سليمان نصف النهار فقال ما نزعك يا أبا عبد الله في هذا الوقت قال حاجة لم أر فيها أحدا أكفى مني
قال وما هي قال قد مدحني ابن هرمة بهذه الأبيات فأردت من أرزاقي مائة دينار
قال
ومن عندي مثلها قال ومن الأمير أيضا قال فجاءت المائتا الدينار إلى ابن هرمة فما أنفق منها إلا دينارا واحدا حتى مات وورث الباقي أهله
طلب من أبي جعفر أن يجيز له الشراب
وقال أحمد بن أبي خيثمة عن أبي الحسن المدائني قالامتدح ابن هرمة أبا جعفر فوصله بعشرة آلاف درهم
فقال لا تقع مني هذه
قال ويحك إنها كثيرة
قال إن أردت أن تهنئني فأبح لي الشراب
فإني مغرم به
فقال ويحك هذا حد من حدود الله
قال احتل لي يا أمير المؤمنين
قال نعم
فكتب إلى والي المدينة من أتاك بابن هرمة سكران فاضربه مائة واضرب ابن هرمة ثمانين
قال فجعل الجلواز إذا مر بابن هرمة سكران قال من يشتري الثمانين بالمائة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أبو سلمة الغفاري قال أخبرنا ابن ربيح راوية ابن هرمة قال
أصابت ابن هرمة أزمة فقال لي في يوم حار إذهب فتكار حمارين إلى ستة أميال ولم يسم موضعا
فركب واحدا وركبت واحدا ثم سرنا حتى صرنا إلى قصور الحسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر فدخلنا مسجده
فلما مالت الشمس خرج علينا مشتملا على قميصه فقال لمولى له أذن فأذن ولم يكلمنا كلمة
ثم قال له أقم فأقام فصلى بنا ثم أقبل على ابن هرمة فقال مرحبا بك يا أبا إسحاق حاجتك قال نعم بأبي أنت وأمي أبيات قلتها وقد كان عبد الله وحسن وإبراهيم بنو حسن بن حسن وعدوه شيئا فأخلفوه فقال هاتها
فقال
( أمّا بنو هاشمٍ حوْلِي فقد قَرَعُوا ... نَبْلَ الضِّبابِ التي جَمّعتُ في قَرَنِ )
( فما بِيَثْرِبَ منهم مَنْ أُعاتِبُه ... إلاّ عَوَائدَ أرجوهنّ من حَسَنَ )
( اللهُ أعطاك فضلاً مِنْ عَطِيَّتِهِ ... على هَنٍ وهَنٍ فيما مَضَى وهَنِ )
قال حاجتك قال لابن أبي مضرس علي خمسون ومائة دينار
قال فقال لمولى له يا هيثم اركب هذه البغلة فأتني بابن أبي مضرس وذكر حقه
قال فما صلينا العصر حتى جاء به
فقال له مرحبا بك يابن أبي مضرس أمعك ذكر
حقك على ابن هرمة قال نعم
قال فامحه فمحاه
ثم قال يا هيثم بع ابن أبي مضرس من تمر الخانقين بمائة وخمسين دينارا وزده كل دينار ربع دينار وكل ابن هرمة بخمسين ومائة دينار تمرا وكل ابن ربيح بثلاثين دينار تمرا
قال فانصرفنا من عنده فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسيالة وقد بلغه الشعر فغضب لأبيه وعمومته فقال أي ماص يظر أمه أنت القائل
( على هَنٍ وهَنٍ فيما مَضَى وهَنِ ... )
فقال لا والله ولكني الذي أقول لك
( لا والَّذي أنتَ منه نِعمةٌ سَلَفَتْ ... نرجو عَوَاقِيَها في آخِرِ الزِّمَنِ )
( لقد أُتِيتُ بأمرٍ ما عَمَدتُ له ... ولا تعمَّده قولي ولا سَنَني )
( فكيف أمشي مع الأقوام معتدلاً ... وقد رَمَيتُ بَرِيءَ العُودِ بالأُبَن )
( ما غَيَّرتْ وجهَه أمُّ مُهَجِّنةٌ ... إذا القَتَامُ تَغَشَّى أوجُهَ الهُجُنِ )
قال وأم الحسن أم ولد
قال هارون فحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال
لما قال ابن هرمة هذا الشعر في حسن بن زيد قال عبد الله بن حسن والله ما أراد الفاسق غيري وغير أخوي حسن وإبراهيم
وكان عبد الله يجري على ابن هرمة رزقا فقطعه عنه وغضب عليه
فأتاه يعتذر فنحي وطرد فسأل رجالا أن يكلموه فردهم فيئس من رضاه واجتنبه وخافه
فمكث ما شاء الله ثم مر عشية وعبد الله على زربيه في ممر المنبر ولم تكن تبسط لأحد غيره في ذلك المكان
فلما رأى عبد الله تضاءل وتقنفذ وتصاغر وأسرع المشي
فكأن عبد الله رق له فأمر به فرد عليه فقال يا فاسق يا شارب الخمر على هن وهن تفضل الحسن علي وعلى أخوي فقال بأبي أنت وأمي ورب هذا القبر ما عنيت إلا فرعون وهامان وقارون
أفتغضب لهم فضحك وقال والله ما أحسبك إلا كاذبا قال والله ما كذبتك
فأمر بأن ترد عليه جرايته
قصيدتة الخالية من الحروف المعجمة
أخبرني يحيى بن علي إجازة قال أخبرني أبو أيوب المديني عن مصعب قالإنما اعتذر ابن هرمة بهذا إلى محمد بن عبد الله بن حسن
قال يحيى وأخبرني أبو أيوب عن علي بن صالح قال
أنشدني عامر بن صالح قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا ليس فيها حرف يعجم وذكر هذه الأبيات منها ولم أجد هذه القصيدة في شعر ابن هرمة ولا كنت أظن أن أحدا تقدم رزينا العروضي إلى هذا الباب وأولها
( أرَسْمُ سَوْدَة أمسى دارسَ الطَّلَلِ ... مُعَطَّلاً ردّه الأحوالُ كالحُلَل )
هكذا ذكر يحيى بن علي في خبره أن القصيدة نحو من أربعين بيتا ووجدتها في رواية الأصمعي ويعقوب بن السكيت اثنى عشر بيتا فنسختها هاهنا للحاجة
إلى ذلك
وليس فيها حرف يعجم إلا ما اصطلح عليه الكتاب من تصبيرهم مكان ألف ياء مثل أعلى فإنها في اللفظ بالألف وهي تكتب بالياء ومثل رأى ونحو هذا وهو في التحقيق في اللفظ بالألف وإنما اصطلح الكتاب على كتابته بالياء كما ذكرناه والقصيدة
( أَرَسْمُ سَوْدَةَ مَحْلٌ دارسُ الطَّلَلِ ... مُعَطَّلٌ رَدَّه الأحوالُ كالحُلَلِ )
( لمّا رأى أهلَها سَدّوا مَطالِعَها ... رام الصُّدودَ وعاد الوُدُّ كالمُهُلِ )
( وعاد وُدُّك داءً لا دواءَ له ... ولو دعاك طَوالَ الدّهرِ للرِّحَلِ )
( ما وَصْلُ سَوْدَة إلاّ وَصْلُ صارمةٍ ... أحلّها الدهرُ داراً مأكَلَ الوَعِلِ )
( وعاد أمواهُها سُدْماً وطارَ لها ... سَهْمٌ دعا أهلَها لِلصُّرْم والعِلَلِ )
( صَدُّوا وصدّ وساء المرءَ صَدُّهُمُ ... وحام للوِرْدِ رَدْهاً حَوْمَة العَلَلِ )
حومة الماء كثرته وغمرته والعلل الشرب الثاني
والرده مستنقع الماء
( وحَلَّؤُوهُ رِدَاهاً ماؤُها عَسَلٌ ... ما ماءُ رَدْهٍ لَعَمْرُ اللهِ كالعَسَلِ )
( دعا الحَمامُ حماماً سَدَّ مَسْمَعَه ... لمّا دعاه رآه طامحَ الأملِ )
( طُمُوحَ سارحةٍ حَوْمٍ مُلَمَّعةٍ ... ومُمْرعُ السرِّ سهلٌ مَاكِدُ السَّهَل )
( وحاولوا رَدَّ أمرٍ لا مَرَدَّ له ... والصُّرْمُ داءٌ لأهلِ اللَّوْعةِ الوُصُل )
( أحَلَّكَ اللهُ أعْلى كلِّ مَكْرُمةٍ ... واللهُ أعطاك أعلَى صالِح العَمَلِ )
( سهلُ مَوَارِدُهُ سَمْحٌ مَوَاعِدُه ... مُسَودٌ لِكِرَامٍ سادةٍ حُمُلِ )
شعره في المسور بن عبد الملك
قال يحيى بن علي وحدثني أبو أيوب المديني عن أبي حذيفة قالكان المسور بن عبد الملك المخزومي يعيب شعر ابن هرمة وكان المسور هذا عالما بالشعر والنسب فقال ابن هرمة فيه
( إيّاكَ لا أُلْزِمَنْ لَحْييْكَ من لُجُمي ... نِكْلاً يُنَكِّلُ قَرَّاصاً من اللُّجُمِ )
( يَدُقُّ لَحْيَيْكَ أو تنقاد مُتَّبعاً ... مَشْي المُقَيَّدِ ذي القِردانِ والحَلَمِ )
( إنِّي إذا ما امرؤٌ خَفَّتْ نَعَامَتُه ... إليّ واسْتَحْصّدَتْ منه قُوَى الوَذَمِ )
( عقدتُ في مُلْتقى أوداج لَبَّته ... طَوقَ الحمامةِ لا يَبْلَى على القِدَم )
( إنِّي امرؤٌ لا أصوغ الحَلْيَ تَعْمَلُه ... كَفَّايَ لكن لِساني صائغُ الكَلِمِ )
( إنَّ الأديم الذي أمسيتَ تَقْرظُه ... جَهْلاً لذو نَغَلٍ بادٍ وذو حَلَمِ )
( ولا يَئِطُّ بأيدي الخالِقينَ ولا ... أيدي الخَوَالِقِ إلاّ جَيِّدُ الأدَمِ )
قال يحيى وحدثني أبو أيوب عن مصعب بن عبد الله عن أبيه قال
لقيني ابن هرمة فقال لي يابن مصعب أتفضل علي ابن أذينة أما شكرت قولي
( فما لَكَ مُخْتَلاًّ عليك خَصَاصةٌ ... كأنّك لم تَنْبُتْ ببعض المنَابِتِ )
( كأنّك لم تَصْحَبْ شُعَيْب بنَ جَعْفَرٍ ... ولا مُصْعباً ذا المَكْرُماتِ ابنَ ثابت )
يعني مصعب بن عبد الله قال فقلت يا أبا إسحاق أقلني وروني من شعرك ما شئت فإني لم أرو لك شيئا
فرواني عباسياته تلك
مدحه لإبراهيم بن عبد الله
قال يحيى وأخبرني أبو أيوب المديني عن مصعب بن عبد الله عن مصعب ابن عثمان قالقال ابن هرمة ما رأيت أحدا قط أسخى ولا أكرم من رجلين إبراهيم بن عبد الله بن مطيع وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد الله بن معمر أما إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال أحسنوا ضيافة أبي إسحاق فأتيت بكل شيء من الطعام فأردت أن أنشده فقال ليس هذا وقت الشعر ثم أخرج الغلام إلي رقعة فقال أئت بها الوكيل
فأتيته بها فقال إن شئت أخذت لك جميع ما كتب به وإن شئت أعطيتك القيمة
قلت وما أمر لي به فقال مائتا شاة برعائها وأربعة أجمال وغلام جمال ومظلة وما تحتاج إليه وقوتك وقوت عيالك سنة
قلت فأعطني القيمة فأعطاني مائتي دينار وأما إبراهيم بن عبد الله فأتيته في منزله بمشاش على بئر ابن الوليد بن عثمان بن عفان فدخل إلى منزله ثم خرج إلي
برزمة من ثياب وصرة من دراهم ودنانير وحلي ثم قال لا والله ما بقينا في منزلنا ثوبا إلا ثوبا نواري به امرأة ولا حليا ولا دينارا ولا درهما
وقال يمدح إبراهيم
( أَرَّقَتْني تَلُومُني أُمَّ بكرٍ ... بعد هَدْءٍ واللَّوْمُ قد يُؤْذِيني )
( حَذِّرْتني الزمانَ ثُمَّت قالتْ ... ليس هذا الزمانُ بالمأمون )
( قلتُ لمّا هبَّتْ تُحَذِّرني الدَّهْرَ ... دَعَي اللَّوْمَ عنك واسْتَبْقيني )
( إنّ ذا الجُودِ والمَكَارِم إبراهيمَ ... يَعْنيه كلُّ ما يعْنِيني )
( قد خَبَرْناه في القديم فألفَيْنَا ... مَوَاعيدَه كعَيْنِ اليقين )
( قلتُ ما قلتُ للذي هو حقٌّ ... مستبينٌ لا لِلَّذي يُعْطيني )
( نَضَحتْ أرضَنا سماؤك بعد الجَدْبِ ... منها وبعد سُوء الظُّنونِ )
( فَرعَيْنا آثارَ غَيْثٍ هَرَاقَتْهُ ... يَدا مُحْكَم القُوَى ميمونِ )
وقال هارون حدثنا حماد عن عبد الله بن إبراهيم الحجبي
أن إبلا لمحمد بن عمران تحمل علفا مرت بمحمد بن عبد العزيز الزهري ومعه ابن هرمة فقال يا أبا إسحاق ألا تستعلف محمد بن عمران وهو يريد أن يعرضه لمنعه فيهجوه
فأرسل ابن هرمة في أثر الحمولة رسولا حتى وقف على ابن عمران فأبلغه رسالته فرد إليه الإبل بما عليها وقال إن احتجت إلي غيرها زدناك
فأقبل ابن هرمة على محمد بن عبد العزيز فقال له اغسلها عني فإنه إن علم أني استعلفته ولا دابة لي وقعت منه في سوءة قال بماذا قال تعطيني حمارك قال هو لك بسرجه ولجامه
فقال ابن هرمة من حفر حفرة سوء وقع فيها
وفادته على السري بن عبد الله باليمامة ومدحه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو يحيى هارون بن عبد الله الزهري عن ابن زريق وكان منقطعا إلى أبي العباس بن محمد وكان من أروى الناس قالكنت مع السري بن عبد الله باليمامة وكان يتشوق إلى إبراهيم بن علي ابن هرمة ويحب أن يفد عليه فأقول ما يمنعك أن تكتب إليه فيقول أخاف أن يكلفني من المؤونة ما لا أطيق فكنت أكتب بذلك إلى ابن هرمة فكره أن يقدم عليه إلا بكتاب منه ثم غلب فشخص إليه فنزل علي ومعه راويته ابن ربيح
فقلت له ما منعك من القدوم على الأمير وهو من الحرص على قدومك على ما كتبت به إليك قال الذي منعه من الكتاب إلي
فدخلت على السري فأخبرته بقدومه فسر بذلك وجلس للناس مجلسا عاما ثم أذن لابن هرمة فدخل عليه ومعه راويته ابن ربيح
وكان ابن هرمة قصيرا دميما أريمص وكان ابن ربيح طويلا جسيما نقي الثياب
فسلم على السري ثم قال له أصلحك الله إني قد قلت شعرا أثنيت فيه عليك
فقال إنشد فقال هذا ينشد فجلس
فأنشده ابن ربيح قصيدته التي أولها
( عُوجَا على رَبْعِ ليلَى أُمِّ محمودِ ... كيما نُسائلَه من دون عَبُّودِ )
( عن أُمِّ محمودَ إذ شَطَّ المَزَارُ بها ... لعلّ ذلك يَشْفي داءَ مَعمودِ )
( فَعَرَّجَا بعد تغويرٍ وقد وقفتْ ... شمسُ النهارِ ولاذ الظِّلُّ بالعُودِ )
( شيئاً فما رجَعَتْ أطلالُ منزلةٍ ... قَفْرٍ جواباً لمحزونِ الجَوَى مُودي )
ثم قال فيها يمدح السري
( ذاك السَّرِيّ الذي لولا تَدَفُّقُهُ ... بالعُرْفِ مِتْنَا حليفُ المجدِ والجودِ )
( مَنْ يَعْتَمِدْكَ ابنَ عبدِ اللهَ مجتدياً ... لِسَيْبِ عُرْفِك يعْمِدْ خيرَ معمود )
( يابنَ الأُساةِ الشُّفَاةِ المُسْتَغاثِ بهِمْ ... والمُطْعِمِينَ ذُرَى الكُومِ المَقَاحِيدِ )
( والسَّابقين إلى الخيرات قومَهُمُ ... سَبْقَ الجيِاد إلى غاياتها القُودِ )
( أنت ابنُ مُسْلَنْطَحِ البطحاء مَنْبِتُكُمْ ... بطحاءُ مكةَ لا روسُ القَرَادِيدِ )
( لَكُمْ سِقَايَتُها قِدْماً ونَدْوَتُها ... قد حازها والدٌ منكمُ لمولودِ )
( لولاَ رجاؤك لم تَعْسِفْ بنا قُلُصٌ ... أجوازَ مَهْمَهَةٍ قَفْرِ الصُّوَى بِيدِ )
( لكنْ دعاني وميضٌ لاح معترضاً ... من نحو أرضِك في دُهْمٍ مَنَاضِيدِ )
وأنشده أيضا قصيدة مدحه فيها أولها
( أفي طَلَلٍ قَفْرٍ تَحَمَّلَ آهِلُهْ ... وقفتَ وماءُ العينِ يَنْهَلُّ هامِلُهْ )
( تُسائل عن سَلْمَى سفاهاً وقد نأت ... بسلمَى نَوىً شَحْطٌ فكيف تُسائلُهْ )
( وترجو لم يَنْطِقْ وليس بناطقٍ ... جواباً مُحِيلٌ قد تَحَمَّل آهلُهْ )
( ونُؤْيٌ كخَطِّ النُّونِ ما إن تَبِينُه ... عَفَتْه ذيول من شَمَالٍ تُذَايِلُهْ )
ثم قال فيها يمدح السري
( فقُلْ للسَّرِيّ الواصلِ البَرِّ ذي النَّدَي ... مديحاً إذا ما بُثَّ صُدِّقَ قائلُه )
( جوادٌ على العِلاَّتِ يَهْتَزُّ للنَّدَى ... كما اهتَزَّ غَضْبٌ أخلصتهْ صَيَاقِلُهْ )
( نَفَى الظُّلْمَ عن أهل اليَمَامةِ عدلُه ... فعاشَوا وزَاحِ الظُّلْمُ عنهم وباطلُهْ )
( وناموا بأَمْنِ بعد خوفٍ وشِدَّةٍ ... بسيرِة عَدْلٍ ما تُخاف غوائلُه )
( وقد عَلِم المعروفُ أنَّك خِدْنُه ... ويَعلَمُ هذا الجوعُ أنَّك قاتِلُه )
( بك اللهُ أحيا أرضَ حَجْرٍ وغيرَها ... من الأرض حتَّى عاش بالبَقْلِ آكلُهْ )
( وأنت تُرَجَّى لِلَّذي أنت أهلُه ... وتنفَع ذا القُرْبَى لديك وَسائِلُهْ )
وأنشده أيضا مما مدحه به قوله
( عُوجَا نُحَيِّ الطُّولَ بالكَثَب ... )
يقول فيها يمدحه
( دَعْ عنك سَلْمَى وقُلْ مُحَبَّرةً ... لِماجِدِ الجَدِّ طَيِّبِ النَّسِبِ )
( مَحْضٍ مُصَفِّى العُروقِ يحمَده ... في العُسْر واليُسْر كُلُّ مُرْتَغِبِ )
( الواهبِ الخَيْلِ في أَعِنَّتها ... والوُصَفاءَ الحِسَانَ كالذَّهَبِ )
( مجداً وحمداً يُفِيدُه كَرَماً ... والحمدُ في الناس خيرُ مُكْتَسَبِ )
قال فلما فرغ ابن ربيح قال السري لابن هرمة مرحبا بك يا أبا إسحاق ما حاجتك قال جئتك عبدا مملوكا
قال لا بل حرا كريما وابن عم فما ذاك قال ما تركت لي مالا إلا رهنته ولا صديقا إلا كلفته قال أبو يحيى يقول لي ابن زريق حتى كأن له ديانا وعليه مالا فقال له السري وما دينك قال سبعمائة دينار
قال قد قضاها الله عز و جل عنك
قال فأقام أياما ثم قال لي قد اشتقت
فقلت له قل شعرا تشوق فيه
فقال قصيدته التي يقول فيها
( أألحمامةُ في نخل ابن هَدّاج ... هاجتْ صَبَابةَ عانِي القلب مُهْتاجِ )
( أمِ المُخَبِّرُ أنّ الغَيْثَ قد وَضَعتْ ... منه العِشَارُ تماماً غيرَ إخْداجِ )
( شَقَّتْ سَوَائفُها بالفْرَشِ من مَلَلِ ... إلى الأَعارِفِ من حَزْنٍ وأولاجِ )
( حتَّى كأنّ وُجوهَ الأرض مُلْبَسةٌ ... طرائفاً من سَدَى عَصْبٍ ودِيباجِ )
وهي طويلة مختارة من شعره يقول فيها يمدح السري
( أمَّا السَّرِيُّ فإِنِّي سوف أمدَحُه ... ما المادحُ الذاكرُ الإِحسانِ كالهاجي )
( ذاك الذي هو بعد اللهِ أنقذني ... فلستُ أنساه إنقاذي وإخراجي )
( لَيْثٌ بحَجْرٍ إذا ما هاجَه فَزَعٌ ... هاجَ إليه بإِلْجَامٍ وإسْرَاجِ )
( لأَحْبُوَنَّكَ مما أصْطَفِي مِدَحاً ... مُصَاحِباتٍ لعُمَّارٍ وحُجَّاجِ )
( أَسْدَى الصنعيةَ من بِرٍّ ومن لَطَفٍ ... إلى قَرُوعٍ لباب المُلْكِ وَلاَّجِ )
( كَمْ من يَدٍ لك في الأقوامِ قد سَلَفتْ ... عند امرئٍ ذي غِنىً أو عند مُحْتاجِ )
فأمر له بسبعمائة دينار في قضاء دينه ومائة دينار يتجهز بها ومائة دينار يعرض بها أهله ومائة دينار إذا قدم على أهله
قوله يعرض بها أهله أي يهدي لهم بها هدية والعراضة الهدية
قال الفرزدق يهجو هشام بن عبد الملك
( كانتْ عُرَاضتَكَ الَّتي عَرَّضتْنَا ... يوم المدينة زَكْمةً وسُعَالاَ )
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني نوفل بن ميمون قال أخبرني أبو مالك محمد بن علي بن هرمة قال
قال ابن هرمة
( ومهما أُلاَمُ على حَبِّهْم ... فإِنِّي أُحِبُّ بني فاطمهْ )
( بنى بنت مَنْ جاء بالمُحْكَماتِ ... والدِّين والسُّنَّةِ القائمهْ )
فلقيه بعد ذلك رجل فسأله من قائلها فقال من عض بظر أمه
فقال له ابنه يا أبت ألست قائلها قال بلى
قال فلم شتمت نفسك قال أليس أن يعض المرء بظر أمه خيرا من أن يأخذه ابن قحطبة
خبره مع رجل وابنتيه
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جعفر بن مدرك الجعدي قال جاء ابن هرمة إلى رجل كان بسوق النبط معه زوجة له وابنتان كأنهما ظبيتان يقود عليهما بمال فدفعه إليه فكان يشتري لهم طعاما وشرابافأقام ابن هرمة مع ابنتيه حتى خف ذلك المال وجاء قوم آخرون معهم مال فأخبرهم بمكان ابن هرمة فاستثقلوه وكرهوا أن يعلم بهم فأمر ابنتيه فقالتا له يا أبا إسحاق أما دريت ما الناس فيه قال وما هم فيه قالتا زلزل بالروضة فتغافلهما
ثم جاء أبوهما متفازعا فقال أي أبا إسحاق ألا تفزع لما الناس فيه قال وما هم فيه قال زلزل بالروضة
قال قد جاءكم الآن إنسان معه مال وقد نفضت ما جئتكم به وثقلت عليه فأردت إدخاله وإخراجي
أيزلزل بروضة من رياض الجنة ويترك منزلك وأنت تجمع فيه الرجال على ابنتيك والله لا عدت إليه وخرج من عنده
وروى هذا الخبر عن الزبير بن هارون بن محمد الزيات فزاد فيه قال ثم خرج من عندهم فأتى عبد الله بن حسن فقال إني قد مدحتك فاستمع مني
قال لا حاجة لي بذلك أنا أعطيك ما تريد ولا أسمع
قال إذا أسقط ويكسد
سوقي
فسمع منه وأمر له بمائتي دينار فأخذها وعاد إلى الرجل وقال قد جئتك بما تنفقه كيف شئت
ولم يزل عنده حتى نفذت
أخباره مع محمد بن عبد العزيز ومحمد بن عمران
قال الزبير وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قالوافينا الحج في عام من الأعوام الخالية فأصبحت بالسيالة فإذا إبراهيم ابن علي بن هرمة يأتينا فاستأذن على أخي محمد بن عبد العزيز فأذن له فدخل عليه فقال يا أبا عبد الله ألا أخبرك ببعض ما تستظرف قال بلى وربما فعلت يا أبا إسحاق
قال فإنه أصبح عندنا هاهنا منذ أيام محمد بن عمران وإسماعيل بن عبد الله بن جبير وأصبح ابن عمران بجملين له ظالعين فإذا رسوله يأتيني أن أجب فخرجت حتى أتيته فأخبرني بظلع جمليه وقال لي أردت أن أبعث إلى ناضحين لي بعمق لعلي أوتى بهما إلى هاهنا لأمضي عليهما ويصير هذان الظالعان إلى مكانهما
ففرغ لنا دارك واشتر لنا علفا واستلنه بجهدك فإنا مقيمون هاهنا حتى تأتينا جمالنا
فقلت في الرحب والقرب والدار فارغة وزوجته طالق إن اشتريت عود علف عندي حاجتك منه
فأنزلته ودخلت إلى السوق فما أبقيت فيه شيئا من رسل ولا جداء ولا طرفة ولا غير ذلك
إلا ابتعت منه فاخره وبعثت به إليه مع دجاج كان عندنا
قال فبينا أنا أدور في السوق إذ وقف علي عبد لإسماعيل بن عبد الله يساومني بحمل علف لي فلم أزل أنا وهو حتى أخذه مني بعشرة دراهم وذهب به فطرحه لظهره
وخرجت عند الرواح أتقاضى العبد ثمن حملي فإذا هو لإسماعيل
ابن عبد الله ولم أكن دريت
فلما رآني مولاه حياني ورحب بي وقال هل من حاجة يا أبا إسحاق فأعلمه العبد أن العلف لي
فأجلسني فتغديت عنده ثم أمر لي مكان كل درهم منها بدينار وكانت معه زوجته فاطمة بنت عباد فبعثت إلي بخمسة دنانير
قال وراحوا وخرجت بالدنانير ففرقتها على غرمائي وقلت عند ابن عمران عوض منها
قال فأقام عندي ثلاثا وأتاه جملاه فما فعل بي شيئا
فبينا هو يترحل وفي نفسه مني ما لا أدري به إذ كلم غلاما له بشيء فلم يفهم فأقبل علي فقال ما أقدر على إفهامه مع قعودك عندي قد والله آذيتني ومنعتني ما أردت
فقمت مغتما بالذي قال حتى إذا كنت على باب الدار لقيني إنسان فسألني هل فعل إليك شيئا فقلت أنا والله بخير إذ تلف مالي وربحت بدني
قال وطلع علي وأنا أقولها فشتمني والله يا أبا عبد الله حتى ما أبقى لي وزعم أنه لولا إحرامه لضربني وراح وما أعطاني درهما
فقلت
( يا مَنْ يُعيِنُ على ضَيْفٍ أَلَمَّ بنا ... ليس بِذِي كَرَمٍ يُرْجَى ولا دِينِ )
( أقام عندي ثلاثاً سُنَّةً سَلَفتْ ... أَغضيتُ منها على الأقذاء والهُونِ )
( مسافةُ البيت عَشْرٌ غيرُ مُشْكِلِةٍ ... وأنت تأتيه في شَهْرٍ وعشرينِ )
( لستَ تُبالي فَوَاتَ الحَجِّ إن نَصِبتْ ... ذاتُ الكَلاَلِ وأسمنتَ ابنَ حِرقينِ )
( تحدّث النَّاسُ عمّا فيك من كَرَمٍ ... هيهاتَ ذاك لِضيفَانٍ المَساكينِ )
( أصبحتَ تَخْزُنُ ما تَحْوِي وتجمَعُه ... أبا سُلِيمانَ من أشلاءِ قارونِ )
( مثلُ ابنِ عِمْرانَ آباءٌ له سَلَفُوا ... يَجْزُونَ فِعْلَ ذوي الإِحسان بالدُّوِن )
( ألاّ تكون كإسماعيل إنّ له ... رأياً أَصيلاً وفِعْلاً غيرَ ممنونِ )
( أو مِثْل زوجتِه فيما ألمَّ بها ... هيهاتَ مَنْ أُمُّها ذاتُ النِّطَاقَيْنِ )
فلما أنشدها قال له محمد بن عبد العزيز نحن نعينك يا أبا إسحاق لقوله يا من يعين
قال قد رفعك الله عن العون الذي أريده ما أردت إلا رجلا مثل عبد الله بن خنزيرة وطلحة أطباء الكلبة يمسكونه لي وآخذ خوط سلم فأوجع به خواصره وجواعره قال ولما بغل في إنشاده إلى قوله
( مثلُ ابن عمران آباءٌ له سلفوا ... )
أقبل علي فقال عذرا إلى الله تعالى وإليكم إني لم أعن من آبائه طلحة بن عبيد الله
قال ونزل إليه إسماعيل بن جعفر بن محمد وكان عندنا فلم يكلمه حتى ضرب أنفه وقال له فعنيت من آبائه أبا سلميان محمد بن طلحة يا دعي قال فدخلنا بينهما
وجاء رسول محمد بن طلحة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى ابن هرمة يدعوه فذهب إليه
فقال له ما الذي بلغني من هجائك أبا سليمان والله لا أرضى حتى تحلف ألا تقول له أبدا إلا خيرا وحتى تلقاه فترضاه إذا رجع وتحتمل كل ما أزل إليك وتمدحه
قال أفعل بالحب والكرامة
قال وإسماعيل بن جعفر لا تعرض له إلا بخير قال نعم
قال فأخذ عليه الأيمان فيهما وأعطاه ثلاثين دينارا وأعطاه محمد بن عبد العزيز مثلها
قال واندفع ابن هرمة يمدح محمد بن عمران
( ألم تر أنّ القولَ يَخْلُص صِدْقُه ... وتأبَى فما تزكوا لباغٍ بَوَاطِلُهْ )
( ذَمَمْتُ امرأً لم يَطْبَعِ الذَّمُّ عِرْضَه ... قليلاً لدى تحصيلِه مَنْ يَشاكِلُهْ )
( فما بالحجاز من فَتًى ذي إمارةٍ ... ولا شَرَفٍ إلا ابنُ عِمْرانَ فاضِلُهْ )
( فَتًى لا يَطُورُ الذَّمُّ ساحةَ بيتِه ... ونشقَى به ليلَ التِّمَامِ عَوَاذِلُهْ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا أحمد بن عمر الزهري قال حدثنا أبو بكر بن عبد الله ابن جعفر المسوري قال
مدح إبراهيم بن هرمة محمد بن عمران الطلحي فألفاه راويته وقد جاءته عير له تحمل غلة قد جاءته من الفرع أو خبير
فقال له رجل كان عنده أعلم والله أن أبا ثابت بن عمران بن عبد العزيز أغراه بك وأنا حاضر عنده وأخبره بعيرك هذه
فقال إنما أراد أبو ثابت أن يعرضني للسانه قودوا إليه القطار فقيد إليه
كان يعمل من التمر نبيذا
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد عن عبد الله بن عمرو بن القاسم قالجاء أبي تمر من صدقة عمر فجاءه ابن هرمة فقال أمتع الله بك أعطني من هذا التمر
قال يا أبا إسحاق لولا أني أخاف أن تعمل منه نبيذا لأعطيتك
قال فإذا علمت أني أعمل منه نبيذا لا تعطيني
قال فخافه فأعطاه
فلقيه بعد ذلك فقال له ما في الدنيا أجود من نبيذ يجيء من صدقة عمر فأخجله
أخبرنا الحرمي قال أخبرنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز
قال قدم جرير المدينة فأتاه ابن هرمة وابن أذينة فأنشداه فقال جرير القرشي أشعرهما والعربي أفصحهما
أخبرنا يحيى بن علي إجازة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني عبد الله بن محمد
أن ابن هرمة قال يمدح أبا الحكم المطلب بن عبد الله
( لمّا رأيتُ الحادثاتِ كنَفْنَنِي ... وأَوْرَثْنَنِي بُؤْسي ذكرتُ أبا الحَكَمْ )
( سليلُ مُلوكٍ سبعةٍ قد تتابعوا ... همُ المُصْطَفَوْنَ والمُصَفَّوْنَ بالكَرَمْ )
فلاموه وقالوا أتمدح غلاما حديث السن بمثل هذا قال نعم وكانت له ابنة يلقبها عيينة وقال الزبير كان يلقبها عينة فقال
( كانتْ عُيَيْنَةُ فينا وهي عاطلةٌ ... بين الجَوَارِي فحَلاَّها أبو الحَكَمِ )
( فمَنْ لَحَانَا على حُسْنِ المَقَالِ له ... كان المُلِيمَ وكنَّا نحن لم نُلِمِ )
قال يحيى وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري عن نوفل بن ميمون قال
أرسل ابن هرمة إلى عبد العزيز بن المطلب بكتاب يشكو فيه بعض حاله فبعث إليه بخمسة عشر دينارا
فمكث شهرا ثم بعث يطلب منه شيئا آخر بعد ذلك فقال إنا والله ما نقوى على ما كان يقوى عليه الحكم بن المطلب
وكان عبد العزيز قد خطب إلى امرأة من ولد عمر فردته فخطب إلى امرأة من بني عامر ابن لؤي فزوجوه
فقال ابن هرمة
( خطبتَ إلى كَعْبٍ فرَّدُّوكَ صاغراً ... فحوّلتَ من كعبٍ إلى جِذْمِ عامرِ )
( وفي عَامِرٍ عِزٌّ قديمٌ وإنّما ... أجازك فيْهم هزلُ أهل المقابر )
وقال فيه أيضا
( أبالبُخْلِ نطلُب ما قَدَّمتْ ... عرانينُ جادتْ بأموالها )
( فهيهات خالفتَ فعلَ الكرامِ ... خلاَفَ الجِمالِ بأبوالها )
خبر زواجه
وقال هارون بن محمد حدثني مغيرة بن محمد قال حدثني أبو محمد السهمي قال حدثني أبو كاسب قالتزوج ابن هرمة بامرأة فقالت له أعطني شيئا فقال والله ما معي إلا نعلاي فدفعهما إليها ومضى معها فتوركها مرارا
فقالت له أجفيتني فقال لها الذي أجفى صاحبه منا يعض بظر أمه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني المسيبي محمد بن إسحاق قال حدثني إبراهيم بن سكرة جار أبي ضمرة قال
جلس ابن هرمة مع قوم على شراب فذكر الحكم بن المطلب فأطنب في مدحه
فقالوا له إنك لتكثر ذكر رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها غراء تسأله إياها لردك عنها
فقال أهو يفعل هذا قالوا إي والله
وكانوا قد عرفوا أن الحكم بها معجب وكانت في داره سبعون شاة تحلب
فخرج وفي رأسه ما فيه فدق الباب فخرج إليه غلامه
فقال له أعلم أبا مروان بمكاني وكان قد أمر ألا
يحجب إبراهيم بن هرمة عنه فأعلمه به فخرج إليه متشحا فقال أفي مثل هذه الساعة يا أبا إسحاق فقال نعم جعلت فداك ولد لأخ لي مولود فلم تدر عليه أمه فطلبوا له شاة حلوبة فلم يجدوها فذكروا له شاة عندك يقال لها غراء فسألني أن أسألكها
فقال أتجيء في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحدة والله لا تبقى في الدار شاة إلا انصرفت بها سقهن معه يا غلام فساقهن
فخرج بهن إلى القوم فقالوا ويحك أي شيء صنعت فقص عليهم القصة
قال وكان فيهن والله ما ثمنه عشرة دنانير وأكثر من عشرة
مدح الوليد بعد أن قتل
قال هارون وحدثني حماد بن إسحاق قال ذكر أبي عن أيوب بن عباية عن عمر بن أيوب الليثي قالشرب ابن هرمة عندنا يوما فسكر فنام
فلما حضرت الصلاة تحرك أو حركته فقال لي وهو يتوضأ ما كان حديثكم اليوم قلت يزعمون أن الوليد قتل فرفع رأسه إلي وقال
( وكانت أُمورُ الناس مُنْبَتَّةَ القُوَى ... فشدّ الوليدُ حين قام نِظامَها )
( خليفةُ حقٍّ لا خليفةُ باطلٍ ... رمَى عن قناة الدِّين حتى أقامها )
ثم قال لي إياك أن تذكر من هذا شيئا فإني لا أدري ما يكون
أخبرني علي بن سليمان النحوي قال حدثنا أبو العباس الأحول عن ابن الأعرابي أنه كان يقول ختم الشعراء بأبن هرمة
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرني أحمد بن يحيى البلاذري
أن ابن هرمة كان مغرما بالنبيذ فمر على جيرانه وهو شديد السكر حتى دخل منزله
فلما كان من الغد دخلوا عليه فعاتبوه على الحال التي رأوه عليها فقال
لهم أنا في طلب مثلها منذ دهر أما سمعتم قولي
( أسألُ اللهَ سكرةً قبل موتي ... وصِياحَ الصِّبيان يا سكرانُ )
قال فنفضوا ثيابهم وخرجوا وقالوا ليس يفلح والله هذا أبدا
موته ودفنه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أنشدني عمي لابن هرمة( ما أظنّ الزمانَ يا أُمَّ عَمْرٍ ... تاركاً إن هلكتُ من يَبْكِيني )
قال فكان والله كذلك لقد مات فأخبرني من رأى جنازته ما يحملها إلا أربعة نفر حتى دفن بالبقيع
قال يحيى بن علي أراه عن البلاذري ولد ابن هرمة سنة تسعين وأنشد أبا جعفر المنصور في سنة أربعين ومائة قصيدته التي يقول فيها
( إنّ الغَوَانيَ قد أعرضن مَقْلِيَةً ... لمّا رمَى هَدَفَ الخمسين ميلادي )
قال ثم عمر بعدها مدة طويلة
ذكر أخبار يونس الكاتب
هو يونس بن سليمان بن كرد بن شهريار من ولد هرمزوقيل إنه مولى لعمرو بن الزبير ومنشؤه ومنزله بالمدينة
وكان أبوه فقيها فأسلمه في الديوان فكان من كتابه وأخذ الغناء عن معبد وابن سريج وابن محرز والغريض وكان أكثر روايته عن معبد ولم يكن في أصحاب معبد أحذق ولا أقوم بما أخذ عنه منه
وله غناء حسن وصنعة كثيرة وشعر جيد
وكتابه في الأغاني ونسبها إلى من غنى فيها هو الأصل الذي يعمل عليه ويرجع إليه
وهو أول من دون الغناء
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال أنشدني مسعود بن خالد المورياني لنفسه في يونس
( يا يونسُ الكاتبُ يا يونسُ ... طاب لنا اليوم بك المجلسُ )
( إنّ المغنِّين إذا ما هُمُ ... جارَوْك أخْنَى بهمُ المقبس )
( تنشُر دِيباجا وأشباهه ... وهم إذا ما نشروا كرْبسُوا )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر إبراهيم بن قدامة الجمحي قال
اجتمع فتيان من فتيان أهل المدينة فيهم يونس الكاتب وجماعة ممن يغني
فخرجوا إلى واد يقال له دومة من بطن العقيق في أصحاب لهم فتغنوا واجتمع إليهم نساء أهل الوادي قال بعض من كان معهم فرأيت حولنا مثل مراح الضأن وأقبل محمد بن عائشة ومعه صاحب له فلما رأى جماعة النساء عندهم حسدهم فالتفت إلى صاحبه فقال أما والله لأفرقن هذه الجماعة فأتى قصرا من قصور العقيق فعلا سطحه وألقى رداءه واتكأ عليه وتغنى
صوت
( هذا مُقامُ مُطَرَّدٍ ... هُدِمتْ منازلُه ودورُهْ )( رَقَّى عليه عُداتُه ... ظلماً فعاقبه أميرُه )
الغناء لابن عائشة رمل بالوسطى
والشعر لعبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب وقيل إنه لعبد الله بن أبي كثير مولى بني مخزوم قال فوالله ما قضى صوته حتى ما بقيت امرأة إلا جلست تحت القصر الذي هو عليه وتفرق عامة أصحابهم
فقال يونس وأصحابه هذا عمل ابن عائشة وحسده
ابن عائشة تغنى بشعر لعبد الله بن أبي كثير
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى عن أبيه قالتزوج عبد الله بن أبي كثير مولى بني مخزوم بالعراق في ولاية مصعب بن الزبير امرأة من بني عبد بن بغيض بن عامر بن لؤي ففرق مصعب بينهما
فخرج حتى قدم على عبد الله بن الزبير بمكة فقال
( هذا مُقامُ مُطردِ ... هُدِمتْ منازلهُ ودورُهْ )
( رَقَّتْ عليه عُداتُه ... كَذِاباً فعاقبه أميرُه )
( في أنْ شَرِبتُ بجمّ ماءٍ ... كان حِلاًّ لي غَدِيرُهْ )
( فلقد قُطعتُ الخَرْق بعد ... الخرِق مُعْتَسِفاً أسيرُهْ )
( حتّى أتيتُ خليفةَ الرَّحمن ... ممهوداً سريرهُ )
( حَيَّيْتُه بتَحِيّةٍ ... في مجلسٍ حضرتْ صُقُورُهْ )
فكتب عبد الله إلى مصعب أن أردد عليه امرأته فإني لا أحرم ما أحل الله عز و جل فردها عليه
هذه رواية عمر بن شبة
وأخبرني الحسن بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني عن سحيم بن حفص أن المتزوج بهذه المرأة عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب وأن المفرق بينهما الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الذي يقال له القباع وذكر باقي الخبر مثل الأول
أخبرني عمي قال حدثني طلحة بن عبد الله الطلحي قال حدثني أحمد بن الهيثم قال
خرج يونس الكاتب من المدينة إلى الشام في تجارة فبلغ الوليد بن يزيد مكانه فلم يشعر يونس إلا برسله قد دخلوا عليه الخان فقالوا له أجب الأمير والوليد إذا ذاك أمير قال فنهضت معهم حتى أدخلوني على الأمير لا أدري من هو إلا أنه من أحسن الناس وجها وأنبلهم فسلمت عليه فأمرني بالجلوس ثم
دعا بالشراب والجواري فكنا يومنا وليلتنا في أمر عجيب
وغنيته فأعجب بغنائي إلى أن غنيته( إنْ يعِشْ مُصْعبٌ فنحن بخيرٍ ... قد أتانا مِنْ عيشنا ما نُرجِّي )
ثم تبنهت فقطعت الصوت
فقال مالك فأخذت أعتذر من غنائي بشعر في مصعب
فضحك وقال إن مصعبا قد مضى وانقطع أثره ولا عداوة بيني وبينه وإنما أريد الغناء فامض الصوت فعدت فيه فغنيته
فلم يزل يستعيدنيه حتى أصبح فشرب مصطبحا وهو يستعيدني هذا الصوت ما يتجاوزه حتى مضت ثلاثة أيام
ثم قلت له جعلني الله فداء الأمير أنا رجل تاجر خرجت مع تجار وأخاف أن يرتحلوا فيضيع مالي
فقال لي أنت تغدوا غدا وشرب باقي ليلته وأمر لي بثلاثة آلاف دينار فحملت إلي وغدوت إلى أصحابي
فلما خرجت من عنده سألت عنه فقيل لي هذا الأمير الوليد بن يزيد ولي عهد أمير المؤمنين هشام
فلما استخلف بعث إلي فأتيته فلم أزل معه حتى قتل
صوت من المائة المختارة
( أقصدتْ زينبُ قلبي بعدما ... ذهب الباطلُ عنِّي والغزلْ )( وعَلاَ المَفْرِقَ شيبٌ شامِلٌ ... واضِحٌ في الرأس منَّي واشْتعلْ )
الشعر لابن رهيمة المدني
والغناء في اللحن المختار لعمر الوادي ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق
وفيه ليونس الكاتب لحنان أحدهما خفيف ثقيل أول بالبنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر رمل بالسبابة في مجرى البنصر عنه أيضا
وفيه رملان بالوسطى والبنصر أحدها لابن المكي والآخر
لحكم وقيل إنه لإسحاق من رواية الهشامي ولحن يونس في هذا الشعر من أصواته المعروفة بالزيانب والشعر فيها كله لابن رهيمة في زينب بنت عكرمة ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهي سبعة أحدها قد مضى والآخر
صوت
( أقصدتْ زينبُ قلبي ... وسَبَتْ عقلي ولُبِّي )( تركتْني مُستهاماً ... أستغيثُ الله رَبِّي )
( ليس لي ذنبٌ إليها ... فتُجازيني بذَنْبي )
( ولها عندي ذنوبٌ ... في تَنَائيها وقُربي )
( غنّاه يونس رَمَلاً ... بالبِنصر وفيه لَحَكَم هَزَجٌ )
خفيف بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
ومنها
صوت
( وجَدَ الفؤادُ بزينبَا ... وَجْداً شديداً مُتْعِبَا )
( أصبحت من وَجْدِي بها ... أُدْعَى سقيماً مُسْهَبا )
( وجعلتُ زينبَ سُتْرةً ... وأتيتُ أَمراً مُعْجِبا )
غناه يونس ثقيلا أول مطلقا في مجرى البنصر عن عمرو وإسحاق وهو مما يشك فيه من غناء يونس
ولعلية بنت المهدي فيه ثقيل أول آخر لا يشك فيه أنه لها كنت فيه عن رشأ الخادم وذكر أحمد بن عبيد أن فيه من الغناء لحنين هما جميعا من الثقيل الأول ليونس ومن لا يعلم يزعم أن الشعر لها
ومنها
صوت
( إنّما زينبُ المُنَى ... وهِي الهمُّ والهَوَى )( ذاتُ دَلٍّ تُضْنِي الصَّحِيحَ ... وتُبْرِي من الجَوَى )
( لا يُغَرَّنْكِ أنْ دعَوْتِ ... فُؤادي فما الْتَوَى )
( واحْذَرِي هِجْرةَ الحبيبِ ... إذا مَلَّ وانْزَوَى )
غناه يونس رملا بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق
ومنها
صوت
( إنّما زينبُ هَمِّي ... بأبي تلك وأُمِّي )( بأبي زينبُ لا أَكْنِي ... ولكنِّي أُسَمِّي )
( بأبي زينبُ مِنْ قاضٍ ... قَضَى عمداً بُظلْمي )
( بأبي مَنْ ليس لي في ... قلبِه قيراطُ رُحْمِ )
غناه يونس رملا بالبنصر عن عمرو وله فيه لحن آخر
ومنها
صوت
( يا زينبُ الحسناءُ يا زينبُ ... يا أكرمَ النَّاسِ إذا تُنْسَبُ )
( تَقِيكِ نفسي حادثاتِ الرَّدَى ... والأُمُّ تَفْدِيكَ معاً والأبُ )
( هَلْ لكِ في وُدّ امرىءٍ صادقٍ ... لا يَمْذُق الوُدَّ ولا يَكْذِبُ )
( لا يبتغي في وُدّه مَحْرَماً ... هيهاتَ أنتِ العملُ الأَرْيَبُ )
غناه يونس ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق
ومنها
صوت
فليتَ الذي يلحَى على زينبَ المُنَى ... تَعَلَّقهُ مما لَقِيتُ عَشِيرُ )
( فَحْسِبي به بالعُشْرِ ممّا لَقِيتُه ... وذلك فيما قد تراه يسير )
غناه يونس ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن الهشامي
هذه سبعة أصوات قد مضت وهي المعروفة بالزيانب
ومن الناس من يجعلها ثمانية ويزيد فيها لحن يونس في
( تَصَابَيْتَ أم هاجتْ لك الشوقَ زينب ... )
وليس هذا منها وإن كان ليونس لحنه فإن شعره لحجية بن المضرب الكندي وقد كتب في موضع آخر وإنما الزيانب في شعر ابن رهيمة
ومنهم من يعدها تسعة ويضيف إليها
( قُولاَ لزينبَ لو رأيتِ ... تَشَوُّقي لكِ واشترافي )
وهذا اللحن لحكم
والشعر لمحمد بن أبي العباس السفاح في زينب بنت سليمان ابن علي وقد كتب في موضع آخر
انقضت أخبار يونس الكاتب
أخبار ابن رهيمة
تشبيبه بزينب بنت عكرمة وأمر هشام بضربه
)أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق قال
كان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ويغني يونس بشعره فافتضحت بذلك
فاستعدى عليه أخوها هشام بن عبد الملك فأمر بضربه خمسمائة سوط وأن يباح دمه إن وجد قد عاد لذكرها وأن يفعل ذلك بكل من غنى في شيء من شعره
فهرب هو ويونس فلم يقدر عليهما
فلما ولي الوليد بن يزيد ظهرا
وقال ابن رهيمة
( لئن كنت اطردتني ظالما ... لقد كَشَف اللهُ ما أرَهَبُ )
( ولو نِلْتَ مِنِّي ما تشتهي ... لقلَّ إذا رَضِيتْ زينبُ )
( وما شئت فاصْنعْه بي بعد ذا ... فحُبِّي لزينب لا يذهبُ )
وفي الأصوات المعروفة بالزيانب يقول أبان بن عبد الحميد اللاحقي
( أحِبُّ من الغِناء خفِيفه ... إنْ فاتني الهزجُ )
( وأشْنَأ ضوءَ برقٍ مثل ... ما أشْنأ عفا مُزُجُ )
( وأبْغِضُ يومَ تنأى والزَّيانِبُ ... كلُّها سُمُجُ )
( ويُعْجِبُني لإِبراهيم ... والأوتارُ تَخْتلِجُ )
( أدِيرُ مُدَامةً صِرْفاً ... كأنَّ صَبِيبَها وَدَجُ )
يغني أبان لحن إبراهيم
والشعر لأبان أيضا وهو
صوت
( أُدِيرُ مدامةً صِرْفاً ... كأنَّ صَبِيبَها وَدَجُ )( فظَلَّ تخالُه مَلِكاً ... يُصَرِّفُها ويَمتزجُ )
الشعر لأبان والغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق أيضا
ومما في غناء يونس من المائة المختارة المذكورة في هذا الكتاب
صوت من المائة المختارة
( ألاَ يا لَقَوْمِي لِلرُّقَادِ المُسَهَّدِ ... ولِلماء ممنوعاً مِنَ الحائمِ الصَّدِي )( ولِلحال بعد الحال يركَبُها الفتى ... ولِلحُبِّ بعد السَّلْوة المُتَمَرِّدِ )
الشعر لإسماعيل بن يسار النسائي من قصيدة مدح بها عبد الملك بن مروان وذكر يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق أنها للغول بن عبد الله بن صيفي الطائي
والصحيح أنها لإسماعيل
وأنا أذكر خبره مع عبد الملك بن مروان ومدحه إياه بها ليعلم صحة ذلك
والغناء ليونس ولحنه المختار من القدر الأوسط من
الثقيل الأول مطلق في مجرى البنصر وتمام هذه الأبيات
( ولِلمَرْءِ لا عَمّنْ يُحِبُّ بِمُرْعوٍ ... ولا لِسبيلِ الرُّشْدِ يوما بمُهتدي )
( وقد قال أقوامٌ وهم يعذِلُونه ... لقد طال تعذيبُ الفؤادِ المُصيَّدِ )
أخبار إسماعيل بن يسار ونسبه
ولاؤه وسبب تلقيبه بالنسائي
حدثني عمي قال حدثني أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قالكان إسماعيل بن يسار النسائي مولي بني تيم بن مرة تيم قريش وكان منقطعا إلى آل الزبير
فلما أفضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان وفد إليه مع عروة بن الزبير ومدحه ومدح الخلفاء من ولده بعده
وعاش عمرا طويلا إلى أن أدرك آخر سلطان بني أمية ولم يدرك الدولة العباسية
وكان طيبا مليحا مندرا بطالا مليح الشعر وكان كالمنقطع إلى عروة بن الزبير وإنما سمي إسماعيل بن يسار النسائي لأن أباه كان يصنع طعام العرس ويبيعه فيشتريه منه من أراد التعريس من المتجملين وممن لم تبلغ حاله اصطناع ذلك
وأخبرني الأسدي قال حدثنا أبو الحسن محمد بن صالح بن النطاح قال
إنما سمي إسماعيل بن يسار النسائي لأنه كان يبيع النجد والفرش التي تتخذ للعرائس فقيل له إسماعيل بن يسار النسائي
وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد عن ابن عائشة
أن إسماعيل بن يسار النسائي إنما لقب بذلك لأن أباه كان يكون عنده طعام العرسات مصلحا أبدا فمن طرقه وجده عنده معدا
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدثني الزبير بن بكار قال قال مصعب بن عثمان
لما خرج عروة بن الزبير إلى الشام يريد الوليد بن عبد الملك أخرج معه إسماعيل بن يسار النسائي وكان منقطعا إلى آل الزبير فعادله
فقال عروة ليلة من الليالي لبعض غلمانه انظر كيف ترى المحمل قال أراه معتدلا قال إسماعيل الله أكبر ما اعتدل الحق والباطل قبل الليلة قط فضحك عروة وكان يستخف إسماعيل ويستطيبه
سخريته من رجل يكنى أبا قيس
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن أيوب بن عباية المخزوميأن إسماعيل بن يسار كان ينزل في موضع يقال له حديلة وكان له جلساء يتحدثون عنده ففقدهم أياما وسأل عنهم فقيل هم عند رجل يتحدثون إليه طيب الحديث حلو ظريف قدم عليهم يسمى محمدا ويكنى أبا قيس
فجاء إسماعيل فوقف عليهم فسمع الرجل القوم يقولون قد جاء صديقنا إسماعيل بن يسار فأقبل عليه فقال له أنت إسماعيل قال نعم
قال رحم الله أبويك فإنهما سمياك باسم صادق الوعد وأنت أكذب الناس
فقال له إسماعيل ما اسمك
قال محمد قال أبو من
قال أبو قيس
قال لا ولكن لا رحم الله أبويك فإنهما سمياك باسم نبي وكنياك بكنية قرد
فأفحم الرجل وضحك القوم ولم يعد إلى مجالستهم فعادوا إلى مجالسة إسماعيل
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني عن نمير العذري قال
إستأذن إسماعيل بن يسار النسائي على الغمر بن يزيد بن عبد الملك يوما فحجبه ساعة ثم أذن له فدخل يبكي
فقال له الغمر مالك يا أبا فائد تبكي قال وكيف لا أبكي وأنا على مروانيتي ومروانية أبي أحجب عنك فجعل الغمر يعتذر إليه وهو يبكي فما سكت حتى وصله الغمر بجملة لها قدر
وخرج من عنده فلحقه رجل فقال له أخبرني ويلك يا إسماعيل أي مروانية كانت لك أو لأبيك قال بغضنا إياهم امرأته طالق إن لم يكن يلعن مروان وآله كل يوم مكان التسبيح وإن لم يكن أبوه حضره الموت فقيل له قل لا إله إلا الله فقال لعن الله مروان تقربا بذلك إلى الله تعالى وإبدالا له من التوحيد وإقامة له مقامه
مفاخرته بالعجم على العرب
أخبرني عمي قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني مصعب قال قال إسماعيل بن يسار النسائي قصيدته التي أولها( ما على رسمِ منزلٍ بالجَنَابِ ... لو أبانَ الغداةَ رَجْعَ الجوابِ )
( غيَّرتْه الصَّبَا وكلُّ مُلِثٍّ ... دائِم الوَرْقِ مُكْفَهِرِّ السَّحَابِ )
( دارَ هندٍ وهل زماني بهندٍ ... عائدٌ بالهوى وصَفْوِ الجَنابِ )
( كالذي كان والصفاءُ مصونٌ ... لم تَشُبْه بهِجْرةٍ واجتنابِ )
( ذاك منها إذ أنتَ كالغُصْن غَضٌّ ... وهي رُؤْدٌ كُدمْيةِ المِحْرابِ )
( غادةٌ تَسْتَبي العقولَ بعَذْبٍ ... طَيِّبِ الطعم باردِ الأنياب )
( وأثيثٍ من فوق لونٍ نَقِيٍّ ... كبياض اللُّجَيْنِ في الزِّرْياب )
( فأقِلَّ المَلاَمَ فيها وأقْصِرْ ... لَجَّ قلبي من لوعةٍ واكتئاب )
( صاحِ أبصرتَ أو سمِعتَ براعٍ ... رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَى في العِلاَبِ )
( انقضتْ شِرَّتي وأقصر جهلي ... واستراحتْ عَوَاذِلِي من عِتابي )
وقال فيها يفخر على العرب بالعجم
( رُبَّ خالٍ مُتوَّجٍ لِي وعَمٍّ ... ماجدٍ مُجْتَدىً كريم النِّصَاب )
( إنّما سُمِّي الفوارِسُ بالفُرْسِ ... مُضاهاةَ رِفْعةِ الأنسابِ )
( فاتْرُكي الفخر يا أُمام علينا ... واتركي الجورْ وانْطِقِي بالصَّوابِ )
( وأسألي إن جهِلْتِ عنَّا وعنكم ... كيف كنّا في سالف الأحقابِ )
( إذ تُرَبِّي بَنَاتنا وتَدَسُّونَ ... سَفَاهاً بناتِكم في التُّرابِ )
فقال رجل من آل كثير بن الصلت إن حاجتنا إلى بناتنا غير حاجتكم فأفحمه
يريد أن العجم يربون بناتهم لينكحوهن والعرب لا تفعل ذلك وفي هذه الأبيات غناء نسبته
صوت
( صاحِ أبصرتَ أو سمعتَ براعٍ ... ردّ في الضَّرْع ما قَرَى في العِلابَ )( إنقضتْ شِرَّتي وأَقْصَرَ جهلي ... واستراحتْ عواذلي من عِتابي )
الشعر لإسماعيل بن يسار النسائي
والغناء لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى
وذكر عمرو بن بانة في نسخته الأولى أن فيه للغريض خفيف ثقيل بالبنصر وذكر في نسخته الثانية أنه لابن سريج
وذكر الهشامي أن لحن ابن سريج رمل بالوسطى وأن لحن الغريض ثقيل أول
شعوبيته
وحدثني بهذا الخبر عمي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب قالإسماعيل بن يسار يكنى أبا فائد وكان أخواه محمد وإبراهيم شاعرين أيضا وهم من سبي فارس
وكان إسماعيل شعوبيا شديد التعصب للعجم وله شعر كثير يفخر فيه بالأعاجم
قال فأنشد يوما في مجلس فيه أشعب قوله
( إذ نُرَبِّي بناتِنا وتَدُسُّونُ ... سَفَاهاً بناتِكم في التُّرابِ )
فقال له أشعب صدقت والله يا أبا فائد أراد القوم بناتهم لغير ما أردتموهن له
قال وما ذاك قال دفن القوم بناتهم خوفا من العار وربيتموهن لتنكحوهن
قال فضحك القوم حتى استغربوا وخجل إسماعيل حتى لو قدر أن يسيخ في الأرض لفعل
مدح الوليد بن يزيد فأكرمه
أخبرني الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرني أبو سلمة الغفاري قال أخبرنا أبو عاصم الأسلمي قالبينا ابن يسار النسائي مع الوليد بن يزيد جالس على بركة إذ أشار الوليد إلى مولى له يقال له عبد الصمد فدفع ابن يسار النسائي في البركة بثيابه فأمر به الوليد فأخرج
فقال ابن يسار
( قُلْ لِوَالِي العَهْدِ إنْ لاقَيْتَه ... ووَلِيُّ العهدِ أولىَ بالرَّشَدْ )
( إنّه واللهِ لولا أنت لم ... يَنْجُ منِّي سالماً عبدُ الصَّمَدْ )
( إنّه قد رام منِّي خُطَّةً ... لم يَرُمْها قبلَه منِّي أحدْ )
( فهو مما رامَ منِّي كالذي ... يَقْنُصُ الدُّرّاج من خِيسِ الأَسَدْ )
فبعث إليه الوليد بخلعة سنية وصلة وترضاه
وقد روي هذا الخبر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في قصة أخرى وذكر هذا الشعر له فيه
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي حدثني مصعب بن عبد الله قال سمعت إبراهيم بن أبي عبد الله يقول
ركب فلان من ولد جعفر بن أبي طالب رحمه الله بإسماعيل بن يسار النسائي حتى أتى به قباء فاستخرج الأحوص فقال له أنشدني قولك
( ما ضَرَّ جِيرانَنا إِذ انتجعوا ... لو أنَّهم قبل بَيْنهِم رَبَعُوا )
فأنشده القصيدة
فأعجب بها ثم انصرف
فقال له إسماعيل بن يسار أما جئت إلا لما أرى قال لا
قال فاسمع فأنشده قصيدته التي يقول فيها
( ما ضَر أهلَكِ لو تَطَوّف عاشقٌ ... بِفناء بيتِك أو أَلَمَّ فسلَّما )
فقال والله لو كنت سمعت هذه القصيدة أو علمت أنك قلتها لما أتيته
وفي أبيات من هذا الشعر غناء نسبته
صوت
( يا هندُ رُدّي الوصلَ أن يَتَصَرَّمَا ... وصِلي امرأً كَلِفاً بحبِّك مُغْرَما )( لو تبذُلين لنا دَلاَلَكِ مَرّةً ... لم نَبْغِ منكِ سوى دَلاَلَكِ مَحْرَمَا )
( مَنَع الزيارةَ أنَّ أهْلَكِ كلَّهم ... أبدَوْا لِزَوْرِك غِلْظةً وتَجَهُّمَا )
( ما ضَرَّ أهلَكِ لو تَطَوَّفَ عاشقٌ ... بِفناء بيتِكِ أو ألَمَّ فَسلَّما )
الشعر لإسماعيل بن يسار النسائي
والغناء لابن مسجح خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيه لإبراهيم الموصلي رمل بالبنصر عن حبش
زبان السواق يبكي بعد أن يسمع شعره
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال أنشد رجل زبان السواق قول إسماعيل بن يسار( ما ضَرَّ أهلَكِ لو تَطَوّفَ عاشقٌ ... بفناءِ بيتِكِ أو ألَمَّ فسَلَّما )
فبكى زبان ثم قال لا شيء والله إلا الضجر وسوء الخلق وضيق الصدر وجعل يبكي ويمسح عينيه
أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي صهر المبرد قال حدثني طلحة ابن عبد الله بن إسحاق الطلحي قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني جعفر بن الحسين المهلبي قال
أنشدت زبان السواق قول إسماعيل بن يسار النسائي
صوت
( إنّ جُمْلاً وإنْ تَبَيَّنْتُ منها ... نَكَباً عن مَوَدّتي وازْوِرَارَا )( شَرَّدتْ بادِّكارها النَّوْمَ عنِّي ... وأُطيرَ العَزَاءُ منِّي فطارا )
( ما على أهلها ولم تأتِ سُوءا ... أن تُحَيَّا تَحِيّةً أو تُزارَا )
( يوم أَبْدَوْا لِيَ التَّجَهُّمَ فيها ... وحَمَوْها لجَاجةً وضِرَارَا )
فقال زبان لا شيء وأبيهم إلا اللحز وقلة المعرفة وضيق العطن
فصاح عليه
أبو المعافى وقال فعلى من ذاك ويلك أعليك أو على أبيك أو أمك فقال له زبان إنما أتيت يا أبا المعافى من نفسك لو كنت تفعل هذا ما اختلفت أنت وابنك
فوثب إليه أبو المعافى يرميه بالتراب ويقول له ويحك يا سفيه تحسن الدياثة وزبان يسعى هربا منه
الغناء في هذه الأبيات لابن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكي وحماد وذكر الهشامي وحبش أنه لابن محرز وأن لحن ابن مسجح ثاني ثقيل
حضر من الحجاز ليمدح الوليد
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق الموصلي قالغني الوليد بن يزيد في شعر لإسماعيل بن يسار وهو
( حتّى إذا الصبحُ بدا ضوؤُهُ ... وغارِت الجوزاء والمِرزَمُ )
( خرجتُ والوَطْءُ خَفِيٌّ كما ... ينساب من مَكْمَنِه الأَرْقَمُ )
فقال من يقول هذا قالوا رجل من أهل الحجاز يقال له إسماعيل بن يسار النسائي فكتب في إشخاصه إليه
فلما دخل عليه استنشده القصيدة التي هذان البيتان منها فأنشده
( كَلْثَمُ أنتِ الهَمُّ يا كلثُم ... وأنتمُ دائي الذي أكْتُمُ )
( أُكاتمُ الناسَ هوىً شَفَّني ... وبعضُ كِتمان الهوى أحزمُ )
( قد لُمْتِني ظلماً بلا ظِنَّةٍ ... وأنتِ فيما بيننا ألوَمُ )
( أبْدِي الذي تُخْفِينه ظاهراً ... أرتدُّ عنه فيكِ أو أُقدِمُ )
( إمّا بيأْسٍ منك أو مَطْمَعٍ ... يُسْدَى بحسن الودّ أو يُلْحَمُ )
( لا تَترُكِيني هكذا مَيِّتاً ... لا أُمْنَحُ الوُدَّ ولا أصْرَمُ )
( أَوْفِي بما قُلْتِ ولا تَنْدَمِي ... إنّ الوَفِيَّ القولِ لا يَنْدَمُ )
( آية ما جئتُ على رِقْبةٍ ... بعد الكَرَى والحيُّ قد نَوَّمُوا )
( أخافِتٌ المَشْيَ حذارَ العِدا ... والليلُ داجٍ حالكٌ مظلمُ )
( ودون ما حاولتُ إذ زرتُكم ... أخوكِ والخالُ معاً والعَمُ )
( وليس إلاّ اللهَ لي صاحبٌ ... إليكمُ والصارمُ اللَّهْذَمُ )
( حتّى دخلتُ البيتَ فاستذرفتْ ... من شَفَقٍ عيناكِ لي تَسْجُمُ )
( ثم انجلَى الحزنُ ورَوْعاتُه ... وغُيِّبَ الكاشحُ والمُبْرمُ )
( فبِتُّ فيما شئتُ من نَعْمةٍ ... يَمْنَحُنِيها نحرهُا والفَمُ )
( حتىّ إذا الصبحُ بَدَا ضوؤه ... وغارِت الجوزاءُ والمِرْزَمُ )
( خرجتُ والوطءُ خفيُّ كما ... ينسابُ من مَكْمَنِه الأَرْقَمُ )
قال فطرب الوليد حتى نزل عن فرشه وسريره وأمر المغنين فغنوه الصوت وشرب عليه أقداحا وأمر لإسماعيل بكسوة وجائزة سنية وسرحه إلى المدينة
نسبة هذا الصوت
الشعر لإسماعيل بن يسار النسائي والغناء لابن سريج رملشيخ يسمع شعره بصوت جارية فيلقي بنفسه في الفرات إعجابا به
حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق الموصلي قال حدثنا محمد بن كناسة قال اصطحب شيخ وشباب في سفينة من الكوفة فقال بعض الشباب للشيخ إن معنا قينة لنا ونحن نجلك ونحب أن نسمع غناءها
قال الله المستعان فأنا أرقى على الأطلال وشأنكم
فغنت
( حتَّى إذا الصبحُ بَدَا ضوؤه ... وغارتِ الجوزاء والمرزمُ )
( أقبلت والوطء خفيٌّ كما ... ينساب من مكمنه الأرقمُ )
قال فألقى الشيخ بنفسه في الفرات وجعل يخبط بيديه ويقول أنا الأرقم أنا الأرقم فأدركوه وقد كاد يغرق فقالوا ما صنعت بنفسك فقال إني والله أعلم من معاني الشعر ما لا تعلمون
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو مسلم المستملي عن المدائني قال
مدح إسماعيل بن يسار النسائي رجلا من أهل المدينة يقال له عبد الله بن أنس وكان قد اتصل ببني مروان وأصاب منهم خيرا وكان إسماعيل صديقا له فرحل إلى دمشق إليه فأنشده مديحا له ومت إليه بالجوار والصداقة فلم يعطه شيئا
فقال يهجوه
( لَعَمْرُكَ ما إلى حَسَنٍ رَحَلْنا ... ولا زُرْنَا حُسَيْناً يابنَ أنْسِ )
يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما
( ولا عبداً لعبدهما فنَحْظَى ... بحُسْنِ الحَظِّ منهم غيرَ بَخْسِ )
( ولكن ضُبَّ جَنْدَلةٍ أتينا ... مُضِبّاً في مَكَامِنِه يُفَسِّي )
( فلمّا أنّ أتيناه وقَلْنا ... بحاجتنا تلوَّن لَوْنَ وَرْسِ )
( وأعرضَ غيرَ مُنْبَلِجٍ لِعُرْفٍ ... وظَلَّ مُقَرْطِباً ضِرْساً بِضرْسِ )
( فقلتُ لأهله أبِه كُزَازٌ ... وقلتُ لصاحبي أتُراه يُمْسِي )
( فكان الغُنْمُ أن قُمْنا جميعاً ... مخافةَ أن نُزَنِّ بقتل نَفْسِ )
رثاؤه لمحمد بن عروة
حدثني عمي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله قالوفد عروة بن الزبير إلى الوليد بن عبد الملك وأخرج معه إسماعيل بن يسار النسائي فمات في تلك الوفادة محمد بن عروة بن الزبير وكان مطلعا على دواب الوليد بن عبد الملك فسقط من فوق السطح بينها فجعلت ترمحه حتى قطعته كان جميل الوجه جوادا
فقال إسماعيل بن يسار يرثيه
( صلَّى الإِلهُ على فَتًى فارقتُه ... بالشام في جَدَثِ الطَّويّ المُلْحَدِ )
( بوَأْتُه بيديَّ دارَ إقامةٍ ... نائي المَحَلة عن مَزَارِ العُوَّدِ )
( وغبَرتُ أعْوِلُه وقد أسملتُه ... لِصَفَا الأَماعِزِ والصَّفِيحِ المُسْنَدِ )
( مُتَخَشِّعاً للدهر ألبَسُ حِلَّةً ... في النائبات بحَسْرةٍ وتَجَلُّدِ )
( أعني ابنَ عُرْوةَ إنَّه قد هَدّني ... فَقْدُ ابنِ عُرْوةَ هَدّةً لم تَقْصِدِ )
( فإِذا ذهبتُ إلى العَزاء أَرُومُه ... لِيَرَى المُكَاشِحُ بالعزاء تَجَلُّديِ )
( مَنَع التَّعَزِّيَ أَنَّني لِفراقه ... لَبِس العَدُوُّ عليّ جِلْدَ الأَرْبَدِ )
( ونأَى الصديقُ فلا صديقَ أَعُدُّه ... لدِفاع نائبةِ الزَّمان المُفْسِدِ )
( فلئن تركتُكَ يا محمد ثاوياً ... لِبِمَا تروح مع الكرامِ وتغتدي )
( كان الذي يَزَع العدوَّ بدفعه ... ويردّ نَخْوَةَ ذي المِرَاحِ الأَصْيَد )
( فمضى لوجهته وكلُّ مُعَمَّرِ ... يوماً سيُدْركُه حِمَامُ الموعد )
مدح عبد الملك بن مروان بعد مقتل ابن الزبير
حدثني عمي قال حدثني أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيهأن إسماعيل بن يسار دخل على عبد الملك بن مروان لما أفضى إليه الأمر بعد مقتل عبد الله بن الزبير فسلم ووقف موقف المنشد واستأذن في الإنشاد فقال له عبد الملك الآن يابن يسار إنما أنت امرؤ زبيري فبأي لسان تنشد فقال له يا أمير المؤمنين أنا أصغر شأنا من ذلك وقد صفحت عن أعظم جرما وأكثر غناء لأعدائك مني وإنما أنا شاعر مضحك
فتبسم عبد الملك وأومأ إليه الوليد بأن ينشد
فابتدأ فأنشد قوله
( أَلاَ يا لَقَوْمي لِلرُّقَاد المُسَهَّدِ ... ولِلماء ممنوعاً من الحائم الصَّدِي )
( ولِلحال بعد الحال يركبها الفتى ... ولِلحُبِّ بعد السَّلوْة المُتَمَرِّد )
( ولِلمرء يُلْحَى في التصابي وقبلَه ... صبا بالغواني كُلُّ قَرْمٍ مُمَجَّدِ )
( وكيف تَنَاسِي القَلْبِ سَلْمَى وحُبَها ... كَجمْرِ غَضىً بين الشَّراسيف مُوقَدِ )
حتى انتهى إلى قوله
( إليكَ إمامَ النّاس من بطن يَثْرِبٍ ... ونِعْمَ أخو ذي الحاجة المُتَعَمِّدِ )
( رَحَلْنا لأنّ الجودَ منك خليقةٌ ... وأنَّك لم يَذْمُمْ جنابَك مُجْتَدِي )
( ملكتَ فزِدْتَ النّاسَ ما لم يَزِدْهُم ... إمامٌ من المعروف غيرِ المُصَرَّد )
( وقُمْتَ فلم تنقُض قضاءَ خليفةٍ ... ولكن بما ساروا من الفعل تقتدي )
( ولمّا وَلِيتَ المُلْكَ ضاربتَ دونه ... وأسندتَه لا تأتلي خيرَ مُسْنَدِ )
( جعلتَ هِشَاماً والوليد ذخيرةً ... ولِيَّين للعهد الوثيق المؤكَّدِ )
قال فنظر إليهما عبد الملك متبسما والتفت إلى سلميان فقال أخرجك إسماعيل من هذا الأمر
فقطب سليمان ونظر إلى إسماعيل نظر مغضب
فقال إسماعيل يا أمير المؤمنين إنما وزن الشعر أخرجه من البيت الأول وقد قلت بعده
( وأمضيتَ عزماً في سليمانَ راشداً ... ومَنْ يعتصمْ بالله مثَلك يَرْشُدِ )
فأمر له بألفي درهم صلة وزاد في عطائه وفرض له وقال لولده أعطوه فأعطوه ثلاثة آلاف درهم
هشام بن عبد الملك يلقي به في بركة ماء بعد أن أنشده قصيدته التي يفتخر
فيها بالعجمأخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال ذكر ابن النطاح عن أبي اليقظان
أن إسماعيل بن يسار دخل على هشام بن عبد الملك في خلافته وهو بالرصافة جالس على بركة له في قصره فاستنشده وهو يرى أنه ينشده مديحا له فأنشده قصيدته التي يفتخر فيها بالعجم
( يا رَبْعَ رامةَ بالعَلْياْء من رِيمِ ... هل تَرْجِعَنّ إذا حَيَّيْتُ تسليمي )
( ما بالُ حَيٍّ غدتْ بُزْلُ المَطِيِّ بهم ... تَخْدِي لغربتهم سَيْراً بتقحيم )
( كأنَّني يوم ساروا شاربٌ سلَبْتْ ... فؤادَه قهوةٌ من خَمْرِ دَارُومِ )
حتى انتهى إلى قوله
( إِنِّي وَجدِّك ما عُوِدي بذي خَوَرٍ ... عند الحِفَاظِ ولا حَوْضِي بمهدومِ )
( أَصْلي كريمٌ ومجدي لا يُقاس به ... ولي لسانٌ كحَدِّ السَّيْفِ مسموم )
( أَحْمي به مجدَ أقوامٍ ذوي حَسَبٍ ... من كلِّ قَرْمٍ بتاج المُلْكِ معمومِ )
( جَحَاجِحٍ سادةٍ بُلْجٍ مَرَازِبةٍ ... جُرْدٍ عِتَاقٍ مسَامِيحٍ مَطَاعيم )