كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني
هوى إلا أضَر به كتب إلي بأن أخرج عبد الصمد فأخرجته وكتبت إليه في أن يأذن لابن سهيل في الخروج إلي فضربه وطرده وقد علم رأيي فيه وعرف مكان عياض مني وانقطاعه إليّ فضربه وحبسه يضارني بذلك اللهم أجرني منه
ثم قال الوليد
صوت
( أنا النّذِيرُ لمُسْدِي نعمةٍ أبداً ... إلى المَقارِيِف لَمّا يَخْبُرِ الدَّخَلاَ )( إن أنتَ أكرمتَهم ألفيتَهم بَطِروا ... وإن أهنتَهمُ ألفيتهم ذُلُلا )
( أتشمَخُون ومنّا رأسُ نعمتكم ... ستعلَمون إذا أبصرتُمُ الدُّولا )
( أنظُر فإن أنت لم تقدِر على مَثَلٍ ... لهم سِوَى الكلبِ فاضربْه لهم مَثَلا )
( بَيْنَا يسمِّنه للصيد صاحبُه ... حتى إذا ما اْستوى من بعد ما هُزِلا )
( عدا عليه فلم تَضْرُره عَدْوتُه ... ولو أطاق له أكلاً لقد أكلا )
غناه مالك خفيف ثقيل من رواية الهشامي
الوليد يفتخر على هشام
قال وقال الوليد أيضا يفتخر على هشامصوت
( أنا الوليدُ أبو العباس قد علِمتْ ... عُلْيا مَعَدٍّ مَدَى كَرِّي وإقْدامي )( إني لَفي الذِّروةِ العُليا إذا انتسبوا ... مُقَابَلٌ بين أخوالي وأعمامي )
( بَنى ليَ المجدَ بانٍ لم يكن وكِلاً ... على مَنارٍ مُضِيئاتٍ وأعلام )
( حللتُ من جوهر الأعْياص قد علِموا ... في باذخ مشمخرِّ العزّ قمْقام )
( صَعْبِ المَرام يُسامِي النَّجمَ مطلعُه ... يسمو إلى فرع طودٍ شامخ سامي )
غناه عمر الوادي خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق
وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثني مصعب الزبيري قال بعث الوليد بن يزيد إلى هشام بن عبد الملك راويته فأنشده قوله
( أنا الوليد أبو العباس قد علِمت ... عُليا مَعَدّ مَدَى كَرّي وإقدامي )
فقال هشام والله ما علمت له معد كرا ولا إقداما إلا أنه شرب مرة مع عمه بكار بن عبد الملك فعربد عليه وعلى جواريه فإن كان يعني ذلك بكرّه وإقدامه فعسى
الشاعر الحاقد
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حُدثت أن أبا الزناد قال دخلت على هشام بن عبد الملك وعنده الزُّهري وهما يعيبان الوليد فأعرضت ولم أدخل في شيء من ذكره فلم ألبث أن استُؤذن للوليد فأُذن له فدخل وهو مُغضب فجلس قليلاً ثم نهض
فلما مات هشام وولي الوليد كتب إلى المدينة فحملت فدخلت عليه فقال أتذكر قول الأحول والزهري قلت نعم وما عرضت في شيء من أمرك قال صدقت أتدري من أبلغني ذلك قلت لا قال الخادم الواقف على رأسه وايم الله لو بقي الفاسق الزهري لقتله ثم قال ذهب هشام بعمري فقلت بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين وقام وصلّى العصر ثم جلس يتحدث إلى المغرب ثم صلّى المغرب ودعا بالعشاء فتعشيّت معه ثم جلس يتحدث حتى صلى العتمة ثم تحدثنا قليل ثم قال اسقينني فأتينه بإناء مغطّى وجاء جوار فقمن بيني وبينه فشرب وانصرفن ومكث قليلا ثم قال اسقينني ففعلن مثل ذلك وما زال والله ذلك دأبه حتى طلع الفجر فأحصيت له سبعين قدحا
وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن أبي الزناد قال أجمع الزهري على أن يدخل إلى بلاد الروم إن ولي الوليد بن يزيد فمات الزهري قبل ذلك
قال المدائني وبلغ الوليد أن العباس بن الوليد وغيره من بني مروان يعيبونه بالشراب فلعنهم وقال إنهم ليعيبون علي ما لو كانت لهم فيه لذة ما تركوه وقال هذا الشعر وأمر عمر الوادي أن يغني فيه وهو من جيد شعره ومختاره وفيه غناء قديم ذكره يونس لعمر الوادي غير مجنّس
صوت
( ولقد قضيتُ وإن تَجَلَّل لِمّتي ... شيبٌ على رغم العِدَا لذَّاتي ) ( من كاعباتٍ كالدُّمَى ومَناصِفٍ ... ومراكب للصيد والنَّشَواتِ )
( في فِتيةٍ تأبى الهوانَ وجوهُهم ... شُمِّ الأنوف جحاجح سادات )
( إن يَطلبوا بِتِراتِهم يُعطَوْا بها ... أو يُطلَبوا لا يُدْرَكوا بترات )
الوليد يكتب وهشام يرد
حدثني المنهال بن عبد الملك قال كتب الوليد إلى هشام قد بلغني ما أحدث أمير المؤمنين من قطع ما قطع عني ومحو من محا من أصحابي وأنه حرمني وأهليولم أكن أخاف أن يبتلي الله أمير المؤمنين بذلك في ولا ينالني مثله منه ولم يبلغ استصحابي لابن سهيل ومسألتي في أمره أن يجري علي ما جرى وإن كان ابن سهيل على ما ذكره أمير المؤمنين فبحسب العير أن يقرب من الذئب
وعلى ذلك فقد عقد الله لي من العهد وكتب لي من العمر وسبب لي من الرزق ما لا يقدر أحد دونه تبارك وتعالى على قطعه عني دون مدته ولا صرفه عن مواقعه المحتومة له
فقدر الله يجري على ما قدره فيما أحب الناس وكرهوا لا تعجيل لآجله ولا تأخير لعاجله والناس بعد ذلك يحتسبون الأوزار ويقترفون الآثام على أنفسهم من الله بما يستوجبون العقوبة عليه
وأمير المؤمنين أحق بالنظر في ذلك والحفظ له
والله يوفق أمير المؤمنين لطاعته ويحسن القضاء له في الأمور بقدرته وكتب اليه الوليد في آخر كتابه
( أليس عظيماً أن أرى كلَّ واردٍ ... حِياضَك يوماً صادراً بالنّوافل )
( فأرْجِعَ محمودَ الرَّجاء مصرَّدا ... بتحلِئةٍ عن وِرْد تلك المناهل )
( فأصبحتُ مما كنت آمُلُ منكُم ... وليس بلاقٍ ما رجا كلُّ آمل )
( كمُقْتَبِض يوماً على عُرْض هَبْوةٍ ... يَشُدُّ عليها كفَّه بالأنامل )
فكتب إليه هشام قد فهم أمير المؤمنين ما كتبت به من قطع ما وغير ذلك
وأمير المؤمنين يستغفر الله من إجرائه ما كان يجري عليك ولا يتخوف على نفسه اقتراف المآثم في الذي أحدث من قطع ما قطع ومحو من محا من صحابتك لأمرين أما أحدهما فإن أمير المؤمنين يعلم مواضعك التي كنت تصرف إليها ما يجريه عليك وأما الآخر فإثبات صحابتك وأرزاقهم دارّة عليهم لا ينالهم ما نال المسلمين عند قطع البعوث عليهم وهم معك تجول بهم في سفهك وأمير المؤمنين يرجو أن يكفر الله عنه ما سلف من إعطائه إياك باستئنافه قطعه عنك
وأما ابن سهيل فلعمري لئن كان نزل منك بحيث يسوءك ما جرى عليه لما جعله الله لذلك أهلاً
وهل زاد ابن سهيل لله أبوك على أن كان زفّاناً مغنيا قد بلغ في السفه غايته وليس مع ذلك ابن سهيل بشر ممن كنت تستصحبه في الأمور التي ينزّه أمير المؤمنين نفسه
عنها مما كنت لعمري أهلا للتوبيخ فيه
وأما ما ذكرت مما سببه الله لك فإن الله قد ابتدأ أمير المؤمنين بذلك واصطفاه له والله بالغ أمره
ولقد أصبح أمير المؤمنين وهو على يقين من رأيه إلا أنه لا يملك لنفسه مما أعطاه الله من كرامته ضُرا ولا نفعا وإن الله ولي ذلك منه وإنه لا بد له من مفارقته وإن الله أرأف بعباده وأرحم من أن يولي أمرهم غير من يرتضيه لهم منهم
وإن أمير المؤمنين مع حسن ظنه بربه لعلي أحسن الرجاء لأن يوليه بسبب ذلك لمن هو أهله في الرضا به لهم فإن بلاء الله عند أمير المؤمنين أعظم من أن يبلغه ذكره أو يوازيه شكره إلا بعون منه
ولئن كان قد قدر الله لأمير المؤمنين وفاة تعجيل فإن في الذي هو مفض وصائر إليه من كرامة الله لخلفا من الدنيا
ولعمري إن كتابك لأمير المؤمنين بما كتبت به لغير مستنكر من سفهك وحمقك فأبق على نفسك وقصر من غلوائها وأربع على ظلعك فإن لله بسطوات وغِيرا يصيب بها من يشاء من عباده
وأمير المؤمنين يسأل الله العصمة والتوفيق لأحب الأمور إليه وأرضاها له وكتب في أسفل الكتاب
( إذا أنتَ سامحتَ الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقالُ ) والسلام
بويع له بالخلافة وهو سكران
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخرّاز وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبّة عن المدائني عن جُويرية بن أسماء عن المنهال بن عبد الملك عن إسحاق بن أيوب كلهم عن أبي الزبير المنذر بن عمرو قال وكان كاتبا للوليد بن يزيد قال أرسل إلي الوليد صبيحة اليوم الذي أتته فيه الخلافة فأتيته فقال لي يا أبا الزبير ما أتت عليّ ليلة أطول من هذه الليلة عرضتني أمور وحدّثت نفسي فيها بأمور وهذا الرجل قد أُولع بي فاركب بنا نتنفّس فركب وسرت معه فسار ميلين ووقف على تل فجعل يشكو هشاما إذ نظر إلى رهج قد أقبل قال عمر بن شبّة في حديثه وسمع قعقعة البريد فتعوذ بالله من شر هشام وقال إن هذا البريد قد أقبل بموت وحي أو بملك عاجل فقلت لا يسوءك الله أيها الأمير بل يسرك ويبقيك إذ بدا رجلان على البريد يقبلان أحدهما مولى لآل أبي سفيان بن حرب فلما قربا رأيا الوليد فنزلا يعدوان حتى دنوا فسلما عليه بالخلافة فوجم وجعلا يكروان عليه التسليم بالخلافة فقال ويحكم ما الخبر أمات هشام قالا نعم قال فمرحبا بكما ما معكما قالا كتاب مولاك سالم بن عبد الرحمن فقرأ الكتاب وانصرفنا
وسأل عن عياض بن مسلم كاتبه الذي كان هشام ضربه وحبسه فقالا يا أمير المؤمنين لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام أمر الله فلما صار إلى حال لا ترجى الحياة لمثله معها أرسل عياض إلى الخزان احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلن أحد إلى شيء وأفاق هشام إفاقة فطلب شيئا فمنعه فقال أرانا كنا خزانا للوليد وقضى من ساعته
فخرج عياض من السجن ساعة قضى هشام فختم الأبواب والخزائن وأمر بهشام فأنزل عن فراشه ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن فكفنه غالب مولى هشام ولم يجدوا قمقما حتى استعاروه
وأمر الوليد بأخذ ابني هشام بن إسماعيل المخزومي فأُخذا بعد أن عاذ إبراهيم بن هشام بقبر يزيد بن عبد الملك فقال الوليد ما أُراه إلا قد نجا فقال له يحيى بن عروة بن الزبير وأخوه
عبد الله إن الله لم يجعل قبر أبيك معاذا للظالمين فخذه برد ما في يده من مال الله فقال صدقت وأخذهما فبعث بهما إلى يوسف بن عمر وكتب إليه أن يبسط عليهما العذاب حتى يتلفا ففعل ذلك بهما وماتا جميعا في العذاب بعد أن أُقيم إبراهيم بن هشام للناس حتى اقتضوا منه المظالم
وقال عمر بن شبّة في خبره إنه لما نعي له هشام قال والله لأتلقين هذه النعمة بسكرة قبل الظهر ثم أنشأ يقول
( طاب يومي ولذَّ شربُ السُّلافه ... إذ أتاني نَعِيُّ من بالرُّصَافَهْ )
( وأتانا البرِيدُ ينعَى هشاماً ... وأتانا بخاتم للخلافة )
( فاْصطبحنا من خمر عانَةَ صِرْفاً ... ولَهَوْنا بقَيْنةٍ عَزّافه )
ثم حلف ألا يبرح موضعه حتى يُغنى في هذا الشعر ويشرب عليه فغني له فيه وشرب وسكر ثم دخل فبويع له بالخلافة
قال وسمع صياحا فسأل عنه فقيل له هذا من دار هشام يبكيه بناته فقال
( إني سمعتُ بليلٍ ... وَرَا المُصلَّى برَنَّهْ )
( إذا بناتُ هشامٍ ... يندُبْنَ والِدَهُنّهْ )
( يندُبْنَ قَرْماً جَليلاً ... قد كان يَعْضُدُهنّهُ )
( أنا المخنَّث حقَّاً ... إن لم أنِيكنَّهُنَّهْ )
وقال المدائني في خبر أحمد بن الحارث وشرب الوليد يوما فلما طابت نفسه تذكر هشاما فقال لعمر الوادي غنّني
( إنّي سمعت بليل ... وَرَا المصلَّى برَنّهْ )
فغناه فيه فشرب عليه ثلاثة أرطال ثم قال والله لئن سمعه منك أحد أبدا لاقتلنك
قال فما سمع منه بعدها ولا عرف
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( طاب يومي ولَذَّ شُرْبُ السُّلاَفه ... إذ أتانا نَعِيُّ من في الرُّصافَهْ )غنّاه عمر الوادي خفيف رمل بالبنصر
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبّة قال حدثني أبو غسان قال قال حكم الوادي كنا عند الوليد بن يزيد وهو يشرب إذ جاءنا خصيّ فشق جيبه وعزاه عن عمه هشام وهنأه بالخلافة وفي يده قضيب وخاتم وطومار فأمسكنا ساعة ونظرنا إليه بعين الخلافة فقال غنّوني غنياني قد طاب شرب السلافه البيتين فلم نزل نغنيه بهما الليل كله
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبّة قال حدثنا
إسحاق بن إبراهيم قال حدثني مروان بن أبي حفصة قال دخلت على الرشيد أمير المؤمنين فسألني عن الوليد بن يزيد فذهبت أتزحزح فقال إن أمير المؤمنين لا ينكر ما تقول فقل قلت كان من أصبح الناس وأظرف الناس وأشعر الناس
فقال أتروي من شعره شيئا قلت نعم دخلت عليه مع عمومتي وفي يده قضيب ولي جمّة فينانة فجعل يدخل القضيب في جمتي وجعل يقول يا غلام ولدتك سكر وهي أم ولد كانت لمروان بن الحكم فزوجها أبا حفصة قال فسمعته يومئذ ينشد
( ليت هشاماً عاش حتى يرى ... مكيالَه الأوفرَ قد أُتْرِعا )
( كِلْنا له الصاعَ التي كالَها ... فما ظلمناه بها أصْوُعا )
( لم نأتِ ما نأتيه عن بدعة ... أحلّه القرآن لي أجمعا )
قال فأمر الرشيد بكتابتها فكتبت
الشاعر المجيد
وللوليد أشعار جياد فوق هذا الشعر الذي اختاره مروانفمنها وهو ما
برز فيه وجوده وتبعه الناس جميعا فيه وأخذوه منه قوله في صفة الخمر أنشدنيه الحسن بن علي قال أنشدني الحسين بن فهم قال أنشدني عمر بن شبّة قال أنشدني أبو غسان محمد بن يحيى وغيره للوليد
قال وكان أبو غسان يكاد يرقص إذا انشدها
( اِصدَع نجيَّ الهموم بالطرب ... واْنعَمْ على الدهر باْبنة العنبِ )
( واْستقبلِ العيشَ في غَضارته ... لا تَقْفُ منه آثارَ معتقِبِ )
( من قهوة زانها تقادُمها ... فهي عجوز تعلو على الحِقب )
( أشهى إلى الشَّرْب يوم جَلوْتها ... من الفتاة الكريمة النّسب )
( فقد تجلّت ورَقّ جوهرها ... حتى تبدّت في منظَر عجَب )
( فهي بغير المِزاج من شَرَر ... وهي لدى المزج سائلُ الذهب )
( كأنها في زجاجها قَبَسٌ ... تذكو ضياءً في عين مرتقِب )
( في فتيةٍ من بني أميّة أهلِ ... المجد والمأْثُرات والحسب )
( ما في الورى مثلُهم ولا فيهم ... مثلي ولا مُنْتَمٍ لمثل أبي )
قال المدائنيّ في خبره وقال الوليد حين أتاه نعي هشام
( طال ليلي فبتُّ أُسقَى المداما ... إذ أتاني البريد ينعَى هشاما )
( وأتاني بحُلّة وقضيب ... وأتاني بخاتم ثم قاما )
( فجعلتُ الوليّ من بعد فقدي ... يفضُل الناسَ ناشئاً وغلاما )
( ذلك اْبني وذاك قَرْم قريشٍ ... خيرُ قَرْمٍ وخيرُهم أعماما )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني عن جرير قال قال لي عمر الوادي كنت يوما أغني الوليد إذ ذكر هشاما فقال لي غنني بهذه الأبيات قلت وما هي يا أمير المؤمنين فأنشأ يقول
صوت
( هلَك الأحول المَشُومُ ... فقد أُرسل المطرْ )( ثُمّتَ اْستُخْلِف الوليد ... فقد أوْرق الشجرْ )
الشعراء يقتبسون معاني الوليد
وللوليد في ذكر الخمر وصفتها أشعار كثيرة قد أخذها الشعراء فأدخلوها في أشعارهم سلخوا معانيها وأبو نواس خاصة فإنه سلخ معانيه كلها وجعلها في شعره فكررها في عدة مواضع منهولولا كراهة التطويل لذكرتها ها هنا على أنها تنبىء عن نفسها
وله أبيات أنشدنيها الحسن بن علي قال أنشدني الحسين بن فهم قال أنشدني عمر بن شبّة قال أنشدني أبو غسان وغيره للوليد وكان أبو غسان يكاد أن يرقص إذا أنشدها
( اِصْدَع نجيَّ الهموم بالطرب ... واْنعَمْ على الدهر باْبنة العنب )
الأبيات التي مضت متقدما
وهذا من بديع الكلام ونادره وقد جوّد فيه منذ ابتدأ إلى أن ختم وقد نقلها أبو نواس والحسين بن الضحاك في أشعارهما
ومن جيد معانيه قوله
( رأيتُك تَبني جاهداً في قطيعتي ... ولو كنتَ ذا حزم لهدَّمتَ ما تبني )
وقد مضت في أخباره مع هشام
وأنشدني الحسن بن علي عن الحسين بن فهم قال أنشدني عمرو بن أبي عمرو للوليد بن يزيد وكان يستجيده فقال
( إذا لم يكن خيرٌ مع الشرّ لم تَجِدْ ... نصيحاً ولا ذا حاجَةٍ حين تفزَع )
( وكانوا إذا هَمُّوا بإحدى هَنَاتِهم ... حسَرتُ لهم رأسي فلا أتقنّع )
ومن نادر شعره قوله لهشام
( فإن تك قد مَلِلتَ القربَ منّي ... فسوف تَرى مُجانبتي وبعدي )
( وسوف تلوم نفسَك إن بقِينا ... وتبلو الناسَ والأحوال بعدي )
( فتندَمُ في الذي فرّطتَ فيه ... إذا قايستَ في ذمّي وحمدي )
أخبرني الحسين بن يحيى قال حدثنا ابن مهرويه وعبد الله بن عمرو بن أبي سعد قالا حدثنا عبد الله بن أحمد بن الحارث القرشي قال حدثنا محمد ابن عائذ قال حدثني الهيثم بن عمران قال سمعته يقول لما بويع الوليد سمعته على المنبر يقول بدمشق
( ضمِنتُ لكم إن لم تَرُعْنِي منيّتي ... بأنّ سماء الضرّ عنكم ستُقلِع )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني عيسى ابن عبد الله بن محمد بن عمر بن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما ولي الوليد بن يزيد كتب إلى أهل المدينة والشعر له
( مُحَرَّمُكُم ديوانُكم وعطاؤكم ... به يكتب الكتّاب والكُتْب تُطبَعُ )
( ضمِنت لكم إن لم تصابوا بمهجتي ... بأنّ سماء الضرّ عنكم ستُقلِع )
وأول هذه الأبيات
( ألاَ أيّها الركب المُخِبّون أبلِغوا ... سلاميَ سُكّانَ البلاد فأسمعوا )
( وقولوا أتاكم أشبهُ الناس سنّةً ... بوالده فاستبشِروا وتوقّعوا )
( سيُوشِك إلحاقٌ بكم وزيادة ... وأعطِيةٌ تأتي تِباعاً فتُشْفَع )
وكان سبب مكاتبته أهل الحرمين بذلك أن هشاما لما خرج عليه زيد بن علي رضي الله عنه منع أهل مكة وأهل المدينة أعطياتهم سنة
فقال حمزة ابن بيض يرد على الوليد لمّا فعل خلاف ما قال
( وصلتَ سماءَ الضرّ بالضرّ بعد ما ... زَعمتَ سماء الضرّ عنّا ستُقلِع )
( فليت هشاماً كان حيَّا يسوسنا ... وكنّا كما كنا نُرجِّي ونطمع )
أخبرني أحمد قال حدثني عمر بن شبة قال روى جرير بن حازم عن الفضل بن سويد قال بعث الوليد بن يزيد إلى جماعة من أ هله لما ولي الخلافة فقال أتدرون لم دعوتكم قالوا لا قال ليقل قائلكم فقال رجل منهم أردت يا أمير المؤمنين أن ترينا ما جدد الله لك من نعمته وإحسانه فقال نعم ولكني
( أُشهِد الله والملائكةَ الأبرار ... والعابدين أهلَ الصلاحِ )
( أنني أشتهي السَّماع وشربَ الكأس ... والعض للخدود الملاح )
( والنديمَ الكريم والخادمَ الفارِهَ ... يسعى عليّ بالأقداح )
قوموا إذا شئتم
الوليد يبتاع الجواري ويجيز المادحين
أخبرني إسماعيل بن يونس وأحمد بن عبد العزيز قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال عرضت على الوليد بن يزيد جارية صفراء كوفية مولدة يقال لها سعاد فقال لها أي شيء تحسنين فقالت أنا مغنية فقال لها غنيني فغنتصوت
( لولا الذي حُمّلتُ من حبّكم ... لكان في إظهاره مَخْرَجُ )( أو مذهبٌ في الأرض ذو فسحةٍ ... أجَلْ ومن حَجَّت له مَذْحِجُ )
( لكن سباني منكُم شادنٌ ... مُرَبَّبٌ ذو غُنّة أدعجُ )
( أغرُّ مَمكورٌ هَضِيمُ الحَشَى ... قد ضاق عنه الحَجْل والدُّمْلُجُ )
الشعر للحارث بن خالد
والغناء لابن سريج خفيف رمل بالبنصر وفيه لدحمان هزج بالوسطى وذكر الهشامي أن الهزج ليحيى المكي فطرب طرباً شديداً وقال يا غلام اسقني فسقاه عشرين قدحا وهو يستعيدها ثم قال لها لمن هذا الشعر قالت للحارث بن خالد قال وممن أخذتيه
قالت من حنين قال وأين لقيته قالت ربيت بالعراق وكان أهلي يجيئون به فيطارحني فدعا صاحبه فقال اذهب فابتعها بما بلغت ولا تراجعني في ثمنها ففعل ولم تزل عنده حظية
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبيد الله بن عمار قال حدثني عبيد الله بن أحمد بن الحارث القرشي قال حدثنا العباس بن الوليد قال حدثنا ضمرة قال خرج عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام يوما إلى بعض الديارات فنزل فيه وهو وال على الرملة فسأل صاحب الدير هل نزل بك أحد من بني أمية قال نعم نزل بي الوليد بن يزيد ومحمد بن سليمان بن عبد الملك قال فأي شيء صنعا قال شربا في ذلك الموضع ولقد رأيتهما شربا في آنيتهما ثم قال أحدهما لصاحبه هلمَّ نشرب هذا الجرن وأومأ إلى جرنٍ عظيم من رخام قال أفعل فلم يزالا يتعاطيانه بينهما ويشربان به حتى ثملا
فقال عبد الوهاب لمولى له أسود هاته
قال ضمرة وقد رأيته وكان يوصف بالشدة فذهب يحركه فلم يقدر
فقال الراهب والله لقد رأيتهما يتعاطيانه وكل واحد منهما يملؤه لصاحبه فيرفعه ويشربه غير مكترث
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى قال وفد سعد بن مرة بن جبير مولى آل كثير بن الصلت وكان شاعرا على الوليد بن يزيد فعرض له في يوم من أيام الربيع وقد خرج إلى متنزه له
فصاح به يا أمير المؤمنين وافدك وزائرك ومؤملك فتبادر الحرس إليه ليصدوه عنه فقال دعوه ادن إلي فدنا إليه فقال من أنت قال أنا رجل من أهل الحجاز شاعر قال تريد ماذا قال تسمع مني أربعة أبيات قال هات
صوت
( شِمْنَ المَخَايِلَ نحوَ أرضِك بالحيَا ... ولَقِين ركباناً بعُرْفك قُفّلا ) قال ثم مه قال
( فعمَدن نحوَك لم يُنَخْن لحاجة ... إلاّ وقوعَ الطير حتى تَرْحلا ) قال إن هذا السير حثيث ثم ماذا قال
( يعمِدن نحو مُوطِّىءٍ حجراتِه ... كَرَماً ولم تعدِل بذلك مَعْدِلا ) قال فقد وصلت إليه فمه قال
( لاحت لها نيرانُ حَيَّيْ قَسْطلٍ ... فاْخترن نارَك في المنازل منزلا ) قال فهل غير هذا قال لا قال أَنْجحتْ وِفادتُك ووجبت ضيافتك أعطوه أربعة آلاف دينار فقبضها ورحل
الغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو والهشامي
أخبار عن الوليد وزوجته
رجعت الرواية إلى حديث المدائني قال لما قدم العباس بن الوليد لإحصاء ما في خزائن هشام وولده سوى مسلمة بن هشام فإنه كان كثيرا ما يكف أباه عن الوليد ويكلمه فيه ألا يعرض له ولا يدخل منزلهوكانت عند مسلمة أم سلمة بنت يعقوب المخزومية وكان مسلمة يشرب
فلما قدم العباس لإحصاء ما كتب إليه الوليد كتبت إليه أم سلمة ما يفيق من الشراب ولا يهتم بشيء مما فيه إخوته ولا بموت أبيه
فلما راح مسلمة بن هشام إلى العباس قال له يا مسلمة كان أبوك يرشحك للخلافة ونحن نرجوك لما بلغني عنك وأنبه وعاتبه على الشراب فأنكر مسلمة ذلك وقال من أخبرك بهذا قال كتبت إلي به أم سلمة فطلقها في ذلك المجلس فخرجت إلى فلسطين وبها كانت تنزل وتزوجها أبو العباس السفاح هناك
وسلمى التي عناها الوليد هناك هي سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو ابن عثمان بن عفان وأمها أم عمرو بنت مروان بن الحكم وأمها بنت عمر ابن أبي ربيعة المخزومي
فأخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام وعن المدائني عن جويرية بن أسماء أن يزيد بن عبد الملك كان خرج إلى قرين متبديا به وكان هناك قصر لسعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان وكانت بنته أم عبد الملك واسمها سعدة تحت الوليد بن يزيد فمرض سعيد في ذلك الوقت وجاءه الوليد عائدا فدخل فلمح سلمى بنت سعيد أخت زوجته وسترها حواضنها وأختها
فقامت ففرعتهن طولا فوقعت بقلب الوليد
فلما مات أبوه طلق أم عبد الملك زوجته وخطب سلمى إلى أبيها وكانت لها أخت يقال لها أم عثمان تحت هشام بن عبد الملك فبعثت إلى أبيها وقيل بعث إليه هشام أتريد أن تستفحل الوليد لبناتك يطلق هذه وينكح هذه فلم يزوجه سعيد ورده أقبح رد
وهويها الوليد ورام السلو عنها فلم يسل وكان يقول العجب لسعيد خطبت إليه فردني ولو قد مات هشام ووليت لزوجني وهي طالق ثلاثا إن تزوجتها حينئذ وإن كنت أهواها
فيقال إنه لما طلق سعدة ندم على ذلك وغمه وكان لها من قلبه محل ولم تحصل له سلمى فاهتم لذلك وجزع وراسل سعدة وقد كانت زوجت غيره فلم ينتفع بذلك
فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري والحسن بن علي قالا حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن الجهم قال حدثنا المدائني قال بعث الوليد بن يزيد إلى أشعب بعد ما طلق امرأته فقال يا أشعب لك عندي عشرة آلاف درهم على أن تبلغ رسالتي سعدة فقال أحضر العشرة الآلاف الدرهم حتى أنظر إليها فأحضرها الوليد فوضعها أشعب على عنقه وقال هات رسالتك قال قل لها يقول لك أمير المؤمنين
( أسَعْدةُ هل إليكِ لنا سبيلٌ ... وهل حتى القيامةِ من تَلاَقي )
( بَلَى ولعلّ دهراً أن يُؤاتِي ... بموت من حَليلك أو طلاقِ )
( فأُصبِحَ شامتاً وَتَقَرَّ عيني ... ويُجمعَ شملُنا بعد اْفتراق ) فأتى أشعب الباب فأخبرت بمكانه فأمرت بفرش لها ففرشت وجلست وأذنت له
فلما دخل أنشدها ما أمره فقالت لخدمها خذوا الفاسق فقال يا سيدتي إنها بعشرة آلاف درهم
قالت والله لأقتلنك أو تبلغه كما بلغتني قال وما تهبين لي قالت بساطي الذي تحتي قال قومي عنه فقامت فطواه وجعله إلى جانبه ثم قال هات رسالتك جعلت فداك قالت قل له
( أتبكي على لُبْنَى وأنت تركتَها ... فقد ذهبتْ لبنى فما أنت صانعُ )
فأقبل أشعب فدخل على الوليد فقال هيه فأنشده البيت فقال أوه قتلتني يابن الزانية ما أنا صانع فاْختر أنت الآن ما أنت صانع ياْبن الزانية إما أن أُدَلِّيَكَ على رأسك منكسا في بئر أو أرمي بك منكسا من فوق القصر أو أضرب رأسك بعمودي هذا ضربة هذا الذي أنا صانع فاختر أنت الآن ما أنت صانع فقال ما كنت لتفعل شيئا من ذلك قال ولم يابن الزانية قال لم تكن لتعذّب عينين نظرتا إلى سعدة قال أوه أفلت والله بهذا يابن الزانية اخرج عني
وقال الحسن في روايته إنها قالت له أنشده
( أتبكي على لُبْنى وأنت تركتها ... وأنت عليها بالمَلاَ كنتَ أقدرُ )
وفي هذه الأبيات غناء هذه نسبته
صوت
( أرى بيت لُبْنَى أصبح اليوم يُهجرُ ... وهِجرانُ لبنى يا لكَ الخيرُ مُنْكَرُ )( فإن تكن الدنيا بلُبْنى تغيّرت ... فلِلدّهر والدنيا بطونٌ وأظْهُرُ )
( أتبكي على لُبْنَى وأنت تركتَها ... وأنت عليها بالحَرَا كنتَ أقدر )
عروضه من الطويل والشعر لقيس بن ذريح والغناء في الثاني والثالث للغريض ثقيل أول بالبنصر عن عمرو والهشامي
وفيهما لعريب رمل بالبنصر وفيه لشارية خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي
وفي الأول خفيف ثقيل مجهول
قال ابن سلام والمدائني في خبرهما وخرج الوليد بن يزيد يريد فرتنى لعله يراها فلقيه زيات معه حمار عليه زيت فقال له هل لك أن تأخذ فرسي هذا وتعطيني حمارك هذا بما عليه وتأخذ ثيابي وتعطيني ثيابك ففعل الزيات ذلك
وجاء الوليد وعليه الثياب وبين يديه الحمار يسوقه متنكرا حتى دخل قصر سعيد فنادى من يشتري الزيت فاطلع بعض الجواري فرأينه فدخلن إلى سلمى وقلن إن بالباب زياتا أشبه الناس بالوليد فاخرجي
فانظري إليه فخرجت فرأته ورآها فرجعت القهقرى وقالت هو والله الفاسق الوليد وقد رآني فقلن له لا حاجة بنا إلى زيتك فانصرف وقال
( إنني أبصرتُ شيخاً ... حسنَ الوجه مليحْ )
( ولِباسي ثوب شيخٍ ... من عباءٍ ومُسوح )
( وأبيعُ الزيت بيعاً ... خاسراً غيرَ رَبيح ) وقال أيضا
( ما مِسْكٌ يُعَلُّ بزنجبيلٍ ... ولا عسلٌ بألبان اللَقاحِ )
( بأشهى من مُجاجة ريق سلمى ... ولا ما في الزِّقاق من القَراح )
( ولا والله لا أنسى حياتي ... وَثَاقَ الباب دوني واْطِّراحي )
قال فلما ولي الخلافة أشخص إلى المغنيّن فحضروه وفيهم معبدٌ وابن عائشة وذووهما
فقال لابن عائشة يا محمد إن غنّيتني صوتين في نفسي فلك عندي مائة ألف درهم فغنّاه قوله
( إنني أبصرتُ شيخاً ... )
وغناه
( فما مسكٌ يعلّ بزنجبيل ... ) الأبيات فقال الوليد ما عدوت ما في نفسي وأمر له بمائة ألف درهم وألطاف وخلع وأمر لسائر المغنّين بدون ذلك
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( فما مسكٌ يُعَلّ بزنجبيلٍ ... ولا عسلٌ بألبان اللِّقاحِ )( بأطيبَ من مُجاجة ريق سلمى ... ولا ما في الزِّقاق من القَراح )
غناه ابن عائشة ولحنه ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحماد بن إسحاق
الوليد يرثي زوجته سلمى
قال المدائني وابن سلام فلما طال بالوليد ما به كتب إلى أبيها سعيد( أبا عثمان هل لك في صنيع ... تُصيب الرشدَ في صلتي هُدِيتا )
( فأشكرَ منك ما تُسدي وتُحيي ... أبا عثمان مَيّتةً ومَيْتا )
قالوا فلم يجبه إلى ذلك حتى ولي الخلافة فلما وليها زوجه إياها فلم يلبث إلا مدة يسيرة حتى ماتت وقال فيها ليلة زفت إليه
( خفَّ من دار جيرتي ... ياْبن داود أُنْسُها ) وهي طويلة وفيها مما يغنى به
( أو لا تخرج العروسُ ... فقد طال حبسُها )
( قد دنا الصبح أو بَدا ... وهي لم يُقضَ لُبْسها )
( برزت كالهلال في ... ليلةٍ غاب نحسُها )
( بين خمس كواعبٍ ... أكرمُ الخمسِ جنسُها ) غناءُ ابن سريج فيما ذكره حبش رمل بالبنصر أوله
( خَفَّ من دار جيرتي ... ) وغناء معبد فيه خفيف ثقيل أوله
( ومتى تخرج العروس ... )
في رواية الهشامي وابن المكي
وغناء عمر الوادي في الأربعة الأبيات الأخر خفيف رمل بالبنصر عن عمرو
وذكر في النسخة الثانية ووافقه الهشامي أن فيه هزجا بالوسطى ينسب إلى حكم وإلى أبي كامل وإلى عمر
وقد أخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال رأيت حكما الوادي قد تعرض للمهدي وهو يريد الحج فوقف له في الطريق وكانت له شهرة فأخرج دفا له فنقر فيه وقال أنا أطال الله بقاءك القائل
( ومتى تخرج العروسُ ... فقد طال حبسُها )
( قد دنا الصبح أو بدا ... وهي لم يُقْضَ لُبْسُها )
قال فتسرع اليه الحرس فصيح بهم وإذا هو حكم الوادي فأُدخل اليه المضرب فوصله وانصرف
نسبة أولا تخرج العروس قال الشعر للوليد بن يزيد والغناء لعمر الوادي وفيه لحنان هزج خفيف بالخنصر في مجرى البنصر وخفيف رمل بالخنصر في مجرى البنصر جميعا عن إسحاق وذكر حكم الوادي أن الهزج له وذكر إسحاق أن لحن حكم خفيف رمل بالخنصر في مجرى الوسطى وقال في كتاب يحيى إن هذا اللحن لعمر الوادي
وذكر الهشامي أن فيه خفيف ثقيل لمعبد ورملا لابن سريج وذكر عمرو بن بانة أن فيه للدلال خفيف ثقيل أول بالبنصر
وقال المدائني مكثت عنده سلمى أربعين يوما ثم ماتت فقال
( ألَمّا تعلَما سَلْمى أقامت ... مُضَمَّنةً من الصحراء لحدا )
( لعمرك يا وليدُ لقد أجَنّوا ... بها حَسَباً ومَكرُمةً ومجدا )
( ووجهاً كان يقصُر عن مداه ... شعاعُ الشمس أَهْلٌ أن يُفدَّى )
( فلم أَرَ ميّتاً أبْكَى لعينٍ ... وأكثر جازعاً وأجلَّ فقدا )
( وأجدرَ أن تكون لديه مِلْكاً ... يُريك جَلاَدةً ويُسِرّ وَجْدا )
ذكر أشعار الوليد التي قالها في سلمى وغنى المغنون فيها منها
صوت
( عرفتُ المنزلَ الخالي ... عفا من بعد أحوالِ ) ( عفَاه كلُّ حَنّانٍ ... عَسُوفِ الوَبْل هَطّال )
( لسلمى قرّةِ العين ... وبنتِ العمّ والخال )
( بذلتُ اليوم في سلمى ... خِطاراً أتلفتْ مالي )
( كأنّ الريق من فِيها ... سَحيقٌ بين جِرْيال )
غناه عمر الوادي هزجا بالوسطى عن عمرو
وذكر ابن خرداذبه أن هذا اللحن للوليد بن يزيد وفيه رَمَلٌ ذكر الهشامي أنه لابن سريج
ومنها وهو الصوت الذي غنّاه أبو كامل فأعطاه الوليد قلنسيته
صوت
( منازلُ قد تَحُلّ بها سليمى ... دوراسُ قد أضرّ بها السِّنونُ )( أُمِيتُ السرَّ حفظاً يا سليمى ... إذا ما السرّ باح به الحَزُون )
غنّاه أبو كامل من الثقيل الأول وفيه لابن سريج ويقال للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وقيل إنه لحكم أو لعمر الوادي ومنها
صوت
( أراني قد تصابيتُ ... وقد كنت تناهيتُ )
( ولو يترُكني الحبُّ ... لقد صمت وصلّيتُ )
( إذا شئتُ تصبّرت ... ولا أصبر إن شيتُ )
( ولا والله لا يصبر ... في الدَّيْمومة الحُوت )
( سليمى ليس لي صبر ... وإن رخَّصتِ لي جِيتُ )
( فقبّلتُك ألفين ... وفدَّيت وحيَّيْتُ )
( ألا أحْبِبْ بزَوْرٍ زار ... من سلمى ببيروت )
( غزالٌ أدْعَجُ العين ... نقيُّ الجيدِ واللِّيتِ )
غناه ابن جامع في البيتين الأولين هزجا بالوسطى وغنّاه أبو كامل في الأبيات كلها على ما ذكرت بذل ولم تجنسه وغنى حكم الوادي في الثالث والرابع والسابع والثامن خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي ومنها
صوت
( عتَبتْ سَلْمى علينا سَفاها ... أن سَبَبْتُ اليوم فيها أباها )
( كان حقُّ العتب يا قومُ منّي ... ليس منها كان قلبي فِداها )
( فلئن كنتُ أردتُ بقلبي ... لأبي سلمى خلافَ هواها )
( فثكِلتُ اليوم سلمى فسلمى ... ملأت أرضي معاً وسماها )
( غير أني لا أظن عدوّاً ... قد أتاها كاشحاً بأذاها )
( فلها العُتْبَى لدينا وقَلّتْ ... أبداً حتى أنال رضاها )
غناه أبو كامل خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه ليحيى المكي ثقيل أول من رواية علي بن يحيى وفيه رمل يقال إنه لابن جامع ويقال بل لحن ابن جامع خفيف رمل أيضا
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن عمرو قال لقي سعيد بن خالد الوليد بن يزيد وهو ثمل فقال له يا أبا عثمان أتردني على سلمى وكأني بك لو قد وليت الخلافة خطبتني فلم أجبك وإن تزوجتها حينئذ فهي طالق ثلاثا فقال له سعيد إن المرء يجعل كريمته عند مثلك لحقيق بأكثر مما قلت فأمضه الوليد وشتمه وتسامعا وافترقا
وبلغ الوليد أن سلمى جزعت لما جرى وبكت وسبت الوليد ونالت منه فقال
( عتبت سلمى علينا سفاها ... أن هجوتُ اليوم فيها أباها ) وذكر الأبيات وقال أيضا في ذلك
صوت
( على الدُّور التي بَلِيتُ سَفَاها ... قِفَا يا صاحبيّ فسائِلاها )( دعتك صبابةٌ ودعاك شوق ... وأخضل دمعُ عينك مأْقِياها )
( وقالت عند هجوتنا أباها ... أردتَ الصُّرمَ فاْنتَدِه اْنتِداها )
( أردتَ بعادَنا بهجاء شيخي ... وعندك خُلّةٌ تبغي هواها )
( فإن رضيتْ فذاك وإن تمادتْ ... فهَبْها خُطّةً بلغت مَداها )
غناه مالك بن أبي السمح خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وللهذلي فيه ثاني ثقيل بالوسطى عن يونس والهشامي وذكر حبش أن الثقيل الثاني لإسحاق يعني بقوله
( أردتَ بعادنا بهجاء شيخي ... ) أنه كان هجا سعيد بن خالد فقال
( ومن يك مفتاحاً لخير يريده ... فإنك قُفْلٌ يا سعيد بن خالد )
قال المدائني لما غضبت سلمى من هجائه أباها قال يعتذر إليه بقوله
( ألا أبْلِغْ أبا عثمان ... عِذْرةَ مُعْتِبٍ أسفا )
( فلستُ كمن يودّك باللسان ... ويُكثر الحَلِفا )
( عَتبتَ عليّ في أشياء ... كانت بيننا سَرفَا )
( فلا تُشمِتْ بي الأعداءَ ... والجيرانَ ملتهِفا )
( تودّ لَوَ اْنّني لحمٌ ... رأته الطير فاْختُطفا )
( ولا ترفعْ به رأسا ... عفا الرحمن ما سَلَفا ) ومنها وهو من سخيف شعره
صوت
( خبَّروني أن سلمى ... خرجتْ يوم المُصَلَّى )( فإذا طيرٌ مليح ... فوق غصن يتفلّى )
( قلتُ من يعرف سلمى ... قال ها ثم تعلّى )
( قلت يا طير اذنُ منّي ... قال ها ثم تدلّى )
( قلت هل أبصرتَ سلمى ... قال لا ثم تولّى )
( فنَكا في القلب كَلماً ... باطناً ثم تعلّى )
فيه ثقيل أول بالبنصر مطلق ذكر الهشامي أنه لأبي كامل ولعمر الوادي وذكر حبش أنه لدحمان ومنها
صوت
( اسقِني ياْبن سالم قد أنارا ... كوكبُ الصبح وانجلى واستنارا )
( اسقِني من سُلاف ريق سليمى ... واْسق هذا النديمَ كأساً عُقارا )
غنّاه ابن قندح ثاني ثقيل بالوسطى من رواية حبش
أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدثني عمي عبيد الله قال
حدثني أبي أن المأمون قال لمن حضره من جلسائه أنشدوني بيتا لملك يدل البيت وإن لم يعرف قائله أنه شعر ملك فأنشده بعضهم قول امرىء القيس
( أمِن أجل أعرابيّة حلّ أهلُها ... جَنُوبَ المَلاَ عيناكَ تَبْتدِرانِ )
قال وما في هذا مما يدل على ملكه قد يجوز أن يقول هذا سوقة من أهل الحضر فكأنه يؤنب نفسه على التعلق بأعرابية ثم قال الشعر الذي يدل على أن قائله ملك قول الوليد
( اسقِني من سُلاف ريق سليمى ... واْسق هذا النديمَ كأساً عقارا ) أما ترى إلى إشارته في قوله هذا النديم وأنها إشارة ملك
ومثل قوله
( ليَ المحضُ من ودّهم ... ويغمُرهم نائلي ) وهذا قول من يقدر بالملك على طويات الرجال يبذل المعروف لهم ويمكنه استخلاصها لنفسه وفي هذا البيت مع أبيات قبله غناءٌ وهو قوله
صوت
( سقَيْتُ أبا كاملِ ... من الأصفر البابلي )
( وسقَّيتُها معبداً ... وكلَّ فتى بازل )
( لي المحضُ من ودّهم ... ويغمُرهم نائلي )
( فما لامني فيهمُ ... سوى حاسدٍ جاهل ) غناه أبو كامل ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر ومنها وهو من مُلح شعره
صوت
( أراني اللهُ يا سلمى حياتي ... وفي يوم الحساب كما أراك )( ألاَ تَجْزِين مَنْ تيّمتِ عصراً ... ومن لو تطلبين لقد قضاكِ )
( ومَنْ لو مُتِّ مات ولا تموتي ... ولو أُنْسي له أجلٌ بكاك )
( ومَنْ حَقَّا لَوُ اْعْطِي ما تمنّى ... من الدنيا العريضة ما عداك )
( ومَنْ لو قلتِ مُتْ فأطاق موتاً ... إذاً ذاق المماتَ وما عصاك )
( أَثِيبي عاشقاً كَلِفاً مُعنًّى ... إذا خدِرت له رِجلٌ دعاك )
كانت العرب تقول إن الإنسان إذا خدِرت قدمه دعا باسم أحب الناس اليه فسكنت في الخبر أن رجل عبد الله بن عمر خدرت فقيل له ادع باسم أحب الناس اليك فقال يا رسول الله
ذكر يونس أن في هذه الأبيات لحنا لسنان الكاتب وذكرت دنانير أنه لحكم ولم تجنسه ومنها
صوت
( وَيْحَ سَلْمى لو تَراني ... لعَنَاها ما عَناني )
( مُتلِفاً في اللهو مالي ... عاشقاً حُورَ القِيانِ )
( إنما أحزن قلبي ... قولُ سلمى إذ أتاني )
( ولقد كنتُ زماناً ... خاليَ الذَّرْع لشاني )
( شاق قلبي وعناني ... حبُّ سلمى وبراني )
( ولَكَمْ لام نصيحٌ ... في سليمى ونهاني )
غنته فريدة خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو
وفيه ثقيل أول ينسب إلى معبد وهو فيما يذكر إسحاق يشبه غناءه وليس تعرف صحته له وذكر كثير الكبير أنه له وذكر الهشامي أنه لابن المكي وفيه لحكم هزج صحيح ومنها
صوت
( بلِّغا عنِّي سليمى ... وسلاها ليَ عمّا )( فعلتْ في شأن صبٍّ ... دَنِفٍ أُشْعِر هَمّا )
( ولقد قلت لسلمى ... إذ قتلتُ البين علما )
( أنتِ همِّي يا سليمى ... قد قضاه الربُّ حتما )
( نزلت في القلب قَسْراً ... منزلاً قد كان يُحمى )
غنّاه حكم خفيف ثقيل ولعمر الوادي فيه خفيف رمل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها
صوت
( يا سُلَيْمَى يا سليمى ... كنتِ للقلب عذابا )
( يا سليمى ابنةَ عمّي ... بَرد الليلُ وطابا )
( أيُّما واشٍ وشَى بي ... فاملئي فاهُ ترابا )
( ريقُها في الصبح مسك ... باشَر العذْب الرُّضابا )
غناه عمر الوادي هزجا بالبنصر عن الهشامي وذكر ابن المكي أنه لمعان
وفي كتاب إبراهيم أنه لعطرّد ومنها
صوت
( أَسَلْمى تلك حُيِّيتِ ... قِفِي نُخْبِرِك إن شِيت )( وقِيليِي ساعةً نَشْكُ ... إليك الحبَّ أو بيتي )
( فما صهباءُ لم تُكْسَ ... قَذًى من خمر بيروت )
( ثَوَتْ في الدَّنّ أعواماً ... خَتيماً عند حانوت ) غناه عمر الوادي ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو ومنها
صوت
( يا مَن لقلب في الهوى مُتشعَبٍ ... بل مَنْ لقلب بالحبيب عميدِ )
( سَلْمَى هواه ليس يعرف غيرَها ... دون الطَّريف ودون كلِّ تليد )
( إن القرابة والسعادة ألَّفا ... بين الوليد وبين بنت سعيد )
( يا قلب كم كلِف الفؤادُ بغادةٍ ... مَمْكورةٍ رَيَّا العظام خريد )
غناه عمر الوادي رملا بالبنصر عن عمرو ومنها
صوت
( قد تمنَّى معشرٌ إذ أُطرِبوا ... من عُقَار وسَوَامٍ وذَهّبْ )( ثم قالوا لي تَمَنَّ واستمِعْ ... كيف ننحو في الأماني والطلبْ )
( فتمنّيتُ سليمى إنها ... بنت عمّي من لَهَامِيم العربْ )
فيه للهذلي خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو
وذكر الهشامي أن هذا الخفيف الثقيل لخالد صامة
وذكر ابن المكي أن فيه لمالك ثاني ثقيل بالوسطى ومنها
صوت
( هل إلى أمِّ سعيدٍ ... من رسول أو سبيلِ )
( ناصحٍ يُخبر أنّي ... حافظٌ وُدَّ خليلِ )
( يَبذُل الودَّ لغيري ... وأُكافِي بالجميل )
( لستُ أرضى لخليلي ... من وصالي بالقليل )
غناه عمر الوادي هزجا خفيفا بالسبابة في مجرى الوسطى ومنها
صوت
( طاف من سلمى خيالٌ ... بعد ما نِمتُ فهاجا )( قلت عُجْ نحوي أُسائِلْك ... عن الحبّ فعاجا )
( يا خليلي يا نديمي ... قم فأُنفُثْ لي سراجا )
( بفلاةٍ ليس تُرعَى ... أنبتَتْ شِيحاً وحاجا )
غناه عمر الوادي ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو ولابن سريج فيه خفيف رمل بالوسطى عن حبش ... ولأبي سلمى المدني ثقيل أول عن ابن خرداذبه ومنها
صوت
( أُمَّ سَلاّمٍ أثيبي عاشقاً ... يعلم اللهُ يقيناً ربُّه )
( أنّكم من عَيْشه في نفسه ... يا سليمى فاعلَميه حَسْبُه )
( فارحميه إنه يَهْذِي بكم ... هائمٌ صبٌّ قَدَ اوْدَى قلبه )
( أنتِ لو كنت له راحمةً ... لم يُكدَّر يا سليمى شِرْبُه )
غناه حكم رملا بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه لابن سريج رملا بالوسطى
ومنها
صوت
( ربّ بيتٍ كأنه متن سهم ... سوف نأتيه من قُرى بيروتِ )( من بلاد ليست لنا ببلاد ... كلما جئت نحوها حُييتِ )
( أمَّ سلاّمَ لا بَرِحْتِ بخير ... ثم لا زلتِ جنّتي ما حَيِيتِ )
( طرباً نحوَكم وتَوْقاً وشوقاً ... لادّكَارِيكُمُ وطيبِ المبيتِ )
( حيثما كنتِ من بلاد وسرتم ... فوقاك الإله ما قد خَشِيتِ )
في البيت الأول والثاني لابن عائشة ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن الهشامي وذكر غيره أنه لإبراهيم
وفي الثالث وما بعده والثاني لابن عائشة أيضا رمل بالوسطى ولابن سريج خفيف رمل بالبنصر وقيل إن الرمل لعمر الوادي وهو أن يكون له أشبه ومنها
صوت
( طرَقَتْني وصِحابي هُجُوعٌ ... ظبيةٌ أدْماءُ مثلُ الهلاِلِ )
( مثلُ قرن الشمس لما تبدّت ... واستقلت في رؤوس الجبال )
( تقطع الأهوالَ نحوي وكانت ... عندنا سلمى ألُوفَ الحِجال )
( كم أجازت نحوَنا من بلاد ... وَحْشةٍ قَتّالةٍ للرجال )
لابن محرز فيه ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق في الثاني والثالث
ولابن سريج في الأول وما بعده خفيف ثقيل بالوسطى عن
عمرو
وفيه لحن لابن عائشة ذكر الهشامي أنه رمل بالوسطى وفيه خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج وعمر الوادي ومنها
صوت
( أنا الوليدُ الإمامُ مفتخِراً ... أُنْعِم بالي وأَتْبَع الغَزَلا )( أهوَى سُلَيمى وهي تصرِمني ... وليس حَقّاً جَفاء من وصلا )
( أسحَب بُرْدي إلى منازلها ... ولا أبالي مقالَ من عذَلا )
غنى فيه أبو كامل رملا بالبنصر وغنى عمر الوادي فيه خفيف رمل بالوسطى ويقال إن هذا اللحن للوليد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال الوليد على لسان سلمى
صوت
( إقْرَ منّي على الوليد السلاما ... عددَ النجم قلّ ذا للوليدِ )
( حسداً ما حسَدتُ أختي عليه ... ربُّنا بيننا وبين سعيد )
غناه الهذلي خفيف ثقيل أول بالوسطى عن ابن المكي
حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا خالد بن النضر القرشي
بالبصرة قال حدثنا أبو حاتم السّجستاني قال حدثنا العتبيّ قال كانت للوليد بني يزيد جارية يقال لها صدوف فغاضبها ثم لم يطعه قلبه فجعل يتسبب لصلحها فدخل عليه رجل قرشي من أهل المدينة فكلمه في حاجة وقد عرف خبره فبرم به فأنشده
( أعَتَبْتَ أن عتبتْ عليك صَدُوفُ ... وعتابُ مثلِك مثلَها تشريف )
( لا تَقعُدَنّ تلوم نفسك دائما ... فيها وأنت بحبّها مشغوف )
( إن القطيعة لا يقوم لمثلها ... إلا القويّ ومن يحبّ ضعيف )
( الحبّ أملَكُ بالفتى من نفسه ... والذلّ فيه مَسْلَك مألوف ) قال فضحك وجعل ذلك سببا لصلحها وأمر بقضاء حوائج القرشي كلها
الوليد يستقدم حماد الراوية
أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن الحارث عن المدائني قال قال حماد الراوية استدعاني الوليد بن يزيد وأمر لي بألفين لنفقتي وألفين لعيالي فقدمت عليه فلما دخلت داره قال لي الخدم أمير المؤمنين من خلف الستارة الحمراء فسلمت بالخلافة فقال لي يا حماد قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال ثم ثاروا فلم أدر ما يعنى فقال ويحك يا حماد ثم ثاروا فقلت في نفسي راوية أهل العراق لا يدري عما يسأل ثم انتبهت فقلت ( ثم ثاروا إلى الصَّبُوح فقامت ... قَيْنةٌ في يمينها إبريقُ )
( قدّمتْه على عُقار كعين الدّيك ... صفَّى سُلافَها الرَّاوُوق )
( ثم فُضّ الخِتامُ عن حاجب الدّنّ ... وقامت لَدَى اليهوديّ سُوق )
( فسباها منه أشمُّ عزيز ... أريحيٌّ غذَاه عيش رقيق )
الشعر لعدي بن زيد والغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالبنصر ... وفيه لمالك خفيف رمل ولعبد الله بن العباس الربيعي رمل كل ذلك عن الهشامي قال فإذا جارية قد أخرجت كفا لطيفة من تحت الستر في يدها قدح والله ما أدري أيهما أحسن الكف أم القدح فقال رديه فما أنصفناه تغدينا ولم نغده فأتيت بالغداء وحضر أبو كامل مولاه فغناه
صوت
( أَدِرِ الكأسَ يمينا ... لا تُدِرْها ليَسارِ )( اِسْقِ هذا ثم هذا ... صاحبَ العُود النُّضارِ )
( من كُمَيْت عتَّقوها ... منذُ دهر في جِرَارِ )
( خَتموها بالأفَاوِيه ... وكافورٍ وقارِ )
( فلقد أيقنت أنّي ... غيرُ مبعوث لنارِ )
( سأروض الناسَ حتى ... يركبوا أَيْرَ الحمارِ )
( وذَرُوا من يطلب الجنة ... يَسعى لتَبَار )
فيه هزجان بالوسطى والبنصر لعمر الوادي وأبي كامل فطرب وبرز إلينا وعليه غلالة موردة وشرب حتى سكر
فأقمت عنده مدة ثم أذن بالإنصراف وكتب لي إلى عامله بالعراق بعشرة آلاف درهم
الوليد إذا تهتّك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال لما ولي الوليد بن يزيد لهج بالغناء والشراب والصيد وحمل المغنين من المدينة وغيرها إليه وأرسل إلى أشعب فجاء به فألبسه سراويل من جلد قرد له ذنب وقال له ارقص وغنني شعرا يعجبني فإن فعلت فلك ألف درهم فغناه فأعجبه فأعطاه ألف درهم
ودخل إليه يوما فلما رآه الوليد كشف عن أيره وهو منعظ قال أشعب فرأيته كأنه مزمار آبنوس مدهون فقال لي أرأيت مثله قط قلت لا يا سيدي قال فاسجد له فسجدت ثلاثا فقال ما هذا قلت واحدة
لأيْرك وثنتين لخصيتيك قال فضحك وأمر لي بجائزة
قال وتكلم بعض جلسائه والمغنية تغني فكره ذلك وأضجره فقال لبعض جلسائه قم فنكه فقام فناكه والناس حضور وهو يضحك
وذكرت جارية أنه واقعها يوما وهو سكران فلما تنحى عنها آذنه المؤذن بالصلاة فحلف ألا يصلي بالناس غيرها فخرجت متلثمة فصلت بالناس
قال ونزل على غدير ماء فاستحسنه فلما سكر حلف ألا يبرح حتى يشرب ذلك الغدير كله ونام فأمر العلاء بن البندار بالقرب والروايا فأُحضرت فجعل ينزحه ويصبه على الأرض والكثب التي حولهم حتى لم يبق فيه شيء فلما أصبح الوليد رآه قد نشف فطرب وقال أنا أبو العباس ارتحلوا فارتحل الناس
نسخت من كتاب الحسين بن فهم قال النضر بن حديد حدثني ابن أبي جناح قال أخبرني عمر بن جبلة أن الوليد بن يزيد بات عند امرأة وعدته المبيت فقال حين انصرف
( قامت اليَّ بتقبيل تعانِقني ... رَيَّا العظامِ كأن المسك في فِيها )
( أُدخل فديتُك لا يشعُرْ بنا أحد ... نفسي لنفسك من داء تُفدِّيها )
( تبنا كذلك لا نومٌ على سُرُرٍ ... من شدّة الوجد تُدْنيني وأُدنِيها )
( حتى إذا ما بدا الخَيطان قلت لها ... حان الفِراقُ فكاد الحزن يُشجيها )
( ثم انصرفتُ ولم يشعر بنا أحدٌ ... واللهُ عنّي بحسن الفعل يَجْزِيها )
وحدثني النضر بن حديد قال حدثنا هشام بن الكلبي عن خالد بن سعيد قال مر الوليد بن يزيد وهو متصيد بنسوة من بني كلب من بني المنجاب فوقف عليهن واستسقاهن وحدثهن وأمر لهن بصلة ثم مضى وهو يقول
( ولقد مررتُ بِنسْوة أعشيْنَنِي ... حُورِ المدامعِ من بنس المِنْجاب )
( فيهنّ خَرْعبةٌ مليح دلُّها ... غَرْثَى الوِشاح دقيقة الأنيابِ )
( زَيْنُ الحواضر ما ثَوَتْ في حَضْرها ... وتَزين باديَها من الأعراب ) قال النضر وحدثني ابن الكلبي عن أبيه أن الوليد خرج يتصيد ذات يوم فصادت كلابه غزالا فأُتي به فقال خَلّوه فما رأيت أشبه منه جيدا وعينين بسلمى ثم أنشأ يقول
( ولقد صِدْنا غزالاً سانحاً ... قد أردنا ذبحَه لما سَنَحْ )
( فإذا شِبْهُك ما نُنكره ... حين أزجى طَرْفه ثم لمَح )
( فتركناه ولولا حبُّكم ... فاعلمي ذاك لقد كان انذبح )
( أنتَ يا ظبيُ طليقٌ آمِن ... فاغْدُفي الغِزْلانِ مسروراً وَرُحْ )
نسخت من كتاب الحسين بن فهم قال أخبرني عمرو عن أبيه عن عمرو ابن واقد الدمشقي قال
بعث الوليد بن يزيد إلى شراعة بن الزندبوذ فلما قدم عليه قال يا شراعة إني لم أستحضرك لأسألك عن العلم ولا لأستفتيك في الفقه ولا لتحدثني ولا لتقرئني القرآن قال لو سألتني عن هذا لوجدتني فيه حمارا قال فكيف علمك بالفتوّة قال ابن بجدتها وعلى الخبير بها سقطت فسل عما شئت
قال فكيف علمك بالأشربة قال ليسألني أمير المؤمنين عما أحب قال ما قولك في الماء قال هو الحياة ويشركني فيه الحمار قال فاللبن قال ما رأيته قط إلا ذكرت أمي فاستحيت قال فالخمر قال تلك السارة البارة وشراب أهل الجنة قال لله درك فأي شيء أحسن ما يشرب عليه قال عجبت لمن قدر أن يشرب على وجه السماء في كن من الحر والقر كيف يختار عليها شيئا
قصة الوليد والمصحف
قال وأخبرنا عمرو عن أبيه عن يحيى بن سليم قال دعا الوليد بن يزيد ذات ليلة يمصحف فلما فتحه وافق ورقة فيها ( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ) فقال أسجعا سجعا علقوه ثم أخذ القوس والنبل فرماه حتى مزقه ثم قال ( أتُوعِد كلَّ جَبّار عنيدٍ ... فها أنا ذاك جبار عنيدُ )
( إذا لاقيتَ ربَّك يوم حشر ... فقل لله مزّقني الوليد ) قال فما لبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى قتل
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق ابن إبراهيم قال حدثني معاوية بن بكر عن يعقوب بن عياش المروزي من أهل ذي المروة أن أباه حمل عدة جوار إلى الوليد بن يزيد فدخل اليه وعنده أخوه عبد الجبار وكان حسن الوجه والشعرة وفيها فأمر الوليد جارية منهن أن تغني
( لو كنتَ من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أوَ أصحاب اللِّوا الصِّيدِ ) وأمرها أخوه أن تغني
( أتعجَبُ أن طربتُ لصوت حادِ ... حدا بُزْلاً يَسِرْنَ ببطن وادِ ) فغنت ما أمرها به الغمر فغضب الوليد واحمر وجهه وظن أنها فعلت ذلك ميلا إلى أخيه وعرفت الشر في وجهه فاندفعت فغنت
صوت
( أيها العاتبُ الذي خاف هجري ... وبِعادي وما عَمَدْتُ لذاكا )( أَتُرَى أنّني بغيرك صبٌّ ... جعل الله من تظنّ فداكا )
( أنت كنت الملولَ في غير شيء ... بئس ما قلت ليس ذاك كذاكا )
( ولَوَ انّ الذي عتبتَ عليه ... خُيّر الناسَ واحداً ما عداكا )
( فارْضَ عنّي جُعلتُ نعليك إنّي ... والعظيم الجليل أهوى رضاكا )
الشعر لعمر والغناء لمعبد من روايتي يونس وإسحاق ولحنه من خفيف الثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر
وذكر حماد في أخبار ابن عائشة أن له فيه لحنا قال فسري عن الوليد وقال لها ما منعك أن تغني ما دعوتك إليه قالت لم أكن أحسنه وكنت أحسن الصوت الذي سألنيه أخذته من ابن عائشة فلما تبينت غضبك غنيت هذا الصوت وكنت أخذته من معبد
تعني الذي اعتذرت به إليه
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( لو كنتَ من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللِّوا الصِّيدِ )( أو من بني نوَفْل أو آل مُطَّلِبٍ ... أو من بني جُمَحَ الخُضْرِ الجَلاَعِيدِ )
( أو من بني زُهْرةَ الأبطالِ قد عُرِفوا ... لله دَرُّك لم تَهْمُمْ بتهديد )
الشعر لحسان بن ثابت يقوله لمسافع بن عياض أحد بني تيم بن مرة وخبره يذكر بعد هذا
والغناء لابن سريج خفيف رمل بالخنصر وقيل إنه لمالك ومنها
صوت
( أتعجَب أن طربتُ لصوت حادِ ... حدا بُزْلاً يَسِرْنَ ببطن وادِ )
( فلا تعجَبْ فإن الحبّ أمسى ... لبثْنة في السّواد من الفؤاد ) الشعر لجميل والغناء لابن عائشة رمل بالبنصر
ولع الوليد بغناء الجواري
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال عرضت على الوليد بن يزيد جارية مغنية فقال لها غني فغنت
صوت
( لولا الذي حُمِّلتُ من حُبّكم ... لكان من إظهاره مَخْرجُ )( أو مذهبٌ في الأرض ذو فسحةٍ ... أجَلْ ومن حَجّتْ له مَذْحِجُ )
( لكن سباني منهمُ شادنٌ ... مربَّبٌ بينهمُ أدْعَجُ )
( أغرُّ ممكورٌ هَضيِمُ الحَشَى ... قد ضاق عنه الحَجْل والدُّمْلُج ) فقال لها الوليد لمن هذا الشعر قالت للوليد بن يزيد المخزومي قال فممن أخذت الغناء قالت من حنين فقال أعيديه فأعادته فأجادت فطرب الوليد ونعر وقال أحسنت وأبي وجمعت كل ما يحتاج إليه في غنائك وأمر بابتياعها وحظيت عنده
غنى في هذا الصوت ابن سريج ولحنه رمل بالبنصر
وغنى فيه إسحاق فيما ذكر الهشامي خفيف ثقيل ومما يغنى به من هذه القصيدة
صوت
( قد صرّح القوم وما لَجْلَجُوا ... لَجُّوا علينا ليت لم يَلْجَجُوا )
( باتوا وفيهم كالمَهَا طَفْلةٌ ... قد زانها الخلخال والدُّمْلُج )
غناه صباح الخياط خفيف ثقيل بالبنصر وغنى فيه ابن أبي الكنات خفيف ثقيل بالوسطى
حسان يهجو مسافع بن عياض
فأما خبر الشعر الذي قاله حسان بن ثابت لمسافع بن عياض أحد بني تيم بن مرة فأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن أن عبيد الله بن معمر وعبد الله بن عامر بن كريز اشتريا من عمر ابن الخطاب رضي الله عنه رقيقا ممن سبي ففضل عليهما ثمانون ألف درهم فأمر بهما عمر أن يلزما فمر بهما طلحة بن عبيد الله وهو يريد الصلاة في مسجد رسول الله ما لابن معمر يلازم فأُخبر خبره فأمر له بالأربعين ألفا التي عليه تقضى عنه فقال ابن معمر لابن عامر إنها إن قضيت عني بقيت ملازما وإن قضيت عنك لم يتركني طلحة حتى يقضي عني فدفع إليه الأربعين ألف درهم فقضاها ابن عامر عن نفسه وخليت سبيله
فمر طلحة منصرفا من الصلاة فوجد ابن معمر يلازم فقال ما لابن معمر ألم آمر بالقضاء عنه فأخبر بما صنع فقال أما ابن معمر فعلم أن له ابن عم لا يسلمه إحملوا عنه أربعين ألف درهم فاقضوها عنه ففعلوا وخلي سبيله
فقال حسان بن ثابت لمسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرة
( يا آلَ تَيْم ألاَ تَنْهَوْن جاهلَكم ... قبل القِذاف بصُمٍّ كالجلاميدِ )
( فنَهْنِهُوه فإنِّي غيرُ تارككم ... إن عاد ما اهتزَّ ماءٌ في ثَرَى عودِ )
( لو كنتَ من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أوَ اصحاب اللِّوا الصِّيد )
( أو من بني نوفل أو آل مُطَّلِبٍ ... أو من بني جُمَحَ الخُضْرِ الجَلاَعيد )
( أو من بني زُهْرةَ الأبطال قد عُرِفواً ... لله دَرُّك لم تَهْمُمْ بتهديد )
( أو في الذُّؤابة من تَيْم إذا انتَسبوا ... أو من بني الحارث البيض الأماجيد )
( لكن سأصرفها عنكم وأعدلُها ... لطلحةَ بن عبيد الله ذي الجود ) رجع الخبر إلى سياقة أخبار الوليد
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال قال الهيثم حدثني ابن عياش قال دخل أبو الأقرع على الوليد بن يزيد فقال له أنشدني قولك في الخمر فأنشده قوله
( كُميْتٌ إذا شُجّتْ وفي الكأس وَرْدةٌ ... لها في عظام الشاربين دبيبُ )
( تُرِيك القَذَى من دونها وهي دونَه ... لوجه أخيها في الإناء قُطُوب ) فقال الوليد شربتها يا أبا الأقرع ورب الكعبة يا أمير المؤمنين
لئن كان نعتي له رابك لقد رابني معرفتك بها
أخبرني الحسن قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن عمرو قال قال المدائني نظر الوليد بن يزيد إلى أم حبيب بنت عبد الرحمن بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف وقد مروا بين يديها بالشمع ليلا فلما رآها أعجبته وراعه جمالها وحسنها فسأل عنها فقيل له إن لها زوجا فأنشأ يقول
صوت
( إنما هاج لقلبي ... شَجْوه بعد المَشيبِ )( نظرةٌ قد وقَرَتْ في القلب ... من أمّ حبيب )
( فإذا ما ذقتُ فاها ... ذقت عذباً ذا غُروب )
( خالط الراح بمسك ... خالصٍ غير مشوب ) غناه ابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي وذكر عمرو بن بانة أنه للأبجر وهو الصحيح
أَأَيقاظ أُمية أم نيام
أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن النضر بن عمرو عن العتبي قال
لما ظهرت المسودة بخراسان كتب نصر بن سيار إلى الوليد يستمده فتشاغل عنه فكتب إليه كتابا وكتب في أسفله يقول
( أرى خَلَلَ الرَّماد وَمِيضَ جمرٍ ... وأَحْرِ بأن يكون له ضِرامُ )
( فإن النار بالعودين تُذْكَى ... وإنّ الحرب مبدؤها الكلام )
( فقلتُ من التعجّب ليت شعري ... أأيقاظٌ أُميّةُ أم نِيامُ )
فكتب إليه الوليد قد أقطعتك خراسان فاعمل لنفسك أو دع فإني مشغول عنك بابن سريج ومعبد والغريض
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن ابن الصباح عن ابن الكلبي عن حماد الراوية قال دخلت يوما على الوليد وكان آخر يوم لقيته فيه فاستنشدني فأنشدته كل ضرب من شعر أهل الجاهلية والإسلام فما هشّ لشيء منه حتى أخذت في السخف فأنشدته لعمار ذي كناز مجنبذا
( أشتهي مِنْكِ منك منك ... مكاناً مُجَنْبذا )
( فأَجَا فيه فيه فيه ... بأيْر كمثل ذا )
( ليت أَيْري وحِرَك يوماً ... جميعاً تجابَذَا )
( فأخذ ذا بشعر ذا ... وأخذ ذا بقعر ذا ) فضحك حتى استلقى وطرب ودعا بالشراب فشرب وجعل يستعيدني الأبيات فأُعيدها حتى سكر وأمر لي بجائزة فعلمت أن أمره قد أدبر ثم أُدخلت على أبي مسلم فاستنشدني فأنشدته قول الأفوه
( لنا معاشرُ لم يبنوا لقومهمُ ... ) فلما بلغت إلى قوله
( تُهدَى الأمورُ بأهل الرشد ما صَلَحَتْ ... وإن تولّت فبالأشرار تَنقادُ ) قال أنا ذلك الذي تنقاد به الناس فأيقنت حينئذ أن أمره مقبل
الوليد السكران يخطب الجمعة شعرا
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال وجدت في كتاب عن عبيد الله ابن سعيد الزهري عن عمر عن أبيه قال خرج الوليد بن يزيد وكان مع أصحابه على شراب فقيل له إن اليوم الجمعة فقال والله لأخطبنهم اليوم بشعر فصعد المنبر فخطب فقال( الحمد لله وليِّ الحمدِ ... أحمَدُ في يُسْرنا والجَهْدِ )
( وهو الذي في الكرب أستعينُ ... وهو الذي ليس له قرينُ )
( أشهد في الدنيا وما سواها ... أن لا إله غيره إلها )
( ما إن له في خَلْقه شَريكُ ... قد خضَعتْ لملكه الملوك )
( أشهد أن الدّين دينُ أحمدِ ... فليس من خالَفه بمهتدِي )
( وأنّه رسول ربِّ العرشِ ... القادرِ الفردِ الشديدِ البطشِ )
( أرسله في خَلْقه نذيرا ... وبالكتاب واعظاً بشيرا )
( ليُظهِرَ اللهُ بذاك الدّنيا ... وقد جُعِلْنا قبلُ مُشركينا )
( من يُطِع الله فقد أصابا ... أو يَعْصِه أو الرسولَ خابا )
( ثم القُرانُ والهدى السبيلُ ... قد بقِيا لمّا مضى الرسولُ )
( كأنّه لما بقي لديكُم ... حيٌّ صحيحٌ لا يزال فيكم )
( إنّكُم من بعدُ إن تَزِلُّوا ... عن قصده أو نَهْجه تَضِلُّوا )
( لا تَتْركنْ نصحي فإني ناصحُ ... إنّ الطريق فاعلمنّ واضحُ )
( من يَتّق الله يَجِد غِبَّ التّقى ... يوم الحساب صائراً إلى الهدى )
( إن التُّقى أفضلُ شيءٍ في العمل ... أرَى جِمَاعَ البرّ فيه قد دخلْ )
( خافوا الجحيمَ إخوتي لعلّكم ... يومَ اللقاء تعرِفوا ما سرَّكمْ )
( قد قيل في الأمثال لو علمتُم ... فانتفِعوا بذاك إن عَقَلتُم )
( ما يزرع الزارعُ يوماً يحصدُهْ ... وما يقدِّم من صلاح يَحمَدُهْ )
( فاستغفِروا ربّكُم وتوبوا ... فالموتُ منكم فاعلموا قريبُ ) ثم نزل
نوادر الوليد
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه عن الوليد البندار قال حججت مع الوليد بن يزيد فقلت له لما أراد أن يخطب الناس أيها الأمير إن اليوم يوم يشهده الناس من جميع الآفاق وأريد أن تشرّفني بشيء قال وما هو قلت إذا علوت المنبر دعوت بي فيتحدث الناس بذلك وبأنك أسررت إلي شيئا فقال أفعل فلما جلس على المنبر قال الوليد البندار فقمت إليه فقال ادن مني فدنوت فأخذ بأذني ثم قال البندار ولد زنا والوليد ولد زنا وكل من ترى حولنا ولد زنا أفهمت قلت نعم قال انزل الآن فنزلت
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن أشعب قال دخلت على الوليد بن يزيد الخاسر وقد تناول نبيذا فقال لي تمن فقلت يتمنى أمير المؤمنين ثم أتمنى قال فإنما أردت أن تغلبني فإني لأتمنى ضعف ما تتمنى به كائنا ما كان قلت فإني أتمنى كفلين من العذاب فضحك ثم قال إذا نوفرهما عليك
ثم قال لي ما أشياء تبلغني عنك قلت يكذبون علي قال متى عهدك بالأصم قلت لا عهد لي به
فأخرج أيره كأنه ناي مدهون فسجدت له ثلاث سجدات فقال ويلك إنما يسجد الناس سجدة واحدة فقلت واحدة للأصم واثنتين لخصيتيك
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن علي بن حمزة قال حدثني عبد الصمد بن موسى الهاشمي قال إنما أغلى الجوهر بنو أمية ولقد كان الوليد بن يزيد يلبس منه العقود ويغيرها في اليوم مرارا كما تغير الثياب شغفا فكان يجمعه من كل وجه ويغالي به
قال وكان يوما في داره على فرس له وجارية تضرب بطبل قدامه
فأخذه منها ووضعه على رقبته ونفر الفرس من صوت الطبل فخرج به على أصحابه في هذه الهيئة وكان خليعا
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن المدائني عن جويرية بن أسماء قال قدم الوليد بن يزيد المدينة فقلت لاسماعيل بن يسار أحذنا مما أعطاك الله فقال هلم أُقاسمك إن قبلت بعث إلي براوية من خمر
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال حدثني رجل قال كان الوليد بن يزيد إذا أصبح يوم الاثنين تغدى وشرب رطلين ثم جلس للناس
قال فحدثني عمر الوادي قال دخلت عليه وعنده أصحابه وقد تغدى وهو يشرب فقال لي اشرب فشربت وطرب وغنى صوتا واحدا وأخذ دفافة فدفف بها فأخذ كل واحد منا دفافة فدفف بها وقام وقمنا حتى بلغنا إلى الحاجب فلما رآنا الحاجب صاح بالناس الحرم الحرم اخرجوا ودخل الحاجب فقال جعلني الله فداءك اليوم يحضر فيه الناس فقال له اجلس واشرب فقال إنما أنا حاجب فلا تحملني على الشراب فما شربته قط قال اجلس فاشرب فامتنع فما فارقناه حتى صببنا في حلقه بالقمع وقام وهو سكران
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن شريك قال
حدثنى عمي علي بن عمرو قرقارة قال حدثني أُنيف بن هشام بن الكلبي ومات قبل أبيه قال حدثني أبي قال خرج الوليد بن يزيد من مقصورة له إلى مقصورة فإذا هو ببنت له معها حاضنتها فوثب عليها فافترعها فقالت له الحاضنة إنها المجوسية قال اسكتي ثم قال
( من راقَب الناسَ مات غمًّا ... وفاز باللذّة الجَسورُ ) وأحسب أنا أن هذا الخبر باطل لأن هذا الشعر لسلم الخاسر ولم يدرك زمن الوليد
أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني إسحاق الموصلي قال أخبرني مسلمة بن سلم الكاتب قال قال الوليد بن يزيد وددت أن كل كأس تشرب من خمر بدينار وأن كل حر في جبهة أسد فلا يشرب إلا سخي ولا ينكح إلا شجاع
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال سمعت رجلا يحدث أبي بالكوفة قال أرسلت إلى الوليد جفنة مملوءة قوارير فرعونية لم ير مثلها قط فلما أمسينا صببنا فيها الشراب في ليلة أربع عشرة حتى إذا استوى القمر على
رؤوسنا وصار في الجفنة قال الوليد في أي منزلة القمر الليلة فقال بعضهم في الحمل وقال بعضهم في منزلة كذا وكذا من منازل القمر فقال بعض جلسائه القمر في الجفنة قال قاتلك الله أصبت ما في نفسي لتشربن الهفتجنة
فقال مصعب فسأل أبي عن الهفتجنة فقال شرب كانت الفرس تشربه سبعة أسابيع فشرب تسعة وأربعين يوما
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال أخبرني خالد صامة المغني وكان من أحسن الناس غناء على عود قال بعث إليّ الوليد بن يزيد فقدمت عليه فوجدت عنده معبدا ومالكا والهذلي وعمر الوادي وأبا كامل فغنى القوم ونحن في مجلس يا له من مجلس وغلام للوليد يقال له سبرة يسقي القوم الطلاء إذ جاءت نوبة الغناء إلي فأخذت عودي فغنيت بأبيات قالها عروة بن أُذينة يرثي أخاه بكرا
صوت
( سَرَى همّي وهمُّ المرء يَسري ... وغار النجمُ إلا قِيدَ فِتْرِ )( أُرَاقب في المَجَرّة كلّ نجم ... تعرّض في المجرّة كيف يَجري )
( بحُزْن ما أزال له مُدِيماً ... كأنّ القلب أُسعر حرَّ جمر )
( على بكر أخي ولَّى حميداً ... وأيُّ العيش يحسُن بعد بكر )
غناه ابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى وغنى فيه ابن عباد الكاتب ولحنه رمل بالوسطى عن الهشامي قال خالد فقال لي الوليد أعد يا صام فأعدت فقال من يقوله ويحك قلت ابن أذينة قال هذا والله العيش الذي نحن فيه على رغم أنفه لقد تحجر واسعا قال عبد الرحمن بن عبد الله قال عبد الله بن أبي فروة وأنشدها ابن أذينة ابن أبي عتيق فضحك ابن أبي عتيق وقال كل العيش يحسن حتى الخبز والزيت فحلف ابن أذينة لا يكلمه أبدا فمات ابن أبي عتيق وابن أذينة مهاجر له
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال بلغني أن سكينة بنت الحسين رضى الله عنها أُنشدت وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن مصعب قال أنشدت سكينة وأخبرني الحسين بن يحيى عن عباد عن أبيه عن أبي يحيى العبادي إن سكينة أنشدت أبيات عروة بن أذينة في أخيه بكر فلما انتهت إلى قولة
( على بكر أخي ولَّى حميداً ... وأيُّ العيش يحسُن بعد بكر ) قالت سكينة ومن أخوه بكر أليس الدحداح الأُسيد القصير الذي
كان يمر بنا صباحا ومساء قالوا نعم قالت كل العيش والله يصلح ويحسن بعد بكر حتى الخبز والزيت
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا يزيد بن محمد المهلبي عن إسحاق قال قدم سليمان بن عبد الملك المدينة فجمع المغنّين وسبق بينهم ببدرة وقال أيكم كان أحسن غناء فهي له فاجتمعوا
فبلغ الخبر ابن سريج فجاء وقد أُغلق الباب فقال للحاجب استأذن لي قال لا يمكن وقد أُغلق الباب ولو كنت جئت قبل أن يغلق الباب لاستأذنت لك قال فدعني أغن من شق الباب قال نعم فسكت حتى فرغ جميع المغنّين من غنائهم ثم اندفع فغنّى
( سرى همّي وهمُّ المرء يسري ... ) فنظر المغنون بعضهم إلى بعض وعرفوه فلما فرغ قال سليمان سليما أحسن والله هذا أحسن منكم غناء اخرج يا غلام إليه بالبدرة فأخرجها إليه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن جعدبة أن رجلا أهدى إلى هشام بن عبد الملك خيلا فكان فيها فرس مربوع قريب الركاب فعرف الوليد منه ما لم يعرف هشام فنهر الرجل وشتمه وقال أتجيء بمثل هذا إلى أمير المؤمنين ردوه عليه فردوه فلما
خرج وجه إليه بثلاثين ألف درهم وأخذه منه فهو فرسه الذي يسميه السندي
فأخبري بعض أصحابي أن الوليد خرج يوما يتصيد وحده فانتدب إليه مولى لهشام يريد الفتك به
فلما بصر به الوليد حاوله فقهره بفرسه الذي كان تحته فقتله وقال في ذلك
( ألم تَرَ أنّي بين ما أنا آمِنٌ ... يَخُبّ بي السِّنْديُّ قفراً فَيَافِيَا )
( تطلّعتُ من غَوْرٍ فأبصرتُ فارساً ... فأوجستُ منه خِيفةً أن يرانيا )
( ولما بدا لي أنما هو فارس ... وقفتُ له حتى أتى فرمانيا )
( رماني ثلاثاً ثم إنّي طعنتُه ... فروَّيْتُ منه صَعْدتي وسِنانيا )
غناه أبو كامل لحنا من الماخوري بالبنصر
ولإبراهيم فيه ثقيل أول وقيل إن له فيه ماخوريا آخر وفيه لعمر الوادي ثاني ثقيل ولمالك رمل من رواية الهشامي قال وقال الوليد أيضا في فرسه السندي
( قد أَغْتدِي بذي سَبِيبٍ هَيْكلِ ... مُشَرَّب مثلِ الغرابِ أرْجَلِ )
( أعددته لحَلَباتِ الأحولِ ... وكلِّ نَقْع ثائرٍ لجَحْفَلِ )
( وكلِّ خَطْب ذي شؤون مُعْضِل ... )
فقال هشام لكنا أعددنا له ما يسوءه نخلعه ونُقصيه فيكون مهانا مدحورا مطرحا
نسخت من كتاب أحمد بن أبي طاهر حدثني أبو الحسن العقيلي أن الوليد لما ولي الخلافة خطب سلمى التي كان ينسب بها فزوجها لما مضى صدر من خلافته فقامت عنده سبعة أيام فماتت فقال يرثيها
( يا سلم كنتِ كجنّةٍ قد أَطْعَمتْ ... أفنانُها دانٍ جَناها مُوَضَّع )
( أربابُها شَفَقاً عليها نومُهم ... تحليل موضعها ولمّا يَهْجَعوا )
( حتى إذا فسح الربيعُ ظنونَهم ... نَثر الخريفُ ثمارَها فتصدّعوا )
الوليد يأمر بقتل نديمه ثم يرثيه
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي العالية وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد عن الزبير بن بكار عن عمه أن الوليد بن يزيد لما انهمك على شربه ولذاته ورفض الآخرة وراء ظهره وأقبل على القصف والعسف مع المغنّين مثل مالك ومعبد وابن عائشة وذويهم كان نديمه القاسم بن الطويل العبادي وكان أديبا ظريفا شاعرا فكان لا يصبر عنه فغناه معبد ذات يوم شعر عديصوت
( بكَر العاذلون في وَضَح الصبح ... يقولون لي ألا تَستفيقُ ) ( لست أْدري وقد جفاني خليلي ... أعدوٌّ يلومني أم صديق )
( ثم قالوا ألا اصْبَحونا فقامت ... قينةٌ في يمينها إبريق )
( قدّمتْه على عُقار كعين الدّيك ... صَفّى سُلاَفَها الرّاووق ) فيه لمعبد ثقيل ويقال إنه لحنين وفيه لمالك خفيف رمل
وفيه لعبد الله بن العباس رمل كل ذلك عن الهشامي قال فاستحسنه الوليد وأُجب به وطرب عليه وجعل يشرب إلى أن غلب عليه السكر فنام في موضعه فانصرف ابن الطويل فلما
أفاق الوليد سأل عنه فعرف حين انصرافه فغضب وقال وهو سكران لغلام كان واقفا على رأسه يقال له سبرة ائتني برأسه فمضى الغلام حتى ضرب عنقه وأتاه برأسه فجعله في طست بين يديه فلما رآه أنكره وسأل عن الخبر فعرفه فاسترجع وندم على ما فرط منه وجعل يقلب الرأس بيده ثم قال يرثيه
صوت
( عَيْنَيّ للحَدَث الجليل ... جُودَا بأَرْبعةٍ هُمُول )
( جودا بدمع إنّه ... يشفي الفؤاد من الغَليل )
( لله قبرٌ ضُمِّنت ... فيه عظامُ ابن الطويل )
( ماذا تضمَّن إذ ثَوَى ... فيه من اللّبّ الأصيل )
( قد كنتُ آوِي من هواك ... إلى ذَرى كَهْفٍ ظَليل )
( أصبحتُ بعدك واحداً ... فرداً بمَدْرَجة السيول ) غناه الغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو
وغنى فيه سليم لحنا من الثقيل الأول بالبنصر عن الهشامي وذكر غيره أن لحن الغريض لدحمان
وذكر حبش أنه لأبي كامل وذكر غيره أن لحن الغريض لدحمان قال ثم دخل إلى جواريه فقال والله ما أبالي متى جاءني الموت بعد الخليل ابن الطويل فيقال إنه لم يعش بعده إلا مديدة حتى قتل والله أعلم
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال روى الهيثم بن عدي عن ابن عياش عن حماد الراوية قال دعاني الوليد يوما من الأيام في السحر والقمر طالع وعنده جماعة من ندمائه وقد اصطبح فقال أنشدني في النسيب فأنشدته أشعارا كثيرة فلم يهش لشيء منها حتى أنشدته قول عمار ذي كناز
( اصْبَحِ القومَ قهوةً ... في الأباريق تُحْتَذَى )
( من كُمَيت مُدامةٍ ... حَبّذا تلك حبّذا ) فطرب ثم رفع رأسه إلى خادم وكان قائما كأنه الشمس فأومأ إليه فكشف سترا خلف ظهره فطلع منه أربعون وصيفا ووصيفة كأنهم اللؤلؤ المنثور في أيديهم الأباريق والمناديل فقال أَسقُوهم فما بَقِي أحد إلا أُسقي وأنا في خلال ذلك أنشده الشعر فما زال يشرب ويسقي إلى طلوع الفجرثم لم نخرج عن حضرته حتى حملنا الفراشون في البسط فألقونا في دار الضيافة فما أفقنا حتى طلعت الشمس
قال حماد ثم أحضرني فخلع علي خلعا من فاخر ثيابه وأمر لي بعشرة آلاف درهم وحملني على فرس
تأتيه الأخبار فيرد شعرا
ًأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال كان بين الحكم بن الزبير أخي أبي بكر بن كلاب وبين بكر بن نوفل أحد بني جعفر بن كلاب شيء في وكالة للوليد بن يزيد يخاصم الجعفري في الرحبة من أرض دمشق وكان الجعفري قد استولى عليها فقطع شفره الأعلى فاستعدى عليه هشاما فلم يعده فقال الوليد في ذلك
صوت
( أيَا حَكَمُ المَتْبولُ لو كنتَ تَعْتَزي ... إلى أُسرةٍ ليسوا بسُود زعانِف )( لأيقنتَ قد أدركتَ وَتْرَك عَنْوةً ... بلا حُكْم قاضٍ بل بضرب السوالفِ ) غناه الهذلي ثقيلا أول عن الهشامي ويونس قال فلما استخلف الوليد بعث إلى بكر بن نوفل الجعفري فقال ألا تعطي حكم بن الزبير حقه قال لا فأمر به فشترت عينه ثم قال
( يا ربَّ أمرٍ ذي شؤون جَحْفلِ ... قاسيتُ فيه جلَبَاتِ الأحْوَلِ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال خرج الوليد إلى متصيد له فأقام به ومات له ابن يقال له مؤمن بن الوليد فلم يقدر أحد أن ينعاه إليه حتى ثمل فنعاه إليه سنان الكاتب وكان
مغنيا فقال الوليد وفي هذا الشعر غناء من الأصوات التي اختيرت للواثق والرشيد قبله
صوت
من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
( أتاني سِنَانٌ بالوَدَاع لمؤمنٍ ... فقلتُ له إني إلى الله راجِعُ )( ألاَ أيّها الحاثِي عليه ترابَه ... هُبِلْتَ وشَلَّتْ من يديك الأصابع )
( يقولون لا تجزَعْ وأظهِرْ جَلادةً ... فكيفَ بما تُحْنَى عليه الأضالع )
عروضه من الطويل غناه سنان الكاتب ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لأبي كامل خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وقيل إِن فيه لحنا لعبد الله ابن يونس صاحب أَيلة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عقيل ابن عمرو قال قال يزيد بن أبي مساحق السلمي مؤدب الوليد شعرا وبعث به إلى النوار جارية الوليد فغنته به وهو
( مَضى الخلفاءُ بالأمر الحميدِ ... وأصبحت المذَمَّةُ للوليدِ )
( تشاغَل عن رعيَّته بلهو ... وخالف فعلَ ذي الرأي الرشيدِ ) فكتب اليه الوليد
( ليت حظِّي اليومَ من كلّ ... معاشٍ لي وزاد )
( قهوةٌ أبذُل فيها ... طارفي ثم تِلادي )
( فيَظَلّ القلب منها ... هائماً في كلّ واد )
( إن في ذاك صلاحي ... وفلاحي ورشادي )
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إبراهيم ابن الوليد الحمصي قال حدثنا هارون بن الحسن العنبري قال قال الوليد بن يزيد يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة ويثور على الخمر ويفعل ما يفعل السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء رقية الزنا وإني لأقول ذلك فيه على أنه أحب إلي من كل لذة وأشهى إلي من الماء البارد إلى ذي الغلة ولكن الحق أحق أن يقال
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال حدثني بعض موالي الوليد قال دخلت إليه وقد عقد لابنيه بعده وقدم عثمان فقلت له يا أمير المؤمنين أقول قول الموثوق بنصيحته أو يسعني السكوت قال بل قل قول الموثوق به فقلت إن الناس قد أنكروا ما فعلت وقالوا يبايع لمن لم يحتلم وقد سمعت ما أكره فيك فقال عضوا ببظور أمهاتكم أفأُدخل بيني وبين ابني غيري فيلقى منه كما لقيت من الأحول بعد أبي ثم أنشأ يقول
صوت
( سَرَى طيفُ ذا الظبي بالعاقِدان ... ليلاً فهيَّج قلباً عميدا )( وأرّق عيني على غِرّة ... فباتت بحزنٍ تقاسي السُّهودا )
( نؤمل عثمان بعد الوليد ... للعهد فينا ونرجو سعيدا )
( كما كان إذ كان في دهره ... يزيدُ يرجِّي لتلك الوليدا )
( على أنها شَسَعتْ شَسْعَةً ... فنحن نرجِّي لها أن تعودا )
( فإن هي عادت فعاصِ القريبَ ... منها لتؤيِسَ منها البعيدا ) غناه أبو كامل ثاني ثقيل بالبنصر من أصوات قليلة الأشباه
وذكر عمرو ابن بانة أن فيه لعمر الوادي لحنا من الماخوري بالوسطى وذكر الهشامي أن فيه خفيف رمل لحكم وذكرت دنانير عن حكم أنه لعمر الوادي وذكر حبش أن الثقيل الثاني لمالك وأن فيه لفضل النجار رملا بالبنصر
أخبرني الحسن ابن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد عن الزبير بن بكار قال هو
( سرى طيفُ ظبي بأعلى الغُوَيْر ... ) ولكن هذا تصحيف سليمان السوادي أو قال خليد
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال كان الوليد قد بايع لابنيه الحكم وعثمان وهو أول من بايع لابن سرية
أمة ولم يكونوا يفعلون ذلك وأخذهما يزيد بن الوليد الناقص فحبسهما ثم قتلهما وفيهما يقول ابن أبي عقب
( إذا قُتل الخَلْف المُدِيمُ لسُكره ... بقَفْر من البَخْراء أُسِّس في الرّملِ )
( وسِيق بلا جُرْم إلى الحَتْف والرَّدَى ... بُنيَّاه حتى يُذْبحا مَذْبحَ السَّخْل )
( فويلُ بني مروان ماذا أصابهم ... بأيدي بني العباس بالأسْر والقتل )
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي عن العلاء البندار قال كان الوليد زنديقا وكان رجل من كلب يقول بمقالته مقالة الثنوية فدخلت على الوليد يوما وذلك الكلبي عنده وإذا بينهما سفط قد رفع رأسه عنه فإذا ما يبدو لي منه حرير أخضر فقال ادْن يا علاء فدنوت فرفع الحريرة فإذا في السفط صورة إنسان وإذا الزئبق والنوشادر قد جعلا في جفنه فجفنه يطرف كأنه يتحرك فقال يا علاء هذا ماني لم يبتعث الله نبيا قبله ولا يبتعث نبيا بعده فقلت يا أمير المؤمنين اتق الله ولا يغرنك هذا الذي ترى عن دينك فقال له الكلبي يا أمير المؤمنين ألم أقل لك إن العلاء لا يحتمل هذا الحديث
قال العلاء ومكثت أياما ثم جلست مع الوليد على بناء كان بناه في عسكره يشرف به والكلبي عنده إذ نزل من عنده
وقد كان الوليد حمله على برذون هملاج أشقر من أفره ما سخر فخرج على برذونه ذلك فمضى به في الصحراء حتى غاب عن العسكر فما شعر إلا وأعراب قد جاؤوا به يحملونه منفسخة عنقه ميتا وبرذونه يقاد حتى أسلموه فبلغني ذلك فخرجت متعمدا حتى أتيت أولئك الأعراب وقد كانت لهم أبيات بالقرب منه في أرض البخراء لا حجر فيها ولا مدر فقلت لهم كيف كانت قصة هذا الرجل قالوا أقبل علينا على برذون فوالله لكأنه دهن يسيل على صفاة من فراهته فعجبنا لذلك إذ انقض رجل من السماء عليه ثياب بيض فأخذ بضبعيه فاحتمله ثم نكسه وضرب برأسه الأرض فدق عنقه ثم غاب عن عيوننا فاحتملناه فجئنا به
مقتل الوليد
وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن المدائني قال لما أكثر الوليد بن يزيد التهتك وانهمك في اللذات وشرب الخمر وبسط المكروه على ولد هشام والوليد وأفرط في أمره وغيه مل الناس أيامه وكرهوه وكان قد عقد لابنيه بعده ولم يكونا بلغا فمشى الناس بعضهم إلى بعض في خلعه وكان أقواهم في ذلك يزيد الناقص بن الوليد بن عبد الملك بن مروان فمشى إلى أخيه العباس وكان امرأ صدق ولم يكن في بني أمية مثله كان يتشبه بعمر بن عبد العزيز فشكا إليه ما يجري على الناس منالوليد فقال له يا أخي إن الناس قد ملوا بني مروان وإن مشى بعضكم في أمر بعض أكلتم ولله أجل لا بد أن يبلغه فانتظره فخرج من عنده ومشى إلى غيره فبايعه جماعة من اليمانية الوجوه فعاد إلى أخيه ومعه مولى له وأعاد عليه القول وعرض له بأنه قد دعي إلى الخلافة فقال له والله لولا أني لا آمنه عليك من تحامله لوجهت بك إليه مشدودا فنشدتك الله ألا تسعى في شيء من هذا فانصرف من عنده وجعل يدعو الناس إلى نفسه وبلغ الوليد ذلك فقال يذكر قومه ومشي بعضهم إلى بعض في خلعه
صوت
( سَلِّ همَّ النفس عنها ... بعَلَنْداةٍ عَلاَةِ )( تتّقي الأرضَ وتَهوِي ... بِخفَاف مُدْمَجَات )
( ذاك أَمْ ما بال قومي ... كسَروا سِنَّ قَنَاتي )
( واستخفّوا بي وصاروا ... كقرودٍ خاسئاتِ )
الشعر للوليد بن يزيد بن عبد الملك والغناء لأبي كامل غزيل الدمشقي ماخوري بالبنصر وفي هذه القصيدة يقول الوليد بن يزيد
( أصبح اليومَ وليدٌ ... هائماً بالفَتَياتِ )
( عنده راحٍ وإبريقٌ ... وكأسٌ بالفَلاة )
( اِبعثوا خيلاً لخيل ... ورُماةً لرُماةِ )
وأخبرني بالسبب في مقتله الحسن بن علي قال أخبرنا أحمد بن
الحارث قال حدثني المدائني عن جويرية بن أسماء وأخبرني به ابن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه عن المدائني عن جويرية بن أسماء قال قال ابن بشر بن الوليد بن عبد الملك لما أظهر الوليد بن يزيد أمره وأدمن على اللهو والصيد واحتجب عن الناس ووالى بين الشرب وانهمك في اللذات سئمه الناس ووعظه من أشفق عليه من أهله فلما لم يقلع دبوا في خلعه
فدخل أبي بشر بن الوليد على عمي العباس بن الوليد وأنا معه فجعل يكلم عمي في أن يخلع الوليد بن يزيد ومعه عمي يزيد بن الوليد فكان العباس ينهاه وأبي يرد عليه فكنت أفرح وأقول في نفسي أرى أبي يجترىء أن يكلم عمي ويرد عليه فقال العباس يا بني مروان أظن أن الله قد أذن في هلاككم ثم قال العباس
( إني أُعِيذكُم بالله من فِتَنٍ ... مثلِ الجبال تَسَامَى ثم تندفعُ )
( إنّ البريّة قد ملّت سياسَتكم ... فاستَمسِكوا بعمود الدّين وارتَدِعوا )
( لا تُلْحِمُنّ ذئابَ الناس أنْفُسَكم ... إنّ الذئاب إذا ما أُلْحِمَتْ رَتَعوا )
( لا تَبْقُرُنّ بأيديكم بطونَكمُ ... فَثَمَّ لا فِدْيَةٌ تُغْنِي ولا جَزَع )
قال المدائني عن رجاله فلما استجمع ليزيد أمره وهو متبد أقبل إلى دمشق وبين مكانه الذي كان متبديا فيه وبين دمشق أربع ليال فأقبل إلى دمشق متنكرا في سبعة أنفس على حمر وقد بايع له أكثر أهل دمشق وبايع له أكثر أهل المزة فقال مولى لعباد بن زياد إني لبجرود وبين جرود
ودمشق مرحلة إذ طلع علينا سبعة معتمون على حمر فنزلوا وفيهم رجل طويل جسيم فرمى بنفسه فنام وألقوا عليه ثوبا وقالوا لي هل عندك شيء نشتريه من طعام فقلت أما بيع فلا وعندي من قراكم ما يشبعكم فقالوا فعجله فذبحت له دجاجا وفراخا وأتيتهم بما حضر من عسل وسمن وشوانيز وقلت أيقظوا صاحبكم للغداء فقالوا هو محموم لا يأكل فسفروا للغداء فعرفت بعضهم وسفر النائم فإذا هو يزيد بن الوليد فعرفته فلم يكلمني ومضوا ليدخلوا دمشق ليلا في نفر من أصحابه مشاة إلى معاوية ابن مصاد وهو بالمزة وبينها وبين دمشق ميل فأصابهم مطر شديد فأتوا منزل معاوية فضربوا بابه وقالوا يزيد بن الوليد فقال له معاوية الفراش ادخل أصلحك الله قال في رجلي طين وأكره أن أفسد عليك بساطك فقال ما تريدني عليه أفسد فمشى على البساط وجلس على الفراش ثم كلم معاوية فبايعه
وخرج إلى دمشق فنزل دار ثابت بن سليمان الحسني مستخفيا وعلى دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف فخاف عبد الملك الوباء فخرج فنزل قطنا واستخلف ابنه على دمشق وعلى شرطته أبو العاج كثير بن عبد الله السلمي
وتم ليزيد أمره فأجمع على الظهور وقيل لعامل دمشق إن يزيد خارج فلم يصدق وأرسل يزيد إلى أصحابه بين المغرب والعشاء في ليلة الجمعة من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة فكمنوا في ميضأة عند باب الفراديس حتى إذا أُذنوا
العتمة دخلوا المسجد مع الناس فصلوا
وللمسجد حرس قد وكلوا بإخراج الناس من المسجد بالليل فإذا خرج الناس خرج الحرس وأغلق صاحب المسجد الأبواب ودخل الدار من باب المقصورة فيدفع المفاتيح إلى من يحفظها ويخرج فلما صلى الناس العتمة صاح الحرس بالناس فخرجوا وتباطأ أصحاب يزيد الناقص فجعلوا يخرجونهم من باب ويدخلون من باب حتى لم يبق في المسجد إلى الحرس وأصحاب يزيد فأخذوا الحرس ومضى يزيد بن عنبسة السكسكي إلى يزيد فأخبره وأخذ بيده وقال قم يا أمير المؤمنين وأبشر بعون الله ونصره فأقبل وأقبلنا ونحن اثنا عشر رجلا فلما كنا عند سوق القمح لقيهم فيها مائتا رجل من أصحابهم فمضوا حتى دخلوا المسجد وأتوا باب المقصورة وقالوا نحن رسل الوليد ففتح لهم خادم الباب ودخلوا فأخذوا الخادم وإذا أبو العاج سكران فأخذوه وأخذوا خزان البيت وصاحب البريد وأرسل إلى كل من كان يحذره فأخذه وأرسل من ليلته إلى محمد بن عبيدة مولى سعيد بن العاص وهو على بعلبك وإلى عبد الملك بن محمد بن الحجاج فأخذهما وبعث أصحابه إلى الخشبية فأتوه وقال للبوابين لا تفتحوا الأبواب غدوة إلا لمن أخبركم بشعار كذا وكذا
قال فتركوا الأبواب في السلاسل وكان في المسجد سلاح كثير قدم به سليمان بن هشام من الجزيرة فلم يكن الخزان قبضوه فأصابوا سلاحا
كثيرا فأخذوه وأصبحوا وجاء أهل المزة مع حريث بن أبي الجهم فما انتصف النهار حتى بايع الناس يزيد وهو يتمثل قول النابغة
( إذا استُنْزِلوا عنهنّ للطعن أَرْقَلوا ... إلى الموت إرقالَ الجمال المَصاعبِ ) فجعل أصحابه يتعجبون ويقولون انظروا إلى هذا كان قبيل الصبح يسبح وهو الآن ينشد الشعر قال وأمر يزيد عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان فوقف بباب الجابية فنادى من كان له عطاء فليأت إلى عطائه ومن لم يكن له عطاء فله ألف درهم معونة فبايع له الناس وأمر بالعطاء قال وندب يزيد بن الوليد الناس إلى قتال الوليد بن يزيد مع عبد العزيز وقال من انتدب معه فله ألفان فانتدب ألفا رجل فأعطاهم وقال موعدكم ذنبة فوافى ذنبه ألف ومائتا رجل فقال ميعادكم مصنعة بالبرية وهي لبني عبد العزيز بن الوليد فوافاه ثمانمائة رجل فسار فوافاهم ثقل الوليد فأخذوه ومع عبد العزيز فرسان منهم منصور بن جمهور ويعقوب بن عبد الرحمن السلمي والأصبغ بن ذؤالة وشبيب بن أبي مالك الغساني وحميد بن نصر اللخمي فأقبلوا فنزلوا قريبا من الوليد فقال الوليد أخرجوا لي سريرا فأخرجوه فصعد عليه وأتاه خبر العباس بن الوليد إني أجيئك وأُتي الوليد بفرسين الذائد والسندي وقال أعلي يتواثب الرجال وأنا أثب على الأسد
وأتخصر الأفاعي وهم ينتظرون العباس أن يأتيهم ولم يكن بينهم كبير قتال فقتل عثمان الخشبي وكان من أولاد الخشبية الذين كانوا مع المختار وبلغ عبد العزيز بن الحجاج أن العباس بن الوليد يأتي الوليد فأرسل منصور بن جمهور في جريدة خيل وقال إنكم تلقون العباس بن الوليد ومعه بنوه في الشعب فخذوه
وخرج منصور في تلك الخيل وتقدموا إلى الشعب وإذا العباس ومعه ثلاثون تقدموا أصحابه فقال له اعدل إلى عبد العزيز فشتمهم فقال له منصور والله لئن تقدمت لأنفذن حصينك بالرمح فقال إنا لله فأقبلوا به يسوقونه إلى عبد العزيز فقال له عبد العزيز بايع ليزيد فبايع ووقف ونصبوا راية وقالوا هذا العباس قد بايع ونادى منادي عبد العزيز من لحق بالعباس بن الوليد فهو آمن فقال العباس إنا لله خدعة من خدع الشيطان هلك والله بنو مروان فتفرق الناس عن الوليد وأتوا العباس وظاهر الوليد في درعين وقاتلهم وقال الوليد من جاء برأس فله خمسمائة درهم فجاء جماعة بعدة رؤوس فقال اكتبوا أسماءهم فقال له رجل من مواليه ليس هذا يا أمير المؤمنين يوما يعامل فيه
بالنسيئة وناداهم رجال اقتلوا اللوطي قتلة قوم لوط فرموه بالحجارة
فلما سمع ذلك دخل القصر وأغلق الباب وقال
صوت
دَعُوا لي سُلَيْمَى والطِّلاَء وقَيْنةً ... وكأساً ألا حَسْبي بذلك مالا )
( إذا ما صفا عيش برَمْلةِ عالِجٍ ... وعانقتُ سلمى لا أُريد بِدالا )
( خذوا مُلْكَكم لا ثّبت الله ملككم ... ثباتاً يساوي ما حَيِيتُ عِقالا )
( وخَلُّوا عِناني قبل عَيْرٍ وما جَرَى ... ولا تَحسُدوني أن أموت هُزالا ) غناه عمر الوادي رملا بالوسطى عن حبش ثم قال لعمر الوادي يا جامع لذتي غنني بهذا الشعر وقد أحاط الجند بالقصر فقال لهم الوليد من وراء الباب أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلمه فقال له يزيد ابن عنبسة السكسكي كلمني فقال له الوليد يا أخا السكاسك ما تنقمون مني ألم أزد في أعطياتكم وأعطية فقرائكم وأخدمت زمناكم ودفعت عنكم المؤن فقال ما ننقم عليك في أنفسنا شيئا ولكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله قال حسبك يا أخا السكاسك فلعمري لقد أغرقت فأكثرت وإن فيما
أحل الله لسعة عما ذكرت
ورجع إلى الدار فجلس وأخذ المصحف وقال يوم كيوم عثمان ونشر المصحف يقرأ فعلوا الحائط فكان أول من علا الحائط يزيد بن عنبسة فنزل وسيف الوليد إلى جنبه فقال له يزيد نح سيفك فقال الوليد لو أردت السيف لكانت لي ولك حالة غير هذه فأخذ بيده وهو يريد أن يدخله بيتا ويؤامر فيه فنزل من الحائط عشرة فيهم منصور ابن جمهور وعبد الرحمن وقيس مولى يزيد بن عبد الملك والسري بن زياد بن أبي كبشة فضربه عبد الرحمن السلمي على رأسه ضربة وضربه السري بن زياد على وجهه وجروه بين خمسة ليخرجوه فصاحت امرأه كانت معه في الدار فكفوا عنه فلم يخرجوه واحتز رأسه أبو علاقة القضاعي وخاط الضربة التي في وجهه بالعقب وقدم بالرأس على يزيد قدم به روح بن مقبل وقال أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الفاسق فاستتم الأمر له وأحسن صلته ثم كان من خلع يزيد بعد ذلك ما ليس هذا موضع ذكره
قال ولما قتل الوليد بن يزيد جعل أبو محجن مولى خالد القسري يدخل سيفه في است الوليد وهو مقتول فقال الأصبغ بن ذؤالة الكلبي في قتل الوليد وأخذهم ابنيه
( من مُبْلِغٌ قيساً وخِنْدِفَ كلَّها ... وساداتِهم من عبد شمس وهاشم )
( قتلنا أميرَ المؤمنين بخالد ... وبِعْنا ولِيّيْ عهدِه بالدراهم )
وقال أبو محجن مولى خالد
( لو شاهدوا حدَّ سيفي حين أَدخله ... في اسْتِ الوليد لماتوا عنده كَمَدا )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن هشام بن الكلبي عن جرير قال قال لي عمر الوادي كنت أغني الوليد أقول
صوت
( كَذَبتْكَ نفسُك أم رأيتَ بواسِطٍ ... غَلَسَ الظلامِ من الرَّبابِ خيالا ) قال فما أتممت الصوت حتى رأيت رأسه قد فارق بدنه ورأيته يتشحط في دمهيقال إن اللحن في هذا الشعر لعمر الوادي ويقال لابن جامع
قالوا وكان عثمان والحكم ابنا الوليد قد بايعهما بالعهد بعده فتغيبا فأخذهما يزيد بعد ذلك فحبسهما في الخضراء ودخل عليهما يزيد الأفقم ابن هشام فجعل يشتم أباهما الوليد وكان قد ضربه وحلقه فبكى الحكم فقال عثمان أخوه اسكت يا أخي وأقبل على يزيد فقال أتشتم أبي قال نعم قال لكني لا أشتم عمي هشاما ووالله لو كنت من بني مروان ما شتمت أحدا منهم فانظر إلى وجهك فإن كنت رأيت حكميا يشبهك أوله
مثل وجهك فأنت منهم لا والله ما في الأرض حكمي يشبهك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن مسلمة بن محارب قال لما قتل الوليد قال أيوب السختياني ليت القوم تركوا لنا خليفتنا لم يقتلوه قال وإنما قال ذلك تخوفا من الفتنة
الرشيد يلعن قاتلي الوليد
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني أن ابنا للغمر بن يزيد بن عبد الملك دخل على الرشيد فقال ممن أنت قال من قريش قال من أيها فأمسك قال قل وأنت آمن ولو أنك مرواني قال أنا ابن الغمر بن يزيد قال رحم الله عمك ولعن يزيد الناقص وقتلة عمك جميعا فإنهم قتلوا خليفة مجمعا عليه ارفع إلي حوائجك فقضاها أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الغلابي قال حدثنا العلاء ابن سويد المنقري قال ذكر ليلة المهدي أمير المؤمنين الوليد بن يزيد فقال كان ظريفا أديبا فقال له شبيب بن شيبة يا أمير المؤمنين إن رأيت ألا تجري ذكره على سمعك ولسانك فافعل فإنه كان زنديقا فقال اسكت فما كان الله ليضع خلافته عند من يكفر به وهكذا رواه الصولي
وقد أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز إجازة قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرنا عقيل بن عمرو قال أخبرني شبيب بن شيبة عن أبيه قال كنا جلوسا عند المهدي فذكروا الوليد بن يزيد فقال المهدي أحسبه كان زنديقا فقام ابن علاثة الفقيه فقال يا أمير المؤمنين الله عز و جل أعظم من أن يولي خلافة النبوة وأمر الأمة من لا يؤمن بالله لقد أخبرني من كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته وصلاته وحدثني أنه كان إذا حضرت الصلاة يطرح ثيابا كانت عليه من مطيبة ومصبغة ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ويؤتى بثياب بيض نظاف من ثياب الخلافة فيصلي فيها أحسن صلاة بأحسن قراءة وأحسن سكوت وسكون وركوع وسجود فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب التي كانت عليه قبل ذلك ثم يعود إلى شربه ولهوه أفهذه أفعال من لا يؤمن بالله فقال له المهدي صدقت بارك الله عليك يابن علاثة
وفي جملة المائة الصوت المختارة عدة أصوات من شعر الوليد نذكرها ها هنا مع أخباره والله أعلم
صوت
من المائة المختارة
( أُمّ سَلاّمَ ما ذكرتُكِ إلاّ ... شَرِقَتْ بالدموع منِّي المآقي )( أُمَّ سَلاَّمَ ذِكْرُكُمْ حيث كنتم ... أنتِ دائي وفي لسانِك راقي )
( ما لقلبي يَجُول بين التَّرَاقي ... مُسْتَخِفَّا يَتُوق كلَّ مَتَاق )
( حَذَراً أن تَبين دارُ سُلَيْمَى ... أو يصيحَ الداعي لها بِفراق )
غناه عمر الوادي ولحنه المختار خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر وذكر عمرو بن بانة أن لسلامة القس فيه خفيف رمل بالوسطى ولعله بمعنى هذا
ومن الناس من يروي هذه الأبيات لعبد الرحمن بن أبي عمار الجشمي في سلامة القس وليس ذلك له هو للوليد صحيح وهو كثيرا ما يذكر سلمى هذه في شعره بأم سلام وبسلمى لأنه لم يكن يتصنع في شعره ولا يبالي بما يقوله منه ومن ذلك قوله فيها
صوت
( أُمَّ سَلاّمَ لو لقِيتِ من الوجد ... عَشِيرَ الذي لَقِيتُ كفاكِ )( فأثِيبِي بالوصل صَبًّا عميداً ... وشفيقاً شجاه ما قد شجاكِ ) غناه مالك خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي
ذكر أخبار عمر الوادي ونسبه
هو عمر بن داود بن زاذان وجده زاذان مولى عمرو بن عثمان بن عفان وكان عمر مهندسا وأخذ الغناء عنه حكم وذووه من أهل وادي القرى وكان قدم إلى الحرم فأخذ من غناء أهله فحذق وصنع فأجاد وأتقن وكان طيب الصوت شجيه مطربا وكان أول من غنى من أهل وادي القرى واتصل بالوليد بن يزيد في أيام إمارته فتقدم عنده جدا وكان يسميه جامع لذاتي ومحيي طربي وقتل الوليد وهو يغنيه وكان آخر عهده به من الناس وفي عمر يقول الوليد بن يزيد وفيه غناءصوت
( إنّني فكّرتُ في عمرٍ ... حين قال القولَ فاختلَجا )( إنّه للمُستَنِير به ... قمر قد طمّس السُّرُجا )
( ويغنِّي الشعر يَنْظِمُه ... سيّدُ القوم الذي فلَجا )
( أكمَل الواديُّ صنعتَه ... في لُباب الشعر فاندمجا ) الشعر للوليد بن يزيد والغناء لعمر الوادي هزج خفيف بالبنصر في مجراها
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان عمر الوادي يجتمع مع معبد ومالك وغيرهما من المغنّين عند الوليد ابن يزيد فلا يمنعه حضورهم من تقديمه والإصغاء إليه والإختصاص له وبلغني أنه كان لا يضرب وإنما كان مرتجلا وكان الوليد يسميه جامع لذاتي قال وبلغني أن حكما الوادي وغيره من مغني وادي القرى أخذوا عنه الغناء وانتحلوا أكثر أغانيه
قال إسحاق وحدثني عبد السلام الربيع إن الوليد بن يزيد كان يوما جالسا وعنده عمر الوادي وأبو رقية وكان ضعيف العقل وكان يمسك المصحف على أُم الوليد فقال الوليد لعمر الوادي وقد غناه صوتا أحسنت والله أنت جامع لذاتي وأبو رقية مضطجع وهم يحسبونه نائما فرفع رأسه إلى الوليد فقال له وأنا جامع لذات أمك فغضب الوليد وهم به فقال له عمر الوادي جعلني الله فداك ما يعقل أبو رقية وهو صاح فكيف يعقل وهو سكران فأمسك عنه
عمر يأخذ الغناء عن راع ويمدحه
قال إسحاق وحدثت عن عمر الوادي قال بينا أنا أسير ليلة بين العرج والسقيا سمعت إنسانا يغني غناء لم أسمع قط أحسن منه وهوصوت
( وكنتُ إذا ما جئتُ سُعْدَى بأرضها ... أرى الأرضَ تُطْوَى لي ويدنو بعيدُها )( من الخَفِراتِ البِيضِ وَدّ جليسُها ... إذا ما انقضتْ أُحدوثةٌ لو تُعيدها )
فكدت أسقط عن راحلتي طربا فقلت والله لألتمسن الوصول إلى هذا الصوت ولو بذهاب عضو من أعضائي حتى هبطت من الشرف فإذا أنا برجل يرعى غنما وإذا هو صاحب الصوت فأعلمته الذي أقصدني إليه وسألته إعادته علي فقال والله لو كان عندي قرى ما فعلت ولكني أجعله قراك فربما ترنمت به وأنا جائع فأشبع وكسلان فأنشط ومستوحش فآنس فأعاده علي مرارا حتى أخذته فوالله ما كان لي كلام غيره حتى دخلت المدينة ولقد وجدته كما قال حدثني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير ابن بكار قال حدثني المؤمل بن طالوت الوادي قال حدثني مكين العذري قال سمعت عمر الوادي يقول بينا أنا أسير بين الروحاء والعرج ثم ذكر مثله وقال فيه فربما ترنمت به وأنا غرثان فيشبعني ومستوحش فيؤنسني وكسلان فينشطني قال فما كان زادي حتى ولجت المدينة غيره وجربت ما وصفه الراعي فيه فوجدته كما قال
نسبة هذا الصوت
صوت
( لقد هَجَرتْ سُعْدَى وطال صدودُها ... وعاوَد عَيْني دمْعُها وسهودُها )( وكنتُ إذا ما زرتُ سُعْدَى بأرضها ... أرى الأرض تُطْوَى لي ويدنو بعيدُها )
( منعَّمةٌ لم تَلْقَ بؤسَ مَعيشةٍ ... هي الخُلْد في الدنيا لمن يَستفيدُها )
( هي الخلدُ ما دامتْ لأهلك جارةً ... وهل دام في الدنيا لنفس خلودُها )
الشعر لكثير والغناء لابن محرز ثقيل أول مطلق بالبنصر عن يحيى المكي
وذكر الهشامي أن فيه ليزيد حوراء ثاني ثقيل وفيه خفيف رمل ينسب إلى عمر الوادي وهو بعض هذا اللحن الذي حكاه عن الراعي ولا أعلم لمن هو
وهذه الأبيات من قصيدة لكثير سائرها في الغزل وهي من جيد غزله ومختاره وتمام الأبيات بعد ما مضى منها
( فتلك التي أصفيتُها بمودّتي ... وليداً ولمّا يَسْتَبِنْ لي نهودُها )
( وقد قتلتْ نفساً بغير جَريرة ... وليس لها عَقْل ولا من يُقيِدُها )
( فكيف يَودّ القلبُ من لا يودّه ... بلى قد تُريد النفسُ من لا يُريدها )
( ألا ليت شِعري بعدنا هل تغيَّرتْ ... عن العهد أم أمست كعهدي عهودُها )
( إذا ذكرتْها النفسُ جُنّتْ بذكرها ... ورِيعَتْ وحَنّتْ واستُخِفّ جَلِيدها )
( فلو كان ما بي بالجبال لَهدّها ... وإن كان في الدنيا شديداً هُدُودُها )
( ولستُ وإن أُوعِدْتُ فيها بمُنْتَهٍ ... وإن أُوقِدَتْ نارٌ فشَبّ وَقُودها )
( أَبِيتُ نجيًّا للهموم مُسَهَّداً ... إذا أُوقدتْ نحوي بليل وَقُودها )
( فأَصبحتُ ذا نفسن نفس مريضة ... من اليأس ما ينفكّ همٌّ يعودُها )
( ونفس إذا ما كنتُ وحدي تقطّعتْ ... كما انسَلّ من ذات النّظام فريدُها )
( فلم تُبْدِ لِي يأساً ففي اليأس راحة ... ولم تُبْدِ لِي جُوداً فينفع جودُها )
عمر والوليد وخاتم الياقوت
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب ابن عباية قال قال عمر الوادي خرج إليّ الوليد بن يزيد يوما وفي يده خاتم ياقوت أحمر قد كان البيت يلتمع من شعاعه فقال لي يا جامع لذتي أتحب أن أهبه لك قلت نعم والله يا مولاي فقال غن في هذه الأبيات التي أنشدك فيها واجهد نفسك فإن أصبت إرادتي وهبته لك فقلت أجتهد وأرجو التوفيقصوت
( ألا يُسلِيكَ عن سَلْمى ... قَتِيرُ الشَّيْب والحِلْمُ )( وأن الشكّ ملتبِسٌ ... فلا وصلٌ ولا صُرْمُ )
( فلا والله ربِّ الناس ... مالك عندنا ظلم )
( وكيف بظلم جاريةٍ ... ومنها اللّين والرُّحْمُ )
فخلوت في بعض المجالس فما زلت أُديره حتى استقام ثم خرجت إليه وعلى رأسه وصيفة بيدها كأس وهو يروم أن يشربها فلا يقدر خمارا فقال ما صنعت فقلت فرغت مما أمرتني به وغنيته فصاح أحسنت والله ووثب قائما على رجليه وأخذ الكأس واستدناني فرضع يده اليسرى علي متكئا والكأس في يده اليمنى ثم قال لي أعد بأبي أنت وأمي فأعدته عليه
فشرب ودعا بثانية وثالثة ورابعة وهو على حاله يشرب قائما حتى كاد أن يسقط تعبا ثم جلس ونزع الخاتم والحلة التي كانت عليه فقال والله العظيم لا تبرح هكذا حتى أسكر فما زلت أُعيده عليه ويشرب حتى مال على جنبه سكرا فنام
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن غرير بن طلحة الأرقمي عن أبي الحكم عبد المطلب بن عبد الله بن يزيد بن عبد الملك قال والله إني لبالعقيق في قصر القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وعندي أشعب وعمر الوادي وأبو رقية إذ دعوت بدينار فوضعته بين يدي وسبقتهموه في رجز فكان أول من خسق عمر الوادي فقال
( أنا ابن داود أنا ابن زَاذَانْ ... أنا ابن مولى عمرو بن عثمان ) ثم خسق أبو رقية فقال
( أنا ابن عامر القاري ... أنا ابن أوّل أعجمي ) تقدم في مسجد رسول الله خسق أشعب فقال
( أنا ابن أُمّ الخلنداج ... أنا ابن المحرِّشة بين أزواج ) النبي أبو الحكم فقلت له أي أخزاك الله هل سمعت أحدا قط فخر بهذا فقال وهل فخر أحد بمثل فخري لولا أن أُمي كانت عندهن ثقة ما قبلن منها حتى يغضب بعضهن على بعض
أخبار أبي كامل
اسمه الغزيل وهو مولى الوليد بن يزيد وقيل بل كان مولى أبيه وقيل بل كان أبوه مولى عبد الملك وكان مغنيا محسنا وطيبا مضحكا ولم أسمع له بخبر بعد أيام بني أمية ولعله مات في أيامهم أو قتل معهمأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني أن أبا كامل غنى الوليد بن يزيد ذات يوم فقال
صوت
( نام من كان خليًّا من ألَمْ ... وبدائي بتُّ ليلِي لم أنَمْ )( أرقُب الصبحَ كأني مُسْنَدٌ ... في أكفّ القوم تَغْشاني الظُّلَمْ )
( إنّ سلمى ولنا من حبّها ... دَيْدَنٌ في القلب ما اخضَرّ السَّلَمْ )
( قد سَبَتْني بشَتيتٍ نَبْتُه ... وثنايا لم يَعِبْهنّ قَضَمْ ) قال فطرب الوليد وخلع عليه قلنسية وشي مذهبة كانت على رأسه فكان أبو كامل يصونها ولا يلبسها إلا من عيد إلى عيد ويمسحها بكمه ويرفعها
ويبكي ويقول إنما أرفعها لأني أجد منها ريح سيدي يعني الوليد
الغناء في هذا الصوت هزج بالوسطى نسبه عمرو بن بانة إلى عمر الوادي ونسبه غيره إلى أبي كامل وزعم آخرون أنه لحكم هكذا نسبه ابن المكي إلى حكم وزعم أنه بالبنصر
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الأصمعي عن صفوان بن الوليد المعيطي قال غنى أبو كامل ذات يوم الوليد بن يزيد في لحن لابن عائشة وهو
( جنِّباني أذاةَ كلّ لئيم ... إنّه ما علمتُ شرُّ نديم ) فخلع عليه ثيابه كلها حتى قلنسيته ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدمه وزاد فيه أنه أوصى أن تجعل في أكفانه وللوليد في أبي كامل أشعار كثيرة فمنها مما يغنى به
صوت
( سقَيْتُ أبا كاملِ ... من الأصفر البابلِي )
( وسقَّيتُها معبداً ... وكلَّ فتىً فاضل ) وقال أيضا فيه
( وزِقٍّ وافر الجنبين ... مثل الجمل البازلْ )
( به رُحْتُ إلى صَحْبي ... ونَدمانِي أبي كاملْ )
( شرِبناه وقد بِتْنا ... بأعلى الدَّيْر بالساحِلْ )
( ولم نَقْبَل من الواشي ... قبول الجاهل الخاطلْ )
الغناء لأبي كامل خفيف رمل بالوسطى وذكر الهشامي أنه ليحيى المكي وأنه نحله أبو كامل
وذكر أن لعمر الوادي أو لحكم فيه رملا بالوسطى وهو القائم
وأخبرني أبو الحسن محمد بن إبراهيم قريش رحمه الله أن لينشو فيه خفيف رمل ومنها في قول الوليد
صوت
( سَقَيْتُ أبا كامل ... من الأصفر البابلي )( وسقّيتُها معبداً ... وكلّ فتىً فاضل )
( ليَ المحضُ من ودّهم ... وَيَغْمُرهم نائلي )
( وما لامني فيهمُ ... سوى حاسدٍ جاهل ) فيه هزج ينسب إلى أبي كامل وإلى حكم وفيه لينشو ثقيل أول
أخبرني بذلك قريش ووجه الرزة جميعا
وأخبرني قريش عن أحمد بن أبي العلاء قال كان للمعتضد علي صوتان من شعر الوليد أحدهما
( سقَيْتُ أبا كامِل ... من الأصفر البابلي ) والآخر
( إن في الكأس لمسكاً ... أو بكَفّيْ من سقاني ) وكان يعجب بهما ويقول لجلسائه أما ترون شمائل الملوك في شعره ما أبينها
( ليَ المَحْضُ من ودّهم ... ويغمُرهم نائلي ) وحين يقول
( كلِّلاني توِّجاني ... وبشعري غنِّياني )
وقد نسب إلى الوليد بن يزيد في هذه المائة الصوت المختارة شعر صوتين لأن ذكر سليمى في أحدهما ولأن الصنعة في الآخر لأبي كامل فذكرت من ذلك ها هنا صوتين أحدهما
صوت
من المائة المختارة
( سُلَيْمى تلك من العِيرِ ... قِفي نُخْبِرْكِ أو سيري )( إذا ما أنتِ لم تَرْثِي ... لصَبّ القلب مغمورِ )
( فلما أن دنا الصبحُ ... بأصواتِ العصافير )
( خرجنا نُتْبِع الشمس ... عيوناً كالقَوارير )
( وفينا شادنٌ أحْوَرُ ... من حُور اليَعَافِير ) الشعر ليزيد بن ضبة والغناء في اللحن المختار لإسماعيل بن
الهربذ ولحنه رمل مطلق في مجرى الوسطى هكذا ذكر إسحاق في كتاب شجا لابن الهربذ وذكر في موضع آخر أن فيه لحنا لابن زرزور الطائفي رملا آخر بالسبابة في مجرى البنصر وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لأبي كامل ولم يجنسه وذكر حبش أن فيه لعطرد هزجا بالوسطى
أخبار يزيد بن ضبّة ونسبه
أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أحمد بن الهيثم عن الحسن بن إبراهيم بن سعدان عن عبد العظيم بن عبد الله بن يزيد بن ضبة الثقفي قال كان جدي يزيد بن ضبة مولى لثقيف واسم أبيه مقسم وضبة أُمه غلبت على نسبه لأن أباه مات وخلّفه صغيرا فكانت أُمه تحضن أولاد المغيرة بن شعبة ثم أولاد ابنه عروة بن المغيرة فكان جدي ينسب إليها لشهرتها قال وولاؤه لبني مالك بن حطيط ثم لبني عامر بن يسار قال عبد العظيم وكان جدي يزيد بن ضبة منقطعا إلى الوليد بن يزيد في حياة أبيه متصلا به لا يفارقه
فلما أفضت الخلافة إلى هشام أتاه جدي مهنئا بالخلافة فلما استقر به المجلس ووصلت إليه الوفود وقامت الخطباء تثني عليه والشعراء تمدحه مثل جدي بين السماطين فاستأذنه في الإنشاد فلم
حذف
يأذن له وقال عليك بالوليد فامدحه وأنشده وأمر بإخراجه وبلغ الوليد خبره فبعث إليه بخمسمائة دينار وقال له لو أمنت عليك هشاما لما فارقتني ولكن اخرج إلى الطائف وعليك بمالي هناك فقد سوغتك جميع غلته ومهما احتجت إلي من شيء بعد ذلك فالتمسه مني فخرج إلى الطائف وقال يذكر ما فعله هشام به
( أرَى سلمى تَصُدّ وما صدَدْنا ... وغيرَ صدودِها كنّا أرَدْنا )
( لقد بخِلتْ بنائلها علينا ... ولو جادت بنائلها حَمِدنا )
( وقد ضنّت بما وعدتْ وأمستْ ... تغيِّر عهدَها عمّا عَهِدنا )
( ولو علمتْ بما لاقيتُ سلمى ... فتُخبرني وتعلم ما وجدنا )
( تُلِمّ على تنائي الدار منّا ... فيُسهرنا الخيال إذا رقَدْنا )
( ألم تَرَ أنّنا لمّا وِلِينا ... أموراً خُرّقَت فوهَتْ سَدَدنا )
( رأينا الفَتْقَ حين وهَى عليهم ... وكم من مثله صَدَع رَفَأْنا )
( إذا هاب الكريهةَ من يَلِيها ... وأعظَمها الهَيُوبُ لها عَمدنا )
( وجبّارٍ تركناه كَلِبلاً ... وقائدِ فتنةٍ طاغٍ أَزَلْنا )
( فلا تنسَوْا مواطِنَنا فإنّا ... إذا ما عاد أهل الجُرم عُدْنا )
( وما هِيضتْ مَكاسِرُ من جَبرْنا ... ولا جُبِرتْ مصيبةُ من هدَدْنا )
( ألاَ من مُبلِغٌ عنّي هشاماً ... فما منّا البَلاءُ ولا بَعُدْنا )
( وما كنّا إلى الخلفاء نُفْضِي ... ولا كنّا نؤخَّر إن شَهِدنا )
( ألم يك بالبلاء لنا جَزَاءٌ ... فنُجْزَى بالمحاسن أم حُسِدنا )
( وقد كان الملوك يروْن حقًّا ... لوافِدنا فنُكْرَمُ إن وفَدْنَا )
( ولِينا الناسَ أزماناً طِوالاً ... وسُسْناهم ودُسْناهم وقُدْنا )
( ألم تَرَ من ولَدْنا كيف أشْبَى ... وأشبَيْنا وما بهمُ قعَدْنا )
( نكون لمن ولدْناه سماءً ... إذا شِيمتْ مَخَايِلُنا رعَدنا )
( وكان أبوك قد أسدى إلينا ... جسيمةَ أمره وبه سَعِدنا )
( كذلك أوّلُ الخلفاء كانوا ... بنا جَدّوا كما بهم جدَدْنا )
( هُمُ آباؤنا وهُمُ بنونا ... لنا جُبِلوا كما لهمُ جُبِلنا )
( ونَكْوِي بالعداوة مَن بَغانا ... ونُسْعِد بالمودّة من وَدِدْنا )
( نرى حقًّا لسائلنا علينا ... فنحبوه ونُجزِل إن وعَدنا )
( ونضمَن جارَنا ونراه منّا ... فَنرفِدُه فنُجزل إن رفَدْنا )
( وما نعتدّ دون المجد مالاً ... إذا يُغْلَى بمكرُمةٍ أفَدْنا )
( وأتلَدُ مجدِنا أنّا كِرَامٌ ... بحدّ المَشْرَفِيّة عنه ذُدْنا )
لكل بيت ألف درهم
قال فلم يزل مقيما بالطائف إلى أن ولي الوليد بن يزيد الخلافة فوفد إليه فلما دخل عليه والناس بين يديه جلوس ووقوف على مراتبهم هنّأه بالخلافة فأدناه الوليد وضمه إليه وقبل يزيد بن ضبة رجليه والأرض بين يديه فقال الوليد لأصحابه هذا طريد الأحول لصحبته إياي وانقطاعه إلي فاستأذنه يزيد في الإنشاد وقال له يا أمير المؤمنين هذا اليوم الذي نهاني عمك هشام عن الإنشاد فيه قد بلغته بعد يأس والحمد لله على ذلك فأذن له فأنشده( سُلَيْمى تلك في العِيرِ ... قِفي أسألْك أو سيري )
( إذا ما بنتِ لم تأوِي ... لصَبّ القلبِ مَغْمور )
( وقد بانت ولم تَعْهَد ... مهاةٌ في مَهاً حُورِ )
( وفي الآل حُمُولُ الحي ... تُزْهَى كالقَرَاقِير )
( يُواريها وتبدو منه ... آلٌ كالسَّمَادير )
( وتطفو حين تطفو فيه ... كالنَّخل المَوَاقِير )
( لقد لاقيتُ من سَلْمَى ... تباريحَ التّناكِيرِ )
( دعتْ عيني لها قلبي ... وأسبابُ المقادير )
( وما إنْ مَنْ به شيبٌ ... إذا يصبو بمعذور )
( لسلمى رسمُ أطلالٍ ... عفَتْها الرّيحُ بالمُور )
( خَريقٌ تنخُل التُّربَ ... بأذيال الأعاصير )
( فأوْحِشْ إذ نأت سلمى ... بتلك الدُّور من دُور )
( سأرمي قانصاتِ البِيد ... إن عِشْتُ بعُسْبور )
( من العِيس شَجَوْجاةٍ ... طواها النِّسْعُ بالكُور )
( إذا ما حَقَبٌ منها ... قرَنَّاه بتَصْدِير )
( زجرْنا العِيسَ فارقَدّتْ ... بإعصافٍ وتَشْمير )
( تُقاسِيها على أيْنِ ... بإدلاجٍ وتَهْجيرِ )
( إذا ما اعصَوْصَب الآلُ ... ومال الظِّلُّ بالقُورِ )
( وراحت تتَّقي الشمس ... مطايا القوم كالعُور )
( إلى أن يُفْضِح الصبحُ ... بأصوات العصافير )
( لِتَعْتَامَ الوليدَ القَرْمَ ... أهلَ الجود والخيِر )
( كريمٌ يَهَبُ البُزْلَ ... مع الخُورِ الجَرَاجِير )
( تُراعِي حين تُزْجيها ... هَوِيًّا كالمزامير )
( كما جاوبَتِ النِّيبُ ... رِبَاعَ الخُلُج الخُور )
( ويُعطى الذهبَ الأحمر ... وَزْناً بالقناطير )
( بلَوْناه فأحمدناه ... في عُسْر وميسور )
( كريمُ العُود والعُنْصر ... غَمْرٌ غير منزور )
( له السَّبْق إلى الغايات ... في ضَمّ المَضَامير )
( إمامٌ يُوضِح الحقَّ ... له نور على نور )
( مقالٌ من أخي ودّ ... بحفظ الصدق مأثور )
( بإحكام وإخلاص ... وتفهيم وتَحْبيرِ )
قال فأمر الوليد بأن تعد أبيات القصيدة ويعطى لكل بيت ألف درهم فعدت فكانت خمسين بيتا فأعطي خمسين ألفا فكان أول خليفة عد أبيات الشعر وأعطى على عددها لكل بيت ألف درهم ثم لم يفعل ذلك إلا هارون الرشيد فإنه بلغه خبر جدي مع الوليد فأعطى مروان بن أبي حفصة ومنصورا النمري لما مدحاه وهجوا آل أبي طالب لكل بيت ألف درهم
يزيد يمدح فرس الوليد
قال عبد العظيم وحدثني أبي وجماعة من أصحاب الوليد أن الوليد خرج إلى الصيد ومعه جدي يزيد بن ضبة فاصطاد على فرسه السندي صيدا حسنا ولحق عليه حمارا فصرعه فقال لجدي صف فرسي هذا وصيدنا اليوم فقال في ذلك ( وأحْوَى سَلِسُ المَرْسِن ... مثلُ الصَّدَع الشَّعْب )
( سما فوق مُنيفَاتٍ ... طوالٍ كالقَنَا سُلْب )
( طويلُ الساق عُنْجُوجٌ ... أشقُّ أصمعُ الكَعْب )
( على لأْمٍ أصمَّ مُضَمَّرِ ... الأشْعَر كالقَعْب )
( ترى بين حَوامِيه ... نُسُوراً كنَوَى القَسْب )
( مُعَالىً شَنِجُ الأَنْساء ... سامٍ جُرْشُعُ الجَنْب )
( طَوَى بين الشَّراسِيِف ... إلى المَنْقَب فالقُنْب )
( يغوص الملحم القائِم ... ذو حَدّ وذو شَغْب )
( عَتِيدُ الشَّدّ والتَّقْريب ... والإِحضار والعَقْب )
( صليبُ الأُذْن والكاهل ... والمَوْقِف والعَجْب )
( عريض الخدّ والجَبْهة ... والبِرْكَةِ والهُلْب )
( إذا ما حَثَّه حاثٌّ ... يُبارِي الرّيحَ في غَرْب )
( وإن وجَّهَه أَسرع ... كالخُذْرُوف في الثَّقْب )
( وقَفَّاهنّ كالأجْدَل ... لما انضمّ للضَّرْب )
( ووالَى الطعنَ يخَتار ... جَوَاشِنَ بُدَّنٍ قُبِّ )
( تَرَى كلَّ مُدِلٍّ قائماً ... يَلْهَثُ كالكلب )
( كأن الماء في الأعطاف ... منه قِطَعُ العُطْب )
( كأن الدَّمَ في النَّحْر ... قَذَالٌ عُلّ بالخَضْب )
( يَزينُ الدارَ موقوفاً ... ويَشْفِي قَرَمَ الرَّكْب )
قال فقال له الوليد أحسنت يا يزيد الوصف وأجدته فاجعل لقصيدتك تشبيبا وأعطه الغزيل وعمر الوادي حتى يغنيا فيه فقال
صوت
( إلى هندٍ صبا قلبي ... وهندٌ مثلُها يُصْبِي )( وهندٌ غادةٌ غَيْداءُ ... من جُرْثومةٍ غُلْب )
( وما إِنْ وجَد الناسُ ... من الأدواء كالحبّ )
( لقد لَجّ بها الإِعراضُ ... والهجرُ بلا ذنب )
( ولمّا أقْضِ من هندٍ ... ومن جاراتها نَحْبي )
( أرى وجدِي بهندٍ دائماً ... يَزْداد عن غِبّ )
( وقد أطْوَلْتُ إعراضاً ... وما بغضُهُم طِبّي )
( ولكن رِقْبَةُ الأعين ... قد تحجُز ذا اللُّبِّ )
( ورَغْمُ الكاشح الراغم ... فيها أيْسَرُ الخَطْب ) قال ودفع هذه الأبيات إلى المغنين فغنوه فيها
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي وحدثني به محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا الأصمعي قال كان يزيد بن ضبة مولى ثقيف ولكنه كان فصيحا وقد أدركته بالطائف وقد كان يطلب القوافي المعتاصة والحوشي من الشعر
قال أبو حاتم في خبره خاصة وحدثني غسان بن عبد الله بن عبد الوهاب الثقفي عن جماعة من مشايخ الطائفيين وعلمائهم قالوا قال يزيد بن ضبة ألف قصيدة فاقتسمتها شعراء العرب وانتحلتها فدخلت في أشعارها
أخبار إسماعيل بن الهربذ
إسماعيل بن الهربذ مكي مولى لآل الزبير بن العوام وقيل بل هو مولى بني كنانة أدرك آخر أيام بني أمية وغنى للوليد بن يزيد وعمر إلى آخر أيام الرشيدأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن عبد الله بن أبي سعد عن محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي عن أبيه إن إسماعيل بن الهربذ قدم على الرشيد من مكة فدخل إليه وعنده ابن جامع وإبراهيم وابنه إسحاق وفليح وغيرهم والرشيد يومئذ خاثر به خمار شديد فغنى ابن جامع ثم فليح ثم إبراهيم ثم إسحاق فما حركه أحد منهم ولا أطربه فاندفع ابن الهربذ يغني فعجبوا من إقدامه في تلك الحال على الرشيد فغنى
صوت
( يا راكبَ العيس التي ... وفدَت من البلد الحَرَامِ )( قًل للإمام ابن الإِمام ... أخي الإِمام أبي الإِمام )
( زينِ البريّة إذ بدا ... فيهم كمصباح الظلام )
( جعل الإِلهُ الهِرْبِذيَّ ... فِداك من بين الأنام )
الغناء لابن الهربذ رمل بالوسطى عن عمرو قال فكاد الرشيد يرقص واستخفه الطرب حتى ضرب بيديه ورجليه ثم أمر له بعشرة آلاف درهم فقال له يا أمير المؤمنين إن لهذا الصوت حديثا فإن أذن مولاي حدثته به فقال حدث ... قال كنت مملوكا لرجل من ولد الزبير فدفع إلي درهمين أبتاع له بهما لحما فرحت فلقيت جارية على رأسها جرة مملوءة من ماء العقيق وهي تغني هذا اللحن في شعر غير هذا الشعر على وزنه ورويّه فسألتها أن تعلمنيه فقالت لا وحق القبر إلا بدرهمين فدفعت إليها الدرهمين وعلمتنيه فرجعت إلى مولاي بغير لحم فضربني ضربا مبرحا شغلت معه بنفسي فأنسيت الصوت ثم دفع إلي درهمين آخرين بعد أيام أبتاع له بهما لحما فلقيتني الجارية فسألتها أن تعيد الصوت علي فقالت لا والله إلا بدرهمين فدفعتهما إليها وأعادته علي مرارا حتى أخذته
فلما رجعت إلى مولاي أيضا ولا لحم معي قال ما القصة في هذين الدرهمين فصدقته القصة وأعدت عليه الصوت فقبل بين عيني وأعتقني فرحلت اليك بهذا الصوت وقد جعلت ذلك اللحن في هذا الشعر فقال دع الأول وتناسه وأقم على الغناء بهذا اللحن في هذا الشعر فأما مولاك فسأدفع إليه بدل كل درهم ألف دينار ثم أمر له بذلك فحمل إليه
ومما نسب إلى الوليد بن يزيد من الشعر وليس له
صوت
من المائة المختارة
( اِمدَح الكأسَ ومن أعْمَلها ... واهْجُ قوماً قتلونا بالعطشْ )( إنما الكأس ربيعٌ باكرٌ ... فإذا ما غاب عنّا لم نَعِشْ )
الشعر لنابغة بني شيبان والغناء لأبي كامل ولحنه المختار من خفيف الثقيل الثاني بالوسطى وهو الذي تسميه الناس اليوم الماخوري وفيه لأبي كامل أيضا خفيف رمل بالبنصر عن عمرو
وذكر الهشامي أن فيه لمالك لحنا من الثقيل الأول بالوسطى ولعمر الوادي ثاني ثقيل بالبنصر
نسب نابغة بني شيبان
النابغة اسمه عبد الله بن المخارق بن سليم بن حصرة بن قيس بن سنان ابن حماد بن حارثة بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار شاعر بدوي من شعراء الدولة الأمويةوكان يفد إلى الشام إلى خلفاء بني أمية فيمدحهم ويجزلون عطاءه وكان فيما أرى نصرانيا لأني وجدته في شعره يحلف بالإنجيل والرهبان والأيمان التي يحلف بها النصارى ومدح عبد الملك بن مروان ومن بعده من ولده وله في الوليد مدائح كثيرة
نابغة بني شيبان يمدح عبد الملك
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثني العمري عن العتبيّ قال لما هم عبد الملك بخلع عبد العزيز أخيه وتولية الوليد ابنه العهد كان نابغة بني شيبان منقطعا إلى عبد الملك مداحا له فدخل إليه في يوم حفل والناس حواليه وولده قدامه فمثل بين يديه وأنشده قوله
( أَشتقتَ وانهلَّ دمعُ عينك أنْ ... أضحى قِفاراً من أهله طَلَحُ ) حتى انتهى إلى قوله
( أزَحْتَ عنّا آلَ الزبير ولو ... كانوا هُمُ المالكين ما صَلَحوا )
( إن تلْقَ بَلْوَى فأنت مُصْطَبِرٌ ... وإن تُلاقِ النُّعْمَى فلا فرح )
( ترمِي بعينَيْ أقْنَى على شَرَف ... لم يؤذه عائرٌ ولا لَحَحُُ )
( آلُ أبي العاصِ آلُ مَأْثُرةٍ ... غُرٌّ عِتَاقٌ بالخير قد نفَحوا )
( خيرُ قريشٍ وهم أفاضلُها ... في الجِدّ جِدٌّ وإن هُمُ مَزَحوا )
( أَرْحَبُها أذْرُعاً وأصبَرُها ... أنتم إذا القوم في الوَغَى كلَحوا )
( أمّا قريشٌ فأنتَ وارثُها ... تكُفّ من صعبهم إذا طمَحوا )
( حفِظْتَ ما ضَيّعوا وزَنْدَهم ... أورَيْتَ إذا أصلدوا وقد قدحوا )
( آليتُ جَهْداً وصادقٌ قسمي ... بربِّ عبدٍ تَجُنُّه الكُرُحُ )
( يَظلّ يتلو الإنجيلَ يدرُسه ... من خَشْية الله قلبُه طَفِح )
( لاَبنُك أولَى بمُلك والده ... ونجم من قد عصاك مُطَّرح )
( داود عَدْلٌ فاحكم بسيرته ... ثم ابنُ حَرْب فإنّهم نصَحوا )
( وهم خيارٌ فاعمل بسنّتهم ... واحْيَ بخير واكْدَحْ كما كدَحوا )
قال فتبسم عبد الملك ولم يتكلم في ذلك بإنذار ولا دفع فعلم الناس أن رأيه خلع عبد العزيز وبلغ ذلك من قول النابغة عبد العزيز فقال لقد أدخل ابن النصرانية نفسه مدخلا ضيقا فأوردها موردا خطرا وبالله علي لئن ظفرت بن لأخضبن قدمه بدمه
مدح يزيد
وقال أبو عمرو الشيباني لما قتل يزيد بن المهلب دخل النابغة الشيباني على يزيد بن عبد الملك بن مروان فأنشده قوله في تهنئته بالفتح( ألاَ طال التنظُّر والثَّوَاءُ ... وجاء الصيف وانكشف الغِطاءُ )
( وليس يُقيم ذو شَجَنٍ مُقِيمٍ ... ولا يَمْضِي إذا ابتُغِي المَضَاءُ )
( طَوَالَ الدهر إلاّ في كتابٍ ... ومقدارٍ يُوافِقه القضاءُ )
( فما يُعطَى الحريصُ غنىً لِحِرْصٍ ... وقد يَنْمِي لذي الجود الثَّراء )
( وكلُّ شديدةٍ نزلتْ بحيٍّ ... سيتبعُها إذا انتهت الرَّخَاء ) ويقول فيها
( أؤمُّ فتىً من الأعياص مَلْكاً ... أغرَّ كأن غُرّته ضَياء )
( لأُسْمِعه غريبَ الشعر مدحاً ... وأُثْنِي حيث يتصِل الثناء )
( يزيد الخيرِ فهو يزيد خيراً ... وينمِي كلّما ابتُغي النَّمَاء )
( فضَضتَ كتائبَ الأزدي فَضًّا ... بكبشك حين لَفّهما اللقاء )
( سَمكْتَ المُلْكَ مقتبَلاً جديداً ... كما سُمِكَتْ على الأرض السماء )
( نرجِّي أن تدوم لنا إماماً ... وفي مُلك الوليد لنا رجاءُ )
( هشامٌ والوليد وكلُّ نفسٍ ... تُريد لك الفناء لك الفِداء )
وهي قصيدة طويلة فأمر له بمائة ناقة من نعم كلب وأن توقر له برا وزبيبا وكساه وأجزل صلته
قال ووفد إلى هشام لما ولي الخلافة فلما رآه قال له يا ماص ما أبقت المواسي من بظر أمه ألست القائل
( هشامٌ والوليدُ وكلُّ نفسٍ ... تريد لك الفناءَ لك الفِداء ) أخرجوه عني والله لا يرزؤني شيئا أبدا وحرمه ولم يزل طول أيامه طريدا حتى ولي الوليد بن يزيد فوفد إليه ومدحه مدائح كثيرة فأجزل صلته
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبيد الله بن محمد الكوفي عن العمري الخصاف عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية أنه أنشده لنابغة بني شيبان
( أيها الساقي سقتْكَ مُزْنَةٌ ... من رَبِيعٍ ذي أهاضيبَ وطَشّ )
( اِمدح الكأس ومن أعملها ... واهْجُ قوما قتلونا بالعطش )
( إنما الكأسُ ربيعٌ باكرٌ ... فإذا ما غاب عنّا لم نَعِشْ )
( وكأنّ الشَّرْبَ قوم مُوِّتوا ... من يَقُمْ منهم لأمر يَرْتَعِش )
( خُرُس الألسُن ممّا نالهم ... بين مصروع وصاحٍ منتعش )
( من حُمَيّا قَرْقَفٍ حُصِّيَّةٍ ... قهوةٍ حَوْليّةٍ لم تُمْتَحَشْ )
( ينفع المزكوم منها ريحُها ... ثم تَنفي داءه إن لم تُنشّ )
( كلّ من يشربها يألفُها ... يُنفق الأموالَ فيها كلُّ هَشّ )
مدح بني شيبان
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الجمحي قال ابن أبي الأزهر وهو محمد بن سلام غني أبو كامل مولى الوليد بن يزيد يوما بحضرة الوليد بن يزيد( اِمدَح الكأسَ ومن أعملها ... واهْجُ قوماً قتلونا بالعطشْ ) فسأل عن قائل هذا الشعر فقيل نابغة بني شيبان فأمر بإحضاره فأُحضر فاستنشده القصيدة فأنشده إياها وظن أن فيه مدحا له فإذا هو يفتخر بقومه ويمدحهم فقال له الوليد لو سعد جدك لكانت مديحا فينا لا في بني شيبان ولسنا نخليك على ذلك من حظ ووصله وانصرف وأول هذه القصيدة قوله
( خَلَّ قلبي من سُلَيْمى نبلُها ... إذ رمتني بسهام لم تَطِشْ )
( طَفْلةُ الأعطاف رُؤْدٌ دُمْيةٌ ... وشَوَاها بَخْتَرِيّ لم يُحَشْ )
( وكأنّ الدُّرّ في أَخْراصها ... بَيْضُ كَحْلاء أقرّته بعُشّ )
( ولها عينا مَهاةٍ في مهاً ... تَرْتعي نبتَ خُزَامَى ونَتَشْ )
( حُرّةُ الوجه رخيمٌ صوتُها ... رُطَبٌ تَجْنيه كفُّ المنْتقِشْ )
( وهي في الليل إذا ما عُونِقَتْ ... مُنْيةُ البعل وهمُّ المُفْترِش ) وفيها يقول مفتخرا
( وبنو شَيْبان حولي عُصَبٌ ... منهمُ غُلْبٌ وليست بالقَمِشْ )
( ورَدوا المجدَ وكانوا أهلَه ... فرَوُوا والجودُ عافٍ لم يَنِشْ )
( وتَرَى الجُرْدَ لدى أبياتهم ... أرِنَاتٍ بين صَلْصال وجُشْ )
( ليس في الألوان منها هُجْنَةٌ ... وَضَحُ البُلْقِ ولا عيبُ البَرَش )
( فبها يَحْوُون أموال العِدَا ... ويَصيدون عليها كلَّ وحش )
( دَمِيَتْ أكفالُها من طعنهم ... بالرُّدَيْنيّات والخيلِ النُّجُش )
( نُنْهِل الخَطِّيّ من أعدائنا ... ثم نَفْرِي الهامَ إن لم نفْترِشْ )
( فإذا العِيسُ من المحل غَدَتْ ... وهي في أعينها مثلُ العَمَش )
( حُسَّرَ الأوبار مما لَقِيتْ ... من سَحاب حاد عنها لم يُرِشّْ )
( خُسَّفَ الأعين تَرْعَى جُوفةً ... هَمَدتْ أوبارُها لم تَنْتفِش )
( تَنْعَشُ العافي ومن لاذ بنا ... بسِجال الخير من أيْدٍ نُعُشْ )
( ذاك قولي وثنائي وهُمُ ... أهْلُ ودِّي خالصاً في غير غِشّْ )
( فسَلُوا شَيْبانَ إن فارقتُهم ... يوم يمشون إلى قبري بنعش )
( هل غَشِينا مَحْرَماً في قومنا ... أو جَزَينا جازياً فُحْشاً بفُحشْ ) ومما يغنى فيه من شعر نابغة بني شيبان
صوت
( ذَرَفتْ عيني دموعاً ... من رسوم بحَفيرِ )( مُوحِشاتٍ طامساتٍ ... مثلِ آيات الزَّبُور )
( وزِقَاقٍ مُتْرَعاتٍ ... من سُلاَفات العَصِيرِ )
( مُجْلَخِدّات مِلاَءٍ ... بطّنوهنّ بقِير )
( فإذا صارت اليهم ... صُيِّرتْ خيرَ مَصيرِ )
( من شبابٍ وكُهولٍ ... حكَّموا كأسَ المُدير )
( كم ترى فيهم نديماً ... من رئيس وأمير )
ذكر يونس أن فيه لمالك لحنا ولابن عائشة آخر ولم يذكر طريقتهما وفيه خفيف رمل معروف لا أدري لحن أيهما هو
صوت
من المائة المختارة
( يا عَمْرُ حُمّ فراقُكم عَمْرا ... وعَزَمْتِ منّا النأيَ والهجرا )( إحدى بني أَوْدٍ كَلِفتُ بها ... حَمَلت بلا تِرَةٍ لنا وِتْرا )
( وترى لها دَلاًّ إذا نطقتْ ... تركت بناتِ فؤاده صُعْرا )
( كتساقط الرُّطَبِ الجَنِيِّ من الأفنان ... لا بَثْراً ولا نزْرا )
الشعر لأبي دهبل الجمحي والغناء لفزار المكي ولحنه المختار ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي
أخبار أبي دهبل ونسبه
نسبه فيما ذكر الزبير بن بكار وغيره وهب بن زمعة بن أُسيد بن أُحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي بن غالب ولخلف بن وهب يقول عبد الله بن الزبعري أو غيره( خَلَفُ بن وَهْب كلَّ آخر ليلةٍ ... أبداً يكثِّر أهلَه بعيال )
( سَقْياً لوَهْب كَهْلِها ووليدها ... ما دام في أبياتها الذيّال )
( نعم الشبابُ شبابهُم وكهولُهم ... صُيّابة ليسوا من الجُهَّالِ ) وأم أبي دهبل امرأة من هذيل وإياها يعني بقوله
( أنا ابن الفروعِ الكرامِ التي ... هُذَيلٌ لأبياتها سائِلَهْ )
( هُمُ ولدوني وأشبَهتُهم ... كما تُشْبِه الليلة القابلهْ ) واسمها فيما ذكر ابن الأعرابي هذيلة بنت سلمة
بعض من صفاته
قال المدائني كان أبو دهبل رجلا جميلا شاعرا وكانت له جمة يرسلها فتضرب منكبيه وكان عفيفا وقال الشعر في آخر خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومدح معاوية وعبد الله بن الزبير وقد كان ابن الزبير ولاه بعض أعمال اليمن
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن الكلبي عن أبي مسكين وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العباس بن هشام عن أبيه عن أبي مسكين إن قوما مروا براهب فقالوا له يا راهب من أشعر الناس قال مكانكم حتى أنظر في كتاب عندي فنظر في رق له عتيق ثم قال وهب من وهبين من جمح أو جمحين
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا علي ابن صالح عن عبد الله بن عروة قال قال أبو دهبل يفخر بقومه
( قومي بنو جُمَح قوم إذا انحدرَتْ ... شَهْباءُ تُبصر في حافاتها الزَّغَفا )
( أهلُ الخلافة والمُوفُون إن وعَدوا ... والشاهِدو الروع لا عُزْلا ولا كُشُفا ) قال الزبير وأنشدني عمي قال أنشدني مصعب لأبي دهبل يفخر بقومه بقوله
( أنا أبو دهبلَ وَهْبٌ لِوَهَبْ ... من جُمَحٍ في العز منها والحَسَبْ )
( والأُسرةِ الخَضْراء والعِيصِ الأَشِبْ ... ومن هُذَيل والدي عالي النَّسَبْ )
( أورثني المجدَ أبٌ من بعد أبْ ... رمحي رُدَيْنيّ وسيفي المستلِبْ )
( وبَيْضتي قَوْنَسُها من الذَّهبْ ... دِرْعي دِلاصٌ سَرْدُها سردٌ عَجَبْ )
( والقوس فَجّاءُ لها نَبْلٌ ذَرِبْ ... محشورةٌ أُحْكِم منهن القُطَبْ )
( ليوم هَيْجاءَ أُعِدّت للرَّهَبْ ... )
نشيج الأحبّة
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا محمد بن زهير قال حدثنا المدائني أن أبا دهبل كان يهوى امرأة من قومه يقال لها عمرة وكانت امرأة جزلة يجتمع إليها الرجال للمحادثة وإنشاد الشعر والأخبار وكان أبو دهبل لا يفارق مجلسها مع كل من يجتمع إليها وكانت هي أيضا محبة له
وكان أبو دهبل رجلا سيدا من أشراف بني جمح وكان يحمل الحمالات ويعطي الفقراء ويقري الضيف وزعمت بنو جمح أنه تزوج عمرة هذه بعد ذلك وزعم غيرهم أنه لم يصل إليها وكانت عمرة توصيه بحفط ما بينهما وكتمانه فضمن لها ذلك واتصل ما بينهما فوقفت عليه زوجته فدست إلى عمرة امرأة داهية من عجائز أهلها فجاءتها فحادثتها طويلا ثم قالت لها في عرض حديثها إني لأعجب لك كيف لا تتزوجين أبا دهبل مع ما بينكما قالت وأي شيء يكون بيني وبين أبي دهبل قال فتضاحكت وقالت أتسترين عني شيئا قد تحدثت به أشراف قريش في مجالسها وسوقة أهل
الحجاز في أسواقها والسقاة في مواردها فما يتدافع اثنان أنه يهواك وتهوينه فوثبت عن مجلسها فاحتجبت ومنعت كل من كان يجالسها من المصير إليها
وجاء أبو دهبل على عادته فحجبته وأرسلت إليه بما كره ففي ذلك يقول
صوت
( تطاوَلَ هذا الليل ما يتبلّجُ ... وأعيَتْ غَوَاشِي عَبْرتي ما تَفَرّجُ )( وبتُّ كئيباً ما أنام كأنما ... خِلالَ ضلوعي جمرةٌ تتوهّجُ )
( فطوْراً أُمَنّي النفسَ من عَمْرة المُنَى ... وطوراً إذا ما لَجّ بي الحزنُ أَنْشِجُ )
( لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يُوصَل الحبلُ أحوجُ )
الغناء في البيت الأول وبعده بيت في آخر القصيدة
( أُخَطِّط في ظهر الحصير كأنّني ... أسيرٌ يَخاف القتلَ ولهان مُلْفَجُ ) لمعبد ثقيل أول بالوسطى
وذكر حماد عن أبيه في أخبار مالك أنه لحائد بن جرهد وأن مالكا أخذه عنه فنسبه الناس إليه فكان إذا غنّاه وسئل عنه يقول هذا والله لحائد بن جرهد لا لي وفيه لأبي عيسى بن الرشيد ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش وفي لقد قطع الواشون وقبله فطورا أمني النفس لمالك ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش
( رأوا غِرّةً فاستقبلوها بأَلْبِهم ... فراحوا على مالا نُحِبّ وأَدْلجوا )
( وكانوا أُناساً كنتُ آمَنُ غَيْبَهم ... فلم يَنْهَهم حلمي ولم يتحرّجوا )
( فليت كوانِيناً مِنَ أهلي وأهلها ... بأجمعهم في قعر دَجْلة لَجَّجُوا )
( همُ منعونا ما نحبّ وأوقدوا ... علينا وشَبّوا نار صُرم تَأَجَّج )
( ولو تركونا لا هَدَى اللهُ سعيَهم ... ولم يُلْحِموا قولاً من الشرّ يُنْسَج )
( لأوشك صرفُ الدهر يفرقُ بيننا ... ولا يَستقيم الدّهر والدهرُ أعوج )
( عسى كُرْبةٌ أمسيت فيها مقيمةً ... يكون لنا منها نجاةٌ ومَخْرج )
( فيُكْبَتَ أعداءٌ ويَجْذَل آلِفٌ ... له كَبِدٌ من لوعة الحبّ تُلْعَج )
( وقلت لعَبّاد وجاء كتابُها ... لهذا وربِّي كانت العين تَخلُج )
( وإنّي لمحزونٌ عشيّةَ زرتُها ... وكنتُ إذا ما جئتُها لا أُعرِّج )
( أخطِّط في ظهر الحصير كأنني ... أسيرٌ يخاف القتل وَلْهان مُلفَج ) الملفج الفقير المحتاج
( وأشفَقَ قلبي من فراق خليلةٍ ... لها نَسبٌ في فرع فِهرٍ متوَّج )
( وكفٌ كهُدّاب الدِّمَقْسِ لطيفةٌ ... بها دَوْسُ حِنَّاء حديثٌ مُضَرَّج )
( يَجُول وشاحاها وَيغتَصّ حَجْلها ... ويَشْبَع منها وَقْفُ عاج ودُمْلُج )
( فلما التقينا لَجْلَجَتْ في حديثها ... ومن آية الصُّرم الحديثُ المُلَجْلَجُ )
شعره في عمرة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أنشدني عمي ومحمد بن الضحاك عن أبيه محمد بن خشرم ومن شئت من قريش لأبي دهبل في عمرة( يا عَمْر حُمّ فراقُكم عمرا ... وعزَمْتِ منّا النأيَ والهجرا )
( يا عمر شيخُك وهو ذو كرم ... يَحْمي الذِّمار ويُكرم الصِّهرا )
( إن كان هذا السحرُ منك فلا ... تُرْعِي عليّ وجدِّدي السِّحرا )
( إحدى بني أَوْد كلِفتُ بها ... حمَلتْ بلا وِتْر لنا وترا )
( وتَرى لها دَلاًّ إذا نطقتْ ... تركتْ بناتِ فؤاده صُعْرا )
( كتساقُطِ الرُّطَب الجَنِيّ من الأفنان ... لا بَثْراً ولا نَزْرا )
( أقسمتُ ما أحببتُ حبَّكم ... لا ثَيِّباً خُلقتْ ولا بِكْرا )
( ومقالةٌ فيكم عرَكْتُ بها ... جَنْبي أُرِيد بها لك العذرا )
( ومُريد سرّكم عدَلتُ به ... فيما يحاول مَعْدِلاً وَعْرا )
( قالت يُقيم بنا لنَجْزِيَه ... يوماً فخَيَّم عندها شهرا )
( ما إن أُقيم لحاجةٍ عرَضَتْ ... إلاّ لأُبْلِيَ فيكمُ العذرا ) قالوا وفيها يقول
صوت
( يلومونني في غير ذنب جنيتُه ... وغيريَ في الذنب الذي كان ألومُ )( أمِنّا أُناساً كنتِ تأتمنِينَهم ... فزادوا علينا في الحديث وأوهموا )
( وقالوا لنا ما لم يُقَلْ ثم كثَّروا ... علينا وباحوا بالذي كنت أكتُمُ )
غنى في هذه الأبيات أبو كامل مولى الوليد رملا بالبنصر
( وقد مُنِحتْ عيني القَذَى لفراقهم ... وعاد لها تَهْتَانُها فهي تَسْجُمُ )
( وصافيتُ نِسْواناً فلم أر فيهمُ ... هوايَ ولا الوُدَّ الذي كنتُ أعلم )
( أليس عظيماً أن نكون ببلدة ... كلانا بها ثاوٍ ولا نتكلّم )
أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال سمع أبو السائب المخزومي رجلا ينشد قول أبي دهبل
( أليس عجيباً أن نكون ببلدة ... كلانا بها ثاوٍ ولا نتكلّم ) فقال له أبو السائب قف يا حبيبي فوقف فصاح بجارية يا سلامة اخرجي فخرجت فقال له أَعِد بأبي أنت البيت فأعاده فقال بلى والله إنه لعجيب عظيم وإلا فسلامة حرة لوجه الله اذهب فديتك مصاحبا ثم دخل ودخلت الجارية تقول له ما لقيت منك لا تزال تقطعني عن شغلي فيما لا ينفعك ولا ينفعني
وحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال كنا نختلف إلى أبي العباس المبرد ونحن أحداث نكتب عن الرواة ما يروونه من الآداب والأخبار وكان يصحبنا فتى من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثوبا وأجملهم زيا ولا نعرف باطن أمره فانصرفنا يوما من مجلس أبي العباس المبرد وجلسنا في مجلس نتقابل بما كتبناه ونصحح المجلس الذي شهدناه فإذا بجارية قد اطلعت فطرحت في حجر الفتى رقعة ما رأيت أحسن من شكلها مختومة بعنبر فقرأها منفردا بها ثم أجاب عنها ورمى بها إلى الجارية فلم نلبث أن خرج خادم من الدار في يده كرش فدخل الينا فصفع الفتى به حتى رحمناه وخلصناه من يده
( وقمنا أسوأ الناس حالا فلما تباعدنا سألناه عن الرقعة فإذا فيها مكتوب
( كفى حَزَناً أنّا جميعاً ببلدةٍ ... كلانا بها ثاوٍ ولا نتكلّم ) فقلنا له هذا ابتداء ظريف فبأي شيء أجبت أنت قال هذا صوت سمعته يُغنى فيه فلما قرأته في الرقعة أجبت عنه بصوت مثله فسألناه ما هو فقال كتبت في الجواب
( أراعك بالخَابُور نُوقٌ وأجمال ... ) فقلنا له ما وفاك القوم حقك قط وقد كان ينبغي أن يدخلونا معك في القصة لدخولك في جملتنا ولكنا نحن نوفيك حقك ثم تناولناه فصفعناه حتى لم يدر أي طريق يأخذ وكان آخر عهده بالاجتماع معنا
رجع الخبر إلى سياقة أخبار أبي دهبل
أبو دهبل وعاتكة بنت معاوية
أخبرني عمي حدثني الكراني قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال حدثنا صالح بن حسان قال وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني محمد بن السري قال حدثنا هشام بن الكلبي عن أبيه يزيد أحدهما على الآخر في خبره واللفظ لصالح بن حسان وخبره أتم قال حجت عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان فنزلت من مكة بذي طوى فبينا هي ذات يوم جالسة وقد اشتد الحر وانقطع الطريق وذلك في وقت الهاجرة إذ أمرت جواريها فرفعن الستر وهي جالسة في مجلسها عليها شفوف لها تنظر إلى الطريق إذ مر بها أبو دهبل الجمحي وكان من أجمل الناس وأحسنهم منظرا فوقف طويلا ينظر إليها وإلى جمالها وهي غافلة عنه فلما فطنت له سترت وجهها وأمرت بطرح الستر وشتمته فقال أبو دهبل
( إني دعاني الحَيْن فاقتادني ... حتى رأيتُ الظبي بالبابِ )
( يا حسنَه إذ سبّني مُدْبِراً ... مستَتِراً عنّي بجِلباب )
( سبحان من وقّفها حسرةً ... صُبّت على القلب بأوصاب )
( يذود عنها إن تطلّبتُها ... أبٌ لها ليس بوهّاب )
( أحلّها قصراً منيعَ الذُّرَى ... يُحْمَى بأبواب وحُجّاب ) قال وأنشد أبو دهبل هذه الأبيات بعض إخوانه فشاعت بمكة وشهرت وغنى فيها المغنون حتى سمعتها عاتكة إنشادا وغناء فضحكت وأعجبتها وبعثت إليه بكسوة وجرت الرسل بينهما فلما صدرت عن مكة خرج معها إلى الشأم ونزل قريبا منها فكانت تعاهده بالبر واللطف حتى وردت دمشق وورد معها فانقطعت عن لقائه وبعد من أن يراها ومرض بدمشق مرضا طويلا فقال في ذلك
( طال ليلي وبِتّ كالمحزون ... ومَلِلتُ الثَّواءَ في جَيْرون )
( وأطلتُ المُقام بالشأم حتى ... ظنّ أهلي مُرَجَّمَاتِ الظّنون )
( فبكتْ خشيةَ التفرّق جُمْلٌ ... كبكاء القرين إثْرَ القرين )
( وهي زهراءُ مثلُ لؤلؤة الغَوَّاصِ ... مِيزتْ من جوهر مكنون )
( وإذا ما نسبْتَها لم تَجِدْها ... في سَناء من المكارم دون )
( ثم خاصرتُها إلى القُبّة الخَضْراءِ ... تمشي في مَرْمَرٍ مَسْنون )
( قُبَةٌ من مَراجل ضربوها ... عند بَرْد الشتاء في قَيْطون )
( عن يَساري إذا دخلتُ من الباب ... وإن كنتُ خارجاً عن يميني )
( ولقد قلتُ إذ تطاول سُقْمي ... وتَقَلّبتُ ليلتي في فنون )
( ليت شعري أمِنْ هوىً طار نومي ... أم بَراني الباري قصيرَ الجفون )
قال وشاع هذا الشعر حتى بلغ معاوية فأمسك عنه حتى إذا كان في يوم الجمعة دخل عليه الناس وفيهم أبو دهبل فقال معاوية لحاجبه إذا أراد أبو دهبل الخروج فامنعه واردده إليّ وجعل الناس يسلمون وينصرفون فقام أبو دهبل لينصرف فناداه معاوية يا أبا دهبل إلي فلما دنا إليه أجلسه حتى خلا به ثم قال له ما كنت ظننت أن في قريش أشعر منك حيث تقول
( ولقد قلت إذ تطاول سُقْمِي ... وتقلّبتُ ليلتي في فنون )
( ليت شعري أمن هوىً طار نومي ... أم براني الباري قصيرَ الجفون )
غير أنك قلت
( وهي زهراءُ مثل لؤلؤة الغَوّاصِ ... مِيزتْ من جوهر مكنون )
( وإذا ما نسبْتَها لم تَجدْها ... في سَناء من المكارم دُون ) ووالله إن فتاة أبوها معاوية وجدها أبو سفيان وجدتها هند بنت عتبة لكما ذكرت وأي شيء زدت في قدرها ولقد أسأت في قولك
( ثم خاصرتُها إلى القبّة الخضراء ... تَمشي في مرمر مَسْنون ) فقال والله يا أمير المؤمنين ما قلت هذا وإنما قيل على لساني فقال له أما من جهتي فلا خوف عليك لأني أعلم صيانة ابنتي نفسها وأعرف أن فتيان الشعر لم يتركوا أن يقولوا النسيب في كل من جاز أن يقولوه فيه وكل من لم يجز وإنما أكره لك جوار يزيد وأخاف عليك وثباته فإن له سورة الشباب وأنفة الملوك وإنما أراد معاوية أن يهرب أبو دهبل فتنقضي المقالة عن ابنته فحذر أبو دهبل فخرج إلى مكة هاربا على وجهه فكان يكاتب عاتكة فبينا معاوية ذات يوم في مجلسه إذ جاءه خصي له فقال يا أمير المؤمنين والله لقد سقط إلى عاتكة اليوم كتاب فلما قرأته بكت ثم أخذته
فوضعته تحت مصلاها وما زالت خاثرة النفس منذ اليوم فقال له اذهب فالطف لهذا الكتاب حتى تأتيني به فانطلق الخصي فلم يزل يلطف حتى أصاب منها غرة فأخذ الكتاب وأقبل به إلى معاوية فإذا فيه
( أعاتِكُ هلاّ إذ بخلْتِ فلا تَرَيْ ... لذي صَبْوة زُلْفَى لديك ولا حَقّا )
( رَدَدْتِ فؤاداً قد تولّى به الهوى ... وسكّنْتِ عيناً لا تَمَلّ ولا تَرْقا )
( ولكن خلعتِ القلبَ بالوعد والمُنى ... ولم أرَ يوماً منك جُوداً ولا صدقا )
( أتَنْسَيْن أيّامي برَبْعك مُدْنَفاً ... صريعاً بأرض الشأم ذا سَقَم مُلْقَى )
( وليس صديقٌ يُرتضَى لوصيّةٍ ... وأدعو لدائي بالشَّراب فما أُسْقَى )
( وأكبرُ همّي أن أرَى لك مُرْسَلاً ... فطولَ نهاري جالسٌ أرْقُبُ الطُّرقا )
( فوَاكبِدي إذ ليس لي منك مجلسٌ ... فأشكو الذي بي من هواك وما أَلقَى )
( رأيتُك تزدادين للصّبّ غِلظةً ... ويزداد قلبي كلَّ يوم لكم عشقا )
قال فلما قرأ معاوية هذا الشعر بعث إلى يزيد بن معاوية فأتاه فدخل عليه فوجد معاوية مطرقا فقال يا أمير المؤمنين ما هذا الأمر الذي شجاك قال أمر أمرضني وأقلقني منذ اليوم وما أدري ما أعمل في شأنه قال وما هو يا أمير المؤمنين قال هذا الفاسق أبو دهبل كتب بهده الأبيات إلى أختك عاتكة فلم تزل باكية منذ اليوم وقد أفسدها فما ترى فيه فقال والله إن الرأي لهين قال وما هو قال عبد من عبيدك يكمن له في أزقة مكة فيريحنا منه قال معاوية أُف لك والله إن امرأً يريد بك ما يريد ويسمو بك إلى ما يسمو لغير ذي رأي وأنت قد ضاق ذرعك بكلمة وقصر فيها باعك حتى أردت أن تقتل رجلا من قريش أو ما تعلم أنك إذا فعلت ذلك صدقت
قوله وجعلتنا أُحدوثة أبدا قال يا أمير المؤمنين إنه قال قصيدة أخرى تناشدها أهل مكة وسارت حتى بلغتني وأوجعتني وحملتني على ما أشرت به فيه قال وما هي قال قال
( أَلاَ لا تَقُلْ مهلاً فقد ذهب المَهْلُ ... وما كلّ من يَلْحَى محبَّا له عقل )
( لقد كان في حوليْن حالاً ولم أزُرْ ... هواي وإن خُوِّفتُ عن حبها شغل )
( حمَى الملكُ الجبّار عنّي لقاءها ... فمن دونها تُخْشَى المتالِفُ والقتل )
( فلا خيرَ في حبٍّ يُخاف وبالُه ... ولا في حبيبٍ لا يكون له وصل )
( فواكَبِدي إنّي شُهِرتُ بحبّها ... ولم يك فيما بيننا ساعةً بَذْلُ )
( ويا عجباً إني أُكاتم حبِّها ... وقد شاع حتى قُطّعت دونها السُّبْلُ )
قال فقال معاوية قد والله رفهت عني فما كنت آمن أنه قد وصل إليها فأما الآن وهو يشكو أنه لم يكن بينهما وصل ولا بذل فالخطب فيه يسير قم عني فقام يزيد فانصرف وحجّ معاوية في تلك السنة فلما انقضت أيام الحج كتب أسماء وجوه قريش وأشرافهم وشعرائهم وكتب فيهم اسم أبي دهبل ثم دعا بهم ففرق في جميعهم صلات سنية وأجازهم جوائز كثيرة فلما قبض أبو دهبل جائزته وقام لينصرف دعا به معاوية فرجع إليه فقال له يا أبا دهبل مالي رأيت أبا خالد يزيد ابن أمير المؤمنين عليك ساخطا في قوارص تأتيه عنك وشعر لا تزال قد نطقت به وأنفذته إلى خصمائنا وموالينا لا تعرض لأبي خالد فجعل يعتذر إليه ويحلف له أنه مكذوب عليه فقال له معاوية لا بأس عليك وما يضرك ذلك عندنا هل
تأهلت قال لا قال فأي بنات عمك أحب إليك قال فلانة قال قد زوجتكها وأصدقتها ألفي دينار وأمرت لك بألف دينار فلما قبضها قال إن رأى أمير المؤمنين أن يعفو لي عما مضى فإن نطقت ببيت في معنى ما سبق مني فقد أبحت به دمي وفلانة التي زوجتنيها طالق البتة فسر بذلك معاوية وضمن له رضا يزيد عنه ووعده بإدرار ما وصله به في كل سنة وانصرف إلى دمشق ولم يحجج معاوية في تلك السنة إلى من أجل أبي دهبل
الرجل الضعيف والمرأة الآثمة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال حدثني إبراهيم بن عبد الله قال خرج أبو دهبل يريد الغزو وكان رجلا صالحا وكان جميلا فلما كان بجيرون جاءته امرأة فأعطته كتابا فقالت اقرأ لي هذا الكتاب فقرأه لها ثم ذهبت فدخلت قصرا ثم خرجت إليه فقالت لو بلغت القصر فقرأت الكتاب على امرأة كان لك فيه أجر إن شاء الله فإنه من غائب لها يعنيها أمره فبلغ معها القصر فلما دخلا إذا فيه جوار كثيرة فأغلقن القصر عليه وإذا فيه امرأة وضيئة فدعته إلى نفسها فأبى فأمرت به فحبس في بيت في القصر وأُطعم وسقي قليلا قليلا حتى ضعف وكاد يموت ثم دعته إلى نفسها فقال لا يكون ذلك أبدا ولكني أتزوجك قالت نعم فتزوجها فأمرت به فأُحسن إليه حتى رجعت إليه نفسه فأقام معها زمانا طويلا لا تدعه يخرج حتى يئس منه أهله وولده وتزوج بنوه وبناته واقتسموا ماله وأقامت زوجته تبكي عليه حتى عمشت ولم تقاسمهم ماله ثم إنه قال لامرأته إنك قد أثمت فيّ وفي ولدي وأهلي فأذني لي أطالعهم وأعود إليك فأخذت عليه أيمانا ألا يقيم إلا سنة حتى يعود إليها فخرج من عندها يجر الدنيا حتى قدم على أهله فرأى حال زوجته وما صار إليه ولده وجاء إليه ولده فقال لهم لا والله ما بيني وبينكم عمل أنتم قد ورثتموني وأنا حي فهو حظكم والله لا يشرك زوجتي فيما قدمت به أحد ثم قال لها شأنك به فهو لك كله وقال في الشامية
( صاحِ حيّا الإِلهُ حيًّا ودُوراً ... عند أصل القناة من جَيْرون )
( عن يَساري إذا دخلت من الباب ... وإن كنتُ خارجاً عن يميني )
( فبذاك اغتربتُ في الشأم حتى
ظنّ أهلي مُرَجَّماتِ الظنون )
( وهي زهراءُ مثلُ لؤلؤة الغوّاصِ ... مِيزتْ من جوهرٍ مكنون )
( وإذا ما نسبتَها لم تَجِدْها ... في سَناء من المكارم دون )
( تجعل المسك واليَلَنْجُوجَ والنَّدَّ صِلاءً لها على الكانون )
( ثم ماشيتُها إلى القبّة الخضراء ... تمشي في مَرْمَر مَسْنون )
( وقبابٍ قد أُسْرِجَت وبيوت ... نُظِّمتْ بالرَّيْحان والزَّرَجُونِ )
( قبّة من مراجل ضربوها ... عند حدّ الشتاء في قَيْطون )
( ثم فارقتُها على خير ما كان ... قرينٌ مُفارِقٌ لقرين )
( فبكتْ خَشيةَ التفرّق للبين ... بكاءَ الحزين إثْرَ الحزين )
( واسألي عن تذكّري واطمئني ... لأُناسي إذا هُمُ عذلوني ) فلما حل الأجل أراد الخروج إليها فجاءه موتها فأقام
أبو دهبل وابن الأزرق
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال وفد أبو دهبل الجمحي على ابن الأزرق عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان يقال له ابن الأزرق والهبرزي وكان عاملا لعبد الله بن الزبير على اليمن فأنكره ورأى منه جفوة فمضى إلى عمارة بن عمرو بن حزم وهو عامل لعبد الله بن الزبير على حضرموت فقال يمدحه ويعرض بابن الأزرق
( يا ربِّ حيِّ بخير ما ... حيَّيْتَ إنساناً عمارَهْ )
( أعطى فأسْنانا ولم ... يك من عطيّته الصَّغَاره )
( ومن العطيّة ما تُرى ... جذْماءَ ليس لها نَزَاره )
( حجراً تقلِّبه وهل ... تُعْطِي على المدح الحجارة )
( كالبغل يُحمد قائماً ... وتَذُمّ مِشْيَته المُصَارَة ) ثم رجع من عند عمارة بن عمرو بن حزم فقدم فقال له حنين مولى ابن الأزرق في السر أرى أنك عجلت على ابن عمك وهو أجود الناس وأكرمهم فعد إليه فإنه غير تاركك واعلم أنا نخاف أن يكون قد عزل فلازمه ولا يفقدك فإني أخاف أن ينساك ففعل وأعطاه وأرضاه فقال في ذلك
( يا حُنّ إنِّي لِمَا حدّثتني أُصُلاً ... مُرَنَّح من صميم الوجد معمودُ )
( نخاف عزلَ امرىء كنّا نعيش به ... معروفُه إن طلبنا الجودَ موجودُ )
( اِعلم بأنّي لمن عاديتَ مُضْطَغِنٌ ... ضَبًّا وأنَّي عليك اليوم محسود )
( وأنَّ شكَرك عندي لا انقضاءَ له ... ما دام بالهَضْب من لُبْنان جُلْمود )
( أنتَ الممدَّح والمُغْلِي به ثمناً ... إذ لا تُمَدَّح صُمُّ الجندل السُّودُ )
( إنْ تَغْدُ من مَنْقَلَيْ نَجْرانَ مُرْتحِلاً ... يَرْحَلْ من اليمن المعروفُ والجودُ )
( ما زلتَ في دَفَعات الخير تفعلها ... لمّا اعترى الناسَ لأْوَاءٌ ومجهود )
( حتى الذي بين عُسْفانٍ إلى عَدَنٍ ... لَحْبٌ لمن يطلب المعروفَ أُخْدود ) قال وأنشدنيها محمد بن الضحاك بن عثمان قال سمعتها من أبي
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال أخبرني الزبير بن بكار وحدثني حمزة بن عتبة قال قال أبو دهبل الجمحي لما قلت أبياتي التي قلت فيها
( اِعْلَم بأنّي لمن عاديتَ مُضْطَغِنٌ ... ضَبًّا وأنّي عليك اليوم محسود ) قلت فيها نصف بيت ( وأن شكرك عندي لا انقضاء له ... ) ثم أُرتج علي فأقمت حولين لا أقع على تمامه حتى سمعت رجلا من الحاج في الموسم يذكر لبنان فقلت ما لبنان فقال جبل بالشأم فأتممت نصف البيت
( ما دام بالهَضْب من لبنان جُلْمودُ ... ) قال الزبير وحدثني محمد بن حبش المخزومي قال دخل نصيب على إبراهيم بن هشام وهو وال على المدينة فأنشده
قصيدة مدحه فيها فقال إبراهيم بن هشام ما هذا بشيء أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق حيث قال
( إن تَغْدُ من مَنْقَلَيْ نَجْرانَ مرتحِلاً ... يَبِنْ من اليمن المعروفُ والجودُ ) فغضب نصيب فحمي فنزع عمامته وطرحها وبرك عليها ثم قال إن تأتونا برجال مثل ابن الأزرق نأتكم بمديح أجود من مديح أبي دهبل
قال الزبير وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال حدثني إسماعيل بن يعقوب بن مجمع التيمي قال كان إبراهيم بن هشام جبارا وكان يقيم بلا إذن إذ كان على المدينة الأشهر
فإذا أذن للناس أذن معهم لشاعر فينشد قصيدة مديح لهشام بن عبد الملك وقصيدة مديح لإبراهيم بن هشام فأذن لهم يوما وكان الشاعر الذي أذن له معهم نصيبا وعليه جبة وشي فاستأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده قصيدة لهشام به عبد الملك ثم قطعها وأنشد قصيدة مديح لإبراهيم بن هشام وقصيدة هشام أشعر فأراد الناس ممالحة نصيب فقالوا ما أحسن هذا يا أبا محجن أعد هذا البيت فقال إبراهيم أكثرتم إنه لشاعر وأشعر منه الذي يقول في ابن الأزرق
( إن تُمْسِ من مَنْقَلَيْ نَجْران مرتَحِلاً ... يَبِن من اليمن المعروفُ والجودُ )
( ما زلتَ في دَفَعات الخير تفعلها ... لما اعترى الناسَ لأْوَاءٌ ومجهود ) وحمي نصيب فقال إنا والله ما نصنع المديح إلا على قدر الرجال كما يكون الرجل يمدح فعم الناس الضحك وحلم عنه وقال الحاجب ارتفعوا فلما صاروا في السقيفة ضحكوا وقالوا أرأيتم مثل شجاعة هذا
الأسود على هذا الجبار وحلم من غير حلم
قال الزبير وحدثني عمي مصعب قال خرج أبو دهبل يريد ابن الأزرق فلقيه معزولا فشق ذلك عليه واسترجع فقال له ابن الأزرق هون عليك لم يفتك شيء فأعطاه مائتي دينار فقال في ذلك أبو دهبل
( أعطى أميراً ومنزوعاً وما نَزَعَتْ ... عنه المكارمُ تَغْشاه وما نَزَعا ) وحدثني محمد بن الضحاك مثل ذلك وأنشدني البيت
وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد بن دراج قال حدثنا أبو عمرو الشيباني قال ولى عبد الله بن الزبير ابنا لسعد بن أبي وقاص يقال له إبراهيم مكان الثبت بن عبد الرحمن بن الوليد الذي يقال له ابن الأزرق فخرج حتى نزل بزبيد فقال لابن الأزرق هلم حسابك فقال مالك عندي حساب ولا بيني وبينك عمل وخرج متوجها إلى مكة فاستأذنه أبو دهبل في صحبة الوقاصي فأذن له فرجع معه حتى إذا دخلوا صنعاء لقيهم بحير بن ريسان في نفر كثير من الفرس وغيرهم ومضى ابن الأزرق ومعه ما احتمله من أموال
اليمن فسار يوما ثم نزل فضرب رواقه ودعا الناس فأعطاهم ذلك المال حتى لم يبق منه درهم فقال أبو دهبل
( أعطى أميراً ومنزوعاً وما نَزعَتْ ... عنه المكارمُ تَغشاه وما نَزَعا ) وأقام أبو دهبل مع الوقاصي فلم يصنع به خيرا فقال أبو دهبل
( ماذا رُزِئْنا غَداةَ الخَلّ من رِمعٍ ... عند التفرّق من خِيم ومن كرم )
( ظلّ لنا واقفاً يُعطي فأكثر ما ... سمّى وقال لنا في قولِه نعم ) نعم حرف موقوف فإذا حرك أُجريت حركته إلى الخفض لأنه أولى بالساكن
( ثم انتحى غيرَ مذمومٍ وأعينُنا ... لما تولّى بدمع واكفٍ سَجِمِ )
( تَحْمِلُه الناقةُ الأدمَاءُ مُعْتَجِراً ... بالبُرد كالبدر جَلّى ليلةَ الظُّلِمِ )
( وكيف أنساك لا أيديك واحدةٌ ... عندي ولا بالذي أوليتَ من قِدَم )
( حتى لقينا بَحِيراً عند مَقْدَمِنا ... في موكب كضِياع الجِزْع مُرْتَكم )
( لما رأيتُ مُقامي عند بابهمُ ... وَدِدْت أنّي بذاك الباب لم أُقِمِ ) وبحير بن ريسان الذي يقول فيه أبو دهبل
صوت
( بحِير بن ريسان الذي سكن الجَنَدْ ... يقول له الناسُ الجوادُ ومن وَلَدْ ) ( له نفحاتٌ حين يُذكر فضلُه ... كسيل ربيع في ضَحَاضِحَةِ السَّنَدْ )
في هذين البيتين هزج بالبنصر ذكر عمرو بن بانة أنه ليمان وذكر الهشامي أنه لابن جامع
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أبو توبة عن أبي عمرو الشيباني قال كان ابن الزبير بعث عبد الله بن عبد الرحمن على بعض أعمال اليمن فمد يده إلى أموالها وأعطى أعطية سنية وبث في قريش منها أشياء جزيلة فأثنت عليه قريش ووفدوا إليه فأسنى لهم العطايا وبلغ ذلك عبد الله بن الزبير فحسده وعزله بإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص فلما قدم عليه أراد أن يحاسبه فقال له مالك عندي حساب ولا بيني وبينك عمل وقدم مكة فخافت قريش ابن الزبير عليه أن يفتشه أو يكشفه فلبست السلاح وخرجت إليه لتمنعه فلما لقيهم نزلت إليه قريش فسلمت عليه وبسطت له أرديتها وتلقته إماؤهم وولائدهم بمجامر الأَلوة والعود المندلي يبخرون بين يديه حتى انتهى إلى المسجد وطاف بالبيت ثم جاء إلى ابن الزبير فسلم عليه وهم معه مطيفون به فعلم ابن الزبير أنه لا سبيل له إليه فما عرض ولا صرح له بشيء ومضى إلي منزله فقال أبو دهبل
( فمن يك شان العزلُ أو هدّ ركنَه ... لأعدائه يوماً فما شانكَ العزلُ )
( وما أصبحت من نعمة مُستفادةٍ ... ولا رَحِمٍ إلا عليها لك الفضل )
وقال أبو دهبل أيضا فيه أخبرني بذلك ابن المرزبان عن أبي توبة عن أبي عمرو الشيباني وأخبرني به الحرمي عن الزبير عن عمه
( عُقم النساءُفلم يَلِدْنَ شبيهَه ... إن النساء بمثله عُقْمُ )
( متهلِّلّ بنَعَمْ بلا مُتَباعِدٌ ... سيّانِ منه الوفر والعُدْم )
( نَزْرُ الكلام من الحياء تخاله ... ضَمِناً وليس بجسمه سُقْم )
أبو دهبل وسليمان بن عبد الملك
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أبو توبة عن أبي عمرو قال قال أبو دهبل يمدح ابن الأزرق( بأبي وأمّي غيرَ قول الباطلِ ... الكاملُ ابن الكامل ابن الكاملِ )
( والحازمُ الأمر الكريمُ برأيه ... والواصلُ الأرحام وابنُ الواصل )
( جمع الرياسةَ والسماحَ كليهما ... جَمْعَ الجَفِير قِداحَ نبل النابل )
أخبرني محمد بن خلف قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني سليمان ابن عباد قال حدثني أبو جعفر الشويفعي رجل من أهل مكة قال قدم سليمان بن عبد الملك مكة في حر شديد فكان ينقل سريره بفناء الكعبة وأعطى الناس العطاء فلما بلغ بني جمح نودي بأبي دهبل فقال سليمان أين أبو دهبل الشاعر علي به فأتي به فقال سليمان أنت أبو دهبل الشاعر قال نعم قال فأنت القائل
( فِتنةٌ يُشْعلها وُرَّادُها ... حطبَ النار فدعها تَشْتَعِلْ )
( فإذا ما كان أمنٌ فأْتهمْ ... وإذا ما كان خوفٌ فاعتزل ) قال نعم قال وأنت القائل
( يدعون مروانَ كيما يَستجيبَ لهم ... وعند مروان خار القومُ أو رقدوا )
( قد كان في قوم موسى قبلهم جَسَد ... عجلٌ إذا خار فيهم خَوْرةً سجدوا ) قال نعم قال أنت القائل هذا ثم تطلب ما عندنا لا والله ولا كرامة فقال يا أمير المؤمنين إن قوما فتنوا فكافحوكم بأسيافهم وأجلبوا عليكم بخيلهم ورجلهم ثم أدالكم الله منهم فعفوتم عنهم وإنما فتنت فقلت بلساني فلم لا يعفى عني فقال سليمان قد عفونا عنك وأقطعه قطيعة بحاذان باليمن فقيل لسليمان كيف أقطعته هذه القطيعة قال أردت أن أميته وأميت ذكره بها
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا المدائني عن جماعة من الرواة أن أبا دهبل كان يهوى امرأة من قومه يقال لها عمرة وكانت امرأة جزلة يجتمع الرجال عندها لإنشاد الشعر والمحادثة وكان أبو دهبل لا يفارق مجلسها مع كل من يجتمع إليها وكانت هي أيضا محبة له وكان أبو دهبل من أشراف بني جمح وكان يحمل الحمالة وكان مسودا وزعمت بنو جمح أنه تزوجها بعد وزعم غيرهم من الرواة أنه لم يصل إليها ولم يجر بينهما حلال ولا حرام قال وكانت عمرة تتقدم إلى أبي دهبل في حفظ ما بينهما وكتمانه فضمن ذلك لها فجاء نسوة كن يتحدثن إليها فذكرن لها شيئا من أبي دهبل وقلن قد علق امرأة قالت وما ذاك قلن ذكر أنه عاشق لك وأنك عاشقة له فرفعت مجلسها ومجالسة الرجال ظاهرة وضربت حجابا بينهم وبينها وكتبت إلى أبي دهبل تعذله وتخبره بما بلغها من سوء صنيعه فعند ذلك يقول
( تطاوَل هذا الليلُ ما يتبلّج ... وأعْيَتْ غواشي عبْرتي ما تَفَرّجُ )
( وبتُّ كئيباً ما أنام كأنما ... خلالَ ضلوعي جمرةٌ تتوهّجُ )
( فطوراً أُمنّي النفسَ من عَمْرةَ المنى ... وطوراً إذا ما لَجّ بي الحزن أَنشِجُ )
( لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يُوصل الحبلُ أحوجُ )
( رأَوْا غِرّةً فاستقبلوها بأَلْبهم ... فراحوا على ما لا نُحبّ وأدْلجوا )
( وكانوا أُناساً كنتُ آمَنُ غيهم ... فلم يَنْهَهم حلم ولم يتحرّجوا )
( همُ منعونا ما نحبُّ وأوقدوا ... علينا وشبُّوا نار صُرْم تأجّج )
( ولو تركونا لا هَدَى اللهُ سعيَهم ... ولم يُلْحِموا قولاً من الشر يُنْسج )
( لأوشك صرفُ الدهر يفرُق بيننا ... وهل يَستقيم الدّهرُ والدهرُ أعوجُ )
( عسى كربةٌ أمسيتِ فيها مقيمةً ... يكون لنا منها نجاة ومَخْرجُ )
( فيُكْبَت أعداءٌ ويَجْذَل آلِفٌ ... له كبد من لوعة الحب تَنْضَج )
( وقلتُ لعَبّادٍ وجاء كتابُها ... لهذا وربّي كانت العين تخلُج )
( وخطّطتُ في ظهر الحَصير كأنّني ... أسيرٌ يَخاف القتلَ وَلْهان مُلْفج )
( فلما التقينا لَجْلَجَتْ في حديثها ... ومن آية الصُّرم الحديثُ المُلَجْلَج )
( وإنّي لمحجوبٌ عشيّةَ زرتُها ... وكنتُ إذا ما جئتُها لا أُعرِّج )
( وأعيا عليّ القولُ والقولُ واسعٌ ... وفي القول مُسْتَنٌّ كثيرٌ ومَخْرَجُ )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني خالد بن بكر الصواف قال أتيت ابن أبي العراقيب فسألته أن يُدخلني على جارية مغنية لم ير أحد مثلها قط فقال لي إن في البيت والله شيخين كريمين علي لا أدري ما يوافقهما من دخول أحد عليهما فلو أقمت حتى أطلع رأيهما في ذلك فدخل ثم خرج إلي فقال ادخل فدخلت فإذا أبو السائب المخزومي وأبو
جندب الهذلي وخرجت علينا الجارية قاطبة عابسة فلما وضع العود في حجرها اندفعت تغني وتقول
( عسى كربةٌ أمسيتِ فيها مقيمةً ... يكون لنا منها نَجاة ومَخْرَجُ )
( وإنّي لمحجوبٌ غداةَ أزورها ... وكنتُ إذا ما زرتُها لا أُعرِّج ) قال ثم بكت فوثبا عليه جميعا فقالا له لعلك أربتها بشيء عليك وعلينا إن لم تقم إليها حتى تقبل رأسها وتترضاها ففعل
نسبة ما في هذه القصيدة من الغناء
صوت
( تطاوَل هذا الليلُ ما يتبلّج ... وأعْيَتْ غواشي عَبْرتي ما تَفَرَّج )( أُخطِّط في ظهر الحصير كأنّني ... أسيرٌ يَخاف القتل وَلْهان مُلْفَج )
الغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيه لحن لمالك ذكره حماد عن أبيه في أخبار مالك ولم يجنسه وحكي أن مالكا كان إذا سئل عنه يذكر أنه أخذه من حائد بن جرهد فقومه وأصلحه وفيه لأبي عيسى بن الرشيد ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش والهشامي
صوت
( لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يُوصَل الحبلُ أحوجُ )
( فطوراً أُمنِّي النفسَ من عَمْرةَ المنى ... وطوراً إذا ما لَجَّ بي الهمّ أَنْشِج )
الغناء لمالك ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن فيه لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى
رثاء الحسين بن علي
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال قال أبو دهبل في قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه وزكواته( تَبِيتُ سُكارَى من أميّة نُوَّماً ... وبالطَّفّ قتلى ما يَنام حَميمُها )
( وما أفسد الإسلام إلا عصابةٌ ... تأمّر نَوْكاها ودام نعيمُها )
( فصارت قناةُ الدّين في كفّ ظالمٍ ... إذا اعوجّ منها جانب لا يُقيمها )
قال الزبير وحدثني يحيى بن مقداد بن عمران بن يعقوب الزمعي قال حدثني عمي موسى ين يعقوب قال أنشدني أبو دهبل قصيدته التي يقول فيها
( سقى اللهُ جازاناً فمن حلَّ وَلْيَه ... فكلَّ فَسِيلٍ من سَهام وسُرْدُدِ )
رثاء الحسين بن علي
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال قال أبو دهبل في قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه وزكواته
( تَبِيتُ سُكارَى من أميّة نُوَّماً ... وبالطَّفّ قتلى ما يَنام حَميمُها )
( وما أفسد الإسلام إلا عصابةٌ ... تأمّر نَوْكاها ودام نعيمُها )
( فصارت قناةُ الدّين في كفّ ظالمٍ ... إذا اعوجّ منها جانب لا يُقيمها )
قال الزبير وحدثني يحيى بن مقداد بن عمران بن يعقوب الزمعي قال حدثني عمي موسى ين يعقوب قال أنشدني أبو دهبل قصيدته التي يقول فيها
( سقى اللهُ جازاناً فمن حلَّ وَلْيَه ... فكلَّ فَسِيلٍ من سَهام وسُرْدُدِ )
( ومحصوله الدارَ التي خيَّمَتْ بها ... سقاها فأرْوى كلَّ ربع وفَدْفدِ )
( فأنتِ التي كلّفتنِي البِرْكَ شاتياً ... وأوْرَدْتِنِيه فانظري أيّ مَوْرِد )
صوت
( فوانَدَمي أن لم أَعُجْ إذ تقول لي ... تقدَّمْ فشيِّعنا إلى ضَحوة الغَد )( تكن سكناً أو تقدُر العين أنها ... ستبكي مراراً فاسْلُ من بعد واحْمَدِ )
( فأصبحتُ ممّا كان بيني وبينها ... سوى ذكرها كالقابض الماء باليدِ )
الغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لبذل الكبير رمل عن الهشامي
( لعلّك أن تلقى محبًّا فتشتفي ... برؤية رِيم بَضَّةِ المُتَجَرِّدِ )
( بلاد العدا لم تأتها غيرَ أنها ... بها همُّ نفسي من تَهامٍ ومُنْجِدِ )
( وما جعلت ما بين مكة ناقتي ... إلى البِرْك إلاّ نومَة المتهجِّد )
( وكانت قُبَيلَ الصبح تَنبِذ رحلَها ... بدُومةَ من لَغْط القَطَا المتبدِّدِ )
قال فقلت يا عمي فما يمنعك أن تكتري دابة بدرهمين فتشيعها وتصبح معك فضحك وقال نفع الله بك يابن أخي أما علمت أن الندم توبة وعمك كان أشغل مما تحسب
قال الزبير وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال أنشد رجل أبا السائب المخزومي قصيدة أبي دهبل
( سقى الله جازاناً فمن حلّ وَلْيَه ... فكلَّ فسيلٍ من سَهام وسُرْدُدِ ) فلما بلغ قوله
( فواندمي أن لم أعُجْ إذ تقول لي ... تقدّم فشيِّعنا إلى ضحوة الغد ) قال أبو السائب ما صنع شيئا ألا اكترى حمارا بدرهمين فشيعهم ولم يقل فواندمي أو اعتذر وإني أظن أنه قد كان له عذر قال وما هو قال أظنه كان مثلي لا يجد شيئا
فقال الزبير وحدثني ابن مقداد قال حدثني عمي موسى بن يعقوب قال أنشدني أبو دهبل قوله
صوت
( ألاَ عَلِق القلبُ المتيَّمُ كُلْثُما ... لَجَاجاً ولم يَلْزَم من الحبّ مَلْزَمَا )
( خرجتُ بها من بطن مكة بعدما ... أصات المنادي بالصلاة فأَعْتما )
( فما نام من راعٍ ولا ارتدّ سامرٌ ... من الحيّ حتى جاوزتْ بي يَلَمْلَمَا )
( ومرّتْ ببطن اللِّيثِ تَهْوِي كأنما ... تُبّادِر بالإدلاج نَهْباً مقسَّما )
غنى في هذه الأبيات ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي قال وفيه هزج يمان بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أن خفيف الثقيل هو اليماني وفيه لفيل مولى العبلات رمل صحيح عن حماد عن أبيه عن الهشامي وقال الهشامي فيه لحكم ثقيل أول وذكر أبو أيوب المديني في أغاني ابن جامع أن فيه لحنا ولم يجنسه
( وجازَتْ على البزْواء والليلُ كاسرٌ ... جناحيْن بالبَزْواء وَرْداً وأدْهَمَا )
( فما ذَرّ قرنُ الشمس حتى تبيّنَتْ ... بعُلْيَبَ نخلاً مشرفاً أو مخيِّما )
( ومرّت على أشطان روْنق بالضّحى ... فما خَزَّرت للماء عيناً ولا فما )
( وما شرِبتْ حتى ثنيتُ زمامَها ... وخِفتُ عليها أن تَخِرّ وتُكْلما )
( فقلت لها قد بنتِ غيرَ ذميمةٍ ... وأصبح وادي البِرْك غَيثاً مُدَيِّما ) قال فقلت له ما كنت إلا على الريح فقال يابن أخي إن عمك كان إذا هم فعل وهي الحاجة أما سمعت قول أخي بني مرة
( إذا أقبلتْ قلتَ مشحونةٌ ... أطاعَتْ لها الرّيحُ قِلْعاً جَفُولا )
( وإن أدبرتْ قلت مذعورةٌ ... من الرُّبْد تتبع هَيْقاً ذَمُولا )
( وإن أعرضتْ خال فيها البصير ... مالا تكلّفه أن يَميلا )
( يدا سُرُحٍ مائلٍ ضَبْعُها ... تسوم وتُقْدم رجلاً زَحُولا )
( فمرّتْ على خُشُب غُدْوةً ... ومرّتْ فُوَيق أَرَيْكٍ أصِيلا )
( تخبِّط بالليل حُزَّانَه ... كَخبْطِ القويِّ العزيزِ الذليلا )
أحاديث عن شعره
وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جعفر بن الحسن اللهبي قال أنشدت ريان السواق قول أبي دهبل( أليس عجيباً أن نكون ببلدة ... كلانا بها ثاوٍ ولا نتكلّمُ )
( ولا تَصْرِميني أن تَرَيْني أحبّكم ... أبوء بذنبٍ إنّني أنا أُظْلمُ ) فقال أحسن أحسن الله إليه ما بعد هذا شيء وفي هذه القصيدة يقول
صوت
( أمِنَّا أُناساً كنتِ قد تَأْمَنِينَهم ... فزادوا علينا في الحديث وأَوْهَموا )( وقالوا لنا ما لم يُقَل ثم كثّروا ... علينا وباحوا بالذي كنتُ أكتمُ )
( لقد كُحِلتْ عيني القَذَى لفراقكم ... وعاودها تُهْتانها فهي تَسْجُم )
( وأنكرتُ طيبَ العيش مني وكُدِّرتْ ... عليّ حياتي والهوى متقسِّم )
الغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لابن زرزور الطائفي خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه خفيفا رمل أحدهما بالوسطى لمتيم والآخر بالبنصر لعريب
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني عمي قال حدثني القاسم بن المعتمر الزهري قال قلت لأبي السائب المخزومي يا أبا السائب أما أحسن أبو دهبل حيث يقول
صوت
( أأَتْرُك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلةٍ إنّي إذاً لصبورُ )
( هَبُوني امرأً منكم أضَلّ بعيرَه ... له ذمّة إن الذِّمام كبيرُ )
( وللصّاحبُ المتروكُ أفضلُ ذمّةً ... على صاحبٍ من أن يَضِلّ بعيرُ ) قال فقال لي وبأبي أنت كنت والله لا أحبك وتثقل علي فأنا الآن أُحبّك وتخِفّ عليّ
وفي هذه الأبيات غناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لعلويه رمل بالوسطى من جامع أغانيه وفيه للمازني خفيف ثقيل آخر من رواية الهشامي وذكاء وغيرهما وأول هذا الصوت بيت لم يذكر في الخبر وهو
( عفا اللهُ عن ليلى الغَدَاةَ فإنها ... إذا وَلِيَتْ حُكْماً عليّ تجور )
أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني عمي مصعب ومحمد بن الضحاك عن أبيه أن أبا ريحانة عم أبي دهبل كان شديد الخلاف على عبد الله بن الزبير فتوعده عبد الله بن صفوان فلحق بعبد الملك بن مروان فاستمده الحجاج فأمده عبد الملك بطارق مولى عثمان في أربعة آلاف فأشرف أبو ريحانة على أبي قبيس فصاح أبو ريحانة أليس قد أخزاكم الله يا أهل مكة فقال له ابن أبي عتيق بلى والله قد أخزانا الله فقال له ابن الزبير مهلا يابن أخي فقال قلنا لك ائذن لنا فيهم وهم قليل فأبيت حتى صاروا إلى ما ترى من الكثرة قال وقال أبو دهبل في وعيد عبد الله بن صفوان عمه أبا ريحانة واسمه علي بن أسيد بن أحيحة
( ولا تُوعِد لتقتله عليًّا ... فإن وعيدَه كلأ وَبِيلُ )
( ونحن ببطن مكّة إذ تَدَاعى ... لرهطك من بني عمرو رَعِيلُ )
( أُولُو الجمعِ المقدّم حين ثابوا ... إليك ومن يودّعهم قليلُ )
( فلما أن تفانيْنَا وأوْدَى ... بثروتنا الترحّلُ والرحيلُ )
( جعلتَ لحومَنا غرضاً كأنا ... لتهلكنا عروبَةُ أو سَلُولُ )
وصية أبي دهبل
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أبو توبة عن أبي عمرو الشيباني قال مات ابن الأزرق وأبو دهبل حي فدفن بعليب فلما احتضر أبو دهبل أيضا أوصى أن يدفن عنده وفيه يقول أبو دهبل يرثيه عن أبي عمرو الشيباني( لقد غال هذا اللحدُ من بطن عُلْيَبٍ ... فتىً كان من أهل الندى والتكرّمِ )
( فتى كان فيما ناب يوماً هو الفتى ... ونعم الفتى للطارق المتيمِّم )
( أأَلْحَقَّ أنّي لا أزال على منىً ... إذا صدَر الحُجّاجُ عن كلّ مَوْسِمِ )
( سقى اللهُ أرضاً أنت ساكنُ قبرها ... سِجَال الغَوَادِي من سَحِيلٍ ومُبْرَمِ )
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني عمي قال حدثني إبراهيم بن أبي عبد الله قال وقع لأبي دهبل ميراث بمصر فخرج يريده ثم رجع من الطريق فقال
( اِسْلَمي أمَّ دهبلٍ بعد هَجْرِ ... وتقَضٍّ من الزمان وعُمْرِ )
( واذكري كرّيَ المطيَّ إليكم ... بعد ما قد توجّهتْ نحو مصر )
( لا تَخالي أنّي نسيتُك لمّا ... حال بيشٌ ومن به خلف ظهري )
( إن تكوني أنت المقدّم قبلي ... وأُطِعْ يَثْوِ عند قبرك قبري ) قال إبراهيم فوقفت على قبره إلى جانب قبرها بعليب
صوت
من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى
( أَلاَ أيها الشادنُ الأكحلُ ... إلى كم تقول ولا تفعلُ )( إلى كم تجود بما لا نريد ... منك وتمنع ما نَسألُ ) الشعر للحسين بن الضحاك والغناء لأبي زكار الأعمى ولحنه المختار هزج بالبنصر
أخبار حسين بن الضحاك ونسبه
الحسين بن الضحاك باهلي صليبة فيم ذكر محمد بن داود بن الجراح والصحيح أنه مولى لباهلة وهو بصري المولد والمنشأ من شعراء الدولة العباسية وأحد ندماء الخلفاء من بني هاشم ويقال إنه أول من جالس منهم محمد الأمين شاعر أديب ظريف مطبوع حسن التصرف في الشعر حلو المذهب لشعره قبول ورونق صافوكان أبو نواس يأخذ معانيه في الخمر فيغير عليها وإذا شاع له شعر نادر في هذا المعنى نسبه الناس إلى أبي نواس
وله معان في صفتها أبدع فيها وسبق إليها فاستعارها أبو نواس وأخبارهما في هذا المعنى وغيره تذكر في أماكنها وكان يلقب الخليع والأشقر وهاجى مسلم بن الوليد فانتصف منه وله غزل كثير جيد وهو
من المطبوعين الذين تخلو أشعارهم ومذاهبهم جملة من التكلف وعمر عمرا طويلا حتى قارب المائة السنة ومات في خلافة المستعين أو المنتصر
وحدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال كان حسين بن الضحاك بن ياسر مولى لباهلة وأصله من خراسان فكان ربما اعترف بهذا الولاء وربما جحده وكان يلقب بالأشقر وهو ومحمد ابن حازم الباهلي ابنا خالة
وحدثني الصولي عن إبراهيم بن المعلى الباهلي أنه سأله عن نسب حسين بن الضحاك فقال هو حسين بن الضحاك بن ياسر من موالي سليمان ابن ربيعة الباهلي قال الصولي وسألت الطيب بن محمد الباهلي عنه فقال لي هو الحسين بن الضحاك بن فلان بن فلان بن ياسر قديم الولاء وداره في بني مجاشع وفيها ولد الحسين أرانيها صاحبنا سعيد بن مسلم
أخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب ومحمد بن يحيى الصولي قالا حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثنا حسين بن الضحاك قال أنشدت أبا نواس لما حججت قصيدتي التي قلتها في الخمر وهي
( بُدِّلتَ من نَفَحات الورد بالآءِ ... ومن صَبُوحك دَرَّ الإِبْل والشاءِ ) فلما انتهيت منها إلى قولي
( حتى إذا أُسْنِدَتْ في البيت واحْتُضِرتْ ... عند الصَّبوح ببسّامين أكْفاء )
( فُضَّتْ خواتمُها في نَعْت واصفها ... عن مثل رَقْرَاقَةٍ في جفن مَرْهاءِ ) قال فصعق صعقة أفزعني وقال أحسنت والله يا أشقر فقلت ويلك يا حسن إنك أفزعتني والله فقال بلى والله أفزعتني ورُعتني هذا معنى من المعاني التي كان فكري لا بد أن ينتهي إليها أو أغوص عليها وأقولها فسبقتني إليه واختلسته مني وستعلم لمن يروى ألي أم لك فكان والله كما قال سمعت من لا يعلم يرويها له
أخبرني بهذا الخبر الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن عبد الله مولى بني هاشم أبو جعفر قال سمعت الحسين بن الضحاك يقول لما قلت قصيدتي
( بُدِّلتَ من نفحات الورد بالآء ... )
أنشدتها أبا نواس فقال ستعلم لمن يرويها الناس ألي أم لك فكان الأمر كما قال رأيتها في دفاتر الناس في أول أشعاره
أخبرني جعفر بن قدامة عن أحمد بن أبي طاهر عن أحمد بن صالح عن الحسين بن الضحاك فذكر نحوا منه
إذا سار المأمون إلى بغداد انحدر ابن الضحاك إلى البصرة
أخبرني الصولي قال حدثني عبد الله بن محمد الفارسي عن ثمامة بن أشرس قال الصولي وحدثنيه عون بن محمد عن عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال لما قدم المأمون من خراسان وصار إلى بغداد أمر بأن يسمى له قوم من أهل الأدب ليجالسوه ويسامروه فذكر له جماعة فيهم الحسين بن الضحاك وكان من جلساء محمد المخلوع فقرأ أسماءهم حتى بلغ إلى اسم حسين فقال أليس هو ا لذي يقول في محمد
( هلاّ بَقِيتَ لسَدّ فاقَتِنا ... أبداً وكان لغيرك التّلَفُ )
( فلقد خلَفتَ خلائفاً سلَفوا ... ولَسَوْفَ يُعْوِز بعدك الخَلَفُ ) لا حاجة لي فيه والله لا يراني أبدا إلا في الطريق ولم يعاقب الحسين على ما كان من هجائه له وتعريضه به قال وانحدر حسين إلى البصرة فأقام بها طول أيام المأمون
أخبرني عمي والكوكبي بهذا قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا عبد الله بن الحارث المروزي عن إبراهيم بن عبد الله ابن أخي السندي بن شاهك فذكر مثله سواء
قال ابن أبي طاهر فحدثني محمد بن عبد الله صاحب المراكب قال أخبرني أبي عن صالح بن الرشيد قال
دخلت يوما على المأمون ومعي بيتان للحسين بن الضحاك فقلت يا أمير المؤمنين أُحب أن تسمع مني بيتين فقال أنشدهما فأنشدته
( حَمِدنا اللهَ شكْراً إذ حبانا ... بنصرك يا أمير المؤمنينا )
( فأنت خليفةُ الرحمن حقًّا ... جمعتَ سماحةً وجمعتَ دِينا ) فقال لمن هذان البيتان يا صالح فقلت لعبدك يا أمير المؤمنين حسين بن الضحاك قال قد أحسن فقلت وله يا أمير المؤمنين أجود من هذا فقال وما هو فأنشدته قوله
صوت
( أيَبْخَل فرْدُ الحسن فَرْدُ صفاتِه ... عليَّ وقد أفردتُه بهوىً فَردِ )( رأى اللهُ عبدَ الله خيرَ عباده ... فملّكه واللهُ أعلمُ بالعبد ) قال فأطرق ساعة ثم قال ما تطيب نفسي له بخير بعدما قال في أخي محمد وقال
قال أبو الفرج وهذه الأبيات تروى لابن البواب وستذكر في أبوابه إن شاء الله تعالى وعلى أن الذي رواها غلط في روايته غلطا بينا لأنها مشهورة من شعر حسين بن الضحاك وقد روي أيضا في أخباره أنه دفعها إلى ابن البواب فأوصلها إلى ابن المأمون وكان له صديقا ولعل الغلط وقع من هذه الجهة
الغناء في الأبيات المذكورة المنسوبة إلى حسين بن الضحاك وإلى ابن البواب الدالية لإبراهيم بن المهدي خفيف ثقيل بالبنصر وفيها لعبيد الله ابن موسى الطائفي رمل بالبنصر
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه عن عمرو بن بانة أنهم كانوا عند صالح بن الرشيد فقال لست تطرح على جواري وغلماني ما أستجيده فقال له ويلك ما أبغضك ابعث إلى منزلي فجىء بالدفاتر واختر منها ما شئت حتى أُلقيه عليهم فبعث إلى منزلي فجيء إليه بدفاتر الغناء فأخذ منها دفترا ليتخير مما فيه فمر به شعر الحسين ابن الضحاك يرثي الأمين ويهجو المأمون وهو
( أَطِلْ حَزَناً وابْكِ الإِمامَ محمداً ... بحزن وإن خِفتَ الحُسَامَ المهنّدا )
( فلا تَمّتِ الأشياءُ بعد محمد ... ولا زال شملُ الملك منها مُبَدَّدا )
( ولا فرِح المأمونُ بالملك بعده ... ولا زال في الدنيا طريداً مشرَّدا ) فقال لي صالح أنت تعلم أن المأمون يجيء إلي في كل ساعة فإذا قرأ هذا ما تراه يكون فاعلا ثم دعا بسكين فجعل يحكه وصعد المأمون من الدرجة ورمى صالح الدفتر فقال المأمون يا غلام الدفتر فأُتي به فنظر فيه ووقف على الحك فقال إن قلت لكم ما كنتم فيه تصدقوني قلنا نعم قال ينبغي أن يكون أخي قال لك ابعث فجىء بدفاترك ليتخير ما تطرح فوقف على هذا الشعر فكره أن أراه فأمر بحكه قلنا كذا كان فقال غنه يا عمرو فقلت يا أمير المؤمنين الشعر لحسين بن الضحاك والغناء لسعيد بن جابر فقال وما يكون غنه فغنيته فقال اردده فرددته ثلاث مرات فأمر لي بثلاثين ألف درهم وقال حتى تعلم أنه لم يضررك عندي
قال وسعيد بن جابر الذي يقول فيه حسين بن الضحاك وكان نديمه وصديقه
( يا سَعيد وأين منِّي سعيد ... )
مراثيه في الأمين
ولحسين بن الضحاك في محمد الأمين مراث كثيرة جياد وكان كثير التحقق به والموالاة له لكثرة أفضاله عليه وميله إليه وتقديمه إياه وبلغ من جزعه عليه
أنه خولط فكان ينكر قتله لما بلغه ويدفعه ويقول إنه مستتر وإنه قد وقف على تفرق دعاته في الأمصار يدعون إلى مراجعة أمره والوفاء ببيعته ضنا به وشفقة عليه ومن جيد مراثيه إياه قوله
صوت
( سألونا أن كيف نحن فقلنا ... مَنْ هَوَى نجمُه فكيف يكون )
( نحن قوم أصابنا حَدَثُ الدهر ... فظَلْنا لرَيْبه نَستكين )
( نتمَنّى من الأمين إياباً ... لَهْفَ نفسي وأين منّي الأمين )
في هذه الأبيات لسعيد بن جابر ثاني ثقيل بالوسطى وفيها لعريب خفيف ثقيل ومن جيد قوله في مراثيه إياه
( أَعزّي يا محمد عنك نفسي ... مَعاذَ الله والأيدي الجِسامِ )
( فهلاّ مات قوم لم يموتوا ... ودُوفع عنك لي يوم الحِمامِ )
( كأن الموتَ صادف منك غُنْماً ... أو استشفى بقُربك من سَقام )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا علي بن محمد النوفلي قال قال لي محمد بن عباد قال لي المأمون وقد قدمت من البصرة كيف ظريف شعرائكم وواحد مصركم قلت ما أعرفه قال ذاك الحسين بن الضحاك أشعر شعرائكم وأظرف ظرفائكم أليس هو الذي يقول
( رأى اللهُ عبدَ الله خيرَ عباده ... فملّكه والله أعلم بالعبد ) قال ثم قال لي المأمون ما قال في أحد من شعراء زماننا بيتا أبلغ من
بيته هذا فاكتب إليه فاستقدمه وكان حسين عليلا وكان يخاف بوادر المأمون لما فرط منه فقلت للمأمون إنه عليل يا أمير المؤمنين علته تمنعه من الحركة والسفر قال فخذ كتابا إلى عامل خراجكم بالبصرة حتى يعطيه ثلاثين ألف درهم فأخذت الكتاب بذلك وأنفذته إليه فقبض المال
حدثنا علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب قال سمعت أبا العباس محمد بن يزيد الأزدي يقول حسين بن الضحاك أشعر المحدثين حيث يقول
( أيُّ ديباجةِ حُسْنِ ... هيّجَتْ لوعة حزني )
( إذ رماني القمر الزاهر ... عن فَترة جفن )
( بأبي شمسُ نهارٍ ... برَزَتْ في يوم دَجْن )
( قرّبتني بالمنى حتى ... إذا ما أخلفَتْني )
( تركتني بين ميعاد ... وخُلْفٍ وتَجَنِّي )
( ما أراني لي من الصبوة ... إلاّ حسنُ ظنّي )
( إنما دامت على الغدر ... لِمَا تعرِف منّي )
( أستعيذ اللهَ من إعراض ... من أعْرض عنّي )
حسين بن الضحاك والمعتصم
أخبرني علي بن العباس قال حدثني سوادة بن الفيض المخزومي قال حدثني أبو الفيض بن سوادة عن جدي قال لما ولي المعتصم الخلافة سألني عن حسين بن الضحاك فأخبرته بإقامته بالبصرة لانحراف المأمون عنه فأمر بمكاتبته بالقدوم عليه فقدم فلما دخل وسلم استأذن في الإنشاد فأذن له فأنشده قوله
( هلاّ سألت تلذُّذَ المُشتاقِ ... وَمَنَنْت قبل فراقه بتَلاقِ )
( إنّ الرقيب ليَسْترِيب تنفُّساً ... صُعُداً اليك وظاهرَ الإقلاق )
( ولئن أرَبْتُ لقد نظرتُ بمقلةٍ ... عبْرى عليك سخينةِ الآماق )
( نفسي الفِداءُ لخائفٍ مترقِّب ... جعل الوَداعَ إشارةً بِعناق )
( إذ لا جوابَ لمُفْحَمٍ متحيِّرٍ ... إلا الدموعُ تُصان بالإطراق ) حين انتهى إلى قوله
( خيرُ الوُفود مبشِّرٌ بخلافةٍ ... خَصَّتْ ببهجتها أبا إسحاق )
( وَافتْه في الشهر الحرام سليمةً ... من كل مُشْكلة وكلّ شِقاق )
( أعطته صفقتَها الضمائرُ طاعةً ... قبل الأَكُفّ بأوكد الميثاق )
( سكن الأنامُ إلى إمام سلامةٍ ... عفِّ الضمير مهذَّبِ الأخلاق )
( فحمى رعيّتَه ودافع دونها ... وأجار مُمْلِقَها من الإملاق ) حتى أتمها فقال له المعتصم أُدن مني فدنا منه فملأ فمه جوهرا من جوهر كان بين يديه ثم أمره بأن يخرجه من فيه فأخرجه وأمر بأن ينظم ويدفع إليه ويخرج إلى الناس وهو في يده ليعلموا موقعه من رأيه ويعرفوا فعله فكان أحسن ما مدح به يومئذ
ومما قدمه أهل العلم على سائر ما قالته الشعراء قول حسين بن الضحاك حيث قال
( قل للأُلى صرَفوا الوجوه عن الهدى ... متعسِّفين تعسّفَ المُرّاق )
( إني أُحذِّركم بوادرَ ضَيْغَمٍ ... دَرِبٍ بحَطْم مَوَائِل الأعناق )
( متأهبٍ لا يستفِزّ جَنانَه ... زَجِلُ الرُّعُود ولا معُ الإِبراق )
( لم يَبْق من متعرِّمين توثّبوا ... بالشأم غيرُ جماجمٍ أفْلاقِ )
( من بين مُنْجَدِل تمُجّ عروقُه ... عَلَقَ الأخادع أو أسير وَثَاقِ )
( وثَنى الخيولَ إلى معاقل قيصرٍ ... تختال بين أحزّةٍ ورِقاق )
( يحملن كلَّ مُشمِّر مُتَغَشِّمٍ ... ليثٍ هِزَبْرٍ أهْرَت الأشداق )
( حتى إذا أَمَّ الحصونَ مُنازِلاً ... والموتُ بين ترائبٍ وتَراق )
( هَرّت بطارقُها هريرَ قَسَاوِرٍ ... بُدِهَتْ بأَكْرَهِ منظَر ومَذَاق )
( ثم استكانت للحصار ملوكُها ... ذُلاًّ وناط حلوقَها بِخناق )
( هرَبتْ وأسلمتِ الصليبَ عشيّةً ... لم يَبْق غيرُ حُشَاشَة الأرْماق )
قال فأمر له المعتصم لكل بيت بألف درهم وقال له أنت تعلم يا حسين أن هذا أكثر ما مدحني به مادح في دولتنا فقبل الأرض بين يديه وشكره وحمل المال معه
شاعر الخمرة
حدثني علي قال حدثني عثمان بن عمر الآجري قال سمعت الرياشي ينشد هذين البيتين ويستحسنهما ويستظرفهما جدا وهما( إذا ما الماءُ أمكنني ... وصفوُ سُلافةِ العِنَبِ )
( صبَبتُ الفضّةَ البيضاءَ ... فوق قُرَاضةِ الذهب ) فقلت له من يقولهما يا أبا الفضل قال أرق الناس طبعا وأكثرهم ملحا وأكملهم ظرفا حسين بن الضحاك
أخبرني يحيى بن علي إجازة قال حدثني أبي عن حسين بن الضحاك قال أنشدت أبا نواس قصيدتي
( وشاطِريّ اللسان مختلِق التكريه ... شاب المُجُونَ بالنُّسُك ) حتى بلغت إلى قولي
( كأنما نُصْبَ كأسه قمرٌ ... يكرَعُ في بعض أنْجُم الفِلك ) قال فأنشدني أبو نواس بعد أيام لنفسه
( إذا عَبّ فيها شاربُ القومِ خِلتَه ... يُقبِّل في داجٍ من الليل كوكبا ) قال فقلت له يا أبا علي هذه مصالتة فقال لي أتظن أنه يروى لك في الخمر معنى جيد وأنا حي
أخبرني به جعفر بن قدامة عن علي
ابن محمد بن نصر عن أحمد بن حمدون عن حسين بن الضحاك فذكر مثله
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال أنشدت إبراهيم بن المدبر قول حسين بن الضحاك
( كأنما نُصْبَ كأسِه قمرٌ ... حاسده بعض أَنْجُم الفلك )
( حتى إذا رنّحتْه سوْرتها ... وأبدلتْه السكونَ بالحَرَك )
( كشفتُ عن وَزَّة مسنَّمة ... في لين صِينيّة من الفَلَكِ ) فقال لي إبراهيم بن المدبر إن الحسين كان يزعم أن أبا نواس سرق منه هذا المعنى حين يقول يقبل في داج من الليل كوكبا فإن كان سرقه منه فهو أحق به لأنه قد برز عليه وإن كان حسين سرقه منه فقد قصر عنه
حسين بن الضحاك والواثق
أخبرني محمد بن يحيى الخراساني قال حدثني محمد بن مخارق قال لما بويع الواثق بالخلافة ودخل عليه الحسين بن الضحاك فأنشده قصيدته التي أولهاصوت
( ألم يَرُع الإِسلامَ موتُ نصيرِه ... بَلَى حَقّ أن يرتاع من مات ناصرُهْ )( سيُسْلِيك عمّا فات دولةُ مُفْضِلٍ ... أوائلُه محمودةٌ وأواخرُهْ )
( ثنى الله عِطْفَيْه وألَّف شخصَه ... على البِرّ مُذْ شُدّت عليه مآزِرُه )
( يَصَبُّ ببَذْل المال حتى كأنما ... يرى بذلَه للمال نَهْباً يُبادرُه )
( وما قدّم الرحمنُ إلاّ مقدَّماً ... مواردُه محمودةٌ ومصادرُه ) فقال الواثق إن كان الحسين لينطق عن حسن طوية ويمدح بخلوص نية
ثم أمر بأن يعطى لكل بيت قاله من هذه القصيدة ألف درهم فأعجبته الأبيات حتى أمر فصنعت فيها عدة ألحان منها لعريب في طريقة الثقيل الأول
وأخبرني محمد بن يحيى قال حدثني عون بن محمد قال حدثني محمد ابن عمرو الرومي قال لما ولي الواثق الخلافة أنشده حسين بن الضحاك قصيدة منها
( سيُسْلِيك عمّا فات دولةُ مُفْضِلٍ ... أوائلُه محمودةٌ وأواخرُه )
( وما قدّم الرحمنُ إلاّ مقدِّماً ... مواردُه محمودةٌ ومصادرُه ) قال فأنشدت إسحاق الموصلي هذا الشعر فقال لي نقل حسين كلام أبي العتاهية في الرشيد حتى جاء بألفاظه بعينها حيث يقول
( جَرَى لك من هارونَ بالسعد طائرُه ... إمامُ اعتزام لا تُخاف بوادرُهْ )
( إمامٌ له رأيٌ حميدٌ ورحمةٌ ... مواردُه محمودةٌ ومصادرُه ) قال فعجبت من رواية إسحاق شعر المحدثين وإنما كان يروي للأوائل ويتعصب على المحدثين وعلى أبي العتاهية خاصة
في هذين الشعرين أغاني نسبتها
صوت
( جرى لك من هارون بالسعد طائرهُ ... إمامُ اعتزامٍ لا تُخاف بوادرُه )( إمامُ له رأي حميدٌ ورحمةٌ ... مواردُه محمودة ومصادره )
( هو الملكُ المجبولُ نفساً على التّقَى ... مُسَلَّمةٌ من كل سوء عساكره )
( لِتُغْمَدْ سيوفُ الحرب فاللهُ وحده ... وليُّ أميرِ المؤمنين وناصرهُ )
الشعر لأبي العتاهية على ما ذكره الصولي وقد وجدت هذه القصيدة بعينها في بعض النسخ لسلم الخاسر والغناء لإبراهيم وله فيه لحنان خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو وثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي
صوت
( سَيُسْلِيكَ عمّا فات دولةُ مُفْضِلٍ ... أوائلُه محمودةٌ وأواخرُهْ )
( ثنى الله عِطْفَيْه وألّف شخصَه ... على البِرّ مُذ شُدّت عليه مآزِرُه )
الشعر لحسين بن الضحاك والغناء لعريب ثقيل أول مطلق وفيه لقلم الصالحية خفيف رمل وهو أغرب اللحنين ولحن عريب المشهور
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني علي بن الصباح قال حدثني علي بن صالح كاتب الحسن بن رجاء قال حدثني إبراهيم بن الحسن بن سهل قال
كنا مع الواثق بالقاطول وهو يتصيد فصاد صيدا حسنا وهو في الزو من الإوز والدراج وطير الماء وغير ذلك ثم رجع فتغدى ودعا بالجلساء والمغنين وطرب وقال من ينشدنا فقام الحسين بن الضحاك فأنشده
( سقى اللهُ بالقاطُول مَسْرَحَ طرفكا ... وخَصّ بسُقْياه مناكبَ قصركا ) حتى انتهى إلى قوله
( تَخيَّن للدُّرَّاج في جَنَباته ... وللغُرّ آجالٌ قُدِرْن بكفِّكا )
( حُتُوفاً إذا وجَّهْتَهنّ قواضِباً ... عِجَالاً إذا أغريتهنّ بزجركا )
( أبحتَ حَمَاماً مُصْعِداً ومُصوِّباً ... وما رِمْتَ في حاليك مجلسَ لهوكا )
( تصرّفُ فيه بين نايٍ ومُسْمِع ... ومشمولةٍ من كفّ ظبي لسَقْيكا )
( قضيتَ لُبَاناتٍ وأنت مخيِّمٌ ... مُرِيحٌ وإن شَطَّتْ مسافةُ عَزْمكا )
( وما نال طِيبَ العيش إلاّ مُودِّعٌ ... وما طاب عيشٌ نال مجهودَ كدِّكا ) فقال الواثق ما يعدل الراحة ولذة الدعة شيء فلما انتهى إلى قوله
( خُلِقتَ أمينَ الله للخَلْق عصْمةً ... وأمْناً فكلٌّ في ذَرَاك وظِلِّكا )
( وثِقْتَ بمن سمّاك بالغيب واثِقاً ... وَثَّبت بالتأييد أركان مُلْككا )
( فأعطاك مُعْطيك الخلافةَ شكرَها ... وأَسْعد بالتقوى سريرةَ قلبكا )
( وزادك من أعمارنا غيرَ منَّة ... عليك بها أضعافَ أضعافِ عمركا )
( ولا زالت الأقدارُ في كلّ حالةٍ ... عُداةً لمن عاداك سِلْماً لسلمكا )
( إذا كنتُ من جَدْواك في كل نعمةٍ ... فلا كنتُ إن لم أُفْنِ عمري بشكركا ) فطرب الواثق فضرب الأرض بمخصرة كانت في يده وقال لله درك يا حسين ما أقرب قلبك من لسانك فقال يا أمير المؤمنين جودك ينطق المفحم بالشعر والجاحد بالشكر فقال له لن تنصرف إلا مسرورا ثم أمر له بخمسين ألف درهم
حدثنا علي بن العباس بن أبي طلحة قال حدثنا أبو العباس الرياشي قال حدثنا الحسين بن الضحاك قال دخلت على الواثق ذات يوم وفي السماء لطخ غيم فقال لي ما الرأي عندك في هذا اليوم فقلت يا أمير المؤمنين ما حكم به وأشار إليه قبلي أحمد بن يوسف فإنه أشار بصواب لا يرد وجعله في شعر لا يعارض فقال وما قال فقلت قال
( أرى غيماً تؤلِّفه جَنُوبٌ ... وأحسبَه سيأتينا بِهَطْلِ )
( فعينُ الرأي أن تدعو بِرِطلٍ ... فتشربه وتدعو لي بِرِطلِ ) فقال أصبتما ودعا بالطعام وبالشراب والمغنين والجلساء واصطبحنا
أخبرني علي بن العباس قال حدثني الحسين بن علوان قال حدثني العباس بن عبيد الله الكاتب قال كان حسين بن الضحاك ليلة عند الواثق وقد شربوا إلى أن مضى ثلث من الليل فأمر بأن يبيت مكانه فلما أصبح خرج إلى الندماء وهم مقيمون
فقال لحسين هل وصفت ليلتنا الماضية وطيبها فقال لم يمض شيء وأنا أقول الساعة وفكر هنيهة ثم قال
( حَثّتْ صَبُوحي فكاهةُ اللاّهي ... وطاب يومي بقرب أشباهي )
( فاسْتَثِرِ اللهوَ من مكامنه ... من قبل يومٍ منغِّصٍ ناهي )
( بابنة كَرْمٍ من كفّ مُنْتَطِقٍ ... مؤزَّر بالمُجون تَيّاه )
( يَسقيك من طرفه ومن يده ... سقَى لطيف مجرِّب داهي )
( كأساً فكأساً كأنّ شاربها ... حيرانُ بين الذَّكور والساهي ) قال فأمر الواثق برد مجلسه كهيئته واصطبح يومه ذلك معهم وقال نحقق قولك يا حسين ونقضي بك كل أرب وحاجة
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن مغيرة المهلبي قال حدثنا حسين بن الضحاك قال كانت لي نوبة في دار الواثق أحضرها جلس أو لم يجلس فبينا أنا نائم ذات ليلة في حجرتي إذ جاء خادم من خدم الحرم فقال قم فإن أمير المؤمنين يدعوك فقلت له وما الخبر قال كان نائما وإلى جنبه حظية له فقام وهو يظنها نائمة فألم بجارية له أخرى ولم تكن ليلة نوبتها وعاد إلى فراشه فغضبت حظيته وتركته حتى نام ثم قامت ودخلت حجرتها فانتبه وهو يرى أنها عنده فلم يجدها فقال اختلست عزيزتي ويحكم أين هي فأُخبر أنها قامت غضبى ومضت إلى حجرتها فدعا بك فقلت في طريقي
( غضِبَتْ أنْ زُرْتُ أخرى خِلْسةً ... فلها العُتْبَى لديْنا والرِّضا )
( يا فَدَتْكِ النفسُ كانت هفوةً ... فاغفِريها واصفَحي عمّا مضى )
( واتركي العذَل على من قاله ... وانسُبي جَوْرِي إلى حكم القضا )
( فلقد نَبَّهتِني من رَقْدتي ... وعلى قلبي كنيرانِ الغَضَا ) قال فلما جئته خبرني القصة وقال لي قل في هذا شيئا ففكرت هنيهة كأني أقول شعرا ثم أنشدته الأبيات فقال أحسنت وحياتي أعدها يا حسين فأعدتها عليه حتى حفظها وأمر لي بخمسمائة دينار وقام فمضى إلى الجارية وخرجت أنا إلى حجرتي
أخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة قال حدثني الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال قال لي حسين بن الضحاك كان الواثق يتحظى جارية فماتت فجزع عليها وترك الشرب أياما ثم سلاها وعاد إلى حاله فدعاني ليلة فقال لي يا حسين رأيت فلانة في النوم فليت نومي كان طال قليلا لأتمتع بلقائها فقل في هذا شيئا فقلت
( ليتَ عينَ الدهر عنّا غَفَلتْ ... ورقيبَ الليل عنّا رَقَدا )
( وأقام النومُ في مدّته ... كالذي كان وكنّا أبدا )
( بأبي زَوْرٌ تَلَفَّتُّ له ... فتنفَّسْتُ إليه الصُّعَدا )
( بينما أضحك مسروراً به ... إذ تقطَّعتُ عليه كَمَدا ) قال فقال لي الواثق أحسنت ولكنك وصفت رقيب فشكوته ولا ذنب لليل وإنما رأيت الرؤيا نهارا ثم عاد إلى منامه فرقد
أخباره مع أبو نواس
أخبرني جحظة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال حدثني حسين بن الضحاك وأخبرني به جعفر بن قدامة عن علي بن يحيى عن حسين بن الضحاك قال لقيني أبو نواس ذات يوم عند باب أم جعفر من الجانب الغربي فأنشدته ( أخَوَيَّ حيّ على الصَّبوح صباحاً ... هُبَّا ولا تَعِدا الصباحَ رَواحا )
( هذا الشَّمِيط كأنه متحيِّر ... في الأُفْق سُدّ طريقُه فألاحا )
( ما تأمرانِ بسَكْرة قَرَويَة ... قَرَنَتْ إلى درك النجاح نجاحا ) هكذا قال جحظة والذي أحفظه
( ما تأمران بقهوة قَرَوِيّة ... ) قال فلما كان بعد أيام لقيني في ذلك الموضع فأنشدني يقول
( ذكر الصَّبُوحَ بسُحْرة فارتاحا ... وأمَلّه ديكُ الصَّباح صِياحا ) فقلت له حسن يابن الزانية أفعلتها فقال دع هذا عنك فوالله لا قلت في الخمر شيئا أبدا وأنا حي إلا نسب لي
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن سعيد قال حدثني أبو أمامة الباهلي عن الحسين بن الضحاك قال محمد بن يحيى وحدثني المغيرة بن محمد المهلبي إن الحسين بن الضحاك شرب يوما عند إبراهيم بن المهدي فجرت بينهما ملاحاة في أمر الدين والمذهب فدعا له إبراهيم بنطع وسيف وقد
أخذ منه الشراب فانصرف وهو غضبان فكتب إليه إبراهيم يعتذر إليه ويسأله أن يجيئه فكتب إليه
( نديمي غيرُ منسوب ... إلى شيء من الحَيْفِ )
( سقاني مثلَ ما يشرب ... فعلَ الضَّيفِ بالضيفِ )
( فلما دارت الكأسُ ... دعا بالنِّطْع والسيف )
( كذا من يشرب الخمر ... مع التِّنِّينِ في الصيف ) قال ولم يعد إلى منادمته مدة ثم إن إبراهيم تحمل عليه ووصله فعاد إلى منادمته
حدثني عمي قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني حسين بن الضحاك قال كنت أنا وأبو نواس تربين نشأنا في مكان واحد وتأدبنا بالبصرة وكنا نحضر مجالس الأدباء متصاحبين ثم خرج قبلي عن البصرة وأقام مدة واتصل بي ما آل إليه أمره وبلغني إيثار السلطان وخاصته له فخرجت عن البصرة إلى بغداد ولقيت الناس ومدحتهم وأخذت جوائزهم وعددت في الشعراء وهذا كله في أيام الرشيد إلا أني لم أصل إليه واتصلت بابنه صالح فكنت في خدمته فغني يوما بهذا الصوت
( أأن زُمّ أجمالٌ وفارق جيرةٌ ... وصاح غرابُ البين أنت حزينُ ) فقال لي صالح قل أنت في هذا المعنى شيئا فقلت
( أأن دَبَّ حُسَّادٌ وملّ حبيب ... وأورق عودُ الهجر أنت حبيبُ )
( لِيَبْلُغْ بنا هجرُ الحبيب مرامَه ... هلِ الحبُّ إلاّ عَبْرةٌ ونحيب )
( كأنك لم تسمع بفرقة أُلْفةٍ ... وغَيْبَةِ وصل لا تراه يؤوب ) فأمر بأن يغنى فيه واتصلت بمحمد بن زبيدة في أيام أبيه وخدمته ثم اتصلت خدمتي له في أيام خلافته
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني أبو العيناء عن الحسين بن الضحاك قال كنت يوما عند صالح بن الرشيد فجرى بيننا كلام على النبيذ وقد أخذ مني الشراب مأخذا قويا فرددت عليه ردا أنكره وتأوله على غير ما أردت فهاجرني فكتبت إليه
صوت
( يابن الإمام تركتني هَمَلاً ... أبكي الحياةَ وأندُب الأملا )( ما بالُ عينِك حين تلحَظُني ... ما إنْ تُقِلُّ جُفُونَها ثِقَلا )
( لو كان لي ذنبٌ لبُحْتُ به ... كي لا يقال هجرتَني مَلَلا )
( إن كنتُ أعرف زَلَّةً سلَفَتْ ... فرأيتُ مِيتَةَ واحدي عجَلا )
فيه خفيف ثقيل ينسب إلى عبد الله بن العلاء وإلى عبد الله بن العباس الربيعي قال فكتب إلي قد تلافى لسانك بشعرك ما جناه في وقت سكرك وقد رضيت عنك رضا صحيحا فصر إلي على أتم نشاطك وأكمل بساطك فعدت إلى خدمته فما سكرت عنده بعدها قال وكانت في حسين عربدة
تقلب المأمون عليه
وأخبرني ببعضه محمد بن مزيد بن أبي الأزهر ومحمد بن خلف بن المرزبان وألفاظهما تزيد وتنقص وأخبرني ببعضه محمد بن خلف وكيع عن آخره وقصة وصوله إلى المأمون ولم يذكر ما قبل ذلك قال وحدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه ولم يقل وكيع عن أبيه واللفظ في الخبر لابن أبي الأزهر وحديثه أتم قال كنت بين يدي المأمون واقفا فأدخل إليه ابن البواب رقعة فيها أبيات وقال إن رأى أمير المؤمينين أن يأذن لي في إنشادها فظنها له فقال هات فأنشده( أجِرْنِي فإنّي قد ظَمِئْتُ إلى الوعد ... متى تُنجِزُ الوعدَ المؤكَّدَ بالعهد )
( أُعِيذُك من خُلْف الملوك وقد بدا ... تقطُّعُ أنفاسي عليك من الوجد )
( أَيَبْخَلُ فَرْدُ الحسن عنّي بنائلٍ ... قليلٍ وقد أفردتُه بهوىً فرِد ) إلى أن بلغ إلى قوله
( رأى اللهُ عبد الله خيرَ عباده ... فملّكه والله أعلمُ بالعبد )
( ألا إنّما المأمونُ للناس عصمةٌ ... مميِّزةٌ بين الضَّلاَلة والرُّشْد ) فقال المأمون أحسنت يا عبد الله فقال يا أمير المؤمنين أحسن قائلها قال ومن هو فقال عبدك حسين بن الضحاك فغضب ثم قال لاحيا الله من ذكرت ولا بياه ولا قربه ولا أنعم به عينا أليس القائل
( أعينيَّ جُودَا وابكيا لي محمداً ... ولا تَذْخَرا دمعاً عليه وأَسْعِدا )
( فلا تَمّتِ الأشياءُ بعد محمد ... ولا زال شملُ الملك فيه مبدَّدا )
( ولا فرِح المأمونُ بالمُلك بعده ... ولا زال في الدّنيا طريداً مشرَّدا ) هذا بذاك ولا شيء له عندنا فقال له ابن البواب فأين فضل إحسان
أمير المؤمنين وسعة حلمه وعادته في العفو فأمر بإحضاره فلما حضر سلم فرد عليه السلام ردا جافيا ثم أقبل عليه فقال أخبرني عنك هل عرفت يوم قتل أخي محمد هاشمية قتلت أو هتكت قال لا قال فما معنى قولك
( وسِرْب ظباءٍ من ذُؤابةِ هاشمٍ ... هَتَفْنَ بدعوى خير حيٍّ وميّتِ )
( أَرُدّ يداً منّي إذا ما ذكرتُه ... على كبدٍ حَرَّى وقلبٍ مفتَّتِ )
( فلا بات ليلُ الشامتين بغِبْطةٍ ... ولا بلَغتْ آمالُهم ما تمنّتِ ) فقال يا أمير المؤمنين لوعة غلبتني وروعة فاجأتني ونعمة فقدتها بعد أن غمرتني وإحسان شكرته فأنطقني وسيد فقدته فأقلقني فإن عاقبت فبحقك وإن عفوت فبفضلك فدمعت عينا المأمون وقال قد عفوت عنك وأمرت بإدرار أرزاقك وإعطائك ما فات منها وجعلت عقوبة ذنبك امتناعي من استخدامك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبي قال لما أعيت حسين بن الضحاك الحيلة في رضا المأمون عنه رمى بأمره إلى عمرو بن مسعدة وكتب إليه
( أنتَ طَوْدي من بين هذي الهِضابِ ... وشِهابي من دون كلِّ شِهابِ )
( أنتَ يا عمرو قوّتي وحياتي ... ولساني وأنت ظُفْري ونابي )
( أتُراني أنسَى أياديَك البيضَ ... إذ اسودّ نائلُ الأصحاب )
( أين عطف الكرام في مَأقِطِ الحاجة ... يَحْمُون حَوْزةَ الآداب )
( أين أخلاقُك الرضيّة حالت ... فيّ أم أين رِقّة الكُتّاب )
( أنا في ذّمة السَّحَاب وأظما ... إنّ هذا لوصمةٌ في السّحاب )
( قمْ إلى سيِّد البريّة عنّي ... قومةً تَسْتَجِرُّ حسنَ خطاب )
( فلعلَّ الإِلهَ يُطفىء عنّي ... بك ناراً عليّ ذاتَ الْتِهابِ ) قال فلم يزل عمرو يلطف للمأمون حتى أوصله إليه وأدر أرزاقه
حدثني الصولي قال حدثني عون بن محمد قال حدثني الحسين بن الضحاك قال غضب المعتصم علي في شيء جرى على النبيذ فقال والله لأؤدِّبَنّه وحجبني أياما فكتبت إليه
( غَضَبُ الإِمام أشدُّ من أدَبِهْ ... وقد استجرْتُ وعُذْتُ من غَضَبِهْ )
( أصبحتُ معتصِماً بمعتصِمٍ ... أَثْنَى الإِلهُ عليه في كُتُبه )
( لا والذي لم يُبْقِ لي سبباً ... أرجو النجاةَ به سوى سببه )
( مالي شفيعٌ غيرُ حُرْمتِه ... ولكلِّ من أَشْفَى على عَطَبه ) قال فلما قرىء عليه التفت إلى الواثق ثم قال بمثل هذا الكلام يستعطف الكرام ما هو إلا أن سمعت أبيات حسين هذه حتى أزالت ما في نفسي عليه فقال له الواثق هو حقيق بأن يوهب له ذنبه ويتجاوز عنه فرضي عني وأمر بإحضاري
قال الصولي فحدثني الحسين بن يحيى أن هذه الأبيات إنما كتب بها إلى المعتصم لأنه بلغه عنه أنه مدح العباس بن المأمون وتمنى له
الخلافة فطلبه فاستتر وكتب بها إلى المعتصم على يدي الواثق فأوصلها وشفع له فرضي عنه وأمنه فظهر إليه وهجا العباس بن المأمون فقال
( خَلِّ اللَّعِينَ وما اكتَسَبْ ... لا زال منقطعَ السَّبَبْ )
( يا عُرَّةَ الثَّقَلَيْن لا ... ديِناً رعَيتَ ولا حَسَبْ )
( حَسَدُ الإِمامِ مكانَه ... جهلاً حَذَاكَ على العَطَبْ )
( وأبوك قدّمه لها ... لما تخيَّر وانتخب )
( ما تستطيع سوى التنفّس ... والتجرُّع للكرب )
( ما زلتَ عند أبيك مُنْتَقَصَ ... المروءة والأدب )
مع صالح بن الرشيد ومحبوبه محمد
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات وابن مهرويه قالا كنا عند صالح بن الرشيد ليلة ومعنا حسين بن الضحاك وذلك في خلافة المأمون وكان صالح يهوى خادما له فغاضبه في تلك الليلة فتنحى عنه وكان جالسا في صحن حوله نرجس في قمر طالع حسن فقال للحسين قل في مجلسنا هذا وما نحن فيه أبياتا يغني فيها عمرو بن بانة فقال الحسينصوت
( وصف البدرُ حسنَ وجهك حتى ... خِلْتُ أنّي وما أراكَ أراكا )( وإذا ما تنفَّس النرجسُ الغَضّ ... توهَّمتُه نسيمَ شَذَاكا )
( خُدَعٌ للمُنى تعلِّلني فيك ... بإشراق ذا ونفحة ذاكا )
( لأدُومنّ يا حبيبي على العهد ... لهذا وذاك إذ حَكَياكا ) قال عمرو فقال لي صالح تغن فيها فتغنيت فيها من ساعتي
لحن عمرو في هذه الأبيات ثقيل بالبنصر من روايته
وقد حدثني بهذا الخبر علي بن العباس بن أبي طلحة قال حدثني عبيد الله بن زكريا الضرير قال حدثنا الجماز عن أبي نواس قال كنت أتعشق ابنا للعلاء يقال له محمد وكان حسين يتعشق خادما لأبي عيسى بن الرشيد يقال له يسر فزارني يوما فسألته عنه فقال قد كاد قلبي أن يسلو عنه وعن حبه قال وجاءني ابن العلاء صاحبي فدخل علي وفي يده نرجس فجلسنا نشرب وطلع القمر فقلت له يا حسين أيما أحسن القمر أم محمد فأطرق ساعة ثم قال اسمع جواب الذي سألت عنه
( وصَف البدرُ حسنَ وجهك حتى ... خِلْتُ أنّي وما أراك أراكا )
( وإذا ما تنفّس النّرجِسُ الغَضّ ... توهُمتُه نَسِيمَ شَذَاكا )
( وأخال الذي لثَمتَ أنيسي ... وجليسي ما باشرْته يداكا )
( فإذا ما لثَمتُ لَثْمَك فيه ... فكأني بذاك قبّلتُ فاكا )
( خُدَعٌ للمُنَى تعلِّلني فيك ... بإشراق ذا ونَفْحة ذاكا )
( لأُقِيمنّ ما حَيِيتُ على الشكر ... لهذا وذاك إذ حَكَياكا ) قال فقلت له أحسنت والله ما شئت ولكنك يا كشخان هو ذا تقدر أن تقطع الطريق في عملي فقال يا كشخان أو شعري الذي سمعته في حاضر أم بذكر غائب والله للنعل التي يطأ عليها يسر أحسن عندي من صاحبك ومن القمر ومن كل ما أنتم فيه
أخبرني علي بن العباس قال حدثني أحمد بن سعيد بن عنبسة القرشي الأُموي قال حدثني علي بن الجهم قال دخلت يوما على المتوكل وهو جالس في صحن خلده وفي يده غصن آس وهو يتمثل بهذا الشعر
( بالشَّطّ لي سَكَنٌ أَفْدِيه من سَكَنِ ... أهْدَى من الآسِ لي غصنين في غُصُنِ )
( فقلتُ إذ نُظما إلفين والتَبسا ... سَقْياً ورَعْياً لفألٍ فيكما حسنِ )
( فالآسُ لا شَكَّ آسٍ من تشوّقنا ... شافٍ وآسٍ لنا يبقى على الزمن )
( أبْشَرتُماني بأسبابٍ ستجمعنا ... إن شاء ربي ومهما يَقْضِه يَكُن ) قال فلما فرغ من إنشادها قال لي وكدت أنشق حسدا لمن هذا الشعر يا علي فقلت للحسين بن الضحاك يا سيدي فقال لي هو عندي أشعر أهل زماننا وأملحهم مذهبا وأظرفهم نمطا فقلت وقد زاد غيظي في الغزل يا مولاي قال وفي غيره وإن رغم أنفك ومت حسدا وكنت قد مدحته بقصيدة وأردت إنشادها يومئذ فلم أفعل وعلمت أني لا أنتفع مع ما جرى بيننا بشيء لا به ولا بالقصيدة فأخرتها إلى وقت آخر
خبره مع خادم المتوكل
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال أحب المتوكل على الله أن ينادمه حسين بن الضحاك وأن يرى ما بقي من شهوته لما كان عليه فأحضره وقد كبر وضعف فسقاه حتى سكر وقال لخادمه شفيع اسقه فسقاه وحياه بوردة وكانت على شفيع ثياب موردة فمد الحسين يده إلى ذراع شفيع فقال له المتوكل يا حسين أتجمش أخص خدمي عندي بحضرتي فكيف لو خلوت ما أحوجك إلى أدب وقد كان المتوكل غمز شفيعا على العبث به فقال الحسين يا سيدي أريد دواة وقرطاسا فأمر له بذلك فكتب بخطه
( وكالوردةِ الحَمْراء حيّا بأحمرٍ ... من الورد يمشي في قَرَاطِقَ كالوردِ )
( له عَبَثاتٌ عند كلِّ تحيّة ... بعينيه تَستدعي الحليمَ إلى الوجد )
( تمنّيتُ أن أُسقَى بكفَّيْه شَرْبةً ... تذكِّرني ما قد نَسِيتُ من العهد )
( سقى الله دهراً لم أبِتْ فيه ليلةً ... خَلِيًّا ولكن من حبيب على وعد ) ثم دفع الرقعة إلى شفيع وقال له ادفعها إلى مولاك فلما قرأها استملحها وقال أحسنت والله يا حسين لو كان شفيع ممن تجوز هبته لوهبته لك ولكن بحياتي إلا كنت ساقيه باقي يومه هذا واخدمه كما تخدمني وأمر له بمال كثير حمل معه لما انصرف قال أحمد بن يزيد فحدثني أبي قال صرت إلى الحسين بعد انصرافه من عند المتوكل بأيام فقلت له ويلك أتدري ما صنعت قال نعم أدري وما كنت لأدع عادتي بشيء وقد قلت بعدك
صوت
( لا رأى عَطْفَةَ الأحبّة ... من لا يُصَرِّحُ )( أصغرُ الساقِيَيْن أشكُل ... عندي وأمْلَحُ )
( لو تراه كالظَّبْي يَسنَح ... حيناً ويبرَح )
( خِلْتَ غصناً على كَثيبٍ ... بنَوْرٍ يرشِّح )
غنى عمرو بن بانة في هذه الأبيات ثاني ثقيل بالبنصر
وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيدي وقال حدثني محمد ابن أبي عون قال حضرت المتوكل وعنده محمد بن عبد الله بن طاهر وقد أحضر حسين ابن الضحاك للمنادمة فأمر خادما كان واقفا على رأسه فسقاه وحياه بتفاحة عنبر وقال لحسين قل في هذا شيئا فقال
( وكالدُّرّةِ البيضاءِ حيّا بعنبرٍ ... وكالورد يَسْعَى في قَرَاطِقَ كالوَرْد )
( له عَبَثاتٌ عند كلِّ تحيّة ... بعينيه تَستدعي الحليمَ إلى الوجد )
( تمنّيتُ أن أُسقَى بكفّيه شربةً ... تُذكِّرني ما قد نسِيتُ من العهد )
( سقى الله عيشاً لم أَبِتْ فيه ليلةً ... من الدّهر إلا من حبيب على وعد ) فقال المتوكل يحمل إلى حسين لكل بيت مائة دينار فالتفت إليه محمد بن عبد الله بن طاهر كالمتعجب وقال لم ذاك يا أمير المؤمنين فوالله لقد أجاب فأسرع وذكر فأوجع وأطرب فأمتع ولولا أن يد أمير المؤمنين لا تطاولها يد لأجزلت له العطاء ولو أحاط بالطارف والتالد فخجل المتوكل وقال يعطى حسين بكل بيت ألف دينار وقد أخبرني بهذا الخبر ابن قاسم الكوكبي قال حدثنا بشر بن محمد قال وحدثني علي بن الجهم أنه حضر المتوكل وقد أمر شفيعا أن يسقي حسين بن الضحاك وذكر باقي الخبر نحو ما مضى من رواية غيره
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد المبرد وحدثني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال أخبرني محمد بن مروان عن محمد بن عمرو الرومي قال اجتمع حسين بن الضحاك وعمرو بن بانة يوما عند ابن شغوف الهاشمي فاحتبسهما عنده وكان لابن شغوف خادم حسن يقال له مقحم وكان عمرو ابن بانة يتعشقه ويسر ذلك من ابن شغوف فلما أكلوا وضع النبيذ قال عمرو ابن بانة للحسين قل في مقحم أبياتا أُغن فيها الساعة فقال الحسين
صوت
( وابأبي مُقْحمٌ لعزَّته ... قلتُ له إذ خلوتُ مُكْتَتِما )
( تحبّ بالله من يخصّك بالودّ ... فما قال لا ولا نَعَما ) وغنى فيه عمرو قال فبينا هم كذلك إذ جاء الحاجب فقال إسحاق لموصلي بالباب فقال له عمرو أعفنا من دخوله ولا تنغص علينا ببغضه وصلفه وثقله ففعل وخرج الحاجب فاعتل على إسحاق حتى انصرف وأقاموا يومهم وباتوا ليلتهم عند ابن شغوف فلما أصبحوا مضى الحسين بن الضحاك إلى إسحاق فحدثه الحديث بنصه فقال إسحاق
( يابن شغوفٍ أمَا علمتَ بما ... قد صار في الناس كلَّهم عَلَما )
( دعوتَ عمراً فبات ليلتَه ... في كلّ ما يَشتهي كما زعما )
( حتى إذا ما الظلامُ ألبسه ... سَرَى دَبِيباً فضاجَع الخَدَما )
( ثَمّتَ لم يَرْضَ أن يُضاجِعهم ... سِرًّا ولكن أَبْدى الذي كتما )
( ثم تغنَّى لفرط صَبْوته ... صوتاً شفى من غَليله السَّقَما )
( وابأبي مُقْحم لعزّته ... قلتُ له إذ خلوت مكتتما )
( تحبّ بالله من يخصّك بالودّ ... فما قال لا ولا نعما )
قال وشاعت الأبيات في الناس وغنى فها إسحاق أيضا فيما أظن فبلغت ابن شغوف فحلف ألا يدخل عمرا داره أبدا ولا يكلمه وقال فضحني وشهرني وعرضني للسان إسحاق فمات مهاجرا له وقال ابن أبي سعد في خبره إن إسحاق غنى فيها للمعتصم فسأله عن خبرها فحدثه بالحديث فضحك وطرب وصفق ولم يزل يستعيد الصوت والحديث وابن شغوف يكاد أن يموت إلى أن سكر ونام
لحن عمرو بن بانة في البيتين اللذين قالهما حسين في مقحم من الثقيل الثاني بالوسطى
أشعرهم غزلا
أخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة قال حدثني محمد بن موسى بن حماد قال سمعت مهدي بن سابق يقول التقى أبو نواس وحسين بن الضحاك فقال أبو نواس أنت أشعر أهل زمانك في الغزل قال وفي أي ذلك قال ألا تعلم يا حسين قال لا قال في قولك( وابأبي مُقْحم لعزّته ... قلت له إذ خلوتُ مكتتما )
( تحبّ بالله من يَخُصّك بالودّ ... فما قال لا ولا نعما )
( ثم تولَّى بمقلتَيْ خَجِلٍ ... أراد رَجْعَ الجوابِ فاحتشما )
( فكنتُ كالمبتغِي بحيلته ... بُرءاً من السُّقْم فابتدا سَقَما ) فقال الحسين ويحك يا أبا نواس فأنت لا تفارق مذهبك في الخمر البتة قال لا والله وبذلك فضلتك وفضلت الناس جميعا
أخبرني علي بن العباس قال أنشدنا أبو العباس ثعلب قال أنشدني حماد ابن المبارك صاحب حسين بن الضحاك قال أنشدني حسين لنفسه
( لا وحُبِّيكَ لا أُصافِح ... بالدَّمْع مَدمَعَا )
( من بَكَى شَجْوَه استراح ... وإن كان مُوجَعا )
( كبَدِي من هواكَ أسقمُ ... من أن تَقَطّعا )
( لم تدَعْ سَوْرةُ الضَّنَى ... فيَّ للسُّقم مَوْضِعا ) قال ثم قال لنا ثعلب ما بقي من يحسن أن يقول مثل هذا
أخبرني علي قال حدثني محمد بن الفضل الأهوازي قال سمعت علي ابن العباس الرومي يقول حسين بن الضحاك أغزل الناس وأظرفهم فقلت حين يقول ماذا فقال حين يقول
( يا مستعِيرَ سَوالِف الحِشْفِ ... اِسْمَعْ لحَلْفة صادِق الحَلْفِ )
( إنْ لم أَصِحْ ليلِي ويا حَرَبِي ... من وجنتيكَ وَفَتْرةِ الطَّرْف )
( فجحَدتُ ربِّي فضلَ نعمته ... وعبدتُه أبداً على حَرْف )
أخبرني علي بن العباس الرومي قال حدثني قتيبة عن عمرو السكوني بالكوفة قال حدثني أبي قال حدثني حسين بن الضحاك قال كانت تألفني مغنية وتجيئني دائما وكنت أميل إليها وأستملحها وكان
يقال لها فتن فكان يجيء معها خادم لمولاتها يحفظها يسمى نجحا وكان بغيضا شرس الخلق فإذا جاء معها توقيته فمرض فجاءتني ومعها غيره فبلغت منها مرادي وتفرجت يومي وليلتي فقلت
( لا تَلُمْنِي على فِتَنْ ... إنها كاسمِها فِتَنْ )
( فإذا لم أَهِمْ بها ... فبمن لا بمن إذَنْ )
( أين لا أين مثلُها ... في جميع الوَرَى سَكَنْ )
( طِيب نَشْرٍ إذا لثَمْتَ ... وغُنْج ومُحتَضَن )
( وَالِ عَشْراً من الصَّبُوحِ ... على وجهِها الحسن )
( وعلى لفظها المُنَوَّن ... للاّم بالغُنَنْ )
( لست أنسى من الغَرِيرة ... إذ بُحت بالشَّجَنْ )
( قولَها إذ سلبتُها ... عن كَثيبٍ وعن عُكَن )
( ليس يُرضيكَ يا فتى ... من هوىً دون أن تَهِنْ )
( فامتزجنا معاً مُمَازَجةَ ... الرُّوح للبدن )
( وكُفِينا من أن نُراقِبَ ... نُجْحاً إذا فَطَن )
( وأمِنّاه أن يَنِمَّ ... وما كان مؤتَمنْ )
( كلّ ما كان من حبيبك ... مستظْرَفٌ حسن )
حدثني جحظة قال حدثني أبو عبد الله الهشامي أن مخارقا وحسين بن الضحاك تلاحيا في أبي العتاهية وأبي نواس
أيهما أشعر فاتفقا على اختيار شعر من شعريهما يتخايران فيه فاختار الحسين بن الضحاك شيئا من شعر أبي نواس جيدا قويا لمعرفته بذلك واختار مخارق شيئا من شعر أبي العتاهية ضعيفا سخيفا غزلا كان يغني فيه لا لشيء عرفه منه إلا لأنه استملحه وغنى فيه فخاير به لقلة علمه ولما كان بينه وبين أبي العتاهية من المودة وتخاطرا على مال وتحاكما إلى من يرتضيه الواثق بالله ويختاره لهما فاختار الواثق لذلك أبا محلم وبعث فأحضره وتحاكما إليه بالشعرين فحكم لحسين بن الضحاك فتلكأ مخارق وقال لم أُحسن الاختيار للشعر ولحسين أعلم مني بذلك ولأبي العتاهية خير مما اخترت وقد اختار حسين أجود ما قدر عليه لأبي نواس لأنه أعلم مني بالشعر ولكنا نتخاير بالشاعرين ففيهما وقع الجدال فتحاكما فحكم لأبي نواس وقال هو أشعر وأذهب في فنون الشعر وأكثر إحسانا في جميع تصرفه فأمر الواثق بدفع الخطر إلى حسين وانكسر مخارق فما انتفع به بقية يومه
مدح الحسن بن سهل
أخبرني ابن أبي طلحة قال حدثني سوادة بن الفيض قال حدثني أبي قال لما اطرح المأمون حسين بن الضحاك لهواه كان في أخيه محمد وجفاه لاذ الحسين بن الضحاك بالحسن بن سهل وطمع أن يصلحه له فقال يمدحه( أرى الآمالَ غيرَ مُعرِّجاتٍ ... على أحدٍ سوى الحسن بن سَهْلِ )
( يُبارِي يومَه غدُه سَمَاحاً ... كِلاَ اليومين بان بكلّ فضلِ )
( أرى حَسَناً تقدّم مستبِدًّا ... ببَعْدٍ من رياسته وقَبْلِ )
( فإن حضرَتْك مشكلةٌ بشَكٍّ ... شفاكَ بِحِكْمةٍ وخطابِ فَصْل )
( سليلُ مَرَازبٍ بَرعُوا حلوماً ... وراع صغيرُهم بسداد كهلِ )
( ملوكٌ إن جريتَ بهم أَبَرّوا ... وعَزّوا أن تُوازِنَهم بِعدْل )
( ليَهْنِك أنّ ما أرجأتَ رشدٌ ... وما أمضيتَ من قول وفعل )
( وأنك مؤثِرٌ للحقّ فينا ... أراك الله من قطع ووصل
( وأنّك للجميع حَيَا ربيعٍ ... يَصُوب على قَرَارة كلِّ مَحْل ) قال فاستحسنها الحسن بن سهل ودعا بالحسين فقربه وآنسه ووصله وخلع عليه ووعده إصلاح المأمون له فلم يمكنه ذلك لسوء رأي المأمون فيه ولما عاجل الحسن من العلة
قال علي بن العباس بن أبي طلحة وحدثني أبو العباس أحمد بن الفضل المروزي قال سمعت الحسن بن سهل يقول لحسين بن الضحاك ما عنيت بقولك
( يا خَليّ الذَرْع من شَجَنِي ... إنما أشكو لترحمَني ) قال قد بينته قال بأي شيء قال قلت
( منعُك الميسورَ يُؤْيِسُني ... وقليلُ اليأس يقتلني ) فقال له أبو محمد إنك لتضيع بالخلاعة ما أُعطيته من البراعة
شاعر الغلمان
أخبرني علي بن العباس قال حدثني أحمد بن القاسم المري قال حدثنا أبو هفان قال سألت حسين بن الضحاك عن خبره المشهور مع الحسن بن سهل في اليوم الذي شرب معه فيه وبات عنده وكيف كان ابتداؤه فقلت له إني أشتهي أن أسمعه منك فقال لي دخلت على الحسن بن سهل في فصل الخريف وقد جاء وسمي من المطر فرش رشا حسنا واليوم في أحسن منظر وأطيبه وهو جالس على سرير آبنوس وعليه قبة فوقها طارمة ديباج أصفر وهو يشرف على بستان في داره وبين يديه وصائف يترددن في خدمته وعلى رأسه غلام كالدينار فسلمت عليه فرد علي السلام ونظر إلي كالمستنطق فأنشأت أقول
( ألستَ ترى ديمةً تَهْطِلُ ... وهذا صباحُك مُسْتقبَلُ ) فقال بلى فقلت
( وتلك المُدَامُ وقد شاقنا ... برؤيته الشادنُ الأكحل ) فقال صدقت فمه فقلت
( فعاد به وبنا سَكْرةٌ ... تُهوِّن مكروهَ ما نَسأل ) فسكت فقلت
( فإني رأيت له نظرةً ... تُخبِّرني أنه يفعل ) ثم قال مه فقلت
( وقد أَشْكل العيشُ في يومنا ... فيا حبّذا عيشُنا المُشْكِلُ ) فقال العيش مشكل فما ترى فقلت مبادرة القصف وتقريب الإلف قال على أن تقيم معنا وتبيت عندنا فقلت له لك الوفاء وعليك مثله لي من الشرط قال وما هو قلت يكون هذا الواقف على رأسك
يسقيني فضحك ثم قال ذلك لك على ما فيه ودعا بالطعام فأكلنا وبالشراب فشربنا أقداحا ولم أر الغلام فسألت عنه فقال لي الساعة يجيء فلم نلبث أن وافاني فسألته أين كان فقال كنت في الحمام وهو الذي حبسني عنك فقلت لوقتي
( وابأبي أبيضُ في صفْرةٍ ... كأنه تِبْرٌ على فضّهْ )
( جرّده الحّمامُ عن دُرّةٍ ... تلوح فيها عُكَنٌ بَضّهْ )
( غصنٌ تبدَّى يتثّنى على ... مَأْكَمة مُثْقَلةِ النَّهْضَهْ )
( كأنما الرَّشُّ على خدّه ... طَلٌّ على تُفّاحةٍ غَضّهْ )
( صفاتُه فاتنة كلُّها ... فبعضُه يُذْكِرُني بعضَهْ )
( يا ليتني زوّدني قُبْلةً ... أو لاَ فمِنْ وَجْنته عَضّه ) فقال لي الحسن قد عمل فيك النبيذ فقلت لا وحياتك فقال هذا شر من ذلك فقلت
( إسقياني وصرِّفا ... بنتَ حولين قَرْقَفَا )
( واسْقِيا المُرْهَفَ الغَرير ... سقَى اللهُ مُرْهَفا )
( لا تقولا نراه أكلفَ ... نِضْواً مخفّفا )
( نِعْم ريحانةُ النديم ... وإن كان مُخْطَفا )
( إن يكن أكلفاً فإني ... أرى البدرَ أكْلَفا )
( بأبي ما جنُ السريرة ... يُبْدي تَعَفُّفا )
( حَفَّ أصداغَه وعَقْر ... بها ثم صفَّفَا )
( وحشَا مَدْرَجَ القُصاصِ ... بمسك ورصّفا )
( فإذا رُمتَ منه ذاك ... تأبّى وعنَّفا )
( ليس إلا بأنْ يُرنِّحه ... السُّكْرُ مُسْعِفا )
( باكِرَا لا تسوِّفاني ... عدِمتُ المُسوِّفا )
( أعْجِلاه وبالفُضَاضةِ ... في السَّقْي فاعْنُفا )
( واحمِلا شَغْبَه وإن ... هو زَنّى وأفّفا )
( فإذا همّ للمنامِ ... فقُومَا وخَفِّفا ) فتغاضب الغلام وقام فذهب ثم عاد فقال لي أقبل على شرابك ودع الهذيان وناولني قدحا وقام أبو محمد ليبول فشربت وأعطاني نقلا فقلت اجعل بدله قبلة فضحك وقال أفعل هذا وقته فبدا له وقال لا أفعل فعاودته فانتهرني فقال له خادم للحسن يقال له فرج بحياتي يا بني أسعفه بما طلب فضحك ثم دنا مني كأنه يناولني نقلا وتغافل فاختلست منه قبلة فقال لي هي حرام عليك فقلت
( وبديع الدَّلّ قَصْرِيّ الغَنَجْ ... مَرِه العين كَحِيل بالدَّعَج )
( سُمْتُه شيئاً وأَصْغيتُ له ... بعد ما صرَّف كأساً وَمَزَجْ )
( واستخفّتْه على نَشْوتِه ... نَبَراتٌ من خفيفٍ وهَزَج )
( فتأبَّى وتثنَّى خَجَلاً ... وذَرَا الدمعَ فنوناً ونَشَجْ )
( لجّ في لولا وفي سوف تَرى ... وكذا كَفْكَف عنِّي وخَلَجْ )
( ذهب الليلُ وما نَوَّلَني ... دون أن أَسْفَرَ صبحٌ وانْبَلَجْ )
( هوّن الأمرَ عليه فرجٌ ... بتأتِّيه فسَقْياً لفَرَجْ )
( خَمِرُ النكهة لا من قهوةٍ ... أَرَّجَ الأصداغَ بالمسك أَرِجْ )
( وبنفسي نفسُ من قال وقد ... كان ما كان حرامٌ وحَرَجْ ) قال ثم أسفر الصبح فانصرفت وعدت من غد إلى الحسن فقال لي كيف كنت في ليلتك وكيف كنت عند نومك فقلت له أأصف ذلك نثرا أم نظما فقال بل نظما فهو أحسن عندي فقلت
( تألّفتُ طيفَ غزال الحَرَم ... فواصَلَني بعد ما قد صَرَم )
( وما زلتُ أقنَع من نَيْله ... بما تَجْتنيه بَنَانُ الحُلُم )
( بنفسي خيالٌ على رِقْبَةٍ ... ألَمّ به الشوقُ فيما زعَم )
( أتاني يُجاذب أردافه ... من البُهْر تحت كسوف الظُّلَمْ )
( تمُجّ سوالفُه مِسْكةً ... وعنبرةً ريقُه والنَّسَمْ )
( تضمّخ من بعد تجميره ... فطاب من القَرْن حتى القَدَم )
( يقول ونازعتُه ثوبَه ... على أن يقولَ لشيء نعم )
( فغَضّ الجفونَ على خَجْلَةٍ ... وأعرضَ إعراضة المُحْتَشِم )
( فشبّكتُ كفّي على كفّه ... وأصغيتُ ألْثِمُ دُرًّا بفَم )
( فَنَهْنَهنِي دفْعَ لا مؤيسٍ ... بجِدّ ولا مُطْمِعٍ مُعْتزم )
( إذا ما همَمْتُ فأدنيتُه ... تَثّنى وقال لي الوَيْلُ لِمْ )
( فما زِلتُ أبسُطه مازحاً ... وأُفْرِط في اللهو حتى ابتسم )
( وحكَّمني الرِّيمُ في نفسه ... بشيء ولكنّه مُكْتَتَمْ )
( فواهاً لذلك من طارقٍ ... على أن ما كان أبقى سَقَم ) قال فقال لي الحسن يا حسين يا فاسق أظن ما ادعيته على الطيف في النوم كان في اليقظة مع الشخص نفسه وأصلح الأشياء لنا بعد ما جرى أن نرحض العار عن أنفسنا بهبة الغلام لك فخذه لا بورك لك فيه فأخذته وانصرفت
حدثني علي بن العباس قال حدثني أبو العيناء قال أنشدني الحسين بن الضحاك لنفسه في غلام للحسن بن سهل كان اجتمع معه في دار الحسن ثم لقيه بعد ذلك فسلم عليه فلم يكلمه الغلام فقال
( فديتُك ما لوجهك صدَّ عنّي ... وأبديتَ التَندُّم بالسلام )
( أحين خلبتني وقَرَنْتَ قلبي ... بطَرْفِك والصَّبابةَ في نِظام )
( تَنَكَّر ما عهِدتُ لِغبّ يوم ... فيا قربَ الرَّضَاع من الفِطام )
( لأَسْرعَ ما نهيتَ إلى همومي ... سروري بالزيارة واللِّمام )
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني حسين بن الضحاك الخليع قال كنت في المسجد الجامع بالبصرة فدخل علينا أبو نواس وعليه جبة خز جديدة فقلت له من أين هذه يا أبا نواس فلم يخبرني فتوهمت أنه أخذها من موسى بن عمران لأنه دخل من باب بني تميم فقمت فوجدت موسى قد لبس جبة خز أخرى فقلت له
( كيف أصبحتَ يا أبا عمران ... ) فقال بخير صبحك الله به فقلت
( يا كريم الإخاء والإخوان ... ) فقال أسمعك الله خيرا فقلت
( إن لي حاجةً فرأيَك فيها ... إننا في قضائها سِيّان ) فقال هاتها على اسم الله وبركته فقلت
( جُبّةٌ من جِبابك الخَزّ حتى ... لا يَراني الشتاءُ حيث يراني ) قال خذها على بركة الله ومد كمه فنزعتها وجئت وأبو نواس جالس فقال من أين لك هذه فقلت من حيث جاءتك تلك
حسين بن الضحاك والمعتصم
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن موسى بن حماد قال أخبرني عبد الله بن الحارث عن إبراهيم بن عبد السلام عن الحسين بن الضحاك قال دخلت أنا ومحمد بن عمرو الرومي دار المعتصم فخرج علينا كالحا قال فتوهمنا أنه أراد النكاح فعجز عنه قال وجاء إيتاخ فقال مخارق وعلويه وفلان وفلان من أشباههما بالباب فقال اعزب عني عليك وعليهم لعنة الله قال فتبسمت إلى محمد بن عمرو وفهم المعتصم تبسمي فقال لي مم تبسمت فقلت من شيء حضرني فقال هاته فأنشدته
صوت
( اِنْفِ عن قلبك الحَزَنْ ... باقترابٍ من السَّكَنْ )( وتمتَّعْ بكَرِّ طَرْفك ... في وجهه الحَسَنْ )
( إنّ فيه شفاءَ صدرك من لاعِج الحَزَنْ ) قال فدعا بألفي دينار ألف لي وألف لمحمد فقلت الشعر لي فما معنى الألف لمحمد بن عمرو قال لأنه جاءنا معك ثم أذن لمخارق وعلويه فدخلا فأمرهما بأن يغنيا فيه ففعلا فما زال يعيد هذا الشعر ولقد قام ليبول فسمعته يردده
الغناء في هذا الشعر اشترك فيه مخارق وعلويه وهو من الثقيل الأول بالبنصر
أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد بن مروان قال كان الحسين بن الضحاك عند أبي كامل المهندس وأنا معهم حاضر فرأى خادما فاستحسنه وأعجبه فقال له بعض أصحابه أتحبه قال نعم والله قال فأعلمه قال هو أعلم بحبي له مني به ثم قال
( عالمٌ بحبِّيهِ ... مُطْرِقٌ من التِّيهِ )
( يوسفُ الجمالِ وفرعونُ ... في تَعَدِّيه )
( لا وحقِّ ما أنا مِنْ ... عَطْفِه أُرَجِّيه )
( ما الحياة نافعةٌ ... لي على تأبِّيه )
( النعيمُ يشغَلُه ... والجمالُ يُطْغِيه )
( فهو غير مُكترثٍ ... للذي أُلاقِيه )
( تائهٌ تُزهِّدُه ... فيَّ رغبتي فيه ) قال محمد بن محمد وغنى في هذا الشعر عمرو بن بانة وعريب وسليم وجماعة من المغنين
حدثني عمي قال حدثني ميمون بن هارون قال كان للحسين بن الضحاك صديق وكان يتعشق جارية مغنية فزاحمه فيها غلام كان في مرودته حسن الوجه فلما خرجت لحيته جعل ينتف ما يخرج منها ومالت القينة إليه لشبابه فشكا ذلك إلى الحسين بن الضحاك وسأله أن يقول فيها شعرا فقال
( خَلِّ الذي عنكَ لا تَسْطيعُ تدفعُه ... يا من يُصارِع من لا شكّ يَصْرعُه )
( جاءت طرائقُ شَعْر أنت ناتفُها ... فكيف تَصْنَع لو قد جاء أَجْمعُه )
( الله أكبرِ لا أَنْفَكُّ من عَجَبٍ ... أأنت تحصُد ما ذو العرشِ يزرعه )
( تَبًّا لسعيك بل تَبًّا لأمِّك إذ ... تَرْعَى حِمىً خالقُ الأَحْماء يَمنعُه ) وقال فيه أيضا
( ثَكِلَتْكَ أمُّك يابن يوسفْ ... حَتَّامَ وَيْحَك أنت تَنْتِفْ )
( لو قد أتى الصيفُ الذي ... فيه رؤوس الناس تُكْشَفْ )
( فكشفتَ عن خدَّيكَ لي ... لكشفتَ عن مثلِ المُفَوَّفْ )
( أو مثل زَرْعٍ ناله اليَرَقانُ ... أو نكْباءُ حَرْجَفْ )
( فغدا عليه الزارعون ... ليَحْصُدوه وقد تقصَّفْ )
( فظَللْتَ تأسَف كالأُلى ... أسِفوا ولم يُغْنِ التأسُّف )
حدثني علي بن العباس قال حدثني عمير بن أحمد بن نصر الكوفي قال حدثني زيد بن محمد شيخنا قال قلت لحسين بن الضحاك وقد قدم إلينا الكوفة يا أبا علي شهرت نفسك وفضحتها في خادم فألا أشتريته فقال فديتك إن الحب لجاج
كله وكنت أحببت هذا الخادم ووافقني على أن يستبيع لأشتريه فعارضني فيه صالح بن الرشيد فاختلسه مني ولم أقدر على الانتصاف منه وآثره الخادم واختاره وكلانا يحبه إلا أن صالحا يناك ولا أناك والخادم في الوسط بلا شغل فضحكت من قوله ثم سألته أن ينشدني شيئا من شعره فأنشدني
( إنّ من لا أَرَى وليس يَرَاني ... نُصْبَ عيني مُمَثَّلٌ بالأمانِي )
( بأبي من ضميرُه وضميري ... أبداً بالمَغِيبِ يَنْتجِيان )
( نحن شخصانِ إن نظرتَ ورُوحانِ ... إذا ما اختبرتَ يمتزجانِ )
( فإذا ما هَممتُ بالأمر أو هَمّ ... بشيء بدأتُه وبَدَاني )
( كان وَفْقاً ما كان منه ومنّي ... فكأني حَكَيتُه وحكاني )
( خطراتُ الجفون منّا سَوَاءٌ ... وسواءٌ تحرُّكُ الأبدان ) فسألته أن يحدثني بأسر يوم مر له معه فقال نعم اجتمعنا يوما فغنى مغن لنا بشعر قلته فيه فاستحسنه كل من حضر ثم تغنى بغيره فقال لي عارضه فقلت بقبلة فقال هي لك فقبلته قبلة وقلت
( فدّيتُ من قال لي على خَفَرِهْ ... وغضَّ من جَفْنِه على حَوَرِهْ )
( سمَّع بي شعرُك المَليحُ فما ... ينفكُّ شادٍ به على وَتَرِهْ )
( حسبُك بعضُ الذي أذعتَ ولا ... حَسْبَ لصَبٍّ لم يَقْضِ من وَطَرِهْ )
( وقلتُ يا مستعيرَ سالفةِ الخِشْفِ ... وحسنِ الفُتُورِ من نَظَرِهْ )
( لا تُنِكرنّ الحَنِينَ من طَرِبٍ ... عاودَ فيكَ الصِّبَا على كِبَرِه )
حدثني الصولي وعلي بن العباس قالا حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي قال كان حسين بن الضحاك يتعشق خادما لأبي عيسى أو لصالح بن الرشيد أخيه فاجتمعا يوما عند أخي مولى الخادم فجعل حسين يشكو إليه ما به فلا يسمع به ويكذبه ثم سكن نفاره وضحك إليه وتحدثا ساعة فأنشدنا حسين قوله فيه
( سائْل بطَيْفِكَ عن ليلي وعن سَهَرِي ... وعن تَتَابُع أنفاسي وعن فِكَري )
( لم يَخْلُ قلبي من ذِكراكَ إذ نظرتْ ... عيني إليكَ على صَحْوي ولا سَكَري )
( سَقْياً ليوم سروري إذ تُنازِعني ... صفوَ المدامةِ بين الأُنْسِ والخَفَر )
( وفضلُ كأسك يأتيني فأشربُه ... جَهْراً وتشربُ كأسي غيرَ مستتر )
( وكيف أُشْمِلُه لَثْمي وأُلْزِمه ... نحري وترفَعه كفّي إلى بصري )
( فليتَ مدّةَ يومي إذ مضى سلَفاً ... كانت ومدّةَ أيامي على قَدَر )
( حتى إذا ما انطوتْ عنّا بشاشتُه ... صِرْنا جميعاً كذا جارَيْن في الحُفَر )
حدثني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد بن مروان قال حدثني حسين بن الضحاك قال كان صالح بن الرشيد يتعشق غلاما يسمى يسرا خادم أخيه أبي عيسى فكان يراوده عن نفسه فيعده ولا يفي له فأرسله أبو عيسى ذات يوم إلى صالح أخيه في السحر يقول له يا أخي إني قد اشتهيت أن أصطبح اليوم فبحياتي لما ساعدتني وصرت إلي لنصطبح اليوم جميعا فسار يسر إلى صالح أخيه في السحر وهو منتش قد شرب في السحر فأبلغه الرسالة فقال نعم وكرامة اجلس أولا فجلس فقال يا غلام أحضرني عشرة آلاف درهم فأحضرها فقال له يا يسر دعني من مواعيدك ومطلك هذه عشرة آلاف درهم فخذها واقض حاجتي وإلا فليس ها هنا إلا الغضب فقال له يا سيدي إني أقضي الحاجة ولا آخذ المال ثم فعل ما أراد وطاوعه فقضى حاجته وأمر صالح بحمل العشرة الآلاف الدرهم معه قال الحسين ثم خرج إلي صالح من خلوته فقال يا حسين قد رأيت ما كنا فيه فإن حضرك شيء فقل فقلت
صوت
( أيا مَنْ طَرْفُه سِحْرُ ... ومَنْ ريقتُه خمرُ )
( تجاسرتُ فكاشفتُك ... لمّا غُلِب الصبرُ )
( وما أَحْسنَ في مثلك ... أن يَنْهتِك السِّتْرُ )
( وإنْ لامنِيَ الناس ... ففي وجهك لي عذرُ )
( فدَعْني من مَوَاعِيدِك ... إذ حيَّنك الدهرُ )
( فلا واللهِ لا تبرحُ ... أو ينقضيَ الأمر )
( فإمّا الغَضْبُ والذمَ ... وإما البذلُ والشكر )
( ولو شئتَ تيسَّرتَ ... كما سُمِّيتَ يا يُسْرُ )
( وكن كاسمك لا تَمنْعُكَ ... النَّخْوةُ والكِبْرُ )
( فلا فُزْتُ بحَظِّي منك ... إن ذاع له ذكر )
قال الحسين فضحك ثم قال قد لعمري تيسر يسر كما ذكرت فقلت نعم ومن لا يتيسر بعد أخذه الدية لو أردتني أيضا بهذا لتيسرت فضحك ثم قال نعطيك يا حسين الدية لحضورك ومساعدتك ولا نريدك لما أردنا له يسرا فبئست المطية أنت وأمر لي بها ثم أمر عريب بعد ذلك فغنت في بعض هذا الشعر
حدثني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد بن مروان قال حدثني حسين بن الضحاك قال كنت عند عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع وهو مصطبح وخادم له يسقيه فقال لي يا أبا علي قد استحسنت سقي هذا الغلام فإن حضرك شيء في قصتنا هذه فقل فقلت
( أحْيَتْ صَبُوحي فُكَاهةُ اللاَّهِي ... وطاب يومي لقرب أشباهي )
( فاستَثِر اللهوَ من مَكَامِنه ... من قبل يومٍ منغِّصٍ ناهي )
( بابنةِ كَرْمٍ من كفّ مُنْتَطِق ... مؤتزرٍ بالمُجُون تَيَّاه )
( يَسْقِيك من طَرْفِه ومن يده ... سَقْيَ لطيفٍ مجرِّب داهي )
( كأساً فكأساً كان شاربَها ... حيرانُ بين الذَّكُور والساهي ) قال فاستحسنه عبد الله وغنى فيه لحنا مليحا وشربنا عليه بقية يومنا
والغلمان عندهم نخوة
أخبرني علي بن العباس قال حدثني سوادة بن الفيض المخزومي قال حدثني أبي قال خرج حسين بن الضحاك إلى القفص متنزها ومعه جماعة من إخوانه ظرفاء وبلغ يسرا الخادم خروجه فشد في وسطه خنجرا وخرج إليه فجاءه وهو على غفلة فسر به حسين وتلقاه وأقام معه إلى آخر النهار يشربان فلما سكرا جمشه حسين فأخرج خنجره عليه وعربد فأمسك حسين وعاد إلى شرابه وقال في ذلك( جَمّشتُ يُسْراً على تسكُّرِه ... وقد دَهَاني بحُسْن منظَرِهِ )
( فهَمّ بالفَتْك بي فناشَده ... فيّ كريمٌ من خيرِ مَعْشره )
( يا مَنْ رأى مثل شادِنٍ خَنِثٍ ... يَصُول في خِدْره بزُوَّرِه )
( يسحَب ذيلَ القميص صَعْتَرَه ... ووارداتٍ من هُدْب مِئْزَرِه )
( ولا يُعاطِي نديمَه قدحاً ... إلاّ بإبهامِه وخِنْصَره )
( أخاف من كِبْره بوادرَه ... أدالني اللهُ من تَكَبُّره )
( قد قلتُ للشَّرْب إذ بَدَا فُضُلاً ... في رَيْطتَيْه وفي مُمَصَّرِه )
( وَيْلِي على شادنٍ توعَّدني ... بَسلِّ سِكِّينِه وخَنْجَره )
( أمَا كفاه ما حَزّ في كبدي ... بسِحْر أجفانِه ومَحْجِرِه )
( إذا نسيمُ الرياح قابَلَنا ... بالطِّيب من مسكه وعنبرِه )
( هَزّ قَوَاماًَ كأنه غُصُنٌ ... وارتَجّ ما انحطّ من مُخَصَّرِه )
أخبرني علي بن العباس قال حدثني سوادة بن الفيض قال حدثني أبي قال حضرت حسين بن الضحاك يوما وقد جاءه يسر فجلس عنده وأخذنا نتحدث مليا ثم غازله حسين فقال له يسر إياك والتعرض لي واربح نفسك فقال حسين
صوت
( أيُّها النَّفَّاثُ في العُقَد ... أنا مَطْوِيٌّ على الكَمَدِ )( إنما زَخْرَفَت لي خُدَعاً ... قدَحتْ في الرُّوحِ والجَسَد )
( هاتِ يا خَدَّاعُ واحدةً ... من كثيرٍ قلتَه وقَدِي )
( ليت شعري بعد حَلْفك لي ... بوفاء العهد بعد غدِ )
( ما الذي بالله صيَّره ... بعد قربٍ في مَدَى الأبد )
( مالأُنْسٍ كان مُبْتَذَلاً ... منك لي بالأمس لم يَعُدِ )
( إيهِ قُلْ لي غيرَ مُحتَشِمٍ ... هل دَهَاني فيك من أحدِ )
( حبَّذا والكأسُ دائرةٌ ... لَهْوُنا والصَّيْدُ بالطَّرَدِ )
( وحديثٌ في القلوب له ... أُخَذٌ يَصْدَعْنِ في الكبد )
( يومَ تُعطِيني وتأخذها ... دون نَدْماني يداً بيدِ )
( فإذا ألويت هيَّجني ... تَلَعٌ من ظبية البلد )
( وإذا أصغيتُ ذكَّرني ... نَشْرَ كافورٍ على بَرَد )
( ذاك يومٌ كان حاسدُنا ... فيه معذوراً على الحَسَدِ )
حدثني الصولي قال حدثنا يزيد بن محمد المهلبي قال حدثنا عمرو بن بانة قال خرجنا مع المعتصم إلى الشام لما غزا فنزلنا في طريقنا بدير مران وهو دير على تلعة مشرفة عالية تحتها مروج ومياه حسنة فنزل فيه المعتصم فأكل ونشط للشرب ودعا بنا فلما شربنا أقداحا قال لحسين بن الضحاك أين هذا المكان من ظهر بغداد فقال لا أين يا أمير المؤمنين والله لبعض الغياض والآجام هناك أحسن من هنا قال صدقت والله وعلى ذلك فقل أبياتا يغن فيها عمرو فقال أما أن أقول شيئا في وصف هذه الناحية بخير فلا أحسب لساني ينطق به ولكني أقول متشوفا إلى بغداد فضحك وقال قل ما شئت
صوت
( يا دَيْرَ مِدْيانَ لا عُرِّيتَ من سَكَنٍ ... هيَّجْتَ لي سَقَماً يا دَيْرَ مِدْيانَا )
( هل عند قّسِّك من علم فيخبرَنا ... أم كيف يُسْعِفُ وجهُ الصبر من بانا )
( حُثَّ المُدَامَ فإن الكأسَ مُتْرَعةً ... ممّا يَهِيجُ دَوَاعِي الشوقِ أحيانا )
( سَقْياً ورَعْياً لكَرْخايا وساكِنها ... وللجُنينة بالرَّوْحاء مَنْ كانا )
فاستحسنها المعتصم وأمرني ومخارقا فغنينا فيها وشرب على ذلك حتى سكر وأمر للجماعة بجوائز
لحن عمرو بن بانة في هذه الأبيات رمل ولحن مخارق هزج ويقال إنه لغيره
أخبرني الصولي قال حدثنا يزيد بن محمد قال كان حسين بن الضحاك يميل إلى خادم لأبي عيسى بن الرشيد فعبث به يوما على سكر فأخذ قنينة فضرب بها رأسه فشجه شجة منكرة وشاع خبره وتوجع له إخوانه وعولج منها مدة فجفا الخادم واطرحه وأبغضه ولم يعرض له بعدها فرآه بعد ذلك في مجلس مولاه فعبث به الخادم وغازله فلما أكثر ذلك قال له الحسين ُ
صوت
( تَعَزَّ بيأسٍ عن هواي فإنّني ... إذا انصرفتْ نفسي فهيهات عن رَدّي )( إذا خُنْتُمُ بالغيب ودي فما لكم ... تُدِلُّون إدْلالَ المُقِيم على العهد )
( ولي منك بُدٌّ فاجتنبْني مُذَمَّماً ... وإن خلتَ أنِّي ليس لي منك من بُدّ )
الغناء في هذه الأبيات لعمرو بن بانة وله فيه لحنان رمل وخفيف رمل
تهنئة الواثق بالخلافة
حدثني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني عبد الله بن المؤمل العسكري قال لما ولي الواثق الخلافة جلس للناس ودخل إليه المهنئون والشعراء فمدحوه وهنؤوه ثم استأذن حسين بن الضحاك بعدهم في الإنشاد وكان من الجلساء فترفع عن الإنشاد مع الشعراء فأّذن له فأنشده قوله
( أكاتِم وَجْدِي فما يَنْكَتِمْ ... بِمَنْ لو شكوتُ إليه رَحِمْ )
( وإنَي على حسن ظنّي به ... لأَحْذَر إن بُحْتُ أن يَحْتَشِمْ )
( ولي عند لَحْظته رَوْعةٌ ... تُحَقّق ما ظَنّه المُتّهِمْ )
( وقد علم الناسُ أنّي له ... مُحِبٌّ وأحسَبه قد عَلِمْ ) وفي هذا رمل لعبد الله بن العباس بن الربيع
( وإنّي لمُغْضٍ على لوعةٍ ... من الشوق في كَبِدي تضْطَرِم )
( عشيّةَ ودّعتُ عن مقلةٍ ... سَفُوحٍ وزفرةِ قلبٍ سَدِم )
( فما كان عند النّوى مُسْعِدٌ ... سوى العين تمزُج دمعاً بدَم )
( سيذكر من بان أوطانَه ... ويَبْكي المقيمين من لم يُقِمْ ) وقال فيها يصف السفينة
( إلى خازن الله في خَلْقه ... سراجِ النَّهار وبَدْر الظُّلَم )
( رحلنا غَرابيبَ زفَّافةً ... بدِجْلةَ في مَوْجها المُلْتَطِمْ )
( إذا ما قصدْنا لقاطُولِها ... ودُهْمُ قَراقِيرها تَصْطَدِمْ )
( سكنّا إلى خير مسكونةٍ ... تيمَّمها راغبٌ من أَمَمْ )
( مباركةٌ شاد بنيانَها ... بخير المواطن خيرُ الأمم )
( كأنّ بها نَشْرَ كافورةٍ ... لبَرْد نَدَاها وطِيبِ النَّسَمْ )
( كظهر الأديم إذا ما السحابُ ... صاب على مَتْنها وانسَجَم )
( مُبَرّأة من وُحُول الشتاء ... إذا ما طمَى وحلُه وارتَكَم )
( فما إنْ يزال بها راجلٌ ... يمرّ الهُوَيْنَى ولا يلتطِم )
( ويَمشي على رِسْله آمناً ... سليمَ الشَّراك نقيَّ القدم )
( ولِلنُّون والضَّبَ في بطنها ... مراتعُ مسكونةٌ والنَّعَم )
( غدوتُ على الوَحْش مغترّةً ... رواتعَ في نَوْرها المنتظم )
( ورُحتُ عليها وأسرابُها ... تَحُوم بأكنافها تَبْتَسِمْ ) ثم قال يمدح الواثق
( يَضيق الفضاءُ به إن غدا ... بطَوْدَيْ أعاريبه والعجمْ )
( ترى النصرَ يقدُم راياتِه ... إذا ما خفَقْن أمام العلم )
( وفي الله دوَّخ أعداءه ... وجرّد فيهم سيوفَ النِّقَم )
( وفي الله يكظِم من غيظه ... وفي الله يصفَح عمّن جَرَم )
( رأى شِيَمَ الجود محمودةً ... وما شِيَمُ الجود إلاّ قِسَمْ )
( فراح على نَعَمٍ واغتدى ... كأنْ ليس يُحسن إلاّ نَعم ) قال فأمر له الواثق بثلاثين ألف درهم واتصلت أيامه بعد ذلك ولم يزل من ندمائه
حدثني أحمد بن العباس قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال قال الواثق لحسين بن الضحاك قل الساعة أبياتا ملاحا حتى أهب لك شيئا مليحا فقال في أي معنى يا أمير المؤمنين فقال امدد طرفك وقل
فيما شئت ممّا ترى بين يديك وصفه فالتفت فإذا ببساط زهره قد تفتحت أنواره وأشرق في نور الصبح فأُرتج علي ساعة حتى خجلت وضقت ذرعا فقال لي الواثق مالك ويحك ألست ترى نور صباح ونور أقاح فانفتح القول فقلت
( ألستَ ترى الصبحَ قد أَسْفرا ... ومُبْتكِرَ الغيث قد أَمْطرا )
( وأسفرتِ الأرضُ عن حُلّة ... تُضاحِك بالأحمر الأصفرا )
( ووافاك نَيْسانُ في ورده ... وحَثَّك في الشُّرْب كي تَسْكَرا )
( وتُعْمِل كأسين في فِتْيةٍ ... تُطارِد بالأصغر الأكبرا )
( يَحُثّ كؤوسَهُمُ مُخْطَفٌ ... تُجاذِبُ أردافُه المِئْزَرا )
( ترجَّل بالبانِ حتى إذا ... أدار غدائرَه وفَّرا )
( وفضَّضَ في الجُلّنارِ البَهَارَ ... والآبِنُوسَةَ والعَبْهرا )
( فلمّا تمازَج ما شَذَّرتْ ... مَقَارِيضُ أطرافِه شذَّرا )
( فكلٌّ يُنافِس في بِرِّه ... ليفعل في ذاتِه المُنْكَرا )
قال فضحك الواثق وقال سنستعمل كل ما قلت يا حسين إلا الفسق الذي ذكرته فلا ولا كرامة ثم أمر بإحضار الطعام فأكل وأكلوا معه ثم قال قوموا بنا إلى حانة الشط فقاموا اليها فشرب وطرب وما ترك يومئذ أحدا من الجلساء والمغنين والحشم إلا أمر له بصلة وكانت من الأيام التي سارت أخبارها وذكرت في الآفاق قال حسين فلما كان من الغد غدوت إليه فقال أنشدني يا حسين شيئا إن كنت قلته في يومنا الماضي فقد كان حسنا فأنشدته
صوت
( يا حانةَ الشَّطِّ قد أكرَمْتِ مَثْوانا ... عُودِي بيومِ سرورٍ كالذي كانا )( لا تُفْقِدينا دُعَاباتِ الإِمام ولا ... طِيبَ البَطَالةِ إسراراً وإعلانا )
( ولا تَخَالُعَنا في غير فاحشةٍ ... إذا يطرِّبنا الطُّنْبورُ أحيانا )
( وهاج زَمْرُ زُنَامٍ بين ذاك لنا ... شَجْواً فأَهْدَى لنا رَوْحاً ورَيْحاناً )
( وسَلْسَلَ الرّطلَ عمروٌ ثم عَمّ به السُّقْيَا ... فألْحَقَ أُولانا بأُخرانا )
( سَقْياً لشكلِك من شكل خُصِصتِ به ... دون الدَّسَاكر من لَذّات دنيانا )
( حَفَّتْ رياضَك جَنّاتٌ مجاوِرةٌ ... في كلِّ مُخْتَرَقٍ نهراً وبستانا )
( لا زلتِ آهلةَ الأوطان عامرةً ... بأكرم الناس أعْراقاً وأغصانا )
قال فأمر له الواثق بصلة سنية مجددة واستحسن الصوت وأمر فغني في عدة أبيات منها غنت فريدة في البيتين الأولين من هذه الأبيات ولحنها هزج مطلق
حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى قال اجتمعت أنا وحسين بن الضحاك وأبو شهاب الشاعر وهو الذي يقول
( لقد كنتُ ريحانةً في النَّديّ ... وتُفّاحةً في يد الكاعِب ) وعمرو بن بانة يغنيها فتذاكرنا الدواب واتصل الحديث إلى أن
تلاحى حسين وأبو شهاب في دابتيهما وتراهنا على المسابقة بهما فتسابقا فسبقه أبو شهاب فقال حسين في ذلك
( كُلُوا واشربوا هُنِّئْتُم وتمتَّعوا ... وعيشوا وذُمّوا الكَوْدَنين جميعا )
( فأُقسم ما كان الذي نال منهما ... مَدَى السبق إذ جَدّ الجِراءُ سريعا )
وهي قصيدة معروفة في شعره فقال أبو شهاب يجيبه
( أيا شاعر الخُصْيان حاولتَ خُطَّةً ... سُبِقْتَ إليها وانكفأتَ سريعا )
( تُحاول سبقي بالقَريض سفاهةً ... لقد رمت جهلاً من حِمَايَ مَنيعا )
وهي أيضا قصيدة فكان ذلك سبب التباعد بينهما وكنا إذا أردنا العبث بحسين نقول له أيا شاعر الخصيان فيجن ويشتمنا
حدثني جعفر قال حدثني علي بن يحيى قال حدثني حسين بن الضحاك قال كان يألفني إنسان من جند الشأم عجيب الخلقة والزي والشكل غليظ جلف جاف فكنت احتمل ذلك كله له ويكون حظي التعجب به وكان يأتيني بكتب من عشيقة له ما رأيت كتبا أحلى منها ولا أظرف ولا أبلغ ولا أشكل من معانيها ويسألني أن أجيب عنها فأَجهد نفسي في الجوابات وأصرف عنايتي إليها على علمي بأن الشامي بجهله لا يميز بين الخطأ والصواب ولا يفرق بين الابتداء والجواب فلما طال ذلك علي حسدته وتنبهت إلى إفساد حاله عندها فسألته عن اسمها فقال بصبص فكتبت إليها عنه في جواب كتاب منها جاءني به
( أَرْقَصني حبُّكِ يا بَصْبَصُ ... والحبُّ يا سيّدتي يُرْقِصُ )
( أَرمَصْتِ أجفاني بطول البكا ... فما لأجفانك لا تَرْمَص )
( وابأبي وجهُك ذاك الذي ... كأنه من حسنه عُصْعُصُ )
فجاءني بعد ذلك فقال لي يا أبا علي جعلني الله فداءك ما كان ذنبي إليك وما أردت بما صنعت بي فقلت له وما ذاك عافاك الله فقال ما هو والله إلا أن وصل ذلك الكتاب إليها حتى بعثت إلي إني مشتاقة إليك والكتاب لا ينوب عن الرؤية فتعال إلى الروشن الذي بالقرب من بابنا فقف بحياله حتى أراك فتزينت بأحسن ما قدرت عليه وصرت إلى الموضع فبينا أنا واقف أنتظر مكلما أو مشيرا إلي إذا شيء قد صب علي فملأني من قرني إلى قدمي وأفسد ثيابي وسرجي وصيرني وجميع ما علي ودابتي في نهاية السواد والنتن والقذر وإذا به ماء قد خلط ببول وسواد سرجين فانصرفت بخزي وكان ما مر بي من الصبيان وسائر من مررت به من الضحك والطنز والصياح بي أغلظ مما مر بي ولحقني من أهلي ومن في منزلي شر من ذلك وأوجع وأعظم من ذلك أن رسلها انقطعت عني جملة قال فجعلت أعتذر إليه وأقول له إن الآفة أنها لم تفهم معنى الشعر لجودته وفصاحته وأنا أحمد الله على ما ناله وأُسر الشماتة به
ابن الضحاك يدعى فيلبي ويعتذر
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون عن حسين ابن الضحاك قال كتب إلي الحسن بن رجاء في يوم شك وقد أمر الواثق بالإفطار فقال
( هَزَزْتك للصَّبوح وقد نهاني ... أميرُ المؤمنين عن الصّيامِ )
( وعندي من قِيان المصر عَشْرٌ ... تَطِيب بهنّ عاتقةُ المُدامِ )
( ومن أمثالهن إذا انتشينا ... تَرانا نجتني ثمرَ الغرام )
( فكن أنتَ الجوابَ فليس شيءٌ ... أحبَّ إليّ من حذف الكلام ) قال فوردت علي رقعته وقد سبقه إلي محمد بن الحارث بن بسخنر ووجه إلي بغلام نظيف الوجه كان يتخطاه ومعه ثلاثة غلمة أقران حسان الوجوه ومعهم رقعة قد كتبها إلي كما تكتب المناشير وختمها في أسفلها وكتب فيها يقول
( سِرْ على اسم الله يا أشكلَ ... من غصن لُجَين )
( في ثلاثٍ من بني الروم ... إلى دار حسين )
( فاشخِصِ الكهلَ إلى مولاك ... يا قُرّةَ عيني )
( أرِهِ العُنْفَ إذا استعصَى ... وطالِبْه بدَيْن )
( ودَعِ اللفظَ وخاطِبْه ... بغمز الحاجبَيْن )
( واحذَرِ الرَّجعة من وجهك ... في خُفَّيْ حُنَيْن ) قال فمضيت معهم وكتبت إلى الحسن بن رجاء جواب رقعته
( دعوتَ إلى مماحكة الصّيامِ ... وإعمال المَلاهي والمُدامِ )
( ولو سبق الرسولُ لكان سعيي ... إليك ينوب عن طول الكلام )
( وما شوْقي إليك بدون شوقي ... إلى ثَمر التَّصابي والغرام )
( ولكن حلّ في نفر عَسُوفٌ ... بمنشورٍ محلَّ المستهام )
( حسينٍ فاستباح له حريماً ... بطَرْف باعثٍ سببَ الحِمام )
( وأظهر نخوةً وَسَطاً وأَبْدَى ... فَظَاظتَه بتركٍ للسلام )
( وأزعجني بألفاظ غِلاَظٍ ... وقد أعطيتُه طَرَفَيْ زِمامي )
( ولو خالفتُه لم يَخْشَ قتلي ... وقنّعني سريعاً بالجُسام )
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدثني أبي قال كان الواثق يلاعب حسين بن الضحاك بالنرد وخاقان غلام الواثق واقف على رأسه وكان الواثق يتحظاه فجعل يلعب وينظر إليه ثم قال للحسين ابن الضحاك إن قلت الساعة شعرا يشبه ما في نفسي وهبت لك ما تفرح به فقال الحسين
صوت
( أُحبُّك حبًّا شابه بنصيحةٍ ... أبٌ لك مأمونٌ عليك شفيقُ )( وأُقسم ما بيني وبينك قُرْبةٌ ... ولكنّ قلبي بالحسان عَلُوق ) فضحك الواثق وقال أصبت ما في نفسي وأحسنت وصنع الواثق فيه لحنا وأمر لحسين بألفي دينار لحن الواثق في هذين البيتين من الثقيل الأول بالوسطى
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أحمد بن خلاد قال أنشدني حسين بن الضحاك لنفسه
( بُدِّلتَ من نفحات الورد بالآء ... ومن صَبُوحك دَرَّ الإِبْلِ والشاءِ ) حتى أتى على آخرها وقال لي ما قال أحد من المحدثين مثلها فقلت أنت تحوم حول أبي نواس في قوله
( دَعْ عنك لومي فإنّ اللوم إغراءُ ... ودَاوِني بالتي كانت هي الداء )
وهي أشعر من قصيدتك فغضب وقال ألي تقول هذا علي وعلي إن لم أكن نكت أبا نواس فقلت له دع ذا عنك فإنه كلام في الشعر لا قدح في نسب لو نكت أبا نواس وأُمه وأباه لم تكن أشعر منه وأحب أن تقول لي هل لك في قصيدتك ببيت نادر غير قولك
( فُضّت خَوَاتِمُها في نعت واصفها ... عن مثل رَقْرَاقةٍ في عين مَرَهاء ) وهذه قصيدة أبي نواس يقول فيها
( دارتْ على فِتْيةٍ ذَلّ الزمانُ لهم ... فما أصابهمُ إلاّ بما شاؤوا )
( صفراءُ لا تَنْزِل الأحزانُ ساحتَها ... لو مَسَّها حَجَرٌ مسّته سَرَّاء )
( فأُرسِلتْ من فم الإِبريق صافيةً ... كأنما أخذُها بالعقل إغفاء ) والله ما قدرت على هذا ولا تقدر عليه فقام وهو مغضب كالمقر بقولي