كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني
فضحك المأمون وقال والله ما نفست عليك مكرمة نلتها ولا أحدوثة حسن عنك ذكرها ولكن هذا شيء إذا عودته نفسك افتقرت ولم تقدر على لم شعثك وإصلاح حالك وزال ما كان في نفسه
أخبرني وكيع قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن فرقد قال أخبرني محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قال لما افتتح عبد الله بن طاهر مصر ونحن معه سوغه المأمون خراجها فصعد المنبر فلم يزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف دينار أو نحوها فأتاه معلى الطائي وقد أعلموه ما قد صنع عبد الله بن طاهر بالناس في الجوائز وكان عليه واحدا فوقف بين يديه تحت المنبر فقال أصلح الله الأمير أنا معلى الطائي وقد بلغ مني ما كان منك إلي من جفاء وغلظ فلا يغلظن علي قلبك ولا يستخفنك الذي بلغك أنا الذي أقول
( يا أعظمَ النَّاسِ عفواً عند مَقْدِرةٍ ... وأَظْلَمَ الناس عند الجُود للمال )
( لو أصبحَ النِّيلُ يجري ماؤه ذَهَباً ... لَمَا أشرتَ إلى خَزْنٍ بمِثقالِ )
( تُغْلِي بما فيه رِقُّ الحمدِ تَمِلكُه ... وليس شيء أعاضَ الحمدَ بالغالي )
( تَفُكُّ بالُيْسرِ كَفَّ العُسْر من زَمَنٍ ... إذا استطالَ على قوم بإقلالِ )
( لم تَخْلُ كَفُّك من جُودٍ لمُخْتَبِطٍ ... أ ومُرْهَفٍ قاتلٍ في رأس قَتَّالِ )
( وما بَثَثْتَ رَعِيلَ الخيلِ في بَلَدٍ ... إلاّ عَصَفْنَ بأرزاقٍ وآجالِ )
( إن كنتُ منكَ على بالٍ منَنْتَ به ... فإنْ شُكْرَك من قلبي على بالِ )
( ما زِلْتُ منقضاً لولا مُجَاهَرةٌ ... من أَلْسُنٍ خُضْنَ في صَدْرِي بأقوالِ )
قال فضحك عبد الله وسر بما كان منه وقال يا أبا السمراء أقرضني عشرة آلاف دينار فما أمسيت أملكها فأقرضه فدفعها إليه
أخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبة قال كان موسى بن خاقان مع عبد الله بمصر وكان نديمه وجليسه وكان له مؤثرا مقدما فأصاب منه معروفا كثيرا وأجازه بجوائز سنية هناك وقبل ذلك ثم إنه وجد عليه في بعض الأمر فجفاه وظهر له منه بعض ما لم يحبه فرجع حينئذ إلى بغداد وقال
صوت
( إنْ كان عبدُ اللهِ خَلاَّنَا ... لا مُبْدِئاً عُرْفاً وإحسانا )( فحَسْبُنَا اللهُ رَضِينَا به ... ثم بعبد الله مولانا )
يعني بعبد الله الثاني المأمون وغنت فيه جاريته ضعف لحنا من الثقيل الأول وسمعه المأمون فاستحسنه ووصله وإياها فبلغ ذلك عبد الله بن طاهر فغاظه ذلك وقال أجل صنعنا المعروف إلى غير أهله فضاع
وكانت ضعف إحدى المحسنات ومن أوائل صنعتها وصدور أغانيها وما برزت فيه وقدمت فاختيرت صنعتها في شعر جميل
( أمِنْكِ سَرَى يا بَثْنُ طَيْفٌ تَأَوَّبَا ... هُدوءاً فهاج القلبَ شوقاً وأنصبَا )
( عَجِبْتُ له أنْ زارَ في النوم مَضْجَعِي ... ولو زارني مُسْتَيْقِظاً كان أعجبَا )
الشعر لجميل والغناء لضعف ثقيل أول بالبنصر
قصته مع محمد بن يزيد الأموي
أخبرني عمي قال حدثني أبو جعفر بن الدهقانة النديم قال حدثني العباس ابن الفضل الخراساني وكان من وجوه قواد طاهر وابنه عبد الله وكان أديبا عاقلا فاضلا قال لما قال عبد الله بن طاهر قصيدته التي يفخر فيها بمآثر أبيه وأهله ويفخر بقتلهم المخلوع عارضه محمد بن يزيد الأموي الحصني وكان رجلا من ولد مسلمة بن عبد الملك فأفرط في السب وتجاوز الحد في قبح الرد وتوسط بين القوم وبين بني هاشم فأربى في التوسط والتعصب فكان مما قال فيه( يابنَ بَيْتِ النَّارِ مُوقِدُها ... ما لِحَاذَيْهِ سَرَاوِيلُ )
( مَنْ حُسَيْنٌ مَنْ أبوك ومَنْ ... مُصْعَبٌ غالتكمُ غُولُ )
( نَسَبٌ في الفَخْرِ مُؤْتَشَبٌ ... وأُبوّاتٌ أَراذيلُ )
( قاتلُ المخلوعِ مقتولٌ ... ودَمُ المقتولِ مطلولُ )
وهي قصيدة طويلة فلما ولي عبد الله مصر ورد إليه تدبير أمر الشام علم الحصني أنه لا يفلت منه إن هرب ولا ينجو من يده حيث حل فثبت في موضعه وأحرز حرمه وترك أمواله ودوابه وكل ما كان يملكه في موضعه وفتح باب حصنه وجلس عليه ونحن نتوقع من عبد الله بن طاهر أن يوقع به فلما شارفنا بلده وكنا على أن نصبحه دعاني عبد الله في الليل فقال لي بت عندي الليلة وليكن فرسك معدا عندك لا يرد ففعلت فلما كان في السحر أمر غلمانه وأصحابه ألا يرحلوا حتى تطلع الشمس وركب في السحر وأنا وخمسة من خواص غلمانه معه فسار حتى صبح الحصني فرأى بابه مفتوحا ورآه جالسا مسترسلا فقصده وسلم عليه ونزل عنده وقال له ما أجلسك هاهنا وحملك على أن فتحت بابك ولم تتحصن من هذا الجيش المقبل ولم تتنح عن عبد الله بن طاهر مع ما في نفسه عليك وما بلغه عنك فقال إن ما قلت لم يذهب علي ولكني تأملت أمري وعلمت أني أخطأت خطيئة حملني عليها نزق الشباب وغرة الحداثة وأني إن هربت منه لم أفته فباعدت البنات والحرم واستسلمت بنفسي وكل ما أملك فإنا أهل بيت قد أسرع القتل فينا ولي بمن مضى أسوة فإني أثق بأن الرجل إذا قتلني وأخذ مالي شفى غيظه ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم ولا له فيهن أرب ولا يوجب جرمي إليه أكثر مما بذلته قال فوالله ما اتقاه عبد الله إلا بدموعه تجري على لحيته ثم قال له أتعرفني قال لا والله قال أنا عبد الله بن طاهر وقد أمن الله تعالى روعتك وحقن دمك وصان حرمك وحرس نعمتك وعفا عن ذنبك وما تعجلت إليك وحدي إلا لتأمن من قبل هجوم الجيش ولئلا يخالط عفوي عنك روعة تلحقك فبكى الحصني وقام فقبل رأسه وضمه إليه عبد الله وأدناه ثم قال له إما لا فلا بد من عتاب يا أخي جعلني الله فداك قلت شعرا في قومي أفخر بهم لم أطعن فيه على حسبك ولا ادعيت
فضلا عليك وفخرت بقتل رجل هو وإن كان من قومك فهم القوم الذين ثأرك عندهم فكان يسعك السكوت أو إن لم تسكت لا تغرق ولا تسرف فقال أيها الأمير قد عفوت فاجعله العفو الذي لا يخلطه تثريب ولا يكدر صفوه تأنيب قال قد فعلت فقم بنا ندخل إلى منزلك حتى نوجب عليك حقا بالضيافة فقام مسرورا فأدخلنا فأتى بطعام كان قد أعده فأكلنا وجلسنا نشرب في مستشرف له وأقبل الجيش فأمرني عبد الله أن أتلقاهم فأرحلهم ولا ينزل أحد منهم إلا في المنزل وهو على ثلاثة فراسخ فنزلت فرحلتهم وأقام عنده إلى العصر ثم دعا بدواة فكتب له بتسويغه خراجه ثلاث سنين وقال له إن نشطت لنا فالحق بنا وإلا فأقم بمكانك فقال فأنا أتجهز وألحق بالأمير ففعل فلحق بنا بمصر ولم يزل مع عبد الله لا يفارقه حتى رحل إلى العراق فودعه وأقام ببلده
بعض الأشعار التي غنى فيها
فأما الأصوات التي غنى فيها عبد الله بن طاهر فكثيرة وكان عبيد الله بن عبد الله إذا ذكر شيئا منها قال الغناء للدار الكبيرة وإذا ذكر شيئا من صنعته قال الغناء للدار الصغيرة فمنها ومن مختارها وصدورها ومقدمها لحنه في شعر أخت عمرو بن عاصية وقيل إنه لاخت مسعود بن شداد فإنه صوت نادر جيد قال أبو العبيس بن حمدون وقد ذكره ففضله جاء به عبد الله بن طاهر صحيح العمل مزدوج النغم بين لين وشدة على رسم الحذاق من القدماء وهو
صوت
( هَلاّ سَقَيْتُمْ بني سَهْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فِداؤك من ذي غُلَّةٍ صادي )( الطاعنُ الطَّعْنَة النَّجلاء يَتْبَعُها ... مُضَرِّج بعد ما جادتْ بإزْبادِ )
الشعر لأخت عمرو بن عاصية السلمي ترثيه وكان بنو سهم وهن بطن من هذيل أسروه في حرب كانت بينهم ولم يعرفوه فلما عرفوه قتلوه وكان قد عطش فاستسقاهم فمنعوه وقتلوه على عطشه وقيل إن هذا الشعر للفارعة أخت مسعود بن شداد ولحن عبد الله بن طاهر خفيف ثقيل أول بالوسطى ابتداؤه استهلال
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال قتلت بنو سهم وهو بطن من هذيل عمرو بن عاصية السلمي وكان رجلان منهم أخذاه أخذا فاستسقاهما ماء فمنعاه ذلك ثم قتلاه فقالت أخته ترثيه وتذكر ما صنعوا به
( شَبَّتْ هُذَيْلٌ وبَهْزٌ بينها إرَةً ... فلا تَبُوخُ ولا يُرْتَدُّ صَاليها )
ويروى شبت هذيل وسهم وهو الصحيح ولكن كذا قال عمر بن شبة
( إنّ ابنَ عاصيةَ المقتولَ بينكما ... خَلَّى عليّ فِجَاجاً كان يَحميها )
وقالت أيضا ترثيه
( يا لَهْفَ نَفْسِيَ لَهْفاً دائماً أبداً ... على ابن عاصيةَ المقتولِ بالوادي )
( هلاَّ سَقيتُمْ بني سَهْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فِداؤك من ذِي غُلَّةِ صادي )
قال فغزا عرعرة بن عاصية هذيلا يطلبهم بدم أخيه فقتل منهم نفرا وسبى امرأة فجردها ثم ساقها معه عارية إلى بلاد بني سليم فقالت عند ذلك
( ألامَتْ سُلَيْمٌ في السِّياق وأَفحشتْ ... وأفرطَ في السَّوقِ العنيف إسَارُها )
( لعلّ فتاةً منهمُ أن يسوقَها ... فوارسُ منّا وهْيَ بادٍ شَوارُها )
( فإنْ سَبَقتْ عُلْيَا سُلَيْمٍ بذَحْلِها ... هُذَيْلاً فقد باءتْ فكيف اعتذارُها )
( ألا ليت شِعْرِي هل أرى الخيلَ شُزَّباً ... تُثير عَجَاجاً مستطيراً غُبَارُها )
( فَترْقا عيونٌ بعد طُول بُكائها ... ويُغْسَلُ ما قد كان بالأمس عارُها )
هذه رواية عمر بن شبة فأما أبو عبيدة فإنه خالفه في ذلك وذكر في مقتله فيما أخبرني به محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال خرج عمرو بن عاصية السلمي ثم البهزي في جماعة من قومه فأغاروا على هذيل بن مدركة فصادفوا حيا من هذيل يقال لهم بنو سهم بن معاوية وكانت امرأة من هذيل تحت رجل من بني بهز فقالت لابن لها معه أي بني انطلق إلى أخوالك فأنذرهم بأن ابن عاصية السلمي قد أمسى يريدهم وذلك حين عزم ابن عاصية على غزوهم وأراد المسير إليهم فانطلق الغلام من تحت ليلته حتى أتى أخواله فأنذرهم فقال ابن عاصية السلمي يريدكم فخذوا حذركم فبدر القوم واستعدوا وأصبح عمرو بن عاصية قريبا من الحي
فنزل فربأ لأصحابه على جبل مشرف على القوم فإذا هم حذرون فقال لأصحابه أرى القوم حذرين إن لهم لشأنا ولقد أنذروا علينا فكمن في الجبل يطلب غفلتهم فأصابه وأصحابه عطش شديد فقال ابن عاصية لأصحابه هل فيكم من يرتوي لأصحابه فقال أصحابه نخاف القوم وأبى أحد منهم أن يجيبه إلى ذلك قال فخرج على فرس له ومعه قربته وقد وضعت هذيل على الماء رجلا منهم رصدا وعلموا أنهم لا بد لهم من أن يردوا الماء فمر بهم عمرو بن عاصية وقد كمن له شيخ وفتيان من هذيل فلما نظروا إليه هم الفتيان أن يثاوراه فقال الشيخ مهلا فإنه لم يركما فكفا فانتهى ابن عاصية إلى البئر فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا والآخرون يرمقونه من حيث لا يراهم فوثب نحو قربته فأخذها ثم دخل البئر فطفق يملأ القربة ويشرب وأقبل الفتيان والشيخ معهما حتى أشرفوا عليه وهو في البئر فرفع رأسه فأبصر القوم فقالوا قد أخزاك الله يابن عاصية وأمكن منك قال ورمى الشيخ بسهم فأصاب أخمصه فأنفذه فصرعه وشغل الفتيان بنزع السهم من قدم الشيخ ووثب ابن عاصية من البئر شدا نحو أصحابه وأدركه الفتيان قبل وصوله فأسراه فقال لهما حين أخذاه أروياني من الماء ثم اصنعا ما بدا لكما فلم يسقياه وتعاوراه بأسيافهما حتى قتلاه فقالت أخت عمرو بن عاصية ترثي أخاها
( يا لَهْفَ نَفْسِيَ يوماً ضَلَّةً جَزَعاً ... على ابن عاصيةَ المقتولِ بالوادي )
( إذ جاء ينفُض عن أصحابه طَفَلاً ... مَشْيَ السَّبَنْتَى أمام الأَيكة العادي )
( هَلاّ سَقيتُمْ بني سَهْمٍ أسِيرَكُمُ ... نَفْسِي فداؤك من مُسْتَوُرِدٍ صادي )
قال أبو عبيدة وآب غزي بني سليم بعد مقتل ابن عاصية قال فبلغ أخاه عرعرة بن عاصية قتل هذيل أخاه وكيف صنع به فجمع لهم جمعا من قومه فيهم فوارس من بني سليم منهم عبيدة بن حكيم الشريدي وعمرو بن الحارث الشريدي وأبو مالك البهزي وقيس بن عمرو أحد بني مطرود من بني سليم وفوارس بني رعل قال فسرى إليهم عرعرة فالتقوا بموضع يقال له الجرف فاقتتلوا قتالا شديدا فظفرت بهم بنو سليم فأوجعوا فيهم وقتلوا منهم قتلى عظيمة وأسروا أسرى وأصابوا امراة من هذيل فعروها من ثيابها واستاقوها مجردة فأفحشوا في ذلك وقال عرعرة بن عاصية في ذلك يذكر من قتل
( ألاَ أبْلِغْ هُذَيلاً حيثُ حَلَّتْ ... مُغَلْغَلةً تَخُبُّ مع الشَّفِيق )
( مُقامَكُم غَداةَ الجُرْفِ لمَّا ... تواقفتِ الفوارسُ بالمَضِيقِ )
( غَداةَ رأيتُمُ فُرْسانَ بَهْزٍ ... ورِعْلٍ أَلبدتْ فوق الطريقِ )
( تراميتُمْ قليلاً ثم ولَّتْ ... فوارسُكم تَوَقَّلُ كُلَّ نِيقِ )
( بِضَرْبٍ تسقُط الهاماتُ منه ... وطَعْنٍ مثل إشعال الحريق )
وقال لي إن هذا الشعر الذي فيه صنعه عبد الله بن طاهر لمسعود بن شداد يرثي أخاه وزعم أن جرما كانت قتلته وهو عطشان فقال
( يا عينُ جُودِي لمسعود بن شَدّادِ ... بكل ذي عَبَراتٍ شَجْوهُ بادي )
( هَلاَّ سقيتم بني جَرْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فداؤك من ذي غُلَّةٍ صادي )
فأنشدنيها بعض أصحابنا قال أنشدني أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أنشدني أبو حاتم عن أبي عبيدة لفارعة المرية أخت مسعود بن شداد ترثيه فذكر من الأبيات البيت الأول وبعده
( يا مَنْ رأى بارقاً قد بِتُّ أرمُقُه ... جَوْدا على الحَرّة السوداء بالوادي )
( أسقِي به قَبر مَنْ أَعْنِي وحُبَّ به ... قبراً إليّ ولو لَم يفْدِهِ فادي )
( شَهَّادُ أنديةٍ رَفَّاعُ أبنيةٍ ... شَدّادُ ألويةٍ فَتَّاح أسدادِ )
( نَحَّارُ راغيةٍ قَتَّالُ طاغيةٍ ... حَلاَّلُ رابيةٍ فَكَّاكُ أقياد )
( قَوّالُ مُحْكَمةٍ نَقَّاضُ مُبْرَمَةٍ ... فَرّاجُ مُبْهَمةٍ حَبَّاسُ أورادِ )
( حَلاَّلُ مُمْرِعَةٍ حَمَّالُ مُضْلِعَةٍ ... قَرّاعُ مُفْظِعةٍ طَلاَّعُ أنجادِ )
( جَمّاع كُلِّ خِصَالِ الخَيْرِ قد عَلِموا ... زَيْنُ القَرِينِ وخطم الظالم العادي )
( أبا زُرَارةَ لا تَبْعَدْ فكُلُّ فَتًى ... يوماً رَهينُ صَفيحاتٍ وأعوادِ )
والغناء في هذا الشعر لعبد الله بن طاهر خفيف ثقيل أول بالبنصر قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لما صنع أبي هذا الصوت لم يحب أن يشيع شيء من هذا ولا ينسب إليه لأنه كان يترفع عن الغناء وما جس بيده وترا قط ولا تعاطاه ولكنه كان يعلم من هذا الشأن بطول الدربة وحسن الثقافة ما لا
يعرفه كبير أحد وبلغ من علم ذلك إلى أن صنع أصواتا كثيرة فألقاها على جواريه فأخذنها عنه وغنين بها وسمعها الناس منهن وممن أخذ عنهن فلما أن صنع هذا الصوت
( هَلاّ سقَيتُمْ بني جَرْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فداؤك من ذي غُلَّةٍ صادي )
نسبه إلى مالك بن أبي السمح وكان لآل الفضل بن الربيع جارية يقال لها داحة فكانت ترغب إلى عبد الله بن طاهر لما ندبه المأمون إلى مصر في أن يأخذها معه وكانت تغنيه وأخذت هذا الصوت عن جواريه وأخذه المغنون عنها ورووه لمالك مدة ثم قدم عبد الله العراق فحضر مجلس المأمون وغني الصوت بحضرته ونسب إلى مالك فضحك عبد الله ضحكا كثيرا فسئل عن القصة فصدق فيها واعترف بصنعة الصوت فكشف المأمون عن ذلك فلم يزل كل من سئل عنه يخبر عمن أخذه عنه فتنتهي القصة إلى داحه ثم تقف ولا تعدوها فأحضرت داحة وسئلت فأخبرت بقصته فعلم أنه من صنعته حينئذ بعد أن جاز على إسحاق وطبقته أنه لمالك ويقال إن إسحاق لم يعجب من شيء عجبه من عبد الله وحذقه بمذاهب الأوائل وحكاياتهم
قال ومن غنائه أيضا
صوت
( راح صَحْبي وعاودَ القَلْبَ داءُ ... من حَبِيبٍ طِلابُه لي عَنَاءُ )
( حَسَنُ الرأي والمَواعيدِ لا يُلْفَى ... لشيءٍ مما يقول وَفاء )
( مَنْ تَعَزَّى عمن يُحِبُّ فإنِّي ... ليس لي ما حَييتُ عنه عَزاء )
الغناء لابن طنبورة خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى ولحن عبد الله بن طاهر ثاني ثقيل بالبنصر
ومنها
( فمَنْ يَفْرَحْ ببينهِمُ ... فغَيْري إذ غَدَوْا فَرِحَا )
صوت
( يا خَلِيلَيَّ قد مَلِلْتُ ثَوَائي ... بالمُصَلَّى وقد شَنِئتُ البَقِيعَا )( بَلِّغانِي ديارَ هندٍ وسَلْمَى ... وارْجِعَا بي فقد هَويتُ الرجوعا )
الشعر لعُمَر بن أبي ربيعة والغناء للغريض خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق وذكر الهشامي أنه لابن سريج وذكر حبش أن فيه رملا بالبنصر لإبراهيم وفيه لحن لمعبد ذكره حماد بن إسحاق عن أبيه ولم
يجنسه
أخبرني بخبر عمر بن أبي ربيعة في هذا الشعر وقوله إياه الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا سليمان بن عياش السعدي قال أخبرني السائب بن ذكوان راوية كثير قال قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص قال وأخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن عثمان بن حفص والزبيري والمسيبي وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة موقوفا عليه وجمعت رواياتهم وأكثر اللفظ للزبير بن بكار وخبره أتم
أن عمر بن أبي ربيعة قدم المدينة فزعموا أنه قدمها من أجل امرأة من أهلها فأقام بها شهرا فذلك قوله
( يا خليلَيَّ قد مَلِلْتُ ثَوَائي ... بالمُصَلَّى وقد شَنِئتُ البقيعَا )
قال ثم خرج إلى مكة فخرج معه الأحوص واعتمرا
قال الزبير في خبره عن سائب راوية كثير إنه قال لما مرا بالروحاء
استتلياني فخرجت أتلوهما حتى لحقتهما بالعرج عند رواحهما فخرجنا جميعا حتى وردنا ودان فحبسهما النصيب وذبح لهما وأكرمهما وخرجنا وخرج معنا النصيب فلما جئنا كلية عدلنا جميعا إلى منزل كثير فقيل لنا هبط قديدا فذكر لنا أنه في خيمة من خيامها فقال لي ابن أبي ربيعة اذهب فادعه لي فقال النصيب هو أحمق وأشد كبرا من أن يأتيك فقال لي عمر اذهب كما أقول لك فادعه لي فجئته فهش لي وقال اذكر غائبا تره لقد جئت وأنا أذكرك فأبلغته رسالة عمر فجدد إلى نظرة وقال أما كان عندك من المعرفة ما يردعك عن إتياني بمثل هذه الرسالة قلت بلى والله ولكني سترت عليك فأبى الله إلا أن يهتك سترك فقال لي إنك والله يابن ذكوان ما أنت من شكلي فقل لابن أبي
ربيعة إن كنت قرشيا فأنا قرشي فقلت له لا تترك هذا التلصق وأنت تقرف عنهم كما تقرف الصمغة فقال والله لأنا أثبت فيهم منك في سدوس ثم قال وقل له إن كنت شاعرا فأنا أشعر منك فقلت له هذا إذا كان الحكم إليك فقال وإلى من هو ومن أولى بالحكم مني وبعد هذا يا بن ذكوان فاحمد الله على لومك فقد منعك مني اليوم فرجعت إلى عمر فقال ما وراءك فقلت ما قال لك نصيب فقال وإن فأخبرته فضحك وضحك صاحباه ظهرا لبطن ثم نهضوا معي إليه فدخلنا عليه في خيمة فوجدناه جالسا على جلد كبش فوالله ما أوسع للقرشي فلما تحدثوا مليا فأفاضوا في ذكر الشعر اقبل على عمر فقال له أنت تنعت المرأة فتنسب بها ثم تدعها وتنسب بنفسك أخبرني يا هذا عن قولك
( قالتْ تَصَدَّيْ له لِيَعْرِفَنا ... ثمّ اغْمِزيه يا أُخت في خَفَرِ )
( قالت لها قد غَمَزْتُه فأبى ... ثم اسْبَطَرَّتْ تشتدُّ في أَثَرِي )
( وقَوْلُها والدُّموعُ تَسْبِقُها ... لَنُفْسِدَنَّ الطَّوافَ في عُمَر )
أتراك لو وصفت بهذا هرة أهلك ألم تكن قد قبحت وأسأت وقلت الهجر إنما توصف الحرة بالحياء والإباء والالتواء والبخل والامتناع كما قال هذا وأشار إلى الأحوص
( أدُورُ ولولا أنْ أرَى أُمّ جعْفَرٍ ... بأبياتِكُمْ ما دُرْتُ حيثُ أدور )
( وما كُنْتُ زَوَّاراً ولكنّ ذَا الهَوَى ... إذا لم يَزُرْ لا بُدّ أن سَيزورُ )
( لقد مَنَعتْ معروفَها أُمّ جَعْفَرٍ ... وإنِّي إلى معروفها لَفقيرُ )
قال فدخلت الأحوص أبهة وعرفت الخيلاء فيه فلما استبان كثير ذلك فيه قال أبطل آخرك أولك أخبرني عن قولك
( فإن تَصِلي أصِلْكِ وإنْ تَبِينِي ... بِصُرْمِك بعد وَصْلِكِ لا أبالي )
( ولا ألْفى كَمَنْ إنْ سِيمَ صَرْماً ... تَعَرّضَ كي يُرَدّ إلى الوِصالِ )
أما والله لو كنت فحلا لباليت ولو كسرت أنفك ألا قلت كما قال هذا الأسود وأشار إلى نصيب
( بزَيْنَبَ ألمِمْ قبل أن يَرْحَلَ الرَّكْبُ ... وقُلْ إنْ تَمَلِّينَا فما مَلِّكِ القَلْبُ )
قال فانكسر الأحوص ودخلت النصيب أبهة فلما نظر أن الكبرياء قد دخلته قال له يابن السوداء فأخبرني عن قولك
( أَهِيمُ بدَعْدٍ ما حَييِتُ فإنْ أَمُتْ ... فوَا كَبِدِي مَنْ ذا يَهِيمُ بها بَعْدِي )
أهمك من ينيكها بعدك فقال نصيب استوت القوق قال وهي لعبة مثل المنقلة ومن هذا الموضع ينفرد الزبير بروايته دون الباقين قال سائب فلما أمسك كثير أقبل عليه عمر فقال له قد أنصتنا لك فاسمع يا مذبوب إلي أخبرني عن تخيرك لنفسك وتخيرك لمن تحب حيث تقول
( ألاَ ليتَنا يا عَزَّ كُنّا لذِي غِنَى ... بَعِيرَيْنِ نَرْعَى في الخَلاء ونَعْزُبُ )
( كِلاَنَا به عَرٌّ فَمنْ يَرَنا يَقُلْ ... عَلى حُسْنِها جَرْباءُ تُعْدِي وأَجْرَبُ )
( إذا ما وَرَدْنا مَنْهَلاً صاح أهلُه ... علينا فما نَنْفَكُّ نُرْمَى ونُضْرَبُ )
( وَدِدْتُ وبَيْتِ اللهِ أنَّكِ بَكْرةٌ ... هَجانٌ وأنِّي مُصْعَبٌ ثم نَهْرُبُ )
( نكون بَعِيَريْ ذِي غِنًى فيُضِيعُنا ... فلا هُوَ يَرْعَانا ولا نحن نُطْلَبُ )
وقال تمنيت لها ولنفسك الرق والجرب والرمي والطرد والمسخ فأي مكروه لم تمن لها ولنفسك لقد أصبابها منك قول القائل معاداة عاقل خير من مودة أحمق قال فجعل يختلج جسده كله ثم أقبل عليه الأحوص فقال إلي يا ابن استها أخبرك بخبرك وتعرضك للشر وعجزك عنه وإهدافك لمن رماك أخبرني عن قولك
( وقُلْنَ وقد يَكْذِبْن فيك تَعَيُّفٌ ... وشُؤْمٌ إذا ما لم تُطَعْ صاح ناعقُهْ )
( وأَعْيَيْتَنا لا راضياً بكرامةٍ ... ولا تاركاً شَكْوَى الذي أنت صادِقُهْ )
( فأدركتَ صَفْوَ الوُدِّ مِنَّا فلُمْتَنا ... وليس لنا ذَنْبٌ فنحن مَوَاذِقُهْ )
( وألفَيتَنَا سلْماً فَصَدَّعْتَ بَيْنَنا ... كما صَدَّعتْ بين الأَديم خَوَالِقُهْ )
والله لو احتفل عليك هاجيك ما زاد على ما بؤت به على نفسك قال فخفق كما يخفق الطائر ثم أقبل عليه النصيب فقال أقبل علي يا زب
الذباب فقد منيت معرفة غائب عندي علمه فيك حيث تقول
( وَدِدْتُ وما تُغْنِي الوَدَادةُ أَنَّني ... بما في ضَمِير الحاجِبِيَّة عالمُ )
( فإنْ كان خيراً سَرَّني وعَلِمْتُه ... وإنْ كانَ شَرًّا لم تَلُمْني اللَّوائمُ )
أنظر في مرآتك واطلع في جيبك واعرف صورة وجهك تعرف ما عندها لك فاضطرب اضطراب العصفور وقام القوم يضحكون وجلست عنده فلما هدأ شأوه قال لي أرضيتك فيهم فقلت له أما في نفسك فنعم فقد نحس يومك معهم وقد بقيت أنا عليك فما عذرك ولا عذر لك في قولك
( سقَى دِمْنَتَيْنِ لم نَجِدْ لهما أهْلاَ ... بِحَقْلٍ لكم يا عَزَّ قد رَابَنا حَقْلاَ )
( نَجَاءُالثُّرَيَّا كُلَّ آخر لَيْلةٍ ... يَجُودُهما جوداً ويُتْبِعُه وبْلاَ )
ثم قلت في آخرها
( وما حَسِبتْ ضَمْرِيَّةٌ حَدَرِيَّةٌ ... سِوَى التَّيْس ذي القَرْنَيْن أنّ لها بَعْلاَ )
أهكذا يقول الناس ويحك ثم تظن أن ذلك قد خفي ولم يعلم به أحد فتسب الرجال وتعيبهم فقال وما أنت وهذا وما علمك بمعنى ما أردت فقلت
هذا أعجب من ذاك أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك وتستغزر لها الغيث في أول شعرك وتحمل عليها التيس في آخره قال فأطرق وذل وسكن فعدت إلى أصحابي فأعلمتهم ما كان من خبره بعدهم فقالوا ما أنت بأهون حجارته التي رمي بها اليوم منا قال فقلت لهم إنه لم يترني
فأطلبه بذحل ولكني نصحته لئلا يخل هذا الإخلال الشديد ويركب هذه العروض التي ركب في الطعن على الأحرار والعيب لهم
اخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق الموصلي قال حدثني ابن جامع عن السعيدي عن سهل بن بركة وكان يحمل عود ابن سريج قال
نافع بن علقمة يشدد في أمر الغناء والمغنين
كان على مكة نافع بن علقمة الكناني فشدد في الغناء والمغنين والنبيذ ونادى في المخنثين فخرج فتية من قريش إلى بطن محسر وبعثوا برسول لهم فأتاهم براوية من الشراب الطائفي فلما شربوا وطربوا قالوا لو كان معنا ابن سريج تم سرورنا فقلت هو علي لكم فقال لي بعضهم دونك تلك البغلة فاركبها وامض إليه فأتيته فأخبرته بمكان القوم وطلبهم إياه فقال لي ويحك وكيف لي بذاك مع شدة السلطان في الغناء وندائه فيه فقلت له أفتردهم قال لا والله فكيف لي بالعود فقلت له أنا أخبؤه لك فشأنك فركب وسترت العود وأردفني فلما كنا ببعض الطريق إذا أنا بنافع بن علقمة قد أقبل فقال لي يابن بركة هذا الأمير فقلت لا بأس عليك أرسل عنان البغلة وامض ولا تخف ففعل فلما حاذيناه عرفني ولم يعرف ابن سريج فقال لي يابن بركة من هذا أمامك فقلت ومن ينبغي أن يكون هذا ابن سريج فتبسم ابن علقمة ثم تمثل
( فإنْ تَنْجُ منها يا أبَانُ مُسَلِّماً ... فقد أفلت الحَجّاجُ خيلَ شَبِيبِ )
ثم مضى ومضينا فلما كنا قريبا من القوم نزلنا إلى شجرة نستريح فقلت له غن مرتجلا فرفع صوته فخيل إلي أن الشجرة تنطق معه فغنى
صوت
( كيف الثَّواءُ ببَطْنِ مَكَّةَ بعدما ... هَمَّ الذين تُحِبّ بالإِنجادِ )( أمّ كيف قلبُك إذ ثَوَيْتَ مُخَمَّراً ... سَقِمَاً خِلاَفَهمُ وكَرْبُكَ بادي )
( هل أنتَ إن ظَعَن الأحِبَّةُ غادِي ... أم قبلَ ذلك مُدْلِجٌ بسَوَاد )
الشعر للعرجي وذكر إسحاق في مجرده أن الغناء فيه لابن عائشة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى وحكى حماد ابنه عن أن اللحن لابن سريج قال سهل فقلت أحسنت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولو أن كنانة كلها سمعتك لاستحسنتك فكيف بنافع بن علقمة المغرور من غره نافع ثم قلت زدني وإن كان القوم متعلقة قلوبهم بك فغنى وتناول عودا من الشجرة فأوقع به على الشجرة فكان صوت الشجرة أحسن من خفق بطون الضأن
على العيدان إذا أخذتها قضبان الدفلى قال والصوت الذي غنى
صوت
( لا تَجْمَعِي هَجْراً عليّ وغُرْبةً ... فالهَجْرُ في تَلَفِ الغريبِ سريع )
( مَنْ ذا فديتُكِ يستطيع لِحُبِّهِ ... دَفْعاً إذا اشتملتْ عليه ضُلوع )
فقلت بنفسي أنت والله من لا يمل ولا يكد والله ما جهل من فهمك اركب فدتك نفسي بنا فقال أمهلني كما أمهلتك اقض بعض شأني فقلت وهل عما تريد مدفع فقام فصلى ركعتين ثم ضرب بيده على الشجرة وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله ثم قال يا حبيبتي إذا شهدت بذاك الشيء فاشهدي بهذا ثم مضينا والقوم متشوقون فلما دنونا أحست الدواب بالبغلة فصهلت وشحجت البغلة وإذا الغريض يغنيهم لحنه
( مِنْ خَيْلِ حيٍّ ما تَزالُ مُغِيرةً ... سَمِعتْ على شَرَفٍ صَهِيلَ حِصَانِ )
فبكى ابن سريج حتى ظننت أن نفسه قد خرجت فقلت ما يبكيك يا أيا يحيى جعلت فداك لا يسوءك الله ولا يريك سوءا قال أبكاني هذا المخنث بحسن غنائه وشجا صوته والله ما ينبغي لأحد أن يغني وهذا الصبي حي ثم نزل فاستراح وركب فلما سار هنيهة اندفع الغريض فغناهم لحنه
( يا خليليّ قد مَلِلتُ ثَوَائي ... بالمُصَلَّى وقد شَنِئتُ البقِيعَا )
قال ولصوته دوي في تلك الجبال فقال ابن سريج ويلك يا بن بركة أسمعت أحسن من هذا الغناء والشعر قط قال ونظروا إلينا فأقبلوا
نشاوى يسحبون أعطافهم وجعلوا يقبلون وجه ابن سريج فنزل فأقام عندهم ثلاثا والغريض لا ينطق بحرف واحد وأخذوا في شرابهم وقالوا يا حبيب النفس وشقيقها أعطها بعض مناها فضرب بيده إلى جيبه فأخرج منه مضرابا ثم أخذه بيده ووضع العود في حجره فما رأيت يدا أحسن من يده ولا خشبة تخيلت إلي أنها جوهرة إلا هي ثم ضرب فلقد سبح القوم جميعا ثم غنى فكل قال لبيك لبيك فكان مما غنى فيه واللحن له هزج
صوت
( لَبَّيْكِ يا سَيِّدَتي ... لَبَّيْكِ ألفاً عَدَدَا )( لَبَّيْكِ منِ ظالمةٍ ... أحببتُها مُجْتَهِدَا )
( قُومُوا إلى مَلْعبِنا ... نَحْكِ الجَوَارِي الخُرَّدَا )
( وَضْع يَدٍ فوق يَدٍ ... تَرْفَعُها يَداً يَدَا )
فكل قال نفعل ذاك فلقد رأيتنا نستبق أينا تقع يده على يده ثم غنى
صوت
( ما هاجَ شَوْقَكَ بالصَّرائمْ ... رَبْعٌ أحالَ لأُمِّ عاصِمْ )
( رَبْعٌ تَقادَمَ عهدُه ... هاجَ المُحِبَّ على التَّقَادُمْ )
( فيه النَّوَاعِمُ والشَّبابُ ... الناعمون مع النَّوَاعِمْ )
( مِنْ كلّ واضحةِ الجَبِينِ ... عَمِيمةٍ رَيَّا المَعَاصِمْ )
ثم إنه غنى
صوت
( شَجَاني مَعَاني الحَيِّ وانْشَقَّتِ العَصَا ... وصاح غُرَابُ البين أنت مَرِيضُ )( ففاضتْ دُموعي عند ذاك صبابةً ... وفيهنّ خَوْدٌ كالمَهَاةِ غَضِيضُ )
( وَولَّيْتُ محزونَ الفؤادِ مُرَوَّعاً ... كئيباً ودمعي في الرِّداءِ يَفيضُ )
الغناء لابن محرز خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر وفيه خفيف ثقيل آخر لابن جندب قال فلقد رأيت جماعة طير وقعن بقربنا وما نحس قبل ذلك منها شيئا فقالت الجماعة يا تمام السرور وكمال المجلس لقد سعد من أخذ بحظه منك وخاب من حرمك يا حياة القلوب ونسيم النفوس جعلنا الله فداءك غننا فغنى واللحن له
صوت
( يا هِنْدُ إنَّكِ لو عَلِمْتِ ... بعاذِلَيْنِ تَتَابَعا )
وهذا الصوت يأتي خبره مفردا لأن فيه طولا فبدرت من بينهم فقبلت بين عينيه فتهافت القوم عليه يقبلونه فلقد رأيتني وأنا أرفعهم عنه شفقة عليه
ما في الأشعار التي تناشدها عمر وأصحابه من أغان
وفي هذه الأشعار التي تناشدها كثير وعمر ونصيب والأحوص أغانمنها
صوت
( أبصرتُها ليلةُ ونسْوَتَها ... يَمْشِينَ بين المَقَامِ والحَجَر )( ما إنْ طَمِعْنا بها ولا طَمعتْ ... حتّى التَقَيْنا ليلاً على قَدَرٍ )
( بِيضاً حسَاناً خرائداً قُطُفاً ... يَمْشِينَ هَوْناً كمِشْيةِ البَقَرِ )
الشعر لعمر والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن الهشامي وحبش وذكر عمرو أن فيه لابن سريج خفيف ثقيل أول بالبنصر ولأبي سعيد مولى فائد ثقيل أول وقيل إنه لسنان الكاتب ومن هذه القصيدة أيضا وهذا أولها
صوت
( يا مَنْ لِقَلْبٍ مُتَيَّم كَمِدٍ ... يَهْذِي لخَوْدٍ مَرِيضَةِ النَّظَر )
( تمشِي رُوَيْداً إذا مَشَتْ فُضُلاً ... وهْيَ كمثل العُسْلوج مِ البُسُرِ )
( ما زالَ طَرْفِي يَحَارُ إذ بَرَزتْ ... حتّى عرفتُ النُّقْصانَ في بَصَري )
غناه ابن محرز ولحنه من خفيف الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى
ومنها
صوت
( قالتْ لِترِبٍ لها تُحَدِّثُها ... لَنُفْسِدنّ الطَّوافَ في عُمَرِ )( قالتْ تَصَدَّي له لِيَعْرفَنا ... ثمّ اغْمِزِيه يا أُخْتِ في خَفَر )
( قالتْ لها قد غمزتُه فأبَى ... ثم اسْتُطِيرتْ تشتدُّ في أَثَري )
غناء يونس خفيف ثقيل أول بالبنصر عن حبش وقيل إن فيه لعبد الله بن عباس لحنا جيدا
ومنها ما لم يمض ذكره في الكتاب
صوت
( أَلاَ ليتنا يا عَزَّ من غيرَ بِغضَةٍ ... بعِيرَيْنِ نَرْعَى في الخَلاء ونَعْزُبُ )
( كلاَنَا به عَرٌّ فمَنْ يَرَنا يَقُل ... على حُسْنِها جَرْباءُ تُعْدِي وأجربُ )
( إذا ما وَرَدْنا مَنْهَلاً صاح أهلُه ... علينا فما نَنْفَكُّ نُرْمَى ونُضْرَبُ )
الغناء لإبراهيم رمل بالوسطى عن حبش
أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة عن عوانة وعيسى بن يزيد
أن كثيرا دخل على عزة ذات يوم فقالت له ما ينبغي لنا أن نأذن
لك في الجلوس قال ولم قالت لأني رأيت الأحوص ألين جانبا في شعره منك في شعرك وأضرع خدا للنساء وإنه لأشعر منك حين يقول
( يا أَيُّها اللاَّئِمي فيها لأَصْرِمَها ... أكثرتَ لو كان يُغْنِي منك إكْثارُ )
( اِرْجِعْ فلستَ مُطاعاً إذ وَشَيْتَ بها ... لا القَلْبُ سالٍ ولا في حُبِّها عارُ )
وإني استرققت قوله
( وما كُنت زَوَّاراً ولكنّ ذَا الهوى ... ' إذا لم يَزُرْ لا بُدَّ أنْ سَيزُورُ )
وأعجبني قوله
( كَمْ من دَنِيٍّ لها قد صِرْتُ أَتْبَعُه ... ولو صحا القلبُ عنها كان لي تَبَعَا )
( وزادني كَلَفاً بالحُبِّ أنْ مَنَعتْ ... أَحَبُّ شيءٍ إلى الإِنسان ما مُنِعَا )
وقوله أيضا
( وما العَيْشُ إلاّ ما تَلَذّ وتَشْتَهي ... وإنْ لاَم فيه ذو الشَّنَانِ وفَنَّداَ )
فقال كثير قد والله أجاد فما الذي استجفيت من قولي قالت أخزاك الله أما استحييت حين تقول
( يُحاذِرْنَ منِّي غَيْرةً قد عَرَفْنَهَا ... لَدَيَّ فما يَضْحَكْنَ إلاّ تَبَسُّمَا )
فقال كثير
( وَدِدْتُ وبيتِ اللهِ أنَّكِ بَكْرةٌ ... هِجَانٌ وأنِّي مُصْعَبٌ ثم نَهْرُبُ )
( كِلاَنا به عَرٌّ فمَنْ يَرَنا يَقُلْ ... على حُسْنها جَرْباء تُعْدِي وأجربُ )
( نكون لِذي مالٍ كثيرٍ مُغَفَّلٍ ... فلا هُوَ يرعانا ولا نحن نُطْلَبُ )
فقالت لي ويحك لقد أردت بي الشقاء الطويل ومن المنى ما هو أعفى من هذا وأطيب
صوت
( قد كنتَ في مَنْظَرٍ ومُسْتَمَعٍ ... عَنْ نَصْرِ بَهْراءَ غير ذي فَرَسِ )( لا تَرِهٌ عندهم فتَطْلُبَها ... ولا همُ نُهْزةٌ لمُخْتَلِسِ )
( بكَفِّ حَرّانَ ثائرٍ بدَم ... طَلاَّبِ وِتْرٍ في الموت مُنْغَمِسِ )
( إمّا تَقَارَشْ بك الرّماحُ فلا ... أبكيك إلا للدّلْوِ والمَرَسِ )
( تَذُبُّ عنه كَفٌّ بها رَمَقٌ ... طيراً عُكُوفاً كَزُوّر العُرُسِ )
( عما قليلٍ يَصْبَحْنَ مُهْجَتَه ... فهُنَّ من والغٍ ومُنتهِس )
الشعر لأبي زبيد الطائي والغناء لابن محرز في الأول والثاني خفيف ثقيل الأول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن في الأربعة الأول خفيفي ثقيل كلاهما بالبنصر لمعبد وابن محرز ووافقه الهشامي في لحن معبد في الأول والثاني وذكر أنه بالوسطى وفي كتاب ابن مسجح
عن حماد له فيه لحن يقال إنه لابن سريج في الأول والخامس والسادس والسابع رمل بالوسطى عن عمرو وذكر لنا حبش أن الرمل لمعبد وذكر إسحاق أنه لابن سريج أيضا وأوله
( تَذُبُّ عنه كفٌّ بها رمقٌ ... )
وفيه لمالك في السادس والسابع خفيف ثقيل آخر وفيه لابن عائشة رمل وفيه لحنين ثاني ثقيل هذه الحكايات الثلاث عن يونس وطرائقها عن الهشامي ولمخارق في الرابع والأول خفيف رمل ولمتيم في الأول والثاني خفيف رمل آخر وذكر حبش أن لإبراهيم في الأول والثاني ثاني ثقيل بالوسطى ولابن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى
أخبار أبي زبيد ونسبه
هو حرملة بن المنذر وقيل المنذر بن حرملة والصحيح حرملة بن المنذر بن معد يكرب بن حنظلة بن النعمان بن حية بن سعنة بن الحارث بن ربيعة بن مالك بن سكر بن هنيء بن عمرو بن الغوث بن طيئ بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان وكان أبو زبيد نصرانيا وعلى دينه مات وهو ممن أدرك الجاهلية والإسلام فعد في المخضرمين وألحقه ابن سلام بالطبقة الخامسة من الإسلامين وهم العجير السلولي وذووه وقد مضى أكثر أخباره مع أخبار الوليد بن عقبة بن أبي معيطأخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي إجازة قال حدثني محمد
ابن سلام الجمحي قال حدثني أبو الغراف قال
استنشده عثمان فأنشده قصيدة فيها وصف للاسد
كان أبو زبيد الطائي من زوار الملوك وخاصة ملوك العجم وكان عالما بسيرهم وكان عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقربه على ذلك ويدني مجلسه وكان نصرانيا فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون والأنصار فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها قال فالتفت عثمان إلى أبي زبيد وقال يا أخا تبع المسيح أسمعنا بعض قولك فقد أنبئت أنك تجيد فأنشده قصيدته التي يقول فيها( مَنْ مُبْلِغٌ قومَنا النائين إذ شَحَطُوا ... أنّ الفؤادَ إليهم شَيِّقٌ وَلِعٌ )
ووصف فيها الأسد فقال عثمان رضي الله تعالى عنه تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت والله إني لأحسبك جبانا هدانا قال كلا يا أمير المؤمنين ولكني رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا يبرح ذكره يتجدد ويتردد في قلبي ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم فقال له عثمان رضي الله عنه وأنى كان ذلك قال خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة ترتمي بنا المهاري بأكسائها ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشأم فاخروط بنا السير في حمارة
القيظ حتى إذا عصبت الأفواه وذبلت الشفاه وشالت المياه وأذكت الجوزاء المعزاء وذاب الصيهد وصر الجندب وضاف العصفور الضب وجاوره في حجره قال قائل أيها الركب غوروا بنا في ضوج هذا الوادي وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل دائم الغلل شجراؤه مغنة وأطياره مرنة فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات فأصبنا من فضلات الزاد وأتبعناها الماء البارد فإنا لنصف حر يومنا ومماطلته إذ صر أقصى الخيل أذنيه وفحص الأرض بيديه فوالله ما لبث أن جال ثم حمحم فبال ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا فتضعضعت الخيل وتكعكعت الإبل وتقهقرت البغال فمن نافر بشكاله وناهض بعقاله فعلمنا أن قد أتينا وأنه السبع ففزع كل رجل منا إلى سيفه فاستله من جربانه ثم وقفنا له رزدقا أي صفا وأقبل أبو الحارث
من أجمته يتظالع في مشيته من نعته كأنه مجنوب أو في هجار معصوب لصدره نحيط ولبلاعمه غطيط ولطرفه وميض ولأسارعه نقيض كأنما يخبط هشيما أو يطأ صريما وإذا هامة كالمجن وخد كالمسن وعينان سجراوان كأنهما سراجان يقدان وقصرة ربلة ولهزمة رهلة وكتد مغبط وزور مفرط وساعد مجدول وعضد مفتول وكف شثنة البراثن إلى مخالب كالمحاجن فضرب بيده فأرهج وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة وفم أشدق كالغار الأخرق ثم تمطى فأسرع بيديه وحفز وركيه برجليه حتى صار ظله مثليه ثم أقعى فاقشعر ثم مثل
فاكفهر ثم تجهم فازبأر فلا وذو بيته في السماء ما اتقيناه إلا بأول أخ لنا من فزارة كان ضخم الجزارة فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه فجعل يلغ في دمه فذمرت أصحابي فبعد لأي ما استقدموا فهجهجنا به فكر مقشعرا بزبرته كأن شيهما حوليا فاختلج رجلا أعجر ذا حوايا فنفضه نفضة تزايلت منها مفاصله ثم نهم ففرفر ثم زفر فبربر ثم زأر فجرجر ثم لحظ فوالله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه من عن شماله ويمينه فأرعشت الأيدي واصطكت الأرجل وأطت الأضلاع وارتجت الأسماع وشخصت العيون وتحققت الظنون وانخزلت المتون فقال له عثمان اسكت قطع الله لسانك فقد أرعبت قلوب المسلمين
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثني العمري قال حدثني شعبة قال قلت للطرماح بن حكيم ما شأن أبي زبيد وشأن الأسد فقال إنه لقيه
بالنجف فلما رآه سلح من فرقه وقال مرة أخرى فسلحه فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت
أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبي عمن يثق به أن رجلا من طيئ من بني حية نزل به رجل من بني الحارث بن ذهل بن شيبان يقال له المكاء فدبح له شاة وسقاه الخمر فلما سكر الطائي قال هلم أفاخرك أبنو حية أكرم أم بنو شيبان فقال له الشيباني حديث حسن ومنادمة كريمة أحب إلينا من المفاخرة فقال الطائي والله ما مد رجل قط يدا أطول من يدي فقال الشيباني والله لئن أعدتها لأخضبنها من كوعها فرفع الطائي يده فضربها الشيباني بسيفه فقطعها فقال أبو زبيد في ذلك
( خَبَّرَتْنا الرُّكبانُ أن قد فَخَرْتُمْ ... وفَرِحْتُمْ بضَرْبة المُكَّاءِ )
( ولَعَمْري لَعَارُها كان أدنَى ... لَكُمُ من تُقًى وحَقِّ وفَاء )
( ظلَّ ضيفاً أخوكُم لأخينا ... في صَبُوح ونَعْمةٍ وشِواء )
( ثم لما رآه رانتْ به الخمر ... وأن لاّ يريبهُ باتِّقاء )
( لم يَهَبْ حُرْمةَ النَّديم وحُقَّت ... بالقومٍ للسَّوْءة السَوّءاء )
ما قاله في كلبه
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال كان لأبي زبيد كلب يقال له أكدر وكان له سلاح يلبسه إياه فكان لا يقوم له الأسد فخرج ليلة قبل أن يلبسه سلاحه فلقيه الأسد فقتله ويقال أخذه فأفلت منه فقال عند ذلك أبو زبيد
( أحَالَ أكْدرُ مُخْتَالاً كعادته ... حتى إذا كان بين البئر والعَطَنِ )
( لاقى لدى ثُلَلِ الأطواء داهيةً ... أسْرَتْ وأكدَرَ تحتَ الليل في قَرَن )
( حطَّت به شيمةٌ وَرْهاءُ تطردُهُ ... حتى تَنَاهى إلى الحُولات في السَّنَن )
( إلى مُقَابَل خَطْوِ السَّاعدَيْن له ... فوق السَّرَاة كذِفْرى الفالج القَمِن )
( رئبالِ غابٍ فلا قَحْمٌ ولا ضرَعٌ ... كالبغل يحتطم العلجين في شطَنِ )
وهي قصيدة طويلة فلامه قومه على كثرة وصفه للأسد وقالوا له قد خفنا أن تسبنا العرب بوصفك له قال لو رأيتم منه ما رأيت أو لقيكم ما لقي أكدر لما لمتموني ثم أمسك عن وصفه فلم يصفه بعد ذلك في شعره حتى مات
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أبو سعيد السكري قال حدثني هارون بن مسلم بن سعدان أبو القاسم قال حدثنا هشام بن الكلبي قال كان الأجلح الكندي يحدث عن عمارة بن قابوس قال
لقيت أبا زبيد الطائي فقلت له يا أبا زبيد هل أتيت النعمان بن المنذر
قال إي والله لقد أتيته وجالسته قال قلت فصفه لي فقال كان أحمر أزرق أبرش قصيرا فقلت له بالله أخبرني أيسرك أنه سمع مقالتك هذه وأن لك حمر النعم قال لا والله ولا سودها فقد رأيت ملوك حمير في ملكها ورأيت ملوك غسان في ملكها فما رأيت أحدا قط كان أشد عزا منه وكان ظهر الكوفة ينبت الشقائق فحمى ذلك المكان فنسب إليه فقيل شقائق النعمان
فجلس ذات يوم هناك وجلسنا بين يديه كأن على رؤوسنا الطير وكأنه باز فقام رجل من الناس فقال له أبيت اللعن أعطني فإني محتاج فتأمله طويلا ثم أمر به فأدني حتى قعد بين يديه ثم دعا بكنانة فاستخرج منها مشاقص فجعل يجأبها في وجهه حتى سمعنا قرع العظام وخضبت لحيته وصدره بالدم ثم أمر به فنحي ومكثنا مليا
ثم نهض آخر فقال له أبيت اللعن أعطني فتأمله ساعة ثم قال أعطوه ألف درهم فأخذها وانطلق
ثم التفت عن يمينه ويساره وخلفه فقال ما قولكم في رجل أزرق أحمر يذبح على هذه الأكمة أترون دمه سائلا حتى يجري في هذا الوادي فقلنا له أنت أبيت اللعن أعلى برأيك عينا فدعا برجل على هذه الصفة فأمر به فذبح
ثم قال ألا تسألوني عما صنعت فقلنا ومن يسألك أبيت اللعن عن أمرك وما تصنع فقال
أما الأول فإني خرجت مع أبي نتصيد فمررت به وهو بفناء بابه وبين يديه عس من شراب أو لبن فتناولته لأشرب منه فثار إلي فهراق الإناء فملا وجهي وصدري فأعطيت الله عهدا لئن أمكنني منه لأخضبن لحيته وصدره من دم وجهه
وأما الآخر فكانت له عندي يد كافأته بها ولم أكن أثبته فتأملته حتى عرفته
وأما الذي ذبحته فإن عينا لي بالشام كتب إلي إن جبلة بن الأيهم قد بعث إليك برجل صفته كذا وكذا ليغتالك فطلبته أياما فلم أقدر عليه حتى كان اليوم
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
كان لأبي زبيد نديم يشرب معه بالكوفة فغاب أبو زبيد غيبة ثم رجع فأخبر بوفاته فعدل إلى قبره قبل دخوله منزله فوقف عليه ثم قال
( يا هاجِرِي إذ جئتُ زائرَهُ ... ما كان منْ عاداتكَ الهَجْرُ )
( يا صاحبَ القبرَ السّلام على ... مَنْ حال دون لِقائه القَبْرُ )
ثم انصرف وكان بعد ذلك يجيء إلى قبره فيشرب عنده ويصب الشراب على قبره
والأبيات التي فيها الغناء المذكور يقولها في غلام له قتلته تغلب وكان مجاورا فيهم فدل بهراء على عورتهم وقاتلهم معهم فقتل
أخبرني بخبره أبو خليفة قال حدثني محمد بن سلام وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي
قال كان أخوال أبي زبيد بني تغلب وكان يقيم فيهم أكثر أيامه وكان له غلام يرعى إبله فغزت بهراء بني تغلب فمروا بغلامه فدفع إليهم إبل أبي زبيد وقال انطلقوا أدلكم على عورة القوم وأقاتل معكم ففعلوا والتقوا فهزمت بهراء وقتل الغلام فقال أبو زبيد هذه القصيدة وهي
( هل كنتَ في مَنْظَرٍ ومُسْتَمَع ... عن نَصْرِ بَهْراء غيرَ ذي فَرَسِ )
( تَسْعى إلى فِتيةِ الأراقم وأستعجلْتَ ... قَبْل الجمان والقبس )
( في عارضٍ من جبال بهرائها الأُولى ... مَرَين الحروب عن دُرَس )
( فَبهرةٌ مَنْ لَقُوا حَسِبْتَهُم ... أحْلى وأشْهَى من بارِدِ الدِّبِسِ )
( لا تِرة عندهم فتطلبَها ... ولا هُمُ نُهْزَة لمُخْتَلِس )
( جُودٌ كرام إذا هُم نُدِبُوا ... غيْرُ لئامٍ ضُجْرٍ ولا كُسُسِ )
( صُمْتٌ عظام الحلُوم إن قعدوا ... عن غير عِيٍّ بِهم ولا خَرَسِ )
( تَقُود أفراسَهُم نساؤهُمُ ... يُزَجُون أجمالَهمْ مع الغلَس )
( صادفْتَ لمّا خرجتَ مُنْطلِقاً ... جَهْم المُحَيّا كباسلٍ شرِسِ )
( تَخالُ في كفّه مثقّفةً ... تلمَع فيها كَشُعْلة القَبَس )
( بكفِّ حرّانَ ثائرٍ بدمٍ ... طَلاّبِ وِترٍ في الموت مُنْغَمِس )
( إمّا تقَارَنْ بك الرماح فلا ... أبكيك إلاّ للدَّلو والمَرَس )
( حَمِدتَ أمْري ولمت أمرَك إذ ... أمسك جَلْزُ السِّنانِ بالنفَس )
( وقد تصلَّيتَ حَرَّ نارهمُ ... كما تَصَلّى المقرور من قَرَس )
( تَذُبُّ عنه كفٌّ بها رمق ... طيراً عكوفاً كَزُوَّرِ العُرُس )
( عما قليلٍ علون جُثَّته ... فهنّ من والغ ومنتهِس )
فلما فرغ أبو زبيد من قصيدته بعثت إليه بنو تغلب بدية غلامه وما ذهب من إبله فقال في ذلك
( ألا أبلغ بني عمرٍو رسولا ... فإنّي في مودّتكم نَفِيسُ )
هكذا ذكر ابن سلام في خبره والقصيدة لا تدل على أنها قيلت فيمن أحسن إليه وودى غلامه ورد عليه ماله وفي رواية ابن حبيب
( ألا أبلغ بني نصر بن عمرٍو ... )
وقوله أيضا فيها
( فما أنا بالضعيفِ فتظِلموني ... ولا جافِي اللقاء ولا خسِيسُ )
( أفي حقٍّ مواساتِي أخاكم ... بمالي ثم يظلمني السريسُ )
السريس الضعيف الذي لا ولد له وهذا ليس من ذلك الجنس ولعل ابن سلام وهم
وأبو زبيد أحد المعمرين ذكر ابن الكلبي أنه عمر مائة وخمسين سنة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال كان طول أبي زبيد ثلاثة عشر شبرا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وأحمد بن عبيد الله بن عمار قالا حدثنا محمد بن عبد الله العبدي أبو بكرة قال حدثني أبو مسعر الجشمي عن ابن الكلبي قال كان أبو زبيد الطائي ممن إذا دخل مكة دخلها متنكرا لجماله
وأخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم قال لما صار الوليد بن عقبة إلى الرقة واعتزل عليا عليه السلام ومعاوية صار أبو زبيد إليه فكان ينادمه وكان يحمل في كل أحد إلى البيعة مع النصارى فبينا هو يوم أحد يشرب والنصارى حوله رفع بصره إلى السماء فنظر ثم رمى بالكأس من يده وقال
( إذا جعَل المرءُ الذي كان حازماً ... يُحَلُّ به حَلَّ الحُوارِ ويحملُ )
( فليس له في العيش خيرٌ يريده ... وتكفينُه مَيْتاً أعفُّ وأجملُ )
دفن مع الوليد بن عقبة بوصية منه
ومات فدفن هناك على البليخ فلما حضرت الوليد بن عقبة الوفاة أوصى أن يدفن إلى جنب أبي زبيد وقد قيل إن ابا زبيد مات بعد الوليد فأوصى أن يدفن إلى جنب الوليدقال ابن الكلبي في خبره الذي ذكره إسحاق عنه هرب أبو زبيد من الإسلام فجاور بهراء فاستأجر منهم أجيرا لإبله فكان يقبله حلب الجمان والقيس وهما ناقتان كانتا له فلما كان يوم حابس وهو اليوم الذي التقت فيه بهراء وتغلب خرج أجير أبي زبيد مع بهراء فقتل وانهزمت بهراء فمر أبو زبيد به وهو يجود بنفسه فقال فيه هذه القصيدة
أخبرني محمد بن يحيى ويحيى بن علي الأبوابي المدائني قالا حدثنا عقبة المطرفي قال كنا في الحمام ومعي ابن السعدي وأنا أقرأ القرآن فدخل سعد الرواسي فغنى
( قد كنت في منظرٍ ومستمَعٍ ... عن نصر بهراء غيرَ ذي فرس )
فقال ابن السعدي اسكت اسكت فقد جاء حديث يأكل الأحاديث
أخبرني عمي والحسن بن علي قالا حدثني العمري قال حدثني أحمد ابن حاتم قال حدثني محمد بن عمرو الجماز قال حدثني أبو عبيدة عن يونس
وأبي الخطاب النحوي أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أوصى لما احتضر لأبي زبيد بما يصلحه في فصحه وأعياده من الخمر ولحوم الخنازير وما أشبه ذلك فقال أهله وبنوه لأبي زبيد قد علمت أنه لا يحل لنا هذا في ديننا وإنما فعله إكراما لك وتعظيما لحقك فقدره لنفسك ما شئت أن تعيش وقوم ما أوصى به لك حتى نعطيك قيمته ولا تفضحنا وتفضح آباءنا بهذا واحفظه واحفظنا فيه ففعل أبو زبيد ذلك وقبله منهم
صوت
( هَلْ تعرفُ الدار من عامين أو عام ... دارٌ لِهندٍ بجِزع الحُرج فالدامِ )( تحنو لأطلائِها عِينٌ مُلَمَّعَةٌ ... سُفْعُ الخدود بعيدات من الرامي )
الحرج والدام موضعان ويروى مذ عامين وهذا الأجود وكلاهما روي وعين بقر وأطلاؤها أولادها واحدها طلا ويروى بعيدات من الذام هو الذي يذم
الحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري
الشعر للحطيئة يمدح به أبا موسى الأشعري لما ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه العراق والغناء لمالك خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر أن فيه لابن جامع أيضا صنعة
قال محمد بن حبيب أتى الحطيئة أبا موسى يسأله أن يكتبه معه فأخبره أن العدة قد تمت فمدحه الحطيئة بهذه القصيدة التي ذكرتها وأولها
( هل تعرِف الدار من عامينِ أو عامِ ... دار لهند بجِزعِ الحرج فالدامِ )
وفيها يقول
( وجحفلٍ كسواد الليلِ منتَجعٍ ... أرضَ العدوّ ببوس بعد إنعامِ )
( جمعتَ من عامرٍ فيه ومن أسدٍ ... ومن تميم ومن حاء ومن حامِ )
حاء من مذحج وحام من خثعم
( وما رضِيتَ لهم حتى رَفَدتهم ... من وائل رهطِ بِسطامٍ بأصرامِ )
( فيه الرماح وفيه كلّ سابغة ... جدلاءَ مُحْكَمةٍ من نسجِ سلاّمِ )
يعني سليمان النبي
( وكلُّ أجرَد كالسِّرحان أضمره ... مسحُ الأكُفّ وسقي بعد إطعامِ )
( مستحقباتٍ رواياها جحافِلُها ... يسمو بها أشعريٌّ طرفه سامِ )
الروايا الإبل التي تحمل أثقالهم وأزوادهم وتجنب الخيل إليها فتضع جحافلها على أعجاز الإبل
( لا يزجُرُ الطَّيرَ إن مرَّت به سُنُحاً ... ولا يُفِيض على قِدْحٍ بأزلام )
وقال المدائني لما مدح الحطيئة أبا موسى رضي الله عنه بهذه القصيدة وصله أبو موسى وقد كان كتب من أراد وكملت العدة فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب يلومه فكتب إليه إني اشتريت منه عرضي فكتب إليه أحسنت قال وزاد فيه حماد الراوية أنه يعني نفسه أنشدها بلال بن أبي بردة ولم يكن عرفها فوصله
أخبرني القاضي أبو خليفة إجازة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال
قدم حماد الراوية البصرة على بلال بن أبي بردة وهو عليها فقال له ما أطرفتني شيئا يا حماد فعاد إليه فأنشده قول الحطيئة في أبي موسى فقال له ويحك يمدح الحطيئة أبا موسى وأنا أروي شعره كله ولا أعلم بهذه أذعها تذهب في الناس
وكانت ولاية أبي موسى الكوفة بعد أن أخرج أهلها سعيد بن العاص
عنها وتحالفوا ألا يولوا عليها إلا من يريدون
أخبرني بالسبب في ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثنا المدائني عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق قال كان قوم من وجوه أهل الكوفة من القراء يختلفون إلى سعيد بن العاص ويسألونه فتذاكروا يوما السهل والجبل فقال حسان بن محدوج سهلنا خير من جبلنا أكثر برا فيه أنهار مطردة ونخل باسقات وقلت فاكهة ينبتها الجبل إلا والسهل ينبت مثلها فقال له عبد الرحمن بن حبيش صدقتم وددت أنه للأمير وأن لكم أفضل منه فقال الأشتر تمن للأمير أفضل ولا تتقرب إليه بأموالنا فقال ما ضرك ذلك والله لو يشاء أن يكون له لكان قال كذبت والله لو أراد ذلك ما قدر عليه فقال سعيد والله ما السواد إلا بستان لقريش ما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركنا فقال له الأشتر أنت تقول هذا أصلحك الله وهذا من مركز رماحنا وفيئنا ثم ضربوا عبد الرحمن ابن حبيش حتى سقط
قال المدائني فحدثني علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الشعبي
ومجالد بن حمزة بن بيض عن الشعبي قال بينا القراء عند سعيد بن العاص وهم يأكلون تمرا وزبدا إذ قال سعيد السواد بستان قريش فما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركنا فقال له عبد الرحمن بن حبيش وكان على شرطة سعيد صدق الأمير فوثب عليه القراء فضربوه وقالوا له يا عدو الله يقول الباطل وتصدقه اخرجوا من داري فخرجوا فلما أصبحوا أتوا المسجد فداروا على الحلق فقالوا إن أميركم زعم أن السواد بستان له ولقومه وهو فيئنا ومركز رماحنا فوالله ما على هذا بايعنا ولا عليه أسلمنا فكتب سعيد إلى عثمان رضي الله عنه إن قبلي قوما يدعون القراء وهم السفهاء وثبوا على صاحب شرطتي فضربوه واستخفوا بي منهم عمرو بن زرارة وكميل بن زياد والأشتر وحرقوص بن هبيرة وشريح بن أوفى ويزيد بن المكفف وزيد وصعصعة ابنا صوحان وجندب بن عبد الله فكتب إليهم عثمان رضي الله عنه يأمرهم أن يخرجوا إلى الشام ويغزوا مغازيهم وكتب إلىسعيد قد كفيتك الذي أردت فأقرئهم كتابي فإني أراهم لا يخالفون إن شاء الله واتق الله جل وعز وأحسن السيرة فأقرأهم الكتاب فخرجوا إلى دمشق فأكرمهم معاوية وقال إنكم قدمتم بلدا لا يعرف أهله إلا الطاعة فلا تجادلوهم فتدخلوا الشك قلوبهم فقال له الأشتر إن الله جل وعز قد أخذ على العلماء في علمهم ميثاقا أن يبينوه للناس ولا يكتموه فإن سألنا سائل عن شيء نعلمه لم نكتمه فقال قد خفت أن تكونوا مرصدين للفتنة فاتقوا الله ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) فقال عمرو بن زرارة نحن الذين هدى الله فأمر معاوية بحبسهم فقال له زيد بن صوحان إن الذين أشخصونا إليك لم يعجزوا عن حبسنا أو أرادوا فأحسنوا جوارنا وإن كنا ظالمين فنستغفر الله وإن كنا مظلومين فنسأل الله العافية فقال له معاوية إني لا أرى حبسك أمرا صالحا فإن أحببت أن آذن لك فترجع إلى مصرك
وأكتب إلى أمير المؤمنين بإذنك فعلت قال حسبي أن تأذن لي وتكتب إلى سعيد فكتب إليه فأذن له فلما أراد زيد الشخوص كلمه في الأشتر وعمرو بن زرارة فأخرجهما وأقام القوم بدمشق لا يرون أمرا يكرهونه ثم أشخصهم معاوية إلى حمص فكانوا بها حتى أجمع أهل الكوفة على إخراج سعيد فكتبوا إليهم فقدموا
قال أبو زيد قال المدائني حدثني الوقاصي عن الزهري إن أهل الكوفة لما قدموا على عثمان يشكون سعيدا قال لهم أكتب إليه فأجمع بينكم وبينه ففعل فلم يحققوا عليه شيئا إلا قوله السواد بستان قريش وأثنى الآخرون عليه فقال عثمان أرى أصحابكم يسألون إقراره ولم يثبتوا عليه إلا كلمة واحدة لم ينتهك بها لأحد حرمة ولا أرى عزله إلا أن تثبتوا عليه ما لا يحل لأحد تركه معه فانصرفوا إلى مصركم فرجع سعيد والفريقان معه وتقدمهم علي بن الهيثم السدوسي حتى دخل رحبة المسجد فقال يا أهل الكوفة إنا أتينا خليفتنا فشكونا إليه عاملنا ونحن نرى أنه سيصرفه عنا فرده إلينا وهو يزعم أن السواد بستان له وأنا امرؤ منكم أرضى إذا رضيتم فقالوا لا نرضى
الأشتر يخطب محرضا على عثمان
وجاء الأشتر فصعد المنبر فخطب خطبة ذكر فيها النبي وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما وذكر عثمان رضي الله عنه فحرض عليه ثم قال من كان يرى أن لله جل وعز حقا فليصبح بالجرعة ثم قال لكميل بن زياد انطلق فأخرج ثابت بن قيس بن الخطيم فأخرجه واستعمل أهل الكوفة أبا موسى الأشعري
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو محصن قال حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال حدثني جهيم قال أنا شاهد للأمر قالوا لعثمان إنك استعملت أقاربك قال فليقم أهل كل مصر فليسلموا صاحبهم فقام أهل الكوفة فقالوا اعزل عنا سعيدا واستعمل علينا أبا موسى الأشعري ففعل
قال أبو زيد وكان سعيد قد ابغضه أهل الكوفة لأمور منها أن عطاء النساء بالكوفة كان مائتين مائتين فحطه سعيد إلى مائة مائة فقالت امرأة من أهل الكوفة تذم سعيدا وتثني على سعد بن أبي وقاص
( فليتَ أبا إسحاق كان أميرَنا ... وليت سعيداً كان أولَ هالك )
( يُحَطِّطُ أشراف النساء ويتقي ... بأبنائهن مُرْهَفَات النَّيازك )
حدثني العباس بن علي بن العباس ومحمد بن جرير الطبري قالا حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا أبو داود وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل يحدث عن الحارث بن حبيش قال بعثني سعيد بن العاص بهدايا إلى المدينة وبعثني إلى علي عليه السلام وكتب إليه إني لم أبعث إلى أحد
بأكثر مما بعثت به إليك إلا شيئا في خزائن أمير المؤمنين قال فأتيت عليا فأخبرته فقال لشد ما تحظر بنو أمية تراث محمد أما والله لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب لتراب الوذمة
قال أبو جعفر هذا غلط إنما هو لوذام التربة
قال أبو زيد وحدثني عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي عن السعدي عن أبيه قال بعث سعيد بن العاص مع ابن أبي عائشة مولاه بصلة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله بمثل قوت الأرملة والله لئن بقيت لأنفضنها نفض القصاب لوذام التربة هكذا في هذه الرواية
صوت
( رُبَّ وَعدٍ منكِ لا أنساه لي ... أوْجَبَ الشُّكرَ وإن لم تَفْعَلِي )( أَقْطعُ الدَّهرَ بظنٍّ حَسَنٍ ... وأُجَلِّي غَمْرةً ما تَنْجلي )
( كلَّما أمّلتُ يوماً صالحاً ... عَرَضَ المَكْروهُ لي في أَمَلي )
( وأَرَى الأيَّامَ لا تُدْنِي الَّذي ... أرْتَجي منكِ وتُدْني أَجَلي )
عروضه من الرمل الشعر لمحمد بن أمية والغناء لأبي حشيشة رمل طنبوري وفيه لحن لحسين بن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن أبي عبد الله الهشامي
أخبار محمد بن أمية وأخبار أخيه علي بن أمية وما يغنى فيه من شعرهما
سألت أحمد بن جعفر جحظة عن نسبه قلت له إن الناس يقولون ابن أمية وابن أبي أمية فقال هو محمد بن أمية بن أبي أميةقال وكان محمد كاتبا شاعرا ظريفا وكان ينادم إبراهيم بن المهدي وربما عاشر علي بن هشام إلا أن انقطاعه كان إلى إبراهيم وربما كتب بين يديه وكان حسن الخط والبيان وكان أمية بن أبي أمية يكتب للمهدي على بيت المال وكان إليه ختم الكتب بحضرته وكان يأنس به لأدبه وفضله ومكانه من ولائه فزامله أربع دفعات حجها في ابتدائه ورجوعه
قال جحظة وحدثني بذلك أبو حشيشة
وحدثني جحظة أيضا قال حدثني أبو حشيشة عن محمد بن علي بن أمية قال حدثني عمي محمد بن أمية قال كنت جالسا بين يدي إبراهيم بن المهدي فدخل إليه أبو العتاهية و قد تنسك ولبس الصوف وترك قول الشعر إلا في الزهد فرفعه إبراهيم وسر به
وأقبل عليه بوجهه وحديثه فقال له أبو العتاهية أيها الأمير بلغني خبر فتى في ناحيتك ومن مواليك يعرف بابن أمية يقول الشعر وأنشدت له شعرا أعجبني فما فعل قال فضحك إبراهيم ثم قال لعله أقرب الحاضرين مجلسا منك فالتفت إلي فقال لي أنت هو فديتك فتشورت وخجلت وقلت له أنا محمد بن أمية جعلت فداءك وأما الشعر فإنما أنا شاب أعبث بالبيت والبيتين والثلاثة كما يعبث الشاب فقال لي فديتك ذلك والله زمان الشعر وإبانه وما قيل فيه فهو غرره وعيونه وما قصر من الشعر وقيل في المعنى الذي تومىء إليه أبلغ وأملح وما زال ينشطني ويؤنسني حتى رأى أني قد أنست به ثم قال لإبراهيم بن المهدي إن رأى الأمير أكرمه الله أن يأمره بإنشادي ما حضر من الشعر فقال لي إبراهيم بحياتي يا محمد أنشده فأنشدته
( رُبَّ وعد منكِ لا أنساهُ لي ... أوجبَ الشكر وإن لم تفعلي )
وذكر الأبيات الأربعة قال فبكى أبو العتاهية حتى جرت دموعه على لحيته وجعل يردد البيت الأخير منها وينتحب وقام فخرج وهو يردد ويبكى حتى خرج إلى الباب
شعره في الجارية خداع
أخبرني عمي قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قرقارة قال حدثني محمد بن علي بن أمية قال كان عمي محمد بن أمية يهوى جارية مغنية يقال لها خداع كانت لبعض جواري خال المعتصم فكان يدعوها ويعاشره إخوانه إذا دعوه بها اتباعا لمسرته وأراد المعتصم الخروج والتأهب للغزو وأمر الناس جميعا بالخروج والتأهب فدعاه بعض إخوانه قبل خروجهم بيوم فلما أضحى النهار جاء من المطر أمر عظيم لم يقدر معه أحد أن يطلع رأسه من داره فكاد محمد أن يموت غما فكتب إلى صديقه الذي دعاه وقد كان ركب إليه ثم رجع لشدة المطر ولم يقدر على لقائه
( تمادى القَطْرُ وانقطع السبيلُ ... من الإِلفين إذ جرِت السيولُ )
( على أني ركِبتُ إليك شوقا ... ووجهُ الأرض أودِيةٌ تجول )
( وكان الشوقُ يَقْدُمُني دليلاً ... وللمشتاق معتزِماً دليلُ )
( فلم أجِد السبيلَ إلىحبيبٍ ... أودِّعه وقد أقِد الرحيلُ )
( وأرسلْتُ الرسولَ فغاب عنّي ... فياللهِ ما فعل الرسول )
وقال في ذلك أيضا
( مجلس يُشْفَى به الوطرُ ... عاق عنه الغيمُ والمطرُ )
( رَبِّ خُذْ لي منهما فهُما ... رحمةٌ عمّت ولي ضرر )
( ما علىمولاي مَعْتبةٌ ... عذره بادٍ ومستتِر )
( شُغِلتْ عيني بعبرتها ... واستمالت قلبيَ الفِكر )
قال ثم بيعت خداع هذه فاشتراها بعض ولد المهدي وكان ينزل شارع الميدان فحجبت عنه وانقطع ما بينهما إلا مكاتبة ومراسلة
قال محمد بن علي فأنشدني يوما عمي محمد لنفسه فيها
( خطراتُ الهوى بذكر خِداعٍ ... هِجْنَ شوقي لا دراسات الطلولِ )
( حُجِبتْ أن تُرَى فلستُ أراها ... وأرى أهلَها بكل سبيل )
( وإذا جاءها الرسولُ رآها ... ليْتَ عيني مكان عينِ الرسول )
( قد أتاكِ الرسول يَنْعتُ ما بي ... فاسمعي منه ما يقول وقولي )
وقال فيها أيضا
( بناحية المَيْدان دربٌ لو أنني ... أسمِّيهِ لم أرشُد وإن كان مُفْسدي )
( أخافُ على سكّانه قولَ حاسدٍ ... يشير إليهم بالجفون وباليدِ )
( وصائفُ أبكارٌ وعُونٌ نواطِقٌ ... بألسنةٍ تشفِي جَوَى الهائم الصَّدِي )
( يُقارِبْن أهلَ الوُدّ بالقول في الهوى ... وما النجمُ من معروفهن بأبعدِ )
( يزِدن أخا الدنيا مُجُونا وفِتنة ... ويَشغَفن قلب الناسك المتعبِّد )
( وليلة وافى النوم طيف سَرَى به ... إليَّ الهوى منهن بعد تجرُّدِ )
( فقاسَمْتُه الأشجان نِصفين بيننا ... وأوْرَدْتُه من لوعةِ الحب مَوْرِدِي )
( ونِلْتُ الذي أمَّلتُ بعد تَمُّنع ... وعاهدتُه عهدَ امرئ متوكِّدِ )
( فلما افترقنا خاس بالعهد بيننا ... وأعرض إعراض العروس من الغد )
( فواندما ألا أكونَ ارتهنتُه ... لأَخْبُرَهُ في حفظِ عهدٍ وموعدِ )
اعجاب أبي العتاهية بشعره
أخبرني الحسن بن علي وعمي قالا حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني حذيفة بن محمد قال قال لي محمد بن أبي العتاهيةسمع أبي يوما مخارقا يغني
( أحبُّكِ حُبًّا لو يُفَضُّ يَسِيرُهُ ... على الخْلْقِ ماتَ الخلْقُ من شِدَّة الحُبِّ )
( وأَعلَمُ أنِّي بعدَ ذاكَ مقصِّرٌ ... لأنَّكِ في أعْلى المراتِبِ منْ قَلْبي )
فطرب ثم قال له من يقول هذا يا أبا المهنأ قال فتى من الكتاب يخدم الأمير إبراهيم بن المهدي فقال تعني محمد بن أمية قال نعم قال أحسن والله وما يزال يأتي بالشيء المليح يبدو له
أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن أمية بن أبي أمية قال
لقي أخي محمد بن أمية مسلم بن الوليد وهو يمشي وطويلته مع بعض رواته فسلم عليه ثم قال له قد حضرني شيء فقال هاته فقال على أنه مزاح لا يغضب منه قال هاته ولو أنه شتم فقال
( مَنْ رَأَى فيما خَلاَ رجُلاً ... تِيهُهُ يُرْبِى على جِدَتهْ )
( يَتَباهى راجلاً وله ... شاكِريٌّ في قُلْنَسِيتِه )
فسكت عنه مسلم ولم يجبه وضحك منه محمد وافترقا
قال وكان لمحمد بن أمية برذون يركبه فلقيه مسلم وهو راجل فقال ما فعل برذونك قال نفق قال الحمد لله فنجازيك إذا على ما كان منك إلينا ثم قال مسلم
( قل لابن ميٍّ لا تكن جازعا ... لن يرجِع البِرذونُ باللَّيْتِ )
( طامَنَ أحشاءكَ فِقدانُه ... وكنتَ فيه عاليَ الصوت )
( وكنتَ لا تَنْزِلُ عن ظهْرهِ ... ولَوْ من الحُشِّ إلى البيتِ )
( ما مات من حتف ولكنْهُ ... مات من الشَّوْق إلى الموت )
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني محمد بن علي بن أمية قال حدثني حسين بن الضحاك قال دخلت أنا ومحمد بن أمية منزل نخاس بالرقة أيام الرشيد وعنده جارية تغني فوقعت عينها على محمد ووقعت عينه عليها فقال لها يا جارية أتغنين هذا الصوت
( خبِّريني مَنِ الرسولُ إليكِ ... واجعَلِيه من لا ينمُّ عليكِ )
( وأشيري إليّ من هو باللحظِ ... ليخفى على الذين لديكِ )
( وأقلِّي المُزاح في المجلس اليوم ... فإن المزاح بين يديكِ )
فقالت له ما أعرفه وأشارت إلى خادم كان على رأسها واقفا فمكثا زمانا والخادم الرسول بينهما قال والشعر لمحمد بن أمية
حدثني جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني بعض من كان يختلط بالبرامكة قال كنت عند إبراهيم بن المهدي وقد اصطبحنا وعنده عمرو بن بانة
وعبيد الله بن أبي غسان ومحمد بن عمرو الرومي وعمرو الغزال ونحن في أطيب ما كنا عليه إذ غنى عمرو الغزال وكان إبراهيم بن المهدي يستثقله إلا أنه كان يتخفف بين يديه ويقصده ويبلغه عنه تقديم له وعصبية فكان يحتمل ذاك منه فاندفع عمرو الغزال فتغنى في شعر محمد بن أمية
( ما تمّ لي يومُ سرورٍ بمنْ ... أهواهُ مُذْ كنتُ إلى اللَّيلِ )
( أغبطَ ما كنتُ بما نلته ... منهُ أتتني الرسْلُ بالويْل )
( لاَ والذَّي يعلَمُ كلَّ الذي ... أقولُ ذي العِزَّة والطَّوْل )
( ما رُمْتُ مذْ كنتُ لكم سَخْطَةً ... بالغَيْب في فعْل ولا قَوْل )
قال فتطير إبراهيم ووضع القدح من يده وقال أعوذ بالله من شر ما قلت فوالله ما سكت وأخذنا نتلافى إبراهيم إذ أتى حاجبه يعدو فقال ما لك فقال خرج الساعة مسرور من دار أمير المؤمنين حتى دخل إلى جعفر بن يحيى فلم يلبث أن خرج ورأسه بين يديه وقبض على أبيه وإخوته فقال إبراهيم ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ارفع يا غلام ارفع فرفع ما كان بين أيدينا وتفرقنا فما رأيت عمرا بعدها في داره
كان يستطيب الشراب عند هبوب الجنوب
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى الكاتب قال حدثني محمد بن يحيى بن بسخنر قالكنت عند إبراهيم بن المهدي بالرقة وقد عزمنا على الشراب ومعنا محمد بن أمية في يوم من حزيران فلما هممنا بذلك هبت الجنوب وتلطخت السماء بغيم وتكدر ذلك اليوم فترك إبراهيم بن المهدي الشرب ولحقه صداع وكان يناله ذلك مع هبوب الجنوب فافترقنا فقال لي محمد بن أمية ما أحب إلي ما كرهتموه من الجنوب فإن أنشدتك بيتين مليحين في
معناهما تساعدني على الشرب اليوم قلت نعم فأنشدني
( إنّ الجنوبَ إذا هبَّت وجدتُ لها ... طِيباً يذكِّرني الفِردوسَ إنْ نَفَحَا )
( لمَّا أتَتْ بنسيم منكِ أعرِفه ... شوْقاً تَنَفَّستُ واستقبلْتها فَرِحا )
فانصرفت معه إلى منزله وغنيت في هذين البيتين وشربنا عليهما بقية يومنا
وجدت في بعض الكتب بغير إسناد أهدت جارية يقال لها خداع إلى محمد بن أمية وكان يهواها تفاحة مفلجة منقوشة مطيبة حسنة فكتب إليها محمد
( خِدَاعُ أهديتِ لنا خُدْعةً ... تُفَّاحةً طيِّبةَ النَّشْرِ )
( ما زلتُ أرجوكِ وأخْشَى الهوى ... مُعْتصِما بالله والصَّبر )
( حتى أتتني منكِ في ساعةٍ ... زَحْزَحَتِ الأحزانَ عن صَدري )
( حشوتِها مِسْكاً ونقَّشتِها ... ونَقْشُ كفيكِ من النَّحر )
( سَقْياً لها تفاحةً أُهديَت ... لو لم تكُنْ من خُدَعِ الدَّهْر )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن جعفر اليقطيني قال حدثني أبي جعفر بن علي بن يقطين قال كنت أسير أنا ومحمد بن أمية في شارع الميدان فاستقبلتنا جارية كان محمد يهواها ثم بيعت وهي راكبة فكلمها فأجابته بجواب أخفته فلم يفهمه فأقبل علي وقد تغير لونه فقال
( يا جعفرُ بن عليّ وابن يقطينِ ... أليْسَ دونَ الذي لاقيتُ يَكْفِيني )
( هذا الذي لم تَزلْ نَفْسي تخوفُني ... منها فأيْنَ الذي كانَتْ تُمَنِّيني )
( خاطَرْتُ إذ أقبلتْ نحوي وقلتُ لها ... تَفدِيكِ نفسي فداءً غيرَ مَمْنون )
( فخاطبتني بما أخْفَته فانصرفت ... نفسي بظَّنْين مخشِيٍّ ومأمون )
حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال كنت بين يدي المنتصر جالسا فجاءته رقعة لا أعلم ممن هي فقرأها وتبسم ثم إنه اقبل علي وأنشد
( لطافةُ كاتبٍ وخشوعُ صبٍّ ... وفِطْنةُ شاعرٍ عندَ الجوَاب )
ثم أقبل علي فقال من يقول هذا يا يزيد فقلت محمد بن أمية يا أمير المؤمنين فضحك وقال كأنه والله يصف ما في هذه الرقعة
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني حذيفة بن محمد قال كنت أنا وابن قنبر عند محمد بن أمية بعقب بيع جارية كان يحبها وقد لحقه عليها وله كالجنون فجعل ابن قنبر وأخوه علي بن أمية يعاتبانه على ما يظهر منه فأقبل بوجهه عليهما ثم قال
( لو كنتَ جَرَّبْتَ الهوى يابن قَنْبَرٍ ... كوصفك إياه لأَلهاك عن عذْلي )
( أنا وأخي الأدنى وأنت لها الفِدا ... وإن لم تكونا في مودّتها مثلي )
( أأنْ حُجبتْ عني أجود لغيرها ... بودّي وهل يُغْري المحبَّ سوى البُخْل )
( أسَرّ بأن قالوا تَضَنّ بودّها ... عليك ومن ذا سُرّ بالبخل من قبلي )
قال فضحك ابن قنبر وقال إذا كان الأمر هكذا فكن أنت الفداء
لها وإن ساعدك أخوك فاتفقا على ذلك وأما أنا فلست أنشط لأن أساعدك على هذا وافترقنا
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أنشدني محمد بن الحسن بن الحزور لمحمد بن أمية في جارية كان يهواها وقطع الصوم بينهما فقال يخاطب محمد بن عثمان بن خريم المري
( قفا فابكيا إن كنتُما تجدان ... كوَجْدِي وإن لم تَبْكيا فدَعاني )
( ففي الدَّمْع مما تُضْمر النفس راحةٌ ... إذا لم أطِقْ إظهارَه بلساني )
( أَغَضُّ بأسراري إذا ما لقيتُها ... فأُبْهَتُ مشدوهاً أعضُّ بناني )
( فيا بن خُريم يا أخي دون إخوتي ... ومن هُوَ لي مِثلي بكل مكان )
( تأمّلْ أحظِّي من خِداعَ وحبِّها ... سوى خُدَع تُذْكي الهوى وأماني )
( وأصبح شهرُ الصوم قد حال بيننا ... فيا ليتَ شوَّالاً أتى بزمان )
أنشدني جعفر بن قدامة قال أنشدني عبد الله بن المعتز قال أنشدني أبو عبد الله الهشامي لمحمد بن أمية وفيه غناء لمتيم قال واستحسنه عبد الله
صوت
( عجَباً عجبتُ لمُذنبٍ متغَضِّبِ ... لولا قبيحُ فَعاله لم أعْجَبِ )( أخِداعُ طالَ على الفراش تقلُّبي ... وإليكِ طولُ تشوّقي وتطرّبي )
( لهفي عليكِ وما يردّ تلهفي ... قصرت يداي وعزّ وجه المطلب )
الغناء لمتيم فيه لحنان رمل عن ابن المعتز وخفيف رمل عن الهشامي وهذا من شعر محمد فيها بعد أن بيعت قال وغنتنا هزار هذا الصوت يومئذ
حدثني عمي قال حدثنا أحمد بن محمد الفيرزان قال حدثني شيبة بن هشام قال
دعانا محمد بن أمية يوما ووجه إلىجارية كان يحبها فدعاها وبعث إلى مولاها يحدرها مع رسوله فأبطأ الرسول حتى انتصف النهار ثم عاد وليست معه وقال أخذوا مني الدراهم ثم ردوها علي ورأيتهم مختلطين ولهم قصة لم يعرفونيها وقالوا ليست ها هنا فإن عادت بعثنا بها إليكم فتنغص عليه يومه وتغير وجهه وتجمل لنا ثم بكرنا من غد بأجمعنا إلى منزل مولاها فإذا هي قد بيعت فوجم طويلا وسار حتى إذا خلا لنا الطريق اندفع باكيا فما أنسى حرقة بكائه وهو ينشدني
( تخطَّى إليَّ الدهرُ من بين من أرى ... وسوءُ مقاديرٍ لهنَّ شؤون )
( فشتَّتَ شملي دون كلِّ أخي هوًى ... وأقْصَدَني بلْ كلَّهم سَيَبِين )
( ومهما تكُن من ضَحْكة بعد فَقْدها ... فإني وإن أظهرتُها لحزين )
( سلامٌ على أيَّامِنا قبل هذه ... إذِ الدارُ دارٌ والسرورُ فنون )
قال ومضت على ذلك مدة ثم أخبرني أنه اجتاز بها وهي تنظر من وراء شباك فسلم عليها فأومأت بالسلام إليه ودخلت فقال
( تُطالعُني على وجلٍ خِداعُ ... من الشَّبَكِ التي عُملت حَدِيدا )
( مُطَالِعتي قِفي بالله حتَّى ... أزَوِّدَ مقْلتِي نظراً جديدا )
( فقالتْ إنْ سَها الواشون عنَّا ... رجَوْنا أن تَعُود وأن نَعودا )
وأنشدني أيضا في ذلك
صوت
( يا صاحبَ الشَّبَكِ الذي اسْتَخْفَى ... مكانُكَ غيرُ خَافِ )( أفَمَا رأيتَ تلدُّدي ... بِفناء قَصْركَ واختلافي )
( أو ما رحمت تَخشُّعي ... وتلفُّتِي بَعْدَ انصرافي )
صوت
( إنّ الرجالَ لهم إليكِ وسيلةٌ ... إنْ يَأْخذوكِ تكحَّلي وتخضَّبي )
( وأنا امْرؤٌ إن يأخذوني عَنْوةً ... أُقْرنْ إلى سَيْر الركاب وأُجْنَبِ )
( ويكون مَرْكَبُك القعودَ وحِدْجَه ... وابنُ النّعامةِ يومَ ذلك مَرْكبي )
عروضه من الكامل قال ابن الأعرابي في تفسير قوله
( وابنُ النعامةِ يومَ ذلك مَرْكبي ... )
ابن النعامة ظل الإنسان أو الفرس أو غيره قال جرير
( إذْ ظَلَّ يَحْسَبُ كلَّ شيءٍ فارسا ... ويرى نعامة ظِلِّه فَيَحُولُ )
يعني بنعامة ظله جسده وقال أبو عمرو الشيباني النعامة ما يلي الأصابع في مقدم الرجل يقول مركبي يومئذ رجلي وقال الجاحظ ذكر علماؤنا البصريون أن النعامة اسم فرسه يقول إني أشد على ركابي السرج فإذا صار للفرس وهو الذي يسمى النعامة ظل وأنا مقرون إليه صار ظله تحتي فكنت راكبا له وجعل ظلها هاهنا ابنها
الشعر للحارث بن لوذان بن عوف بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن
ذهل بن ثعلبة وقال ابن سلام لخزز بن لوذان ومن الناس من ينسب هذا الشعر إلى عنترة وذلك خطأ وأحد من نسبه إليه إسحاق الموصلي والغناء لعزة الميلاء وأول لحنها
( لمِنَ الديارُ عرفتها بالشُّرْبُبِ ... ذهب الذين بها ولمّا تذهبِ )
وبعده إن الرجال
وطريقته من خفيف الثقيل الأول بالبنصر من روايتي حماد وابن المكي وفيه للهذيل خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وفيه لعريب خفيف رمل وفيه لعزة المرزوقية لحن وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات هذا اللحن لريق سلخت لحن ومخنث شهد الزفاف وقبله فجعلته لهذا وهو لحن محرك يشبه صنعة ابن سريج وصنعة حكم في محركاتهما فمن هنا يغلط فيه ويظن أنه قديم الصنعة
ابن أبي عتيق يعجب بغناء عزة الميلاء
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثت عن صالح بن حسان قال كان ابن أبي عتيق معجبا بغناء عزة الميلاء كثير الزيارة لها وكان يختار عليها قوله ( لمن الديار عرفتها بالشُّرْبُبِ ... )
فسألها يوما زيارته فأجابته إلى ذلك ومضت نحوه فقال لها بعد أن استقر بها المجلس يا عزة أحب أن تغنيني صوتي الذي أنا له عاشق فغنته هذا الصوت فطرب كل الطرب وسر غاية السرور
وكانت له جارية وكان فتى من أهل المدينة كثيرا ما يعبث بها فأعلمت ابن أبي عتيق بذلك فقال لها قولي له وأنا أحبك فإذا قال لك وكيف لي بك فقولي له مولاي يخرج غدا إلى مال له فإذا خرج أدخلتك المنزل وجمع ابن أبي عتيق ناسا من أصحابه فأجلسهم في بيته ومعهم عزة الميلاء وأدخلت الجارية الرجل وقال لعزة غني فأعادت الصوت وخرجت الجارية فمكثت ساعة ثم دخلت البيت كأنها تطلب حاجة فقال لها تعالي فقالت الآن آتيك ثم عادت فدعاها فاعتلت فوثب فأخذها فضرب بها الحجلة فوثب ابن أبي عتيق عليه هو وأصحابه فقال لهم وهو غير مكترث يا فساق ما يجلسكم هاهنا مع هذه المغنية فضحك ابن أبي عتيق من قوله وقال له استر علينا ستر الله تعالى عليك فقالت له عزة يا بن الصديق ما أظرف هذا لولا فسقه فاستحيا الرجل فخرج وبلغه أن ابن عتيق قد آلى إن هو وقع في يده أن يصير به إلى السلطان فأقبل يعبث بها كلما خرجت فشكت ذلك إلى مولاها فقال لها أو لم يرتدع من العبث بك قالت لا قال فهيئي الرحى وهيئي من الطعام طحين ليلة إلى
الغداة فقالت أفعل يا مولاي فهيأت ذلك على ما أمرها به ثم قال لها عديه الليلة فإذا جاء فقولي له إن وظيفتي الليلة طحن هذا البر كله ثم اخرجي من البيت واتركيه ففعلت فلما دخل طحنت الجارية قليلا ثم قالت له إن كفت الرحى فإن مولاي جاء إلي أو بعض من وكله بي فاطحن حتى نأمن أن يجيئنا أحد ثم اصير إلى قضاء حاجتك ففعل الفتى ومضت الجارية إلى مولاها وتركته وقد أمر ابن أبي عتيق عدة من مولياته أن يتراوحن على سهر ليلتهن ويتفقدن أمر الطحين ويحثثن الفتى عليه كلما أمسك ففعلن وجعلن ينادينه كلما كف يا فلانة إن مولاك مستيقظ والساعة يعلم أنك كففت عن الطحن فيقوم إليك بالعصا كعادته مع من كانت نوبتها قبلك إذا هي نامت وكفت عن الطحن فلم يزل الفتى كلما سمع ذلك الكلام يجتهد في العمل والجارية تتعهد وتقول قد استيقظ مولاي والساعة ينام فأصير إلى ما تحب فلم يزل الرجل يطحن حتى أصبح وفرغ من جميع القمح فلما فرغ وعلمت الجارية أتته فقالت قد أصبحت فانج بنفسك فقال أوقد فعلتها يا عدوة الله فخرج تعبا نصبا فأعقبه ذلك مرضا شديدا أشرف منه على الموت وعاهد الله تعالى ألا يعود إلى كلامها فلم تر منه بعد ذلك شيئا ينكر
صوت
( أجَدَّ اليومَ جيرتُك احتمالا ... وحثَّ حُداتُهمْ بهمُ عِجالا )( وفي الأظعان آنِسة لعوب ... ترى قتلي بغير دمٍ حلالا )
عروضه من الوافر الشعر للمتوكل الليثي والغناء لابن محرز ثاني ثقيل
بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لابن مسجح ثاني ثقيل آخر بالخنصر في مجرى البنصر عنه وذكر حبش أن هذا اللحن لابن سريج وفيه لإسحاق هزج
نسب المتوكل الليثي وأخباره
هو المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط ابن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار من شعراء الإسلام وهو من أهل الكوفة كان في عصر معاوية وابنه يزيد ومدحهما ويكنى أبا جهمة وقد اجتمع مع الأخطل وناشده عند قبيصة بن والق ويقال عند عكرمة بن ربعي الذي يقال له الفياض فقدمه الأخطلوهذه القصيدة التي أولها الغناء قصيدة هجا بها عكرمة بن ربعي وخبره معه يذكر بعد
أخبرني بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي عن الزبير بن بكار عن عمه
وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال أخبرني هارون بن مسلم قال حدثني حفص بن عمر العمري عن لقيط بن بكير المحاربي قال قدم الأخطل الكوفة فنزل على قبيصة بن والق فقال المتوكل بن عبد الله الليثي لرجل من قومه انطلق بنا إلى الأخطل نستنشده ونسمع من شعره فأتياه فقالا أنشدنا يا أبا مالك فقال إني لخاثر يومي هذا فقال له المتوكل
أنشدنا أيها الرجل فوالله لا تنشدني قصيدة إلا أنشدتك مثلها أو أشعر منها من شعري قال ومن أنت قال أنا المتوكل قال أنشدني ويحك من شعرك فأنشده
( للغانِيات بذي المجاز رسومُ ... فبِبطن مكة عهْدُهنّ قديمُ )
( فبِمَنْحرِ البُدْنِ المقلَّد من مِنًى ... حِلَلٌ تلوح كأنهنّ نجومُ )
( لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ )
( والهَمُّ إن لم تُمضه لسبيله ... داءٌ تضمَّنه الضلوعُ مُقيمُ )
غنى في هذه الأبيات سائب خاثر من رواية حماد عن أبيه ولم يجنسه قال وأنشده أيضا
( الشِّعْر لُبُّ المرءِ يَعرِضُه ... والقولُ مثلُ مواقع النَّبْلِ )
( منها المقصِّرُ عن رميَّتهِ ... ونوافذٌ يذهْبن بالخَصْلِ )
قال وأنشده أيضا
( إنّنا معشرٌ خُلِقْنا صُدُورا ... من يسوِّي الصُّدورَ بالأذنابِ )
فقال له الأخطل ويحك يا متوكل لو نبحت الخمر في جوفك كنت أشعر الناس
ما قاله في زوجه رهيمة
قال الطوسي قال الأصمعي كانت للمتوكل بن عبد الله الكناني امرأة يقال لها رهيمة ويقال أميمة وتكنى أم بكر فأقعدت فسألته الطلاق فقال ليس هذا حين طلاق فأبت عليه فطلقها ثم إنها برئت بعد الطلاق فقال في ذلك( طربتُ وشاقني يا أمَّ بكرٍ ... دعاءُ حمامةٍ تدعو حَماما )
( فبتُّ وبات همِّي لي نجِياً ... أعَزّي عنكِ قلبا مُستَهاما )
( إذا ذُكِرتْ لقلبكَ أمُّ بكرٍ ... يبيت كأنما اغتبق المُداما )
( خَدَلَّجة ترِفُّ غُروبُ فيها ... وتكسو المتْنَ ذا خُصَلٍ سُخاما )
( أبى قلبي فما يهوى سِواها ... وإن كانت مودّتها غراما )
( ينام الليلَ كلُّ خلِيِّ همٍّ ... وتأْبَى العَيْنُ منِّي أنْ تَناما )
( أُرَاعِي التّالياتِ من الثّريا ... ودَمعُ العَيْنِ مُنحدِرٌ سِجاما )
( على حينَ ارعويت وكان رأسي ... كأنَّ على مفارقه ثَغَاما )
( سعى الواشون حتى أزعجوها ... ورثَّ الحبل فانجذَم انجِذاما )
( فلسْتُ بزائلٍ ما دمتُ حيًّا ... مُسِرًّا من تذكُّرها هُيَاما )
( تُرجِّيها وقد شَحطت نَواها ... ومنَّتكَ المُنَى عاماً فعاما )
( خدَلّجة لها كَفَلٌ وثِير ... ينوءُ بها إذا قامت قِياما )
( مُخَصّرةٌ ترى في الكشْحِ منها ... على تثْقِيل أسفلِها انهضاما )
( إذا ابتسمت تلألأ ضوءُ برق ... تهلّل في الدّجُنَّة ثم دَاما )
( وإن قامت تأمّلَ رائِياها ... غمامة صيِّفٍ ولجت غماما )
( إذا تمشى تقولُ دبيبُ أَيْم ... تعرّجَ ساعةً ثم استقاما )
( وإن جلست فدُمْيةُ بيتِ عِيدٍ ... تُصانُ ولا تُرى إلا لماما )
( فلو أشكُو الذي أشكو إليها ... إلى حجر لراجعني الكلاما )
( أحِبُّ دُنُوّها وتُحِبّ نأْيي ... وتعتام التنائي لي اعتياما )
( كأني من تذكُّر أم بكرٍ ... جريحُ أسنَّةٍ يشكو كِلاما )
( تَساقطُ أنفساً نَفْسِي عليها ... إذا شَحَطت وتغْتَم اغتماما )
( غشِيتُ لها منازلَ مقْفِراتٍ ... عفَتْ إلا الأياصِرَ والثُّماما )
( ونؤْياً قد تهدّم جانِباه ... ومبناها بذي سلم خِياما )
( صليني واعلمِي أني كريمٌ ... وأنّ حَلاوتي خُلِطت عُراما )
( وأني ذو مُجامحةٍ صَليبٌ ... خُلِقت لمن يماكِسني لجاما )
( فلا وأبيكِ لا أنساكِ حتى ... تُجاوِبَ هَامتي في القبر هاما )
مدحه حوشبا الشيباني
والقصيدة التي فيها الغناء المذكور في أول خبر المتوكل يقولها أيضا في امرأته هذه ويمدح فيها حوشبا الشيباني ويقول فيها( إذا وعدَتْكَ معروفاً لوتْه ... وعَجّلتِ التّجرُّم والمِطالا )
( لها بشر نقيّ اللون صافٍ ... ومتنٌ حُطَّ فاعتدل اعتدالا )
( إذا تمشي تأوّد جانِباها ... وكاد الخصر ينخزل انخزالا )
( تنوء بها روادفها إذا ما ... وِشاحاها على المتْنينِ جالا )
( فإن تصبح أميمةُ قد تولَّتْ ... وعاد الوصل صرْما واعتلالا )
( فقد تدنو النوى بعد اغتراب ... بها وتفرِّقُ الحيَّ الحِلالا )
( تُعبِّسُ لي أميمة بُعد أَنس ... فما أدري أسخطاً أم دلالا )
( أبيني لي فرب أخ مصافٍ ... رزئتُ وما أحِبِّ به بِدالا )
( أصرمٌ منكِ هذا أم دلالٌ ... فقد عَني الدلال إذاً وطالا )
( أم استبدلتِ بي ومللتِ وصلي ... فُبوحي لي به ودعي المِحالا )
( فلا وأبيك ما أهوى خليلاً ... أقاتِله على وصلي قتالا )
( وكم من كاشح يا أمّ بكرٍ ... من البغضاء يأتكِل ائتكالا )
( لبستُ على قناعٍ من أذاه ... ولولا اللهُ كنتُ له نَكَالا )
ومما يغني به من هذه القصيدة قوله
صوت
( أنا الصقر الذي حُدّثتَ عنه ... عِتاق الطير تنْدَخل اندخالا )( رأيت الغانياتِ صدفْن لما ... رأين الشيبَ قد شَمل القَذَالاّ )
( فلم يُلووا إذا رحلوا ولكن ... تولّت عِيرُهم بهمُ عِجالا )
غنى فيه عمر الوادي خفيف رمل عن الهشامي وذكر حبش أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى وأحسبه مضافا إلى لحنه الذي في أول القصيدة
وقال الطوسي قال أبو عمرو الشيباني
هجاؤه معن بن حمل
هجا معن بن حمل بن جعونة بن وهب أحد بني لقيط بن يعمر المتوكل ابن عبد الله الليثي وبلغ ذلك المتوكل فترفع عن أن يجيبه ومكث معن سنين يهجوه والمتوكل معرض عنه ثم هجاه بعد ذلك وهجا قومه من بني الديل هجاء قذعا استحيا منه وندم ثم قال المتوكل لقومه يعتذر ويمدح يزيد بن معاوية( خليليّ عُوجا اليومَ وانتظراني ... فإن الهوى والهمَّ أمُّ أبانِ )
( هي الشمسُ يدنو قريباً بعيدُها ... أرى الشمس ما أسْطِيعُها وتراني )
( نأت بعد قربٍ دارُها وتبدّلت ... بنا بَدَلاً والدهرُ ذو حَدَثَانِ )
( فهاج الهوى والشوقَ لي ذكرُ حُرّةٍ ... من المرْجَحِنَّات الثقالِ حَصَانِ )
غنى في هذه الأبيات ابن محرز من كتاب يونس ولم يجنسه
( سيعلم قومي أنني كنتُ سُورةً ... من المجد إنْ داعي المنون دَعاني )
( ألا ربّ مسرورٍ بموتيَ لو أتَى ... وآخرَ لو أنْعى له لبَكانِي )
( خَليليّ ما لاَمَ امرأً مثلُ نفسِه ... إذا هي لامت فاربعَا ودعانِي )
( ندمتُ على شتمِي العشيرَةَ بعدما ... تغنَّى بها غَورِي وحنَّ يماني )
( قلبت لهم ظهرَ المجَنّ وليتني ... رجعتُ بفضلٍ من يدي ولسَاني )
( على أنني لم أرم في الشعرِ مسْلِماً ... ولم أهجُ إلا من روى وهجاني )
( هُمُ بَطروا الحلَم الذي من سَجِيَّتي ... فبدّلت قومي شدّةً بليان )
( ولو شئْتُمُ أولادَ وهبٍ نزعتُمُ ... ونحنُ جميعٌ شمْلُنا أَخَوانِ )
( نهيتُمْ أخاكم عن هجائي وقد مضَى ... له بعد حول كاملٍ سنتان )
( فلجَّ ومَنَّاه رجالٌ رأيتُهُم ... إذا قارنوني يكرهون قِراني )
( وكنتُ امرأ يأبى ليَ الضيمَ أنني ... صَرومٌ إذا الأمرُ المُهِمُّ عَناني )
( وَصُولٌ صرومٌ لا أقول لمُدْبر ... هلمَّ إذا ما اغْتَشَّني وعَصاني )
( خليليّ لو كنتُ امرأ بيَ سقطةٌ ... تضعضعْتُ أو زلَّتْ بِيَ القدمان )
( أعيش على بَغْي العُداةِ ورغمِهم ... وآتي الّذي أَهوَى على الشنآن )
( ولكِنّني ثَبْتُ المَريرة حازمٌ ... إذا صاح طُلاَّبي ملأت عِناني )
( خليليّ كم من كاشح قد رميته ... بقافيةٍ مشهورةٍ ورماني )
( فكان كذات الحيْض لم تُبق ماءها ... ولم تُنْقِ عنها غُسْلَها لأوان )
ثم إنه يقول فيها ليزيد بن معاوية
( أبا خالدٍ حنّت إليك مطيّتي ... على بعد منتاب وهَوْل جَنان )
( أبا خالد في الأرض نأيٌ ومَفْسَح ... لِذِي مِرّة يُرمى به الرَّجَوان )
( فكيفَ ينام الليلَ حرٌّ عَطَاؤه ... ثلاثٌ لرأس الحولِ أو مائتان )
( تناهت قُلوصي بعد إسآدِيَ السُّرى ... إلى ملك جزلِ العطاءِ هِجان )
( ترى الناس أفواجاً ينوبون بابَه ... لبِكرٍ من الحاجات أو لعوَان )
فأجابه معن بن حمل فقال
( ندِمتَ كذاك العبدُ يندم بعد ما ... غُلِبتَ وسار الشعر كلَّ مكانِ )
( ولاقيْت قَرْما في أَرُومةِ ماجدٍ ... كريماً عزيزاً دائمَ الخَطَرانِ )
( أنا الشاعر المعروف وجْهي ونِسبتي ... أَعفُّ وتحميني يدي ولساني )
( وأغلِبُ من هاجيتُ عفواً وأنتمي ... إلى معشرٍ بِيضِ الوجوه حِسانِ )
( فهاتِ إذاً يابنَ الأتان كصاحبِ الملوك أبي أسيِّد كَمُهانِ )
( فهاتِ كزيدٍ أو كَسَيْحانَ لا تجِد ... لهمْ كفُواً أَو يُبعث الثقلاَن )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا العتيبي عن العباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قال أتى المتوكل الليثي عكرمة بن ربعي الذي يقال له الفياض فامتدحه فحرمه فقيل له جاءك شاعر العرب فحرمته فقال ما عرفته فأرسل إليه بأربعة آلاف درهم فأبى أن يقبلها وقال حرمني على رؤوس الناس ويبعث إلي سرا
فبينا المتوكل بالحيرة وقد رمد رمدا شديد فمر به قس منهم فقال مالك قال رمدت قال أنا أعالجك قال فافعل فذره فبينا القس عنده وهو مذرور العين مستلق على ظهره يفكر في هجاء عكرمة وذلك غير مطرد له ولا القول في معناه إذ أتاه غلام له فقال بالباب امرأة تدعوك فمسح عينيه وخرج إليها فسفرت عن وجهها فإذا الشمس طالعة حسنا فقال لها ما اسمك قالت أمية قال فممن أنت فلم تخبره قال فما حاجتك قالت بلغني أنك شاعر فأحببت أن تنسب بي في شعرك فقال أسفري ففعلت فكر طرفه في وجهها مصعدا ومصوبا ثم تلثمت وولت عنه
فاطرد له القول الذي كان استصعب عليه في هجاء عكرمة وافتتحه بالنسيب فقال
( أَجدَّ اليومَ جيرتُكَ احتمالا ... وحثَّ حُداتُهم بِهِمُ الجِمالا )
( وفي الأظعان آنِسَةٌ لَعُوبٌ ... ترى قتْلي بغير دمٍ حَلالا )
( أُمَيّةُ يوم دَيْرِ القَسِّ ضنَّت ... علينا أن تُنوِّلنا نَوالا )
( أِبيني لي فربّ أخٍ مصافٍ ... رُزِئت وما أحب به بِدالا )
وقال فيها يهجو عكرمة
( أقلني يابن رِبعي ثَنائي ... وهبها مِدحة ذهبت ضلالا )
( وهبْها مِدحة لم تُغنِ شيئاً ... وقولاً عاد أكثرهُ وبالا )
( وجدنا العِزَّ من أولاد بكرٍ ... إلى الذُّهْلين يرجِع والفِعالا )
( أعكرِمَ كنتُ كالمبتاع داراً ... رأى بَيْعَ الندامةِ فاستقالا )
( بنُو شيْبَان أكرمُ آل بكرٍ ... وأمتَنُهم إذا عقدوا حِبالا )
( رِجال أُعطِيتْ أحلامَ عادٍ ... إذا نطقوا وأيدِيَها الطوالا )
( وتيمُ اللهِ حيٌّ حيُّ صِدقٍ ... ولكنْ الرِّحَى تعلو الثِّفالا )
صوت
( سقى دِمنتين لم نجِد لهما أهلا ... بحقلٍ لكم يا عزَّ قد رابني حَقْلا ) ( فيا عزَّ إن واشٍ وشى بي عندكم ... فلا تُكرِميه أن تقولي له مهلا )
( كما نحن لو واشٍ وشى بِك عندنا ... لقلنا تزحزحْ لا قرِيباً ولا سَهْلا )
( ألم يأْن لي يا قلبِ أن أترك الجهلا ... وأن يُحدِث الشيبُ الملِمُّ ليَ العقْلا )
( على حينَ صار الرأس منّي كأنما ... علت فوقه ندَّافةُ العُطُبِ الغزْلاَ )
عروضه من الطويل الدمن آثار الديار واحدتها دمنة والحقل الأرض التي يزرع فيها والعطب هو القطن
الشعر لكثير كله إلا البيت الأول فإنه انتحله وهو للأفوه الأودي والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي في الثلاثة الأبيات الأول متوالية وذكر حبش أنه لمعبد وفي الرابع والخامس والثاني والثالث لحنين ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه ثقيل أول بالبنصر وذكر ابن المكي أنه لمعبد وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي
نسب الأفوه الأودي وشيء من أخباره
الأفوه لقب واسمه صلاءة بن عمرو بن مالك بن عوف بن الحارث بن عوف بن منبه بن أود بن الصعب بن سعد العشيرة وكان يقال لأبيه عمرو بن مالك فارس الشوهاء وفي ذلك يقول الأفوه( أبي فارسُ الشوهاء عمرو بن مالكٍ ... غداة الوغى إذ مال بالجد عاثِر )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال كان الأفوه من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم وكانوا يصدرون عن رأيه والعرب تعده من حكمائها وتعد داليته
( معاشر ما بنوا مجداً لقومهُم ... وإن بنى غيرُهم ما أفسدوا عادوا )
ومن حكمة العرب وآدابها فأما البيت الذي اخذه كثير من شعر الأفوه وأضافه إلى أبياته التي ذكرناها وفيها الغناء آنفا فإنه من قصيدة يقول فيها
( نُقاتِل أقواماً فنسْبِي نساءَهم ... ولم يرَ ذو عزٍّ لنسوتنا حِجْلا )
( نقود ونأبى أن نُقَاد ولا نرى ... لقومٍ علينا في مُكارَمةٍ فضلا )
( وإنا بِطاء المشي عند نسائنا ... كما قَيَّدتْ بالصّيف نجْديّةٌ بزلا )
( نظل غَيارى عند كل ستيرةٍ ... نُقلِّب جيداً واضحاً وشَوًى عبْلا )
( وإنا لنعطِي المالَ دون دمائنا ... ونأبى فما نَسْتَام دون دمٍ عقلا )
قال أبو عمرو الشيباني قال الأفوه الأودي هذه الأبيات يفخر بها على قوم من بني عامر كانت بينه وبينهم دماء فأدرك بثأره وزاد وأعطاهم ديات من قتل فضلا على قتلي قومه فقبلوه وصالحوه
وقال أبو عمرو أغارت بنو أود وقد جمعها الأفوه على بني عامر فمرض الأفوه مرضا شديدا فخرج بدله زيد بن الحارث الأودي وأقام الأفوه حتى أفاق من وجعه ومضى زيد بن الحارث حتى لقي بني عامر بتضارع وعليهم عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب فلما التقوا عرف بعضهم بعضا فقال لهم بنو عامر ساندونا فما أصبنا كان بيننا وبينكم فقالت بنو أود وقد أصابوا منهم رجلين لا والله حتى نأخذ بطائلتنا فقام أخو المقتول وهو رجل من بني كعب بن أود فقال يا بني أود والله لتأخذن
بطائلتي أو لأنتحين على سيفي فاقتتلت أود وبنو عامر فظفرت أود وأصابت مغنما كثيرا فقال الأفوه في ذلك
صوت
( ألا يا لهف لو شهدتْ قناتي ... قبائلَ عامرٍ يوم الصبيب )( غداة تجمعت كعبٌ إلينا ... حلائبَ بين أفناء الحروب )
( فلمّا أن رأوْنا في وَغَاها ... كآساد الغَريفة والحجيب )
( تداعوْا ثم مالُوا عن ذراها ... كفعل الخامعات من الوجيب )
( وطاروا كالنَّعام ببطن قَوٍّ ... مُواءلَة على حذر الرقيبِ )
صوت
( كأن لم تَريْ قبلي أسيراً مكُبّلا ... ولا رَجُلا يُرْمَى به الرّجَوانِ )
( كأني جوادٌ ضَمَّه القيدُ بعدما ... جرى سابقاً في حَلبةٍ ورهان )
الشعر لرجل من لصوص بني تميم يعرف بأبي النشناش والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر من روايتي علي بن يحيى والهشامي
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد ابن حبيب قال كان أبو النشناش من ملاص بني تميم وكان يعترض القوافل في شذاذ من العرب بين طريق الحجاز والشام فيجتاحها فظفر به بعض عمال مروان فحبسه وقيده مدة ثم أمكنه الهرب في وقت غرة فهرب فمر بغراب على بانة ينتف ريشه وينعب فجزع من ذلك ثم مر بحي من لهب فقال لهم رجل كان في بلاء وشر وحبس وضيق فنجا من ذلك ثم نظر عن يمينه فلم ير شيئا ونظر عن يساره فرأى غرابا على شجرة بان ينتف ريشه وينعب فقال له اللهبي إن صدقت الطير يعاد إلى حبسه وقيده ويطول ذلك به ويقتل ويصلب فقال له بفيك الحجر قال لا بل بفيك وأنشأ يقول
( وسائلةٍ أين ارتحالي وسائلٍ ... ومن يسأل الصُّعلوكَ أين مذاهِبُهْ )
( مذاهِبه أنّ الفِجاج عرِيضةٌ ... إذا ضنّ عنه بالنَّوال أقارِبه )
( إذا المرءُ لم يَسْرحْ سَوَاماً ولم يُرِح ... سَواماً ولم يبسُط له الوجهَ صاحبه )
( فلَلموْت خيرٌ للفتى من قُعُودِه ... عديماً ومن مولًى تُعاف مشارِبه )
( ودَوِّيّةٍ قفرٍ يَحارُبها القطا ... سرَت بأبي النّشْناش فيها ركائبهُ )
( لِيُدرِكَ ثأراً أو ليكْسِب مغْنَماً ... ألا إنّ هذا الدهر تترى عجائبه )
( فلم أر مثلَ الفقرِ ضاجَعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق طالِبُه )
( فعِش مُعذِراً أو مت كريماً فإنني ... أرى الموت لا يبقى على من يطالبه )
صوت
( أصادِرةٌ حُجَّاج كعبٍ ومالكٍ ... على كل فتلاء الذراعينِ محنِق )( أقام قناة الودّ بيني وبينه ... وفارقني عن شيمة لم تُرَنَّق )
عروضه من الطويل الصادر المنصرف وهو ضد الوارد وأصله من ورود الماء والصدر عنه ثم يقال لكل مقبل إلى موضع ومنصرف عنه وكعب من خزاعة ومالك يعني مالك بن النضر بن كنانة وكان كثير ينتمي وينمي خزاعة إليهم ومحنق ضامرة والشيمة الخلق والطبيعة وترنق تكدر والرنق الكدر
الشعر لكثير عزة يرثي خندقا الأسدي والغناء للهذلي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر من رواية إسحاق وفي الثاني من البيتين ثم الأول
لسياط رمل بالبنصر عنه وعن الهشامي وعمرو وفيهما لمعبد لحن ذكره يونس ولم يجنسه وفي رواية حماد عن أبيه أن لحن الهذلي من الثقيل الأول فإن كان ذلك كذلك فالثقيل الثاني لمعبد وذكر أحمد بن عبيد أن الذي صح فيه ثقيل أول أو ثاني ثقيل
خبر كثير وخندق الأسدي الذي من أجله قال هذا الشعر
حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن حبيب وأخبرني وكيع قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن ابن داحة قالوا كان خندق بن مرة الأسدي هكذا قال النوفلي وغيره يقول خندق بن بدر صديقا لكثير وكانا يقولان بالرجعة فاجتمعا بالموسم فتذاكرا التشيع فقال خندق لو وجدت من يضمن لي عيالي بعدي لوقفت بالموسم فذكرت فضل آل محمد وظلم الناس لهم وغصبهم إياهم على حقهم ودعوت إليهم وتبرأت من أبي بكر وعمر فضمن كثير عياله فقام ففعل ذلك وسب أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما وتبرأ منهماقال عمر بن شبة في خبره فقال أيها الناس إنكم على غير حق قد تركتم أهل بيت نبيكم والحق لهم وهم الأئمة ولم يقل إنه سب أحدا فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه ودفن خندق بقنونى فقال إذ ذاك كثير يرثيه
( أصادِرة حُجَّاج كعبٍ ومالكٍ ... على كل عَجْلَى ضامرِ البطن مُحْنِقِ )
( بمرثيةٍ فيها ثناء مُحبَّرٌ ... لأزهرَ من أولاد مرة مُعْرِق )
( كأنَّ أخاه في النوائب مُلْجَأ ... إلى علمٍ من ركن قُدْسَ المُنطَّقِ )
( ينال رجالاً نفعه وهو منهمُ ... بعيدٌ كعيُّوق الثريّا المعَلَّقِ )
( تقول ابنة الضَّمريّ مالكَ شاحباً ... ولونُك مصفرٌّ وإن لم تَخلَّقِ )
( فقلت لها لا تعجبي من يمُتَ له ... أخٌ كأبي بدرٍ وجَدِّك يُشْفِق )
( وأمرِ يُهمُّ الناسَ غِبُّ نِتَاجه ... كفَيْتَ وكرْبٍ بالدّواهي مطرِّقِ )
( كشفتَ أبا بدرٍ إذا القوم أحجموا ... وعضَّت ملاقِي أمرِهم بالمخنَّق )
( وخَصمٍ أبا بدرٍ ألدَّ أبَتَّه ... على مثل طعم الحنظل المتفلق )
( جزى الله خيرا خَندقاً من مكافيء ... وصاحِبِ صدقٍ ذي حِفاظٍ ومَصْدق )
( أقام قناةَ الودّ بيني وبينه ... وفارقني عن شيمةٍ لم تُرنّق )
( حلفْت على أن قد أجنّتْكَ حفرةٌ ... ببطن قَنْونَى لو نعيش فنلتقِي )
( لألفيتني بالوُدّ بعدك دائماً ... على عهدنا إذ نحن لم نَتفرِّق )
( إذا ما غدا يهتز للمجد والنّدى ... أشمَّ كغصن البانة المتورِّق )
( وإني لجازٍ بالذي كان بيننا ... بني أسدٍ رهط ابنِ مرة خَنْدقِ )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة إن كثيرا لما انتمى إلى قريش وجرى بينه وبين الحزين الديلي من المواثبة والهجاء ما جرى بلغ ذلك الطفيل بن عامر بن واثلة وهو بالكوفة فأنكر أمر كثير وانتسابه إلى كنانة وتصييره خزاعة منهم وما فعله الحزين فحلف لئن رأى كثيرا ليضربنه بالسيف أو ليطعننه بالرمح فكلمه فيه خندق الأسدي وكان صديقا له ولكثير فوهبه له واجتمعا في مكة فجلسا مع ابن الحنفية فقال طفيل لولا خندق لوفيت لك بيميني فقال يرثيه وعنه كان أخذ مقالته
( ونال رجالاً نفعُهُ وهو منهمُ ... بعيدٌ كعيّوق الثريا المعلق )
وذكر باقي الأبيات
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن إسماعيل قال حدثني حميد بن عبد الرحمن أحد بني عتوارة بن جدي قال كان كثير قد سلطه الله ينسب بعزة بنت عبد الله أحد بني حاجب بن عبد الله بن غفار قال وكان نسوانهم قد لقينها وهي سائرة في نسائهم في الجلاء في عام اصابت أهل تهامة فيه حطمة شديدة وكانت عزة من أجمل النساء وآدبهن وأعقلهن ولا والله ما رأى لها وجها قط إلا أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها فلقيه رجال من الحي لما بلغهم ذلك عنه فقالوا له إنك قد شهرت نفسك وشهرتنا وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك قال فإني لا أذكرها بما تكرهون فخرجوا جالين إلى مصر في أعوام الجلاء فتبعهم على راحلته فزجروه فأبى إلا أن يلحقهم بنفسه فجلس له فتية من جدي قال وكان بنو ضمرة كلهم يهون عليهم نسيبه لما يعرفون من براءتها إلا ما كان من بني جدي فإنهم كانوا صمعا غيرا فقعد له عون أحد بني جدي في تسعة نفر على محالج فلما جاز بهم تحت الليل أخذوه ثم عدلوا به عن الطريق إلى جيفة حمار كانوا يعرفونها من النهار فأدخلوه فيها وربطوا يديه ورجليه ثم أوثقوا بطن الحمار فجعل يضطرب فيه ويستغيث ومضوا عنه فاجتاز به خندق الأسدي فسمع استغاثته وهو خندق بن بدر فعدل إلى
الصوت حين سمعه فوجد في الجيفة إنسانا فسأله من هو وما خبره فأخبره فأطلقه وحمله وألحقه ببلاده فقال كثير في ذلك قال الزبير أنشدنيها عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة معمر بن المثنى
( أصادِرةٌ حُجَّاجُ كعبٍ ومالكٍ ... على كلّ فتْلاء الذراعين مُحنِق )
وذكر القصيدة كلها على ما مضت
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمر بن أبي بكر المؤملي عن أبي عبيدة قال خندق الأسدي هو الذي أدخل كثيرا في مذهب الخشبية
كثير يرثي خندقا
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن حبيب قال لما قتل خندق الأسدي بعرفة رثاه كثير فقال( شجا أظعانُ غاضرةَ الغوادي ... بغير مَشُورةٍ عَرَضاً فؤادي )
( أغاضِرُ لَوْ شهدتِ غداة بِنْتم ... حُنوَّ العائداتِ على وِسادي )
( أويتِ لعاشقٍ لم تَشكُمِيه ... نوافِذه تَلذّع بالزنّاد )
( ويومَ الخيلِ قد سفَرت وكفّت ... رِداء العَصْب عن رَتَل بُراد )
الرتل الثغر المستوي النبت
( وعن نجلاءَ تدْمَع في بياضٍ ... إذا دَمعت وتنظُر في سوادِ )
( وعن متكاوِسٍ في العَقْصِ جَثْلٍ ... أثِيتِ النبتِ ذي عُذَرٍ جِعاد )
( وغاضِرةُ الغداةَ وإن نَأَتْنا ... وأصبح دونها قُطر البِلاد )
( أحبُّ ظعينةٍ وبناتُ نفْسي ... إليها لو بَلِلْن بها صِوادِي )
( ومنْ دونِ الذي أمّلت وُدّاً ... ولو طالبتُها خَرْطُ القَتاد )
( وقال الناصحون تحلَّ منها ... ببذل قبْل شيمتها الجماد )
تحل أصب يقال ما حليت من فلان بشيء ولا تحليت منه بشيء ومنه حلوان الكاهن والراقي وما أشبه ذلك
( فقد وعدَتْك لو أقبلتَ وُدَّا ... فلجَّ بكَ التدلُّل في تَعَادِ )
( فأسررتَ الندامةَ يوم نادَى ... بردّ جِمال غاضِرةَ المُنادِي )
( تمادى البعدُ دونهُم فأمستْ ... دموعُ العين لجّ بها التّمادي )
( لقد مُنع الرقادُ فبت ليلي ... تجافيني الهمومُ عن الوِساد )
( عَدَاني أن أزورَكَ غيرَ بُغضٍ ... مُقامُك بين مُصْفحَة شِداد )
( وإني قائل إن لم أزره ... سَقَتْ دِيَمُ السَواري والغوادي )
( محلَّ أخي بني أسدٍ قَنَوْنَى ... فما والى إلى بِرْك الغِمادِ )
( مقِيم بالمجازَة من قَنَونَى ... وأهلكَ بالأُجَيْفِر والثماد )
( فلا تبعد فكل فتًى سيأتي ... عليه الموتُ يطرُق أو يُغادي )
( وكلُّ ذخيرةٍ لا بدّ يوماً ... ولو بقِيتْ تصير إلى نَفادِ )
( يعزُّ عليّ أن نغدو جميعاً ... وتصبِحَ ثاوياً رَهْنا بِوادِ )
( فلو فُودِيتَ من حدَث المنايا ... وقيتُك بالطَّرِيف وبالتِّلادِ )
في هذه القصيدة عدة أصوات هذه نسبتها قد جمعت
صوت
( أغاضرَ لو شهدتِ غداةَ بِنتم ... حُنوَّ العائداتِ على وِسادي )( رثيتِ لعاشقٍ لم تشكُمِيه ... نوافِذُه تلذَّع بالزناد )
( عدانِي أن أزوركَ غير بغضٍ ... مقامكَ بين مُصفَحةٍ شِدادِ )
( فلا تبعَدْ فكل فتىً سيأتي ... عليه الموت يطرُق أو يُغادِي )
لمعبد في البيتين الأولين لحن من خفيف الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو وابن المكي والهشامي وفيهما لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وأحمد بن عبيد وفيهما للغريض ثاني ثقيل عن ابن المكي ومن الناس من ينسب لحن مالك إلى معبد أيضا وفي الثالث والرابع لابن عائشة ثاني ثقيل مطلق في
مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو وغيرهما ويقال إن لابن سريج وابن محرز وابن جامع فيهما ألحانا
غاضرة هذه التي ذكرها كثير مولاة لآل مروان بن الحكم وقد روي في ذكره إياها غير خبر مختلف
فأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة قال
أخبار أم البنين
حجت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت لكثير ووضاح انسبابي فأما وضاح فنسب بها وأما كثير فنسب بجاريتها غاضرة حيث يقول( شجا أَظعانُ غاضِرةَ الغوادِي ... بغير مشورة عرضاً فؤادِي )
قال وكانت زوجة الوليد بن عبد الملك فقتل وضاحا ولم يجد على كثير سبيلا
أخبرني الحرميّ قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد
العزيز الزهري عن محرز بن جعفر عن أبيه عن بديح قال قدمت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهي عند الوليد بن عبد الملك حاجة والوليد إذ ذاك خليفة فأرسلت إلى كثير ووضاح أن نسبا بي فنسب وضاح بها ونسب كثير بجاريتها غاضرة في شعره الذي يقول فيه
( شجا أظعانُ غاضرة الغوادي ... )
قال وكان معها جوار قد فتن الناس بالوضاءة
قال بديح فلقيت عبيد الله بن قيس الرقيات فقلت له بمن نسبت من هذا القطين فقال لي
( ما تصنعُ بالشرِّ ... إذا لم تك مجنونا )
( إذا قاسيت ثِقْل الشرِّ ... حَسَّاكَ الأمرِّينا )
( وقد هِجتَ بما قد قُلْتَ ... أمراً كان مدفونا )
قال بديح ثم أخذ بيدي فخلا بي وقال لي يا بديح احفظ عني ما أقول لك فإنك موضع أمانة وأنشدني
( أصحوتَ عن أمّ البنين ... وذِكرِها وعَنائها )
( وهجرتَها هجرَ امرئٍ ... لم يَقْلِ حملَ إخائها )
( من خيفةِ الأعداء أن ... يُوهُوا أديمَ صفائها )
( قُرشِيّة كالشَّمس أشرقَ ... نورُها ببهائها )
( زادت على البِيض الحسانِ ... بحسنِها ونقائها )
( لما اسبكرّت للشَّباب ... وقُنِّعت بردائِها )
( لم تلتفِت لِلداتها ... ومضت على غُلوَائها )
غنى ابن عائشة في الثلاثة الأبيات الأول لحنا من الثقيل الأول عن الهشامي عن يحيى المكي وفي الرابع وما بعده لحنين أحدهما ثاني ثقيل بالبنصر والآخر خفيف ثقيل بالبنصر عن ابنه وغيره وغنى إبراهيم الموصلي في الأربعة الأول لحنا آخر من الثقيل الأول وهو اللحن الذي فيه استهلال وذكر الهشامي أن الثقيل الثاني لابن محرز
قال فقتل الوليد وضاحا ولم يجد علىكثير سبيلا قال وحجت بعد ذلك وقد تقدم الوليد إليها وإلى من معها في الحجاب فلقيني ابن قيس حيث خرجت ولم تكلم أحدا ولم يرها فقال لي يا بديح
صوت
( بان الخليطُ الذي به نِثقُ ... واشتد دون الملِيحة القَلَقُ )( من دون صفراء في مفاصِلها ... لِينٌ وفي بعض بطْشها خُرُقُ )
( إن خَتَمت جاز طينُ خاتَمها ... كما تجوز العَبْدِيَّة العُتُق )
غنى في هذه الأبيات مالك بن أبي السمح لحنا من الثقيل الأول بالبنصر عن عمرو ويونس وفيها لابن مسجح ويقال لابن محرز وهو مما يشبه غناءهما جميعا وينسب إليهما خفيف ثقيل أول بالبنصر والصحيح أنه
لابن مسجح وفيها ثاني ثقيل لابن محرز عن ابن المكي وذكر حبش أن لسياط فيها لحنا ماخوريا بالوسطى وفي هذه الأبيات زيادة يغني فيها ولم يذكرها الزبير في خبره وهي
( إنِّي لأخْلِي لها الفِراش إذا ... قَصَّعَ في حِضْنِ زوجه الحَمِق )
( عن غير بغضٍ لها لديّ ولكن ... تلك منّي سَجِيّة خُلُق )
قال الزبير أراد بقوله في هذه الأبيات
( إن ختمت جاز طينُ خاتِمَها ... )
أنها كانت عند سلطان جائز الأمر والعبدية هي الدنانير نسبها إلى عبد الملك ثم وصل ابن قيس الرقيات هذه الأبيات يعني الهائية بأبيات يمدح بها عبد الملك فقال
صوت
( اسمعْ أمير المؤمنين ... لِمدحتي وثَنائِها )
( أنت ابن عائشة التي ... فَضَلت أُرُوم نسائها )
( متعطّف الأعياصِ حولَ ... سرِيرها وفِنائها )
( وَلَدَتْ أغرَّ مُباركاً ... كالبدر وسْط سمائها )
غناه ابن عائشة من رواية يونس ولم يجنسه وهذا الشعر يقوله ابن قيس الرقيات في عبد الملك لا الوليد
أخبرني الحسين وابن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه عن المدائني أن
عبد الملك لما وهب لابن جعفر جرم عبيد الله بن قيس الرقيات وأمنه ثم تواثب أهل الشام ليقتلوه قال يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بي وأنا الذي أقول
( اسمع أمير المؤمنين ... لِمدحتي وثنائِها )
( أنت ابن مُعْتلَج البِطاحِ ... كُدَيِّها وكَدائها )
( ولِبَطْن عائشة التي ... فضَلَت أرومَ نسائها )
فلما أنشد هذا البيت قال له عبد الملك قل ولنسل عائشة قال لا بل ولبطن عائشة حتى رد ذلك عليه ثلاث مرات وهو يأبى إلا ولبطن عائشة فقال له عبد الملك اسحنفر الآن قال وعائشة أم عبد الملك بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس هذه رواية الزبير بن بكار
السائب بن حكيم ومحاورته غاضرة
وقد حدثنا به في خبر كثير مع غاضرة هذه بغير هذا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبيوأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبي عبد الرحمن الأنصاري عن السائب بن حكيم السدوسي راوية كثير قال والله إني لأسير يوما مع كثير حتى إذا كنا ببطن جدار جبل من المدينة
على أميال إذ أنا بأمراة في رحالة متنقبة معها عبيد لها يسعون معها فمرت جنابي فسلمت ثم قالت ممن الرجل قلت من أهل الحجاز قالت فهل تروي لكثير شيئا قلت نعم قالت أما والله ما كان بالمدينة من شيء هو أحب إلي من أن أرى كثيرا وأسمع شعره فهل تروي قصيدته
( أهاجك برقٌ آخِرَ الليلِ واصِبُ ... )
قلت نعم فأنشدتها إياها إلى آخرها قالت فهل تروي قوله
( كأنك لم تسمعْ ولم تر قبلها ... تَفرُّقَ أُلاّف لهنّ حنينُ )
قلت نعم وأنشدتها قالت فهل تروي قوله أيضا
( لعزةَ من أيام ذي الغُصْن شاقني ... )
قلت نعم وأنشدتها إلى آخرها قالت فهل تروي قوله أيضا
( أأطلالَ سُعدَى باللوى تَتَعَّهد ... )
قلت نعم وأنشدتها حتى أتيت على قوله
( فلم أر مثلَ العين ضنّت بمائها ... عليّ ولا مثلي على الدمع يَحسُدُ )
قالت قاتله الله فهل قال مثل قول كثير أحد على الأرض والله لأن أكون رأيت كثيرا أو سمعت منه شعره أحب إلي من مائة ألف درهم قال فقلت هو ذاك الراكب أمامك وأنا السائب راويته قالت حياك الله تعالى ثم ركضت بغلتها حتى أدركته فقالت أنت كثير قال ما لك ويلك فقالت أنت الذي تقول
( إذا حُسرتْ عنه العِمامة راعها ... جميلُ المحيَّا أغفلتْه الدواهِن )
والله ما رأيت عربيا قط أقبح ولا أحقر ولا ألأم منك قال أنت والله أقبح مني وألأم قالت له أو لست القائل
( تَراهنّ إلا أن يؤدِّين نظرةً ... بمؤْخِر عينٍ أو يُقلِّبن معصَما )
( كواظِمَ ما ينطِقْن إلا مَحُورة ... رجِيعةَ قولٍ بعد أن يُتَفَهَّما )
( يحاذرْن مني غَيْرةً قد عرفْنها ... قديماً فما يضحكْن إلا تبسُّما )
لعن الله من يفرق منك قال بل لعنك الله قالت أولست الذي تقول
( إذا ضمْرِيَّةٌ عَطَست فنِكها ... فإن عُطاسَها طرَفُ الوِدَاقِ )
قال من أنت قالت لا يضرك أن لم تعرفني ولا من أنا قال والله إني لأراك لئيمة الأصل والعشيرة قالت حياك الله يا أبا صخر ما كان بالمدينة رجل أحب إلي وجها ولا لقاء منك قال لا حياك الله والله ما كان على الأرض أحد أبغض إلي وجها منك قالت أتعرفني قال أعرف أنك لئيمة من اللئام فتعرفت إليه فإذا هي غاضرة أم ولد لبشر بن مروان قال وسايرها حتى سندنا في الجبل من قبل زرود فقالت له يا أبا صخر
أضمن لك مائة ألف درهم عند بشر بن مروان إن قدمت عليه قال أفي سبك إياي أو سبي إياك تضمنين لي هذا والله لا أخرج إلى العراق على هذه الحال فلما قامت تودعه سفرت فإذا هي أحسن من رأيت من أهل الدنيا وجها فأمرت له بعشرة آلاف درهم فبعد شد ما قبلها وأمرت لي بخمسة آلاف درهم فلما ولوا قال يا سائب أين نعني أنفسنا إلى عكرمة انطلق بنا نأكل هذه حتى يأتينا الموت قال وذلك قوله لما فارقتنا
( شجا أظعان غاضِرةَ الغوادي ... بغير مشِيئةٍ عرضاً فؤادي )
وقد روى الزبير أيضا في خبر هذه المرأة غير هذا وخالف المعاني
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال كان كثير يلقى حاج المدينة من قريش بقديد في كل سنة فغفل عاما من الأعوام عن يومهم الذي نزلوا فيه قديدا حتى ارتفع النهار ثم ركب جملا ثقالا واستقبل الشمس في يوم صائف فجاء قديدا وقد كل وتعب فوجدهم قد راحوا وتخلف فتى من قريش معه راحلته حتى يبرد قال الفتى القرشي فجلس كثير إلى جنبي ولم يسلم علي فجاءت امرأة وسيمة جميلة فجلست إلى خيمة من خيام قديد واستقبلت كثيرا فقالت أأنت كثير قال نعم قالت ابن أبي جمعة قال نعم قالت الذي يقول
( لعزّة أطلالٌ أبت أن تَكلَّما ... )
قال نعم قالت وأنت الذي تقول فيها
( وكنتُ إذا ما جِئتُ أجللْن مجلسي ... وأظهرْن منّي هَيْبةً لا تجهُّما )
فقال نعم قالت أعلى هذا الوجه هيبة إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فضجر وقال من أنت فلم تجبه بشيء فسأل الموليات اللواتي في الخباء بقديد عنها فلم يخبرنه شيئا فضجر واختلط فلماسكن من شأوه قالت أأنت الذي تقول
( متى تَحسِروا عنّي العِمامة تُبْصروا ... جميل المُحيَّا أغلفته الدواهن )
أهذا الوجه جميل المحيا إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فاختلط وقال والله ما عرفتك ولو عرفتك لفعلت وفعلت فسكتت فلما سكن من شأوه قالت أأنت الذي تقول
( يروق العيون الناظراتِ كأنه ... هِرَقلِيُّ وزنٍ أحمرُ التّبر راجحُ )
أهذا الوجه يروق العيون الناظرات إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين فازداد ضجرا وغيظا واختلاطا وقال لها قد عرفتك والله لأقطعنك وقومك بالهجاء ثم قام فالتفت في أثره ثم رجعت طرفي نحو المرأة فإذا هي قد ذهبت فقلت لمولاة من مولياتها بقديد لك الله علي إن أخبرتني من هذه المرأة لأطوين لك ثوبي هذين إذا قضيت حجي ثم أعطيكهما فقالت والله لو أعطيتني زنتهما ذهبا ما أخبرتك من هي هذا كثير وهو مولاي قد سألني عنها فلم أخبره قال الفتى القرشي فرحت والله وبي أشد مما بكثير
قال سليمان وكان كثير دميما قليلا أحمر أقيشر عظيم الهامة قبيحا
نسبة ما في هذه الأخبار من الشعر الذي يغنى به
صوت
منها( أشاقك برقٌ آخرَ الليلِ واصِبُ ... تضمَّنه فرْش الجَبَا فالمسارِب )
( كما أوْمضَتْ بالعين ثم تبسَّمت ... خرِيع بدا منها جبينٌ وحاجب )
( وَهَبْتُ لِليلَى ماءه ونباتَه ... كما كلُّ ذي وُدّ لمن ودّ واهِب )
عروضه من الطويل الواصب الدائم يقال وصب يصب وصوبا أي دام قال الله سبحانه ( وله الدين واصبا ) أي دائما
صوت
ومنها
( لِعزّةَ من أيَّامِ ذي الغُصْنِ شاقني ... بِضَاحِي قَرَارِ الرَّوضتين رُسُومُ )
( هي الدار وحْشاً غير أن قَدْ يَحُلُّها ... ويَغْنَى بها شخصٌ عليَّ كريمُ )
( فما برسوم الدَّار لو كنتَ عالماً ... ولا بالتِّلاع المُقْويات أَهِيمُ )
( سألت حكيماً أين شطَّت بها النَّوى ... فخبرَني ما لا أحبُّ حكيم )
( أَجَدّوا فأمَّا آلُ عَزَّة غُدوة ... فبانوا وأمَّا واسط فمقيم )
( لعمري لئن كان الفؤادُ من الهوى ... بغَى سَقَما إنّي إذاً لسَقِيمُ )
حكيم هذا هو أبو السائب بن حكيم راوية كثير ذكر ذلك لنا اليزيدي عن ابن حبيب
في هذه الأبيات لمعبد لحنان أحدهما في الثلاثة الأول خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وابن المكي وحبش وفي الثلاثة الأخرى التي أولها
( سألت حكيما اين شطّت بها النوى ... )
له أيضا ثقيل أول بالبنصر عن يونس وحبش وذكر حبش خاصة أن فيها لكردم خفيف ثقيل آخر وفي الثالث والثاني لابن جامع خفيف رمل عن الهشامي وقال أحمد بن عبيد فيه ثلاثة ألحان ثقيل أول وخفيفه وخفيف رمل
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني المؤملي أن ابن أبي عبيدة كان إذا انشد قصيدة كثير
( لعزّة من أيام ذي الغصن شاقني ... بِضاحي قَرار الروضتين رسومُ )
يتحازن حتى نقول إنه يبكي
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن الضحاك ابن عثمان قال قال عروة بن أذينة كان الحزين الكناني الشاعر صديقا لأبي وكان عشيرا له على النبيذ فكان كثيرا ما يأتيه وكانت بالمدينة قينة يهواها الحزين ويكثر غشيانها فبيعت وأخرجت عن المدينة فأتى الحزين أبي
وهو كئيب حزين كاسمه فقال له أبي يا أبا حكيم ما لك قال أنا والله يا أبا عامر كما قال كثير
( لَعمرِي لئن كان الفؤادُ من الهَوى ... بَغَى سَقماً إني إذاً لَسَقِيمُ )
( سألت حكيماً أين شطّت بها النوى ... فخبّرني مالا أُحبُّ حكيم )
فقال له ابي أنت مجنون إن أقمت على هذا
ميمية كثير في عزة
وهذه القصيدة يقولها كثير في عزة لما أخرجت إلى مصر وذلك قوله فيها( ولست براءٍ نحوَ مصرَ سحابةً ... وإن بَعُدَتْ إلاَّ قعدتُ أشيم )
( فقد يوجَد النِّكْسُ الدنيّ عن الهوى ... عَزُوفا وَيصبو المرء وهْو كريم )
( وقال خليلي ما لها إذ لقيتَها ... غداةَ الشَّبَا فيها عليك وُجومُ )
( فقلت له إن المودّة بيننا ... على غير فُحْشٍ والصفاءُ قديم )
( وإني وان أعرضتُ عنها تجلُّدا ... على العَهْدِ فيما بيننا لمُقيمُ )
( وإن زماناً فرَّقَ الدهرُ بيننا ... وبينكُمُ في صرفهِ لمَشُومُ )
( أفِي الحقِّ هذا أنّ قلبَكِ سَالمٌ ... صحيحٌ وقلبي في هواكِ سَقِيمُ )
( وأنّ بجسمي منك داءً مخامراً ... وجسْمُك موفورٌ عليكِ سليم )
( لعمرُكِ ما أنْصفْتِني في مودَّتي ... ولكنّني يا عزَّ عنْكِ حليم )
( فإمّا تَريْني اليومَ أُبْدِي جَلادةً ... فإني لعمري تحت ذاكِ كَليمُ )
( ولسْتُ ابنَة الضَّمْريِّ منكِ بناقِم ... ذُنوبَ العِدَا إِني إذاً لظَلوم )
( وإنّي لَذُو وجْدٍ إذا عاد وصلها ... وإنّي على ربي إذاً لكريم )
ومنها
صوت
( لعزة أطلالٌ أبت أن تكلَّما ... تهيجُ مغانيها الفؤادَ المتيَّما )( وكنتُ إذا ما جئْت أجلَلْن مجلسي ... وأظهرن منِّي هيبةً لا تَجهُّما )
( يُحاذرْن منّي غَيْرةً قد عرفنها ... قَديما فما يضحكْن إلاّ تبسُّما )
عروضه من الطويل غنى فيه مالك بن أبي السمح لحنين عن يونس أحدهما ثقيل أؤل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وغيره ينسبه إلى معبد والآخر ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش وفيه لابن محرز خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو والهشامي وغيره يقول إنه لحن مالك وفيه لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو والهشامي وعلي بن يحيى
وأخبرني أحمد بن جعفر جحظلة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني من أثق به عن مسرور الخادم أن الرشيد لما أراد قتل جعفر بن يحيى لم يطلع عليه أحدا بتة ودخل عليه جعفر في اليوم الذي قتله في ليلته فقال له اذهب فتشاغل اليوم بمن تأنس
به واصطبح فإني مصطبح مع الحرم فمضى جعفر وفعل الرشيد ذلك ولم يزل بر الرشيد وألطافه وتحفه وتحياته تتابع إليه لئلا يستوحش فلما كان في الليل دعاني فقال لي اذهب فجئني الساعة براس جعفر بن يحيى وضم إلي جماعة من الغلمان فمضيت حتى هجمت عليه منزله وإذا أبو زكار الأعمى يغنيه بقوله
( فلا تبعد فكل فتًى سيأتي ... عليه الموتُ يَطْرُقُ أو يُغادي )
فقلت له في هذا المعنى ومثله والله جئتك فأجب فوثب وقال ما الخبر يا أبا هاشم جعلني الله فداءك قلت قد أمرت بأخذ رأسك فأكب على رجلي فقبلها وقال الله الله راجع أمير المؤمنين في فقلت ما لي إلى ذلك سبيل قال فأعهد قلت ذاك لك فذهب يدخل إلى النساء فمنعته وقلت أعهد في موضعك فدعا بدواة وكتب أحرفا على دهش ثم قال لي يا أبا هاشم بقيت واحدة قلت هاتها قال خذني معك إلى أمير المؤمنين حتى أخاطبه قلت ما لي إلى ذلك سبيل قال ويحك لا تقتلني بأمره على النبيذ فقلت هيهات ما شرب اليوم شيئا قال فخذني واحبسني عندك في الدار وعاوده في أمري قلت أفعل فأخذته فقال لي أبو زكار الأعمي نشدتك الله إن قتلته إلا ألحقتني به قلت له يا هذا لقد اخترت غير مختار قال وكيف أعيش بعده وحياتي كانت معه وبه وأغناني عمن سواه فما أحب الحياة بعده فمضيت بجعفر وجعلته في بيت وأقفلت عليه ووكلت به ودخلت إلى الرشيد فلما رآني قال أين رأسه ويلك فأخبرته بالخبر فقال يابن الفاعلة والله لئن لم تجئني برأسه الساعة لآخذن رأسك فمضيت إليه فأخذت رأسه ووضعته بين يديه ثم أخبرته خبره
وذكرت له خبر أبي زكار الأعمى فلما كان بعد مدة أمرني بإحضاره فأحضرته فوصله وبره وأمر بالجراية عليه
اخبار منظور بن زبان
صوت
( قِفَا في دار خولةَ فاسألاها ... تَقادمَ عهدُها وهجرَتُماها )( بِمحْلالٍ يفوح المسكُ منه ... إذا هبَّت بأبْطَحه صَباها )
( أتَرْعَى حيثُ شاءَت من حِمانا ... وتمنعُنا فلا نرعى حِمَاها )
عروضه من الوافر الشعر لرجل من فزارة والغناء ذكر حماد عن أبيه أنه لمعبد وذكر عنه في موضع آخر أنه لأبن مسجح وطريقته من الثقيل الأول مطلق في مجرى الوسطى
وهذا الشعر يقوله الفزاري في خولة بنت منظور بن زبان بن سيار بن عمرو ابن جابر بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وكان منظور بن زبان سيد قومه غير مدافع أمه قهطم بنت هاشم بن حرملة وقد ولدت أيضا زهير بن جذيمة فكان آخذا بأطراف الشرف في قومه وهو أحد من طال حمل أمه به
قال الزبير بن بكار فيما أجاز لنا الحرمي بن أبي العلاء والطوسي روايته عنهما مما حدثا به عنه حدثتني مغيرة بنت أبي عدي قال الزبير وقد حدثني هذا الحديث أيضا إبراهيم بن زياد عن محمد بن طلحة وحدثنيه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن يحيى بن الحسن العلوي عن الزبير قالا جميعا حملت قهطم بنت هاشم بمنظور بن زبان أربع سنين فولدته وقد جمع فاه فسماه أبو منظورا لذلك يعني لطول ما انتظره وقال فيه على ما رواه محمد ابن طلحة
( ما جِئتَ حتى قيل ليس بواردٍ ... فسُميتَ منظوراً وجِئْتَ على قدْرِ )
( وإنّي لأرجو أن تكونَ كهاشمٍ ... وإني لأرْجُو أن تسودَ بَني بَدْرِ )
منظور يتزوج امرأة أبيه
ذكر الهيثم بن عدي عن ابن الكلبي وابن عياش وذكر بعضه الزبير بن بكار عن عمه عن مجالدأن منظور بن زبان تزوج امرأة أبيه وهي مليكة بنت سنان بن أبي حارثة المري فولدت له هاشما وعبد الجبار وخولة ولم تزل معه إلىخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يشرب الخمر أيضا فرفع أمره إلى عمر فأحضره وسأله عما قيل فاعترف به وقال ما علمت أنها حرام فحبسه إلى وقت صلاة العصر ثم أحلفه أنه لم يعلم أن الله جل وعز حرم ما فعله فحلف فيما ذكر أربعين يمينا فخلى سبيله وفرق بينه وبين امرأة أبيه وقال لولا أنك حلفت لضربت عنقك
قال ابن الكلبي في خبره إن عمر قال له أتنكح امرأة أبيك وهي أمك أو ما علمت أن هذا نكاح المقت وفرق بينهما فتزوجها محمد بن طلحة
قال ابن الكلبي في خبره
فلما طلقها أسف عليها وقال فيها
( ألا لا أُبالِي اليومَ ما صَنَع الدهرُ ... إذا مُنِعتْ منّي مُليكَةُ والخمرُ )
( فإن تكُ قد أمستْ بعيداً مَزارُها ... فحَيِّ ابنةَ المرّيِّ ما طَلعَ الفجْرُ )
( لَعَمْرِيَ ما كانتْ مُليكةُ سَوْءةً ... ولا ضُمَّ في بيتٍ على مِثْلِها سِترُ )
وقال أيضا
( لعمرُ أبي دِينٌ يُفَرِّق بيننا ... وبينَك قَسْراً إنّه لَعظيمُ )
وقال حجر بن معاوية بن عيينة بن حصن بن حذيفة لمنظور
( لَبِئس ما خلَف الآباءَ بعدَهُمُ ... في الأمَّهاتِ عِجَانُ الكلبِ منظورُ )
( قد كنْتَ تغمِزُها والشيخ حاضِرُها ... فالآن أنت بطُول الغمزِ معْذُور )
قال أبو الفرج الأصبهاني أخطأ ابن الكلبي في هذا وإنما طلحة بن عبيد الله الذي تزوجها فأما محمد فإنه تزوج خولة بنت منظور فولدت له إبراهيم بن محمد وكان أعرج ثم قتل عنها يوم الجمل فتزوجها الحسن بن
علي عليهما السلام فولدت له الحسن بن الحسن عليهما السلام وكان إبراهيم بن محمد بن طلحة نازع بعض ولد الحسين بن علي بعض ما كان بينهم وبين بني الحسن من مال علي عليه السلام فقال الحسيني لأمير المدينة هذا الظالم الضالع الظالع يعني إبراهيم فقال له إبراهيم والله إني لأبغضك فقال له الحسيني صادق والله يحب الصادقين وما يمنعك من ذلك وقد قتل أبي أباك وجدك وناك عمي أمك لا يكني فأمر بهما فأقيما من بين يدي الأمير
رجع الخبر إلى رواية ابن الكلبي قال فلما فرق عمر رضي الله عنه بينهما وتزوجت رآها منظور يوما وهي تمشي في الطريق وكانت جميلة رائعة الحسن فقال يا مليكة لعن الله دينا فرق بيني وبينك فلم تكلمه وجازت وجاز بعدها زوجها فقال له منظور كيف رأيت أثر أيري في حر مليكة قال كما رأيت اثر أير أبيك فيه فأفحمه وبلغ عمر رضي الله عنه الخبر فطلبه ليعاقبه فهرب منه
وقال الزبير في حديثه فتزوج محمد بن طلحة بن عبيد الله خولة بنت منظور فولدت له إبراهيم وداود وأم القاسم بني محمد بن طلحة ثم قتل عنها يوم الجمل فخلف عليها الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فولدت له الحسن بن الحسن رضي الله عنهما
قال الزبير وقال محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه تزوج الحسن عليه السلام خولة بنت منظور زوجه إياها عبد الله بن الزبير وكانت أختها تحته
وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن قال حدثني موسى بن عبيد الله بن الحسن قال جعلت خولة أمرها إلى الحسن عليه السلام فتزوجها فبلغ ذلك منظور بن زبان فقال أمثلي يفتات عليه في ابنته فقدم المدينة فركز راية سوداء في مسجد رسول الله فلم يبق قيسي بالمدينة إلا دخل تحتها فقيل لمنظور بن زبان أين يذهب بك تزوجها الحسن بن علي عليه السلام وليس مثله أحد فلم يقبل وبلغ الحسن عليه السلام مافعل فقال له ها شأنك بها فأخذها وخرج بها فلما كان بقباء جعلت خولة تندمه وتقول الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة فقال تلبثي هاهنا فإن كانت للرجل فيك حاجة فسيلحقنا هاهنا قال فلحقه الحسن والحسين عليهما السلام وابن جعفر وابن عباس فتزوجها الحسن ورجع بها قال الزبير ففي ذلك يقول جفير العبسي
( إن النَّدَى من بني ذُبيانَ قد عَلِموا ... والجُودَ في آل منظورِ بنِ سيَّارِ )
( الماطِرين بأيديهم نَدًى دِيَماً ... وكلَّ غيثٍ من الوَسْمِيّ مِدرارِ )
( تَزُورُ جاراتِهم وهْناً فواضِلُهم ... وما فَتَاهم لها سرَّا بِزوَّار )
( تَرضَى قريشٌ بهم صِهراً لأَنفسهم ... وهُمْ رضاً لبني أُختٍ وأصهارِ )
معبد يغني خولة بنت منظور
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني ابن أبي أيوب عن ابن عائشة المغني عن معبدأن خولة بنت منظور كانت عند الحسن بن علي عليهما السلام فلما أسنت مات عنها أو طلقها فكشفت قناعها وبرزت للرجال قال معبد فأتيتها ذات يوم أطالبها بحاجة فغنيتها لحني في شعر قاله فيها بعض بني فزارة وكان خطبها فلم ينكحها أبوها
( قِفَا في دار خولة فاسألاها ... تقادم عهدُها وهجَرتُماها )
( بمحلالٍ كأن المسك فيه ... إذا فاحت بأبطَحِه صَبَاها )
( كأنّكِ مُزْنَةٌ بَرقَت بلَيلٍ ... لحِرانٍ يُضِيءُ له سَنَاها )
( فلم تُمطرْ عليه وجاوزَتْه ... وقد أشْفَى عليها أو رَجاها )
( وما يَمْلا فُؤادي فاعلَمِيه ... سلُوُّ النفسِ عنكِ ولا غِناها )
( وتَرعَى حيث شاءَ من حِمانا ... وتمنُعنا فلا نَرْعَى حِماها )
قال فطربت العجوز لذلك وقالت يا عبد بن قطن أنا والله يومئذ أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة
صوت
( للهِ در عِصَابةٍ صاحبْتُهم ... يومَ الرُّصَافةِ مثلُهُم لم يُوجد )( متقلِّدين صَفائحاً هِنديَّة ... يتركْن مَن ضَرَبُوا كأن لم يُولدِ )
( وغدا الرجال الثائرون كأنَّما ... أبصارهم قِطَعُ الحديدِ الموقَدِ )
عروضه من الكامل الشعر للجحاف السلمي الموقع ببني تغلب في يوم البشر والغناء للأبجر ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق
خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر
هو الجحاف بن حكيم بن عاصم بن قيس بن سباع بن خزاعي بن محاربي بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصورقصته يوم البشر
كان السبب في ذلك فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة وقد جمعت روايتهم وأكثر اللفظ في الخبر لابن حبيب أن عمير بن الحباب لما قتلته بنو تغلب بالحشاك وهو إلى جانب الثرثار وهو قريب من تكريت أتى تميم بن الحباب أخاه زفر بن الحارثفأخبره بمقتل عمير وسأله الطلب له بثأره فكره ذلك زفر فسار تميم بن الحباب بمن تبعه من قيس وتابعه على ذلك مسلم بن أبي ربيعة العقيلي فلما توجهوا نحو بني تغلب لقيهم الهذيل في زراعة لهم فقال أين تريدون فأخبروه بما كان من زفر فقال أمهلوني ألق الشيخ فأقاموا ومضى الهذيل فأتى زفر فقال ما صنعت والله لئن ظفر بهذه العصابة إنه لعار عليك ولئن ظفروا إنه لأشد قال زفر فاحبس علي القوم وقام زفر في أصحابه فحرضهم ثم شخص واستخلف عليهم أخاه أوسا وسار حتى انتهى إلى الثرثار فدفنوا أصحابهم ثم وجه زفر بن الحارث يزيد بن حمران في خيل فأساء إلى بني فدوكس من تغلب فقتل رجالهم واستباح أموالهم فلم يبق في ذلك الجو غير امرأة واحدة يقال لها حميدة بنت امرئ القيس عاذت بابن حمران فأعاذها وبعث الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتلا ذريعا وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى فأسرع في القتل وبلغ ذلك بني تغلب واليمن فارتحلوا يريدون عبور دجلة فلحقهم زفر بالكحيل وهو نهر أسفل الموصل مع المغرب فاقتتلوا قتالا شديدا وترجل أصحاب زفر أجمعون وبقي زفر على بغل له فقتلوهم من ليلتهم وبقروا ما وجدوا من النساء وذكر أن من غرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف وأن الدم كان في دجلة قريبا من رمية سهم فلم يزالوا يقتلون من وجدوا حتى اصبحوا فذكر أن زفر دخل معهم دجلة وكانت فيه بحة فجعل ينادي ولا يسمعه أصحابه ففقدوا
صوته وحسبوا أن يكون قتل فتذامروا وقالوا لئن قتل شيخنا لما صنعنا شيئا فاتبعوه فإذا هو في دجلة يصيح بالناس وتغلب قد رمت بأنفسها تعبر في الماء فخرج من الماء وأقام في موضعه فهذه الوقعة الحرجية لأنهم أحرجوا فألقوا أنفسهم في الماء ثم وجه يزيد بن حمران وتميم بن الحباب ومسلم بن ربيعة والهذيل بن زفر في أصحابه وأمرهم ألا يلقوا أحدا إلا قتلوه فانصرفوا من ليلتهم وكل قد أصاب حاجته من القتل والمال ثم مضى يستقبل الشمال في جماعة من أصحابه حتى أتى رأس الأثيل ولم يخل بالكحيل أحدا والكحيل على عشرة فراسخ من الموصل فيما بينها وبين الجنوب فصعد قبل راس الأثيل فوجد به عسكرا من اليمن وتغلب فقاتلهم بقية ليلتهم فهربت تغلب وصبرت اليمن وهذه الليلة تسميها تغلب ليلة الهرير ففي ذلك يقول زفر بن الحارث وقد ذكر أنها لغيره
( ولمَّا أن نعى النّاعي عُمَيْراً ... حسبتُ سماءهم دُهِيت بليلِ )
دهيت بليل أي أظلمت نهارا كأن ليلا دهاها
( وكان النجمُ يطلُعُ في قَتَامٍ ... وخاف الذُّل مِنْ يَمَن سُهَيلُ )
( وكنتُ قبيْلَها يا أُمَّ عمروٍ ... أُرَجِّلُ لِمَّتي وأجرُّ ذيلي )
( فلو نُبِش المقابرُ عن عمير ... فيخبَرَ مِنْ بلاء أبي الهذيل )
( غداةَ يقارعُ الأبطالَ حتى ... جرى منهم دماً مَرْجُ الكُحَيْل )
( قبِيلٌ يَنْهَدون إلى قبيلٍ ... تساقَى الموت كيلاً بعد كيل )
وفي ذلك يقول جرير يعير الأخطل
( أنَسيتَ يومَك بالجزيرة بعدما ... كانت عواقِبُه عليك وبالا )
( حملتْ عليك حُماةُ قيسٍ خيلَها ... شُعْثاً عوابسَ تحمِل الأبطالا )
( ما زلتَ تحسِبُ كلّ شيء بعدهم ... خيلا تَكُرُّ عليكُم ورجالا )
( زفرُ الرئيسُ أبو الهذيل أبادكم ... فسَبَى النسَاء وأحرز الأَموالا )
اغراه الأخطل بشعره بأخذ الثأر من تغلب
فما أن كانت سنة ثلاث وسبعين وقتل عبد الله بن الزبير هدأت الفتنة واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان وتكافت قيس وتغلب عن المغازي بالشام والجزيرة وظن كل واحد من الفريقين أن عنده فضلا لصاحبه وتكلم عبد الملك في ذلك ولم يحكم الصلح فيه فبينا هم على تلك الحال إذ أنشد الأخطل عبد الملك بن مروان وعنده وجوه قيس قوله( ألا سائِل الجحّافَ هل هو ثائرٌ ... بِقَتْلَى أصِيبتْ مِنْ سُلَيْم وعامرِ )
( أجحافُ إنْ نهبِط عليك فتلتقي ... عليك بحورٌ طامِياتُ الزواخِر )
( تكن مثل أبداءِ الحباب الذي جرى ... البحرُ تزهاهُ رياحُ الصراصِرِ )
فوثب الجحاف يجر مطرفه ومايعلم من الغضب فقال عبد الملك
للأخطل ما أحسبك إلا قد كسبت قومك شرا فافتعل الجحاف عهدا من عبد الملك على صدقات بكر وتغلب وصحبه من قومه نحو من ألف فارس فثار بهم حتى بلغ الرصافة قال وبينها وبين شط الفرات ليلة وهي في قبلة الفرات ثم كشف لهم أمره وأنشدهم شعر الأخطل وقال لهم إنما هي النار أو العار فمن صبر فليقدم ومن كره فليرجع قالوا ما بأنفسنا عن نفسك رغبة فأخبرهم بما يريد فقالوا نحن معك فيما كنت فيه من خير وشر فارتحلوا فطرقوا صهين بعد رؤبة من الليل وهي في قبلة الرصافة وبينهما مي ثم صبحوا عاجنة الرحوب في قبلة صهين والبشر وهو واد لبني تغلب فأغاروا على بني تغلب ليلا فقتلوهم وبقروا من النساء من كانت حاملا ومن كانت غير حامل قتلوها قال عمر بن شبة في خبره سمعت أبي يقول صعد الجحاف الجبل فهو يوم البشر ويقال له أيضا يوم عاجنة الرحوب ويوم مخاشن وهو جبل إلى جنب البشر وهو مرج السلوطح لأنه بالرحوب وقتل في تلك الليلة ابنا للأخطل يقال له أبو غياث ففي ذلك يقول جرير له
( شرِبتَ الخمر بعد أبي غِياثٍ ... فلا نعِمت لك السَّوءات بالا )
قال عمر بن شبة في خبره خاصة
ووقع الأخطل في أيديهم وعليه عباءة دنسة فسألوه فذكر أنه عبد من عبيدهم فأطلقوه فقال ابن صفار في ذلك
( لم تنج إلا بالتعبُّد نفسُه ... لَمَّا تيقن أنهمْ قومٌ عِدا )
( وتشابهت بُرْقُ العَبَاء عليهمُ ... فنجا ولو عرفوا عباءته هوى )
وجعل ينادي من كانت حاملا فإلي فصعدن إليه فجعل يبقر بطونهن ثم إن الجحاف هرب بعد فعله وفرق عنه أصحابه ولحق بالروم فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبي دون الدرب فكر عليه الجحاف فهزمه وهزم أصحابه وقتلهم ومكث زمنا في الروم وقال في ذلك
( فإن تَطْرُدوني تطردوني وقد مضى ... من الوِرْدِ يوم في دماء الأراقم )
( لدن ذَرَّ قرنُ الشمس حتى تَلَبَّسَتْ ... ظلاماً بركض الْمُقْرَبَات الصلادِم )
حتى سكن غضب عبد الملك وكلمته القيسية في أن يؤمنه فلان وتلكأ فقيل له إنا والله لا نأمنه على المسلمين إن طال مقامه بالروم فأمنه فاقبل فلما قدم على عبد الملك لقيه الأخطل فقال له الجحاف
( أبا مالكٍ هل لمتني إذ حضضتَني ... على القتل أَمْ هل لامني لك لائمي )
( أبا مالكٍ إني أطعتُك في التي ... حضضتَ عليها فعلَ حَرّان حازمِ )
( فإن تدعُني أخرى أُجِبْك بمثلها ... وإني لَطَبٌّ بالوغَى جِدُّ عالِم )
قال ابن حبيب فزعموا أن الأخطل قال له أراك والله شيخ سوء وقال فيه جرير
( فإنّك والجحافَ يوم تَحُضُّه ... أردتَ بذاك المُكثَ والوِرْدُ أعجلُ )
( بكى دَوْبَلٌ لا يُرقئُ الله دمعَه ... ألا إنما يبكي مِنَ الذُّلِّ دوبل )
( وما زالت القتلى تَمورُ دماؤهم ... بدَجلة حتى ماءُ دجلةَ أَشْكَل )
فقال الأخطل ما لجرير لعنه الله والله ما سمتني أمي دوبلا إلا وأنا صبي صغير ثم ذهب ذلك عني لما كبرت وقال الأخطل
( لقد أوقع الجحّاف بالبِشر وقعةً ... إلى الله منها المُشْتَكَي والمُعَوَّلُ )
( فسائل بني مروان ما بالُ ذمّةٍ ... وحبلٍ ضعيفٍ لا يزال يُوصَّل )
( فإلاّ تُغَيِّرها قريش بملكها ... يكن عن قريشٍ مسترادٌ ومَزْحَل )
فقال عبد الملك حين أنشده هذا فإلى أين يابن النصرانية قال إلى النار قال أولى لك لو قلت غيرها قال ورأى عبد الملك أنه إن تركهم على حالهم لم يحكم الأمر فأمر الوليد بن عبد الملك فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب وضمن الجحاف قتلى البشر وألزمه إياها عقوبة له فأدى الوليد الحمالات ولم يكن عند الجحاف ما حمل فلحق بالحجاج بالعراق يسأله ما حمل لأنه من هوازن فسأل الإذن على الحجاج فمنعه فلقي أسماء بن خارجة فعصب حاجته به فقال إني لا أقدر لك
على منفعة قد علم الأمير بمكانك وأبى أن يأذن لك فقال لا والله لا ألزمها غيرك أنجحت أو أكدت فلما بلغ ذلك الحجاج قال ما له عندي شيء فأبلغه ذلك قال وما عليك أن تكون أنت الذي تؤنسه فإنه قد أبى فأذن له فلما رآه قال أعهدتني خائنا لا أبا لك قال أنت سيد هوازن وقد بدأنا بك وأنت أمير العراقين وابن عظيم القريتين وعمالتك في كل سنة خمسمائة ألف درهم وما بك بعدها حاجة إلى خيانة فقال أشهد أن الله تعالى وفقك وأنك نظرت بنور الله فإذا صدقت فلك نصفها العام فأعطاه وادوا البقية قال ثم تأله الجحاف بعد ذلك واستأذن في الحج فأذن له فخرج في المشيخة الذين شهدوا معه قد لبسوا الصوف وأحرموا وأبروا أنوفهم أي خزموها وجعلوا فيها البرى ومشوا إلى مكة فلما قدموا المدينة ومكة جعل الناس يخرجون فينظرون إليهم ويعجبون منهم قال وسمع ابن عمر الجحاف وقد تعلق بأستار الكعبة وهو يقول اللهم اغفر لي وما أراك تفعل فقال له ابن عمر يا هذا لو كنت الجحاف ما زدت على هذا القول قال فأنا الجحاف فسكت وسمعه محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول ذلك فقال يا عبد الله قنوطك من عفو الله أعظم من ذنبك
قال عمر بن شبة في خبره كان مولد الجحاف بالبصرة
قال عبد الله بن إسحاق النحوي كان الجحاف معي في الكتاب
قال أبو زيد في خبره أيضا ولما أمنه عبد الملك دخل عليه في جبة صوف فلبث قائما فقال له عبد الملك أنشدني بعض ما قلت في غزوتك هذه وفجرتك فأنشده قوله
( صبرتْ سليمٌ للطعان وعامرٌ ... وإذا جزِعنا لم نجد من يصبِرُ )
فقال له عبد الملك بن مروان كذبت ما أكثر من يصبر ثم أنشده
( نحنُ الذين إذا علَوا لمْ يَفْخَروا ... يوم اللقا وإذا عُلُوا لم يضجروا )
فقال عبدالملك صدقت حدثني أبي عن أبي سفيان بن حرب أنكم كنتم كما وصفت يوم فتح مكة
حدثت عن الدمشقي عن الزبير بن بكار وأخبرني وكيع عن عبد الله بن شبيب عن الزبير بن بكار عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز بن مروان أنه حضر الجحاف عند عبد الملك بن مروان يوما والأخطل حاضر في مجلسه ينشد
( ألا سائل الجحافُ هل هو ثائرٌ ... بقَتْلَى أصيبت من سليم وعامِر )
قال فتقبض وجهه في وجه الأخطل ثم إن الأخطل لما قال له ذلك قال له
( نعَمْ سوفَ نَبْكيهم بكل مُهَنَّدٍ ... ونبكي عميراً بالرماح الخواطر )
ثم قال ظننت أنك يابن النصرانية لم تكن تجتريء علي ولو رأيتني لك مأسورا وأوعده فما برح الأخطل حتى حم فقال له عبد الملك أنا جارك
منه قال هذا أجرتني منه يقظان فمن يجيرني منه نائما قال فجعل عبد الملك يضحك قال فأما قول الأخطل
( ألا سائل الجحّاف هل هو ثائِرٌ ... بقتلى أصيبتْ من سُلَيم وعامر )
فإنه يعني اليوم الذي قتلت فيه بنو تغلب عمير بن الحباب السلمي
وكان السبب في ذلك فيما أخبرني به علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة عن ابن الأعرابي عن المفضل أن قيسا وتغلب تحاشدوا لما كان بينهم من الوقائع منذ ابتداء الحرب بمرج راهط فكانوا يتغاورون وكانت بنو مالك بن بكر جامعة بالتوباذ وما حوله وجلبت إليها طوائف تغلب وجميع بطونها إلا أن بكر بن جشم لم تجتمع أحلافهم من النمر بن قاسط وحشدت بكر فلم يأت الجمع منهم على قدر عددهم وكانت تغلب بدوا بالجزيرة لا حاضرة لها إلا قليل بالكوفة وكانت حاضرة الجزيرة لقيس وقضاعة وأخلاط مضر ففارقتهم قضاعة قبل حرب تغلب وأرسلت تغلب إلى مهاجريها وهم بأذربيجان فأتاهم شعيب بن مليل في ألفي فارس واستنصر عمير تميما وأسدا فلم يأته منهم أحد فقال
( أيا أخَوَيْنا من تميم هُدِيتُما ... ومن أسدٍ هل تسمعانِ المُنَاديا )
( ألم تعلما مُذْ جاء بكرُ بنُ وائل ... وتغلِبُ الفافاً تَهُزّ العواليا )
( إلى قومِكم قد تعلمون مكانهم ... وهم قُرْبُ أدنى حاضرِين وباديا )
وكان من حضر ذلك من وجوه بكر بن وائل المجشر بن الحارث بن عامر بن مرة بن عبد الله بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وكان من سادات شيبان بالجزيرة فأتاهم في جمع كثير من بني أبي ربيعة وفي ذلك يقول تميم ابن الحباب بعد يوم الحشاك
( فإن تحتجِزْ بالماء بكرُ بنُ وائلٍ ... بني عمّنا فالدهر ذو مُتَغَيَّرِ )
( فسوف نُخيضُ الماء أو سوف نلتقي ... فنقتَّص من أبناء عم المُجَشَّر )
وأتاهم زمام بن مالك بن الحصين من بني عمرو بن هاشم بن مرة في جمع كبير فشهدوا يوم الثرثار فقتل وكان فيمن أتاهم من العراق من بكر بن وائل عبيد الله بن زياد بن ظبيان ورهصة بن النعمان بن سويد بن خالد من بني أسعد بن همام فلذلك تحامل المصعب بن الزبير على أبان بن زياد أخي عبيد الله بن زياد فقتله وفي هذا السبب كانت فرقة عبيد الله لمصعب وجمعت تغلب فأكثرت فلما أتى عميرا كثرة من أتى من بني تغلب وأبطأ عنه أصحابه قال يستبطئهم
( أناديهم وقد خَذَلَتْ كلاب ... وحولي من ربيعة كالجبالِ )
( أقاتِلُهم بحيّ بني سُلَيْمٍ ... ويَعْصُرَ كالمصاعِيب النِّهال )
( فِدىً لفوارس الثرثار قومي ... وما جَمَّعْتُ من أهلي ومالي )
( فإمَّا أُمْسِ قد حانت وفاتي ... فقد فارقت أعصرَ غير قال )
( أَبَعْدَ فوارسِ الثرثار أرجو ... ثَراءَ المال أو عدد الرجال )
ثم زحف العسكران فأتت قيس وتغلب الثرثار بين راس الأثيل والكحيل فشاهدوا القتال يوم الخميس وكان شعيب بن مليل وثعلبة بن نياط التغلبيان قدما في ألفي فارس في الحديد فعبروا على قرية يقال لها لبى على شاطيء دجلة بين تكريت وبين الموصل ثم توجهوا إلى الثرثار فنظر شعيب إلى دواخن قيس فقال لثعلبة بن نياط سر بنا إليهم فقال له الرأي أن نسير إلى جماعة قومنا فيكون مقاتلنا واحدا فقال شعيب والله لا تحدث تغلب أني نظرت إلى دواخنهم ثم انصرفت عنهم فأرسل ناسا من أصحابه قدامة وعمير يقاتل بني تغلب وذلك يوم الخميس وعلى تغلب حنظلة بن هوبر أحد بني كنانة بن تميم فجاء رجل من أصحاب عمير إليه فأخبره أن طلائع شعيب قد أتته وأنه قد عدل إليه فقال عمير لأصحابه اكفوني قتال ابن هوبر ومضى هو في جماعة من أصحابه فأخذ الذين قدمهم شعيب فقتلهم كلهم غير رجل من بني كعب بن زهير يقال له قتب بن عبيد فقال عمير يا قتب أخبرني ما وراءك قال قد أتاك شعيب بن مليل في أصحابه وفارق ثعلبة بن نياط شعيبا فمضى إلى حنظلة بن هوبر فقاتل معه القيسية فقتل فالتقى عمير وشعيب فاقتتلوا قتالا شديدا فما صليت العصر حتى قتل شعيب وأصحابه أجمعون وقطعت رجل شعيب يومئذ فجعل يقاتل القوم وهو يقول
( قد علِمت قيسٌ ونحن نعلمُ ... أَن الفتى يفتِك وهْو أجذمُ )
فلما قتل شعيب نزل أصحابه فعقروا دوابهم ثم قاتلوا حتى قتلوا فلما رآه عمير قتيلا قال من سره أن ينظر إلى الأسد عقيرا فها هو ذا وجعلت تغلب يومئذ ترتجز وتقاتل وهي تقول
حذف
( انْعَوَا إياساً واندُبوا مُجاشِعا ... كلاهما كان كريما فاجعا )
( وَيهِ بني تغلب ضرباً ناقِعا ... )
وانصرف عمير إلى عسكره وأبلغ بني تغلب مقتل شعيب فحميت على القتال وتذامرت على الصبر فقال محصن بن حصين بن جنجور أحد الأبناء مضيت أنا ومن أفلت من أصحاب شعيب بعد العصر فأتينا راهبا في صومعته فسألنا عن حالنا فأخبرناه فأمر تلميذا له فجاءه بخرق فداوى جراحنا وذلك غداة يوم الجمعة فلما كان آخر ذلك اليوم أتانا خبر مقتل عمير وأصحابه وهرب من أفلت منهم
صوت
( إنَّ جنبي على الفراش لنابِ ... كتجافي الأَسَرِّ فوق الظِّرَابِ )( من حديثٍ نَمَى إلىّ فما أَطْعَمُ ... غُمْضاً ولا أَسِيغُ شرابي )
( لِشُرحبِيلَ إذ تعاوَرَه الأرماحُ ... في حال شدَّة وشبابِ )
( فارس يطعَنُ الكُماةَ جريء ... تحته قارِحٌ كلون الغرابِ )
عروضه من الخفيف الأسر البعير الذي يكون به السرر وهي قرحة تخرج في كركرته لا يقدر أن يبرك إلا على موضع مستو من الأرض والظراب النشوز والجبال الصغار واحدها ظرب والشعر لغلفاء وهو معد يكرب بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندي يرثي أخاه شرحبيل قتيل يوم الكلاب الأول والغناء للغريض ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ويونس وعمرو
قصة يوم الكلاب الاول
وكان السبب في مقتله وقصة يوم الكلاب فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا أبو سعيد السكري قال أخبرنا محمد بن حبيب عن أبي عبيدة قال أخبرني إبراهيم بن سعدان عن أبيه عن أبي عبيدة قال أخبرني دماذ عن أبي عبيدة قال كان من حديث الكلاب الأول أن قباذ ملك فارس لما ملك كان ضعيف الملك فوثبت ربيعة على المنذر الأكبر بن ماء السماء وهو ذو القرنين بن النعمان بن الشقيقة فأخرجوه وإنما سمي ذا القرنين لأنه كانت له ذؤابتان فخرج هاربا منهم حتى مات في إياد وترك ابنه المنذر الأصغر فيهم وكان أذكى ولده فانطلقت ربيعة إلى كندة فجاؤوا بالحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار فملكوه على بكر بن وائل وحشدوا له فقاتلوا معه فظهر على ما كانت العرب تسكن من أرض العراق وأبى قباذ أن يمد المنذر بجيش فلما رأى ذلك المنذر كتب إلى الحارث بن عمرو إني في غير قومي وأنت أحق من ضمني وأنا متحول إليك فحوله إليه وزوجه ابنته هندا ففرق الحارث بنيه في قبائل العرب فصار شرحبيل بن الحارث في بني بكر بن وائل وحنظلة بن مالك وبني أسيد وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب وصار معد يكرب بن الحارث وهو غلفاء في قيس وصار سلمة بن الحارث في بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة فلما هلك الحارث تشتت أمر بنيه وتفرقت كلمتهم ومشت الرجال بينهم وكانت المغاورة بين الأحياء الذين معهم وتفاقم الأمر حتى جمع كل واحد منهم لصاحبه بين الأحياء الذين معهم وتفاقم الأمر حتى جمع كل واحد منهم لصاحبه الجموع فسار شرحبيل ومن معه من بني تميم والقبائل فنزلوا الكلاب وهو فيما بين الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة وأقبل سلمة بن الحارث في تغلب والنمر ومن معه وفي الصنائع وهم الذين يقال لهم بنو رقية وهي أم لهم ينتسبون إليها وكانوا يكونون مع الملوك يريدون الكلاب وكان نصحاء شرحبيل وسلمة قد نهوهما عن الحرب والفساد والتحاسد وحذروهما عثرات الحرب وسوء مغبتها فلم يقبلا ولم يبرحا وأبيا إلا التتايع واللجاجة في أمرهم فقال امرؤ القيس بن حجر في ذلك
( أَنَّى عليّ استتَبَّ لومُكما ... ولم تلوما عَمْراً ولا عُصُما )
( كَلاَّ يمين الإِله يجمعنا ... شيء وأخوالَنَا بني جُشَما )
( حتى تزور السباعُ ملحمةً ... كأنها من ثمودَ أوْ إرَمَا )
وكان أول من ورد الكلاب من جمع سلمة سفيان بن مجاشع بن دارم وكان نازلا في بني تغلب مع إخوته لأمه فقتلت بكر بن وائل بنين له فيهم مرة بن سفيان قتله سالم بن كعب بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان فقال سفيان وهو يرتجز
( الشيخُ شيخٌ ثَكلانْ ... والجوفُ جوفٌ حَرّان )
( والوِردُ وِردٌ عجلانْ ... أَنْعَى مُرَّةَ بنَ سُفْيانْ )
وفي ذلك يقول الفرزدق
( شيوخٌ منهُمُ عُدُسُ بنُ زيد ... وسفيانُ الذي ورد الكُلابا )
وأول من ورد الماء من بني تغلب رجل من بني عبد جشم يقال له النعمان ابن قريع بن حارثة بن معاوية بن عبد بن جشم وعبد يغوث بن دوس وهو عم الأخطل دوس والفدوكس أخوان على فرس له يقال له الحرون وبه كان يعرف ثم ورد سلمة بين تغلب وسعد وجماعة الناس وعلى بني تغلب يومئذ السفاح واسمه سلمة بن خالد بن كعب بن زهير بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب وهو يقول
( إنّ الكُلاب ماؤنا فَجَلُّوهْ ... وساجراً والله لن تحُلُّوهُ )
فاقتتل القوم قتالا شديدا وثبت بعضهم لبعض حتى إذا كان في آخر النهار من ذلك اليوم خذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل وانصرفت بنو سعد وألفافها عن بني تغلب وصبر ابنا وائل بكر وتغلب ليس معهم غيرهم حتى إذا غشيهم الليل نادى منادي سلمة من أتى برأس شرحبيل فله مائة من الإبل وكان شرحبيل نازلا في بني حنظلة وعمرو بن تميم ففروا عنه وعرف مكانه أبو حنش وهو عصم بن النعمان بن مالك بن غياث بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب فصمد نحوه فلما انتهى إليه رآه جالسا وطوائف الناس يقاتلون حوله فطعنه بالرمح ثم نزل إليه فاحتز رأسه وألقاه إليه ويقال إن بني حنظلة وبني عمرو بن تميم والرباب لما انهزموا خرج معهم شرحبيل فلحقه ذو السنينة واسمه حبيب بن عتيبة بن حبيب بن بعج بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر وكانت له سن زائدة فالتفت
شرحبيل فضرب ذا السنينة على ركبته فأطن رجله وكان ذو السنينة أخا أبي حنش لأمه أمهما سلمى بنت عدي بن ربيعة بنت أخي كليب ومهلهل فقال ذو السنينة قتلني الرجل فقال أبو حنش قتلني الله إن لم أقتله فحمل عليه فلما غشيه قال يا أبا حنش أملكا بسوقة قال إنه قد كان ملكي فطعنه أبو حنش فأصاب رادفة السرج فورعت عنه ثم تناوله فألقاه عن فرسه ونزل إليه فاحتز رأسه فبعث به إلى سلمة مع ابن عم له يقال له أبو أجأ بن كعب بن مالك بن غياث فألقاه بين يديه فقال له سلمة لو كنت ألقيته إلقاء رفيقا فقال ما صنع بي وهو حي أشد من هذا وعرف أبو أجأ الندامة في وجهه والجزع على أخيه فهرب وهرب أبو حنش فتنحى عنه فقال معد يكرب أخو شرحبيل وكان صاحب سلامة معتزلا عن جميع هذه الحروب
( ألا أبلغْ أبا حنشٍ رسولاً ... فما لك لا تجيءُ إلى الثوابِ )
( تعلّمْ أن خيرَ الناس طُرًّا ... قتيلٌ بين أحجار الكُلابِ )
( تداعت حوله جُشَمُ بن بكر ... وأسلمه جعاسيسُ الرِّبابِ )
( قتيلٌ ما قتيلُك يابن سَلْمَى ... تضُرُّ به صديقك أو تُحابي )
فقال أبو حنش مجيبا له
( أحاذر أن أجيئكُمُ فَتَحْبُو ... حِباءَ أبيك يوم صُنَيْبِعاتِ )
( فكانت غدرةً شنعاء تهفو ... تَقَلَّدها أبوك إلى الممَاتِ )
ويقال إن الشعر الأول لسلمة بن الحارث
وقال معد يكرب المعروف بغلفاء يرثي أخاه شرحبيل بن الحارث
( إنّ جنبي عن الفراش لنابي ... كتجافي الأَسَرِّ فوق الظِّرابِ )
( من حديثٍ نَمَى إليّ فلا تر ... فَأُعيني ولا أسيغُ شرابي )
( مُرَّةٌ كالذُّعاف أكتُمها الناسَ ... على حَرّ مَلَّةٍ كالشِّهابِ )
( من شرحبيلَ إذ تَعاوَرُه الأر ... ماحُ في حال لذّة وشبابِ )
( يابن أمي ولو شهِدتُك إذ تدعو ... تميماً وأنت غيرُ مجابِ )
( لتركتُ الحسام تجري ظُباه ... من دماء الأعداء يوم الكُلابِ )
( ثم طاعنتُ من ورائك حتى ... تبلغَ الرَّحْبَ أو تُبَزَّ ثيابي )
( يوم ثارت بنو تميم وولّت ... خيلُهم يتَّقِين بالأذناب )
( ويْحَكم يا بني أسَيِّدَ إنِّي ... ويحكم ربُّكُم وربُّ الرِّباب )
( أين معطِيكمُ الجزيلَ وحابيكم ... على الفقر بالمئين الكُبَاب )
( فارس يضرِب الكتيبةَ بالسيف ... على نحره كَنَضْحِ المَلاَب )
( فارسٌ يطعُنُ الكماة جريءٌ ... تحته قارحٌ كلون الغراب )
قال ولما قتل شرحبيل قامت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم دون عياله فمنعوهم وحالوا بين الناس وبينهم ودفعوا عنهم حتى ألحقوهم بقومهم ومأمنهم ولي ذلك منهم عوف بن شجنة بن الحارث بن عطارد بن عوف بن سعد بن كعب وحشد له فيه رهطه ونهضوا معه فأثنى عليهم في ذلك امرؤ القيس بن حجر ومدحهم به في شعره فقال
( ألا إنّ قوماً كنتُمُ أمسِ دونهم ... هم استنقذوا جاراتِكم آلَ غُدرانِ )
( عُوَيْرٌ ومَن مثلُ العوير ورهطه ... وأسعدَ في يوم الهَزاهِز صَفْوان )
وهي قصيدة معروفة طويلة
صوت
( وعينُ الرّضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ... ولكن عينَ السخط تُبدي المساويا )( وأنت أخي مالم تكن لي حاجة ... فإن عرضَتْ أيقنتُ أن لا أخَا ليا )
الشعر لعبد الله بن معاوية بن عبد الله الجعفري يقوله للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس هكذا ذكر مصعب الزبيري وذكر مؤرج فيما أخبرنا به اليزيدي عن عمه أبي جعفر عن مؤرج وهو الصحيح أن عبد الله بن معاوية قال هذا الشعر في صديق له يقال له قصي بن ذكوان وكان قد عتب عليه وأول الشعر
( رأيت قُصَيّاً كان شيئاً مُلَفَّفاً ... فكشَّفَه التمحيصُ حتَّى بدا ليا )
( فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتُكَ في الحاجاتِ إلاّ تنائيا )
والغناء لبنان بن عمرون رمل بالوسطى وفيه الثقيل الأول لعريب من رواية أبي العنبس وغيره
خبر عبد الله بن معاوية ونسبه
هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف وأم عبد الله بن جعفر وسائر بني جعفر أسماء بنت عميس بن معد بن تميم بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل وهوخماعة بن خثعم ابن أنمار وأمها هند بنت عوف امرأة من جرش هذه الجرشية أكرم الناس أحماء أحماؤها رسول الله وعلي وجعفر وحمزة والعباس وأبو بكر رضي الله تعالى عنهم وإنما صار رسول الله من أحمائها أنه كان لها أربع بنات ميمونة زوجة رسول الله وأم الفضل زوجة العباس وأم بنته وسلمى زوجة حمزة بن عبد المطلب بنات الحارث وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن كانت عند جعفر بن أبي طالب ثم خلف عليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ثم خلف عليها علي بن أبي طالب عليه السلام وولدت من جميعهم وهن اللواتي قال رسول الله لهن إنهن مؤمناتحدثني بذلك أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن
العلوي قال حدثنا هارون بن محمد بن موسى الفروي قال حدثنا داود بن عبد الله قال حدثني عبد العزيز الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله الأخوات المؤمنات ميمونة وأم الفضل وسلمى وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن
حدثني أحمد قال حدثني يحيى قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرني يحيى بن العلاء البجلي عن عمه شعيب بن خالد عن حنظلة بن سمرة بن المسيب عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال دخل النبي على فاطمة وعلي عليهما السلام ليلة بنى بها فأبصر خيالا من وراء الستر فقال من هذا فقالت أسماء قال بنت عميس قالت نعم أنا التي أحرس بنتك يا رسول الله فإن الفتاة ليلة بنائها لا بد لها من امرأة تكون قريبا منها إن عرضت لها حاجة أفضت بذلك إليها فقال رسول الله فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان
بعض من أخبار عبد الله بن جعفر
وقد أدرك عبد الله بن جعفر رحمه الله رسول الله وروى عنهفمما روى عنه ما حدثنيه حامد بن محمد بن شعيب البلخي وأحمد بن محمد بن الجعد قالا حدثنا محمد بن بكار قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال رأيت النبي يأكل البطيخ بالرطب
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن الحسن قال حدثنا
سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن يحيى وعثمان بن أبي سليمان قالا مر النبي بعبد الله بن جعفر وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان فقال ما تصنع بهذا قال أبيعه قال ما تصنع بثمنه قال أشتري به رطبا فآكله فقال النبي اللهم بارك له في صفقة يمينه فكان يقال ما اشترى شيئا إلا ربح فيه
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب أن الحزين قمر في العقيق في غداة باردة ثيابه فمر به عبد الله بن جعفر وعليه مقطعات خز فاستعار الحزين من رجل ثوبا ثم قام إليه فقال
( أقولُ له حين واجهتُه ... عليك السلام أبا جعفر )
فقال وعليك السلام فقال
( فأنت المهذّب من غالب ... وفي البيت منها الذي تُذْكَرُ )
فقال كذبت يا عدو الله ذاك رسول الله فقال
( فهذي ثيابيَ قد أخلَقَتْ ... وقد غضَّني زمنٌ منكر )
قال هاك ثيابي فأعطاه ثيابه
قال الزبير قال عمي أما البيت الثاني فحدثني عمي عن الفضل بن الربيع عن أبي وما بقي فأنا سمعته من أبي
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال أخبرنا يحيى بن الحسن قال بلغني أن أعرابيا وقف على مروان بن عبد الحكم أيام الموسم بالمدينة فسأله فقال يا أعرابي ما عندنا ما نصلك ولكن عليك بابن جعفر فأتى الأعرابي باب عبد الله بن جعفر فإذا ثقله قد سار نحو مكة وراحلته بالباب عليها متاعها وسيف معلق فخرج عبد الله من داره وأنشأ الأعرابي يقول
( أبو جعفرٍ من أهلِ بيت نبوّة ... صلاتهُمُ للمسلمين طَهورُ )
( أبا جعفر إن الحجيجَ ترحَّلوا ... وليس لرحلي فاعلمنَّ بعير )
( أبا جعفر ضنّ الأميرُ بماله ... وأنت على ما في يديك أميرُ )
( وأنت امرٌؤ من هاشم في صميمها ... إليكَ بصيرُ المجدُ حيث تصير )
فقال يا أعرابي سار الثقل فدونك الراحلة بما عليها وإياك أن تخدع عن السيف فإني أخذته بألف دينار فأنشأ الأعرابي يقول
( حباني عبدُ الله نفسي فِداؤهُ ... بأعيسَ مَوّارٍ سِباطٍ مَشَافِرُهْ )
( وأبيضَ من ماء الحديد كأنه ... شِهاب بدا والليلُ داجٍ عساكرُهْ )
( وكل امرىء يرجو نوال ابن جعفر ... سيجري له باليمن والبشِر طائرُهْ )
( فيا خيرَ خلق الله نفساً ووالداً ... وأكرَمَه للجار حينَ يجاوره )
( سأثني بما أوليتني يابن جعفر ... وما شاكرٌ عُرْفاً كمن هو كافِره )
وحدثني أحمد بن يحيى عن رجل قال حدثني شيخ من بني تميم بخراسان قال جاء شاعر إلى عبد الله بن جعفر فأنشده
( رأيت أبا جعفر في المنام ... كساني من الخزِّ دُرَّاعَهْ )
( شكوتُ إلى صاحبي أمرها ... فقال ستؤتى بها الساعه )
( سيكسُوكَها الماجدُ الجعفريّ ... ومَن كفُّه الدهرَ نفَّاعه )
( ومن قال للجود لاَ تعْدُني ... فقال لك السمع والطاعه )
فقال عبد الله لغلامه ادفع إليه دراعتي الخز ثم قال له كيف لو ترى جبتي المنسوجة بالذهب التي اشتريتها بثلاثمائة دينار فقال له الشاعر بأبي دعني اغفي إغفاءة أخرى فلعلي أرى هذه الجبة في المنام فضحك منه وقال يا غلام ادفع إليه جبتي الوشي
حدثني أحمد قال يحيى قال ابن دأب وسمع قول الشماخ بن ضرار الثعلبي في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رحمه الله
( إنك يابن جعفرٍ نعم الفتى ... ونعم مأوى طارقٍ إذا أتى )
( وجار ضيفٍ طرق الحيَّ سُرَى ... صادَفَ زاداً وحديثاً يُشْتَهَى )
( إن الحديث طرَفٌ من القِرى ... )
فقال ابن دأب العجب للشماخ يقول مثل هذا القول لابن جعفر ويقول لعرابة
الأوسي
( إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد ... تلقَّاها عَرابةُ باليمين )
عبد الله بن جعفر كان أحق بهذا من عرابة
قال يحيى بن الحسن وكان عبد الله بن الحسن يقول كان أهل المدينة يدانون بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر
أخبرني أحمد قال حدثني يحيى قال حدثني أبو عبيد قال حدثني يزيد ابن هارون عن هشام عن ابن سيرين قال جلب رجل إلى المدينة سكرا فكسد عليه فقيل له لو أتيت ابن جعفر قبله منك وأعطاك الثمن فأتى ابن جعفر فأخبره فأمره بإحضاره وبسط له ثم أمر به فنثر فقال للناس انتهبوا فلما رأى الناس ينتهبون قال جعلت فداءك آخذ معهم قال نعم فجعل الرجل يهيل في غرائره ثم قال لعبد الله أعطني الثمن فقال وكم ثمن سكرك قال أربعة آلاف درهم فأمر له بها
أخبرنا أحمد قال حدثني يحيى بن علي وحدثني ابن عبد العزيز قال حدثنا أبو محمد الباهلي حسن بن سعيد عن الأصمعي نحوه وزاد فيه قال فقال الرجل مايدري هذا وما يعقل أخذ أم أعطى لأطلبنه بالثمن ثانية فغدا عليه فقال ثمن سكري فأطرق عبد الله مليا ثم قال يا غلام أعطه أربعة آلاف درهم فأعطاه إياها فقال الرجل قد قلت لكم إن هذا
الرجل لا يعقل أخذ أم أعطى لأطلبنه بالثمن فغدا عليه فقال أصلحك الله ثمن سكري فأطرق عبد الله مليا ثم رفع رأسه إلى رجل فقال ادفع إليه أربعة آلاف درهم فلما ولى ليقبضها قال له ابن جعفر يا أعرابي هذه تمام اٌثني عشر ألف درهم فانصرف الرجل وهو يعجب من فعله
وأخبرني أبو الحسن الأسدي عن دماذ عن أبي عبيدة أن أعرابيا باع راحلة من عبد الله بن جعفر ثم غدا عليه فاقتضى ثمنها فأمر له به ثم عاوده ثلاثا وذكر في الخبر مثل الذي قبله وزاد فيه فقال فيه
( لا خير في الْمُجْتَدَى في الحينِ تسأله ... فاستمطِروا من قريش خيرَ مُخْتدعِ )
( تخال فيه إذا حاروته بَلَهاً ... من جوده وهْو وافي العقل والورعِ )
وهذا الشعر يروى لابن قيس الرقيات
توفي في خلافة عبد الملك بن مروان
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير قال حدثني مصعب بن عثمان قال لما ولي عبد الملك الخلافة جفا عبد الله بن جعفر فراح يوما إلى الجمعة وهو يقول اللهم إنك عودتني عادة جريت عليها فإن كان ذلك قد انقضى فاقبضني إليك فتوفي في الجمعة الأخرى قال يحيى توفي عبد الله وهو ابن سبعين سنة في سنة ثمانين وهو عام الجحاف لسيل كان بمكة جحف الحاج فذهب بالإبل عليها الحمولة وكان الوالي على المدينة يومئذ أبان بن عثمان في خلافة عبد الملك بن مروان وهو الذي صلى عليه حدثني أحمد بن محمد قال أخبرنا يحيى قال حدثنا الحسين بن محمد قال أخبرني محمد بن مكرم قال أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال أخبرني الأصمعي عن الجعفري قال لما مات عبد الله بن جعفر شهده أهل المدينة كلهم وإنما كان عبد الله بن جعفر مأوى المساكين وملجأ الضعفاء فما تنظر إلى ذي حجى إلا رأيته مستعبرا قد أظهر الهلع والجزع فلما فرغوا من دفنه قام عمرو بن عثمان فوقف على شفير القبر فقال رحمك الله يا بن جعفر إن كنت لرحمك لواصلا ولأهل الشر لمبغضا ولأهل الريبة لقاليا ولقد كنت فيما بيني وبينك كما قال الأعشى
( رعيتَ الذي كان بيني وبينكم ... من الوُدِّ حتى غيّبتْك المقابرُ )
فرحمك الله يوم ولدت ويوم كنت رجلا ويوم مت ويوم تبعث حيا والله لئن كانت هاشم أصيبت بك لقد عم قريشا كلها هلكك فما أظن أن يرى بعدك مثلك
فقام عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فقال لا إله إلا الله الذي يرث الأرض ومن عليها وإليه ترجعون ما كان أحلى العيش بك يابن جعفر وما أسمج ما اصبح بعدك والله لو كانت عيني دامعة على أحد لدمعت عليك كان والله حديثك غير مشوب بكذب وودك غر ممزوج بكدر
فوثب ابن للمغيرة بن نوفل ولم يثبث الأصمعي اسمه فقال يا عمرو بمن تعرض بمزج الود وشوب الحديث أفبأبني فاطمة فهما والله خير منك ومنه فقال على رسلك يا لكع أردت أن أدخلك معهم هيهات لست هناك والله لو مت أنت ومات أبوك ما مدحت ولا ذممت فتكلم
بما شئت فلن تجد لك مجيبا فما هو إلا أن سمعهما الناس يتكلمان حتى حجزوا بينهما وانصرفوا قال يحيى وقال عبد الله بن قيس الرقيات في علة عبد الله بن جعفر التي مات فيها
( باتَ قلبي تَشُفُّه الأوجاع ... من هموم تُجِنُّها الأضلاعُ )
( من حديث سمعتُه مَنَعَ النومَ ... فقلبي مما سمِعتُ يُراع )
( إذ أتانا بما كرِهنا أبو اللَّسْلاسِ ... كانت بنفسه الأوجاع )
( قال ما قال ثم راح سريعاً ... أدركتْ نفسَه المنايا السِّراعُ )
( قال يشكو الصُّداعَ وهو ثقيلٌ ... بك لا بالذي عَنَيتَ الصُّداع )
( ابنَ أسماءَ لا أبالَكَ تَنْعَى ... أنه غيرُ هالكٍ نفَّاعُ )
( هاشميًّا بكفِّه من سِجال المجد ... سَجْلٌ يهون فيه القُباع )
( نشر الناسُ كلَّ ذلك منه ... شيمة المجد ليس فيه خِداعُ )
( لم أجِد بعدك الأخِلاَّءَ إلاّ ... كثِمادٍ به قَذَىً أو نِقاع )
( بيتُه من بيوت عبدِ منافٍ ... مدّ أطنابَهُ المكانُ اليَفاع )
( منتهى الحمدِ والنبوة والمجدِ ... إذا قصّر اللئام الوِضاع )
( فستأتيك مِدحةٌ من كريم ... ناله من نَدَى سِجالِك باعُ )
من هذا الشعر الذي قاله ابن قيس في عبد الله بن جعفر بيتان يغني فيهما وهما
صوت
( قد أتانا بما كرِهنا أبو اللَّسلاس ... كانت بنفسه الأوجاع )( قال يشكو الصداع وهو ثقيل ... بك لا بالذي ذكرتَ الصُّداع )
غناه عمرو بن بانة خفيف ثقيل الأول بالوسطى على مذهب إسحاق ويقال إن عمرو بن بانة صاغ هذا اللحن في هذا الشعر وغنى به الواثق بعقب علة نالته وصداع تشكاه قال فاستحسنه وأمر له بعشرة آلاف درهم وأم معاوية بن عبد الله بن جعفر أم ولد وكان من رجالات قريش ولم يكن في ولد عبد الله مثله
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي أن معاوية بن عبد الله بن جعفر ولد وأبوه عبد الله عند معاوية فأتاه البشير بذلك وعرف معاوية الخبر فقال سمه معاوية ولك مائة ألف درهم ففعل فأعطاه المال وأعطاه عبد الله للذي بشره به قال المدائني وكان عبد الله بن جعفر لا يؤدب ولده ويقول إن يرد الله جل وعز بهم خيرا يتأدبوا فلم ينجب فيهم غير معاوية
ابن هرمة ومعاوية بن عبد الله بن جعفر
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال هارون وحدثني محمد بن عبد الله بن موسى بن خالد بن الزبير بن العوام قال حدثني عمرو بن الحكم السعيدي وإبراهيم بن محمد ومحمد بن معن بن عنبسة قالوا كان معاوية بن عبد الله بن جعفر قد عود ابن هرمة البر فجاءه يوما وقد ضاقت يده وأخذ خمسين دينارا بدين فرفع إليه مع جاريته رقعة فيها مديح له يسأله فيه أيضا برا فقال للجارية قولي له أيدينا ضيقة وما عندنا شيء إلا شيء أخذناه بكلفة فرجعت جاريته بذلك فأخذ الرقعة فكتب فيها
( فإني ومدحَك غيرَ المصِيب ... كالكلب ينبح ضوءَ القمرْ )
( مدحتك أرجو لديك الثوابَ ... فكنتُ كعاصِر جَنْبِ الحَجَرْ )
وبعث بالرقعة مع الجارية فدفعتها إلى معاوية فقال لها ويحك قد علم بها أحد قالت لا والله إنما دفعها من يده إلى يدي قال فخذي هذه الدنانير فادفعيها إليه فخرجت بها إليه فقال كلا أليس زعم أنه لا يدفع إلي شيئا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال سمى عبد الله بن جعفر ابنه معاوية بمعاوية بن أبي سفيان قال وكان معاوية بن عبد الله بن جعفر صديقا ليزيد بن معاوية خاصة فسمى ابنه بيزيد بن معاوية
وصية عبد الله بن جعفر
قال الزبير وحدثني محمد بن إسحاق بن جعفر عن عمه محمد أن عبد الله بن جعفر لما حضرته الوفاة دعا ابنه معاوية فنزع شنفا كان في أذنه وأوصى إليه وفي ولده من هو أسن منه وقال له إني لم أزل أؤملك لها فلما توفي احتال بدين أبيه وخرج فطلب فيه حتى قضاه وقسم أموال أبيه بين ولده ولم يستأثر عليهم بدينار ولا درهم ولا غيرهما
وأم عبد الله بن معاوية أم عون بنت عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ويقال بنت عياش بن ربيعة وقد روى عباس عن النبي وكان معه يوم حنين وهو أحد من ثبت معه يومئذ
وكان عبد الله من فتيان بني هاشم وجودائهم وشعرائهم ولم يكن محمود المذهب في دينه وكان يرمى بالزندقة ويستولي عليه من يعرف ويشهر أمره فيها وكان قد خرج بالكوفة في آخر أيام مروان بن محمد ثم انتقل عنها إلى نواحي الجبل ثم إلى خراسان فأخذه أبو مسلم فقتله هناك ويكنى عبد الله بن جعفر أبا معاوية وله يقول ابن هرمة
( أُحْبُ مدحاً أبا معاويةَ الماجدَ ... لا تلقَه حَصُورا عَيِيّا )
( بل كريماً يرتاح للمجد بسّاماً ... إذا هزّه السّؤال حَييا )
( إنّ لي عنده وإن رَغِم الأعداءُ حظّا من نفسه وقَفِيّا )
قفيا أثرة يقول إن لي عنده لأثرة على غيري وقال قوم آخرون القفي الكرامة
( إن أمت تَبْقَ مدحتي وإخائي ... وثنائي من الحياة مَلِيَّا )
( يأخذ السبقَ بالتقدم في الجري ... إذا ما النَّدى انتحاه علِيا )
( ذو وفاءٍ عند العِدات وأوصاه ... أبوه ألاَّ يزالَ وفيّا )
( فَرَعَى عقدةَ الوَصاة فأكرم ... بهما مُوصِياً وهذا وصِيا )
( يا بن أسماءَ فاسقِ دَلوي فقد أوردتُها ... مَنْهلاً يثُجُّ رَوِيّا )
يعني أمه أسماء وهي أم عون بنت العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأول هذه القصيدة
( عاتِبِ النفسَ والفؤادَ الغَوِيَّا ... في طِلاب الصِّبا فلستَ صبيّا )
قال يحيى بن علي فيما أجازه لنا أخبرني أبو أيوب المديني وأخبرنا وكيع عن هارون بن محمد بن عبد الملك عن حماد بن إسحاق عن أبيه قالا مدح ابن هرمة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فأتاه فوجد الناس بعضهم على بعض على بابه قال ابن هرمة ورآني بعض خدمه فعرفني فسألته عن الذي رأيتهم ببابه فقال عامتهم غرماء له فقلت ذاك شر واستؤذن لي عليه فقلت لم أعلم بهؤلاء الغرماء ببابك قال لا عليك أنشدني قلت أعيذك بالله واستحييت أن أنشد
فأبى إلا أن أنشده قصيدتي التي أقول فيها
( حلَلْتَ محلَّ القلب من آل هاشم ... فعُشُّك مأوَى بيضِها المتفَلّق )
( ولم تك بالمُعْزَى إليها نِصابهُ ... لِصاقا ولا ذا المركب الْمُتَعَلِّق )
( فمن مثلُ عبد الله أو مثلُ جعفر ... ومثل أبيك الأريحِيِّ المُرَهَّقِ )
فقال من هاهنا من الغرماء فقيل فلان وفلان فدعا باثنين منهم فسارهما وخرجا وقال لي اتبعهما قال فأعطياني مالا كثيرا قال يحيى ومن مختار مدحه فيه منها قوله
( فإلاّ تُواتِ اليومَ سلمى فربما ... شرِبنا بحوض اللهو غيرِ المرنَّقِ )
( فدعها فقد أَعْذَرْت في ذكر وصلها ... وأجريت فيها شأْوَ غربٍ ومَشْرِق )
( ولكن لعبد الله فانطِق بِمدحة ... تُجيرُك من عُسْر الزمانِ المُطَبِّق )
( أخ قلت للاذْنَينَ لمّا مدحتُه ... هَلُمُّوا وساري الليل مِ الآن فاطْرُقِ )
( شديدُ التأنّي في الأمور مجرّب ... متى يَعْرُ أمرُ القوم يَفْرِ ويخلُق )
( ترى الخير يجري في أسرَّة وجهه ... كما لألأتْ في السيف جريةُ رَوْنق )
( كريم إذا ما شاء عدَّ له أبا ... له نسبٌ فوق السِّماك المحلِّقِ )
( وأمَّاً لها فضلٌ على كلّ حرة ... متى ما تسابِق بابنها القوْم تَسْبِقِ )
ومما يغني فيه من قصيدة ابن هرمة اليائية التي مدح بها ابن معاوية قوله
صوت
( عجِبتْ جارتي لشيبٍ علاني ... عمرَكِ اللهَ هل رأيتِ بَدِيّا )( إنما يُعْذر الوليد ولا يُعذر ... من عاش في الزمان عتيّا )
غنى فيهما فليح رملا بالبنصر من رواية عمرو بن بانة ومن رواية حبش فيهما لابن محرز خفيف ثقيل بالبنصر
خروج عبد الله بن معاوية على بني أمية
حدثنا بالسبب في خروجه أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمه عيسى قال ابن عمار وأخبرنا أيضا ببعض خبره أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب الزبيري قال ابن عمار وأخبرني أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي اليقظان وشهاب بن عبد الله وغيرهما قال ابن عمار وحدثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره قال أبو الفرج الأصبهاني ونسخت أنا أيضا بعض خبره من كتاب محمد بن علي بن حمزة عن المدائني وغيره فجمعت معاني ما ذكروه في ذلك كراهة الإطالة أن عبد الله بن معاوية قدم الكوفة زائرا لعبد الله بن عمر بن عبد العزيز ومستميحا له فتزوج بالكوفة بنت الشرقي بن عبد المؤمن بن شبث بن ربعي الرياحي فلما وقعت العصبية أخرجه أهل الكوفة على بني أمية وقالوا له أخرج فأنت أحق بهذا الأمر من غيرك واجتمعت له جماعة فلم يشعر به عبد الله بن عمر إلا وقد خرج عليه قال ابن عمار في خبره إنه إنما خرج في أيام يزيد بن الوليد ظهر بالكوفة ودعا إلى الرضا من آل محمد ولبس الصوف وأظهر سيما الخير فاجتمع إليه وبايعه بعض أهل الكوفة ولم يبايعه كلهم وقالوا ما فينا بقية قد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت وأشاروا عليه بقصد فارس وبلاد المشرق فقبل ذلك وجمع جموعا من النواحي وخرج معه عبدُ الله بن العباس التميمي قال محمد بن علي بن حمزة عن سليمان بن أبي شيخ عن محمدد بن الحكم عن عوانة إن ابن معاوية قبل قصده المشرق ظهر بالكوفة ودعا إلى نفسه وعلى الكوفة يومئذ عامل ليزيد الناقص يقال له عبد الله بن عمر فخرج إلى ظهر الكوفة مما يلي الحرة فقاتل ابن معاوية قتالا شديدا قال محمد بن علي بن حمزة عن المدائني عن عامر بن حفص وأخبرني به ابن عمار عن أحمد بن الحارث عن المدائني أن ابن عمر هذا دس إلى رجل من أصحاب ابن معاوية من وعده عنه مواعيد على أن ينهزم عنه وينهزم الناس بهزيمته فبلغ ذلك ابن معاوية فذكره لأصحابه وقال إذا انهزم ابن حمزة فلا يهولنكم فلما التقوا انهزم ابن حمزة وانهزم الناس معه فلم يبق غير ابن معاوية فجعل يقاتل وحده ويقول
( تفرّقتِ الظباءُ على خِداشٍ ... فما يدري خداش ما يصيد )
ثم ولى وجهه منهزما فنجا وجعل يجمع من الأطراف والنواحي من أجابه حتى
صار في عدة فغلب على ماه الكوفة وماه البصرة وهمذان وقم والري وقومس وأصبهان وفارس وأقام هو بأصبهان قال وكان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب بن موسى مولى بني يشكر فدخل دار الإمارة بنعل ورداء واجتمع الناس إليه فأخذهم بالبيعة فقالوا علام نبايع فقال على ما أحببتم وكرهتم فبايعوا على ذلك
وكتب عبد الله بن معاوية فيما ذكر محمد بن علي بن حمزة عن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن جعفر بن الوليد مولى أبي هريرة ومحرز بن جعفر أن عبد الله بن معاوية كتب إلى الأمصار يدعو إلى نفسه لا إلى الرضا من آل محمد قال واستعمل أخاه الحسن على إصطخر وأخاه يزيد على شيراز وأخاه عليا على كرمان وأخاه صالحا على قم ونواحيها وقصدته بنو هاشم جميعا منهم السفاح والمنصور وعيسى بن علي وقال ابن أبي خيثمة عن مصعب وقصده وجوه قريش من بني أمية وغيرهم فممن قصده من بني أمية سليمان بن هشام بن عبد الملك وعمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان فمن أراد منهم عملا قلده ومن أراد منهم صلة وصله
فلم يزل مقيما في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولي مروان بن محمد الذي يقال له مروان الحمار فوجه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب له ابن معاوية أصحابه وحضهم على الخروج إليه فلم يفعلوا ولا أجابوه فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخراسان وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر بن سيار فلما صار في بعض الطريق نزل على رجل من التناء ذي مروءة ونعمة وجاه فسأله معونته فقال له من أنت من ولد رسول الله أأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخراسان قال لا قال فلا حاجة لي في نصرتك
فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته فأخذه أبو مسلم وحبسه عنده وجعل عليه عينا يرفع إليه أخباره فرفع إليه أنه يقول ليس في الأرض أحمق منكم يا أهل خراسان في طاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير
أن تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه والله ما رضيت الملائكة الكرام من الله تعالى بهذا حتى راجعته في أمر آدم عليه السلام فقالت ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) حتى قال لهم ( إني أعلم ما لا تعلمون )
كتابه إلى أبي مسلم وهو في حبسه
ثم كتب إليه عبد الله بن معاوية رسالته المشهورة التي يقول فيها إلى أبي مسلم من الأسير في يديه بلا ذنب إليه ولا خلاف عليه أما بعد فإنك مستودع ودائع ومولي صنائع وإن الودائع مرعية وإن الصنائع عارية فاذكر القصاص واطلب الخلاص ونبه للفكر قلبك واتق الله ربك وآثر ما يلقاك غدا على ما لا يلقاك أبدا فإنك لاق ما أسلفت وغير لاق ما خلفت وفقك الله لما ينجيك وآتاك شكر ما يبليكقال فلما قرأ كتابه رمى به ثم قال قد أفسد علينا أصحابنا وأهل طاعتنا وهو محبوس في أيدينا فلو خرج وملك أمرنا لأهلكنا ثم أمضى تدبيره في قتله وقال آخرون بل دس إليه سما فمات منه ووجه برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان فأخبرني عمر بن عبد الله العتكي قال حدثنا عن عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أن عبد العزيز بن عمران حدثه عن عبد الله بن الربيع عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة أنه حضر مروان يوم الزاب وهو يقاتل عبد الله بن علي فسأل عنه فقيل له هو الشاب المصفر الذي كان يسب عبد الله بن معاوية يوم جيء برأسه إليك فقال والله لقد هممت بقتله مرارا كل ذلك يحال بيني وبينه ( وكان أمر الله قدرا مقدورا )
علاقته بالزنادقة
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه قال كان عمارة بن حمزة يرمى بالزندقة فاستكتبه ابن معاوية وكان له نديم يعرف بمطيع بن إياس وكان زنديقا مأبونا وكان له نديم آخر يعرف بالبقلي وإنما سمي بذلك لأنه كان يقول الإنسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع فقتله المنصور لما أفضت الخلافة إليه فكان هؤلاء الثلاثة خاصته وكان له صاحب شرطة يقال له قيس وكان دهريا لا يؤمن بالله معروفا بذلك فكان يعس بالليل فلا يلقاه أحد إلا قتله فدخل يوما على ابن معاوية فلما رآه قال( إنّ قيساً وإن تقنَّع شيباً ... لخَبيثُ الهوى على شمطِه )
( ابنُ تسعين منظراً ومشيباً ... وابن عشرٍ يعَدّ في سَقَطِه )
وأقبل على مطيع فقال أجز أنت فقال
( وله شُرْطةٌ إذا جنَّه الليل فعوذوا بالله من شُرَطه )
قال ابن عمار أخبرني أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي اليقظان وشباب بن عبد الله وغيرهما قال ابن عمار وحدثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره
أن ابن معاوية كان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط وهو يتحدث ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط وأنه فعل ذلك برجل فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه فناداه يا زنديق أنت الذي تزعم أنه يوحى إليك فلم يلتفت إليه وضربه حتى مات
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه عيسى قال كان ابن معاوية أقسى خلق الله قلبا فغضب على غلام له وأنا جالس عنده في غرفة بأصبهان فأمر بأن يرمى به منها إلى أسفل ففعل ذلك به فتعلق بدرابزين كان على الغرفة فأمر بقطع يده التي أمسكه بها فقطعت ومر الغلام يهوي حتى بلغ إلى الأرض فمات
وكان مع هذه الأحوال من ظرفاء بني هاشم وشعرائهم وهو الذي يقول
( ألا تَزَعُ القلبَ عن جهله ... وعما تُؤَنَّبُ من أجلِه )
( فأُبدِل بعد الصبا حِلْمَه ... وأقْصَرَ ذو العَذْل عن عذلِه )
( فلا تركبنّ الصنيعَ الذي ... تلوم أخاك على مثلِه )
( ولا يعجِبنَّك قولُ امرىء ... يخالِف ما قال في فعلِه )
( ولا تُتبِع الطَّرْفَ ما لا تنال ... ولكن سل اللهَ من فضلِه )
( فكم مِن مُقِلٍّ ينال الغنى ... ويحمَد في رزقه كلِّه )
أنشدنا هذا الشعر له ابن عمار عن أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين وذكر محمد بن علي العلوي عن أحمد بن ابي خيثمة أن يحيى بن معين أنشده أيضا لعبد الله بن معاوية
( إذا افتقرت نفسي قَصَرْتُ افتقارَها ... عليها فلم يظهر لها أبدا فَقْرى )
( وإن تلقني في الدهر مندوحةُ الغنى ... يكن لأخلاّئي التوسُّعُ في اليسر )
( فلا العسرُ يُزْري بي إذا هو نالني ... ولا اليسر يوماً إن ظفرتُ به فخري )
وهذا الشعر الذي غني به أعني قوله
( وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... )
يقوله ابن معاوية للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان الحسين أيضا سيء المذهب مطعونا في دينه
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال حدثني إبراهيم بن يزيد الخشاب قال كان ابن معاوية صديقا للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان حسين هذا وعبد الله بن معاوية يرميان بالزندقة فقال الناس إنما تصافيا على ذلك ثم دخل بينهما شيء من الأشياء فتهاجرا من أجله فقال عبد الله بن معاوية
( وإنّ حسينا كان شيئا ملفَّفا ... فمحصه التكشيفُ حتى بدا لِيا )
( وعين الرضا عن كلّ عيب كليلةٌ ... ولكن عين السخط تبدي المساويا )
( وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا )
وله في الحسين أشعار كلها معاتبات فمنها ما أخبرني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال أنشدني يحيى بن الحسن لعبد الله بن معاوية يقوله في الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب
( قل لذي الودّ والصفاء حسين ... اُقدُرِ الوُدَّ بيننا قَدَرَهْ )
( ليس للدابغ المُقَرِّظ بُدٌّ ... من عتاب الأديم ذي البَشَرَه )
قال وقال له أيضا
( إنّ ابن عمك وابنَ أُمكَ ... مُعْلِمٌ شاكي السلاحِ )
( يَقص العدوَّ وليس يرضى ... حين يَبْطُشُ بالجناح )
( لا تحسبن أذى ابن عمِّ ... كَ شربَ ألبان اللِّقاحِ )
( بل كالشجا تحت اللَّهاةِ ... إذا يُسَوَّغ بالقَرَاحِ )
( فانظر لنفسك من يجيبك ... تحت أطراف الرماحِ )
( من لا يزال يسوءهُ ... بالغيب أن يلحاك لاحِي )
عبد الله بن معاوية وجده عبد الحميد
أخبرني الحرمي والطوسي قالا حدثنا يحيى بن الحسن قال حدثنا الزبير وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن يحيى أن عبد الله بن معاوية مر بجده عبد الحميد في مزرعته بصرام وقد عطش فاستسقاه فخاض له سويق لوز فسقاه إياه فقال عبد الله بن معاوية( شرِبتُ طَبَرْزَذاً بغريضِ مُزنٍ ... كذوب الثلج خالطه الرُّضابُ )
قال يحيى قال الزبير الرضاب ماء المسك ورضاب كل شيء ماؤه فقال عبد الحميد بن عبيد الله يجيب عبد الله بن معاوية على قوله
( ما إن ماؤُنا بغرِيض مُزْن ... ولكنّ المِلاح بكم عِذابُ )
( وما إن بالطْبرزِذ طاب لكن ... بمَسِّك لا به طاب الشراب )
( وأنت إذا وطِئت تراب أرضٍ ... يطيب إذا مشيتَ بها الترابُ )
( لأن نداك يُطفِي الْمَحْل عنها ... وتُحييها أيادِيك الرِّطاب )
قال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده إبراهيم الموصلي قال بينا نحن عند الرشيد أنا وابن جامع وعمرو الغزال إذ قال صاحب الستارة
لأبن جامع تغن في شعر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر قال ولم يكن ابن جامع يغني في شيء منه وفطنت لما أراد من شعره وكنت قد تقدمت فيه فأرتج على ابن جامع فلما رأيت ما حل به اندفعت فغنيت
صوت
( يهِيم بجُمْلٍ وما إن يرى ... له من سبيل إلى جُملِهِ )( كأن لم يكن عاشِق قبله ... وقد عشِق الناس من قبلِه )
( فمنهم مَن الحب أودَى به ... ومنهم مَنَ اشْفَى على قتلِه )
فإذا يد قد رفعت الستارة فنظر إلي وقال أحسنت والله أعد فأعدته فقال أحسنت حتى فعل ذلك ثلاث مرات ثم قال لصاحب الستارة كلاما لم أفهمه فدعا صاحب الستارة غلاما فكلمه فمر الغلام يسعى فإذا بدرة دنانير قد جاءت يحملها فراش فوضعت تحت فخذي اليسرى وقيل لي اجعلها تكأتك قال فلما انصرفنا قال لي ابن جامع هل كنت وضعت لهذا الشعر غناء قبل هذا الوقت فقلت ما شعر قيل في الجاهلية ولا الإسلام يدخل فيه الغناء إلا وقد وضعت له لحنا خوفا من أن ينزل بي ما نزل بك فلما كان المجلس الثاني وحضرنا قال صاحب الستارة يابن جامع تغن في شعر عبد الله بن معاوية فوقع في مثل الذي وقع فيه بالأمس قال إبراهيم فلما رأيت ما حل به اندفعت فغنيت
صوت
( يا قوم كيف سِواغُ عيشٍ ليس تؤمَن فاجِعاتُهْ )
( ليست تزالُ مطلَّةً ... تغدو عليك منغِّصاته )
( الموت هولٌ داخلٌ ... يوماً على كرْهٍ أناتُه )
( لا بد للحذِر النَّفورِ ... من ان تَقَنَّصَهُ رُماتُهْ )
( قد أمنح الود الخليلَ ... بغير ما شيء رزاته )
( وله أقيمُ قناةَ ودّي ... ما استقامت لي قناته )
قال فأومأ إلي صاحب الستارة أن أمسك ووضع يده على عينه كأنه يوميء إلي أنه يبكي قال فأمسكت ثم انصرفنا فقال لي ابن جامع ما صب أمير المؤمنين على ابن جعفر قلت صبه الله عليه لبدرة الدنانير التي أخذتها قال ثم حضر بعد ذلك فلما اطمأن بنا مجلسنا قال ابن جامع بكلام خفي اللهم أنسه ذكر ابن جعفر قال فقلت اللهم لا تستجب فقال صاحب الستارة يابن جامع تغن في شعر عبد الله بن معاوية قال فقال ابن جامع لو كان عندهم في عبد الله بن معاوية خير لطار مع أبيه ولم يقبل على الشعر قال إبراهيم فسمعنا ضحكة من وراء الستارة قال إبراهيم فاندفعت أغني في شعره
( سلا ربَّةَ الخِدر ما شأنُها ... ومن أيِّما شأنِنَا تعجب )
( فلستُ بأوّل من فاته ... على إرْبِه بعضُ ما يَطْلُبُ )
( وكائن تعرَّضَ من خاطب ... فَزُوِّج غيرَ التي يخطب )
( وأُنكِحَها بعده غيرُه ... وكانت له قبله تُحجَب )
( وكنا حديثاً صَفِيَّيْن لا ... نخاف الوشاةَ وما سبَّبوا )
( فإن شطَّتِ الدار عنّا بها ... فبانت وفي الناس مُسْتَعتَبُ )
( وأصبح صدعُ الذي بيننا ... كصدع الزجاجةِ ما يُشْعَب )
( وكالدَّرِّ ليست له رجعة ... إلى الضَّرْع من بعدما يُحْلَب )
غنى في البيتين الأولين إبراهيم الموصلي خفيف ثقيل الأول بالوسطى من رواية أحمد بن يحيى المكي ووجدتهما في بعض الكتب خفيف رمل غير منسوب قال فقال لي صاحب الستارة أعد فأعدته فأحسب أمير المؤمنين نظر إلى ابن جامع كاسف البال فأمر له بمثل الذي أمر لي بالأمس وجاؤوني ببدرة دنانير فوضعت تحت فخذي اليسرى أيضا وكان ابن جامع فيه حسد ما يستتر منه فلما انصرفنا قال اللهم أرحنا من ابن جعفر هذا فما أشد بغضي له لقد بغض إلى جده فقلت ويحك تدري ما تقول قال فمن يدري ما يقول إذا لوددت أني لم أر إقباله عليك وعلى غنائك في شعر هذا البغيض ابن البغيضة وأني تصدقت بها يعني البدرة
وهذا الصوت الأخير يقول شعره عبد الله بن معاوية في زوجته أم زيد بنت زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام
أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال خطب عبد الله بن معاوية ربيحة بنت محمد بن عبد الله بن علي بن عبد
الله بن جعفر وخطبها بكار بن عبد الملك بن مروان فتزوجت بكارا فشمتت بعبد الله امرأته أم زيد بنت زيد بن علي بن الحسين فقال في ذلك
( سلا ربَّةَ الخِدْر ما شأنُها ... ومِن أَيِّما شأنِنا تعجب )
فقال ابن أبي خيثمة في خبره عن مصعب قالت له والله ما شمت ولكني نفست عليك فقال لها لا جرم والله لا سؤتك أبدا ما حييت
صوت
( طاف الخيال من امّ شيْبَةَ فاعترى ... والقومُ من سنةٍ نَشاوَى بالكرى )( طافت بخوصٍ كالقِسِيّ وفتيةٍ ... هجعوا قليلا بعد ما ملُّوا السُّرى )
الشعر لأبي وجزة السعدي والغناء لإسحاق ثقيل أول بالبنصر
أخبار أبي وجزة ونسبه
اسمه يزيد بن عبيد فيما ذكره أصحاب الحديث وذكر بعض النسابين أن اسمه يزيد بن أبي عبيد وأنه كان له أخ يقال له عبيد وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن لولائه فيهموأصله من سليم من بني ضبيس بن هلال بن قدم بن ظفر بن الحارث بن بهثة بن سليم ولكنه لحق أباه وهو صبي سباء في الجاهلية فبيع بسوق ذي المجاز فابتاعه رجل من بني سعد واستعبده فلما كبر استعدى عمر رضي الله عنه وأعلمه قصته فقال له إنه لا سباء على عربي وهذا الرجل قد امتن عليك فإن شئت فأقم عنده وإن شئت فالحق بقومك فأقام في بني سعد وانتسب إليهم هو وولده
وبنو سعد أظآر رسول الله كان مسترضعا فيهم عند امرأة يقال لها حليمة فلم يزل فيهم عليه السلام حتى يفع ثم أخذه جده عبد المطلب
منهم فرده إلى مكة وجاءته حليمة بعد الهجرة فأكرمها وبرها وبسط لها رداءه فجلست عليه وبنو سعد تفتخر بذلك على سائر هوازن وحقيق بكل مكرمة وفخر من اتصل منه رسول الله بأدنى سبب أو وسيلة
أخبرني بخبره الذي حكيت جملا منه في نسبه وولائه أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي عن يونس وأخبرني أبو خليفة فيما كتب به إلي عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب بن السكيت قالوا جميعا سوى يعقوب
كان عبيد أبو أبي وجزة السعدي عبد بيع بسوق ذي المجاز في الجاهلية فابتاعه وهيب بن خالد بن عامر بن عمير بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن فأقام عنده زمانا يرعى إبله ثم إن عبيدا ضرب ضرع ناقة لمولاه فأدماه فلطم وجهه فخرج عبيد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستعديا فلم قدم عليه قال يا أمير المؤمنين أنا رجل من بني سليم ثم من بني ظفر أصابني سباء في الجاهلية كما يصيب العرب بعضها من بعض وأنا معروف النسب وقد كان رجل من بني سعد ابتاعني فأساء إلي وضرب
وجهي وقد بلغني أنه لا سباء في الإسلام ولا رق على عربي في الإسلام فما فرغ من كلامه حتى أتى مولاه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على أثره فقال يا أمير المؤمنين هذا غلام ابتعته بذي المجاز وقد كان يقوم في مالي فأساء فضربته ضربة والله ما أعلمني ضربته غيرها قط وإن الرجل ليضرب ابنه أشد منها فكيف بعبده وأنا أشهدك أنه حر لوجه الله تعالى فقال عمر لعبيد قد امتن عليك هذا الرجل وقطع عنك مؤنة البينة فإن أحببت فأقم معه فله عليك منة وإن أحببت فالحق بقومك فأقام مع السعدي وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن وتزوج زينب بنت عرفطة المزنية فولدت له أبا وجزة وأخاه وقال يعقوب وأخاه عبيدا وذكر أن أباهما كان يقال له أبو عبيد ووافق من ذكرت روايته في سائر الخبر فلما بلغ ابناه طلباه بأن يلحق بأصله وينتمي إلى قومه من بني سليم فقال لا أفعل ولا ألحق بهم فيعيروني كل يوم ويدفعوني وأترك قوما يكرموني ويشرفوني فوالله لئن ذهبت إلى بني ظفر لا أرعى طمة ولا أرد جمة إلا قالوا لي يا عبد بني سعد قال وطمة جبل لهم فقال أبو وجزة في ذلك
( أنْمَى فأعْقِلُ في ضَبيسٍ مَعِقلاً ... ضخماً مناكِبُه تميمَ الهادي )
( والعَقدُ في مَلاَّن غير مُزَلجٍ ... بقُوىً متيناتِ الحبالِ شِدَادِ )
كان ابو وجزة من التابعين
وكان أبو وجزة من التابعين وقد روى عن جماعة من أصحاب رسول الله ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يسند إليه حديثا ولكنه حدث عن ابيه عنه بحديث الاستسقاء ونقل عنه جماعة من الرواة أخبرني محمد بن خلف وكيع وعمي قالا حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني إبراهيم بن حمزة قال حدثني موسى بن شيبة قال سمعت أبا وجزة السعدي يقول قال رسول الله ليس شعر حسان بن ثابت ولا كعب بن مالك ولا عبد الله بن رواحة شعرا ولكنه حكمة
فأما خبر الاستسقاء الذي رواه عن أبيه عن عمر فإن الحسن بن علي أخبرنا به قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني عبد الله بن عمرو عن علي بن الصباح عن هشام بن محمد عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال شهدت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد خرج بالناس ليستسقي عام الرمادة فقام وقام الناس خلفه فجعل يستغفر الله رافعا صوته لا يزيد على ذلك فقلت في نفسي ما له لا يأخذ فيما جاء له ولم أعلم أن الاستغفار هو الاستسقاء فما برحنا حتى نشأت سحابة وأظلتنا فسقي
الناس وقلدتنا السماء قلدا كل خمس عشرة ليلة حتى رأيت الأرينة تأكلها صغار الإبل من وراء حقاق العرفط
وأخبرني أبو الحسن الأسدي وهاشم بن محمد الخزاعي جميعا عن الرياشي عن الأصمعي عن عبد الله بن عمر العمري عن أبي وجزة السعدي عن أبيه وذكر الحديث مثله وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة واللفظ متقارب وزاد الرياشي في خبره فقلت لأبي وجزة ما حقاق العرفط قال نبات سنتين وثلاث وزاد ابن قتيبة في خبره عليهم قال ومات أبو وجزة سنة ثلاثين ومائة
وهو أحد من شبب بعجوز حيث يقول
( يأيّها الرجلُ الموكَّلُ بالصبا ... فيم ابنُ سبعينَ المعمَّرُ من دَدِ )
( حتّام أنت موكَّلٌ بقديمةٍ ... أمست تَجَدَّدُ كاليماني الجيّد )
( زان الجلالُ كمالها ورسا بها ... عقلٌ وفاضِلة وشيمةُ سيّد )
( ضنّت بنائلها عليك وأنتما ... غِرّان في طلب الشباب الأغيدِ )
( فالآن ترجو أن تُثيبك نائلا ... هيهات نائلُها مكانَ الفَرقَدِ )
وأخبرنا الحرمي بن أبي العلاء والطوسي جميعا قالا حدثنا الزبير بن بكار
قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال استسقى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلما وقف على المنبر أخذ في الاستغفار فقلت ما أراه يعمل في حاجته ثم قال في آخر كلامه اللهم إني قد عجزت وما عندك أوسع لهم ثم أخذ بيد العباس رضي الله تعالى عنه ثم قال وهذا عم نبيك ونحن نتوسل إليك به فلما أراد عمر رضي الله تعالى عنه أن ينزل قلب رداءه ثم نزل فتراءى الناس طرة في مغرب الشمس فقالوا ما هذا وما رأينا قبل ذلك قزعة سحاب أربع سنين قال ثم سمعنا الرعد ثم انتشر ثم اضطرب فكان المطر يقلدنا قلدا في كل خمس عشرة ليلة حتى رأيت الأرينة خارجة من حقاق العرفط تأكلها صغار الإبل
أبو وجزة يمدح بني الزبير
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي قال خرج أبو وجزة السعدي وأبو زيد الأسلمي يريدان المدينة وقد امتدح أبو وجزة آل الزبير وامتدح أبو زيد إبراهيم بن هشام المخزومي فقال له أبو وجزة هل لك في أن أشاركك فيما أصيب من آل الزبير وتشاركني فيما تصيب من إبراهيم فقال كلا والله لرجائي في الأمير أعظم من رجائك في آل الزبير فقدما المدينة فأتى أبو زيد دار إبراهيم فدخلها وأنشد الشعر وصاح وجلب فقال إبراهيم لبعض أصحابه اخرج إلى هذا الأعرابي الجلف فاضربه وأخرجه فأخرج وضرب وأتى أبو وجزة أصحابه فمدحهم وأنشدهم فكتبوا له إلى مال لهم بالفرع أن يعطى منه ستين وسقا من التمر فقال أبو وجزة يمدحهم
( راحت قَلُوصي رواحا وهي حامدة ... آلَ الزبير ولم تَعدِل بهم أحدا )
( راحت بستين وَسْقا في حقيبتها ... ما حُمِّلت حِملَها الأدنى ولا السَّدَدا )
( ذاك القِرى لا كأقوامٍ عهِدتهُم ... يَقْرون ضيفَهم الملويّةَ الجُدُدا )
يعني السياط
قال أبو الفرج الأصفهاني قول أبي وجزة
( راحت بستّين وسقاً في حقيبتها ... )
أنها حملت ستين وسقا ولا تحمل ناقة ذلك ولا تطيقه ولا نصفه وإنما عنى أنه انصرف عنهم وقد كتبوا له بستين وسقا فركب ناقته والكتاب معه بذلك قد حملته في حقيبتها فكأنها حاملة بالكتاب ستين وسقا لأ أنها أطاقت حمل ذلك وهذا بيت معنى يسأل عنه
وقال يعقوب بن السكيت فيما حكيناه من روايته التي ذكرها الأخفش لنا عن السكري في شعر ابي وجزة وأخباره كان أبو وجزة قد جاور مزينة وانتجع بلادهم لصهره فيهم فنزل على عمرو بن زياد بن سهيل بن مكدم بن عقيل بن وهب بن عمرو بن مرة بن مازن بن عوف بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان فأحسن عمرو جواره وأكرم مثواه فقال أبو وجزة يمدحه
( لمن دِمنةٌ بالنَّعْفِ عافٍ صَعيدُها ... تَغَيَّر باقيها ومَحَّ جديدُها )
( لِسَعدة من عام الهزيمة إذ بنا ... تصافٍ وإذ لمّا يَرُعنا صُدودُها )
( وإذ هي أمَّا نفسُها فأَريبه ... لِلَهوٍ وأما عن صِباً فتَذُودُها )
( تَصَيَّدُ ألبابَ الرجالِ بدَلِّها ... وشميتُها وَحْشيةٌ لا نَصِيدها )
( كباسِقة الوَسْمِيِّ ساعةَ أَسبلتْ ... تلألأ فيها البرقُ وابيضّ جِيدُها )
الباسقة التي فضلت غيرها من الغمام وطالت عليه قال الله تبارك وتعالى ( والنخل باسقات )
( كبِكرٍ تُراني فَرقَدين بقَفْرة ... من الرمل أو فَيْحانَ لم يَعْسُ عُودُها )
( لعمرو الندى عمرو بن آل مكدّم ... كثيرُ عِليّاتِ الأمور جليدها )
( فتًى بين مَسْروجٍ وآلِ مُكدَّمٍ ... وعمروٌ فتى عثمانَ طُرًّا وسِيدُها )
( حليم إذا ما الجهلُ أفرط ذا النهى ... على أمره حامي الحَصاة شديدُها )
( وما زال ينحو فعلَ مَنْ كان قبله ... مِنَ ابنائه يجني العلا ويُفيدها )
( فكم من خليلٍ قد وصلتَ وطارقٍ ... وقَرّبْتَ مِنْ أدماءَ وارٍ قصِيدُها )
( وذي كربةٍ فرّجت كُربةَ همّه ... وقد ظل مُسْتَدًّا عليه وصِيدُها )
أبو وجزة يتزوج زينب بنت عرفطة
أخبرني عمي قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية عن يعقوب بن سلام بن عبد الله بن أبي مسروج قال تزوج أبو وجزة السعدي زينب بنت عرفطة بن سهل بن مكدم المزنية فولدت له عبيدا وكانت قد عنست وكان أبو وجزة يبغضها وإنما أقام عليها لشرفها فقال لها ذات يوم( أعطَى عُبَيْداً وعبيدٌ مَقْنَعُ ... من عِرمِسٍ مَحْزِمُها جَلَنْفَعُ )
( ذاتِ عساسٍ ما تكاد تَشْبَع ... تجتلِدُ الصحْنَ وما إنْ تَبْضَعِ )
( تمرّ في الدار ولا تَوَرَّعُ ... كأنها فيهمْ شجاعٌ أقرعُ )
فقالت زينب أم وجزة تجيبه
( أعْطَى عُبيدا من شُيَيْخ ذي عَجَرْ ... لا حَسَنِ الوجه ولا سمْحٍ يَسَرْ )
( يشرب عُسَّ المَذْق في اليوم الخَصِر ... كأنما يقذف في ذات السُّعُر )
( تقاذَف السيلِ من الشِّعبِ المُضِرّ ... )
قال وقال أبو وجزة لابنه عبيد
( يا راكب العَنْسِ كمِرادة العَلَمْ ... أصلحك الله وأدنى ورحِمْ )
( إن أنت أبلغتَ وأدَّيتَ الكَلِمْ ... عنى عُبيدُ بنَ يزيدَ لو علِمْ )
( قد علِم الأقوام أن سَيَنْتقِم ... منك ومن أمّ تلَّقتك وعم )
( ربٌّ يجازى السيئاتِ من ظَلْم ... أنذرْتُك الشَّدّةَ مِن لَيثٍ أَضِمْ )
( عادٍ أبي شِبلين فَرْفارٍ لَحِمْ ... فارجع إلى أمّك تُفْرِشك ونَمْ )
( إلى عجوز رأسُها مثل الإِرَم ... واطعَمْ فإنّ الله رَزَّاق الطُّعَمْ )
فقال عبيد لأبيه
( دعها أبا وجزةَ واقعد في الغنْم ... فسوف يكفيك غلامٌ كالزَّلَمْ )
( مشمِّر يُرقِلِ في نعلٍ خَذِمْ ... وفي قَفاه لقمة من اللقم )
( قد ولَّهتْ ألاّفَها غيرَ لَمَمْ ... حتى تناهت في قَفا جَعْدٍ أحَم )
قال يعقوب وقال أبو المزاحم يهجو أبا وجزة ويعيره بنسبه
( دَعَتْك سُليمٌ عبدها فأجبتَها ... وسعدٌ وما ندري لأيهما العبدُ )
فأجابه أبو وجزة فقال
( أعيَّرتموني أنْ دعتني أخاهُم ... سليمٌ وأعطتني بأيمانها سعدُ )
( فكنتُ وسيطا في سُلَيم معاقِدا ... لسعد وسعدٌ ما يُحَلُّ لها عَقْدُ )
أبو وجزة يمدح عبد الله بن الحسن وإخوته
أخبرني أبو جعفر أحمد بن محمد بن نصر الضبعي إجازة قال حدثنا محمد بن مسعود الزرقي عن مسعود بن المفضل مولى آل حسن بن حسن قالقدم أبو وجزة السعدي على عبد الله بن الحسن وإخوته سويقة وقد
أصابت قومه سنة مجدبة فأنشده قوله يمدحه
( أثْني على ابْنَيْ رسول الله أفضَل ما ... أَثْنى به أحدٌ يوماً على أحد )
( السيدينِ الكريميْ كلِّ مُنصَرَفٍ ... من والدِين ومن صهِر ومن ولد )
( ذريّةٌ بعضُها من بعضها عَمِرتَ ... في اصلِ مجد رضيع السَّمْك والعَمَدِ )
( ما ذا بنى لهمُ من صالحٍ حسنٌ ... وحَسَنٌ وعليّ وابتنَوْا لغَد )
( فكرَّم الله ذاك البيتَ تكرِمَةً ... تَبقَى وتخلُد فيه آخرَ الأبد )
( همُ السَّدَى والنَّدَى ما في قناتهُم ... إذا تعوّجت العِيدانُ من أَوَد )
( مهذَّبون هِجانٌ أمّهاتُهُمُ ... إذا نُسِبن زُلالُ البارق البَرِدِ )
( بين الفواطم ماذا ثَمَّ من كرم ... إلى العواتك مجد غير مُنْتَقَدِ )
( ما ينتهي المجد إلا في بني حسن ... وما لهم دونه من دار مُلْتَحَد )
قال فأمر له عبد الله بن الحسن وحسن وإبراهيم بمائة وخمسين دينارا وأوقروا له رواحله برا وتمرا وكسوه ثوبين ثوبين
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان والمدائني جميعا
أن عبد الملك بن يزيد بن محمد بن عطية السعدي كان قد ندب لقتال أبي حمزة الأزدي الشاري لما جاء إلى المدينة فغلب عليها قال وبعث إليه مروان بن محمد بمال ففرقه فيمن خف معه من قومه فكان فيمن فرض له منهم أبو وجزة وابناه فخرج معترضا للعسكر على فرس وهو يرتجز ويقول
( قل لأبي حمزة هيدِ هِيدِ ... جئناك بالعادِيَةِ الصِّنْديد )
( بالبطل القَرْم أبي الوليد ... فارِس قيسٍ نَجدها المعدودِ )
( في خيل قيسٍ والكُماةِ الصِّيدِ ... كالسيف قد سُلَّ من الغُمود )
( محضٍ هِجانٍ ماجدِ الجَدودِ ... في الفَرعِ من قيسٍ وفي العمودِ )
( فِدًى لعبد الملك الحميد ... ما لي من الطارِفِ والتليد )
( يوم تَنادى الخيل بالصعيد ... كأنه في جُنَن الحديد )
( سِيدٌ مُدِلٌّ عَزَّ كلَّ سِيدِ ... )
قال وسار ابن عطية في قومه ولحقت به جيوش أهل الشأم فلقي أبا حمزة في اثني عشرة ألفا فقاتله يوما إلى الليل حتى أصاب صناديد عسكره فنادوه يابن عطية إن الله جل وعز قد جعل الليل سكنا فاسكنوا حتى
نسكن فأبى وقاتلهم حتى قتلهم جميعا
أبو وجزة مداح ابن عطية
قال وكان أبو وجزة منقطعا إلى ابن عطية يقوم بقوت عياله وكسوته ويعطيه ويفضل عليه وكان أبو وجزة مداحا له وفيه يقول( حَنَّ الفؤاد إلى سُعدى ولم تُثبِ ... فيهم الكثيرُ مِنَ التَّحْنَان والطربِ )
( قالت سعادُ أرى من شيبه عجباً ... مهلاً سعادُ فما في الشيب من عجب )
غنى في هذين البيتين إسحاق خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من كتابه
( إمّا تَرَينِي كساني الدهرُ شيبتَه ... فإن ما مرّ منه عنكِ لم يَغِبِ )
( سَقْياً لسعدى على شيب ألمّ بنا ... وقبل ذلك حين الرأسُ لم يشِبِ )
( كأن رِيقتَها بعد الكرى اغتبقت ... صوبَ الثريا بماء الْكَرْم من حَلَبِ )
وهي قصيدة طويلة يقول فيها
( أَهدِي قلاصاً عناجيجاً أضرَّ بها ... نَصُّ الوجيف وتقحيمٌ من العُقَبِ )
( يقصِدْن سِّيد قيسٍ وابنَ سيدها ... والفارسَ العِدَّ منها غير ذي الكذب )
( محمد وأبوه وابنه صنعوا ... له صنائعَ من مجد ومن حَسَب )
( إني مدحتهمُ لمّا رأيت لهمْ ... فضلا على غيرهم من سائر العرب )
( إلاّ تُثِبْني به لا يَجْزِني أحد ... ومَن يُثيب إذا ما أنت لم تُثِبِ )
والأبيات التي ذكرت فيها الغناء المذكور معه أمر أبي وجزة من قصيدة له مدح بها أيضا عبد الملك بن عطية هذا ومما يختار منها قوله
( حتى إذا هَجَدوا ألمَّ خيالُها ... سرًّا ألا بِلِمامه كان المُنى )
( طَرَقَتْ بريَّا روضةٍ من عالِجٍ ... وَسْمِيَّةٍ عذُبت وبيتها النَّدَى )
( يا أمّ شيبة أيَّ ساعةِ مَطْرَقٍ ... نَبَّهتِنا أين المدينة مِن بَدا )
( إني متى أقض اللُّبانة أجتَهدْ ... عَنَقَ العِتاق الناجياتِ على الوجَى )
( حتى أزورَك إن تيسَّر طائري ... وسلمتُ من ريب الحوادث والردى )
وفيها يقول
( فَلأَ مدحنّ بني عطيةَ كلَّهم ... مدحا يوافي في المواسم والقُرى )
( الأكرمين أوائلاً وأواخرا ... والأحلمين إذا تُخُولِجَتِ الحُبا )
( والمانعين من الهَضيمة جارَهم ... والجامعين الراقعين لما وَهَى )
( والعاطفين على الضَّريك بفضلهم ... والسابقين إلى المكارم مَنْ سعى )
وهي قصيدة طويلة يمدح فيها بني عطية جميعا ويذكر وقعتهم بأبي حمزة الخارجي ولا معنى للإطالة بذكرها
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال كان أبو وجزة السعدي منقطعا إلى آل الزبير وكان عبد الله بن عروة بن الزبير خاصة يفضل عليه ويقوم بأمره فبلغه أن أبا وجزة أتى عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام فمدحه فوصله فاطرحه ابن عروة وأمسك يده عنه فسأل عن سبب غضبه فأخبره به الأصم بن أرطاة فلم يزل أبو وجزة يمدح آل الزبير ولا يرجع له عبد الله بن عروة إلى ما كان عليه ولا يرضى عنه حتى قال فيه
( آل الزبير بنو حُرّة ... مَرَوا بالسيوف صدوراً خِنافا )
( سَلِ الجُرْدَ عنهم وأيّامها ... إذا امتعطوا المُرهَفاتِ الخِفافا )
امتعطوا سلوا ومنه ذئب أمعط منسل من شعره
( يموتون والْقَتْلُ داءٌ لهم ... ويَصلَوْنَ يومَ السِّياف السَّيافا )
( إذا فرج الْقَتْلُ عَنْ عِيصِهِمْ ... أبى ذلكَ العيصُ إلاّ التفافا )
( مطاعيمُ تُحْمَدُ أبْيَاتُهُم ... إذا قُنِّعَ الشاهقاتُ الطَّخافا )
( وأَجْبَنُ مِنْ صافرٍ كلبُهمْ ... إذا قرعته حصاةٌ أَضَافا )
فلما أنشد ابن عروة هذه الأبيات رضي عنه وعاد له إلى ما كان عليه
صوت
من المائة المختارة
( ألا هَلْ أسيرُ المالكيّة مُطْلَقُ ... فقد كاد لو لم يُعْفِهِ الله يَغْلَقُ )( فلا هو مقتولٌ ففي القتل راحة ... ولا مُنْعَمٌ يوماً عليه فَمُعْتَقُ )
الشعر لعقيل بن علفة البيت الأول منه والثاني لشبيب بن البرصاء والغناء لأحمد بن المكي خفيف ثقيل بالوسطى من كتابه فيه لدقاق رمل بالوسطى من كتاب عمرو بن بانة وأوله
( سلا أمَّ عمرو فِيم أَضْحَى أسيرُها ... يُفادى الأسارى حَوْله وهو مُوثَقُ )
وبعده البيت الثاني وهو
( فلا هو مَقتولٌ ففي القَتْلِ راحةٌ ... وَلا مُنْعَمٌ يَوْماً عليه فمُعْتَقُ )
والبيتان على هذه الرواية لشبيب بن البرصاء
أخبار عقيل بن علفة
عقيل بن علفة بن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر ويكنى أبا العملس وأبا الجرباءوأم عقيل بن علفة العوراء وهي عمرة بنت الحارث بن عوف بن ابي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة وأمها زينب بنت حصن بن حذيفة هذا قول خالد بن كلثوم والمدائني وقال ابن الأعرابي كانت عمرة العوراء أم عقيل ابن علفة والبرصاء أم شبيب بن البرصاء أختين وهما ابنتا الحارث بن عوف واسم البرصاء قرصافة أمها بنت نجبة بن ربيعة بن رياح بن مالك بن شمخ
وعقيل شاعر مجيد مقل من شعراء الدولة الأموية وكان أعرج جافيا شديد الهوج والعجرفية والبذخ بنسبه في بني مرة لا يرى أن له كفئا وهو في بيت شرف في قومه من كلا طرفيه وكانت قريش ترغب في مصاهرته
تزوج إليه خلفاؤها وأشرافها منهم يزيد بن عبد الملك تزوج ابنته الجرباء وكانت قبله عند ابن عم لعقيل يقال له مطيع بن قطعة بن الحارث بن معاوية وولدت ليزيد بنيا درج وتزوج بنته عمرة سلمة بن عبد الله بن المغيرة فولدت له يعقوب بن سلمة وكان من أشراف قريش وجودائها وتزوج أم عمرو بنته ثلاثة نفر من بني الحكم بن أبي العاص يحيى والحارث وخالد
أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال دخل عقيل بن علفة على عثمان بن حيان وهو يومئذ على المدينة فقال له عثمان زوجني ابنتك فقال أبكرة من إبلي تعني فقال له عثمان ويلك أمجنون أنت قال أي شيء قلت لي قال قلت لك زوجني ابنتك فقال أفعل إن كنت عنيت بكرة من إبلي فأمر به فوجئت عنقه فخرج وهو يقول
( كنا بني غَيْظ الرجالِ فأصبحتْ ... بنو مالك غَيْظاً وصرنا كمالكِ )
( لحى الله دهراً ذَعْذَع المالَ كلَّه ... وسوَّد أشباه الإِماء العَوارك )
عقيل يكتف خاطب ابنته ويلقيه في قرية النمل
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال كان لعقيل بن علفة جار من بني سلامان بن سعد فخطب إليه ابنته فغضب عقيل وأخذ السلاماني فكتفه ودهن استه بشحم وألقاه في قرية النمل فأكلن خصييه حتى ورم جسده ثم حله وقال يخطب إلي عبد الملك فأرده وتجترىء أنت علي قال ثم أجدبت مراعي بني مرة فانتجع عقيل أرض جذام وقربهم عذرة قال عقيل فجاءني هني مثل البعرة فخطب إلي ابنتي أم جعفر فخرجت إلى أكمة قريبة من الحي فجعلت أنبح كما ينبح الكلب ثم تحملت وخرجت فاتبعني جمع من حن بطن من عذرة فقالوا اختر إن شئت حبسناك وإن شئت حدرناك وبعيرة من رأس الجبل فإن سبقتها خلينا عنك فأرسلوا بعيرة فسبقتها فخلوا سبيلي فقلت لهم ما طمعتم بهذا من أحد قالوا أردنا أن نضع منك حيث رغبت عنا فقلت فيهم
( لقد هزِئتْ حُنٌّ بنا وتلاعبتْ ... وما لعبت حُنٌّ بذي حسَب قبلي )
( رويداً بني حُنّ تشيحوا وتأمنوا ... وتنتشر الأنعامُ في بلد سهلِ )
والله لأموتن قبل أن أضع كرائمي إلا في الأكفاء
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال وجدت في كتاب بخط الضحاك قال خرج عقيل بن علفة وابناه علفة وجثامة وابنته الجرباء حتى أتوا بنتا له ناكحا في بني مروان بالشام فآمت ثم إنهم قفلوا بها حتى كانوا ببعض الطريق فقال عقيل بن علفة
( قضتْ وطرا من دير سعدٍ وطالما ... على عُرُضٍ ناطحْنهُ بالجماجم )
( إذا هبطتْ أرضا يموت غرابُها ... بها عطشا أعطينَهم بالخزائِم )
ثم قال أنفذ يا علفة فقال علفة
( فأصبحن بالمَوماة يحملن فِتيةً ... نَشاوَى من الإِدلاج مِيلَ العمائم )
( إذا عَلَمُّ غادرْنَه بتَنُوفة ... تذارعن بالأيدي لآخر طاسِم )
ثم قال أنفذي يا جرباء فقالت وأنا آمنة قال نعم فقالت
( كأنّ الكرى سقَّاهُم صَرْخَديّةً ... عُقَارا تَمشَّى في المطا والقوائم )
فقال عقيل شربتها ورب الكعبة لولا الأمان لضربت بالسيف تحت قرطك أما وجدت من الكلام غير هذا فقال جثامة وهل أساءت إنما أجازت وليس غيري وغيرك فرماه عقيل بسهم فأصاب ساقه وأنفذ السهم ساقه والرحل ثم شد على الجرباء فعقر ناقتها ثم حملها على ناقة جثامة وتركه عقيرا مع ناقة الجرباء ثم قال لولا أن تسبني بنو مرة ما ذقت الحياة ثم خرج متوجها إلى أهله وقال لئن أخبرت أهلك بشأن جثامة أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون لأقتلنك فلما قدموا على أهل أبير وهم بنو القين ندم عقيل على فعله بجثامة فقال لهم هل لكم في جزور انكسرت قالوا نعم قال فالزموا أثر هذه الراحلة حتى تجدوا الجزور فخرج القوم حتى انتهوا إلى جثامة فوجدوه قد أنزفه الدم فاحتملوه وتقسموا الجزور وأنزلوه عليهم وعالجوه حتى برأ وألحقوه بقومه
ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي عبد الله اليزيدي بخطه ولم أجده ذكر سماعه إياه من أحد قال قرىء على علي بن محمد المدائني عن الطرماح بن خليل بن أبرد فذكر مثل ما ذكره الزبير منه وزاد فيه أن القوم احتملوا جثامة ليلحقوه بقومه حتى إذا كانوا قريبا منهم تغنى جثامة
( أيُعْذَر لاهِينا ويُلْحَيْن في الصِّبا ... وما هنّ والفِتيانُ إلا شقائِقُ )
فقال له القوم إنما أفلت من الجراحة التي جرحك أبوك آنفا وقد عاودت ما يكرهه فأمسك عن هذا ونحوه إذا لقيته لا يلحقك منه شر وعر فقال إنما هي خطرة خطرت والراكب إذا سار تغنى
عقل يصاب بالقولنج
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال قدم عقيل بن علفة المدينة فنزل على ابن بنته يعقوب بن سلمة المخزومي فمرض وأصابه القولنج فنعتت له الحقنة فأبى وقدم ابنه عليه فبلغه ذلك فقال( لقد سرني واللهُ وقّاك شَرَّها ... نجاؤك منها حين جاء يقودُها )
( كفى خزْيةً ألاّ تزال مُجَبِّيا ... على شَكْوة تُوكى وفي استك عُودُها )
أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا علي بن محمد عن زيد بن عياش التغلبي والربيع بن ثميل قالا غدا عقيل بن علفة على أفراس له عند بيوته فأطلقها ثم رجع فإذا بنوه مع بناته وأمهم مجتمعون فشد على عملس فحاد عنه وتغنى علفة فقال
( قفي يابنةَ المُرِّي أسألْكِ ما الذي ... تريدين فيما كنتِ مَنَّيتنا قبلُ )
( نخبِّرْك إن لم تنجِزي الوعدَ أننا ... ذَوَا خُلة لم يبق بينهما وصلُ )
( فإن شئتِ كان الصُّرم ما هبّت الصبا ... وإن شئتِ لا يفنى التكارم والبذل )
فقال عقيل يابن اللخناء متى منتك نفسك هذا وشد عليه بالسيف وكان عملس أخاه لأمه فحال بينه وبينه فشد على عملس بالسيف وترك علفة لا يلتفت إليه فرماه بسهم فأصاب ركبته فسقط عقيل وجعل يتمعك في دمه ويقول
( إنّ بَنِي سَرْبَلُوني بالدَّمِ ... من يَلْقَ أبطال الرجال يُكْلَمِ )
( ومَنْ يكن ذا أوَدٍ يُقَوَّمِ ... شِنْشِنةٌ أعرِفها من أخزمِ )
قال المدائني شنشنة أعرفها من أخزم مثل ضربه وأخزم فحل كان لرجل من العرب وكان منجبا فضرب في إبل رجل آخر ولم يعلم صاحبه فرأى بعد ذلك من نسله جملا فقال شنشنة أعرفها من أخزم
عمر بن عبد العزيز يعاتبه في شأن بناته
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني سليمان المدائني قال حدثني مصعب بن عبد الله قال قال عمر بن عبد العزيز لعقيل بن علفة إنك تخرج إلى أقاصي البلاد وتدع بناتك في الصحراء لا كاليء لهن والناس ينسبونك إلى الغيرة وتأبى أن تزوجهن إلا الأكفاء قال إني أستعين عليهن بخلتين تكلآنهن وأستغني عن سواهما قال وما هما قال العري والجوع
نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيدي قال خالد بن كلثوم لما رمى عملس بن عقيل أباه فأصاب ركبته غضب وأقسم ألا يساكن بنيه فاحتمل وخرج إلى الشام فلما استوى على ناقته المسماة بأطلال بكت ابنته جرباء وحنت ناقته فقال
( ألم تريا أطلالَ حَنَّتْ وشاقَها ... تفرُّقُنا يومَ الحبيبِ على ظهر )
( وأسبل من جرباءَ دمعٌ كأنّه ... جُمانٌ أضاع السلك أجْرَتْه في سطرِ )
( لعمرُك إني يوم أغدو عَملَّسا ... لكالمتربِّي حَتفَه وهو لا يدرِي )
( وإني لأسقيه غَبوقي وإنني ... لَغَرْثانُ منهوكُ الذِّراعينِ والنحرِ )
قال ومضى علفة أيضا فافترض بالشام وكتب إلى أبيه
( ألا أبلغا عنّي عَقِيلاً رسالةً ... فإنك من حربٍ عليّ كريمُ )
( أما تذكر الأيامَ إذ أنت واحِد ... وإذ كلُّ ذي قُربى إليك ذميمُ )
( وإذ لا يقِيك الناسُ شيئاً تخافُه ... بأنفسهم إلا الذين تَضيمُ )
( تَناول شأْوَ الأبعدين ولم يقم ... لشأوك بين الأقربين أدِيمُ )
( فأمّا إذا عضَّتْ بك الحرب عَضَّةً ... فإنك معطوفٌ عليك رحيم )
( وأمّا إذا آنسْتَ أمناً ورخْوَةً ... فإنك للقُرْبَى ألدُّ ظَلُومُ )
فلما سمع عقيل هذه الأبيات رضي عنه وبعث إليه فقدم عليه
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلام قال حدثني ابن جعدبة قال عاتب عمر بن عبد العزيز رجلا من قريش أمه أخت عقيل بن علفة فقال له قبحك الله أشبهت خالك في الجفاء فبلغت عقيلا فجاء حتى دخل على عمر فقال له ماوجدت لابن عمك شيئا تعيره به إلا خؤولتي فقبح الله شركما خالا فقال له صخير بن أبي الجهم العدوي وأمه قرشية آمين يا أمير المؤمنين فقبح الله شركما خالا وأنا معكما أيضا فقال له عمر إنك لأعرابي جلف جاف أما لو كنت تقدمت إليك لأدبتك والله لا أراك تقرأ من كتاب الله شيئا قال بلى إني لأقرأ قال فاقرأ فقرأ ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) حتى بلغ إلى آخرها فقرأ فمن يعمل مثقال ذرة شرا يره ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره فقال له عمر ألم أقل لك إنك لا تحسن أن تقرأ قال أو لم أقرأ قال لا لأن الله جل وعز قدم الخير وأنك قدمت الشر فقال عقيل
( خذا بَطْن هَرْشى أو قَفاها فإنه ... كِلا جانبي هَرْشى لهنّ طريق )
فجعل القوم يضحكون من عجرفيته
وروى هذا الخبر علي بن محمد المدائني فذكر انه كان بين عمر بن
عبد العزيز وبين يعقوب بن سلمة وأخيه عبد الله كلام فأغلظ يعقوب لعمر في الكلام فقال له عمر اسكت فإنك ابن أعرابية جافية فقال عقيل لعمر لعن الله شر الثلاثة مني ومنك ومنه فغضب عمر فقال له صخير بن ابي الجهم آمين فهو والله أيها الأمير شر الثلاثة فقال عمر والله إني لأراك لو سألته عن آية من كتاب الله ما قرأها فقال بلى والله إني لقاريء لآية وآيات فقال فاقرأ فقرأ إنا بعثنا نوحا إلى قومه فقال له عمر قد أعلمتك أنك لا تحسن ليس هكذا قال الله قال فكيف قال قال ( إنا أرسلنا نوحا ) فقال وما الفرق بين أرسلنا وبعثنا
( خذ أنف هَرْشى أو قَفاها فإنه ... كلا جانبي هَرْشى لهنّ طريقُ )
عقيل يضحك الناس في المسجد
أخبرني عبيد الله بن أحمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثني علي بن محمد المدائني عن عبد الله بن أسلم القرشي قال قدم عقيل بن علفة المدينة فدخل المسجد وعليه خفان غليظان فجعل يضرب برجليه فضحكوا منه فقال ما يضحككم فقال له يحيى بن الحكم وكانت ابنة عقيل تحته يضحكون من خفيك وضربك برجليك وشدة جفائك قال لا ولكن يضحكون من إمارتك فإنها أعجب من خفي فجعل يحيى يضحكأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثني عمي عن عبد الله بن مصعب قاضي المدينة قال دخل عقيل بن علفة على يحيى بن الحكم وهو يومئذ أمير المدينة فقال له يحيى أنكح ابن خالي يعني ابن أوفى فلانة ابنتك فقال إن ابن
خالك ليرضى مني بدون ذلك قال وما هو قال أن أكف عنه سنن الخيل إذا غشيت سوامه فقال يحيى لحرسيين بين يديه أخرجاه فأخرجاه فلما ولى قال أعيداه إلي فأعاداه فقال عقيل له مالك تكرني إكرار الناضح قال أما والله إني لأكرك أعرج جافيا فقال عقيل كذلك قلت
( تَعَجَّبَتْ إذ رأت رأسي تَجَلَّله ... من الروائع شيبٌ ليس من كبَرِ )
( ومِن أدِيمٍ تولَّى بعد جِدَّته ... والجفنُ يَخْلق فيه الصَّارِمُ الذكَرُ )
فقال له يحيى أنشدني قصيدتك هذه كلها قال ما انتهيت إلا إلى ما سمعت فقال أما والله إنك لتقول فتقصر فقال إنما يكفي من القلادة ما أحاط بالرقبة قال فأنكحني أنا إحدى بناتك قال أما أنت فنعم قال أما والله لأملأنك مالا وشرفا قال أما الشرف فقد حملت ركائبي منه ما أطاقت وكلفتها تجشم ما لم تطق ولكن عليك بهذا المال فإن فيه صلاح الأيم ورضا الأبي فزوجه ثم خرج فهداها إليه فلما قدمت عليه بعث إليها يحيى مولاة له لتنظر إليها فجاءتها فجعلت تغمز عضدها فرفعت يدها فدقت أنفها فرجعت إلى يحيى وقالت بعثتني إلى أعرابية مجنونة صنعت بي ما ترى فنهض إليها يحيى فقال لها مالك قالت ما أردت أن بعثت إلي أمة تنظر إلي ما أردت بما فعلت إلا أن يكون نظرك إلي قبل كل
ناظر فإن رأيت حسنا كنت قد سبقت إلى بهجته وإن رأيت قبيحا كنت أحق من ستره فسر بقولها وحظيت عنده
وذكر المدائني هذا الخبر مثله إلا أنه قال فيه فإن كان ما تراه حسنا كنت أول من رآه وإن كان قبيحا كنت أول من واراه
أخبرني ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال خطب يزيد بن عبد الملك إلى عقيل بن علفة ابنته الجرباء فقال له عقيل قد زوجتكها على أن لا يزفها إليك أعلاجك أكون أنا الذي أجيء بها إليك قال ذلك لك فتزوجها ومكثوا ما شاء الله ثم دخل الحاجب على يزيد فقال له بالباب أعرابي على بعير معه امرأة في هودج قال أراه والله عقيلا قال فجاء بها حتى أناخ بعيرها على بابه ثم أخذ بيدها فأذعنت فدخل بها على الخليفة فقال له إن أنتما ودن بينكما فبارك الله لكما وإن كرهت شيئا فضع يدها في يدي كما وضعت يدها في يدك ثم برئت ذمتك فحملت الجرباء بغلام ففرح به يزيد ونحله وأعطاه ثم مات الصبي فورثت أمه منه الثلث ثم ماتت فورثها زوجها وأبوها فكتب إليه إن ابنك وابنتك هلكا وقد حسبت ميراثك منهما فوجدته عشرة آلاف دينار فهلم فاقبضه فقال إن مصيبتي بابني وابنتي تشغلني عن المال وطلبه فلا حاجة لي في ميراثهما وقد رأيت عندك فرسا سبقت عليه الناس فأعطنيه أجعله فحلا لخيلي وأبى أن يأخذ المال فبعث إليه يزيد بالفرس
أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا الخراز عن المدائني عن إسحاق بن يحيى قال رأيت رجلا من قريش يقول له عقيل بن علفة بالرفاء والبنين والطائر المحمود فقلت له يابن علفة إنه يكره أن يقال هذا فقال يابن أخي ما تريد إلى ما أحدث إن هذا قول أخوالك في الجاهلية إلى اليوم لا يعرفون غيره قال فحدثت به الزهري فقال إن عقيلا كان من أجهل الناس قال وإنما قال لإسحاق بن يحيى بن طلحة هذا قول أخوالك لأن أم يحيى بن طلحة مرية
قال المدائني وحدثني علي بن بشر الجشمي قال قال الرميح خطب إلى عقيل رجل من بني مرة كثير المال يغمز في نسبه فقال
( لَعمْري لئن زوّجتُ من أجل ماله ... هجِيناً لقد حُبَّتْ إليَّ الدراهم )
( أأُنكِحُ عبداً بعدَ يحيى وخالدٍ ... أولئك أكفائي الرجالُ الأكارمُ )
( أبى ليَ أنْ أرضى الدنيّةَ أنني ... أمُدُّ عِناناً لم تخنْه الشكائمُ )
نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيدي بخطه يأثره عن خالد بن كلثوم بغير إسناد متصل بينهما أن رجلا من بني مرة يقال له داود أقبل على ناقة له فخطب إلى عقيل
ابن علفة بعض بناته فنظر إليه عقيل وإن السيف لا يناله فطعن ناقته بالرمح فسقطت وصرعته وشد عليه عقيل فهرب وثار عقيل إلى ناقته فنحرها وأطعمها قومه وقال
( ألم تَقلْ يا صاحبَ القَلُوص ... داودَ ذا الساج وذا القميصِ )
( كانت عليه الأرض حِيصٍ بيص ... حتى يَلُفّ عِيصَه بعيِصي )
( وكنتُ بالشبان ذا تقميص ... )
فقال داود فيه من أبيات
( أراه فتى جَعْلَ الحلال ببيته ... حراماً ويَقْرِي الضيفَ عَضْباً مهنَّدا )
وقال المدائني حدثني جوشن بن يزيد قال لما تزوج عقيل بن علفة زوجته الأنمارية وقد كبر فرت منه فلقيها جحاف وأحد بني قتال بن يربوع فحملها إلى عامل فدك واصبح عقيل معها فقال الأمير لعقيل ما لهذه تستعدي عليك يا أبا الجرباء فقال عقيل كل ذكري وذهب ذفري وتغايب نفري فقال خذ بيدها فأخذها وانصرف فولدت له بعد ذلك علفة الأصغر
شعره يحرض بني سهم على بني جوشن
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال لما نشبت الحرب بين بني جوشن وبين بني سهم بن مرة رهط عقيل بن علفة المري وهو من بني غيظ بن مرة بن سهم بن مرة إخوتهم فاقتتلوا في أمر يهودي خمار كان جارا لهم فقتلته بنو جوشن من غطفان وكانوا متقاربي المنازل وكان عقيل بن علفة بالشأم غائبا عنهم فكتب إلى بني سهم يحرضهم( فإمّا هلكتُ ولم آتِكُمْ ... فأَبْلِغْ أماثلَ سَهْمٍ رَسُولا )
( بأن التي سامكُمْ قومُكُمْ ... لقد جعلوها عليكم عُدولا )
( هوان الحياة وضيْمُ الممات ... وكلاّ أراه طعاماً وبيلا )
( فإن لم يكن غيرُ إحداهما ... فسيروا إلى الموت سيراً جميلا )
( ولا تقعدوا وبكم مُنَّةٌ ... كفى بالحوادث للمرء غُولا )
قال فلما وردت الأبيات عليهم تكفل بالحرب الحصين بن الحمام المري أحد بني سهم وقال إلي كتب وبي نوه خاطب أماثل سهم وأنا من أماثلهم فأبلى في تلك الحروب بلاء شديدا وقال الحصين بن الحمام في ذلك من قصيدة طويلة له
( يَطَأن من القَتْلى ومن قِصَدِ القَنا ... خَباراً فما ينهضْنَ إلا تَقَحُّما )
( عليهنّ فِتْيانٌ كساهم محرِّقٌ ... وكان إذا يَكْسو أجادَ وأكرما )
( صفائحَ بُصْرى أخلصَتْها قُيونُها ... ومطَّردِاً من نسج داود محكَما )
( تأخرت أستبقي الحياة فلم أجدْ ... لنفسي حياة مثلَ أن أتقدما )
وقال المدائني قال جراح بن عصام بن بجير عدت بنو جعفر بن كلاب على جار لعقيل فأطردت إبله وضربوه فغدا عقيل على جار لهم فضربه وأخذ إبله فأطردها فلم يردها حتى ردوا إبل جاره وقال في ذلك
( إن يَشْرَق الكلبيّ فيكم بريقه ... بني جعفر يُعْجَلْ لجاركُم القتلُ )
( فلا تحسبوا الإِسلام غَيَّر بعدكم ... رماحَ مواليكم فذاك بكم جهلُ )
( بني جعفر إن ترجعوا الحرب بيننا ... نَدِنْكم كما كنا نَدِينُكُم قبلُ )
( بدأتم بجاري فانثنيتُ بجاركم ... وما منهما إلا له عندنا حَبْلُ )
وذكر المدائني أيضا
بنو سلامان يأسرونه ويطلقه بنو القين
أن عقيلا كان وحده في إبله فمر به ناس من بني سلامان فأسروه ومروا به في طريقه علىناس من بني القين فانتزعوه منهم وخلوا سبيله فقال عقيل في ذلك ( أسعدَ هُذَيْم إن سعداً أباكُمُ ... أبي لا يوافي غاية القَيْن من كلبِ )
( وجاء هُذيمٌ والركاب مُناخةٌ ... فقيل تأخّرْ يا هذيمُ على العَجْبِ )
( فقال هذيم إن في العَجْبِ مركبي ... ومركب آبائي وفي عَجْبها حَسْبي )
قال وسعد هذيم هم عذرة وسلامان والحارث وضبة
عقيل يرثي ابنه علفة
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو مسلم عن المدائني عن عبد الحميد بن أيوب بن محمد بن عميلة قال مات علفة بن عقيل الأكبر بالشأم فنعاه مضرس بن سوادة لعقيل بأرض الجناب فلم يصدقه وقال( قَبَح الآلهُ ولا أقبِّح غيره ... ثَفَرَ الحمار مضرِّس بن سَوادِ )
( تَنْعَى امرأ لم يَعْلُ أمَّك مثلُهُ ... كالسَّيف بين خَضارمٍ أنجادِ )
ثم تحقق الخبر بعد ذلك فقال يرثيه
( لَعَمْري لقد جاءت قوافل خبّرت ... بأمرٍ من الدنيا عليّ ثقيلِ )
( وقالوا ألا تبكي لمصرعِ فارس ... نعتْه جنودُ الشام غيرِ ضئيل )
( فأقسمتُ لا أبكي على هُلْك هالكٍ ... أصاب سبيلَ اللهِ خيرَ سبيلِ )
( كأن المنايا تبتغي في خيارِنا ... لها نسباً أو تهتدي بدليل )
( تَحُلُّ المنايا حيثُ شاءت فإنها ... مُحَلَّلةٌ بعد الفتى ابن عَقِيل )
( فتًى كان مولاه يَحُلُّ بربْوةٍ ... مَحلَّ الموالي بعده بمَسِيلِ )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان عقيل بن علفة قد أطرد بنيه فتفرقوا في البلاد وبقي وحده ثم إن رجلا من بني صرمة يقال له بجيل وكان كثير المال والماشية حطم بيوت عقيل بماشيته ولم يكن قبل ذلك أحد يقرب من بيوت عقيل إلا لقي شرا فطردت صافنة أمة له الماشية فضربها بجيل بعصا كانت معه فشجها فخرج إليه عقيل وحده وقد هرم يومئذ وكبرت سنه فزجره فضربه بجيل بعصاه واحتقره فجعل عقيل يصيح يا علفة يا عملس يا فلان يا فلان بأسماء أولاده مستغيثا بهم وهو يحسبهم لهرمه أنهم معه فقال له أرطاة بن سهية
( أكلتَ بنِيكَ أكلَ الضبِّ حتى ... وجدتَ مرارةَ الكلأ الوبيلِ )
( ولو كان الألى غابوا شهوداً ... منعتَ فِناء بيتِك من بَجِيلِ )
وبلغ خبر عقيل ابنه العملس وهو بالشام فأقبل إلى أبيه حتى نزل إليه ثم عمد إلى بجيل فضربه ضربا مبرحا وعقر عدة من إبله وأوثقه بجبل وجاء
به يقوده حتى ألقاه بين يدي أبيه ثم ركب راحلته وعاد من وقته إلى الشام لم يطعم لأبيه طعاما ولم يشرب شرابا
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا ابن عائشة قال نزل أعرابي على المقشعر بن عقيل بن علفة المري فشربا حتى سكرا وناما فانتبه الأعرابي مروعا في الليل وهو يهذي فقال له المقشعر مالك قال هذا ملك الموت يقبض روحي فوثب ابن عقيل فقال لا والله ولا كرامة ولا نعمة عين له أيقبض روحك وأنت ضيفي وجاري فقال بأبي أنتم وأمي طال والله ما منعتم الضيم وتلفف ونام
تمت أخبار عقيل ولله الحمد والمنة
قد مضت أخبار عقيل فيما تقدم من الكتاب ونذكرها هنا أخبار شبيب ابن البرصاء ونسبه لأن المغنين خلطوا بعض شعره ببعض شعر عقيل في الغناء الماضي ذكره ونعيدها هنا من الغناء ما شعره لشبيب خاصة وهو
صوت
من المائة المختارة
( سَلاَ أمَّ عمرو فيم أضحى أسيرُها ... تُفادى الأسارى حوله وهو موثقُ )( فلا هو مقتول ففي القتل راحَةٌ ... ولا منعَمٌ يوما عليه فمطْلَقُ )
ويروى
( ولا هو مَمْنونٌ عليه فمطلقُ ... )
الشعر لشبيب بن البرصاء والغناء لدقاق جارية يحيى بن الربيع رمل بالوسطى عن عمرو وذكر حبش أن فيه رملا آخر لطويس
أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه
هو شبيب بن يزيد بن جمرة وقيل جبر بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان والبرصاء أمه واسمها قرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة وهو ابن خالة عقيل بن علفة وأم عقيل عمرة بنت الحارث بن عوف ولقبت قرصافة البرصاء لبياضها لا لأنها كان بها برص وشبيب شاعر فصيح إسلامي من شعراء الدولة الأموية بدوي لم يحضر إلا وافدا أو منتجعا وكان يهاجي عقيل بن علفة ويعاديه لشراسة كانت في عقيل وشر عظيم وكلاهما كان شريفا سيدا في قومه في بيت شرفهم وسؤددهم وكان شبيب أعور أصاب عينة رجل من طيء في حرب كانت بينهمأخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم السجستاني عن أبي عبيدة قال
دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان وكان قد هاجى شبيب بن البرصاء فأنشده قوله فيه
( أبي كان خيراً من أبيك ولم يزلْ ... جِنِيباً لآبائي وأنت جَنِيبُ )
فقال له عبد الملك كذبت ثم أنشده البيت الآخر فقال
( وما زلتُ خيراً منك مذ عضّ كارهاً ... برأسِك عادِيُّ النِّجادِ رَكُوبُ )
فقال له عبد الملك صدقت وكان أرطاة أفضل من شبيب نفسا وكان شبيب أفضل من أرطاة بيتا
شبيب يهجو عقيل بن علفة
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال فاخر عقيل بن علفة شبيب بن البرصاء فقال شبيب يهجوه ويعيره برجل من طيء كان يأتي أمه عمرة بنت الحارث يقال له حيان ويهجو غيظ بن مرة( ألسنا بفُرْع قد علمتمِ دعامةً ... ورابيِةً تنشقُّ عنها سيولُها )
( وقد علِمتْ سعد بن ذُبيان أننا ... رحاها الذي تأوى إليها وجُولها )
( إذا لم نَسُسْكم في الأمور ولم نَكُنْ ... لحربٍ عَوانٍ لاقِحٍ مَنْ يؤولها )
( فلستم بأهدى في البلاد مِن التي ... تَرَدَّدُ حَيْرَى حين غاب دليلُها )
( دعت جُلُّ يربوع عقِيلاً لحادثٍ ... من الأمر فاستخفى وأعيا عقيلُها )
( فقلت له هلاّ أجبتَ عشيرةً ... لطارِقِ ليلٍ حين جاء رسولُها )
( وكائِن لنا من رَبْوة لا تنالها ... مَراقيك أو جُرثومةٍ لا تطولُها )
( فخَرْتَ بأيامٍ لغيرك فخرُها ... وغُرَّتُها معروفةٌ وحُجُولُها )
( إذا الناس هابوا سَوْءةً عَمَدتْ لها ... بنو جابر شُبَّانُها وكُهولُها )
( فَهَلاّ بني سعدِ صَبَحْتَ بغارةٍ ... مُسَوَّمةٍ قد طار عنها نَسيلُها )
( فتُدرك وتِراً عند ألأم واترٍ ... وتُدْرِكَ قتلى لم تُتَمَّمْ عقولُها )
وقال أبو عمرو اجتمع عقيل بن علفة وشبيب بن البرصاء عند يحيى بن الحكم فتكلما في بعض الأمر فاستطال عقيل على شبيب بالصهر الذي بينه وبين بني مروان وكان زوج ثلاثا من بناته فيهم فقال شبيب يهجوه
( ألا أبلغ أبا الْحَرْباء عَنّي ... بآياتِ التباغُض والتَّقالي )
( فلا تذكُرْ أباك العبدَ وافخر ... بأمّ لست مُكرِمَها وخال )
( وهبها مُهْرَةً لَقحت ببغل ... فكان جنينُها شرَّ البغال )
( إذا طارت نفوسُهُمُ شَعاعاً ... حَمَيْنَ المُحْصَنات لدى الحِجالِ )
( بطعنٍ تعثُرُ الأبطالُ منه ... وضربٍ حيثُ تُقْتَنَصُ العَوالِي )
( أبَى لي أنّ آبائي كرام ... بَنَوْا لي فوق أشرافٍ طِوالِ )
( بيوتَ المجد ثم نموت منها ... إلى علياءَ مُشْرِفة القَذالِ )
( تَزِلُّ حِجارةُ الرامين عنها ... وتقصُر دونها نَبلُ النِّضال )
( أبِالْحُفَّاثِ شرِّ الناس حيًّا ... وأعناق الأُيورِ بني قِتال )
( رفَعتَ مُسامِياً لتنالَ مجداً ... فقد أصبحتَ منهم في سَفَالِ )
قال أبو عمرو بنو قتال إخوة بني يربوع رهط عقيل بن علفة وهم قوم فيهم جفاء قال أبو عمرو مات رجل منهم فلفه أخوه في عباءة له وقال أحدهما للآخر كيف تمله قال كما تحمله القربة فعمد إلى حبل فشد طرفه في عنقه وطرفه في ركبتيه وحمله على ظهره كما تحمل القربة فلما صار به إلى الموضع الذي يريد دفنه فيه حفر له حفيرة وألقاه فيها وهال عليه التراب حتى واراه فلما انصرفا قال له يا هناه أنسيت الحبل في عنق
أخي ورجليه وسيبقى مكتوفا إلى يوم القيامة قال دعه يا هناه فإن يرد الله به خيرا يحلله
خطب بنت يزيد بن هاشم فرده ثم قبله فأبى
وقال أبو عمرو خطب شبيب بن البرصاء إلى يزيد بن هاشم بن حرملة المري ثم الصرمي ابنته فقال هي صغيرة فقال شبيب لا ولكنك تبغي أن تردني فقال له يزيد ما أردت ذاك ولكن أنظرني هذا العام فإذا انصرم فعلي أن أزوجك فرحل شبيب من عنده مغضبا فلما مضى قال ليزيد بعض أهله والله ما أفلحت خطب إليك شبيب سيد قومك فرددته قال هي صغيرة قال إن كانت صغيرة فستكبر عنده فبعث إليه يزيد ارجع فقد زوجتك فإني أكره أن ترجع إلى أهلك وقد رددتك فأبى شبيب أن يرجع وقال( لعَمْري لقد أشرفتُ يوم عُنَيزةٍ ... على رغبةٍ لو شدّ نفسي مَرِيرها )
( ولكنّ ضعفَ الأمر ألاّ تُمِرَّه ... ولا خير في ذي مِرّةٍ لا يُغيرُها )
( تَبَيَّنُ أدبارُ الأمورِ إذا مضت ... وتُقبِلُ أشباهاً عليك صدورُها )
( تُرَجِّي النفوسُ الشيءَ لا تستطيعه ... وتَخشى من الأشياء ما لا يَضيرُها )
( ألا إنما يكفي النفوس إذا اتَّقت ... تُقَى الله مما حَاذَرتْ فيُجيرُها )
( ولا خيرَ في العِيدان إلا صِلاُبها ... ولا ناهِضاتِ الطير إلا صُقورُها )
( ومستنبِحٍ يدعو وقد حال دونه ... من الليل سِجْفَا ظُلمةٍ وسُتورُها )
( رفعتُ له ناري فلما اهتدى لها ... زجرتُ كلابي أن يَهِر عَقُورُها )
( فبات وقد أسرَى من الليل عُقْبَةً ... بليلةِ صِدْقٍ غاب عنها شُرُورُها )
( وقد علِم الأضياف أنّ قِراهُمُ ... شِواءُ المَتَالي عندنا وقَدِيرُها )
( إذا افتخرت سعدُ بنُ ذُبيان لم يَجِد ... سوى ما بنينا ما يَعُدّ فَخورها )
( وإني لتَّراكُ الضغينةِ قد بدا ... ثَراها من المَولَى فلا أستثِيرها )
( مخافةَ أن تجني عليّ وإنما ... يَهِيج كبيراتِ الأمور صغيرُها )
( إذا قِيلت العَوراءُ وليَّتُ سمعَها ... سواي ولم أسمع بها ما دَبِيرُها )
( وحاجةِ نفسٍ قد بلغتُ وحاجةٍ ... تركتُ إذا ما النفس شحَّ ضميرها )
( حياءً وصبراً في المواطن إنني ... حيِيٌّ لَدَى أمثالِ تلك سَتيرها )
( وأحبِس في الحق الكريمةَ إنما ... يقوم بحق النائبات صَبورها )
( أُحابي بها الحيَّ الذي لا تُهِمُّه ... وأحسابَ أمواتٍ تُعَدّ قبورها )
( ألم تر أنّا نورُ قوم وإنما ... يُبَيِّن في الظلماء للناس نورُها )
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن عبد الله بن آدم بن جشم العبدي قال كانت بين بني كلب وقوم من قيس ديات فمشى القوم إلى أبناء أخواتهم
من بني أمية يستعينون بهم في الحمالة فحملها محمد بن مروان كلها عن الفريقين ثم تمثل بقول شبيب بن البرصاء
( ولقد وقفتُ النفسَ عن حاجاتِها ... والنَّفسُ حاضِرةُ الشَّعاعِ تَطَلَّعُ )
( وغرمت في الحَسَب الرفيع غَرامةً ... يَعيا بها الحَصِر الشَّحيحُ ويَظْلَعُ )
( إنّي فتىً حرٌّ لِقَدْريَ عارفٌ ... أُعطي به وعليه مِمَّا أَمنَع )
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا إسحاق بن محمد النخعي قال حدثني الحرمازي قال نزل شبيب بن البرصاء وأرطاة بن زفر وعويف القوافي برجل من أشجع كثير المال يسمى علقمة فأتاهم بشربة لبن ممذوقة ولم يذبح لهم فلما رأوا ذلك منه قاموا إلى رواحلهم فركبوها ثم قالوا تعالوا حتى نهجو هذا الكلب فقال شبيب
( أفِي حَدَثانِ الدهر أَمْ في قديمه ... تعلّمتَ ألاَّ تَقْرِيَ الضيفَ علقما )
وقال أرطاة
( لبِثنا طويلاً ثم جاء بمَذْقَةٍ ... كماء السَّلاَ في جانب القَعْبِ أَثْلَما )
وقال عويف
( فلما رأينا أنه شرّ منزلٍ ... رمينا بهنّ الليلَ حتى تُخُرِّما )
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذمي قال غاب شبيب بن البرصاء عن أهله غيبة ثم عاد بعد مدة وقد مات جماعة من بني عمه فقال شبيب يرثيهم
( تخرَّم الدهرُ إخواني وغادرني ... كما يُغَادَرُ ثورُ الطارد الفَئِدُ )
( إني لباقٍ قليلاً ثم تابِعُهُم ... وواردٌ مَنهلَ القومِ الذي وَرَدُوا )
قال أبو عمرو هاجى شبيب بن البرصاء رجلا من غني أو قال من باهلة فأعانه أرطاة بن سهية على شبيب فقال شبيب
( لعمري لئن كانت سهيّة أوضَعِت ... بأرطاة في رَكْبِ الخيانة والغدر )
( فما كان بالطِّرْف العَتِيقِ فيُشْتَرَى ... لِفِحلته ولا الجوادِ إذا يجرِي )
( أتنْصُرُ مني معشراً لستَ منهم ... وغيرُك أولى بالحِياطةِ والنصر )
ويروى وقد كنت أولى بالحياطة وهو أجود
وقال أبو عمرو استعدى رهط أرطأة بن سهية على شبيب بن البرصاء إلى عثمان بن حيان المري وقالوا له يعمنا بالهجاء ويشتم أعراضنا فأمر بإشخاصه إليه فأشخص ودخل إلى عثمان وقد أتي بثلاثة نفر لصوص قد أفسدوا في الأرض يقال لهم بهدل ومثغور وهيصم فقتل بهدلا وصلبه وقطع مثغورا والهيصم ثم أقبل على شبيب فقال كم تسب أعراض قومك وتستطيل عليهم أقسم قسما حقا لئن عاودت هجاءهم لأقطعن لسانك فقال شبيب
( سجنتَ لساني يابن حيّان بعدما ... تَوَلَّى شبابي إنّ عَقْدك مُحْكَمُ )
( وَعيدُك أبقى من لساني قُذَاذَةً ... هَيُوباً وصَمتاً بعدُ لا يتكلم )
( رأيتك تَحْلَوْلِي إذا شئت لامرىءٍ ... ومُرًّا مُرَاراً فيه صابٌ وعَلْقَم )
( وكلّ طريدٍ هالكٌ مُتَحَيِّر ... كما هلك الحيرانُ والليل مظلم )
( أصبتَ رجالاً بالذنوب فأصبحوا ... كما كان مثغورٌ عليك وهَيْصَمُ )
( خطاطِيفُك اللاتي تخطّفن بَهْدَلاً ... فأوفى به الأشرافَ جِذعٌ مقوَّمُ )
( يداك يَدَا خير وشرٍّ فمنهما ... تَضُرُّ وللأخرى نَوالٌ وأنعُمُ )
دعيج بن سيف يرميه فيصيب عينه
وقال أبو عمرو استاق دعيج بن سيف بن جذيمة بن وهب الطائي ثم الجرمي إبل شبيب بن البرصاء فذهب بها وخرج بنو البرصاء في الطلب فلما واجهوا بني جرم قال شبيب اغتنموا بني جرم فقال أصحابه لسنا طالبين إلا أهل القرحة فمضوا حتى أتوا دعيجا وهو برأس الجبل فناداه شبيب يا دعيج إن كانت الطراف حية فلك سائر الإبل فقال يا شبيب تبصر رأسها من بين الإبل فنظر فأبصرها فقال شبيب شدوا عليه واصعدوا وراءه فأبوا عليه فحمل شبيب عليه وحده ورماه دعيج فأصاب عينه فذهب بها وكان شبيب أعور ثم عمي بعد ما أسن فانصرف وانصرف معه بنو عمه وفاز دعيج بالإبل فقال شبيب
( أمرتُ بني البرصاء يومَ حُزابَةٍ ... بأمرٍ جميع لم تَشتَّتْ مصادِرُهْ )
( بشَوْل ابن معروف وحَسَّانَ بعدما ... جَرَى لي يُمنٌ قد بدا لي طَائرُهْ )
( أيرجِع حُرٌّ دون جَرْم ولم يكن ... طِعانٌ ولا ضربٌ يُذَعْذَع عاسِرُه )
( فأذهَبَ عيني يوم سفح سَفِيرةٍ ... دُعَيجُ بنُ سيف أعوزتْه معاذِرهُ )
( ولمّا رأيت الشَّولَ قد حال دونها ... من الهَضْب مُغْبَرٌّ عنيفٌ عمائرُه )
( وأعرض ركنٌ من سَفيرةَ يُتَّقَى ... بشُمِّ الذُّرَا لا يعبُدُ اللهَ عامِرُه )
( أخذت بني سيفٍ ومالِكَ مَوْقَعٍ ... بما جَرّ مولاهمْ وجَرّت جرائرُه )
( ولو أنّ رَجْلي يوم فرّ ابنُ جَوْشنٍ ... عَلِقن ابن ظبي أعوزتَهْ مَغاوِرُه )
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن عاصم بن الحدثان قال هجا أرطاة بن سهية شبيب بن البرصاء ونفاه عن بني عوف فقال
( فلو كنتَ عَوْفِياً عمِيتَ وأسْهَلَتْ ... كُدَاكَ ولكنّ المُريب مُريب )
قال فعمي شبيب بن البرصاء بعد موت أرطاة بن سهية فكان يقول ليت ابن سهية حيا حتى يعلم أني عوفي قال والعمى شائع في بني عوف إذا أسن الرجل منهم عمي وقل من يفلت من ذلك منهم
وحدثني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال أنشد الأخطل عبد الملك بن مروان قوله
( بَكَر العواذِل يبتدِرْن ملامتي ... والعاذِلون فكلُّهم يَلْحَاني )
( في أن سبقتُ بشربة مَقَدِيَّةٍ ... صرفٍ مُشَعْشَعَةٍ بماءِ شُنانِ )
فقال له عبد الملك شبيب بن البرصاء أكرم منك وصفا لنفسه حيث يقول
( وإني لسهلُ الوجه يُعرَف مجلسي ... إذا أحزنَ القاذورةُ المتَعَبِّسُ )
( يضيء سَنَا جودي لمن يبتغي القِرَى ... وليلُ بخيلِ القوم ظَلماءُ حِندِسُ )
( أليِنُ لذي القُربى مِراراً وتلتوي ... بأعناقِ أعدائي حبالٌ تَمَرَّسُ )
قال وكان عبد الملك يتمثل بقول شبيب في بذل النفس عند اللقاء ويعجب به
( دعانِي حِصنٌ للفِرار فساءني ... مواطِنُ أن يُثْنَى عليّ فأُشْتَما )
( فقلت لِحصنٍ نَحِّ نفسَك إنما ... يذُود الفتى عن حوضه أَن يُهَدَّما )
( تأخّرتُ أَستبقي الحياةَ فلم أجِد ... لنفسي حياةً مثلَ أن أتقدّما )
( سيكفيك أطرافَ الأسنّة فارسٌ ... إذا رِيعَ نادَى بالجواد وبالحِمَى )
( إذا المرءُ لم يَغْشَ المكارِهَ أوشَكَتْ ... حِبَالُ الهُوَيْنَى بالفتى أن تَجَذَّما )
نسخت من كتاب أبي عبد الله اليزيدي ولم أقرأه عليه قال خالد بن كلثوم كان الذي هاج الهجاء بين شبيب بن البرصاء وعقيل بن علفة أنه كان لبنى نشبة جار من بني سلامان بن سعد فبلغ عقيلا عنه أنه يطوف في بني مرة يتحدث إلى النساء فامتلأ عليه غيظا فبينا هو يوما جالس وعنده غلمان له وهو يجز إبلا له على الماء ويسمها إذ طلع عليه السلاماني على راحلته فوثب عليه هو وغلمانه فضربوه ضربا مبرحا وعقر راحلته وانصرف من عنده بشر فلم يعد إلى ذلك الموضع ولج الهجاء بينهما وكان عقيل شرسا سيء الخلق غيورا
أخبار دقاق
كانت دقاق مغنية محسنة جميلة الوجه قد أخذت عن أكابر مغني الدولة العباسية وكانت ليحيى بن الربيع فولدت له أحمد ابنه وعمر عمرا طويلا وحدثنا عنه جحظة ونظراؤه من أصحابنا وكان عالما بأمر الغناء والمغنين وكان يغني غناء ليس بمستطاب ولكنه صحيح ومات يحيى بن الربيع فتزوجت بعده من القواد والكتاب بعده فماتوا وورثتهمفحدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب السرخسي قال كانت دقاق أم ولد يحيى بن الربيع أحمد المعروف بابن دقاق مغنية محسنة متقنة الأداء والصنعة وكانت قد انقطعت إلى حمدونة بنت الرشيد ثم إلى غضيض وكانت مشهورة بالظرف والمجون والفتوة قال أحمد بن الطيب وعتقت دقاق فتزوجها بعد مولاها ثلاثة من القواد من وجوههم فماتوا جميعا فقال عيسى بن زينب يهجوها
( قلتُ لمّا رأيتُ دارَ دقاقِ ... حسنُها قد أضرّ بالعشاقِ )
( حذِّروا الرابع الشَّقِيَّ دقاقاً ... لا يكوننَّ نجمُه في مُحاقِ )
( ألْهُ عن بَضْعها فإن دُقاقاً ... شُؤْمُ حِرْها قد سار في الآفاق )
( لم تضاجع بعلاً فهبّ سليماً ... بل جريحاً وجُرحُه غير راقي )
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني الهدادي الشاعر قال حدثني أبو عبد الله بن حمدون وأخبرني جحظة عن ابن حمدون ورواية الكوكبي أتم قال كتبت دقاق إلى أبي تصف هنها صفة أعجزه الجواب عنها فقال له صديق له ابعث إلى بعض المخنثين حتى يصف متاعك فيكون جوابها فأحضر بعضهم وأخبره الخبر اكتب إليها عندي القوق البوق الأصلع المزبوق الأقرع المفروق المنتفخ العروق يسد البثوق ويفتق الفتوق ويرم الخروق ويقضي الحقوق أسد بين جملين بغل بين حملين منارة بين صخرتين رأسه رأس كلب واصله مترس درب إذا دخل حفر وإذا خرج قشر لو نطح الفيل كوره ولو دخل البحر كدره إذا رق الكلام وتقاربت الأجسام والتفت الساق بالساق ولطخ باطنها بالبصاق وقرع البيض بالذكور وجعلت الرماح تمور بطعن الفقاح
وشق الأحراح صبرنا فلم نجزع وسلمنا طائعين فلم نخدع قال فقطعها
حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أحمد بن علي بن جعفر قال حضرت مرة مجلسا وفيه ابن دقاق وفيه النصراني المعروف بأبي الجاموس اليعقوبي البزاز قرابة بلال قال فعبث ابن دقاق بأبي الجاموس فلما أكثر عليه قال اسمعوا مني ثم حلف بالحنيفية أنه لا يكذب وحدثنا قال مضيت وأنا غلام مع أستاذي إلى باب حمدونة بنت الرشيد ومعنا بز نعرضه للبيع فخرجت إلينا دقاق أم هذا تقاولنا في ثمن المتاع وفي يدها مروحة على أحد وجهيها منقوش الحر إلى أيرين أحوج من الأير إلى حرين وعلى الوجه الآخر كما أن الرحا إلى بغلين أحوج من البغل إلى رحوين قال فأسكته والله سكوتا علمنا معه أنه لو خرس لكان الخرس أصون لعرضه مما جرى
قال أحمد وفي دقاق يقول عيسى بن زينب وكان لها غلامان خلاسيان يروحانها في الخيش فتحدث الناس أنها قالت لواحد منهما أن
ينيكها فعجز فقالت له نكني وأنت حر فقال لها نيكيني أنت وبيعيني في الأعراب فقال فيها عيسى بن زينب
( أحسنُ من غَنّى لنا أو شَدَا ... دقاقُ في خفضٍ من العيش )
( لها غلامان ينِيكانِها ... بعِلّة الترويح في الخيش )
حدثني جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال كانت دقاق جارية يحيى بن الربيع تواصل جماعة كانوا يميلون إليها وتري كل واحد منهم أنها تهواه وكانت أحسن أهل عصرها وجها وأشأمهم على من رابطها وتزوجها فقال فيها أبو إسحاق يعني أباه
صوت
( عدِمتُكِ يا صديقَة كلِّ خَلْقٍ ... أكلَّ الناسِ ويحكِ تعشَقينا )( فكيف إذا خلطتِ الغثّ منهم ... بلحمِ سمينِهم لا تبشَمِينا )
فيه خفيف رمل ينسب إلى إبراهيم بن المهدي وإلى ريق وإلى شارية
أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثنا أبو هفان قال خرج يحيى بن الربيع مولى دقاق وكانت قد ولدت منه ابنه أحمد بن يحيى إلى بعض النواحي وترك جاريته دقاق في داره فعملت بعده الأوابد وكانت من أحسن الناس وجها وغناء وأشأمه على أزواجها ومواليها وربطائها فقال أبو موسى الأعمى فيه
( قل ليحيى نعمْ صَبَرْتَ على الموت ... ولم تخشَ سهْمَ ريبِ المَنونِ )
( كيف قل لي أطَقْتَ ويحك يا يحيى ... على الضَّعف منك حملَ القُرونِ )
( ويحُ يحيى ما مرّ باست دُقاقٍ ... بعد ما غاب من سِياط البطونِ )
صوت من المائة المختارة
( تكاشرني كُرْهاً كأنك ناصحٌ ... وعينُك تُبْدِي أن صدرك لي دَوي )( لسانُكَ لي حلوٌ وعينك علقمٌ ... وشرُّك مبسوط وخيرُك مُلْتَوِي )
الشعر ليزيد بن الحكم الثقفي والغناء لابراهيم ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لجهم العطار خفيف ثقيل عن الهشامي
نسب يزيد بن الحكم وأخباره
هو يزيد بن الحكم بن عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله كذلك وجدت نسبه في نسخة ابن الأعرابي وذكر غيره أنه يزيد بن الحكم بن أبي العاص وأن عثمان عمه وهذا هو القول الصحيح وأبو العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيفوعثمان جده أو عم أبيه أحد من أسلم من ثقيف يوم فتح الطائف هو وأبو بكرة وشط عثمان بالبصرة منسوب إليه كانت له هناك أرض أقطعها وابتاعها وقد روى عن رسول الله الحديث وروى عنه الحسن بن أبي الحسن ومطرف بن عبد الله بن الشخير وغيرهما من التابعين
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان سمعه من محمد بن اسحاق وسمعه محمد من سعيد بن أبي هند وسمعه سعيد بن أبي هند من مطرف بن عبد الله بن الشخير قال سمعت عثمان بن أبي العاص الثقفي يقول قال لي رسول الله
أم قومك واقدرهم بأضعفهم فإن منهم الضعيف والكبير وذا الحاجة قال الحميدي وحدثنا الفضيل بن عياض عن أشعب عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال قال رسول الله اتخذوا مؤذنا ولا يأخذ على أذانه أجرا
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا العلاء بن الفضل قال حدثني أبي قال مر الفرزدق بيزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي وهو ينشد في المجلس شعرا فقال من هذا الذي ينشد شعرا كأنه من أشعارنا فقالوا يزيد بن الحكم فقال نعم أشهد بالله أن عمتي ولدته وأم يزيد بكرة بنت الزبرقان بن بدر وأمها هنيدة بنت صعصعة بن ناجية وكانت بكرة أول عربية ركبت البحر فأخرج بها إلى الحكم وهو بتوج وكان الزبرقان يكنى أبا العباس وكان له بنون منهم العباس وعياش
أخباره مع الحجاج
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا الحزامي قال دعا الحجاج بن يوسف بيزيد بن الحكم الثقفي فولاه كورة فارس ودفع إليه عهده بها فلما دخل عليه ليودعه قال له الحجاج أنشدني بعض شعرك وإنما أراد أن ينشده مديحا له فأنشده قصيدة يفخر فيها ويقول
( وأبي الذي سلب ابن كَسرى رايةً ... بيضاءَ تَخْفِقُ كالعُقاب الطائر )
فلما سمع الحجاج فخره نهض مغضبا فخرج يزيد من غير أن يودعه فقال الحجاج لحاجبه ارتجع منه العهد فإذا رده فقل له أيهما خير لك ما ورثك أبوك أم هذا فرد على الحاجب العهد وقال قل له
( ورِثتُ جدّي مجدَه وفَعالَه ... وورثتَ جدَّك أَعْنُزاً بالطائف )
وخرج عنه مغضبا فلحق بسليمان بن عبد الملك ومدحه بقصيدته التي أولها
( أمسَى بأسماءَ هذا القلبُ مَعْمودا ... إذَا أقول صَحَا يَعْتادُه عِيدا )
يقول فيها
( سُمِّيتَ باسم امريء أشبَهْتَ شيمتَه ... عدلاً وفضلاً سليمانَ بن داوُدا )
( أَحْمِدْ به في الوَرَى الماضينَ من مَلِكٍ ... وأنت أصبحت في الباقين محمودا )
( لا يَبْرأُ الناس من أن يحمدوا مَلِكاً ... أولاهُمُ في الأمور الحلم والجودا )
فقال له سليمان وكم كان أجرى لك لعمالة فارس قال عشرين