كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني
يدي الرشيد ثلاثة أصوات من الهزج ولاء أولها
( مُتْ على من غبتَ عنه أسَفَا ... )
والثاني
( أسرفتَ في الإِعراض والهَجْر ... )
والثالث
( أصبح قلبي به نُدوبُ ... )
فأطربه وأمر له بثلاثين ألف درهم وقال له لو كنت الحكم الوادي ما زدت على هذا الإحسان في أهزاجك يعني أن الحكم كان منفردا بالهزج
نسبة هذه الأصوات
صوت
( مُتْ على من غبتَ عنه أسفاَ ... لستَ منه بمُصِيبٍ خَلَفَا )( لن تَرَى قُرَّة عين أبداً ... أوْ ترى نحوَهمُ مُنْصرَفَا )
( قلتُ لمّا شفَّني وجدي بهم ... حَسْبِيَ اللهُ لِمَا بي وكفَى )
( بَيّن الدمعُ لمن أبصرني ... ما تضمّنتُ إذا ما ذَرَفا )
الشعر للعباس بن الأحنف والغناء لسليم وله فيه لحنان أحدهما في الأول والثاني هزج بالوسطى والآخر في الثالث والرابع خفيف رمل بالبنصر مطلق
وفيهما لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو ومنها
صوت
( أسرفتَ في الإعراض والهجرِ ... وجُزْتَ حدّ التَّيه والكبرِ )( الهجرُ والإِعراض من ذي الهوى ... سُلَّم ذي الغدر إلى الغدر )
( مالي وللهِجْران حَسْبي الذي ... مرّ على رأسي من الهجر )
( ودون ما جَرّبتُ فيما مضى ... ما عرّف الخيرَ من الشر )
الغناء لسيلم هزج بالبنصر ومنها
صوت
( أصبح قلبي به نُدوبُ ... أَنْدَبه الشادِنُ الرَّبيبُ )
( تَمَادِياً منه في التّصَابي ... وقد علا رأسيَ المَشِيب )
( أظنني ذائقاً حِمامي ... وأنّ إلمامَه قريب )
( إذا فؤادُ شجاه حبٌّ ... فقلَّما ينفَع الطبيب )
الشعر لأبي نواس والغناء لسليم وله فيه لحنان خفيف رمل بالبنصر عن إسحاق وهزج بالوسطى عن الهشامي وزعمت بذل أن الهزج لها
أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني هارون بن مخارق عن أبيه قال كان سليم بن سلام كوفيا وكان أبوه من أصحاب أبي مسلم صاحب الدولة ودعاته وثقاته فكان يكاتب أهل العراق على يده
وكان سليم حسن الصوت
جهيره وكان بخيلا
قال أحمد بن أبي طاهر وحدثني أبو الحواجب الأنصاري واسمه محمد قال قال لي سليم يوما امض إلى موسى بن إسحاق الأزرق فادعه ووافياني مع الظهر فجئناه مع الظهر فأخرج إلينا ثلاثين جارية محسنة ونبيذا ولم يطعمنا شيئا ولم نكن أكلنا شيئا
فغمز موسى غلامه فذهب فاشترى لنا خبزا وبيضا فأدخله إلى الكنيف وجلسنا نأكل فدخل علينا فلما رآنا نأكل غضب وخاصمنا وقال أهكذا يفعل الناس تأكلون ولا تطعمونني وجلس معنا في الكنيف يأكل كما يأكل واحد منا حتى فني الخبز والبيض
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني الفضل بن محمد اليزيدي قال حدثني أبي قال كان سليم بن سلام صديقي وكان كثيرا ما يغشاني
فجاءني يوما وأعلمني الغلام بمجيئه فأمرت بإدخاله فدخل وقال قد جئتك في حاجة فقلت مقضية
فقال إن المهرجان بعد غد وقد أمرنا بحضور مجلس الخليفة وأريد أن أغنيه لحنا أصنعه في شعر لم يعرفه هو ولا من بحضرته فقل أبياتا أغني فيها ملاحا فقلت على أن تقيم عندي وتصنع بحضرتي اللحن قال أفعل فردوا دابته وأقام عندي وقلت
صوت
( أتيتُك عائذاً بك مِنْك ... لمّا ضاقت الحِيَلُ )
( وصيّرني هواك وبي ... لِحَيْني يضرب المثل )
( فإِن سَلِمتْ لكم نفسي ... فما لاقيتُه جَلَل )
( وإنْ قَتل الهوى رجلاً ... فإِني ذلك الرجل )
فغنى فيه وشربنا يومئذ عليه وغنانا عدة أصوات من غنائه فما رأيته مذ عرفته كان أنشط منه يومئذ
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قل حدثني محمد بن داود بن الجراح قال حدثني عبد الله بن محمد اليزيدي قال حدثني أخي محمد قال سمعت أبي يقول ما سرقت من الشعر قط إلا معنيين قال مسلم بن الوليد
( ذاك ظبيٌ تحيَّر الحسنُ في الأركان ... منه وجال كلَّ مكانِ )
( عرضتْ دونَه الحجالُ فما يَلْقاك ... إلا في النوم أو في الأماني )
فاستعرت معناه فقلت
صوت
( يا بعيدَ الدار موصولاً ... بقلبي ولساني )( ربمّا باعَدَك الدهرُ ... فأذنْتك الأماني )
الغناء في هذين البيتين لسليم هزج بالبنصر عن الهشامي قال وقال مسلم أيضا
( متى ما تسمعي بقتيلِ أرض ... فإِني ذلك الرجل القتيلُ )
ويروى أصيب فإنني ذاك القتيل فقلت
( أتيتُك عائذاً بك مِنْك ... لمّا ضاقت الحِيَلُ )
( وصيّرني هواك وبي ... لِحَيْني يُضرب المثل )
( فإن سَلِمتْ لكم نفسي ... فما لاقيتُه جَلَل )
( وإن قَتل الهوى رجلاً ... فإني ذلك الرجل )
غنى ابن المهدي فأمر له بجائزة
وجدت في كتاب علي بن محمد بن نصر عن جده حمدون بن إسماعيل ولم أسمعه من أحد أن إبراهيم المهدي سأل جماعة من إخوانه أن يصطبحوا عنده قال حمدون وكنت فيهم وكان فيمن دعا مخارق فسار إليه وهو سكران لا فضل فيه لطعام ولا لشراب فاغتم لذلك إبراهيم وعاتبه على ما صنع فقال لا والله أيها الأمير ما كان آفتي إلا سليم بن سلام فإنه مر بي فدخل علي فغناني صوتا له صنعه قريبا فشربت عليه إلى السحر حتى لم يبق في فضل وأخذتهفقال له إبراهيم فغنناه إملالا فغناه
صوت
( إذا كنتَ نَدْماني فباكْر مُدامةً ... معتَّقةً زُفّت إلى غير خاطبِ )( إذا عُتِّقت في دَنّها العامَ أقبلتْ ... تَردّي رداءَ الحسن في عين شارب )
الغناء لسليم خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر قال فبعث إبراهيم إلى سليم فأحضره فغناه إياه وطرحه على جواريه وأمر له بجائزة وشربنا عليه بقية يومنا حتى صرنا في حالة مخارق وصار في مثل أحوالنا
صوت
من المائة المختارة
( عَتَق الفؤادُ من الصِّبا ... ومن السَّفاهة والعلاق )( وحَطَطتُ رحلي عن قَلوص ... الحبّ في قُلُصٍ عِتاق )
( ورفعتُ فضلَ إزاريَ ... الْمجرور عن قدمي وساقي )
( وكففت غربَ النفس حتى ... ما تَتُوق إلى مَتاق )
لم يقع إلينا قائل هذا الشعر والغناء لإبن عباد الكاتب ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل وقيل إنه لغيره بل قيل إنه لعمرو
أخبار ابن عباد
هو محمد بن عباد مولى بني مخزوم وقيل إنه مولى بني جمح ويكنى أبا جعفرمكي من كبراء المغنين من الطبقة الثانية منهم
وقد ذكره يونس الكاتب فيمن أخذ عنه الغناء متقن الصنعة كثيرها وكان أبوه من كتاب الديوان بمكة فلذلك قيل ابن عباد الكاتب
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص الثقفي عن أبي خالد الكناني عن ابن عباد الكاتب قال والله إني لأمشي بأعلى مكة في الشعب إذا أنا بمالك على حمار له ومعه فتيان من أهل المدينة فظننت أنهم قالوا له هذا ابن عباد فمال إلي فملت إليه فقال لي أنت ابن عباد قلت نعم قال مل معي ها هنا ففعلت فأدخلني شعب ابن عامر ثم أدخلني دهليز ابن عامر وقال غنني فقلت أغنيك هكذا وأنت مالك وقد كان يبلغني أنه يثلب أهل مكة ويتعصب عليهم فقال بالله إلا غنيتني صوتا من صنعتك فاندفعت فغنيته
صوت
( ألاَ يا صاحبيّ قِفَا قليلاً ... على ربع تقادمَ بالمُنيفِ ) ( فأمستْ دراهم شِحِطَت وبانت ... وأضحى القلبُ يخفِقُ ذا وجيف )
وما غنيته إياه إلا على احتشام فلما فرغت نظر إلي وقال لي قد والله أحسنت ولكن حلقك كأنه حلق زانية
فقلت أما إذ أفلت منك بهذا فقد أفلت وهذا اللحن من صدور غناء ابن عباد ولحنه من الثقيل الثاني بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى وعيسى بن الحسين قالا حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني جماعة من أهل العلم أن ابن عباد الكاتب توفي ببغداد في الدولة العباسية ودفن بباب حرب وقال أبو أيوب أظنه فيمن قدم من مغني الحجاز على المهدي
صوت
من المائة المختارة
( يا طللاً غَيَّره بَعدِي ... صوبُ رَبيع صادق الرعدٍ )( أراكَ بعد الأُنس ذا وَحْشَةٍ ... لستَ كما كنتَ على العهدِ )
( مالي أُبَكِّي طللاً كلما ... ساءلتُه عَيَّ عن الردِّ )
( كان به ذو غُنُج أهْيَفٌ ... أحْورُ مطبوعٌ على الصَّدّ )
لم يسم أبو أحمد قائل هذا الشعر والغناء ليحيى المكي ولحنه المختار من الهزج بالوسطى
أخبار يحيى المكي ونسبه
هو يحيى بن مرزوق مولى بني أمية وكان يكتم ذلك لخدمته الخلفاء من بني العباس خوفا من أن يجتنبوه ويحتشموه فإذا سئل عن ولائه انتمى إلى قريش ولم يذكر البطن الذي ولاؤه لهم واستعفى من سأله عن ذلك ويكنى يحيى أبا عثمانوذكر ابن خرداذبه أنه مولى خزاعة وليس قوله مما يحصل لأنه لا يعتمد فيه على رواية ولا دراية
أخبرني عبد الله بن الربيع أبو بكر الربيعي صديقنا رحمه الله قال حدثني وسواسة بن الموصلي وقد لقيت وسواسة هذا وهو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم وكان معلما ولم أسمع هذا منه فكتبته وأشياء أخر عن أبي بكر رحمه الله قال حدثني حماد بن إسحاق قال قال لي أبي سألت يحيى المكي عن ولائه فانتمى إلى قريش فاستزدته في الشرح فسألني أن أعفيه
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق ويحيى بن علي بن يحيى قالا حدثنا أبو أيوب المديني قال كان يحيى المكي يكنى أبا عثمان وهو مولى بني أمية وكان يكتم ذلك ويقول أنا مولى قريش
ولما قال أعشى بني سليم يمدح دحمان
( كانوا فحولاً فصاروا عند حَلْبتهم ... لمّا انبرى لهمُ دَحْمان خِصياناَ )
( فأَبلِغوه عن الأعشىَ مقالَته ... أعشى سُلَيم أبي عمرو سُليمانا )
( قولوا يقول أبو عمرو لصُحْبَته ... ياليت دحمانَ قبل الموت غنّانا )
قال أبان بن عبد الحميد اللاحقي ويقال إن ابنه حمدان بن أبان قالها والأشبه عندي أنها لأبان وما أظن ابنه أدرك يحيى
( يا مَنْ يُفضّل دحماناً ويمدحه ... على المغنين طُرًّا قلتَ بهتانَا )
( لو كنتَ جالستَ يحيى أو سمعتَ به ... لم تمتدح أبداً ما عشتَ إنساناَ )
( ولم تقُل سَفَهاً في مُنيةٍ عَرَضتْ ... ياليت دحمان قبل الموت غنّانا )
( لقد عجبتُ لدحمان ومادِحه ... لا كان مادحُ دحمانٍ ولا كانا )
( ما كان كابن صغير العين إذ جَرَيا ... بل قام في غاية المجرى وما دانَى )
( بذّ الجيادَ أبو بكر وصيرها ... من بعد ما قَرِحتْ جُذْعاً وثُنيانا )
يعني بأبي بكر ابن صغير العين وهو من مغني مكة وله أخبار تذكر في موضعها إن شاء الله تعالى
منزلته في الغناء
وعمر يحيى المكي مائة وعشرين سنة وأصاب بالغناء ما لم يصبه أحد من نظرائه ومات وهو صحيح السمع والبصر والعقلوكان قدم مع الحجازيين الذين قدموا على المهدي في أول خلافته فخرج أكثرهم وبقي يحيى بالعراق هو وولده يخدمون الخلفاء إلى أن انقرضوا
وكان آخرهم محمد بن أحمد بن يحيى المكي وكان يغني مرتجلا ويحضر مجلس المعتمد مع المغنين فيوقع بقضيب على دواة
ولقيه جماعة من أصحابنا وأخذ عنه جماعة ممن أدركنا من عجائز المغنيات منهم قمرية العمرية وكانت أم ولد عمرو بن بانة
وممن أدركه من أصحابنا جحظة
وكتبنا عنه عن ابن المكي هذا حكايات حسنة من أخبار أهله
وكان ابن جامع وإبراهيم الموصلي وفليح يفزعون إليه في الغناء القديم ويأخذونه عنه ويعايي بعضهم بعضا بما يأخذه منه ويغرب به على أصحابه فإذا خرجت لهم الجوائز أخذوا منها ووفروا نصيبه
وله صنعة عجيبة نادرة متقدمة وله كتاب في الأغاني ونسبها وأخبارها وأجناسها كبير جليل مشهور إلا أنه كان كالمطرح عند الرواة لكثرة تخليطه في رواياته
والعمل على كتاب ابنه أحمد فإنه صحح كثيرا مما أفسده أبوه وأزال ما عرفه من تخاليط أبيه وحقق ما نسبه من الأغاني إلى صانعه وهو يشتمل على نحو ثلاثة آلاف صوت
ألف كتابا في الأغاني وأهداه لعبد الله بن طاهر
أخبرني عبد الله بن الربيع قال حدثني وسواسة بن الموصلي قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي قال عمل جدي كتابا في الأغاني وأهداه إلى عبد الله بن طاهر وهو يومئذ شاب حديث السن فاستحسنه وسر به ثم عرضه على إسحاق فعرفه عوارا كثيرا في نسبه لأن جدي كان لا يصحح لأحد نسبة صوت البتة وينسب صنعته إلى المتقدمين وينحل بعضهم صنعة بعض ضنا بذلك على غيره فسقط من عين عبد الله وبقي في خزانته ثم وقع إلى محمد بن عبد الله فدعا أبي وكان إليه محسنا وعليه مفضلا فعرضه عليه فقال له إن في هذه النسب تخليطا كثيرا خلطها أبي لضنه بهذه الشأن على الناس ولكني أعمل لك كتابا أصحح هذا وغيره فيهفعمل له كتابا فيه اثنا عشر ألف صوت وأهداه إليه فوصله محمد بثلاثين ألف درهم وصحح له الكتاب الأول أيضا فهو في أيدي الناس
قال وسواسة وحدثني حماد أن أباه إسحاق كان يقدم يحيى المكي تقديما كثيرا ويفضله ويناضل أباه وابن جامع فيه ويقول ليس يخلو يحيى فيما يرويه من الغناء الذي لا يعرفه أحد منكم من
أحد أمرين إما أن يكون محقا فيه كما يقول فقد علم ما جهلتم أو يكون من صنعته وقد نحله المتقدمون كما تقولن فهو أفضل له وأوضح لتقدمه عليكم
قال وكان أبي يقول لولا ما أفسد به يحيى المكي نفسه من تخليطه في رواية الغناء على المتقدمين وإضافته إليهم ما ليس لهم وقلة ثباته على ما يحكيه من ذلك لما تقدمه أحد
وقال محمد بن الحسن الكاتب كان يحيى يخلط في نسب الغناء تخليطا كثيرا ولا يزال يصنع الصوت بعد الصوت يتشبه فيه بالغريض مرة وبمعبد أخرى وبإبن سريج وابن محرز ويجتهد في إحكامه وإتقانه حتى يشتبه على سامعه فإذا حضر مجالس الخلفاء غناه على ما أحدث فيه من ذلك فيأتي بأحسن صنعة وأتقنها وليس أحد يعرفها فيسأل عن ذلك فيقول أخذته عن فلان وأخذه فلان عن يونس أو عن نظرائه من رواة الأوائل فلا يشك في قوله ولا يثبت لمباراته أحد ولا يقوم لمعارضته ولا يفي بها حتى نشأ إسحاق فضبط الغناء وأخذه من مظانه ودونه وكشف عوار يحيى في منحولاته وبينها للناس
إسحاق يظهر غلطه
أخبرني عمي قال سمعت عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يذكر عن أحمد ابن سعيد المالكي وكان مغنيا منقطعا إلى طاهر وولده وكان من القواد قال حضرت يحيى المكي يوما وقد غنى صوتا فسئل عنه فقال هذا لمالك ولم يحفظ أحمد بن سعيد الصوت ثم غنى لحنا لمالك فسئل عن صانعه فقال هذا لي فقال له إسحاق قلت ماذا فديتك وتضاحك بهفسئل عن
صانعه فأخبر به ثم غنى الصوت فخجل يحيى حتى أمسك عنه ثم غنى بعد ساعة في الثقيل الأول واللحن
صوت
( إنّ الخَليطَ أَجَدّ فاحَتَمَلا ... واراد غيظَك بالذي فعلا )( فظلِلْتَ تأمُل قربَ أَوْبَتهم ... والنفسُ مما تأمُل الأملا )
فسئل عنه فنسبه إلى الغريض فقال له إسحاق يا أبا عثمان ليس هذا من نمط الغريض ولا طريقته في الغناء ولو شئت لأخذت ما لك وتركت للغريض ما له ولم تتعب
ُفاستحيا يحيى ولم ينتفع بنفسه بقية يومه فلما انصرف بعث إلى إسحاق بألطاف كثيرة وبرواسع وكتب إليه يعاتبه ويستكف شره ويقول له لست من أقرانك فتضادني ولا أنا ممن يتصدى لمباغضتك ومباراتك فتكايدني ولأنت إلى أن أفيدك وأعطيك ما تعلم أنك لا تجده عند غيري فتسمو به على أكفائك أحوج منك إلى أن تباغضني فأعطي غيرك سلاحا إذا حمله عليك لم تقم له وأنت أولى وما تختار
فعرف إسحاق صدق يحيى فكتب إليه يعتذر ورد الألطاف التي حملها إليه وحلف لا يعارضه بعدها وشرط عليه الوفاء بما وعده به من الفوائد فوفى له بها وأخذ منه كل ما أراد من غناء المتقدمين
وكان إذا حز به مر في شيء منها فزع إليه فأفاده وعاونه ونصحه وما عاود إسحاق معارضته بعد ذلك
وحذره يحيى فكان إذا سئل بحضرته عن شيء صدق فيه وإذا غاب إسحاق خلط فيما يسأل عنه قال وكان يحيى إذا صار إليه إسحاق يطلب منه شيئا أعطاه إياه وأفاده وناصحه ويقول لإبنه أحمد تعال حتى تأخذ مع أبي محمد ما الله يعلم أني كنت أبخل به عليك فضلا عن غيرك فيأخذه أحمد عن أبيه مع
إسحاق قال وكان إسحاق بعد ذلك يتعصب ليحيى تعصبا شديدا ويصفه ويقدمه ويعترف برياسته وكذلك كان في وصف أحمد ابنه وتقريظه
عدد أصواته التي صنعها
قال أحمد بن سعيد والإختلاف الواقع في كتب الأغاني إلى الآن من بقايا تخليط يحيى قال أحمد بن سعيد وكانت صنعة يحيى ثلاثة آلاف صوت منها زهاء ألف صوت لم يقاربه فيها أحد والباقي متوسطوذكر بعض أصحاب أحمد بن يحيى المكي عنه أنه سئل عن صنعة أبيه فقال الذي صح عندي منها ألف وثلثمائة صوت منها مائة وسبعون صوتا غلب فيها على الناس جميعا من تقدم منهم ومن تأخر فلم يقم له فيها أحد
وقال حماد بن إسحاق قال لي أبي كان يحيى المكي يسأل عن الصوت وهو يعلم لمن هو فينسبه إلى غير صانعه فيحمل ذلك عنه كذلك ثم يسأله آخرون فينسبه غير تلك النسبة حتى طال ذلك وكثر منه وقل تحفظه فظهر عواره ولولا ذلك لما قاومه أحد
وقال أحمد بن سعيد المالكي في خبره قال إسحاق يوما للرشيد قبل أن تصلح الحال بينه وبين يحيى المكي أتحب يا أمير المؤمنين أن أظهر لك كذب يحيى فيما ينسبه من الغناء قال نعم قال أعطني أي شعر شئت حتى أصنع فيه واسألني بحضرة يحيى عن نسبته فإني سأنسبه إلى رجل لا أصل له واسأل يحيى عنه إذا غنيته فإنه لا يمتنع من أن يدعي معرفته
فأعطاه شعرا فصنع فيه لحنا وغناه الرشيد ثم قال له يسألني أمير المؤمنين عن نسبته بين يديه
فلما حضر يحيى غناه إسحاق فسأله الرشيد
لمن هذا اللحن فقال له إسحاق لغناديس المديني فأقبل الرشيد على يحيى فقال له أكنت لقيت غناديس المديني قال نعم لقيته وأخذت عنه صوتين ثم غنى صوتا وقال هذا أحدهما
فلما خرج حلف إسحاق بالطلاق ثلاثا وعتق جواريه أن الله ما خلق أحدا اسمه غناديس ولا سمع في المغنين ولاغيرهم وأنه وضع ذلك الإسم في وقته ذلك لينكشف أمره
حدثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي المرتجل قال غني جدي يوما بين يدي الرشيد
صوت
( هل هَيّجَتك مَغَانِي الحيّ والدُّورُ ... فاشتقْتَ إن الغريبَ الدارِ معذورُ )( وهل يَحُلّ بنا إذ عيشُنا أَنِقُ ... بِيضُ أوانسُ أمثالُ الدُّمَى حُور )
والصنعة له خفيف ثقيل فسار إليه إسحاق وسأله أن يعيده إياه فقال نعم حبا وكرامة لك يابن أخي ولو غيرك يروم ذلك لبعد عليه وأعاده حتى أخذه إسحاق
فلما انصرف بعث إلى جدي بتخت ثياب وخاتم ياقوت نفيس
حدثني جحظة قال حدثني القاسم بن زرزور عن أبيه عن مولاه علي بن المارقي قال قال لي إبراهيم بن المهدي ويلك يا مارقي إن يحيى المكي غنى البارحة
بحضرة أمير المؤمنين صوتا فيه ذكر زينب وقد كان النبيذ أخذ مني فأنسيت شعره واستعدته إياه فلم يعده فاحتل لي عليه حتى تأخذه لي منه ولك علي سبق
فقال لي المارقي وأنا يومئذ غلامه اذهب إليه فقل له إني أسأله أن يكون اليوم عندي فمضيت إليه فجئته به
فلما تغدوا وضع النبيذ فقال له المارقي إني كنت سمعتك تغني صوتا فيه زينب وأنا أحب أن آخذه منك وكان يحيى يوفي هذا الشأن حقه من الأستقصاء فلا يخرج عنه إلا بحذر ولا يدع الطلب والمسألة ولا يلقي صوتا إلا بعوض
قال لي جحظة في هذا الفصل هذا فديتك فعل يحيى مع ما أفاده من المال ومع كرم من عاشره وخدمه من الخلفاء مثل الرشيد والبرامكة وسائر الناس لا يلام ولا يعاب ونحن مع هؤلاء السفل إن جئناهم نكارمهم تغافلوا عنا وإن أعطونا التزر اليسير منوا به علينا وعابونا فمن يلومني أن أشتمهم فقلت ما عليك لوم
قال فقال له يحيى وأي شيء العوض إذا ألقيت عليك هذا الصوت قال ما تريد قال هذه الزربية الأرمينية كم تقعد عليها أما آن لك أن تملها قال بلى وهي لك
قال وهذه الظباء الحرمية وأنا مكي لا أنت وأنا أولى بها قال هي لك وأمر بحملها معه فلما حصلت له قال المارقي يا غلام هات العود قال يحيى والميزان والدراهم وكان لا يغني أو يأخذ خمسين درهما فأعطاه إياه فألقى عليه قوله
( بزينبَ ألمم قبلَ أن يَرْحَلَ الركبُ ... وقُلْ إن تَمَلِّينا فما ملّكِ القلبُ )
ولحنه لكردم ثقيل أول فلم يشك المارقي أنه قد أخذ الصوت الذي طلبه إبراهيم وأدرك حاجته
فبكر إلى إبراهيم وقد أخذ الصوت فقال له قد جئتك
بالحاجة فدعا بالعود فغناه إياه فقال له لا والله ما هو هذا وقد خدعك فعاود الإحتيال عليه
فبعثني إليه وبعث معي خمسين درهما فلما دخل إليه وأكلا وشربا قال له يحيى قد واليت بين دعواتك لي ولم تكن برا ولا وصولا فما هذا قالا شيء والله إلا محبتي للأخذ عنك والإقتباس منك فقال سرك الله فمه
قال تذكرت الصوت الذي سألتك إياه فإذا ليس هو الذي ألقيت علي قال فتريد ماذا قال تذكر الصوت قال أفعل ثم اندفع فغناه
( أَلْمِمْ بزينبَ إنّ البينَ قد أَفدَا ... قَلّ الثَواءُ لئن كان الرحيلُ غدا )
والغناء لمعبد ثقيل أول فقال له نعم فديتك يا أبا عثمان هذا هو ألقه علي قال العوض قال ما شئت قال هذا المطرف الأسود قال هو لك فأخذه وألقى عليه هذا الصوت حتى استوى له وبكر إلى إبراهيم فقال له ما وراءك قال قد فضيت الحاجة فدعا له بعود فغناه فقال خدعك والله ليس هذا هو فعاود الإحتيال عليه وكل ما تعطيه إياه ففي ذمتي
فلما كان اليوم الثالث بعث بي إليه فدعوته وفعلنا مثل فعلنا بالأمس فقال له يحيى فمالك أيضا قال له يا أبا عثمان ليس هذا الصوت هو الذي أردت فقال له لست أعلم ما في نفسك فأذكره وإنما علي أن أذكر ما فيه زينب من الغناء كما التمست حتى لا يبقى عندي زينب البتة إلا أحضرتها فقال هات على اسم الله فقال اذكر العوض قلت ما شئت قال هذه الدراعة الوشي التي عليك قال فخذها والخمسين الدرهم فأحضرها فألقى عليه والغناء لمعبد ثقيل أول
( لزينبَ طيفُ تعتريني طوارقُه ... هدوءاً إذا النجمُ ارجحنّت لواحقُه )
فأخذه منه ومضى إلى إبراهيم فصادفه يشرب مع الحرم فقال له حاجبه هو متشاغل فقال قل له قد جئتك بحاجتك فدخل فأعلمه فقال يدخل فيغنيه في الدار وهو قائم فإن كان هو وإلا فليخرج ففعل فقال لا والله ما هو هذا ولقد خدعك فعاود الإحتيال عليه ففعل مثل ذلك بيحيى فقال له يحيى وهو يضحك أما ظفرت بزينبك بعد فقال لا والله يا أبا عثمان وما أشك في أنك تعتمدني بالمنع مما أريده وقد أخذت كل شيء عندي معابثة
فضحك يحيى وقال قد استحييت منك الآن وأنا ناصحك على شريطة قال نعم لك الشريطة قال لا تلمني في أن أعابثك لأنك أخذت في معابثتي والمطلوب إليه أقدر من الطالب فلا تعاود أن تحتال علي فإنك تظفر مني بما تريد إنما دسك إبراهيم بن المهدي علي لتأخذ مني صوتا غنيته فسألني إعادته فمنعته بخلا عليه لأنه لا يلحقني منه خير ولا بركة ويريد أن يأخذ غنائي باطلا وطمع بموضعك أن تأخذ الصوت بلا ثمن ولا حمد ولا والله إلا بأوفر ثمن وبعد اعترافك وإلا فلا تطمع في الصوت
فقال له أما إذ فطنت فالأمر والله على ما قلت فتغنيه الآن بعينه على شرط أنه إن كان هو هو وإلا فعليك إعادته ولو غنيتني كل شيء تعرفه لم أحتسب لك إلا به قال اشتره فتساوما طويلا وماكسه حتى بلغ الصوت ألف درهم فدفعها إليه وألقى عليه
صوت
( طَرَقْتك زينبُ والمزَار بعيدُ ... بمنى ونحن مُعرِّسون هجودُ )
( فكأنما طَرَقتْ بريّا روضةٍ ... أُنُفِ تُسَحْسِح مُزنَها وتَجُود )
لحنه خفيف ثقيل قال وهو صوت كثير العمل حلو النغم محكم الصنعة صحيح القسمة حسن المقاطع فأخذه وبكر إلى إبراهيم بن المهدي فقال له قد أفقرني هذا الصوت وأعراني وأبلاني بوجه يحيى المكي وشحه وطلبه وشرهه وحدثه بالقصة فضحك إبراهيم وغناه إياه فقال هذا وأبيك هو بعينه
فألقاه عليه حتى أخذه وأخلف عليه كل شيء أخذه يحيى منه وزاده خمسة آلاف درهم وحمله على برذون أشهب فاره بسرجه ولجامه
فقال له يا سيدي فغلامك زرزور المسكين قد تردد عليه حتى ظلع هب له شيئا فأمر له بألف درهم
غناؤه للأمين وللرشيد
حدثني جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال حدثني ريق وشارية جميعا قالتا كان مولانا تعنيان أبي في مجلس محمد الأمين يوما والمغنون حضورفغنى يحيى المكي واللحن له خفيف ثقيل
صوت
( خليلٌ لي أهيمُ به ... فما كافا ولا شَكَرَا )( بلى يُدْعَى له باسمي ... إذا ما رِيع أو عثَرا )
فاسترده سيدنا وأحب أن يأخذه فجعل يحيى يفسده وفطن الأمين بذلك فأمر له بعشرين ألف درهم وأمره برده وترك التخليط فدعا له وقبل الأرض بين يديه ورد الصوت وجوده ثم استعاده فقال له يحيى ليست تطيب لك نفسي به إلا بعوض من مالك ولا أنصحك والله فيه فهذا مال مولاي أخذته فلم تأخذ أنت غنائي فضحك الأمين وحكم على إبراهيم بعشرة آلاف درهم فأحضرها فقبل يحيى يده وأعاد الصوت وجوده فنظر إلى مخارق وعلويه يتطلعان لأخذه فقطع الصوت ثم أقبل عليهما وقال قطعة من خصية الشيخ تغطي أستاه عدة صبيان والله لا أعدته بحضرتكما
ثم أقبل على مولانا تعنيان إبراهيم بن المهدي فقال يا سيدي إني أصير إليك حتى تأخذه عني متمكنا ولا يشركك فيه أحد فصار إليه فأعاده حتى أخذه عنه وأخذناه معه
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال
أرسل إلي هارون الرشيد فدخلت إليه وهو جالس على كرسي بتل دارا فقال يا يحيى غنني
( متى تلتقي الأُلاّفُ والعيسُ كلَّما ... تَصعَّدْنَ من وادٍ هبطن إلى واد )
فلم أزل أغنيه إياه ويتناول قدحا إلى أن أمسى فعددت عشر مرات استعاد فيها الصوت وشرب عشرة أقداح ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم وأمرني بالإنصراف
وقال محمد بن أحمد بن يحيى المكي في خبره حدثني أبي أحمد بن يحيى قال قال لي إسحاق يا أبا جعفر لأبيك مائة وسعبون صوتا من أخذها عنه بمائة وسبعين ألف درهم فهو الرابح فقلت لأبي أي شيء تعرف منها فقال لحنه في شعر الأخطل
صوت
( خَفّ القَطِينُ فراحوا منكَ وابتكروا ... وأزعجتْهم نَوىً في صَرْفِها غِيَرُ )
( كأنني شاربُ يومَ استُبِدّ بهم ... من قَهْوةٍ عتّقتها حِمْص أو جَدَر )
لحن يحيى المكي في هذين البيتين ثقيل أول هكذا في الخبر ولإبراهيم فيهما ثقيل أول آخر ولابن سريج رمل قال ومنهما
صوت
( بانَ الخليطُ فما أؤَمِّله ... وعفا من الرَّوْحاء منزلُهُ )( ما ظَبيةٌ أدماءُ عاطلة ... تحنو على طِفْل تُطَفِّله )
لحن يحيى في هذا الشعر ثاني ثقيل بالبنصر قال أحمد قال لي إسحاق وددت أن هذا الصوت لي أو لأبي وأني مغرم عشرة آلاف درهم
ثم قال هل سمعتم بأحسن من قوله على طفل تطفله قال ومنها
صوت
( وكفّ كُعوّاذ النقا لا يضيرها ... إذا برزتْ ألاّ يكون خِضابُ )
( أنامل فُتْخُ لا تَرى بأصولها ... ضُموراً ولم تَظْهَر لهن كِعابُ )
ولحنه من الثقيل الثاني قال ومنها
صوت
( صَادتْك هندُ وتلك عادتها ... فالقلب مما يَشُفّه كَمِدُ )( كم تشتكي الشوقَ من صبابتها ... ولا تبالي هندُ بما تَجد )
ولحنه من خفيف الثقيل قال ومنها
صوت
( أَعَسيتَ مِنَ سَلْمى هواكَ ... اليوم محتلاًّ جديداَ )( ومَرَابِطَ الخيلِ الجِيادِ ... ومنزلاً خَلَقاً هَمُودا )
ولحنه خفيف ثقيل أيضا قال ومنها
صوت
( ألاَ مرحباً بخيالٍ ألمّ ... وإن هاج للقلب طولَ الأَلَمْ )
( خيالُ لأسماءَ يَعتادني ... إذا الليلُ مَدَّ رِواقَ الظُّلَم )
ولحنه ثقيل أول قال ومنها
صوت
( كم ليلةٍ ظلماءَ فيكِ سَرَيْتُها ... أَتْعبتُ فيها صُحْبتي وركابي )( لا يُبصر الكلبُ السَّرُوق خِباءها ... ومواضعَ الأوتاد والأَطناب )
لحنه ثاني ثقيل بالوسطى وفيه خفيف ثقيل بالوسطى للغريض قال ابن المكي غنى أبي الرشيد ليلة هذا الصوت فأطربه ثم قال له ثم يا يحيى فخذ ما في ذلك البيت فظنه فرشا أو ثيابا فإذا فيه أكياس فيها عين وورق فحملت بين يديه فكانت خمسين ألف درهم مع قيمة العين قال ومنها
صوت
( إني امرؤٌ مالي يِقي عِرْضي ... ويَبيت جاري آمناً جَهْلِي )
( وأرى الذّمامة للرَّفيق إذا ... ألقَى رِحالَتْه إلى رَحْلي )
ولحنه خفيف ثقيل قال ابن المكي غنى ابن جامع الرشيد يوما البيت الأول من هذين البيتين ولم يزد عليه شيئا فأعجب به الرشيد واسترده مرارا وأسكت لإبن جامع المغنين جميعا
وجعل يسمعه ويشرب عليه ثم أمر له بعشرة آلاف
درهم وعشرة خواتيم وعشر خلع وانصرف
فمضى إبراهيم من وجهه إلى يحيى المكي فأستأذن عليه فأذن له فأخبره بالذي كان من أمر ابن جامع واستغاث به
فقال له يحيى أفزاد على البيت الأول شيئا قال لا قال أفرأيت إن زدتك بيتا ثانيا لم يعرفه إسماعيل أو عرفه ثم أنسيه وطرحته عليك حتى تأخذه ما تجعل لي قال النصف مما يصل إلي بهذا السبب قال والله فأخذ بذلك عليه عهدا وشرطا واستحلفه عليه أيمانا مؤكدة ثم زاده البيت الثاني وألقاه عليه حتى أخذه وانصرف
فلما حضر المغنون من غد ودعي به كان أول صوت غناه إبراهيم هذا الصوت وجاء بالبيت الثاني وتحفظ فيه فأصاب وأحسن كل الإحسان وشرب عليه الرشيد واستعاده حتى سكر وأمر لإبراهيم بعشرة آلاف درهم وعشرة خواتيم وعشر خلع فحمل ذلك كله وانصرف من وجهه ذلك إلى يحيى فقاسمه ومضى إلى منزله
وانصرف ابن جامع إليه من دار الرشيد وكان يحيى في بقايا علة فاحتجب عنه فدفع ابن جامع في صدر بوابه ودخل إليه فقال له إيه يا يحيى كيف صنعت ألقيت الصوت على الجرمقاني لا دفع الله صرعتك ولا وهب لك العافية وتشاتما ساعة ثم خرج ابن جامع من عنده وهو مدوخ
إسحاق الموصلي يمدحه في جمع المغنين
حدثني عمي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال قال لي إسحاق كنت أنا وأبوك وابن جامع وفليح بن أبي العوراء وزبير بن دحمان يوما عند الفضل بن الربيع فانبرى زبير بن دحمان لأبيك يعني يحيى فجعلا يغنيان ويباري كل واحد منهما صاحبه وذلك يعجب الفضل وكان يتعصب لأبيك ويعجب به
فلما طال الأمر بينهما قال له الزبير أنت تنتحل غناء الناس وتدعيه وتنحلهم ما ليس لهم فأقبل الفضل علي وقال احكم أيها الحاكم بينهما فلم يخف عليك ما هما فيه فقلت لئن كان ما يرويه يحيى ويغنيه شيئا لغيره فلقد روى ما لم يرووه وما لم نروه وعلم ما جهلناه وجهلوه ولئن كان من صنعته إنه لأحسن الناس صنعة وما أعرف أحدا أروى منه ولا أصح أداء للغناء كان ما يغنيه له أو لغيره فسر بذلك الفضل وأعجبه وما زال أبوك يشكره لي
صوت
من المائة المختارة
( أهاجتْك الظعائنُ يوم بانوا ... بذي الزِّيّ الجميل من الأثاثِ )( ظعائنُ أُسلِكتْ نَقْب المُنَقَّى ... تَحَثّ إذا ونتْ أيَّ احتثاث )
الشعر للنميري والغناء للغريض ولحنه المختار ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر
أخبار النميري ونسبه
هو محمد بن عبد الله بن نمير بن خرشة بن ربيعة بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وقسي هو ثقيف شاعر غزل مولد ومنشؤه بالطائف من شعراء الدولة الأموية وكان يهوى زينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج بن يوسف وله فيها أشعار يتشبب بهاحدثني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن لقيط بن بكير المحاربي وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة أن النميري كان يهوى زينب بنت يوسف أخت الحجاج بن يوسف بن الحكم لأبيه وأمه
وأمهما الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي وكانت عند المغيرة بن شعبة فرآها بكرة وهي تتخلل فقال لها والله لئن كان من
غداء لقد جشعت ولئن كان من عشاء لقد أنتنت وطلقها
فقالت أبعدك الله فبئس بعل المرأة الحرة أنت والله ما هو إلا من شظية من سواكي استمسكت بين سنين من أسناني قال حبيب بن نصر خاصة في خبره قال عمر بن شبة حدثنا بذلك أبو عاصم النبيل
أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة عن يعقوب بن داود الثقفي وحدثنا به ابن عمار والجوهري عن عمر بن شبة ولم يذكرا فيه يعقوب بن داود قالوا جميعا
قال مسلم بن جندب الهذلي وكان قاضي الجماعة بالمدينة إني لمع محمد بن عبد الله بن نمير بنعمان وغلام يسير خلفه يشتمه أقبح الشتيمة فقلت من هذا فقال هذا الحجاج بن يوسف فإني ذكرت أخته في شعري فأحفظه ذلك
قال عمر بن شبة في خبره وولدت الفارعة أم الحجاج من المغيرة بن شعبة بنتا فماتت فنازع الحجاج عروة بن المغيرة إلى ابن زياد في ميراثها فأغلظ الحجاج لعروة فأمر به ابن زياد فضرب أسواطا على رأسه وقال لأبي عبد الله تقول هذه المقالة وكان الحجاج حاقدا على آل زياد ينفيهم من آل أبي سفيان ويقول آل أبي سفيان سته حمش وآل زياد رسح حدل
وكان يوسف بن الحكم اعتل علة فطالت عليه فنذرت زينب إن عوفي أن تمشي إلى البيت فعوفي فخرجت في نسوة فقطعن بطن وج وهو ثلثمائة ذراع في يوم جعلته مرحلة لثقل بدنها ولم تقطع ما بين مكة والطائف إلا في شهر
فبينا هي تسير إذ لقيها إبراهيم بن عبد الله النميري أخو محمد بن عبد الله منصرفا من العمرة فلما قدم الطائف أتى محمدا يسلم عليه فقال له ألك علم بزينب قال نعم لقيتها بالهماء في بطن نعمان فقال ما أحسبك إلا وقد قلت شيئا قال نعم قلت بيتا واحدا وتناسيته كراهة أن ينشب بيننا وبين إخواننا شر فقال محمد هذه القصيدة وهي أول ما قاله
صوت
شعره في زينب
( تَضَوّع مسكاً بطنُ نَعْمان إذ مشتْ ... به زينبٌ في نسوة عَطِرات )( فأصبح ما بين الهَمَاء فحزوة ... إلى الماء ماء الجِزْع ذي العُشَرات )
( له أَرَجٌ من مِجْمَر الهند ساطع ... تَطلعُ رَيّاه من الكَفِرات )
( تهادَين ما بين المُحَصَّب من مِنىً ... وأقبلن لا شُعْثاً ولا غَبِرات )
( أعان الذي فوق السموات عرشُه ... مواشي بالبَطْحاء مُؤْتجِرات )
( مَرَرْن بَفَخٍّ ثم رُحْن عشيةً ... يُلبِّين للرحمن معتمِرات )
( يُخبِّئن أطرافَ البنان من التقى ... ويقتلن بالألحاظ مقتدرات )
( تَقَسّمن لُبّي يوم نَعْمانَ إنني ... رأيتُ فؤادي عارِم النظرات )
( جَلَوْنَ وجوهاً لم تَلُحْها سمائمٌ ... حَرُورٌ ولم يُشْفَعْن بالسَّبَرات )
( فقلتُ يَعافِيرُ الظباءِ تناولتْ ... نِياعَ غصون المَرْد مُهْتَصِرات )
( ولما رأتْ ركبَ النُّمَيري راعَها ... وكنّ مِنَ أنْ يَلْقَيْنَه حذِراتَ )
( فأدْنين حتى جاوز الركبُ دونها ... حجاباً من القسِّيّ والحِبرات )
( فكدتُ اشتياقاً نحوَها وصَبابةً ... تَقَطّعُ نفسي إثْرها حَسَرات )
( فراجعتُ نفسي والحفيظةَ بعدما ... بَلَلتُ رداء العصْب بالعَبرات )
غنى ابن سريج في الأول وبعده مررن بفخ وبعده يخمرن أطراف البنان ولحنه ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق قال أبو زيد فبلغت هذه القصيدة عبد الملك بن مروان فكتب إلى الحجاج قد بلغني قول الخبيث في زينب فاله عنه وأعرض عن ذكره فإنك إن أدنيته أو عاتبته أطمعته وإن عاقبته صدقته
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو سلمة الغفاري قال هرب النميري من الحجاج إلى عبد الملك واستجار به فقال له عبد الملك أنشدني ما قلت في زينب فأنشده فلما انتهى إلى قوله
( ولما رأتْ ركبَ النميريّ أعرضتْ ... وكُنَّ مِنَ أن يَلْقَيْنه حَذِراتِ )
قال له عبد الملك وما كان ركبك يا نميري قال أربعة أحمرة لي كنت أجلب عليها القطران وثلاثة أحمرة صحبتي تحمل البعر فضحك عبد الملك حتى
استغرب ضحكا ثم قال لقد عظمت أمرك وأمر ركبك وكتب له إلى الحجاج أن لا سبيل له عليه
فلما أتاه بالكتاب وضعه ولم يقرأه ثم أقبل على يزيد بن أبي مسلم فقال له أنا بريء من بيعة أمير المؤمنين لئن لم ينشدني ما قال في زينب لآتين على نفسه ولئن أنشدني لأعفون عنه وهو إذا أنشدني آمن فقال له يزيد ويلك أنشده فأنشده قوله
( تَضوّعَ مسكاً بطنُ نَعْمان إذ مشتْ ... به زينبٌ في نسوة خَفِراتِ )
فقال كذبت والله ما كانت تتعطر إذا خرجت من منزلها ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله
( ولما رأت ركبَ النُّمَيري راعها ... وكنّ مِنَ أن يلقينه حَذِراتِ )
قال له حق لها أن ترتاع لأنها من نسوة خفرات صالحات ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله
( مَرَرْن بفَخّ رائحاتٍ عشيةً ... يُلبّين للرحمن معتمِرات )
فقال صدقت لقد كانت حجاجة صوامة ما علمتها ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله
( يُخمِّرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنحَ الليل مُعْتِجراتِ )
فقال له صدقت هكذا كانت تفعل وهكذا المرأة الحرة المسلمة ثم قاله له ويحك إني أرى ارتياعك ارتياع مريب وقولك قول بريء وقد أمنتك ولم يعرض له
قال أبو زيد وقيل إنه طالب عريفه به وأقسم لئن لم يجئه به ليضربن عنقه فجاءه به بعد هرب طويل منه فخاطبه بهذه المخاطبة
قال أبو زيد وقال النميري في زينب أيضا
صوت
( طَرِبتَ وشاقتك المنازلُ من جَفْن ... ألاَ ربما يعتادك الشوقُ بالحُزْنِ )( نظرت إلى أظعان زينبَ باللِّوى ... فأعولْتها لو كان إعوالُها يُغني )
( فوالله لا أنساك زينبُ مادعتْ ... مُطوَّقةٌ ورقاءُ شجواً على غُصن )
( فإِنّ احتمال الحيّ يومَ تحمّلوا ... عَناك وهل يَعنيك إلا الذي يَعني )
( ومُرْسلة في السّر أن قد فضحتَني ... وصرّحتَ بإسمي في النَّسيب فماتَكْني )
( وأشمتَّ بي أهلي وجُلَّ عشيرتي ... ليَهْنِئْك ما تهواه إن كان ذا يَهْني )
( وقد لامني فيها ابنُ عمّي ناصحاً ... فقلتُ له خذ لي فؤاديَ أو دَعْني )
غنى ابن سريج في الأول والثاني والخامس والسادس من هذه الأبيات لحنا من الرمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق قال أبو زيد فيقال إنه بلغ زينب بنت يوسف قوله هذا فبكت فقالت لها خادمتها ما يبكيك فقالت أخشى أن يسمع بقوله هذا جاهل بي لا يعرفني ولا يعلم مذهبي فيراه حقا
قال وقال النميري فيها أيضا
( أهاجتْك الظعائنُ يوم بانوا ... بذي الزِّيّ الجميل من الأثاثِ )
( ظعائنُ أُسلكتْ نَقْبَ المُنَقَّى ... تُحَثّ إذا ونتْ أيَّ احتثاث )
( تُؤّمَّل أن تُلاقِيَ أهلَ بُصْرى ... فيالك من لقاءْ مستراث )
( كأنّ على الحدائج يوم بانوا ... نِعاجاً ترتعي بَقْل البرِاث )
( يُهَيِّجني الحمام إذا تَداعَى ... كما سجَع النوائحُ بالمَراثي )
( كأن عيونَهنّ من التبكّي ... فصوصُ الجَزْع أو يُنْع الكَباث )
( أَلاَقٍ أنت في الحَجِج البواقي ... كما لاقيتَ في الحِجج الثلاث )
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق قال قرأت على أبي حدثنا عثمان بن حفص وغيره أن يوسف بن الحكم قام إلى عبد الملك بن مروان لما بعث بالحجاج لحرب ابن الزبير وقال له يا أمير المؤمنين إن غلاما منا قال في ابنتي زينب ما لا يزال الرجل يقول مثله في بنت عمه وإن هذا يعني ابنه الحجاج لم يزل يتتوق إليه ويهم به وأنت الآن تبعثه إلى ما هناك وما آمنه عليه
فدعا بالحجاج فقال له إن محمدا النميري جاري ولا سلطان لك عليه فلا تعرض له
قال إسحاق فحدثني يعقوب بن داود الثقفي قال قال لي مسلم بن جندب الهذلي
كنت مع النميري وقد قتل الحجاج عبد الله بن الزبير وجلس يدعو الناس للبيعة فتأخر النميري حتى كان في آخرهم فدعا به ثم قال له إن مكانك لم يخف علي ادن فبايع
ثم قال له أنشدني ما قلت في زينب قال ما قلت إلا خيرا قال لتنشدني فأنشده قوله
( تَضوّع مسكاً بطنُ نَعْمانَ إذ مشتْ ... به زينتُ في نسوة عَطِرات )
( أعان الذي فوقَ السموات عرشُه ... مَواشيَ بالبَطْحاء مؤتجِرات )
( يخمِّرن أطرافَ الأكُفّ من التُّقَى ... ويخرُجْن جُنْحَ الليل معتجرات )
فما ذكرت أيها الأمير إلا كرما وخيرا وطيبا قال فأنشد كلمتك كلها فأنت آمن فأنشده حتى بلغ إلى قوله
( ولمّا رأتْ ركبَ النُّمَيريّ راعها ... وكُنّ منَ أن يَلْقَيْنه حَذِراتِ )
فقال له وما كان ركبك قال والله ما كان إلا أربعة أحمرة تحمل القطران فضحك الحجاج وأمره بالإنصراف ولم يعرض له
هربه من الحجاج
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن الخليل بن أسد عن العمري عن عطاء عن عاصم بن الحدثان قال كان ابن نمير الثقفي يشبب بزينب بنت يوسف بن الحكم فكان الحجاج يتهدده ويقول لولا أن يقول قائل صدق لقطعت لسانهفهرب إلى اليمن ثم ركب بحر عدن وقال في هربه
( أَتَتْني عن الحَجّاج والبحرُ بيننا ... عقاربُ تَسْرِي والعيونُ هواجعُ )
( فضِقْتُ بها ذَرْعاً وأجهشتُ خِيفةً ... ولم آمَنِ الحَجَاجَ والأمرُ فاظع )
( وحلَّ بي الخطبُ الذي جاءني به ... سميعُ فليستْ تستقرّ الأضالع )
( فبِتُّ أُدير الأمرَ والرأيَ ليلتي ... وقد أخضلتْ خدِّي الدموعُ التوابع )
( ولم أر خيراً لي من الصبر إنه ... أعفُّ وخيرٌ إذ عَرَتْني الفواجع )
( وما أَمِنتْ نفسي الذي خفتُ شرَّه ... ولا طاب لي مما خَشِيتُ المضاجع )
( إلى أن بدا لي رأس إسْبِيلَ طالعاً ... وإسبيلُ حصن لم تَنَلْه الأصابع )
( فلي عن ثَقيفٍ إن هممتُ بنَجْوة ... مَهامِهُ تَهْوِي بينهنّ الهَجارع )
( وفي الأرض ذات العَرْض عنك ابن يوسف ... إذا شئتُ مَنْأىً لا أبا لكَ واسع )
( فإن نِلْتَني حَجّاجُ فاشتفِ جاهداً ... فإنّ الذي لا يحفظ اللَّهُ ضائع )
فطلبه الحجاج فلم يقدر عليه وطال على النميري مقامه هاربا واشتاق إلى وطنه فجاء حتى وقف على رأس الحجاج فقال له إيه يا نميري أنت القائل
( فإن نلتَني حَجَّاجُ فاشْتَفِ جاهداً ... )
فقال بل أنا الذي أقول
( أخاف من الحَجّاج ما لستُ حائفاً ... من الأسد العِرْباض لم يَثْنِه ذُعْرُ )
( أخاف يدَيْه أن تنالا مَقاتلي ... بأبيضَ عَضْبٍ ليس من دونه سِتْر )
وأنا الذي أقول
( فهأنذا طَوَّفْتُ شَرْقاً ومَغْرِباً ... وأُبْتُ وقد دَوّخت كلَّ مكان )
( فلو كانت العَنْقَاء منكَ تَطير بي ... لخِلْتك إلا أن تَصُدّ تراني )
قال فتبسم الحجاج وأمنه وقال له لا تعاود ما تعلم وخلى سبيله
زواج زينب أخت الحجاج
رجع الخبر إلى رواية حماد بن إسحاق
قال حماد فحدثني أبي قال ذكر المدائني وغيره أن الحجاج عرض على زينب أن يزوجها محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل وهو ابن سبع عشرة سنة وهو يومئذ أشرف ثقفي في زمانه أو الحكم بن أيوب بن أبي الحكم بن عقيل وهو شيخ كبير فاختارت الحكم فزوجها إياه فأخرجها إلى الشام
وكان محمد بن رياط كريها وهو يومئذ يكري
فلما ولي الحجاج العراق استعمل الحكم بن أيوب على البصرة فكلمته زينب في محمد بن رياط فولاه شرطته بالبصرة
فكتب إليه الحجاج إنك وليت أعرابيا جافيا شرطتك وقد أجزنا ذلك لكلام من سألك فيه قال ثم أنكر الحكم بعض تعجرفه فعزله
ثم استعمل الحجاج الحكم بن سعد العذري على البصرة وعزل الحكم بن أيوب عنها واستقدمه لبعض الأمر ثم رده بعد ذلك إلى البصرة وجهزه من ماله
فلما قدم البصرة هيأت له زينب طعاما وخرجت متنزهة إلى بعض البساتين ومعها نسوة فقيل لها إن فيهن امرأة لم ير أحسن ساقا منها فقالت لها زينب أريني ساقك فقالت لا إلا بخلوة فقالت ذاك لك فكشفته لها فأعطتها ثلاثين دينارا وقالت اتخذي منها خلخالا
قال وكان الحجاج وجه بزينب مع حرمه إلى الشام لما خرج ابن الأشعث خوفا عليهن فلما قتل ابن الأشعث كتب إلى عبد الملك بن مروان بالفتح وكتب مع الرسول كتابا إلى زينب يخبرها الخبر فأعطاها الكتاب وهي راكبة على بغلة في هودج فنشرته تقرؤه وسمعت البغلة قعقعة الكتاب فنفرت وسقطت زينب عنها فاندق عضداها وتهرا جوفها فماتت
وعاد إليه الرسول الذي نفذ بالفتح بوفاة زينب فقال النميري يرثيها
صوت
( لزينبَ طَيفٌ تَعتريني طوارقُه ... هُدوءاً إذا النجم ارْجَحنّتْ لواحقُهْ )( سَيبكيكِ مِرْنانُ العشيّ يُجيبه ... لَطيفُ بنان الكفِّ دُرْمٌ مَرافقه )
( إذا ما بِساطُ اللهو مُد وأُلقيتْ ... لِلّذّاته أنماطُه ونمارقُه )
غناه معبد ولحنه ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وما بقي من شعره من الأغاني في نسيب النميري لم نذكر طريقته وصانعه لنذكر أخباره معه
صوت
( تَضوع مسكاً بطنُ نَعْمان أنْ مشتْ ... به زينبٌ في نسوة خَفِراتِ )
( مَرَرْن بفَخٍّ رائحاتٍ عشيةً ... يُلبِّين للرحمن مُعتمِرات )
الغناء لإبن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني عن عبد الله بن مسلم الفهري قال خرج عبد الله بن جعفر متنزها فصادف ابن سريج وعزة الميلاء متنزهين
فأناخ ابن جعفر راحلته وقال لعزة غنيني فغنته ثم قال لإبن سريج غنني يا أبا يحيى فغناه لحنه في شعر النميري
( تَضَوّع مسكاً بطنُ نَعْمان أن مشتْ ... )
فأمر براحلته فنحرت وشق حلته فألقى نصفها على عزة والنصف الآخر على ابن سريج فباع ابن سريج النصف الذي صار إليه بمائة وخمسين دينارا
وكانت عزة إذا جلست في يوم زينة أو مباهاة ألقت النصف الآخر عليها تتجمل به
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحسن بن علي بن منصور قال أخبرني أبو عتاب عن إبراهيم بن محمد بن العباس المطلبي أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة مكة فسمع الأخضر الحربي يتغنى في دار العاص بن وائل
( تَضوّع مسكاً بطنُ نعمانَ إذ مشت ... به زينبٌ في نسوة خَفِراتِ )
فضرب برجله وقال هذا والله مما يلذ استماعه ثم قال
( وليست كأخرى أوسعت جيبَ دِرْعِها ... وأبدت بنانَ الكفّ للجَمَراتِ )
( وعَلّت بَنان المسك وَحْفاً مرجَّلا ... على مثل بَدْرٍ لاح في الظلمات )
( وقامتْ تَرَاءى يومَ جَمْعِ فَأَفْتنتْ ... برؤيتها مَنْ راح من عَرَفاتِ )
قال فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب
عائشة بنت طلحة تستنشده شعره في زينب
أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله أخي الأصمعي عن عبد الله بن عمران الهروي وأخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثني محمد بن عبد الوهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله بن عمران الهروي قال لما تأيمت عائشة بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة وبالمدينة سنة وتخرج إلى مال لها عظيم بالطائف وقصر كان لها هناك فتتنزه فيه وتجلس بالعشيات فيتناضل بين يديها الرماة
فمر بها النميري الشاعر فسألت عنه فنسب لها فقالت ائتوني به فأتوها به فقالت له أنشدني مما قلت في زينب فامتنع عليها وقال تلك ابنة عمي وقد صارت عظاما بالية قالت أقسمت عليك بالله إلا فعلت فأنشدها قوله
( تضوّع مسكاً بطنُ نعمان أنْ مشتْ ... )
الأبيات فقالت والله ما قلت إلا جميلا ولا ذكرت إلا كرما وطيبا ولا وصفت إلا دينا وتقى أعطوه ألف درهم
فلما كانت الجمعة الأخرى تعرض لها فقالت علي به فأحضر فقالت له أنشدني من شعرك في زينب فقال لها أو أنشدك من شعر الحارث بن خالد فيك فوثب مواليها إليه فقالت دعوه فإنه أراد أن يستقيد لبنت عمه هات مما قال الحارث في فأنشدها
( ظَعَن الأميرُ بأحسن الخَلْقِ ... وغَدَوْا بلبّك مَطْلَع الشَّرْقِ )
فقالت والله ما ذكر إلا جميلا ذكر أني إذا صبحت زوجا بوجهي غدا بكواكب الطلق وأني غدوت مع أمير تزوجني إلى الشرق وأني أحسن الخلق في البيت ذي الحسب الرفيع أعطوه ألف درهم واكسوه حلتين ولا تعد لإتياننا بعد هذا يا نميري
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه
أن الرشيد غضب على إبراهيم أبيه بالرقة فحبسه مدة ثم اصطبح يوما فبينا هو على حاله إذ تذكره فقال لو كان الموصلي حاضرا لانتظم أمرنا وتم سرورنا
قالوا يا أمير المؤمنين فجىء به فما له كبير ذنب فبعث فجيء به فلما دخل أطرق الرشيد فلم ينظر إليه وأومأ إليه من حضر بأن يغني فاندفع فغنى
( تَضَوّعَ مسكاً بطنُ نَعْمان أن مشتْ ... به زينبٌ في نِسْوة خَفِراتِ )
فما تمالك الرشيد أن حرك رأسه مرارا واهتز طربا ثم نظر إليه وقال أحسنت والله يا إبراهيم حلوا قيوده وغطوه بالخلع ففعل ذلك
فقال يا سيدي رضاك أولا قال لو لم أرض ما فعلت هذا وأمر له بثلاثين ألف درهم
ومما قاله النميري في زينب وغني فيه
صوت
( تَشْتو بمكة نَعْمةً ... ومَصِيفُها بالطائِف )( أَحْبِبْ بتلك مواقفاً ... وبزينبٍ مِنْ واقف )
( وعَزيزة لم يَغْدُها ... بؤسٌ وجفوةُ حائف )
( غَرَّاء يَحْكيها الغزالُ ... بمُقلةٍ وسَوَالف )
الغناء ليحيى المكي خفيف رمل عن الهشامي وذكر عمرو بن بانة أنه لإبن سريج وأنه بالبنصر ورغم الهشامي أن فيه لإبن المكي أيضا لحنا من الثقيل الأول
ومن الغناء في أشعاره في زينب
صوت
( ألاَ مَنْ لقلبٍ مُعَنّىً غَزِلْ ... يُحِبّ المُحِلَّةَ أختَ المُحِلّ )
( تراءتْ لنا يومَ فرع الاراك ... بين العِشاء وبين الأُصُل )
( كأنّ القَرَنْفُلَ والزَّنْجَبِيلَ ... وريحَ الخُزَامَى وذوْبَ العسل )
( يُعَلّ به بَرْدُ أَنْيَابِها ... إذا ما صفا الكوكبُ المعتدل )
الغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر يونس لمالك فيه لحنا في
( كأن القرَنْقُلَ وَالزَّنْجبيل ... )
والبيت الذي بعده وبيتين آخرين وهما
( وقالت لجارتها هل رأيتِ ... إذْ أعرَض الركبُ فِعْلَ الرجلْ )
( وأنّ تَبَسُّمَه ضاحكاً ... أجَدّ اشتياقاً لقلب غَزِل )
وذكر حماد عن أبيه أن فيها للهذلي لحنا ولم يذكر طريقته
المحل الذي عناه النميري ها هنا الحجاج بن يوسف سمي بذلك لإحلاله الكعبة وكان أهل الحجاز يسمونه بذلك
ويسمي أهل الشأم عبد الله بن الزبير المحل لأنه أحل الكعبة زعموا أنه بمقامه فيها وكان أصحابه أحرقوها بنار إستضاؤوا بها
فأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي وبلغني أن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس تزوج أسماء بنت يعقوب امرأة من ولد عبد الله بن الزبير فزفت إليه من المدينة وهو بفارس فمرت
بالأهواز على السيد الحميري فسأله عنها فنسبت له فقال فيها قوله
( مرّتْ تُزَفّ على بغلة ... وفوق رِحالتها قُبّهْ )
( زُبيريّةٌ من بنات الذي ... أحلّ الحرامَ من الكعبة )
( تُزفّ إلى ملكٍ ماجدٍ ... فلا اجتمعا وبها الوَجْبه )
وقد قيل بأن الأبيات اللامية التي أولها
( ألاَ مَنْ لقلبٍ معنىً غَزِل ... ) لخالد بن يزيد بن معاوية في زوجته رملة بنت الزبير وقيل إنها لأبي شجرة السلمي
حدثني الحسين بن الطيب البلخي لالشاعر قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب المعولي قال كنت عند ابن سيرين فجاءه إنسان يسأله عن شيء من الشعر قبل صلاة العصر فأنشده ابن سيرين
( كأنّ المُدامةَ والزنجبيلَ ... وريحَ الخُزامَى وذُوْبَ العَسلْ )
( يُعَلّ به بَرْدُ أنيابها ... إذا النجم وَسْطَ السماء اعتدا )
وقال الله أكبر ودخل في الصلاة
صوت
من المائة المختارة
( يا قلبُ ويحكَ لا يذهبْ بك الخُرُق ... إنّ الأُلىَ كنتَ تَهْواهم قد انطلقوا )ويروى يذهب بك الحرق
( ما بالهم لم يُبالوا إذ هجَرْتَهُمُ ... وأنت من هجرتهم قد كدتَ تحترقُ )
الشعر لوضاح اليمن والغناء لصباح الخياط ولحنه المختار ثقيل أول بالوسطى في مجراها
وفي أبيات من هذه القصيدة ألحان عدة فجماعة من المغنين قد خلطوا معها غيرها من شعر الحارث بن خالد ومن شعر ابن هرمة فأخرت ذكرها
إلى أن تنقضي أخبار وضاح ثم أذكرها بعد ذلك إن شاء الله تعالى
أخبار وضاح اليمن ونسبه
وضاح لقب غلب عليه لجماله وبهائه واسمه عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال بن داذ بن أبي جمدثم يختلف في تحقيق نسبه فيقول قوم إنه من أولاد الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز لنصرة سيف بن ذي يزن على الحبشة
ويزعم آخرون أنه من آل خولان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب وهو المرعف بن قحطان
فممن ذكر أنه من حمير خالد بن كلثوم قال كان وضاح اليمن من أجمل العرب وكان أبوه إسماعيل بن داذ بن ابي جمد من آل خولان بن عمرو بن معاوية الحميري
فمات أبوه وهو طفل فانتقلت أمه إلى أهلها وانقضت عدتها فتزوجت رجلا من أهلها من أولاد الفرس
وشب وضاح في حجر زوج أمه فجاء عمه وجدته أم أبيه ومعهم جماعة من أهل بيته من حمير ثم من آل ذي قيفان ثم من آل ذي جدن يطلبونه فادعى زوج أمه أنه ولده
فحاكموه فيه وأقاموا البينة أنه ولد على
فراش إسماعيل بن عبد كلال أبيه فحكم به الحاكم لهم وقد كان اجتمع الحميريون والأبناء في أمره وحضر معهم
فلما حكم به الحاكم للحميريين مسح يده على رأسه وأعجبه جماله وقال له إذهب فأنت وضاح اليمن لا من أتباع ذي يزن يعني الفرس الذين قدم بهم ابن ذي يزن لنصرته فعلقت به هذه الكلمة منذ يومئذ فلقب وضاح اليمن
قال خالد وكانت أم داذ بن أبي جمد جدة وضاح كندية فذلك حيث يقول في بنات عمه
( إن قلبي مُعَلَّق بنساء ... واضحاتِ الخدود لَسْن بُهْجنِ )
( مِنْ بنات الكريم داذَ وفي كندَةَ ... يُنسبن من أُباة اللَّعْن )
وقال أيضا يفتخر بجده أبي جمد
( بَنَى ليَ إسماعيلُ مجداً مُؤثَّلاً ... وعبدُ كُلال بعده وأبو جَمَدْ )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه قال
كان وضاح اليمن والمقنع الكندي وأبو زبيد الطائي يردون مواسم العرب مقنعين يسترون وجوههم خوفا من العين وحذرا على أنفسهم من النساء لجمالهم
قال خالد بن كلثوم فحدثت بهذا الحديث مرة وأبو عبيدة معمر بن المثنى حاضر ذلك وكان يزعم أن وضاحا من الأبناء فقال أبو عبيدة داذ اسم فارسي
فقلت له عبد كلال اسم يمان وأبو جمد كنية يمانية والعجم لا تكتني وفي اليمن جماعة قد تسموا بأبرهة وهو اسم حبشي فينبغي أن تنسبهم إلى الحبشة وأي شيء يكون إذا سمي عربي بإسم فارسي وليس كل من كني أبا بكر هو الصديق ولا من سمي عمرا هو الفاروق وإنما الأسماء علامات ودلالات لا توجب نسبا ولا تدفعه قال فوجم أبو عبيدة وأفحم فما أجاب
وممن زعم أنه من أبناء الفرس ابن الكلبي ومحمد بن زياد الكلابي
وقال خالد بن كلثوم إن أم إسماعيل أبي الوضاح بنت ذي جدن وأم أبيه بنت فرعان ذي الدروع الكندي من بني الحارث بن عمرو
شعره في حبيبته روضة
وكان وضاح يهوى امرأة من أهل اليمن يقال لها روضة أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال ذكر هشام بن الكلبي أنها روضة بنت عمرو من ولد فرعان ذي الدروع الكندي
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني محمد بن سعيد الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش أن وضاحا هوي امرأة من بنات الفرس يقال لها روضة فذهبت به كل مذهب
وخطبها فامتنع قومها من تزويجه إياها وعاتبه أهله وعشيرته فقال في ذلك
صوت
( يأيها القلبُ بعضَ ما تجِدُ ... قد يعشَق المرءُ ثم يتَئَّدُ )( قد يكتم المرءُ حبَّه حِقَباً ... وهُوَ عَميدٌ وقلبُه كَمِد )
( ماذا تريدين من فتىً غَزِلٍ ... قد شَفّه السُّقْمُ فيكِ والسَّهَد )
( يهدِّدوني كيما أخافَهُم ... هيهات أَنّي يُهَدَّد الأسد )
الغناء لإبن محرز خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيها لحن لإبن عباد من كتاب إبراهيم غير مجنس
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني سالم بن زيد قال أخبرني التوزي قال حدثنا الأصمعي عن الخليل بن أحمد قال كان وضاح يهوى امرأة من كندة يقال لها روضة فلما اشتهر أمره معها خطبها فلم يزوجها وزوجت غيره فمكثت مدة طويلة
ثم أتاه رجل من بلدها فأسر إليه شيئا فبكى
فقال له أصحابه مالك تبكي وما خبرك فقال أخبرني هذا أن روضة قد جذمت وأنه رآها قد ألقيت مع المجذومين
ولم نجد لهما
خبرا يرويه أهل العلم إلا لمعا يسيرة وأشياء تدل على ذلك من شعره فأما خبر متصل فلم أجده إلا في كتاب مصنوع غث الحديث والشعر لا يذكر مثله
وأصابها الجذام بعد ذلك فانقطع ما بينهما ثم شبب بأم البنين بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك فقتله الوليد لذلك
وأخبارهما تذكر في موضعها بعقب هذه الحكاية
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا مصعب بن عبد الله قال كان وضاح اليمن يهوى امرأة يقال لها روضة ويشبب بها في شعره وهي امرأة من أهل اليمن وفيها يقول
صوت
( يا رَوْضة الوضّاح قد ... عَنّيتِ وضّاحَ اليمنْ )
( فاسقي خليلَك مِنْ شرابٍ ... لم يُكدِّره الدَّرَن )
( الريحُ ريح سَفَرْجَلٍ ... والطعمُ طعم سُلاَفٍ دَنّ )
( إني تُهيِّجني إليكِ ... حمامتان على فَنَن )
قال مصعب فحدثني بعض أهل العلم ممن كان يعرف خبر وضاح مع روضة من أهل اليمن أن وضاحا كان في سفر مع أصحابه فبينا هو يسير إذ استوقفهم وعدل عنهم ساعة ثم عاد إليهم وهو يبكي
فسألوه عن حاله فقال عدلت إلى روضة وكانت قد جذمت فجعلت مع المجذومين وأخرجت من بلدها فأصلحت من شأنها وأعطيتها صدرا من نفقتي وجعل يبكي غما بها
الغناء في الأبيات المذكورة في هذا الخبر ينسب مع تمام الأبيات فإن في جميعها غناء
ومما قاله وضاح في روضة المذكورة وفيه غناء وأنشدنا حرمي عن الزبير عن عمه
صوت
( أيا روضةَ الوَضّاح يا خيرَ رَوْضةٍ ... لأهلكِ لو جادوا علينا بمنزلِ )( رهينُك وَضّاحٌ ذهبتِ بعقله ... فإن شئتِ فاحييه وإن شئت فاقتلي )
( وتُوقد حِيناً باليَلَنْجُوج نارَها ... وتوقِد أحياناً بمسك ومَنْدَل )
والأبيات الأول النونية فيها زيادة على ما رواه مصعب وفي سائرها غناء وتمامها بعد قوله
( إني تُهيّجني إليكِ ... حمامتان على فَنَن )
( الزوج يدعو إلفَه ... فتطاعما حُبَّ السكنْ )
( لا خيرَ في نَثّ الحديث ... ولا الجليس إذا فَطَن )
( فاعْصِي الوُشاةَ فإِنما ... قول الوشاة هو الغَبَن )
( إنّ الوُشاة إذا أتوكِ ... تَنَصّحوا ونَهَوْكِ عَنّ )
( دَسّت حُبَيبةُ مَوْهِناً ... إني وعيشكِ يا سَكَن )
( أبلغتُ عنكِ تبدُّلاً ... وأتى بذلك مُؤتَمَن )
( وظننتُ أنكِ قد فعلت ... فكِدْتُ من حَزَن أُجنّ )
( ذَرَفتْ دموعي ثم قلت ... بمَنْ يبادلني بمن )
( أُسكُتْ فلستَ مُصدَّقاً ... ما كان يفعل ذا أظن )
( إني وجَدِّكَ لو رأيت ... خليلَنا ذاك الحسن )
( يجفوه ثم يحبنا ... والله مِتُّ من الحَزَن )
( أَخبرْه إمّا جئتَه ... أنّ الفؤاد به يُجَنّ )
( أَبغضت فيه أحبّتي ... وقَلَيْت أهلِي والوطن )
( أتركتَني حتى إذا ... عُلِّقت أبيض كالشَّطَن )
( أنشأتَ تطلب وَصْلَنا ... في الصيف ضَيَّعت اللبن )
هكذا قال وغيره يرويه في الصيف ضيحت اللبن أي مذقته قال
( لو قيل يا وضّاح قم ... فاختر لنفسك أو تَمَنّ )
( لم أعْدُ رَوْضةَ والذي ... ساق الحجيج له البُدُن )
الغناء في الأول من القصيدة وهو يا روضة الوضاح ينسب إن شاء الله وله في روضة هذه أشعار كثيرة في أكثرها صنعة وبعضها لم يقع إلي أنه صنع فيه فمن قوله فيها
صوت
( يا روضُ جيرانكم الباكرُ ... فالقلبُ لا لاهٍ ولا صابرُ )
( قالت ألا لا تَلِجَنْ دارَنا ... إنّ أبانا رجلٌ غائر )
( قلت فإني طالبٌ غِرّةً ... منه وسَيفي صارمٌ باتر )
( قالت فإن القَصْرَ مِنْ دوننا ... قلتُ فإِني فوقه ظاهر )
( قالت فإن البحرَ مِنْ دوننا ... قلت فإِني سابحٌ ماهر )
( قالت فَحَوْلي إخوةٌ سبعةٌ ... قلت فإِني غالبٌ قاهر )
( قالت فليثٌ رابضٌ بيننا ... قلت فإِني أسدٌ عاقر )
( قالت فإِن الله من فوقنا ... قلت فربّي راحمٌ غافر )
( قالت لقد أعييتَنا حُجّةً ... فَأْتِ إذا ما هَجع السامر )
( فاسقُط علينا كسقوط النَّدَى ... ليلَةَ لا ناهٍ ولا زاجز )
الغناء في هذه الأبيات هزج يمني وذكر يحيى المكي أنه له
وقال في روضة وهو بالشام
( أَبَتْ بالشام نفسي أن تطيبَا ... تذكَرتُ المنازلَ والحبيبَا )
( تذكّرتُ المنازلَ من شَعُوب ... وحَيّاً أصبحوا قُطِعوا شُعوبا )
( سَبَوا قلبي فَحلّ بحيث حَلُّوا ... ويُعظم إن دَعَوْا ألاّ يُجيبا )
( ألاى ليت الرياحَ لنا رسولٌ ... إليكم إنْ شَمَالاً أو جَنُوبا )
( فتأتِيَكم بما قلنا سريعاً ... ويبلُغَنا الذي قلتم قريبا )
( ألاَ يا رَوْض قد عَذّبتِ قلبي ... فأصبح من تذكُّركم كئيبا )
( ورقّقني هواكِ وكنتُ جَلْداً ... وأَبْدَى في مَفارِقَيَ المَشيبا )
( أمَا يُنسيكَ روضةَ شحطُ دارٍ ... ولا قربٌ إذا كانت قريبا )
ومما قال فيها أيضا
( طَرِب الفؤاد لطَيْفِ روضةَ غاشِي ... والقومُ بين أباطِحٍ وعِشَاشِ )
( أَنَّى اهتديتِ ودون أرضِك سَبْسبٌ ... قَفْرٌ وحَزْنٌ في دُجىً ورِشاَش )
( قالت تكاليفُ المحبّ كَلِفْتُها ... إنّ المُحبّ إذا أُخيف لمَاشي )
( أدعوكِ روضة رحب واسمك غيرُه ... شَفَقاً وأخشى أن يَشِي بِك واشي )
( قالت فُزُرْنا قلتُ كيف أزورُكم ... وأنا امرؤ لخُروج سرّك خاشي )
( قالت فكُنْ لعمومتي سَلِماً معاً ... والطُفْ لإِخوتيَ الذين تُماشي )
( فتزورنا معهم زيارةَ آمنٍ ... والسرُّ يا وضّاح ليس بفاشي )
( ولَقِيتُها تمشي بأبطَحَ مرّة ... بخلاخلٍ وبحُلَةًٍ أكْباش )
( فظلْلِتُ معمودًا وبت مُسَهَّدًا ... ودموع عيني في الرداء غَواشي )
( يا روض حبُّك سَلّ جسمي وانتحى ... في العظم حتى قد بلغتِ مُشاشي )
ومما قال فيها أيضا
( طَرَق الخيالُ فمرحباً سهلاَ ... بخيال مَنْ أهدى لنا الوصْلاَ )
( وسَرى إليّ ودون منزله ... خمسٌ دوائمُ تُعمِل الإِبْلا )
( يا حبّذا مَنْ زار معتسفاً ... حَزْنَ البلاد إليّ والسَّهْلا )
( حتى ألمّ بنا فبِتُّ به ... أَغْنَى الخلائق كلِّهم شَمْلا )
( يا حبذا هي حسبك قدك في ... والله ما أبقيت لي عقلا )
( والله ما لي عنكِ مُنْصَرَفٌ ... إلا إليكِ فأَجْمِلي الفِعْلا )
رأته أم البنين فهويته
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا القاسم بن الحسن المروزي قال حدثنا العمري عن لقيط والهيثم بن عدي أن أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان استأذنت الوليد بن عبد الملك في الحج فأذن لها وهو يومئذ خليفة وهي زوجتهفقدمت مكة ومعها من الجواري ما لم ير مثله حسنا
وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعا إن ذكرها أحد منهم أو ذكر أحدا ممن تبعها وقدمت فتراءت للناس وتصدى لها أهل الغزل والشعر ووقعت عينها على وضاح اليمن فهويته
فحدثنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير ابن بكار قال حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن محمد بن جعفر مولى أبي هريرة عن أبيه عن بديح قال قدمت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهي عند الوليد بن عبد الملك حاجة والوليد يومئذ خليفة
فبعثت إلى كثير وإلى وضاح اليمن أن انسبا بي فأما وضاح اليمن فإنه ذكرها وصرح بالنسيب بها فوجد الوليد عليه السبيل فقتله وأما كثير فعدل عن ذكرها ونسب بجاريتها غاضرة فقال
صوت
( شجا أَظْعانُ غاضرةَ الغَوَادي ... بغير مَشُورة عَرَضاً فؤادِي )( أغاضر لو شهدتِ غداةَ بِنْتم ... حُنُوَّ العائدات على وِسادي )
( أَوَيْتِ لعاشق لم تشكُميه ... بواقدةٍ تلذِّعُ كالزناد )
الغناء في هذه الأبيات لإبن محرز ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحبش قال بديح فكنت لما حجت أم البنين لا تشاء أن ترى وجها حسنا إلا رأيته معها
فقلت لعبيد الله بن قيس الرقيات بمن تشبب من هذا القطين فقال لي
( وما تصنع بالسرّ ... إذا لم تك مجنوناَ )
( إذا عالجتَ ثِقْل الحبّ ... عالجت ألأمَرِّينا )
( وقد بُحتَ بأمرٍ كان ... في قلبيَ مكنونا )
( وقد هِجْتَ بما حاولْتَ ... أمراً كان مدفونا )
قال ثم خلا بي فقال لي اكتم علي فإنك موضع للأمانة وأنشدني
صوت
( أصحوتَ عن أمّ البنينَ ... وذكرِها وعنَائها )( وهجرتَها هجرَ امرئ ... لم يَقْلُ صفوَ صفائها )
( قُرشيّةٌ كالشمس أشرق ... نورُها ببهائها )
( زادتْ على البِيض الحِسان ... بحسنها ونقائها )
( لمَا اسبكَّرتْ للشباب ... وقُنّعت بردائها )
( لم تلتفت لِلداتها ... ومضتْ على غُلوائها )
( لولا هَوَى أمِّ البنينَ ... وحاجتي للقائها )
( قد قرّبت لي بغلةً ... محبوسة لنَجائها )
قال بديح فلما قتل الوليد وضاح اليمن حجت بعد ذلك أم البنين محتجبة لا تكلم أحدا وشخصت كذلك فلقيني ابن قيس الرقيات فقال يا بديح
صوت
( بان الحبيبُ الذي به تَثِقُ ... وإشتدّ دون الحبيبةَ القَلَقُ )
( يا من لصَفْراء في مفاصلها ... لِينٌ وفي بعض بطشها خُرُق )
وهي قصيدة قد ذكرت مع أخبار ابن قيس الرقيات
الغناء في الأبيات الأول التي أولها
( أصحوتَ عن أُمّ البنين ... )
ينسب في موضع آخر إن شاء الله
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة قال حدثني كثير قال حججت مع أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهي زوجة الوليد بن عبد الملك فأرسلت إلي وإلى وضاح اليمن أن انسبا بي فهبت ذلك ونسبت بجاريتها غاضرة فقلت
( شجا أظعانُ غاضرة الغَوَادِي ... بغير مَشُورة عَرَضاً فؤادي )
( أغاضر لو شهدت غداةَ بِنْتم ... حُنُوّ العائدات على وسادي )
( أَوَيْتِ لعاشقٍ لم تشكُميه ... بواقدةٍ تلذِّع كالزناد )
وأما وضاح فنسب بها فبلغ ذلك الوليد فطلبه فقتله
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثني أبو عمر العمري عن العتبي قال مدح وضاح اليمن الوليد بن عبد الملك وهو يومئذ خليفة ووعدته أم
البنين بنت عبد العزيز بن مروان أن ترفده عنده وتقوي أمره فقدم عليه وضاح وأنشده قوله فيه
صوت
( صبا قَلبي ومال إليكِ مَيْلاَ ... وأرّقني خيالُكِ يا أُثيْلا )
( يُمانَيةٌ تُلِمّ بنا فُتْبدِي ... دقيقَ محاسنٍ وتُكنّ غَيْلا )
( دَعِينا ما أممتُ بنات نَعْشٍ ... من الطَّيْف الذي يَنتاب ليلا )
( ولكنْ إن أردتِ فَصبِّحينا ... إذا أمَّتْ ركائبنُا سُهيلا )
( فإِنك لو رأيتِ الخيل تعدو ... سِرَاعا يتخذن النَّقْع ذَيْلا )
( إِذاً لرأيتِ فوقَ الخيل أُسْداً ... تُفيد مغانماً وتُفيت نَيْلا )
( إِذا سار الوليدُ بنا وسِرْنا ... خيل نَلُفّ بهنّ خَيْلا )
( ونَدخل بالسرور ديارَ قوم ... ونُعِقب آخرين أذىً ووَيْلا )
فأحسن الوليد رفده وأجزل صلته ومدحه بعدة قصائد ثم نمي إليه أنه شبب بأم البنين فجفاه وأمر بأن يحجب عنه ودبر في قتله
ومدحه وضاح بقوله أيضا
( ما بال عينكَ لا تَنام كأنما ... طلب الطبيبُ بها قَذىً فأضلَّهُ )
( بل ما لقلبك لا يزال كأنه ... نَشوانُ أَنْهله النديمُ وعَلَّه )
( ما كنت أحسَب أنْ أبيتَ ببلدةٍ ... وأَخي بأُخْرى لا أحُلُّ مَحلُّه )
( كنّا لعَمْرُك ناعمين بغبطةٍ ... مع ما نُحبّ مَبِيتَه ومَظَلَّه )
( فأَرى الذي كنّا وكان بغِرّة ... نلهوا بِغرّته ونهوىَ دَلّه )
( كالطيف وافق ذا هوىً فلَها به ... حتى إِذا ذهب الرقاد أضلّه )
( قل للذي شَعف البلاءُ فؤادَه ... لا تهلكنّ أخاً فربّ أخ له )
( والقَ ابن مَروان الذي قد هزّه ... عِرق المكارم والنّدى فأقلّه )
( واشْكُ الذي لاقيته من دونه ... وانشُرْ إليه داءَ قلبك كلَّه )
( فعلى ابن مَرْوان السلامُ من امرئ ... أمسى يذوق منَ الرُّقاد أقلّه )
( شوقاً إليك فما تنالك حالُه ... وإذا يَحُلّ البابَ لم يُؤذن له )
( فإِليك أعملتُ المطايا ضُمَّراً ... وقطعتُ أَرْواحَ الشتاء وظِلّه )
( وليالياً لو أنّ حاضرَ بَثّها ... طرف القضيب أصابه لأشلّه )
فلم يزل مجفوا حتى وجد الوليد له غرة فبعث إليه من اختلسه ليلا فجاءه به فقتله ودفنه في داره فلم يوقف له على خبر
الوليد يدفنه حيا
وقال خالد بن كلثوم في خبره كان وضاح قد شبب بأم البنين بنت عبد العزيز بن مروان إمرأة الوليد بن عبد الملك وهي أم ابنة عبد العزيز بن الوليد والشرف فيهمفبلغ الوليد تشببه بها فأمر بطلبه فأبى به فأمر بقتله فقال له ابنه عبد العزيز لا تفعل يا أمير المؤمنين فتحقق قوله ولكن افعل به كما فعل معاوية بأبي دهبل فإنه لما شبب بإبنته
شكاه يزيد وسأله أن يقتله فقال إذاتحقق قوله ولكن تبره وتحسن إليه فيستحي ويكف ويكذب نفسه
فلم يقبل منه وجعله في صندوق ودفنه حيا
فوقع بين رجل من زنادقة الشعوبية وبين رجل من ولد الوليد فخار خرجا فيه إلى أن أغلظا المسابة وذلك في دولة بني العباس فوضع الشعوبي عليهم كتابا زعم فيه أن أم البنين عشقت وضاحا فكانت تدخله صندوقا عندها
فوقف على ذلك خادم الوليد فأنهاه إليه وأراه الصندوق فدفنه هكذا ذكر خالد بن كلثوم والزبير بن بكار جميعا
وأخبرني علي بن سليمان الأخفش في كتاب المغتالين قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن ابن الكلبي قال عشقت أم البنين وضاحا فكانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها فإذا خافت وارته في صندوق وأقفلت عليه
فأهدي للوليد جوهر له قيمة فأعجبه واستحسنه فدعا خادما له فبعث به معه إلى أم البنين وقال قل لها إن هذا الجوهر أعجبني فآثرتك به
فدخل الخادم عليها مفاجأة ووضاح عندها فأدخلته الصندوق وهو يرى فأدى إليها رسالة الوليد ودفع إليها الجوهر ثم قال يا مولاتي هبيني منه حجرا فقالت لا يابن اللخناء ولا كرامة
فرجع إلى الوليد فأخبره فقال كذبت يابن اللخناء وأمر به فوجئت عنقه ثم لبس نعليه ودخل على أم البنين وهي جالسة في ذلك البيت تمتشط وقد وصف له الخادم الصندوق الذي أدخلته فيه فجلس عليه ثم قال لها يا أم البنين ما أحب إليك هذا البيت
من بين بيوتك فلم تختارينه فقالت أجلس فيه وأختاره لأنه يجمع حوائجي كلها فأتناولها منه كما أريد من قرب
فقال لها هبي لي صندوقا من هذه الصناديق قالت كلها لك يا أمير المؤمنين قال ما أريدها كلها وإنما أريد واحدا منها فقالت له خذ أيها شئت قال هذا الذي جلست عليه قالت خذ غيره فإن لي في أشياء أحتاج إليها قال ما أريد غيره قالت خذه يا أمير المؤمنين
فدعا بالخدم وأمرهم بحمله فحمله حتى انتهى به إلى مجلسه فوضعه فيه ثم دعا عبيدا له فأمرهم فحفروا بئرا في المجلس عميقة فنحى البساط وحفرت إلى الماء
ثم دعا بالصندوق فقال يا هذا إنه بلغنا شيء إن كان حقا فقد كفناك ودفناك ودفنا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر وإن كان باطلا فإنا دفنا الخشب وما أهون ذلك ثم قذف به في البئر وعليه عليه التراب وسويت الأرض ورد البساط إلى حاله وجلس الوليد عليه ثم ما رئي بعد ذلك اليوم لوضاح أثر في الدنيا إلى هذا اليوم قال ما رأت أم البنين لذلك أثرا في وجه الوليد حتى فرق الموت بينهما
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب بن عبد الله قال مرضت أم البنين ووضاح مقيم بدمشق وكان نازلا عليها فقال في علتها
صوت
( حتّامَ نَكْتُم حزنَنا حتَاما ... وعَلاَم نستبقي الدموعَ علاماَ )( إن الذي بي قد تفاقم واعتلى ... ونما وزاد وأَوْرّث الأسقاما )
( قد أصبحت أمُّ البنين مريضةً ... نَخشى ونُشفق أن يكون حِماما )
( يا ربّ أَمْتِعْنِي بطول بقائها ... واجبرُ بها الأرمال والأيتاما )
( واجبر بها الرجلَ الغريب بأرضها ... قد فارق الأخوالَ والأعماما )
( كم راغبين وراهبين وبُؤّسٍ ... عُصموا بقرب جَنابها إعصاما )
( بجناب ظاهرة الثَّنَا محمودةٍ ... لا يُستطاع كلامُها إعظاما )
الغناء في الأول والثاني والثالث والرابع والخامس لحكم الوادي خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي وعبد الله بن موسى
ومما وجد في روايتي هارون بن الزيات وابن المكي في الرابع ثم الخامس ثم الأول والثاني لعمر الوادي خفيف رمل من رواية الهشامي
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب قال بلغ الوليد بن عبد الملك تشبب وضاح بأم البنين فهم بقتله
فسأله عبد العزيز ابنه فيه وقال له إن قتلته فضحتني وحققت قوله وتوهم الناس أن بينه وبين أمي ريبة
فأمسك عنه على غيظ وحنق حتى بلغ الوليد أنه قد تعدى أم البنين إلى أخته فاطمة بنت عبد الملك وكانت زوجة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وقال فيها
( بنتُ الخليفة والخليفة جَدُّها ... أختُ الخليفة والخليفة بعلُها )
( فَرِحتْ قوابلُها بها وتباشرتْ ... وكذاك كانوا في المَسرّة أهلُها )
فأحنق واشتد غيظه وقال أما لهذا الكلب مزدجر عن ذكر نسائنا وأخواتنا ولا
له عنا مذهب ثم دعا به فأحضر وأمر ببئر فحفرت ودفنه فيها حيا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح
( فما نوّلتْ حتى تَضَرّعتُ عندها ... وأعلمتُها ما رخَّص اللهُ في اللَّمَمْ )
قال فضحك وقال إن كان وضاح إلا مفتيا لنفسه وتمام هذه الأبيات
( ترجلّ وَضّاح وأَسْبل بعدما ... تَكَهّل حيناً في الكهول وما احتَلْم )
( وعُلَّق بيضاءَ العوارض طَفْلةً ... مُخضَّبة الأطراف طيِبّة النَّسَمْ )
( إذا قلتُ يوماً نَوّليني تبسّمتْ ... وقالت مَعَاذَ الله مِن فِعْل ما حَرُم )
( فما نَوّلتْ حتى تضرّعتُ عندها ... وأعلمتُها ما رَخّص اللهُ في اللَّمَم )
وضاح يرثي أباه وأخاه
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي في خبره الأول المذكور من أخبار وضاح مع أم البنين قال كان وضاح مقيما عند أم البنين فورد عليه نعي أخيه وأبيه فقال يرثيهما
( أَراعك طائرٌ بعد الخُفُوقِ ... بفاجعةٍ مُشنَّعة الطُّروقِ )
( نعمْ ولَهَاً على رجل عَميد ... أَظَلُّ كأنني شرِق بريقي )
( كأني إذ علمتُ بها هُدُوّاً ... هوتْ بي عاصفٌ من رأس نِيق )
( أُعَلُّ بَزفْرة من بَعْد أُخرى ... لها في القلب حَرٌّ كالحريق )
( وتَردُف عَبْرةٌ تَهتانَ أُخرى ... كفائض غَرْب نَضّاح فَتيق )
( كأني إذا أُكِفْكِفُ دمع عيني ... وأَنْهاها أقول لها هَريقي )
( ألاَ تلك الحوادث غِبْتُ عنها ... بأرض الشام كالفرد الغريق )
( فما أنفكُّ أنظر في كتاب ... تُداري النفسُ عنه هوَى زَهوق )
( يُخبِّر عن وفاة أخٍ كريم ... بعيدِ الغور نَفّاع طَليق )
( وقَرْمٍ يُعرض الخُصْمانُ عنه ... كما حاد البِكارُ عَنِ الفَنِيق )
( كريم يملأ الشِّيزَى ويَقْرِي ... إذا ما قلّ إيماضُ البُروقِ )
( وأعظم ما رُميتُ بهِ فَجُوعاً ... كتابٌ جاء من فَخٍّ عميق )
( يُخبِّر عن وفاة أخٍ فصبراً ... تَنجَّزْ وعدَ مَنّان صَدوق )
( سأصبر للقضاء فكل حيّ ... سيلقى سَكرة الموت المَذوق )
( فما الدنيا بقائمةٍ وفيها ... من الأحياء ذو عين رَموق )
( وللأحياء أيَامٌ تَقَضَّى ... يَلُفّ ختامُها سُوقاً بسُوق )
( فأغناهم كأعدمهم إذا ما ... تقضّتْ مُدّةُ العيش الرقيق )
( كذلك يُبعثون وهم فُرَادَى ... ليوم فيه تَوْفيةُ الحُقوق )
( أَبعدَ هُمَام قومك ذي الأيادي ... أَبى الوضّاح رَتَاق الفُتوق )
( وبعد عُبيدة المحمودِ فيهم ... وبَعد سَمَاعَة العَوْد العَتيق )
( وبعد ابن المفضَّل وابن كافٍ ... هما أخواك في الزمن الأنيق )
( تؤمَّل أن تعيش قرير عينٍ ... وأين أَمامَ طَلاَّبٍ لحُوق )
( ودنياك التي أمسيتَ فيها ... مزايلةُ الشقيق عن الشقيق )
ومما قاله في مرثية أهله وذكر الموت وغنى فيه وإنما نذكر منها ما فيه غناء لأنها طويلة
صوت
( مالكَ وَضَّاحُ دائمَ الغَزَلِ ... ألستَ تخشى تقَارُبَ الأجلِ )( صلِّ لذي العرش واتَّخِذْ قَدَماً ... تُنجيك يوم العِثار والزلَّل )
( يا موت ما إن تزال معترضاً ... لآملٍ دون منتهىَ الأَمل )
( لو كان مَنْ فرَّ منك منفلتاً ... إذاً لأسرعتُ رحلةَ الجَمل )
( لكنّ كفَّيْك نال طولُهما ... ما كَلَّ عنه نجائبُ الإِبل )
( تنال كفَّاك كلَّ مُسْهِلة ... وحُوتَ بحر ومَعْقِلَ الوَعِل )
( لولا حِذاري من الحُتُوف فقد ... أصبحتُ من خوفها على وَجَل )
( لكنتُ للقلبِ في الهوى تَبَعاً ... إنّ هواه ربائبُ الحَجَل )
( حِرْميّة تسكن الحجازَ لها ... شيخٌ غَيور يعتلّ بالعِلل )
( عُلّق قلبي ربيبَ بيت ملوكٍ ... ذاتَ قُرطين وَعْثَةَ الكَفَل )
( تَفْتَرُّ عن مَنْطِقٍ تَضَنّ به ... يَجري رُضاباً كذائب العسل )
وضاح يشبب بحبابة وبروضة
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني سليمان بن أبي أيوب عن مصعب قال قال وضاح اليمن في حبابة جارية يزيد بن عبد الملك وشاهدها بالحجاز قبل أن يشتريها يزيد وتصير إليه وسمع غناءها فأعجب بها إعجابا شديداصوت
( يا مَنْ لقلبٍ لا يُطيع ... الزاجرين ولا يُفيقْ )( تسلو قلوبُ ذوي الهوى ... وهو المكلَّف والمَشوقْ )
( تَبَلت حَبَابةُ قلبَه ... بالدَّلّ والشكل الأَنيقْ )
( وبعين أحورَ يرتعي ... سَقْط الكثيب من العقيقْ )
( مكحولة بالسحر تُنْشِي ... نشوةَ الخمر العَتيق )
( هيفاء إن هي أقبلتْ ... لاحت كطالعة الشروق )
( والردفُ مثلُ نقاً تلبّد ... فهوْ زُحلوق زَلُوق )
( في درّة الأصداف معتنقاً ... بها رَدْع الخَلوق )
( دَاوِي هوايَ وأَطْفِئي ... ما في الفؤاد من الحريق )
( وترفَّقي أَملي فقد ... كلّفتِني مالا أُطيق )
( في القلب منك جَوى المُحبّ ... وراحةٌ الصبّ الشفيق )
( هذا يقود برْمُتي ... قوداً إليك وذا يسوق )
( يا نفسُ قد كلّفتِني ... تَعَب الهوى منها فذوق )
( إن كنتِ تائقةً ... لحرّ ... صبابة منها فَتُوق )
ومما قاله في روضة وفيه عناء قوله
صوت
( يا لَقومي لِكثرة العذّال ... ولطيفٍ سرى مليحِ الدَّلالِ )
( زائر في قصور صنعاءَ يَسْري ... كلَّ أرض مخوفةٍ وجبالِ )
والغناء لإبن عباد عن الهشامي رمل وهذه الأبيات من قصيدة له في روضة طويلة جيدة يقول فيها
( يقطع الحَزْن والمَهَامهَ والبِيد ... ومِنْ دونه ثَمانُ ليالِي )
( عاتبٌ في المنام أحْبِبْ بعُتْباه ... إلينا وقولِه مِنْ مَقال )
( قلت أهلاً ومرحباً عَدَدَ القَطْر ... وسهلاً بَطيف هذا الخَيال )
( حبّذا مَنْ إذا خلونا نَجِيّاً ... قال أهلي لك الفِداء ومالي )
( وهي الهمّ والمُنى وهوى النفْس ... إذا اعتلّ ذو هوىً باعتلال )
( قِسْتُ ما كان قبلنا من هوى الناس ... فما قِسْتُ حبَّها بمثال )
( لم أجد حبَّها يُشاكله الحبّ ... ولا وَجْدنا كوَجْد الرجال )
( كل حبٍّ إذا استطال سيبلَى ... وهوَى روضةِ المُنى غيرُ بالي )
( لم يَزِدْه تقادُمُ العهد إلاّ ... جِدّةً عندنا وحسنَ احتلال )
( أيها العاذلون كيف عتابي ... بعد ما شاب مَفْرِقي وقَذالي )
( كيف عَذْلي على التي هي منّي ... بمكان اليمَين أُختِ الشِّمال )
( والذي أَحْرموا لَه وأحلّوا ... بمنىً صُبْحَ عاشرات الليالي )
( ما ملكتُ الهوى ولا النفسَ منّي ... مُنذ عُلَّقُتها فكيف احتالي )
( إن نأتْ كان نأيُها الموتَ صِرْفاً ... أو دنتْ لي فثَمّ يبدو خَبَالي )
( يابنة المالكيّ يا بَهْجة النفس ... أفي حبّكم يَحِلُّ أقتتالي )
( أيّ ذنب عليّ إن قلتُ إني ... لأُحِبّ الحجازَ حبَّ الزُّلال )
( لأُحِبّ الحجازَ مِنْ حبّ مَنْ فيه ... وأهوى حِلالَه من حِلال )
صوت
ومما فيه غناء من شعر وضاح( أيها النَّاعِبُ ماذا تقولُ ... فكلانا سائلٌ ومَسولُ )
( لا كساك الله ما عشتَ ريشاً ... وبخوفٍ بتَّ ثم تَقيل )
( ثم لا أَنْفَقْتَ في العُشّ فرخاً ... أبداً إلا عليك دليل )
( حين تُنبي أنّ هنداً قريبٌ ... يبلغُ الحاجاتِ منها الرسول )
( ونأت هند فَخَبَّرتَ عنها ... أن عهد الودّ سوف يزول )
ومنها
صوت
( حتيِّ التي أَقْصَى فؤادِكَ حَلّتِ ... علمتْ بأنك عاشقٌ فأدلّتِ )
( وإذا رأتك تقلقتْ أحشاؤُها ... شوقاً إليك فأكثرتْ وأَقَلَّت )
( وإِذا دخلتَ فأُغلِقتْ أبوابُها ... عزم الغيورُ حجابَها فاعتلّت )
( وإِذا خرجتَ بكتْ عليكَ صبابةً ... حتى تَبُلّ دموعُها ما بَلّت )
( إن كنتَ يا وضاحَ زرتَ فمرحباً ... رَحُبَت عليك بلادُنا وأظلّت )
الغناء لإبن سريج رمل بالوسطى عن عمرو وفيها ليحيى المكي ثاني ثقيل
بالوسطى من كتابه ولإبنه أحمد فيها هزج وذكر حبش أن ليحيى فيها أيضا خفيف ثقيل
ومنها
صوت
( أتعرف أطلالاً بَمَيْسرة اللِّوى ... إلى أَرْعب قد حالفتك به الصَّبَا )( فأهلاً وسهلاً بالتي حلّ حبُّها ... فؤادي وحلّت دارَ شَحْط من النَّوى )
الغناء فيه هزج يمني بالبنصر عن ابن المكي وهذه أبيات يقولها لأخيه سماعة وقد عتب عليه في بعض الأمور وفيها يقول
( أُبادر دُرْنوكَ الأمير وقُرْبَه ... لأُذْكَرَ في أهْل الكرامة والنُّهى )
( وأَتّبِع القُصّاصَ كلَّ عشيّةٍ ... رجاءَ ثواب الله في عَدد الخُطا )
( وأمستْ بقصر يضرب الماءُ سورَه ... وأصبحتُ في صنعاءَ ألتمس النَّدى )
( فمن مُبْلِغٌ عنّى سماعةَ ناهياً ... فإِن شئتَ فاقطعنا كما يُقْطَع السَّلَى )
( وإن شئتَ وصل الرِّحمْ في غير حيلة ... فعلنا وقُلْنا للذي تشتهي بَلى )
( وإن شئتَ صُرْماً للتفرُّق والنّوى ... فبُعْداً أدام الله تفرقةَ النّوى )
ومنها
صوت
( طرَق الخيالُ فمرحباً ألفاَ ... بالشاغفات قلوبَنا شَغْفاَ )
( ولقد يقول ليَ الطبيبُ وما ... نَبّأتُه من شأننا حَرفا )
( إني لأحسب أنّ داءَك ذا ... مِن ذي دَمَالَج يخضِب الكفّا )
( إني أنا الوضّاح إنْ تَصِلي ... أُحسِنْ بك التشبيبَ والوَصْفا )
( شطّتْ فشفّ القلبَ ذِكْركَها ... ودنتْ فما بذلتْ لنا عُرْفا )
ومنها
صوت
ويروى لبشار( يا مرحباً ألفاً وألفاَ ... بالكاسراتِ إليّ طَرْفَا )
( رُجُح الرَّوادف كالظِّبا ... تعرّضت حُوّاً ووُطْفا )
( أنكرنَ مركبيَ الحِما ... رَوكنّ لا يُنكرن طِرفْا )
( وسألنني أينَ الشبابُ ... فقلتُ بَانَ وكان حِلْفا )
( أَفْنَى شبابي فانقضى ... حِلْفُ النساء تِبِعن حِلْفا )
( أعطيتهنّ مودّتي ... فجزينَني كذباً وخُلْفا )
( وقصائدٌ مثلُ الرُّقَى ... أرسلتُهن فكنّ شَغْفا )
( أوجعن كلَّ مُغازِلٍ ... وعَصَفْن بالغَيران عَصْفا )
( من كل لّذات الفتى ... قد نلتُ مائلةً وعُرْفا )
( صِعدت الأوانَس كالدُّمى ... وسقيتُهنّ الخمرَ صِرْفا )
ومنها وهذه القصيدة تجمع نسيبه بمن ذكر وفخره بأبيه وجده أبي جمد
صوت
( أغنّي على بيضاءَ تَنْكلّ عن بَرَدْ ... وتمشي على هَوْنٍ كمِشيْه ذي الحَرَدْ )
( وتلبس من بَزَ العراق مَنَاصِفاً ... وأبرادَ عَصْب من مُهَلْهَلَةٍ الجَبَد )
( إذا قلت يوماً نَوَّليني تبسّمتْ ... وقالت لعمرُ الله لو أنه اقتصد )
( سموتُ إليها بعدَ ما نام بعلُها ... وقد وسّدتْه الكفّ في ليلة الصَّرّد )
( أشارت بطرف العين أهلاً ومرحباً ... ستُعطَى الذي تهوَى على رغم مَنْ حسد )
( ألستَ ترى مَنْ حولنا مِنْ عدوِّنا ... وكل غلام شامخ الأنف قد مَرَد )
( فقلت لها إني امرؤ فاعلمِنَّه ... إذا ما أخذتُ السيفَ لم أحفِل العَدَد )
( بَنَى ليَ إسماعيلُ مجداً مُؤثّلاً ... وعبدُ كُلالٍ قبله وأبو جَمَد )
تُطيف علينا قهوةٌ في زجاجةٍ ... تُريك جبانَ القوم أمضى من الأسد )
ومنها
صوت
( يأيها القلبُ بعضَ ما تجدُ ... قد يعشَق القلبُ ثم يَتَّئِدُ )( قد يكتُم المرءُ حبَّه حِقَباً ... وهو عَميدٌ وقلبُه كَمِد )
( ماذا تُراعون من فتًى غَزِلٍ ... قد تيّمْته خَمْصانةٌ رُؤدٌ )
( يهدّدوني كما أخافَهمُ ... هيهاتَ أنَّى يُهدَّد الأسد )
ومنها
صوت
( صدَع البَيْنُ والتفرُّقُ قلبي ... وتولَّت أمُّ البنين بِلُبِّي )
( ثَوتِ النفسُ في الحُمول لديها ... وتولَّى بالجسم منّيَ صَحْبي )
( ولقد قلتُ والمدامعُ تجري ... بدموع كأنها فَيْضُ غَرْب )
( جزعاً للفراق يوم تولّت ... حَسْبِيَ الله ذو المَعارج حسبي )
ومنها
صوت
( يابنة الواحد جودي فما ... إن تَصْرِميني فَبِما أو لِمَا )( جُودِي علينا اليومَ أو بَيِّني ... فِيمَ قتلتِ الرجلَ المُسلِما )
( إني وأيدي قُلُصٍ ضُمَّرٍ ... وكلِّ خِرْق وَرَد المَوْسما )
( ما عُلّق القلبُ كتعليقها ... واضعةً كفّاً عَلتْ مِعْصما )
( رَبَّةُ محرابٍ إذا جئتُها ... لم ألقَها أو أرتقي سُلَّما )
( إخوتُها أربعة كلُّهم ... ينفون عنها الفارسَ المُعلَما )
( كيف أُرجِّيها ومِنْ دونها ... بَوّابُ سوء يُعجل المَشْتما )
( أسودُ هَتّاك لأعراضِ مَنْ ... مرّ على الأبواب أو سَلّما )
( لا مِنّةً أَعْلَمُ كانت لها ... عندي ولا تطلُب فينا دما )
( بل هي لمّا أن رأت عاشقاً ... صبًّا رمتْه اليوم فيمن رَمى )
( لمّا ارتمينا ورأت أنّها ... قد أثبتتْ في قلبه أسهُما )
( أعجبها ذاك فأبْدت له ... سُنَّتَها البيضاءَ والمِعْصَما )
( قامت تراءى لي على قَصْرها ... بين جَوارٍ خُرَّد كالدُّمى )
( وتَعقِد المِرْط على جَسْرةٍ ... مثلِ كَثيب الرمل أو أَعْظَما )
ومنها
صوت
( دعاكَ من شوقك الدَّواعي ... وأنت وضّاحُ ذو اتباعِ )( دعتْك مَيّالةٌ لَعُوبٌ ... أَسيلة الخد باللمّاع )
( دلالُكِ الحُلْو والمشهِّي ... وليس سرِّيك بالمُضاع )
( لا أمنع النفسَ عن هواها ... وكلُ شيء إلى انقطاع )
ومنها
صوت
( ألاَ يالَقومي أَطْلِقوا غُلَّ مرتَهَنْ ... ومُنّوا على مُستشعرِ الهمّ والحَزَنْ )
( تذكَّر سَلْمى وَهْي نازحةٌ فَحْنّ ... وهل تنفع الذكرى إذا اغترب الوطنْ )
( ألم تَرَها صفراءَ رُؤْداً شبابِها ... أسيلَة مجرى الدمع كالشَّادن الأغَنّ )
( وأبصرتُ سَلْمى بين بُرْدَيْ مَراجِلٍ ... وأبراد عَصْب من مُهلهَلة اليمن )
( فقلتُ لها لا تَرَتقي السطحَ إنني ... أخاف عليكم كلَّ ذي لِمَّة حَسَن )
والغناء لإبن سريج وله في هذا الشعر لحنان ثقيل أول بالبنصر عن عمرو ورمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وأول الرمل قوله
( ألا يا لَقومي أطلقوا غلَّ مرتهنَ ... )
وأول الثقيل الأول تذكر سلمى وفي هذه الأبيات هزج يمني بالبنصر ومنها
صوت
( أغدوتَ أمْ في الرائحين تَرُوحُ ... أم أنت من ذِكْر الحسان صحيحُ )( إذا قالت الحسناءُ ما لصديقنا ... رثَّ الثياب وإنه لمليح )
( لا تسألِنّ عن الثياب فإِنني ... يومَ اللقاء على الكُماة مُشيح )
( أَرْمِي وأطعنَ ثم أُتبِع ضربةً ... تَدَعُ النساءَ على الرجال تنوح )
صوت
من المائة المختارة
( يا صاح إني قد حَججتُ ... وزُرت بيتَ المَقْدسِ )( وأتيت لُدّاً عامداً ... في عيد مَرْيَا سَرْجس )
( فرأيتُ فيه نِسوةً ... مثلَ الظباء الكُنّس )
الشعر والغناء للمعلى بن طريف مولى المهدي ولحنه المختار خفيف رمل بالبنصر وكان المعلى بن طريف وأخوه ليث مملوكين مولدين من مولدي الكوفة لرجل من أهلها فاشتراهما علي بن سليمان وأهداهما إلى المنصور فوهبهما
المنصور للمهدي فأعتقهما
ونهر المعلى وربض المعلى ببغداد منسوب إلى المعلى هكذا ذكر ذلك ابن خرداذبه وكان ضاربا محسنا طيب الصوت حسن الأداء صالح الصنعة أخذ الغناء عن إبراهيم وابن جامع وحكم الوادي
وولي أخوه ليث السند وولي هو الطراز والبريد بخراسان وقاتل يوسف البرم فهزمه ثم ولي الأهواز بعد ذلك
فقال فيه بعض الشعراء يمدحه ويمدح أخاه الليث ويهجو علي بن صالح صاحب المصلى
( يا عليَّ بنَ صالح ذا المصلَّى ... أنت تَفْدي لَيْثاً وتفدي المعلَّى )
( سَدّ ليثٌ ثغراً ووُليّت فاخْتَنْتَ ... فبئس المَولي وبئس المولَّى )
وعلي بن سليمان هذا الذي أهدى المعلى وأخاه إلى المهدي هو الذي يقول فيه أبو دلامة زند بن الجون الأسدي وكان خرج مع المهدي إلى الصيد فرمى المهدي وعلي بن سليمان ظبيا سنح لهما وقد أرسلت عليه الكلاب بسهمين فأصاب المهدي الظبي وأصاب علي بن سليمان الكلب فقتلاهما
فقال أبو دلامة
( قد رمى المهديُّ ظباً ... شكّ بالسهم فؤادَه )
( وعليُّ بنُ سُليمانٍ ... رَمى كَلْباً فصاده )
( فهنيئاً لهما كلّ ... إمرىء يأكل زادَه )
حدثنا بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب وعن أحمد بن سعيد
عن الزبير بن بكار عن عمه
صوت
من المائة المختارة
( ألاَ طَرَد الهوى عنّي رُقَادِي ... فحسبي ما لَقِيتُ من السُّهادِ )( لعبدةَ إنّ عبدةّ تَيّمتْني ... وحلّت من فؤادي في السّواد )
الشعر لبشار والغناء المختار في هذين البيتين هزج خفيف بالبنصر ذكر يحيى بن علي أنه يمني وذكر الهشامي أنه لسليم
أخبار بشار وعبدة خاصة إذ كانت أخباره سوى هذه تقدمت
حدثني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني عمن حدثه عن الأصمعي هكذا قال وأخبرني به عمي عن عبد الله بن أبي سعد عن علي بن مسرور عن الأصمعي قال كان لبشار مجلس يجلس فيه يقال له البردان فبينا هو في مجلسه ذات يوم وكان النساء يحضرنه إذ سمع كلام امرأة يقال لها عبدة في المجلس فدعا غلامه فقال إني قد علقت امرأة فإذا تكلمت فانظر من هي واعرفها فإذا انقضى المجلس وانصرف أهله فاتبعها وكلمها وأعلمها أني لها محب وأنشدها هذه الأبيات وعرفها أني قلتها فيهاصوت
قالوا بمَنْ لا ترى تَهْذِي فقلتُ لهم ... الأذْنُ كالعين تُوفِي القلبَ ما كاناَ )( ما كنتُ أوّلَ مشغوف بجارية ... يَلْقَى بِلُقْيانها رَوْحا ورَيْحانا )
ويروى هل من دواء لمشغوف بجارية
( يا قوم أُذْني لبعض الحيّ عاشقةٌ ... والأذْن تعشق قبل العين أحيانا )
غنى إبراهيم في هذه الأبيات ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيها لسياط ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيها لإسحاق هزج من جامع أغانيه قال فأبلغها الغلام الأبيات فهشت لها وكانت تزوره مع نسوة يصحبنها فيأكلن عنده ويشربن وينصرفن بعد أن يحدثها وينشدها ولا تطمعه في نفسها قال وقال فيها
( قالت عُقَيل بنُ كعب إذ تعلّقها ... قلبي فأضحَى به من حبّها أثر )
( أنَّى ولم ترها تَهذِي فقلتُ لهم ... إن الفؤادَ يَرَى ما لا يرى البصر )
( أصبحتُ كالحائم الحَرّان مُجتَنباً ... لم يَقضِ ورْدا ولا يُرجَى له صَدَر )
قال وقال فيها أيضا وهو من جيد ما قال فيها
( يُزَهَّدني في حبّ عبدةَ معشرٌ ... قلوبُهُمُ فيها مخالفةٌ قلبي )
( فقلتُ دَعُوا قلبي وما اختار وارتضَى ... فبالقلب لا بالعين يُبصِر ذو الحبّ )
( فما تُبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذْنان إِلاّ من القلب )
( وما الحسْنُ إلا كلّ حُسْنٍ دعا الصِّبَا ... وألّف بين العشق والعاشقِ الصبّ )
قال وقال فيها
( يا قلبُ مالي أراك لا تَقِرُ ... إياكَ أَعْنِي وعندك الخبرُ )
( أَضِعْتَ بين الأُلى مَضَوْا حُرَقاً ... أم ضاع ما استودعوك إذ بَكَروا )
( فقال بعضُ الحديث يَشْغَفُني ... والقلبُ راءٍ ما لا يَرى البصر )
هجوه الحسن البصري
وأخبرني بهذا الخبر أبو الحسن أحمد بن محمد الأسدي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا خالد بن يزيد بن وهب عن جرير عن أبيه بمثل هذه القصة وزاد فيها أن عبدة جاءت إليه في نسوة خمس قد مات لإحداهن قريب فسألنه أن يقول شعرا ينحن عليه به فوافينه وقد احتجم وكان له مجلسان مجلس يجلس فيه غدوة يسميه البردان ومجلس فيه عشية يسميه الرقيق وهو جالس في البردان وقد قال لغلامه أمسك علي بابي واطبخ لي وهيء طعامي وطيبه وصف نبيذيقال فإنه لكذلك إذا قرع الباب عليه قرعا عنيفا فقال ويحك يا غلام انظر من يدق الباب دق الشرط فنظر الغلام وجاءه فقال خمس نسوة بالباب يسألنك أن تقول شعرا ينحن فيه فقال أدخلهن
فلما دخلن نظرن إلى النبيذ مصفى في قنانيه في جانب بيته فقالت إحداهن خمر وقالت الأخرى زبيب وقالت الأخرى معسل فقال لست بقائل لكن حرفا أو تطعمن من طعامي وتشربن من شرابي
فتماسكن ساعة وقالت إحداهن فما عليكن من ذلك هذا أعمى كلن من طعامه واشربن من شرابه وخذن شعره ففعلن
وبلغ ذلك الحسن البصري فعابه وهتف به فبلغ ذلك بشارا وكان الحسن يلقب القس فقال فيه بشار
( لَمّا طلعنَ من الرَّقيق ... عليّ بالبَرَدّان خَمْساَ )
( وكأنهن أَهلّة ... تحت الثياب زَفَفن شمسا )
( باكرْنَ طِيبَ لَطيمةٍ ... وعُمِس في الجاديّ عَمسا )
( فسألنني مَنْ في البيوت ... فقلتُ ما يحوين إِنْسا )
( ليت العيونَ الناظراتِ ... طُمِسن عنّا اليوم طَمْسا )
( فأصبن من طَرَف الحديث ... لذاذةً وخرجن مُلْسا )
( لولا تَعَرُّضهن لي ... يا قَسُّ كنتُ كأنت قَسّا )
أخبرني الأسدي ويحيى بن علي بن يحيى ومحمد بن عمران الصيرفي قالوا حدثنا العنزي قال حدثنا علي بن محمد عن جعفر بن محمد النوفلي قال أتيت بشارا ذات يوم فقال لي ما شعرت منذ أيام إلا بقارع يقرع بابي مع الصبح فقلت يا جارية انظري من هذا فقالت مالك بن دينار فقلت مالي ولمالك بن دينار ما هو من أشكالي إئذني له
فدخل فقال لي يا أبا معاذ أتشتم أعراض الناس وتشبب بنسائهم فلم يكن عندي إلا دفعه عن نفسي بأن قلت لا أعاود فخرج من عندي وقلت في إثره
( غدا مالكٌ بِمَلاماته ... عليّ وما بات من باليَهْ )
( فقلتُ دَعِ اللومَ في حُبِّها ... فقبلكَ أعييتُ عُذّالِيهْ )
( وإِنّي لأَكتُمهم سِرَّها ... غداةَ تقول لها الجالية )
( أعبدةَ مالكِ مَسْلوبةً ... وكنتِ مُقرطَقةً حاليه )
( فقالت على رِقْبةٍ إنني ... رهنتُ المرعَّث خَلْخاليه )
( بمجلسِ يومِ سأُوفِي به ... وإن أنكر الناسُ أحواليه )
أخبرني وكيع قال حدثني عمرو بن محمد بن عبد الملك قال حدثني
الحسن بن جهور قال حدثني هشام بن الأحنف راوية بشار قال إني لعند بشار ذات يوم إذ أتته امرأة فقالت يا أبا معاذ عبدة تقرئك السلام وتقول لك قد اشتد شوقنا إليك ولم نرك منذ أيام فقال عن غير مقلية والله كان ذاك
ثم قال لراويته يا هشام خذ الرقعة واكتب فيها ما أقول لك ثم ادفعه للرسول
قال هشام فأملى علي
( عبد إِنّي إليكِ بالأشواقِ ... لِتَلاقٍ وكيف لي بالتلاقي )
( أنا والله أشتهي سحرَ عينيْك ... وأخشى مَصَارعَ العشّاق )
( وأهاب الحَرْسيّ مُحتسِبَ الجُنْد ... يَلُفّ البريءَ بالفُسّاق )
ومما يغني فيه من شعر بشار في عبدة قوله
صوت
( لعبدة دارٌ تكلَّمنا الدارُ ... تَلُوح مَغانيها كما لاح أسطارُ )( أُسائل أحجاراً ونُؤْياً مُهَدَّماً ... وكيف يُجيب القولَ نؤيٌ وأحجار )
( وما كلّمْتني دارهُا إذ سألتُها ... وفي كبدي كالنِّفْط شُبَّت به النار )
( وعند مَغَانِي دارها لو تكلّمت ... لمِكتئبٍ بادِي الصَّبابة أخبار )
الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لإبن جامع ثقيل أول عن الهشامي ومن هذه القصيدة
صوت
( تحمَّل جيراني فعيني لبَيْنهم ... تَفيض بتَهْتَانٍ إذا لاحتِ الدارُ )
( بكيتُ على من كنت أحظى بقربه ... وحقَّ الذي حاذرتُ بالأمس إذ ساروا )
الغناء ليحيى المكي ثقيل أول بالبنصر
ومن الأغاني في شعره في عبدة
صوت
( مَسّني من صدود عبدة ضُرّ ... فبنات الفؤاد ما تستقرُّ )( ذاك شيء في القلب من حبّ عبدةَ ... بادٍ وباطنٌ يسْتسِرَ )
الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق
وفيه لإسحاق رمل بالبنصر عن عمرو وفيه لحكم ثقيل أول بالوسطى من جامع غنائه في كتاب إبراهيم وفيه لفريدة خفيف ثقيل عن إسحاق وفيه ليحيى المكي ثقيل أول من كتابه وفيه لحسين بن محرز رمل عن الهشامي
ومنها
صوت
( يا عبد إني قد ظُلمت وإنني ... مُبْدٍ مقالة راغبٍ أو راهبِ )( وأتوبُ مما تَكْرَهين لِتَقْبَلي ... واللهُ يقبل حُسن فعل التائب )
الغناء لحكم خفيف ثقيل عن إسحاق وفيه ليحيى المكي ثقيل أول من كتابه وفيه لحسين بن محرز رمل عن الهشامي
ومنها
صوت
( يا عبد حبُّك شفَّني شَفّا ... والحبُّ داءٌ يُورث الحَتْفَا )
( والحبُّ يُخفيه المحبّ لكي ... لا يُستراب به وما يخفَى )
الغناء لسياط خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق
ومنها
صوت
( يا عبد بالله فَرِّجي كُرَبِي ... فقد براني وشفَّني نَصَبي )( وضِقْتُ ذَرْعاً بما كَلِفْتُ به ... من حُبّكم والمحبُّ في تعب )
( ففرِّجي كُرْبةً شَجِيتُ بها ... وحَرَّ حُزْنٍ في الصدر كاللَّهب )
( ولا تَظُنِّي ما أشتكي لَعِباً ... هيهات قد جلّ ذا عن اللعب )
غناه سياط ثقيلا أول بالبنصر عن عمرو
ومنها
صوت
( يا عبد زُوريني تَكُنْ مِنّةً ... لله عندي يومَ ألْقاكِ )
( واللَّهِ ثُمّ اللَّهِ فاستيقني ... إني لأرجوكِ وأخشاك )
( يا عبد إني هالكٌ مُدْنَفٌ ... إنْ لم أذُقْ بَرْد ثناياك )
( فلا تَرُدِّي عاشقاً مُدْنَفاً ... يَرضى بهذا القدر من ذاك )
الغناء لحكم هزج خفيف بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
ومنها
صوت
( يا عبد قد طال المِطالُ فانْعِمي ... واشفِي فؤاد فتى بهيم مُتيَّمِ )
الغناء ليزيد حوراء غير مجنس عن إبراهيم ومنها
صوت
( يا عبد هلْ لِلّقاء مِنْ سببِ ... أوْ لا فأدعو بالويل والحَربِ )الغناء ليزيد حوراء غير مجنس ومنها
صوت
( يا عبد هلْ لي منكُمُ مِنْ عائِد ... أمْ هل لديكِ صلاحُ قلبٍ فاسدِ )الغناء لإبن عباد عن إبراهيم غير مجنس ومنها
صوت
( يا عبد حيِّي عن قريب ... وتأمَّلي عين الرقيبِ )
( وارعَيْ وِدادي غائباً ... فلقد رعيتَكِ في المَغيب )
( أشكو إليكِ وإنّما ... يشكو المُحبّ إلى الحبيب )
( غَرَضِي إليك من الهوى ... غرض المريض إلى الطبيب )
الغناء لحكم مطلق في مجرى البنصر ومنها
صوت
( يا عبد باللَّه ارْحمي عَبْدِكِ ... وعَلَّليه بمُنَى وَعْدِكِ )( يُصبح مكروباً ويُمسي به ... وَليس يَدرِي ما له عندك )
( ماذا تقولين لربّ العُلا ... إذا تخلّيتِ به وحدك )
الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو وفيه لإسحاق هزج من جامع أغانيه وفيه ليزيد حوراء لحن ذكره إبراهيم ولم يجنسه وذكر حبش أن الثقيل الثاني لسياط
ومنها
صوت
( يا عَبْد جَلِّي كروبي ... وأَسْعِفي وأثيبِي )
( فقد تَطَاول هَمّي ... وزَفْرتي ونَحيبي )
الغناء لإبن سكرة عن إبراهيم ولم يجنسه ومنها
صوت
( يا عبد أنَتِ ذخيرتي ... نفسي فَدَتْكِ وجِيرتي )
( اللَّهُ يعلم فيكُمُ ... يا عبد حسنَ سريرتي )
( نفسي لنفسِك خُلَّةٌ ... وكذاك أنت أميرتي )
الغناء لحكم الوادي خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو ومنها
صوت
( يا عبد حُبِّي لكِ مستورُ ... وكلّ حبّ غيره زُورُ )( إنْ كان هجري سَرَّكم فاهجروا ... إنّي بما سَرّك مسرور )
الغناء لحكم هزج بالوسطى عن ابن المكي ومنها
صوت
( لم يَطُلْ لَيْلي ولكنْ لم أنمْ ... ونَفَى عنّي الكَرَى طيفٌ ألَمّ )
( وإذا قلتُ لها جُودي لنا ... خرجتْ بالصمت عن لا ونعم )
( رَفِّهي يا عَبْد عنّي واعلمي ... أنّني يا عبد من لحم ودم )
( إن في بُرْدي جسماً ناحلاً ... لو توكأتِ عليه لانهدم )
( خَتَم الحبُّ لها في عنقي ... موضعَ الخاتم من أهل الذمم )
الغناء لحكم هزج بالسبابة والوسطى عن ابن المكي وذكره إسحاق في هذه الطريقة فلم ينسبه إلى أحد
وفيه لعثعث الأسود خفيف رمل في الأول والخامس وكان بشار ينكر هذا البيت الأخير وهو
( خَتَم الحب لها في عُنْقي ... )
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني أبو حاتم السجستاني قال حدثني من أنشد بشارا قوله
( لم يَطُل لَيْلي ولكنْ لم أَنَم ... )
حتى بلغ إلى قوله
( ختم الحبُّ لها في عُنقي ... موضع الخاتَم مِنْ أهل الذممْ )
فقال بشار عمن أخذت هذا قلت عن راويتك فلان فقال قبحه الله والله ما قلت هذا البيت قط أما ترى إلى أثره فيه ما أقبحه وأشد تميزه عني فقال له بعض من حضر نعم هو ألحقه بالأبيات
ومنها
صوت
( عَبْد إنّي قد اعترفتُ بذَنْبي ... فاغفري واعْرُكِي خَطايَ بجَنْبِ )( عبد لا صبر لي ولستُ فمهلاً ... قائلاً قد عَتَبتِ في غير عَتْب )
( ولقد قلتُ حين أَنْصبني الحب ... فأَبْلَى جِسْمي وعذب قلبي )
( ربّ لا صبرَ لي على الهجر حَسْبِي ... أَقِلْني حَسْبي لَكَ الحمدُ حسبي )
الغناء لسياط خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لسليم هزج من كتاب ابن المكي ومنها
صوت
( عبد مُنّى وأَنِعمي ... قد مَلَكْتم قِيادَيْه )
( شابَ رأسي ولم تَشبْ ... أبَلاَئي لِدَاتِيه )
الغناء لسياط خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لعريب هزج ومنها
صوت
( عبدُ يا هِمّتي عليك السلامُ ... فيم يُجْفَى حبيبُك المستهامُ )( نزل الحبّ منزلاً في فؤادي ... وله فيه مجلسٌ ومقام )
الغناء لأبي زكار خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لعريب هزج ومنها
صوت
( عبد ياقُرّة عيني ... أنصفي رُوحي فداكِ )( عاشق ليس له ذِكر ... ولا همٌّ سواكِ )
الغناء لعريب هزج وفيه لحن ليزيد حوراء غير مجنس ومنها
صوت
( يا عَبْد يا جافيةً قاطعه ... أما رحِمتِ المُقْلة الدامعهْ )
( يا عبد خافِي اللهَ في عاشقٍ ... يهواكِ حتى تقع الواقعة )
الغناء لأبي زكار هزج بالبنصر عن عمرو
صوت
من المائة المختارة
( أرْسلْتْ أمُّ جعفر لا تزورُ ... ليت شعري بالغيب منْ ذا دهاها )( أأتاها محرِّش بنَميمٍ ... كاذبٌ ما أراد إلاّ رداها )
عروضه من الخفيف الشعر للأحوص والغناء لأم جعفر المدنية مولاة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
ولحنه من الثقيل الأول في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه لحنا من الثقيل الأول بالبنصر فلا أعلم أهذا يعني أم غيره
وفيه لإبن سريج ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها عن يحيى المكي وإسحاق وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو والهشامي
أخبار الأحوص مع أم جعفر
وقد ذكرت أخبار الأحوص متقدما إلا أخباره مع أم جعفر التي قال فيها هذا الشعر فإنها أخرت إلى هذا الموضعوأم جعفر هذه امرأة من الأنصار من بني خطمة وهي أم جعفر بنت عبد الله بن عرفطة بن قتادة بن معد بن غياث بن رزاح بن عامر بن عبد الله بن خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس
وله فيها أشعار كثيرة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم ومحمد بن يحيى الطلحي عن عبد العزيز بن أبي ثابت وأخبرني عمي قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال حدثني أحمد بن زهير عن مصعب وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن المحرز بن جعفر الدوسي قالوا جميعا لما أكثر الأحوص التشبيب بأم جعفر وشاع ذكره فيها توعده أخوها أيمن وهدده فلم ينته فاستعدى عليه والي المدينة وقال الزبير في خبره فاستعدى عليه عمر بن عبد العزيز فربطهما في حبل ودفع إليهما سوطين وقال لهما تجالدا فتجالدا فغلب أخوها
وقال غير الزبير في خبره وسلح الأحوص في ثيابه وهرب
وتبعه أخوها حتى فاته الأحوص هربا
وقد كان الأحوص قال فيها
( لقد منعتْ معروفَها أمُّ جعفرٍ ... وإِنِّي إلى معروفها لفقيرُ )
( وقد أنكرتْ بعدَ اعترافٍ زيارتي ... وقد وَغِرتْ فيها عليّ صدور )
( أَدُورُ ولولا أنْ أرى أمَّ جعفرٍ ... بأبياتكم ما درتُ حيث أدور )
( أزور البيوتَ اللاصقاتِ ببيتها ... وقلبي إلى البيت الذي لا أَزور )
( وما كنتُ زَوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يُزُرْ لا بدّ أن سيزور )
( أزور على أن لست أنفكُّ كلَّما ... أتيتُ عدوّاً بالبنان يُشير )
فقال السائب بن عمرو أحد بني عمرو بن عوف يعارض الأحوص في هذه الأبيات ويعيره بفراره
( لقد منع المعروفَ من أم جعفر ... أخو ثقةٍ عند الجلاد صَبورُ )
( عَلاك بمَتْن السوطِ حتى اتّقيتَه ... بأصفرَ من ماء الصِّفاق يفور )
فقال الأحوص
( إذا أنا لم أغفِر لأَيْمَنَ ذنَبه ... فمن ذا الذي يعفو له ذنبَه بعدي )
( أريد انتقامَ الذنب ثم تَرُدّني ... يدٌ لأَدانيه مباركةٌ عندي )
وقال الزبير في خبره خاصة وإنما أعطاهما عمر بن عبد العزيز السوطين وأمرهما
أن يتضاربا بهما اقتداء بعثمان بن عفان فإنه كان لما تهاجى سالم بن دارة ومرة ابن واقع الغطفاني الفزاري لزهما عثمان بحبل وأعطاهما سوطين فتجالدا بهما
وقال عمر بن شبة في خبره وقال الأحوص فيها أيضا وقد أنشدني علي بن سليمان الأخفش هذه الأبيات وزاد فيها على رواية عمر بن شبة بيتين فأضفتهما إليها
( وإني ليدعوني هوى أُمِّ جعفر ... وجاراتها من ساعةٍ فأجيبُ )
( وإني لآتي البيتَ ما إن أحبُّه ... وأُكثر هجرَ البيت وهو حبيب )
( وأُغْضِي على أشياء منكم تسوؤني ... وأُدَعى إلى ما سَرّكم فأجيب )
( هَبِيني أمرأً إما بريئاً ظلمتِه ... وإِمّا مُسيئاً مذنباً فيتوب )
( فلا تتركي نفسي شَعاعاً فإِنها ... من الحزن قد كادت عليك تذوب )
( لك اللهُ إني واصلٌ ما وصلتِني ... ومُثنٍ بما أوليتِني ومُثيب )
( وأخُذُ ما أعطيتِ عفواً وإنني ... لأَزْوَرُ عما تكرهين هَيوب )
هكذا ذكره الأخفش في هذه الأبيات الأخيرة وهي مروية للمجنون في عدة
روايات وهي بشعره أشبه وفي هذه الأشعار التي مضت أغان نسبتها
صوت
( أَدور ولولا أن أرى أمِّ جعفر ... بأبياتكم ما درتُ حيث أدورُ )( أدور على أن لست أنفكّ كلما ... أتيتُ عدوَّا بالبَنان يُشير )
الغناء لمعبد وله فيه لحنان ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن عمرو ولإسحاق فيهما وفي قوله
( أزور البيوتَ الّلاصقات ببتها ... )
وبعده
( أدور ولولا أن أرى أمَّ جعفر ... )
لحن من الرمل وفي البيتين اللذين فيهما غناء معبد للغريض ثقيل أول عن الهشامي ولإبراهيم خفيف ثقيل وفيه لحن لشاريه عن ابن المعتز ولم يذكر طريقته
( إذا أنا لم أغفِر لأَيْمَنَ ذنبَه ... فَمَنْ ذا الذي يعفو له ذنبَه بعدي )
( أُريد مكافأةً له وتَصُدّني ... يدٌ لأَدانيه مباركةٌ عندي )
الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى عن يحيى المكي وذكر غيره أنه منحول يحيى إلى معبد وفيه ثقيل أول ينسب إلى عريب ورونق
ومنها وهو
صوت
من المائة المختارة
( وإني لآتِي البيتَ ما إن أُحِبُّه ... وأُكثر هجر البيت وهو حبيبُ )( وأُغضي على أشياءَ منكم تسوؤني ... وأُدعَى إلى ما سرّكم فأُجيب )
( وما زلتُ من ذكراكِ حتى كأنني ... أُمِيمٌ بأفْياء الديار سَلِيب )
( أبُثُّك ما ألقَى وفي النفس حاجةُ ... لها بين جِلْدي والعظام دَبيب )
( لكِ اللهُ إِنّي واصلٌ ما وصلتِني ... ومُثْنٍ بما أوليتِني ومُثيب )
( وآخُذ ما أعطيتِ عفواً وإنني ... لأزْوَر عما تكرهين هَيوب )
( فلا تتركي نفسي شَعاعاً فإِنها ... من الحزن قد كادت عليك تذوب )
الشعر للأحوص ومن الناس من ينسب البيت الخامس وما بعده إلى المجنون
والغناء في اللحن المختار لدحمان وهو ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر وذكر الهشامي أن في الأبيات الأربعة لإبن سريج لحنا من الثقيل الأول فلا أعلم ألحن دحمان عنى أم ثقيلا آخر وفي
( لكِ الله إني واصلٌ ما وصلتِني ... ومُثْنٍ بما أوليتِني ومُثيب )
لإسحاق ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيها لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن حسن قال الزبير وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن محرز
أن أم جعفر لما أكثر الأحوص في ذكرها جاءت منتقبة فوقفت عليه في مجلس قومه ولا يعرفها وكانت امرأة عفيفة فقالت له اقض ثمن الغنم التي ابتعتها مني فقال ما ابتعت منك شيئا
فأظهرت كتابا قد وضعته عليه وبكت وشكت حاجة وضرا وفاقة وقالت يا قوم كلموه فلامه قومه وقالوا اقض المرأة حقها فجعل يحلف أنه ما رآها قط ولا يعرفها
فكشفت وجهها وقالت ويحك أما تعرفني فجعل يحلف مجتهدا أنه ما يعرفها ولا رآها قط حتى إذا استفاض قولها وقوله واجتمع الناس وكثروا وسمعوا ما دار وكثر لغطهم وأقوالهم قامت ثم قالت أيها الناس اسكتوا
ثم أقبلت عليه وقالت يا عدو الله صدقت والله مالي عليك حق ولا تعرفني وقد حلفت على ذلك وأنت صادق وأنا أم جعفر وأنت تقول قلت لأم جعفر وقالت لي أم جعفر في شعرك فخجل الأحوص وانكسر عن ذلك وبرئت عندهم
أبو السائب المخزومي يطرب لشعره
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير وأخبرني به محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا ثعلب قال حدثنا الزبير عن عبد الملك بن عبد العزيز قال أنشدت أبا السائب المخزومي قول الأحوص( لقد منعتْ معروفَها أمُّ جعفر ... وإنِّي إلى معروفها لفقيرُ )
فلما انتهيت إلى قوله
( أزور على أن لست أنفكُّ كلَّما ... أتيتُ عدوّا بالبنان يُشير )
أعجبه ذلك وطرب وقال أتدري يابن أخي كيف كانوا يقولون اساعة دخل الساعة خرج الساعة مر الساعة رجع وجعل يومئ بإبهاميه إلى وراء منكبيه وبسبابته إلى حيال وجهه ويقلبها يحكي ذهابه ورجوعه
صوت
من المائة المختارة
( صاحِ قد لُمْتَ ظالماَ ... فانظرِ أن كنتَ لائماَ )( هل ترى مثلَ ظَبْية ... قَلَّدوها التمائما )
الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء في اللحن المختار لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وأخبرني ذكاء وجه الرزة أن فيه لعريب رملا بالبنصر وهو الذي فيه سجحة وفيه لإبن المكي خفيف ثقيل آخر بالوسطى
وزعم الهشامي أن فيه خفيف رمل بالوسطى لإبن سريج وقد سمعها ممن يغينه
وذكر حبش أن فيه رملا آخر للغريض ولعاتكة بنت شهدة فيه خفيف ثقيل وهو من جيد صنعتها وذكر جحظة عن أصحابه أن لحنها الرمل هو اللحن المختار وأن إسحاق كان يقدمها ويستجيدها ويزعم أنه أخذه عنها
وقال ابن المعتز حدثني أبو عبد الله الهشامي أن عريب صنعت فيه لحنها الرمل بعد أن أفضت الخلافة إلى المعتصم فأعجبه وأمرها أن تطرحه على جواريه ولم أسمع بشرا قط غناه أحسن من خشف الواضحية
وكل أخبار هؤلاء المغنين قد ذكرت أولها موضع تذكر فيه إلا عاتكة بنت شهدة فإن أخبارها تذكر ها هنا لأنه ليس لها شيء أعرفه من الصنعة فأذكره غير هذا
وقد ذكر جحظة عن أصحابه أن لحنها هو المختار فوجب أن نذكر أخبارها معه أسوة غيرها
عاتكة بنت شهدة وشيء من أخبارها
كانت عاتكة بنت شهدة مدنية وأمها شهدة جارية الوليد بن يزيد وهو الصحيح وكانت شهدة مغنية أيضاحدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا العلاء قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني عبد الله بن العباس الربيعي عن بعض المغنين قال كنا ليلة عند الرشيد ومعنا ابن جامع والموصلي وغيرهما وعنده في تلك الليلة محمد بن داود بن إسماعيل بن علي فتغنى المغنون ثم اندفع محمد بن داود فغناه بين أضعافهم
صوت
( أمَّ الوليد سَلَبْتِني حِلْمي ... وقتلتِني فتخوّفي إِثمي )( بالله يا أمَّ الوليد أمَا ... تخشَيْن فيّ عواقبَ الظلم )
( وتركتِني أبغي الطبيبَ وما ... لطبيبنا بالداء من عِلْم )
( خافي إِلهِك في ابن عمِّكِ قد ... زوّدتِه سُقْماً على سُقم )
قال فاستحسن الرشيد الصوت واستحسنه جميع من حضره وطربوا له فقال له الرشيد ياحبيبي لمن هذا الصوت فقال يا أمير المؤمنين سل هؤلاء المغنين لمن هو فقالوا والله ما ندري وإنه لغريب فقال بحياتي لمن هو فقال وحياتك ما أدري إلا أني أخذته من شهدة جارية الوليد أم عاتكة بنت شهدة
هذا الشعر المذكور لإبن قيس الرقيات والغناء لإبن محرز وله فيه لحنان أحدهما ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو
وفيه لسليم خفيف رمل بالبنصر ولحسين بن محرز ثقيل أول عن الهشامي وحبش
أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن إسحاق عن أبيه أنه ذكر عاتكة بنت شهدة يوما فقال كانت أضرب من رأيت بالعود ولقد مكثت سبع سنين أختلف إليها في كل يوم فتضار بني ضربا أو ضربين ووصل إليها مني ومن أبي أكثر من ثلاثين ألف درهم بسببي دراهم وهدايا
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن إسحاق قال كانت عاتكة بنت شهدة أحسن خلق الله غناء وأرواهم وماتت بالبصرة
وأمها شهدة نائحة من أهل مكة وكان ابن جامع يلوذ منها بكثرة الترجيع
فكان إذا أخذ يتزايد في غنائه قالت له إلى أين يا أبا القاسم ما هذا الترجيع الذي لا معنى له عد بنا إلى معظم الغناء ودع من جنونك
فأضجرته يوما بين يدي الرشيد فقال لها إني أشتهي علم الله أن تحتك شعرتي بشعرتك فقالت أخسأ قطع الله ظهرك ولم تعد لأذاه بعدها
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال قال لي علي ابن جعفر بن محمد دخلت على جواري المرواني المغنيات بمكة وعاتكة بنت شهدة تطارحهن لحنها
( يا صاحبيّ دَعَا الملامةَ واعلمَا ... أنّ الهوى يَدَع الكِرامَ عَبيداَ )
فجعلت واحدة منهن تقول يدع الرجال عبيدا فصاحت بها عاتكة بنت شهدة ويلك بندار الزيات العاض بظر أمه رجل أفمن الكرام هو قال فكنت إذا مر بي بندار أو رأيته غلبني الضحك فأستحي منه وأخذ بيده وأجعل ذلك بشاشة حتى أورث هذا بيني وبينه مقاربة فكان يقول أبو الحسن علي بن جعفر صديق لي
وكان مخارق مملوكا لعاتكة وهي علمته الغناء ووضعت يده على العود ثم باعته فانتقل من ملك رجل إلى ملك آخر حتى صار إلى الرشيد
وقد ذكر ذلك في أخباره
صوت
من المائة المختارة
( ولو أنّ ما عندَ ابنِ بُجْرَةَ عندها ... من الخمر لم تَبْلُلْ لَهَاتي بناطِلِ )( لعمري لأنتَ البيتُ أُكرِمُ أهلَه ... وأقعدُ في أفيائه بالأصائل )
عروضه من الطويل الشعر لأبي ذؤيب الهذلي والغناء لحكم الوادي ولحنه المختار من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها
ابن بجرة هذا فيما ذكره الأصمعي رجل كان يبيع الخمر بالطائف وزعم أن الناطل كوز تكال به الخمر وقال ابن الأعرابي ليس هذا بشيء وزعم أن الناطل الشيء يقال ما في الإناء ناطل أي شيء
وقال أبو عمرو الشيباني سمعت الأعراب يقولون الناطل الجرعة من الماء واللبن والنبيذ انتهى
ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه
هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث نميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزاروهو أحد المخضرمين ممن أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم فحسن إسلامه
ومات في غزاة إفريقية
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال كان أبو ذؤيب شاعرا فحلا لا غميزة فيه ولا وهن
وقال ابن سلام قال أبو عمرو بن العلاء سئل حسان بن ثابت من أشعر الناس قال أحيا أم رجلا قالوا حيا قال أشعر الناس حيا هذيل وأشعر هذيل غير مدافع أبو ذؤيب قال ابن سلام ليس هذا من قول أبي عمرو ونحن نقوله أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني محمد بن معاذ العمري قال في التوراة أبو ذؤيب مؤلف زورا وكان اسم الشاعر بالسريانية مؤلف
زورا
فأخبرت بذلك بعض أصحاب العربية وهو كثير بن إسحاق فعجب منه وقال قد بلغني ذاك وكان فصيحا كثير الغريب متمكنا في الشعر
قال أبو زيد عمر بن شبة تقدم أبو ذؤيب جميع شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يرثي فيها بنيه يعني قوله
( أمِن المَنون ورَيْبة تتوجّع ... والدهر ليس بُمعْتِب من يَجْزَعُ )
وهذه يقولها في بنين له خمسة أصيبوا في عام واحد بالطاعون ورثاهم فيها وسنذكر جميع ما يغنى فيه منها على أثر أخباره هذه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزبيري وأخبرني حرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال كان أبو ذؤيب الهذلي خرج في جند عبد الله بن سعد بن أبي سرج أحد
بني عامر بن لؤي إلى أفريقية سنة ست وعشرين غازيا إفرنجة في زمن عثمان
فلما فتح عبد الله بن سعد إفريقية وما والاها بعث عبد الله بن الزبير وكان في جنده بشيرا إلى عثمان بن عفان وبعث معه نفرا فيهم أبو ذؤيب ففي عبد الله يقول أبو ذؤيب
( فصاحب صدقٍ كسِيدِ الضَّرا ... ينْهض في الغزو نهضا نجيحا )
في قصيدة له
فلما قدموا مصر مات أبو ذؤيب بها وقدم ابن الزبير على عثمان وهو يومئذ في قول ابن الزبير ابن ست وعشرين سنة وفي قول الواقدي ابن أربع وعشرين سنة
وبشر عبد الله عند مقدمه بخبيب بن عبد الله بن الزبير وبأخيه عروة بن الزبير وكانا ولدا في ذلك العام وخبيب أكبرهما
قال مصعب فسمعت أبي والزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يقولان قال عبد الله بن الزبير أحاط بنا جرجير صاحب إفريقية وهو ملك إفرنجة في عشرين ألفا ومائة ألف ونحن في عشرين ألفا فضاق بالمسلمين أمرهم واختلفوا في الرأي فدخل عبد الله بن سعد فسطاطه يخلو ويفكر قال عبد الله بن الزبير فرأيت عورة من جرجير والناس على مصافهم رأيته على برذون أشهب خلف أصحابه منقطعا منهم معه جاريتان له تظلانه من الشمس بريش الطواويس
فجئت فسطاط عبد الله فطلبت الإذن عليه من حاجبه فقال إنه في شأنكم وإنه قد أمرني أن أمسك
الناس عنه
قال فدرت فأتيت مؤخر فسطاطه فرفعته ودخلت عليه فإذا هو مستلق على فراشه ففزع وقال ما الذي أدخلك علي يابن الزبير فقلت إيه وإيه كل أزب نفور إني رأيت عورة من عدونا فرجوت الفرصة فيه وخشيت فواتها فاخرج فاندب الناس إلي قال وما هي فأخبرته فقال عورة لعمري ثم خرج فرأى ما رأيت فقال أيها الناس انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدوكم
فاخترت ثلاثين فارسا وقلت إني حامل فاضربوا عن ظهري فإني سأكفيكم من ألقى إن شاء الله تعالى
فحملت في الوجه الذي هو فيه وحملوا فذبوا عني حتى خرقتهم إلى أرض خالية وتبينته فصمدت صمدة فوالله ما حسب إلا إني رسول ولا ظن أكثر أصحابه إلا ذاك حتى رأى ما بي من أثر السلاح فثنى برذونه هاربا فأدركته فطعنته فسقط ورميت بنفسي عليه واتقت جاريتاه عنه السيف فقطعت يد إحداهما
وأجهزت عليه ثم رفعت رأسه في رمحي وجال أصحابه وحمل المسلمون في ناحيتي وكبروا فقتلوهم كيف شاؤوا وكانت الهزيمة
فقال لي عبد الله بن سعد ما أحد أحق بالبشارة منك فبعثني إلى عثمان
وقدم مروان بعدي على عثمان حين اطمأنوا وباعوا المغنم وقسموه
وكان مروان قد صفق على
الخمس بخمسمائة ألف فوضعها عنه عثمان فكان ذلك مما تكلم فيه بسببه
فقال عبد الرحمن بن حنبل بن مليل وكان هو وأخوه كلدة أخوي صفوان بن أمية بن خلف لأمه وهي صفية بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وكان أبوهما ممن سقط من اليمن إلى مكة
( أَحْلِف بالله جهد اليمين ... ما ترك الله أمراً سُدَى )
( ولكنْ خُلقتَ لنا فتنةً ... لكي نُبتلىَ فيكَ أو تُبتلى )
( دعوتَ الطَّريدَ فأدنيتَه ... خلافاً لسنّة منْ قد مضى )
( وأعطيتَ مَرْوان خُمس العباد ... ظلماً لهم وحَمْيت الحمَى )
( ومالاً أتاكَ به الأشعريّ ... من الفيء أعطيتَه مَنْ دنا )
( وإن الأمينَيْن قد بَيّنا ... منارَ الطريق عليه الهدى )
( فما أخذا درهماً غِيلةً ... ولا قسما درهماً في هوى )
قال والمال الذي ذكر أن الأشعري جاء به مال كان أبو موسى قدم به على عثمان من العراق فأعطى عبد الله بن أسيد بن أبي العيص منه مائة ألف درهم وقيل ثلثمائة ألف درهم فأنكر الناس ذلك
ذكره ابن بجرة
أخبرني أحمد بن عبيد الله قال حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن يحيى عن عبد العزيز أظنه ابن الدراوردي قال ابن بجرة الذي ذكره أبو ذؤيب رجل من بني عبيد بن عويج بن عدي بن كعب من قريش ولم يسكنوا مكة ولا المدينة قط وبالمدينة منهم امرأة ولهم موال أشهر منهم يقال لهم بنو سجفانوكان ابن بجرة هذا خمارا وهذا الصوت الذي ذكرناه من لحن حكم الوادي المختار من قصيدة لأبي ذؤيب طويلة فمما يغنى فيه منها
صوت
( أساءلتَ رَسْمَ الدار أم لم تُسائل ... عن الحيّ أم عن عهده بالأوائل )( عفا غيرَ رسم الدار ما إن تُبينه ... وعفْرِ ظباءٍ قد ثُوَتْ في المنازل )
( فلو أنّ ما عند ابنُ بُجْرةَ عندها ... من الخمر لم تَبْلُل لهاتي بناطل )
( فتلك التي لا يَذهبُ الدهر حُبُّها ... ولا ذِكرُها ما أَرْزَمَتْ أمُّ حائِلِ )
غناه الغريض ثقيلا أول بالوسطى ويقال إن لمعبد فيه أيضا لحنا
قوله أساءلت يخاطب نفسه ويروي عن السكن أو عن أهله والسكن الذي كانوا فيه وقال الأصمعي السكن سكن الدار والسكن المنزل أيضا ويروى عفا غير نؤي الدار والنؤي حاجز يجعل حول بيوت الأعراب لئلا يصل المطر إليها ويروى وهو الصحيح
( وأقطاع طُفْي قد عفَتْ في المعاقلِ ... )
والطفي خوص المنقل والمعاقل حيث نزلوا فامتنعوا واحدها معقل وواحد الطفي طفية وأرزمت حنت والحائل الأنثى والسقب الذكر ومنها
صوت
( وإنّ حديثاً منكِ لو تَبْذُلينه ... جنى النحلِ في ألبان عُوذٍ مطافلِ )
( مَطافل أَبْكار حَدِيث نِتاجها ... تُشاب بماءٍ مثلِ ماء المفاصل )
غناه ابن سريج رملا بالوسطى جنى النحل العسل والعوذ جمع عائذ الناقة حين تضع فهي عائذ فإذا تبعها ولدها قيل لها مطفل والمفاصل منفصل السهل من الجبل حيث يكون الرضراض والماء الذي يستنقع فيها أطيب المياه وتشاب تخلط
وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي
أن أبا ذؤيب إنما عنى بقوله مطافل أبكار أن لبن الأبكار أطيب الألبان وهو لبنها لأول بطن وضعت قال وكذلك العسل فإن أطيبه ما كان من بكر النحل قال وحدثني كردين قال كتب الحجاج إلى عامله على فارس ابعث إلي بعسل من عسل خلار من النحل الأبكار من الدستفشار الذي لم تمسه النار
بعض من قصيدته العينية الشهيرة
فأما قصيدته العينية التي فضل بها فمما يغنى به منهاصوت
( أَمِنَ المَنون وريبها تتوجّع ... والدهرُ ليس بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ )( قالت أمامة ما لجسمك شاحباً ... منذُ ابتُذلتَ ومثلُ مالك يَنْفع )
( أم ما لجنبك لا يُلائم مضجعاً ... إلا أَقضّ عليك ذاك المضجعَ )
( فأجبتُها أنْ ما لجسمي أنّه ... أودى بَنيّ من البلاد فودَعوا )
عروضه من الكامل غناه ابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها قال الأصمعي سميت المنون منونا لأنها تذهب بمنة كل شيء وهي قوته
وروى الأصمعي وريبه فذكر المنون والشاحب المغير المهزول يقال شحب يشحب ابتذلت امتهنت نفسك وكرهت الدعة والزينة ولزمت العمل والسفر ومثل مالك يغنيك عن هذا فاشتر لنفسك من يكفيك ذلك ويقوم لك به ويلائم يوافق أقض عليك أي خشن فلم تستطع أن تضطجع عليه والقضض الرمل والحصى قال الراجز
( إنّ أُحيحاً مات من غير مَرَضْ ... ووُجْدَ في مَرْمَضَه حيث ارتَمضْ )
( عَسَاقلُ وجِبَأٌ فيها قَضَض ... )
وودعوا ذهبوا استعمل ذلك في الذهاب لأن من عادة المفارق أن يودع
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن عمر النحوي قال حدثني أبي عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال لما مات جعفر بن المنصور الأكبر مشى المنصور في جنازته من المدينة إلى مقابر قريش ومشى الناس أجمعون معه حتى دفنه ثم انصرف إلى قصره ثم أقبل على الربيع فقال يا ربيع أنظر من في أهلي ينشدني
( أمِن المنون ورَيْبها تتوجّع ... )
حتى أتسلى عن مصيبتي قال الربيع فخرجت إلى بني هاشم وهم بأجمعهم حضور فسألتهم عنها فلم يكن فيهم أحد يحفظها فرجعت فأخبرته فقال والله لمصيبتي بأهل بيتي ألا يكون فيهم أحد يحفظ هذا لقلة رغبتهم في الأدب أعظم وأشد علي من مصيبتي بابني ثم قال أنظر هل في القواد والعوام من الجند من يعرفها فإني أحب أن أسمعها من إنسان ينشدها
فخرجت فاعترضت الناس فلم أجد أحدا ينشدها ألا شيخا كبيرا مؤدبا قد انصرف من موضع تأديبه فسألته
هل تحفظ شيئا من شعره فقال نعم شعر أبي ذؤيب فقلت أنشدني فابتدأ هذه القصيدة العينية فقلت له أنت بغيتي ثم أوصلته إلى المنصور فاستنشده إياها فلما قال
( والدهرُ ليس بمُعتِب مَنْ يَجْزَعُ ... )
قال صدق والله فأنشدني هذا البيت مائة مرة ليتردد هذا المصراع علي فأنشده ثم مر فيها فلما انتهى إلى قوله
( والدهر لا يَبْقى على حَدَثانه ... جَوْنُ السَّراة له جدائدٌ أربعُ )
قال سلا أبو ذؤيب عند هذا القول ثم أمر الشيخ بالإنصراف فاتبعته فقلت له أأمر لك أمير المؤمنين بشيء فأراني صرة في يده فيها مائة درهم
الخيانة مشتركة
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال كان أبو ذؤيب الهذلي يهوى امرأة يقال لها أم عمرو وكان يرسل إليها خالد بن زهير فخانه فيها وكذلك كان أبو ذؤيب فعل برجل يقال له عويم بن مالك بن عويمر وكان رسوله إليهافلما علم أبو ذؤيب بما فعل خالد صرمها فأرسلت تترضاه فلم يفعل وقال فيها
( تُريدين كيما تجمعيني وخالداً ... وهل يُجَمع السيفانِ وَيْحِك في غِمْد )
( أخالدُ ما راعيتَ مِنِّي قرابةً ... فتحفَظَني بالغيب أوْ بعض ما تُبدي )
( دعاكَ إليها مُقْلتاها وجيدُها ... فمِلتَ كما مال المُحبّ على عَمْد )
( وكنتَ كَرقْراق السَّراب إذا بدا ... لقوم وقد بات المطيُّ بهم يَخْدي )
( فآليتُ لا أنفكّ أَحْدو قصيدةً ... تكون وإياها بها مثلاً بعدي )
غناه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر الغيب السر والرقراق الجاري ويروي أحذو قصيدة فمن قال أحذو بالذال المعجمة أراد أصنع ومن قال أحدو أراد أغني
وقال أبو ذؤيب في ذلك
( وما حُمِّل البُخْتِيُّ عامَ غِياره ... عليه الوُسوقُ بُرُّها وشِعيرُها )
( أتىَ قريةً كانت كثيراً طعامُها ... كَرَفْغ التراب كلُّ شيءٍ يميرها )
الرفع من التراب الكثير اللين
( فقيل تحمَّلْ فوق طوقك إنّها ... مُطَبَّعة منْ يَأتها لا يضِيرُها )
( بأعظم مما كنتُ حَمَّلتُ خالداً ... وبعضُ أمانات الرجال غُرورها )
( ولو أنني حمّلتُه البُزْل ما مشتْ ... به البزلُ حتى تَتْلَئِبَّ صدورها )
تتلئب تستقيم وتنتصب وتمتد وتتابع
( خليلِي الذي دلَّى لغيٍّ خليلتي ... جِهاراً فكلٌّ قد أصاب عُرورها )
يقال عرة بكذا أي أصابه به
( فشأنكها إني أمينٌ وإننّي ... إذا ما تحالى مثلُها لا أطُورها )
تحالى من الحلاوة أطورها أقربها
( أُحاذر يوماً أن تَبِين قَرينتي ... ويُسْلمها أَحْرازُها ونَصيرها )
الأحراز الحصون قرينتي نفسي
( وما أَنفُس الفتيان إلا قرائنٌ ... تَبين ويبقَى هامُها وقُبورها )
( فنفسَك فاحفظْها ولا تُفشِ للعِدا ... من السرّ ما يُطَوى عليه ضَميرُها )
( وما يَحْفظُ المكتومَ من سرّ أهله ... إذا عُقَدُ الأسرار ضاع كبيرُها )
( مِنَ القوم إلا ذو عَفاف يُعينه ... على ذاك منهُ صِدْقُ نفس وخِيرُها )
( رَعَى خالدٌ سرّى لياليَ نفسُه ... تَوالَى على قَصْد السبيل أُمورُها )
( فلما تراماه الشبابُ وغَيُّه ... وفي النفس منه فِتْنَةٌ وفُجورها )
( لوى رأسَه عنّي ومال بودّه ... أغانيجُ خَوْد كان فينا يَزُورها )
( تَعلَّقه منها دَلالٌ ومُقلة ... تَظَلّ لأصحاب الشَّقاء تُديرها )
( فإِن حراماً أَنْ أخون أمانَةً ... وآمَنَ نفساً ليس عندي ضميرها )
فأجابه خالد بن زهير
( لا يُبعدنّ الله لُبَّك إذ غَزَا ... وسافَر والأحلامُ جَمٌّ عُثُورُها )
غزا وسافر لبك ذهب عنك والعثور من العثار وهو الخطأ
( وكنتَ إماماً للعشيرة تنتهي ... إليك إذا ضاقتْ بأمرٍ صُدورها )
( لعلك إمّا أمُّ عمرو تبدّلت ... سِواكَ خليلاً شاتِمي تَسْتخيرها )
الإستخارة الإستعطاف
( فإِنّ التي فينا زعمتَ ومثلَها ... لَفِيكَ ولكنّي أراك تَجُورها )
تجورها تعرض عنها
( ألم تَنْتقذها من عويم بن مالك ... وأنت صفيُّ نفسه وسجيرُها )
( فلا تَجْزَعَنْ من سُنّةٍ أنت سِرْتَها ... فأوّلُ راضٍ سُنّةً منْ يسيرها )
ويروى قد أسرتها أي جعلتها سائرة ومن رواه هكذا روى يسيرها لأن مستقبل أفعل أسارها يسيرها ويسيرها مستقبل سار السيرة يسيرها
( فإِن كنتَ تشكو من خليلٍ مخانَةً ... فتلك الجوازي عَقْبها ونُصُورها )
عقبها يريد عاقبتها ونصورها أي تنصر عليك الواحد نصر
( وإن كنتَ تبْغِي للظُّلامة مرْكباً ... ذَلُولا فإِني ليس عندي بَعيرها )
( نشأتُ عَسيراً لا تلِين عريكتي ... ولم يعْلُ يوماً فوق ظهري كُورها )
( متى ما تشأْ أحمِلْك والرأسُ مائلٌ ... على صعْبةٍ حَرْفٍ وشِيكٍ طُمورها )
( فلا تكُ كالثور الذي دُفنتْ له ... حديدةُ حتْفٍ ثم أمسى يُثيرها )
( يُطيل ثَواءً عندها ليَرُدَّها ... وهيهات منه دارها وقُصورها )
( وقاسمها بالله جَهْداً لأنتمُ ... الذُّ من السَّلْوَى إذا ما نَشُورها )
نشورها نجتنيها السلوى ها هنا العسل
( فلم يُغن عنه خَدْعُه يوم أَزْمَعتْ ... صَريمتَها والنفسُ مُرٌّ ضميرُها )
( ولم يُلْفَ جَلْداً حازماً ذا عَزيمة ... وذَا قوّة يَنفِي بها من يَزورها )
( فأَقْصِرْ ولم تأخذْك منّي سحابةٌ ... يُنَفِّر شاءَ المُقْلِعين خَرِيرُها )
المقلعين الذين أصابهم القلع وهو السحاب
( ولا تَسْبِقنّ الناس منّي بخَمْطةٍ ... مِنَ السمّ مَذْرُورٍ عليها ذَرُورها )
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد قال حدثنا العباس بن هشام قال حدثني أبو عمرو عبد الله بن الحارث الهذلي من أهل المدينة قال خرج أبو ذؤيب مع ابنه وابن أخ له يقال له ابو عبيد حتى قدموا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له أي العمل افضل يا أمير المؤمنين قال الإيمان بالله ورسوله
قال قد فعلت فأيه أفضل بعده الجهاد في سبيل الله قال ذلك كان علي وإني لا أرجو جنة ولا أخاف نارا
ثم خرج فغزا أرض الروم مع المسلمين فلما قفلوا أخذه الموت فاراد ابنه وابن أخيه أن يتخلفا عليه جميعا فمنعهما صاحب الساقة وقال ليتخلف عليه أحدكما وليعلم أنه مقتول
فقال لهما أبو ذؤيب اقترعا فطارت القرعة لأبي عبيد فتخلف عليه ومضى ابنه مع
الناس
فكان أبو عبيد يحدث قال قال لي أبو ذؤيب يا أبا عبيد احفر ذلك الجرف برمحك ثم اعضد من الشجر بسيفك ثم اجررني إلى هذا النهر فإنك لا تفرغ حتى أفرغ فآغسلني وكفني ثم اجعلني في حفيري وإنثل علي الجرف برمحك وألق علي الغصون والشجر ثم اتبع الناس فإن لهم رهجة تراها في الأفق إذا مشيت كأنها جهامة قال فما أخطأ مما قال شيئا ولولا نعته لم أهتد لأثر الجيش وقال وهو يجود بنفسه
( أبا عُبَيد رُفع الكتابُ ... واقترب الموعد والحسابُ )
( وعند رَحْلي جملٌ نُجاب ... أحمرُ في حاركه انصباب )
ثم مضيت حتى لحقت الناس فكان يقال إن أهل الإسلام ابعدوا الأثر في بلد الروم فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعرف لأحد من المسلمين
ذكر حكم الوادي وخبره ونسبه
هو الحكم بن ميمون مولى الوليد بن عبد الملك وكان أبوه حلاقا يحلق رأس الوليد فاشتراه فأعتقهوكان حكم طويلا أحول يكري الجمال ينقل عليها الزيت من الشام إلى المدينة ويكنى أبا يحيى
وقال مصعب بن عبد الله بن الزبير هو حكم بن يحيى بن ميمون وكان أصله من الفرس وكان جمالا ينقل الزيت من وادي القرى إلى المدينة
وذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أنه كان شيخا طويلا أحول أجنأ يخضب بالحناء وكان جمالا يحمل الزيت من جدة إلى المدينة وكان واحد دهره في الحذق وكان ينقر بالدف ويغني مرتجلا وعمر عمرا طويلا وغني الوليد بن عبد الملك وغنى الرشيد ومات في الشطر من خلافته وذكر أنه أخذ الغناء من عمر الوادي
قال وكان بوادي القرى جماعة من المغنين فيهم عمر بن زاذان وقال ابن داود بن زاذان وهو الذي كان يسميه الوليد جامع لذتي وحكم بن يحيى وسليمان وخليد بن عتيك وقيل ابن عبيد ويعقوب
الوادي وكل هؤلاء كان يصنع فيحسن
أخبرني يحيى بن علي قال حدثني حماد قال قال لي أبي أحذق من رأيت من المغنين أربعة جدك وحكم وفليح بن العوراء وسياط قلت وما بلغ من حذقهم قال كانوا يصنعون فيحسنون ويؤدون غناء غيرهم فيحسنون
قال إسحاق وقال لي أبي ما في هؤلاء الذين تراهم من المغنين أطبع من حكم وابن جامع وفليح أدرى منهما بما خرج من رأسه
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات أن أحمد بن المكي حدثه عن أبيه قال حدثني حكم الوادي وأخبرني به محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الغلابي عن حماد بن إسحاق عن أحمد بن المكي عن أبيه عن حكم الوادي قال أدخلني عمر الوادي على الوليد بن يزيد وهو على حمار وعليه جبة وشي ورداء وشي وخف وشي وفي يده عقد جوهر وفي كمه شيء لا أدري ما هو فقال من غناني ما أشتهي فله ما في كمي وما علي وما تحتي فغنوه كلهم فلم يطرب فقال لي غن يا غلام فغنيت
صوت
( إكليلُها ألوانُ ... ووجههُا فَتّانُ )( وخالُها فريدٌ ... ليبس له جيران )
( إذا مشتْ تَثنّت ... كأنها ثعبان )
الشعر لمطيع بن إياس والغناء لحكم الوادي هزج بالوسطى وفيه لإبراهيم رمل خفيف بالوسطى فطرب وأخرج ما كان في كمه وإذا كيس فيه ألف
دينار فرمى به إلي مع عقد الجوهر فلما دخل بعث إلي بالحمار وجميع ما كان عليه
وهذا الخبر يذكر من عدة وجوه في أخبار مطيع بن إياس
وفي حكم الوادي يقول رجل من قريش
صوت
( أبو يحيى أخو الغَزَل المغنِّي ... بَصيرٌ بالثِّقال وبالخفَافِ )
( على العيدان يُحسِن ما يُغنِّي ... ويحسُن ما يقول على الدِّفاف )
غناه حكم الوادي هزجا بالبنصر
قال هارون بن عبد الملك قال أبو يحيى العبادي قال حدثني أحمد البارد قال دخلت على حكم يوما فقال لي يا قصافي إن رجلا من قريش قال في هذا الشعر
( أبو يحيى أخو الغَزَل المغنِّي ... )
وقد غنيت فيه فخذ العود حتى تسمعه مني فأخذت العود فضربت عليه وغنانيه فكنت أول من أخذ من حكم الوادي هذا الصوت
قال أبو يحيى وقال إسحاق سمعت حكما الوادي يغني صوتا فاعجبني فسألته لمن هو فقال ولمن يكون هذا إلا لي
وقال مصعب حدثني شيخ أنه سمع حكما الوادي يغني فقال له أحسنت فألقى الدف وقال للرجل قبحك الله تراني مع المغنين منذ ستين سنة وتقول لي أحسنت
وقال لي هارون حدثني مدرك بن يزيد قال قال لي فليح بعث إلي يحيى بن خالد وإلى حكم الوادي وابن جامع معنا فأتيناه
فقلت لحكم الوادي أو قال لي إن ابن جامع معنا فعاوني عليه لنكسره
فلما صرنا إلى الغناء غنى حكم فصحت وقلت هكذا والله يكون الغناء ثم غنيت ففعل بي حكم مثل ذلك وغنى ابن جامع فما كنا معه في شيء
فلما كان العشي أرسل إلى جاريته دنانير إن أصحابك عندنا فهل لك أن تخرجي إلينا فخرجت وخرج معها وصائف لها فأقبل عليها يقول لها من حيث يظن أنا لا نسمع ليس في القوم أنزه نفسا من فليح ثم أشار إلى غلام له إن ائت كل إنسان بألفي درهم فجاء بها فدفع إلى ابن جامع ألفين فأخذها فطرحها في كمه ولحكم مثل ذلك فطرحها في كمه ودفع إلي الفين
فقلت لدنانير قد بلغ مني النبيذ فاحتبسيها لي عندك فأخذت الدراهم مني وبعثت بها إلي من الغد وقد زادت عليها مثلها وأرسلت إلي قد بعثت إليك بوديعتك وبشيء أحببت أن تفرقه على أخواتي تعني جواري
شهرته في الهزج
قال هارون بن محمد قال حماد بن إسحاق قال أبي أربعة بلغوا في أربعة أجناس من الغناء مبلغا قصر عنه غيرهم معبد في الثقيل وابن سريج في الرمل وحكم في الهزج وإبراهيم في الماخوريقال هارون وحدثني أبي قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي عن أبيه قال
زاد حكم الوادي الرشيد فبره ووصله بثلثمائة ألف درهم وسأله عمن يختار أن يكتب له بها إليه فقال اكتب لي بها إلى إبراهيم بن المهدي وكان عاملا له بالشام قال إبراهيم فقدم علي حكم بكتاب الرشيد فدفعت إليه ما كتب به ووصلته بمثل ما وصله إلا أني نقصته ألفا من الثلثمائة وقلت له لا أصلك بمثل صلة أمير المؤمنين
فأقام عندي ثلاثين يوما أخذت منه فيها ثلثمائة صوت كل صوت منها أحب إلي من الثلثمائة الألف التي وهبتها له
وأخبرني علي بن عبد العزيز عن عبيد الله بن خرداذبة قال قال مصعب بن عبد الله بينا حكم الوادي بالمدينة إذ سمع قوما يقولون لو ذهبنا إلى جارية ابن شقران فإنها حسنة الغناء فمضوا إليها وتبعهم حكم وعليه فروة فدخلوا ودخل معهم وصاحب المنزل يظن أنه معهم وهم يظنون أنه من قبل صاحب المنزل ولا يعرفونه
فغنت الجارية أصواتا ثم غنت صوتا ثم صوتا فقال حكم الوادي أحسنت والله وصاح
فقال له رب البيت يا ماص كذا وكذا من أمه وما يدريك ما الغناء فوثب عليه يتعتعه وأراد ضربه فقال له حكم يا عبدالله دخلت بسلام وأخرج كما دخلت وقام ليخرج فقال له رب البيت لا أو أضربك
فقال حكم على رسلك أنا أعلم بالغناء منك ومنها وقال شدي موضع كذا وأصلحي موضع كذا وإندفع يغني فقالت الجارية إنه والله أبو يحيى فقال رب المنزل جعلت فداك المعذرة إلى الله وإليك لم أعرفك فقام حكم ليخرج فأبى الرجل فقال والله لأخرجن فسأعود إليها لكرامتها لا لكرامتك
وذكر أحمد بن المكي عن أبيه أن حكما لم يشهر بالغناء ويذهب له
الصوت به حتى صار الأمر إلى بني العباس فانقطع إلى محمد بن أبي العباس أمير المؤمنين وذلك في خلافة المنصور فأعجب به واختاره على المغنين وأعجبته أهزاجه
وكان يقال إنه من أهزج الناس
ويقال إنه غنى الأهزاج في آخر عمره وإن ابنه لامه على ذلك وقال له أبعد الكبر تغني غناء المخنثين فقال له اسكت فإنك جاهل غنيت الثقيل ستين سنة فلم أنل إلا القوت وغنيت الأهزاج منذ سنيات فأكسبتك ما لم تر مثله قط
قال هارون بن محمد وقال يحيى بن خالد ما رأينا فيمن يأتينا من المغنين أحدا أجود أداء من حكم
وليس أحد يسمع غناء ثم يغنيه بعد ذلك إلا وهو يغيره ويزيد فيه وينقص إلا حكما
فقيل لحكم ذلك فقال إني لست أشرب وغيري يشرب فإذا شرب تغير غناؤه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال كان خبر حكم الوادي يتناهى إلى المنصور ويبلغه ما يصله به بنو سليمان بن علي فيعجب لذلك ويستسرفه ويقول هل هو إلا أن حسن شعرا بصوته وطرب مستمعيه فماذا يكون وعلام يعطونه هذه العطايا المسرفة إلى أن جلس يوما في مستشرف له وقد كان حكم دخل إلى رجل من قواده أراه قال علي بن يقطين أو أبوه وهو يراه ثم خرج عشيا وقد حمله على بغلة له يعرفها المنصور وخلع عليه ثيابا يعرفها له
فلما رآه المنصور قال من هذا فقيل حكم الوادي فحرك رأسه عليا ثم قال الآن علمت أن هذا يستحق ما يعطاه قيل وكيف ذلك يا
أمير المؤمنين وأنت تنكر ما يبلغك منه قال لأن فلانا لا يعطي شيئا من ماله باطلا ولا يضعه إلا في حقه
المهدي يجيزه والهادي يعطيه
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي عن الأصمعي قال رأيت حكما الوادي حين مضى المهدي إلى بيت المقدس وقد عارضه في الطريق وأخرج دفه ونقر فيه وله شعيرات على راسه وقال أنا والله يا أمير المؤمنين القائل( ومتى تَخرج العروس ... فقد طال حبسُها )
فتسرع إليه الحرس فقال دعوه وسأل عنه فأخبر أنه حكم الوادي فوصله وأحسن إليه
لحن حكم في هذا الشعر المذكور هزج بالبنصر وفيه ألحان لغيره وقد ذكرت في أخبار الوليد بن يزيد
أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن صالح الأضجم عن حكم الوادي قال كان الهادي يشتهي من الغناء ما توسط وقل ترجيعه ولم يبلغ أن يستخف جدا فأخرج ليلة ثلاث بدر وقال من أطربني فهي له
فغناه ابن جامع وإبراهيم الموصلي والزبير بن دحمان فلم يصنعوا شيئا وعرفت ما أراد فغنيته لإبن سريج
صوت
( غَرّاءُ كالليلة المباركة الْقَمْراء ... تَهْدي أوائلَ الظُّلَمِ )( أَكْنِي بغير اسمها وقد علم ... الله خَفِيّاتِ كلِّ مُكتتِم )
( كأن فاها إذا تُنُسِّم عن ... طيب مَشَمٍّ وحسن مُبْتَسَم )
( يُسَنُّ بالضَّرْو من بَرَاقِشَ أو ... هَيْلانَ أو يانعِ من العُتُم )
الشعر في هذا الغناء للنابغة الجعدي والصنعة لإبن سريج رمل بالبنصر فوثب عن فراشه طربا وقال أحسنت أحسنت والله اسقوني فسقي
ووثقت بأن البدر لي فقمت فجلست عليها فأحسن ابن جامع المحضر وقال أحسن والله كما قال أمير المؤمنين وإنه لمحسن مجمل
فلما سكن أمر الفراشين بحملها معي فقلت لإبن جامع مثلك يفعل ما فعلت في شرفك ونسبك فإن رأيت أن تشرفني بقبول إحداها فعلت
فقال لا والله لا فعلت والله لوددت أن الله زادك وأسأل الله أن يهنيك ما رزقك
ولحقني الموصلي فقال آخذ يا حكم من
هذا فقلت لا والله ولا درهما واحدا لأنك لم تحسن المحضر
موته وشعر الدارمي فيه
ومات حكم الوادي من قرحة أصابته في صدره فقال الدارمي فيه قبل وفاتهصوت
( إنّ أبا يحيى اشتكَى عِلّةً ... أَصْبحَ منها بين عُوّادِ )( فقلت والقلبُ به مُوجَعٌ ... يا رَبّ عافِ الحَكَم الوادي )
( فرُبّ بِيضٍ قادةٍ سادةٍ ... كأنصُلٍ سُلّت مِنَ اغْماد )
( نادَمهم في مجلس لاهياً ... فَأَصْمتَ المُنشِدَ والشادي )
غنى فيه حكم الوادي هزجا بالبنصر
صوت
من المائة المختارة
( أمعارِفَ الدِّمَن القَفَار تَوَهّمُ ... ولقد مضى حولٌ لهنَ مُجَرَّمُ )( ولقد وقفتُ على الديار لعلَّها ... بجواب رَجْع تحيّة تتكلمّ )
( عن عِلْم ما فعل الخليطُ فما دَرَتْ ... أنَّى توجّه بالخليط المَوْسِم )
( ولقد عهِدتُ بها سُعادَ وإنها ... بالله جاهدةَ اليمين لتُقسِم )
( إني لأَوْجَهُ مَنْ تكلّم عندها ... بأَلِيَّةٍ ومخالفٌ مَن يَزْعُم )
( فلها لدينا بالذي بذَلتْ لنا ... وُدٌّ يطول له العَناء ويَعْظُم )
عروضه من الكامل الشعر لنصيب من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن
مروان والغناء لإبن جامع له فيه لحنان ذكرهما إسحاق أحدهما ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى
ولإبراهيم في البيتين الأولين ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى ولإسحاق وسياط فيهما ثقيل بالبنصر عن عمرو
ذكر ابن جامع وخبره ونسبه
هو إسماعيل بن جامع بن إسماعيل بن عبد الله بن المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالبأخبرني الطوسي عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب وأخبرنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد عن سلمة عن ابن إسحاق قالا جميعا مات ضبيرة السهمي وله مائة سنة ولم يظهر في رأسه ولا لحيته شيب فقال بعض شعراء قريش يرثيه
( حُجّاجَ بيت الله إنّ ... ضُبيرةَ السَّهْمِيّ ماتَا )
( سبَقتْ منّيتُه المَشيبَ ... وكان مِيتتُه افتلاتا )
( فتزوّدوا لا تَهْلِكوا ... من دون أهلكُم خُفاتا )
قال وأسر أبو وداعة كافرا يوم بدر ففداه ابنه المطلب وكان المطلب رجل صدق
وقد روى عن النبي الحديث
ويكنى ابن جامع أبا القاسم وأمه امرأة من بني سهم وتزوجت بعد أبيه رجلا من أهل اليمن
فذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن حماد عن أبيه عن بعض أصحابه عن عون حاجب معن بن زائدة قال رايت أم ابن جامع وابن جامع معها عند معن بن زائدة وهو ضعيف يتبعها ويطأ ذيلها وكانت من قريش ومعن يومئذ على اليمن
فقالت أصلح الله الأمير إن عمي زوجني زوجا ليس بكفء ففرق بيني وبينه
قال من هو قالت ابن ذي مناجب قال علي به قال فدخل أقبح من خلق الله وأشوهه خلقا قال من هذه منك قال امرأتي قال خل سبيلها ففعل فأطرق معن ساعة ثم رفع رأسه فقال
( لعمري لقد أصبحتَ غيرَ محبِّب ... ولا حَسَنٍ في عينها ذا مناجِب )
( فما لمتُها لمّا تبينّتُ وجهَه ... وعيناً له حَوْصاءَ من تحت حاجب )
( وأنفاً كأنف البَكْر يقطُر دائباً ... على لِحيْة عَصْلاءَ شابتْ وشارِب )
( أتيتَ بهامثلَ المَهاة تسوقها ... فياحُسْن مجلوب ويا قُبح جالب )
وأمر لها بمائتي دينار وقال لها تجهزي بها إلى بلادك
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرني حماد عن أبيه أن الرشيد سأل ابن جامع يوما عن نسله وقال له أي بني الإنس ولدك يا إسماعيل قال لا أدري ولكن سل ابن أخي يعني إسحاق وكان يماظ إبراهيم الموصلي ويميل إلى ابنه إسحاق قال إسحاق ثم التفت إلي ابن جامع فقال أخبره يابن أخي بنسب عمك
فقال له الرشيد قبحك الله شيخا من قريش تجهل نسبك حتى يخبرك به غيرك وهو رجل من العجم
بعض من ورعه وتقواه
قال هارون حدثني عبد الله بن عمرو قال حدثني أبو هشام محمد بن عبد الملك المخزومي قال أخبرني محمد بن عبد الله بن أبي فروة بن أبي قراد المخزومي قال كان ابن جامع من أحفظ خلق الله لكتاب الله وأعلمه بما يحتاج إليه كان يخرج من منزله مع الفجر يوم الجمعة فيصلي الصبح ثم يصف قديمه حتى تطلع الشمس ولا يصلي الناس الجمعة حتى يختم القرآن ثم ينصرف إلى منزلهقال هارون وحدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني صالح بن علي بن عطية وغيره من رجال أهل العسكر قالوا قدم ابن جامع قدمة له من مكة على الرشيد وكان ابن جامع حسن السمت كثير الصلاة قد أخذ السجود جبهته وكان يعتم بعمامة سوداء على قلنسوة طويلة ويلبس لباس الفقهاء ويركب حمارا مريسيا في زي أهل الحجاز فبينا
هو واقف على باب يحيى بن خالد يلتمس الإذن عليه فوقف على ما كان يقف الناس عليه في القديم حتى يأذن لهم أو يصرفهم أقبل أبو يوسف القاضي بأصحابه أهل القلانس فلما هجم على الباب نظر إلى رجل يقف إلى جانبه ويحادثه فوقعت عينه على ابن جامع فرأى سمته وحلاوة هيئته فجاء فوقف إلى جانبه ثم قال له أمتع الله بك توسمت فيك الحجازية والقرشية قال أصبت قال فمن أي قريش أنت قال من بني سهم قال فأي الحرمين منزلك قال مكة قال ومن لقيت من فقهائهم قال سل عمن شئت ففاتحه الفقه والحديث فوجد عنده ما أحب فأعجب به
ونظر الناس إليهما فقالوا هذا القاضي قد اقبل على المغني وأبو يوسف لا يعلم أنه ابن جامع فقال أصحابه لو أخبرناه عنه ثم قالوا لا لعله لا يعود إلى مواقفته بعد اليوم فلم نغمه
فلما كان الإذن الثاني ليحيى غدا عليه الناس وغدا عليه أبو يوسف فنظر يطلب ابن جامع فرآه فذهب فوقف إلى جانبه فحادثه طويلا كما فعل في المرة الأولى فلما انصرف قال له بعض أصحابه أيها القاضي أتعرف هذا الذي تواقف وتحادث قال نعم رجل من قريش من أهل مكة من الفقهاء قالوا هذا ابن جامع المغني قال إنا لله
قالوا إن الناس قد شهروك بمواقفته وأنكروا ذلك من فعلك فلما كان الإذن الثالث جاء أبو يوسف ونظر إليه فتنكبه وعرف ابن جامع أنه قد أنذر به فجاء فوقف فسلم عليه فرد السلام عليه أبو يوسف بغير ذلك الوجه الذي كان يلقاه به ثم أنحرف عنه
فدنا منه ابن جامع وعرف الناس القصة وكان ابن جامع جهيرا فرفع صوته ثم قال يا أبا يوسف مالك تنحرف عني أي شيء أنكرت قالوا لك إني ابن جامع المغني فكرهت مواقفتي لك أسألك عن مسألة ثم اصنع ما شئت ومال الناس فأقبلوا نحوهما يستمعون فقال يا أبا يوسف لو أن أعرابيا جلفا وقف بين يديك فأنشدك بجفاء وغلظة من لسانه وقال
( يا دار مَيَّة بالعَلْياء فالسَّنَد ... أَقَوتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ )
أكنت ترى بذلك بأسا قالا لا قد روي عن النبي في الشعر قول وروي في الحديث
قال ابن جامع فإن قلت أنا هكذا ثم اندفع يتغنى فيه حتى أتى عليه ثم قال يا أبا يوسف رأيتني زدت فيه أو نقصت منه قال عافاك الله أعفنا من ذلك قال يا أبا يوسف أنت صاحب فتيا ما زدته على أن حسنته بألفاظي فحسن في السماع ووصل إلى القلب ثم تنحى عنه ابن جامع
قال وحدثني عبد الله بن شبيب قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن سفيان ابن عيينة ومر به ابن جامع يسحب الخز فقال لبعض أصحابه بلغني أن هذا القرشي أصاب مالا من بعض الخلفاء فبأي شيء أصابه قالوا بالغناء قال فمن منكم يذكر بعض ذلك فأنشد بعض أصحابه ما يغني فيه
( وأَصحَب بالليل أهلَ الطَّواف ... وأرفع من مِئزَرِي المُسْبَلِ )
قال أحسن هيه قال
( وأسجدُ بالليل حتى الصباح ... واتلو من المُحْكَم المُنْزَل )
قال أحسن هيه قال
( عَسَى فارجُ الكرب عن يوسفٍ ... يُسخِّر لي رَبّة المَحْمِل )
قال أما هذا فدعه
طريقته في الغناء
وحدثني محمد بن الحسن العتابي قال حدثني جعفر بن محمد الكاتب قال حدثني طيب بن عبد الرحمن قال كان ابن جامع يعد صيحة الصوت قبل أن يصنع عمود اللحن
وحدث محمد بن الحسن قال حدثني أبو حارثة بن عبد الرحمن بن سعيد بن سلم عن أخيه أبي معاوية بن عبد الرحمن قال قال لي ابن جامع لولا أن القمار وحب الكلاب قد شغلاني لتركت المغنين لا يأكلون الخبز
أخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال أهدى رجل إلى ابن جامع كلبا فقال ما اسمه فقال لا أدري فدعا بدفتر فيه أسماء الكلاب فجعل يدعوه بكل اسم فيه حتى أجابه الكلب
قال هارون بن محمد حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني محمد بن أحمد المكي قال حدثتني حولاء مولاة ابن جامع قالت انتبه مولاي يوما من قائلته فقال علي بهشام يعني ابنه ادعوه لي عجلوه فجاء مسرعا فقال أي بني خذ العود فإن رجلا من الجن ألقى علي في قائلتي صوتا فأخاف أن أنساه
فأخذ هشام العود وتغنى ابن جامع عليه رملا لم أسمع له رملا أحسن منه وهو
صوت
( أمستْ رُسوم الديار غيَّرها ... هوجُ الرِّياح الزَّعازعِ العُصُف )( وكلُّ حَنّانة لها زَجَلٌ ... مثلُ حَنين الرَّوائم الشُّغُف )
فأخذه عنه هشام فكان بعد ذلك يتغناه وينسبه إلى الجن وفي هذا الصوت
للهذلي لحن من الثقيل الثاني بالخنصر في مجرى الوسطى
وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو وقيل إن هذا اللحن لعبادل وفيه لإبن جامع الرمل المذكور
قال هارون وحدثني أحمد بن بشر بن عبد الوهاب قال حدثني محمد بن موسى بن فليح الخزاعي قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد المكي قال قال لي ابن جامع أخذت من هارون ببيتن غنيته بهما عشرة آلاف دينار
صوت
( لا بدّ للعاشق من وَقْفةٍ ... تكون بين الوَصْل والصرّمِ )
( يَعْتِب أحياناً وفي عَتْبة ... إظهارُ ما يُخْفِي من السُّقْم )
( إشفاقُه داعٍ إلى ظَنّه ... وظنُّه داعٍ إلى الظلم )
( حتى إذا ما مَضّه هجره ... راجَع مَنْ يَهْوَى على رَغْم )
هكذا رويته الشعر للعباس بن الأحنف والغناء لإبن جامع ثاني ثقيل بالوسطى وذكر ابن بانة أن هذا اللحن لسيلم وفيه لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى قال ثم قال لي ابن جامع فمتى تصيب أنت بالمروءة شيئا
وقال هارون حدثني أحمد بن زهير قال حدثني مصعب بن عبد الله قال خرج ابن أبي عمرو الغفاري وعبد الرحمن بن أبي قباحة وغيرهما من القرشيين عمارا يريدون مكة فلما كانوا بفخ نزلوا على البئر التي هناك
ليغتسلوا فيها
قال فبينما نحن نغتسل إذ سمعنا
صوت
غناء فقلنا لو ذهبنا إلى هؤلاء فسمعنا غناءهم فأتيناهم فإذا ابن جامع وأصحاب له يغنون وعندهم فضيخ لهم يشربون منه فقالوا تقدموا يا فتيان فتقدم ابن أبي عمرو فجلس مع القوم وكان رأسهم فجلسنا نشرب وطرب ابن أبي قباحة فغنى فقال ابن جامع وابأبي وأمي ابن أبي قباحة وإلا فهو ابن الفاعلةفقام ابن أبي عمرو فأخرج من وسطه هميانا فيه ثلثمائة درهم فنثرها على ابن أبي قباحة فقال ابن جامع امضوا بنا إلى المنزل فمضنيا فأقمنا عنده شهرا ما نبرح ونحن على إحرامنا ذلك
قال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثني علي بن سليمان عن محمد بن أحمد النوفلي عن جارية ابن جامع الحولاء قال وكانت تتبناني فتغنت يوما وطربت وقالت يا بني ألا أغنيك هزجا لسيدي في عشيقة له سوداء قلت بلى فتغنت هزجا ما سمعت أحسن منه وهو
صوت
( اَشْبَهِك المسكُ وأشبهتِه ... قائمةً في لونه قاعده )
( لا شكّ إذ لونُكما واحدٌ ... أنّكما من طينةٍ واحدهْ )
وقد روي هذا الشعر لأبي حفص الشطرنجي يقوله في دنانير مولاة البرامكة ونسب هذا الهزج إلى إبراهيم وابن جامع وغيرهما
قال عبد الله بن عمرو حدثنا أحمد بن عمر بن إسماعيل الزهري قال حدثني محمد بن جعفر بن عمر بن علي بن ابي طالب عليه السلام وكان يلقب الأبله قال قال برصوما الزامر وذكر إبراهيم الموصلي وابن جامع فقال الموصلي بستان تجد فيه الحلو والحامض وطريا لم ينضح فتأكل منه من ذا وذا
وابن جامع زق عسل إن فتحت فمه خرج عسل حلو وإن خرقت جنبه خرج عسل حلو وإن فتحت يده خرج عسل حلو كله جيد
غنى عند الرشيد فأخطأ ثم أجاد
أخبرنا يحيى بن علي عن أبيه وحماد عن إبراهيم بن المهدي وكان إبراهيم يفضل ابن جامع ولا يقدم عليه أحدا وابن جامع يميل إليه قال كنا في مجلس الرشيد وقد غلب على ابن جامع النبيذ فغنى صوتا فأخطأ في أقسامه فالتفت إلي إبراهيم الموصلي فقال قد خري فيه وفهمت صدقه قال فقلت لإبن جامع يا أبا القاسم أعد الصوت وتحفظ فيه فانتبه وأعاده فأصابفقال إبراهيم
( أُعلِّمُه الرِّمايةَ كلَّ يومٍ ... فلمّا اشْتَدّ ساعدُه رماني )
وتنكر لميلي مع ابن جامع عليه فقلت للرشيد بعد أيام إن لي حاجة إليك قال وما هي قلت تسأل إبراهيم الموصلي أن يرضى غني ويعود إلى ما كان عليه
فقال إنما هو عبدك وقال له قم إليه فقبل رأسه فقلت لا ينفعني رضاه في الظاهر دون الباطن فسله أن يصحح الرضا فقام إلي ليقبل راسي كما أمر فقال لي وقد أكب علي ليقبل رأسي أتعود قلت لا قال قد رضيت عنك رضا صحيحا وعاد إلى ما كان عليه
وقال حماد عن أبي يحيى العبادي قال قدم حوراء غلام حماد الشعراني وكان أحد المغنين المجيدين قال حدثني بعض أصحابنا قال كنا في دار أمير المؤمنين الرشيد فصاح بالمغنين من فيكم يعرف
( وكَعْبَةُ نَجْران حَتّمٌ عليكِ ... حتى تُناخِي بأبوابها )
الشعر للأعشى فبدرهم إبراهيم الموصلي فقال أنا أغنيه وغناه فجاء بشىء عجيب فغضب ابن جامع وقال لزلزل دع العود أنا من جحاش وجرة لا أحتاج إلى بيطار ثم غنى الصوت فصاح إليه مسرور أحسنت يا أبا القاسم ثلاث مرات
نسبة هذا الصوت
صوت
( وكعبةُ نَجْرانَ حتمٌ عليكِ ... حتى تُناخِي بأبوابِها )( نَزور يزيدَ وعبدَ المَسيح ... وقيساً هُمُ خيرُ أربابها )
( وشاهدُنا الجُلّ واليَاسِمينُ ... والمُسْمِعاتُ بقُصّابها )
( وبَرْبطنا دائمٌ مُعْمَل ... فأيُّ الثلاثةِ أَزْرَى بها )
( فلما التقينا على آلةٍ ... ومَدّتْ إليّ بأسبابها )
الشعر للأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة وهؤلاء الذين ذكرهم أساقفة نجران وكان يزورهم ويمدحهم ويمدح العاقب والسيد وهما ملكا نجران ويقيم عندهما ما شاء يسقونه الخمر ويسمعونه الغناء الرومي فإذا انصرف أجزلوا صلته
أخبرنا بذلك محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وله أخبار كثيرة معهم تذكر في مواضعها إن شاء الله
والغناء لحنين الحيري خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق في الأربعة الأول وذكر عمرو أنه لإبن محرز
وذكر يونس أن فيها لحنا لمالك ولم يجنسه وذكر الهشامي أن في الخامس والسادس ثم الأول والثاني خفيف رمل بالوسطى ليحيى المكي
استحضره الفضل بن الربيع لما ولي الهادي
وقال حماد عن مصعب بن عبد الله قال حدثني الطراز وكان بريد الفضل بن الربيع قال لما مات المهدي وملك موسى الهادي أعطاني الفضل دنانير وقال إلحق بمكة فأتني بابن جامع واحمله في قبة ولا تعلمن بذا أحدا ففعلت فأنزلته عندي واشتريت له جارية له وكان ابن جامع صاحب نساءفذكره موسى ذات ليلة وكان
هو والحراني منقطعين إلى موسى أيام المهدي فضربهما المهدي وطردهما فقال لجلسائه أما فيكم أحد يرسل إلى ابن جامع وقد علمتم موقعة مني فقال له الفضل بن الربيع هو والله عندي يا أمير المؤمنين وقد فعلت الذي أردت وبعث إليه فأتي به في الليل
فوصل الفضل تلك الليلة بعشرة آلاف دينار وولاه حجابته
قال إسحاق عن بعض أصحابه كنا عند أمير المؤمنين الرشيد يوما فقال الغلام الذي على الستارة يابن جامع تغن ببيت السعدي
( فلو سألتْ سَراةَ الحيِّ سَلْمى ... على أن قد تَلوّن بي زماني )
( لخبَّرها ذوو الأحساب عنِّي ... وأعدائي فكلٌّ قد بَلاني )
( بذبِّي الذمَّ عن حسبي بمالي ... وزَبُّوناتِ أَشْوسَ تَيْحان )
( وأني لا أزال أخا حروبٍ ... إذا لم أَجْن كنتُ مِجَنَّ جاني )
قال فحرك ابن جامع رأسه وكان إذا اقترح عليه الخليفة شيئا قد أحسنه وأكمله طار فرحا فغنى به فأربد وجه إبراهيم لما سمعه منه وكذا كان ابن جامع أيضا يفعل فقال له صاحب الستارة أحسنت والله يا أميري أعد فأعاد فقال أنت في حلبة لا يلحقك أحد فيها أبدا
ثم قال صاحب الستارة لإبراهيم تغن بهذا
الشعر فتغنى فلما فرغ قال مرعى ولا كالسعدان أخطأت في موضع كذا وفي موضع كذا فقال نفي إبراهيم من أبيه إن كان يا أمير المؤمنين أخطأ حرفا وقد علمت أني أغفلت في هذين الموضعين
قال إبراهيم فلما انصرفنا قلت لإبن جامع والله ما أعلم أن أحدا بقي في الأرض يعرف هذا الغناء معرفة أمير المؤمنين قال حق والله لهو إنسان يسمع الغناء منذ عشرين سنة مع هذا الذكاء الذي فيه
قال إسحاق كان ابن جامع إذا تغنى في هذا الشعر
صوت
( مَنْ كان يَبْكي لِمَا بي ... مِنْ طول سُقْمٍ رَسيسِ )( فالآنَ من قبل موتي ... لا عِطْرَ بعد عَرُوس )
( بنيْتُم في فؤادي ... أوكار طيرِ النُحوس )
( قلبي فريسُ المنايا ... يا ويحه من فرِيس )
الشعر لرجل من قريش والغناء لإبن جامع في طريقة الرمل لم يتغن في ذلك المجلس بغيره
وكان إذا أراد أن يتغنى سأل أن يزمر عليه برصوما فلما كثر ذلك سألوه فيه فقال لا والله ولكنه إذا ابتدأت فغنيت في الشعر عرف الغرض الذي يصلح فما يجاوزه وكنت معه في راحة وذلك أن المغني إذاتغنى بزمر زامر فأكثر العمل على الزامر لأنه لا يقفو الأثر فإذا زمر برصوما فأنا في راحة وهو في تعب وإذا زمر علي غيره فهو في راحة وأنا في تعب
فإن شككتم فاسألوا برصوما ومنصور زلزل فسألوهما عما قال فقالا صدق
قال وحدثني علي بن أحمد الباهلي قال سمعت مصعب بن عبد الله يقول بلغ المهدي أن ابن جامع والموصلي يأتيان موسى فبعث إليهما فجيء بهما فضرب الموصلي ضربا مبرحا وقال له ابن جامع ارحم أمي فرق له وقال
له قبحك الله رجل من قريش يغني وطرده
فلما قام موسى وجه الفضل خلفه بريدا حتى جاء به فقال له موسى ما كان ليفعل هذا غيرك
قال وحدثني الزبير بن بكار قال قال لي فلفلة تمنى يوما موسى أمير المؤمنين ابن جامع فدفع إلي الفضل بن الربيع خمسمائة دينار وقال امض حتى تحمل ابن جامع وبعث إليه بما يصلحه فمضيت فحملته
فلما دخلنا أدخله الفضل الحمام وأصلح من شأنه ودخل على موسى فغناه فلم يعجبه
فلما خرج قال له الفضل تركت الخفيف وغنيت الثقيل قال فأدخلني عليه أخرى فأدخله فغنى الخفيف فقال حاجتك فأعطاه ثلاثين ألف دينار
قال وحدثني عبد الرحمن بن أيوب قال حدثنا أبو يحيى العبادي قال حدثني ابن أبي الرجال قال حدثني زلزل قال أبطأ إبراهيم الموصلي عن الرشيد فأمر مسرورا الخادم يسأل عنه وكان أمير المؤمنين قد صير أمر المغنين إليه فقيل له لم يأت بعد
ثم جاء في آخر النهار فقعد بيني وبين برصوما فغنى صوتا له فأطربه وأطرب والله كل من كان في المجلس قال فقام ابن جامع من مجلسه فقعد بيني وبين برصوما ثم قال أما والله يا نبطي ما أحسن إبراهيم وما أحسن غيركما
قال ثم غنى فنسينا أنفسنا والله لكأن العود كان في يده
إبراهيم الموصلي يشهد له بجودة الإيقاع
قال وحدثني عمر بن شبة قال حدثني يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن نهيك قال دعا أبي الرشيد يوما فأتاه ومعه جعفر بن يحيى فأقاما عنده وأتاهما ابن جامع فغناهما يومهمافلما كان الغد انصرف الرشيد وأقام جعفر قال فدخل
عليهم إبراهيم الموصلي فسال جعفرا عن يومهم فأخبره وقال له لم يزل ابن جامع يغنينا إلا أنه كان يخرج من الإيقاع وهو في قوله يريد أن يطيب نفس إبراهيم الموصلي قال فقال له إبراهيم أتريد أن تطيب نفسي بما لا تطيب به لا والله ما ضرط ابن جامع منذ ثلاثين سنة إلا بإيقاع فكيف يخرج من الإيقاع
قال وحدثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال حدثني أبي قال كان سبب عزل العثماني أن ابن جامع سأل الرشيد أن يأذن له في المهارشة بالديوك والكلاب ولا يحد في النبيذ فأذن له وكتب له بذلك كتابا إلى العثماني فلما وصل الكتاب قال كذبت أمير المؤمنين لا يحل ما حرم الله وهذا كتاب مزور
والله لئن ثقفتك على حال من هذه الأحوال لأؤدبنك أدبك قال فحذره ابن جامع
ووقع بين العثماني وحماد اليزيدي وهو على البريد ما يقع بين العمال فلما حج هارون قال حماد لإبن جامع أعني عليه حتى أعزله قال أفعل قال فابدأ أنت وقل إنه ظالم فاجر واستشهدني فقال له ابن جامع هذا لا يقبل في العثماني ويفهم أمير المؤمنين كذبنا ولكني أحتال من جهة ألطف من هذه قال فسأله هارون ابتداء فقال له يابن جامع كيف أميركم العثماني قال خير أمير وأعدله وأفضله وأقومه بحق لولا ضعف في عقله قال
وما ضعفه قال قد أفنى الكلاب قال وما دعاه إلى إفنائها قال زعم أن كلبا دنا من عثمان بن عفان يوم ألقي على الكناس فأكل وجهه فغضب على الكلاب فهو يقتلها فقال هذا ضعيف اعزلوه فكان سبب عزله
قال هارون بن محمد وحدثني الحسن بن محمد الغياثي قال حدثني أبي عن القطراني قال كان ابن جامع بارا بوالدته وكانت مقيمة بالمدينة وبمكة
فدعاه إبراهيم بن المهدي وأظهر له كتابا إلى أمير المؤمنين فيه نعي والدته قال فجزع لذلك جزعا شديدا وجعل أصحابه يعزونه ويؤنسونه ثم جاؤوا بالطعام فلم يتركوه حتى طعم وشرب وسألوه الغناء فامتنع
فقال له إبراهيم بن المهدي إنك ستبذل هذا لأمير المؤمنين فابذله لإخوانك فاندفع يغني
صوت
( كم بالدُّروب وأرض الروم مِنْ قَدَم ... ومِنْ جماجم صَرْعَى ما بها قُبِرُوا )( بقُنْدُهَارَ ومَنْ تُقْدَر منيّته ... بقُنْدُهَار يُرَجَّم دونه الخبر )
الشعر ليزيد بن مفرغ الحميري والغناء لإبن جامع رمل وفيه لإبن سريج
خفيف رمل جميعا عن الهشامي قال وجعل إبراهيم يسترده حتى صلح له ثم قال لا والله ما كان مما خبرناك شيء إنما مزحنا بك
قال ثم قال له رد الصوت فغناه فلم يكن من الغناء الأول في شيء فقال له إبراهيم خذه الآن علي فأداه إبراهيم على السماع الأول
فقال له ابن جامع أحب أن تطرحه أنت على كذا
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن الشيباني عن أحمد بن يحيى المكي قال كان أبي بين يدي الرشيد وابن جامع معه يغني بين يدي الرشيد فغناه
( خليفةٌ لا يخيبُ سائلُه ... عليه تاجُ الوقار مُعْتَدلُ )
قال وغنى من يتلوه وهوم ابن جامع سكرا ونعاسا فلما دار الغناء على أصحابه وصارت النوبة إليه حركه من بجنبه لنوبته فانتبه وهو يغني
( اِسْلمْ وحُيِّيت أيّها الطَّلَلُ ... وإن عَفَتْك الرياح والسَّبلُ )
قال وهو يتلو البيت الأول فعجب أهل المجلس من ذكائه وفهمه وأعجب ذلك الرشيد
نسبة هذا الصوت
صوت
( اِسلم وحُيِّيت أيها الطللُ ... وإن عفتْك الرياح والسَّبَلُ )( خليفةٌ لا يخيب سائلُه ... عليه تاجُ الوقار مُعْتَدل )
الشعر لأشجع أو لسلم الخاسر يمدح به موسى الهادي والغناء لإبن جامع ثقيل أول بالوسطى من رواية الهشامي وأحمد بن يحيى المكي
الرشيد يخبره بموت أمه كذبا ليحسن غناؤه
قال هارون وقد حدثني بهذا الخبر عبد الرحمن بن أيوب قال حدثني أحمد بن يحيى المكي قال كان ابن جامع أحسن ما يكون غناء إذا حزن صوتهفأحب الرشيد أن يسمع ذلك على تلك الحال فقال للفضل بن الربيع ابعث خريطة فيها نعي أم ابن جامع وكان بارا بأمه ففعل
فوردت الخريطة على أمير المؤمنين وهو في مجلس
لهوه فقال يابن جامع جاء في هذه الخريطة نعي أمك فاندفع ابن جامع يغني بتلك الحرقة والحزن الذي في قلبه
( كم بالدّروب وأرض السِّند من قدم ... ومن جماجم صرْعى ما بها قُبِروا )
( بقُنْدُهار ومن تُكتب منِيّته ... بقُنْدُهار يُرجَّم دونه الخبر )
قال فوالله ما ملكنا أنفسنا وأريت الغلمان يضربون برؤوسهم الحيطان والأساطين
قال هارون لا أشك أن ابن المكي قد حدث به عن رجل حضر ذلك فأغفله عبد الرحمن بن أيوب قال ثم غنى بعد ذلك
( يا صاحب القبر الغريب ... )
وهو لحن قديم وفيه لحن لإبن المكي فقال له الرشيد أحسنت وأمر له بعشرة آلاف دينار
نسبة هذا الصوت الأخير
صوت
( يا صاحب القبر الغريب ... بالشام في طرف الكثِيب )( بالحِجْر بين صفائح ... صُمٍّ تُرصَّف بالجبُوب )
( رصْفا ولحدٍ مُمْكِنٍ ... تحت العجاجة في القليب )
( فإذا ذكرتُ أنينَهُ ... ومغيبَه تحت المغيب )
( هاجتْ لواعجُ عَبْرة ... في الصدر دائمة الدَّبيب )
( أسفاً لحسن بلائه ... ولمصرع الشيخ الغريب )
( أقبلتُ أطلبُ طِبَّه ... والموت يُعْضِل بالطبيب )
الشعر لمكين العذري يرثي أباه وقيل إنه لرجل خرج بإبنه إلى الشأم هربا به من جارية هويها فمات هناك
والغناء لحكم الوادي رمل في مجرى البنصر وقيل إن الشعر لسلامة ترثي الوليد بن يزيد
ابن جامع وأم جعفر
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحسن بن محمد قال حدثنا أحمد بن الخليل بن مالك قال حدثني عبد الله بن علي بن عيسى بن ماهان قال سمعت يزيد يحدث أن أم جعفر بلغها أن الرشيد جالس وحده ليس معه أحد من الندماء ولا المسامرين فأرسلت إليه يا أمير المؤمنين إني لم أرك منذ ثلاث وهذا اليوم الرابعفأرسل إليها عندي ابن جامع فأرسلت إليه أنت تعلم أني لا أتهنأ بشرب ولا سماع ولا غيرهما إلا أن تشركني فيه فما كان عليك أن أشركك في الذي أنت فيه فأرسل إليها إني سائر إليك الساعة
ثم قام وأخذ بيد ابن جامع وقال لحسين الخادم امض إليها فأعلمها أني قد جئت وأقبل الرشيد فلما نظر
إلى الخدم والوصائف قد استقبلوه علم أنها قد قامت تستقبله فوجه إليها إن معي ابن جامع فعدلت إلى بعض المقاصير
وجاء الرشيد وصير ابن جامع في بعض المواضع التي يسمع منه فيها ولا يكون حاضرا معهم
وجاءت أم جعفر فدخلت على الرشيد وأهوت لتنكب على يده فأجلسها إلى جانبه فاعتنقها واعتنقته ثم أمر ابن جامع أن يغني فاندفع فغنى
صوت
( ما رَعَدَتْ رَعْدَةً ولا بَرَقتْ ... لكنّها أُنشئت لنا خلقه )( الماء يجري على نظامٍ له ... لو يجِدُ الماءُ مخْرِقا خرقه )
( بتنا وباتتْ على نَمارقها ... حتى بدا الصبحُ عيْنُها أرقه )
( أنْ قيل إِنّ الرحيل بعد غدٍ ... والدارُ بعد الجميع مُفترِقه )
الشعر لعبيد بن الأبرص والغناء لإبن جامع ثاني ثقيل من أصوات قليلات الأشباه عن إسحاق
وفيه لإبن محرز ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة وذكر يونس أن فيه لحنا لمعبد ولم يجنسه
وفي لحكم هزج بالوسطى عن عمرو والهشامي ولمخارق في هذه الأبيات رمل بالبنصر عن الهشامي
وذكر حبش أن الثقيل الأول للغريض وذكر الهشامي أن لمتيم فيها ثاني ثقيل بالوسطى قال فقالت أم جعفر للرشيد ما أحسن ما اشتهيت والله يا أمير المؤمنين ثم قالت
لمسلم خادمها ادفع إلى ابن جامع لكل بيت مائة ألف درهم
فقال الرشيد غلبتنا يا بنت أبي الفضل وسبقتنا إلى بر ضيفنا وجليسنا فلما خرج حمل إليها مكان كل درهم دينارا
يشتري الصوت بثلاثة دراهم ويعوضها بثلاثة آلاف
أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أخبرني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدثني محمد بن ضوين الصلصال التيمي قال حدثني إسماعيل بن جامع السهمي قال ضمني الدهر ضما شديدا بمكة فانتقلت منها بعيالي إلى المدينة فأصبحت يوما وما أملك إلا ثلاثة دراهم فهي في كمي إذا أنا بجارية حميراء على رقتبها جرة تريد الركي تسعى بين يدي وترنم بصوت شجي تقول( شكونا إلى أحبابنا طولَ ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصرَ الليلَ عندنا )
( وذاك لأنّ النوم يَغْشَى عيونَهم ... سِراعاً وما يغشى لنا النومُ أَعْيُنا )
( إذا ما دنا الليلُ المُضِرّ لذي الهوى ... جَزِعْنا وهم يَستبشرون إذا دنا )
( فلو أنهم كانوا يلاقون مثلَ ما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلَنا )
قال فأخذ الغناء بقلبي ولم يدر لي منه حرف فقلت يا جارية ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك فلو شئت أعدت قالت حبا وكرامة
ثم أسندت ظهرها إلى جدار قرب منها ورفعت إحدى رجليها فوضعتها على الأخرى ووضعت الجرة على ساقيها ثم انبعثت تغنيه فوالله ما دار لي منه حرف فقلت أحسنت فلو شئت أعدتيه مرة أخرى ففطنت وكلحت وقالت ما أعجب أمركم أحدكم لا يزال يجيء إلى الجارية عليها الضريبة فيشغلها فضربت بيدي إلى الثلاثة الدراهم فدفعتها إليها وقلت أقيمي بها وجهك اليوم إلى أن نلتقي قال فأخذتها
كالكارهة وقالت أنت الآن تريد أن تأخذ مني صوتا أحسبك ستأخذ به ألف دينار وألف دينار وألف دينار
قال وانبعثت تغني فأعملت فكري في غنائها حتى دار لي الصوت وفهمته وانصرفت مسرورا إلى منزلي أردده حتى خف على لساني ثم إني خرجت أريد بغداد فدخلتها فنزل بي المكاري على باب محول فبقيت لا أدري أين أتوجه ولا من أقصد فذهبت أمشي مع الناس حتى أتيت الجسر فعبرت معهم ثم انتهيت إلى شارع المدينة فرأيت مسجدا بالقرب من دار الفضل بن الربيع مرتفعا فقلت مسجد قوم سراة فدخلته وحضرت صلاة المغرب وأقمت بمكاني حتى صليت العشاء الأخرة على جوع وتعب
وانصرف أهل المسجد وبقي رجل يصلي خلفه جماعة خدم وخول ينتظرون فراغه فصلى مليا ثم انصرف فراني فقال أحسبك غريبا قلت أجل قال فمتى كنت في هذه المدينة قلت دخلتها آنفا وليس لي بها منزل ولا معرفة وليست صناعتي من الصنائع التي يمت بها إلى أهل الخير قال وما صناعتك قلت أتغنى قال فوثب مبادرا ووكل بي بعض من معه
فسألت الموكل بي عنه فقال هذا سلام الأبرش قال وإذا رسول قد جاء في طلبي فانتهى بي إلى قصر من قصور الخلافة وجاوز بي مقصورة إلى مقصورة ثم أدخلت مقصورة في آخر الدهليز ودعا بطعام فأتيت بمائدة عليها من طعام الملوك فأكلت حتى امتلأت فإني لكذلك إذ سمعت ركضا في الدهليز وقائلا يقول أين الرجل قيل هو هذا
قال ادعوا له بغسول وخلعة وطيب ففعل ذلك بي فحملت على دابة إلى دار
الخلافة وعرفتها بالحرس والتكبير والنيران فجاوزت مقاصير عدة حتى صرت إلى دار قوراء فيها أسرة في وسطها قد أضيف بعضها إلى بعض
فأمرني الرجل بالصعود فصعدت وإذا رجل جالس عن يمينه ثلاث جوار في حجورهن العيدان وفي حجر الرجل عود
فرحب الرجل بي وإذا مجالس حياله كان فيها قوم قد قاموا عنها فلم ألبث أن خرج خادم من وراء الستر فقال للرجل تغن فانبعث يغني بصوت لي وهو
( لم تَمْشِ مِيلاً ولم تركب على قَتَب ... ولم تَرَ الشمسَ إلا دونها الكِلَلُ )
( تمشي الهُوَيْنَى كأن الريح تَرْجِعها ... مَشْيَ اليَعافير في جيآتها الوَهَلُ )
فغنى بغير إصابة وأوتار مختلفة ودساتين مختلفة ثم عاد الخادم إلى الجارية التي تلي الرجل فقال لها تغني فغنت أيضا بصوت لي كانت فيه أحسن حالا من الرجل وهو قوله
( يا دار أَضحتْ خلاءً لا أنيسَ بها ... إلا الظباءُ وإلا النّاشط الفَرِدُ )
( أين الذين إذا ما زرتُهم جَذِلوا ... وطار عن قلبيَ التَّشْواق والكَمَد )
ثم عاد إلى الثانية وأحسبه أغفلها وما تغنت به ثم عاد الخادم إلى الجارية التي تليها فانبعثت تغني بصوت الحكم الوادي وهو
( فوالله ما أدري أيَغلبني الهوَى ... إذا جدّ وَشْكُ البَيْن أم أنا غالبُهْ )
( فإن أستطع أغِلبْ وإن يغلب الهوى ... فمثلُ الذي لاقيتُ يُغْلَب صاحبه )
قال ثم عاد الخادم إلى الجارية الثالثة فغنت بصوت لحنين وهو قوله
( مَرَرْنا على قَيْسيّة عامريّة ... لها بَشَرٌ صافي الأديم هِجانِ )
( فقالت وألقتْ جانبَ السِّتر دونها ... مِنَ آيّة أرض أو مَنِ الرجلان )
( فقلتُ لها أَمّا تميم فأُسرتي ... هُديتِ وأما صاحبي فيمَان )
( رفيقان ضَمّ السَّفْرُ بيني وبينه ... وقد يَلْتَقِي الشتَّى فيأتلفان )
ثم عاد إلى الرجل فغنى صوتا فشبه فيه والشعر لعمر بن أبي ربيعة وهو قوله
( أَمسى بأسماء هذا القلبُ معمودَا ... إذا أقول صحا يعتاده عِيدَا )
( كأنّ أحورَ من غِزْلان ذي بَقَر ... أَعارها شَبَهَ العينين والجيدا )
( بمُشْرِقٍ كشُعاع الشمس بهجتُه ... ومُسْبَكِرٍّ على لَبّاتها سودا )
ثم عاد إلى الجارية فتغنت بصوت لحكم الوادي
( تُعيِّرنا أنّا قليلٌ عَدِيدُنا ... فقلتُ لها إن الكرم قليلُ )
( وما ضَرّنا أنّا قليلٌ وجارُنا ... عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذليل )
( وإنّا لقومٌ ما نرى القتلَ سُبَّةً ... إذا ما رأته عامرٌ وسَلول )
( يُقرّب حبُّ الموت آجالَنا لنا ... وتَكرهه آجالُهم فتطول )
وتغنت الثانية
( وَدِدْتُكِ لما كان ودُكُّ خالصاً ... وأعرضتُ لما صِرْتِ نهباً مُقَسَّمَا )
( ولا يَلبث الحوضُ الجديدُ بناؤُه ... إذا كَثُر الوُرّاد أن يَتهدّما )
وتغنت الثالثة بشعر الخنساء
( وما كَرّ إلا كان أوّلَ طاعنٍ ... ولا أبصرتْه الخيلُ إلا اقشعرّتِ )
( فيُدرك ثأراً وهو لم يُخْطِه الغنى ... فمثلُ أخي يوماً به العين قَرّت )
( فلستُ أُرَزَّا بعده برزيّة ... فأذكرَه إلا سَلَتْ وتجلّت )
وغنى الرجل في الدور الثالث
( لَحَى الله صُعلوكاً مُناه وهمّه ... من الدهر أن يلقى لَبُوساً ومطعماَ )
( ينام الضحى حتى إذا ليلُه انتهى ... تنبه مثلوج الفؤاد مُورّما )
( ولكنّ صعلوكا يساور همّه ... ويمضي على الهيجاء ليثا مقدّما )
( فذلك إن يلْق الكريهة يلْقها ... كريما وإن يستغن يوما فربّما )
قال وتغنت الجارية
( إذا كنت ربّا للقلوص فلا يكن ... رفيقُك يمشي خلفها غير راكب )
( أنِخْها فأردفه فإن حملتكما ... فذاك وإن كان العِقابُ فعاقِب )
قال وتغنت الجارية بشعر عمرو بن معد يكرب
( ألم تر لمّا ضمّني البلدُ القفْرُ ... سمعتُ نداء يصدع القلب يا عمرو )
( اغِثْنا فإنا عُصْبة مذْحِجيّة ... نُزار على وفْر وليس لنا وفْر )
قال وتغنت الثالثة بشعر عمر بن أبي ربيعة
( فلما تواقفْنا وسلّمتُ اسْفرتْ ... وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تنقنعا )
( تبالهْن بالعرفان لمّا عرفْنني ... وقُلْن امرؤٌ باغ اكلّ وأوْضعا )
( ولما تنازعن الأحاديث قُلْن لي ... أخِفْت علينا أن نُغرّ ونُخدّعا )
قال وتوقعت مجيء الخادم إلي فقلت للرجل بأبي أنت خذ العود فشد وتر كذا وارفع الطبقة وحط دستان كذ ففعل ما أمرته
وخرج الخادم فقال لي تغن عافاك الله فتغنيت بصوت الرجل الأول على غير ما غناه فإذا جماعة من الخدم يحضرون حتى استندوا إلى الأسرة وقالوا ويحك لمن هذا الغناء قلت لي فانصرفوا عني بتلك السرعة وخرج إلي الخادم وقال كذبت هذا الغناء لإبن جامع
ودار الدور فلما انتهى الغناء إلي قلت للجارية التي تلي الرجل خذي العود فعلمت ما أريد فسوت العود على غنائها للصوت الثاني فتغنيت به
فخرجت إلي الجماعة الأولى من الخدم فقالوا ويحك لمن هذا قلت لي فرجعوا وخرج الخادم فتغنيت بصوت لي فلا يعرف إلا بي وسقوني فتزيدت وهو
( عُوجي عليّ فسلِّمي جَبْرُ ... فيمَ الصدود وأنتُم سَفْرُ )
( ما نلتقي إلا ثلاثَ مِنىً ... حتى يُفرّق بيننا الدهر )
قال فتزلزلت والله الدار عليهم وخرج الخادم فقال ويحك لمن هذا الغناء قلت لي فرجع ثم خرج فقال كذبت هذا غناء ابن جامع فقلت فأنا إسماعيل بن جامع
فما شعرت إلا وأمير المؤمنين وجعفر بن يحيى قد أقبلا من وراء الستر الذي كان يخرج منه الخادم
فقال لي الفضل بن الربيع هذا أمير المؤمنين قد أقبل إليك فلما صعد السرير وثبت قائما فقال لي أبن جامع قلت ابن جامع جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين قال ويحك متى كنت في هذه البلدة قلت آنفا دخلتها في الوقت الذي علم بي أمير المؤمنين
قال اجلس ويحك يابن جامع ومضى هو وجعفر فجلسا في بعض تلك المجالس وقال لي أبشر وابسط أملك فدعوت له ثم قال غنني يابن جامع
فخطر بقلبي صوت الجارية الحميراء فأمرت الرجل بإصلاح العود على ما أردت من الطبقة فعرف ما أردت فوزن العود وزنا وتعاهده حتى استقامت الأوتار وأخذت الدساتين مواضعها وانبعثت أغني بصوت الجارية الحميراء فنظر الرشيد إلى جعفر وقال
أسمعت كذا قط فقال لا والله ما خرق مسامعي قط مثله
فرفع الرشيد رأسه إلى خادم بالقرب منه فدعا بكيس فيه ألف دينار فجاء به فرمى به إلي فصيرته تحت فخذي ودعوت لأمير المؤمنين فقال يابن جامع رد على أمير المؤمنين هذا الصوت فرددته وتزيدت فيه
فقال له جعفر يا سيدي أما تراه كيف يتزيد في الغناء هذا خلاف ما سمعناه أولا وإن كان الأمر في اللحن واحدا
قال فرفع الرشيد رأسه إلى ذلك الخادم فدعا بكيس آخر فيه ألف دينار فجاءني به فصيرته تحت فخذي
وقال تغن يا إسماعيل ما حضرك فجعلت أقصد الصوت بعد الصوت مما كان يبلغني أنه يشتري عليه الجواري فأغنيه فلم أزل أفعل ذلك إلى أن عسعس الليل فقال أتعبناك يا إسماعيل هذه الليلة بغنائك فاعد على أمير المؤمنين الصوت يعني صوت الجارية فتغنيت
فدعا الخادم وأمره فأحضر كيسا ثالثا فيه ألف دينار قال فذكرت ما كانت الجارية قالت لي فتبسمت ولحظني فقال يابن الفاعلة مم تبسمت فجثوت على ركبتي وقلت يا أمير المؤمنين الصدق منجاة فقال لي بانتهار قل فقصصت عليه خبر الجارية
فلما استوعبه قال صدقت قد يكون هذا وقام ونزلت من السرير ولا أدري أين أقصد فابتدرني فراشان فصارا بي إلى دار قد أمر بها أمير المؤمنين ففرشت وأعد فيها جميع ما يكون في مثلها من ألة جلساء الملوك وندمائهم من الخدم ومن كل ألة وخول إلى جوار ووصفاء فدخلتها فقيرا وأصبحت من جلة أهلها ومياسيرهم
وذكر لي هذا الخبر عبد الله بن الربيع عن أبي حفص الشيباني عن محمد بن القاسم عن إسماعيل بن جامع قال ضمني الدهر بمكة ضما شديدا فانتقلت إلى المدينة فبينا أنا يوما جالس مع بعض أهلها نتحدث إذ قال لي رجل حضرنا والله لقد بلغنا يابن جامع أن
الخليفة قد ذكرك وأنت في هذا البلد ضائع فقلت والله ما بي نهوض
قال بعضهم فنحن ننهضك فاحتلت في شيء وشخصت إلى العراق فقدمت بغداد ونزلت عن بغل كنت أكتريته
ثم ذكر باقي الحديث نحو الذي قبله في المعاني ولم يذكر خبر السوداء التي أخذ الصوت عنها
وأحسبه غلط في إدخاله هذه الحكاية ها هنا ولتلك خبر آخر نذكره ها هنا
قال في هذا الخبر إن الدور دار مرة أخرى حتى صار إلي فخرج الخادم فقال غن أيها الرجل فقلت ما أنتظر الآن ثم اندفعت أغني بصوت لي وهو
( فلو كان لي قلبان عِشْتُ بواحد ... وخَلّفْتُ قلباً في هواكِ يُعذَّبُ )
( ولكنما أحيا بقلب مُروَّع ... فلا العيشُ يصفوا لي ولا الموتُ يقرُب )
( تعلّمت أسبابَ الرضا خوفَ سُخْطها ... وعلمها حبّي لها كيف تغضب )
( ولي ألف وجهٍ قد عرفتُ مكانه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب )
فخرج الرشيد حينئذ
نسبة ما في هذه الأصوات من الأغاني
صوت
( شكونا إلى أحبابنا طولَ ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليلَ عندنا )( وذاك لأنّ النومَ يَغْشى عيونَهم ... سِراعاً وما يغشى لنا النومُ أعينَا )
( إذا ما دنا الليلُ المضرّ بذي الهوى ... جَزِعْنا وهم يستبشرون إذا دنا )
( فلو أنهم كانوا يُلاقون مثلَ ما ... نُلاقي لكانوا في المضاجع مثلَنا )
عروضه من الطويل وذكر الهشامي أن الغناء لإبن جامع هزج بالوسطى وفي
الخبر أنه أخذه عن سوداء لقيها بمكة ومنها
صوت
( يا دار أضحت خلاءً لا أنيسَ بها ... إلا الظباءُ وإلا النّاشط الفَرِدُ )( أين الذين إذا مازرتُهم جذِلوا ... وطار عن قلبي التشواق والكمد )
في هذا الصوت لحن لإبن سريج خفيف ثقيل أول بالوسطى من رواية حبش ولحن ابن جامع رمل ومنها
صوت
( لم تَمْشِ مِيلاً ولم تركب على جمَل ... ولم تَرَ الشمسَ إلا دونها الكِلَلُ )
( أقول للركب في دُرْنا وقد ثَمِلوا ... شِيموا وكيف يَشيم الشارب الثَّمِل )
الشعر للأعشى والغناء لإبن سريج رمل بالبنصر وقد كتب فيما يغني فيه من قصيدة الأعشى التي أولها
( وَدِّعْ هْرَيْرَة إن الركبَ مُرْتحلُ ... )
ومنها
صوت
( مَرَرْنا على قَيْسيّةٍ عامريّةٍ ... لها بَشَرٌ صافي الأديم هِجانِ )
( فقالت وألقت جانبَ السترِ دونها ... مِنَ آيّة أرض أو مَنِ الرجلان )
( فقلت لها أمّا تميمٌ فأسرتي ... هُديتِ وأمّا صاحبي فيماني )
( رفيقان ضمّ السَّفْرُ بيني وبينه ... وقد يَلْتقي الشتّى فيأتلفان )
غناه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر ومنها
صوت
( أمسى بأسماءَ هذا القلبُ معمودَا ... إذا أقول صحا يعتاده عِيدَا )( أَجْرِي على موعد منها فتُخلفني ... فما أَمَلّ ولا تُوفي المواعيدا )
( كأنني حين أُمْسِي لا تكلّمني ... ذو بِغيْة يَبتغي ما ليس موجودا )
الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى وله فيه ثقيل أول بالبنصر وذكر عمرو بن بانة أن لمعبد فيه ثقيلا أول بالوسطى على مذهب إسحاق ومنها
صوت
( فوالله ما أدري أيغلِبني الهوى ... إذا جدّ وَشْكُ البين أم أنا غالبُهْ )( فإِن أستطع أغلِبْ وإن يَغْلِبِ الهوى ... فمثلُ الذي لاقيتُ يُغْلَب صاحبه )
عروضه من الطويل الشعر لإبن ميادة والغناء للحجبي خفيف ثقيل بالبنصر من رواية حبش
ومنها
صوت
( تُعيِّرنا أنا قليلٌ عديدُنا ... فقلتُ لها إنّ الكرام قليلُ )
( وما ضَرّنا أنّا قليلٌ وجارُنا ... عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذليلُ )
( وإنّا لقومٌ ما نرى القتلَ سُبّةً ... إذا ما رأتْه عامرٌ وسَلُول )
( يقرِّب حبُّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالُهم فتطول )
عروضه من مقبوض الطويل والشعر للسموءل بن عادياء اليهودي والغناء لحكم الوادي
ومنها
صوت
( وَدِدْتُكِ لمّا كان ودّكِ خالصا ... وأعرضتُ لما صار نَهْباً مقسَّمَا )( ولن يلبَثَ الحوضُ الجديد بناؤه ... على كثرة الوّاربد أن يتهدّما )
عروضه من الطويل وفيه خفيف ثقيل قديم لأهل مكة وفيه لعريب ثقيل أول ومنها
صوت
( وما كَرّ إلاّ كان أوّلَ طاعن ... ولا أبصرتْه الخيلُ إلا اقشعرّتِ )
( فيُدرك ثأراً ثم لم يُخْطِه الغِنى ... فمثلُ أخي يوماً به العين قرّت )
( فإِن طلبوا وِتراً بَدَا بِتراتهم ... ويَصبر يحميهم إذا الخيل وَلّت )
عروضه من الطويل الشعر للخنساء والغناء لإبن سريج ثقيل أول بالبنصر وذكر علي بن يحيى أنه لمعبد في هذه الطريقة ومنها
صوت
( لحا الله صُعلوكاً مُناه وهَمُّه ... من الدهر أن يلقَى لَبوساً ومَطْعما )
( ينام الضحى حتى إذا ليلهُ انتهى ... تنبّه مثلوجَ الفؤاد مُوَرَّما )
( ولكن صعلوكاً يُساور هَمَّه ... ويَمضي على الهَيْجاء ليثاً مصمِّما )
( فذلك إن يلقَ الكريهةَ يلقَها ... كريماً وإن يَستغن يوماً فربَّما )
عروضه من الطويل الشعر يقال إنه لعروة بن الورد ويقال إنه لحاتم الطائي وهو الصحيح والغناء لطويس خفيف رمل بالبنصر ومنها
صوت
( إذا كنتَ ربّاً للقَلوص فلا يكن ... رفيقُك يَمْشي خلفَها غيرَ راكبِ )( أنِخْها فأَردفه فإِنْ حملتْكما ... فذاك وإن كان العِقاب فعاقب )
عروضه من الطويل والشعر لحاتم طيء ومنها
صوت
( ألم تَرَ لمّا ضَمّني البلد القَفْرُ ... سمعتُ نداءً يصدع القلبَ يا عمروُ )( أغِثنا فإِنا عُصْبة مَذْحِجيّة ... نُزار على وَفْر وليس لنا وَفْر )
عروضه من الطويل الشعر لعمرو بن معد يكرب والغناء لحنين رمل بالوسطى عن حبش ومنها
صوت
( فلما تواقفْنا وسلّمتُ أقبلتْ ... وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تتقنّعا )
( تَبالَهْنَ بالعِرفان لما رأيْنَني ... وقُلْنَ امرؤ باغٍ أَكَلّ وأَوْضعا )
( ولما تَنازعن الأحاديثَ قلن لي ... أخِفْتَ علينا أن نُغَرّ ونُخْدَعَا )
( وقرّبن أسبابَ الهوى لمتيَّم ... يَقيس ذراعاً كلما قِسْن إصبعا )
عروضه من الطويل الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لإبن سريج والغريض ومالك ومعبد وابن جامع في عدة ألحان قد كتبت مع الخبر في موضع غير هذا ومنها
صوت
( عُوجي عليّ فسلِّمي جَبْرُ ... فيم الصدودُ وأنتم سَفْرُ )
( ما نلتقِي إلا ثلاث مِنىً ... حتى يفرِّق بيننا النَّفْر )
( الحول ثم الحول يتبعه ... ما الدهر إلا الحول والشهر )
الشر للعرجي والغناء للأبجر ثقيل أول عن الهشامي ويقال إنه لإبن محرز ويقال بل لحنه فيه غير لحن الأبجر وفيه رمل يقال إنه لإبن جامع وهو القول الصحيح وذكر حبش أنه لإبن سريج وأن لحن ابن جامع خفيف رمل ومنها
صوت
( فلو كان لي قلبان عشتُ بواحد ... وخلّفتُ قلباً في هواك يعذَّبُ )( ولكنما أَحيا بقلب مروّع ... فلا العيش يصفو لي ولا الموت يقرُب )
( تعلّمتُ أسباب الرِّضا خوفَ هجرها ... وعلّمها حبي لها كيف تعضب )
( ولي ألف وجه قد عرفت مكانَه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب )
عروضه من الطويل الشعر لعمرو الوراق والغناء لإبن جامع خفيف
رمل ويقال إنه لعبد الله بن العباس
وفيه لعريب ثقيل أول وفيه لرذاذ خفيف ثقيل وفيه هزج يقال إنه لعريب ويقال إنه لنمرة ويقال إنه لأبي فارة ويقال إنه لإبن جامع
حدثني مصعب الزبيري قال قدم علينا ابن جامع المدينة قدمة في أيام الرشيد فسمعته يوما يغني في بعض بساتين المدينة
( وماليَ لا أبكي وأندبُ ناقتي ... إذا صَدَر الرُّعيانُ وِردَ المناهلِ )
( وكنتُ إذا ما اشتدّ شوقي رَحَلْتُها ... فسارت بمحزون كثير البَلابل )
وكان رجلا صيتا فكاد صوته يذهب بي كل مذهب وما سمعت قبله ولا بعده مثله
نسبة هذا الصوت
صوت
( ومالي لا أبكي وأندبُ ناقتي ... إذا صَدَر الرُّعيانُ وِرْدَ المناهلِ )( وكنت إذا ما اشتدّ شوقي رحلتها ... فسارتْ بمحزون كثير البلابل )
الغناء لإبن جامع خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن الهشامي وابن المكي
أخبرني وكيع قال حدثني هارون بن محمد الزيات قال حدثني حماد بن
إسحاق عن أبيه عن الفضل بن الربيع عن أبيه قال كنت في خمسين وصيفا أهدوا للمنصور ففرقنا في خدمته فصرت إلى ياسر صاحب وضوئه
فكنت أراه يفعل شيئا أعلم أنه خطأ يعطيه الإبريق في آخر المستراح ويقف مكانه لا يبرح
وقال لي يوما كن مكاني في آخر المستراح فكنت أعطيه الإبريق وأخرج مبادرا فإذا سمعت حركته بادرت إليه
فقال لي ما أخفك على قلبي يا غلام ويحك ثم دخل قصرا من تلك القصور فرأى حيطانه مملوءة من الشعر المكتوب عليها
فبينا هو يقرأ ما فيه إذا هو بكتاب مفرد فقرأه فإذا هو
( وماليَ لا أبكي وأندُب ناقتي ... إذا صدَر الرّعيانُ نحَو المنَاهِلِ )
( وكنتُ إذا ما اشتدّ شوقي رَحَلْتُها ... فسارتْ بمحزون طويل البلابل )
وتحته مكتوب آه آه فلم يدر ما هو وفطنت له فقلت يا أمير المؤمنين قد عرفت ما هو فقال قل فقلت قال الشعر ثم تأوه فقال آه آه فكتب تأوهه وتنفسه وتأسفه فقال مالك قاتلك الله قد أعتقتك ووليتك مكان ياسر
ذكر أخبار هذه الأصوات المتفرقة في الأخبار وإنما افردتها عنها لئلا
تنقطعخبر
( أمسىَ بأسماءَ هذا القلبُ مَعْمودَا ... )أخبرني الحسين بن يحيى قال حماد قرأت على أبي وذكر جعفر بن سعيد عن عبد الرحمن بن سليمان المكي قال حدثني المخزومي يعني الحارث بن خالد قال بلغني أن الغريض خرج مع نسوة من أهل مكة من أهل الشرف ليلا إلى
بعض المتحدثات من نواحي مكة وكانت ليلة مقمرة فاشتقت إليهن وإلى مجالستهن وإلى حديثهن وخفت على نفسي لجناية كنت أطالب بها وكان عمر مهيبا معظما لا يقدم عليه سلطان ولا غيره وكان مني قريبا فأتيته فقلت له إن فلانة وفلانة وفلانة حتى سميتهن كلهن قد بعثنني وهن يقرأن عليك السلام وقلن تشوقن إليك في ليلتنا هذه لصوت أنشدناه فويسقك الغريض وكان الغريض يغني هذا الصوت فيجيده وكان ابن أبي ربيعة به معجبا وكان كثيرا ما يسأل الغريض أن يغنيه وهو قوله
( أَمْسى بأسماءَ هذا القلبُ مَعْمودَا ... إذا أقول صَحا يعتاده عِيدَا )
( كأنّ أحورَ من غِزّلان ذي نفر ... أَهْدي لها شَبَه العينين والجِيدا )
( قامت تراءَى وقد جدّ الرحيلُ بنا ... لتنكأَ القرح من قلب قد اصطيدا ) (
كأنني يومَ أمسي لا تكلّمني ... ذو بِغْية يبتغي ما ليس مَوْجودا )
( أجري على موعد منها فتُخلفني ... فما أَمَلُّ وما تُوفي المواعيدا )
( قد طال مَطْلي لوَ أنّ اليأسَ يَنْفعني ... أَوْ أن أُصادِفَ من تِلْقائها جُودا )
( فليس تَبْذُل لي عفواً وأُكرمُها ... من أن ترى عندنا في الحرص تشديدا )
فلما أخبرته الخبر قال لقد أزعجتني في وقت كانت الدعة أحب فيه إلي ولكن صوت الغريض وحديث النسوة ليس له مترك ولا عنه محيص
فدعا بثيابه فلبسها وقال امض فمضينا نمشي العجل حتى قربنا منهن فقال لي عمر خفض عليك مشيك ففعلت حتى وقفنا عليهن وهن في أطيب حديث وأحسن مجلس فسلمنا فتهيبننا وتخفرن منا
فقال الغريض لا عليكن هذا ابن أبي ربيعة والحارث بن خالد جاءا متشوقين إلى حديثكن وغنائي
فقالت فلانة
وعليك السلام يا بن أبي ربيعة والله ما تم مجلسنا إلا بك فجلسنا غير بعيد وأخذن عليهن جلابيهن وتقنعن بأخمرتهن وأقبلن علينا بوجوههن وقلن لعمر كيف أحسست بنا وقد أخفينا أمرنا فقال هذا الفاسق جاءني برسالتكن وكنت وقيذا من علة وجدتها فأسرعت الإجابة ورجوت منكن على ذلك حسن الإثابة
فرددن عليه قد وجب أجرك ولم يخب سعيك ووافق منا الحارث إرادة فحدثهن بما قلت له من قصة غناء الغريض فقال النسوة والله ما كان ذلك كذلك ولقد نبهتنا على
صوت
حسن يا غريض هاته فاندفع الغريض يغني ويقول( أمسى بأسْماء هذا القلبُ مَعْمودَا ... إذا أقولُ صَحا يَعْتاده عِيدَا )
حتى أتى على الشعر كله إلى آخره فكل استحسنه
وأقبل علي ابن أبي ربيعة فجزاني الخير وكذلك النسوة فلم نزل بأنعم ليلة وأطيبها حتى بدأ القمر يغيب فقمنا جيمعا وأخذ النسوة طريقا ونحن طريقا وأخذ الغريض معنا
وقال عمر في ذلك
صوت
( هل عند رَسْم برامةٍ خبرُ ... أم لا فأيَّ الأشياء تَنتظرُ )
( قد ذكَّرتْني الديارُ إذ دَرَستْ ... والشوقُ ممّا يَهِيجه الذِّكَر )
( مَمْشَى رسولٍ إليّ يُخْبرني ... عنهم عِشاءً ببعض ما ائتمروا )
( ومجلسَ النِّسوة الثلاث لدى الْخَيْمات ... حتى تَبلَّج السَّحَر )
( فيهنّ هِنْدٌ والهَمُّ ذكْرتُها ... تلك التي لا يُرى لها خَطَر )
( ثم انطلقنا وعندنا ولنا ... فيهنّ لو طال ليلُنا وطر )
( وقولَها للفتاة إذ أزِف البينُ ... أغادٍ أم رائحُ عُمَر )
( عَجْلانَ لم يَقْضِ بعضَ حاجته ... هلا تأنَّى يوماً فينتظرُ )
( اللهُ جارٌ له وإن نَزَحَتْ ... دارٌ به أو بدا له سفر )
غناه الغريض ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وفيه لإبن سريج رمل بالوسطى وفيه لعبد الرحيم الدفاف ثقيل أول بالبنصر في البيتين الأولين وبعدهما
( هل من رَسول إليّ يُخبرني ... بعد عشاءٍ ببعض ما ائتمروا )
( يومَ ظَلِلْنا وعندنا ولنا ... فيهنّ لو طال يومُنا وَطَرُ )
فلما كانت الليلة القابلة بعث إلي عمر فأتيته وإذا الغريض عنده فقال له عمر هات فاندفع يغني
( هل عند رَسْمٍ برامةٍ خبرُ ... أم لا فأيَّ الأشياءِ تنتظرُ )
( ومجلسَ النّسوة الثلاثِ لدى الْخيمات ... حتى تبلّج السحر )
فقلت في نفسي هذا والله صفة ما كنا فيه فسكت حتى فرغ الغريض من الشعر كله فقلت يا أبا الخطاب جعلت فداك هذا والله صفة ما كنا فيه البارحة مع النسوة فقال إن ذلك ليقال
وذكر أحمد بن الحارث عن المدائني عن علي بن مجاهد قال إن موسى بن مصعب كان على الموصل فاستعمل رجلا من أهل حران
على كورة باهذرا وهي أجل كور الموصل فابطأ عليه الخراج فكتب إليه
( هل عند رسمٍ برامةٍ خبرُ ... أم لا فأيَّ الأشياء تنتظرُ )
احمل ما عندك يا ماص بظر أمه وإلا فقد أمرت رسولي بشدك وثاقا ويأتي بك
فخرج الرجل وأخذ ما كان معه من الخراج فلحق بحران وكتب إليه يا عاض بظر أمه إلي تكتب بمثل هذا
( وإذا أهلُ بلدةٍ أنكروني ... عرفتْني الدَّوِّيّة المَلْساء )
فلما قرأ موسى كتابه ضحك وقال أحسن يعلم الله الجواب ولا والله لا أطلبه أبدا وفي غير هذه الرواية أنه كتب إليه في آخر رقعة
( إن الخليط الأُولى تهوىَ قد أئتمروا ... للبَيْن ثم أجَدّوا السيرَ فانشمروا )
يا بن الزانية والسلام ثم هرب فلم يطلبه
أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد قال قال أبي غناني رجل من أهل المدينة لحن الغريض
( هل عند رَسْمٍ برامةٍ خبرُ ... أم لا فأيَّ الأشياء تنتظرُ )
فسألته أن يلقيه علي فقال لا إلا بألف درهم فلم أسمح له بذلك ومضى فلم ألقه
فوالله يا بني ما ندمت على شيء قط ندمي على ذلك ولوددت أني وجدته الآن فأخذته منه كما سمعته وأخذ مني ألف دينار مكان الألف درهم
خبر
( تُعيّرنا أنّا قليلُ عديدُنا ... )الشعر لشريح بن السموءل بن عادياء ويقال إن للسموءل وكان من يهود يثرب وهو الذي يضرب به المثل في الوفاء فيقال أوفي في السموءل
وكان السبب في ذلك فيما ذكر ابن الكلبي وأبو عبيدة وحدثني به محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن السائب الكلبي قال
وفاء السموءل
كان امرؤ القيس بن حجر أودع السموءل بن عادياء أدراعا فأتاه الحارث بن ظالم ويقال الحارث بن أبي شمر الغساني ليأخذها منه فتحصن منه السموءل فأخذ ابنا له غلاما وناداه إما أن تسلم الأدراع وإما أن قتلت ابنك فأبى السموءل أن يسلم الأدراع إليه فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه أثنين فقال السموءل( وفَيْتُ بأَدْرُع الكْندِيّ إِنِّي ... إذا ما خان أقوامٌ وَفيْتُ )
( وأوصى عادِياً يوماً بألاّ ... تُهدِّمَ يا سموءلُ ما بنيتُ )
( بَنَى لي عادِياً حصناً حصيناً ... وماءً كلّما شئتُ استقيتُ )
وفي هذه القصيدة يقول
صوت
( أعاذِلتي أَلاَ لا تَعذُلِيني ... فكَمْ مِنْ أَمْر عاذلةٍ عَصَيْتُ ) ( دَعيني وارْشُدِي إن كنتُ أَغْوَى ... ولا تَغْوَيْ زعمت كما غَويْتُ )
( أعاذَل قد طلبتِ اللّومَ حتى ... لَوَ أني مُنْتَهٍ لقد انتهيتُ )
( وصفراءِ المعاصم قد دَعَتني ... إلى وَصْلِ فقلتُ لها أَبَيْتُ )
( وزِقٍّ قد جَرَرْتُ إلى النَّدامَى ... وزقٍّ قد شربتُ وقد سقيتُ )
( وحتى لو يكون فتى أُناسٍ ... بكى من عذل عاذلة بكيتُ )
عروضه من الوافر والشعر للسموءل بن عادياء والغناء لإبن محرز في الأول والثاني والرابع والخامس خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى
وغنى فيها مالك خفيف ثقيل بالبنصر في الأول والثاني وغنى دحمان ايضا في الأول والثاني والرابع والخامس رملا بالوسطى
وغنى عبد الرحيم الدفاف في الأول والثاني رملا بالبنصر وفي هذه الأبيات لإبن سريج لحن في الرابع وما بعده ثم في سائر الأبيات لحن ذكره يونس ولم ينسبه ولإبراهيم الموصلي فيها لحن غير منسوب أيضا
حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني سليمان بن ابي شيخ قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي قال حدثني محمد بن السائب الكلبي قال هجا الأعشى رجلا من كلب فقال
( بنو الشهرِ الحرامِ فلستَ منهم ... ولست من الكرام بني عُبَيْدِ )
( ولا من رهط جبّار بن قُرْط ... ولا من رهط حارثةَ بن زيد )
قال وهؤلاء كلهم من كلب فقال الكلبي أنا لا أبالك أشرف من هؤلاء قال فسبه الناس بعد بهجاء الأعشى وكان متغيظا عليه
فأغار الكلبي على قوم قد بات بهم الأعشى فأسر منهم نفرا وأسرا الأعشى وهو لا يعرفه فجاء حتى نزل بشريح بن السموءل بن عادياء الغساني صاحب تيماء بحصنه الذي يقال
له الأبلق فمر شريح بالأعشى فنادى به الأعشى بقوله
( شُرَيْحُ لا تَتْرُكَنِّي بعد ما عَلِقتْ ... حبالَك اليومَ بعد القِدّ أظفارِي )
( قد جُلْتُ ما بين بانِقيا إلى عَدَنٍ ... فطال في العُجْم تَرْدادي وتَسيْاري )
( فكان أكرمَهم عهداً وأوثقَهم ... عَقْدا أبوك بُعرف غير إنكار )
( كالغيث ما استمطروه جادَ وابلُهْ ... وفي الشدائد كالمستأسِد الضَّاري )
( كُنْ كالسموءل إذ طاف الهمامُ به ... في جَحْفَل كسواد الليل جَرَّار )
( إذ سامه خُطَّتَيْ خَسْفٍ فقال له ... قُلْ ما تشاء فإِنيّ سامعٌ حار )
( فقال غدْرٌ وثُكْلٌ أنت بينهما ... فأختَرْ وما فيهما حظٌّ لمختار )
( فشكَّ غيرَ طويلٍ ثم قال له ... أُقْتُل أسيرَك إني مانعٌ جاري )
( وسوف يُعْقِبُنيه إن ظفِرتَ به ... ربٌّ كريمٌ وبيضٌ ذاتُ أطهار )
( لاسِرُّهنّ لدينا ذاهبٌ هَدَراً ... وحافظات إذا استُوْدِعن أسراري )
( فاختار أدراعه كي لا يُسَبَّ بها ... ولم يكن وعدهُ فيها بَختَّار )
قال فجاء شريح إلى الكلبي فقال له هب لي هذا الأسير المضرور فقال هو لك فأطلقه وقال له أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك فقال له الأعشى إن من تمام صنيعك إلي أن تعطيني ناقة ناجية وتخليني الساعة قال فأعطاه ناقة
فركبها ومضى من ساعته وبلغ الكلبي أن الذي وهب لشريح هو الأعشى فأرسل إلى شريح ابعث إلي بالأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه فقال قد مضى فأرسل الكلبي في أثره فلم يلحقه
وأما خبر
( وما كرّ إلا كان أوّلَ طاعنٍ ... )
والشعر للخنساء فإنه خبر يطول لذكر ما فيه من الوقائع وهو يأتي فيما بعد هذا مفردا عن المائة الصوت المختارة في أخبار الخنساء
رجع الخبر إلى قصة ابن جامع
وأما خبر الجارية التي أخذ عنها ابن جامع الصوت وما حكيناه من أنه وقع في حكاية محمد بن ضوين الصلصال فيها خطأ فأخبرنا بخبرها الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي محمد العامري قال حدثني عكاشة اليزيدي بجرجان قال حدثني إسماعيل بن جامع قال بينا أنا في غرفة لي باليمن وأنا مشرف على مشرعة إذ أقبلت أمة سوداء على ظهرها قربة فملأتها ووضعتها على المشرعة لتستريح وجلست فغنتصوت
( فَرُدّي مُصابَ القلب أنتِ قَتَلتِه ... ولا تُبْعِدي فيما تجشّمتِ كُلْثُمَا )ويروى ولا تتركيه هائم القلب مغرما
( إلى الله أشكو بخلّها وسماحتي ... لها عسلٌ منّي وتبذُل عَلْقَما )
( أبى اللهُ أن أُمسي ولا تذكُرينَني ... وعَيْناي من ذكراك قد ذَرَفَتْ دَمَا )
( أَبيتُ فما تَنفَكّ لي منكِ حاجةٌ ... رمي الله بالحبّ الذي كان أظْلَما )
غناه سياط ثقيل أول بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمر بن بانة قال ثم أخذت قربتها لتمضي
فاستفزني من شهوة الصوت ما لا قوام لي به فنزلت إليها فقلت لها أعيديه فقالت أنا عنك في شغل بخراجي قلت وكم هو قالت درهمان في كل يوم قلت فهذان درهمان ورديه علي حتى آخذه منك وأعطيتها درهمين فقالت أما الآن فنعم
فجلست فلم تبرح حتى أخذته منها وانصرفت فلهوت يومي به وأصحبت من غد لا أذكر منه حرفا فإذا أنا بالسوداء قد طلعت ففعلت كفعلها بالأمس
فلما وضعت القربة تغنت غيره فعدوت في أثرها وقلت يا جارية بحقي عليك ردي علي الصوت فقد ذهبت عني منه نغمة
فقالت لا والله ما مثلك تذهب عنه نغمة أنت تقيس أوله على آخره ولكنك قد أنسيته ولست أفعل إلا بدرهمين آخرين فدفعتهما إليها وأعادته علي حتى أخذته ثانية
ثم قالت إنك تستكثر فيه أربعة دراهم وكأني بك قد أصبت به أربعة آلاف دينار فكنت عند هارون يوما وهو على سريره فقال من غناني فأطربني فله ألف دينار وقدامه أكياس في كل كيس ألف دينار
فغنى القوم وغنيت فلم يطرب حتى دار الغناء إلي ثانية فغنيت صوت السوداء فرمى إلي بكيس فيه ألف دينار ثم قال أعده فغنيته فرمى إلي بثان ثم قال أعده فرمى إلي بثالث وأمسك
فضحكت فقال ما يضحكك فقلت لهذا الصوت حديث عجيب يا أمير المؤمنين فقال وما هو فحدثته به وقصصت عليه القصة فرمى إلي برابع وقال لا نكذب قولها
خبر
( عُوجِي عليّ فسلِّمي جَبْرُ ... )الشعر للعرجي وقد ذكرنا نسبة الصوت
عمر بن عبد العزيز وأحد المخنثين
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الواقدي عن ابن أبي الزناد قال حدثني محمد بن إسحاق قال قيل لعمر بن عبد العزيز إن بالمدينة مخنثا قد أفسد نساءهافكتب إلى عامله بالمدينة أن يحمله فأدخل عليه فإذا خضيب اللحية والأطراف معتجر بسبنية قد حمل دفا في خريطته
فلما وقف بين يدي عمر صعد بصره فيه وصوبه وقال سوأة لهذه الشيبة وهذه القامة أتحفظ القرآن قال لا والله يا أبانا قال قبحك الله وأشار إليه من حضره فقالوا اسكت فسكت فقال له عمر أتقرأ من المفصل شيئا قال وما المفصل قال ويلك أتقرأ من القرآن شيئا قل نعم أقرأ ( الحمدلله ) وأخطىء فيها في موضعين أو ثلاثة وأقرأ ( قل أعوذ برب الناس ) وأخطىء فيها وأقرأ ( قل هو الله أحد ) مثل الماء الجاري
قال ضعوه في الحبس ووكلوا به معلما يعلمه القرآن وما يجب عليه من حدود الطهارة والصلاة وأجروا عليه في كل يوم ثلاثة دراهم وعلى معلمه ثلاثة دراهم أخر ولا يخرج من الحبس حتى يحفظ القرآن أجمع
فكان كلما علم سورة نسي التي قبلها فبعث رسولا إلى عمر يا أمير المؤمنين وجه إلي من يحمل إليك ما أتعلمه أولا فأولا فإني لا أقدر على حمله جملة واحدة
فيئس عمر من فلاحه وقال ما أرى هذه الدراهم إلا ضائعة ولو أطعمناها جائعا أو أعطيناها محتاجا أو كسوناها عريانا لكان أصلح
ثم دعا به فلما وقف بين يديه قال له اقرأ ( قل يأيها الكافرون ) قال أسأل الله العافية أدخلت يدك في الجراب فأخرجت شر ما فيه وأصعبه فأمر
به فوجئت عنقه ونفاه فاندفع يغني وقد توجهوا به
( عُوجِي عليَّ فَسَلِّمي جَبْرُ ... فيم الوقوفُ وأنتُم سَفْرٌ )
( ما نَلْتقي إلا ثلاثَ منىً ... حتى يفرِّق بيننا النَّفْر )
فلما سمع الموكلون به حسن ترنمه خلوه وقالوا له اذهب حيث شئت مصاحبا بعد استماعهم منه طرائف غنائه سائر يومهم وليلتهم
أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي عن المدائني قال أحج خالد بن عبد الله ابنه محمدا وأصحبه رزاما مولاه وأعطاه مالا وقال إذا دخلت المدينة فاصرفه فيما أحببت
فلما صرنا بالمدينة سأل محمد عن جارية حاذقة فقيل عند محمد بن عمران التيمي القاضي
فصلينا الظهر في المسجد ثم ملنا إليه فاستأذنا عليه فأذن لنا وقد انصرف من المسجد وهو قاعد على لبد ونعلاه في آخر اللبد فسلمنا عليه فرد ونسب محمدا فانتسب له فقال خيرا ثم قال هل من حاجة فلجلج فقال كأنك ذكرت فلانة يا جارية اخرجي فخرجت فإذا أحسن الناس ثم تغنت فإذا أحذق الناس فجعل الشيخ يذهب مع حركاتها ويجيء إلى أن غنت قوله
( عوجِي عليّ فسلِّمي جَبْرُ ... )
فلما بلغت
( حتى يفرِّق بيننا النَّفْر ... )
وثب الشيخ إلى نعله فعلقها في أذنه وجثا على ركبتيه وأخذ بطرف أذنه والنعل فيها
وجعل يقول أهدوني أنا بدنة أهدوني أنا بدنة
ثم أقبل عليهم فقال كم قيل لكم إنها تساوي قالوا ستمائة دينار قال هي وحق القبر خير من ستة آلاف دينار والله لا يملكها علي أحد أبدا فانصرفوا إذا شئتم
أخبرنا وسواسة بن الموصلي وهو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصلي قال حدثني حماد بن إسحاق قال وجدت في كتب أبي عن عثمان بن حفص الثقفي عن أبن عم لعمارة بن حمزة قال حدثني سليم الحساب عن داود المكي قال كنا في حلقة ابن جريج وهو يحدثنا وعنده ابن المبارك وجماعة من العراقيين إذ مر به ابن تيزن قال حماد ويقال ابن بيرن وقد ائتزر بمئزرة على صدره وهي إزرة الشطار عندنا
فدعاه ابن جريج فقال له إني مستعجل وقد وعدت أصحابا لي فلا أقدر أن أحتبس عنهم
فأقسم عليه حتى أتاه فجلس وقال له ما تريد قال أحب أن تسمعني قال أنا أجيئك إلى المنزل فلم تجلسني مع هؤلاء الثقلاء قال أسألك أن تفعل قال امرأته طالق إن غناك فوق ثلاثة أصوات
قال ويحك ما أعجلك باليمين قال أكره أن أحتبس عن أصحابي فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال إعقلوا رحمكم الله ثم قال له
غنني الصوت الذي أخبرتني أن ابن سريج غناه في اليوم الثالث من أيام منى على جمرة العقبة فقطع الطريق على الذاهب والجائي حتى تكسرت المحامل فغناه
( عوجِي عليّ فسلِّمي جبرُ ... )
فقال ابن جريج أحسنت والله ثلاث مرات ويحك أعده قال أمن الثلاثة فإني قد حلفت قال أعده فأعاده فقال أحسنت أعده من الثلاثة فأعاده وقام فمضى
فقال ابن جريج لأصحابه لعلكم أنكرتم ما فعلت قالوا إنا لننكره بالعراق قال فما تقولون في الرجر يعني الحداء قالوا لا بأس به قال فما الفرق بينهما
أحسن الناس حلوقا في الغناء
وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك عن أبي أيوب المديني قال ثلاثة من المغنين كانوا أحسن الناس حلوقا ابن تيزن وابن عائشة وابن أبي الكنات
صوت
من المائة المختارة
( سَقَاني فَروَّانِي كُمَيْتاً مُدامةً ... على ظمأٍ مني سَلامٌ بن مِشْكَمِ )( تخيّرتُه أهلَ المدينة واحداً ... سِواهمْ فلم أُغْبَن ولم أَتَنَدّمِ )
عروضه من الطويل والشعر لأبي سفيان بن حرب والغناء لسليمان أخي بابويه الكوفي مولى الأشاعثة خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى
ذكر ابي سفيان وأخباره ونسبه
هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأم حرب بن أمية بنت أبي همهمة بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وأم أبي سفيان صفية بنت حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة وهي عمة ميمونة أم المؤمنين وأم الفضل بنت الحارث بن حزن أم بني العباس بن عبد المطلبوقد مضى ذكر أكثر أخبار ولد أمية والفرق بين الأعياص والعنابس منهم وجمل من أخبارهم في أول هذا الكتاب
وكان حرب بن أمية قائد بني أمية ومن مالأهم في يوم عكاظ ويقال إن سبب وفاته أن الجن قتلته وقتلت مرداس بن أبي عامر السلمي لإحراقهما شجر القرية وازدراعهما إياها
وهذا شيء قد ذكرته العرب في أشعارها وتواترت الروايات بذكره فذكرته والله أعلم
أخبرني الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير بن بكار قال
حدثني عمي مصعب وأخبرنا محمد بن الحسين بن دريد عن عمه عن العباس بن هشام عن أبيه وذكره أبو عبيدة وأبو عمرو الشيباني أن حرب بن أمية لما انصرف من حرب عكاظ هو وإخوته مر بالقريه وهي إذ ذاك غيضة شجر ملتف لا يرام
فقال له مرداس بن أبي عامر أما ترى هذا الموضع قال بلى قال نعم المزدرع هو فهل لك أن نكون شريكين فيه ونحرق هذه الغيضة ثم نزدرعه بعد ذلك قال نعم فأضرما النار في الغيضة
فلما استطارت وعلا لهبها سمع من الغيضة أنين وضجيج كثير ثم ظهرت منها حيات بيض تطير حتى قطعتها وخرجت منها
وقال مرداس بن أبي عامر في ذلك
( إني انتخبتُ لها حرباً وإخوتَه ... إنّي بحَبْلٍ وثيقٍ العَقْد دسّاسُ )
( إني أُقَوِّمُ قبل الأمر حُجَّتَه ... كيما يقالَ وليُّ الأمر مِرداسُ )
قال فسمعوا هاتفا يقول لما احترقت الغيضة
( ويلٌ لحربٍ فارساَ ... مُطاعِناً مُخَالِسَا )
( ويل لعمرو فارسا ... إذ لبسوا القَوَانِسا )
( لَنَقْتُلَن بقتله ... جَحاجحاً عنابِسا )
ولم يلبث حرب بن أمية ومرداس بن أبي عامر أن ماتا فأما مرداس فدفن بالقربة
ثم ادعاها بعد ذلك كليب بن أبي عهمة السلمي ثم الظفري فقال في ذلك عباس بن مرداس
( أكليبُ مالكَ كلَّ يوم ظالماً ... والظلمُ أنكدُ وجهُه ملعونٌ ... قد كان قومُك يحسبونك سيِّداً ... وإخال أنك سيّدٌ معيون )
المعيون الذي أصابته العين وقيل المعيون الحسن المنظر فيما تراه العين ولا عقل له
( فإذا رجَعتَ إلى نسائك فادَّهِنْ ... إن المُسالِمَ رأسُه مدهونُ )
( وافعل بقومك ما أراد بوائلٍ ... يومَ الغدير سميُّك المطعون )
( وإخال أنك سوف تلقى مثلَها ... في صَفْحَتَيْك سِنانُها المسنون )
( إن القُرَيّةَ قد تبيّن أمرُها ... إن كان ينفع عندك التَّبيين )
( حيث انطلقتَ تخطُّها لي ظالماً ... وأبو يزيدَ بجوِّها مدفون )
أبو يزيد مرداس بن أبي عامر
منزلته في قريش
وكان أبو سفيان سيدا من سادات قريش في الجاهلية ورأسا من رؤوس الأحزاب وعلى رسول الله في حياته وكهفا للمنافقين في أيامه وأسلم يوم الفتحوله في إسلامه أخبار نذكرها هنا
وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى أرض العجم وشهد مع رسول الله مشاهدة الفتح وفقئت عينه يوم الطائف فلم يزل أعور إلى يوم اليرموك ففقئت عينه الأخرى يومئذ فعمي
أخبرنا الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن إسحاق بن يحيى المكي عن أبي الهيثم عمن أخبره أنه سمع أبا سفيان يمازح رسول الله في بيت بنته أم حبيبة ويقول والله إن هو إلا أن تركتك فتركتك العرب فما انتطحت جماء ولا ذات قرن ورسول
الله يضحك ويقول أنت تقول ذاك يا أبا حنظلة
قال الزبير وحدثني عمي مصعب أن رسول الله تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وأبو سفيان يومئذ مشرك يحارب رسول الله وقيل له إن محمدا قد نكح ابنتك فقال ذلك الفحل لا يقدع أنفه واسم أم حبيبة رملة وقيل هند والصحيح رملة
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز قال حدثنا المدائني عن مسلمة بن محارب عن عثمان بن عبد الرحمن بن جوشن قال أذن رسول الله يوما للناس فأبطأ بإذن أبي سفيان فلما دخل قال يا رسول الله ما أذنت لي حتى كدت تأذن للحجارة فقال له يا أبا سفيان كل الصيد في جوف الفرا
حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني قال حدثنا عطاء بن مصعب قال حدثني سفيان بن عيينة عن جعفر بن يحيى البرمكي قال أذن رسول الله للناس فكان آخر من دخل عليه أبا سفيان بن حرب فقال يارسول الله لقد أذنت للناس قبلي حتى ظننت أن حجارة الخندمة ليؤذن
لها قبلي فقال رسول الله أما والله إنك والناس لكما قال الأول كل الصيد في بطن الفرا أي كل شيء لهؤلاء من المنزلة فإن لك وحدك مثل ما لهم كلهم
عند هرقل
حدثني عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا المثنى بن زرعة أبو راشد عن محمد بن إسحاق قال حدثني الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن عتبة عن ابن عباس قال حدثني أبو سفيان بن حرب قال كنا قوما تجارا وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله قد حصرتنا حتى نهكت أموالنافلما كانت الهدنة هدنة الحديبية بيننا وبين رسول الله خرجت في نفر من قريش إلى الشأم وكان وجه متجرنا منه غزة فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان بأرضه من الفرس فأخرجهم منها وانتزع منهم صليبه الأعظم وكانوا قد استلبوه إياه
فلما بلغه ذلك منهم وبلغه أن صليبه قد استنقذ منهم وكانت حمص منزله خرج منها يمشي على قدميه شكرا لله حين رد عليه ما رد ليصلي في بيت المقدس تبسط له البسط وتلقى عليها الرياحين
فلما انتهى إلى إيلياء فقضى فيها صلاته وكان معه بطارقته وأشراف الروم أصبح ذات غدوة مهموما يقلب طرفه إلى السماء
فقال له بطارقته والله لكأنك أصبحت الغداة مهموما فقال أجل رأيت البارحة أن ملك الختان ظاهر فقالوا أيها الملك ما نعمل أمة تختتن إلا اليهود وهم في سلطانك وتحت يدك فابعث إلى كل من
لك عليه سلطان في بلادك فمره فليضرب أعناق من تحت يدك منهم من يهود واسترح من هذا الهم فوالله إنهم لفي ذلك من رأيهم يدبرونه إذ أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده وكانت الملوك تتهادى الأخبار بينهم فقال أيها الملك إن هذا رجل من العرب من أهل الشاء والإبل يحدث عن أمر حدث فاسأله فلما انتهى به إلى هرقل رسول صاحب بصرى قال هرقل لمن جاء به سله عن هذا الحديث الذي كان ببلده فسأله فقال خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي وقد اتبعه ناس فصدقوه وخالفه آخرون وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة وتركتهم على ذلك
فلما أخبره الخبر قال جردوه فإذا هو مختون فقال هذا والله النبي الذي الذي رأيت لا ما تقولون أعطوه ثيابه وينطلق
ثم دعا صاحب شرطته فقال له اقلب الشأم ظهرا لبطن حتى تأتيني برجل من قولم هذا الرجل فإنا لبغزة إذ هجم علينا صاحب شرطته فقال أنتم من قوم الحجاز قلنا نعم قال انطلقوا إلى الملك فانطلقوا بنا فلما انتهينا إليه قال أنتم من رهط هذا الرجل الذي بالحجاز قلنا نعم قال فأيكم أمس به رحما قال قلت أنا قال أبو سفيان وايم الله ما رأيت رجلا أرى أنه أنكر من ذلك الأغلف يعني هرقل ثم قال أدنه فأقعدني بين يديه وأقعد أصحابي خلفي وقال إني سأسأله فإن كذب فردوا عليه
قال فوالله لقد علمت أن لو كذبت ما ردوا علي ولكني كنت أمرأ سيدا أتبرم عن الكذب وعرفت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوه علي ثم يحدثوا به عني فلم أكذبه قال أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهركم
يدعي ما يدعي
فجعلت أزهد له شأنه وأصغر له أموره وأقول له أيها الملك ما يهمك من شأنه إن أمره دون ما بلغك فجعل لا يلتفت إلى ذلك مني ثم قال أنبئني فيما أسألك عنه من شأنه
قال قلت سل عما بدا لك قال كيف نسبه فيكم قلت محض هو أوسطنا نسبا قال أخبرن هل كان أحد من أهل بيته يقول ما يقول فهو يتشبه به قال قلت لا قال هل كان له فيكم ملك فسلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث لتردوا عليه ملكه قال قلت لا قال أخبرني عن أتباعه منكم من هم قال قلت الضعفاء والمساكين والأحداث من الغلمان والنساء فأما ذوو الأسنان من الأشراف من قومه فلم يتبعه منهم أحد قال فأخبرني عمن يتبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه قال قلت قلما يتبعه أحد فيفارقه قال فأخبرني كيف الحرب بينكم وبينه قال قلت سجال يدال علينا وندال عليه قال فأخبرني هل يغدر فلم أجد شيئا سألني عنه أغتمز فيه غيرها قال قلت لا ونحن منه في مدة ولا نأمن غدره قال فوالله ما التفت إليها مني ثم كرر علي الحديث فقال سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه محض من أوسطكم نسبا فكذلك يأخذ الله النبي لا يأخذه إلا من أوسط قومه نسبا وسألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل قوله فهو يتشبه به فزعمت أن لا وسألتك هل كان له ملك فيكم فسلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث يطلب ملكه فزعمت أن لا وسألتك عن أتباعه فزعمت أنهم الضعفاء والأحداث والمساكين والنساء وكذلك أتباع الأنبياء في كل زمان وسألتك عمن يتبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه فزعمت أنه لا يتبعه أحد فيفارقه فكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلب رجل فتخرج منه وسألتك عن الحرب بينكم وبينه فزعمت أنها سجال تدالون عليه ويدال عليكم وكذلك حرب الأنبياء ولهم تكون العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا فلئن كنت صدقتني عنه فليغلبن علي ما تحت قدمي هاتين ولوددت أني عنده
فأغسل قدميه انطلق لشأنك
فقمت من عنده وأنا أضرب بإحدى يدي على الأخرى وأقول يالعباد الله لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أصبحت ملوك بني الأصفر يهابونه في ملكهم وسلطانهم
كتاب النبي إلى هرقل
قال ابن إسحاق فقدم عليه كتاب رسول الله مع دحية ابن خليفة الكلبي فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن تتول فإن إثم الأكابر عليك )قال ابن شهاب فأخبرني أسقف النصارى في زمن عبد الملك زعم أنه أدرك ذلك من أمر رسول الله وأمر هرقل وعقله قال فلما قدم عليه كتاب رسول الله من قبل دحية بن خليفة أخذه هرقل فجعله بين فخذيه وخاصرته ثم كتب إلى رجل برومية كان يقرأ العبرانية ما تقرأونه فذكر له أمره ووصف له شأنه وأخبره بما جاء به منه
فكتب إليه صاحب رومية إنه النبي الذي كنا ننتظره لا شك فيه فاتبعه وصدقه قال فأمر هرقل ببطارقة الروم فجمعوا له في دسكرة
ملكه وأمر بها فأغلقت عليهم أبوابها ثم اطلع عليهم من علية وخافهم على نفسه فقال يا معشر الروم قد جمعتكم لخبر أتاني كتاب هذا الرجل يدعو إلى دينه فوالله إنه النبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا فهلم فلنبايعه ولنصدقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا
قال فنخرت الروم نخرة رجل واحد وابتدروا أبواب الدسكرة ليخرجوا فوجدوها قد أغلقت دونهم فقال كروهم علي وخافهم على نفسه فكروهم عليه فقال يا معشر الروم إنما قلت لكم المقالة التي قلت لأنظر كيف صلابتكم في دينكم في هذا الأمر الذي قد حدث فقد رأيت منكم الذي أسر به فخروا سجدا وأمر بأبواب الدسكرة ففتحت لهم فانطلقوا
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن زكريا الغلابي قال حدثني أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال قال لي العباس خرجت في تجارة إلى اليمن في ركب منهم أبو سفيان بن حرب فقدمت اليمن فكنت أصنع يوما طعاما وأنصرف بأبي سفيان وبالنفر ويصنع أبو سفيان يوما فيفعل مثل ذلك فقال لي في يومي الذي كنت أصنع فيه هل لك يا ابا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إلي غدائك فقلت نعم فانصرفت أنا والنفر إلى بيته وأرسلت إلى الغداء
فلما تغدى القوم قاموا واحتبسني فقال لي هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول الله قلت وأي بني أخي قال أبو سفيان إياي تكتم واي بني أخيك ينبغي له أن يقول هذا إلا رجل واحد قلت وأيهم هو على ذلك قال محمد بن عبد الله قلت ما فعل قال بلى قد فعل ثم أخرج إلي كتابا من ابنه حنظلة بن أبي سفيان إني أخبرك أن محمدا قام بالأبطح
غدوة فقال أنا رسول الله أدعوكم إلى الله قال قلت يا أبا حنظلة لعله صادق قال مهلا يا أبا الفضل فوالله ما أحب أن تقول مثل هذا وإني لأخشى أن تكون على بصر من هذا الأمر وقال الحسن بن علي في روايته على بصيرة من هذا الحديث ثم قال يا بني عبد المطلب إنه والله ما برحت قريش تزعم أن لكم يمنة وشؤمة كل واحدة منهما عامة فنشدتك الله يا أبا الفضل هل سمعت ذلك قلت نعم قال فهذه والله إذا شؤمتكم قلت فلعلها يمنتنا
فما كان بعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد الله بن حذافة السهمي بالخبر وهو مؤمن ففشا ذلك في مجالس أهل اليمن يتحدث به فيها
وكان أبو سفيان يجلس إلى حبر من أحبار اليمن فقال له اليهودي ما هذا الخبر الذي بلغني قال هو ما سمعت قال أين فيكم عم هذا الرجل الذي قال ما قال قال أبو سفيان صدقوا وأنا عمه قال اليهودي أأخو أبيه قال نعم قال حدثني عنه قال لا تسألني فما كنت أحسب أن يدعي هذا الأمر أبدا وما أحب أن أعيبه وغيره خير منه قال اليهودي فليس به أذى ولا بأس على يهود وتوراة موسى منه
قال العباس فتأدى إلي الخبر فحميت وخرجت حتى أجلس إلى ذلك المجلس من غد وفيه أبو سفيان والحبر فقلت للحبر بلغني أنك سألت ابن عمي هذا عن رجل منا يزعم أنه رسول الله فأخبرك أنه عمه وليس بعمه ولكنه ابن عمه وأنا عمه أخو أبيه فقال أأخو أبيه قلت أخو أبيه فأقبل على أبي سفيان فقال أصدق قال نعم صدق قال فقلت سلني عنه فإن كذبت فليردد علي فأقبل علي فقال أنشدك الله هل فشت لإبن أخيك صبوة أو سفهة قال قلت لا وإله عبد المطلب ولا كذب ولا خان وإن كان اسمه عند قريش الأمين قال فهل كتب بيده قال عباس فظننت أنه
خير له أن يكتب بيده فأردت أن أقولها ثم ذكرت مكان أبي سفيان وأنه مكذبي وراد علي فقلت لا يكتب فذهب الحبر وترك رداءه وجعل يصيح ذبحت يهود قتلت يهود
قال العباس فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان يا أبا الفضل إن اليهودي لفزع من ابن أخيك قال قلت قد رأيت ما رأيت فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به فإن إن حقا كنت قد سبقت وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك قال لا والله ما أومن به حتى أرى تطلع من كداء وهو جبل بمكة
قال قلت ما تقول قال كلمة والله جاءت على فمي ما ألقيت لها بالا إلا أني أعلم أن الله لا يترك خيلا تطلع من كداء قال العباس فلما فتح رسول الله مكة ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كداء قلت يا أبا سفيان أتذكر الكلمة قال لي والله إني لذاكرها فالحمد لله الذي هداني للإسلام
إسلامه في غزاة الفتح
حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا البغوي قال حدثنا الغلابي أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني الحسين بن عبيد الله بن العباس عن عكرمة عن ابن عباس قال لما نزل رسول الله مر الظهران يعني في غزاة الفتح قال العباس بن عبد المطلب وقد خرج رسول الله من المدينة يا صباح قريش والله لئن بغتها رسول الله إنها لهلاك قريش آخر الدهر
فجلس على بغلة رسول الله البيضاء وقال أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله فيستأمنونه
فوالله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الخبر عن رسول الله فسمعت أبا سفيان وهو يقول والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا
فقال بديل بن ورقاء هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة ألأم من ذلك وأذل فعرفت صوته فقلت أبا حنظلة فقال أبا الفضل قلت نعم فقال لبيك فداؤك أبي وأمي فما وراءك فقلت هذا رسول الله قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال فما تأمرني فقلت تركب عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت به أركض بغلة رسول الله نحو رسول الله فكلما مررت بنار من نيران المسلمين فنظروا إلي قالوا عم رسول الله على بغلة رسول الله حتى مررنا بنار عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال أبو سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم اشتد نحو النبي وركضت البغلة وقد أردفت أبا سفيان قال العباس حتى اقتحمت على باب القبة وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة
الرجل البطيء فدخل عمر على رسول الله فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه
قلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله وأخذت برأسه وقلت والله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت مهلا يا عمر فوالله ما تصنع هذا إلا لأنه رجل من عبد مناف ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم وذلك لأني أعلم أن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم فقال رسول الله ( اذهب فقد أمناه حتى تغدو به علي الغداة ) فرجع به إلى منزله فلما أصبح غدا به على رسول الله
فلما رآه قال ( ويحك أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ) فقال بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا فقال ( ويحك تشهد بشهادة الحق قبل والله أن تضرب عنقك ) قال فتشهد فقال رسول الله للعباس من حين تشهد أبو سفيان ( انصرف يا عباس فاحتبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى يمر عليه جنود الله ) فقلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا يكون في قومه فقال ( نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن )
فخرجت به حتى أجلسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي فمرت عليه القبائل فجعل يقول من هؤلاء فأقول سليم فيقول ما لي ولسليم ثم تمر به قبيلة فيقول من هؤلاء فأقول أسلم فيقول ما لي ولأسلم وتمر به جهينة فيقول من هؤلاء فأقول جهينة فيقول ما لي ولجهينة حتى مر رسول الله في الخضراء كتيبة رسول الله من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل فقلت هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقلت ويحك إنها النبوة قال نعم إذا فقلت الحق الآن بقومك فحذرهم
فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فمه قال من دخل داري فهو آمن فقالوا
ويحك ما تغني عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن
عدم إخلاصه الإسلام
حدثنا محمد بن جرير وأحمد بن الجعد قالا حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن يحى بن عباد عن عبد الله بن الزبير قال لما كان يوم اليرموك خلفني أبي فأخذت فرسا له وخرجت فرأيت جماعة من الخلفاء فيهم أبو سفيان بن حرب فوقفت معه فكانت الروم إذا هزمت المسلمين قال أبو سفيان إيه بني الأصفر فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان( وبَنُو الأصفر الكرامُ ملوكُ الرّوم ... لم يبق منهمُ مَذْكورُ )
فلما فتح الله على المسلمين حدثت أبي فقال قاتله الله يأبى إلا نفاقا أولسنا خيرا له من بني الأصفر ثم كان يأخذ بيدي فيطوف على أصحاب رسول الله يقول حدثهم فأحدثهم فيعجبون من نفاقه
حدثني أحمد بن الجعد قال حدثني ابن حميد قال حدثنا جرير عن عمرو بن ثابت عن الحسن قال دخل أبو سفيان على عثمان بعد أن كف بصره فقال هل علينا من عين فقال له عثمان لا فقال يا عثمان إن الأمر أمر عالمية والملك ملك جاهلية فاجعل أوتاد الأرض بني أمية
حدثني محمد بن حيان الباهلي قال حدثنا عمر بن علي الفلاس قال حدثنا سهل بن يوسف عن مالك بن مغول عن أشعث بن أبي الشعثاء عن ميسرة الهمداني عن أبي الأبجر الأكبر قال جاء أبو سفيان إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يا أبا الحسن
ما بال هذا الأمر في أضعف قريش وأقلها فوالله لئن شئت لأملأنها عليهم خيلا ورجلا فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا أبا سفيان طالما عاديت الله ورسوله فما ضرهم ذلك شيئا إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال أنشدني ابن عائشة لأبي سفيان بن حرب لما ولي أبو بكر قال
( وأضحت قريش بعد عزّ ومَنْعةٍ ... خُضُوعاً لتَيْمٍ لا بضربِ القواضبِ )
( فيا لهف نفسي للذي ظَفِرتْ به ... وما زال منها فائزاً بالغرّائب )
وحدثني أحمد بن الجعد قال حدثني محمد بن حميد قال حدثنا جرير عن عمرو بن ثابت عن الحسن قال لما ولي عثمان الخلافة دخل عليه أبو سفيان فقال يا معشر بني أمية إن الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها وقد صارت إليكم فتلقفوها بينكم تلقف الكرة فوالله ما من جنة ولا نار هذا أو نحوه فصاح به عثمان قم عني فعل الله بك وفعل
ولأبي سفيان أخبار من هذا الجنس ونحوه كثيرة يطول ذكرها وفيما ذكرت منها مقنع
والأبيات التي فيها الغناء يقولها في سلام بن مشكم اليهودي ويكنى أبا غنم وكان نزل عليه في غزوة السويق فقراه وأحسن ضيافته فقال أبو سفيان فيه
( سقاني فَرَوَّاني كُمَيْتاً مُدامةً ... على ظمَأٍ منّي سَلاَمُ بن مِشْكَمِ )
( تخيَّرتُه أهلَ المدينة واحداً ... سواهم فلم أُغْبَن ولم أتَنَدَّم )
( فلمّا تقضّى الليلُ قلتُ ولم أكن ... لأُفْرِحَه أبْشِرْ بعُرف ومَغْنَم )
( وإنّ أبا غُنْم يجود ودارُه ... بِيَثْرِبَ مأوى كلّ أبيضَ خِضْرمِ )
ذكر الخبر عن غزوة السويق ونزول أبي سفيان على سلام بن مشكم
كانت هذه الغزاة بعد وقعة بدر وذلك أن أبا سفيان نذر ألا يمس رأسه ماء من جنابة ولا يشرب خمرا حتى يغزو رسول اللهفخرج في عدة من قومه ولم يصنع شيئا فعيرته قريش بذلك وقالوا إنما خرجتم تشربون السويق فسميت غزوة السويق
حدثنا محمد بن جرير قرأته عليه قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان عن عبيد الله بن كعب بن مالك وكان من أعلم الأنصار قال كان أبو سفيان حين رجع إلى مكة ورجع قبل قريش من بدر نذر ألا يمس ماء من جنابة حتى يغزو محمدا
فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له تيت من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب بيثرب فدق عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه وانصرف إلى سلام بن
مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه ونظر له خبر الناس
ثم خرج في عقب ليلته حتى جاء أصحابه فبعث رجالا من قريش إلى المدينة فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل لها أتوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين
فنذر بهم الناس فخرج رسول الله في طلبهم حتى بلغ قرقرة الكدر ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه وقد رأوا من مزاود القوم ما قد طرحوه في الحرث يتخففون منه للنجاء
فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله أنطمع أن تكون غزوة قال نعم
وقد كان أبو سفيان قال وهو يتجهز خارجا من مكة إلى المدينة أبياتا من شعر يحرض فيها قريشا فقال
( كُرّوا على يَثْرِبٍ وجمعِهمُ ... فإِنّ ما جمَّعوا لكم نَفَلُ )
( إن يك يومُ القَلِيب كان لهم ... فإن ما بعده لكم دوَلُ )
( آليتُ لا أقرَبُ النساءَ ولا ... يَمسّ رأسي وجلديَ الغُسُل )
( حتى تُبِيدوا قبائلَ الأَوْسِ والخَزْرَجِ ... إن الفؤاد مُشْتعِلُ )
فأجابه كعب بن مالك
( يا لَهْفَ أمّ المسبِّحِينَ على ... جيش ابن حرب بالحَرّة الفَشِلِ )
( أتطرحون الرجال من سَنَم الظَّهر ... تَرَقَّى في قُنّة الجَبَل )
( جاؤوا بجَمْعٍ لو قِيس منزلُه ... ما كان إلا كمُعْرَس الدُّئِل )
( عارٍ من النصر والثراءِ ومِنْ ... نَجْدة أهل البَطْحاء والأَسَلِ )
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا سليمان بن سعد عن الواقدي أن غزوة السويق كانت في ذي القعدة من سنة ثنتين من الهجرة
حدثني عمي قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا ابن سعد عن الواقدي عن أبي الزناد عن عبد الله بن الحارث قال شرب حسان بن ثابت يوما مع سلام بن مشكم وكان له نديما معهم كعب بن أسد وعبد الله بن أبي وقيس بن الخطيم فأسرع الشراب فيهم
وكانوا في موادعة وقد وضعت الحرب أوزارها بينهم
فقال قيس بن الخطيم لحسان تعال أشاربك فتشاربا في إناء عظيم فأبقى حسان من الإناء شيئا فقال له قيس اشرب فقال حسان وعرف الشر في وجهه أو خيرا من ذلك أجعل لك الغلبة قال لا إلا أن تشربه فأبى حسان وقال له سلام بن مشكم يا أبا يزيد لا تكرهه على ما لا يشتهي إنما دعوته لإكرامه ولم تدعه لتستخف به وتسيء مجالسته فقال له قيس أفتدعوني أنت على أن تسيء مجالستي فقال له سلام ما في هذا سوء مجالسة وما حملت عليك إلا لأنك مني وأني حليفك وليست عليك غضاضة في هذا وهذا رجل من الخزرج قد أكرمته وأدخلته منزلي فيجب أن تكرم لي من أكرمته ولعمري إن في الصحو لما تكتفون به من حروبكم فافترقوا وآلى سلام بن مشكم على نفسه ألا يشرب سنة وقد بلغ هذا من نديمه وكان كريما
صوت
من المائة المختارة
( مَنْ مُبلغ عنّي أبا كاملِ ... أنِّي إذا ما غاب كالهامِل )( قد زادني شوقاً إلى قربه ... مَعْ ما بدا من رأيه الفاضِل )
الشعر للوليد بن يزيد والغناء لأبي كامل ولحنه المختار من الثقيل الأول
بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن لأبي كامل فيه أيضا لحنا من خفيف الثقيل الثاني بالوسطى
أخبار الوليد بن يزيد ونسبه
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ويكنى أبا العباس وأمّه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي وهي بنت أخي الحجّاج وفيه يقول أبو نخيلة( بين أبي العاصِي وبين الحَجّاجْ ... يا لَكُمَا نُورَا سَراجٍ وَهَّاجْ )
( عليه بعد عَمِّه عُقِد التَّاجْ ... )
وأم يزيد بن عبد الملك عاتكةُ بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أُمية وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر وأم عبد الله بن عامر أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم ولذلك قال الوليد بن يزيد
( نَبِيُّ الهُدَى خالي ومن يَكُ خالُه ... نبيَّ الهدى يَقْهَرْ به من يُفاخرُ )
وكان الوليد بن يزيد من فتيان بني أمية وظرفائهم وشعرائهم وأجوادهم ونسبائهم وكان فاسقا خليعاً متهما في دينه مرميا بالزندقة وشاع ذلك من أمره وظهر حتى أنكره الناس فقتل
وله أشعار كثيرة تدل على خبثه وكفره ومن الناس من ينفي ذلك عنه وينكره ويقول إنه نحله وأُلصق إليه والأغلب الأشهر غير ذلك
ضعف الوليد أمام مكر هشام
أخبرني الحسن بن علي وأحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن إسحاق بن أيّوب القرشي وجُويرية بن أسماء وعامر بن الأسود والمِنهال بن عبد الملك وأبي عمرو بن المبارك وسُحيم بن حفص وغيرهم أن يزيد بن عبد الملك لما وجه الجيوش إلى يزيد بن المهلَّب وعقَد لمَسلمة بن عبد الملك على الجيش وبعث العباس بن الوليد بن عبد الملك وعقد له على أهل دمشق قال له العباس يا أمير المؤمنين إن أهل العراق أهل غدر وإرجافٍ وقد وجهتنا محاربين والأحداث تحدث ولا آمن أن يرجف أهل العراق ويقولوا مات أمير المؤمنين ولم يعهد فيفت ذلك في أعضاد أهل الشام فلو عهدت عهدا لعبد العزيز بن الوليد قال غداً
وبلغ ذلك مسلمة بن عبد الملك فأتى يزيد فقال يا أمير المؤمنين أيما أحب إليك ولد عبد الملك أو ولد الوليد فقال بل ولد عبد الملك قال أفأخوك أحقّ بالخلافة أم ابن أخيك قال إذا لم تكن في ولدي فأخي أحق بها من ابن أخي
قال فابنك لم يبلغ فبايع لهشام ثم لابنك بعد هشام قال والوليد يومئذ ابن إحدى عشرة سنة قال غدا أبايع له
فلما أصبح فعل ذلك وبايع لهشام وأخذ العهد عليه ألا يخلع الوليد بعده ولا يغير عهده ولا يحتال عليه
فلما أدرك الوليد ندم أبوه فكان ينظر إليه ويقول الله بيني وبين من جعل هشاما بيني وبينك
وتوفي يزيد سنة خمس ومائة وابنه الوليد ابن خمس عشرة سنة
قالوا فلم يزل الوليد مكرما عند هشام رفيع المنزلة مدة ثم طمع في خلعه وعقد العهد بعده لابنه مسلمة بن هشام فجعل يذكر الوليد بن يزيد وتهتّكه وإدمانه على الشراب ويذكر ذلك في مجلسه ويقوم ويقعد به وولاه الحج ليظهر ذلك منه بالحرمين فيسقط فحج وظهر منه فعل كثير مذموم وتشاغل بالمغنين وبالشراب وأمر مولى له فحج بالناس
فلما حج طالبه هشام بأن يخلع نفسه فأبى ذلك فحرمه العطاء وحرم سائر مواليه وأسبابه وجفاه جفاء شديدا
فخرج متبديا وخرج معه عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدبه وكان يرمى بالزندقة
ودعا هشام الناس إلى خلعه والبيعة لمسلمة بن هشام وأمه أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاصي
وكان مسلمة يكنى أبا شاكر كني بذلك لمولى كان لمروان يكنى أبا
شاكر كان ذا رأي وفضل وكانوا يعظمونه ويتبركون به فأجابه إلى خلع الوليد والبيعة لمسلمة بن هشام محمد وإبراهيم ابنا هشام بن إسماعيل المخزومي والوليد وعبد العزيز وخالد بن القعقاع بن خُويلد العبسي وغيرهم من خاصة هشام
وكتب إلى الوليد ما تدع شيئاً من المنكر إلا أتيته وارتكبته غير متحاشٍ ولا مستتر فليت شعري ما دينك أعلى الإسلام أنت أم لا فكتب إليه الوليد بن يزيد ويقال بل قال ذلك عبد الصمد بن عبد الأعلى ونحله إياه
صوت
( يا أيُّها السائلُ عن دِيننا ... نحن على دين أبي شاكرِ )( نشرَبُها صِرْفاً وممزوجةً ... بالسُّخْنِ أحياناً وبالفاتِرِ )
غناه عمر الوادي رملا بالبنصر فغضب هشام على ابنه مسلمة وقال يعيرني بك الوليد وأنا أرشِّحك للخلافة فالزم الأدب وأحضر الصلوات
وولاه الموسم سنة سبع عشرة ومائة فأظهر النّسك وقسم بمكة والمدينة أموالا
فقال رجل من موالي أهل المدينة
( يا أيُّها السائلُ عن دِيننا ... نحن على دين أبي شاكرِ )
( الواهبِ البُزْلَ بأَرْسانها ... ليس بزنديقٍ ولا كافرِ )
قال المدائني وبلغ خالدا القسري ما عزم عليه هشام فقال أنا بريء من خليفة يُكنى أبا شاكر فبلغت هشاما عنه هذه فكان ذلك سبب إيقاعه به
الوليد العابث
أخبرني محمد بن الحسن الكندي المؤدب قال حدثني أبي عن العباس ابن هشام قال دخل الوليد بن يزيد يوما مجلس هشام بن عبد الملك وقد كان في ذكره قبل أن يدخل فحمقه من حضر من بني أمية فلما جلس قال له العباس بن الوليد وعمر بن الوليد كيف حبك يا وليد للروميات فإن أباك كان بهن مشغوفا قال إني لأحبهن وكيف لا أحبهن ولن تزال الواحدة منهن قد جاءت بالهجين مثلك وكانت أم العباس رومية قال اسكت فليس الفحل يأتي عسبه بمثلي فقال له الوليد اسكت يابن البظراء قال أتفخر علي بما قطع من بظر أمك
وأقبل هشام على الوليد فقال له ما شرابك قال شرابك يا أمير المؤمنين وقام مغضبا فخرج فقال هشام أهذا الذي تزعمون أنه أحمق ما هو أحمق ولكني لا أظنّه على الملة
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال أخبرنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني قال دخل الوليد بن يزيد مجلس هشام بن عبد الملك وفيه سعيد بن هشام بن عبد الملك وأبو الزبير مولى مروان وليس هشام حاضرا فجلس الوليد مجلس هشام ثم أقبل على سعيد بن هشام فقال له من أنت وهو به عارف قال سعيد ابن أمير المؤمنين قال مرحبا بك
ثم نظر إلى أبي الزبير فقال من أنت قال أبو الزبيرمولاك أيها الأمير قال أنسطاسُ أنت مرحبا بك
ثم قال لإبراهيم بن هشام من أنت قال إبراهيم بن هشام قال من إبراهيم بن هشام وهو يعرفه قال إبراهيم بن هشام بن إسماعيل قال من إسماعيل وهو يعرفه قال إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة قال من الوليد بن المغيرة قال الذي لم يكن جدّك يرى أنه في شيء حتى زوّجه أبي وهو بعض ولد ابنته قال يابن اللخناء أتقول هذا
وائتخذا
وأقبل هشام فقيل لهما قد جاء أمير المؤمنين فجلسا وكفا ودخل هشام فما كاد الوليد يتنحّى له عن صدر مجلسه إلا أنه زحل له قليلا فجلس هشام وقال له كيف أنت يا وليد قال صالح قال ما فعلت بَرابطك قال معملة أو مستعملة
قال فما فعل ندماؤك قال صالحون ولعنهم الله إن كانوا شرا ممّن حضرك وقام فقال له هشام يابن اللخناء جؤوا عنقه فلم يفعلوا ودفعوه رويدا فقال الوليد
( أنا ابن أبي العاصِي وعثمانُ والدي ... ومروانُ جَدِّي ذو الفَعَال وعامرُ )
( أنا ابنُ عظيم القريتين وعِزُّها ... ثَقِيفٌ وفِهْرٌ والعُصَاةُ الأكابر )
( نَبِيُّ الهدى خالي ومن يَكُ خالُه ... نبيَّ الهُدَى يَقْهَر به من يُفاخرُ )
الوليد يرثي مسلمة بن عبد الملك
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال كان هشام بن عبد الملك يكثر تنقص الوليد بن يزيد فكان مسلمة يعاتب هشاما ويكفه فمات مسلمة فغم الوليد ورثاه فقال
صوت
( أتانا بَرِيدانِ من واسِطٍ ... يَخُبَّانِ بالكُتُب المُعْجَمَهْ )( أقول وما البعدُ إلاّ الرَّدَى ... أمَسْلَمُ لا تَبْعَدَنْ مَسْلَمَهْ )
( فقد كنتَ نوراً لنا في البلاد ... تُضِيء فقد أصبحتْ مُظْلِمَهْ )
( كتَمْنا نَعِيَّك نَخْشَى اليقين ... فجَلَّى اليقينُ عن الجَمْجَمَهْ )
( وكم من يَتيم تلافيتَه ... بأرض العدوّ وكم أيِّمَهْ )
( وكنتَ إذا الحربُ دَرَّتْ دَماً ... نصَبْتَ لها رايةً مُعْلَمَهْ )
غنى في هذه الأبيات التي أولها
( أقول وما البعدُ إلا الرَّدَى ... )
يونس خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو
وذكر الهشاميّ أن فيه ثقيلا أول ينسب إلى أبي كامل وعمر الوادي
وذكر حبش أن ليونس فيه رملا بالبنصر
أخبرني الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى بن زهير بن مضرس بن منظور بن زبان بن سيار عن أبيه قال رأيت هشام بن عبد الملك وأنا في عسكره يوم توفي مسلمة بن عبد الملك وهشام في شرطته إذ طلع الوليد بن يزيد على الناس وهو نشوان يجر مطرف خز عليه فوقف على هشام فقال يا أمير المؤمنين إن عقبى من بقي لحوق من مضى وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن يرى واختل الثغر فوهى وعلى أثر من سلف يمضي من خلف فتزودوا فإن خير الزاد التقوى فأعرض عنه هشام ولم يرد جوابا ووجم الناس فما همس أحد بشيء قال فمضى الوليد وهو يقول
( أَهيْنَمَةٌ حديثُ القوم أم هُمْ ... سُكُوتٌ بعد ما مَتَع النهارُ )
( عريزٌ كان بينهمُ نبيًّا ... فقولُ القومِ وَحْيٌ لا يُحار )
( كأنّا بعد مَسْلَمَةَ المُرجَّى ... شُرُوبٌ طوَّحتْ بهمُ عُقَار )
( أوُ آلاَّفٌ هِجَانٌ في قيودٍ ... تَلفَّتُ كلّما حَنّتْ ظُؤارُ )
( فليتَك لم تَمُتْ وفَدَاك قومٌ ... تُرِيح غبيَّهم عنّا الدِّيَارُ )
( سقيمُ الصَّدْر أو شَكِسٌ نَكِيدٌ ... وآخرُ لا يَزُور ولا يُزارُ )
يعني بالسقيم الصدر يزيد بن الوليد ويعني بالشكس هشاما والذي لا يزور ولا يزار مروان بن محمد
قال الزبير وحدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال أراد هشام أن يخلع الوليد ويجعل العهد لولده فقال الوليد
( كفرتَ يداً من مُنْعِمٍ لو شكرتَها ... جَزَاك بها الرحمنُ ذو الفَضْل والمَنّ )
( رأيتك تَبْنِي جاهداً في قَطِيعتي ... ولو كنتَ ذا حَزْم لهدّمتَ ما تَبْني )
( أراك على الباقين تَجْنِي ضَغِينةً ... فياوَيْحَهم إن مُتَّ من شَرِّ ما تَجْنِي )
( كأنِّي بهم يوماً وأكثرُ قولِهم ... أيا ليتَ أنّا حين يا ليت لا تُغْني )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال عتب هشام على الوليد وخاصته
فخرج الوليد ومعه قوم من خاصته ومواليه فنزل بالأبرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدف وخلّف بالرصافة كاتبه عياض بن مسلم مولى عبد الملك ليكاتبه بما يحدث وأخرج معه عبد الصمد بن عبد الأعلى
فشربوا يوما فقال له الوليد يا أبا وهب قل أبياتا تغني فيها فقال أبياتاً وأمر عمر الوادي فغنى فيها وهي
صوت
( ألَمْ تَرَ للنَّجْم إذ سَبَّعا ... يُبَادِر في بُرْجِه المَرْجِعَا )
( تحيَّر عن قَصْد مَجْراتِه ... إلى الغَوْرِ والتمس المَطْلَعَا )
( فقلتُ وأعجبني شأنُه ... وقد لاح إذ لاح لي مُطمِعا )
( لعلَّ الوليدَ دنا ملكُه ... فأمسى إليه قد اْستجمعَا )
( وكنّا نؤمِّل في مُلْكه ... كتأميل ذي الجَدْب أن يُمْرِعا )
( عَقَدْنا مُحكَماتِ الأمور ... طَوْعاً وكان لها مَوْضِعا )
فروي هذا الشعر وبلغ هشاما فقطع عن الوليد ما كان يجري عليه وعلى أصحابه وحرمهم وكتب إلى الوليد قد بلغني أنك اتخذت عبد الصمد خدنا ومحدثا ونديما وقد حقق ذلك ما بلغني عنك ولن أبرئك من سوء فأخرج عبد الصمد مذموما قال فأخرجه الوليد وقال
( لقد قذَفوا أبا وَهْبٍ بأمر ... كبيرٍ بل يزيد على الكبيرِ )
( وأشهَد أنهم كذَبوا عليه ... شهادَةَ عالمٍ بهمُ خبيرِ )
فكتب الوليد إلى هشام بأنه قد أخرج عبد الصمد واعتذر إليه من منادمته وسأله أن يأذن لابن سهيل في الخروج إليه وكان من خاصة الوليد فضرب هشام ابن سهيل ونفاه وسيره وكان ابن سهيل من أهل النباهة وقد ولي الولايات ولي دمشق مرارا وولي غيرها وأخذ عياض بن مسلم كاتب الوليد فضربه ضربا مبرحا وألبسه المسوح وقيده وحبسه فغم ذلك الوليد فقال من يثق بالناس ومن يصنع المعروف هذا الأحول المشؤوم قدمه أبي على ولده وأهل بيته وولاّه وهو يصنع بي ما ترون ولا يعلم أن لي في أحد