كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

( مَنْ مثلُ كِسْرَى وسابورِ الجنودِ معاً ... والهُرْمُزانِ لفخرٍ أو لتعظيم )
( أُسْدُ الكتائبِ يوم الرَّوعِ إن زَحَفُوا ... وهمْ أذلُّوا ملوكَ التُّرْكِ والرُّوم )
( يمشُون في حَلَق المادِيِّ سابغةً ... مَشْيَ الضَّرَاغِمةِ الأُسدِ اللَّهاميمِ )
( هناك إنْ تسألي تُنْبَيْ بأنّ لنا ... جُرثْومةً قَهَرتْ عِزَّ الجراثيم )
قال فغضب هشام وقال له يا عاض بظر أمه أعلي تفخر وإياي تنشد قصيدة تمدح بها نفسك وأعلاج قومك غطوه في الماء فغطوه في البركة حتى كادت نفسه تخرج ثم أمر بإخراجه وهو بشر ونفاه من وقته فأخرج عن الرصافة منفيا إلى الحجاز
قال وكان مبتلى بالعصبية للعجم والفخر بهم فكان لا يزال مضروبا محروما مطرودا

مدح ابني يزيد فأكرماه
أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي خيثمة قال قال ابن النطاح وحدثني أبو اليقظان
أن إسماعيل بن يسار وفد إلى الوليد بن يزيد وقد أسن وضعف فتوسل إليه بأخيه الغمر ومدحه بقوله
( نأتْك سُلَيْمَى فالهَوَى مُتَشاجِرُ ... وفي نَأْيِها للقلب داءٌ مُخَامِرُ )
( نأتْك وهام القلب نأياً بذكرها ... ولَجّ كما لجّ الخليعُ المُقَامِرُ )
( بواضحةِ الأقرابِ خَفّاقةِ الحَشَى ... بَرَهْرَهةٍ لا يَجْتَوِيها المُعَاشِرُ )

يقول فيها يمدح الغمر بن يزيد
( إذا عدّد الناسُ المكارمَ والعُلاَ ... فلا يَفْخَرَنْ يوماً على الغَمْرِ فاخرُ )
( فما مرّ من يومٍ على الدهر واحدٍ ... على الغَمْرِ إلاّ وهو في الناس غامِر )
( تراهم خشوعاً حين يبدو مهابةً ... كما خَشَعَتْ يوماً لكِسْرَى الأَسَاوِرُ )
( أَغَزُّ بِطاحِيٌّ كأنّ جبينَه ... إذا ما بدا بدرٌ إذا لاح باهرُ )
( وَقَى عِرْضَه بالمالِ فالمالُ جُنَّةٌ ... له وأهات المَُال والعِرض وافر )
( وَفَى سَيْبِه للمجتدين عِمارةٌ ... وفي سَيْفه للدِّين عِزٌّ وناصر )
( نَمَاه إلى فَرْعَيْ لُؤَيِّ بن غالبٍ ... أبوه أبو العاصي وحَرْبٌ وعامر )
( وخمسة آباءٍ له قد تتابعوا ... خلائفُ عَدْلٍ مُلْكُهُمْ مُتَواتِر )
( بَهالِيلُ سَبَّاقون في كلّ غايةٍ ... إذا استبقتْ في المَكْرُماتِ المَعاشِر )
( همُ خيرُ مَنْ بين الحَجُون إلى الصَّفَا ... إلى حيثُ أفضتْ بالبِطاح الحَزَاوِر )
( وهمْ جمعوا هذه الأنامَ على الهُدَى ... وقد فرّقتْ بين الأنام البصائر )
قال فأعطاه الغمر ثلاثة آلاف درهم وأخذ له من أخيه الوليد ثلاثة آلاف درهم
أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي حيثمة عن مصعب قال
لما مات محمد بن يسار وكانت وفاته قبل أخيه دخل إسماعيل على هشام ابن عروة فجلس عنده وحدثه بمصيبته ووفاة أخيه ثم أنشده يرثيه

( عِيلَ العَزَاءُ وخانني صَبْرِي ... لمّا نَعَى الناعي أبا بَكْرِ )
( ورأيتُ رَيْبَ الدَّهْرِ أفردني ... منه وأسْلمَ للعِدَا ظهري )
( من طَيِّبِ الأثواب مُقْتَبِلٍ ... حُلْوِ الشمائل ماجدٍ غَمْرِ )
( فمضى لوجْهته وأدركه ... قَدَرٌ أتِيحَ له من القَدْر )
( وغَبَرتُ مالي من تَذَكُّرِه ... إلاّ الأَسَى وحرارةُ الصدر )
( وخَوىً يُعَاوِدُني وقَلَّ له ... منِّي الجوى ومَحَاسِنُ الذِّكْر )
( لمّا هوتْ أيدي الرِّجالِ به ... في قَعْرِ ذات جَوَانبٍ غُبْرِ )
( وعلمتُ أنِّي لن أُلاقِيَه ... في الناس حتَّى ملتقَى الحَشْرِ )
( كادتْ لِفُرْقته وما ظلمتْ ... نَفْسِي تموت على شَفَا القبر )
( ولعَمْرُ مَنْ حُبِس الهَدِيُّ له ... بالأَخْشَبَيْنِ صبِيحةَ النَّحْرِ )
( لو كان نيلُ الخلُدْ يُدركه ... بَشَرٌ بطِيب الخيم والنَّجْرِ )
( لغَبَرْتَ لا تخشَى المَنُونَ ولا ... أوْدَى بنفسك حادثُ الدَّهرِ )
( ولنِعْمَ مأوَى المُرْمِلينَ إذا ... قُحِطُوا وأخلفَ صائبُ القَطْرِ )
( كم قلتُ آونةً وقد ذَرَفتْ ... عيني فماءُ شؤونها يجري )
( أنَّي وأيُّ فتًى يكون لنا ... شَرْوَاكَ عند تَفَاقُمِ الأَمر )
( لِدفاع خَصْمٍ ذي مُشَاغَبةٍ ... ولِعائلٍ تَرِبٍ أخي فَقْرِ )

( ولقد علمتُ وإنّ ضمنتُ جَوىً ... مما أجِنّ كَوَاهِج الجَمْر )
( ما لامرئٍ دون المنيَّةِ مِنْ ... نَفَقٍ فيُحْرِزُه ولا ستر )
قال وكان بحضرة هشام رجل من آل الزبير فقال له أحسنت وأسرفت في القول فلو قلت هذا في رجل من سادات قريش لكان كثيرا
فزجره هشام وقال بئس والله ما واجهت به جليسك فكشره إسماعيل وجزاه خيرا
فلما انصرف تناول هشام الرجل الزبيري وقال ما أردت إلى رجل شاعر ملك قوله فصرف أحسنه إلى أخيه ما زدت على أن أغريته بعرضك وأعراضنا لولا أني تلافيته
وكان محمد بن يسار أخو إسماعيل هذا الذي رثاه شاعرا من طبقة أخيه وله أشعار كثيرة
ولم أجد له خبرا فأذكره ولكن له أشعار كثيرة يغنى فيها
منها قوله في قصيدة طويلة

صوت
( غَشِيتُ الدارَ بالسَّنَدِ ... دُوَيْنَ الشِّعْبِ من أُحُدِ )
( عَفَتْ بعدي وغيَّرها ... تَقَادُمُ سالِفِ الأَبَدِ )
الغناء لحكم الوادي خفيف ثقيل عن الهشامي
ولإسماعيل بن يسار ابن يقال له إبراهيم شاعر أيضا وهو القائل
( مضَى الجهلُ عنكَ إلى طِيَّتِهْ ... وآبَكَ حِلْمُك من غَيْبتِهْ )
( وأصبحتَ تَعْجَبُ مما رأيتَ ... من نَقْضِ دَهْرٍ ومن مِرَّتِهْ )
وهي طويلة يفتخر فيها بالعجم كرهت الإطال بذكرها
انقضت أخباره

( كُلَيْبٌ لَعَمْرِي كان أكثَر ناصراً ... وأَيْسَرَ جُرْماً منكَ ضُرِّجَ بالدَّمِ )
( رَمَى ضَرْعَ نابٍ فاستمرّ بطعنةٍ ... كحاشية البُرْدِ اليَمَاني الُمُنَمْنَمِ )
عروضه من الطويل
الشعر للنابغة الجعدي والغناء للهذلي في اللحن المختار وطريقته من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
ونذكر هاهنا سائر ما يغنى به في هذه الأبيات وغيرها من هذه القصيدة وننسبه إلى صانعه ثم نأتي بعده بما يتبعه من أخباره
فمنها على الولاء سوى لحن الهذلي
( كُلَيْبٌ لَعَمْرِي كان أكثر ناصراً ... وأيسرَ جُرْماً منكَ ضُرِّجَ بالدَّمِ )
( رمى ضَرْعَ نابٍ فاستمرّ بطعنةٍ ... كحاشية البُرْد اليماني المسهمَّ )
( أيا دارَ سَلْمَى بالحَرَوْرِيّة اسْلِمِي ... إلى جانب الصَّمَّان فالمُتَثَلِّمِ )
( أقامتْ به الْبَرْدَيْن ثم تَذكّرتْ ... منازلَها بين الدَّخُولِ فَجُرْثُمِ )
( ومسكنَها بين الغُروب إلى اللِّوى ... إلى شُعَبٍ ترعَى بهنّ فَعْيَهمِ )

( لياليَ تَصَطادُ الرجالَ بفاحمٍ ... وأبيضَ كالإَغريض لمَ يَتَثَلَّم )
في البيت الأول والثاني لابن سريج ثقيل أول آخر بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس
وفيهما لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وللغريض في الثالث والرابع والأول والثاني ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى
ولإسحاق في الثالث والأول ثقيل أول بالوسطى ذكر ذلك أبو العبيس والهشامي
وللغريض في الرابع ثم الأول خفيف ثقيل بالوسطى في رواية عمرو ابن بانة
ولمعبد فيهما وفي الخامس والسادس خفيف ثقيل من رواية أحمد بن المكي
ولابن سريج في الخامس والسادس ثقيل أول بالبنصر من رواية علي بن يحيى المنجم وذكر غيره أنه للغريض
ولإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وذكر حبش أنه لمعبد
ولابن محرز في الأول والثاني والثالث والرابع هزج ذكر ذلك أبو العبيس وذكر قمري أنه لأبي عيسى بن المتوكل لا يشك فيه
وللدلال في الخامس والسادس ثاني ثقيل عن الهشامي وذكر أبو العبيس أنه للهذلي
ولعبيد الله بن عبد الله بن طاهر في الرابع خفيف رمل
ولإسحاق في الثالث والرابع أيضا ماخوري ولمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى فيهما وقيل إنه لحنه الذي ذكرنا متقدما وإنه ليس في هذا الشعر غيره
وذكر حبش أن في هذه الأبيات التي أولها كليب لعمري خفيف رمل بالوسطى وللهذلي خفيف ثقيل بالبنصر وللدلال رمل فذلك ثمانية عشر صوتا
وأخبرني محمد بن إبراهيم قريص أن له فيهما أعني الأول والثاني خفيفا بالوسطى

حذف 5

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره
والسبب الذي من أجله قيل هذا الشعر
هو على ما ذكر أبو عمرو الشيباني والقحذمي وهو الصحيح حبان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس وقيل ابن عمرو بن عدس مكان وحوح ابن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر
هذا النسب الذي عليه الناس اليوم مجتمعون
وقد روى ابن الكلبي وأبو اليقظان وأبو عبيدة وغيرهم في ذلك روايات تخالف هذا فمنها أن ابن الكلبي ذكر عن أبيه أن خصفة الذي يقول الناس إنه ابن قيس بن عيلان ليس كما قالوا وأن عكرمة ابن قيس بن عيلان وخصفة أمه وهي امرأة من أهل هجر
وقيل بل هي حاضنته وكان قيس بن عيلان قد

مات وعكرمة صغير فربته حتى كبر وكان قومه يقولون هذا عكرمة بن خصفة فبقيت عليه ومن لا يعلم يقول عكرمة بن خصفة بن قيس كما يقال خندف وإنما هي امرأة وزوجها إلياس بن مضر
وقالوا في صعصعة بن معاوية إن الناقمية بنت عامر بن مالك وهو الناقم سمي بذلك لأنه انتقم بلطمة لطمها وهو ابن سعد بن جدان بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار كانت عند معاوية بن بكر بن هوازن فمات عنها أو طلقها وهي نسء فتزوجها سعد بن زيد مناة بن تميم فولدت على فراشه صعصعة ابن معاوية ثم ولدت هبيرة ونجدة وجنادة فلما مات سعد اقتسم بنوه الميراث وأخرجوا صعصعة منه وقالوا أنت ابن معاوية بن بكر فلما رأى ذلك أتى بني معاوية بن بكر فأقروا بنسبه ودفعوه عن الميراث فلما رأى ذلك أتى سعد بن الظرب العدواني فشكا إليه ما لقي فزوجه بنت أخيه عمرة

بنت عامر بن الظرب وأبوها عامر الذي يقال له ذو الحلم وعمرة ابنته هذه هي التي كانت تقرع له العصا إذا سها في الحكم وله يقول الشاعر
( لذي الحِلْم قبلَ اليومِ ما تُقَرع العصا ... وما عُلِّم الإِنسانُ إلا ليَعْلَمَا )
قال وكانت عمرة يوم زوجها عمها نسئا من ملك من ملوك اليمن يقال له الغافق بن العاصي الأزدي والمُلك يومئذ في الأزد فولدت على فراش صعصعة عامر بن صعصعة فسماه صعصعة عامرا بجده عامر ابن الظرب
وقال في ذلك حبيب بن وائل بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن
( أزعمتَ أنّ الغافقيّ أبوكم ... نسبٌ لَعَمْرُ أبيك غيرُ مُفَنَّدِ )

( وأبوكم ملكٌ يُنتِّفُ باسته ... هَلْباء عافيةٌ كعُرف الهُدْهُدِ )
( جَنَحتْ عجوزُكُمُ إليه فردّها ... نسئاً بعامركم ولمّا يُويدِ )
ويكنى النابغة أبا ليلى
وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال
هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة
وقال ابن الأعرابي هو قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة ووافق ابن سلام في باقي نسبه
وهذا وهم ممن قال إن اسمه قيس وليس يشك في أنه كان له أخ يقال له وحوح بن قيس وهو الذي قتله بنو أسد وخبره يذكر بعد هذا ليصدق نسب النابغة
وأمه فاخرة بنت عمرو بن جابر بن شحنة الأسدي

سبب لقبه النابغة
وإنما سمي النابغة لأنه أقام مدة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على القحذمي
قال الجعدي الشعر في الجاهلية ثم أجبل دهرا ثم نبغ بعد في الشعر في الإسلام
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال

أقام النابغة الجعدي ثلاثين سنة لا يتكلم ثم تكلم بالشعر
قال القحذمي في رواية حماد عنه كان الجعدي أسن من نابغة بني ذبيان
قال ابن سلام في رواية أبي خليفة عنه كان الجعدي النابغة قديما شاعرا طويلا مفلقا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام وكان أكبر من الذبياني ويدل على ذلك قوله
( ومن يكُ سائلاً عنّي فإني ... من الفِتيان أيامَ الخُنَانِ )
( أتت مائةٌ لعامَ وُلدتُ فيه ... وعَشْرٌ بعد ذاك وحِجّتَان )
( فقد أَبقتْ خطوبُ الدّهر منّي ... كما أبقتْ من السيفِ اليَمانِي )
قال وعمر بعد ذلك عمرا طويلا
سئل محمد بن حبيب عن أيام الخنان ما هي فقال وقعة لهم فقال قائل منهم وقد لقوا عدوهم خنوهم بالرماح فسمي ذلك العام الخنان
ويدل على أنه أقدم من النابغة الذبياني أنه عمر مع المنذر بن المحرق قبل النعمان بن المنذر وكان النابغة الذبياني مع النعمان بن المنذر وفي عصره ولم يكن له قدم إلا أنه مات قبل الجعدي ولم يدرك الإسلام
والجعدي الذي يقول
( تَذكَّرتُ شيئاً قد مضَى لسبيلِهِ ... ومِنْ عادةِ المحزونِ أن يَتَذكَّرَا )
( نَدَامايَ عند المُنذر بنِ مُحرِّقٍ ... أرى اليومَ منهم ظاهرَ الأرض مُقفِرَا )

( كُهولٌ وفِتيانٌ كأنّ وِجوهَهم ... دنانيرُ ممّا شِيفَ في أرضِ قَيصَرا )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز و حبيب بن نصر قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم عمن كان يأخذ العلم عنه ولم يسم إلي أحدا في هذا أن النابغة عمر مائة وثمانين سنة وهو القائل
( لبِستُ أُناساً فأفنيتُهم ... وأفنيتُ بعد أناسٍ أناسَا )
( ثلاثة أَهلِينَ أفنيتُهم ... وكان الإِله هُوَ المُسْتآسَا )
وهي قصيدة طويلة يقول فيها وفيه غناء

صوت
( وكنتُ غلاماً أُقاسي الحُروبَ ... يَلْقى المُقاسون منّي مِرَاسَا )
( فلمّا دَنَوْنا لجَرْسِ النُّبَاحِ ... لم نعرِف الحيَّ إلا التماسَا )
( أضاءتْ لنا النّارُ وجهاً أَغَرَّ ... مُلتبساً بالفُؤادِ التباسَا )
غنى في هذه الثلاثة الأبيات فليح بن أبي العوراء خفيف ثقيل أوْلَ بالوسطى
رجع الخبر إلى رواية عمر بن شبة
قال وقال أيضا

( ألا زعمتْ بُنو سعدٍ بأنّي ... ألاَ كذَبوا كبيرُ السنّ فانِي )
( أتتْ مائةٌ لعامَ وُلدتُ فيه ... وعشرٌ بعد ذاك وحِجّتانِ )
قال وأنشد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أبياته التي يقول فيها
( ثلاثة أهلين أفنيتُهم ... )
فقال له عمر رضي الله تعالى عنه كم لبثت مع كل أهل قال ستين سنة

النابغة يعمر طويلا
وأخبرني بعض أصحابنا عن أبي بكر بن دريد عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال
أنشد رجل من العجم قول النابغة الجعدي
( لبِستُ أُناساً فأفنيتُهم ... وأفنيتُ بعد أُناس أناسَا )
وفسر له فقال بدين شان بود أي هذا رجل مشؤوم
وأما ابن قتيبة فإنه ذكر ما رواه لنا عنه إبراهيم بن محمد أنه عمر مائتين وعشرين سنة ومات بأصبهان
وما ذاك بمنكر لأنه قال لعمر رضي الله تعالى عنه إنه أفنى ثلاثة قرون كل قرن ستون سنة فهذه مائة وثمانون ثم عمر بعده فمكث بعد قتل عمر خلافة عثمان وعلي ومعاوية ويزيد وقدم على

عبد الله بن الزبير بمكة وقد دعا لنفسه فاستماحه ومدحه وبين عبد الله ابن الزبير وبين عمر نحو مما ذكر ابن قتيبة بل لا أشك أنه قد بلغ هذه السن وهاجى أوس بن مغراء بحضرة الأخطل والعجاج وكعب بن جعيل فغلبه أوس وكان مغلبا
حدثنا أحمد بن عمر بن موسى القطان المعروف بابن زنجوية قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله السكري قال حدثنا يعلى بن الأشدق العقيلي قال حدثني نابغة بني جعدة قال
أنشدت النبي هذا الشعر فأعجب به
( بلغنا السماء مَجدُنا وجدودُنا ... وإنا لنَبْغِي فوقَ ذلك مَظْهَرَا )

فقال النبي " فأين المظهر يا أبا ليلى " فقلت الجنة فقال " قل إن شاء الله " فقلت إن شاء الله
( ولا خَيْرَ في حِلْم إذا لم يكن له ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَه أن يُكدَرَا )
( ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له ... حَليمٌ إذا ما أَوْردَ الأمرَ أَصْدَرَا )
فقال النبي " أجدت لا يفضض الله فاك " قال فلقد رأيته وقد أتت عليه مائة سنة أو نحوها وما انفض من فيه سن

النابغة ممن أنكر الخمر والسكر في الجاهلية
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال
كان النابغة الجعدي ممن فكر في الجاهلية وأنكر الخمر والسكر وما يفعل بالعقل وهجر الأزلام والأوثان وقال في الجاهلية كلمته التي أولها
( الحمد لله لا شريكَ لَهُ ... من لم يقُلْها فنفسَه ظَلَما )
وكان يذكر دين إبراهيم والحنيفية ويصوم ويستغفر ويتوقى أشياء لعواقبها
ووفد على النبي فقال

( أتيتُ رسولَ الله إذ جاء بالهُدى ... ويتلو كتاباً كالمَجَرّة نَيِّرَا )
( وجاهدتُ حتى ما أُحِسّ ومن معي ... سُهَيْلاً إذا ما لاح ثُمَّتَ غَوّرا )
( أُقيم على التقوى وأرضى بفعلها ... وكنتُ مِنَ النار المخَوُفة أَوْجَرَا )
وحسن إسلامه وأنشد النبي فقال له " لا يفضض الله فاك " وشهد مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه صفين
وقد ذكر خبره مع عمر رضي الله عنه وأما خبره مع عثمان فأخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال قال مسلمة بن محارب
دخل النابغة الجعدي على عثمان رضي الله تعالى عنه فقال أستودعك الله يا أمير المؤمنين قال وأين تريد يا أبا ليلى قال ألحق بإبلي فأشرب من ألبانها فإني منكر لنفسي فقال أتعربا بعد الهجرة يا أبا ليلى أما علمت أن ذلك مكروه قال ما علمته وما كنت لأخرج حتى أعلمك
قال فأذن له وأجل له في ذلك أجلا فدخل على الحسن والحسين ابني علي فودعهما فقالا له أنشدنا من شعرك يا أبا ليلى فأنشدهما
( الحمدُ لله لا شريكَ لهُ ... من لم يقُلْها فنفْسَه ظلَمَا )
فقالا يا أبا ليلى ما كنا نروي هذا الشعر إلا لأمية بن أبي

الصلت فقال يا بني رسول الله إني لصاحب هذا الشعر وأول من قاله وإن السروق لمن سرق شعر أمية
قال أبو زيد عمر بن شبة في خبره
كان النابغة شاعرا متقدما وكان مغلبا ما هاجى قط إلا غلب هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيلية وكعب بن جعيل فغلبوه جميعا

النابغة وأوس بن مغراء
وقال أبو عمرو الشيباني كان بدء حديث النابغة وأوس بن مغراء أن معاوية لما وجه بسر بن أرطأة الفهري لقتل شيعة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قام إليه معن بن يزيد بن الأخنس السلمي وزياد بن الأشهب ابن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة فقالا يا أمير المؤمنين نسألك بالله وبالرحم ألا تجعل لبسر على قيس سلطانا فيقتل قيسا بمن قتلت بنو سليم من بني فهر وبني كنانة يوم دخل رسول الله مكة فقال معاوية يا بسر لا أمر لك على قيس وسار بسر حتى أتى المدينة فقتل ابني عبيد الله

ابن العباس وفر أهل المدينة ودخلوا الحرة حرة بني سليم
ثم سار بسر حتى أتى الطائف فقالت له ثقيف ما لك علينا سلطان نحن من قيس فسار حتى أتى همدان وهم في جبل لهم يقال له شبام فتحصنت فيه همدان ثم نادوا يا بسر نحن همدان وهذا شبام فلم يلتفت إليهم حتى إذا اغتروا ونزلوا إلى قراهم أغار عليهم فقتل وسبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين في الإسلام
ومر بحي من بني سعد نزول بين ظهري بني جعدة بالفلج فأغار بسر على الحي السعديين فقتل منهم وأسر فقال أوس بن مغراء في ذلك
( مُشِرِّين ترعَوْن النَّجيل وقد غَدتْ ... بأوصال قَتْلاكمِ كلابُ مُزاحِمِ )
المشر الذي قد بسط ثوبه في الشمس
والنجيل جنس من الحمض فقال النابغة يجيبه
( متى أكلتْ لُحومَكُم كِلابي ... أكلْتَ يديك من جَرَبٍ تَهَامِ )
أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب مما أجاز لنا روايته عنه من حديثه

وأخباره مما ذكره منها عن محمد بن سلام الجمحي عن أبي الغراف وأخبرنا به أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن سلام عن أبي الغراف
أن النابغة هاجى أوس بن مغراء قال ولم يكن أوس مثله ولا قريبا منه في الشعر فقال النابغة إني وإياه لنبتدر بيتا أينا سبق إليه غلب صاحبه فلما بلغه قول أوس
( لَعَمْرُك ما تَبْلَى سَرابيلُ عَامرٍ ... من اللؤم ما دامتْ عليها جلودُهَا )
قال النابغة هذا البيت الذي كنا نبتدر إليه
فغلب أوس عليه
قال أبو زيد فحدثني المدائني أنهما اجتمعا في المربد فتنافرا وتهاجيا وحضرهما العجاج والأخطل وكعب بن جعيل فقال أوس
( لمّا رأتْ جَعدةُ منا وورْدَا ... ولَّوْا نَعَاماً في البلاد رُبْدَا )
( إنّ لنا عليكُمُ مَعَدّا ... كاهلَها وركنَها الأَشدَّا )
فقال العجاج
( كل امرىءٍ يَعْدو بما استعدّا ... )
وقال الأخطل يعين أوس بن مغراء ويحكم به

( وإني لقاضٍ بين جَعدةِ عامرٍ ... وسَعدٍ قضاءً بَيِّنَ الحقِّ فَيْصلا )
( أبو جعدةَ الذئبُ الخبيثُ طَعامُه ... وعَوفُ بن كعبٍ أكرمُ الناس أَوَّلا )
وقال كعب بن جعيل
( إنّي لقاضٍ قضاءً سوف يتبعه ... مَنْ أَمَّ قَصْداً ولم يَعدِل إلى أَوَدِ )
( فَصْلاً من القول تَأْتَمُّ القضاةُ به ... ولا أَجُور ولا أَبغِي على أحدِ )
( ناكت بنو عامرٍ سعداً وشاعرَها ... كما تَنيك بنو عَبْس بني أسدِ )

سبب مهاجاته ليلى الأخيلية
وقال أبو عمرو الشيباني كان سبب المهاجاة بين ليلى الأخيلية وبين الجعدي أن رجلا من قشير يقال له ابن الحيا وهي أمه واسمه سوار بن أوفى بن سبرة هجاه وسب أخواله من أزد في أمر كان بين قشير وبين بني جعدة وهم بأصبهان متجاورون فأجابه النابغة بقصيدته التي يقال لها الفاضحة سميت بذلك لأنه ذكر فيها مساوي قشير وعقيل وكل ما كانوا يسبون به وفخر بمآثر قومه وبما كان لسائر بطون بني عامر سوى هذين الحيين من قشير وعقيل
( جَهِلتَ عليّ ابنَ الحيا وظلمتَني ... وجَمّعت قولاً جاء بيتاً مُضلّلا )
وقال في هذه القصة أيضا قصيدته التي أولها
( إمّا تَرَىْ ظُلَلَ الأيّامِ قد حَسِرِتْ ... عنّي وشَمّرتُ ذَيلاً كان ذَيَالا )
وهي طويلة يقول فيها
( ويومَ مكّةَ إذْ ماجَدْتُمُ نَفَراً ... حَامَوْا على عُقَد الأحسابِ أَزْوَالا )

( عند النّجاشيّ إذ تُعطون أيديَكم ... مُقرَّنين ولا تَرجُون إِرْسالا )
( إذ تَستحِبُّونَ عند الخَذْل أنّ لكم ... مِنْ آل جَعْدة أعماماً وأخْوَالا )
( لو تستطيعون أنْ تُلْقوا جُلودَكُم ... وتجعلوا جِلْدَ عبد الله سِرْبالا )
يعني عبد الله بن جعدة بن كعب
( إذاً تسرْبلتُم فيه ليُنجيَكم ... ممّا يقولُ ابنُ ذي الجَدّين إذْ قَالا )
( حتّى وَهبتم لعبد الله صاحبَه ... والقولُ فيكم بإذن الله ما فالا )
( تلك المكارمُ لاقَعْبَانِ من لَبنٍ ... شِيبَا بماءٍ فعادَا بعدُ أبْوالا )
يعني بهذا البيت أن ابن الحيا فخر عليه بأنهم سقوا رجلا من جعدة أدركوه في سفر وقد جهد عطشا لبنا وماء فعاش
وقال في هذه القصة أيضا قصيدته التي أولها
( أبلغ قُشَيراً والحَرِيشَ فما ... ذا ردّ في أيديكم شَتْمي )
وفخر عليهم بقتل علقمة الجعفي يوم وادي نساح وقتل شراحيل بن الأصهب الجعفي وبيوم رحرحان أيضا فقال فيه

( هَلاّ سألتَ بيومَيْ رَحْرحان وقد ... ظنّتْ هَوازنُ أنّ العِزَ قد زَالا )
فلما ذكر ذلك النابغة قال
( تلك المكارم لا قَعبَانِ من لبن ... شِيبَا بماءٍ فعادا بعدُ أبوالا )
ففخر بما له وغض مما لهم
ودخلت ليلى الأخيلية بينهما فقالت
( وما كنتُ لو قاذفتُ جلّ عشيرتي ... لأذكر قَعْبَيْ حازِرٍ قد تَثَمَّلا )
وهي كلمة
فلما بلغ النابغة قولها قال
( ألا حَيَّيا ليلَى وقُولا لها هَلا ... فقد رَكِبتْ أيْراً أغرَّ مُحَجَّلا )
( وقد أكلتْ بقلاً وخيماً نباتُه ... وقد شَرِبتْ من آخر الصيف أَيِّلا )
يعني ألبان الأيل
( دَعِي عنكِ تَهْجَاءَ الرجال وأَقْبِلي ... على أَذْلِغيٍّ يملأ استَكِ فَيْشَلا )
( وكيف أُهاجي شاعراً رُمحه استُه ... خَضِيبَ البَنانِ لا يزال مُكَحَّلا )
فردت عليه ليلى الأخيلية فقالت

( أنابغُ لم تَنْبغ ولم تكُ أوّلا ... وكنتَ صُنَيًّا بين صُدّيْن مَجْهَلا )
الصني شعب صغير يسيل منه الماء
وصدان جبلان
( أنابغُ إن تَنْبغ بلؤمك لا تجدْ ... للؤمك إلاّ وسْط جَعْدة مَجْعَلا )
( تُعيِّرني داءً بأمّك مثلُه ... وأيّ حَصَانٍ لا يُقال لها هَلا )
فغلبته
فلما أتى بني جعدة قولها هذا اجتمع ناس منهم فقالوا والله لنأتين صاحب المدينة أو أمير المؤمنين فليأخذن لنا بحقنا من هذه الخبيثة فإنها قد شتمت أعراضنا وافترت علينا فتهيؤوا لذلك وبلغها أنهم يريدون أن يستعدوا عليها فقالت
( أتَانِي من الأنباء أنّ عشيرةً ... بَشورانَ يُزْجون المطيّ المُذَلَّلا )
( يروح ويغدو وفدُهم بصحيفةٍ ... ليَستجلدوا لي ساء ذلك مَعْمَلا )
وقد أخبرني ببعض هذه القصة أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة فجاء بها مختلطة وهذا أوضح وأصح

يوم وادي نساح
قال أبو عمرو فأما ما فخر به النابغة من الأيام فمنها يوم علقمة الجعفي فإنه غدا في مذحج ومعه زهير الجعفي فأتى بني عقيل بن كعب فأغار عليهم وفي بني عقيل بطون من سليم يقال لهم بنو بجلة فأصاب سبيا وإبلا كثيرة ثم انصرف راجعا بما أصاب فاتبعه بنو كعب ولم يلحق

به من بني عقيل إلا عقال بن خويلد بن عامر بن عقيل فجعل يأخذ أبعار إبل الجعفيين فيبول عليها حتى ينديها ثم يلحق ببني كعب فيقول إيه فدى لكم أبواي قد لحقتم القوم حتى وردوا عليهم النخيل في يوم قائظ ورأس زهير في حجر جارية من سليم من بني بجلة سباها يومئذ وهي تفليه وهو متوسد قطيفة حمراء وهي تضفر سعفاته أي أعلى رأسه بهدب القطيفة فلم يشعروا إلا بالخيل فكان أول من لحق زهيرا ابن النهاضة فضرب وجه زهير بقوسه حتى كسر أنفه ثم لحقه عقال بن خويلد فبعج بطنه فسال من بطنه برير وحلب والبرير ثمر الأراك
والحلب لبن كان قد اصطبحه فذلك يوم يقول أبو حرب أخو عقال بن خويلد والله لا أصطبح لبنا حتى آمن من الصباح
قال وهذا اليوم هو يوم وادي نساح وهو باليمامة

يوم شراحيل
قال وأما يوم شراحيل بن الأصهب الجعفي فإنه يوم مذكور تفتخر به مضر كلها
وكان شراحيل خرج مغيرا في جمع عظيم من اليمن وكان قد طال عمره وكثر تبعه وبعد صيته واتصل ظفره وكان قد صالح بني عامر على أن يغزو العرب مارا بهم في بدأته وعودته لا يعرض أحد منهم لصاحبه فخرج غازيا في بعض غزواته فأبعد ثم رجع إليهم فمر على بني جعدة فقرته ونحرت له فعمد ناس من أصحابه سفهاء فتناولوا إبلا لبني جعدة فنحروها فشكت ذلك بنو جعدة إلى شراحيل فقالوا قريناك وأحسنا ضيافتك ثم لم تمنع أصحابك مما يصنعون فقال إنهم قوم

مغيرون وقد أساؤوا لعمري وإنما يقيمون عندكم يوما أو يومين ثم يرتحلون عنكم
فقال الرقاد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة لأخيه ورد بن عمرو وقيل بل قال ذلك لابن أخيه الجعد بن ورد دعني أذهب إلى بني قشير قال وجعدة وقشير أخوان لأم وأب أمهما ريطة بنت قنفذ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور فأدعوهم واصنع أنت يا هذا لشراحيل طعاما حسنا كثيرا وادعه وأدخله إليك فاقتله فإن احتجت إلينا فدخن فإني إذا رأيت الدخان أتيتك بهم فوضعنا سيوفنا على القوم
فعمد ورد هذا إلى طعام فأصلحه ودعا شراحيل وناسا من أصحابه وأهله وبني عمه فجعلوا كلما دخل البيت رجل قتله ورد حتى انتصف النهار فجاء أصحاب شراحيل يتبعونه فقال لهم ورد تروحوا فإن صاحبكم قد شرب وثمل وسيروح فرجعوا ودخن ورد وجاءت قشير فقتلوا من أدركوا من أصحابه وسار سائرهم وبلغهم قتل شراحيل فمروا على بني عقيل وهم إخوتهم فقالوا لنقتلن مالك بن المنتفق فقال لهم مالك أنا آتيكم بورد فركب ببني عقيل إلى بني جعدة وقشير ليعطوهم وردا فامتنعوا من ذلك وساروا بأجمعهم فذبوا عن عقيل حتى تفرق من كان مع شراحيل
فقال في ذلك بحير بن عبد الله بن سلمة

( أحيٌّ يتبعون العير نَحْراً ... أحبُّ إليك أم حَيَّا هِلالِ )
( لعلك قاتلٌ وَرْداً ولَمّا ... تَسَاقَ الخيلُ بالأَسَل النِّهالِ )
( أَلا يا مالُ وَيْحَ سِواك أَقصِرَ ... أَمَا ينهاك حلمُك عن ضلالِ )

يوما رحرحان
وأما يوما رحرحان فأحدهما مشهور قد ذكر في موضع آخر من هذا الكتاب بعقب أخبار الحارث بن ظالم وهذا اليوم الثاني فكان الطماح الحنفي أغار في بني حنيفة وبني قيس بن ثعلبة على بني الحريش بن كعب وبني عبادة بن عقيل وطوائف من بني عبس يقال لهم بنو حذيفة فركبت بنو جعدة وبنو أبي بكر بن كلاب ولم يشهد ذلك من بني كلاب غير بني أبي بكر فأدركوا الطماح من يومهم فاستنقذوا ما أخذه وأصابوا ما كان معه وقتلوا عددا من أصحابه وهزموهم
قال وأما ما ذكره من إدراكهم بثأر كعب الفوارس فإن كعب الفوارس وهو ابن معاوية بن عبادة بن البكاء مر على بني نهد وعليه سلاحه فحمل عليه رجل من نهد يقال له خليف فقتله وأخذ فرسه وسلاحه ثم إن خليفا بعد ذلك بدهر مر على بني جعدة فرآه مالك بن عبد الله بن

جعدة وعليه جبة كعب وفيها أثر الطعنة وكان محرما فلم يقدر على قتله فقال يا هذا ألا رقعت هذا الخرق الذي في جبتك وجعل يترصده بعد ذلك حتى بلغه بعد دهر أنه مر ببني جعدة فركب مالك بن عبد الله بن جعدة فرسا له وقد أخبر أن خليفا مر بجنباتهم فأدركه فقتله ثم قال بؤ بكعب
ثم غزا نواحيهم عبد الله بن ثور بن معاوية بن عبادة بن البكاء جرما ونهدا وهم يومئذ في بني الحارث فناداهم بنو البكاء ليس معنا أحد من قومنا غيرنا وإن النهدي قتل صاحبنا محرما فقاتلهم نهد وجرم جميعا يومئذ وكان عبد الله بن ثور يومئذ على فرس ورد فأصابوا من نهد يومئذ غنيمة عظيمة وقتلوا قتلى كثيرة
فقال عبد الله في ذلك
( فسائِلْ بني جَرْمٍ إذا ما لقيتَهم ... ونَهْداً إذا حَحَتْ عليك بنو نهدِ )
( فإن يُخبروك الحقَّ عنا تَجدْهُم ... يقولون أَبلى صاحبُ الفرس الوَرْدِ )

يوم الفلج
قال وأما يوم الفلج فإن بكر بن وائل بعثت عينا على بني كعب ابن ربيعة حتى جاء الفلج وهو ماء فوجد النعم بعضه قريبا من بعض ووجد الناس قد احتملوا فليس في النعم إلا من لا طباخ به من راع أو ضعيف فجاءهم عينهم بذلك فركبت بكر بن وائل يريدونهم حتى إذا كانوا منهم بحيث يسمعون أصواتهم سمعوا الصهيل وأصوات الرجال فقالوا لعينهم ما هذا ويلك قال والله ما أدري وإن هذا لمما لم أعهد فأرسلوا من يعلم علمهم فرجع فأخبرهم أن الرجال قد رجعوا ورأى جمعا عظيما وخيولا كثيرة فكروا راجعين من ليلتهم وأصبحت بنو

كعب فرأوا الأثر فاتبعوهم فأصابوا من أخرياتهم رجالا وخيلا فرجعوا بها
قال وأما قوله
( لو تستطيعون أن تُلْقوا جُلودكم ... وتجعلوا جِلد عبدِ الله سِرْبالا )
فإن السبب في ذلك أن هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير لقي خداش ابن زهير البكائي فتنافرا على مائة من الإبل وقال كل منهما لصاحبه أنا أكرم وأعز منك فحكما في ذلك رجلا من بني ذي الجدين فقضى بينهما أن أعزهما وأكرمهما أقربهما من عبد الله بن جعدة نسبا فقال خداش بن زهير أنا أقرب إليه أم عبد الله بن جعدة عمتي وهي أميمة بنت عمرو ابن عامر وإنما أنت أدنى إليه مني منزلة بأب فلم يزالا يختصمان في القرابة لعبد الله دون المكاثرة بآبائهما إقرارا له بذلك حتى فلج هبيرة القشيري وظفر

عبد الله بن جعدة السيد المطاع
قال أبو عمرو وكان عبد الله بن جعدة سيدا مطاعا وكانت له إتاوة بعكاظ يؤتى بها يأتيه بها هذا الحي من الأزد وغيرهم فجاء سمير بن سلمة القشيري وعبد الله جالس على ثياب قد جمعت له من إتاوته فأنزله عنها وجلس مكانه فجاء رياح بن عمرو بن ربيعة بن عقيل وهو الخليع

سمي بذلك لتخلعه عن الملوك لا يعطيهم الطاعة فقال للقشيري مالك ولشيخنا تنزله عن إتاوته ونحن ها هنا حوله فقال القشيري كذبت ما هي له ثم مد القشيري رجله فقال هذه رجلي فاضربها إن كنت عزيزا قال لا لعمري لا أضرب رجلك فقال له القشيري فامدد لي رجلك حتى تعلم أأضربها أم لا فقال ولا أمد لك رجلي ولكن أفعل ما لا تنكره العشيرة وما هو أعز لي وأذل لك ثم أهوى إلى رجل القشيري فسحبه على قفاه ونحاه وأقعد عبد الله بن جعدة مكانه
قال وعبد الله بن جعدة أول من صنع الدبابة وكان السبب في ذلك أنهم انتجعوا ناحية البحرين فهجموا على عبد لرجل يقال له كودن في قصر حصين فدخن العبد ودعا النساء والصبيان فظنوا أنه يطعمهم ثريدا حتى إذا امتلأ القصر منهم أغلقه عليهم فصاح النساء والصبيان وقام العبد ومن معه على شرف القصر فجعل لا يدنوا منه أحد إلا رماه فلما رأى ذلك عبد الله بن جعدة صنع دبابة على جذوع النخل وألبسها جلود الإبل ثم جاء بها والقوم يحملونها حتى أسندوها إلى القصر ثم حفروا حتى خرقوه فقتل العبد ومن كان معه واستنقذ صبيانهم ونساءهم
فذلك قول النابغة

( ويومَ دعا ولِدانَكم عبدُ كَوْدَنٍ ... فخالُوا لدى الدّاعي ثريداً مُفلفلا )
( وقى ابنَ زِياد وهو عُقبة خيركم ... هبيرةُ ينزو في الحديد مُكَبَّلا )
يعنى هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير وكان عبد الله بن مالك بن عدس بن ربيعة بن جعدة خرج ومعه مالك بن عبد الله بن جعدة حتى مروا على بني زياد العبسيين والرجال غيب فأخذوا ابنا لأنس بن زياد وانطلقوا به يرجون الفداء وانطلق عمه عمارة بن زياد حتى أتى بني كعب فلقي هبيرة ابن عامر بن سلمة بن قشير فقال له يا هبيره إن الناس يقولون إنك بخيل قال معاذ الله قال فهب لي جبتك هذه فأهوى ليخلعها فلما وقعت في رأسه وثب عليه فأسره ثم بعث إلى بني قشير علي وعلي إن قبلت من هبيرة أقل من فدية حاجب إلا أن يأتوني بابن أخي الذي في أيدي بني جعدة فمشت بنو قشير إلى بني جعدة فاستوهبوه منهم فوهبوه لهم فافتدوا به هبيرة

خبر وحوح أخي النابغة
وأما خبر وحوح أخي النابغة الذي تقدم ذكره مع نسب أخيه النابغة فإن أبا عمرو ذكر أن بني كعب أغارت على بني أسد فأصابوا سبيا وأسرى فركبت بنو أسد في آثارهم حتى لحقوهم بالشريف فعطفت بنو عدس بن

ربيعة بن جعدة فذادوا بني أسد حتى قتلوا منهم ثلاثين رجلا وردوهم ولم يظفروا منهم بشيء
وتعلقت امرأة من بني أسد بالحكم بن عمرو بن عبد الله ابن جعدة وقد أردفها خلفه فأخذت بضفيرته ومالت به فصرعته فعطف عليه عبد الله بن مالك بن عدس وهو أبو صفوان فضرب يدها بالسيف فقطعها وتخلصه
وطعن يومئذ وحوح بن قيس أخو النابغة الجعدي فارتث في معركة القوم فأخذه خالد بن نضلة الأسدي وعطف عليه يومئذ أخوه النابغة فقال له خالد بن نضلة هلم إلي وأنت آمن فقال له النابغة لا حاجة لي في أمانك أنا على فرسي ومعي سلاحي وأصحابي قريب ولكني أوصيك بما في العوسجة يعني أخاه وحوح بن قيس فعدل إليه خالد فأخذه وضمه إليه ومنع من قتله وداواه حتى فدي بعد ذلك
قال ففي ذلك يقول مدرك العبسي
( أقمتُ على الحِفاظِ وغاب فَرْجٌ ... وفي فَرْجٍ عن الحسب انفراجُ )
( كذلك فِعْلُنَا وحِبالُ عمّي ... وردْنَ بوحوح فَلَجَ الفِلاَج )
ومما قاله النابغة في هذه المفاخرة وغني فيه قوله وقد جمع معه كل ما يغنى فيه من القصيدة

صوت
( هل بالدّيار الغداةَ من صَمَمِ ... أم هَلْ برَبْع الأنيس من قِدَمِ )
( أم ما تُنادِي من ماثلٍ دَرَج السّيلُ ... عليه كالحوض مُنهدِم )
( غرّاءُ كالليلة المباركة القمراءِ ... تَهدِي أوائلَ الظُّلَمِ )
( أَكْني بغير اسمها وقد علِم اللَّه ... خَفيَّاتِ كلّ مُكتَتَمِ )
( كأنّ فاها إذا تبّسم من ... طِيبِ مَشَمٍّ وطيبِ مُبْتَسَم )
( يُسَنّ بالضِّرْوِ من بَراقِشَ أو ... هَيْلانَ أو ضامرٍ من العُتُم )
عروضه من المنسرح
وفي الأول والثاني والثالث من الأبيات خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر ذكره إسحاق ولم ينسبه إلى أحد وذكر ابن المكي والهشامي أنه لمعبد وأظنه من منحول يحيى

وذكر حبش أنه لإبراهيم
وفي الثالث وما بعده لابن سريج رمل بالبنصر وذكر حبش أن فيها لإسحاق رملا آخر ولابن مسجح فيها ثقيل أول بالبنصر
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أول من سبق إلى الكناية عن اسم من يعني بغيره في الشعر الجعدي فإنه قال
( أَكْنِي بغير اسمها وقد علم اللَّه ... خَفِيّاتِ كلّ مكتَتَمِ )
فسبق الناس جميعا إليه واتبعوه فيه
وأحسن من أخذه وألطفه فيه أبو نواس حيث يقول
( أسألُ القادمين من حَكَمانِ ... كيف خلّفُتُمُ أبا عثمانِ )
( فيقولون لي جِنانٌ كما سرّك ... في حالها فسَلْ عن جنانِ )
( ما لهم لا يُبارك اللهُ فيهمْ ... كيف لم يُغْنِ عندهم كِتماني )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو بكر الباهلي قال حدثني الأصمعي قال

ذكر الفرزدق نابغة بني جعدة فقال كان صاحب خلقان عنده مطرف بألف وخمار بواف يعني درهما

النابغة وابن الزبير
وحدثني خبره مع ابن الزبير جماعة منهم حبيب بن نصر المهلبي عمر بن عبد العزيز بن أحمد والحرمي بن أبي العلاء ووكيع ومحمد بن جرير الطبري حدثنيه من حفظه قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أخي هارون بن أبي بكر عن يحيى بن إبراهيم عن سليمان بن محمد بن يحيى بن عروة عن أبيه عن عمه عبد الله بن عروة قال
أَقْحمت السنةُ نابغةَ بني جعدة فدخل على ابن الزبير المسجد الحرام فأنشده
( حَكَيتَ لنا الصِّدِّيَق لمّا وَلِيتَنا ... وعمثانَ والفاروقَ فارتاح مُعدمُ )
( أتاك أبو ليلى يَجُوب به الدُّجى ... دُجىَ الليلَ جوّابُ الفلاة عَثَمْثَمُ )
( لتجُبر منه جانباً زَعْزَعت به ... صُروفُ الليالي والزمانُ المُصمَّم )

فقال له ابن الزبير هون عليك أبا ليلى فإن الشعر أهون وسائلك عندنا أما صفوة مالنا فلآل الزبير وأما عفوته فإن بني أسد بن عبد العزى تشغلها عنك وتيما معها ولكن لك في مال الله حقان حق برؤيتك رسول الله وحق بشركتك أهل الإسلام في فيئهم ثم أخذ بيده فدخل به دار النعم فأعطاه قلائص سبعا وجملا رجيلا وأوقر له الإبل برا وتمرا وثيابا فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحب صرفا فقال ابن الزبير ويح أبي ليلى لقد بلغ به الجهد فقال النابغة أشهد أني سمعت رسول الله يقول " ما وليت قريش فعدلت واسترحمت فرحمت وحدثت فصدقت ووعدت خيرا فأنجزت فأنا والنبيون فراط القاصفين " وقال الحرمي فراط لها ضمن
قال الزبيري كتب يحيى بن معين هذا الحديث عن أخي

النابغة يهجو أبا موسى الأشعري
أخبرني أبو الحسن الأسدي أحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح

وهاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف قالا حدثنا الرياشي قال قال أبو سليمان عن الهيثم بن عدي قال
رعت بنو عامر بالبصرة في الزرع فبعث أبو موسى الأشعري في طلبهم فتصارخوا يا آل عامر يا آل عامر فخرج النابغة الجعدي ومعه عصبة له فأتي به إلى أبي موسى الأشعري فقال له ما أخرجك قال سمعت داعية قومي قال فضربه أسواطا فقال النابغة
( رأيتُ البَكْرَ بَكْرَ بني ثمودٍ ... وأنت أَراك بكرَ الأَشعَرينا )
( فإن يكُنِ ابنُ عَفّانٍ أَمينا ... فلم يَبْعَثْ بك البَرَّ الأمينَا )
( فيا قبرَ النبيّ وصاحِبَيْهِ ... أَلاَ يا غَوْثَنا لو تسمَعُونا )
( أَلاَ صَلَّى إلهكُم عليكم ... ولا صلَّى على الأُمراء فِينَا )
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري ويحيى بن علي بن يحيى قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا بعض أصحابنا عن ابن دأب قال
لما خرج علي رضي الله تعالى عنه إلى صفين خرج معه نابغة بني جعدة فساق به يوما فقال

( قد علِم المِصْرانِ والعِراقُ ... أنّ عليًّا فحلُها العُتَاقُ )
( أبيضُ جَحْجَاجٌ لهُ رِواقُ ... وأُمّه غالَى بها الصَّداقُ )
( أكرمُ من شُدَّ به نِطاقُ ... إنّ الأُلى جارَوْكَ لا أَفاقوا )
( لهم سِياقٌ ولكم سياقُ ... قد علمتْ ذلكُم الرِّفاقُ )
( سُقتم إلى نَهْج الهُدَىوساقُوا ... إلى التي ليس لها عِراقُ )
( في مِلّةٍ عادتُها النِّفاقُ ... )
فلما قدم معاوية بن أبي سفيان الكوفة قام النابغة بين يديه فقال
( ألم تأتِ أهلَ المَشْرقَين رسالتي ... وأيُّ نَصيح لا يَبيتُ على عَتْبِ )
( مَلَكتْم فكان الشرُّ آخرَ عَهدِكمُ ... لئن لم تَدَاركْكُمْ حُلُومُ بني حَرْبِ )
وقد كان معاوية كتب إلى مروان فأخذ أهل النابغة وماله فدخل النابغة على معاوية وعنده عبد الله بن عامر ومروان فأنشده
( مَنْ راكِبٌ يأتي ابنَ هندٍ بحاجتي ... على النَّأي والأنباءُ تُنْمَى وتُجلَبُ )
( ويُخبر عنِّي ما أقول ابنَ عامر ... ونعم الفتى يأوِي إليه المُعصَّبُ )

( فإنُ تأخذوا أهلي ومالي بِظنَّةٍ ... فإنّي لَحَرّابُ الرجالِ مُحرِّبُ )
( صَبورٌ على ما يكره المرءُ كلِّه ... سِوى الظلم إني إن ظُلمت سأغضَبُ )

النابغة وعقال بن خويلد
فالتفت معاوية إلى مروان فقال ما ترى قال أرى ألا ترد عليه شيئا فقال ما أهون والله عليك أن ينجحر هذا في غار ثم يقطع عرضي علي ثم تأخذه العرب فترويه أما والله إن كنت لممن يرويه أردد عليه كل شيء أخذته منه
وهذا الشعر يقوله النابغة الجعدي لعقال بن خويلد العقيلي يحذره غب الظلم لما أجار بني وائل بن معن وكانوا قتلوا رجلا من جعدة فحذرهم مثل حرب البسوس إن أقاموا على ذلك فيهم
قال أبو عمرو الشيباني كان السبب في قول الجعدي هذه القصيدة أن المنتشر الباهلي خرج فأغار على اليمن ثم رجع مظفرا
فوجد بني جعدة قد قتلوا ابنا له يقال له سيدان وكانت باهلة في بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ثم في بني جعدة فلما أن علم ذلك المنتشر وأتاه الخبر أغار على بني جعدة ثم على بني سبيع في وجهه ذلك فقتل منهم ثلاثة نفر فلما فعل ذلك تصدعت باهلة فلحقت فرقة منهم يقال لهم بنو وائل

بعقال بن خويلد العقيلي ولحقت فرقة أخرى يقال لهم بنو قتيبة وعليهم حجل الباهلي بيزيد بن عمرو بن الصعق الكلابي فأجارهم يزيد وأجار عقال وائلا
فلما رأت ذلك بنو جعدة أرادوا قتالهم فقال لهم عقال لا تقاتلوهم فقد أجرتهم فأما أحد الثلاثة القتلى منكم فهو بالمقتول وأما الآخران فعلي عقلهما فقالوا لا نقبل إلا القتال ولا نريد من وائل غيرا يعني الدية فقال لا تفعلوا فقد أجرت القوم فلم يزل بهم حتى قبلوا الدية
وانتقلت وائل إلى قومهم
فقال النابغة في ذلك قصيدته التي ذكر فيها عقالا
( فابلِغْ عِقَالاً أنّ غايةَ داحسٍ ... بكفّيكَ فاستأخرْ لها أو تَقدّمِ )
( تُجِير علينا وائلاً في دمائنا ... كأنك عما نابَ أشياعَنا عَمِ )

( كُلَيبٌ لَعَمْرِي كان أكثرَ ناصراً ... وأيسرَ جُرماً منك ضُرِّجَ بالدّم )
( رمىَ ضَرْعَ نابٍ فاستمرَّ بطَعنةٍ ... كحاشية البُردِ اليَمَانِي المسَهَّمِ )
( وما يَشْعُر الرمحُ الأصمُّ كعوبُه ... بِثَرْوَةِ رَهطِ الأبلخ المتظلِّم )
( وقال لجَسّاسٍ أَغِثْني بشَرْبةٍ ... تَفضَّلْ بها طَولاً عليّ وأَنعِمِ )
( فقال تَجاوزتَ الأَحَصّ وماءَه ... وبطنَ شُبَيثٍ وهو ذو مُترسَّم )

حرب بكر وتغلب
حرب البسوس
وكان السبب في قتل كليب بن ربيعة فيما ذكره أبو عبيدة عن مقاتل الأحول بن سنان بن مرثد بن عبد بن عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد أخي بني قيس بن ثعلبة ونسخت بعضه من رواية الكلبي وأخبرنا به محمد ابن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل فجمعت من روايتهم ما احتيج إلى ذكره مختصر اللفظ كامل المعنى أن كليبا كان قد عز وساد في ربيعة فبغى بغيا شديدا وكان هو الذي ينزلهم منازلهم ويرحلهم ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره
فبلغ من عزه وبغيه أنه اتخذ جرو كلب فكان إذا نزل منزلا به كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب فضرب به المثل في العز فقيل أعز من كليب وائل
وكان يحمي الصيد ويقول صيد ناحية كذا وكذا

في جواري فلا يصيد أحد منه شيئا وكان لا يمر بين يديه أحد إذا جلس ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره فقتله جساس بن مرة
وقال أبو عبيدة قال أبو برزة القيسي وهو من ولد عمرو بن مرثد
وكان كليب بن ربيعة ليس على الأرض بكري ولا تغلبي أجار رجلا ولا بعيرا إلى بإذنه ولا يحمي حمى إلا بأمره وكان إذا حمى حمى لا يقرب وكان لمرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة عشرة بنين جساس أصغرهم وكانت أختهم عند كليب
وقال مقاتل وفراس وأم جساس هيلة بنت منقذ بن سليمان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة ثم خلف عليها سعد ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بعد مرة بن ذهل فولدت له مالكا وعوفا وثعلبة
قال فراس بن خندق البسوسي فهي أمنا
وخالة جساس البسوس وقال أبو برزة البسوسية وهي التي يقال لها أشأم من البسوس
فجاءت فنزلت على ابن أختها جساس فكانت جارة لبني مرة ومعها ابن لها ولهم ناقة خوارة من نعم بني سعد ومعها فصيل
أخبرني علي بن سليمان قال قال أبو برزة وقد كان كليب قبل

ذلك قال لصاحبته أخت جساس هل تعلمين على الأرض عربيا أمنع مني ذمة فسكتت ثم أعاد عليها الثانية فسكتت ثم أعاد عليها الثالثة فقالت نعم أخي جساس وندمانه ابن عمه عمرو المزدلف بن أبي ربيعة بن ذهل ابن شيبان
وزعم مقاتل أن امرأته كانت أخت جساس فبينا هي تغسل رأس كليب وتسرحه ذات يوم إذ قال من أعز وائل فصمتت فأعاد عليها فلما أكثر عليها قالت أخواي جساس وهمام فنزع رأسه من يدها وأخذ القوس فرمى فصيل ناقة البسوس خالة جساس وجارة بني مرة فقتله فأغمضوا على ما فيه وسكتوا على ذلك
ثم لقي كليب ابن البسوس فقال ما فعل فصيل ناقتكم قال قتلته وأخليت لنا لبن أمه فأغمضوا على هذه أيضا
ثم إن كليبا أعاد على امرأته فقال من أعز وائل فقالت أخواي فأضمرها وأسرها في نفسه وسكت حتى مرت به إبل جساس فرأى الناقة فأنكرها فقال ما هذه الناقة قالوا لخالة جساس قال أو قد بلغ من أمر ابن السعدية أن يجير علي بغير إذني ارم ضرعها يا غلام
قال فراس فأخذ القوس فرمى ضرع الناقة فاختلط دمها بلبنها وراحت الرعاة على جساس فأخبروه بالأمر فقال احلبوا لها مكيالي لبن بمحلبها ولا تذكروا لها من هذا شيئا ثم أغمضوا عليها أيضا
قال مقاتل حتى أصابتهم سماء فغدا في غبها يتمطر وركب جساس بن مرة وابن عمه عمرو بن الحارث ابن ذهل وقال أبو برزة بل عمرو بن أبي ربيعة وطعن عمرو كليبا فحطم صلبه وقال أبو برزة فسكت جساس حتى ظعن ابنا وائل فمرت بكر ابن وائل على نهي يقال له شبيث فنفاهم كليب عنه وقال لا يذوقون منه

قطرة ثم مروا على نهي آخر يقال له الأحص فنفاهم عنه وقال لا يذوقون منه قطرة ثم مروا على بطن الجريب فمنعهم إياه فمضوا حتى نزلوا الذنائب واتبعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه ثم مر عليه جساس وهو واقف على غدير الذنائب فقال طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا فقال كليب ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون فمضى جساس ومعه ابن عمه المزدلف
وقال بعضهم بل جساس ناداه فقال هذا كفعلك بناقة خالتي فقال له أو قد ذكرتها أما إني لو وجدتها في غير إبل مرة لاستحللت تلك الإبل بها
فعطف عليه جساس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضنيه فلما تداءمه الموت قال يا جساس اسقني من الماء قال ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه
قال أبو برزة فعطف عليه المزدلف عمرو بن أبي ربيعة فاحتز رأسه
وأما مقاتل فزعم أن عمرو بن الحارث بن ذهل الذي طعنه فقصم صلبه
قال وفيه يقول مهلهل

( قتيلٌ ما قتيلُ المرءِ عمروٍ ... وجَسَّاسِ بنِ مُرّة ذو ضَريرِ ) وقال العباس بن مرداس السلمي يحذر كليب بن عهمة السلمي ثم الظفري لما مات حرب بن أمية وخنقت الجن مرداسا وكانوا شركاء في القرية فجحدهم كليب حظهم منها وسنذكر خبر ذلك في آخر هذه الأخبار إن شاء الله تعالى فحذره غب الظلم فقال
( أكليبُ مالكَ كلَّ يوم ظالماً ... والظلمً أنكدُ وجهُه مَلعونُ )
( فافعَلْ بقومك ما أرادَ بوائلٍ ... يومَ الغَديرِ سَمِيُّكَ المطعونُ )
وقال رجل من بني بكر بن وائل في الإسلام وهي تنحل للأعشى
( ونحن قهَرنا تَغلِبَ ابنةَ وائلٍ ... بقتل كُلَيبٍ إذا طغَى وتَخيّلاَ )

( أبَأْناه بالناب التي شَقَّ ضَرْعَها ... فأصبح مَوْطُوءَ الحِمَى مُتذلِّلا )
قال ومقتل كليب بالذنائب عن يسار فلجة مصعدا إلى مكة وقبره بالذنائب
وفيه يقول المهلهل
( ولو نُبِش المقابرُ عن كُلَيبٍ ... فَيُخْبَرَ بالذنائب أَيُّ زِيرِ )
قال أبو برزة فلما قتله أمال يده بالفرس حتى انتهى إلى أهله
قال وتقول أخته حين رأته لأبيها إن ذا لجساس أتى خارجا ركبتاه قال والله ما خرجت ركبتاه إلا لأمر عظيم
قال فلما جاء قال ما وراءك يا بني قال ورائي إني قد طعنت طعنة لتشغلن بها شيوخ وائل زمنا قال أقتلت كليبا قال نعم قال وددت أنك وإخوتك كنتم متم قبل هذا ما بي إلا أن تتشاءم بي أبناء وائل
وزعم مقاتل أن جساسا قال لأخيه نضلة بن مرة وكان يقال له عضد الحمار
( وإني قد جَنيتُ عليكَ حرباً ... تُغِصُ الشيخَ بالماء القَرَاحِ )
( مُذَكَّرةً متى ما يَصْحُ عنها ... فَتىً نَشِبَتْ بآخرَ غيرِ صَاحِ )
( تُنَكِّلُ عن ذُبَاب الغيّ قوماً ... وتدعُو آخرينَ إلى الصّلاح )
فأجابه نضلة
( فإن تَكُ قد جَنَيتَ عليّ حرباً ... فلا وَانٍ ولا رَثُّ السِّلاَحِ )
قال أبو برزة

وكان همام بن مرة آخى مهلهلا وعاقده ألا يكتمه شيئا فجاءت إليه أمة له فأسرت إليه قتل جساس كليبا فقال له مهلهل ما قالت فلم يخبره فذكره العهد بينهما فقال أخبرت أن جساسا قتل كليبا فقال است أخيك أضيق من ذلك
وزعم مقاتل أن هماما كان آخى مهلهلا وكان عاقده ألا يكتمه شيئا فكانا جالسين فمر جساس يركض به فرسه مخرجا فخذيه فقال همام إن له لأمرا والله ما رأيته كاشفا فخذيه قط في ركض فلم يلبث إلا قليلا حتى جاءته الخادم فسارته أن جساسا قتل كليبا فقال له مهلهل ما أخبرتك قال أخبرتني أن أخي قتل أخاك قال هو أضيق استا من ذلك وتحمل القوم وغدا مهلهل بالخيل
وقال المفضل في خبره فلما قتل كليب قالت بنو تغلب بعضهم لبعض لا تعجلوا على إخوتكم حتى تعذروا بينكم وبينهم فانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرة بن ذهل فعظموا ما بينهم وبينه وقالوا له اختر منا خصالا إما أن تدفع إلينا جساسا فنقتله بصاحبنا فلم يظلم من قتل قاتله وإما أن تدفع إلينا هماما وإما أن تقيدنا من نفسك فسكت وقد حضرته وجوه بني بكر بن وائل فقالوا تكلم غير مخذول فقال أما جساس فغلام حديث السن ركب رأسه فهرب حين خاف فلا علم

لي به وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة ولو دفعته إليكم لصيح بنوه في وجهي وقالوا دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره وأما أنا فلا أتعجل الموت وهل تزيد الخيل على أن تجول جولة فأكون أول قتيل ولكن هل لكم في غير ذلك هؤلاء بني فدونكم أحدهم فاقتلوه به وإن شئتم فلكم ألف ناقة تضمنها لكم بكر بن وائل فغضبوا وقالوا إنا لم نأتك لترذل لنا بنيك ولا لتسومنا اللبن فتفرقوا ووقعت الحرب
وتكلم في ذلك عند الحارث بن عباد فقال لا ناقة لي في هذا ولا جمل وهو أول من قالها وأرسلها مثلا
قالوا جميعا كانت حربهم أربعين سنة فيهن خمس وقعات مزاحفات وكانت تكون بينهم مغاورات وكان الرجل يلقى الرجل والرجلان الرجلين ونحو هذا
وكان أول تلك الأيام يوم غنيزة وهي عند فلجة فتكافؤوا فيه لا لبكر ولا لتغلب وتصديق ذلك قول مهلهل
( كأنّا غُدوةً وبَنى أبينا ... بجَنْب عُنَيزةٍ رَحَيَا مُدِيرِ )
( ولولا الريحُ أُسمِع مَنْ بحَجْرٍ ... صليلَ الِبيض تُقرَع بالذُّكور )

فتفرقوا ثم غبروا زمانا
ثم التقوا يوم واردات وكان لتغلب على بكر وقتلوا بكرا أشد القتل وقتلوا بجيرا وذلك قول مهلهل
( فإني قد تركتُ بِوارِداتٍ ... بُجيراً في دَمٍ مثلِ العَبيرِ )
( هتكتُ به بيوتَ بني عُبَادٍ ... وبعضُ الغَشْم أِشفَى للصدور )
قال مقاتل إنه إنما التقط توا
وسيجيء حديثه أسفل من هذا
التو الفرد يقال وجدته توا أي وحده
قال أبو برزة ثم انصرفوا بعد يوم واردات غير بني ثعلبة بن عكابة ورأسوا على أنفسهم الحارث بن عباد فاتبعتهم بنو ثعلبة بن عكابة حتى التقوا بالحنو فظهرت بنو ثعلبة على تغلب

يوما القصيبات وقضة
قال مقاتل ثم التقوا يوم بطن السرو وهو يوم القصيبات وربما قبل يوم القصيبة وكان لبني تغلب على بكر حتى ظنت بكر أن سيقتلونها قال مقاتل وقتلوا يومئذ همام بن مرة
ثم التقوا يوم قضة وهو يوم التحالق ويوم الثنية
ويوم قضة ويوم الفصيل لبكر على تغلب
قال أبو برزة اتبعت تغلب بكرا فقطعوا رملات خزازى والرغام ثم مالوا

لبطن الحمارة فوردت بكر قضة فسقت وأسقت ثم صدرت وحلؤوا تغلب ونهضوا في نجعة يقال لها مويبة لا يجوز فيها إلا بعير بعير فلحق رجل من الأوس بن تغلب بغليم من بني تيم اللات بن ثعلبة يطرد ذودا له فطعن في بطنه بالرمح ثم رفعه فقال تحد بي أم البو على بوك
فرآه عوف بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة فقال أنفذوا جمل أسماء اينته فإنه أمضى جمالكم وأجودها منفذا فإذا نفذ تبعته النعم فوثب الجمل في المويبة حتى إذا نهض على يديه وارتفعت رجلاه ضرب عرقوبيه وقطع بطان الظعينة فوقع فسد الثنية ثم قال عوف أنا البرك أبرك حيث أدرك فسمي البرك ووقع الناس إلى الأرض لا يرون مجازا وتحالقوا لتعرفهم النساء فقال جحدر بن ضبيعة بن قيس أبو المسامعة واسمه

ربيعة قال وإنما سمي جحدرا لقصره لا تحلقوا رأسي فإني رجل قصير لا تشينوني ولكني أشتريه منكم بأول فارس يطلع عليكم من القوم فطلع ابن عناق فشد عليه فقتله
فقال رجل من بكر بن وائل يمدح مسمع بن مالك بذلك
( يابنَ الذي لمّا حلقنا اللِّمَمَا ... ابتاع منا رأسَه تَكَرُّمَا )
( بفارسٍ أوّلِ مَنْ تقدّما ... )
وقال البكري
( ومنّا الذي فادَى من القوم رأسَه ... بمستلئمٍ من جَمْعهم غير أعزلا )
( فأدّى إلينا بَزَّه وسِلاحَه ... ومُنْفصِلاً من عُنْقه قد تَزَيَّلا )
قال وكان جحدر يرتجز يومئذ ويقول
( رُدّوا عليّ الخيل إن ألَمّتِ ... إن لم أُقاتلْهم فجُزُّوا لِمَّتي )
وزعم عامر بن عبد الملك المسمعي أنه لم يقلها وأن صخر بن عمرو السلمي قائلها فقال مسمع كردين كذب عامر
وقال البكري
( ومِنّا الذي سَدّ الثنيةَ غُدْوةً ... على خَلْفةٍ لم يُبقِ فيها تَحَلُّلاَ )
( بجَهْدِ يمين الله لا يطلُعونها ... ولمّا نُقاتِلْ جَمْعَهم حين أَسْهَلاَ )

وأما مقاتل فزعم أنهم قالوا اتخذوا علما يعرف به بعضكم بعضا فتحالقوا
وفيه يقول طرفة

صوت
( سائلوا عنّا الذي يَعرِفنا ... بقُوَانا يومَ تَحْلاَق اللِّمَمْ )
( يومَ تُبدِي البِيضُ عن أَسُؤقها ... وتَلُفُّ الخيلُ أَعْراجَ النَّعَمْ )
غنى في هذين البيتين ابن محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وذكر أحمد بن المكي أنه لمعبد
مقتل همام بن مرة
وزعم مقاتل أن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان لم يزل قائد بكر حتى قتل يوم القصيبات وهو قبل يوم قضة ويوم قضة على أثره
وكان من حديث مقتل همام أنه وجد غلاما مطروحا فالتقطه ورباه وسماه ناشرة فكان عنده لقيطا فلما شب تبين أنه من بني تغلب فلما التقوا يوم القصيبات جعل همام يقاتل فم يقاتل فإذا عطش رجع إلى قربة فشرب منها ثم وضع سلاحه فوجد ناشرة من همام غفلة فشد عليه بالعنزة فأقصده فقتله ولحق بقومه

تغلب
فقال باكي همام
( لقد عَيّل الأقوامَ طعنةُ ناشِرَهْ ... أناشِرُّ لا زالتُ يميُنك آشِرَهْ )
ثم قتل ناشرة رجل من بني يشكر
فلما كان يوم قضة وتجمعت إليهم بكر جاء إليهم الفند الزماني أحد بني زمان بن مالك بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من اليمامة قال عامر بن عبد الملك المسمعي فرأسوه عليهم فقلت أنا لفراس بن خندق إن عامرا يزعم أن الفند كان رئيس بكر يوم قضة فقال رحم الله أبا عبد الله كان أقل الناس حظا في علم قومه
وقال فراس كان رئيس بكر بعد همام الحارث بن عباد
قال مقاتل وكان الحارث ابن عباد قد اعتزل يوم قتل كليب وقال لا أنا من هذا ولا ناقتي ولا جملي ولا عدلي وربما قال لست من هذا ولا جملي ولا رحلي وخذل بكرا عن تغلب واستعظم قتل كليب لسؤدده في ناقة
فقال سعد بن مالك يحضض الحارث بن عباد
( يا بؤسَ للحرب التي ... وضعتْ أراهطَ فاستراحوا )
( والحربُ لا يَبْقى لصاحبها ... التَّخَيُّلُ والمِراحُ )
( إلاّ الفتى الصَبارُ في النِّجَداتَ ... والفرسُ الوَقَاحُ )

فلما أخذ بجير بن الحارث بن عباد توا بواردات وإنما سل ولم يؤخذ في مزاحفة قال له مهلهل من خالك يا غلام
قال امرؤ القيس بن أبان التغلبي لمهلهل إني أرى غلاما ليقتلن به رجل لا يسأل عن خاله وربما قال عن حاله قال فكان والله امرؤ القيس هو المقتول به قتله الحارث بن عباد يوم قضة بيده فقتله مهلهل
قال فلما قتل مهلهل بجيرا قال بؤبشسع نعل كليب فقال له الغلام إن رضيت بذلك بنو ضبيعة بن قيس رضيت
فلما بلغ الحارث قتل بجير ابن أخيه وقال أبو برزة بل بجير بن الحارث بن عباد نفسه قال نعم الغلام غلام أصلح بين ابني وائل وباء بكليب
فلما سمعوا قول الحارث قالوا له إن مهلهلا لما قتله قال له بؤ بشسع نعل كليب وقال مهلهل
( كُلُّ قتيلٍ في كُلَيبٍ حُلاَّمْ ... حتى ينالَ القتلُ آلَ هَمَّامْ )
وقال أيضا
( كلُّ قتيلٍ في كُلَيبٍ غُرَّهْ ... حتى ينالَ القتلُ آلَ مُرَّهْ )
فغضب الحارث عند ذلك فنادى بالرحيل
قال مقاتل وقال الحارث ابن عباد

( قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامةِ مِنِّي ... لَقِحتْ حربُ وائلٍ عن حِيالِ )
( لا بُجَيرٌ أغنَى قتيلاً ولا رهطُ ... كُلَيبٍ تَزَاجروا عن ضَلالِ )
( لم أكن من جُنَاتها علم اللّهُ ... وإنّي بحَرّها اليومَ صالِ )
قال ولم يصحح عامر ولا مسمع غير هذه الثلاثة الأبيات
وزعم أبو برزة قال كان أول فارس لقي مهلهلا يوم واردات بجير بن الحارث بن عباد فقال من خالك يا غلام وبوأ نحوه الرمح فقال له امرؤ القيس بن أبان التغلبي وكان على مقدمتهم في حروبهم مهلا يا مهلهل فإن عم هذا وأهل بيته قد اعتزلوا حربنا ولم يدخلوا في شيء مما نكره ووالله لئن قتلته ليقتلن به رجل لا يسأل عن نسبه فلم يلتفت مهلهل إلى قوله وشد عليه فقتله وقال بؤبشسع نعل كليب فقال الغلام إن رضيت بهذا بنو ثعلبة فقد رضيته
قال ثم غبروا زمانا ثم لقي همام بن مرة فقتله أيضا
فأتى الحارث ابن عباد فقيل له قتل مهلهل هماما فغضب وقال ردوا الجمال على عكرها الأمر مخلوجة ليس بسكلى وجد في قتالهم
قال مقاتل فكان حكم بكر بن وائل يوم قضة الحارث بن عباد وكان الرئيس الفند وكان فارسهم جحدر وكان شاعرهم سعد بن مالك بن ضبيعة وكان الذي سد الثنية عوف بن مالك بن ضبيعة وكان عوف أنبه من أخيه سعد

المهلهل وأسره ونجاته
وقال فراس بن خندق بل كان رئيسهم يوم قضة الحارث بن عباد
قال مقاتل فأسر الحارث بن عباد عديا وهو مهلهل بعد انهزام الناس وهو لا يعرفه فقال له دلني على المهلهل قال ولي دمي قال ولك دمك قال ولي ذمتك وذمة أبيك قال نعم ذلك لك قال فأنا مهلهل
قال دلني على كفء لبجير قال لا أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان هذاك علمه فجز ناصيته وقصد قصد امرئ القيس فشد عليه فقتله
فقال الحارث في ذلك
( لَهْفَ نفسي على عَدِيٍّ ولم أَعرِفْ ... عَدِيًّا إذ أمكنتْني اليدانِ )
( طُلَّ مَنْ طُلَّ في الحروب ولم أُوتِرْ ... بُجَيراً أَبَأْتُه ابنَ أبانِ )
( فارسٌ يَضرِب الكتيبةَ بالسيف ... وتسمو أَمامَه العينانِ )
وزعم حجر أن مهلهلا قال لا والله أو يعهد لي غيرك قال الحارث أختر من شئت قال أختار الشيخ القاعد عوف بن محلم قال الحارث يا عوف أجره قال لا حتى يقعد خلفي فأمره فقعد خلفه فقال أنا مهلهل
وأما مقاتل فقال إنما أخذه في دور الرحى وحومة القتال ولم يقعد أحد بعد فكيف يقول الشيخ القاعد قال مقاتل وشد عليهم جحدر فاعتوره عمرو وعامر فطعن عمرا بعالية الرمح وطعن عامرا بسافلته

فقتلهما عداء وجاء ببزهما
قال عامر بن عبد الملك المسمعي فحدثني رجل عالم قال سألني الوليد بن يزيد من قتل عمرا وأخاه عامرا قلت جحدر قال صدقت فهل تدري كيف قتلهما قلت نعم قتل عمرا بسنان الرمح وقتل عامرا بزجه
قال وقتل جحدر أيضا أبا مكنف
قال مقاتل فلما رجع مهلهل بعد الوقعة والأسر إلى أهله جعل النساء والولدان يستخبرونه تسأل المرأة عن زوجها وابنها وأخيها والغلام عن أبيه وأخيه فقال
( ليس مثلي يُخبِّر الناسَ عن آبائهم ... قُتلِّوا ويَنْسَى القِتالاَ )
( لم أرِمْ عَرْصةَ الكتيبةِ حتّى انتعل ... الوَرْدُ من دماءٍ نِعالا )
( عَرَفَتْه رِمَاحُ بكرٍ فما يأخُذن ... إلا لَبَانَه والقَذَالا )
( غلَبونا ولا محالةَ يوماً ... يَقلِبُ الدهرُ ذاك حالاً فحالاَ )
ثم خرج حتى لحق بأرض اليمن فكان في جنب فخطب إليه أحدهم ابنته فأبى أن يفعل فأكرهوه فأنكحها إياه فقال في ذلك مهلهل

( أنكحَها فقدُها الأرَاقِمَ في ... جَنْبٍ وكان الحَباءُ من أَدَمِ )
( لو بأبَانَيْن جاء يخطُبها ... ضُرِّج ما أَنفُ خاطبِ بدَمِ )
( أصبحتُ لا مُنْفِساً أصبتُ ولا ... أُبْتُ كريماً حُرًّا من النَّدَمِ )
( هان على تَغْلِبٍ بما لَقِيتْ ... أختُ بني المالِكِين من جُشَمِ )
( ليسوا بأكفائنا الكرام ولا ... يُغْنُون من عَيْلةٍ ولا عَدَمِ )
ثم إن مهلهلا انحدر فأخذه عمرو بن مالك بن ضبيعة فطلب إليه أخواله بنو يشكر وأم مهلهل المرادة بنت ثعلبة بن جشم بن غبر اليشكرية وأختها منة بنت ثعلبة أم حيي بن وائل وكان المحلل بن ثعلبة خالهما فطلب إلى عمرو أن يدفعه إليه فيكون عنده ففعل فسقاه خمرا فلما طابت نفسه تغنى
( طَفْلةٌ ما ابنةُ المُحلّل بيضاءُ ... لَعُوبٌ لذيذةٌ في العِناقِ )
حتى فرغ من القصيدة فأدى ذلك من سمعه من المهلهل إلى عمرو فحوله إليه واقسم ألا يذوق عنده خمرا ولا ماء ولا لبنا حتى يرد ربيب الهضاب جمل له كان أقل وروده في الصيف الخمس فقالوا له يا خير الفتيان أرسل إلى ربيب فلتؤت به قبل وروده ففعل فأوجره ذنوبا من ماء فلما

تحلل من يمينه سقاه من ماء الحاضرة وهو أوبأ ماء رأيته فمات
فتلك الهضاب التي كان يرعاها ربيب يقال لها هضاب ربيب طالما رعيتهن ورأيتهن
قال مقاتل ولم يقاتل معنا من بني يشكر ولا من بني لجيم ولا ذهل ابن ثعلبة غير ناس من بني يشكر وذهل قاتلت بأخرة ثم جاء ناس من بني لجيم يوم قضة مع الفند
وفي ذلك يقول سعد بن مالك
( إنّ لُجَيماً قد أبتْ كلُّها ... أن يُرْفِدونا رجلاً واحدَا )
( ويَشكُرٌ أَضْحتْ على نأيها ... لم تَسْمَعِ الآن لها حامدَا )
( ولا بنو ذُهْلٍ وقد أصبحوا ... بها حُلولا خَلَفاً ماجدَا )
( القائِدي الخيلِ لأرض العِدَا ... والضاربين الكوكبَ الوافِدَا )
وقال البكري
( وصَدّتْ لُجَيمٌ للبراءة إذ رأتْ ... أهاضيبَ موتٍ تُمطِر الموتَ مُعْضِلاَ )
( وَيَشْكُرُ قد مالتْ قديماً وأرْتعتْ ... ومَنّتْ بقُرْباها إليهم لتُوصَلا )
وقالوا جميعا مات جساس حتف أنفه ولم يقتل
قال عامر بن عبد الملك لم يكن بينهم من قتلى تعد ولا تذكر إلا ثمانية نفر من تغلب وأربعة من بكر عددهم مهلهل في شعريه يعني قصيدتيه

( أليلتَنا بذي حُسُمٍ أَنِيرِي ... إذا أنتِ انْقضَيتِ فلا تَحُورِي )
( فإن يكُ بالذَّنائب طال ليلي ... فقد أبكِي من الليلِ القصِيرِ )
( فلو نُبِش المقابرُ عن كُلِيب ... فيَعْلَمَ بالذنائب أَيُّ زِيرِ )
( بيوم الشَّعْثَمَينِ أُقِرّ عيناً ... وكيف لِقاءُ من تحت القُبورِ )
( وإنّي قد تركتُ بِوارِداتٍ ... بُجَيراً في دمٍ مثلِ العَبيرِ )
( هتكتُ به بيوتَ بني عُبادٍ ... وبعضُ الغَشْم أشفَى للصّدورِ )
( على أنْ ليس يُوفِي من كُلَيْبٍ ... إذَا برزتْ مخبّأةُ الخُدورِ )
( وهمّامَ بن مُرَّةَ قد تركنا ... عليه القَشْعمانِ من النسورِ )
( يَنُوء بصدره والرمحُ فيه ... وَيَخْلِجُه خِدَبٌّ كالبعير )
( فلولا الريحُ أُسْمِعَ مَنْ بحَجْرٍ ... صليلَ البيض تُقْرَعُ بالذكور )
( فِدىً لبني شَقِيقِةَ يوم جاؤوا ... كأُسْدِ الغَابِ لَجّتْ في الزَّئير )

( كأنّ رماحَهم أَشطانُ بئرٍ ... بعيدٍ بين جَالَيْها جَرُورِ )
( غداةَ كأنّنا وبني أبينا ... بَجْنب عُنَيزةٍ رحَيَا مُدِيرِ )
( تَظَلّ الخيلُ عاكفةً عليهم ... كأنّ الخيلَ تُرْحَضُ في غديرِ )
فهؤلاء أربعة من بني بكر بن وائل
وقال أيضا
( طَفْلةٌ ما ابنةُ المحلِّل بَيْضاءُ ... لَعُوبٌ لذيذةٌ في العِنَاقِ )
( فاذْهَبِي ما إليكِ غيرَ بعيدٍ ... لا يُؤاتِي العِناقُ مَنْ في الوَثاقِ )
( ضربتْ نحرَها إليّ وقالتْ ... يا عَدِيًّا لقد وَقَتْك الأواقي )
( ما أُرَجِّي في العيش بعد نَدَامَايَ ... أراهم سُقُوا بكأسِ حَلاَقِ )
( بعد عمروٍ وعامرٍ وحُيّيٍّ ... ورَبيعِ الصَّدُوفِ وابنْي عَنَاقِ )
( وامرئ القيس مَيّت يوم أوْدَى ... ثم خَلّى عليّ ذاتَ العَرَاقي )
( وكليبٍ سُمّ الفوارس إذ حُمّ ... رماه الكماةُ بالإِيفاق )
( إنّ تحت الأحجار حَدًّا ولِيناً ... وخَصيماً ألدَّ ذا مِعْلاقِ )

( حيّةٌ في الوِجَار أربدُ لا تَنفَعُ ... منه السليم نَفْثهُ راقِ )
فهؤلاء ثمانية من تغلب
قال عامر والدليل على أن القتلى كانوا قليلا أن آباء القبائل هم الذين شهدوا تلك الحروب فعدوهم وعدوا بنيهم وبني بنيهم فإن كانوا خمسمائة فقد صدقوا فكم عسى أن يبلغ عدد القتلى والقبائل
قال مسمع إن أخي مجنون وكيف يحتج بشعر المهلهل وقد قتل جحدر أبا مكنف يوم قضة فلم يذكره في شعره وقتل اليشكري ناشرة فلم يذكره في الشعر وقتل حبيب يوم واردات وقتل سعد بن مالك يوم قضة ابن القبيحة فلم يذكر فهؤلاء أربعة
وقال البكري
( تركنا حَبيباً يوم أَرْجفَ جمعُه ... صريعاً بأعلى وارداتٍ مُجَدَّلا )
وقال مهلهل أيضا
( لستُ أرجو لَذَّةَ العيش ما ... أزَمَتْ أجلادُ قِدٍّ بساقِي )
( جَلَّلوني جِلدَ حَوْبٍ فقد ... جعلوا نَفْسيَ عند التَّراقِي )
وقال آخر يفخر بيوم واردات
( ومُهْراقُ الدماء بوارداتٍ ... تَبِيد المْخزِياتُ وما تَبِيدُ )
فقلت لعامر ما بال مسمع وما احتج به من هؤلاء الأربعة فقال عامر وما أربعة إن كنت أغفلتهم فيما يقولون إنهم قتلوا يوم كذا ثلاثة آلاف ويوم كذا أربعة آلاف والله ما أظن جميع القوم كانوا يومئذ ألفا فهاتوا فعدوا أسماء القبائل وأبناءهم وانزلوا معهم إلى أبناء أبنائهم فكم عسى أن يكونوا

نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
صوت
( أُزْجُرِ العين أنْ تُبَكِّي الطُّلولاَ ... أنّ في الصدر من كُلَيبٍ غليلاَ )
( إنّ في الصدرِ حاجةً لن تَقَضَّى ... ما دعا في الغصون داعٍ هَدِيلاَ )
( كيف أنساكَ يا كُلَيبُ ولمّا ... أقِض حزناً يَنُوبُني وغَليلاَ )
( أيّها القلبُ أَنْجِزِ اليومَ نَحْباً ... من بني الحِصْنِ إذ غَدَوْا وذُحولاَ )
( كيف يَبكي الطلولَ مَنْ هو رهنٌ ... بِطعَانِ الأنامِ جِيلاً فجِيلاَ )
( أَنَبضُوا مَعْجِسَ القِسيِّ وأبرقْنا ... كما تُوعِدُ الفحولُ الفحولاَ )
( وصبَرْنا تحت البَوَارِقِ حتّى ... رَكَدتْ فيهمُ السيوفُ طويلاَ )
( لم يُطيقوا أن يَنزِلوا ونزلْنا ... وأخو الحربِ مَنْ أطاق النّزولاَ )
الشعر لمهلهل قال أبو عبيدة اسمه عدي وقال يعقوب بن السكيت اسمه امرؤ القيس وهو ابن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب وإنما لقب مهلهلا لطيب شعره ورقته وكان أحد من غني من العرب في شعره
وقيل إنه أول من قصد القصائد وقال الغزل فقيل قد هلهل الشعر أي أرقه
وهو أول من كذب في شعره
وهو خال امرئ القيس بن حجر الكندي
وكان فيه خنث ولين وكان كثير المحادثة للنساء فكان كليب يسميه زير النساء فذلك قوله
( ولو نُبِش المقابرُ عن كُلَيبٍ ... فيَعلَمَ بالذنائب أيُّ زير )
الغناء لابن محرز في الأول والثاني من الأبيات ثقيل أول بالسبابة في مجرى

الوسطى
وللغريض فيهما لحن في هذه الطريقة والإصبع والمجرى والذي فيه سجحة منها لابن محرز
ولمعبد لحنان أحدهما في الأول والسادس ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر والآخر خفيف ثقيل أول بالبنصر
ولإبراهيم في الأول والرابع ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى
ولإسحاق في الأول والثالث ماخوري
ولعلويه في الأول والثاني خفيف ثقيل أول بالبنصر ولمالك فيهما خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى
ولابن سريج في السادس والسابع خفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر
ولابن سريج أيضا في الأول والثامن خفيف ثقيل أول بالبنصر
وللغريض في الأول والثاني خفيف ثقيل أول بالبنصر
وللهذلي في الأول والثاني والسابع خفيف ثقيل أول

بالوسطى من رواية حماد عن أبيه
ولمالك في الأول والثاني والخامس خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو بن بانة
ومنها

صوت
( ثَكِلْتني عند الثَّنِيَّة أُمِّي ... وأتاها نَعِيُّ عمِّي وخالي )
( إنْ لَمَ اشْف النفوسَ من حَيِّ بكرٍ ... وعَدِيّ تَطَاهُ بُزْلُ الجِمالِ )
غناه ابن سريج ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى من رواية إسحاق وغناه الغريض ثقيلا أول بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو ابن بانة
ومنها
صوت
( قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامة مِنِّي ... لَقِحتْ حربُ وائلٍ عن حِيال )
( قَرِّباها في مُقْرَبَات عِجَالٍ ... عابساتٍ يَثِبْنَ وَثْبَ السَّعَالِي )
( لم أكن من جُنَاتها علم اللَّهُ ... وإنّي بَحرّها اليوم صالِ )

الشعر للحارث بن عباد
والغناء للغريض ثقيل أول بالبنصر
وفيه لحن آخر يقال إنه لابن سريج
ومنها

صوت
( يا لَبَكْرٍ أَنْشِروا لي كُلَيباً ... يا لَبَكْرٍ أينَ أينَ الفِرارُ )
( يا لَبَكْرٍ فاظعنوا أو فحُلُّوا ... صَرَّح الشرُّ وبان السِّرارُ )
الشعر لمهلهل
والغناء لابن سريج ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى البنصر من رواية إسحاق
وغناه الأبجر خفيف رمل بالوسطى من رواية عمرو
ومنها
صوت
( أليلتَنا بذي حُسُمٍ أَنِيري ... إذا أنتِ انقضيتِ فلا تَحُورِي )
( فإن يكُ بالذَّنَائب طال ليلِي ... فقد أبكي من الليلَ القصيرِ )
( كأنّ الجَدْيَ جَدْيَ بناتِ نَعْشٍ ... يُكِبّ على اليدين بمستديرٍ )
( وتَحْبُوا الشِّعْرَيانِ إلى سُهَيلٍ ... يَلُوح كِقمَّةِ الجمل الكبير )

( فولا الريحُ أُسمِعَ أهلُ حَجْرٍ ... صَلِيلَ البيض تُقْرَعُ بالذُّكورِ )
الشعر لمهلهل
والغناء لابن محرز في الأول والثاني ثقيل أول بالبنصر وله في الأبيات كلها خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق جميعا
وفي الأبيات كلها على الولاء للأبجر ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو
ويقال إن فيها لحنا للغريض أيضا

الهجرس بن كليب وخاله جساس
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا الحسن بن الحسين السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل عن أبي عبيدة
أن آخر من قتل في حرب بكر وتغلب جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان وهو قاتل كليب بن ربيعة وكانت أخته تحت كليب فقتله جساس وهي حامل فرجعت إلى أهلها ووقعت الحرب فكان من الفريقين ما كان ثم صاروا إلى الموادعة بعد ما كادت القبيلتان تتفانيان فولدت أخت جساس غلاما فسمته الهجرس ورباه جساس فكان لا يعرف أبا غيره وزوجه

ابنته
فوقع بين الهجرس وبين رجل من بني بكر بن وائل كلام فقال له البكري ما أنت بمنته حتى نلحقك بأبيك فأمسك عنه ودخل إلى أمه كئيبا فسألته عما به فأخبرها الخبر فلما أوى إلى فراشه ونام إلى جنب امرأته وضع أنفه بين ثدييها فتنفس تنفسة تنفط ما بين ثدييها من حرارتها فقامت الجارية فزعة قد أقلتها رعدة حتى دخلت على أبيها فقصت عليه قصة الهجرس فقال جساس ثائر ورب الكعبة وبات جساس على مثل الرضف حتى أصبح فأرسل إلى الهجرس فأتاه فقال له إنما أنت ولدي ومني بالمكان الذي قد علمت وقد زوجتك ابنتي وأنت معي وقد كانت الحرب في أبيك زمانا طويلا حتى كدنا نتفانى وقد اصطلحنا وتحاجزنا وقد رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من الصلح وأن تنطلق حتى نأخذ عليك مثل ما أخذ علينا وعلى قومنا فقال الهجرس أنا فاعل ولكن مثلي لا يأتي قومه إلا بلأمته وفرسه فحمله جساس على فرس وأعطاه لأمة ودرعا فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما فقص عليهم جساس ما كانوا فيه من البلاء وما صاروا إليه من العافية ثم قال وهذا الفتى ابن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه ويعقد ما عقدتم فلما قربوا الدم وقاموا إلى العقد أخذ الهجرس

بوسط رمحه ثم قال وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه ثم طعن جساسا فقتله ثم لحق بقومه فكان آخر قتيل في بكر بن وائل
قال أبو الفرج أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه عن الشرقي بن القطامي قال
لما قتل جساس بن مرة كليب بن ربيعة وكانت جليلة بنت مرة أخت جساس تحت كليب اجتمع نساء الحي للمأتم فقلن لأخت كليب رحلي جليلة عن مأتمك فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب فقالت لها يا هذه اخرجي عن مأتمنا فأنت أخت واترنا وشقيقة قاتلنا فخرجت وهي تجر أعطافها فلقيها أبوها مرة فقال لها ما وراءك يا جليلة فقالت ثكل العدد وحزن الأبد وفقد حليل وقتل أخ عن قليل وبين ذين غرس الأحقاد وتفتت الأكباد فقال لها أو يكف ذلك كرم الصفح وإغلاء الديات فقالت جليلة أمنية مخدوع ورب الكعبة أبالبدن تدع لك تغلب دم ربها
قال ولما رحلت جليلة قالت أخت كليب رحلة المعتدي وفراق الشامت ويل غدا لآل مرة من الكرة بعد

الكرة
فبلغ قولها جليلة فقالت وكيف تشمت الحرة بهتك سترها وترقب وترها أسعد الله جد أختي أفلا قالت نفرة الحياء وخوف الاعتداء
ثم أنشأت تقول
( يا بنةَ الأقوامِ إنْ شئتِ فلا ... تَعْجَلِي باللَّوْم حتى تسألِي )
( فإذا أنتِ تَبِيَّنتِ الذي ... يُوجِبُ اللَّومَ فلَومِي واعِذُلِي )
( إن تكن أُختُ امرئ لِيَمتْ على ... شَفَقٍ منها عليه فافعلي )
( جَلَّ عندي فعلُ جَسّاسٍ فيا ... حَسْرتِي عما انجلتْ أو تنجلي )
( فعلُ جَسّاسٍ على وَجْدِي به ... قاطعٌ ظَهْرِي ومُدْنٍ أجَلِي )
( لَوْ بِعَينٍ فُقِئتْ عيني سوى ... أُختِها فانفقأتْ لم أَحْفِل )
( تَحمِلُ العينُ قَذَى العينِ كما ... تَحمِلُ الأُمّ أذَىَ ما تَفْتَلِي )
( يا قتيلاً قَوّض الدهرُ به ... سَقفَ بيتّي جميعاً من عَلِ )
( هدمَ البيتَ الذي استحدثُته ... وانثنَى في هدمِ بيتي الأوّلِ )
( ورماني قتلُه من كَثَبٍ ... رميةَ المُصْمِي به المُستأصِلِ )
( يا نِسائي دونكنّ اليومَ قد ... خَصَّني الدهرُ برُزْءٍ مُعْضِل )
( خَصّني قتلُ كُلَيب بلَظىً ... مِن ورائي ولَظىً مُسْتقبِلي )
( ليس من يَبكِي ليومين كمن ... إنما يبكِي ليومٍ ينجلي )
( يشتفِي المدرِكُ بالثأر وفي ... دَرَكي ثأرِيَ ثُكْلُ المُثِكلِ )
( ليته كان دَمِي فاحتلبوا ... بَدَلاً منه دَماً من أَكْحَلي )

( إنني قاتلةٌ مقتولةٌ ... ولعلّ الله أن يرتاحَ لي )

ذكر الهذلي وأخباره
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال
الهذليان أخوان يقال لهما سعيد وعبد آل ابنا مسعود فالأكبر منهما يقال له سعيد ويكنى أبا مسعود وأمه امرأة يقال لها أم فيعل وكان كثيرا ما ينسب إليها وكان ينقش الحجارة بأبي قبيس وكان فتيان من قريش يروحون إليه كل عشية فيأتون بطحاء يقال لها بطحاء قريش فيجلسون عليها ويأتيهم فيغني لهم ويكون معهم وقد قيل إن الأكبر هو عبد آل والأصغر سعيد
قال هارون وحدثني الزبير بن بكار قال حدثني حمزة بن عتبة اللهبي
أن الهذلي كان نقاشا يعمل البرم من حجارة الجبل وكان يكنى أبا

عبد الرحمن وكان إذا أمسى راح فأشرف على المسجد ثم غنى فلا يلبث أن يرى الجبل كقرص الخبيص صفرة وحمرة من أدرية قريش فيقولون يا أبا عبد الرحمن أعد فيقول أما والله وها هنا حجر أحتاج إليه لم يرد الأبطح فلا فيضعون أيديهم في الحجارة حتى يقطعوها له ويحدروها إلى الأبطح وينزل معهم حتى يجلس على أعظمها حجرا ويغني لهم
قال هارون وحدثني حماد بن إسحاق عن أبي مسعود بن أبي جناح قال أخبرني أبو لطيف وعمارة قالا
تغنى الهذلي الأكبر وكان من أنفسهم وكان فتيان قريش يروحون كل عشية حتى يأتوا بطحاء يقال لها بطحاء قريش قريبا من داره فيجلسون عليها ويأتيهم فيغنيهم
قال وأخبرني ابن أبي طرفة عن الحسن بن عباد الكاتب مولى آل الزبير قال
هجم الحارث بن خالد وهو يومئذ أمير مكة على الهذلي وهو مع

فتيان قريش بالمفجر يغنيهم وعليه جدبة صوف فطرح عليه مقطعات خز فكانت هذه أول ما تحرك لها

الهذلي يتزوج بنت ابن سريج
قال هارون وحدثني حماد عن أبيه قال
ذكر ابن جامع عن ابن عباد أن ابن سريج لما حضرته الوفاة نظر إلى ابنته فبكى فقالت له ما يبكيك قال أخشى عليك الضيعة بعدي فقالت له لا تخف فما من غنائك شيء إلا وقد أخذته قال فغنيني فغنته فقال قد طابت نفسي ثم دعا بالهذلي فزوجها منه فأخذ الهذلي غناء أبيها كله عنها فانتحل أكثره فعامة غناء الهذلي لابن سريج مما أخذه عن ابنته وهي زوجته
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني محمد ابن يحيى أبو غسان قال
كان الهذلي منزله بمنى وكان فتيان قريش يأتونه فيغنيهم هناك ثم أقبل مرة حتى جلس على جمرة العقبة فغنى هناك فحدره الحارث من منى وكان عاملا على مكة ثم أذن له فرجع إلى منى

قال هارون وحدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي قال
كان الهذلي النقاش يغدو إليه فتيان قريش وقد عمل عمله بالليل ومعهم الطعام والشراب والدراهم فيقولون له غننا فيقول لهم الوظيفة فيقولون قد جئنا بها فيقول الوظيفة الأخرى أنزلوا أحجاري فيلقون ثيابهم ويأتزرون بأزرهم وينقلون الحجارة وينزلونها ثم يجلس على شنخوب من شناخيب الجبل فيجلسون تحته في السهل فيشربون وهو يغنيهم حتى المساء وكانوا كذلك مدة فقال له يوما ثلاثة فتية من قريش قد جاءك كل واحد منا بمثل وظيفتك على الجماعة من غير أن تنقص وظيفتك عليهم وقد اختار كل واحد منا صوتا من غنائك ليجعله حظه اليوم فإن وافقت الجماعة هوانا كان ذلك مشتركا بيننا وإن أبوا غنيت لهم ما أرادوا وجعلت هذه الثلاثة الأصوات لنا بقية يومنا قال هاتوا فاختار أحدهم
( عَفَتْ عَرَفَاتٌ فالمصايفُ من هندِ ... )
واختار الآخر
( ألمَّ بنا طيفُ الخيال المهجِّدُ ... )
واختار الآخر
( هجَرْتُ سُعدَى فزادني كَلَفَا ... )
فغناهم إياها فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك فلما أرادوا الانصراف قال لهم إني قد صنعت صوتا البارحة ما سمعه أحد فهل لكم فيه قالوا هاته منعما بذلك فاندفع فغناهم

( أأن هتَفتْ وَرْقاءُ ظَلْتَ سفاهةً ... تُبكِّي على جُمْلٍ لِوَرْقاءَ تَهتِفُ )
فقالوا أحسنت والله لا جرم لا يكون صبوحنا في غد إلا عليه فعادوا وغناهم إياه وأعطوه وظيفته ولم يزالوا يستعيدونه إياه باقي يومهم

نسبة ما في هذا الخبر من الأصوات
من ذلك
صوت
( عَفَتْ عَرَفاتٌ فالمَصايف من هندِ ... فَأَوْحَشَ ما بين الجَرِيبينِ فالنَّهْدِ )
( وغَيَّرها طولُ التقادُمِ والبِلَى ... فليستْ كما كانتْ تكونُ على العَهْدِ )
الشعر للأحوص وقيل إنه لعمر
والغناء للهذلي ولحنه من

القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر
ومنها

صوت
من المائة المختارة
( ألمّ بنا طَيْفُ الخيال المهجِّدُ ... وقد كادت الجوزاءُ في الجوّ تَصْعَدُ )
( ألمّ يُحّيينا ومِن دون أهلها ... فَيَافٍ تَغُورُ الريحُ فيها وتُنجِد )
عروضه من الطويل
لم يقع لنا اسم شاعره ونسبه
والغناء للهذلي ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وهو اللحن المختار وفيه ليحيى المكي هزج
ولحن الهذلي هذا مما اختير للرشيد والواثق بعده من المائة الصوت المذكورة
ومنها
صوت
( هجرتُ سُعْدَى فزادنِي كَلَفَا ... هِجرانُ سُعْدَى وأزمعتْ خُلُفَا )
( وقَدْ على حُبّها حلفتُ لها ... لو أنّ سُعْدَى تُصدِّق الحِلَفَا )
( ما عَلِقَ القلبُ غيرَها بَشَراً ... ولا سواها مِن مَعْلَقٍ عَرَفا )
( فلم تُجبني وأعرضتْ صَلَفاً ... وغادرتْني بحبّها كَلِفَا )

الغناء للهذلي ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق قال
زوج ابن سريج لما حضرته الوفاة الهذلي الأكبر بابنته فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وادعاه فغلب عليه
قال وولدت منه ابنا فلما أيفع جاز يوما بأشعب وهو جالس في فتية من قريش فوثب فحمله على كتفه وجعل يرقصه ويقول هذا ابن دفتي المصحف وهذا ابن مزامير داود فقيل له ويلك ما تقول ومن هذا الصبي فقال أو ما تعرفونه هذا ابن الهذلي من ابنة ابن سريج ولد على عود واستهل بغناء وحنك بملوى وقطعت سرته بوتر وختن بمضراب
وذكر يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن عيسى الماهاني قال
دخلت يوما على إسحاق بن إبراهيم الموصلي في حاجة فرأيت عليه مطرف خز أسود ما رأيت قط أحسن منه فتحدثنا إلى أن أخذنا في أمر المطرف فقال لقد كان لكم أيام حسنة ودولة عجيبة فكيف ترى هذا فقلت له ما رأيت مثله فقال إن قيمته مائة ألف درهم وله حديث عجيب فقلت ما أقومه إلا بنحو مائة دينار فقال إسحاق شربنا يوما من

الأيام فبت وأنا مثخن فانتبهت لرسول محمد الأمين فدخل علي فقال يقول لك أمير المؤمنين عجل وكان بخيلا على الطعام فكنت آكل قبل أن أذهب إليه فقمت فتسوكت وأصلحت شأني وأعجلني الرسول عن الغداء فقمت معه فدخلت عليه وإبراهيم بن المهدي قاعد عن يمينه وعليه هذا المطرف وجبة خز دكناء فقال لي محمد يا إسحاق أتغديت قلت نعم يا سيدي قال إنك لنهم أهذا وقت غداء فقلت أصبحت يا أمير المؤمنين وبي خمار فكان ذلك مما حداني على الأكل فقال لهم كم شربنا فقالوا ثلاثة أرطال فقال اسقوه إياها فقلت إن رأيت أن تفرق علي فقال يسقى رطلين ورطلا فدفع إلي رطلان فجعلت أشربهما وأنا أتوهم أن نفسي تسيل معهما ثم دفع إلي رطل آخر فشربته فكأن شيئا انجلى عني فقال غنني
( كُليبٌ لعمْرِي كان أكثر ناصراً ... )
فغنيته فقال أحسنت وطرب ثم قام فدخل وكان كثيرا ما يدخل إلى النساء ويدعنا فقمت في إثر قيامه فدعوت غلاما لي فقلت اذهب إلى بيتي وجئني ببزماوردتين ولفهما في منديل واذهب ركضا وعجل

فمضى الغلام وجاءني بهما فلما وافى الباب ونزل عن دابته انقطع فنفق من شدة ما ركض عليه وأدخل إلي البزماوردتين فأكلتهما ورجعت نفسي إلي وعدت إلى مجلسي فقال لي إبراهيم لي إليك حاجة أحب أن تقضيها لي فقلت إنما أنا عبدك وابن عبدك فقل ما شئت قال تردد علي كليب لعمري وهذا المطرف لك فقلت أنا لا آخذ منك مطرفا على هذا ولكنني أصير إلى منزلك فألقيه على الجواري وأردده عليك مرارا فقال أحب أن تردده علي الساعة وأن تأخذ هذا فإنه من لبسك وهو من حاله كذا وكذا فرددت عليه الصوت مرارا حتى أخذه ثم سمعنا حركة محمد فقمنا حتى جاء وجلس ثم قعدنا فشرب وتحدثنا فغناه إبراهيم كليب لعمري فكأني والله لم أسمعه قبل ذلك حسنا وطرب محمد طربا شديدا وقال أحسنت والله يا غلام عشر بدر لعمي الساعة فجاؤوا بها فقال يا أمير المؤمنين إن لي فيها شريكا قال من هو قال إسحاق قال وكيف فقال إنما أخذته منه لما قمت فقلت أنا ولم أضاقت الأموال على أمير المؤمنين حتى تريد أن تشرك فيما يعطي قال أما أنا فأشركك وأمير المؤمنين أعلم فلما انصرفنا من المجلس أعطاني ثمانين ألفا وأعطاني هذا المطرف فهذا أخذ به مائة ألف درهم وهي قيمته

صوت من المائة المختارة
من رواية جحظة عن أصحابه
( عَلِّلِ القومَ يَشربُوا ... كي يَلَذُّوا ويَطْرَبُوا )

( إنما ضلَّل الفؤادَ ... عزالٌ مُرَبَّبُ )
( فرشتْه على النَّمارقِ ... سُعْدَى وزينبُ )
( حالَ دون الهوى ودون ... سُرى الليلِ مُصعَبُ )
( وسِياطٌ على اكفِّ ... رجالٍ تقلَّبُ )
الشعر لعبيد الله بن قيس الرقيات
والغناء في اللحن المختار لمالك بن أبي السمح ولحنه من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى
وفيه لإسحاق ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر
ولابن سريج في الرابع والخامس والأول ثاني ثقيل في مجرى الوسطى
ولمعبد في الثاني وما بعده خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى

ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره
هو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة بن أهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب
وأمه قتيلة بنة وهب بن عبد الله بن ربيعة بن طريف بن عدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن محمد بن أبي قلامة العمري قال حدثني محمد بن طلحة قال الزبير وحدثنيه أيضا محمد بن الحسن المخزومي قالا جميعا
كان يقال لبني معيص بن عامر بن لؤي وبني محارب بن فهر الأجربان من أهل تهامة وكانا متحالفين وإنما قيل لهما الأجربان من شدة بأسهما وعرهما من ناوأهما كما يعر الجرب
سبب لقبه بالرقيات
وإنما لقب عبيد الله بن قيس الرقيات لأنه شبب بثلاث نسوة سمين جميعا رقية منهن رقيه بنت عبد الواحد بن أبي سعد بن قيس بن وهب بن أهبان بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي وابنة عم لها يقال لها

رقية وامرأة من بني أمية يقال لها رقية
وكان هواه في رقية بنت عبد الواحد وكان عبد الواحد فيما أخبرني الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير ينزل الرقة
وإياه عنى ابن قيس بقوله
( ما خبرُ عيش بالجزيرة بعد ما ... عثَر الزمانُ ومات عبدُ الواحدِ )
وله في الرقيات عدة أشعار يغنى فيها تذكر بعقب هذا الخبر
والأبيات الثانية التي فيها اللحن المختار يقولها في مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وكان صاحب شرطة مروان بن الحكم بالمدينة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال
لما ولي مروان بن الحكم المدينة ولى مصعب بن عبد الرحمن بن عوف شرطته فقال إني لا أضبط المدينة بحرس المدينة فابغني رجالا من غيرها فأعانه بمائتي رجل من أهل أيلة فضبطها ضبطا شديدا
فدخل المسور بن مخرمة على مروان فقال أما ترى ما يشكوه الناس من مصعب فقال

( ليس بهذا من سِيَاقٍ عَتْبُ ... يمشي القَطُوفُ وينامُ الركبُ )
وقال غير مصعب في هذا الخبر وليس من رواية الحرمي إنه بقي إلى أن ولي عمرو بن سعيد المدينة وخرج الحسين رضي الله تعالى عنه وعبد الله بن الزبير فقال له عمرو اهدم دور بني هاشم وآل الزبير فقال لا أفعل فقال انتفخ سحرك يابن أم حريث ألق سيفنا فألقاه ولحق بابن الزبير
وولى عمرو بن سعيد شرطته عمرو بن الزبير بن العوام وأمره بهدم دور بني هاشم وآل الزبير ففعل وبلغ منهم كل مبلغ وهدم دار ابن مطيع التي يقال لها العنقاء وضرب محمد بن المنذر بن الزبير مائة سوط ثم دعا بعروة

ابن الزبير ليضربه فقال له محمد أتضرب عروة فقال نعم يا سبلان إلا أن تحتمل ذلك عنه فقال أنا أحتمله فضربه مائة سوط أخرى ولحق عروة بأخيه
وضرب عمرو الناس ضربا شديدا فهربوا منه إلى ابن الزبير وكان المسور بن مخرمة أحد من هرب منه ولما أفضى الأمر إلى ابن الزبير أقاد منه وضربه بالسوط ضربا مبرحا فمات فدفنه في غير مقابر المسلمين وقال للناس فيما ذكر عنه إن عمرا مات مرتدا عن الإسلام

كان شاعر قريش زبيري الهوى
أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال
سألت عمي مصعبا ومحمد بن الضحاك ومحمد بن حسن عن شاعر قريش في الإسلام فكلهم قالوا ابن قيس الرقيات وحكي ذلك عن عدي وعن الضحاك بن عثمان وحكاه محمد بن الحسن عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي
قال الزبير وحدثني بمثله غمامة بن عمرو السهمي عن مسور بن عبد الملك اليربوعي
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي والحرمي بن أبي العلاء وغيرهما قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عمه محمد ابن عبد العزيز
أن ابن قيس الرقيات أتى إلى طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري

فقال له يا عمي إني قد قلت شعرا فاسمعه فإنك ناصح لقومك فإن كان جيدا قلت وإن كان رديئا كففت فقال له أنشد فأنشده قصيدته التي يقول فيها
( منَع اللهوَ والهوى ... وسُرَى الليلِ مُصْعَبُ )
( وسِياطٌ على أَكفِّ ... رجالٍ تقلَّبُ )
فقال قل يابن أخي فإنك شاعر
وكان عبيد الله بن قيس الرقيات زبيري الهوى وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك فلما قتل مصعب وقتل عبد الله هرب فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره فأمنه
وأخبرنا محمد بن العباس اليزيدي والحرمي بن أبي العلاء وغيرهما قالوا حدثنا الزبيري قال حدثني عبد الله بن البصير البربري مولى قيس بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه قال
قال عبيد الله بن قيس الرقيات خرجت مع مصعب بن الزبير حين بلغه شخوص عبد الملك بن مروان إليه فلما نزل مصعب بن الزبير بمسكن ورأى معالم الغدر ممن معه دعاني ودعا بمال ومناطق فملأ المناطق من ذلك

المال وألبسني منها وقال لي انطلق حيث شئت فإني مقتول فقلت له لا والله لا أريم حتى أرى سبيلك فأقمت معه حتى قتل ثم مضيت إلى الكوفة فأول بيت صرت إليه دخلته فإذا فيه امرأة لها ابنتان كأنهما ظبيتان فرقيت في درجة لها إلى مشربة فقعدت فيها فأمرت لي المرأة بما أحتاج إليه من الطعام والشراب والفرش والماء للوضوء فأقمت كذلك عندها أكثر من حول تقيم لي ما يصلحني وتغدو علي في كل صباح فتسألني بالصباح والحاجة ولا تسألني من أنا ولا أسألها من هي وأنا في ذلك أسمع الصياح في والجعل فلما طال بي المقام وفقدت الصياح في وغرضت بمكاني غدت علي تسألني بالصباح والحاجة فعرفتها أني قد غرضت وأحببت الشخوص إلى أهلي فقالت لي نأتيك بما تحتاج إليه إن شاء الله تعالى فلما أمسيت وضرب الليل بأرواقه رقيت إلي وقالت إذا شئت فنزلت وقد أعدت راحلتين عليهما ما أحتاج إليه ومعهما عبد وأعطت العبد نفقة الطريق وقالت العبد والراحلتان لك فركبت وركب العبد معي حتى طرقت أهل مكة فدققت منزلي فقالوا لي من هذا فقلت عبيد الله بن قيس الرقيات فولولوا وبكوا وقالوا ما فارقنا طلبك إلا في هذا الوقت فأقمت عندهم حتى أسحرت ثم نهضت ومعي العبد حتى قدمت المدينة فجئت عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب عند المساء وهو يعشي أصحابه فجلست معهم وجعلت أتعاجم وأقول ياريار ابن طيار فلما خرج أصحابه كشفت له

عن وجهي فقال ابن قيس فقلت ابن قيس جئتك عائذا بك قال ويحك ما أجدهم في طلبك وأحرصهم على الظفر بك ولكني سأكتب إلى أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فهي زوجة الوليد بن عبد الملك وعبد الملك أرق شيء عليها
فكتب إليها يسألها أن تشفع له إلى عمها وكتب إلى أبيها يسأله أن يكتب إليها كتابا يسألها الشفاعة فدخل عليها عبد الملك كما كان يفعل وسألها هل من حاجة فقالت نعم لي حاجة فقال قد قضيت كل حاجة لك إلا ابن قيس الرقيات فقالت لا تستثن علي شيئا فنفح بيده فأصاب خدها فوضعت يدها على خدها فقال لها يابنتي ارفعي يدك فقد قضيت كل حاجة لك وإن كانت ابن قيس الرقيات فقالت إن حاجتي ابن قيس الرقيات تؤمنه فقد كتب إلي أبي يسألني أن أسألك ذلك قال فهو آمن فمريه يحضر مجلسي العشية فحضر ابن قيس وحضر الناس حين بلغهم مجلس عبد الملك فأخر الإذن ثم أذن للناس وأخر إذن ابن قيس الرقيات حتى أخذوا مجالسهم ثم أذن له فلما دخل عليه قال عبد الملك يا أهل الشأم أتعرفون هذا قالوا لا فقال هذا عبيد الله بن قيس الرقيات الذي يقول
( كيف نومِي على الفِراش ولما ... تَشْمَلِ الشأمّ غارةٌ شَعْواءُ )
( تُذهِل الشيخَ عن بَنيه وتُبدِي ... عن خِدام العقيلةُ العذراءُ )

فقالوا يا أمير المؤمنين اسقنا دم هذا المنافق قال الآن وقد أمنته وصار في منزلي وعلى بساطي قد أخرت الإذن له لتقتلوه فلم تفعلوا
فاستأذنه ابن قيس الرقيات أن ينشده مديحه فأذن له فأنشده قصيدته التي يقول فيها
( عاد له من كَثِيرةَ الطربُ ... فعينُه بالدموع تنسكبُ )
( كُوفيّةٌ نازحٌ مَحَلَّتُها ... لا أَمَمٌ دارُها ولا صَقَبُ )
( والله ما إن صَبَتْ إليّ ولا ... إن كان بيني وبينها سببُ )
( إلا الذي أورثتْ كثيرةُ في القلب ... وللحّب سَوْرَةٌ عجبُ )
حتى قال فيها
( إنّ الأعزَّ الذي أبوه أبو العاصي ... عليه الوقارُ والحُجُبُ )
( يعتدِل التاجُ فوق مَفْرِقِه ... على جَبينٍ كأنه الذهبُ )
فقال له عبد الملك يابن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب
( إنما مُصعَبٌ شِهابٌ من اللَّه ... تجلّت عن وجهه الظلماءُ )
( ملكُه ملك عِزَّةِ ليس فيه ... جبروتٌ منه ولا كِبرياءُ )
أما الأمان فقد سبق لك ولكن والله لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا
قال وقال ابن قيس الرقيات لعبد الله بن جعفر ما نفعني أماني

تركت حيا كميت لا آخذ مع الناس عطاء أبدا فقال له عبد الله بن جعفر كم بلغت من السن قال ستين سنة قال فعمر نفسك قال عشرين سنة من ذي قبل فذلك ثمانون سنة قال كم عطاؤك قال ألفا درهم فأمر له بأربعين ألف درهم وقال ذلك لك علي إلى أن تموت على تعميرك نفسك فعند ذلك قال عبيد الله بن قيس الرقيات يمدح عبد الله بن جعفر
( تَقَدَّتْ بِيَ الشَّهْباءُ نحوَ ابنِ جعفرٍ ... سواءٌ عليها ليلُها ونهارُها )
( تزور امرأً قد يعلمُ اللهُ أنه ... تَجُودُ له كفُّ قليلٌ غِرَارُها )
( أتيناك نُثْنِي بالذي أنت أهلُه ... عليك كما يُثْني على الروض جارُها )
( فوالله لولا أن تزورَ ابن جعفر ... لكان قليلاً في دِمَشْقَ قَرارُها )
( إذا مِتَّ لم يُوصَلْ صديقٌ ولم تُقَمْ ... طريقٌ من المعروف أنت منَارُها )
( ذكرتُكَ أن فاض الفراتُ بأرضنا ... وفاض بأعلى الرَّقَّتيْن بِحارُها )
( وعندَي مما خوَّل اللهُ هَجْمَةٌ ... عَطَاؤكَ منها شَوْلُها وعِشَارُها )

( مباركةٌ كانت عطاءَ مُبَارَكٍ ... تُمانِحُ كُبراها وتَنْمِي صِغارُها )
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا مصعب بن عبد الملك قال
قال عبد الملك بن مروان لعبيد الله بن قيس الرقيات ويحك يابن قيس أما اتقيت الله حين تقول لابن جعفر
( تزورُ امرأً قد يعلم اللهُ أنه ... تَجودُ له كفُّ قليلٌ غِرارُها )
ألا قلت قد يعلم الناس ولم تقل قد يعلم الله فقال ابن قيس قد والله علمه الله وعلمته أنت وعلمته أنا وعلمه الناس
أخبرنا الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق
قرأت على أبي أن عبيد الله بن قيس الرقيات منعه عبد الملك بن مروان عطاءه من بيت المال وطلبه ليقتله فاستجار بعبد الله بن جعفر وقصده فألفاه نائما وكان صديقا لسائب خاثر فطلب الإذن على ابن جعفر فتعذر فجاء سائب خاثر ليستأذن له عليه قال سائب فجئت من قبل رجل عبد الله بن جعفر فنبحت نباح الجرو الصغير فانتبه ولم يفتح عينيه وركلني برجله فدرت إلى عند رأسه فنبحت نباح الكلب الهرم فانتبه وفتح عينيه

فرآني فقال ما لك ويحك فقلت ابن قيس الرقيات بالباب قال ائذن له فأذنت له فدخل إليه فرحب ابن جعفر به وقربه فعرفه ابن قيس خبره فدعا بظبية فيها دنانير وقال عد له منها فجعلت أعد وأترنم وأحسن صوتي بجهدي حتى عددت ثلاثمائة دينار فسكت فقال لي عبد الله ما لك ويلك سكت ما هذا وقت قطع الصوت الحسن فجعلت أعد حتى نفذ ما كان في الظبية وفيها ثمانمائة دينار فدفعتها إليه فلما قبضها قال لابن جعفر اسأل أمير المؤمنين في أمري قال نعم فإذا دخلت إليه معي ودعا بالطعام فكل أكلا فاحشا
فركب ابن جعفر فدخل معه إلى عبد الملك فلما قدم الطعام جعل يسيء الأكل فقال عبد الملك لابن جعفر من هذا فقال هذا إنسان لا يجوز إلا أن يكون صادقا إن استبقي وإن قتل كان أكذب الناس قال وكيف ذلك قال لأنه يقول
( ما نَقموا من بني أُميّةَ إلاّ ... أنهم يَحلُمُون إن غَضِبُوا )
فإن قتلته لغضبك عليه أكذبته فيما مدحكم به قال فهو آمن ولكن لا أعطيه عطاء من بيت المال قال ولم وقد وهبته لي فأحب أن تهب لي عطاءه أيضا كما وهبت لي دمه وعفوت لي عن ذنبه قال قد فعلت قال وتعطيه ما فاته من العطاء قال قد فعلت وأمرت له بذلك
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال
كان ابن قيس الرقيات منقطعا إلى ابن جعفر وكان يصله ويقضي عنه دينه ثم استأمن له عبد الملك فأمنه وحرمه عطاءه فأمره عبد الله أن يقدر لنفسه ما يكفيه أيام حياته ففعل ذلك فأعطاه عبد الله ما سأل وعوضه من عطائه أكثر منه ثم جاءت عبد الله صلة من عبد الملك وابن قيس

غائب فأمر عبد الله خازنه فخبأ له صلته فلما قدم دفعها إليه وأعطاه جارية حسناء فقال ابن قيس
( إذا زرتُ عبدَ الله نفسي فداؤه ... رجعتُ بفضلٍ من نَدَاهُ وَنائلِ )
( وإن غِبتُ عنه كان للوُدّ حافظاً ... ولم يكُ عنّي في المغيب بغافِلِ )
( تداركَنِي عبدُ الإله وقد بدَتْ ... لذي الحِقدِ والشَّنآن منّي مَقَاتلي )
( فأنقذني من غَمرة الموت بعد ما ... رأيتُ حياضَ الموت جَمَّ المَناهِل )
( حَبَانِيَ لما جئتُه بعطّيةٍ ... وجاريةٍ حسناءَ ذاتِ خَلاخِل )

نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني
منها
صوت
( عادَ له من كَثِيرةَ الطّربُ ... فعينُه بالدموع تنسكبُ )
( كُوفيّةٌ نازحٌ مَحَلّتُها ... لا أَمَمٌ دارُها ولا صَقَبُ )
( والله ما إن صَبَتْ إليّ ولا ... يُعرَفُ بيني وبينها سَبَبُ )
( إلا الذي أورثَتْ كثيرةٌ في القلب ... وللحبّ سَوْرةٌ عَجَبُ )
عروضه من المنسرح غناه معبد ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى
قوله لا أمم دارها يعني أنها ليست بقريبة
ويقال ما كلفتني أمما من الأمر فأفعله أي قريبا من الإمكان ويقال إن فلانا لأمم من أن يكون فعل كذا وكذا قال الشاعر
( أطَرقَتْه أسماءُ أم حَلَمَا ... بل لم تكن من رِحَالنا أَمَمَا )
أي قريبة وقال الراجز

( كلَّفها عمروٌ نِقَال الضَبْعانْ ... ما كُلِّفَتْ من أَمَمٍ ولا دَانْ )
وقال آخر
( إنك إن سألت شيئا أَمَمَا ... جاء به الكَرِي أو تَحبشَّمَا )
والصقب الملاصقة
تقول والله ما صاقبت فلانا ولا صاقبني ودار فلان مصاقبة لدار فلان وفي الحديث الجار أحق بصقبه أي بما لاصقه أي إنه أحق بشفعته
والسورة شدة الأمر ومنه يقال ساور فلان فلانا وتساور الرجلان إذا تغالبا وتشادا وقيل إن السورة البقية أيضا
ومنها
صوت
( ما نَقَمُوا من بني أُميَّة ... إلا أنهم يَحلُمُون إن غَضِبوا )
( وأنّهمُ سادةُ الملوك فما ... تَصلُح إلاّ عليهمُ العَربُ )
غنت في هذين البيتين حبابة وهما من القصيدة التي أولها
( عاد له من كَثِيرةَ الطّربُ ... )
قال الأصمعي كثيرة هذه امرأة نزل بها بالكوفة فآوته
قال ابن

قيس فأقمت عندها سنة تروح وتغدو علي بما أحتاج إليه ولا تسألني عن حالي ولا نسبي فبينا أنا بعد سنة مشرف من جناح إلى الطريق إذا أنا بمنادي عبد الملك ينادي ببراءة الذمة ممن أصبت عنده فأعلمت المرأة أني راحل فقالت لا يروعنك ما سمعت فإن هذا نداء شائع منذ نزلت بنا فإن أردت المقام ففي الرحب والسعة وإن أردت الانصراف أعلمتني فقلت لها لا بد لي من الانصراف فلما كان الليل قدمت إلي راحلة عليها جميع ما أحتاج إليه في سفري فقلت لها من أنت جعلت فداءك لأكافئك قالت ما فعلت هذا لتكافئني فانصرفت ولا والله ما عرفتها إلا أني سمعتها تدعى باسمها كثيرة فذكرتها في شعري
وذكر الزبير بن بكار عن عمه مصعب أن عبد الله بن علي بن عبد الله ابن عباس صاحب بني أمية بنهر أبي فطرس إنما بعثه على قتلهم أنه أنشده بعض الشعراء ذات يوم مديحا مدح به بني هاشم فقال لبعضهم أين هذا مما كنتم تمدحون به فقال هيهات أن يمدح أحد بمثل قول ابن قيس فينا
( ما نقَمُوا من بني أميّة إلا ... أنهم يَحلُمُون إن غَضِبُوا )
البيتين فقال له عبد الله بن علي ألا أرى المطمع في الملك في نفسك بعد يا ماص كذا من أمه ثم أوقع بهم
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا

الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي عبد الله بن مصعب قال
اعترض هارون الرشيد قينة فغنت
( ما نقَموا من بني أميّة إلاّ ... أنهم يحلُمُون إن غضبوا )
فلما ابتدأت به تغير وجه الرشيد وعلمت أنها قد غلطت وأنها إن مرت فيه قتلت فغنت
( ما نَقَمُوا من بني أميّة إلاّ ... أنهم يجهَلُون إن غَضِبوا )
( وأنهم مَعدِنُ النّفاق فما ... تَفسُدُ إلا عليهم العربُ )
فقال الرشيد ليحيى بن خالد أسمعت يا أبا علي فقال يا أمير المؤمنين تبتاع وتسنى لها الجائزة ويعجل لها الإذن ليسكن قلبها قال ذلك جزاؤها قومي فأنت مني بحيث تحبين
قال فأغمي على الجارية
فقال يحيى بن خالد
( جُزِيتَ أميرَ المؤمنين بأَمْنها ... من الله جناتٍ تفوز بِعَدْنها )
ومنها

صوت
( تَقَدّتْ بيَ الشَّهْباءُ نحوَ ابن جعفرٍ ... سواءٌ عليها ليلُها ونهارُها )
( تَزُور امرأً قد يَعلمُ الله أنه ... تَجودُ له كَفٌّ بطيءٌ غِرارُها )
( ووالله لولا أن تزورَ ابنَ جعفرٍ ... لكان قليلاً في دِمَشقَ قرارُها )
عروضه من الطويل
غناه معبد ثاني ثقيل بالبنصر
قوله تقدت أي سارت سيرا ليس بعجل ولا مبطئ فيقال تقدى فلان إذا سار سير من لا يخاف فوت مقصده فلم يعجل
وقوله بطيء غرارها يعني أن منعها المعروف بطيء
وأصل الغرار أن تمنع الناقة درتها ثم يستعار في كل ما أشبه ذلك ومنه قول الراجز
( إنّ لكلّ نَهَلاَتٍ شِرَّهْ ... ثم غِرَاراً كغِرار الدِّرَّهْ )
وقال جميل في مثل ذلك
( لاحتْ لعينك من بُثينةَ نارُ ... فدموعُ عينكَ دِرَّةٌ وغرَارُ )
ما عيب عليه في شعره
قال الزبير وهذا البيت مما عيب على ابن قيس لأنه نقض صدره بعجزه فقال في أوله إنه سار سيرا بغير عجل ثم قال
( سَواءٌ عليها ليلُها ونهارُها ... )
وهذا غاية الدأب في السير فناقض معناه في بيت واحد
ومما عيب على ابن قيس الرقيات قوله وفي هذين البيتين غناء

صوت
( تُرضِعُ شِبْلَيْنِ وَسْطَ غِيلِهما ... قد ناهزا للفِطام أو فُطِما )
( ما مرَّ يومٌ إلاّ وعندهما ... لحمُ رجال أو يَوْلَغانِ دَمَا )
غناه الغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة وهي قصيدة مدح بها عبد العزيز بن مروان وفيها يقول
( أعْني ابنَ ليلَى عبدَ العزيز بِبَابِلْيُونَ ... تَغدُو جِفَانُه رُذُمَا )
( الواهبَ النُّجْبَ والولائدَ كالغِزلانِ ... والخيلَ تَعْلُك اللُّجُمَا )

وكان قال في قصيدته هذه أو يالغان دما بالألف وكذلك روي عنه ثم غيرته الرواة
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال
سمعت ابن الأعرابي يقول سئل يونس عن قول ابن قيس الرقيات
( ما مرّ يوم إلا وعندهما ... لحم رجال أو يَوْلغان دَما )
فقال يونس يجوز يولغان ولا يجوز يالغان فقيل له فقد قال ذلك ابن قيس الرقيات وهو حجازي فصيح فقال ليس بفصيح ولا ثقة شغل نفسه بالشرب بتكريت
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي أو بلغك أن ابن أبي عتيق أنشد قول ابن قيس
( سواءٌ عليها ليلُها ونهارُها ... )
فقال كانت هذه يابن أم فيما أرى عمياء
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن جدي عن هشام بن سليمان المخزومي قال
قال ابن أبي عتيق لعبيد الله بن قيس وقد مر به فسلم عليه فقال وعليك السلام يا فارس العمياء فقال له ما هذا الاسم الحادث يا أبا محمد بأبي أنت قال أنت سميت نفسك حيث تقول
( سواءٌ عليها ليلُها ونهارُها ... )

فما يستوي الليل والنهار إلا على عمياء قال إنما عنيت التعب قال فبيتك هذا يحتاج إلى ترجمان يترجم عنه
ومنها
صوت
( ذكرتُكَ أنْ فاض الفراتُ بأرضنا ... وفاضت بأعلى الرَّقَّتَيْن بِحَارُها )
( وحَوْلِيَ مما خوّل الله هَجمةٌ ... عطاؤكَ منها شَوْلُها وعِشَارُها )
( فجئناك نُثْني بالذي أنتَ أهلُه ... عليك كما أَثْنَى على الروض جارُها )
( إذا متَّ لم يُوصَل صديقٌ ولم تُقَمْ ... طَريقٌ من المعروف أنت منارُها )
الشول النوق التي شالت بأذنابها وكرهت الفحل وذلك حين تلقح واحدتها شائل غناه حكم الوادي ثقيلا أول بالوسطى

حكم الوادي ودنانير
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال قال لي أبي
قال حكم الوادي دخلت يوما على يحيى بن خالد فقال لي يا أبا يحيى ما رأيك في خمسمائة دينار قد حضرت قلت ومن لي بها قال تلقي لحنك في
( ذكرتكَ أن فاض الفراتُ بأرضنا ... )

على دنانير فها هي ذه وهذا سلام واقف معك ومخرجها إليك وأنا راكب إلى أمير المؤمنين ولست أنصرف من مجلس المظالم إلى وقت الظهر فكدها فيه فإذا أحكمته فلك خمسمائة فقالت دنانير يا سيدي أبو يحيى يأخذ خمسمائة دينار وينصرف وأنا أبقى معك أقاسيك عمري كله فقال لها إن حفظتيه فلك ألف دينار وقام فمضى فقلت لها يا سيدتي اشغلي نفسك بذا فإنك أنت تهبين لي الخمسمائة الدينار بحفظك إياه وتفوزين بالألف الدينار وإلا بطل هذا فلم أزل معها أكدها ونفسي وتغنيني حتى انصرف يحيى فدعا بماء وطست ثم قال يا أبا يحيى غن الصوت كما كنت تغنيه فقلت هلكت يسمعه مني وليس هو بمن يخفى عليه ثم يسمعه منها فلا يرضاه فلم أجد بدا من الغناء ثم قال غنيه أنت الآن فغنت فقال والله ما أرى إلا خيرا فقلت جعلت فداءك أنا أمضغ هذا منذ أكثر من خمسين سنة كما أمضغ الخبز وهذه أخذته الساعة وهو يذل لها بعدي وتجترئ عليه ويزداد حسنا في صوتها فقال صدقت هات يا سلام خمسمائة دينار ولها ألف دينار ففعل فقالت له وحياتك يا سيدي لأشاطرن أستاذي الألف الدينار قال ذلك إليك ففعلت فانصرفت وقد أخذت بهذا الصوت ألف دينار

رجع الحديث إلى عبيد الله بن قيس الرقيات
قال الزبير بن بكار حدثني عبد الله بن النضير عن أبيه
أن ابن قيس الرقيات قال في الكوفية التي نزل عليها

( بانت لِتَحْزُنَنَا كَثِيرَهْ ... ولقد تكون لنا أميرَهْ )
( حَلَّتْ فَلاَلِيجَ السَّوَاد ... وحَلّ أهلي بالجزيرهْ )
قال ولقد رحل من عندها وما يتعارفان
قال وقال فيها أيضا وفيه لحن من خفيف الثقيل لابن المكي

صوت
( لَجِجْتَ بحبّكَ أهلَ العِراق ... ولولا كَثِيرةُ لم تَلْجَجِ )
( فليتَ كثيرةَ لم تَلْقَني ... كثيرةَ أُختَ بني الخَزْرج )
ابن قيس الرقيات وسعيد بن المسيب
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن عاصم القحطاني قال حدثني أبي عن عبد الرحيم بن حرملة قال
كنت عند سعيد بن المسيب فجاء ابن قيس الرقيات فهش وقال مرحبا بظفر من أظفار العشيرة ما أحدثت بعدي قال قد قلت أبياتا وأستفتيك في بيت منها فاسمعها قال هات فأنشده
( هل للديار بأهلها عِلْمُ ... أم هل تُبِينُ فينطقَ الرسمُ )
( قالت رُقيّةُ فِيمَ تَصِرمُنا ... أَرُقَيّ ليس لوجهك الصّرمُ )

( تَخطُو بخَلْخَاليْن حَشْوُهما ... ساقَانِ مارَ عليهما اللحم )
( يا صاحِ هل أبكاكَ موقُفنا ... أم هل علينا في البُكا إثمُ )
فقال سعيد لا والله ما أبكاني قال ابن قيس الرقيات
( بل ما بكاؤكَ منزلاً خَلَقاً ... قَفْراً يَلُوح كأنه الوَشْمُ )
فقال سعيد اعتذر الرجل
ثم أنشد
( أتلبَثُ في تَكْريتَ لا في عَشيرةٍ ... شهودٍ ولا السلطانُ منكَ قريبُ )
( وأنت امرؤ للحزم عندك منزلٌ ... وللدِّين والإِسلام منك نصيب )
فقال سعيد لا مقام على ذلك فاخرج منها قال قد فعلت قال قد أصبت أصاب الله بك

نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
صوت
( قامَتْ بخَلْخَالينِ حَشْوُهما ... ساقان مارَ عليهما اللحمُ )
( يا صاحِ هل أبكاك موقفُنا ... أم هل علينا في البكا إثمُ )
غنى فيهما ابن سريج رملا بالبنصر
ابن قيس الرقيات وعمر بن أبي ربيعة
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن عبد الله البكري وهارون بن أبي بكر عن عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن أبيه عن سعيد بن مسلم بن وهب مولى بني عامر بن لؤي عن أبيه قال

دخلت مسجد رسول الله مع نوفل بن مساحق وإنه لمعتمد على يدي إذ مررنا بسعيد بن المسيب في مجلسه فسلمنا عليه فرد سلامنا ثم قال لنوفل يا أبا سعيد من أشعر أصاحبنا أم صاحبكم يعني عبيد الله ابن قيس الرقيات أو عمر بن أبي ربيعة فقال نوفل حين يقولان ماذا فقال حين يقول صاحبنا
( خليليَّ ما بالُ المَطِيّ كأنّما ... نَراها على الأدبار بالقوم تَنكُصُ )
( وقد أَبْعدَ الحادِي سُرَاهنّ وانتحَى ... بهنّ فما يأْلُو عَجُولٌ مُقلِّص )
( وقد قُطِّعتْ أعناقُهُنّ صَبابة ... فأنفُسنا ممّا تُكلَّفُ شُخَّص )
( يَزِدْنَ بنا قُرْباً فيزدادُ شوقُنا ... إذا زاد طولُ العهد والبعدُ ينقُص )
ويقول صاحبكم ما شئت قال فقال له نوفل صاحبكم أشهر بالقول في الغزل أمتع الله بك وصاحبنا أكثر أفانين شعر قال صدقت فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر جعل سعيد يستغفر الله ويعقد بيده ويعده بالخمس كلها حتى وفى مائة
قال البكري في حديثه عن عبد الجبار فقال مسلم بن وهب فلما فارقناه قلت لنوفل أتراه استغفر الله من إنشاده الشعر في مسجد رسول الله قال كلا هو كثير الإنشاد والاستنشاد للشعر ولكني أحسبه للفخر بصاحبه

ابن قيس الرقيات وحمزة بن عبد الله بن الزبير
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن الضحاك عن أبيه قال
استأذن عبيد الله بن قيس الرقيات على حمزة بن عبد الله بن الزبير فقالت له الجارية ليس عليه إذن الآن فقال أما إنه لو علم بمكاني ما احتجب عني قال فدخلت الجارية على حمزة فأخبرته فقال ينبغي أن يكون هذا ابن قيس الرقيات ائذني له فأذنت له فقال مرحبا بك يابن قيس هل من حاجة نزعت بك قال نعم زوجت بنين لي ثلاثة ببنات أخ لي ثلاث وزوجت ثلاثة من بني أخ لي بثلاث بنات لي قال فلبنيك الثلاثة أربعمائة دينار أربعمائة دينار ولبني أخيك الثلاثة أربعمائة دينار أربعمائة دينار ولبناتك الثلاث ثلاثمائة دينار ثلاثمائة دينار ولبنات أخيك الثلاث ثلاثمائة دينار ثلاثمائة دينار هل بقيت لك من حاجة يابن قيس قال لا والله إلا مؤونة السفر فأمر له بما يصلحه لسفره حتى رقاع أخفاف الإبل
ذكر ما قاله ابن قيس الرقيات وغني فيه
صوت
( أمسْت رُقّية دونها البِشَرُ ... فالرَّقّة السَّوْداء فالغَمْرُ )

غناه يونس ثقيلا أول بالوسطى وفيه لعزة الميلاء ثاني ثقيل
ومنها

صوت
( رُقَيّ بَعْيشكم لا تَهجُرِينَا ... ومَنّينَا المُنَى ثم امطُلِينَا )
( عِدِينا في غَدٍ ما شِئتِ إنّا ... نُحِبُّ وإن مَطَلْتِ الواعِدِينا )
( أَغرَّكِ أنني لا صبرَ عندي ... على هَجْرٍ وأنّكِ تَصْبِرِينا )
( ويومَ تَبِعتُكم وتركتُ أهلي ... حَنِينَ العَوْدِ يَتَّبِعُ القَرِينا )
عروضه من الوافر غناه ابن محرز ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى
ومنها
صوت
( رُقيَّةُ تَيَّمَتْ قلبي ... فواكَبِدِي من الحبِّ )
( نهانِي إخوتي عنها ... وما بالقلب من عَتْبِ )

غناه مالك ثاني ثقيل أول بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو ابن بانة
وقد ذكرت بذل أن فيه لابن المكي لحنا

رأي ابن أبي عتيق في شعره
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني سعيد بن عمرو بن الزبير قال حدثني إبراهيم بن عبد الله قال
أنشد كثير ابن أبي عتيق كلمته التي يقول فيها
( ولستُ بِراضٍ من خليلٍ بنائلٍ ... قليلٍ ولا أرضَى له بقليلِ )
فقال له هذا كلام مكافىء ليس بعاشق القرشيان أقنع وأصدق منك ابن أبي ربيعة حيث يقول
( ليتَ حَظِّي كَلَحْظَةِ العَينِ منها ... وكثِيرٌ منها القليلُ المُهَنّا )
وقوله أيضا
( فعِدِي نائلاً وإن لم تُنيلي ... إنه يُقنِعُ المحبَّ الرجاءُ )
وابن قيس الرقيات حيث يقول
( رُقَيَّ بعيشكم لا تَهجُرِينا ... ومَنّينا المُنَى ثم امطُلِينَا )
( عِدِينا في غَدٍ ما شئتِ إنّا ... نُحِبّ وإن مَطلتِ الواعِدينا )

( فإمّا تُنجِزِي عِدَتِي وإمّا ... نَعِيشُ بما نُؤمّل منك حِينا )
قال فذكرت ذلك لأبي السائب المخزومي ومعه ابن المولى فقال صدق ابن أبي عتيق وفقه الله ألا قال المديون كثير كما قال هذا حيث يقول
( وأبكِي فلا ليلَى بكَتْ من صبابةٍ ... لِباكٍ ولا ليلَى لِذي الودّ تَبذُلُ )
( وأخنَعُ بالعُتْبَى إذا كنتُ مذنِباً ... وإن أذنَبتْ كنتُ الذي أتنَصَّلُ )

تشبيبه برقية بنت عبد الواحد
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال سمعت عبيدة بن أشعب بن جبير قال حدثني أبي قال حدثني فند مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قال
حجت رقية بنت عبد الواحد بن أبي سعد العامرية فكنت آتيها وأحدثها فتستظرف حديثي وتضحك مني فطافت ليلة بالبيت ثم أهوت لتستلم الركن الأسود وقبلته وقد طفت مع عبيد الله بن قيس الرقيات فصادف فراغنا فراغها ولم أشعر بها فأهوى ابن قيس يستلم الركن الأسود ويقبله فصادفها قد سبقت إليه فنفحته بردنها فارتدع وقال لي من هذه فقلت أو لا تعرفها هذه رقية بنت عبد الواحد بن أبي سعد فعند ذلك قال
( مَنْ عَذِيري ممن يَضِنَّ بمبذولٍ لغيري عليّ عند الطّوافِ )
يريد أنها تقبل الحجر الأسود وتضن عنه بقبلتها
وقال في ذلك
( حدِّثوني هل على رجلٍ ... عاشقٍ في قُبْلةٍ حَرَجُ )

وفيه غناء ينسب بعد هذا الخبر
قال ولما نفحته بردنها فاحت منه رائحة المسك حتى عجب من في المسجد وكأنما فتحت بين أهل المسجد لطيمة عطار فسبح من حول البيت
قال وقال فند فقلت بعد انصرافها لابن قيس هل وجدت رائحة ردنها لشيء طيبا فعند ذلك قال أبياته التي يقول فيها

صوت
( سائلاً فِنْداً خليلِي ... كيف أرْدانُ رُقَيّهْ )
( إنّني عُلِّقت خَوْداً ... ذاتَ دّلٍّ بَخْتَرِيَّهْ )
غناه فند ولحنه ثقيل أول بالبنصر عن حبش
نسبة هذا الصوت الذي في الخبر المتقدم وخبره وهو أيضا مما قاله ابن قيس
في رقية
صوت
( حَبَّ ذاك الدَّلُّ والغُنُجُ ... والتي في عينها دَعَجُ )
( والتي إن حَدّثتْ كذبتْ ... والتي في وعدها خَلَجُ )
( وتَرى في البيت صورتَها ... مِثْلَما في البيعِة السُّرُجُ )
( خبِّروني هل على رجلٍ ... عاشقٍ في قُبلةٍ خَرَجُ )
الشعر لابن قيس الرقيات يقوله في رقية بنت عبد الواحد
والغناء

لمالك خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر
وفيه خفيف ثقيل آخر لابن محرز من رواية عمرو بن بانة وقيل بل هو هذا
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال حدثني سائب راوية كثير قال
كان كثير مديونا فقال لي يوما ونحن بالمدينة اذهب بنا إلى ابن أبي عتيق نتحدث عنده قال فذهبت إليه معه فاستنشده ابن أبي عتيق فأنشده قوله
( أبائنةٌ سُعْدَى نعم ستَبينُ ... )
حتى بلغ إلى قوله
( وأخلفْنَ ميعادي وخُنَّ أمانتي ... وليس لمن خان الأمانةَ دِينُ )
فقال له ابن أبي عتيق أعلى الأمانة تبعتها فانكف واستغضب نفسه وصاح وقال
( كذبْنَ صفاءَ الودّ يوم مَحِلِّه ... وأنكدْنَني من وعدهن ديونُ )
فقال له ابن أبي عتيق ويلك هذا أملح لهن وأدعى للقلوب إليهن سيدك ابن قيس الرقيات كان أعلم منك وأوضع للصواب موضعه فيهن أما سمعت قوله
( حَبّ ذاكَ الدَّلُّ والغُنُجُ ... والتي في عينها دَعَجُ )
( والتي إن حَدّثتْ كذبتْ ... والتي في وعدها خَلَجُ )
( وتَرى في البيت صورتَها ... مثلما في البِيعَة السُّرَجُ )
( خبِّروني هل على رجلٍ ... عاشقٍ في قُبلةٍ حَرَجٌ )
قال فسكن كثير واستحلى ذلك وقال لا إن شاء الله فضحك ابن أبي عتيق حتى ذهب به

أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الرحمن بن غرير الزهري قال أنشدت أبا السائب المخزومي قول ابن قيس الرقيات
صوت
( قد أتانا من آل سُعْدَى رسولُ ... حَبَّذا ما يقول لي وأقولُ )
( مِنْ فتاةٍ كأنها قَرْنُ شمسٍ ... ضاق عنها دَمَالجٌ وحُجُولُ )
( حَبَّذا ليلتي بِمزَّة كلبٍ ... غال عنّي بها الكَوَانينَ غُولُ )
فقال لي يابن الأمير ما تراه كان يقول وتقول فقلت
( حديثاً كما يسري النّدَى لو سمعتَه ... شفاك مِنَ ادواءٍ كثيرٍ وأَسْقَمَا )
فطرب وقال بأبي أنت وأمي ما زلت أحبك ولقد أضعف حبي إياك حين تفهم عني هذا الفهم
غنى في هذه الأبيات ابن سريج ثقيلا أول بالوسطى
ولمالك فيها ثاني ثقيل كلاهما عن الهشامي
أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي صهر المبرد قال حدثني طلحة بن عبد الله أبو إسحاق الطلحي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان قال أنشد أشعب بن جبير أبي أبيات عبيد الله بن قيس الرقيات التي يقول فيها

( قد أتانا من آل سُعْدى رسولُ ... حَبّذا ما يقول لي وأقولُ )
فقال أبي ويحك يا أشعب ما تراه قال وقالت له فقال
( حديثاً لَوَ أنّ اللحمَ يَصْلَى بحَرّه ... غَريضاً أتى أصحابَه وهو مُنْضَجُ )
ذكر شوقا ووصف توقا ووعد ووفى والتقيا بمزة كلب فشفى واشتفى فذلك قوله
( حَبّذا ليلتي بمزّة كلبٍ ... غال عنّي بها الكَوَانينَ غُولُ )
فقال له إنك لعلامة بهذه الأحوال قال أجل بأبي أنت فاسأل عالما عن علمه
ومما في المائة الصوت المختارة من شعر عبيد الله بن قيس الرقيات

صوت من المائة المختارة
( يا قلبُ وَيْحَك لا تذهبْ بك الحُرَقُ ... إنّ الأُلَى كنتَ تهواهم قد انطلقُوا )
وذكر أنه لوضاح وقد أخرج في وضع آخر

ذكر مالك بن أبي السمح وأخباره ونسبه
هو مالك بن أبي السمح
واسم أبي السمح جابر بن ثعلبة الطائي أحد بني ثعل ثم أحد بني عمرو بن درماء
ويكنى أبا الوليد
وأمه قرشية من بني مخزوم وقيل بل أم أبيه منهم وهو الصحيح
وقال ابن الكلبي هو مالك بن أبي السمح بن سليمان بن أوس بن سماك بن سعد بن أوس بن عمرو بن درماء أحد بني ثعل
وأم أبيه بنت مدرك بن عوف بن عبيد بن عمرو بن مخزوم
وكان أبوه منقطعا إلى عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب ويتيما في حجره أوصى به أبوه إليه فكان ابن جعفر يكفله ويمونه وأدخله وسائر إخوته في دعوة بني هاشم فهم معهم إلى اليوم
وكان أحول طويلا أحنى
قال الوليد بن يزيد فيه يعارض الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب في قوله فيه
( أبيضُ كالبدر أو كما يَلْمَع السارقُ ... في حالكٍ من الظُّلَمِ )

فقال له الوليد بل أنت
( أحولُ كالقردِ أو كما يَرْقُب السارقُ ... في حالكٍ من الظُّلَم )

أساتذته في الغناء وموته
وأخذ الغناء عن جميلة ومعبد وعمر حتى أدرك الدولة العباسية وكان منقطعا إلى بني سليمان بن علي ومات في خلافة أبي جعفر المنصور
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد قرأت على أبي أن السبب في انقطاع أبي السمح إلى ابن جعفر أن السنة أقحمت طيئا فكان ثعلبة جد مالك أحدهم فولد أبو السمح بالمدينة وكان صديقا

للحسين بن عبد الله الهاشمي وكان سبب ذلك مودة كانت بينه وبين آل شعيب السهميين فلما تزوج حسين عابدة بنت شعيب السهمية خاصمهم بسببها وكان جد مالك معه وعونا له مع من عاونه فنشبت بذلك حال بينه وبين بني هاشم حتى ولد مالك في دورهم فصارت دعوته فيهم
أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي
وعمر مالك حتى أدرك دولة بني العباس وقدم على سليمان بن علي بالبصرة فمت إليه بخؤولته في قريش ودعوته لبني هاشم وانقطاعه إلى ابن جعفر فعجل له سليمان صلته وكساه وكتب له بأوساق من تمر
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني القاسم بن يوسف قال أخبرني الورداني قال
كان مالك بن أبي السمح المغني من طيىء فأصابتهم حطمة في بلادهم بالجبلين فقدمت به أمه وبإخوة له وأخوات أيتام لا شيء لهم فكان يسأل الناس على باب حمزة بن عبد الله بن الزبير وكان معبد منقطعا

إلى حمزة يكون عنده في كل يوم يغنيه فسمع مالك غناءه فأعجبه واشتهاه فكان لا يفارق باب حمزة يسمع غناء معبد إلى الليل فلا يطوف بالمدينة ولا يطلب من أحد شيئا ولا يريم موضعه فينصرف إلى أمه ولم يكتسب شيئا فتضربه وهو مع ذلك يترنم بألحان معبد ويؤديها دورا دورا في مواضع صيحاته وإسجاحاته ونبراته نغما بغير لفظ ولا رواية شيء من الشعر وجعل حمزة كلما غدا وراح رآه ملازما لبابه فقال لغلامه يوما أدخل هذا الغلام الأعرابي إلي فأدخله فقال له من أنت فقال أنا غلام من طيىء أصابتنا حطمة بالجبلين فحطتنا إليكم ومعي أم لي وإخوة وإني لزمت بابك فسمعت من دارك صوتا أعجبني فلزمت بابك من أجله قال فهل تعرف منه شيئا قال أعرف لحنه كله ولا أعرف الشعر فقال إن كنت صادقا إنك لفهم
ودعا بمعبد فأمره أن يغنى صوتا فغناه ثم قال لمالك هل تستطيع أن تقوله قال نعم قال هاته فاندفع فغناه فأدى نغمه بغير شعر يؤدي مداته ولياته وعطفاته ونبراته وتعليقاته لا يخرم حرفا فقال لمعبد خذ هذا الغلام إليك وخرجه فليكونن له شأن قال معبد ولم أفعل ذلك قال لتكون محاسنه منسوبة إليك وإلا عدل إلى غيرك فكانت محاسنه منسوبة إليه فقال صدق الأمير وأنا أفعل ما أمرتني به
ثم قال حمزة لمالك كيف وجدت ملازمتك لبابنا قال أرأيت لو قلت فيك غير الذي أنت له مستحق من الباطل أكنت ترضى بذلك قال لا قال وكذلك لا يسرك أن تحمد بما لم تفعل قال نعم قال فوالله ما شبعت على بابك شبعة قط ولا انقلبت منه إلى أهل بخير فأمر له ولأمه ولإخوته بمنزل وأجرى لهم رزقا وكسوة وأمر لهم بخادم يخدمهم وعبد يسقيهم الماء وأجلس مالكا معه في مجالسه وأمر معبدا أن يطارحه فلم ينشب أن مهر

وحذق وكان ذلك بعقب مقتل هدبة بن خشرم فخرج مالك يوما فسمع امرأة تنوح على زيادة الذي قتله هدبة بن خشرم بشعر أخي زيادة
( أبعد الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيْكبٍ ... رهِينةَ رَمْسٍ ذي تراب وجَنْدلِ )
( أَذَكَّرُ بالبُقْيَا على من أصابني ... وبُقْيَاي أنِّي جاهدٌ غيرُ مْؤتَلِي )
( فلا يَدْعُني قومي لزيد بن مالكٍ ... لئن لم أُعجِّلْ ضربةً أو أعجَّلِ )
( وإِلا أنَلْ ثأرِي من اليوم أو غدٍ ... بني عمِّنا فالدهرُ ذو مُتَطَوَّلِ )
( أَنَخْتُمْ علينا كَلْكَلَ الحرب مرّةً ... فنحن مُنِيخُوها عليكم بكَلْكَلِ )
فغني في هذا الشعر لحنين أحدهما نحا فيه نحو المرأة في نوحها ورققه وأصلحه وزاد فيه والآخر نحا فيه نحو معبد في غنائه ثم دخل على حمزة فقال له أيها الأمير إني قد صنعت غناء في شعر سمعت بعض أهل المدينة ينشده وقد أعجبني فإن أذن الأمير غنيته فيه قال هاته فغناه

اللحن الذي نحا فيه نحو معبد فطرب حمزة وقال له أحسنت يا غلام هذا الغناء غناء معبد وطريقته فقال لا تعجل أيها الأمير واسمع مني شيئا
ليس من غناء معبد ولا طريقته قال هات فغناه اللحن الذي تشبه فيه بنوح المرأة فطرب حمزة حتى ألقى عليه حلة كانت عليه قيمتها مائتا دينار ودخل معبد فرأى حلة حمزة عليه فأنكرها وعلم حمزة بذلك فأخبر معبدا بالسبب وأمر مالكا فغناه الصوتين فغضب معبد لما سمع الصوت الأول وقال قد كرهت أن آخذ هذا الغلام فيتعلم غنائي فيدعيه لنفسه فقال له حمزة لا تعجل واسمع غناء صنعه ليس من شأنك ولا غنائك وأمره أن يغني الصوت الآخر فغناه فأطرق معبد فقال له حمزة والله لو انفرد بهذا لضاهاك ثم يتزايد على الأيام وكلما كبر وزاد شخت أنت ونقصت فلأن يكون منسوبا إليك أجمل فقال له معبد وهو منكسر صدق الأمير
فأمر حمزة لمعبد بخلعة من ثيابه وجائزة حتى سكن وطابت نفسه فقام مالك على رجله فقبل رأس معبد وقال له يا أبا عباد أساءك ما سمعت مني والله لا أغني لنفسي شيئا أبدا ما دمت حيا وإن غلبتني نفسي فغنيت في شعر استحسنته لا نسبته إلا إليك فطب نفسا وارض عني فقال له معبد أو تفعل هذا وتفي به قال إي والله وأزيد فكان مالك بعد ذلك إذا غنى صوتا وسئل عنه قال هذا لمعبد ما غنيت لنفسي شيئا قط وإنما آخذ غناء معبد فأنقله إلى الأشعار وأحسنه وأزيد فيه وأنقص منه
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثنا الحسن بن عتبة اللهبي عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله أحد بني الحارث بن عبد المطلب قال
خرجت من مكة أريد العراق فحملت معي مالك بن أبي السمح من

المدينة وذلك في أيام أبي العباس السفاح فكان إذا كانت عشية الخميس قال لنا يا معشر الرفقة إن الليلة ليلة الجمعة وأنا أعلم أنكم تسألوني الغناء وعلي وعلي إن غنيت ليلة الجمعة فإن أردتم شيئا فالساعة اقترحوا ما أحببتم فنسأله فيغنينا حتى إذا كادت الشمس أن تغيب طرب ثم صاح الحريق في دار شلمغان ثم يمر في الغناء فما يكون في ليلة أكثر غناء منه في تلك الليلة بعد الأيمان المغلظة

مالك بن أبي السمح وسليمان بن علي
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال
كان سليمان بن علي يسمع من مالك بن أبي السمح بالسراة لأنه كان إذا قدم الشأم على الوليد بن يزيد عدل إليهم في بدأته وعودته لانقطاعه إليهم فيبرونه ويصلونه فلما أفضى إليهم الأمر رأى سليمان مالكا على باب ابنه جعفر فقال له يا بني لقد رأيت ببابك أشبه الناس بمالك فقال له جعفر ومن مالك يوهمه أنه لا يعرفه فتغافل عنه سليمان لئلا ينبهه عليه فيطلبه وتوهم أنه لم يعرفه ولا سمع غناءه
قال حماد وحدثني أبي عن جدي إبراهيم أنه أخبره أنه رأى مالكا بالبصرة على باب جعفر بن سليمان أو أخيه محمد ولم يعرفه فسأل عنه بعد ذلك فعرفه وقد كان خرج عن البصرة قال فما لي حسرة مثل حسرتي بأني ما سمعت غناءه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى قال

كان مالك بن أبي السمح يتيما في حجر عبد الله بن جعفر وكان أبوه أبو السمح صار إلى عبد الله بن جعفر انقطع إليه فلما احتضر أوصى بمالك إليه فكلفه وعاله ورباه وأدخله في دعوة بني هاشم فهو فيهم إلى اليوم
ثم خطب حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس العابدة بنت شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فمنعه بعض أهلها منها وخطبها لنفسه فعاون مالك حسينا وكانت العابدة تستنصحه وكانت بين أبيها شعيب وبينه مودة فأجابت حسينا وتزوجته فانقطع مالك إلى حسين فلما أفضى الأمر إلى بني هاشم قدم البصرة على سليمان بن علي فلما دخل إليه مت بصحبته عبد الله بن جعفر ودعوته في بني هاشم وانقطاعه إلى حسين فقال له سليمان أنا عارف بكل ما قلته يا مالك ولكنك كما تعلم وأخاف أن تفسد علي أولادي وأنا واصلك ومعطيك ما تريد وجاعل لك شيئا أبعث به إليك ما دمت حيا في كل عام على أن تخرج عن البصرة وترجع إلى بلدك قال أفعل جعلني الله فداك فأمر له بجائزة وكسوة وحمله وزوده إلى المدينة
أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني محمد بن هارون بن جناح قال أخبرني يعقوب بن إبراهيم الكوفي عمن أخبره قال
دخلت المدينة حاجا فدخلت الحمام فبينا أنا فيه إذ دخل صاحب الحمام فغسله ونظفه ثم دخل شيخ أعمى له هيئة مؤتزر بمنديل أبيض فلما جلس خرجت إلى صاحب الحمام فقلت له من هذا الشيخ قال هذا مالك بن أبي السمح المغني فدخلت عليه فقلت له يا عماه من أحسن الناس غناء فقال يابن أخي على الخبير سقطت أحسن الناس غناء أحسنهم صوتا

أخبرني عمي قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني أبو يحيى العبادي عن إسحاق قال
كان فتية من قريش جلوسا في مجلس فمر بهم مالك بن أبي السمح فقال بعضهم لبعض لو سألنا مالكا فغنانا صوتا فقام إليه بعضهم فسأله النزول عندهم فعدل إليهم فسألوه أن يغنيهم فقال نعم والله بالحب والكرامة ثم اندفع يغني أوقع بالمقرعة على قربوس سرجه فرفع صوته فلم يقدر ثم خفضه فلم يقدر فجعل يبكي ويقول واشباباه
أخبرني عمي قال حدثني هارون بن محمد عن الزبير بن بكار عن عمه عن جده أنه كان في هؤلاء الفتية الذين كانوا سألوه الغناء وذكر باقي الخبر مثل ما ذكره إسحاق

مالك وعجاجة المخنث
أخبرني عمي قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال حدثني صالح بن أبي الصقر قال
قدم مالك بن أبي السمح المغني البصرة فلقيه عجاجة المخنث وكان أشهر من بها من المخنثين وقال له فديتك يا أبا الوليد إني كنت أحب أن ألقاك وأن أعرض عليك صوتا من غنائك أخذته عن بعض المخنثين فإن رأيت أن تنزل عندي فعلت فنزل مالك عنده فبسط له المخنث جرد قطيفة كانت عنده فجلس ثم أخذ عجاجة الدف فغنى

( حَبّ إنّ الخمارَ كان عليها ... شاهداً يوم زارتِ الجَوْشَنِيَّه )
( قد سَبَتْه بِدَلّها حين جاءت ... تَتَهادَى في مِشْيةٍ بَخْتَرِيَّه )
فجعل مالك يقول له ويلك من قال هذا لعنة الله ويحك من غنى هذا قبحه الله ويحك من روى عني هذا أخزاه الله ثم قام فركب وهو يضحك عجبا من عجاجة
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن جناح قال حدثني مصعب بن عثمان قال حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير قال حدثني مالك بن أبي السمح قال
قدمنا على يزيد بن عبد الملك أول قدومنا عليه مع معبد وابن عائشة فغنيناه ليلة فأطربناه فأمر لكل واحد منا بألف دينار وكتب لنا بها إلى كاتبه فغدونا عليه بالكتاب فلما رآه أنكره وقال أيؤمر لمثلكم بألف دينار ألف دينار لا والله ولا حبا ولا كرامة
فرجعنا إلى يزيد فأخبرناه بمقالته وكررنا عليه فقال كأنه استنكر ذلك فقلنا نعم فقال مثله والله يستنكره ودعاه فلما حضر ورآنا عنده استأمره فيها فأطرق مستحييا وقال له إني قد قلتها لهم ولا يجمل أن أرجع عما قلت ولكن قطعها

عليهم
قال مالك فمات والله يزيد وقد بقي لكل واحد منا أربعمائة دينار
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد قال قرأت على أبي وحدثنا الحسن بن محمد قال
لما انهزم عبد الله بن علي من أبي مسلم قدم البصرة وكان عند سليمان بن علي وكان مالك بن أبي السمح يومئذ بها فاستزاره جعفر ومحمد فزارهما وغناهما مالك في جوف الليل في دار سليمان بن علي وبلغ الخبر سليمان فدخل عليهم فعذل جعفرا ومحمدا وقال نحن نتوقع الطامة الكبرى وأنتم تسمعون الغناء فقالا ألا تجلس وتسمع ففعل فغناهم مالك

صوت
( ما كنتُ أوّلَ مَنْ خاسَ الزمانُ به ... قد كنتُ ذا نَجْدةٍ أُخْشَى وذا باسِ )
( أَبلِغْ أبا معبدٍ عنّي وإخوتَهَ ... شوقي إليهم وأحزانِي ووَسْوَاسِي )
فخرج وتركهم ولم ينكر عليهم شيئا
الحسين بن عبد الله يمدح مالكا
وفي مالك بن أبي السمح يقول الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس
صوت
( لا عيشَ إلا بمالكِ بن أبي السّمح ... فلا تَلْحَنِي ولا تَلُمِ )

( أبيضُ كالبدر أو كما يَلْمَع البارقُ ... في حالكٍ من الظُّلمَ )
( مَنْ ليس يَعصِيكَ إن رَشَدتَ ولا ... يَهتِكُ حقَّ الإِسلام والحُرَم )
( يُصيبُ من لَذّة الكريم ولا ... يَجهَلُ آي الترخيص في اللَّمَم )
( يارُبَّ ليلٍ لنا كحاشية البُردِ ... ويومٍ كذاكَ لم يَدُم )
( نَعِمتُ فيه ومالكَ بنَ أبي السمح ... الكريمَ الأخلاقِ والشّيمَ )
غناه مالك في الأول والثاني والثالث رملا بالبنصر في مجراها فيقال إن مالكا قال له لا والله ولا إن غويت أيضا أعصيك ذكر ذلك الزبير عن عمه مصعب
ويقال إنه قال هذه المقالة للوليد بن يزيد فسر بذلك وأجزل صلته

غناؤه الوليد بن يزيد
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد قال حدثني أبي قال قال ابن الكلبي
قال الوليد بن يزيد لمعبد قد آذتني ولولتك هذه وقال لابن عائشة قد آذاني استهلالك هذا فانظر لي رجلا يكون مذهبه متوسطا بين مذهبيكما فقالا له مالك بن أبي السمح فكتب في إشخاصه إليه وسائر مغني الحجاز المذكورين فلما قدم مالك على الوليد بن يزيد فيمن معه من المغنين نزل على الغمر بن يزيد فأدخله على الوليد فغناه فلم يعجبه فلما انصرف الغمر قال له إن أمير المؤمنين لم يعجبه شيء من غنائك فقال له

جعلني الله فداك اطلب لي الإذن عليه مرة واحدة فإن أعجبه شيء مما أغنيه وإلا انصرفت إلى بلادي
فلما جلس الوليد في مجلس اللهو ذكره الغمر وطلب له الإذن وقال له إنه هابك فحضر قال فأذن له فبعث إليه فأمر مالك الغلام فسقاه ثلاث صراحيات صرفا فخرج حتى دخل عليه يخطر في مشيته
وقال غير ابن الكلبي إنه قال لفراش للوليد اسقني عسا من شراب ولك دينار فسقاه إياه وأعطاه الدينار ثم قال له زدني آخر فأزيدك آخر ففعل حتى شرب ثلاثة ثم دخل على الوليد يخطر في مشيته فلما بلغ باب المجلس وقف ولم يسلم وأخذ بحلقة الباب فقعقعها ثم رفع صوته فغنى
( لا عَيْشَ إلا بمالكِ بنِ أبي السمْح ... فلا تَلْحَنِي ولا تَلُمِ )
فطرب الوليد ورفع يديه حتى بدا إبطاه إليه مادا لهما وقام فاعتنقه قائما وقال له ادن يابن أخي فدنا حتى اعتنقه ثم أخذ في صوته ذلك فلم يزالوا فيه أياما وأجزل صلته حين أراد الانصراف
قال ولما أتى مالك على قوله
( أبْيضُ كالسيف أو كما يَلْمَعُ البارقُ ... في حالِكٍ من الظُّلَمِ )
قال له الوليد
( أحْولُ كالقِرْد أو كما يَرْقُبُ السارقُ ... في حالكٍ من الظُّلَمِ )

مالك يأخذ غناء الناس وأصواتهم
وكان مالك طويلا أجنى فيه حول وقد قال قوم إن مالكا لم يصنع لحنا قط غير هذا أعني لا عيش إلا بمالك بن أبي السمح وإنه كان يأخذ غناء الناس فيزيد فيه وينقص منه وينسبه الناس إليه وكان إسحاق ينكر ذلك غاية الإنكار ويقول غناء مالك كله مذهب واحد لا تباين فيه ولو كان كما يقول الناس لاختلف غناؤه وإنما كان إذا غنى ألحان معبد الطوال خففها وحذف بعض نغمها وقال أطاله معبد ومططه وحذفته أنا وحسنته فأما ألا يكون صنع شيئا فلا
أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد قرأت على أبي وذكر بكار بن النبال
أن الوليد قال لمالك هل تصنع الغناء قال لا ولكني أزيد فيه وأنقص منه فقال له فأنت المحلي إذا
قال إسحاق وذكر الحسن بن عتبة اللهبي عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهاشمي الحارثي الذي يقال له سنابل وفيه يقول الشاعر
( فإن هي ضَنَّتْ عنكَ أو حِيل دونَها ... فدَعْها وقُلْ في ابن الكرامِ سَنَابِلِ )
قال خرجت من مكة أريد أبا العباس أمير المؤمنين فمررت على المدينة فحملت معي مالك بن أبي السمح فسألته يوما عن بعض ما ينسب إليه من الغناء فقال يا أبا الفضل عليه وعليه إن كان غنى صوتا قط ولكني آخذه وأحسنه وأهيئه وأطيبه فأصيب ويخطئون فينسب إلي
قال إسحاق وليس الأمر هكذا لمالك صنعة كثيرة حسنة وصنعته تجري في أسلوب واحد ويشبه بعضها بعضا ولو كان كما قيل لاختلف غناؤه
وقد قيل إن مالكا كان ينتفي من الصنعة لأن أكثر الأشراف هناك كانوا ينكرون

عليه فكان يتبذل به عند من يراه وينكره عند من يذمه لمحله في بني هاشم
وأخبرني بخبر سنابل هذا محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني حمزة بن عتبة اللهبي عن سنابل فذكر الخبر وخالف ما رواه إسحاق أن الحسن بن عتبة حدثه وحكاه عن حمزة بن عتبة أخيه
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن هشام بن الكلبي عن أبيه عن محمد بن يزيد الليثي قال
سئل مالك بن أبي السمح عن صنعته في
( لاحَ بالدَّيْر من أُمامةَ نارُ ... )
فقال أخذته والله من خربنده بالشأم يسوق أحمرة فكان يترنم بهذا اللحن بلا كلام فأخذته فكسوته هذا الشعر
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
نزل مالك بن أبي السمح عند رجل بمكة مخزومي وكان له غلام حائك فأتاه آت فقال أما سمعت غناء غلامك الحائك قال لا أويغني قال نعم بشعر لأبي دهبل الجمحي فبعث إليه فأتاه فقال تغنه فقال ما أحسن ذاك إلا على حفي فخرج مولاه ومعه مالك إلى بيته فلما جلس على حفه تغنى

( تطاولَ هذا الليلُ ما يَتبلَّجُ ... )
فأخذه مالك عنه وغناه فنسبه الناس إليه وكان يقول والله ما غنيته قط ولا غناه إلا الحائك

نسبة هذين الصوتين
صوت
( لاحَ بالدَّيْر من أُمامةَ نارُ ... لمحبٍّ له بيَثْرِبَ دارُ )
( قد تَراها ولو تشاءُ من القُرْب ... لأغناكَ عن نَدَاها السِّرَارُ )
الشعر للأحوص ويقال إنه لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت
والغناء لمالك بن أبي السمح ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر
وفيه لحن لمعبد ذكره إسحاق
صوت
( تَطَاوَلَ هذا الليلُ ما يَتَبَلَّجُ ... وأعيتْ غَوَاشِي سَكْرَتِي ما تَفَرّجُ )
( أبيتُ بِهَمٍّ ما أنامُ كأنما ... خِلالَ ضُلوعِي جمرةٌ تَتَوهّج )
( فَطَوْراً أُمنّي النفسَ من تُكْتَمَ المُنَى ... وطوراً إذا ما لجّ بي الحبُّ أَنْشِج )
عروضه من الطويل الشعر لأبي دهبل والغناء لمالك بن أبي السمح

ثقيل أول بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جده قال
قال ابن عائشة حضرت الوليد بن يزيد يوم قتل وكان معنا مالك بن أبي السمح وكان من أحمق الناس فلما قتل الوليد قال اهرب بنا فقلت وما يريدون منا قال وما يؤمنك أن يأخذوا رأسينا فيجعلوا رأسه بينهما ليحسنوا أمرهم بذلك قال ابن عائشة فما رأيت منه عقلا قط قبل ذلك اليوم
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال الزبير بن بكار حدثتني ظبية قالت رأيت مالك بن أي السمح وهو على منامته يلقي على ابنه وقد كبر وانقطع

صوت
( اِعتادَ هذا القلبَ بَلْبالُهُ ... إذ قُرّبتْ للبيْنِ أَجمالُهُ )
( خَوْدٌ إذا قامتْ إلى خِدْرها ... قامت قَطُوفُ المَشْيِ مِكْسالُهُ )
( تَفْتَرُّ عن ذي أُشُرٍ باردٍ ... عَذْبٍ إذا ما ذِيقَ سَلْسالُهُ )
الشعر لعمر بن أبي ربيعة ولمالك بن أبي السمح فيه ثلاثة ألحان خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى وثقيل أول بالوسطى في مجراها جميعا عن إسحاق وخفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وقيل إنه

لابن سريج وفيه رمل ينسب إلى ابن جامع وابن سريج

شعر في رثائه
أخبرني وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال أبو عبيدة سمعت منشدا ينشد لنفسه يرثي مالكا بهذه القصيدة
( يا مالُ إني قَضَتْ نفسي عليكَ وما ... بيني وبينَكَ من قُرْبَى ولا رَحِمِ )
( إلا الذي لك في قَلْبي خُصِصتَ به ... من المودّة في سِتْرٍ وفي كَرَم )
قال إسحاق قال أبو عبيدة هو مالك بن أبي السمح انقضت أخباره
صوت من المائة المختارة
من رواية هارون بن الحسن بن سهل وابن المكي وأبي العبيس ومن روى جحظة عنه
( فإلاّ تَجَلّلها يُعالُوكَ فوقها ... وكيف تَوَقَّى ظهرَ ما أنتَ راكبُهْ )
( همُ قتلوه كي يكونوا مكانَه ... كما غَدرتْ يوماً بكسرى مَرَازِبُهْ )
( بني هاشمٍ رُدُّوا سِلاَح ابنِ أُختِكم ... ولا تَنْهَبُوه لا تَحِلُّ مَناهِبُهْ )
عروضه من الطويل
البيت الأول من الشعر لرجل من بني نهد

جاهلي وباقي الأبيات للوليد بن عقبة بن أبي معيط
والغناء لابن محرز ولحنه من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن يونس وإسحاق وهو اللحن المختار
وفيه للغريض ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيه لمعبد ثقيل أول آخر مطلق في مجرى الوسطى عن عمرو وعن الهشامي
وفيه لسلسل في الثاني والثالث ثقيل أول بالبنصر عن حبش
وفيه لعطرد خفيف ثقيل

خبر النهدي في هذا الشعر وخبر الوليد بن عقبة وقد مضى نسبه في أول الكتاب
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عمي عن ابن الكلبي عن أبيه عن عبد الرحمن المدائني وكان عالما بأخبار قومه قال وحدثنيه أبو مسكين أيضا قالا
كان الحارث بن مارية الغساني الجفني مكرما لزهير بن جناب الكلبي ينادمه ويحادثه فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما حزن وسهل ابنا رزاح وكان عندهما حديث من أحاديث العرب فاجتباهما الملك ونزلا بالمكان الأثير منه فحسدهما زهير بن جناب فقال أيها الملك وهما والله عين لذي القرنين عليك يعني المنذر الأكبر جد النعمان ابن المنذر وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك قال كلا فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره وكان إذا ركب يبعث إليهما ببعيرين يركبان معه فبعث إليهما بناقة واحدة فعرفا الشر فلم يركب أحدهما وتوقف فقال له الآخر
( فإلاّ تَجَلَّلْها يُعالُوكَ فَوْقَها ... وكيف تَوَقَّى ظهرَ ما أنتَ راكِبُهْ )
فركبها مع أخيه ومضى بهما فقتلا ثم بحث عن أمرهما بعد ذلك

فوجده باطلا فشتم زهيرا وطرده فانصرف إلى بلاد قومه وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك وكان شيخا عالما مجربا فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنيه وبلغ زهيرا مكانه فدعا ابنا له يقال له عامر وكان من فتيان العرب لسانا وبيانا فقال له إن رزاحا قد قدم على الملك فالحق به واحتل في أن تكفينيه وقال له اذممني عند الملك ونل مني وأثر به آثارا فخرج الغلام حتى قدم الشأم فتلطف للدخول على الملك حتى وصل إليه فأعجبه ما رأى منه فقال له من أنت قال أنا عامر بن زهير بن جناب قال فلا حياك الله ولا حيا أباك الغادر الكذوب الساعي فقال الغلام نعم فلا حياه الله أنظر أيها الملك ما صنع بظهري وأراه آثار الضرب فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه فبينا هو يحدثه يوما إذ قال له أيها الملك إن أبي وإن كان مسيئا فلست أدع أن أقول الحق قد والله نصحك أبي ثم أنشأ يقول
( فيا لكِ نَصْحةً لمّا نَذُقْها ... أراها نصحةً ذهبت ضلالا )
ثم تركه أياما وقال له بعد ذلك أيها الملك ما تقول في حية قد قطع ذنبها وبقي رأسها قال ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع قال أبيت اللعن والله ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما فقال له وما آية ذلك قال اسقه الخمر ثم ابعث إليه عينا يأتك بخبره فلما انتشى صرفه إلى قبته ومعه بنت له وبعث عليه عيونا فلما دخل قبته قامت إليه ابنته تسانده فقال
( دَعِيني من سِنادِكِ إنّ حَزْناً ... وسَهْلاً ليس بعدهما رُقودُ )
( أَلا تَسَلِين عن شِبْلَيّ ماذا ... أصابهما إذا اهْتَرش الأُسُودُ )
( فإنّي لو ثأرتُ المرءَ حَزْناً ... وسَهْلاً قد بدا لكِ ما أُريد )
فرجع القوم إلى الملك فأخبروه بما سمعوا فأمر بقتل النهدي رزاح ورد زهيرا إلى موضعه

وقد أنشدني محمد بن العباس اليزيدي قال أنشدنا محمد بن حبيب أبيات الوليد هذه على الولاء وهي
( ألاَ مَن لِلَيْلٍ لا تَغُور كواكبُهْ ... إذا لاح نجمٌ لاح نجم يراقبه )
( بني هاشم رُدّوا سلاحَ ابن اختكم ... ولا تَنْهبوه لا تَحِلُّ مناهِبُهْ )
( بني هاشم لا تَعْجَلوا بإقادةٍ ... سواءٌ علينا قاتِلوه وسالِبُهْ )
( فقد يُجْبَر العظُم الكسير ويَنْبرِي ... لذي الحقّ يوماً حقُّه فيطالبُهْ )
( وإنّا وإيّاكم وما كان منكم ... كصَدْع الصَّفا لا يَرْأَبُ الصَّدعَ شاعِبُهْ )
( بني هاشم كيف التعاقُد بيننا ... وعند عليٍّ سيفُه وحَرائِبُهْ )
( لعَمْرُكَ لا أنسى ابنَ أَرْوَى وقتلَه ... وهل ينسيَنّ الماءَ ما عاش شارِبُهْ )
( همُ قتلوه كي يكونوا مكانَه ... كما غَدَرتْ يوماً بكسْرَى مَرازِبُهْ )
( وإنِّي لمجتابٌ إليكم بجحفلٍ ... يُصِمُّ السَّميعَ جَرْسُه وجَلائبُهْ )
وقد أجاب الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب الوليد عن هذه الأبيات وقيل بل أبوه العباس بن عتبة المجيب له أيضا
والجواب

صوت
( فلا يسألونا بالسلاح فإنه ... أُضِيع وألقاه لَدى الرَّوْع صاحبُهْ )
( وشبَّهْتَه كسرى وقد كان مثلُه ... شبيهاً بكسرى هَدْيُه وعصائبُهْ )

ذكر أحمد بن المكي أن لابن مسجح فيه لحنا وأن لحنه من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى وقال غيره إنه من منحول أبيه يحيى إلى ابن مسجح

ذكر باقي خبر الوليد بن عقبة ونسبه
الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد مضى نسبه مع أخبار ابنه أبي قطيفة
ويكنى الوليد أبا وهب
وهو أخو عثمان بن عفان لأمه أمهما أروى بنت كريز وأمها البيضاء بنت عبد المطلب
وكان من فتيان قريش وشعرائهم وشجعانهم وأجوادهم وكان فاسقا وولي لعثمان رضي الله عنه الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص فشرب الخمر وشهد عليه بذلك فحده وعزله
وهو الذي يقول يرثي عثمان رضي الله عنه ويحرض معاوية
( والله ما هندٌ بأُمِّك إن مضى النهارُ ... ولم يَثْأر لعثمان ثائرُ )
( أيقتُل عبدُ القوم سيِّدَ أهلِه ... ولم تقتلوه ليت أمَّكَ عاقرُ )
( وإنا متى نقتلْهمُ لا يُقِدْ بهم ... مُقِيدٌ فقد دارت عليك الدوائر )

منزلته عند عثمان رض
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال
لم يكن يجلس مع عثمان رضي الله عنه على سريره إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن أبي العاصي والوليد بن عقبة فأقبل الوليد يوما فجلس ثم أقبل الحكم فلما رآه عثمان زحل له عن مجلسه فلما قام الحكم قال له الوليد والله يا أمير المؤمنين لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت عمك على ابن أمك

فقال له عثمان رضي الله تعالى عنه إنه شيخ قريش فما البيتان اللذان قلتهما قال قلت
( رأيت لعمّ المرء زُلْفَى قرابةٍ ... دُوَيْن أخيه حادثاً لم يكن قِدْمَا )
( فأمّلتُ عَمْراً أن يَشِبّ وخالدا ... لكي يدعُواني يوم مَزْحمةٍ عمّا )
يعني عمرا وخالدا ابني عثمان
قال فرق له عثمان وقال له قد وليتك العراق يعني الكوفة

الوليد بن عقبة وسعد بن أبي وقاص
أخبرني أحمد قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني بعض أصحابنا عن ابن دأب قال
لما ولي عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة الكوفة قدمها وعليها سعد ابن أبي وقاص فأخبر بقدومه فقال وما صنع قال وقف في السوق فهو يحدث الناس هناك ولسنا ننكر شيئا من شأنه فلم يلبث أن جاءه نصف النهار فاستأذن على سعد فأذن له فسلم عليه بالإمرة وجلس معه فقال له سعد ما أقدمك أبا وهب قال أحببت زيارتك قال وعلى ذلك أجئت بريدا قال أنا أرزن من ذلك ولكن القوم احتاجوا إلى عملهم فسرحوني إليه وقد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة فمكث طويلا ثم قال لا والله ما أدري أصلحت بعدنا أم فسدنا بعدك ثم قال
( خُذيني فجُرِّيني ضِباعُ وأَبْشِري ... بلحم امرئٍ لم يَشهد اليوم ناصرُهْ )
فقال أما والله لأنا أقول للشعر وأروى له منك ولو شئت لأجبتك ولكني أدع ذلك لما تعلم نعم والله قد أمرت بمحاسبتك والنظر في أمر عمالك ثم بعث إلى عماله فحبسهم وضيق عليهم فكتبوا إلى سعد

يستغيثون فكلمه فيهم فقال له أو للمعروف عندك موضع قال نعم والله فخلى سبيلهم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر قال حدثنا جناد بن بشر قال حدثني جرير عن مغيرة بنحوه
قال أبو زيد عمر بن شبة أخبرنا أبو بكر الباهلي قال حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب
أنه لما قدم على سعد قال له سعد ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك فقال لا تجزعن أبا إسحاق فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون فقال له سعد أراكم والله ستجعلونه ملكا
أخبرني أحمد قال حدثني عمر قال حدثني المدائني عن بشر بن عاصم عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال
قدم الوليد بن عقبة عاملا لعثمان على الكوفة وعبد الله بن مسعود على بيت المال وكان سعد قد أخذ مالا فقال الوليد لعبد الله خذه بالمال فكلمه عبد الله بمحضر من الوليد في ذلك فقال سعد آتي أمير

المؤمنين فإن أخذني به أديته
فغمز الوليد عبد الله ونظر إليهما سعد فنهض وقال فعلتماها ودعا الله أن يغري بينهما وأدى المال
أخبرني أحمد قال حدثني عمر بن شبة قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال صلى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة الغداة أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال أأزيدكم فقال عبد الله بن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم
أخبرني أحمد قال حدثني عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا جرير عن الأجلح عن الشعبي في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه قال قال الحطيئة
( شهد الحطيئةَ يوم يلقى ربَّه ... أنّ الوليدَ أحقّ بالعُذرِ )
( نادى وقد تمّت صلاتُهم ... أأزيدكم سُكراً وما يدري )
( فأبَوْا أبا وَهْب ولو أذِنوا ... لقَرَنْتَ بين الشفع والوِتْر )
( كَفُّوا عِنانَك إذ جريتَ ولو ... تركوا عِنانك لم تزل تجري )
وقال الحطئية أيضا

( تكلّم في الصلاة وزاد فيها ... عَلانِيَةً وجاهر بالنِّفاقِ )
( ومجّ الخمرَ في سَنَن المُصلّى ... ونادى والجميعُ إلى افتراق )
( أزيدكُم على أن تحمَدُوني ... وما لكُم ومالي من خَلاق )

صلى بالناس وهو مخمور فضرب الحد
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال حماد بن إسحاق حدثني أبي قال ذكر أبو عبيدة وهشام بن الكلبي والأصمعي قالوا
كان الوليد بن عقبة زانيا شريب خمر فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع فصلى بهم أربع ركعات ثم التفت إليهم وقال لهم أزيدكم وتقيأ في المحراب وقرأ بهم في الصلاة وهو رافع صوته
( عَلِق القلبُ الرَّبابَا ... بعد ما شْابَتْ وشابا )
فشخص أهل الكوفة إلى عثمان فأخبروه خبره وشهدوا عليه بشربه الخمر فأتي به فأمر رجلا بضربه الحد فلما دنا منه قال له نشدتك الله وقرابتي من أمير المؤمنين فتركه فخاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يعطل الحد فقام إليه فحده فقال له الوليد نشدتك بالله وبالقرابة فقال له علي اسكت أبا وهب فإنما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود فضربه وقال لتدعوني قريش بعد هذا جلادها
قال إسحاق فأخبرني مصعب الزبيري قال قال الوليد بن عقبة بعد ما جلد اللهم إنهم شهدوا علي

بزور فلا ترضهم عن أمير ولا ترض عنهم أميرا
فقال الحطيئة يكذب عنه
( شهِد الحُطَيئةُ يومَ يلقى ربَّه ... أنّ الوليد أحقُّ بالعُذْرِ )
( خلَعْوا عِنَانَك إذ جربتَ ولو ... تركوا عِنانَك لم تَزَل تَجْري )
( ورأَوْا شمائلَ ماجدٍ أَنِفٍ ... يُعْطِي على الميسور والعُسْر )
( فنُزِعتَ مكذوباً عليك ولم ... تَنْرِعْ إلى طمَع ولا فقر )
فقال رجل من بني عجل يرد على الحطيئة
( نادَى وقد تَمّتْ صَلاتُهُم ... أأزيدكم ثَمِلاً وما يَدْرِي )
( لِيزيدَهم خَيْراً ولو قَبِلوا ... لقَرَنْتَ بين الشَّفْع والوتر )
( فأَبَوْا أبا وَهْب ولو فعلوا ... وصلتْ صَلاتُهُم إلى العَشْر )
وروى العباس بن ميمون طائع عن ابن عائشة قال حدثني أبي قال
لما أحضر عثمان رضي الله عنه الوليد لأهل الكوفة في شرب الخمر حضر الحطيئة فاستأذن على عثمان وعنده بنو أمية متوافرون فطمعوا أن يأتي الوليد بعذر فقال
( شَهِد الحُطَيئةُ يوم يلقى ربَّه ... أنّ الوليد أحقُّ بالعذرِ )
( خلعوا عِنانَك إذ جريتَ ولو ... تركوا عِنانك لم تزل تجري )
( ورأَوْا شمائل ماجدٍ أَنِفٍ ... يُعطي على الميسور والعُسر )
( فنُزعتَ مكذوباً عليك ولم ... تَنزِع إلى طمع ولا فقر )
قال فسروا بذلك وظنوا أن قد قام بعذره فقال رجل من بني عجل يرد على الحطيئة

( نادى وقد تَمّتْ صَلاتُهُم ... أأزيدكم ثَمِلاً وما يَدْرِي )
( فأَبَوْا أبا وَهْبٍ ولو فعلوا ... وصلتْ صلاتُهمُ إلى العَشْر )
فوجم القوم وأطرقوا فأمر به عثمان رضي الله تعالى عنه فحد
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن الفضل من حفظه قال حدثنا عمر بن شبة من حفظه ونسخت من كتاب لهارون بن الزيات بخطه عن عمر بن شبة وروايته أتم فحكيت لفظه قال
شهد رجل عند أبي العجاج وكان على البصرة على رجل من المعيطيين شهادة وكان الرجل الشاهد سكران فقال المشهود عليه وهو المعيطي أعزك الله إنه لا يحسن أن يقرأ من السكر فقال الشاهد بلى إني لأحسن فقال اقرأ فقال
( عَلِق القلبُ الرَّبابا ... بعد ما شابت وشابا )
قال وإنما تماجن بذلك على المعيطي ليحكي به ما صنع الوليد بن عقبة في محراب الكوفة وقد تقدم للصلاة وهو سكران فأنشد في صلاته هذا الشعر وكان أبو العجاج محمقا فظن أن هذا قرآن فقال صدق الله ورسوله ويلكم فلم تعلمون ولا تعملون
ولقد روي أيضا في الشهادة على الوليد في السكر غير ما ذكر من زيادته في الصلاة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال عرضت على المدائني عن مبارك بن سلام عن فطر بن خليفة عن أبي الضحى قال
كان أبو زينب الأزدي وأبو مورع يطلبان عثرة الوليد بن عقبة فجاءا

يوما فلم يحضر الصلاة فسألا عنه وتلطفا حتى علما أنه يشرب فاقتحما عليه الدار فوجداه يقيء فاحتملاه وهو سكران فوضعاه على سريره وأخذا خاتمه من يده فأفاق فافتقد خاتمه فسأل عنه فقالوا لا ندري وقد رأينا رجلين دخلا الدار فاحتملاك فوضعاك على سريرك فقال صفوهما لي فقالوا أحدهما آدم طويل حسن الوجه والآخر عريض مربوع عليه خميصة فقال هذا أبو زينب وأبو مورع
ولقي أبو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي وعلقمة بن يزيد البكري وغيرهما فأخبراهم فقالوا اشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه فقال بعضهم لا يقبل قولنا في أخيه فشخصوا إليه وقالوا إنا جئناك في أمر ونحن مخرجوه إليك من أعناقنا وقد قلنا إنك لا تقبله قال وما هو قالوا رأينا الوليد وهو سكران من خمر قد شربها وهذا خاتمه أخذناه وهو لا يعقل فأرسل إلى علي رضي الله تعالى عنه فشاوره فقال أرى أن تشخصه فإن شهدوا عليه بمحضر منه حددته فكتب عثمان رضي الله تعالى عنه إلى الوليد بن عقبة فقدم عليه فشهد عليه أبو زينب وأبو مورع وجندب الأسدي وسعد بن مالك الأشعري ولم يشهد عليه إلا يمان فقال عثمان لعلي قم فاضربه فقال علي للحسن قم فاضربه فقال الحسن مالك ولهذا يكفيك غيرك فقال علي لعبد الله بن جعفر قم فاضربه فضربه بمخصرة فيها سير له رأسان فلما بلغ أربعين قال له علي حسبك

ما وقع بين عثمان وعائشة بسببه
أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال أكلما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم فاستجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال أما يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة فسمعت فرفعت نعل رسول الله وقالت تركت سنة رسول الله صاحب هذه النعل فتسامع الناس فجاؤوا حتى ملؤوا المسجد فمن قائل أحسنت ومن قائل ما للنساء ولهذا حتى تحاصبوا و تضاربوا بالنعال ودخل رهط من أصحاب رسول الله على عثمان فقالوا له اتق الله ولا تعطل الحد واعزل أخاك عنهم فعزله عنهم
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا المدائني عن أبي محمد الناجي عن مطر الوراق قال
قدم رجل المدينة فقال لعثمان رضي الله عنه إني صليت الغداة خلف الوليد بن عقبة فالتفت إلينا فقال أأزيدكم إني أجد اليوم نشاطا وأنا أشم منه رائحة الخمر فضرب عثمان الرجل فقال الناس عطلت الحدود وضربت الشهود
أخبرني أحمد قال حدثني عمر قال حدثنا أبو بكر الباهلي عن بعض من حدثه قال
لما شهد على الوليد عند عثمان بشرب الخمر كتب إليه يأمره

بالشخوص فخرج وخرج معه قوم يعذرونه فيهم عدي بن حاتم فنزل الوليد يوما يسوق بهم فقال يرتجز
( لا تحسَبنّا قد نَسِينا الإِيجافْ ... والنَّشَوَات من عَتيق أو صَافْ )
( وعَزْفَ قَيْناتٍ علينا عُزَّافْ ... )
فقال عدي إلى أين تذهب بنا أقم
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال عرضت على المدائني عن قيس بن الربيع عن الأجلح عن الشعبي عن جندب قال
كنت فيمن شهد على الوليد فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان ثم ذكر باقي خبره وضرب علي عليه السلام إياه وقول الحسن ما لك ولهذا فزاد فيه فقال له علي لست إذا مسلما أو من المسلمين
حدثنا إبراهيم بن عبد الله المخزومي قال حدثنا سعيد بن محمد المخزومي قال حدثنا ابن علية قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله

الداناج قال سمعت الحضين بن المنذر أبا ساسان يحدث وأخبرني أحمد ابن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة قال حدثنا عبد الله الداناج عن حضين أبي ساسان قال
لما جيء بالوليد بن عقبة إلى عثمان بن عفان وقد شهدوا عليه بشرب الخمر قال لعلي دونك ابن عمك فأقم عليه الحد فأمر به فجلد أربعين
ثم ذكر نحو هذا الحديث وقال فيه فقال علي للحسن بل ضعفت ووهنت وعجزت قم يا عبد الله بن جعفر فقام فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال علي أمسك جلد رسول الله أربعين وجلد أبو بكر أربعين وأتمها عمر ثمانين وكل سنة
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد ابن حكيم عن خالد بن سعيد قال

لما ضرب عثمان الوليد الحد قال إنك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاملا قابلا
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله قال أخبرني محمد ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد وأخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قالوا جميعا
كان أبو زبيد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة فلما شهد عليه بالسكر من الخمر وخرج من الكوفة قال أبو زبيد واللفظ في القصيدة لليزيدي لأنها في روايته أتم
( من يرى العِيرَ لابن أَرْوَى على ظهر ... المَرَوْرَى حُدَاتُهنّ عِجالُ )
( مُصْعِداتٍ والبيتُ بيتُ أبي وَهْبٍ ... خَلاءٌ تَحِنُّ فيه الشَّمال )
( يعرف الجاهلُ المُضَلّل أنّ الدهر ... فيه النَّكْراء والزَّلْزال )
( ليت شعري كذاكم العهدِ أم كانوا ... أُناساً كمن يزول فزالوا )
( بعد ما تَعْلمين يا أّمَّ زيدٍ ... كان فيهم عِزٌ لنا وجَمال )
( ووجوهٌ بوُدِّنا مِشرقاتٌ ... ونَوَالٌ إذا أُريد النَّوال )

( أصبح البيتُ قد تبدّل بالحيّ وجوهاً كأنّها الأَقْتالُ )
( كلُّ شيء يَحتال فيه الرجالُ ... غير أنْ ليس للمنايا احتيال )
( ولَعَمْرُ الإِلهِ لو كان للسيف ... مَصَالٌ أو للّسان مَقَال )
( ما تناسيتُك الصفاءَ ولا الودُّ ... ولا حال دونك الأشغال )
( ولحرَّمتُ لَحْمَك المُتَعَضَّى ... ضَلَّةً ضَلَّ حِلْمُهم ما اغتالوا )
( قولُهم شُرْبُك الحرامُ وقد كان ... شرابٌ سوى الحرام حَلال )
( وأبَى الظّاهرُ العداوةِ إلاّ ... شَنَاناً وقولَ ما لا يُقال )
( من رجالٍ تَقارضوا مُنْكَراتٍ ... ليَنَالوا الذي أرادوا فناولوا )
( غيرَ ما طالِبين ذحْلاً ولكن ... مال دهرٌ على أُناس فمالوا )
( مَن يَخُنْك الصّفاءَ أو يتبدَّلْ ... أو يَزُلْ مثلَ ما تزولَ الضلال )
( فاعلمن أنّني أخوك أخو الودَّ ... حياتي حتى تزول الجبال )
( ليس بخلاً عليك عندي بمالٍ ... أبداً ما أَقَلَّ نعلاً قِبال )
( ولك النّصر باللسان وبالكفِّ ... إذا كان لليدين مَصَال )

نسبة ما في هذا الشعر من الغناء
صوت
( من يَرى العِيرَ لابن أَرْوَى على ظهر ... المَرَوْرَى حُداتُهنَ عِجالُ )
( مُصْعِداتٍ والبيتُ بيتُ أبي وَهْبٍ ... خلاءٌ تَحِنّ فيه الشَّمال )
عروضه من الخفيف
المرورى جمع مروراة وهي الصحراء
غنى الدلال فيه خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وغيره

أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال
لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة قدم عليه أبو زبيد فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد وهي دار القبطي فكان مما احتج به عليه أهل الكوفة أن أبا زبيد كان يخرج إليه من داره يخترق المسجد وهو نصراني فيجعله طريقا
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن أبي حبيب بن جبلة عن ابن الأعرابي
أن أبا زبيد وفد على الوليد حين استعمله عثمان على الكوفة فأنزله الوليد دارا لعقيل بن أبي طالب على باب المسجد فاستوهبها منه فوهبها له فكان ذلك أول الطعن عليه من أهل الكوفة لأن أبا زبيد كان يخرج من منزله حتى يشق الجامع إلى الوليد فيسمر عنده ويشرب معه ويخرج فيشق المسجد وهو سكران فذلك نبههم عليه

عمر يوليه صدقات بني تغلب
قال وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولى الوليد بن عقبة صدقات بني تغلب فبلغه عنه بيت قاله وهو
( إذا ما شَدَدْتُ الرأسَ مِنّي بِمِشْوَذٍ ... فغَيَّكِ مِنّي تَغْلِبَ بنةَ وائلِ )
فعزله
وكان أبو زبيد قد استودع بني كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر ابن حبيب بن غنم بن تغلب إبلا فلم يردوها عليه حين طلبها وكانت بنو تغلب أخوال أبي زبيد فوجد الوليد بني تغلب ظالمين لأبي زبيد فأخذ له الوليد بحقه فقال يمدح الوليد
( يا ليت شِعري بأنْباءٍ أُنَبَّؤُها ... قد كان يَعْيا بها صَدْري وتَقْديري )
( عن امرِىءٍ ما يَزِدْه اللهُ من شَرَفٍ ... أفرَحْ به ومُرّيُّ غيرُ مسرور )
يعني مري بن أوس بن حارثة بن لأم
وهي طويلة يقول فيها
( إنّ الوليدَ له عندي وحُقَّ له ... وُدُّ الخليلِ ونُصْحٌ غيرُ مَذْخورِ )
( لقد رعاني وأدناني وأظَهرني ... على الأعادي بنصرٍ غير تَعْذير )
( فشَذَّب القومَ عنّي غير مكترثٍ ... حتى تناهَوْا على رغم وتَصْغير )
( نفسي فداءُ أبي وَهْبٍ وقَلَّ له ... يا أُمَّ عمروٍ فحُلِّي اليومَ أو سِيرِي )
وفي رواية ابن حبيب يا أم زيد يعني يا أم أبي زبيد
أخبرني محمد بن العباس عن عمه عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال

كان الوليد بن عقبة قد استعمل الربيع بن مري بن أوس بن حارثة بن لأم الطائي على الحمى فيما بين الجزيرة وظهر الحيرة فأجدبت الجزيرة وكان أبو زبيد في تغلب فخرج بهم ليرعيهم فأبى عليه الأوسي وقال إن شئت أن أرعيك وحدك فعلت وإلا فلا فأتى أبو زبيد الوليد بن عقبة فأعطاه ما بين القصور الحمر من الشأم إلى القصور الحمر من الحيرة وجعله له حمى وأخذها من الآخر
هكذا روى ابن حبيب
وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال كانت الجنينة في يد مري بن أوس فلما قدم الوليد بن عقبة الكوفة انتزعها منه ودفعها إلى أبي زبيد
والقول الأول أصح وشعر أبي زبيد يدل عليه في قوله في الوليد بن عقبة يمدحه
( لَعَمرُ أبيك يابنَ أبي مُرَيٍّ ... لَغَيْرُك من أباح لها الدّيارا )
( أباح لها أَبارِقَ ذات نَوْر ... تَرَعَّى القَفّ منها والعَرارا )
( بحمد الله ثم فتى قريشٍ ... أبى وهبٍ غدتْ بُطُناً غِزَارا )
( أباح لها ولا يُحْمَى عليها ... إذا ما كنتمُ سَنةً جزارا )
يريد جزرا من الجدب والشدة
( فتىً طالت يداه إلى المعالي ... وطَحْطَحَتا المُقطَّعة القِصارا )
وهي أبيات

قال عمر بن شبة في خبره خاصة فلما عزل الوليد ووليها سعيد انتزعها منه وأخرجها من يده فقال
( ولقد مِتّ غير أنَّيَ حيُّ ... يوم بانت بودّها خنساءُ )
( من بني عامرٍ لها شِقُّ نفسي ... قسمةً مثلَ ما يُشقّ الرداء )
( أُشْرِبَتْ لونَ صُفرةٍ في بياضٍ ... وهي في ذاك لَدْنَةٌ غَيْداء )
( كلُّ عينٍ ممّن يراها من النّاس ... إليها مُديمةٌ حَوْلاء )
( فانتهُوا إن للشدائد أهلاً ... وذَرُوا ما تُزَيِّن الأهواء )
( ليتَ شعري وأين مِنِّي ليتٌ ... إنّ ليتاً وإنّ لوّاً عَناء )
( أيُّ ساعٍ سعى ليقطع شِربي ... حين لاحت للصابح الجَوْزاء )
( واستظلَّ العُصفور كَرْها مع الضبّ ... وأوفَى في عُوده الحِرْباء )
( ونفى الجُنْدُبُ الحصا بكُراعَيهِ ... وأذْكَت نيرانَها المَعْزاء )
( من سَمُوم كأنها حَرُّ نارٍ ... سَفَعتها ظَهيرةٌ غَرّاء )
( وإذا أهلُ بلدةٍ أنكروني ... عَرَفتْني الدَّوِّيَّةُ المَلْساءُ )
( عرفتْ ناقتي الشمائل منِّي ... فهي إلاّ بُغَامَها خَرْساء )
( عرَفَتْ ليلَها الطويلَ وليلي ... إنّ ذا الليلَ للعيون غِطاء )

نسبة ما يغنى فيه من هذا الشعر
صوت
( أيُّ ساعٍ سعى ليقطع شِرْبي ... حين لاحت للصابح الجَوْزاءُ )
( واستَكنّ العصفورُ كَرْها مع الضبِّ ... وأَوْفَى في عوده الحِرْباء )
( وإذا الدارُ أهلُها أنكَروني ... عَرفتني الدَّوِّيَّة المَلْساء )
( عرفتْ ناقتي الشمائلَ منّي ... فهي إلا بُغامَها خَرْساء )
( عرفتْ ليلَها الطويل وليلي ... إنّ ذا الليلَ للعيون غِطاء )
عروضه من الخفيف
غناه ابن سريج خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وغنى داود بن العباس الهاشمي في الخامس ثم الثالث خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو
قال ابن حبيب في خبره وقال أبو زبيدة يتشوق إلى الوليد لما خرج عن الكوفة
( لعَمْرِي لئن أَمْسَى الوليدُ ببلدةٍ ... سواي لقد أمسيتُ للدهر مُعْوِرا )
قال ابن حبيب ويروى سوي لقد وهي لغة طيىء
( خلا أنّ رزقَ الله غادٍ ورائحٌ ... وأنِّي له راجٍ وإن سِرتُ أشهرا )
( وكان هو الحصنَ الذي ليس مُسلِمي ... إذا أنا بالنكْرَاء هيّجتُ معشرا )
( إذا صادَفوا دوني الوليدَ كأنما ... يرون بوادي ذي حَمَاسٍ مُزَعْفَرا )
( خضيبَ بنان ما يزال براكب ... يَخُبّ وضاحِي جلدِه قد تقشَّرا )

وهي طويلة
حدثني إسحاق بن بنان الأنماطي قال حدثنا حبيش بن مبشر قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أناأحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة طعانا فقال له علي رضي الله تعالى عنه اسكت فإنما أنت فاسق فنزل القرآن ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد ابن حاتم قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله تعالى ( إن جاءكم فاسق بنبإٍ ) قال هذا ابن أبي معيط الوليد بن عقبة بعثه النبي إلى بني المصطلق مصدقا فلما رأوه أقبلوا نحوه

فهابهم فرجع إلى النبي فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام فبعث النبي خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاؤوه أخبروه بأنهم متمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى ما يعجبه فرجع إلى النبي فأخبره
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبيد الله ابن موسى قال حدثنا نعيم بن حكيم عن أبي مريم عن علي
أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي تشتكي الوليد وقالت إنه يضربها فقال لها " ارجعي وقولي إن رسول الله قد أجارني " فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت ما أقلع عني فقطع رسول الله هدبة من ثوبه ثم قال " امضي بهذا ثم قولي إن رسول الله أجارني " فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت يا رسول الله ما زادني إلا ضربا فرفع يديه وقال " اللهم عليك الوليد " مرتين أو ثلاثا

لم يمسسه النبي بسبب الخلوق
أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر بن شبة وحدثني أبو عبيد الصيرفي قال حدثني الفضل بن الحسن البصري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أيوب بن عمر قال حدثنا عمر بن أيوب قال حدثنا جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن أبي موسى عبد الله الهمداني
أن الوليد بن عقبة قال لما فتح رسول الله مكة جعل أهل مكة

يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة ويمسح على رؤوسهم فجيء بي إليه وأنا مخلق فلم يمسسني وما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق فلم يمسسني من أجل الخلوق
أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا خلف بن الوليد قال حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن
أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يريه كتيبتين تقتتلان فتحمل إحداهما على الأخرى فتهزمها فقال له الساحر أيسرك أن أريك هذه المنهزمة تغلب الغالبة فتهزمها قال نعم وأخبر جندب بذلك فاشتمل على السيف ثم جاء فقال أفرجوا فضربه حتى قتله ففزع الناس وخرجوا فقال يا أيها الناس لا عليكم إنما قتلت هذا الساحر لئلا يفتنكم في دينكم فحبسه قليلا ثم تركه
أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عمر بن سعيد الدمشقي وحدثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري
أن رجلا من الأنصار نظر إلى رجل يستعلن بالسحر فقال أو إن

السحر ليعلن به في دين محمد فقتله فأتي به الوليد بن عقبة فحبسه فقال له دينار بن دينار فيم حبست فأخبره فخلى سبيله فأرسل الوليد إلى دينار فقتله
أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا أبو عمران الجوني
أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة فجعل يدخل في جوف بقرة ويخرج منه فرآه جندب فذهب إلى بيته فاشتمل على سيف فلما دخل الساحر في جوف البقرة قال أتأتون السحر وأنتم تبصرون ثم ضرب وسط البقرة فقطعها وقطع الساحر في البقرة فانذعر الناس فسجنه الوليد وكتب بذلك إلى عثمان رضي الله عنه وكان السجان يفتح له الباب بالليل فيذهب إلى أهله فإذا أصبح دخل السجن

جندب بن كعب الأسدي
أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا حجاج بن نصير قال حدثنا قرة عن محمد بن سيرين قال
انطلق بجندب بن كعب إلى سجن خارج من الكوفة وعلى السجن رجل نصراني فلما رأى جندب بن كعب يصوم النهار ويقوم الليل قال النصراني والله إن قوما هذا شرهم لقوم صدق فوكل بالسجن رجلا ودخل

الكوفة فسأل عن أفضل أهل الكوفة فقالوا الأشعث بن قيس فاستضافه فجعل يرى أبا محمد ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه فخرج من عنده فسأل أي أهل الكوفة أفضل فقالوا جرير بن عبد الله فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه فاستقبل القبلة ثم قال ربي رب جندب وديني على دين جندب وأسلم
حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الخزاز عن المدائني عن علي ابن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن الزهري وغيره قالوا
لما انصرف رسول الله من غزوة بني المصطلق نزل رجل فساق بالقوم ورجز ثم نزل آخر فساق بالقوم ورجز ثم بدا لرسول الله أن يواسي أصحابه فنزل فجعل يقول " جندب وما جندب والأقطع الخير زيد فدنا منه أصحابه وقالوا يا رسول الله ما ينفعنا مشيك مخافة أن تلسعك دابة الأرض أو تصيبك نكبة فركب ودنوا منه فقالوا لقد قلت قولا ما ندري ما هو قال وما ذاك قالوا قولك جندب وما جندب والأقطع الخير زيد فقال رجلان يكونان في هذه الأمة يضرب أحدهما ضربة يفرق بين الحق والباطل وتقطع يد الآخر في سبيل الله فيتبع الله آخر

جسده بأوله " فكان زيد بن صوحان قطعت يده يوم جلولاء وقتل يوم الجمل مع علي
وأما جندب فإنه رجل دخل على الوليد بن عقبة وعنده ساحر يكنى أبا شيبان يأخذ أعين الناس فيخرج مصارين بطنه ثم يعيدها فيه فجاء من خلفه فقتله وقال
( اِلْعَنْ ولِيداً وأبا شَيْبَانِ ... وابنَ حُبَيْش راكبَ الشَّيطانِ )
( رسولَ فِرْعونَ إلى هامانِ ... )
عثمان ينزعه عن الكوفة
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثني ابن وهب عن يونس عن الزهري قال
نزع عثمان بن عفان الوليد بن عقبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص

قال أبو زيد فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن قال حدثنا سعيد بن جامع الهجيمي قال
لما أقبل سعيد من المدينة عامدا للكوفة بعد ما خرج واليا لعثمان جعل يرتجز في طريقه
( وَيْلَ نُسَيّاتِ العِراق منّي ... كأنني سَمَعْمَعٌ من جِنِّ )
أخبرني أحمد قال حدثني عمر قال حدثني المدائني عن أبي علقمة عن سعيد بن أشوع قال قال عدي بن حاتم
قدم سعيد بن العاص الكوفة فقال اغسلوا هذا المنبر فإن الوليد كان رجسا نجسا فلم يصعده حتى غسل عيبا على الوليد
وكان الوليد أسن منه وأسخى نفسا وألين جانبا وأرضى عندهم فقال بعض شعرائهم
( يا وَيْلَنا قد ذهب الوليدُ ... وجاءنا من بعده سيعدُ )
( ينقُص في الصّاع ولا يَزيدُ ... )
وقال آخر
( فَرَرتُ من الوليد إلى سَعيدٍ ... كأهل الحِجْر إذ جزِعوا فبارُوا )
( يَلِينا من قريش كلَّ عامٍ ... أميرٌ مُحْدَثٌ أو مستشار )
( لنا نارٌ تُحرِّقنا فَنْخشى ... وليس لهم فلا يَخْشَوْن نار )

أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر قال حدثنا المدائني قال
قدم الوليد بن عقبة الكوفة زائرا للمغيرة بن شعبة فأتاه أشراف أهل الكوفة يسلمون عليه فقالوا والله ما رأينا بعدك مثلك فقال أخيرا أم شرا فقالوا بل خيرا قال ولكني والله ما رأيت بعدكم شرا منكم فأعادوا الثناء عليه فقال بعض ما تثنون به فوالله إن بغضكم لتلف وإن حبكم لصلف
قال أبو زيد وذكروا أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده يا قبيصة ما كان شأنك وشأن الوليد فقال خيرا يا أمير المؤمنين في أول وصل الرحم وأحسن الكلام فلا تسألن عن الشكر وحسن الثناء ثم غضب على الناس وغضبوا عليه وكنا منهم فإما ظالمون فنستغفر الله وإما مظلومون فغفر الله له وخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين فإن الحديث ينسي القديم قال ولم فوالله لقد أحسن السيرة وبسط الخير وكف الشر قال فأنت أقدر على ذلك يا أمير المؤمنين منه فافعل قال اسكت لاسكت فسكت وسكت القوم فقال له ما لك لا تتحدث قال نهيتني عما كنت أحب فسكت عما أكره
أخبرني أحمد قال حدثني عمر قال حدثني المدائني قال

مات الوليد بن عقبة فويق الرقة ومات أبو زبيد فدفنا جميعا في موضع واحد
فقال في ذلك أشجع السلمي وقد مر بقبريهما
( مررتُ على عظامِ أبي زُبَيْدٍ ... وقد لاحتْ ببَلْقَعَةٍ صَلُودِ )
( وكان له الوليدُ نَدِيمَ صدْقٍ ... فنادَمَ قبرُه قبرَ الوليد )
( وما أدْرِي بمن تَبْدا المنايا ... بأحمدَ أو بأشجعَ أو يزيد )

الوليد يخرج غازيا للروم
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال
خرج الوليد بن عقبة غازيا للروم وعلى مقدمته عتبة بن فرقد فلقيه الروم فقاتلوه فقال له رجل من العرب نصراني لست على دينكم ولكني أنصحكم للنسب فالقوم مقاتلوكم إلى نصف النهار فإن رأوكم ضعفاء أفنوكم وإن صبرتم هربوا وتركوكم فقال سلمان بن ربيعة يا معشر المسلمين ما عذركم عند الله غدا إن أصيب عتبة بن فرقد وأصحابه ولم يعنهم أحد منكم فركب معه ثلاثة آلاف رجل على البغال يجنبون الخيل فلحقوا عتبة وأصحابه فقاتلوا معهم قتالا شديدا حتى هزم الله الروم
فقال الوليد بن عقبة

( أتاني من الفَجّ الذي كنتُ آمناً ... بقيَّةُ شُذَّاذٍ من الخيل ظُلَّع )
( عليها العبيدُ يضربون جُنُوبَها ... ونازَلَ منّا كُلُّ خِرْقٍ سَمَيْذَع )
( فإنِّي زعيمٌ أن تَصِيحَ نساؤهم ... صياحَ دَجَاجِ القرية المتوزِّع )
وقال الحطيئة يمدح الوليد بذلك وكان قد وصله وكان الوليد جوادا
( أرى لابن أرْوَى خَلَّتينِ اصطفاهما ... قِتالٌ إذا يَلْقَى العدوَّ ونائلُهْ )
( فتىً يملأ الشِّيزَى ويروَى بكفّه ... سِنانُ الرُّدَيْنّي الأصمِّ وعاملُهْ )
( يَؤُمُّ العدوَّ حيث كان بجَحْفَلٍ ... يُصِمُّ السميعَ جَرْسُه وصواهلُه )
( إذا حان منه مَنزِلُ الليل أُوْقِدَتْ ... لأُخْراه في أعلى اليَفَاع أَوائلُهْ )
( نَفَيْتَ الجِعادَ البِيضَ عن حُرِّدارهم ... فلم يَبْقَ إلا حيّةٌ أنت قاتلُهْ )
فقال الحليس بن نعيم النهدي يكذب الحطيئة
( وأبلغْ أبا وهبٍ إذا ما لَقيتَه ... فقد حاربتك الرومُ فيمن تُحارِبُ )
( وفي الأرض حَيَّاتٌ وأُسْدٌ كثيرةٌ ... عدوٌّ ولكنّ الحطيئةَ كاذب )

أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي ابن محمد عن أبي مخنف عن خالد بن قطن عن أبيه قال
لما قتل عثمان أرسل علي فأخذ كل ما كان في داره من السلاح وإبلا من إبل الصدقة فلذلك قال الوليد بن عقبة
( بني هاشم رُدُّوا سلاحَ ابنِ أُختكم ... ولا تَنْهَبوه لا تَحِلُّ مَنَاهِبُهْ )
ويروي
( ولا تَهَبُوه لا تَحِلُّ مواهبُهْ ... )
( بني هاشمٍ كيف الهَوادةُ بيننا ... وعند عليٍّ سيفُه ونجائُبه )
( قتلتم أخي كيما تكونوا مكانَه ... كما فعلتْ يوماً بكسرى مَرَازِبُه )
هكذا في الخبر
( ولا تهبوه لا تحِلّ مواهبه ... )
أخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إسحاق الجعفري
أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط لقي بجادا مولى عثمان فأخبره أن عثمان قد قتل فقال
( ليت أنيّ هلكت قبل حديثٍ ... سَلَّ جسمي ورِيعَ منه فؤادي )
( يوم لاقيتُ بالبَلاَط بجاداً ... ليت أنّي هلكت قبل بجاد )
وقد زيد في هذا الشعر بيت ونقص منه آخر مكانه وغني فيه وهو

صوت
( طال ليلي وملَّني عُوّادي ... وتَجافَى عن الضلوعِ مهادي )
( من حديثٍ نُمِي إليّ فما يَرْقَأُ ... دمعي ولا أُحِسّ رُقادي )
( يوم لاقيتُ بالبَلاط بِجاداً ... ليت أنِّي هلكتُ قبل بِجادِ )
( وبنفسي التي أُحِبّ وأهلي ... وبمالي وطارفي وتِلادي )
( قلتُ لا تَغْضَبي فذلك قولي ... بلساني وما يُجِنُّ فؤادي )
غنى فيه ابن عباد ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر في الأول والرابع من الأبيات وذكر عمرو بن بانة أنه لابن محرز ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج في هذه الطريقة في الأول والثاني وذكر ابن المكي أنه للغريض ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر ووافقه يونس
وذكر أن في هذا الشعر لابن سريج والغريض لحنين في الخمسة الأبيات
وذكر حبش أن فيها لمعبد ثقيلا أول بالوسطى ولعبد الله بن العباس الربيعي ثاني ثقيل بالوسطى وللغريض خفيف رمل بالوسطى ولسليم ثقيل أول بالوسطى
وذكر أحمد بن عبيد أن فيه رملا لابن جامع في البيت الأول وحده وأن فيه هزجا لا يعرف صانعه
أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن

المهدي قال حدثني أبي قال
أرسل إلي محمد بن زبيدة في ليلة من ليالي الصيف مقمرة يا عم إن الحرب بيني وبين طاهر بن الحسين قد سكنت فصر إلي فإني إليك مشتاق فجئته وقد بسط له على سطح زبيدة وعنده سليمان بن جعفر عليه كساء روذباري وقلنسوة طويلة وجواريه بين يديه وضعف جاريته عنده فقال لها غنيني فقد سررت بعمومتي فاندفعت تغنيه
( هُمُ قَتَلوه كي يكونوا مكانه ... كما فَعَلَتْ يوماً بكسرى مَرَازِبُهْ )
( بني هاشمٍ كيف التواصُلُ بيننا ... وعند أخيه سيفُه ونجائبُه )
هكذا غنت وإنما هو
( وعند عليّ سيفُه ونجائبُهْ ... )
فغضب وتطير وقال لها ما قصتك ويحك انثني وانتهي وغنيني ما

يسرني فاندفعت وغنت
( هذا مَقامُ مُطَرَّدٍ ... هُدِمتْ منازلُه ودورُهْ )
فازداد تطيرا ثم قال لها ويحك انتهي غنيني غير هذا فغنت
( كُلَيبٌ لَعَمْرِي كان أكثرَ ناصراً ... وأيسرَ جُرْماً منك ضُرِّج بالدّم )
فقال لها قومي إلى لعنة الله فوثبت وكان بين يديه قدح بلور وكان لحبه إياه سماه باسمه محمدا فأصابه طرف ذيلها فسقط على بعض الصواني فانكسر وتفتت فأقبل علي وقال أرى والله يا عم أن هذا آخر أيامنا فقلت كلا بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرك قال ودجلة والله يا بني هادئة ما فيها صوت مجداف ولا أحد يتحرك وهي كالطست هادئة فسمعت هاتفا يهتف قضي الأمر الذي فيه تستفتيان قال فقال لي أسمعت ما سمعت يا عم فقلت وما هو وقد والله سمعته فقال الصوت الذي جاء الساعة من دجلة فقلت ما سمعت شيئا وما هذا إلا توهم فإذا الصوت قد عاد يقول قضي الأمر الذي فيه تستفتيان
فقال انصرف يا عم بيتك الله بخير فمحال ألا تكون الآن قد سمعت ما سمعت فانصرفت وكان آخر العهد به

وفود الوليد بن عقبة على معاوية
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري ومحمد بن يحيى الصولي واللفظ له قالا حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثنا عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد عن أبيه قال محمد وحدثنا عبد الله بن

محمد ومحمد بن عبد الرحمن جميعا عن مطرف بن عبد الله عن عيسى بن يزيد قال
وفد الوليد بن عقبة وكان جوادا على معاوية فقيل له هذا الوليد ابن عقبة بالباب فقال والله ليرجعن معطيا غير معطى فإنه الآن قد أتانا يقول علي دين وعلي كذا وكذا يا غلام ائذن له فأذن له فسأله وتحدث معه ثم قال أما والله إن كنا لنحب إيثار مالك بالوادي وقد أعجب أمير المؤمنين فإن رأيت أن تهبه ليزيد فعلت فقال الوليد هو ليزيد ثم خرج وجعل يختلف إلى معاوية أياما فقال له يوما انظر يا أمير المؤمنين في شأني فإن علي مؤونة وقد أرهقني دين فقال له معاوية ألا تستحي لحسبك ونسبك تأخذ ما تأخذ فتبذره ثم لا تنفك تشكو دينا فقال له الوليد أفعل ثم انطلق مكانه فصار إلى الجزيرة فقال
( فإذا سُئلتَ تقول لا ... وإذا سألتَ تقول هاتِ )
( تأبَى فِعالَ الخيرِ لا ... تُرْوِي وأنت على الفُراتِ )
( أفَلاَ تَميل إلى نَعَمْ ... أو تَرْكِ لا حتى الممات )
قال فبلغ معاوية مقدمه الجزيرة فخافه وكتب إليه أن أقبل إلي فكتب إليه
( أَعِفُّ وأَسَتحْيي كم قد أمرتَني ... فأعْطِ سوايَ ما بدا لك وانْحَلِ )
( سأحْدُو ركابي عنك إنّ عزيمتي ... إذا نابَني أمر كسَلّة مُنْصُلِ )

( وإني امرؤ للرأي منّي تَطرّفٌ ... وليس شَبَا قُفْلٍ عليَّ بمُقْفَلِ )
ورحل إلى الحجاز فبعث إليه معاوية بجائزة

انقضت أخبار الوليد بن عقبة
صوت من المائة المختارة
( ربما نّبهني الإِخوانُ ... والليلُ بَهيمُ )
( حين غارتْ وتدلَّتْ ... في مَهاويها النجومُ )
( ونُعاسُ الليل في عينيّ ... كالثَّاوِي مُقِيمُ )
( للتي تُعْصَر لمّا ... أَيْنعتْ منها الكُرُومُ )
( أنا بالرَّيّ مقيمٌ ... في قُرَى الرَّيّ أهيمُ )
( ما أُرَاني عن قُرَى الرَّيِّ ... مَدَى دهري أَريمُ )
الشعر والغناء لإبراهيم الموصلي
ولحنه المختار ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
ولإبراهيم أيضا فيه خفيف ثقيل وقيل إنه لابنه إسحاق
وفيه لأحمد بن يحيى المكي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وأحمد بن عبيد

نسب إبراهيم الموصلي وأخباره
هو فيما أخبرنا به يحيى بن علي بن يحيى المنجم عن حماد عن أبيه وأخبرني به عبد الله بن الربيع عن وسواسة وهو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصلي عن أبيه عن جده وعن حماد عن أبيه إبراهيم ابن ميمون
أو ابن ماهان بن بهمن بن نسك وكان سبب نسبه إلى ميمون أنه كتب إلى صديق له فعنون كتابه من إبراهيم بن ماهان فقال له بعض فتيان الكوفة أما تستحي من هذا الاسم فقال هو اسم أبي فقال غيره فقال وكيف أغير فأخذ الكتاب فمحا ماهان وكتب ميمون فبقي إبراهيم ابن ميمون
قال إسحاق عن أبيه وأصلنا من فارس ولنا بيت شريف في العجم وكان جدنا ميمون هرب من جور بعض عمال بني أمية فنزل بالكوفة في بني عبد الله بن دارم فكان بين إبراهيم وبين ولد نضلة بن نعيم رضاع
وأم إبراهيم امرأة من بنات الدهاقين الذين هربوا من فارس لما هرب ميمون أبو إبراهيم فنزلوا جميعا بالكوفة في بني عبد الله بن دارم

فتزوجها ماهان بالكوفة فولدت إبراهيم ومات في الطاعون الجارف وخلف إبراهيم طفلا
وكان مولد إبراهيم سنة خمس وعشرين ومائة بالكوفة وتوفي ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائة وله ثلاث وستون سنة

مات أبوه وهو طفل
قال أحمد بن أحمد بن إسماعيل وسواسة في خبره ومات ماهان وخلف إبراهيم طفلا فكفله آل خزيمة بن خازم
وقال يحيى بن علي في خبره إنه كان لإبراهيم لما مات أبوه سنتان أو ثلاث وخلف معه أخوين له من غير أمه أكبر منه فأقام إبراهيم مع أمه وأخواله حتى ترعرع فكان مع ولد خزيمة بن خازم في الكتاب فبهذا السبب صار ولاؤه لبني تميم
وسأله الرشيد فقال ما السبب بينك وبين بني تميم فاقتص عليه قصته وقال ربونا يا أمير المؤمنين فأحسنوا تربيتنا ونشأت فيهم وكان بيننا رضاع فتولونا بهذا السبب فقال له الرشيد ويحك فما أراك إذا إلا مولاي فقال فهذه والله قصتي يا أمير المؤمنين
قال يحيى بن علي في خبره وكان سبب قولهم إبراهيم الموصلي أنه

لما نشأ واشتد وأدرك صحب الفتيان واشتهى الغناء فطلبه واشتد أخواله عليه في ذلك وبلغوا منه فهرب منهم إلى الموصل فأقام بها نحوا من سنة فلما رجع إلى الكوفة قال له إخوانه من الفتيان مرحبا بالفتى الموصلي فلقب به
وقال أحمد في خبره إن سبب طلبه الغناء أنه خرج إلى الموصل فصحب جماعة من الصعاليك كانوا يصيبون الطريق ويصيبه معهم ويجمعون ما يفيدونه فيقصفون ويشربون ويغنون فتعلم منهم شيئا من الغناء وشدا فكان أطيبهم وأحذقهم فلما أحس بذلك من نفسه اشتهى الغناء وطلبه وسافر إلى المواضع البعيدة فيه
وذكر ابن خرداذبه وهو قليل التحصيل لما يقوله ويضمنه كتبه أن سبب نسبته إلى الموصل أنه كان إذا سكر كثيرا ما يغني على سبيل الولع

( أنا جت من طرق مَوْصل ... أحمل قلل خَمْرِيا )
( من شارب الملوك فلا ... بدّ من سُكْرِيا )
وما سمعت بهذه الحكاية إلا عنه وإنما ذكرتها على غثاثتها لشهرتها عند الناس وأنها عندهم كالصحيح من الرواية في نسبة إبراهيم إلى الموصل فذكرته دالا على عواره
أخبرني الحسين بن يحيى المرداسي وابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد ابن إسحاق عن أبيه قال أسلم أبي إلى الكتاب فكان لا يتعلم شيئا ولا يزال يضرب ويحبس ولا ينجع ذلك فيه فهرب إلى الموصل وهناك تعلم الغناء ثم صار إلى الري وتعلم بها أيضا ومهر وتزوج هناك امرأته دوشار وتفسير هذا الاسم أسدان وطال مقامه هناك وأخذ الغناء الفارسي والعربي وتزوج بها أيضا شاهك أم إسحاق ابنه وسائر ولده
قال وفي دوشار هذه يقول إبراهيم وله فيه غناء من الهزج
( دُوشَارُ يا سيّدتي ... يا غايتي ومُنْيتِي )
( ويا سروري من جميع ... الناس رُدِّي سِنَتي )
قال إسحاق وحدثني أبي قال أول شيء أعطيته بالغناء أني كنت بالري أنادم أهلها بالسوية لا أرزؤهم شيئا ولا أنفق إلا من بقية مال كان معي انصرفت به من الموصل فمر بنا خادم أنفذه أبو جعفر المنصور إلى بعض عماله برسالة فسمعني عند رجل من أهل الري فشغف بي وخلع

علي دواج سمور له قيمة ومضى بالرسالة ورجع وقد وصله العامل بسبعة آلاف درهم وكساه كسوة كثيرة فجاءني إلى منزلي الذي كنت أسكنه فأقام عندي ثلاثة أيام ووهب لي نصف الكسوة التي معه وألفي درهم فكان ذلك أول ما اكتسبته بالغناء فقلت والله لا أنفق هذه الدراهم إلا على الصناعة التي أفادتنيها ووصف لي رجل بالأبلة يقال له جوانويه كان حاذقا فخرجت إليه وصحبت فتيانها فأخذت عنهم وغنيتهم فشغفوا بي

إبراهيم وسبب اتصاله بالمهدي
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جده قال
لما أتيت جوانويه لم أصادفه في منزله فانتظرته حتى جاء فلما رآني احتشمني وكان مجوسيا فأخبرته بصناعتي والحال التي قصدته فيها فرحب بي وأفرد لي جناحا في داره ووكل بي أخته فقدمت إلي ما أحتاج إليه فلما كان العشي عاد إلى منزله ومعه جماعة من الفرس ممن يغني فنزلت إليه فجلسنا في مجلس قد صفي لنا فيه نبيذ وأعدت لنا فاكهة ورياحين فجلسنا وأخذوا في شأنهم وضربوا وغنوا فلم أجد عند أحد منهم فائدة وبلغت النوبة إلي فضربت وغنيت فقاموا كلهم إلي وقبلوا رأسي وقالوا سخرت منا نحن إلى تعليمك لنا أحوج منك إلينا فأقمت على تلك الحال أياما حتى بلغ محمد بن سليمان بن علي خبري فوجه إلي فأحضرني وأمرني بملازمته فقلت له أيها الأمير إني لست أتكسب

بالغناء وإنما ألتذه فلذلك تعلمته وأريد العود إلى الكوفة فلم أنتفع بذلك عنده وأخذني بملازمته وسألني من أين أنا فانتسبت إلى الموصل فلزمتني وعرفت بها ولم أزل عنده أثيرا مكرما حتى قدم عليه خادم من خدم المهدي فلما رآني عنده قال له أمير المؤمنين أحوج إلى هذا منك فدافعه عني فلما قدم الرسول على المهدي سأله عما رأى في طريقه ومقصده فأخبره بذلك حتى انتهى إلى ذكري فوصفني له فأمره المهدي بالرجوع إلى محمد وإشخاصي إليه ففعل ذلك وجاء فأشخصني إلى المهدي فحظيت عنده وقدمني
قال وسواسة في خبره عن إسحاق فحدثني أبي قال
كان أول هاشمي صحبته علي بن سليمان بن علي أخو جعفر ومحمد وكان فتاهم ظرفا ولهوا وسماحة ووصفني له جوانويه ومضى بي إليه فوقعت من قلبه كل موقع
وأول خليفة سمعني المهدي وصفت له فأخذني من علي بن سليمان وما سمع قبلي من المغنين أحدا سوى فليح بن أبي العوراء وسياط فإن الفضل بن الربيع وصلهما به
قال إسحاق فحدثني أبي قال كان المهدي لا يشرب فأرادني على ملازمته وترك الشرب فأبيت عليه وكنت أغيب عنه الأيام فإذا جئته جئته منتشيا فغاظه ذلك مني فضربني وحبسني فحذقت الكتابة والقراءة في الحبس ثم دعاني يوما فعاتبني على شربي في منازل الناس والتبذل معهم فقلت يا أمير المؤمنين إنما تعلمت هذه الصناعة للذتي وعشرتي لإخواني ولو أمكنني تركها لتركتها وجميع ما أنا فيه لله جل وعز فغضب غضبا شديدا وقال لا تدخل على موسى وهارون البتة فوالله لئن دخلت

عليهما لأفعلن ولأصنعن فقلت نعم ثم بلغه أني دخلت عليهما وشربت معهما وكانا مستهترين بالنبيذ فضربني ثلاثمائة سوط وقيدني وحبسني
قال أحمد بن إسماعيل في خبره قال عمي إسحاق فحدثني أبي
أنه كان معهما في نزهة لهما ومعهم أبان الخادم فسعى بهما وبي إلى المهدي وحدثه بما كنا فيه فدعاني فسألني فأنكرت فأمر بي فجردت فضربت ثلاثمائة وستين سوطا فقلت له وهو يضربني أن جرمي ليس من الأجرام التي يحل لك بها سفك دمي والله لو كان سر ابنيك تحت قدمي ما رفعتهما عنه ولو قطعتا ولو فعلت ذلك لكنت في حالة أبان الساعي العبد فلما قلت له هذا ضربني بالسيف في جفنه فشجني به وسقطت مغشيا علي ساعة ثم فتحت عيني فوقعتا على عيني المهدي فرأيتهما عيني نادم وقال لعبد الله بن مالك خذه إليك
قال وقبل ذلك ما تناول عبد الله ابن مالك السوط من يد سلام الأبرش فضربني فكان ضرب عبد الله عندي بعد ضرب سلام عافية ثم أخرجني عبد الله إلى داره وأنا أرى الدنيا في عيني صفراء وخضراء وحمراء من حر السوط وأمره أن يتخذ لي شبيها بالقبر فيصيرني فيه فدعا عبد الله بكبش فذبح وسلخ وألبسني جلده ليسكن الضرب ودفعني إلى خادم له يقال له أبو عثمان سعيد التركي فصيرني في ذلك القبر ووكل بي جارية له يقال لها جشة فتأذيت بنز كان في ذلك القبر وبالبق وكان فيه حلي أستريح إليه فقلت لجشة اطلبي لي آجرة عليها فحم وكندر يذهب عني هذا البق فأتتني بذلك فلما دخنت أظلم القبر علي وكادت نفسي تخرج من الغم فاسترحت من أذاه إلى النز فألصقت به أنفي حتى خف الدخان فلما ظننت أني قد استرحت مما

كنت فيه إذا حيتان مقبلتان نحوي من شق القبر تدوران حولي بحفيف شديد فهممت أن آخذ واحدة بيدي اليمنى والأخرى بيدي اليسرى فإما علي وإما لي ثم كفيتهما فدخلتا من الثقب الذي خرجتا منه فمكثت في ذلك القبر ما شاء الله ثم أخرجت منه ووجهت إلى أبي عثمان الخادم أسأله أن يبيعني جشة لأكافئها عما أولتني ففعل فزوجتها من حاجب لي ولم تزل عندنا
قال إسحاق مكثت عندنا حتى ماتت وبقيت بنت لها يقال لها جمعة فزوجتها من مولى لي في سنة أربع وثلاثين ومائتين
قال إبراهيم وقلت في الحبس وأنا مقيد
( ألاَ طال ليلِي أُراعي النجوم ... أُعَالج في السّاق كَبْلاً ثقيلاَ )
( بدارِ الهَوَان وشرِّ الديار ... أُسامُ بها الخسفَ صبراً جميلا )
( كثيرَ الأخلاّء عند الرّخاء ... فلمّا حُبِستُ أراهم قليلا )
( لطول بلائيَ مَلَّ الصديقُ ... فلا يأمَنَنّ خليلٌ خليلا )
قال ثم أخرجني المهدي وأحلفني بالطلاق والعتاق وكل يمين لا فسحة لي فيها ألا أدخل على ابنيه موسى وهارون أبدا ولا أغنيهما وخلى سبيلي
قال وصنعت في الحبس لحنا في شعر أبي العتاهية لما حبسه المهدي بسبب عتبة وهو

صوت
( أيا وَيْحَ قَلْبِي من نَجِيّ البَلاَبِلِ ... ويا ويحَ ساقِي من قُرُوح السّلاسلِ )
( ويا ويحَ نفسي وَيْحَها ثم ويحها ... ألَمْ تَنْجُ يوماً من شِباك الحبائل )
( ويا ويحَ عَيْنِي قد أضرّ بها البَكا ... فلم يُغْنِ عنها طِبُّ ما في المَكاحِل )
( ذَرِيني أُعَلِّلْ نفسيَ اليوم إنها ... رهينةُ رَمْسٍ في ثَرىً وجَنَادل )
( ذَريني أُعَلَّل بالشّراب فقد أرَى ... بقيّةَ عيشي هذه غيرَ طائل )

الشعر لأبي العتاهية وذكر حماد أنه لجده إبراهيم
والغناء لإبراهيم رمل بالوسطى في الثلاثة الأبيات الأول وله في البيتين الأخيرين ثقيل أول بالوسطى

الهادي يطلبه
قال حماد فلما ولي موسى الهادي الخلافة استتر جدي منه ولم يظهر له بسبب الأيمان التي حلفه بها المهدي فكانت منازلنا تكبس في كل وقت وأهلنا يروعون بطلبه حتى أصابوه فمضوا به إليه فلما عاينه قال يا سيدي فارقت أم ولدي وأعز خلق الله علي ثم غناه لحنه في شعره
صوت
( يابنَ خيرِ الملوك لا تَترُكَنّي ... غَرَضاً للعدوّ يرمي حِيالي )
( فلقد في هواك فارقتُ أهلي ... ثم عرَّضتُ مهجتي للزوال )
( ولقد عِفْتُ في هواك حياتي ... وتغرّبتُ بين أهلي ومالي )
الشعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى
قال إسحاق فموله والله الهادي وخوله وبحسبك أنه أخذ منه في يوم واحد مائة وخمسين ألف دينار ولو عاش لنا لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضة

قال حماد قال لي أبي نظرت إلى ما صار إلى جدك من الأموال والغلات وثمن ما باع من جواريه فوجدته أربعة وعشرين ألف ألف درهم سوى أرزاقه الجارية وهي عشرة آلاف درهم في كل شهر وسوى غلات ضياعه وسوى الصلات النزرة التي لم يحفظها ولا والله ما رأيت أكمل مروءة منه كان له طعام معد في كل وقت فقلت لأبي أكان يمكنه ذلك فقال كان له في كل يوم ثلاث شياه واحدة مقطعة في القدور وأخرى مسلوخة ومعلقة وأخرى حية فإذا أتاه قوم طعموا ما في القدور فإذا فرغت قطعت الشاة المعلقة ونصبت القدور وذبحت الحية فعلقت وأتي بأخرى فجعلت وهي حية في المطبخ وكانت وظيفته لطعامه وطيبه وما يتخذ له في كل شهر ثلاثين ألف درهم سوى ما كان يجري وسوى كسوته ولقد اتفق عندنا مرة من الجواري الودائع لإخوانه ثمانون جارية ما منهن واحدة إلا ويجري عليها من الطعام والكسوة والطيب مثل ما يجري لأخص جواريه فإذا ردت الواحدة منهن إلى مولاها وصلها وكساها ومات وما في ملكه إلا ثلاثة آلاف دينار وعليه من الدين سبعمائة دينار قضيت منها
أخبرني محمد بن خلف وكيع ويحيى بن علي بن يحيى وابن المرزبان قالوا أخبرنا حماد بن إسحاق قال
كان أبي يحدث أن الرشيد اشترى من جدي جارية بستة وثلاثين ألف دينار فأقامت عنده ليلة ثم أرسل إلى الفضل بن الربيع إنا اشترينا

هذه الجارية من إبراهيم ونحن نحسب أنها من بابتنا وليست كما ظننتها وما قربتها وقد ثقل علي الثمن وبينك وبينه ما بينكما فاذهب إليه فسله أن يحطنا من ثمنها ستة آلاف دينار قال فصار الفضل إليه فاستأذن عليه فخرج جدي فتلقاه فقال دعني من هذه الكرامة التي لا مؤنة بيننا فيها لست ممن يخدع وقد جئتك في أمر أصدقك عنه ثم أخبره الخبر كله فقال له إبراهيم إنه أراد أن يبلو قدرك عندي قال ذاك أراد قال فمالي كله صدقة من المساكين إن لم أضعفه لك قد حططتك اثني عشر ألف دينار فرجع الفضل إليه بالخبر فقال ويلك ادفع إلى هذا ماله فما رأيت سوقة قط أنبل نفسا منها قال أبي وكنت قد أتيت جدك فقلت ما كان لحطيطة هذا المال معنى وما هو بقليل فتغافل عني وقال أنت أحمق أنا أعرف الناس به والله لو أخذت المال منه كملا ما أخذته إلا وهو كاره ويحقد ذلك علي وكنت أكون عنده صغير القدر وقد مننت عليه وعلى الفضل وانبسطت نفسه ونشط وعظم قدري عنده وإنما اشتريت الجارية بأربعين ألف درهم وقد أخذت بها أربعة وعشرين ألف دينار فلما حمل المال إليه بلا حطيطة دعاني فقال لي كيف رأيت يا إسحاق من البصير أنا أم أنت فقلت بل أنت جعلني الله فداءك
حدثني وكيع قال حدثنا حماد قال حدثني أبي قال
لقي الفضل بن يحيى أبي وهو خارج من عند الفضل بن الربيع وكانا متجاورين في الشماسية فقال من أين يا أبا إسحاق أمن عند الفضل ابن الربيع قلت نعم غير معتذر من ذلك فقال خروج من عند

الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى هذان والله أمران لا يجتمعان لك فقال والله لئن لم يكن في ما يتسع لكما حتى يكون الوفاء لكما جميعا واحدا ما في خير والله لا أترك واحدا منكما لصاحبه فمن قبلني على هذا قبلني ومن لم يقبلني فهو أعلم
فقال له الفضل بن يحيى أنت عندي غير متهم والأمر كما قلت وقد قبلتك على ذلك

الرشيد يحبسه بالرقة ثم يطلقه ليغنيه
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال حدثني أبي
أن الرشيد غضب عليه فقيده وحبسه بالرقة ثم جلس للشرب يوما في مجلس قد زينه وحسنه فقال لعيسى بن جعفر هل لمجلسنا عيب قال نعم غيبة إبراهيم الموصلي عنه فأمر بإحضاري فأحضرت في قيودي ففكت عني بين يديه وأمرهم فناولوني عودا وقال غني

يا إبراهيم فغنية
( تَضَوَّعَ مِسْكاً بَطْنُ نَعْمَانَ أَنْ مشتْ ... به زينبٌ في نِسُوةٍ خَفِراتِ )
فاستعاده وشرب وطرب وقال هنأتني يومي وسأهنئك بالصلة وقد وهبت لك الهنيء والمريء فانصرفت فلما أصبحت عوضت منهما مائتي ألف درهم

نسبه هذا الصوت
صوت
( تَضَوَّعِ مسكاً بطنُ نَعْمانَ أَنْ مشتْ ... به زينبٌ في نِسْوةٍ خَفِراتِ )
( مَرَرْنَ بفخٍّ رائحاتٍ عَشِيّةً ... يُلَبِّين للرّحمن مُعْتَمِراتِ )
( يُخَمِّرن أطرافَ البَنان من التُّقى ... ويَقتُلْنَ بالألحاظ مُقْتَدِراتِ )
( ولما رأت ركبَ النُّمَيْرِيّ أعرضتْ ... وكنَّ منَ أن يَلْقَيْنَه حَذِراتِ )

الشعر للنميري الثقفي
والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق ويحيى المكي وعمرو بن بانة
وذكر حبش أن فيه لعزة الميلاء لحنا من الثقيل الأول
أخبرني محمد بن مزيد وأحمد بن جعفر جحظة قالا حدثنا حماد بن إسحاق قال وأخبرني الصولي قال حدثني عون بن محمد جميعا عن إسحاق عن أبيه قال
رأيت يحيى بن خالد خارجا من قصره الذي عند باب الشماسية يريد قصره الذي بباب البردان وهو يتمثل
صوت
( هَوىً بِتِهامةٍ وهوىً بنجدٍ ... فأبلتْني التَّهائِمُ والنُّجودُ )
قال أبي فزدته عليه
( أُقِيم بذا وأَذْكُر عهدَ هذا ... فَلِي ما بين ذَيْن هوىً جديدُ )
قال وصنعت فيه لحنا قال الصولي في خبره وهو من خفيف الثقيل ثم صرت إليه فغنيته إياه فأمر لي بألف دينار وبدابته التي كانت تحته يومئذ بسرجها ولجامها فقلت له جزاك الله من سيد خيرا فإنك تأتي الأنفس وهي شوارد فتقرها والأهواء وهي سقيمة فتصحها فأمر لي بألف دينار أخرى

قال إبراهيم ثم ضرب الدهر من ضربه فبينا أنا أسير معه إذ لقيه العباس بن الأحنف وكان ساخطا عليه لشيء بلغه عنه فترجل له وأنشده

صوت
( بالله يا غضبانُ إلاّ رَضِيْت ... أذاكرٌ للعهدِ أم قد نسِيتْ )
فقال بل ذاكر يا أبا الفضل فأضفت إلى هذا البيت
( لو كنتُ أبغي غيرَ ما تشتهي ... دعوتُ أن تُبْلَى كما قد بُلِيتْ )
وصنعت فيه لحنا قال الصولي في خبره هو ثقيل أول قال وغنيته به فأمر لي بألفي دينار وضحك فقلت من أي شيء تضحك يا سيدي لا زلت ضاحكا مسرورا فقال ذكرت ما جرى في الصوت الأول وأنه كان مع الجائزة دابة بسرجه ولجامه ولن تنصرف الليلة إلا على مثله فقمت فقبلت يده فأمر لي بألفي دينار آخرين وقال تلك الكرة شكرت على الجائزة بكلام فزدناك والآن شكرت بفعل أوجب الزيادة ولولا أني مضيق في هذا الوقت لضاعفتها ولكن الدهر بيننا مستأنف جديد
حدثني جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي عن أبيه قال

لما نزل الرشيد في طريقه إلى طوس بشبداز جلس يشرب عنده فكان إبراهيم الموصلي أول من غناه فابتدأ بهذا الصوت والشعر له
صوت
( رأيتُ الدِّيَن والدُّنيا ... مُقيمَيْن بِشبْدازِ )
( أقاما بين حَجّاجٍ ... وغازٍ أيِّما غازِ )
وهو من الثقيل الأول فأمر له بألف دينار ولم يستحسن الشعر وقال له يا إبراهيم صنعتك فيه أحسن من شعرك فخجل وقال يا سيدي شغل خاطري الغناء فقلت لوقتي ما حضرني فضحك الرشيد من قوله وقال له صدقت

كان محبا للأشراف وكان شاعرا وخطيبا
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى عن حماد عن أبيه قال
كان جدك محبا للأشراف كثير الأصدقاء منه حتى إن كان الرشيد ليقول كثيرا ما أعرف أحد أكثر أصدقاء من إبراهيم
قال إسحاق وما سمعت أحسن غناء من أربعة أبي وحكم الوادي وفليح بن أبي العوراء وسياط فقلت له ما بلغ من حذقهم قال كانوا يصنعون فيحسنون ويؤدون غناء غيرهم فيحسنون فقلت فأيهم كان أحذق قال كانوا بمنزلة خطيب أو كاتب أو شاعر يحسن

صناعته فإذا انتقل عنها إلى غيرها لم يبلغ منها ما يبلغ من صناعته وكان جدك كرجل مفوه إن خطب أجزل وإن كتب رسالة أحسن وإن قال شعرا أحسن ولم يكن فيهم مثله
أخبرني الحسين بن يحيى قال حدثنا حماد عن أبيه وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه وأخبرني إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبة جميعا عن إسحاق قال
لم يكن الناس يعلمون الجارية الحسناء الغناء وإنما كانوا يعلمونه الصفر والسود وأول من علم الجواري المثمنات أبي فإنه بلغ بالقيان كل مبلغ ورفع من أقدارهن
وفيه يقول أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلبي وقد كان هوي جارية يقال لها أمان فأغلى بها مولاها السوم وجعل يرددها إلى إبراهيم وإسحاق ابنه فتأخذ عنهما فكلما زادت في الغناء زاد في سومه فقال أبو عيينة
( قلتُ لما رأيتُ مولَى أمانٍ ... قد طَغَى سومُه بها طُغْيانَا )
( لا جَزَى الله المَوْصليّ أبا إسحاقَ ... عنّا خيراً ولا إحسانَا )
( جاءنا مُرسَلاً بوَحْيٍ من الشّيطان ... أغَلَى به علينا القِيانا )
( من عِناءٍ كأنه سَكَرات الحبّ ... يُصْبي القُلوبَ والآذانا )
وقال فيه ابن سيابة

صوت
( ما لإبراهيمَ في العِلْم ... بهذا الشأن ثاني )
( إنما عُمْر أبي إسحاق ... زَيْنٌ للزمان )
( جَنّة الدُّنْيا أبو إسحاق ... في كلّ مكان )

( فإذا غَنّى أبو إسحاق ... اجابتْه المَثَاني )
( منه يُجْنَى ثَمَرُ اللهو ... وريحانُ الجِنَان )
لإبراهيم في هذا الشعر لحنان خفيف ثقيل بالبنصر وخفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي
أخبرني عمي عن أحمد بن أبي طاهر عن أبي دعامة قال
كان سلم الخاسر عند أبي العتاهية فأخبره سلم أن الرشيد حبس إبراهيم الموصلي في المطبق فأقبل عليه أبو العتاهية فقال
( سَلْمُ يا سَلْمُ ليس دونك سِترُ ... حُبِس المَوْصليُّ فالعيشُ مُرُّ )
( ما استطابَ اللَّذاتِ مُذْ سَكَن الْمُطْبِقَ ... رأسُ اللّذات في الناس حُرّ )
( تركَ الموصليُّ مَنْ خَلَق اللّهُ ... جميعا وعيشُهم مُقْشَعِر )
( حُبِس اللهوُ والسرور فما في الأرض ... شيءٌ يُلْهَى به أو يَسُرُّ )
وأنشدني بعض أصحابنا عن ابن المرزبان عن أحمد بن أبي طاهر عن ابن أبي فنن لأبي العتاهية يخاطب إبراهيم الموصلي لما حبس
( أيا غَمِّي لغَمِّك يا خليلي ... ويا وَيْلي عليك ويا عَوِيلي )
( يَعِزُّ عليّ أنّك لا تراني ... وأنّي لا أراكَ ولا رسولي )
( وأنك في محلِّ أذًى وضَنْكٍ ... وليس إلى لقائكَ من سبيلِ )
( وأني لستُ أملِك عنك دفعاً ... وقد فُوجئتَ بالخَطْب الجليل )

إبراهيم الموصلي وإبراهيم بن المهدي
أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن عمر قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد عن القطراني المغني عن محمد بن جبر وكان المهدي رباه قال حدثني إبراهيم بن المهدي قال
انصرفت ليلة من الشماسية فمررت بدار إبراهيم الموصلي وإذا هو في روشن له وقد صنع لحنه
( ألاَ رُبّ نَدمانٍ عليّ دموعُه ... تَفِيضُ على الخدَّين سَحًّا سُجُومُها )
وهو يعيده ويلعب به بنغمه ويكرره لتستوي له أجزاءه وجواريه يضربن عليه فوقفت تحت الروشن حتى أخذتهم ثم انصرفت إلى منزلي فمازلت أعيده حتى بلغت فيه الغاية وأصبحت فغدوت إلى الشماسية واجتمعنا عند الرشيد فاندفع إبراهيم فغناه أول شيء غنى فلما سمعه الرشيد طرب واستحسنه وشرب عليه ثم قال له لمن هذا يا إبراهيم قال لي يا سيدي صنعته البارحة فقلت كذب يا أمير المؤمنين هذا الصوت قديم وأنا أغنيه فقال لي غنه يا حبيبي فغنيته كما غناه فبهت إبراهيم وغضب

الرشيد وقال له يا ابن الفاجرة أتكذبني وتدعي ما ليس لك
قال فظل إبراهيم بأسوأ حال فلما صليت العصر قلت للرشيد يا أمير المؤمنين الصوت وحياتك له وما كذب ولكني مررت به البارحة وهو يردده على جارية له فوقفت حتى دار لي واستوى فأخذته منه فدعا به الرشيد ورضي عنه وأمر له بخمسة آلاف دينار

نسبة هذا الصوت
صوت
( ألا رُبّ نَدْمانٍ عليّ دموعُه ... تَفِيضُ على الخَدَّين سَحًّا سُجومُها )
( حَلِيمٌ إذا ما الكأسُ دارتْ وهَرَّها ... رجالٌ لديها قد تَخِفّ حُلومُها )
الغناء لإبراهيم رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا أبي عن طياب بن إبراهيم الموصلي قال
كان إبراهيم بن المهدي يقدم ابن جامع ولا يفضل عليه أحدا فأخبرني إبراهيم بن المهدي قال كنا في مجلس الرشيد وقد غلب النبيذ على ابن جامع فغنى صوتا فأخطأ في أقسامه فالتفت إلي إبراهيم فقال قد خري قد خري أستاذك فيه وفهمت صدقه فيما قال قال فقلت له انتبه أيها الشيخ وأعد الصوت ففطن وأعاده وتحفظ فيه وأصاب فغضب إبراهيم وأقبل علي فقال
( أُعلَّمه الرِّمايةَ كلَّ يومٍ ... فلمّا استَدّ ساعدُه رماني )

وتنكر لي وحلف ألا يكلمني فقلت للرشيد بعد أيام إن لي حاجة قال وما هي قلت تأمر إبراهيم الموصلي أن يرضى عني ويعود إلى ما كان عليه فقال ومن إبراهيم حتى يطلب رضاه فقلت يا أمير المؤمنين إن الذي أريده منه لا ينال إلا برضاه فقال قم إليه يا إبراهيم فقبل رأسه فقام إلي ليقبل رأسي فلما أكب علي قال تعود قلت لا قال قد رضيت عنك رضا صحيحا وعاد إلى ما كان عليه
أخبرني أبو الحسن أحمد بن يحيى بن علي بن يحيى قال سمعت جدي عليا يحدث عن إسحاق قال
قال أبي خرجت مع الرشيد إلى الحيرة فساعة نزل بها دعا بالغداء فتغدى ثم نام فاغتنمت قائلته فذهبت فركبت أدور في ظهر الحيرة فنظرت إلى بستان فقصدته فإذا على بابه شاب حسن الوجه فاستأذنته في الدخول فإذن لي فدخلت فإذا جنة من الجنان في أحسن تربة وأغزرها ماء فخرجت فقلت له لمن هذا البستان فقال لبعض الأشاعثة فقلت له أيباع فقال نعم وهو على سوم فقلت كم بلغ فقال أربعة عشر ألف دينار قلت وما يسمى هذا الموضع قال شمارى فقلت
صوت
( جِنانَ شُمَارَى ليس مثلَك مَنظَرٌ ... لذِي رَمَدٍ أعيَا عليه طبيبُ )
( تُرابُكِ كافورٌ ونَوْرُكِ زهرةٌ ... لها أَرَجٌ بعد الهُدُوِّ يطيب )

قال وحضرتني فيه صنعة حسنة فلما جلس الرشيد وأمر بالغناء غنيته إياه أول ما غنيت فقال ويلك وأين شمارى فأخبرته القصة فأمر لي بأربعة عشر ألف دينار وغمزني جعفر بن يحيى فقال خذ توقيعه بها إلي وتشاغل الرشيد عني فأعدت الصوت فقال ويلكم أعطوا هذا دنانيره فوثبت وقلت يا سيدي وقع لي بها إلى جعفر بن يحيى فقال أفعل ووقع لي بها إليه فلما حصل التوقيع عند جعفر أطلق لي المال وخمسة آلاف دينار من عنده فلما حصل المال عندي كان أحب إلي وأحسن في عيني من شمارى
أخبرني جعفر بن قدامة قال أخبرني أبو العيناء قال
خرج الفضل بن الربيع يوما من حضرة الرشيد ومعه رقعة فيها أربعة أبيات فقال إن أمير المؤمنين يأمر كل من حضر ممن يقول الشعر أن يجيزها وهي
( أَهْدَى الحبيبُ مع الجَنُوب سلامَه ... فاردُدْ إليه مع الشَّمَال سلامَا )
( واعرِفْ بقلبك ما تَضَمَّن قلبُه ... وتَدَاولاَ بهواكما الأيّاما )
( وإذا بكيتَ له فأَيْقِنْ أنه ... ستجود أَدْمُعه عليك رِهَاما )

( فاحبِس دموعَك رحمةً لدموعه ... إن كنتَ تحفظُ أو تَحُوط ذِماما )
فلم يوجد من يجيزها فأمر إبراهيم فغنى فيها لحنا من خفيف الثقيل
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أبو العباس البصري قال حدثني عبد الله بن الفضل بن الربيع قال سمعت أبي يقول
لما خرج الرشيد إلى الرقة أخرج معه إبراهيم الموصلي وكان به مشغوفا ففقده في بعض المنازل أياما وطلبه فلم يخبره أحد بقصته ثم أتاه فقال له ويحك ما خبرك وأين كانت غيبتك فقال يا أمير المؤمنين حديثي عجيب نزلنا بموضع كذا وكذا فوصف لي خمار من ظرفه ومن نظافة منزله كيت وكيت فتقدمت أمام ثقلي وأتيته مخفا فوافيت أطيب منزل وأوسع رحل وأطيب طعام وأسخى نفس من شاب حسن الوجه ظريف العشرة فأقمت عنده فلما أردت اللحاق بأمير المؤمنين أقسم علي وأخرج لي من الشراب ما هو أطيب وأجود مما رأيت فأقمت ثلاثا ووهبت له دنانير كانت معي وكسوة وقلت فيه

صوت
( سَقْيًا لمنزل خَمّارٍ قَصَفْتُ به ... وَسْط الرُّصافة يوماً بعد يومينِ )
( ما زلتُ أرهَنُ أثوابي وأَشْرَبُها ... صفراءَ قد عُتِّقتْ في الدَّنّ حَوْلين )
( حتى إذا نَفِدت منّي بأجمعها ... عاودتُه بالرّبا دَنًّا بدَنَّين )
( فقال إزَلْ بشِين حين ودَّعني ... وقد لَعَمْرُك زُلنا عنه بالشَّيْنِ )
الشعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر
قوله إزل بشين كلمة سريانية تفسيرها امض بسلام دعا له بها لما ودعه قال

إبراهيم فقال لي الرشيد غني هذا الصوت فعنيته إياه وزمر عليه برصوما فوهب لي الرشيد مائة ألف درهم وأقطعني ضيعة وبعث إلى الخمار فأحضر وأهدى إلى الرشيد من ذلك الشراب فوصله ووهب له إبراهيم عشرة آلاف درهم

إبراهيم الموصلي وابن جامع
أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد ووكيع قالوا جميعا حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال
قال ابن جامع يوما لأبي رأيت في منامي كأني وإياك راكبان في محمل فسفلت حتى كدت تلصق بالأرض وعلا الشق الذي أنا فيه فلأعلونك في الغناء فقال إبراهيم الرؤيا حق والتأويل باطل إني وإياك كنا في ميزان فرجحت بك وشالت كفتك وعلوت فلصقت بالأرض فلأبقين بعدك ولتموتن قبلي قال إسحاق فكان كما قال أبي علا عليه وأفاد أكثر من فوائده ومات ابن جامع قبله وعاش أبي بعده
أخبرني عبد الله بن الربيع الربيعي قال حدثتني خديجة بنت هارون بن عبد الله بن الربيع قالت حدثتني خمار جارية أبي وكانت قندهارية اشتراها جدي عبد الله وهي صبية ريض من آل يحيى بن معاذ بمائتي ألف درهم قالت

ألقى علي إبراهيم الموصلي لحنه في هذين البيتين

صوت
( إذا سَرّها أمرٌ وفيه مَساءتي ... قضيتُ لها فيما تريد على نفسِي )
( وما مَرّ يومٌ أرتجي فيه راحةً ... فأذكُرَه إلاّ بكيتُ على أمسِ )
الشعر لأبي حفص الشطرنجي والغناء لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى فسمعني ابن جامع يوما وأنا أغنيه فسألني ممن أخذته فأخبرته فقال أعيديه فأعدته مرارا وما زال ابن جامع يتنغم به معي حتى ظننت أنه قد أخذه ثم كان كلما جاءنا قال لي يا صبية غني ذلك الصوت فكان صوته علي
إبراهيم الموصلي ومخارق
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثني عمر بن شبة قال قال مخارق
أذن لنا أمير المؤمنين الرشيد أن نقيم في منازلنا ثلاثة أيام وأعلمنا أنه مشتغل فيها مع الحرم فمضى الجلساء أجمعون إلى منازلهم وأخبرني وسواسة وهو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصلي بهذا الخبر فقال حدثني أبي عن أبيه عن مخارق قال اشتغل الرشيد يوما واصطبح مع الحرم وقد أصبحت السماء متغيمة فانصرفنا إلى منازلنا
ولم يذكر في الخبر ما ذكره عمر بن شبة مما قدمت ذكره واتفقا هاهنا في أكثر الحكايات واللفظ فأكثره لرواية ابن الموصلي قال مخارق وأصبحت السماء متغيمة تطش طشا خفيفا فقلت والله لأذهبن إلى أستاذي إبراهيم فأعرف خبره ثم

أعود فأمرت من عندي أنا يسووا مجلسا لنا إلى وقت رجوعي فجئت إلى إبراهيم الموصلي فإذا الباب مفتوح والدهليز قد كنس والبواب قاعد فقلت ما خبر أستاذي فقال ادخل فدخلت فإذا هو جالس في رواق له وبين يديه قدور تغرغر وأباريق تزهر والستارة منصوبة والجواري خلفها وإذا قدامه طست فيه رطلية وكوز وكأس فدخلت أترنم ببعض الأصوات وقلت له ما بال الستارة لست أسمع من ورائها صوتا فقال اقعد ويحك إني أصبحت على الذي ظننت فأتاني خبر ضيعة تجاورني قد والله طلبتها زمانا وتمنيتها فلم أملكها وقد أعطي بها مائة ألف درهم فقلت وما يمنعك منها فوالله لقد أعطاك الله أضعاف هذا المال وأكثر قال صدقت ولكن لست أطيب نفسا أن أخرج هذا المال فقلت فمن يعطيك الساعة مائة ألف درهم والله ما أطمع في ذلك من الرشيد فكيف بمن دونه فقال اجلس خذ هذا الصوت ونقر بقضيب معه على الدواة وألقى علي

صوت
( نام الخَلِيُّون من هَمِّ ومن سَقَمِ ... وبِتُّ من كَثْرة الأحزان لم أَنَمِ )
( يا طالبَ الجود والمعروفِ مُجتهداً ... اعْمِدْ ليحني خليفِ الجود والكرم )
الشعر لأبي النضير والغناء لإبراهيم الموصلي ثقيل أول بالبنصر

قال فأخذته فأحكمته ثم قال لي امض الساعة إلى باب الوزير يحيى بن خالد فإنك تجد الناس عليه وتجد الباب قد فتح ولم يجلس بعد فاستاذن عليه قبل أن يصل إليه أحد فإنه سينكر عليك مجيئك ويقول من أين أقبلت في هذا الوقت فحدثه بقصدك إياي وما ألقيت إليك من خبر الضيعة وأعلمه أني صنعت هذا الصوت وأعجبني ولم أر أحدا يستحقه إلا فلانة جاريته وأني ألقيته عليك حتى أحكمته لتطرحه عليها فسيدعو بها ويأمر بالستارة أن تنصب ويوضع له كرسي ويقول لك اطرحه عليها بحضرتي فافعل وأتني بالخبر بعد ذلك
قال فجئت باب يحيى فوجدته كما وصف وسألني فأعلمته ما أمرني به ففعل كل شيء قاله لي إبراهيم وأحضر الجارية فألقيته عليها ثم قال لي تقيم عندنا يا أبا المهنأ أو تنصرف فقلت أنصرف أطال الله بقاءك فقد علمت ما أذن لنا فيه قال يا غلام احمل مع أبي المهنأ عشرة آلاف درهم واحمل إلى أبي إسحاق مائة ألف درهم ثمن هذه الضيعة فحملت العشرة الآلاف الدرهم إلي وأتيت منزلي فقلت أسر يومي هذا وأسر من عندي ومضى الرسول إليه بالمال فدخلت منزلي ونثرت على من عندي من الجواري دراهم من تلك البدرة وتوسدتها وأكلت وشربت وطربت وسررت يومي كله فلما أصبحت قلت والله لآتين أستاذي ولأعرفن خبره فأتيته فوجدت الباب كهيئته بالأمس ودخلت فوجدته على مثل ما كان عليه فترنمت وطربت فلم يتلق ذلك بما يجب فقلت له ما الخبر ألم يأتك المال قال بلى

فما كان خبرك أنت بالأمس فأخبرته بما كان وهب لي وقلت ما ينتظر من خلف الستارة فقال ارفع السجف فرفعته فإذا عشر بدر فقلت وأي شيء بقي عليك في أمر الضيعة قال ويحك ما هو والله إلا أن دخلت منزلي حتى شححت عليها فصارت مثل ما حويت قديما فقلت سبحان الله العظيم فتصنع ماذا قال قم حتى ألقي عليك صوتا صنعته يفوق ذلك الصوت فقمت وجلست بين يديه فألقى علي
صوت
( ويَفْرَح بالمولود من آل بَرْمَكٍ ... بُغاةُ النَّدَى والسيفُ والرمحُ ذو النصل )
( وتَنْبسط الآمالُ فيه لفضله ... ولا سيما إن كان من وَلَدِ الفَضْل )
الشعر لأبي النضير
والغناء لإبراهيم ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي وذكر عمرو بن بانة أنه لإسحاق وهو الصحيح
وفيه خفيف ثقيل أظنه لحن إبراهيم
أخبرني إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبة عن إسحاق أن أباه صنع هذا الصوت في طريقه خفيف الثقيل وعرضه على الفضل فاستحسنه وأمر مخارقا بإلقائه على جواريه فألقاه فى مراقش وقضيب فأخذتاه عنه قال مخارق فلما ألقى علي الصوت سمعت ما لم أسمع مثله قط وصغر عندي الأول فأحكمته ثم قال انهض الساعة إلى الفضل بن يحيى فإنك تجده لم يأذن لأحد بعد وهو يريد الخلوة مع جواريه اليوم فاستأذن عليه وحدثه بحديثنا أمس وما كان من أبيه إلينا وإليك وأعلمه أني قد صنعت هذا الصوت وكان عندي أرفع منزلة من الصوت الذي صنعته بالأمس وأني ألقيته عليك حتى أحكمته ووجهت بك قاصدا لتلقيه على فلانة جاريته فصرت إلى باب الفضل فوجدت الأمر على ما ذكر فاستأذنت فوصلت وسألني ما الخبر فأعلمته بخبري في اليوم الماضي وما وصل إلي وإليه من المال فقال أخزى الله إبراهيم فما أبخله

على نفسه ثم دعا خادما فقال اضرب الستارة فضربها فقال لي ألقه فلما غنيته لم أتمه حتى أقبل يجر مطرفه ثم قعد على وسادة دون الستارة وقال أحسن والله أستاذك وأحسنت أنت يا مخارق فلم أخرج حتى أخذته الجارية وأحكمته فسر بذلك سرورا شديدا وقال أقم عندي اليوم فقلت يا سيدي إنما بقي لنا يوم واحد ولولا أني أحب سرورك لم أخرج من منزلي فقال يا غلام احمل مع أبي المهنأ عشرين ألف درهم واحمل إلى إبراهيم مائتي ألف درهم فانصرفت إلى منزلي بالمال ففتحت بدرة فنثرت منها على الجواري وشربت وسررت أنا ومن عندي يومنا فلما أصبحت بكرت إلى إبراهيم أتعرف خبره وأعرفه خبري فوجدته على الحال التي كان عليها أولا وآخرا فدخلت أترنم وأصفق فقال لي ادن فقلت ما بقي فقال اجلس وارفع سجف هذا الباب فإذا عشرون بدرة مع تلك العشر فقلت ما تنتظر الآن فقال ويحك ما هو والله إلا أن حصلت حتى جرت مجرى ما تقدم فقلت والله ما أظن أحدا نال في هذه الدولة ما نلته فلم تبخل على نفسك بشيء تمنيته دهرا وقد ملكك الله أضعافه ثم قال اجلس فخذ هذا الصوت وألقى علي صوتا أنساني والله صوتي الأولين

صوت
( أفي كلّ يومٍ أنتَ صبُّ وليلةٍ ... إلى أمّ بكرٍ لا تُفيق فَتُقْصِرُ )
( أُحِبّ على الهِجران أكنافَ بيتها ... فيا لَكَ من بيتٍ يُحَبّ ويُهْجَرُ )
( إلى جعفرٍ سارت بنا كلُّ جَسْرةٍ ... طَواهَا ثُراها نحوَه والتهجُّر )
( إلى واسعٍ للمُجْتَدين فِناؤه ... تَروح عطاياه عليهم وتَبْكُر )

الشعر لمروان بن أبي حفصة يمدح به جعفر بن يحيى
والغناء لإبراهيم ولم تقع إلينا طريقته قال مخارق ثم قال لي إبراهيم هل سمعت مثل هذا فقلت ما سمعت قط مثله
فلم يزل يردده علي حتى أخذته ثم قال لي امض إلى جعفر فافعل به كما فعلت بأخيه وأبيه قال فمضيت ففعلت مثل ذلك وخبرته ما كان منهما وعرضت عليه الصوت فسر به ودعا خادما فأمره بضرب الستارة وأحضر الجارية وقعد على كرسي ثم قال هات يا مخارق فاندفعت فألقيت الصوت عليها حتى أخذته فقال أحسنت والله يا مخارق وأحسن أستاذك فهل لك في المقام عندنا اليوم فقلت يا سيدي هذا آخر أيامنا وإنما جئت لموقع الصوت مني حتى ألقيته على الجارية فقال يا غلام احمل معه ثلاثين ألف درهم وإلى الموصلي ثلاثمائة ألف درهم فصرت إلى منزلي بالمال فأقمت ومن معي مسرورين نشرب بقية يومنا ونطرب ثم بكرت إلى إبراهيم فتلقاني قائما وقال لي أحسنت يا مخارق فقلت ما الخبر فقال اجلس فجلست فقال لمن خلف الستارة خذوا فيما أنتم فيه ثم رفع السجف فإذا المال فقلت ما خبر الضيعة فأدخل يده تحت مسورة هو متكئ عليها فقال هذا صك الضيعة سئل عن صاحبها فوجد ببغداد فاشتراها منه يحيى بن خالد وكتب إلي قد علمت أنك لا تسخو نفسا بشراء الضيعة من مال يحصل لك ولو حيزت لك الدنيا كلها وقد ابتعتها لك من مالي ووجهت لك بصكها ووجه إلي بصكها وهذا المال كما ترى ثم بكى وقال لي

يا مخارق إذا عاشرت فعاشر مثل هؤلاء وإذا خنكرت فخنكر لمثل هؤلاء هذه ستمائة ألف وضيعة بمائة ألف وستون ألف درهم لك حصلنا ذلك اجمع وأنا جالس في مجلسي لم أبرح منه فمتى يدرك مثل هؤلاء

إبراهيم الموصلي وموسى الهادي
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرني أبي عن إسحاق قال
كان موسى الهادي شكس الأخلاق صعب المزاج من توقاه وعرف أخلاقه أعطاه ما أمل ومن فتح فاه فاتفق له أن يفتحه بغير ما يهواه أقصاه وأطرحه فكان لا يحتجب عن ندمائه ولا عن المغنين وكان يكثر جوائزهم وصلاتهم ويواترها فتغنى أبي عنده يوما فقال له يا إبراهيم غنني جنسا من الغناء ألذ به وأطرب له ولك حكمك فقال يا أمير المؤمنين إن لم يقابلني زحل ببرده رجوت أن أصيب ما في نفسك
قال وكنت لا أراه يصغي إلى شيء من الأغاني إصغاءه إلى النسيب والرقيق منه وكان مذهب ابن سريج عنده أحمد من مذهب معبد فغنيته
( وإنّي لتَعْروني لِذكراكِ هزّةٌ ... كما انتفض العصفورُ بلّله القَطْرُ )
فضرب بيده إلى جيب دراعته فحطها ذراعا ثم قال أحسنت والله زدني فغنيت
( فيا حُبَّها زدني جَوىً كلَّ ليلةٍ ... ويا سَلوةَ الأيّام موعدُكِ الحشرُ )
فضرب بيده إلى دراعته فحطها ذراعا آخر أو نحوه وقال زدني ويلك أحسنت والله ووجب حكمك يا إبراهيم فغنيت

( هجرتُكِ حتى قِيل لا يعرِف الهَوى ... وزُرتُكِ حتى قيل ليس له صَبْرُ )
فرفع صوته وقال أحسنت لله أبوك هات ما تريد قلت يا سيدي عين مروان بالمدينة فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان وقال يابن اللخناء أردت أن تشهرني بهذا المجلس فيقول الناس أطربه فحكمه فتجعلني سمرا وحديثا يا إبراهيم الحراني خذ بيد هذا الجاهل إذا قمت فأدخله في بيت مال الخاصة فإن أخذ كل ما فيه فخله وإياه فدخلت فأخذت خمسين ألف دينار

نسبة هذا الصوت
صوت
( عَجِبتُ لسعيِ الدّهرِ بيني وبينها ... فلما انقضَى ما بيننا سَكَن الدهرُ )
( فيا حُبَّها زِدْنِي جَوىً كلَّ ليلة ... ويا سَلْوةَ الأيّامِ موعدُك الحَشْر )
( ويا هجر ليلى قد بلغتَ بي المَدَى ... وزِدْتَ على ما ليس يبلغُه الهجر )
( وإني لتَعْروني لذكراكِ هِزّةٌ ... كما انتفض العصفور بلَّلَة القَطر
( هجرتُكِ حتى قيل لا يَعرف الهوى ... وزُرْتُكِ حتى قيل ليس له صبر )
( أمَا والذي أَبْكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمْرُه أَمْر )
( لقد تركتني أحسدُ الوحشَ أَنْ أرى ... أَلِيفَيْن منها لا يروعهما الذُّعر )
الشعر لأبي صخر الهذلي
والغناء لمعبد وأول لحنه يا هجر ليلى وبعده الثاني ثم الأول من الأبيات ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو
ولابن

سريج في السادس والسابع والرابع والخامس ثقيل أول عن الهشامي
ولعريب في السادس والسابع والرابع والخامس ثقيل أول أيضا وللواثق فيها رمل وهو مما صنعه الواثق قبلها فعارضته بلحنها
وقد نسب قوم لحن معبد إلى ابن سريج ولحن ابن سريج إلى معبد
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال
اشترى جدك إبراهيم لجعفر بن يحيى جارية مغنية بمال عظيم فقال جعفر أي شيء تحسن هذه الجارية حتى بلغت بها هذا المال كله قال لو لم تحسن شيئا إلا أنها تحكي قولي
( لِمَنِ الدّيارُ بُبرْقَة الرَّوْحَان ... )
لكانت تساويه وزيادة فضحك جعفر وقال أفرطت

نسبة هذا الصوت
صوت
( لمن الديارُ بُبرْقَة الرَّوْحَانِ ... إذ لا نبيعُ زمانَنا بزمانِ )
( صدَع الغواني إذ رَمَيْن فؤادَه ... صَدْعَ الزُّجاجة ما لذاك تَدَان )
( إن زرتُ أهلَكِ لم أُنَوَّلْ حاجةً ... وإذا هجرتك شَفَّني هِجْراني )
الغناء لمعبد فيما ذكره الهشامي وأحمد بن المكي ثقيل أول

بالوسطى ونسبه غيرهما إلى حنين وقال آخرون إنه للغريض وذكر حبش أنه ليزيد حوراء
وفيه لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر
أخبرني الحسين عن حماد قال قال لي أبي
صنع جدك تسعمائة

صوت
منها دينارية ومنها درهمية ومنهما فلسية وما رأيت أكثر من صنعة فأما ثلاثمائة منها فإنه تقدم الناس جميعا فيها وأما ثلاثمائة فشاركوه وشاركهم فيها وأما الثلاثمائة الباقية فلعب وطرب قال ثم أسقط أبي الثلاثمائة الآخرة بعد ذلك من غناء أبيه فكان إذا سئل عن صنعته أبيه قال هي ستمائة صوت
وقال أحمد بن حمدون قال لي إسحاق من غناء أبي الذي أكرهه واستزريه صوته في شعر العباس بن الأحنف
( أَبْكِي ومثلي بكى من حُبّ جاريةٍ ... )
فما أعلم له فيه معنى إلا استحسانه للشعر فإن العباس أحسن فيه جدا
نسبة هذا الصوت
صوت
( أبكي ومثلي بكى من حُبّ جاريةٍ ... لم يَخلُقِ الله لي في قلبها لِينَا )
( هل تذكرين وُقُوفي عند بابُكم ... نصفَ النهار وأهلُ الدار لاهُونا )

الشعر للعباس بن الأحنف والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى
أخبرني جحظة قال أخبرني حماد بن إسحاق قال
قال رجل لأبي أخبرني عنك لم طعنت على أبيك في صنعته
( قال لي فيها عَتِيقٌ مقالاً ... فجرتْ مما يقول الدموعُ )
قال لأنه تعرض لابن عائشة وله في هذا الشعر صنعة وابن عائشة ممن لا يعارض فلم يقاربه وعلى أن صنعة أبي من جيد الغناء لو كان صنعها في غير هذا الشعر ولكنها اقترنت بصنعة ابن عائشة فلم تقاربها فسقط عندي لذلك

نسبة هذا الصوت
صوت
( قال لي فيها عَتِيقٌ مقالاً ... فَجرتْ ممّا يقول الدموعُ )
( قال لي وَدِّعْ سُلَيمى ودَعْها ... فأجاب القلبُ لا أستطيع )
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وقيل إنه لابن عائشة
وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى الهذلي
وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى ابن عائشة وإلى إبراهيم
أخبرني الحسن بن علي قال أخبرني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال حدثني إسحاق عن أبيه قال
دخلت الري فكنت آلف فتيانا من أهل النعم بها وهم لا يعرفونني

فطال ذلك علي إلى أن دعاني أحدهم ليلة إلى منزله فبت عنده فأخرج جارية له ومد لها ستارة فتغنت خلفها فرأيتها صالحة الأداء كثيرة الرواية فشوقتني إلى العراق وذكرتني أيامي بها فدعوت بعود فلما جيء به اندفعت فغنيت صوتي في شعري
( أنا بالرَّيّ مُقيم ... في قُرَى الرَّيّ أَهِيمُ )
وقد كنت صنعت هذا اللحن قديما بالري فخرجت الجارية من وراء الستارة مبادرة إلي فأكبت على رأسي وقالت أستاذي والله فقال لها مولاها أي أستاذيك هذا قالت إبراهيم الموصلي فإذا هي إحدى الجواري اللاتي أخذن عني وطال العهد بها فأكرمني مولاها وبرني وخلع علي فأقمت مدة بعد ذلك بالري وانتشر خبري بها ثم كتب بحملي إلى والي البلد فأشخصت

المهدي يرق له ويطلقه من الحبس
أخبرني الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدثني القطراني عن محمد بن جبر عن يحيى المكي قال
كنا يوما بين يدي المهدي وقد حبس إبراهيم الموصلي وضربه وأمر بأن يلبس جبة صوف وكان يخرج على تلك الحال فيطرح على الجواري فكتب إلينا ذات يوم ونحن مصطبحون وقد جادت السماء بمطر صيف وبحضرتنا شيء من ورد مبكر

( ألاَ مَن مُبْلغٌ قوماً ... مِنِ اخواني وجيراني )
( هنيئاً لكم الشُّربُ ... على وَرْدٍ وتَهْتان )
( وأنّي مُفْرَدٌ وحدي ... بأشجاني وأحزاني )
( فمَن جَفّ له جفنٌ ... فَجفْناي يَسيلان )
قال فوقف المهدي على رقعته وقرأها فرق له وأمر بطلبه في الوقت ثم أطلقه بعد بأيام
أخبرني الحسن قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني ابن المكي عن أبيه قال
كانت لعلي اليماني جارية مغنية فهويها إبراهيم واستهيم بها زمانا وقال فيها

صوت
( كنتُ حُرًّا فصرتُ عبدَ اليماني ... من هوَى شادنٍ هواه بَرَاني )
( وهو نِصْفان من قضيبٍ ودِعْصٍ ... زانَ صدرَ القضيب رُمّانتان )
اللحن لإبراهيم في هذين البيتين ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو
وقد زعم قوم أن الشعر للحسين بن الضحاك

أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق قال
كان بعض أهل نهيك قد تعاطى الغناء فلما ظن أنه قد أحكمه شاورني وأبي حاضر فقلت له إن قبلت مني فلا تغن فلست فيه كما أرضى فصاح أبي علي صيحة شديدة ثم قال لي وما يدريك يا صبي ثم أقبل على الرجل فقال أنت يا حبيبي بضد ما قال وإن لزمت الصناعة برعت فيها فلما خلا بي قال لي يا أحمق ما عليك أن يخزي الله مائة ألف مثل هذا هؤلاء أغنياء ملوك وهم يعيروننا بالغناء فدعهم يتهتكوا به ويعيروا ويفتضحوا ويحتاجوا إلينا فننتفع بهم ويبين فضلنا لدى الناس بأمثالهم
قال ولزمه النهيكي يأخذ عنه ويبره فيجزل فكان إذا غنى فأحسن قال له بارك الله فيك وإذا أساء قال بارك الله عليك وكثر ذلك منه حتى عرف النهيكي معناه فيه فغنى يوما وأبي ساه فسكت ولم يقل له شيئا فقال له جعلت فداك يا أستاذي أهذا الصوت من أصوات فيك أم عليك فضحك أبي ولم يكن علم أنه قد فطن لقوله ثم قال له والله لأقبلن عليك حتى تصير كما تشتهي فأنك ظريف أديب وعني به حتى حسن غناؤه وتقدم
وفيه يقول أبي
( أوجب الله لك الحقَّ ... على مثلي بظَرْفِكْ )
( لن تراني بعد هذا ... ناطقاً إلاّ بوصفك )
( وترى القوّةَ فيما ... تَشتهيه بعد ضعفك )

إبراهيم الحاذق العالم بالغناء وأصوله
أخبرني إسماعيل قال حدثني عمر بن شبة عن إسحاق أخبرني به الصولي عن عون بن محمد عن إسحاق قال
غنى مخارق بين يدي الرشيد صوتا فأخطأ في قسمته فقلت له أعد

فأعاده وكان الخطأ خفيا فقلت للرشيد يا سيدي قد أخطأ فيه فقال لإبراهيم بن المهدي ما تقول فيما ذكره إسحاق قال ليس الأمر كما قال ولا هاهنا خطأ فقلت له أترضى بأبي قال إي والله وكان أبي في بقايا علة فأمر الرشيد بإحضاره ولو محمولا فجيء به محفة فقال لمخارق أعد الصوت فأعاده فقال ما عندك يا إبراهيم في هذا الصوت فقال قد أخطأ فيه فقال له هكذا قال ابنك إسحاق وذكر أخي إبراهيم أنه صحيح فنظر إلي ثم قال هاتوا دواة فأتي بها وكتب شيئا لم يقف عليه أحد ثم قطعه ووضعه بين يدي الرشيد وقال لي اكتب بذكر الموضع الفاسد من قسمة هذا الصوت فكتبته وألقيته فقرأه وسر وقام فألقاه بين يدي الرشيد فإذا الذي قلناه جميعا متفق فضحك وعجب ولم يبق أحد في المجلس إلا قرظ وأثنى ووصف ولا أحد خالف إلا خجل وذل وأذعن
وقال أبي في ذلك
( ليت من لا يُحسن العلمَ ... كفانا شَرَّ عِلْمِهْ )
( فاخْبُرِ الحقَّ ابتداءً ... وقِسِ العلمَ بفهمه )
( طيِّبُ الرَّيْحان لا تعرفه ... إلا بشَمّه )
حدثني جحظة قال حدثني هبة الله وحدثني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال
غنى أبي يوما بحضرة الرشيد
( سَلِي هل قَلاَنِي من عَشيرٍ صَحِبتُه ... وهل ذمّ رَحْلي في الرِّفاق رفيقُ )
فطرب واستعاده وأمر له بعشرين ألف درهم فلما كان بعد سنين

خطر ببالي ذلك الصوت وذكرت قصته فغنيته إياه فطرب وشرب ثم قال لي يا إسحاق كأني في نفسك ذكرت حديث أبيك وأني أعطيته ألف دينار على هذا الصوت فطمعت في الجائزة فضحكت ثم قلت والله يا سيدي ما أخطأت فقال قد أخذ ثمنه أبوك مرة فلا تطمع فعجبت من قوله ثم قلت يا سيدي قد أخذ أبي منك أكثر من مائتي ألف دينار ما رأيتك ذكرت منها غير هذا الألف على بختي أنا فقال ويحك أكثر من مائتي ألف دينار قلت إي والله فوجم وقال أستغفر الله من ذلك ويحك فما الذي خلف منها قلت خلف علي ديونا مبلغها خمسة آلاف دينار قضيتها عنه فقال ما أدري أينا أشد تضييعا والله المستعان

نسبة هذا الصوت
صوت
( سَلِي هل قلاني مِنْ عَشيرٍ صَحِبتُه ... وهل ذَمّ رَحْلي في الرِّفاق رفيقُ )
( وهل يَجْتوِي القومُ الكرامُ صَحابتي ... إذا اغبّر مَخْشِيُّ الفِجَاج عَميقُ )
( ولو تَعلمين الغيبَ أيقنتِ أنّني ... لكُم والهَدايا المُشْعَراتِ صديقُ )
الشعر ينسب إلى مضرس بن قرط الهلالي وإلى قيس بن ذريح وفيه بيت يقال إنه لجرير
والغناء مختلط في أشعار الثلاثة المذكورين

ونسبته تأتي في أخبار قيس بن ذريح إلا أن الغناء في هذه الثلاثة الأبيات لمعبد ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق

كان يحفظ حتى صوت القطط
أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثتني نشوة الأشنانية قالت أخبرني أبو عثمان يحيى المكي قال
تشوق يوما إبراهيم الموصلي إلى سرداب له وكانت فيه بركة ماء تدخل من موضع إليه وتخرج إلى بستان فقال أشتهي أن أشرب يومي وأبيت ليلتي في هذا السرداب ففعل ذلك فبينا هو نائم في نصف الليل فإذا سنورتان قد نزلتا من درجة السرداب بيضاء وسوداء فقالت إحداهما أتراه نائما فقالت السوداء هو نائم فاندفعت السوداء فغنت بأحسن صوت
( عَفَا مُزْج إلى لَصَقٍ ... إلى الهَضَبات من هَكِر )
( إلى قاع النَّقِير إلى ... قرار جِلاَل ذي حَدَر )

قال فمات إبراهيم فرحا وقال يا ليتهما أعاداه فأعاداه مرارا حتى أخذه ثم تحرك فقامت السنورتان وسمع إحداهما تقول للأخرى والله لا طرحه على أحد إلا جن فطرحه من غد على جارية له فجنت

نسبة هذا الصوت
الغناء فيه لمالك ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي وعمرو بن بانة
أخبرني الحسن بن علي وعمي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال حدثني أبو محمد إسحاق بن إبراهيم عن أبيه قال
أتيت الفضل بن يحيى يوما فقلت له يا أبا العباس جعلت فداك هب لي دراهم فإن الخليفة قد حبس يده فقال ويحك يا أبا إسحاق ما عندي مال أرضاه لك ثم قال هاه إلا أن ها هنا خصلة أتانا رسول صاحب اليمن فقضينا حوائجه ووجه إلينا بخمسين ألف دينار يشتري لنا بها محبتنا فما فعلت ضياء جاريتك قلت عندي جعلت فداك قال فهو ذا أقول لهم يشترونها منك لا تنقصها من خمسين ألف دينار فقبلت رأسه ثم انصرفت فبكر علي رسول صاحب اليمن ومعه صديق لي فقال جاريتك فلانه عندك فقلت عندي فقال اعرضها علي فأخرجتها قال بكم قلت بخمسين ألف دينار ولا أنقص منها دينارا واحدا وقد أعطاني بها الفضل بن يحيى أمس هذه العطية فقال لي أريدها له فقلت له أنت أعلم إذا اشتريتها فصيرها لمن شئت فقال لي هل لك في ثلاثين ألف دينار مسلمة لك قال وكان شراء الجارية على أربعمائة دينار فلما وقع في أذني ذكر ثلاثين ألف أرتج علي ولحقني زمع وأشار علي صديقي الذي معه بالبيع وخفت والله أن

يحدث بالجارية حدث أو بي أو بالفضل بن يحيى فسلمتها وأخذت المال ثم بكرت على الفضل بن يحيى فإذا هو جالس وحده فلما نظر إلي ضحك ثم قال لي يا ضيق الحوصلة حرمت نفسك عشرين ألف دينار فقلت له جعلت فداك دع ذا عنك فوالله لقد دخلني شيء أعجز عن وصفه وخفت أن تحدث بي حادثة أو بالجارية أو بالمشتري أو بك أعاذك الله من كل سوء فبادرت بقبول الثلاثين ألف دينار فقال لا ضير يا غلام جئ بالجارية فجاء بجاريتي بعينها فقال خذها مباركا لك فيها فإنما أردنا منفعتك ولم نرد الجارية فلما نهضت قال لي مكانك إن صاحب إرمينية قد جاءنا فقضينا حوائجه ونفذنا كتبه وذكر أنه قد جاءنا بثلاثين ألف دينار يشتري لنا بها ما نحب فاعرض عليه جاريتك هذه ولا تنقصها من ثلاثين ألف دينار فانصرفت بالجارية وبكر إلي رسول صاحب إرمينية ومعه صديق لي آخر فقاولني بالجارية فقلت لست أنقصها من ثلاثين ألف دينار فقال لي معي على الباب عشرون ألف دينار تأخذها مسلمة بارك الله لك فيها فدخلني والله مثل الذي دخلني في المرة الأولى وخفت مثل خوفي الأول فسلمتها وأخذت المال وبكرت على الفضل بن يحيى فإذا هو وحده فلما رأني ضحك وضرب برجله الأرض وقال ويحك حرمت نفسك عشرة آلاف دينار فقلت أصلحك الله خفت والله ما خفت في المرة الأولى قال لا ضير أخرج يا غلام جاريته فجاء بجاريتي بعينها فقال خذها ما أردناها ولا أردنا إلا منفعتك فلما ولت الجارية صحت بها ارجعي فرجعت فقلت أشهدك جعلت فداك أنها حرة لوجه الله وأني قد تزوجتها على عشرة آلاف درهم كسبت لي في يومين خمسين ألف دينار فما جزاؤها إلا هذا فقال وفقت إن شاء الله

أخبرني الحسن بن علي قال أخبرني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال حدثني إسحاق قال قال لي أبي
كنت في شبابي ألازم أصحاب قطربل وباري وبنى وما أشبه هذه المنازل فأتخذ فيهم الخمار اللطيف يحسبوني بالشراب الجيد ويخبؤه لي فجئت إلى باري يوما فلقيني خماري فقال لي يا أبا إسحاق عندي شيء من بابتك وقد كنت عملت لحني هذا

صوت
( اشرَبِ الرَّاح وكُنْ في ... شُرْبك الرّاحَ وَقُورَا )
( فاشربِ الرّاح رَوَاحاً ... وظلاماً وبُكورا )
الشعر والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى
وفيه لمنصور زلزل الضارب خفيف رمل عن حبش قال فدخلت بيته وبزلت دنه وجعلت أرجع الصوت فبهت ينظر إلي والنبيذ يجري حتى امتلأ الإناء وفاض فقلت له ويحك شرابك قد فاض فقال دعني

من شرابي بالله مات لك إنسان في هذه الأيام فقلت لا قال فما بال حلقك هذا حزينا
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني حماد بن إسحاق عن عمه طيات بن إبراهيم قال
دخلت على أبي يوما وعنده مخارق وأبي يلقي عليه هذا الصوت
صوت
( طَرِبتَ وأنت مَعْنِيُّ كئيبُ ... وقد يَشتاق ذو الحَزَنِ الغريبُ )
( وشاقَك بالمُوَقَّر أهلُ خاخٍ ... فلا أَمَمٌ هناكَ ولا قريبُ )
( وكم لك دونها من عُرض أرضٍ ... كأنّ سَرَابَها الجاري سَبيب )
( لَعَمْرُك إنّني برَقِيم قَيْس ... وجارةِ أهلِها لأنا الحَرِيبُ )
الشعر للأحوص والغناء لإبراهيم ماخوري بالبنصر عن عمرو قال فلما أخذه مخارق جعل أبي يبكي ثم قال له يا مخارق نعم وسيلة إبليس أنت في الأرض أنت والله بعدي صاحب اللواء في هذا الشأن

تفاخر مع ابنه في الغناء فحكم له
أخبرني الحسن بن علي وعمي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال

حدثني محمد بن عبد الله بن مالك عن إسحاق قال
لما صنع أبي لحنه في
( ليتَ هنداً أنجزتنا ما تَعِدْ ... وشَفَتْ أنفُسَنا مما تَجِدْ )
خاصمته وعبته في صنعته وقلت له أما بإزائك من ينتقد أنفاسك ويعيب محاسنك وأنت لا تفكر تجيء إلى صوت قد عمل فيه ابن سريج لحنا فتعارضه بلحن لا يقاربه والشعر أوسع من ذلك فدع ما قد اعتورته صناعة القدماء وخذ في غيره فغضب وكنت لا أزال أفاخره بصنعتي وأعيب ما يعاب من صنعته فإن قبل مني فذلك وإن غضب درايته وترضيته فقال لي ما يعلم الله أني أدعك أو تفاخرني بخير صوت صنعته في الثقيل الثاني في طريقة هذا الصوت فلما رأيت الجد منه اخترت صنعتي في هذا اللحن
( قل لمَنْ صَدّ عاتبَا ... ونأى عنك جانِبَا )
( قد بلغتَ الذي أردْتَ ... وإن كنتَ لاعبا )
وكان ما تجاريناه ونحن نتساير خارجين إلى الصحراء نقطع فضلة خمار بنا فقال من تحب أن يحكم بيني وبينك فقلت من ترى أن يحكم هاهنا قال أول من يطلع علينا أغنيه لحني وتغنيه لحنك فطمعت فيه وقلت نعم فأقبل شيخ نبطي يحمل شوكا على حمار له فأقبل عليه أبي فقال إني وصاحبي هذا قد تراضينا بك في شيء قال وأي شيء هو فقلنا زعم كل واحد منا أنه أحسن غناء من صاحبه فتسمع مني ومنه وتحكم فقال على اسم الله فبدأ أبي فغنى لحنه وتبعته فغنيت لحني فلما فرغت أقبل علي فقال لي قد حكمت عليك عافاك الله ومضى فلطمني أبي لطمة ما مر بي مثلها منه قط وسكت فما أعدت عليه

حرفا ولا راجعته بعد ذلك في هذا المعنى حتى افترقنا

نسبة هذين الصوتين
صوت
( ليت هنداً أنْجزتْنا ما تَعِدْ ... وشَفَتْ أنفُسَنا ممّا تَجِدْ )
( واستبدّتْ مرّةً واحدةً ... إنما العاجز من لا يَسْتَبِدّ )
( زعموها سألتْ جاراتها ... ذاتَ يومٍ وتعرّتْ تَبْتَرِد )
( أَكَمَا يَنْعَتُنِي تُبْصِرْنَنِي ... عَمْرَكُنّ الله أم لا يقتصِدْ )
( فتضاحَكْن وقد قُلْن لها ... حسَنٌ في كلِّ عينٍ من تَوَدّ )
( حسداً حُمِّلَنه من أجْلِها ... وقَديماً كان في الناس الحَسد )
الشعر لعمر بن أبي ربيعة
ولحن إبراهيم فيه ثاني ثقيل بالوسطى
وفيه لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر
وفيه لمالك خفيف ثقيل بالخنصر والبنصر عن يحيى المكي وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد وقال الهشامي أدل شيء على أنه لمالك شبهه للحنه
( اسْلَمِي يا دارُ مِن هندِ ... )
وفيه لمتيم ثقيل أول
وأما لحن إسحاق الذي فاخر به صنعة أبيه فقد كتب شعره والصنعة فيه وهما جميعا لإسحاق ولحنه ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو في أخبار إسحاق

وذكر أحمد بن أبي طاهر أن حماد بن إسحاق حدثه عن أبيه قال
كان الرشيد قد وجد على منصور زلزل لشيء بلغه عنه فحبسه عشر سنين أو نحوها فقام الرشيد يوما لحاجته فجعل إبراهيم يغني صوتا صنعه في شعر كان قاله في حبس زلزل وهو
( هل دهرُنا بك راجعٌ يا زَلْزَلُ ... أيّام يَبْغِينا العدوُّ المبطِلُ )
( أيامَ أنت من المَكاره آمِنٌ ... والخيرُ مُتَّسِع علينا مُقْبِلُ )
( يا بؤسَ مَنْ فقَد الإِمَامَ وقُرْبَه ... ماذا به من ذِلَّة لو يَعْقِل )
( ما زلتُ بعدك في الهموم مُرَدَّداً ... أبكي بأربعةٍ كأنّي مُثْكِلُ )
الشعر والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو قال ودخل الرشيد وهو في ذلك فجلس في مجلسه ثم قال يا إبراهيم أي شيء كنت تقول فقال خيرا يا سيدي فقال هاته فتلكأ فغضب الرشيد وقال هاته فلا مكروه عليك فرد الغناء فقال له أتحب أن تراه فقال وهل ينشر أهل القبور فقال هاتوا زلزلا فجاؤوا به وقد ابيض رأسه ولحيته فسر به إبراهيم وأمره فجلس وأمر إبراهيم فغنى وضرب عليه فزلزلا الدنيا وشرب الرشيد على ذلك رطلا وأمر بإطلاق زلزل وأسنى جائزتهما ورضي عنه وصرفه إلى منزله
قال وزلزل أول من أحدث هذه العيدان الشبابيط وكانت قديما على عمل عيدان الفرس فجاءت عجبا من

العجب قال وكانت أخت زلزل تحت إبراهيم وقد ولدت منه

تعلم أول غناء من مجنون
أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال
أول من تعلمت منه الغناء مجنون كان إذا صيح به يا مضر يهيج ويرجم فبلغني أنه يغني أصواتا فيجيدها أخذها عن قدماء أهل الحجاز فكنت أدخله إلي فأطعمه وأسقيه وأخدعه حتى آخذ عنه وكان حاذقا فأول صوت أخذته عنه
( أَرْسِلي بالسّلام يا سَلْم إنِّي ... منذُ عُلِّقْتُكم غنيُّ فقيرُ )
( فالغِنَى إن ملكتُ أمرَكِ والفقرُ ... بأنّي أزورُ من لا يزور )
( وَيْحَ نفسي تسلو النفوسُ ونفسي ... في هَوى الرِّيم ذكرُها ما يَحُور )
( مَنْ لنفسٍ تَتُوق أنتِ هواها ... وفؤادٍ يكاد فيكِ يطير )
ثم مكثت زمانا آخذ عنه وكان إذا عاد إليه عقله من أحذق الناس وأقومهم على ما يؤديه ثم غاب عني فما أعرف خبره
وهذا الشعر للوليد بن يزيد
والغناء ليونس خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر غيره أنه لعمر الوادي وفيه لوجه القرعة ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده قال
خرجت مع الرشيد إلى الشأم لما غزا فدعاني يوما فدخلت إليه إلى مجلس لم أر أحسن منه مفروش بأنواع الرخام فأكل وأمرني فأكلت معه وجعلت أتولى خدمته إلى العصر ثم دعا بالنبيذ فشرب وسقاني معه ثم خلع علي خلعة وشي من ثيابه وأمر لي بألف دينار ثم قال انظر

يا إبراهيم كم من يد أوليتك إياها اليوم نادمتني مفردا وآكلتني وخلعت عليك ثيابي من بدني ووصلتك وأجلستك في إيوان مسلمة بن عبد الملك تشرب معي فقلت يا سيدي ما ذهب علي شيء من تفضلك وإن نعمك عندي لأكثر من أن تحصى وقبلت رجله والأرض بين يديه

إبراهيم الموصلي أول من غنى الرشيد بعد توليه الخلافة
أخبرني الحسن بن علي حدثنا أحمد بن زهير قال قال دعبل بن علي
لما ولي الرشيد الخلافة وجلس للشرب بعد فراغه من إحكام الأمور ودخل عليه المغنون كان أول من غناه إبراهيم الموصلي بشعره فيه وهو
صوت
( إذا ظُلَمُ البلادِ تَجَلَّلْتنا ... فهارونُ الإِمامُ لها ضِياءُ )
( بهارونَ استقام العدلُ فينا ... وغاض الجَورْ وانفسح الرجاء )
( رأيتُ الناسَ قد سكنوا إليه ... كما سكنتْ إلى الحَرَم الظِّباءُ )
( تَبِعْتَ من الرسول سبيلَ حقٍّ ... فشأنُك في الأمور به اقتداءُ )
فقال له الخادم من خلف الستارة أحسنت يا إبراهيم في شعرك

وغنائك وأمر له بعشرين ألف درهم
لحن إبراهيم في هذا الصوت ثقيل أول بالسبابة والوسطى عن أحمد بن المكي
أخبرني الحسن بن علي قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال حدثني أبي قال كنت أنا وأبو سعيد النهدي وهاشم بن سليمان المغني يوما مجتمعين في بستان لنا ونحن نشرب وهاشم يغنينا فلما توسطنا أمرنا إذا نحن برجل قد دخل علينا البستان جميل الهيئة حسن الزي فلما بصرنا به من بعيد وثب هاشم يعدو حتى لقيه فقبل يده وعانقه ولم يعرفه أحد منا فجاء وسلم سلام الصديق على صديقه ثم قال خذوا في شأنكم فإني اجتزت بكم فسمعت غناء أبي القاسم فاستخفني وأطربني فدخلت إليكم واثقا بأنه لا يعاشر إلا فتى ظريفا يستحسن هذا الفعل ويسره ولي في هذا إمام وهو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فإنه سمع غناء عند قوم فدخل بغير إذن ثم قال إنما أدخلني عليكم مغنيكم لما غنى
( قُلْ لكرامٍ ببابنا يَلِجُوا ... ما في التَّصابي على الفتى حَرَجُ )
وأنا أعلم أن نفوسكم متعلقة بمعرفتي فمن عرفني فقد اكتفى ومن جهلني فأنا إبراهيم الموصلي فقمنا فقبلنا رأسه وسررنا به أتم سرور وانعقدت بيننا وبينه يومئذ مودة ثم غاب عنا غيبة طويلة وإذا هاشم قد أنفذ إلينا منه رقعة فيها
( أهاشمُ هل لي مِنْ سبيلٍ إلى التي ... تُفرِّق همَّ النفس في كل مَذْهبِ )
( مُعَتَّقةً صرْفا كأنّ شُعاعَها ... تَضَرُّم نارٍ أو تَوَقُّدُ كوكبِ )
( ألا ربّ يومٍ قد لهوتُ وليلةٍ ... بها والفتى النَّهْدِيُّ وابن المُهّلَّب )
( نُدِير مُداماً بيننا بتَحِيَّة ... وتَفْدِيَةٍ بالنفس والأمّ والأب )
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45