كتاب:الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني

صوت
( بان الحبيبُ فلاحَ الشَّيبُ في راسي ... وبتُّ منفرداً وحدي بِوَسْواسِ )
( ماذا لقيتُ فدتك النفسُ بعدَكم ... من التبرم بالدنيا وبالناس )
( لو كان شيء يسلي النفسَ عن َشجَن ... سلّت فؤاديَ عنكم لذَّةُ الكاس )
صوت
( بأبي ريمٌ رَمَى قلبي ... بألحاظٍ مِراضِ )
( وحَمَى عيني أن تلتَذ ... َّ طِيبَ الاغتماض )
( كلَّما رُمْت انبساطاً ... كفَّ بَسْطي بانقباض )
( أو تعالَى أملي فيه ... رَمَاهُ بانخفاضِ )
( فمتى ينتصفُ المظلومُ ... والظالمُ قاضي )
الشعر لأبي الشبل البرجمي والغناء لعثعث الأسود خفيف ثقيل أول بالوسطى وفيه لكثير رمل ولبنان خفيف رمل

أخبار أبي الشبل ونسبه
أبو الشبل اسمه عاصم بن وهب من البراجم مولده الكوفة ونشأ وتأدب بالبصرة
اتصاله بالمتوكل
أخبرني بذلك الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن علي بن الحسن الأعرابي
وقدم إلى سر من رأى في ايام المتوكل ومدحه وكان طبا نادرا كثير الغزل ماجنا فنفق عند المتوكل بإيثاره العبث وخدمه وخص به فأثرى وأفاد فذكر لي عمي عن محمد بن المرزبان بن الفيرزان عن أبيه أنه لما مدحه بقوله
( أقبلي فالخيرُ مقبلْ ... واتركي قولَ المعلِّلْ )
( وثِقي بالنُّجح إذ أبصرت ... وجه المتوكِّلْ )
( ملِكٌ يُنْصِفُ يا ظالمتي ... فيكِ ويَعدلْ )
( فهُوَ الغايةُ والمأمول ... يرجوهُ المؤمِّلْ )

أمر له بألف درهم لكل بيت وكانت ثلاثين بيتا فانصرف بثلاثين ألف درهم
الغناء في هذه الأبيات لأحمد المكي رمل بالبنصر
أخبرني يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني عن أحمد بن المكي قال غنيت المتوكل صوتا شعره لأبي الشبل البرجمي وهو
( أقبلي فالخير مقبلْ ... ودعي قول المعلِّلْ )
فأمر لي بعشرين ألف درهم فقلت يا سيدي أسأل الله أن يبلغك الهنيدة فسأل عنها الفتح فقال يعني مائة سنة فأمر لي بعشرة آلاف أخرى
وحدثنيه الحسن بن علي عن هارون بن محمد الزيات عن أحمد بن المكي مثله
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل عاصم بن وهب الشاعر وهو القائل
( أَقبِلي فالخير مقبلْ ... ودعي قول المعلِّلْ )
قال كانت لي جارية اسمها سكر فدخلت يوما منزلي ولبست ثيابي لأمضي إلى دعوة دعيت إليها فقالت أقم اليوم في دعوتي أنا فأقمت وقلت
( أنا في دعوةِ سُكَّرْ ... والهوى ليس بمنكَرْ )
( كيف صبري عن غزالٍ ... وجهُهُ دلو مُقَيَّرْ )

فلما سمعت الأول ضحكت وسرت فلما أنشدتها البيت الثاني قامت إلي تضربني وتقول لي هذا البيت الأخير الذي فيه دلو لمالك لولا الفضول فما زالت يعلم الله تضربني حتى غشي علي

خبره مع مالك بن طوق
وذكر ابن المعتز أن ابا الأغر الأسدي حدثه قال مدح أبو الشبل مالك بن طوق بمدح عجيب وقدر منه ألف درهم فبعث إليه صرة مختومة فيها مائة دينار فظنها دراهم فردها وكتب معها قوله
( فليت الذي جادت به كفُّ مالكٍ ... ومالك مدسوسان في اسْت أمِّ مالِكِ )
( فكانَ إلى يوم القيامةِ في استها ... فأيسَرُ مفقودٍ وأيسَرُ هالك )
وكان مالك يومئذ أميرا على الأهواز فلما قرأ الرقعة أمر بإحضاره فأحضر فقال له يا هذا ظلمتنا واعتديت علينا فقال قد قدرت عندك ألف درهم فوصلتني بمائة درهم فقال افتحها ففتحتها فإذا فيها مائة دينار فقال أقلني أيها الاميرقال قد أقلتك ولك عندي كل ما تحب أبدا ما بقيت وقصدتني
حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال قال لي أبو الشبل البرجمي كان في جيراني طبيب أحمق فمات فرثيته فقلت
( قد بكاه بَولُ المريضِ بدمعٍ ... واكِفٍ فوق مُقلتيه ذَرُوفِ )

( ثم شقَّت جيوبَهن القوارير ... ُ عليه ونُحْنَ نَوْحَ اللَّهيفِ )
( يا كسادَ الخِيارِ شَنْبَرَ والأقراصِ ... طرّاً ويا كسادَ السَّفوفِ )
( كنتَ تمشي مع القويِّ فإن جاء ... ضعيفٌ لم تَكترثْ بالضَّعيفِ )
( لهفَ نفسي على صُنوفِ رَقاعاتٍ ... تولَّت منه وعقلٍ سخيفِ )

سخريته بخالد بن يزيد
حدثنا الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا أبو الشبل قال إن خالد بن يزيد بن هبيرة كان يشرب النبيذ فكان يغشانا وكانت له جارية صفراء مغنية يقال لها لهب فكانت تغشانا معه فكنت أعبث بهما كثيرا ويشتماني فقام مولاها يوما إلى الخابية يستقي نبيذا فإذا قميصه قد انشق فقلت فيه
( قالت له لهبٌ يوماً وجادَلَها ... بالشعر في باب فَعْلاَنٍ ومفعولِ )
( أمّا القميص فقد أودى الزمان به ... فليت شعري ما حال السراويلِ )
فبلغ الشعر أبا الجهم أحمد بن يوسف فقال
( حالُ السراويل حالٌ غيرُ صالحة ... تَحكي طرائقُه نسجَ الغرابيلِ )
( وتحته حفرة قَوْراء واسعة ... تسيل فيها مَيازيبُ الأحاليلِ )
قال أبو الشبل وكانت أم خالد هذا ضراطة تضرط على صوت العيدان وغيرها في الإيقاع فقلت فيه

( في الحَيِّ من لا عدِمْتُ خُلَّتَه ... فتىً إذا ما قطعتُهُ وَصَلاَ )
( له عجوز بالحَبْق أبصرُ مَنْ ... أبصرتَه ضارِباً ومرتجِلا )
( نادمتُها مرَّةً وكنت فتىً ... ما زلتُ أهوَى وأَشتهي الغَزَلا )
( حتى إذا ما أمالَها سَكَرٌ ... يَبْعث في قلبها لها مَثَلاَ )
( إِتَّكَأتْ يَسرةً وقد حَرَقَتْ ... أشراجَها كي تقوِّم الرَّملا )
( فَلَمْ تَزَلْ باستها تُطارِحني ... إِسمَعْ إلى مَنْ يَسومُني العِلَلاَ )
حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال لما عرض لي الشعر أتيت جارا لي نحويا وأنا يومئذ حديث السن أظنه قال إنه المازني فقلت له إن رجلا لم يكن من أهل الشعر ولا من أهل الرواية قد جاش صدره بشيء من الشعر فكره أن يظهره حتى تسمعه قال هاته وكنت قد قلت شعرا ليس بجيد إنما هو قول مبتدئ فأنشدته إياه فقال من العاض بظر أمه القائل لهذا فقمت خجلا فقلت لأبي الشبل فأي شيء قلت له أنت قال قلت في نفسي أعضك الله بظر أمك وبهضك

ذكر بعض نوادره
أخبرني عمي عن محمد بن المرزبان بن الفيرزان قال كنت أرى أبا الشبل كثيرا عند أبي وكان إذا حضر أضحك الثكلى بنوادره فقال له أبي يوما حدثنا ببعض نوادرك وطرائفك قال نعم من طرائف أموري أن ابني زنى بجارية سندية لبعض جيراني فحبلت وولدت وكانت قيمة الجارية

عشرين دينارا فقال يا أبت الصبي والله ابني فساومت به فقيل لي خمسون دينارا فقلت له ويلك كنت تخبرني الخبر وهي حبلى فأشتريها بعشرين دينارا ونربح الفضل بين الثمنين وأمسكت عن المساومة بالصبي حتى اشتريته من القوم بما أرادوا ثم أحبلها ثانيا فولدت له ابنا آخر فجاءني يسألني أن ابتاعه فقلت له عليك لعنة الله ما يحملك أن تحبل هذه فقال يا أبت لا أستحب العزل وأقبل على جماعة عندي يعجبهم مني ويقول شيخ كبير يأمرني بالعزل ويستحله فقلت له يابن الزانية تستحل الزنا وتتحرج من العزل فضحكنا منه
وقلت له وأي شيء أيضا قال دخلت أنا ومحمود الوراق إلى حانة يهودي خمار فأخرج إلينا منها شيئا عجيبا فظنناه خمرا بنت عشر قد أنضجها الهجير فأخرج إلينا منها شيئا عجيبا وشربنا فقلت له اشرب معنا قال لا أستحل شرب الخمر فقال لي محمود ويحك رأيت أعجب مما نحن فيه يهودي يتحرج من شرب الخمر ونشربها ونحن مسلمون فقلت له أجل والله لا نفلح أبدا ولا يعبأ الله بنا ثم شربنا حتى سكرنا وقمنا في الليل فنكنا بنته وامرأته وأخته وسرقنا ثيابه وخرينا في نقيوات نبيذ له وانصرفنا
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال أخبرنا عون بن محمد الكندي قال وقعت لأبي الشبل البرجمي إلى هبة الله بن إبراهيم بن المهدي حاجة فلم يقضها فهجاه فقال
( صَلَفٌ تندقُّ منه الرقبهْ ... ومساوٍ لم تُطِقْها الكَتَبَهْ )

كلَّما بادَرَهُ رَكْبٌ بما ... يشتهيه منه نادى يا أبَهْ )
( ليته كان الترى الفَرْجُ به ... لم يزد في هاشمٍ هذي هِبَهْ )
يعني غلاما لهبة الله كان يسمى بدرا وكان غالبا على أمره
حدثني الصولي قال حدثني القاسم بن إسماعيل قال قال رأى أبو الشبل إبراهيم بن العباس يكتب فأنشأ يقول
( ينظِّم اللؤلؤَ المنثورَ منطقُه ... وينظِم الدرَّ بالأقلام في الكُتُبِ )
حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل البرجمي قال حضرت مجلس عبيد الله بن يحيى بن خاقان وكان إلي محسنا وعلي مفضلا فجرى ذكر البرامكة فوصفهم الناس بالجود وقالوا في كرمهم وجوائزهم وصلاتهم فأكثروا فقمت في وسط المجلس فقلت لعبيد الله أيها الوزير إني قد حكمت في هذا الخطب حكما نظمته في بيتي شعر لا يقدر أحد أن يرده علي وإنما جعلته شعرا ليدور ويبقى فيأذن الوزير في إنشادهما قال قل فرب صواب قد قلته فقلت
( رأيتُ عبيدَ الله أفضلَ سُودَداً ... وأكرمَ مِن فضلٍ ويحيى بنِ خالِدِ )
( أولئك جادوا والزَّمانُ مُساعِدٌ ... وقد جاد ذا والدَهرُ غيرُ مساعِدِ )
فتهلل وجه عبيد الله وظهر السرور فيه وقال أفرطت أبا الشبل ولا كل هذا فقلت والله ما حابيتك أيها الوزير ولا قلت إلا حقا واتبعني القوم في وصفه وتقريظه فما خرجت من مجلسه إلا وعلي الخلع وتحتي دابة بسرجه ولجامه وبين يدي خمسة آلاف درهم

خبره مع جاريتين تقولان الشعر
حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني علي بن الحسن الشيباني قال حدثني أبو الشبل الشاعر قال كنت أختلف إلى جاريتين من جواري النخاسين كانتا تقولان الشعر فأتيت إحداهما فتحدثت إليها ثم أنشدتها بيتا لأبي المستهل شاعر منصور بن المهدي في المعتصم
( أقام الإمامُ مَنَارَ الهُدَى ... وأخرَسَ ناقوسَ عَمُّورِيَّهْ )
ثم قلت لها أجيزي فقالت
( كساني المليكُ جلابيبَه ... ثيابٌ عَلاها بسَمُّورِيَهْ )
ثم دعت بطعام فأكلنا وخرجت من عندها فمضيت إلى الأخرى فقالت من أين يا ابا الشبل فقلت من عند فلانة قالت قد علمت أنك تبدأ بها وصدقت كانت أجملهما فكنت أبدأ بها ثم قالت أما الطعام فاعلم أنه لا حيلة لي في أن تأكله لعلمي بأن تلك لا تدعك تنصرف أو تأكل فقلت أجل قالت فهل لك في الشراب قلت نعم فأحضرته وأخذنا في الحديث ثم قالت فأخبرني ما دار بينكما فأخبرتها فقالت هذه المسكينة كانت تجد البرد وبيتها أيضا هذا الذي جاءت به يحتاج إلى سمورية أفلا قالت

( فأضحَى به الدِّين مستبشِراً ... وأضحت زِنادُهما وارِيَهْ )
فقلت أنت والله أشعر منها في شعرها وأنت والله في شعرك فوق أهل عصرِك والله أعلم

ذكره للشيب في شعره
أخبرنا الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال أنشدني أبو الشبل لنفسه
( عَذِيري مِن جَواري الحي ... إذ يَرغبن عن وصلي )
( رأَين الشيبَ قد ألبسني ... أُبَّهَةَ الكَهْلِ )
( فأعرضْنَ وقد كُنَّ ... إذا قيل أبو الشبلِ )
( تَساعَيْن فرقَّعن الكُوَى ... بالأعيُن النُّجلِ )
قال وهذا سرقه من قول العتبي
( رأين الغواني الشيب لاح بمَفرقي ... فأعرضْنَ عنيِّ بالخدودِ النواضِرِ )
( وكُنَّ إذا أبصرنَنِي أو سمِعْنَنِي ... سَعَيْنَ فرقَّعْنَ الكُوَى بالمَحَاجِرِ )
حدثني الحسن قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال

كان حاتم بن الفرج يعاشرني ويدعوني وكان أهتم قال أبو الشبل وأنا أهتم وهكذا كان أبي وأهل بيتي لا تكاد تبقى في أفواههم حاكة فقال أبو عمرو أحمد بن المنجم
( لِحاتِم ٍفي بُخله فِطنةٌ ... أدقُّ حِسّاً من خُطا النملِ )
( قد جعل الهُتمانَ ضَيْفاً له ... فصار في أمنٍ من الأكلِ )
( ليس على خبز امرئ ضَيعةٌ ... أكيلُهُ عُصْمٌ أبو الشبلِ )
( ما قدرُ ما يحمله كفُّه ... إلى فمٍ من سِنِّه عُطْلِ )
( فحاتِمُ الجُودِ أخو طيئ ... مضى وهذا حاتمُ البخلِ )

نسيبه بجارية سوداء
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو العيناء قال كانت لأبي الشبل البرجمي جارية سوداء وكان يحبها حبا شديدا فعوتب فيها فقال
( غدتْ بطولِ الملام عاذلةٌ ... تلومُني في السواد والدَّعَجِ )
( ويحكِ كيف السلوّ عن غُرَرٍ ... مفترقات الأرجاءِ كالسَّبَجِ )
( يحملن بين الأفخاذ أسْنِمَةً ... تحرق أوبارها من الوَهجِ )
( لا عذَّب الله مسلماً بهمُ ... غيري ولا حان منهمُ فَرَجِي )

( فإنَّني بالسواد مبتهِجٌ ... وكنتُ بالبيض غيرَ مبتهِجِ
حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أبو هريرة البصري النحوي الضرير قال كان أبو الشبل الشاعر البرجمي يعابث قينة لهاشم النحوي يقال لها خنساء وكانت تقول الشعر فعبث بها يوما فأفرط حتى أغضبها فقالت له ليت شعري بأي شيء تدل أنا والله أشعر منك لئن شئت لأهجونك حتى أفضحك فأقبل عليها وقال
( حسناءُ قد أَفرطتْ علينا ... فليس منها لنا مجيرُ )
( تاهت بأشعارها علينا ... كأنَّما ناكَها جريرُ )
قال فخجلت حتى بان ذلك عليها وأمسكت عن جوابه

شعره في ذم المطر
قال عمي قال أحمد بن الطيب حدثني أبو هريرة هذا قال حدثني أبو الشبل أنها وعدته أن تزوره في يوم بعينه كان مولاها غائبا فيه فلما حضر ذلك اليوم جاء مطر منعها من الوفاء بالموعد قال فقلت أذم المطر
( دع المواعيدَ لا تَعرِضْ لِوِجهتها ... إن المواعيد مقرونٌ بها المطرُ )
( إنَّ المواعيد والأعيادَ قد مُنِيَتْ ... منه بأنكدِ ما يُمْنَى به بَشَرُ )
( أمّا الثياب فلا يغررْك إن غسِلتْ ... صحوٌ شديد ولا شمس ولا قمرُ )
( وفي الشخوص له نوءٌ وبارقةٌ ... وإن تبيّت فذاك الفالجُ الذكر )
( وإن هممتَ بأن تدعو مغنِّيةً ... فالغيث لا شكّ مقرونٌ به السَّحَرُ )

حدثني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال كان لعبيد الله بن يحيى بن خاقان غلام يقال له نسيم فأمره عبيد الله بقضاء حاجة كان أبو الشبل البرجمي سأله إياها فأخرها نسيم فشكاه إلى عبيد الله فأمر عبيد الله غلاما له آخر فقضاها بين يديه فقال أبو الشبل يهجو نسيما
( قل لنسيمٍ أنتَ في صورة ... خُلِقْتَ من كلبٍ وخِنزيرَهْ )
( رَعَيت دهراً بعد أعفاجها ... في سَلْح مخمورٍ ومخموره )
( حتى بدا رأسك مِن صَدْعِها ... زانية بالفسق مشهوره )
( لا تقرب الماء إذا أجنَبَتْ ... ولا تَرَى أن تقربَ النُّوره )
( ترى نباتَ الشَّعر حَوْلَ استها ... دَرَابِزِيناً حول مَقْصُوره )
حدثني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني ابن مهرويه قال كان أبو الشبل يعاشر محمد بن حماد بن دلقيش ثم تهاجرا بشيء أنكره عليه فقال أبو الشبل فيه
( لابن حمّاد ايادٍ ... عندنا ليست بدونِ )
( عنده جارية تشفِي ... من الداء الدفينِ )
( ولها في رأس مولاها ... أكاليلُ قُرونِ )
( ذات صَدْعٍ حاتميّ الفعل ... في كِن مَكِينِ )
( لا يرى مَنْعَ الذي يحوِي ... ولو أمَّ البنينِ )

قال شعرا في كبش أفلت منه
حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أبو هريرة النحوي قال كان أبو الشبل البرجمي قد اشترى كبشا للأضحى فجعل يعلفه ويسمنه فأفلت يوما على قنديل له كان يسرجه بين يديه وسراج وقارورة للزيت فنطحه فكسره وانصب الزيت على ثيابه وكتبه وفراشه فلما عاين ذلك ذبح الكبش قبل الأضحى وقال يرثي سراجه
( يا عين بكِّي لفقد مَسْرَجةٍ ... كانت عمود الضياء والنورِ )
( كانت إذا ما الظلام ألبسني ... من حِندِس الليل ثوب دَيْجُورِ )
( شقّت بنيرانها غياطِلَهُ ... شقّاً دَعَا الليلَ بالدَّياجِيرِ )
( صِينية الصين حين أبدعها ... مصوِّر الحسن بالتصاويرِ )
( وقيل ذا بدعةٌ أتيح لها ... من قِبَلِ الدَّهر قرنُ يَعْفُورِ )
( وصَكّها صكّةً فما لبثت ... أنْ وَرَدت عسكر المكاسيرِ )
( وإن تولَّت فقدْ لها تركَتْ ... ذِكراً سيبقى على الأعاصيرِ )
( مَن ذا رأيتَ الزمانَ يأسره ... فلم يَشُب يُسرَه بتعسيرِ )
( ومن أباح الزمانُ صفوتَه ... فلم يشب صفوه بتكديرِ )
( مسْرجتي لو فديت ما بَخِلَتْ ... عنَك يدُ الجود بالدنانيرِ )
( ليس لنا فيكِ ما نقدِّره ... لكنما الأمر بالمقاديرِ )

( مسرجتي كم كشفتِ من ظُلَمٍ ... جَلَّيتِ ظلماءها بتنويرِ )
( وكم غزالٍ على يديكِ نجا ... من دقّ خُصييه بالطواميرِ )
( مَن لي إذا ما النديمُ دبَّ إلى النّدمان ... في ظُلمةِ الدَّياجِيرِ )
( وقام هذا يَبُوس ذاك وذا ... يُعْنِق هذا بغير تقدير )
( وازدَوَجَ القومُ في الظلام فما ... تسمعُ إلاَّ الرِّشاء في البِيرِ )
( فما يُصلُّون عند خَلوتهمْ ... إلاَّ صلاةً بغير تطهيرِ )
( أوحشتِ الدارُ من ضيائك والبيت ... إلى مطبخ وتَنُّورِ )
( إلى الرواقين فالمجالسُ فالمِربَد ... ُ مذ غبتِ غيرُ معمورِ )
( قلبي حزين عليك إذ بخلتْ ... عليك بالدمع عينُ تنمير )
( إن كان أودى بكِ الزمان فقد ... أبقيتِ منك الحديثَ في الدُّورِ )
( دع ذكرهَا واهجُ قَرْنَ ناطِحِها ... واسرُد أحاديثَه بتفسيرِ )
( كان حديثي أني اشتريتُ فما اشتريت ... كَبْشاً سليلَ خِنزيرِ )
( فلم أَزَلْ بالنَّوى أسمِّنه ... والتبن والقَتِّ والأثاجِيرِ )
( أبرِّد الماء في القِلالِ له ... وأتَّقي فيه كلَّ محذورِ )
( تخدمه طولَ كلّ ليلتها ... خِدمَةَ عبدٍ بالذل مأسورِ )

( وهي من التِّيه ما تكلمني الفصيح ... إلا من بعد تفكيرِ )
( شمس كأنَّ الظلام ألبسَها ... ثوباً من الزِّفت أو من القِيرِ )
( من جلدها خُفُّها وبرقعها ... حَوراءُ في غير خِلقة الحُورِ )
( فلم يزل يغتذي السرورَ وما المحزونُ ... في عيشةٍ كمسرورِ )
( حتى عدا طوره وحُقَّ لمن ... يكفُرُ نُعْمَى بِقُرْبِ تغييرِ )
( فمدَّ قرنيه نحو مسرجةٍ ... تُعَدُّ في صون كلّ مذْخورِ )
( شدَّ عليها بقَرْن ذي حَنَقٍ ... معوَّدِ للنِّطاحِ مشهورِ )
( وليس يَقوَى برَوْقه جَبَلٌ ... صَلْدٌ من الشَّمَّخ المذاكِيرِ )
( فكيف تَقْوَى عليه مِسْرَجَةٌ ... أرقُّ من جوهر القواريرِ )
( تكسَّرتْ كسرةً لها ألمٌ ... وما صحيحُ الهوى كمكسورِ )
( فأدركتْه شَعُوبُ فاشعبتْ ... بالرُّوعِ والشِّلْوُ غير مقتورِ )
( أُديلَ منه فأدركتْه يدٌ ... من المنايا بحَدِّ مطرورِ )
( يَلتهب الموتُ في ظُباهُ كما ... تلتهب النارُ في المساعيرِ )

( ومزّقتْه المُدَى فما تركت ... كفَّ القِرَا منه غيرَ تعسيرِ )
( واغتاله بعد كسرها قَدَرٌ ... صيره نُهْزَة السَّنانيرِ )
( فمزَّقَتْ لحمَه بَراثِنُهَا ... وبذَّرَتْه أشدَّ تبذيرِ )
( واختلستْهُ الحِداءُ خَلْساً مع الغِرْبَانِ لم تزدجرْ لتكبيرِ )
( وصار حَظَّ الكلاب أعظمُهُ ... تهشم أنحاءها بتكسيرِ )
( كم كاسرٍ نحوَه وكاسرةٍ ... سلاحُها في شَفَا المناقيرِ )
( وخامِعٍ نحوَه وخامعةٍ ... سلاحُها في شَبَا الأظافيرِ )
( قد جعلتْ حول شِلْوِهِ عُرُساً ... بلا افتقار إلى مزاميرِ )
( ولا مُغَنٍّ سوى هَماهِمِها ... إذا تمطَّت لواردِ العِيرِ )
( يا كبشُ ذق إذ كسرتَ مسرجتي ... لمدية الموت كأس تنحيرِ )
( بغيتَ ظُلماً والبغيُ مصرعُ من ... بَغَى على أهله بتغييرِ )
( أُضحِيَّة ما أظن صاحبها ... في قَسْمه لَحمها بمأجورِ )

سرق منه ثلث قرطاس فرثاه
أخبرني الحسن بن علي الشيباني قال دخلت على أبي الشبل يوماً فوجدت تحت مخدته ثلث قرطاس فسرقته منه ولم يعلم بي فلما كان بعد

أيام جاءني فأنشدني لنفسه يرثي ذلك الثلث القرطاس
( فِكَر تَعتري وحزنٌ طويلُ ... وسقيمٌ أَنْحَى عليه النُّحُولُ )
( ليس يبكي رَسْماً ولا طَلَلاً مَحَّ ... كما تُنْدَب الرُّبا والطُّلول )
( إنما حزنُه على ثُلُثٍ كان ... لحاجاته فغالتْه غُول )
( كان للسر والأمانة والكتمان ... إن باح بالحديث الرسول )
( كان مِثلَ الوكيل في كلّ سوق ... إنْ تلكَّا أو ملَّ يوماً وكيل )
( كان للهمِّ إن تراكَمَ في الصدر ... فلم يُشْفَ من عليلٍ غليل )
( لم يكن يبتغي الحِجَاب من الحُجاب ... إن قيل ليس فيها دخول )
( إنْ شكا حاجباً تَشدَّد في الإذن ... فللحاجب الشقيِّ العويلُ )
( يُرفَع الخيرُ عنه والرزق والكسوةُ ... فهو المطرود وهو الذليل )
( كان يُثْنَى في جَيب كلِّ فتاةٍ ... دونَها خَندقٌ وسُورٌ طويل )
( يقف الناس وهو أوَّل من يدخله ... القصرَ غادةٌ عُطْبول )
( فإذا أبرزَتْه باح به في القصر ... مسكٌ وعنبر مَعْلول )
( وله الحبّ والكرامة ممن ... بات صَبّاً والشمّ والتقبيل )
( ليس كالكاتب الذي بأبي الخطَّاب ... يُكْنَى قد شابه التطفيل )

( ذا كريمٌ يُدْعَى وهذا طفيليٌّ ... وهذا وذا جميعاً دليل )
( ذاك بالبشر والجماعة يُلقَى ... ولهذا الحجاب والتنكيل )
( لم يفِد وفدُه الزمانَ على الألسن منه عطفٌ ولا تنويل )
( كان مع ذا عدل الشهادة مقبولاً ... إذا عَزَّ شاهداً تعديلُ )
( وإذا ما التوى الهوى بالأليفَين ... فلم يَرْعَ واصلاً مَوْصُولُ )
( فهو الحاكمُ الَّذي قولُه بين ... َ الألِيفَين جائزٌ مقبول )
( فلئن شَتَّت الزمانُ به شَملَ ... دَواتي وحانَ منه رحيل )
( لَقديماً ما شَتَّت البينُ والأُلفَةُ ... ُ من صاحبٍ فصبر جميل )
( لا تَلُمْني على البكاء عليه ... إنَّ فقدَ الخليل خطبٌ جليل )
قال فرددته عليه وكان اتهم به أبا الخطاب الذي هجاه في هذه القصيدة فقال لي ويلك نجيت ووقع أبو الخطاب بلا ذنب ولو عرفت أنك صاحبها لكان هذا لك ولكنك قد سلمت

أخبار عثعث
كان عثعث أسود مملوكا لمحمد بن يحيى بن معاذ ظهر له منه طبع وحسن أخذ وأداء فعلمه الغناء وخرجه وأدبه فبرع في صناعته ويكنى أبا دليجة وكان مأبونا والله أعلم
أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيدي عن ميمون بن هارون قال حدثني عثعث الأسود قال مخارق كناني بأبي دليجة وكان السبب في ذلك أن أول صوت سمعني أغنيه
( أبا دُلَيْجَةَ مَنْ توصِي بأرمَلةٍ ... أم من لأشعثَ ذي طِمْرَينِ مِمحالِ )
فقال لي أحسنت يا أبا دُلَيجة فقبلتُها وقبلت يده وقلت أنا يا سيدي أبا المهنا أتشرف بهذه الكنية إذا كانت نحلة منك قال ميمون وكان مخارق يشتهي غناءه ويحزنه إذا سمعه

خبره في مجلس غناء
قال أبو الفرج نسخت من كتاب علي بن محمد بن نصر بخطه حدثني يعني ابن حمدون قال كنا يوما مجتمعين في منزل أبي عيسى بن المتوكل وقد عزمنا على الصبوح ومعنا جعفر بن المأمون وسليمان بن وهب وإبراهيم بن المدبر وحضرت عريب وشارية وجواريهما ونحن في أتم سرور فغنت بدعة جارية عريب
( أعاذلتي أكثرت جَهْلاً من العذْلِ ... على غير شيءٍ من مَلامي وفي عَذْلي )
والصنعة لعريب وغنت عرفان
( إذا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان مِنْ قلبي لها جَدِلان )
والغناء لشارية وكان أهل الظرف والمتعانون في ذلك الوقت صنفين عريبية وشارية فمال كل حزب إلى من يتعصب له منهما من الاستحسان والطرب والاقتراح وعريب وشارية ساكتتان لا تنطقان وكل واحدة من جواريهما تغني صنعة ستها لا تتجاوزها حتى غنت عرفان
( بأبِي مَن زارني في منامي ... فدنا منِّي وفيهِ نِفار )
فأحسنت ما شاءت وشربنا جميعا فلما أمسكت قالت عريب لشارية يا أختي لمن هذا اللحن قالت لي كنت صنعته في حياة سيدي تعني إبراهيم بن المهدي وغنيته إياه فاستحسنه وعرضه على إسحاق وغيره فاستحسنوه فأسكتت عريب ثم قالت لأبي عيسى أحب يا بني فديتك

أن تبعث إلى عثعث فتجيئني به فوجه إليه فحضر وجلس فلما اطمأن وشرب وغنى قالت له يا أبا دليجة أوتذكر

صوت
زبير بن دحمان عندي وأنت حاضر فسألته أن يطرحه عليك قال وهل تنسى العذراء أبا عذرها نعم والله إني لذاكره حتى كأننا أمس افترقنا عنه قالت فغنه فاندفع فغنى الصوت الذي ادعته شارية حتى استوفاه وتضاحكت عريب ثم قالت لجواريها خذوا في الحق ودعونا من الباطل وغنوا الغناء القديم فغنت بدعة وسائر جواري عريب وخجلت شارية وأطرقت وظهر الانكسار فيها ولم تنتفع هي يومئذ بنفسها ولا أحد من جواريها ولا متعصبيها أيضا بأنفسهم
غناؤه في مجلس المتوكل
قال وحدثني يحيى بن حمدون قال قال لي عثعث الأسود دخلت يوما على المتوكل وهو مصطبح وابن المارقي يغنيه قوله
( أقاتلتي بالجِيد والقدِّ والخدَّ ... وباللون في وجهٍ أرقَّ من الوردِ )
وهو على البركة جالس وقد طرب واستعاده الصوت مرارا وأقبل عليه فجلست ساعة ثم قمت لأبول فصنعت هزجا في شعر البحتري الذي يصف فيه البركة
صوت
( إذا النجومُ تراءت في جوانبها ... ليلاً حسبتَ سماءً ركَّبت فيها )
( وإن عَلتْها الصَّبا أبدت لها حُبُكاً ... مثلَ الجَواشن مصقولاً حواشيها )
( وزادها زينةً من بعد زينتها ... أن اسمه يومَ يُدْعَى من أَساميها )

فما سكت ابن المارقي سكوتا مستوجبا حتى اندفعت أغني هذا الصوت فأقبل علي وقال لي أحسنت وحياتي أعد فأعدت فشرب قدحا ولم يزل يستعيدنيه ويشرب حتى اتكأ ثم قال للفتح بحياتي ادفع إليه الساعة ألف دينار وخلعة تامة واحمله على شهري فاره بسرجه ولجامه فانصرفت بذلك أجمع

نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء
صوت
( أعاذِلتي أكثرتِ جَهْلاً مِنَ العَذْلِ ... على غير شيءٍ من مَلامي ولا عَذْلي )
( نأيتِ فلم يُحدِث لي الناسُ سَلوةً ... ولم أُلف طول النأي عن خُلة يُسْلي )
عروضه من الطويل الشعر لجميل والغناء لعريب ثقيل أول بالبنصر ومنها
صوت
( إذا رامَ قلبي هجرَها حالَ دونَه ... شفيعان من قلبي لها جَدِلانِ )
( إذا قلتُ لا قالا بلى ثم أصبَحا ... جميعاً على الرأي الَّذي يَرَيان )
عروضه من الطويل والناس ينسبون هذا الشعر إلى عروة بن حزام وليس له

الشعر لعلي بن عمرو الأنصاري رجل من أهل الأدب والرواية كان بسر من رأى كالمنقطع إلى إبراهيم بن المهدي والغناء لشارية ثقيل أول بالوسطى وقيل إنه من صنعة إبراهيم ونحلها إياه وفيه لعريب خفيف رمل بالبنصر
ومنها

صوت
( بأبي من زارني في منامي ... فدنا منِّي وفيه نِفارٌ )
( ليلةً بعدَ طُلوعِ الثُّريَّا ... وليالي الصَّيف بُتْر قِصار )
( قلت هُلكي أم صلاحي فعَطْفاً ... دون هذا منك فيه الدَّمارُ )
( فدنا منِّي وأَعطَى وأَرضَى ... وشفى سُقْمي ولذَّ المَزارُ )
لم يقع إلينا لمن الشعر والغناء لزبير بن دحمان ثقيل أول بالوسطى وهو من جيد صنعته وصدور أغانيه
أخبرني ابن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا أحمد بن طيفور قال كتب صديق لأحمد بن يوسف الكاتب في يوم دجن يومنا يوم ظريف النواة رقيق الحواشي قد رعدت سماؤه وبرقت وحنت وارجحنت وأنت قطب السرور ونظام الأمور فلا تفردنا منك فنقل ولا تنفرد عنا فنذل فإن المرء بأخيه كثير وبمساعدته جدير قال فصار أحمد بن يوسف إلى الرجل وحضرهم عثعث بن الأسود فقال أحمد

صوت
( أرَى غَيْماً يؤلِّفه جَنُوبُ ... وأحسِبه سيأتينا بهَطْلِ )
( فعينُ الرأي أن تأتي برْطلٍ ... فتشربَه وتدعو لي برِطل )
( وتسقيه نَدامانا جميعاً ... فينصرفون عنه بغير عَقْل )
( فيوم الغَيْم يومُ الغَمّ إن لم ... تبادر بالمُدامة كلَّ شغل )
( ولا تُكْرِه محرِّمَها عليها ... فإنِّي لا أَراه لها بأهل )
قال وغَنَّى فيه عثعث اللحن المشهور الذي يغنى به اليوم
صوت
( نرى الجُندَ والأعرابَ يغشَون بابَه ... كما وردت ماءَ الكُلاب هَوامِلُهْ )
( إذا ما أَتَوا أبوابه قال مرحباً ... لِجُوا الدار حتى يقتلَ الجوعَ قاتلُهْ )
عروضه من الطويل
الهوامل التي لا رعاء لها ولجوا ادخلوا يقال ولج يلج ولجا وقوله حتى يقتل الجوع قاتله أي يطعمكم فيذهب جوعكم جعل الشبع قاتلا للجوع
الشعر لعبد الله بن الزبير الأسدي والغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق

أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة
أخبرني بذلك أحمد عن الخراز عن ابن الأعرابي وهو شاعر كوفي المنشأ والمنزل من شعراء الدولة الأموية وكان من شيعة بني أمية وذوي الهوى فيهم والتعصب والنصرة على عدوهم فلما غلب مصعب بن الزبير على الكوفة أتي به أسيرا فمن عليه ووصله وأحسن إليه فمدحه وأكثر وانقطع إليه فلم يزل معه حتى قتل مصعب ثم عمي عبد الله بن الزبير بعد ذلك ومات في خلافة عبد الملك بن مروان ويكنى عبد الله أبا كثير وهو القائل يعني نفسه
( فقالت ما فعلتَ أبا كثِير ... أصح الودّأم أخلفتَ بَعدي )
وهو أحد الهجائين للناس المرهوب شرهم
قصته مع عبد الرحمن والي الكوفة
قال ابن الأعرابي كان عبد الرحمن بن أم الحكم على الكوفة من قبل خاله معاوية بن أبي سفيان وكان ناس من بني علقمة بن قيس بن وهب بن الأعشى بن بجرة بن قيس بن منقذ قتلوا رجلا من بني الأشيم من رهط

عبد الله بن الزبير دنية فخرج عبد الرحمن بن أم الحكم وافدا إلى معاوية ومعه ابن الزبير ورفيقان له من بني أسد يقال لأحدهما أكل بن ربيعة من بني جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين وعدي بن الحرث أحد بني العدان من بني نصر فقال عبد الرحمن بن أم الحكم لابن الزبير خذ من بني عمك ديتين لقتيلك فأبى ابن الزبير وكان ابن أم الحكم يميل إلى أهل القاتل فغضب عليه عبد الرحمن ورده عن الوفد من منزل يقال له فياض فخالف ابن الزبير الطريق إلى يزيد بن معاوية فعاذ به فأعاذه وقام بأمره وأمره يزيد بأن يهجو ابن أم الحكم وكان يزيد يبغضه وينتقصه ويعيبه فقال فيه ابن الزبير قصيدة أولها قوله
( أبَى الليلُ بالمَرَّان أن يتصرَّما ... كأنِّي أَسومُ العَينَ نوماً مُحرَّما )
( ورُدَّ بثنْيَيه كأن نجومه ... صِوارٌ تناهَى من إِرانٍ فقَوَّما )
( إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... أمَصّ بناتِ الدر ثدياً مُصرَّماً )
( وسَوقَ نساء يسلبون ثيابها ... يُهادُونها هَمْدانَ رِقّاً وخَثعَما )
( على أي شيء يا لؤيُّ بن غالب ... تُجيبون مَن أجرَى عليَّ وألجما )

( وهاتوا فقُصُّوا آية تقرؤونها ... أحلَّتْ بلادي أن تباح وتُظلمَا )
( وإلاَّ فأقصَى الله بيني وبينكم ... وولَّى كثيرَ اللؤم مَن كان ألأما )
( وقد شهدَتْنا من ثقيفٍ رَضاعةٌ ... وغيَّب عنها الحَوْمَ قُوَّامُ زمزما )
( بنو هاشم لو صادفوك تجُدُّها ... مججتَ ولم تملك حَيازيمَك الدما )
( ستعلم إن زلَّتْ بك النعلُ زَلَّةً ... وكلّ امرئ لاقى الذي كان قدَّما )
( بأنك قد ماطَلْتَ أنيابَ حيَّةٍ ... تزجِّي بعينيها شُجاعاً وأَرقَما )
( وكم من عدو قد أراد مساءتي ... بغَيبٍ ولو لاقيتُه لتندَّما )
( وأنتم بني حامِ بنِ نُوح أَرَى لكم ... شِفاهاً كأذناب المشاجر وُرَّما )
( فإن قلتَ خالي من قريش فلم أجد ... من الناس شَرّاً من أبيك وألأما )
( صغيراً ضغا في خرقة فأمضَّه ... مُربِّيه حتى إذ أَهمّ وأفطما )
( رأى جلدةً من آل حامٍ متينةً ... ورأساً كأمثال الجَرِيب مُؤَوّما )
( وكنتم سقيطاً في ثقيفٍ مكانكم ... بني العبد لا تُوفي دماؤكمو دما )

شعره في عزل عبد الرحمن عن الكوفة
قال ابن الأعرابي ثم عزل ابن أم الحكم عن الكوفة ووليها عبيد الله بن زياد فقال ابن الزبير
( أبلِغ عبيدَ الله عنِّي فإنني ... رميتُ ابن عَوذ إذ بدَتْ لي مقاتِلُهْ )
( على قفرةٍ إذ هابَه الوفدُ كلُّهم ... ولم أك أُشوِي القِرنَ حين أناضِله )
( وكان يُماري مِن يزِيدَ بوقعةٍ ... فما زال حتى استدرجَتْه حَبائلُه )
( فتُقصيه من ميراث حربٍ ورَهْطِه ... وآلَ إلى ما ورّثَتْه أوائِلُه )
( وأَصبحَ لمَّا أسلمْته حِبالُهم ... ككلب القطار حلّ عنه جَلاجِلُه )
ونسخت من كتاب جدي لأمي يحيى بن محمد بن ثوابة قال يحيى بن حازم وحدثنا علي بن صالح صاحب المصلى عن القاسم بن معدان أن عبد الرحمن بن أم الحكم غضب على عبد الله بن الزبير الأسدي لما بلغه أنه هجاه فهدم داره فأتى معاوية فشكاه إليه فقال له كم كانت قيمة دارك فاستشهد أسماء بن خارجة وقال له سله عنها فسأله فقال ما أعرف يا أمير المؤمنين قيمتها ولكنه بعث إلى البصرة بعشرة آلاف درهم للساج فأمر له معاوية بألف درهم قال وإنما شهد له أسماء كذلك ليرفده عند معاوية

ولم تكن داره إلا خصاص قصب
وكان عبد الرحمن بن أم الحكم لما ولي الكوفة أساء بها السيرة فقدم قادم من الكوفة إلى المدينة فسألته امرأة عبد الرحمن عنه فقال لها تركته يسأل إلحافا وينفق إسرافا وكان محمقا ولاه معاوية خاله عدة أعمال فذمه أهلها وتظلموا منه فعزله واطرحه وقال له يا بني قد جهدت أن أنفقك وأنت تزداد كسادا
وقالت له أخته أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب يا أخي زوج ابني بعض بناتك فقال ليس لهن بكفء فقالت له زوجني أبو سفيان أباه وأبو سفيان خير منك وأنا خير من بناتك فقال لها يا أخية إنما فعل ذلك أبو سفيان لأنه كان حينئذ يشتهي الزبيب وقد كثر الآن الزبيب عندنا فلن نزوج إلا كفئا

خبره مع عمرو بن عثمان بن عفان
حدثنا الحسن بن الطيب البلخي قال حدثني أبو غسان قال بلغني أن أول من أخذ بعينة في الإسلام عمرو بن عثمان بن عفان أتاه عبد الله بن الزبير الأسدي فرأى عمرو تحت ثيابه ثوبا رثا فدعا وكيله وقال اقترض لنا مالا فقال هيهات ما يعطينا التجار شيئا قال فأربحهم ما شاؤوا فاقترض له ثمانية آلاف درهم وثانيا عشرة آلاف فوجه بها إليه مع تخت ثياب فقال عبد الله بن الزبير في ذلك

( سأشكر عمراً إن تراخت منيَّتي ... أياديَ لم تُمْنَنْ وإن هي جَلّتِ )
( فتًى غير محجوبِ الغِنَى عن صديقِه ... ولا مُظِهرِ الشكوى إذا النعلُ زَلَّتِ )
( رأى خَلَّتي من حيثُ يخفَى مكانُها ... فكانت قَذَى عينيه حتى تجلَّت )
أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي إجازة قال حدثني أحمد بن عرفة المؤدب قال أخبرني أبو المصبح عادية بن المصبح السلولي قال أخبرني أبي قال كان عبد الله بن الزبير الأسدي قد مدح أسماء بن خارجة الفزاري فقال

صوت
( تراه إذا ما جئتَه متهلِّلاً ... كأنَّك تعطيه الذي أنت نائلُهْ )
( ولو لم يكن في كفّه غيرُ رُوحه ... لجاد بها فليتَّقِ اللهَ سائله )
فأثابه أسماء ثوابا لم يرضه فغضب وقال يهجوه
( بَنَت لكُم هندٌ بتلذيع بَظْرها ... دكاكينَ من جِصِّ عليها المَجالسُ )
( فوالله لولا رَهْزُ هند ببظرها ... لَعُدَّ أبوها في اللئام العوابِسُ )

فبلغ ذلك أسماء فركب إليه فاعتذر من فعله بضيقة شكاها وأرضاه وجعل على نفسه وظيفة في كل سنة واقتطعه جنتيه فكان بعد ذلك يمدحه ويفضله وكان أسماء يقول لبنيه والله ما رأيت قط جصا في بناء ولا غيره إلا ذكرت بظر أمكم هند فخجلت

ابن أم الحكم يحبسه في جناية وضعها عليه
أخبرني عمي عن ابن مهرويه عن أبي مسلم عن ابن الأعرابي قال حبس ابن أم الحكم عبد الله بن الزبير وهو أمير في جناية وضعها عليه وضربه ضربا مبرحا لهجائه إياه فاستغاثت بأسماء بن خارجة فلم يزل يلطف في أمره ويرضي خصومه ويشفع إلى ابن أم الحكم في أمره حتى يخلصه فأطلق شفاعته وكساه أسماء ووصله وجعل له ولعياله جراية دائمة من ماله فقال فيه هذه القصيدة التي أولها الصوت المذكور بذكر أخبار ابن الزبير يقول فيها
( ألم تَرَ أنَّ الجُودَ أَرْسَلَ فانتَقَى ... حَلِيفَ صفاءٍ وأتَلَى لا يُزايلُهْ )
( تخيَّر أسماء بنَ حصنٍ فبُطّنتْ ... بفعل العُلا أيمانُهُ وشمائِلُهْ )
( ولا مجدَ إلا مجدُ أسماءَ فوقَهُ ... ولا جَرَى إلا جَري أسماءَ فاضِلُهْ )
( ومحتملٍ ضغناً لأسماءَ لو جرى ... بسَجْلَيْنِ من أسماءَ فارت أَباجِلُهْ )

( عَوَى يستجيشُ النابِحاتِ وإنما ... بأنيابه صُمُّ الصَّفا وجنادِلُهْ )
( وأقصرَ عن مجراةِ أسماء سعيهْ ... حَسِيراً كما يلقى من التُّرب ناخِلُهْ )
( وفضَّل أسماءَ بنَ حِصنٍ عليهمُ ... سماحةُ أسماء بن حصن ونائِلُهْ )
( فَمَن مثلُ أسماءَ بن حصن إذا غَدَتْ ... شآبِيبُهُ أم أيُّ شيءٍ يُعادِلُهْ )
( وكنتُ إذا لاقيت منهم حَطِيطَةً ... لقيتُ أبا حسانَ تَنْدَى أصائِلُهْ )
( تَضَيَّفُه غسَّانُ يَرجون سَيْبهُْ ... وذو يَمَنٍ أُحبُوشُه ومَقاوِلُهْ )
( فتًى لا يزال الدهر ما عاش مُخْصِباً ... ولو كان بالمَوْماة تَخْدِي رَواحِلُهْ )
( فأصبح ما في الأرض خَلْقٌ علمتُهُ ... من الناس إلا باعُ أسماءَ طائلُهْ )
( تراه إذا ما جئتَه متهلِّلاً ... كأنك تعطيه الَّذي أنت سائِلُهْ )
( ترى الجندَ والأعراب يغشونَ بابه ... كما وردت ماءَ الكُلاب نواهِلُهْ )
( إذا ما أَتَوْا أبوابه قال مرحباً ... لِجُوا البابَ حتى يقتلَ الجوعَ قاتِلُهْ )
( ترى البازِلَ البُخْتيَّ فوق خِوانِهِ ... مقطَّعةً أعضاؤه ومفاصِلُهْ )

( إذا ما أتوا أسماءَ كان هو الذي ... تحلَّب كفاه الندى وأنامِلُهْ )
( تراهُمْ كثيراً حين يغشونَ بابَه ... فتسترهم جُدْرَانُهُ ومنازِلُهْ )
قال فأعطاه أسماء حين أنشده هذه القصيدة ألفي درهم

أنشد عبد الله بن زياد من شعره
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا العباس بن ميمون طائع قال حدثني أبو عدنان عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش وقال ابن الأعرابي أيضا دخل عبد الله بن الزبير على عبيد الله بن زياد بالكوفة وعنده أسماء بن خارجة حين قدم ابن الزبير من الشام فلما مثل بين يديه أنشأ يقول
( حنَّت قَلوصيَ وهْناً بعد هَدْأَتها ... فهيَّجتْ مغرَماً صَبّاً على الطَّرَبِ )
( حنّت إلى خيرِ من حُثَّ المطيُّ له ... كالبدر بين أبي سفيان والعُتب )
( تذكَّرَتْ بِقُرَى البَلقاء نائلَه ... لقد تذكرتُه مِن نازِحٍ عَزَب )
( والله ما كان بي لولا زيارته ... وأن أُلاقِي أبا حسان من أَرَب )
( حنَّت لتَرجِعني خلفي فقلت لها ... هذا أمامك فالقَيْه فتى العرب )
( لا يحسب الشرّ جاراً لا يفارقه ... ولا يعاقِب عند الحِلم بالغضب )
( مِن خير بيت عَلمِناه وأكرَمه ... كانت دماؤهم تُشفي من الكَلَب )

ابن الأعرابي كانت العرب تقول من أصابه الكلب والجنون لا يبرأ منه إلى أن يسقى من دم ملك فيقول إنه من أولاد الملوك

بقية أخبار عبد الله بن الزبير
أسباب كراهية الشيعة لأسماء بن خارجة
أخبرني أحمد بن عيسى العجلي بالكوفة قال حدثنا سليمان بن الربيع البرجمي قال حدثنا مضر بن مزاحم عن عمرو بن سعد عن أبي مخنف عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد عن الواقدي وذكر بعض ذلك ابن الأعرابي في روايته عن المفضل وقد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين أن المختار بن أبي عبيد خطب الناس يوما على المنبر فقال لتنزلن نار من السماء تسوقها ريح حالكة دهماء حتى تحرق دار أسماء وآل أسماء وكان لأسماء بن خارجة بالكوفة ذكر قبيح عند الشيعة يعدونه في قتلة الحسين عليه السلام لما كان من معاونته عبيد الله بن زياد على هانىء بن عروة المرادي حتى قتل وحركته في نصرته على مسلم بن عقيل بن أبي طالب وقد ذكر ذلك شاعرهم فقال
( أيركب أسماءُ الهماليجَ آمِناً ... وقد طلبتْه مَذْحِجٌ بقتيلِ )

يعني بالقتيل هانئ بن عروة المرادي وكان المختار يحتال ويدبر في قتله من غير أن يغضب قيسا فتنصره فبلغ أسماء قول المختار فيه فقال أوقد سجع بي أبو إسحاق لا قرار على زأر من الأسد وهرب إلى الشام فأمر المختار بطلبه ففاته فأمر بهدم داره فما تقدم عليها مضري بتة لموضع أسماء وجلالة قدره في قيس فتولت ربيعة واليمن هدمها وكانت بنو تيم الله وعبد القيس مع رجل من بني عجل كان على شرطة المختار فقال في ذلك عبد الله بن الزبير
( تَأَوَّبَ عينَ ابنِ الزَّبير سُهودُها ... ووَلَّى على ما قد عراها هُجُودُها )
( كأنّ سواد العين أبطَنَ نحلةً ... وعاوَدَهَا مما تذكَّرُ عِيدُها )
( مخصَّرةً من نحل جَيْحَانَ صعبةً ... لَوَى بجناحيها وليدٌ يَصِيدُها )
( من الليل وهْناً أو شَظِيَّةَ سُنبلٍ ... أذاعت به الأرواحُ يُذرَى حَصِيدُها )
( إذا طُرِفت أذرَتْ دموعاً كأنها ... نَثِيرُ جُمانٍ بانَ عنها فرِيدُها )
( وبتُّ كأنَّ الصدرَ فيه ذُبَالةٌ ... شَبَا حَرَّها القِنديل ذاكٍ وَقُودُها )
( فقلتُ أناجي النفسَ بيني وبينها ... كذاك الليالي نحسُها وسُعودُها )

( فلا تجزعي مما ألمَّ فإنَّني ... أرى سَنَةً لم يَبْقَ إلا شَرِيدُها )
( أتاني وعُرْضُ الشامِ بيني وبينها ... أحاديثُ والأنباءُ يَنمِي بعيدُها )
( بأنّ أبا حَسان تهدِم دارَه ... لُكْيزٌ سَعت فُسَّاقها وعَبِيدُها )
( جَزَتْ مُضَراً عَنِّي الجوازِي بفعلها ... ولا أصبحتْ إلاّ بشرٍّ جُدودُها )
( فما خيرُكم لا سيِّداً تنصرونه ... ولا خائفاً إن جاء يوماً طريدُها )
( أخذلانَه في كلِّ يومِ كَريهةٍ ... ومسألة ما إن ينادَى وليدُها )
( لأِمِّكم الوَيْلاتُ أنَّ أُتِيتُمُ ... جماعات أقوامٍ كثيرٍ عديدُها )
( فَيَا لَيتَكُم مِنْ بعد خذلانِكُمْ له ... جوارٍ على الأعناق منها عُقودُها )
( ألم تغضبوا تَبّاً لكم إذ سَطَتْ بكم ... مَجُوسُ القُرى في داركم ويَهُودُها )
( تركتُمْ أبا حسَّان تُهدَم دارُه ... مشيَّدةً أبوابُها وحديدُها )
( يهدِّمها العِجْلِيُّ فيكُمْ بشُرْطة ... كما نَبَّ في شِبْل التُّيوسِ عَتُودُها )
( لعمري لقد لفَّ اليهوديُّ ثوبَهْ ... على غَدرة شنعاءَ باق نَشِيدُها )
( فلو كان من قحطان أسماء شمَّرت ... كتائبُ من قحطانَ صُعْرٌ خدودُها )

( ففي رجب أو غُرَّةِ الشهر بعدهُ ... تزورُكُمْ حُمْرُ المنايَا وسُودُها )
( ثمانون ألفاً دينُ عثمانَ دينُهم ... كتائبُ فيها جَبْرَئيل يقودُها )
( فمن عاش منكم عاش عبداً ومن يمت ... ففي النار سُقياه هناك صَدِيدُها )
وقال ابن مهرويه أخبرني به الحسن بن علي عنه حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي أن مصعب بن الزبير لما ولي العراق لأخيه هرب أسماء بن خارجة إلى الشام وبها يومئذ عبد الملك بن مروان قد ولي الخلافة وقتل عمرو بن سعيد وكان أسماء أموي الهوى فهدم مصعب بن الزبير داره وحرقها فقال عبد الله بن الزبير في ذلك
( تأوَّب عين ابن الزبير سهودها ... )
وذكر القصيدة بأسرها وهذا الخبر أصح عندي من الأول لأن الحسن بن علي حدثني قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال لما ولي مصعب بن الزبير العراق دخل إليه عبد الله بن الزبير الأسدي فقال له إيه يابن الزبير أنت القائل
( إلى رَجَب السبعينَ أو ذاك قبلَه ... تصبِّحكم حُمر المنايا وسودُها )
( ثمانون ألفاً نصرُ مروانَ دينهُم ... كتائبُ فيها جَبْرَئيلُ يقودُها )

فقال أنا القائل لذلك وإن الحقين ليأبى العذرة ولو قدرت على جحده لجحدته فاصنع ما أنت صانع فقال أما إني ما أصنع بك إلا خيرا أحسن إليك قوم فأحببتهم وواليتهم ومدحتهم ثم أمر له بجائزة وكسوة ورده إلى منزله مكرما فكان ابن الزبير بعد ذلك يمدحه ويشيد بذكره فلما قتل مصعب بن الزبير اجتمع ابن الزبير وعبيد الله بن زياد بن ظبيان في مجلس فعرف ابن الزبير خبره وكان عبيد الله هو الذي قتل مصعب بن الزبير فاستقبله بوجهه وقال له
( أبا مطر شَلَّت يمينٌ تفرَّعَتْ ... بسيفك رأس ابنِ الحَوارِيِّ مصعبِ )
فقال له ابن ظبيان فكيف النجاة من ذلك قال لا نجاة هيهات سبق السيف العذل قال فكان ابن ظبيان بعد قتله مصعبا لا ينتفع بنفسه في نوم ولا يقظة كان يهول عليه في منامه فلا ينام حتى كل جسمه ونهك فلم يزل كذلك حتى مات

شعره في حضرة عبيد الله بن زياد
وقال ابن الأعرابي لما قدم ابن الزبير من الشام إلى الكوفة دخل على عبيد الله بن زياد بكتاب من يزيد بن معاوية إليه يأمره بصيانته وإكرامه وقضاء دينه وحوائجه وإدرار عطائه فأوصله إليه ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده قصيدته التي أولها
صوت
( أَصَرْمٌ بليلى حادِثٌ أم تجنُّبُ ... أم الحبل منها واهِنٌ متقضِّبُ )
( أم الودّ من ليلى كعهدي مكانه ... ولكنَّ ليلَى تستزيد وتَعتبُ )
غنى في هذين البيتين حنين ثاني ثقيل عن الهشامي
( ألم تعلمي يا لَيْلَ أنِّيَ لَيِّنٌ ... هَضومٌ وأَنِّي عَنْبَسٌ حين أغضبُ )
( وأني متى أُنفقْ من المال طارِفاً ... فإنيَ أرجو أن يَثُوبَ المثوّبُ )
( أَأَن تلِفَ المالُ التِّلادُ بحقِّه ... تَشَمَّسُ ليلَى عن كلامي وتَقْطِبُ )
( عشيةَ قالت والركابُ مُناخةٌ ... بأَكوارِها مشدودةً أين تذهبُ )
( أفي كل مصرٍ نازحٍ لك حاجةٌ ... كذلك ما أمرُ الفتى المتشعِّبُ )
( فوالله ما زالت تُلِبِّثُ ناقتي ... وتقسم حتى كادت الشَّمسُ تغربُ )

( دعينيَ ما للموت عنيَ دافِعٌ ... ولا للذي ولَّى من العيشِ مَطْلَبُ )
( إليك عبيدَ الله تَهْوِي ركابُنا ... تَعَسَّفُ مجهولَ الفلاةِ وتدأَبُ )
( وقد ضمرت حتَّى كأنَّ عيونَها ... نِطافُ فَلاةٍ ماؤها متصبِّبُ )
( فقلت لها لا تشتكي الأَيْنَ إنه ... أمامكِ قَرْمٌ من أمية مُصْعَبُ )
( إذا ذَكروا فضلَ امرئ كان قبلَه ... ففضلُ عبيدِ الله أَثرى وأطيَبُ )
( وأنك لو يُشفى بك القَرْحُ لم يعُد ... وأنت على الأعداء نابٌ ومخلبُ )
( تصافى عبيدُ الله والمجدُ صفوةَ الحليفين ... ما أرسَى ثَبِيرٌ ويَثْرِبُ )
( وأنت إلى الخيراتِ أوّل سابق ... فأبشِر فقد أدركت ما كنتَ تطلبُ )
( أَعِنِّي بسَجْل من سِجالِك نافع ... ففي كل يوم قد سرى لك مِحلبُ )
( فإنك لو إيَّاي تطلب حاجةً ... جرى لك أهلٌ في المقال ومَرْحبُ )
قال فقال له عُبيد الله وقد ضحك من هذا البيت الأخير فإني لا أطلب إليك حاجة كم السجل الذي يرويك قال نوالك أيها الأمير يكفيني فأمر له بعشرة آلاف درهم

شعره في صديقه نعيم بن دجانة
قال ابن الأعرابي كان نعيم بن دجانة بن شداد بن حذيفة بن بكر بن

قيس بن منقذ بن طريف صديقا لعبيد الله بن الزبير ثم تغير عليه وبلغه عنه قول قبيح فقال في ذلك
( ألا طَرَقَتْ رُوَيْمةُ بعد هَدْءٍ ... تَخَطَّى هولَ أنمارٍ وأسْدِ )
( تَجُوس رحالنا حتى أتتنا ... طُرُوقاً بين أعرابٍ وجُنْدِ )
( فقالت ما فعلت أبا كثيرٍ ... أصحَّ الودُّ أم أخلفتَ عهدي )
( كأنَّ المسك ضمَّ على الخُزَامَى ... إلى أحشائها وقضيبَ رَنْدِ )
( ألا مَنْ مُبْلِغ عني نُعيْماً ... فسوف يجرِّبُ الإخوانَ بعدي )
( رأيتك كالشموس تُرى قريباً ... وتمنع مسحَ ناصيةٍ وخَدّ )
( فإنِّي إن أقَعْ بك لا أهَلِّلْ ... كوقع السيف ذي الأَثْرِ الفِرِندِ )
( فَأَوْلَى ثم أَوْلى ثم أَوْلَى ... فهل للدَّرِّ يُحْلَبُ من مَرَدِّ )
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عيسى بن إسماعيل تينة وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني عيسى بن إسماعيل عن المدائني عن خالد بن سعيد عن أبيه قال كان عبد الله بن الزبير صديقا

لعمرو بن الزبير بن العوام فلما أقامه أخوه ليقتص منه بالغ كل ذي حقد عليه في ذلك وتدسس فيه من يتقرب إلى أخيه وكان أخوه لا يسأل من ادعى عليه شيئا بينة ولا يطالبه بحجة وإنما يقبل قوله ثم يدخله إليه السجن ليقتص منه فكانوا يضربونه والقيح ينتضح من ظهره وأكتافه على الأرض لشدة ما يمر به ثم يضرب وهو على تلك الحال ثم أمر بأن يرسل عليه الجعلان فكانت تدب عليه فتثقب لحمه وهو مقيد مغلول يستغيث فلا يغاث حتى مات على تلك الحال فدخل الموكل به على أخيه عبد الله بن الزبير وفي يده قدح لبن يريد أن يتسحر به وهو يبكي فقال له ما لك أمات عمرو قال نعم قال أبعده الله وشرب اللبن ثم قال لا تغسلوه ولا تكفنوه وادفنوه في مقابر المشركين فدفن فيها فقال ابن الزبير الأسدي يرثيه ويؤنب أخاه بفعله وكان له صديقا وخلا ونديما
( أيا راكباً إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... كبيرَ بني العَوَّام إن قيل مَنْ تَعْنِي )
( ستعلم إن جالت بك الحربُ جولةً ... إذا فَوَّق الرامون أسهم مَن تُغْنِي )
( فأصبحتِ الأرحامُ حين وَليتها ... بكفَّيك أكراشاً تُجرُّ على دِمْنِ )
( عقدتمْ لعمرو عُقدةً وغَدرتمْ ... بأبيضَ كالمصباح في ليلة الدَّجْنِ )

( وكَبَّلَته حَوْلاً يجود بنفسه ... تَنُوء به في ساقه حَلَقُ اللَّبْنِ )
( فما قال عمرو إذ يجودُ بنفسهِ ... لضاربِهِ حتى قضى نَحْبَه دَعْنِي )
( تحدِّثُ من لاقيتَ أنك عائذ ... وصرَّعتَ قتلَى بين زمزمَ والرُّكنِ )
( جعلتم لضرب الظَّهر منه عِصِيَّكم ... تُراوِحُهُ والأَصْبِحِيَّةُ للبطنِ )
( تُعَذِّرُ منه الآن لمَّا قتلتَه ... تَفاُوُتَ أرجاءِ القَلِيبِ من الشَّطْنِ )
( فلم أر وَفْداً كان للغدرِ عاقداً ... كوفدِكَ شدُّوا غيرَ مُوفٍ ولا مُسْنِي )
( وكنتَ كذاتِ الفِسْقِ لم تدرِ ما حَوَتْ ... تَخَيَّرُ حالَيْهَا أتسرق أم تزني )
( جزى الله عني خالداً شرَّ ما جزى ... وعُروةَ شرّا من خَلِيلٍ ومن خِدْنِ )
( قتلتم أخاكم بالسِّياطِ سفاهةً ... فيا لَكَ للرأي المضلَّلِ والأَفْنِ )
( فلو أنكُمْ أجهزتُم إذ قتلتُمُ ... ولكنْ قتلتمْ بالسِّياط وبالسِّجْنِ )
( وإني لأرجو أن أرى فيك ما ترى ... به من عِقاب الله ما دونه يُغني )
( قطعتَ من الأرحام ما كان واشِجاً ... على الشَّيب وابتعتَ المخافَةَ بالأمنِ )

وأصبحتَ تَسْعَى قاسِطاً بكتيبةٍ ... تُهَدِّمُ ما حول الحَطِيمِ ولا تبني )
( فلا تجزعَنْ من سُنَّةٍ قد سَننَتْهَا ... فما للدماء الدهر تُهْرَقُ من حَقْنِ )

شعره في رثاء يعقوب بن طلحة
أخبرني عمي قال حدثني الخراز عن المدائني قال قتل يعقوب بن طلحة يوم الحرة وكان يعقوب ابن خالة يزيد بن معاوية فقال يزيد يا عجبا قاتلني كل أحد حتى ابن خالتي قال وكان الذي جاء بنعيه إلى الكوفة رجل يقال له الكروس فقال ابن الزبير الأسدي يرثيه
( لعمرك ما هذا بعيش فيُبْتَغَى ... هنيءٍ ولا موتٍ يُريحُ سريعِ )
( لعمري لقد جاء الكَرَوَّسُ كاظماً ... على أمرِ سَوْءٍ حين شاع فظيعِ )
( نعى أسرةً يعقوبُ منهم فأقفرتْ ... منازلُهم من رُومةٍ فَبَقيعِ )
( وكلهمُ غيثُ إذا قُحِطَ الورى ... ويعقوبُ منهم للأنام ربيع )

وقال ابن الأعرابي كان على ابن الزبير دين لجماعة فلازموه ومنعوه التصرف في حوائجه وألح عليه غريم له من بني نهشل يقال له ذئب فقال ابن الزبير
( أحابسَ كيدِ الفيل عن بطن مكّةٍ ... وأنتَ على ما شئتَ جمُّ الفواضِلِ )
( أرِحْنِي من اللائي إذا حَلَّ دَينُهم ... يمشُّون في الدارات مشيَ الأراملِ )
( إذا دخلوا قالوا السلام عليكم ... وغير السلام بالسلام يُحاوَلُ )
( أَلِينُ إذا اشتدّ الغريم وألتوِى ... إذا استدّ حتى يُدركَ الدينَ قابِلُ )
( عرضت على زَيْد ليأخذ بعض ما ... يحاوله قبل اشتغال الشواغِلِ )
( تثاءب حتى قلتُ داسِع نفِسه ... وأَخرَجَ أنياباً له كالمَعاوِل )
وقال ابن الأعرابي استجار ابن الزبير بمروان بن الحكم وعبد الله بن عامر لما هجا عبد الرحمن بن أم الحكم فأجاراه وقاما بأمره ودخل مع مروان إلى المدينة وقال في ذلك

( أَجِدِّي إلى مَرْوَانَ عَدْواً فَقَلِّصي ... وإلاّ فروحي واغتدِي لابن عامِرِ )
( إلى نفرٍ حولَ النَّبيِّ بيوتُهم ... مكاريمُ للعافي رِقاقُ المآزِرِ )
( لهمْ سورة في المجد قد عُلِمَتْ لهم ... تُذَبْذِبُ باعَ المتعَب المتقاصِرِ )
( لهم عامِر البَطْحَاءِ من بطنِ مَكَّة ... ورُومة تسقى بالجمالِ القياسِرِ )

شعره لما حبسه زفر بن الحارث
وقال ابن الأعرابي عرض قوم من أهل المدراء لابن الزبير الأسدي في طريقه من الشام إلى الكوفة وقد نزل بقرقيسياء فاستعدوا عليه زفر بن الحارث الكلابي وقالوا إنه أموي الهوى وكانت قيس يومئذ زبيرية وقرقيسياء وما والاها في يد ابن الزبير فحبسه زفر أياما وقيده وكان معه رفيق من بني أمية يقال له أبو الحدراء فرحل وتركه في حبسه أياما ثم تكلمت فيه جماعة من مضر فأطلق فقال في ذلك
( أغادٍ أبو الحَدْراء أم متروِّحُ ... كذاك النَّوى مما تُجِدّ وتَمزحُ )
( لعمري لقد كانت بلادٌ عريضةٌ ... لي الرَّوْحُ فيها عنك والمتسرَّحُ )

( ولكنه يدنو البغيضُ ويبعد الحبيبُ ... وينأى في المَزارِ وينزَحُ )
( ألا ليت شعري هل أتى أمَّ واصلٍ ... كُبُولٌ أَعَضُّوهَا بساقَيَّ تَجْرَحُ )
( إذا ما صرفتُ الكعبَ صاحت كأنها ... صريفُ خَطاطِيفٍ بدَلوين تَمتَحُ )
( تُبَغِّي أباها في الرفاق وتنثني ... وأَلوَى به في لُجَّةِ البحر تمْسَحُ )
( أمر تَحِلٌ وفدُ العراقِ وغُودِرت ... تَحِنُّ بأبوابِ المدينةِ صَيْدَحُ )
( فإنكِ لا تدرين فيما أصابني ... أَريثُك أم تعجيلُ سيرِك أنجَحُ )
( أَظَنَّ أبو الحدراء سَجنى تجارةً ... ترجَّى وما كل التجارة تُرْبِحُ )
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني محمد بن معاوية الأسدي قال لما قدم الحجاج الكوفة واليا عليها صعد المنبر فخطبهم فقال يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق إن الشيطان قد باض وفرخ في صدوركم ودب ودرج في حجوركم فأنتم له دين وهو لكم قرين ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ) ثم حثهم على اللحاق بالمهلب بن أبي صفرة وأقسم ألا يجد منهم أحدا اسمه

في جريدة المهلب بعد ثالثة بالكوفة إلا قتله فجاء عمير بن ضابئ البرجمي فقال أيها الأمير إني شيخ لا فضل في ولي ابن شاب جلد فاقبله بدلا مني فقال له عنبسة بن سعيد بن العاص أيها الأمير هذا جاء إلى عثمان وهو مقتول فرفسه وكسر ضلعين من أضلاعه وهو يقول
( أين تركتَ ضابئاً يا نَعْثَلُ ... )
فقال له الحجاج فهلا يومئذ بعثت بديلا يا حرسي اضرب عنقه وسمع الحجاج ضوضاء فقال ما هذا فقال هذه البراجم جاءت لتنصر عميرا فيما ذكرت فقال أتحفوهم برأسه فرموهم براسه فولوا هاربين فازدحم الناس على الجسر للعبور إلى المهلب حتى غرق بعضهم فقال عبد الله بن الزبير الأسدي
( أقول لإبراهيمَ لمّا لقيتُهُ ... أرى الأمر أمسى واهياً متشعبَا )
( تخيرْ فإما أن تزور ابنَ ضابىءٍ ... عميراً وإمَّا أن تزور المهلَّبَا )
( هما خُطَّتا خَسْفٍ نَجاؤك منهما ... ركوبُكَ حَوْلِيّاً من الثلجِ أشهبا )
( فَأَضْحَى ولو كانت خُراسانُ دونَهُ ... رآها مكان السَّوقِ أو هي أقربا )

أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن عثام الكلابي قال دخل عبد الله بن الزبير الأسدي على مصعب بن الزبير بالكوفة لما وليها وقد مدحه فاستأذنه الإنشاد فلم يأذن له وقال له ألم تسقط السماء علينا وتمنعنا قطرها في مديحك لأسماء بن خارجة ثم قال لبعض من حضر أنشدها فأنشده
( إذا ماتَ ابنُ خارجةَ بنِ حِصنٍ ... فلا مَطَرَتْ على الأرض السماءُ )
( ولا رجعَ الوُفود بغُنم جيشٍ ... ولا حَمَلَتْ على الطُّهْرِ النساءُ )
( ليَوم منك خيرٌ من أُناسٍ ... كثيرٍ حَولَهم نَعَمٌ وشَاء )
( فَبُورِكَ في بنيكَ وفي أبيهمْ ... إذا ذُكروا ونحن لك الفداء )
فالتفت إليه مصعب وقال له اذهب إلى أسماء فما لك عندنا شيء فانصرف وبلغ ذلك أسماء فعوضه حتى أرضاه ثم عوضه مصعب بعد ذلك وخص به وسمع مديحه وأحسن عليه ثوابه

مدحه لبشر بن مروان
قال ابن الأعرابي لما ولي بشر بن مروان الكوفة أدنى عبد الله بن الزبير الأسدي وبره وخصه بأنسه لعلمه بهواه في بني أمية فقال يمدحه
( ألَمْ تَرَنِي والحمد للهِ أنني ... برئت وداواني بمعْرُوفِهِ بِشْرُ )
( رعى ما رعى مروانُ مِنِّي قَبْلَهُ ... فصحَّت له منِّي النَّصيحةُ والشُّكْرُ )
( ففي كلّ عام عاشَهُ الدَّهرَ صالحاً ... عليَّ لربِّ العالَمِينَ له نَذْرُ )
( إذا ما أبو مروان خَلَّى مكانَهُ ... فلا تَهنأ الدنيا ولا يُرسَل القطرُ )
( ولا يَهنِيء الناسَ الولادةُ بينهم ... ولا يَبْقَ فوق الأرض من أهلها شَفْرُ )

( فليس البُحور بالتي تخبرونني ... ولكن أبو مروان بشرٌ هو البحرُ )
وقال فيه أيضا فذكر قطبة بنت بشر بن مالك ملاعب الأسنة
( جاءت به عُجُزٌ مقابلةٌ ... ما هن مِن جَرْم ومن عُكْلِ )
( يا بشرُ يابن الجعفريَّة ما ... خَلَقَ الإلهُ يديْك للبُخْلِ )
( أنت ابن سادات لأجمَعِهِم ... في بطن مَكَّةَ عزَّةُ الأصلِ )
( بحر من الأعياص جُدْنَ به ... في مغرِسٍ للجُودِ والفضلِ )
( متهلِّلٌ تَنْدَى يَداهُ إذا ... ضَنَّ السحابُ بوابِلٍ سَجْلِ )

خبره مع الحجاج بن يوسف
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش قال أخبرني مشيخة من بني أسد أن ابن الزبير الأسدي لما قفل من قتال الأزارقة صوب بعث إلى الري قال فكنت

فيه وخرج الحجاج إلى القنطرة يعني قنطرة الكوفة التي بزبارة ليعرض الجيش فعرضهم وجعل يسأل عن رجل رجل من هو فمر به ابن الزبير فسأله من هو فأخبره فقال أنت الذي تقول
( تَخَيَّرْ فإما أن تزورَ ابنَ ضابئٍ ... عُمَيْراً وإمَّا أَنْ تزورَ المُهَلَّبَا )
قال بلى أنا الذي أقول
( ألم تَرَ أنِّي قد أَخَذْتُ جَعِيلةً ... وكنتُ كمَنْ قاد الجَنيبَ فأسمَحا )
فقال له الحجاج ذلك خير لك فقال
( وَأَوقَدَتِ الأعداء يا مَيَّ فاعلَمِي ... بكلِّ شَرًى ناراً فَلَمْ أَرَ مَجْمَحَا )
فقال له الحجاج قد كان بعض ذلك فقال
( ولا يَعدَم الدَّاعي إلى الخير تابعاً ... ولا يَعْدَم الداعي إلى الشَّرِّ مَجْدَحَا )
فقال له الحجاج إن ذلك كذلك فامض إلى بعثك فمضى إلى بعثه فمات بالري
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال لما ولي عبد الرحمن بن أم الحكم الكوفة مدحه عبد الله بن الزبير فلم يثبه وكان قدم في هيئة رثة فلما اكتسب وأثرى بالكوفة تاه وتجبر فقال ابن الزبير فيه

( تبقَّلْت لما أن أَتيتَ بلادَكُمْ ... وفي مصرنا أنت الهمام القَلَمَّسُ )
( ألستَ ببغل أمّه عربية ... أبوك حمار أدبرُ الظهر يُنخَسُ )
قال وكان بنو أمية إذا رأوا عبد الرحمن يلقبونه البغل وغلبت عليه حتى كان يشتم من ذكر بغلا يظنه يعرض به

أرضى الحجاج بشعر قاله في مقتل عبد الله بن الزبير
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال لما قتل عبد الله بن الزبير صلب الحجاج جسده وبعث برأسه إلى عبد الملك فجلس على سريره وأذن للناس فدخلوا عليه فقام عبد الله بن الزبير الأسدي فاستأذنه في الكلام فقال له تكلم ولا تقل إلا خيرا وتوخ الحق فيما تقوله فأنشأ يقول
( مشى ابن الزبير القَهْقَرَى فتقدمت ... أميَّةُ حتَّى أحرزوا القَصَبَاتِ )
( وجئتَ المجَلِّى يابنَ مروان سابقاً ... أمامَ قريش تنفُض العُذُرَاتِ )
( فلا زلتَ سبّاقاً إلى كلِّ غايَةٍ ... من المَجْدِ نَجَّاءً من الغَمَرَاتِ )
قال فقال له أحسنت فسل حاجتك فقال له أنت أعلى عينا بها وأرحب صدرا يا أمير المؤمنين فأمر له بعشرين ألف درهم وكسوة ثم قال له كيف قلت فذهب يعيد هذه الأبيات فقال لا ولكن أبياتك في المحل في وفي الحجاج التي قلتها فأنشده

( كأني بعبد اللهِ يركب رَدْعَهُ ... وفيه سنان زاعبِيٌّ مُحَرَّبُ )
( وقد فرَّ عنه الملحِدُونَ وحلَّقَتْ ... به وبمن آساهُ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ )
( تولَّوا فخلَّوه فشالَ بشِلوه ... طويل من الأجذاع عارٍ مشذَّبُ )
( بِكَفِّي غلام من ثقيفٍ نَمَتْ به ... قريش وذو المجدِ التليدِ مُعَتّبُ )
فقال له عبد الملك لا تقل غلام ولكن همام وكتب له إلى الحجاج بعشرة آلاف درهم أخرى والله أعلم

هجاؤه ابن الزبير ومدحه بشر بن مروان
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن مجالد قال قتل ابن الزبير من شيعة بني أمية قوما بلغه أنهم يتجسسون لعبد الملك فقال فيه عبد الله بن الزبير في ذلك يهجوه ويعيره بفعله
( أيها العائذ في مَكَّةَ كَمْ ... من دمٍ أهرَقْتَهُ في غير دمْ )
( أَيَدٌ عائذةٌ معصمةٌ ... ويد تقتل مَنْ حَلَّ الحَرَمْ )
قال أبو الفرج ونسخت من كتاب لإسحاق بن إبراهيم الموصلي فيه إصلاحات بخطه والكتاب بخط النضر بن حديد من أخبار عبد الله بن الزبير وشعره قال دخل عبد الله بن الزبير على بشر بن مروان وعليه ثياب كان بشر خلعها عليه وكان قد بلغ بشرا عنه شيء يكرهه فجفاه فلما وصل إليه وقف

بين يديه وجعل يتأمل من حواليه من بني أمية ويجيل بصره فيهم كالمتعجب من جمالهم وهيئتهم فقال له بشر إن نظرك يابن الزبير ليدل أن وراءه قولا فقال نعم قال قل فقال
( كأن بني أُمية حول بشر ... نجومٌ وَسْطَها قمر منيرُ )
( هو الفرع المقدَّم من قريش ... إذا أخذتْ مآخِذَها الأمورُ )
( لقد عمَّت نوافلُه فأضحى ... غنيّاً مِن نوافله الفقيرُ )
( جَبَرْتَ مَهِيضَنا وعَدَلْتَ فينا ... فعاش البائس الكَلُّ الكَسِيرُ )
( فأنت الغيثُ قد علمتْ قريش ... لنا والواكِفُ الجَوْنُ المَطِيرُ )
قال فأمر له بخمسة آلاف درهم ورضي عنه فقال ابن الزبير
( لِبِشْرِ بنِ مروانٍ على الناس نعمة ... تروح وتغدو لا يطاقُ ثوابُها )
( به أمّن الله النفوسَ من الردى ... وكانت بحال لا يَقَرُّ ذُبابُها )
( دمغْتَ ذوي الأضغان يا بشر عَنوةً ... بسيفك حتى ذَلَّ منها صِعابُها )
( وكنت لنا كهفاً وحِصناً ومَعْقِلاً ... إذا الفِتنة الصَّمَّاء طارت عُقابُها )
( وكم لك يا بشر بنَ مروانَ من يدٍ ... مهذَّبةٍ بيضاءَ راسٍ ظِرابُها )

( وَطَدْتَ لنا دينَ النَّبيّ محمد ... ٍبحلمك إذ هرَّت سفاهاً كِلابُها )
( وسُدت ابنَ مروانٍ قريشاً وغيرها ... إذا السنةُ الشهباءُ قلَّ سَحابُها )
( رَأبْتَ ثَآناً واصطنعتَ أيادياً ... إلينا ونارُ الحربِ ذاكٍ شِهابُها )
قال النضر بن حديد في كتابه هذا ودخل عبد الله بن الزبير إلى بشر بن مروان متعرضا له ويسمعه بيتا من شعره فيه فقال له بشر أراك متعرضاً لأن أسمع منك وهل أبقى أسماء بن خارجة منك أو من شعرك أو من ودك شيئا لقد نزحت فيه بحرك يابن الزبير فقال أصلح الله الأمير إن أسماء بن خارجة كان للمدح أهلا وكانت له عندي أياد كثيرة وكنت لمعروفه شاكرا وأيادي الأمير عندي أجل وأملي فيه أعظم وإن كان قولي لا يحيط بها ففي فضل الأمير على أوليائه ما قبل به ميسورهم وإن أذن لي في الإنشاد رجوتُ أن أوفق للصواب فقال هات فقال
( تداركني بشرُ بنْ مروانَ بعدما ... تعاوَتْ إلى شلوِي الذئابُ العواسِلُ )
( غِياث الضعاف المُرمِلين وعصمةُ اليتامى ... ومَنْ تأوِي إليه العَباهِلُ )
( قَرِيعُ قريشٍ والهمامُ الذي له ... أقرَّت بنو قحطان طُرّاً ووائلُ )
( وقيسُ بن عَيلان وخِنِدَفُ كلُّها ... أقرَّت وجِنُّ الأرض طُرّاً وخابِلُ )

( يداك ابنَ مروان يدٌ تقتل العِدَا ... وفي يدك الأخرى غياثٌ ونائلُ )
( إذا أمطَرْتنا منك يوماً سحابَةٌ ... رَوِينا بما جادت عَلَيْنَا الأنامِلُ )
( فلا زلت يا بشر بن مروانَ سيِّداً ... يُهِلّ علينا منك طَلٌّ ووابلُ )
( فأنت المصفَّى يابنَ مروانَ والَّذي ... توافت إليه بالعطاء القبائِلُ )
( يرجُّون فضلَ اللهِ عند دعائِكُمْ ... إذا جمعَتْكُمْ والحَجِيجَ المنازِلُ )
( ولولا بنو مروان طاشَتْ حُلومُنا ... وكُنَّا فراشاً أحرقتْها الشعائِلُ )
فأمر له بجائزة وكساه خلعة وقال له إني أريد أن أوفدك على أمير المؤمنين فتهيأ لذلك يابن الزبير قال أنا فاعل أيها الأمير قال فماذا تقول له إذا وفدت عليه ولقيته إن شاء الله فارتجل من وقته هذه القصيدة ثم قال
( أقول أميرَ المؤمنين عَصَمتَنَا ... ببشر من الدَّهر الكثير الزَّلازلِ )
( وأطفأتَ عنا نارَ كلّ منافِقٍ ... بأبيضَ بُهْلولٍ طويل الحمائِلِ )
( نَمَتْهُ قُرومٌ من أمية للعُلا ... إذا افتخَرَ الأقوامُ وَسْطَ المحافِلِ )
( هو القائد الميمونُ والعِصْمَةُ التي ... أتى حقُّها فينا على كل باطِلِ
( أقام لنا الدينَ القويمَ بحِلمِهِ ... ورأي له فضلٌ على كلِّ قائِلِ )
( أخوك أمير المؤمنين ومن بِهِ ... نُجادُ ونُسقَى صَوْبَ أسحَمَ هاطِلِ )

( إذا ما سألنا رِفده هَطَلَت لنا ... سحابة كفَّيه بِجَوْدٍ ووابِلِ )
( حليمُ على الجُهَّال مِنَّا ورَحْمَةٌ ... على كُلِّ حافٍ من مَعَدٍّ وناعِلِ )
فقال بشر لجلسائه كيف تسمعون هذا والله الشعر وهذه القدرة عليه فقال له حجار بن أبجر العجلي وكان من أِشراف أهل الكوفة وكان عظيم المنزلة عند بشر هذا أصلح الله الأمير أشعر الناس وأحضرهم قولا إذا أراد فقال محمد بن عمير بن عطارد وكان عدوا لحجار أيها الأمير إنه لشاعر وأشعر منه الذي يقول
( لبشرِ بنِ مروانٍ على كلِّ حالة ... من الدهر فضلٌ في الرخاء وفي الجهدِ )
( قريعِ قريش والذي باع ماله ... ليَكسِبَ حَمْداً حين لا أحدٌ يُجْدِي )
( ينافس بشر في السماحة والنَّدى ... ليُحْرِز غاياتِ المكارِمِ بالحمدِ )
( فكم جبرتْ كفَّاك يا بِشْرُ من فتًى ... ضَريكٍ وكم عيَّلت قوماً على عَمْدِ )
( وصيَّرتَ ذا فقرٍ غنيّاً ومثرياً ... فقيراً وكلاَّ قد حذوتَ بلا وعْدِ )

خبره مع حجار بن أبجر
فقال بشر من يقول هذا قال الفرزدق وكان بشر مغضبا عليه فقال ابعث إليه فأحضره فقال له هو غائب بالبصرة وإنما قال هذه الأبيات وبعث بها لأنشدكها ولترضى عنه فقال بشر هيهات لست راضيا عنه حتى يأتيني فكتب محمد بن عمير إلى الفرزدق فتهيأ للقدوم على بشر ثم بلغه أن البصرة

قد جمعت له مع الكوفة فأقام وانتظر قدومه فقال عبد الله بن الزبير لمحمد بن عمير في مجلسه ذلك بحضرة بشر
( بني دارمٍ هل تعرفون محمداً ... بِدعوَتِهِ فيكم إذا الأمر حُقِّقَا )
( وساميتُم قوماً كراماً بمجدكم ... وجاء سُكَيْتاً آخر القوم مخفِقَا )
( فأصلُك دُهْمان بنُ نصرٍ فردَّهم ... ولا تك وَغْداً في تميم معلَّقا )
( فإن تميماً لستَ منهم ولا لهم ... أخاً يابن دُهمانٍ فلا تك أحمقا )
( ولولا أبو مروان لاقَيْتَ وابِلاً ... من السوط يُنسيك الرَّحيق المعتَّقا )
( أحينَ عَلاَكَ الشيبُ أصبحتَ عاهراً ... وقلت آسقني الصَّهباء صِرفاً مروَّقا )
( تركت شرابَ المسلمين ودينَهم ... وصاحبتَ وغْداً من فَزارة أزرقا )
( تبيتان من شُرب المدامةِ كالَّذي ... أُتيح له حبلٌ فأضحى مخنَّقا )
فقال بشر أقسمت عليك إلا كففت فقال أفعل أصلحك الله والله لولا مكانك لأنفذت حضنيه بالحق وكف ابن الزبير وأحسن بشر جائزته وكسوته وشمت حجار بن أبجر بمحمد بن عمير وكان عدوه وأقبلت بنو

أسد على ابن الزبير فقالوا عليك غضب الله أشمت حجارا بمحمد والله لا نرضى عنك حتى تهجوه هجاء يرضى به محمد بن عمير عنك أو لست تعلم أن الفرزدق أشعر العرب قال بلى ولكن محمدا ظلمني وتعرض لي ولم أكن لأحلم عنه إذ فعل فلم تزل به بنو أسد حتى هجا حجارا فقال
( سليلَ النصارى سُدتَ عِجلاً ولم تكن ... لذلك أهْلاً أن تسود بني عِجْلِ )
( ولكنَّهم كانوا لئاماً فَسُدْتَهمْ ... ومثلُك من ساد اللئامَ بلا عَقْل )
( وكيف بِعجلٍ إن دنا الفِصْحُ واغتدتْ ... عليك بَنُو عجل ومِرجَلُكم يَغْلي )
( وعندك قِسّيس النصارى وصُلبُها ... وعانيَّةٌ صَهْباءُ مثلُ جَنَى النحل )
قال فلما بلغ حجارا قوله شكاه إلى بشر بن مروان فقال له بشر هجوت حجارا فقال لا والله أعز الله الأمير ما هجوته لكنه كذب علي فأتاه ناس من بني عجل وتهددوه بالقتل فقال فيهم
( تُهدِّدني عجلٌ وما خِلتُ أنَّني ... خَلاةٌ لعجلٍ والصليبُ لها بعلُ )
( وما خِلتُني والدهرُ فيه عجائبٌ ... أُعمَّر حتى قد تهدّدني عجلُ )
( وتُوعِدُني بالقتل منهم عصابةٌ ... وليس لهم في العزّ فرعٌ ولا أصل )
( وعجلٌ أُسود في الرخاء ثعالبٌ ... إذا التقت الأبطال واختلف النَّبل )
( فإن تَلْقَنا عجِل هناك فما لنا ... ولا لهمُ مِ الموتِ مَنْجًى ولا وَعْل )

مدح سويد بن منجوف لأنه ساعده على الخروج إلى الشام
وقال النضر في كتابه لما منع عبد الرحمن بن أم الحكم عبد الله بن الزبير الخروج إلى الشام وأراد حبسه لجأ إلى سويد بن منجوف واستجار به فأخرجه مع بني شيبان في بلادهم وأجازه عمل ابن أم الحكم فقال يمدحه
( أليس ورائي إن بلادٌ تجهَّمتْ ... سويدُ بنُ مَنْجُوفٍ وبكر بن وائِل )
( حصونُ بَراها الله لم يُرَ مِثلُها ... طِوالٌ أعاليها شِدادُ الأسافل )
( هُم أصْبَحوا كَنْزي الذي لَسْتُ تاركاً ... ونبلِي التي أعددتُها للمُناضِلِ )
وقال أيضا في هذا الكتاب جاء عبد الله بن الزبير يوما إلى بشر بن مروان فحجبه حاجبه وجاء حجار بن أبجر فأذن له وانصرف ابن الزبير يومئذ ثم عاد بعد ذلك إلى بشر وهو جالس جلوسا فدخل إليه فلما مثل بين يديه أنشأ يقول
( ألم تر أن الله أعطى فَخَصَّنا ... بأبيضَ قَرمٍ من أمية أزهرَا )
( طَلوع ثنايا المجد سامٍ بطَرفه ... إذا سُئل المعروفَ ليس بأَوْعَرا )
( فلولا أبو مروان بِشرٌ لقد غَدت ... ركابيَ في فَيْف من الأرْضِ أغبرا )
( سِراعاً إلى عبد العزيز دوائباً ... تَخَلَّلُ زَيتوناً بمصر وعَرْعَرا )

( وحاربتُ في الإسلام بكرَ بنَ وائل ... كحربِ كليب أو أمر وأمْقَرا )
( إذا قَادتِ الإسلامَ بَكر بن وائلٍ ... فهَبْ ذاك دِيناً قد تغيَّر مُهتَرا )
( بأيّ بلاءٍ أم بأيّ نصيحةٍ ... تُقدِّم حَجّاراً أمامي ابنَ أبجَرَا )
( وما زلتُ مذ فارقتُ عثمان صَادِياً ... ومروانَ مُلتاحاً عن الماء أزورَا )
( ألا ليتني قُدِّمتُ واللهِ قَبْلَهُمْ ... وأن أخي مَرْوان كان المؤخرا )
( بهم جُمع الشمل الشَّتيتُ وأصْلَح الإله ... وداوَى الصَّدْعَ حتَّى تَجَبَّرا )
( قضى الله لا ينفكّ منهم خليفةٌ ... كريم يسوس الناسَ يركبُ مِنبرا )
فاعتذر إليه بشر ووصله وحمله وأنكر على حاجبه ما تشكاه وأمر أن يأذن له عند إذنه لأخص أهله وأوليائه
وقال النضر في كتابه هذا كان الزبير بن الأشيم أبو عبد الله بن الزبير شاعرا وكان لعبد الله بن الزبير ابن يقال له الزبير شاعر فأما أبوه الزبير بن الأشيم فهو الذي يقول
( ألا يا لقومي للرّقاد المؤرِّقِ ... وللرَّبْع بعد الغبْطَة المتفرِّقِ )
( وهمِّ الفتى بالأمْرِ من دون نَيْله ... مراتبُ صعباتٌ على كُلّ مُرْتَقي )
( ويوم بصحراء البَدِيدَيْن قِلته ... بمنزلة النُّعمان وابن محرِّق )

( وذلك عيش قد مَضَى كان بَعْدَه ... أمورٌ أشابَتْ كلَّ شأن ومَفْرَق )
( وغيَّر ما استنكرتِ يا أم واصلٍ ... حوادثُ إلاَّ تَكْسر العظم تَعرِق )
( فراقُ حبيبٍ أو تغيُّر حالةٍ ... من الدهرِ أو رامٍ لشخصي مُفوِّق )
( على أنني جَلْدٌ صبورٌ مرزَّأٌ ... وهل تتركُ الأيامُ شيئاً لمشفِق )
وأما ابنه الزبير بن عبد الله بن الزبير فهو القائل يمدح محمد بن عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري
( قالت عبيدَةُ مَوْهِناً ... أين اعْتَراكَ الهمُّ أينَهْ )
( هل تبلغنَّ بك المُنَى ... ما كنت تأمُل في عُيينهْ )
( بدرٌ له الشِّيَم الكرائم ... كاملاتٌ فاعْتَلَيْنَهْ )
( والجوعُ يَقْتُله النَّدَى ... منه إذا قَحْطٌ تريْنَه )
( فهناك يَحْمَدُه الوَرَى ... أخلاق غيركم اشتكينه )
قال وهو القائل في بعض بني عمّه
( ومولَى كدَاءِ البَطْنِ أو فوق دَائه ... يزيدُ موالي الصدق خيراً وينقصُ )
( تلوَّمتُ أرجو أن يَثُوب فيرْعَوِي ... به الحلمُ حتَّى استيأسَ المتربِّص )

لجوؤه إلى معاوية
وقال النضر في كتابه هذا لما هرب ابن الزبير من عبد الرحمن بن أم الحكم إلى معاوية أحرق عبد الرحمن داره فتظلم منه وقال أحرق لي دارا قد قامت علي بمائة ألف درهم فقال معاوية ما أعلم بالكوفة دارا أنفق عليها هذا القدر فمن يعرف صحة ما ادعيت قال هذا المنذر بن الجارود حاضر ويعلم ذلك فقال معاوية للمنذر ما عندك في هذا قال إني لم آبه لنفقته على داره ومبلغها ولكني لما دخلت الكوفة وأردت الخروج عنها أعطاني عشرين ألف درهم وسألني أن أبتاع له بها ساجا من البصرة ففعلت فقال معاوية إن دارا اشتري لها ساج بعشرين ألف درهم لحقيق أن يكون سائر نفقتها مائة ألف درهم وأمر له بها فلما خرجا أقبل معاوية على جلسائه ثم قال لهم أي الشيخين عندكم أكذب والله إني لأعرف داره وما هي إلا خصاص قصب ولكنهم يقولون فنسمع ويخادعوننا فنخدع فجعلوا يعجبون منه
أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى قالا حدثنا محمد بن زكريا الغلابي عن عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي قال أتى عبد الله بن الزبير إبراهيم بن الأشتر النخعي فقال له إني قد مدحتك بأبيات فاسمعهن فقال إني لست أعطي الشعراء فقال اسمعها مني وترى رأيك فقال هات إذا فأنشده قوله
( الله أعْطَاك المهابةَ والتُّقَى ... وأحلَّ بيتَك في العَدِيدِ الأكثرِ )
( وأقرَّ عينَك يوم وقْعَةِ خازِرٍ ... والخيلُ تعثُر بالقَنا المتكسِّر )

( إنِّي مدحتُك إذ نَبَا بيَ منزلي ... وذممتُ إخوانَ الغِنَى مِنْ مَعْشَرِ )
( وعرفتُ أنك لا تخيّب مِدْحتي ... ومتى أكن بسبيل خيرٍ أشكر )
( فهلمَّ نحوي من يمينك نَفحةً ... إن الزمان ألحَّ يابن الأشْتَرِ )
فقال كم ترجو أن أعطيك فقال ألف درهم أصلح بها أمر نفسي وعيالي فأمر له بعشرين ألف درهم

صوت
( ما هاج شوقَك من بُكاء حَمَاَمةٍ ... تَدْعُو إلى فَنَن الأَراك حَماما )
( تَدعو أخا فَرْخين صَادَف ضَارِياً ... ذَا مِخلبين من الصُّقُور قَطاما )
( إلا تَذَكُّرُكَ الأوانسَ بَعْدَما ... قطع المطيُّ سَباسِباً وهُياما )
الشعر لثابت قطنة وقيل إنه لكعب الأشقري والصحيح أنه لثابت والغناء ليحيى المكي خفيف ثقيل أول بالبنصر من رواية ابنه والهشامي أيضا

أخبار ثابت قطنة
هو ثابت بن كعب وقيل ابن عبد الرحمن بن كعب ويكنى ابا العلاء أخو بني أسد بن الحارث بن العتيك وقيل بل هو مولى لهم ولقب قطنة لأن سهما أصابه في إحدى عينيه فذهب بها في بعض حروب الترك فكان يجعل عليها قطنة وهو شاعر فارس شجاع من شعراء الدولة الأموية وكان في صحابة يزيد بن المهلب وكان يوليه أعمالا من أعمال الثغور فيحمد فيها مكانه لكفايته وشجاعته
فأخبرني إبراهيم بن ايوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال كان ثابت قطنة قد ولي عملا من أعمال خراسان فلما صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام فتعذر عليه وحصر فقال ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) وبعد عي بيانا وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال

( وإلاَّ أكن فيكمْ خطيباً فإنَّني ... بسَيْفي إذا جدَّ الوغَى لخطيبُ )
فبلغت كلماته خالد بن صفوان ويقال الأحنف بن قيس فقال والله ما علا ذلك المنبر أخطب منه في كلماته هذه ولو أن كلاما استخفني فأخرجني من بلادي إلى قائله استحسانا له لأخرجتني هذه الكلمات إلى قائلها وهذا الكلام بخالد بن صفوان أشبه منه بالأحنف

هجاه حاجب الفيل لعيه في الكلام
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن زهير بن حرب عن دعبل بن علي قال كان يزيد بن المهلب تقدم إلى ثابت قطنة في أن يصلي بالناس يوم الجمعة فلما صعد المنبر ولم يطق الكلام قال حاجب الفيل يهجوه
( أبا العَلاءِ لقد لُقِّيتَ معضلةً ... يومَ العَروبة من كربٍ وتخنيق )
( أمّا القُران فلم تخلَق لمحكَمه ... ولم تسدَّد من الدنيا لتوفيق )
( لمَّا رمتْكَ عيونُ الناس هِبتَهمُ ... فكدتَ تَشرقَ لمَّا قمتَ بالرِّيق )
( تلوِي اللسان وقد رُمْتَ الكلام به ... كما هَوَى زَلِقٌ من شَاهقِ النِّيق )
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح قال كان سبب هجاء حاجب بن ذبيان المازني وهو حاجب الفيل

والفيل لقب لقبه به ثابت قطنة وكعب الأشقري أن حاجبا دخل على يزيد بن المهلب فلما مثل بين يديه أنشده
( إليك أمتطيتُ العِيسَ تسعين ليلة ... أرجِّي ندَى كفَّيكَ يابن المهلّبِ )
( وأنت امرؤٌ جادَتْ سماءُ يمينِه ... على كل حيٍّ بين شَرْق ومَغْرب )
( فَجُدْ لي بطرْف أعوجِيٍّ مشهَّرٍ ... سَليم الشَّظَا عَبْلِ القوائم سَلْهَبِ )
( سبوحٍ طموحٍ الطَّرف يستنُّ مِرْجَم ... أُمِرَّ كإمرار الرِّشاء المشذَّب )
( طوى الضُّمرُ منه البطنَ حتى كأنه ... عقاب تدلَّت من شماريخ كَبكَب )
( تُبادر جُنْحَ الليلِ فَرْخين أقْوََيا ... من الزاد في قَفْرٍ من الأرض مجدِب )
( فلمَّا رأت صَيْداً تدلَّتْ كأنها ... دَلاةٌ تَهاوَى مَرْقَباً بعد مَرقَبِ )
( فشكّت سوادَ القلب من ذئبٍ قَفرةٍ ... طويلِ القَرا عارِي العظامِ معصَّب )

( وسابغةٍ قد أتْقَن القَينُ صنعَها ... وأسمرَ خَطِّيٍّ طويلٍ مُحَرَّب )
( وأبيضَ من ماء الحديدِ كأنه ... شِهابٌ متى يَلْقَ الضَّريبةَ يَقْضِبِ )
( وقل لي إذا ما شئتَ في حَوْمة الوغى ... تقدَّمْ أو اركبْ حومةَ الموت أَركبِ )
( فإني امرؤٌ من عُصْبَةٍ مازِنيَّةٍ ... نَماني أبٌ ضخمٌ كريمُ المركَّب )
قال فأمر له يزيد بدرع وسيف ورمح وفرس وقال له قد عرفت ما شرطت لنا على نفسك فقال أصلح الله الأمير حجتي بينة وهي قول الله عز و جل ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فقال له ثابت قطنة ما أعجب ما وفدت به من بلدك في تسعين ليلة مدحت الأمير ببيتين وسألته حوائجك في عشرة أبيات وختمت شعرك ببيت تفخر عليه فيه حتى إذا أعطاك ما أردت حدت عما شرطت له على نفسك فأكذبتها كأنك كنت تخدعه فقال له يزيد مه يا ثابت فإنا لا نخدع ولكنا نتخادع وسوغه ما أعطاه وأمر له بألفي درهم ولج حاجب يهجو ثابتا فقال فيه
( لا يعرفُ الناسُ مِنْه غيرَ قُطنَتِه ... وما سِواها من الأَنْسَابِ مَجْهُولُ )

خبره مع حاجب الفيل عند يزيد بن المهلب
قال ودخل حاجب يوما على يزيد بن المهلب وعنده ثابت قطنة وكعب الأشقري وكانا لا يفارقان مجلسه فوقف بين يديه فقال له تكلم يا حاجب

فقال يأذن لي الأمير أن أنشده أبياتا قال لا حتى تبدأ فتسأل حاجتك قال أيها الأمير إنه ليس أحد ولو أطنب في وصفك موفيك حقك ولكن المجتهد محسن فلا تهجني بمنعي الإنشاد وتأذن لي فيه فإذا سمعت فجودك أوسع من مسألتي فقال له يزيد هات فما زلت مجيدا محسنا مجملا فأنشده
( كم من كميٍّ في الهِياج تركتَه ... يَهوي لِفيه مُجدَّلا مقتولا )
( جلّلتَ مفرِقَ رأسِه ذا رَونق ... عضْبَ المهزَّة صارِماً مصقولا )
( قُدْتَ الجِيادَ وأنت غِرٌّ يافعٌُ ... حتى اكتهلتَ ولم تزل مأمولا )
( كم قد حَرَبْت وقد جَبَرت مَعاشراً ... وكم امتننت وكم شفَيتَ غليلا )
فقال له يزيد سل حاجتك فقال ما على الأمير بها خفاء فقال قل قال إذا لا أقصر ولا أستعظم عظيما أسأله الأمير أعزه الله مع عظم قدره قال أجل فقل يفعل فلست بما تصير إليه أغبط منا قال تحملني وتخدمني وتجزل جائزتي فأمر له بخمسة تخوت ثياب وغلامين وجاريتين وفرس وبغل وبرذون وخمسة آلاف درهم فقال حاجب
( شِم الْغَيْثَ وانْظُرْ وَيْك أين تبعَّجتْ ... كُلاه تَجِدْها في يَدِ ابن المهلّب )
( يداه يدٌ يُخْزِي بها اللهُ مَن عَصَى ... وفي يَدِهِ الأخْرَى حياةُ المعصَّب )

قال فحسده ثابت قطنة وقال والله لو على قدر شعرك أعطاك لما خرجت بملء كفك نوى ولكنه أعطاك على قدره وقام مغضبا وقال لحاجب يزيد بن المهلب إنما فعل الأمير هذا ليضع منا بإجزاله العطية لمثل هذا وإلا فلو أنا اجتهدنا في مديحه ما زادنا على هذا وقال ثابت قطنة يهجو حاجبا حينئذ
( أحاجبُ لولا أنَّ أصْلَك زَيِّفٌ ... وأنَّك مطبوعٌ على اللؤم والكفر )
( وأنِّيَ لو أكثرتُ فيك مقصِّرٌ ... رميتُك رمياً لا يَبيد يَدَ الدهر )
( فقل لي ولا تكذِبْ فإنِّيَ عالمٌ ... بمِثْلِكَ هل في مازنٍ لك من ظَهر )
( فإنك مِنْهمْ غير شكٍّ ولم يَكُنْ ... أبوكَ من الغُرِّ الجَحاجِحة الزُّهر )
( أبوكَ دِيافيٌّ وأمُّك حُرَّةٌ ... ولكنَّها لا شَكَّ وافيةُ البَظْر )
( فلست بهاجِ ابن ذُبيان إنني ... سأُكْرِمُ نفسي عن سِبابِ ذوي الهُجْر )

هجاء حاجب له
فقال حاجب والله لا أرضى بهجاء ثابت وحده ولا بهجاء الأزد كلها ولا أرضى حتى أهجو اليمن طرا فقال يهجوهم

( دعُوني وقحطاناً وقولوا لثابتٍ ... تنحَّ ولا تقرَبْ مُصاوَلة البُزْلِ )
( فلَلزِنج خيرٌ حين تُنْسَب والداً ... من أبناء قحطانَ العفاشلة الغُرْلِ )
( أناسٌ إذا الهيجاء شَبَّتْ رأيتَهمْ ... أذَلَّ على وَطْءِ الهَوَانِ من النَّعْلِ )
( نساؤهُم فوضَى لمن كان عاهِراً ... وجِيرانهمْ نَهبُ الفَوارِس والرَّجْلِ )
اخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير قال وحدثني دعبل قال بلغني أن ثابت قطنة قال هذا البيت في نفسه وخطر بباله يوما فقال
( لاَ يَعْرِف الناسُ منه غيرَ قطنته ... وما سِوَاها من الأنْسابِ مجهولُ )
وقال هذا بيت سوف أهجي به أو بمعناه وأنشده جماعة من أصحابه وأهل الرواية وقال اشهدوا أني قائله فقالوا ويحك ما أردت إلا أن تهجو نفسك به ولو بالغ عدوك ما زاد على هذا فقال لا بد من أن يقع على خاطر غيري فأكون قد سبقته إليه فقالوا له أما هذا فشر قد تعجلته ولعله لا يقع لغيرك فلما هجاه به حاجب الفيل استشهدهم على أنه هو قائله فشهدوا على ذلك فقال يرد على حاجب
( هَيْهاتَ ذلك بيتٌ قد سُبقت به ... فاطلبْ له ثَانِياً يا حاجبَ الفيلِ )

ميله إلى قول المرجئة
أخبرني أحمد بن عثمان العسكري المؤدب قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي عن أبي عبيدة قال كان ثابت قطنة قد جالس قوما من الشراة وقوما من المرجئة كانوا يجتمعون فيتجادلون

بخراسان فمال إلى قول المرجئة وأحبه فلما اجتمعوا بعد ذلك أنشدهم قصيدة قالها في الإرجاء
( يا هندُ إنِّي أظنُّ العيشَ قد نفِدا ... ولا أْرَى الأمرَ إلا مُدْبراً نَكِدا )
( إني رَهينَةُ يومٍ لستُ سابقه ... إلاّ يكن يومُنا هذا فقد أفِدا )
( بايعتُ ربِّيَ بيعاً إن وفيتُ به ... جاورتُ قتلَى كراماً جاوَروا أُحُدا )
( يا هندُ فاستمعي لي إنّ سيرتَنا ... أن نَعْبُد اللهَ لمْ نشركْ به أحدَا )
( نُرجِي الأمورَ إذا كانتْ مشبَّهة ... ونَصدُق القولَ فيمن جارَ أو عندا )
( المسلمون على الإسلام كلّهم ... والمشركون أَشَتُّوا دينهمْ قِدَدا )
( ولا أرى أن ذنباً بالغٌ أَحَداً ... مِ الناسِ شِركاً إذا ما وحَّدوا الصمَدا )
( لا نَسفِك الدمَ إلا أن يراد بنا ... سَفْكُ الدماء طريقاً واحداً جدَدَا )
( من يتّق الله في الدنيا فإنّ له ... أجرَ التَّقيِّ إذا وَفَّى الحسابَ غدا )
( وما قَضَى اللهُ من أمرٍ فليسَ له ... رَدٌّ وما يَقض من شيء يكن رَِشَدا )
( كلّ الخوارج مُخطٍ في مَقَالته ... ولو تَعبَّد فيما قَالَ واجْتَهَدا )
( أما عليٌّ وعثمانٌ فإنهما ... عَبْدان لَم يُشرِكا بالله مذ عَبَدا )
( وكان بينهما شَغْب وقد شهِدا ... شقَّ العصا وبعيْن الله ما شَهدا )

حذف

( يُجزَى عليٌّ وعثمانٌ بسَعْيِهما ... ولستُ أدري بحقٍّ أيَّةً وَرَدا )
( الله يعلم ماذا يَحضُران به ... وكلُّ عبد سيلقى اللهَ منفردا )
قال أبو الفرج ونسخت من كتاب بخط المرهبي الكوفي في شعر ثابت قطنة قال لما ولي سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية خراسان بعد عزل عبد الرحمن بن نعيم جلس يعرض الناس وعنده حميد الرؤاسي وعبادة المحاربي فلما دعي بثابت قطنة تقدم وكان تام السلاح جواد الفرس فارسا من الفرسان فسأل عنه فقيل هذا ثابت قطنة وهو أحد فرسان الثغور فأمضاه وأجاز على اسمه فلما انصرف قال له حميد وعبادة هذا أصلحك الله الذي يقول
( إنا لضرَّابون في حَمَس الوَغَى ... رأْسَ الخليفة إن أراد صدودا )
فقال سعيد علي به فردوه وهو يريد قتله فلما أتاه قال له أنت القائل
( إنا لضرَّابون في حَمَس الوغى ... )
قال نعم أنا القائل
( إنا لضرّابون في حَمَس الوغى ... رأسَ المتوَّجِ إنْ أراد صُدُودا )
( عن طَاعة الرحمن أو خُلَفَائه ... إن رام إفساداً وكرَّ عُنُودا )
فقال له سعيد أولى لك لولا أنَّك خرجتَ منها لضربتُ عنقكَ قال وبلغ ثابتاً ما قاله حميد وعبادة فأتاه عبادة معتذرا فقال له قد قبلت عذرك ولم يأته حميد فقال ثابت يهجوه
( وما كان الحُنَيد ولا أخوه ... حميدٌ من رؤوسٍ في المَعالي )

( فإن يك دغْفلٌ أمسى رهيناً ... وزيدٌ والمقيم إلى زوال )
( فعندكُمُ ابن بشرٍ فاسألوه ... بمروِ الرُّوذِ يَصدقُ في المقال )
( ويخبر أنه عبدُ زَنيمٌ ... لئيم الجدّ من عَمٍّ وخال )

هجاؤه لمحمد بن مالك لأنه لم يكرمه
قال واجتاز ثابت قطنة في بعض أسفاره بمدينة كان أميرها محمد بن مالك بن بدر الهمداني ثم الخيواني وكان يغمز في نسبه وخطب إلى قوم من كندة فردوه فعرف خبر ثابت في نزوله فلم يكرمه ولا أمر له بقرى ولا تفقده بنزل ولا غيره فلما رحل عنه قال يهجوه ويعيره برد من خطب إليه
( لو أنَّ بَكيلاً هُم قومهُ ... وكان أبوه أبا العاقِبِ )
( لأكرَمَنَا إذ مَررْنَا به ... كرامةَ ذي الحَسَبِ الثاقِبِ )
( ولكنَّ خيوانَ همْ قومُهُ ... فبئس هم القومُ للصَّاحِبِ )
( وأنتَ سَنِيدٌ بهم مُلصَق ... كما ألصِقتْ رُقعةُ الشاعبِ )

( وحَسْبُكَ حَسْبُكَ عند النَّثا ... بأفعالِ كِندَةَ من عائبِ )
( خَطبتَ فجازَوْك لما خطبتَ ... جِزاءَ يسارٍ من الكاعِبِ )
( كذبتَ فزيّفْتَ عقدَ النكاح ... لِمتِّكَ بالنَّسَبِ الكاذبِ )
( فلا تخطبنْ بعدها حُرَّةً ... فتُثْنَى بِوَسْمٍ على الشارِبِ )

هجاؤه لقتيبة بن مسلم
قال أبو الفرج ونسخت من هذا الكتاب قال كان لثابت قطنة راوية يقال له النضر فهجا ثابت قطنة قتيبة بن مسلم وقومه وعيرهم بهزيمة انهزموها عن الترك فقال
( توافَتْ تميمٌ في الطِّعان وعرَّدتْ ... بُهَيْلَةُ لما عاينتْ معشراً غُلْبا )
( كُماة كُفاة يرهَب الناسُ حَدَّهم ... إذا ما مَشَوْا في الحرب تَحْسَبهم نُكْبَا )
( تُسَامُونَ كعباً في العُلا وكِلابَها ... وهيهاتَ أن تَلْقَوْا كِلاباً ولا كَعْباً )
قال فأفشى عليه راويته ما قاله فقال ثابت فيه وقد كان استكتمه هذه الأبيات
( يا ليت لي بأخي نضرٍ أخا ثقةٍ ... لا أرهب الشَّرَّ منه غابَ أم شَهدا )
( أصبحتُ منك على أسبابٍ مَهْلكةٍ ... وزَلَةٍ خائفاً منك الرَّدَى أبدا )
( ما كنتَ إلا كذئب السُّوءِ عارضَهُ ... أخوه يدمي فَفَرَّى جِلْدَه قِدَدَا )
( أهم بالصَّرْفِ أحياناً فيمنعنِي ... حيَّا ربيعةَ والعَقْد الذي عَقَدَا )
شعره في رثاء المفضل بن المهلب
ونسخت منه أيضا قال لما قتل المفضل بن المهلب دخل ثابت قطنة على هند بنت المهلب والناس حولها جلوس يعزونها فأنشدها
( يا هند كيف بِنُصْبٍ بات يَبْكِيني ... وعائِرٍ في سَواد الليل يؤذيني )
( كأنَّ لَيْلِيَ والأصداءُ هاجدةٌ ... ليلُ السَّليم وأعيا من يُداويني )
لمّا حتى الدهرُ من قَوْسِي وعذَّرني ... شيبي وقاسيت أمرَ الغلْظِ واللينِ )
( إذا ذكرتُ ابا غَسَّان أرَّقَنِي ... همٌّ إذا عَرَّس السَّارُونَ يُشجيني )

( أصبحتُ منك على أسبابِ مَهْلكةٍ ... وزَلَّةٍ خائفاً منك الرَّدَى أبدا )
( ما كنتَ إلا كذئب السُّوءِ عارضَهُ ... أخوه يدمى فَفَرَّى جِلْدَه قِدَدَا )
( أو كابن آدم خَلًى عن أخيه وقد ... أدْمَى حَشَاهُ ولم يبسط إليهِ يَدَا )
( أو كابن آدم خَلَّى عن أخيه وقد ... أدْمَى حَشَاهُ ولم يبسط إليهِ يَدَا )
( أهم بالصَّرْفِ أحياناً فيمنعنِي ... حيَّا ربيعةَ والعَقْد الذي عَقَدَا )
شعره في رثاء المفضل بن المهلب
ونسخت منه أيضا قال لما قتل المفضل بن المهلب دخل ثابت قطنة على هند بنت المهلب والناس حولها جلوس يعزونها فأنشدها
( يا هند كيف بِنُصْبٍ بات يَبْكِيني ... وعائِرٍ في سَواد الليل يؤذيني )
( كأنَّ لَيْلِيَ والأصداءُ هاجدةٌ ... ليلُ السَّليم وأعيا من يُداويني )
( لمّا حنى الدهرُ من قَوْسِي وعذَّرني ... شيبي وقاسيت أمرَ الغلْظِ واللينِ )
( إذا ذكرتُ أبا غَسَّان أرَّقَنِي ... همٌّ إذا عَرَّس السَّارُونَ يُشجيني )

( كان المفضَّلُ عِزّاً في ذوي يَمَنٍ ... وعِصمةً وثمالاً للمساكينِ )
( ما زلتُ بعدَكَ في همٍّ تجيش به ... نَفْسِي وفي نَصَب قد كادَ يُبْلِيِني )
( إنِّي تذكَّرْتُ قتلَي لو شهدتُهُم ... في حَوْمَةِ الموْتِ لم يَصَلوا بها دُونِي )
( لا خير في العَيْشِ إن لم أجن بعدَهم ... حرباً تُبِيء بهم قتلي فيشفوني )
فقالت له هند اجلس يا ثابَت فقد قضيت الحق وما من الملاثية بد وكم من ميتة ميت أشرف من حياة حي وليست المصيبة في قتل من استشهد ذابا عن دينه مطيعا لربه وإنما المصيبة فيمن قلت بصيرته وخمل ذكره بعد موته وأرجو ألا يكون المفضل عند الله خاملا يقال إنه ما عزي يومئذ بأحسن من كلامها
قال أبو الفرج ونسخت من كتابه أيضا قال كان ابن الكواء اليشكري مع الشراة والمهلب يحاربهم وكان بعض بني أخيه شاعرا فهجا المهلب وعم الأزد بالهجاء فقال لثابت أجبه فقال له ثابت
( كلُّ القبائلِ من بكرٍ نهدُّهُم ... واليشكُريُّون منهمْ الأَمُ العرَب )
( أثرى لجيم وأثرى الحصن إذ قعدتْ ... بيشكرٍ أمُّه المَعرورة النَّسبِ )
( نَحَّاكُمُ عن حياضِ المجدِ والدُكُمْ ... فما لكم في بني البَرْشَاءِ من نَسَبِ )

( أنتم تَحُلُّونَ من بكرٍ إذا نُسبوا ... مثل القُراد حَوالَيْ عُكْوَة الذَّنبِ )
( نُبِّئت أن بني الكَوّاء قد نبحوا ... فِعلَ الكلاب تتلّى اللَّيث في الأشبِ )
( يَكْوِي الأُبَيْجر عبد الله شيخكم ... ونحن نُبري الذي يَكوى من الكَلَبِ )
ونسخَتُ من كتابه أيضا قال كتب ثابت قطنة إلى يزيد بن المهلب يحرضه
( إن امرأً حدبت ربيعةُ حولَه ... والحيُّ من يَمَنٍ وهابَ كَؤودا )
( لَضعيفُ ما ضمّت جوانِحُ صدرِهِ ... إن لم يَلُفَّ إلى الجُنودِ جنودا )
( أيزيد كُنْ في الحَرْب إذ هيّجتَها ... كأبيك لا رَعِشا ولا رِعْدِيدا )
( شاوَرْت أكْرَمَ من تناول ماجد ... فرأيتُ هَمَّك في الهموم بعيدا )
( ما كان في أبويك قادحُ هُجْنةِ ... فيكون زندُكَ في الزِّنادِ صَلودا )
( إنا لضرَّابونَ في حَمَس الوَغَى ... رأس المتوَّج إن أراد صدودا )
( وقُرٌُ إذا كَفَرَ العَجاج تَرى لنا ... في كلِّ معركة فوارسَ صِيدا )
( يا ليت أسْرتك الَّذَّين تَغَيَّبوا ... كانوا ليومك بالعِراق شهُودا )
( وترى مواطنهم إذا اختلف القنا ... والمشرفيَّة يلتظين وقودا )

فقال يزيد لما قرأ كتابه إن ثابتا لغافل عما نحن فيه ولعمري لأطيعنه وسيرى ما يكون فاكتبوا إليه بذلك
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال أنشد مسلمة بن عبد الملك بعد قتل يزيد بن المهلب قول ثابت قطنة
( يا ليت أسْرتك الذين تَغَيَّبُوا ... كانوا ليومِكَ يا يزيدُ شُهودا )
فقال مسلمة وأنا والله لوددت أنهم كانوا شهودا يومئذ فسقيتهم بكأسه قال فكان مسلمة أحد من أجاب شعرا بكلام منثور فغلبه

خطب امرأة فتزوجها صديقه
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني عبيد الله بن أحمد بن محمد الكوفي قال حدثني محمد القحذمي عن سليمان بن ناصح الأسدي قال خطب ثابت قطنة امرأة كان يميل إليها فجعل السفير بينه وبينها جويبر بن سعيد المحدث فاندس فخطبها لنفسه فتزوجها ودفع عنها ثابتا فقال ثابت حين بان له الأمر
( أفْشَى عليَّ مقالةً ما قلتها ... وسعى بأمرٍ كان غيرَ سديدِ )
( إني دعوت الله حين ظَلَمْتَنِي ... ربِّي وليس لمن دعا ببعيد )
( أن لا تزال متيَّماً بخريدةٍ ... تَسبي الرجال بمقلتين وجِيد )
( حتى إذا وجب الصَّداق تلبَّستْ ... لك جلدَ أَغْضَفَ بارزٍ بصعيدِ )
( تدعو عليك الحاريات مُبِرّة ... فترى الطلاق وأنت غيرُ حميدِ )

قال فلقي جويبر كل ما دعا عليه ثابت به ولحقه من المرأة كل شر وضر حتى طلقها بعد أن قبضت صداقها منه

شعره في رثاء يزيد بن المهلب
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان ثابت قطنة مع يزيد بن المهلب في يوم العقر فلما خذله أهل العراق وفروا عنه فقتل قال ثابت قطنة يرثيه
( كل القبائل بايَعوك على الذي ... تدعو إليه وتابَعوك وساروا )
( حتى إذا حَمِس الوَغَى وجعلتَهم ... نصبَ الأسنَّة أسلموك وطاروا )
( إن يقتلوك فإنَّ قتلَك لم يكن ... عاراً عليك وبعضُ قتلٍ عار )
قال أبو الفرج ونسخت من كتاب المرهبي قال كانت ربيعة لما حالفت اليمن وحشدت مع يزيد بن المهلب تنزل حواليه هي والأزد فاستبطأته ربيعة في بعض الأمر فشغبت عليه حتى أرضاها فيه فقال ثابت قطنة يهجوهم
( عصافير تَنْزُو في الفساد وفي الوغى ... إذا راعَها رَزْعٌ جَمامِيحُ بَرْوَق )
الجماميح ما نبت على رؤوس القصب مجتمعا وواحده جماح فإذا دق تطاير وبروق نبت ضعيف
( أأحلمُ عن ذِبَّان بكر بن وائل ... ويعلق من نفسي الأذى كلَّ مَعلقِ )

( ألم أك قلَّدتكم طوقَ خِزْيَةِ ... وأنكلتُ عنكمْ فيكُم كلَّ مُلصَقِ )
( لعمركَ ما استخلفتُ بكراً ليَشغَبوا ... عليَّ وما في حِلْفكم من مُعلَّقِ )
( ضممتكُم ضمّاً إليَّ وأنتمُ ... شَتاتٌ كفَقْع القاعةِ المتفرّقِ )
( فأنتُمْ على الأدنى أسودُ خَفِيَّةٍ ... وأنتم على الأعداءِ خِزَّانُ سَمْلَقِ )
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري قال قال القحذمي دخل ثابت قطنة على بعض أمراء خراسان أظنه قتيبة بن مسلم فمدحه وسأله حاجة فلم يقضها له فخرج من بين يديه وقال لأصحابه لكن يزيد بن المهلب لو سألته هذا أو أكثر منه لم يردني عنه وأنشأ يقول
( أبا خالدٍ لم يَبْقَ بعدك سُوقَةٌ ... ولا مَلك ممَّن يُعين على الرِّفْدِ )
( ولا فاعلٌ يرجو المقلُّونَ فضلَهُ ... ولا قاتلٌ يَنْكا العدوَّ على حقدِ )
( لو آن المنايا سامحتْ ذا حَفِيظَة ... لأكرمنه أو عُجْن عَنه على عمدِ )

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال عتب ثابت قطنة على قومه من الأزد في حال استنصر عليها بعضهم فلم ينصره فقال في ذلك
( تعَفَّفْتُ عن شَتْمِ العشيرةِ إنَّني ... وجدتُ أبي قد عَفَّ عن شَتْمِهَا قَبْلِي )
( حليماً إذا ما الحلمُ كان مروءةً ... وأجهَلُ أحياناً إذا التمسوا جهلي )

خبره مع أمية بن عبد الله
أخبرني عمي قال حدثني العنزي عن مسعود بن بشر قال كان ثابت قطنة بخراسان فوليها أمية بن عبد الله بن خالد بن أسد لعبد الملك بن مروان فأقام بها مدة ثم كتب إلى عبد الملك إن خراج خراسان لا يفي بمطبخي وكان أمية يحمق فرفع ثابت قطنة إلى البريد رقعة وقال أوصل هذه معك فلما أتى عبد الملك أوصل إليه كتاب أمية ثم نثل كنانته بين يديه فقرأ ما فيها حتى انتهى إلى رقعة ثابت قطنة فقرأها ثم عزله عن خراسان
صوت
( طَرِبتُ وهاجَ لي ذاك ادّكارا ... بِكَشّ وقد أطلت به الحِصارا )
( وكنتُ ألَذّ بعضَ العيشِ حتَّى ... كبِرْتُ وصار لي هَمِّي شِعارا )
( رأيتُ الغانياتِ كرِهْنَ وصلي ... وأبدين الصَّريمَةَ لي جِهارا )

الشعر لكعب الأشقري ويقال إنه لثابت قطنة والصحيح أنه لكعب والغناء للهذلي ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة وذكر في نسخته الثانية أن هذا اللحن لقفا النجار

أخبار كعب الأشقري ونسبه
هو كعب بن معدان الأشاقر والأِقار قبيلة من الأزد وأمه من عبد القيس شاعر فارس خطيب معدود في الشجعان من أصحاب المهلب والمذكورين في حروبه للأزارقة وأوفده المهلب إلى الحجاج وأوفده الحجاج إلى عبد الملك
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي عن قتادة قال سمعت الفرزدق يقول شعراء الإسلام أربعة أنا وجرير والأخطل وكعب الأشقري
أخبرني وكيع قال حدثني أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي عن المتلمس قال قلت للفرزدق

يا أبا فراس أشعرت أنه قد نبغ من عمان شاعر من الأزد يقال له كعب فقال الفرزدق إي والذي خلق الشعر

أنشد الحجاج عن وقعة الأزارقة
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي واللفظ له وخبره أتم قال أوفد المهلب بن أبي صفرة كعبا الأشقري ومعه مرة بن التليد الأزدي إلى الحجاج بخبر وقعة كانت له مع الأزارقة فلما قدما عليه ودخلا داره بدر كعب بن معدان فأنشد الحجاج قوله
( يا حَفْصَ إنيِّ عَداني عنكُم السَّفَرُ ... وقد سهِرْتُ فآذى عينيَ السِّهَرُ )
( عُلِّقتَ يا كعبُ بعد الشَّيب غانيةً ... والشيب فيه عن الأهواء مزدجرُ )
( أممسِك أنتَ منها بالّذي عهدتْ ... أم حبلُها إذ نَأَتْكَ اليومَ منبترُ )
( ذكرتُ خَوْداً بأعلى الطَّفِّ منزلُها ... في غُرفةٍ دونَها الأبوابُ والحجرُ )
( وقد تركتُ بشطِّ الزَّابيَيْنِ لها ... داراً بها يسعد البادُون والحَضَرُ )
( واخترتُ داراً بها قوم أُسَرُّ بِهِمْ ... ما زال فيهم لمن تَختارهم خِيَرُ )
( أبا سعيدٍ فإني سرتُ مُنْتَجِعاً ... وطالبُ الخَيْرِ مُرْتاد ومنتظِرُ )
( لولا المهلَّب ما زُرْنَا بلادَهُم ... ما دامَتِ الأرضُ فيها الماء والشجرُ )

( وما من الناس من حيٍّ علمتُهُمُ ... إلاَّ يُرَى فيهمُ من سَيْبِكم أثرُ )
وهي قصيدة طويلة قد ذكرها الرواة في الخبر فتركت ذكرها لطولها يقول فيها
( فما يجاوز بابَ الجِسْر من أحدٍ ... قد عَضَّت الحربُ أهلَ المصر فانْجَحروا )
( كنّا نهوِّن قبل اليوم شأنَهُم ... حتى تَفاقَمَ أمرٌ كانَ يُحْتَقَرُ )
( لمّا وَهَنَّا وقد حلُّوا بِساحَتِنَا ... واستنفَرَ الناسُ تاراتٍ فما نَفَرُوا )
( نادى امرؤٌ لا خلافٌ في عشيرته ... عنه وليس به عن مثلها قصَرُ )
حتى انتهى إلى قوله بعد وصفه وقائعهم مع المهلب في بلد بلد فقال
( خَبُّوا كَمِينَهُم بالسَّفْحِ إذ نزلوا ... بكازَرُونَ فما عَزّوا وما نَصَرُوا )
( باتَتْ كتائِبُنَا تَرْدِي مسوَّمةً ... حولَ المهلَّبِ حتى نوّر القمرُ )
( هناك ولَّوا خزايا بعد ما هُزِمُوا ... وحالَ دُونَهُمُ الأنهارُ والجُدُرُ )
( تأبى علينا حزازاتُ النفوس فما ... نُبقي عليهمْ ولا يُبقونَ إن قَدروا )
فضحك الحجاج وقال له إنك لمنصف يا كعب ثم قال الحجاج أخطيب أنت أم شاعر فقال شاعر وخطيب فقال له كيف كانت حالكم مع عدوكم قال كنا إذا لقيناهم بعفونا وعفوهم فعفوهم تأنيس منهم فإذا لقيناهم بجهدنا وجهدهم طمعنا فيهم قال فكيف كان بنو المهلب قال

حماة للحريم نهارا وفرسان بالليل أيقاظا قال فأين السماع من العيان قال السماع دون العيان قال صفهم رجلا رجلا قال المغيرة فارسهم وسيدهم نار ذاكية وصعدة عالية وكفى بيزيد فارسا شجاعا ليث غاب وبحر جم العباب وجوادهم قبيصة ليث المغار وحامي الذمار ولا يستحي الشجاع أن يفر من مدرك فكيف لا يفر من الموت الحاضر والأسد الخادر وعبد الملك سم ناقع وسيف قاطع وحبيب الموت الذعاف إنما هو طود شامخ وفخر باذخ وأبو عيينة البطل الهمام والسيف الحسام وكفاك بالمفضل نجدة ليث هدار وبحر موار ومحمد ليث غاب وحسام ضراب قال فأيهم أفضل قال هم كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفاها قال فكيف جماعة الناس قال على أحسن حال أدركوا ما رجوا وأمنوا مما خافوا وأرضاهم العدل وأغناهم النفل قال فكيف رضاهم عن المهلب قال أحسن رضا وكيف لا يكونون كذلك وهم لا يعدمون منه رضا الوالد ولا يعدم منهم بر الولد قال فكيف فاتكم قطري قال

كدناه فتحول عن منزله وظن أنه قد كادنا قال فهلا تبعتموه قال حال الليل بيننا وبينه فكان التحرز إلى أن يقع العيان ويعلم امرؤ ما يصنع أحزم وكان الحد عندنا آثر من الفل فقال له المهلب كان أعلم بك حيث بعثك وأمر له بعشرة آلاف درهم وحمله على فرس وأوفده على عبد الملك بن مروان فأمر له بعشرة آلاف أخرى

عبد الملك بن مروان ينشد لكعب في المهلب وولده
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبو عمرو بندار الكرجي قال حدثنا أبو غسان التميمي عن أبي عبيدة قال كان عبد الملك بن مروان يقول للشعراء تشبهوني مرة بالأسد ومرة بالبازي ومرة بالصقر ألا قلتم كما قال كعب الأشقري في المهلب وولده
( بَراك الله حِينَ براكَ بَحْراً ... وفَجَّر مِنْكَ أنهاراً غِزارا )
( بنوك السابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظمَ الناسُ الخِطارا )
( كأنَّهُمُ نجومٌ حولَ بَدْر ... دَرارِيٌّ تَكَمَّل فاسْتدَارا )
( ملوك ينزلون بكلِّ ثَغْرٍ ... إذا ما الهامُ يومَ الرَّوْع طارا )
( رِزانٌ في الأمور تَرى عليهم ... من الشَّيخ الشمائلَ والنجارا )

( نجومٌ يُهتَدَى بهمُ إذا ما ... أخو الظَّلْمَاء في الغَمَراتِ حارا )
وهذه الأبيات من القصيدة التي أولها
( طربتُ وهاج لي ذاك ادّكارا ... )
التي فيها الغناء

اتصل الهجاء بينه وبين زياد الأعجم
أخبرني محمد بن الحسين الكندي قال حدثنا غسان بن ذكوان الأهوازي قال ذكر العتبي أن زيادا الأعجم هاجى كعبا الأشقري واتصل الهجاء بينهما ثم غلبه زياد وكان سبب ذلك أن شرا وقع بين الأزد وبين عبد القيس وحربا سكنها المهلب وأصلح بينهم وتحمل ما أحدثه كل فريق على الآخر وأدى دياته فقال كعب يهجو عبد القيس
( إنِّي وإن كنتُ فرعَ الأزْد قد عَلموا ... أَخْزَى إذا قيل عبُد القيس أَخْوالي )
( فَهْمٌ أبو مالكٍ بالمجدِ شرَّفني ... ودنَّس العبدُ عبدُ القيسِ سِرْبَالِي )
قال فبلغ قوله زيادا الأعجم فغضب وقال يا عجبا للعبد ابن العبد ابن الحيتان والسرطان يقول هذا في عبد القيس وهو يعلم موضعي فيهم والله

لأدعنه وقومه غرضا لكل لسان ثم قال يهجوه
( نُبِّئت أشقرَ تَهْجُونا فقلتُ لهمْ ... ما كنتُ أحسبهمْ كانوا ولا خلقوا )
( لا يَكْثُرونَ وإن طالت حياتُهُم ... ولو يبول عليهمْ ثعلبٌ غَرِقُوا )
( قومٌ من الحَسَبِ الأدنى بمنزلةٍ ... كالفَقْعِ بالقاع لا أصْلٌ ولا وَرَقُ )
( إنَّ الأشاقرَ قد أَضْحَوْا بمنزلة ... لو يُرْهَنُون بنَعْلَيْ عبدِنا غَلِقوا )
قال وقال فيه أيضا
( هل تسمَع الأَزْدَ ما يقال لها ... في ساحة الدَّار أم بها صَمَمُ )
( اِختَتَنَ القومُ بعد ما هَرِمُوا ... واستعرَبُوا ضَلَّةً وهمْ عَجَمُ )
قال فشكاه كعب إلى المهلب وأنشده هذين البيتين وقال والله ما عنى بهما غيرك ولقد عم بالهجاء قومك فقال المهلب أنت أسمعتنا هذا وأطلقت لسانه فينا به وقد كنت غنيا عن هجاء عبد القيس وفيهم مثل زياد فاكفف عن ذكره فإنك أنت بدأته ثم دعا بزياد فعاتبه فقال أيها الأمير اسمع ما قال في وفي قومي فإن كنت ظلمته فانتصر وإلا فالحجة عليه ولا حجة على امرىء انتصر لنفسه وحسبه وعشيرته وأنشده قول كعب فيهم
( لعلًّ عُبيدَ القيسِ تَحسَب أنَّها ... كتغلبَ في يوم الحفيظةِ أو بَكرِ )
( يُضعْضِعُ عبدَ القيسِ في النَّاس مَنصِب ... دنيءٌ وأحسابٌ جُبِرْنَ على كَسْرِ )

( إذا شاع أمرُ الناس وانشقَّت العصا ... فإنَّ لُكَيْزاً لا تَرِيشُ ولا تَبْرى )
فقال المهلب قد قلت له أيضا قال لا والله ما انتصرت ولولاك ما قصرت وأي انتصار في قولي له
( يا أيُّها الجاهِلُ الجاري ليُدْرِكَنِي ... أقْصِرْ فإنَّكَ إن أدركتَ مصروعُ )
( يا كعبُ لا تَكُ كالعَنْزِ الَّتي بَحَثتْ ... عن حَتْفِهَا وجَنابُ الأرض مَرْبُوعُ )
وقولي
( لئن نصبتَ لي الرَّوْقين مُعْترِضاً ... لأرمينَّكَ رَمْياً غيرَ ترفيعِ )
( إنَّ المآثر والأحسابَ أورثنِي ... منها المَجاجيعُ ذِكْراً غيرَ مَوْضُوعِ )

هجاؤه لعمرو بن عبد القيس
يعني مجاعة بن مرة الحنفي ومجاعة بن عمرو بن عبد القيس فأقسم عليهما المهلب أن يصطلحا فاصطلحا وتكافا ومما هجا كعب الأشقري عبد القيس به قوله
( ثَوَى عامين في الجِيَفِ اللَّواتي ... مطرَّحة على باب الفصيلِ )
( أحَبُّ إليَّ من ظِلٍّ وكنٍّ ... لعبد القيس في أصل الفَسِيلِ )
( إذا ثارَ الفُساءُ بهمْ تَغَنَّوْا ... ألم تَربَعْ على الدِّمَن المُثولِ )
( تَظَلُّ لها ضَباباتٌ علينا ... موانِعُ من مَبِيتٍ أو مَقِيلِ )

قال أبو الفرج ونسخت من كتاب للنضر بن حديد كانت ربيعة واليمن متحالفة فكان المهلب وابنه يزيد ينزلان هاتين القبيلتين في محلتهما فقال كعب الأشقري ليزيد
( لا ترجوَنَّ هِنائيّاً لصالِحةٍ ... واجعلهمُ وهَداداً أسوةَ الحُمُرِ )
( حَيَّانِ ما لهما في الأَزْدِ مأثُرَةٌ ... غيرُ النَّواكة والإفراطِ في الَهذَرِ )
( واجعل لُكَيْزاً وراء الناس كلِّهم ... أهلَ الفُساءِ وأهلَ النَّتْنِ والقّذَرِ )
( قومٌ علينا ضَبابٌ من فُسائهمُ ... حتى ترانا له ميداً من السُّكُرِ )
( أبلغ يزيدَ بأنّا ليس يَنْفَعُنَا ... عيشٌ رَغِيدٌ ولا شيءٌ من العِطرِ )
( حتى تُحِلَّ لُكَيْزاً فوق مَدْرَجةٍ ... من الرِّياح على الأحياء مِنْ مُضَرِ )
( لِيَأخُذُوا لنزار حَظَّ سُبَّتِها ... كما أخذنا بحظّ الحِلْف والصِّهِرِ )

شعره في المهلب
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا أبي قال كتب الحجاج بن يوسف إلى المهلب يأمره بمناجزة الأزارقة ويستبطئه ويضعفه ويعجزه في تأخيره أمرهم ومطاولتهم فقال المهلب لرسوله قل له إنما البلاء أن الأمر إلى من يملكه لا إلى من يعرفه فإن كنت نصبتني لحرب هؤلاء القوم على أن أدبرها كما أرى فإن أمكنتني الفرصة انتهزتها وإن لم تمكني توقفت فأنا أدبر ذلك بما يصلحه وإن أردت مني أن أعمل وأنا حاضر برأيك وأنت غائب فإن كان صوابا فلك وإن كان خطأ

فعلي فابعث من رأيت مكاني وكتب من فوره بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك لا تعارض المهلب فيما يراه ولا تعجله ودعه يدبر أمره وقام الأشِقري إلى المهلب فأنشده بحضرة رسول الحجاج
( إن ابنَ يوسف غرَّه من غزوِكُمْ ... خفضُ المُقام بجانب الأمصارِ )
( لو شاهَدَ الصَّفَّين حين تَلاَقيا ... ضاقت عليه رَحِيبةُ الأقطارِ )
( من أرض سابُورِ الجُنودِ وخَيْلُنَا ... مثْلُ القِداحِ بَرَيْتَها بشفار )
( من كلّ خنذيذ يُرَى بلبانهِ ... وقْعُ الظُّباةِ مع القنا الخَطَّار )
( ورأى معاودَة الرِّباعِ غنيمةً ... أزمانَ كان محالفَ الإقتارِ )
( فدع الحروبَ لشِيبها وشَبابها ... وعليك كلَّ خريدةٍ مِعطارِ )
فبلغت أبياته الحجاج فكتب إلى المهلب يأمره بإشخاص كعب الأشقري إليه فأعلم المهلب كعبا بذلك وأوفده إلى عبد الملك من تحت ليلته وكتب إليه يستوهبه منه فقدم كعب على عبد الملك واستنشده فأعجبه ما سمع منه فأوفده إلى الحجاج وكتب إليه يقسم عليه أن يعفو عنه ويعرض عما بلغه من شعره فلما وصل إليه ودخل عليه قال إيه يا كعب
( ورَأَى معاوَدَة الرِّباعِ غنيمةً ... )
فقال له أيها الأمير والله لقد وددت في بعض ما شاهدته في تلك الحروب وأزماتها وما يوردناه المهلب من خطرها أن أنجو منها وأكون حجاما أو حائكا فقال له الحجاج أولى لك لولا قسم أمير المؤمنين لما نفعك ما أسمع فالحق بصاحبك ورده من وقته

شعره حين هرب إلى عمان
قال أبو الفرج ونسخت من كتاب النضر بن حديد لمّا عزل يزيد بن المهلب عن خراسان ووليها قتيبة بن مسلم مدحه كعب الأشقري ونال من يزيد وثلبه ثم بلغته ولاية يزيد على خراسان فهرب إلى عمان على طريق الطبسين وقال
( وإنِّي تاركٌ مَرْواً ورائي ... إلى الطَّبَسَيْنِ معتامٌ عُمانا )
( لآوِي معقِلاً فيها وحِرْزاً ... فَكُنَّا أهل ثروتها زمانا )
فأقام بعمان مدة ثم اجتواها وساءت حاله بها فكتب إلى المهلب معتذرا
( بئس التبدُّل من مَرْوٍ وساكِنِها ... أرضُ عمانَ وسُكنَى تحت أطوادِ )
( يُضحِي السحابُ مَطيراً دونَ مُنصِفها ... كأنَّ أجبالَها غُلَّت بفِرصادِ )
( يا لهف نفسي على أمرٍ خطِلت به ... وما شفيتُ به غِمْري وأحقادي )
( أفنيتُ خمسين عاماً في مديحكُم ... ثم اغتررتُ بقول الظالم العادي )

( أبلغ يزيدَ قرينَ الجُود مألُكةً ... بأنَّ كعباً أسيرٌ بين أصفادِ )
( فإن عفوتَ فبيتُ الجودِ بيتُكُم ... والدهرُ طَوْران من غَيٍّ وإرشادِ )
( وإن مننْتَ بصفحٍ أو سمحتَ به ... نزعتُ نحوَكَ أطنابي وأوتادي )
وذكر المدائني أن يزيد بن المهلب حبسه ودس إليه ابن أخ له فقتله

شعره في مقتل بني الأهتم
قال أبو الفرج ونسخت من كتاب النضر أيضا أن الحجاج كتب إلى يزيد بن المهلب يأمره بقتل بني الأهتم فكتب إليه يزيد إن بني الأهتم أصحاب مقال وليسوا بأصحاب فعال فلا تقدر أن نحدث فيهم ضررا وفي قتلهم عار وسبة واستوهبهم منه فتغافل عنهم ثم انضموا إلى المفضل بن المهلب فكتب إليه الحجاج يأمره بقتلهم فكتب إليه بمثل ما كتب به أخوه فأعفاهم ثم ولى قتيبة بن مسلم فخرجوا إليه والتقوا معه وذكروا بني المهلب فعابوهم فقبلهم قتيبة واحتوى عليهم فكانوا يغرون الجند عليه ويحملونهم على سوء الطاعة فكتب يشكوهم إلى الحجاج فكتب إليه يأمره بقتلهم جميعا فقال كعب الأشقري في ذلك
( قل للأهاتم من يَعُود بفضْلِهِ ... بعد المفضَّل والأغَرِّ يزيدِ )
( رَدَّا صحائفَ حَتْفِكم بمعاذِرٍ ... رجعتْ أشائمَ طيرِكم بسعودِ )
( رَدَّا على الحجّاج فيكمْ أمرَه ... فجزَيتُم إحسانَه بجحودِ )
( فاليوم فاعتبروا فَعالَ أخيكُم ... إنَّ القياس لجاهل ورشيدِ )

قال أبو الفرج ونسخت من كتابه أيضا قال ولى يزيد بن المهلب رجلا من اليحمد يقال له عمرو بن عمير الزم فلقيه كعب الأشقري فقال له أنت شيخ من الأزد يوليك الزم ويولي ربيعة الأعمال السنية وأنشده
( لقد فَازَتْ ربيعةُ بالمعالي ... وفازَ اليَحْمَدِيُّ بعَهْدِ زَمِّ )
( فإن تَكُ راضياً منهمْ بهذا ... فزادَكَ ربُّنا غمّاً بِغَمِّ )
( إذا الأزْدِيُّ وضَّحَ عارِضَاهُ ... وكانت أُمُّهُ مِنْ حِيِّ جَرْمِ )
( فَثَمَّ حماقَةٌ لا شكّ فيها ... مُقَابلةٌ فمن خالٍ وعَمِّ )
فرد اليحمدي عهد يزيد عليه فحلف لا يستعمله سنة فلما أجحفت به المؤونة قال لكعب
( لو كنتَ خلّيتَنِي يا كعبُ متّكئاً ... في دُور زَمَّ لما أقفرتُ مِن عَلفِ )
( ومن نبيذٍ ومن لحمٍ أُعَلُّ به ... لكنَّ شِعرَك أمرٌ كان من حِرفِي )
( إنَّ الشقيَّ بمروٍ من أقام بها ... يُقارع السُّوقَ من بَيْع ومن حَلِفِ )
أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدثني الرياشي عن الأصمعي قال قال كعب الأشقري يهجو زيادا الأعجم
( وأقلفَ صلَّى بعد ما ناكَ أُمَّه ... يرى ذاك في دِين المَجوس حَلالا )
فقال له زياد يابن النمامة أهي أخبرتك أني أقلف فغلبه زياد

والقصيدة التي أولها
( طربتُ وهاج لي ذاك ادّكارا ... )
أبيات له فيها غناء
وفيه الغناء المذكور بذكره خبر كعب الأشقري يمدح بها المهلب بن أبي صفرة ويذكر قتاله الأزارقة وفيها يقول بعد الأبيات الأربعة التي فيها الغناء
( غَرِضْنَ بمجلسي وكرِهْنَ وَصْلِي ... أوانَ كُسِيتُ من شَمَطٍ عِذارا )
( زَرَيْنَ عليَّ حين بَدَا مَشِيبي ... وصارت ساحَتِي للهمِّ دارا )
( أتاني والحديثُ له نَماءٌ ... مقالةُ جائر أحفى وجارا )
( سلوا أهلَ الأباطِحِ من قريشٍ ... عن العزِّ المؤبَّدِ أين صارا )
( ومَنْ يحمي الثغورَ إذا استحرَّت ... حروبٌ لا يَنون لها غِرارا )
( لقومي الأزد في الغَمَرات أمضي ... وأوفَى ذِمَّةً وأعزُّ جارا )
( هُم قادوا الجِيادَ على وَجَاها ... من الأمصارِ يقذِفْنَ المِهارا )
( بكلِّ مفازة وبكلِّ سَهْبٍ ... بَسابِسَ لا يَرَوْنَ لها مَنارا )

( إلى كرمانَ يحملن المنايا ... بكلِّ ثنيّة يوقِدن نارا )
( شوازب لم يصبن الثار حتى ... رددناها مكلَّمةً مِرارا )
( ويشجرن العوالي السُّمْر حتَّى ... تَرَى فيها عن الأَسَلِ ازوِرارا )
( غداة تركن مصرعَ عبدَ ربٍّ ... يُثِرْنَ عليه من رَهَجٍ عِصارا )
( ويوم الزحف بالأهواز ظِلْنا ... نروِّي منهمُ الأسَل الحِرارا )
( فقرَّت أعيُنٌ كانت حديثاً ... ولم يك نومها إلا غِرارا )
( صنائعنا السَّوابغ والمذَاكي ... ومَن بالمِصر يحتلب العِشارا )
( فهنَّ يبحن كلَّ حِمًى عزيزٍ ... ويَحمين الحقائقَ والذِّمارا )
( طُوالاَتُ المُتونِ يُصَنَّ إلا ... إذا سار المهلَّب حيث سارا )
( فلولا الشَّيخ بالمِصْرَيْن يَنْفِي ... عدوَّهُم لقد تَركوا الديارا )
( ولكنْ قارع الأبطالَ حتى ... أصابوا الأمنَ واجتنبوا الفرارا )

( إذا وَهَنوا وحَلَّ بهمْ عظيم ... يَدُقُّ العظمَ كان لهمْ جبارا )
( ومُبْهَمَةٍ يحيد الناسُ عنها ... تَشُبُّ الموتَ شدَّ لها الإزارا )
( شِهابٌ تنجلي الظَّلماء عنه ... يَرى في كلِّ مبهمة منارا )
( بل الرحمنُ جارُك إذ وَهَنَّا ... بِدفعِكَ عن محارِمِنا اخْتِيَارا )
( بَراك اللهُ حين بَراك بَحْرا ... وفجَّر منك أنهاراً غِزَارا )
وقد مضت هذه الأبيات متقدمة فيما سلف من أخبار كعب وشعره
أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثني العمري عن العتبي قال قال عبد الملك بن مروان يا معشر الشعراء تشبهوننا بالأسد الأبخر والجبل الوعر والملح الأجاج ألا قلتم كما قال كعب الأشقري في المهلب وولده
( لقد خاب أقوامٌ سَرَوْا ظُلَمَ الدُّجَى ... يَؤُمُّونَ عَمراً ذا الشعيرِ وذا البُرِّ )
( يؤمُّونَ من نال الغِنَى بعد شَيْبِه ... وقاسى وليداً ما يقاسي ذوو الفقرِ )
( فقل لِلجيم يا لبكر بنِ وائل ... مقالةَ من يَلحَى أخاه ومن يُزْرِي )
( فلو كنتُم حيّاً صميماً نَفَيْتُم ... بخيلكمُ بالرَّغم منه وبالصُّغْرِ )
( ولكنَّكم يا آل بكر بنِ وائلٍ ... يسودُكُم من كان في المالِ ذا وَفْرِ )
( هو المانع الكلبَ النُّباحَ وَضَيْفُهُ ... خَمِيصُ الحَشَا يَرعَى النُّجومَ التي تَسْرِي )

سبب هجائه لأخيه
قال وكان بين كعب وبين ابن أخيه هذا تباعد وعداوة وكانت أمه سوداء فقال يهجوه
( إنَّ السواد الذي سُرْبِلت تعرفه ... ميراث جَدِّك عن آبائه النُّوبِ )
( أشبهتَ خالَكَ خالَ اللؤمِ مؤتَسِياً ... بِهَدْيِهِ سالكاً في شرِّ أُسْلُوبِ )
قال المدائني في خبره وكان ابن أخي كعب هذا عدوا له يسعى عليه فلما سأل مجزأة بن زياد بن المهلب أباه في كعب فخلاه دس إليه زياد بن المهلب ابن أخيه الشاعر وجعل له مالا على قتله فجاءه يوما وهو نائم تحت شجرة فضرب رأسه بفأس فقتله وذلك في فتنة يزيد بن المهلب وهو بعمان يومئذ وكان لكعب أخ غير أخيه الذي قتله ابنه فلما قتل يزيد بن المهلب فرق مسلمة بن عبد الملك أعماله على عمال شتى فولى البصرة وعمان عبد الرحمن بن سليمان الكلبي فاستخلف عبد الرحمن على عمان محمد بن جابر الراسبيّ فأخذ أخو كعب الباقي ابن أخيه الذي قتل كعبا فقدمه إلى محمد بن جابر وطلب القود منه بكعب فقيل له قتل أخوك بالأمس وتقتل قاتله وهو ابن أخيك اليوم وقد مضى أخوك وانقضى فتبقى فردا كقرن الأعضب فقال نعم إن أخي كعبا كان سيدنا وعظيمنا ووجهنا فقتله هذا وليس فيه خير ولا في بقائه عز ولا هو خلف من كعب فأنا أقتله به فلا خير في بقائه بعد كعب فقدّمه محمد بن جابر فضرب عنقه والله أعلم

مدح قتيبة بن مسلم وهجاء يزيد بن المهلب
أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي ولقيط وغيرهما قالوا حاصر يزيد بن المهلب مدينة خوارزم في أيام ولايته فلم يقدر على فتحها واستصعب عليه ثم عزل وولي قتيبة بن مسلم فزحف إليها فحاصرها ففتحها فقال كعب الأشقري يمدحه ويهجو يزيد بن المهلب بقوله
( رمتكَ فِيلٌ بما فيها وما ظَلَمَتْ ... من بعد ما رامها الفَجْفاجَةُ الصَّلِفُ )
( قيسٌ صريحٌ وبعضُ الناس يجمعهمْ ... قُرًى ورِيفٌ ومنسوبٌ ومُقترفُ )
( منهم شُناسٌ ومَرْداذَاءُ نَعْرِفُه ... وفَسْخَراء قبورٌ حَشْوُها القُلُفُ )
( لم يركَبُوا الخيلَ إلا بعدما هَرِموا ... فهمْ ثِقالٌ على أكتافها عُنُفُ )
قال الفيل الذي ذكره هو حصن خوارزم يقال له الكهندر والكهندر الحصن العتيق والفجفاجة الكثير الكلام وشناس اسم أبي صفرة فغيره وتسمى ظالما ومرداذاء أبو أبي صفرة وسموه بسراق لما تعربوا وفسخراء جده وهم قوم من الخوز من أهل عمان نزلوا الأزد ثم ادعوا أنهم صليبة صرحاء منهم
صوت
( لأسماءَ رسمٌ أصبح اليومَ دارساً ... وقفتُ به يوماً إلى الليل حابِسا )

( فجئنا بهيتٍ لا نرى غيرَ منزِلٍ ... قليل به الآثارُ إلاَّ الروامِسَا )
( يدورون بي في ظلِّ كلِّ كنيسةٍ ... فينسُونَنِي قومي وأهوَى الكنائِسَا )
البيت الأول من الشعر للعباس بن مرداس السلمي وبيت العباس مصراعه الثاني
( توهّمتُ منه رَحْرَحَانَ فراكِسا ... )
وغيره يزيد بن معاوية فقال مكان هذا المصراع
( وقفتُ به يوماً إلى الليل حابِسا ... )
والبيت الثاني للعباس بن مرداس والثالث ليزيد بن معاوية ذكر بعض الرواة أنه قاله على هذا الترتيب وأمر بديحا أن يغني فيه ففعل ولم يأت ذلك من جهة يوثق بها والصحيح أن الغناء لمالك خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي ويحيى المكي وهذا صوت زعموا أن مالكا صنعه على لحن سمعه من الرهبان
أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أحمد المكي عن أبيه عن سياط أن مالكا دخل مع الوليد بن يزيد ديرا فسمع لحنا من بعض الرهبان فاستحسنه فصنع عليه
( ليس رسمٌ على الدَّفينِ ببالي ... )

فلما غناه الوليد قال له الأول أحسن فعد إليه اللحن الثاني الذي لمالك ثقيل بالبنصر عن الهشامي وعمرو وأوله
( دَرَّ دَرُّ الشَّباب والشعرِ الأسوَد ... ِ والضامراتِ تحت الرحالِ )
( والخناذيذ كالقداح من الشوحط ... يحملن شِكّة الأبطالِ )

أخبار العباس بن مرداس ونسبه
العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ويكنى أبا الهيثم وإياه يعني أخوه سراقة بقوله يرثيه
( أعَيْن ألا أبكي أبا الهَيْثَمِ ... وأَذْرِي الدموعَ ولا تسأمي )
وهي أبيات تذكر في أخباره وأمه الخنساء الشاعرة بنت عمرو بن الشريد وكان العباس فارسا شاعرا شديد العارضة والبيان سيدا في قومه من كلا طرفيه وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ووفد إلى النبي فلما أعطى المؤلفة قلوبهم فضل عليه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فقام وأنشده شعرا قاله في ذلك فأمر بلالا فأعطاه حتى رضي وخبره في ذلك يأتي بعد هذا الموضع والله أعلم

خبره مع صنمه ضمار
أخبرني محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن منصور بن المعتمر عن قبيصة عن عمرو والخزاعي عن العباس بن مرداس بن أبي عامر أنه قال كان لأبي صنم اسمه ضمار فلما حضره الموت أوصاني به وبعبادته والقيام عليه فعمدت إلى ذلك الصنم فجعلته في بيت وجعلت آتيه في كل يوم وليلة مرة فلما ظهر أمر رسول الله سمعت صوتا في جوف الليل راعني فوثبت إلى ضمار فإذا الصوت في جوفه يقول
( قل للقبائل من سُليمٍ كلِّها ... هلَكَ الأَنِيسُ وعاشَ أهلُ المسجدِ )
( إن الذي وَرِث النبوّة والهدى ... بعد ابن مريمَ من قريشٍ مهتدي )
( أودَى الضِّمارُ وكان يعبَدُ مَرَّةً ... قبل الكتابِ إلى النبيّ محمدِ )
قال فكتمت الناس ذلك فلم أحدث به أحدا حتى انقضت غزوة الأحزاب فبينا أنا في إبلي في طرف العقيق وأنا نائم إذ سمعت صوتا شديدا فرفعت رأسي فإذا أنا برجل على حيالي بعمامة يقول إن النور الذي وقع بين الاثنين وليلة الثلاثاء مع صاحب الناقة العضباء في ديار بني أخي العنقاء فأجابه طائف عن شماله لا ابصره فقال بشر الجن وأجناسها أن وضعت المطي أحلاسها وكفت السماء أحراسها وأن يغص السوق أنفاسها قال

فوثبت مذعورا وعرفت أن محمدا رسول الله مصطفى فركبت فرسي وسرت حتى انتهيت إليه فبايعته وأسلمت وانصرفت إلى ضمار فأحرقته بالنار

خرج إلى النبي وأسلم
وقال أبو عبيدة كانت تحت العباس بن مرداس حبيبة بنت الضحاك بن سفيان السلمي أحد بني رعل بن مالك فخرج عباس حتى انتهى إلى إبله وهو يريد النبي فبات بها فلما أصبح دعا براعيه فأوصاه بإبله وقال له من سألك عني فحدثه أني لحقت بيثرب ولا أحسبني إن شاء الله تعالى إلا آتياً محمدا وكائنا معه فإني أرجو أن نكون برحمة من الله ونور فإن كان خيرا لم أسبق إليه وإن كان شرا نصرته لخؤولته على أني قد رأيت الفضل البين وكرامة الدنيا والآخرة في طاعته ومؤازرته واتباعه ومبايعته وإيثار أمره على جميع الأمور فإن مناهج سبيله واضحة وأعلام ما يجيء به من الحق نيرة ولا أرى أحدا من العرب ينصب له إلا أعطي عليه الظفر والعلو وأراني قد ألقيت علي محبة له وأنا باذل نفسي دون نفسه أريد بذلك رضا إله السماء والأرض قال ثم سار نحو النبي وانتهى الراعي نحو إبله فأتى امرأته فأخبرها بالذي كان من أمره ومسيره إلى النبي فقامت فقوضت بيتها ولحقت بأهلها فذلك حيث يقول عباس بن مرداس حين أحرق ضمارا ولحق بالنبي

( لَعَمْرِي إنِّي يومَ أَجْعَلُ جاهداً ... ضِماراً لربِّ العالمين مُشارِكَا )
( وتركي رسول الله والأَوسُ حوله ... أولئك أنصار له ما أولئكا )
( كتارك سهلِ الأرضِ والحزن يبتغي ... ليَسلُك في غيب الأمور المسالكا )
( فآمنتُ بالله الَّذي أنا عبدُه ... وخالفتُ من أَمسَى يريد الممالكا )
( وَوجَّهتُ وجهي نحو مكَّة قاصداً ... وتابعت بين الأخشبين المبَارِكا )
( نبيٌّ أتانا بعدَ عيسى بناطق ... من الحقّ فيه الفضل منه كذلكا )
( أميناً على الفرقان أوّل شافع ... وآخر مبعوث يجيب الملائكا )
( تَلافَى عُرا الإسلام بعد انفصامها ... فأحكَمَها حتَّى أقام المَناسِكا )
( رأيتك يا خير البريّة كلّها ... توسَّطتَ في القربى من المجد مالكا )
( سبقتَهُم بالمجد والجُود والعُلا ... وبالغاية القصوى تَفوت السَّنابكا )
( فأنتَ المصفَّى من قريش إذا سمتْ ... غَلاصِمُها تبغي القُروم الفواركا )
قال فقدم عباس على رسول الله المدينة حيث أراد المسير إلى مكة عام الفتح فواعد رسول الله قديدا

وقال القني أنت وقومك بقديد فلما نزل رسول الله قديدا وهو ذاهب لقيه عباس في ألف من بني سليم ففي ذلك يقول عباس بن مرداس
( بلِّغْ عبادَ الله أنَّ محمداً ... رسولَ الإله راشد أين يمّما )
( دعا قومَه واستنصر اللهَ ربَّه ... فأصبح قد وافَى الإله وأنعما )
( عشيّة واعدنا قُدَيداً محمَّداً ... يؤُم بنا أمراً من الله مُحكَما )
( حلفت يميناً بَرَّةً لمحمَّد ... فأوفيته ألفاً من الخيل مُعلَما )
( سرايَا يراها الله وهو أميرُها ... يؤم بها في الدِّين من كان أظلَما )
( على الخيل مشدوداً علينا دُروعُنا ... وخيلاً كدُفَّاع الأَتِيِّ عرمرما )
( أطعناك حتَّى اسلم الناس كلهم ... وحتَّى صبَحْنا الخيلَ أهل يَلَمْلَما )
وهي قصيدة طويلة

ارتحلت زوجته عنه بعد إسلامه
قال ولما عرف راعي العباس بن مرداس زوجته بنت الضحاك بن سفيان خبره وإسلامه قوضت بيتها وارتحلت إلى قومها وقالت تؤنبه
( ألم ينه عباس بنِ مِرْداسَ أنَّني ... رأيت الورى مخصوصةً بالفجائِع )

( أتاهمْ من الأنصار كلُّ سَمَيْذعٍ ... من القوم يَحمِي قومَه في الوقائِع )
( بكلّ شديد الوَقْع عَضْب يقودُه ... إلى الموت هامُ المُقربات البرائع )
( لَعَمري لئن تابعت دينَ محمد ... وفارقت إخوانَ الصَّفا والصنائع )
( لبدَّلت تلك النفسَ ذلاً بعِزَّة ... غداةَ اختلاف المُرهَفات القواطع )
( وقوم هم الرأس المقدَّم في الوغى ... وأهلُ الحِجا فينا وأهلُ الدَّسائع )
( سيوفُهُم عزُّ الذَّليل وخيلُهمْ ... سِهامُ الأعادي في الأمور الفظائع )

خبر توزيع الغنائم من قبل النبي
فأخبرني أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأخبرني عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا محمد بن راشد عن ابن اسحاق وحدثنيه محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وقد دخل حديث بعضهم في حديث بعض أن رسول الله قسم غنائم هوازن فأكثر العطايا لأهل مكة وأجزل القسم لهم ولغيرهم ممن خرج إلى حنين حتى إنه كان يعطي الرجل الواحد مائة ناقة والآخر ألف شاة وزوى كثيرا من القسم عن أصحابه فأعطى الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والعباس بن مرداس عطايا فضل فيها عيينة والأقرع على العباس فجاءه العباس فأنشده

( وكانت نِهاباً تلافيتُها ... بِكَرِّي على المُهْر في الأجرَعِ )
( وإيقاظِي الحيَّ أن يرقُدوا ... إذا هجع القومُ لم أَهجَعِ )
( فأصبحَ نَهبِي وَنهبُ العبيدِ ... بين عُيينةَ والأقرعِ )
( وقد كنتُ في الحرب ذا تُدْرَإٍ ... فلم أُعطَ شيئاً ولم أُمنَعِ )
( وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداسَ في مجمع )
( وما كُنْت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليومَ لا يُرفع )
فبلغ قوله رسول الله فدعاه فقال له أنت القائل أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله لم يقل كذلك ولا والله ما أنت بشاعر ولا ينبغي لك الشعر وما أنت براويه قال فكيف قال فأنشده أبو بكر رضي الله عنه فقال هما سواء لا يضرك بأيهما بدأت بالأقرع أم بعيينة فقال رسول الله اقطعوا عني لسانه وأمر بأن يعطوه من الشاء والنعم ما يرضيه ليمسك فأعطي قال فوجدت الأنصار في أنفسها وقالوا نحن أصحاب موطن وشدة فآثر قومه علينا وقسم قسماً لم يقسمه لنا وما نراه فعل هذا الا وهو يريد الإقامة بين أظهرهم فلما بلغ قولهم رسول الله أتاهم في منزلهم فجمعهم وقال من كان ها هنا من غير الأنصار فليرجع إلى أهله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار قد بلغتني مقالة قلتموها وموجدة وجدتموها في أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهداكم الله قالوا بلى
قال ألم آتكم قليلاً فكثركم الله قالوا بلى قال ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بلى

قال محمد بن إسحاق وحدثني يعقوب بن عيينة أنه قال ألم آتكم وأنتم لا تركبون الخيل فركبتموها قالوا بلى قال أفلا تجيبون يا معشر الأنصار قالوا لله ولرسوله علينا المن والفضل جئتنا يا رسول الله ونحن في الظلمات فأخرجنا الله بك إلى النور وجئتنا يا رسول الله ونحن على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله وجئتنا يا رسول الله ونحن أذلة قليلون فأعزنا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا
فقال أما والله لو شئتم لأجبتموني بغير هذا فقلتم جئتنا طريدا فآويناك ومخذولا فنصرناك وعائلا فأغنيناك ومكذبا فصدقناك وقبلنا منك ما رده عليك الناس لقد صدقتم
فقال الأنصار لله ولرسوله علينا المن والفضل ثم بكوا حتى كثر بكاؤهم وبكى رسول الله وقال يا معشر الأنصار وجدتم في أنفسكم في الغنائم أن آثرت بها ناسا أتألفهم على الإسلام ليسلموا ووكلتكم إلى الإسلام أولا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وترجعوا برسول الله إلى رحالكم والذي نفس محمد بيده لو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ولولا الهجرة لكنت آمرأ من الأنصار ثم بكى القوم ثانية حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا يا رسول الله بالله وبرسوله حظا وقسما وتفرق القوم راضين وكانوا بما قال لهم رسول الله أشد اغتباطا من المال
وقال أبو عمرو الشيباني في هذا الخبر أعطى رسول الله جماعة من أشراف العرب عطايا يتألف بها قلوبهم وقومهم على

الإسلام فأعطى كل رجل من هؤلاء النفر وهم أبو سفيان بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وصفوان بن أمية والعلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى كل واحد من مخرمة بن نوفل وعمير بن وهب أحد بني عامر بن لؤي وسعيد بن يربوع ورجلا من بني سهم دون ذلك ما بين الخمسين وأكثر وأقل وأعطى العباس بن مرداس أباعر فتسخطها وقال الأبيات المذكورة فأعطاه حتى رضي
حدثنا وكيع قال حدثنا الكراني قال حدثنا عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد الله بن الزبير كتابا يتوعده فيه وكتب فيه
( إني لَعِندَ الحرب تحمل شِكَّتي ... إلى الرَّوْع جَرْداء السَّيَالة ضامرُ )
والشعر للعباس بن مرداس فقال ابن الزبير أبالشعر يقوي علي والله لا أجيبه إلا بشعر هذا الرجل فكتب إليه
( إذا فُرِس العَوالي لم يخالجْ ... هُمومي غير نصرٍ واقترابِ )
( وإنّا والسَّوابح يومَ جُمْعٍ ... وما يتلو الرسول من الكتاب )
( هزمْنا الجمعَ جمعَ بني قِسِيٍّ ... وحكّت بَرْكَها ببني رِئاب )
هذه الأبيات من قصيدة يفخر فيها العباس برسول الله

ونصره له وفيها يقول
( بذي لَجب رسولُ الله فيه ... كتيبتُه تعرَّضُ للضِّراب )
( ولو أدركن صِرم بني هلالٍ ... لآمَ نساؤهمْ والنَّقْع كابي )

خبر مقتل أخيه هريم
قال أبو عبيدة وكان هريم بن مرداس مجاورا في خزاعة في جوار رجل منهم يقال له عامر فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد وبلغ ذلك أخاه العباس بن مرداس فقال يحض عامرا على الطلب بثأر جاره فقال
( إذا كان باغٍ منك نالَ ظُلامةً ... فإنَّ شفاء البغي سيفُك فافصِلِ )
( ونبّئت أن قد عوّضوك أباعراً ... وذلك للجيران غزل بمغزل )
( فخذها فليست للعزيز بنُصرةٍ ... وفيها متاعٌ لامرئ متدلِّل )
وهذا البيت الأخير كتب به الوليد بن عقبة إلى معاوية لما دعاه علي عليه السلام إلى البيعة وتحدث الناس أنه وعده أن يوليه الشام إذا بايعه قال فلما بلغته هذه الأبيات آلى لا يصيب رأسه ولا جسده ماء بغسل حتى يثأر بهريم ثم إن أبا حليس النصري لقي خويلدا قاتل هريم فقتله فقال بنو نصر بؤ بدم فلان النصري كانت خزاعة قتلته فقال أبو الحليس لا بل هو بؤ بدم هريم بن مرداس وبلغ العباس فقال يمدحه بقوله
( أتاني من الأنباء أنّ ابنَ مالكٍ ... كفى ثائراً من قومه مَن تغَبَّبَا )

( ويَلقاك ما بين الخَميس خُويلدٌ ... أرى عَجَباً بل قتله كان أعجبا )
( فِدًى لك أمِّي إذ ظَفِرتَ بقتلِه ... وأقسم أبغي عنك أمّاً ولا أبا )
( فمثلُكَ أدَّى نُصرةَ القوم عَنوةً ... ومثلُك أعيا ذا السّلاح المجرّبَا )

شعره في خروجه لحرب بني نصر
قال أبو عبيدة أغارت بنو نصر بن معاوية على ناحية من أرض بني سليم فبلغ ذلك العباس بن مرداس فخرج إليهم في جمع من قومه فقاتلهم حتى أكثر فيهم القتل وظهرت عليهم بنو سليم وأسروا ثلاثين رجلا منهم وأخذت بنو نصر فرسا للعباس عائرة يقال لها زرة فانطلق بها عطية بن سفيان النصري وهو يومئذ رئيس القوم فقال في ذلك العباس
( أبى قومنا إلا الفرارَ ومن تكن ... هوازنُ مولاه من الناس يُظلِم )
( أغار علينا جمعُهمْ بين ظالمٍ ... وبين ابنِ عمٍّ كاذبِ الودٍّ أَيْهَم )
( كلاب وما تفعل كلابٌ فإنَّها ... وكعب سراة البيت ما لم تهدَّم )
( فإن كان هذا صُنعُكم فتجرَّدوا ... لألفين منَّا حاسرٍ ومُلأّم )
( وحربٍ إذا المرء السَّمين تمرّستْ ... بأعطافه بالسيف لم يترمرم )

( ولم أحتَسِبْ سُفيانَ حتى لقيتُه ... على مأقط إذ بيننا عِطر مَنْشِم )
( فقلت وقد صاح النساء خلالَهمْ ... لخيلي شُدِّي إنهم قومُ لَهذَمِ )
( فما كان تهليلٌ لُدن أن رميتُهم ... بزِرَّةَ رَكْضاً حاسِراً غيرَ مُلجَم )
( إذا هي صدّت نحرَها عن رماحِهم ... أقدّمها حتى تَنعَّل بالدم )
( وما زال منهم رائغٌ عن سبيلها ... وآخرُ يَهوِي لِليدين وللفم )
( لَدُن غُدوةً حتى استُبيحوا عشيّةً ... وذَلّوا فكانوا لحْمَة المتلحِّم )
( فآبوا بها عُرْفاً وألقَيتُ كَلْكَلي ... على بَطَل شاكي السِّلاح مكلَّم )
( ولن يمنع الأقوام إلاَّ مُشايِحٌ ... يُطارد في الأرض الفضاء ويرتمي )
قال ثم إن العباس بن مرداس جمع الأسارى من بني نصر وكانوا ثلاثين رجلا فأطلقهم وظن أنهم سيثيبونه بفعله وأن سفيان سيرد عليه فرسه زرة فلم يفعلوا فقال في ذلك
( أزِرّة خيرٌ أم ثلاثون منكُم ... طليقاً رددناه إليكُمْ مسلَّما )
قال وجعل العباس يهجو بني نصر فبلغه أن سفيان بن عبد يغوث يتوعده في ذلك فلقيه عباس في المواسم فقال له سفيان والله لتنتهين أو لأصرمنك فقال عباس

( أتوعدني بالصَّرْم إن قلت اوفني ... فأوفِ وزِدْ في الصَّرِم لِهِزمَةَ النتن )
وقال العباس أيضا فيه
( ألا مَن مُبلغ سُفيانَ عنِّي ... وظنِّي أن سيبلغه الرسولُ )
( ومولاه عطيّة أنّ قِيلاً ... خلا منِّي وأن قد بات قِيل )
( سئمتمْ ربَّكمْ وكفرتموه ... وذلكُم بأرضكُم جميلُ )
( ألا تُوفي كما أَوفَى شبيبٌ ... فحلّ له الولايةُ والشُّمول )
( أبوه كان خيركم وفاءً ... وخيركم إذا حُمِد الجميلُ )
( ألام على الهجاء وكلّ يوم ... تلاقيني من الجيران غول )
( سأجعلها لأجَمعَكم شعاراً ... وقد يَمضي اللسان بما يقول )
وهذه الأبيات من شعر العباس بن مرداس التي ذكرنا أخباره بذكرها وفيه الغناء المنسوب من قصيدة قالها في غزاة غزاها بني زبيد باليمن

شعره في خروجه على بني زبيد
قال أبو عمرو وأبو عبيدة جمع العباس بن مرداس بن أبي عامر وكان يقال للعباس مقطع الأوتاد جمعا من بني سليم فيه من جميع بطونها ثم خرج بهم حتى صبح بني زبيد بتثليث من أرض اليمن بعد تسع وعشرين ليلة فقتل فيها عددا كثيرا وغنم حتى ملأ يديه فقال في ذلك
( لأسماءَ رسمٌ أصبح اليومَ دارساً ... وقفتُ به يوماً إلى اللَّيل حابسَا )
يقول فيها

( فدع ذا ولكنْ هل أتاك مَقادنا ... لأعدائنا نزجِي الثقالَ الكَوادِسا )
( سموْنا لهم تسعاً وعشرين ليلةً ... نُجيزُ من الأعراض وَحشاً بَسابِسا )
( فلم أر مِثلَ الحيِّ حيّاً مصبِّحاً ... ولا مِثلَنا يوم التقَينا فوارسا )
( إذا ما شددْنا شَدّةً نصَبوا لنا ... صدورَ المَذاكي والرماحَ المَداعِسا )
( وأحصَنَنا منهمْ فما يبلغوننا ... فوارسُ منَّا يحبسون المَحابسا )
( وجُرْدٌ كأنَّ الأُسد فوق مُتونها ... من القوم مرؤوساً كَمِيّاً ورائسا )
( وكنتُ أمامَ القوم أوَّلَ ضاربٍ ... وطاعنتُ إذ كان الطِّعان مُخالسا )
( ولو مات منهمْ من جرحْنا لأصبحتْ ... ضِياعٌ بأكناف الأَرَاكِ عرائسا )
فأجابه عمرو بن معد يكرب عن هذه القصيدة بقصيدة أولها
( لِمن طللٌ بالخَيْفِ أصبَحَ دارساً ... تبدَّل آراماً وعِيناً كوانِسا )
وهي طويلة لم يكن في ذكرها مع أخبار العباس فائدة وإنما ذكرت هذه الأبيات من قصيدة العباس لأن الغناء المذكور في أولها

ونصره له وفيها يقول
( بذي لَجب رسولُ الله فيه ... كتيبتُه تعرَّضُ للضِّراب )
( ولو أدركن صِرم بني هلالٍ ... لآمَ نساؤهمْ والنَّقْع كابي )

خبر مقتل أخيه هريم
قال أبو عبيدة وكان هريم بن مرداس مجاورا في خزاعة في جوار رجل منهم يقال له عامر فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد وبلغ ذلك أخاه العباس بن مرداس فقال يحض عامرا على الطلب بثأر جاره فقال
( إذا كان باغٍ منك نالَ ظُلامةً ... فإنَّ شفاء البغي سيفُك فافصِلِ )
( ونبّئت أن قد عوّضوك أباعراً ... وذلك للجيران غزل بمغزل )
( فخذها فليست للعزيز بنُصرةٍ ... وفيها متاعٌ لامرئ متدلِّل )
وهذا البيت الأخير كتب به الوليد بن عقبة إلى معاوية لما دعاه علي عليه السلام إلى البيعة وتحدث الناس أنه وعده أن يوليه الشام إذا بايعه قال فلما بلغته هذه الأبيات آلى لا يصيب رأسه ولا جسده ماء بغسل حتى يثأر بهريم ثم إن أبا حليس النصري لقي خويلدا قاتل هريم فقتله فقال بنو نصر بؤ بدم فلان النصري كانت خزاعة قتلته فقال أبو الحليس لا بل هو بؤ بدم هريم بن مرداس وبلغ العباس فقال يمدحه بقوله
( أتاني من الأنباء أنّ ابنَ مالكٍ ... كفى ثائراً من قومه مَن تغَبَّبَا )

( ويَلقاك ما بين الخَميس خُويلدٌ ... أرى عَجَباً بل قتله كان أعجبا )
( فِدًى لك أمِّي إذ ظَفِرتَ بقتلِه ... وأقسم أبغي عنك أمّاً ولا أبا )
( فمثلُكَ أدَّى نُصرةَ القوم عَنوةً ... ومثلُك أعيا ذا السّلاح المجرّبَا )

شعره في خروجه لحرب بني نصر
قال أبو عبيدة أغارت بنو نصر بن معاوية على ناحية من أرض بني سليم فبلغ ذلك العباس بن مرداس فخرج إليهم في جمع من قومه فقاتلهم حتى أكثر فيهم القتل وظهرت عليهم بنو سليم وأسروا ثلاثين رجلا منهم وأخذت بنو نصر فرسا للعباس عائرة يقال لها زرة فانطلق بها عطية بن سفيان النصري وهو يومئذ رئيس القوم فقال في ذلك العباس
( أبى قومنا إلا الفرارَ ومن تكن ... هوازنُ مولاه من الناس يُظلِم )
( أغار علينا جمعُهمْ بين ظالمٍ ... وبين ابنِ عمٍّ كاذبِ الودٍّ أَيْهَم )
( كلاب وما تفعل كلابٌ فإنَّها ... وكعب سراة البيت ما لم تهدَّم )
( فإن كان هذا صُنعُكم فتجرَّدوا ... لألفين منَّا حاسرٍ ومُلأّم )
( وحربٍ إذا المرء السَّمين تمرّستْ ... بأعطافه بالسيف لم يترمرم )

( ولم أحتَسِبْ سُفيانَ حتى لقيتُه ... على مأقط إذ بيننا عِطر مَنْشِم )
( فقلت وقد صاح النساء خلالَهمْ ... لخيلي شُدِّي إنهم قومُ لَهذَمِ )
( فما كان تهليلٌ لُدن أن رميتُهم ... بزِرَّةَ رَكْضاً حاسِراً غيرَ مُلجَم )
( إذا هي صدّت نحرَها عن رماحِهم ... أقدّمها حتى تَنعَّل بالدم )
( وما زال منهم رائغٌ عن سبيلها ... وآخرُ يَهوِي لِليدين وللفم )
( لَدُن غُدوةً حتى استُبيحوا عشيّةً ... وذَلّوا فكانوا لحْمَة المتلحِّم )
( فآبوا بها عُرْفاً وألقَيتُ كَلْكَلي ... على بَطَل شاكي السِّلاح مكلَّم )
( ولن يمنع الأقوام إلاَّ مُشايِحٌ ... يُطارد في الأرض الفضاء ويرتمي )
قال ثم إن العباس بن مرداس جمع الأسارى من بني نصر وكانوا ثلاثين رجلا فأطلقهم وظن أنهم سيثيبونه بفعله وأن سفيان سيرد عليه فرسه زرة فلم يفعلوا فقال في ذلك
( أزِرّة خيرٌ أم ثلاثون منكُم ... طليقاً رددناه إليكُمْ مسلَّما )
قال وجعل العباس يهجو بني نصر فبلغه أن سفيان بن عبد يغوث يتوعده في ذلك فلقيه عباس في المواسم فقال له سفيان والله لتنتهين أو لأصرمنك فقال عباس

( لدى الخصم إذ عند الأمير كَفاهُم ... فكان إليه فصلُها وجِدالُها )
( ومُعضِلة للحاملين كفيتها ... إذا أنهلت هُوج الرياح طِلالُها )
وقد روى العباس بن مرداس عن النبي ونقل عنه الحديث
حدثنا الحسين بن الطيب الشجاعي البلخي بالكوفة قال حدثنا أيوب بن محمد الطلحي قال حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي قال حدثنا عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي أن أباه حدثه عن جده عباس بن مرداس أن النبي دعا لأمته عشية عرفة قال فأجيب لهم بالمغفرة إلا ما كان من مظالم العباد بعضهم لبعض قال فإني آخذ للمظلوم من الظالم قال أي رب إن شئت أعطيت للمظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب في حينه فلما أصبح في المزدلفة أعاد الدعاء فأجيب لهم بما سأل فضحك النبي أو تبسم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها أو تبسم فقال إن إبليس لما علم أن الله غفر لأمتي جعل يحثو التراب على رأسه ويدعو بالويل والثبور فضحكت من جزعه
تمت أخبار العباس

صوت
( ارجوكَ بعد أبي العبَّاس إذ بانا ... يا أكرمَ الناسِ أعراقاً وعِيداناً )
( أرجوك من بعدِه إذ بان سيِّدِنا ... عنَّا ولولاك لاستسلمت إذ بانا )

( فأنت أكرمُ من يَمشي على قدم ... وأنضرُ الناس عند المحَلْ أغصانا )
( لو مَجّ عُودٌ على قومٍ عُصَارتَه ... لمجّ عودُك فينا المِسكَ والبانا )
الشعر لحماد عجرد والغناء لحكم الوادي ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها

أخبار حماد عجرد ونسبه
هو حماد بن يحيى بن عمر بن كليب ويكنى أبا عمر مولى بني عامر بن صعصعة وذكر ابن النطاح أنه مولى بني سراة وذكر سليمان بن أبي شيخ عن صالح بن سليمان أنه مولى بني عقيل واصله ومنشؤه بالكوفة وكان يبري النبل وقيل بل أبوه كان نبالا ولم يتكسب هو بصناعة غير الشعر
وقال صالح بن سليمان كان عم لحماد عجرد يقال له مؤنس بن كليب وكانت له هيئة وابن عمه عمارة بن حمزة بن كليب إنتقلوا عن الكوفة ونزلوا واسطا فكانوا بها وحماد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية إلا أنه لم يشتهر في أيام بني أمية شهرته في ايام بني العباس وكان خليعا ماجنا متهما في دينه مرميا بالزندقة
هجاء بشار له
أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال قال أبو دعامة حدثني عاصم بن أفلح بن مالك بن أسماء قال كان يحيى أبو حماد عجرد مولى لبني هند بنت أسماء بن خارجة وكان وكيلا لها في ضيعتها بالسواد فولدت هند من بشر بن مروان عبد الملك بن بشر فجر عبد الملك ولاء موالي

أمه فصاروا مواليه قال ولما كان والد حماد عجرد بالسواد في ضيعتها نبطه بشار لما هجاه بقوله
( واشدُدْ يديك بحمّاد أبي عُمرٍ ... فإنَّه نَبَطِيٌّ من زَنابِيرِ )
قال وإنما لقبه بعجرد عمرو بن سندي مولى ثقيف لقوله فيه
( سَبَحَتْ بغلةٌ ركبتَ عليها ... عَجَباً منك خَيبةً للمَسِيرِ )
( زعمتْ أنها تراهُ كبيراً ... حَملها عَجرد الزِّنا والفُجورِ )
( إن دهراً ركبتَ فيه على بَغْلٍ وأوقَفْتَه بباب الأمير )
( لجدِيرٌ أَلاَّ نَرَى فيه خيراً ... لصغير منَّا ولا لِكَبِيرٍ )
( ما امرؤ ينْتَقِيك يا عُقْدَة الكَلْبِ ... لأسراره بجدِّ بَصِيرِ )
( لا ولا مجلسٌ أجَنَّك للذَّاتِ ... يا عَجْرَدَ الخَنَا بسَتيرِ )
يعني بهذا القول محمد بن أبي العباس السفاح وكان عجرد في ندمائه فبلغ هذا الشعر أبا جعفر فقال لمحمد ما لي ولعجرد يدخل عليك لا يبلغني أنك أذنت له قال وعجرد مأخوذ من المعجرد وهو العريان في اللغة يقال تعجرد الرجل إذا تعرى فهو يتعجرد تعجردا وعجردت الرجل أعجرده عجردة إذا عريته

هو واحد من ثلاثة حمادين كانوا يتنادمون على الشراب
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة ونسخت من كتاب عبد الله بن المعتز حدثني الثقفي عن إبراهيم بن عمر العامري قال كان بالكوفة ثلاثة نفر يقال لهم الحمادون حماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان يتنادمون على الشراب ويتناشدون الأشعار ويتعاشرون معاشرة جميلة وكانوا كأنهم نفس واحدة يرمون بالزندقة جميعا وأشهرهم بها حماد عجرد
أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة إجازة عن التوزي أن حمادا لقب بعجرد لأن أعرابيا مر به في يوم شديد البرد وهو عريان يلعب مع الصبيان فقال له تعجردت يا غلام فسمي عجردا
قال أبو خليفة المتعجرد المتعري والعجرد أيضا الذهب
سبب مهاجاة بشار
أخبرني أحمد بن يحيى بن علي بن يحيى عن علي بن مهدي عن عبد الله بن عطية عن عباد بن الممزق وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال كان السبب في مهاجاة حماد عجرد بشارا أن حمادا كان نديما لنافع بن عقبة فسأله بشار تنجز حاجة له من نافع فأبطأ عنها فقال بشار فيه

( مواعيدُ حَمّاد سماءٌ مُخيلةٌ ... تَكشّفُ عن رعد ولكن سَتَبْرُقُ )
( إذا جئتَه يوماً أحالَ على غدٍ ... كما وعد الكَمُّون ما ليس يصدقُ )
( وفي نافع عنّي جَفاءٌ وإنّني ... لأُطرق أحيانا وذو اللُّبّ يُطرِق )
( وللنَّقَرَى قومٌ فلو كنتُ منهمُ ... دُعيتُ ولكن دونيَ البابُ مغلقُ )
( أبا عُمَرٍ خَلَّفْتُ خلفَك حاجتي ... وحاجةُ غيري بين عينيك تَبْرُقُ )
( وما زلتُ أستأنيك حتى حسرتَني ... بوعدٍ كجاري الآلِ يَخفَى ويخفقُ )
قال فغضب حماد وأنشد نافعا الشعر فمنعه من صلة بشار فقال بشار
( أبا عُمَرٍ ما في طِلابيكَ حاجةٌ ... ولا في الَّذي مَنَّيتنا ثمّ أصحرا )
( وَعَدْتَ فلم تَصدُق وقلتَ غداً غداً ... كما وُعِدَ الكَمُّون شِرْباً مؤخَّرا )
قال فكان ذلك السبب في التهاجي بين بشار وحماد

رمي بالزندقة لمجونه
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبو إسحاق الطلحي قال حدثني أبو سهبل قال حدثني أبو نواس قال كنت أتوهم أن حماد عجرد إنما رمي بالزندقة لمجونه في شعره حتى حبست في حبس الزنادقة فإذا حماد

عجرد إمام من أئمتهم وإذا له شعر مزاوج بيتين بيتين يقرؤون به في صلاتهم قال وكان له صاحب يقال له حريث على مذهبه وله يقول بشار حين مات حماد عجرد على سبيل التعزية له
( بَكَى حُريثٌ فوقِّره بتعزِيَةٍ ... مات ابن نِهْيَا وقد كانا شريكَيْنِ )
( تَفَاوَضَا حين شابَا في نسائهما ... وحَلَّلاَ كلَّ شيءٍ بين رِجْلَيْنِ )
( أَمْسَى حُريثٌ بما سَدَّى له غَيراً ... كراكب اثنين يرجو قوّةَ اثنين )
( حتى إذا أخذَا في غير وجهَهَما ... تفرَّقا وهوَى بين الطَّريقيْنِ )
يعني أنه كان يقول بقول الثنوية في عبادة اثنين فتفرق وبقي بينهما حائرا قال وفي حماد يقول بشار أيضا وينسبه إلى أنه ابن نهيا
( يابن نِهْيَا رأسٌ عليَّ ثقيلُ ... واحتمالُ الرؤوس خَطْبٌ جليلُ )
( أُدْع غيري إلى عبادة الأثْنَيْنِ ... فإنِّي بواحدٍ مشغولُ )
( يابن نِهْيَا برئتُ منك إلى الله ... جهاراً وذاك منِّي قليلُ )
قال فأشاع حماد هذه الأبيات لبشار في الناس وجعل فيها مكان فإني بواحد مشغول فإني عن واحد مشغول ليصحح عليه الزندقة والكفر بالله تعالى فما زالت الأبيات تدور في أيدي الناس حتى انتهت إلى بشار فاضطرب منها وتغير وجزع وقال اشاط ابن الزانية بدمي والله ما قلت إلا فإني بواحد مشغول فغيرها حتى شهرني في الناس بما يهلكني

أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني صالح بن سليمان الخثعمي قال قيل لعبد الله بن ياسين إن بشارا المرعث هجا حماد فنبطه فقال عبد الله قد رأيت جد حماد وكان يسمّى كليبا وكانت صناعته صناعة لا يكون فيها نبطي كان يبري النبال ويريشها وكان يقال له كليب النبال مولى بني عامر بن صعصعة

أخباره مع بشار بن برد
أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن خلاد قال كان بشار صديقا لسليم بن سالم مولى بني سعد وكان المنصور أيام استتر بالبصرة نزل على سليم بن سالم فولاه أبو جعفر حين أفضى الأمر إليه السوس وجنديسابور فانضم إليه حماد عجرد فأفسده على بشار وكان له صديقا فقال بشار يهجوهما
( أمسَى سُلَيم بأرض السُّوس مُرْتَفِقاً ... في خَزِّها بعدَ غِرْبالٍ وأَمدادِ )
( ليس النعيم وإن كُنَّا نُزَنّ به ... إلاَّ نعيم سُلَيم ثمّ حمّادِ )
( نِيكَا وناكَا ولم يَشْعُر بِذَا أحدٌ ... في غفلةٍ من نبيّ الرَّحمة الهادي )
فنشب الشر بين حماد وبشار
أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن عمر بن شبه عن أبي أيوب الزبالي قال كان رجل من أهل البصرة يدخل بين حماد

وبشار على اتفاق منهما ورضا بأن ينقل إلى كل واحد منهما وعنه الشعر فدخل يوما إلى بشار فقال له إيه يا فلان ما قال ابن الزانية في فأنشده
( إنْ تاهَ بشَّارٌ عليكُمْ فقدْ ... أَمْكَنْتُ بشّاراً من التِّيهِ )
فقال بشار بأي شيء ويحك فقال
( وذاك إذ سَمَّيْتُه باسمه ... ولم يكن حرٌّ يسمِّيهِ )
فقال سخنت عينه فبأي شيء كنت أعرف إيه فقال
( فصارَ إنساناً بذكرى له ... ما يبتَغي من بعد ذِكرِيهِ )
فقال ما صنع شيئا إيه ويحك فقال
( لم أهجُ بشَّاراً ولكنَّنِي ... هجوتُ نفسي بهِجائِيهِ )
فقال على هذا المعنى دار وحوله حام إيه أيضا وأي شيء قال فأنشده
( أنت ابن برد مِثْلُ بُرْدٍ ... في النَّذالةِ والرَّذَالَهْ )
( منْ كَانَ مثلَ أبيكَ يا ... أعمى أبوهُ فلا أبَا لَهْ )
فقال جود ابن الزانية وتمام الأبيات الأول
( لم آتِ شيئاً قطُّ فيما مضى ... ولست فيما عشتُ آتيهِ )
( أسوألي في الناس أحدوثةً ... من خطأٍ أخطأتُهُ فيهِ )
( فأصبحَ اليومَ بِسَبِّي له ... أعظمَ شأناً من مَوالِيهِ )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة عن خلاد الأرقط قال أنشد بشارا راويته قول عجرد فيه

( دُعيتَ إلى بُرْد وأنت لغيرِهِ ... فَهَبْكَ ابن بُرْدٍ نكتَ أمَّكَ مَنْ بُرْدُ )
فقال بشار لراويته ها هنا أحد قال لا فقال أحسن والله ما شاء ابن الزانية
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن يزيد المهلبي قال حدثني محمد بن عبد الله بن أبي عيينة قال قال حماد عجرد لما أنشد قول بشار فيه
( يا ابنَ نِهْيَا رأسٌ عليَّ ثقيل ... واحتمالُ الرأسين أمرٌ جليلُ )
( فادعُ غيري إلى عبادة ربَّيْنِ ... فإنِّي بواحدٍ مشغولُ )
والله ما أبالي بهذا من قوله وإنَّما يغيظني منه تجاهلُهُ بالزندقة يوهم الناس أنه يظن أن الزنادقة تعبد رأسا ليظن الجهال أنه لا يعرفها لأن هذا قول تقوله العامة لا حقيقة له وهو والله أعلم بالزندقة من ماني
أخبرني أحمد بن عبد العزيز وأحمد بن عبيدالله بن عمار وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو أيوب الزبالي قال قال بشار لراوية حماد ما هجاني به اليوم حماد فأنشده
( ألا مَن مُبلغٌ عنِّي الذي ... والدهُ بُرْدُ )
فقال صدق ابن الفاعلة فما يكون فقال

( إذا ما نُسب الناسُ ... فلا قَبْلٌ ولا بَعْدُ )
فقال كذب ابن الفاعلة وأين هذه العرصات من عقيل فما يكون فقال
( وأعمَى قَلْطَبَانٌ ما ... على قاذِفِه حَدُّ )
فقال كذب ابن الفاعلة بل عليه ثمانون جلدة هيه فقال
( وأعمَى يشبه القِرْدَ ... إذا ما عَمِيَ القِرْدُ )
فقال والله ما أخطأ ابن الزانية حين شبهني بقرد حسبك حسبك ثم صفق بيديه وقال ما حيلتي يراني فيشبهني ولا أراه فأشبهه
وقال أخبرني بهذا الخبر هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ فذكر مثله وقال فيه لما قال حماد عجرد في بشار
( شبيهُ الوجهِ بالقردِ ... إذا ما عَمِيَ القِردُ )
بكى بشار فقال له قائل أتبكي من هجاء حماد فقال والله ما ابكي من هجائه ولكن أبكي لأنه يراني ولا أراه فيصفني ولا أصفه قال وتمام هذه الأبيات
( ولو يَنْكَهُ في صَلْدٍ ... صَفاً لا نصدعَ الصَّلْدُ )
( دنِيٌّ لم يَرُح يوماً ... إلى مَجْدٍ ولم يَغْدُ )
( ولم يحضرْ مع الحُضّار ... في خيرٍ ولم يَبْدُ )
( ولَم يُخْشَ له ذَمٌّ ... ولم يُرْجَ له حَمْدُ )

( جَرَى بالنَّحسِ مذ كان ... ولَمْ يَجْرِ لَهُ سَعْدُ )
( هو الكلب إذا ما ماتَ ... لم يوجَد له فَقدُ )
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني خلاد الأرقط قال أشاع بشار في الناس أن حماد عجرد كان ينشد شعرا ورجل بإزائه يقرأ القرآن وقد اجتمع الناس عليه فقال حماد علام اجتمعوا فوالله لما اقول أحسن مما يقول
قال وكان بشار يقول لما سمعت هذا من حماد مقته عليه
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أخبرني أبو إسحاق الطلحي قال حدثني أبو سهيل عبد الله بن ياسين أن بشارا قال في حماد عجرد وسهيل بن سالم وكان سهيل من أشراف أهل البصرة وكان من عمال المنصور ثم قتله بعد ذلك بالعذاب وكان حماد وسهيل نديمين
( ليس النعيمُ وإن كُنَّا نُزَنّ به ... إلاَّ نعيم سُهَيْلٍ ثمّ حَمَّادِ )
( نَاكَا ونِيكَا إلى أن لاَحَ شَيْبُهما ... في غفلةٍ عن نبيّ الرحمةِ الهادي )
( فَهدَيْنِ طوراً وفَهّادين آونةً ... ما كانَ قبلَهما فَهْدٌ بفَهَّادِ )
( سبحانك اللهُ لو شئتَ امتَسَخْتَهُما ... قِردَين فاعْتَلَجَا في بيت قَرَّادِ )
قال يعني بقوله ما كان قبلهما فهد بفهاد أي لم يكن الفهد فهادا كما تقول لم يكن زيد بظريف ولم يكن زيد ظريفا قال ابن ياسين وفيه يقول بشار أيضا
( ما لُمْتُ حَمّاداً على فِسْقِهِ ... يلومه الجاهِلُ والمائِقُ )

( وما هما من أَيْرِهِ واستِهِ ... مَلَّكه إياهُمَا الخالِقُ )
( ما بات إلاَّ فوقه فاسقٌ ... يَنْيِكُه أو تحتَهُ فاسقُ )
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أنشدني ابن أبي سعد لحماد عجرد في بشار قال وهو من أغلظ ما هجاه به عليه
( نهارُهُ أخبثُ من ليلِهِ ... ويومُه أخبثُ من أمسهِ )
( وليس بالمُقْلِعِ عن غَيِّه ... حتى يُوارَى في ثَرَى رَمْسِهِ )
قال وكان أغلظَ على بشار من ذلك كله وأوجعه له قوله فيه
( لو طُليتْ جلدتُه عنبراً ... لأفسدتْ جلدتُه العنبَرا )
( أو طُليتْ مِسكاً ذكيّاً إذاً ... تحوَّل المسكُ عليه خَرَا )
قال ابن أبي سعد وقد بالغ بشار في هجاء حماد ولكن حكم الناس عليه لحماد بهذه الأبيات

اتصاله بالربيع بن يونس وزير المنصور
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني أحمد بن إسحاق قال حدثني عثمان بن سفيان العطار قال اتصل حماد عجرد بالربيع يؤدب ولده فكتب إليه بشار رقعة فأوصلت إلى الربيع فطرده لما قرأها وفيها مكتوب
( يا أبا الفضل لا تَنَمْ ... وقعَ الذئبُ في الغنَمْ )

( إنَّ حمّادَ عَجْرَدٍ ... إنْ رأى غفلةً هَجَمْ )
( بين فَخْدَيْهِ حَرْبَةٌ ... في غِلافٍ من الأَدَمْ )
( إنْ خَلاَ البيتُ ساعةً ... مَجْمَجَ الميمَ بالقَلَمْ )
فلما قرأها الربيع قال صيرني حماد دريئة الشعراء أخرجوا عني حمادا فأخرج
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة عن علي بن مهدي عن عبد الله بن عطية عن عباد بن الممزق أن حماد عجرد كان يؤدب ولد العباس بن محمد الهاشمي فكتب إليه بشار بهذه الأبيات المذكورة فقال العباس ما لي ولبشار أخرجوا عني حمادا فأخرج
أخبرني يحيى بن علي قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني عبد الله بن طاهر بن أبي أحمد الزبيري قال لما أخرج العباس بن محمد حمادا عن خدمته وانقطع عنه ما كان يصل إليه منه أوجعه ذلك فقال يهجو بشارا
( لقد صار بشَّار بصيراً بدُبْره ... وناظِرُه بين الأنام ضَرِيرُ )
( له مُقلةٌ عمياءُ وآستٌ بصيرةٌ ... إلى الأَيْرِ من تَحْتِ الثيابِ تشيرُ )
( على وُدِّهِ أن الحمير تَنِيكُهُ ... وأنّ جميعَ العالمينَ حَمِيرُ )
قال أبو الفرج الأصبهاني وقد فعل مثل هذا بعينه حماد عجرد بقطرب

أخبرني عمي عن عبد الله بن المعتز قال حدثني أبو حفص الأعمى المؤدب عن الربالي قال اتخذ قطرب النحوي مؤدبا لبعض ولد المهدي وكان حماد عجرد يطمع في أن يجعل هو مؤدبه فلم يتم له ذلك لتهتكه وشهرته في الناس بما قاله فيه بشار فلما تمكن قطرب في موضعه صار حماد عجرد كالملقى على الرضف فجعل يقوم ويقعد بقطرب في الناس ثم أخذ رقعة فكتب فيها
( قل للإمامِ جزاكَ الله صالِحَةً ... لا تَجْمَعَ الدَّهرَ بين السَّخْلِ والذيبِ )
( السَّخْلُ غِرٌّ وهمُّ الذئبِ فُرْصَتُه ... والذئب يعلم ما في السَّخْل من طِيبِ )
فلما قرأ هذين البيتين قال انظروا لا يكون هذا المؤدب لوطيا ثم قال إنفوه عن الدار فأخرج عنها وجيء بمؤدب غيره ووكل به تسعون خادما يتناوبون يحفظون الصبي فخرج قطرب هاربا مما شهر به إلى عيسى بن إدريس العجلي بن أبي دلف فأقام معه بالكرج إلى أن مات
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال لما قال حماد عجرد في بشار
( ويا أقبحَ من قِرْدٍ ... إذا ما عَمَى القردُ )
قال بشار لا إله إلا الله قد والله كنت أخاف أن يأتي به والله لقد وقع لي هذا البيت منذ أكثر من عشرين سنة فما نطقت به خوفا من أن يسمع فأهجى به حتى وقع عليه النبطي ابن الزانية

كتابه إلى أبي حنيفة
قال أبو الفرج نسخت من كتاب عبد الله بن المعتز حدثني العجلي قال حدثني أبو دهمان قال كان أبو حنيفة الفقيه صديقا لحماد عجرد فنسك أبو حنيفة وطلب الفقه فبلغ فيه ما بلغ ورفض حمادا وبسط لسانه فيه فجعل حماد يلاطفه حتى يكف عن ذكره وأبو حنيفة يذكره فكتب إليه حماد بهذه الأبيات
( إن كان نسكُكَ لا يتمّ ... بغير شَتمي وانتقاضي )
( أو لم تكن إلاَّ به ... ترجو النجاة من القصاص )
( فاقعد وقم بي كيف شئتَ ... مع الأداني والأقاصي )
( فلطالما زكّيْتَنِي ... وأنا المقيم على المعاصي )
( أيّام تَأخذها وتُعطِي ... في أباريقِ الرَّصاصِ )
قال فأمسك أبو حنيفة رحمه الله بعد ذلك عن ذكره خوفا من لسانه
وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن النضر بن حديد قال كان حماد عجرد صديقا ليحيى بن زياد وكانا يتنادمان ويجتمعان على ما يجتمع عليه مثلهما ثم إن يحيى بن

زياد أظهر تورعا وقراءة ونزوعا عما كان عليه وهجر حمادا وأشباهه فكان إذا ذكر عنده ثلبه وذكر تهتكه ومجونه فبلغ ذلك حمادا فكتب إليه
( هل تذكرنْ دَلَجي إليكَ ... على المضمرَّة القِلاصِ )
( أيّام تعطيني وتأخُذ ... من أباريقِ الرَّصاصِ )
( إن كان نسكُكَ لا يتمّ ... بغير شَتْمي وانتقاصي )
( أو كنتَ لستَ بغير ذاكَ ... تنالُ منزلةَ الخَلاصِ )
( فعليك فاشتمْ آمِناً ... كلَّ الأمان من القِصاصِ )
( واقعد وقمْ بي ما بدا ... لك في الأداني والأقاصي )
( فلَطالما زكّيتَني ... وأنا المقيمُ على المعاصي )
( أيّام أنتَ إذا ذُكِرْتُ ... مناضِلٌ عني مُناصِي )
( وأنا وأنت على ارتكابِ ... المُوبِقاتِ من الحِراصِ )
( وبِنَا مواطِنُ مايُنافي ... البِرَّ آهلةُ العِراصِ )
فاتصل هذا الشعر بيحيى بن زياد فنسب حمادا إلى الزندقة ورماه بالخروج عن الإسلام فقال حماد فيه
( لا مؤمنٌ يُعرَفُ إيمانُهُ ... وليس يَحَيى بالفتى الكافِرِ )
( منافقٌ ظاهرُهُ ناسِكٌ ... مُخالِف الباطن للظاهِرِ )
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا ابن أبي سعد عن النضر بن

عمرو قال كان لحماد عجرد إخوان ينادمونه فانقطع عنه الشراب فقطعوه فقال لبعضهم
( لستَ بغَضْبانٍ ولكنّني ... أعرِف ما شأنك يا صاحِ )
( أأن فَقدتُ الرَّاحَ جانبتَني ... ما كان حبِّيك على الراحِ )
( قد كنتَ من قبل وأنت الذي ... يعنيكَ إمسائي وإصباحي )
( وما أَرَى فِعْلَكَ إلاَّ وقد ... أفسدني من بعد إصلاحي )
( أنتَ مِن الناس وإن عبتَهم ... منِّي بإفصاحِ )

نادم الوليد بن يزيد
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني ميمون بن هارون عن أبي محلم أن الوليد بن يزد أمر شراعة بن الزندبوذ أن يسمي له جماعة ينادمهم من ظرفاء أهل الكوفة فسمى له مطيع بن إياس وحماد عجرد والمطيعي المغني فكتب في إشخاصهم إليه فأشخصوا فلم يزالوا في ندمائه إلى أن قتل ثم عادوا إلى أوطانهم
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثني حماد عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني قال تزوج حماد عجرد امرأة فدخلنا إليه صبيحة بنائه بها نهنئه ونسأله عن خبره فقال لنا كنت البارحة جالسا مع أصحابي أشرب وأنا منتظر لامرأتي أن يؤتى بها حتى قيل لي قد دخلت فقمت إليها فوالله ما لبثتها حتى افتضضتها وكتبت من وقتي إلى أصحابي

( قد فتحتُ الحِصنَ بعد امتناعِ ... بمُشيحٍ فاتِحٍ للقِلاعِ )
( ظَفِرَتْ كفِّي بتفريقِ شَمْلٍ ... جاءنا تفريقُهُ باجتماعِ )
( فإذا شَعبي وشَعْبُ حَبِيبي ... إنما يَلتامُ بعدَ انصداعِ )
أخبرني محمد بن القاسم الأنباري عن أبيه وأخبرني الحسن بن علي عن القاسم بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن عبد الرحمن عن أحمد بن الأسود بن الهيثم عن إبراهيم بن محمد بن عبد الحميد قال اجتمع عمي سهم بن عبد الحميد وجماعة من وجوه أهل البصرة عند يحيى بن حميد الطويل ومعهم حماد عجرد وهو يومئذ هارب من محمد بن سليمان ونازل على عقبة بن سلم وقد أمن وحضر الغداء فقيل له سهم بن عبد الحميد يصلي الضحى فانتظر وأطال سهم الصلاة فقال حماد
( ألا أيُّهذا القانِتُ المتهجِّدُ ... صلاتُكَ للرَّحمن أم لي تَسْجُدُ )
( أما والذي نادَى من الطُّور عبدَه ... لِمَنْ غيرِ ما بِرٍّ تقومُ وتقعدُ )
( فهلاَّ اتّقيتَ اللهَ إذ كنتَ والياً ... بصنعاء تَبْرِي من وَليتَ وتَجردُ )
( ويَشهد لي أنِّي بذلك صادقٌ ... حُرَيْثٌ ويحيى لي بذلك يَشهدُ )
( وعند أبي صَفوانَ فيك شهادةٌ ... وبَكْرٍ وبكرٌ مُسْلِمٌ متهجِّدُ )
( فإنْ قلتَ زِدْنِي في الشهودِ فإنَّه ... سيشهد لي أيضاً بذاك محمَّدُ )
قال فلما سمعها قطع الصلاة وجاء مبادراً فقال له قبحك الله يا زنديق فعلت بي هذا كله لشرهك في تقديم أكل وتأخيره هاتوا طعامكم فأطعموه لا أطعمه الله تعالى فقدمت المائدة

شعر محمد بن الفضل في الاعتذار إليه
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن إسحاق الموصلي عن محمد بن الفضل السكوني قال لقيت حماد عجرد بواسط وهو يمشي وأنا راكب فقلت له إنطلق بنا إلى المنزل فإني الساعة فارغ لنتحدث وحبست عليه الدابة فقطعني شغل عرض لي لم أقدر على تركه فمضيت وأنسيته فلما بلغت المنزل خفت شره فكتبت إليه
( أبا عُمَرٍ اغْفِرْ هُديتَ فإنَّني ... قد آذنبتُ ذنباً مخطئاً غيرَ عامِدِ )
( فلا تَجِدن فيه عليَّ فإنَّني ... أُقِرُّ بإجرامي ولستُ بعائِدِ )
( وهبْهُ لنا تفديك نفسي فإنَّني ... أرى نعمةً إنْ كنتَ لستَ بواجِدِ )
( وعُدْ منك بالفضل الذي أنتَ أهلُهُ ... فإنَّكَ ذو فضلٍ طريفٍ وتالِدِ )
فكتب إلي مع رسولي
( محمدُ يابن الفَضْلِ يا ذا المحامِدِ ... ويا بهجةَ النادي وزينَ المَشاهِدِ )
( وحقِّكَ ما أذنبت منذ عرفتَني ... على خطإٍ يوماً ولا عَمْد عامِدِ )
( ولو كان ما أَلفَيْتَنِي متسرِّعاً ... إليكَ به يوماً تسرُّعَ واجِدِ )
أي لو كان لك ذنب ما صادفتني مسرعا إليك بالمكافأة
( ولو كان ذو فضل يسمَّى لفضلِهِ ... بغير اسمه سُميت أُمَّ القلائِدِ )
قال فبينا رقعته في يدي وأنا أقرأها إذ جاءني رسوله برقعة فيها
( قد غَفَرْنَا يابن الفضلِ والذنبُ عظيمُ )

( ومسيءٌ أنتَ يابن الفضلِ ... في ذاك مُليمُ )
( حينَ تخشاني على الذنبِ ... كما يُخْشَى اللّئيمُ )
( ليس لي إن كان ما خِفتَ ... من الأمر حَرِيمُ )
( أنا والله ولا أفخَرُ ... للغيظ كَظُومُ )
( ولأصحابي وَلاءٌ ... رَبُّه بَرٌّ رحيمُ )
( وبما يُرضيهم عنِّي ... ويُرضيني عليمُ )
مديحه لجلَّة من أبناء الملوك
أخبرني يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق قال خرج حماد عجرد مع بعض الأمراء إلى فارس وبها جلة من أبناء الملوك فعاشر قوما من رؤسائها فأحمد معاشرتهم وسر بمعرفتهم فقال فيهم
( ربّ يوم بفَساءٍ ... ليس عندي بذميم )
( قد قرعتُ العيشَ فيه ... مَعَ نَدْمانٍ كريم )
( من بني صَهْيُونَ في البيتِ ... المعلَّى والصَّمِيمِ )
( في جِنانٍ بين أنهارٍ ... وتعريشِ كُرومِ )
( نَتَعاطَى قهوةً تُشْخِص ... يقظانَ الهُمومِ )
( بنتَ عشرٍ تترك المُكْثِرَ ... منها كالأمِيم )
( فيها دَأْباً أحيِّي ... ويحيِّيني نديمي )

( في إناءٍ كِسْرَويٍّ ... مستخِفٍّ للحليمِ )
( شَرْبةٌ تَعْدِل منه ... شربتي أمّ حَكيم )
( عندنا دِهْقانَةٌ حُسانة ... ٌ ذاتُ هَمِيم )
( جَمعتْ ما شئتَ من حُسنٍ ... ومن دَلٍّ رَخيم )
( في اعتدال من قَوامٍ ... وصفاءٍ من أَدِيم )
( وبَنانٍ كالمَدارِي ... وثَنايَا كالنجوم )
( لم أنلْ منها سوى غَمْزَةِ ... كفٍّ أو شَمِيم )
( غيرَ أن أَقْرُصَ منها ... عُكْنَة الكَشْحِ الهَضِيم )
( وبَلَى أَلْطِمُ منها ... خدَّها لطمَ رَحِيم )
( وبنفسي ذاكَ يا أَسْوَدُ ... من خَدِّ لَطِيم )
يعني الأسود بن خلف كاتب عيسى بن موسى
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي النضر قال كان حريث بن أبي الصلت الحنفي صديقا لحماد عجرد وكان يعابثه بالشعر ويعيبه بالبخل وفيه يقول
( حُريثٌ أبو الفضل ذو خِبْرةٍ ... بما يُصْلِحُ المِعَد الفاسدهْ )
( تخوَّف تُخمَةَ أضيافه ... فعوّدَهم أكلةً واحدهْ )

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة عن ابن عائشة قال ضرط رجل في مجلس حماد عجرد ومطيع بن إياس فتجلد ثم ضرط أخرى متعمدا ثم ثلث ليظنوا أن ذلك كله تعمد فقال له حماد حسبك يا أخي فلو ضرطت ألفا لعلم بأن المخلف الأول مفلت
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني معاذ بن عيسى مولى بني تميم قال كان سليمان بن الفرات على كسكر ولاه أبو جعفر المنصور وكان قريش مولى صاحب المصلى بواسط في ضياع صالح وهو سندي فحدثني معاذ بن عيسى قال كنّا في دار قريش فحضرت الصلاة فتقدم قريش فصلى بنا وحماد إلى جنبي فقال لي حماد حين سلم اسمع ما قلت وأنشدني
( قد لقيتُ العامَ جَهْداً ... من هِناتٍ وهَناتِ )
( من همومٍ تعتريني ... وبلايَا مطبقاتِ )
( وجَوىً شيَّب رأسي ... وحَنَى منِّي قَناتي )
( وغُدُوِّي ورَواحي ... نحو سَلْم بن الفراتِ )
( وائتمامِي بالقَمَارِي ... قريشٍ في صَلاتي )

أخباره مع غلام أمرد وجارية
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب الزبيري قال حدثني أبو يعقوب الخريمي قال كنت في مجلس فيه حماد عجرد ومعنا غلام أمرد فوضع حماد عينه عليه وعلى الموضع الذي ينام فيه فلما كان الليل اختلفت مواضع نومنا فقمت فنمت في موضع الغلام قال ودب حماد إلي يظنني الغلام فلما أحسست به أخذت يده فوضعتها على عيني العوراء لأعلمه أني أبو يعقوب قال فنتر يده ومضى في شأنه وهو يقول ( وفديناه بذبح عظيم )
أخبرني عمي قال حدثني مصعب قال كان حماد عجرد ومطيع بن إياس يختلفان إلى جوهر جارية أبي عون بن المقعد وكان حماد يحبها ويحن بها وفيها يقول
( إنِّي لأهوَى جوهراً ... ويُحِبُّ قلبي قلبَها )
( وأُحِبُّ من حبِّي لها ... مَن وَدَّها وَأَحَبَّها )
( وأحبُّ جاريةً لها ... تُخفِي وتَكتُمُ ذنبَها )
( وأحبُّ جيراناً لها ... وابنَ الخبيثةِ ربَّها )
أخبرني عمي قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثني أبيض بن عمرو قال كان حماد عجرد يعاشر الأسود بن خلف ولا يكادان يفترقان فمات الأسود قبله فقال يرثيه وفي هذا الشعر غناء

صوت
( قلتُ لحنّانةٍ دَلوحِ ... تَسُحُّ من وابِلٍ سَفُوحِ )
( جادَتْ علينا لها رَبابٌ ... بواكِفٍ هاطِلٍ نَضُوحِ )
( أُمِّي الضَّريحَ الذي أسمِّي ... ثم استهلِّي على الضَّريحِ )
( على صَدَى أسودَ المُوارَى ... في اللَّحدِ والتُّرب والصَّفِيحِ )
( فاسقيهِ رِيَّاً وأوطِنِيه ... ثم اغتدي نحوَه ورُوحي )
( إِغدي بسُقيايَ فاصبِحيه ... ثم اغبِقِيه مع الصَّبوحِ )
( ليس من العدل أن تَشِحِّي ... على امرئ ليس بالشحيحِ )
الغناء ليونس الكاتب ذكره في كتابه ولم يجنسه
هجاؤه لأبي عون مولى جوهر الجارية
أخبرني عمي قال أنشدنا الكراني قال أنشد مصعب لحماد عجرد يهجو أبا عون مولى جوهر وكان يقين عليها وكان حماد عجرد يميل إليها فإذا جاءهم ثقل ولم يمكن أحداً من أصدقائها أن يخلو بها فيضر ذلك بأبي عون فجاءه يوما وعنده أصدقاء لجاريته فحجبها عنه فقال فيه

( إنَّ أبا عون ولن يرعَوِي ... ما رقَّصتْ رَمْضاؤها جُنْدُبَا )
( ليس يَرَى كَسْباً إذا لم يكن ... من كسبِ شُفْرَى جوهرٍ طيِّبَا )
( فسلَّط الله على ما حَوَى ... مئزرُها الأفعى أو العقرَبا )
( يُنْسَب بالكشخِ ولا يَشْتَهِي ... بغير ذاكَ الاسمِ أن يُنْسَبَا )
وقال فيه أيضاً
( إن تكن أغلقتَ دونيَ باباً ... فلقد فتَّحت للكَشْخِ بابا )
وقال فيه أيضا
( قد تخرطمتَ علينا لأنَّا ... لم نكن نأتيك نبغي الصَّوابا )
( إنَّما تُكْرِم مَنْ كانَ منَّا ... لسنانِ الحَقْو منها قِرابا )
وقال فيه أيضا
( يا نافعُ ابن الفاجرَهْ ... يا سيِّدَ المؤاجِرَهْ )
( يا حِلْفَ كلِّ داعِرٍ ... وزوجَ كلِّ عاهِرَهْ )
( ما أَمَةٌ تملِكها ... أو حُرَّة بطاهِرَهْ )
( تجارةٌ أحدثْتَها ... في الكشخِ غيرُ بائرهْ )
( لو دخلتْ عفيفةٌ ... بيتَك صارت فاجِرَهْ )

( حتَّى متى تَرْتَعَ في الخُسْرَانِ ... يابنَ الخاسرَهْ )
( تجمَع في بيتك بينَ ... العِرْس والبَرابِرَهْ )
وقال يهجوه
( أنتَ إنسانٌ تُسَمَّى ... دارُه دارَ الزَّواني )
( قد جرى ذلك بالكَرْخِ ... على كلِّ لسانِ )
( لك في دارٍ حِرٌيزنِي ... وفي دارٍ حِرانِ )
وقال فيه
( تفرحُ إن نيكَتْ وإنْ لم تُنَكْ ... بتَّ حزينَ القلب مستعبِرَا )
( أسكرَكَ القومُ فساهَلْتَهم ... وكنتَ سهلاً قبل أن تَسْكَرا )
وقال فيه
( قل للشقيِّ الجَدِّ غير الأسعَدِ ... أتحِبُّ أنَّكَ فقْحةُ ابنِ المُقْعَدِ )
( لو لم يجد شيئاً يسكِّنها به ... يوماً لسكَّنها بزُبِّ المَسْجِدِ )
وقال فيه
( أبا عون لقد صَفَّرَ ... زُوَّارُك أُذْنَيْكَا )
( وعيناكَ تَرَى ذاك ... فأَعْمَى اللهُ عينيكَا )

هجاؤه لبشار بن برد
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال لما قال

حماد عجرد في بشار
( نُسِبْتَ إلى بُرْد وأنتَ لغَيْرِه ... وهَبْكَ لبُرْدٍ نِكْتَ أُمِّك مَن بُرْدُ )
قال بشار تهيأ له علي في هذا البيت خمسة معان من الهجاء قوله نسبت إلى برد معنى ثم قوله وأنت لغيره معنى آخر ثم قوله فهبك لبرد معنى ثالث وقوله نكت أمك شتم مفرد واستخفاف مجدد وهو معنى رابع ثم ختمها بقوله من برد ولقد طلب جرير في هجائه للفرزدق تكثير المعاني ونحا هذا النحو فما تهيأ له أكثر من ثلاثة معان في بيت وهو قوله
( لمّا وَضعتُ على الفرزدقِ مَيْسَمِي ... وضَغَا البَعِيثُ جَدَعتُ أنفَ الأخطلِ )
فلم يُدرِك أكثر من هذا
أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة ما زال بشار يهجو حماد ولا يرفث في هجائه إياه حتى قال حماد
( مَنْ كانَ مِثْلَ أبيك يا ... أعَمى أبوه فلا أبا لَهْ )
( أنت ابنْ بُرْد مثلُ بُرْدٍ ... في النَّذالة والرذالهْ )
( زَحَرَتْك من جُحْر استِها ... في الحُشِّ خارئةٍ غَزالَه )
( من حيث يخرج جَعْرُ مُنتِنة ... مدنَّسة مُذالهْ )

( أعمى كستْ عينيه مِن ... وذَح آستِها وكست قَذالَهْ )
( خِنزيرةٌ بَظْراء منتنةُ ... البُداهة والعُلالَهْ )
( رَسْحاء خضراءُ المَغابِنِ ... ريحُها ريحُ الإهالَهْ )
( عَذْراءُ حُبلَى يا لَقَوْمي ... للمِجَانة والضَّلاله )
( مَرَقَتْ فصارت قَحبةً ... بجعالةٍ وبلا جِعَالَهْ )
( ولقد أقلتُك يابنَ بُرْدٍ ... فاجترأتَ فلا إقالَهْ )
فلما بلغت هذه الأبيات بشارا أطرق طويلا ثم قال جزى الله ابن نهيا خيراً فقيل له علام تجزيه الخير أعلى ما تسمع فقال نعم والله لقد كنت أرد على شيطاني أشياء من هجائه إبقاء على المودة ولقد أطلق من لساني ما كان مقيدا عنه وأهدفني عورة ممكنة منه فلم يزل بعد ذلك يذكر أم حماد في هجائه إياه ويذكر أباه اقبح ذكر حتى ماتت أم حماد فقال فيها يخاطب جارا لحماد
( أبا حامدٍ إن كنتَ تَزنِي فَأَسْعِدِ ... وبكِّ حِراً ولَّتْ به أمُّ عَجرَدِ )
( حِرَّا كان للعُزَّاب سَهلاً ولم يكن ... أبِيّاً على ذي الزوجة المتودِّدِ )
( أُصيبَ زُناةُ القومِ لمَّا توجَّهتْ ... به أمُّ حمّادٍ إلى المضجَع الرَّدي )

( لقد كان للأدنى وللجارِ والعِدا ... وللقاعد المعترِّ والمتزَيِّدِ )
أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال قال يحيى بن الجون العبدي راوية بشار أنشدت بشارا يوما قول حماد
( ألا قل لعبد الله إنَّك واحدُ ... ومثلُك في هذا الزمان كثيرُ )
( قَطعتَ إخائي ظالماً وهجرتَني ... وليس أخي مَن في الإخاء يَجُورُ )
( أُدِيمُ لأهل الوُدّ ودّي وإنَّني ... لمن رام هجري ظالماً لهجُورُ )
( ولو أن بَعضي رابَنِي لقطعْته ... وإنِّي بقطع الرائبين جديرُ )
( فلا تحسبنْ مَنْحِي لك الودَّ خالصاً ... لعِزٍّ ولا أنِّيِّ إليك فقيرُ )
( ودونَكَ حَظِّي مِنْكَ لستُ أريدُهُ ... طَوالَ اللَّيالي ما أقامَ ثَبيرُ )
فقال بشار ما قال حماد شعرا قط هو أشد علي من هذا قلت كيف ذاك ولم يهجك فيه وقد هجاك في شعر كثير فلم تجزع قال لأن هذا شعر جيد ومثله يروى وأنا أنفس عليه أن يقول شعرا جيدا
َ

محمد بن النطاح ينشد أخاه قول حماد في بشار
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني هارون بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني محمد بن النطاح قال كنت شديد الحب لشعر حماد عجرد فأنشدت يوما أخي بكر بن النطاح قوله في بشار
( أسأتُ في رَدِّي على ابنِ استِها ... إساءةً لم تُبْقِ إحسانا )

( فصار إنساناً بذكري له ... ولم يكن من قبلُ إنسانا )
( قَرَعْتُ سِنِّي نَدماً سادِماً ... لو كان يغني ندمي الآنا )
( يا ضيعةَ الشعر ويا سَوْءَتا ... لي ولأِزمانيَ أزمانا )
( من بعد شتمي القِردَ لا والذي ... أنزلَ توراةً وقرآنا )
( ما أحدٌ من بعد شَتْمِي له ... أنذَلُ مِنِّي كانَ من كانا )
قال فقال لي لمن هذا الشعر فقلت لحماد عجرد في بشار فأنشأ يتمثل بقول الشاعر
( ما يَضُرّ البحرَ أمسى زاخراً ... أنْ رَمَى فيه غلامٌ بحَجَرْ )
ثم قال يا أخي إنس هذا الشعر فنسيانه أزين بك والخرس كان أستر على قائله
أخبرني علي بن سليمان قال حدثني هرون بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال أجمع العلماء بالبصرة أنه ليس في هجاء حماد عجرد لبشار شيء جيد إلا أربعين بيتا معدودة ولبشار فيه من الهجاء أكثر من ألف بيت جيد قال وكل واحد منهما هو الذي هتك صاحبه بالزندقة وأظهرها عليه وكانا يجتمعان عليها فسقط حماد عجرد وتهتك بفضل بلاغة بشار وجودة معانيه وبقي بشار على حاله لم يسقط وعرف مذهبه في الزندقة فقتل به

هجاه مجاشع بن مسعدة
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل عن إسحاق الموصلي أن مجاشع بن مسعدة أخا عمرو بن مسعدة هجا حماد عجرد وهو صبي حينئذ ليرتفع بهجائه حمادا فترك حماد وشبب بأمه فقال

( راعتْك أمُّ مُجاشع ... بالصَّدِّ بعد وِصالِها )
( واستبدَلَتْ بِكَ والبلاءُ ... عليك في استبدالها )
( جِنِّيَّةُ من بَرْبَرٍ ... مشهورةٌ بجمالها )
( فحرامُها أشهى لنا ... ولها من استحلالها )
فبلغ الشعر عمرو بن مسعدة فبعث إلى حماد بصلة وسأله الصفح عن أخيه ونال أخاه بكل مكروه وقال له ثكلتك أمك أتتعرض لحماد وهو يناقف بشارا ويقاومه والله لو قاومته لما كان لك في ذلك فخر ولئن تعرضت له ليهتكنك وسائر أهلك وليفضحنا فضيحة لا نغسلها أبدا عنا
أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثني أبو علي بن عمار قال كان حماد عجرد عند أبي عمرو بن العلاء وكانت لأبي عمرو جارية يقال لها منيعة وكانت رسحاء عظيمة البطن وكانت تسخر بحماد فقال حماد لأبي عمرو أغن عني جاريتك فإنها حمقاء وقد استغلقت لي فنهاها أبو عمرو فلم تنته فقال لها حماد عجرد
( لو تأتَّى لك التحوُّلُ حتَّى ... تجعل خَلفكَ اللطيفَ أماما )
( ويكونُ القُدَّامُ ذو الخِلْقَة الجَزْلة ... خَلْقاً مؤثَّلاً مستَكاما )
( لإِذاً كتنتِ يا مَنِيعةُ خير النّاس ... خَلْفاً وخيرهم قُدَّاما )

أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني الحسن بن عمارة قال نزل حماد عجرد على محمد بن طلحة فأبطأ عليه بالطعام فاشتد جوعه فقال فيه حماد
( زرتُ امرأً في بيته مرَّةً ... له حَياءٌ وله خيرُ )
( يَكره أن يُتخِم أضيافَه ... إنَّ أذى التُّخْمة محذورُ )
( ويَشتهي أن يؤجَرُوا عندَه ... بالصَّومِ والصالحُ مأجورُ )
قال فلما سمعها محمد قال له عليك لعنة الله أي شيء حملك على هجائي وإنما انتظرت أن يفرغ لك من الطعام قال الجوع وحياتك حملني عليه وإن زدت في الإبطاء زدت في القول فمضى مبادرا حتى جاء بالمائدة
أخبرني الحسين بن يحيى وعيسى بن الحسين ووكيع وابن أبي الأزهر قالوا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان حفص بن أبي وزة صديقا لحماد عجرد وكان حفص مرميا بالزندقة وكان أعمش أفطس أغضف مقبح الوجه فاجتمعوا يوما على شراب وجعلوا يتحدثون ويتناشدون فأخذ حفص بن أبي وزة يطعن على مرقش ويعيب شعره ويلحنه فقال له حماد
( لقد كان في عينيك يا حفصُ شاغلٌ ... وأنفٌ كَثِيلِ العَوْدِ عمّا تَتَبَّعُ )
( تَتَبَّعُ لحناً في كلامِ مرقِّشٍ ... ووجهُك مبنيُّ على اللَّحنِ أجمعُ )
( فأُذْناك إقواءٌ وأنفُكَ مُكْفَأٌ ... وعيناك إيطاءٌ فأنت المرقَّعُ )

أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال ذكر أبو دعامة عن عاصم بن الحارث بن أفلح قال رأى حماد عجرد على بعض الكتاب جبة خز دكناء فكتب إليه
( إنَّني عاشق لجبَّتك الدكناء ... عشقاً قد هاج لي أطرابي )
( فبحقِّ الأميرِ إلا أَتَتْني ... في سراحٍ مقرونةٍ بالجوابِ )
( ولك اللهُ والأمانةُ أن أجعَلها ... أشهراً أميرَ ثيابي )
فوجه إليه بها وقال للرسول قل له وأي شيء لي من المنفعة في أن تجعلها أمير ثيابك وأي شيء علي من الضرر في غير ذلك من فعلك لو جعلت مكان هذا مدحا لكان أحسن ولكنك رذلت لنا شعرك فاحتملناك

عتابه لمطيع بن إياس لأنه لم يعده في مرضه
أخبرني أحمد بن العباس العسكري والحسن بن علي الخفاف قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي عن علي بن منصور قال مرض حماد عجرد فلم يعده مطيع بن إياس فكتب إليه
( كفاكَ عيادتي من كان يرجو ... ثوابَ الله في صلةِ المريضِ )
( فإنْ تُحْدثْ لك الأيَّام سُقْماً ... يَحُولُ جَرِيضُه دونَ القَريضِ )
( يكُنْ طُولَ التأوُّهِ منكَ عندي ... بمنزلة الطَّنين مِن البَعُوضِ )
أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال زعم أبو دعامة أن التيحان بن أبي التيحان قال كنت عند حماد عجرد فأتاه والبة بن

الحباب فقال له ما صنعت في حاجتي فقال ما صنعت شيئا فدعا والبة بدواة وقرطاس وأملى علي
( عثمانُ ما كانت عِداتُك ... َ بالعِدات الكاذبهْ )
( فعَلامَ يا ذا المَكرُماتِ ... وذا الغُيوثِ الصائبهْ )
( أخَّرْتَ وهيَ يسيرةٌ ... في الرُّزْءِ حاجةَ والبَهْ )
( فأَبُو أسامةَ حَقُّه ... أحدُ الحقوق الواجبه )
( فاستحيي مِن تَرْدادِه ... في حاجةٍ متقاربه )
( ليست بكاذبةٍ ولو ... والله كانت كاذبه )
( فقضَيتَها أحْمَدْتَ غِبّ ... َ قضائها في العاقبة )
( إنِّي وما رَأيي يعادِم ... ِ عاتبٍ أو عاتبه )
( لأِرى لِمثلك كلَّما ... نابت عليه نائبه )
( ألاَّ يَرُدّ يَدَ امرئٍ ... بُسطت إليه خائبه )
قال فلقيت والبة بعد ذلك فقلت له ما صنعت فقال قضى حاجتي وزاد
أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن الزبالي قال بلغ حماد عجرد أن المفضل بن بلال أعان بشارا عليه وقدمه وقرظه فقال فيه
( عَجباً للمفضَّل بنِ بلالِ ... ما له يا أبا الزُّبير ومالي )

( عربيٌّ لا شكّ ولا مِرْ ... ية ما بالهُ وبالُ الموالي )
قال وأبو الزبير هذا الذي خاطبه هو قبيس بن الزبير وكان قبيس ويونس بن أبي فروة كانت عيسى بن موسى صديقين له وكانوا جميعا زنادقة وفي يونس يقول حماد عجرد وقد قدم من غيبة كان غابها
( كيفَ بَعدِي كنتَ يا يو ... نُسُ لا زلتَ بخيرِ )
( وبغيرِ الخيرِ لا زا ... لَ قُبيسُ بنُ الزبير )
( أنت مطبوعُ على ما ... شئتَ من خَيْرٍ ومَيْر )
( وهو إنسانٌ شيبةٌ ... بكُسَيْر وعُوَيْر )
( رَغْمُه أهوَنُ عند الن ... مِن ضَرْطةِ عير )

خبره مع جارية مغنية يقال لها سعاد
أخبرني علي بن سلمان الأخفش ووكيع قالا حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي قال حدثني إسحاق الموصلي عن السكوني قال ذكر محمد بن سنان أن حماد عجرد حضر جارية مغنية يقال لها سعاد وكان مولاها ظريسفا ومعه مطيع بن إياس فقال مطيع
( قبِّليني سعادُ بالله قُبلَهْ ... واسألِيني لها فدتِك نِحلهْ )
( فوربِّ السماءِ لو قلتِ لي ص ... لِّ لوجهي جعلته الدهرَ قِبله
فقال لحماد اكفنيه يا عم فقال حماد
( إنّ لي صاحباً سواكَ وَفِيّاً ... لا مَلولاً لنا كما أنتَ مَلّهْ )

( لا يُباع التقبيل بَيْعاً ولا يُشرَى ... فلا تَجعل التعشُّقَ عِلَّهْ )
فقال مطيع يا حماد هذا هجاء وقد تعديت وتعرضت ولم تأمرك بهذا فقالت الجارية وكانت بارعة ظريفة أجل ما أردنا هذا كله فقال حماد
( أنا واللهِ أشتهِي مِثلَها منك ... ِ بنُحْل والنُّحْل في ذاكَ حِلَّهْ )
( فأجيبي وأنعِمي وخُذي البَذلَ ... وأَطفِي بقُبلةٍ منكِ غُلَّه )
فرضي مطيع وخجلت الجارية وقالت اكفياني شركما اليوم وخذا فيما جئتما له
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب الزبيري عن أبي يعقوب الخريمي قال أهدى مطيع بن إياس إلى حماد عجرد غلاما وكتب إليه قد بعثت إليك بغلام تتعلم كظم الغيظ

هو ومطيع يشببان ببنت دهقان
أخبرني وكيع قال حدثنا أبو ايوب المديني قال ذكر محمد بن سنان أن مطيع بن إياس خرج هو وحماد عجرد ويحيى بن زياد في سفر فلما نزلوا في بعض القرى عرفوا ففرغ لهم منزل وأتوا بطعام وشراب وغناء فبينا هم على حالهم يشربون في صحن الدار إذ أشرفت بنت دهقان من سطح لها بوجه مشرق رائق فقال مطيع لحماد ما عندك فقال حماد خذ فيما شئت فقال مطيع
( ألا يا بأبي الناظر ... من بينهمُ تحوي )
فقال حماد عجرد

( ألا يا لَيتَ فوقَ الحَقْو ... ِ منها لاصقاً حَقْوِي )
فقال مطيع
( وأنّ البُضْعَ يَا حمّاد ... ُ منها شَوْبُك المُرْوِي )
فقال يحيى بن زياد
( ويا سَقْياً لسَطْح أشرقتْ ... من بينهمْ حَذْوِي )
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه
أن حماد عجرد قال في جوهر جارية أبي عون قال وفيه غناء

صوت
( إنِّي أحبُّك فاعملي ... إن لم تكوني تعلمينَا )
( حبّاً أقلُّ قليلِه ... كجَميعِ حُبِّ العالمينَا )
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان حماد عجرد صديقا لأبي خالد الأحول أبي أحمد بن أبي خالد فأراد الخروج إلى واسط وأراد وداع أبي خالد فلما جاءه لذلك حجبه الغلام وقال له هو مشغول في هذا الوقت فكتب إليه يقول
( عليك السلامُ أبا خالدٍ ... وما لِلوَداع ذكرتُ السلامَا )
( ولكنْ تحيّة مستطرِبٍ ... يُحِبُّك حبَّ الغَوِيِّ المداما )

( أردت الشُّخُوصَ إلى واسطٍ ... ولستُ أطيل هناك المُقاما )
( فإن كنتَ مكتفياً بالكِتاب ... دون اللِّمام تركتُ اللِّماما )
( وإلاّ فأوصِ هَدَاك المِليكُ ... ُ بوّابَكم بي وأوصِ الغلاما )
( فإن جئتُ أُدخلت في الدّاخلين ... إمَّا قعوداً وإمَّا قياما )
( فإنْ لم أكن منكَ أهلاً لذاكَ ... فلا لومَ لَستُ أحِبُّ الملاما )
( لأنِّي أذُمّ إليك الأَنَامَ ... أخزاهُم اللهُ طرّاً أناما )
( فإنِّي وجدتُهمُ كلَّهمْ ... يُميتون حمداً ويُحيُون ذاما )
( سوى عُصبةٍ لستُ أعنِيهمُ ... كرامٍ فإنِّيِّ أحبّ الكراما )
( وأَقلِلْ عَديدَهم إنْ عددتَ ... فما أكثرَ الأرذَلين اللِّئاما )
أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثني أبو أيوب المديني قال قال ابن عبد الأعلى الشيباني حضر حماد عجرد ومطيع بن إياس مجلس محمد بن خالد وهو أمير الكوفة لأبي العباس فتمازحا فقال حماد
( يا مُطيعُ يا مُطيعُ ... أنتَ إنسانٌ رَقِيعُ )
( وعن الخير بطيءٌ ... وإلى الشرّ سريع )
فقال مطيع
( إنّ حمّاداً لئيمُ ... سِفْلةُ الأصل عديمُ )
( لا تَراه الدهرَ إلاَّ ... بهن العَيْرِ يَهيمُ )
فقال له حماد ويلك أترميني بدائك والله لولا كراهتي لتمادى الشر

ولجاج الهجا لقلت لك قولا يبقى ولكني لا أفسد مودتك ولا أكافئك إلا بالمديح ثم قال
( كل شيء لي فداءٌ ... لمطيعِ بنِ إياس )
( رجلٌ مستملَحٌ في ... كلّ لينٍ وشِماس )
( عِدْلُ روحي بين جَنْبَيّ ... وعينيّ براسي )
( غَرس اللهُ له في ... كبِدي أحلَى غِراس )
( لستُ دهري لمطيع بنِ ... إياسٍ ذا تناسِ )
( ذاكَ إنسانٌ له فضلٌ ... على كلّ أُناس )
( فإذا ما الكأس دراتْ ... واحتساها مَن أُحاسي )
( كان ذِكراناً مُطيعاً ... عندها رَيْحَانَ كاسي )

هجاؤه لصديقه عيسى بن عمرو
أخبرني أحمد بن العباس العسكري ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا التوزي قال كان عيسى بن عمرو بن يزيد صديقا لحماد عجرد وكان يواصله أيام خدمته للربيع فلما طرده الربيع واختلت حاله جفاه عيسى وإنما كان يصله لحوائج يسأل له الربيع فيها فقال حماد عجرد فيه
( أوصلُ الناس إذا كانت له ... حاجةٌ عيسَى وأقضاهمْ لِحَقْ )
( ولعيسى إنْ أتَى في حاجة ... مَلَقٌ يُنسى به كلَّ مَلَق )

( فإن اَستغنى فما يَعدِلُ ... نخوةً كِسرَى على بَعْضِ السُّوَقْ )
( إن تكن كنتَ بعيسى واثقاً ... فبهذا الخُلْق من عيسَى فثِقْ )
قال العنزي وأنشدني بعض أصحابنا لحماد في عيسى بن عمر أيضاً
( كم من أخٍ لستَ تنكِرُهُ ... ما دمتَ من دنياكَ في يُسُرِ )
( متصنِّع لك في مودَّتِه ... يلقاك بالتَّرحيب والبشرِ )
( يُطرِي الوفاءَ وذا الوفاءِ ويَلحَى ... الغدرَ مجتهداً وذا الغَدْرِ )
( فإذا عَدَا والدهرُ ذو غِيَرٍ ... دهرٌ عليك عَدَا مع الدهر )
( فارفض بإجمالٍ مودَّةَ مَن ... يَقلى المُقِلَّ ويَعشَق المُثري )
( وعليك من حالاه واحدةٌ ... في العُسْر إمَّا كنتَ واليسرِ )
( لا تخلطَّنهمُ بغيرهمُ ... من يَخلط العِقْيَان بالُّصُّفْرِ )
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني ابن أبي فنن قال حدثني العتابي وأخبرني عمي عن أحمد بن أبي طاهر قال قال العتابي وحديث ابن أبي طاهر أتم قال كان رجل من أهل الكوفة من الأشاعثة يقال له حشيش وكانت أمه حارثية فمدحه حماد عجرد فلم يثبه وتهاون به فقال يهجوه
( يا لَقومي للبلاءِ ... ومَعاريضِ الشَّقاءِ )
( قَسمَتْ ألوِيةً بينَ ... رجالٍ ونساءِ )
( ظفرتْ أخْت بني الحاَرث ... منها بلِواء )
( حادثٌ في الأرض يرتاعُ ... له أهلُ السماء )

قال فعُرضتْ أسماء العمّال على المنصور فكان فيها اسم حُشيش فقال أهو الذي يقول فيه الشاعر
( يا لَقومي للبلاء ... ومَعاريضِ الشقاءِ )
قالوا نعم يا أمير المؤمنين فقال لو كان في هذا خير ما تعرض لهذا الشاعر ولم يستعمله قال وقال حماد فيه أيضا يخاطب سعيد بن الأسود ويعاتبه على صحبة حشيش وعشرته
( صرتَ بعدي يا سعيد ... مِن أخِلاَّء حُشَيْش )
( أتلوَّطْتَ أم استُخلِفتَ ... بعدي أم لأِيش )
( حَلَقيٌّ استُه أوسعُ ... من استِ بُحَيْش )
( ثم بَغّاءٌ على ذا ... أبلَغُ الناسِ لفَيْش )
( يا بَني الأَشْعَث ما عَيْشُكُم ... عندي بعَيْش )
( حين لا يُوجد منكمْ ... غَيرَه قائدُ جَيْش )
قال وكان بحيش هذا رجلا من أهل البصرة لم يكن بينه وبين حماد شيء فلما بلغه هذا الشعر وفد من البصرة إلى حماد قاصدا وقال له يا هذا ما لي ولك وما ذنبي إليك قال ومن أنت قال أنا بحيش أما وجدت أحدا أوسع دبرا مني يتمثل به فضحك ثم قال هذه بلية صبتها عليك القافية وأنت ظريف وليس يجري بعد هذا مثله

هجاؤه لأبي عون
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال كان حماد عجرد يعاشر أبا عون جد ابن أبي عون العابد وكان ينزل الكرخ وكان عجرد إذا قدم بغداد زاره فبلغ أبا عون أنه يحدث الناس أنه يهوى جارية يقال لها جوهر فحجبه وجفاه واطرحه فقال يهجو أبا عون
( أبا عَوْنٍ لحَاك اللّه ... يا عُرَّةُ إنسانَا )
( فقد اصبحتَ في الناس ... إذا سُمِّيت كَشْخانا )
( بَنَيْت اليومَ في الكَشْحِ ... لأهل الكَرْخ بنيانا )
( وشرَّفتَ لهم في ذَا ... لنا أبواباً وحِيطانا )
( وألفَيْتَ على ذاكَ ... من الفُسّاق أعوانا )
( ومُجّاناً ولَنْ تَعدَم ... َ مَنْ يَمْجُن مُجَّانا )
( فأخزَى الله من كنتَ ... أخاه كان من كانا )
( ولا زلت ولا زال ... بأخلاقك خَزْيانا )
( وعُرْياناً كما أصبحت ... من دِينك عُرْيانا )
وقال فيه أيضاً
( إنّ أبا عَوْن ولا ... أقولُ فيه كَذبَا )
( غاوٍ أتَى مدينَةً ... فسَنَّ فيها عَجَبا )
( إخوانُه قد جَعلوا ... أُمَّ بَنيه مَركَبَا )
( واتَّخَذوا جوهرةً ... مِبْوَلَةً ومَلْعَبا )

( إن نِكتَها أرضيتَه ... أو لم تَنِكْها غِضبا )
( أحَبَّهمْ إليه مَن ... أَدخَل فيها ذَنَبا )
( ومَن إذا ما لَمْ يَنك ... جَرَّ إليها جَلبَا )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الغلابي عن مهدي بن سابق قال استعمل محمد بن أبي العباس وهو يلي البصرة غيلان جد عبد الصمد بن المعذل على بعض أعشار البصرة وظهر منه على خيانة فعزله وأخذ ما خانه فيه فقال حماد عجرد يهجوه
( ظَهرَ الأميرُ عليكَ يا غَيْلانُ ... إذ خُنتَه إنَّ الأميرَ مُعانُ )
( أمع الدمامة قد جَمعتَ خِيانةً ... قبحَ الدَّميمُ الفاجرُ الخَوَّانُ )

شعره في غلام كان يهواه
أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر عن أبي دعامة قال أنشد بشار قول حماد عجرد في غلام كان يهواه يقال له أبو بشر
صوت
( أخي كُفّ عن لومي فإنَّك لا تدري ... بما فعل الحبُّ المبرِّح في صدري )
( أخي أنت تَلحاني وقلبُك فارغٌ ... وقلبيَ مشغولُ الجوانح بالفِكرِ )
( أخي إنّ دائي ليس عندي دواؤه ... ولكن دوائي عند قلبِ أبي بشر )
( دوائي ودائي عند من لو رأيتَه ... يقلِّب عينيه لأقصرتَ عن زَجري )
( فأُقسم لو اصبحت في لوعة الهوى ... لأقصرتَ عن لومي وأَطنبتَ في عذري )
( ولكن بلائي منك أنّك ناصحٌ ... وأنّك لا تدري بأنك لا تدري )

فطرب بشار ثم قال ويلكم أحسن والله من هذا قالوا حماد عجرد قال أوه وكلتموني والله بقية يومي بهم طويل والله لا أطعم بقية يومي طعاما ولأصوم غما بما يقول النبطي ابن الزانية مثل هذا
في الأول والثاني من هذه الأبيات لحن من الثقيل الأول ذكر الهشامي أنه لعطرد
أنشدني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه لحماد عجرد
( خليلِي لا يَفي أبَداً ... يمنِّيني غداً فغَدَا )
( وبعدَ غدٍ وبعدَ غدٍ ... كذا لا ينقضي أبدا )
( له جَمْرٌ على كبِدي ... إذا حَرَّكتَه اتَّقدا )

شعره في يحيى بن زياد
أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الزبالي قال كان المهدي سأل أباه أن يولي يحيى بن زياد عملا فلم يجبه وقال هو خليع متخرق في النفقة ماجن فقال إنه قد تاب وأناب وتضمن عنه ما يحب فولاه بعض أعمال الأهواز فقصده حماد عجرد إليها وقال فيه
( فمن كان يسأل اينَ الفَعالُ ... فعندي شفاءٌ لِذا الباحثِ )
( مَحَلُّ النَّدى وفَعالُ النُّهى ... وبيتُ العُلاَ في بني الحارثِ )

( حَلَلْن بيَحيى فخالفْنَه ... حَيَاءً من الباعث الوارثِ )
( فلا تعدِلنَّ إلى غيره ... لعاجِلِ أمرٍ ولا رائثِ )
( فإنَّ لديه بلا مِنَّةٍ ... عطاءَ المرحّلِ والماكثِ )
قال وقال فيه أيضا
( يحيى امرؤٌ زيَّنَه ربُّه ... بفعله الأقدَمِ والأحدَثِ )
( إن قال لم يَكذِب وإن وَدَّ لم ... يَقطَع وإن عاهَد لم يَنكُث )
( أصبحَ في أخلاقه كلِّها ... موكَّلاً بالاسهل الأدمَثِ )
( طبيعةٌ منه عليها جَرَى ... في خُلُق ليس بمستحدَث )
( ورَّثَه ذاكَ أبوه فيا ... طِيبَ نَثَا الوارث والمُورِثِ )
فوصله يحيى بصلة سنية وحمله وكساه واقام عنده مدة ثم انصرف

وفي عيسى بن عمرو
أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن النضر بن عمرو قال ولي عيسى بن عمرو إمارة البصرة من قبل محمد بن أبي العباس السفاح لما خرج عنها عليلا فقال له حماد عجرد
( قل لعيسى الأمير عيسى بنِ عَمروٍ ... ذي المساعي العِظام في قَحْطانِ )
( والبناءِ العالي الَّذي طال حتَّى ... قَصُرَتْ دونَه يَدا كلِّ بانِ )
( يابن عمروٍ المَكارم والتقوى ... وعَمرو والنَّدَى وعمرو الطِّعانِ )

( لك جارٌ بالمِصر لَم يجعل الله ... له منكَ حُرمةَ الجيران )
( لا يصلِّي ولا يصومُ ولا يَقْرأ حرفاً من مُحكَم القرآن )
( إنَّما مَعدِن الزُّناة من السِّفلةِ ... في بَيتِه ومأوَى الزَّواني )
( وهو خِدنُ الصِّبيانِ وهو ابن سبعينَ ... فماذا يهوَى من الصِّبيان )
( طَهِّرِ المصر منه يأيُّها المولى ... المسمَّى بالعدل والإحسان )
( وتقرَّبْ بذاك فيه إلى الله ... تفُزْ منه فوزَ أهلِ الجِنان )
( يابن بُرْد إخسأْ إليكَ فمِثلُ الكلبِ ... في الناس أنتَ لا الإنسانِ )
( ولَعمري لأنت شرٌّ من الكَلْبِ وأولَى منه بكلّ هَوانِ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثني محمد بن صالح الجبلي قال كان حماد عجرد قد مدح يقطينا فلم يثبه فقال يهجوه
( متى أرَى فيما أرَى دولةً ... يَعِزّ فيها ناصرُ الدِّين )
( ميمونة مجَّدها ربُّها ... بصادق النيَّة ميمونِ )
( ترُدُّ يقطيناً واشياعه ... منها إلى أبزار يقطين )
قال وكان يقطين قبل ظهور الدولة العباسية بخراسان حائكا
قال ومر يوما بيونس بن فروة الذي كان الربيع يزعم أنه ابنه فلم يهش له كما عوده فقال يهجوه

( أما ابنُ فروةَ يونسُ فكأنه ... من كِبْره ابنُ للإمام القائِم )
وقال فيه
( ولقد رضيتَ بعُصبة آخيتَهمْ ... وإخاؤهم لكَ بالمَعرَّة لازمُ )
( فعلمتُ حين جعلتَهم لك دِخْلةً ... أنِّي لِعرضي في إخائك ظالمُ )

ولد لبشار ابن فقال حماد فيه شعرا
أخبرني عمي قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثني أبو معاذ النميري أن بشارا ولد له ابن فلما ولد قال فيه حماد عجرد
( سائلْ أُمامة يابن بُردٍ ... من أبو هذا الغلام )
( أمِن الحلالِ أتتْ به ... أم مِن مقارَفَة الحرامِ )
( فلتُخبِرنَّك أنَّه ... بينَ العراقِي والشآمي )
( والآخَرِ الروميِّ والنَّبَطِيِّ أيضاً وابن حامِ )
( أجَعلتَ عِرسَكَ شِقْوةً ... غرضاً لأسهُم كلِّ رامِ )
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني مسعود بن بشر قال مر حماد عجرد بقصر شيرين فاستظل من الحر بين سدرتين كانتا بإزاء القصر وسمع إنسانا يغني في شعر مطيع بن إياس
( أسعِداني يا نَخْلتيْ حُلْوانِ ... وارثيا لي مِن رَيْب هذا الزمان )

( أسعِداني وأيقِنا أنَّ نَحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان )
فقال حماد عجرد
( جعل الله سِدرتيْ قصرِ شِيرينَ ... َ فداءً لنخلتيْ حُلوانِ )
( جئتُ مستسعِداً فلم يُسعِداني ... ومطيعٌ بكت له النَّخْلتانِ )
أخبرني يحيى بن علي أجازة عن أبيه عن إسحاق عن محمد بن الفضل السكوني قال كان محمد بن أبي العباس قد وعد حماد عجرد أن يحمله على بغل ثم تشاغل عنه فكتب إليه حماد
( طلبتُ البَذْلَ ممَّن خُلقتْ ... كفَّاه للبذل )
( ومَن يَنفِي عن المُمحِل ... ِ بالجُود أذَى المَحْلِ )
( ألا يابن أبي العبَّاس ... يا ذا النائل الجَزل )
( أما تَذكر يا مولاي ... ميعادَك في البغل )
( وذاك الرِّجْس في الدار ... جليسٌ لأبي سَهْل )
( يريك الحزمَ في الإخلاف ... للميعاد والمَطْلِ )
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثنا سليمان المديني قال كان عثمان بن شيبة مبخلا وكان حماد عجرد يهجوه فجاء رجل كان يقول الشعر إلى حماد فقال له
( أَعِنِّي مِنْ غِناكَ ببيتِ شِعْرٍ ... على فقرِي لعثمانَ بنِ شَيْبَهْ )

فقال له حماد
( فإنّك إنْ رَضِيتَ به خليلاً ... ملأتَ يديك من فقرٍ وخَيبهْ )
فقال له الرجل جزاك الله خيرا فقد عرفتني من أخلاقه ما قطعني عن مدحه فصنت وجهي عنه

هجاؤه مطيع بن إياس
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا ابن اسحاق عن أبيه قال كان حماد عجرد يهوى غلاما من أهل البصرة من موالي العتيك يقال له أبو بشر الحلو ابن الحلال أحسبه من موالي المهلب وكان موصوفا بالجمال فاندس له مطيع بن إياس ولم يزل يحتال عليه حتى وطئه فغضب حماد عجرد من ذلك ونشب بينهما بسببه هجاء فقال فيه حماد
( يا مطيعُ النَّذْلُ أنتَ اليومَ ... مخذولٌ جَهولُ )
( لا يغرَّنْك غَرورٌ ... ذو أفانينَ مَلولُ )
( ليس يحلو الفعلُ منه ... وهو يحلو ما يقولُ )
( مَلذانيٌّ مع الرِّيحِ ... إذا مالت يميلُ )
( وجَوادٌ بالمواعيدِ ... والبَذْل بخيلُ )
( ليس يُرضِيه من الجُعْل ... كثيرٌ أو قليلُ )
( ذاكَ ما اخترت خليلاً ... بئس واللهِ الخليلُ )
( إنما يكفيك أن يأتيك ... في السِّرِّ رسول )
( ساخراً منكَ يمنِّيك ... أمانيَّ تطول )

وقال في مطيع أيضا وقد لج الهجاء بينهما
( عجبتُ للمدَّعي في الناس منزلةً ... وليس يَصلح للدّنيا وللدِّينِ )
( لو أبصَروا فيك وجهَ الرأي ما تركوا ... حتى يَشُدُّوك كَرْهاً شَدَّ مجنونِ )
( ما نالَ قطُّ مطيعٌ فضلَ مَنزلةٍ ... إلاَّ بأن صرتُ أهجوه ويهجوني )
( ولو تركتُ مطيعاً لا أجاوبُه ... لكان ما فيه م الآفات يكفيني )
( يختار قربَ الفُحول المُرْد معتمِداً ... جَهْلاً ويترُك قُربَ الخرَّدِ العِينِ )
أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة عن أبيه عن إسحاق قال قال حماد عجرد في داود بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس يمدحه ويعزيه عن ابن مات له ويستجيزه
( إنَّ أَرجَى الأنامِ عندي وأوْلاهَمْ ... بمَدْحي ونصرتي داود )
( إن يعشْ لي أبو سليمان لا أَحْفِلُ ... ما كادني به من يكيد )
( هدّ رُكني فَقدِي اباكَ فقد شدّ ... بك اليومَ ركنيَ المهدود )
( قائلٌ فاعل أبيٌّ وفيٌّ ... مُتلِفٌ مُخلِفٌ مُفيدٌ مُبِيد )
( وَفَتَى السِّنِّ في كَمالِ ابنِ خمسينَ ... دَهاءً وإرْبةً بل يزيد )
( مِخلَطٌ مِزْيَلٌ أَريبٌ أديبٌ ... راتقٌ فاتقٌ قريبٌ بعيدُ )
( وهو الذائد المدافِع عنِّي ... وعزيزٌ ممنَّعٌ مَن يَذودُ )

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الملك بن شيبان قال ولى أبو جعفر المنصور محمد بن أبي العباس السفاح البصرة فقدمها ومعه جماعة من الشعراء والمغنين منهم حماد عجرد وحكم الوادي ودحمان فكانوا ينادمونه ولا يفارقونه وشرب الشراب وعاث فبلغ ذلك أبا جعفر فعزله قال وكان ابن أبي العباس كثير الطيب يملأ لحيته بالغالية حتى تسيل على ثيابه فتسود فلقبوه أبا الدبس وقال فيه بعض شعراء أهل البصرة
( صِرْنَا من الرِّبح إلى الوَكْس ... إذْ وَلِي المصرَ أبو الدِّبسِ )
( ما شئتَ من لُؤْمٍ على نفسِهِ ... وجنسُهُ من أكرم الجِنْسِ )

عرف بالمجون والزندقة
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي قال كان أبو جعفر المنصور يبغض محمد بن أبي العباس ويجب عيبه فولاه البصرة بعقب مقتل إبراهيم بن عبد الله بن حسن

فقدمها وأصحبه المنصور قوما يعاب بصحبتهم مجانا زنادقة منهم حماد عجرد وحماد بن يحيى ونظراء لهم ليغض منه ويرتفع ابنه المهدي عند الناس وكان محمد بن أبي العباس محمقا فكان يغلف لحيته إذا ركب بأواق من الغالية فتسيل على ثيابه فيصير شهرة فلقبه أهل البصرة أبا الدبس قال ولما أقام بالبصرة مدة قال لأصحابه قد عزمت على أن أعترض أهل البصرة بالسيف في يوم الجمعة فأقتل كل من وجدت لأنهم خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن فقالوا له نعم نحن نفعل ذلك لما يعرفونه منه ثم جاؤوا إلى أمه سلمة بنت أيوب بن سلمة المخزومية فأعلموها بذلك وقالوا والله لئن هم بها ليقتلن ولنقتلن معه فإنما نحن في أهل البصرة أكلة رأس فخرجت إليه وكشفت عن ثدييها وأقسمت عليه بحقها حتى كف عما كان عزم عليه
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني أبي عن إسحاق الموصلي قال كان حماد عجرد في ناحية محمد بن أبي العباس السفاح وهو الذي أدبه وكان محمد يهوى زينب بنت سليمان بن علي وكان قد قدم البصرة أميرا عليها من قبل عمه أبي جعفر فخطبها فلم يزوجوه لشيء كان في عقله وكان حماد وحكم الوادي ينادمانه فقال محمد لحماد قل فيها شعرا فقال حماد فيها على لسان محمد بن أبي العباس وغنى فيه حكم الوادي

صوت من الزيانب
صوت
( زينبُ ما ذنبي وماذا الّذي ... غضِبتُم منه ولم تُغْضَبُوا )

( واللهِ ما أعرِف لي عندكمْ ... ذنباً ففيمَ الهجرُ يا زينبُ )
( إن كنتُ قد أغضبتُكُمْ ضَلَّةً ... فاستعتِبوني إنني أُعتب )
( عُودُوا على جهلي بأحلامكمْ ... إني وإن لم أذنبِ المذنبُ )
الغناء لحكم في هذه الأبيات خفيف ثقيل الأول بالوسطى عن عمرو والهشامي وفيه هزَج يقال إنه لخليد بن عبيد الوادي ويقال لعريب
أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحسين بن يحيى أبو الجمان الكاتب قال حدثني عمرو بن بانة قال كان لمحمد بن أبي العباس السفاح شعر في زينب وغنى فيه حكم الوادي
صوت
( قُولاَ لزينبَ لو رأيتِ ... تشوُّفي لكِ واشترافي )
( وتلفُّتي كيما أراكِ ... وكان شخصُكِ غيرَ جافِ )
( وشَمَمْتَ ريحَكِ ساطعاً ... كالبيت جُمِّر للطَّوافِ )
( فتركتِني وكأنَّما ... قلبي يغرَّز بالأَشافي )
أخبرني محمد بن يحيى ايضا قال حدثني الحارث بن أبي أسامة عن المدائني قال خطب محمد بن أبي العباس زينب بنت سليمان ثم ذكر مثل هذا الحديث سواء إلا أنه قال فيه فقال محمد بن أبي العباس فيها وذكر الأبيات كلها ونسبها إلى محمد ولم يذكر حمادا
قال أبو الفرج مؤلف هذا الكتاب هذا فيما أراه غلط من رواته لما

سمعوا ذكر زينب ولحن حكم نسبوه إلى محمد بن أبي العباس وقد ذكر هذا الشعر بعينه إسحاق الموصلي في كتابه ونسبه إلى ابن رهيمة وهو من زيانب يونس الكاتب المشهورة معروف ومنها فيه يقول
( فذَكرتُ ذاكَ ليونسٍ ... فذكرتُه لأخٍ مُصافِ )
وذكر إسحاق أن لحن يونس فيه خفيف رمل بالبنصر في مجرى الخنصر وأن لحن حكم من الثقيل الأول بالبنصر قال محمد بن يحيى ولمحمد بن أبي العباس في زينب أشعار كثيرة مما غنى فيها المغنون منها

صوت
آخر من الزيانب
صوت
( زينبُ ما لي عنكِ من صبرٍ ... وليس لي منكِ سوى الهجرِ )
( وجهُكِ والله وإن شَفَّنِي ... أحسنُ من شمسٍ ومن بدرِ )
( لو أَبْصَرَ العاذلُ منكِ الذي ... أبصرتُه أسرع بالعذرِ )
الغناء في هذه الأبيات لحكم خفيف رمل بالوسطى
وأخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي قال حدثني عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد قال دخل دحمان المغني مولى بني مخزوم وهو المعروف بدحمان الأشفر على محمد بن أبي العباس وعنده حكم الوادي فأحضر محمد عشرة آلاف درهم وقال من سبق منكما إلى صوت يطربني فهذه له فابتدأ دحمان فغنى في شعر قيس بن الخطيم

( حَوْرَاءٌ ممكورَةٌ منعَّمةٌ ... كأنما شفَّ وجهَها تَرفُ )
فلم يهش له فغنى حكم في شعر محمد في زينب
( زينبُ ما لي عنكِ من صبرِ ... وليس لي منكِ سوى الهجرِ )
قال فطرب وضرب برجله وقال له خذها وأمر لدحمان بخمسة آلاف درهم قال ومن شعره فيها الذي غنى فيه حكم أيضا

صوت
أحببتُ من لا يُنصفْ ... ورجوتُ من لا يُسعِفُ )
( نسبُّ تليدٌ بيننا ... ووِدادُنَا مستطرَفُ )
( بالله أحلِفُ جاهداً ... ومصدَّقٌ مَن يحلِفُ )
( إني لأكتُمُ حبَّها ... جَهْدِي لِمَا أتخوَّفُ )
( والحبّ يَنطق أن سكتّ ... بما أُجِنّ ويُعرفُ )
الغناء في هذه الأبيات لحكم الوادي ولحنه ثيقل أول قال ومن شعر محمد فيها الذي غنى فيه حكم
صوت
( أسعِد الصَّبَّ يا حَكَم ... وأعِنْهُ على الألمْ )
( وأدْرِ في غنائه ... نُغما تشبه النِّعَمْ )
( أجميلٌ بأن تُرَى ... نائماً وهو لم يَنَمْ )
( لائمي في هوايَ زينَبَ ... َ أنصِفْ ولا تَلُمْ )

( لَبِس الجسمُ حُلَّةً ... في هواها من السَّقَمْ )
غناه حكم ولحنه هزج
وقد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال قال بريه الهاشمي حدثني من حضر محمد بن أبي العباس وبين يديه حماد وحكم الوادي يغنيه وندماؤه حضور وهم يشربون حتى سكر وسكروا فكان محمد أول من أفاق منهم فقام إلى جماعتهم ينبههم رجلا رجلا فلم يجد فيهم فضلا سوى حماد عجرد وحكم الوادي فانتبها وابتدؤوا يشربون فقال عجرد على لسانه وغنى فيه حكم
( أسعِد الصَّبَّ يا حَكَم ... وأَعِنْهُ على الأَلَمْ )
( أجميلٌ بأن تُرى ... نائماً وهو لَمْ يَنَمْ )
هكذا ذكر هذا الخبر الحسن ولم يزد على هذين البيتين شيئا

محمد بن أبي العباس يشبب بزينب بنت سليمان
أخبرني محمد بن يحيى قال أنشدني أبو خليفة وأبو ذكوان والغلابي لمحمد بن أبي العباس في زينب بنت سليمان بن علي
( يا قمرَ المِرْبَد قد هِجتِ لي ... شوقاً فما أَنفَكّ بالمِرْبَدِ )
( أُراقِبُ الفرقَدَ من حبِّكُمْ ... كأنِّني وُكِّلتُ بالفَرْقَدِ )
( أَهيم ليلي ونهاري بكُمْ ... كأنَّني منكُمْ على مَوْعِدِ )
( عُلِّقْتُها رَيَّا الشَّوى طَفْلَةٌ ... قريبة المولِد من مَولدي )

( جَدِّي إذا ما نُسبتْ جدّها ... في الحَسَب الثاقب والمحتَدِ )
( والله ما أنساكِ في خَلوتي ... يا نورَ عينيّ ولا مَشْهَدِي )
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني المدائني قال كان محمد بن أبي العباس نهاية في الشدة فعاتبه يوما المهدي فغمز محمد ركابه حتى انضغطت رجل المهدي في الركاب ثم لم تخرج حتى رد محمد الركاب بيده فأخرجها المهدي حينئذ
أخبرني محمد قال حدثنا أبو ذكوان قال حدثنا العتبي قال كان محمد بن أبي العباس شديدا قويا جوادا ممدحا وكان يلوي العمود ثم يلقيه إلى أخته ريطة فترده وفيه يقول حماد عجرد
( أرجوك بعدَ أبي العبَّاس إذ بانا ... يا أكرم الناس أعراقاً وعِيدانَا )
( فأنت أكرمُ من يمشِي على قَدَمٍ ... وأنضرُ الناس عند المَحْلِ أغصانَا )
( لو مَجَّ عُودٌ على قوم عُصارتَه ... لَمَجَّ عُودُكَ فينا المِسْكَ والبانَا )
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال لما أراد محمد بن أبي العباس الخروج عن البصرة لما عزله المنصور عنها قال
( أيا وقفةَ البين ماذا شَبَبْتِ ... من النَّار في كَبِدِ المُغرمِ )
( رَميتِ جوانحَه إذ رَميتِ ... بقوسٍ مُسَدَّدَةِ اْلأَسْهُمِ )

( وقفنا لزينبَ يومَ الوداعِ ... على مِثل جَمر الغَضَى المُضْرَمِ )
( فَمِنْ صَرْف دمع جرى للفراقِ ... للمتزِجٍ بعدَهُ بالدَّمِ )
أخبرني محمد قال حدثنا الفضل بن الحباب قال حدثنا أبو عثمان المازني قال قال حماد عجرد يشبب بزينب سليمان على لسان محمد بن أبي العباس
( ألا مَن لقلبٍ مستهامٍ معذَّبِ ... بحبِّ غزالٍ في الحِجالِ مُربَّبِ )
( يراه فلا يستطيع ردّاً لطَرْفِهِ ... إليه حِذَار الكاشِحِ المترقِّبِ )
( ولولا مليكٌ نافذٌ فيه حُكمُهُ ... لأَدْنَى وصالاً ذاهباً كلَّ مَذهب )
( تغَبرْتُ خلْفَ الَّلهوِ بعد صِراوةِ ... فبحتُ بما ألقاهُ من حُبّ زينبِ )
قال فبلغ الشعر محمد بن سليمان فنذر دمه ولم يقدر عليه لمكانه من محمد
أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني الغلابي عن محمد بن عبد الرحمن قال مات محمد بن أبي العباس في أول سنة خمسين ومائة فقال حماد يرثيه بقوله
( صرتُ للدهر خاشعاً مستكيناً ... بعدما كنت قد قهرتُ الدهورا )
( حين أودى أمير ذاك الذي كنتُ ... به حيث كنتُ أدعَى أميرا )

( كنتُ إذ كان لي أجير به الدهر ... فقد صرتُ بعدَه مستجيرا )
( يا سمي النبي يابن أبي العباس ... حقّقتَ عنديَ المحذورا )
( سلبتْني الهمومُ إذ سلبتنيك ... سروري فلست أرجو سرورا )
( ليتني مِتّ حين موتك لا بل ... ليتني كنت قبلَك المقبورا )
( أنت ظلّلتني الغمامَ بنُعماك ... ووطّأْتَ لي وِطاءً وَثيرا )
( لم تَدَعْ إذ مضيتَ فينا نظيِرا ... مِثل ما لم يدع أبوك نظيرا )

موت محمد بن أبي العباس
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال كان خصيب الطبيب نصرانيا نبيلا فسقى محمد بن أبي العباس شربة دواء وهو على البصرة فمرض منها وحمل إلى بغداد فمات بها واتهم خصيب فحبس حتى مات وسئل عن علته وما به فقال قال جالينوس إن مثل هذا لا يعيش صاحبه فقيل له إن جالينوس ربما أخطأ فقال ما كنت قط إلى خطئه أحوج مني اليوم وفي خصيب يقول ابن قنبر
( ولقد قلتُ لأهلي ... إذ أَتَوْنِي بخَصِيبِ )
( ليس والله خصيبٌ ... لِلَّذِي بي بطبيبِ )
( إنَّما يعرِف ما بي ... من به مِثْلُ الَّذي بي )
أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن شيبان وابن داحة وأخبرني

يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني أبي عن إسحاق قال لما مات محمد بن أبي العباس طلب محمد بن سليمان حماد عجرد لما كان يقوله في أخته زينب من الشعر فعلم أنه لا مقام له معه بالبصرة فمضى فاستجار بقبر أبيه سليمان بن علي وقال فيه
( مِن مقر بالذنب لم يوجب الله ... عليه بسيء إقرارا )
( ليس إلاَّ بفضل حِلمِك يَعتدّ ... بلاءً وما يُعِدّ اعتذارا )
( يابن بنت النَّبي أحمدَ لا أجعَلُ ... إلاَّ إليكَ منك الفرارا )
( غير أنِّي جعلتُ قبرَ أبي أيّوبَ ... لي من حوادث الدهر جارا )
( وحَرِيٌّ من استجار بذاكَ القبرِ ... أن يأمنَ الردى والعِثارا )
( لم أجد لي من العباد مجيراً ... فاستجرتُ الترابَ والأحجارا )
( لستُ أعتاضُ منك في بغية العِزَّةِ ... قحطانَ كلَّها ونِزارا )
( فأنا اليوم جارُ من ليس في الأرضِ ... مجيرٌ أعزُّ منه جِوارا )
( يابن بيتِ النَّبيِّ يا خيرَ من حَطَّتْ ... إليه الغوارِبُ الأكوارا )
( إن أكن مُذنباً فأنت ابنُ من كان ... لمن كان مُذنبا غَفَّارا )
( فاعفُ عنِّي فقد قَدَرتَ وخيرُ العفوِ ... ما قلتَ كن فكان اقتدارا )
( لو يطيل الأعمارَ جارٌ لِعِزٍّ ... كان جاري يطوِّل الأعمارا )
أخبرني أحمد بن العباس العسكري ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني علي بن الصباح قال كان محمد بن سليمان قد طلب حماد عجرد بسبب تشبيبه بأخته زينب ولم يكن يقدر

عليه لمكانه من محمد بن أبي العباس فلما هلك محمد جد ابن سليمان في طلبه وخافه حماد خوفا شديدا فكتب إليه
( يابن عمِّ النَّبيِّ وابنِ النبيِّ ... لعليٍّ إذا انتَمَى وعليّ )
( أنت بدرُ الدُّجى المُضِيءُ إذا أظلَمَ ... واسودَّ كلُّ بدرِ مُضِيِّ )
( وحَيَا الناسِ في المُحولِ إذا لم ... يُجْدِ غيثُ الربيعِ والوَسْمِيِّ )
( إنّ مولاكَ قد أساءَ ومن أعتب ... من ذنبه فغير مُسِيِّ )
( ثم قد جاء تائباً فاقبل التوبة ... منه يا بنَ الوَصِيِّ الرَّضِيِّ )

هجاؤه لمحمد بن سليمان
قال ومضى إلى قبر أبيه سليمان بن علي فاستجار به فبلغه ذلك فقال والله لأبلن قبر أبي من دمه فهرب حماد إلى بغداد فعاذ بجعفر بن المنصور فأجاره فقال لا أرضى أو تهجو محمد بن سليمان فقال يهجوه
( قل لوجه الخَصِيِّ ذي العار إنِّي ... سوف أُهْدِي لزينبَ الأشعارا )
( قد لعمري فررتُ من شدَّة الخوفِ ... وأنكرتُ صاحِبيَّ نهارا )
( وظننتُ القبورَ تمنَع جارا ... فاستجرتُ الترابَ والأحجارَا )
( كنتُ عند استجارتي بأبي أيّوبَ ... أبغِي ضلالةً وخسارا )
( لم يُجِرني ولم أجد فيه حظّاً ... أضرم اللهُ ذلك القبرَ نارا )
قال وقال فيه

( له حَزْمُ بُرغوثٍ وحِلمُ مُكاتبٍ ... وغُلْمَةُ سِنَّوْرٍ بليْل تُوَلْوِلُ )
وقال فيه يهجوه
( يابنَ سليمانَ يا محمَّدُ يا ... من يشتري المكرُمات بالسِّمنِ )
( إنْ فخرتْ هاشمٌ بمَكْرُمَةٍ ... فخَرْتَ بالشَّحمِ منكَ والعُكَنِ )
( لُؤْمكَ بادٍ لمن يراك إذا ... أقبلتَ في العارِضَين والذَّقَنِ )
( ليتَكَ إذ كنتَ ضيِّقاً نَكِرا ... لم تُدْعَ من هاشِمٍ ولم تَكُنِ )
( جَدَّاكَ جَدَّانِ لم تُعَب بهما ... لكنَّما العيبُ منك في البَدَنِ )
قال فبلغ هجاؤه محمد بن سليمان فقال والله لا يفلتني أبدا وإنما يزداد حتفا بلسانه ولا والله لا أعفو عنه ولا أتغافل أبدا
وقد اختلف في وفاة حماد

خبر مقتله
فأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو داحة وعبد الملك بن شيبان أن حمادا هرب من محمد بن سليمان فأقام بالأهواز مستترا وبلغ محمدا خبره فأرسل مولى له إلى الأهواز فلم يزل يطلبه حتى ظفر به فقتله غيلة
وأخبرني أحمد بن العباس وأحمد بن يحيى ومحمد بن عمران قالوا حدثنا الحسن بن عليل العنزي عن أحمد بن خلاد أن حمادا نزل بالأهواز على سليم بن سالم فأقام عنده مدة مستترا من محمد بن سليمان ثم خرج من عنده

يربد البصرة فمر بشير زاذان في طريقه فمرض بها فاضطر إلى المقام بها بسبب علته فاشتد مرضه فمات هناك ودفن على تلعة وكان بشار بلغه أن حمادا عليل لما به ثم نعي إليه قبل موته فقال بشار
( لو عاش حمَّاد لهونا به ... لكنَّه صار إلى النارِ )
فبلغ هذا البيت حمادا قبل أن يموت وهو في السياق فقال يرد عليه
( نُبِّئتُ بشَّاراً نَعاني وللموت ... براني الخالِقُ الباري )
( يا ليتني مِتُّ ولم أَهْجُهُ ... نعمْ ولو صرتُ إلى النَّارِ )
( وأيُّ خِزي هو أخزى مِنْ أنْ ... يقالَ لي يا سِبَّ بَشَّارِ )
قال فلما قتل المهدي بشارا بالبطيحة اتفق أن حمل إلى منزله ميتا فدفن مع حماد على تلك التلعة فمر بهما أبو هشام الباهلي الشاعر البصري الذي كان يهاجي بشارا فوقف على قبريهما وقال
( قد تَبِع الأعمى قَفا عجردٍ ... فأصبحا جارَين في دارِ )
( قالت بِقاعُ الأرض لا مَرْحبا ... بقرب حمّاد وبَشَّارِ )
( تجاوَرَا بعد تنائِيهما ... ما أبغَضَ الجارَ إلى الجارِ )
( صارا جميعاً في يديْ مالِكٍ ... في النَّارِ والكافِرُ في النارِ )

صوت
( هل قَلْبُكَ اليومَ عن شَنْبَاء منصرِفُ ... وأنتَ ما عشتَ مجنونٌ بها كَلِفُ )

( ما تُذكر الدهرَ إلا صدَّعت كَبِداً ... حَرَّى عليكَ وأّذْرتْ دمعةً تَكِفُ )
ذكر أبو عمرو الشيباني أن الشعر لحريث بن عتاب الطائي وذكر عمرو بن بانة أنه لاسماعيل بن يسار النساء والصحيح أنه لحريث والغناء لغريض ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وذكر الهشامي أنه لمالك

أخبار حُريث ونسبه
حريث بن عناب بالنون ابن مطر بن سلسلة بن كعب بن عوف بن عنين بن نائل بن أسودان وهو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وليس بمذكور من الشعراء لأنه كان بدويا مقلا غير متصد بالشعر للناس في مدح ولا هجاء ولا يعدو شعره أمر ما يخصه
تشبيبه بحبّي بنت الأسود
أخبرني بنسبه وما أذكره من أخباره عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وتمام الأبيات التي فيها الغناء بعد البيتين الأولين قوله
( يدومُ وُدِّي لمن دامت مودَّتُهُ ... وأصرف النفسَ أحياناً فتنصرفُ )
( يا وَيْحَ كلَّ محبٍّ كيف أرحمُهُ ... لأنَّني عارف صدقَ الذي يصفُ )
( لا تأمنَنْ بعد حُبّي خُلَّة أبَداً ... على الخيانَةِ إنَّ الخائنَ الطَّرِف )
( كأنها رِيشةُ في أرض بلقَعَه ... من حيثما واجهتهَا الريحُ تنصرفُ )
( يُنسِي الخليلين طُولُ النأي بينهما ... وتَلتقي طُرَفٌ شَتَّى فتأتَلِفُ )

قال أبو عمرو قال حريث هذه القصيدة في امرأة يقال لها حبّى بنت الأسود من بني بحتر بن عتود وكان يهواها ويتحدث إليها ثم خطبها فوعده أهلها أن يزوجوه ووعدته ألا تجيب إلى تزويج إلا به فخطبها رجل من بني ثعل وكان موسرا فمالت إليه وتركت حريثا وقد خيرت بينهما فاختارت الثعلي فتزوجها فطفق حريث يهجو قومها وقوم المتزوج بها من بني بحتر وبني ثعل فقال يهجو بني ثعل
( بني ثُعَل أهلَ الخنا ما حديثُكُمْ ... لكم منطق غاوٍ وللنَّاس مَنْطِقُ )
( كأنَّكُم مِعزىً قواصِعُ جِرَّةٍ ... من العِيِّ أو طيرٌ بِخَفَّانَ يَنْعِقُ )
( دِيافيَّة قُلْفٌ كأنَّ خطيبَهُمْ ... سراةَ الضُّحَى في سَلْحه يتمطَّقُ )
قال أبو عمرو ولم يزل حريث يهجو بني بحتر وبني ثعل من أجل حبّى فبينا هو ذات يوم بخيبر وقد نزل على رجل من قريش وهو جالس بفنائه ينشد الشعر الذي قاله يهجو به بني ثعل وبني بحتر ابني عتود وبخيبر يومئذ رجل من بني جشم بن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر يقال له أوفى بن حجر بن أسيد بن حيي بن ثرملة بن ثرغل بن خثيم بن أبي حارثة عند بني أخت له من قريش فمر أوفى هذا بحريث بن عناب وهو ينشد شعرا هجا به بني بحتر فسمعه أوفى وهو ينشد قوله
( وإنَّ أحَقَّ النَّاسِ طُرّاً إهانَةً ... عَتُودٌ يُبارِيه فَريرٌ وثَعلَبُ )

العتود التيس الهرم والفرير ولد الظبية ويباريه يفعل فعله فدنا منه أوفى وقال إني رجل أصم لا أكاد أسمع فتقرب إلي فقال له ومن أنت فقال أنا رجل من قيس وأنا أهاجي هذا الحي من بني ثعل وبني بحتر وأحب أن أروي ما قيل فيهم من الهجاء فأدنو منه وكانت معه هراوة قد اشتمل عليها فلما تمكن من ابن عناب جمع يديه بالهراوة ثم ضرب بها أنفه فحطمه وسقط على وجهه ووثب القرشي على أوفى فأخذه فوثب بنو أخته فانتزعوه من القرشي وكاد أن يقع بينهم شر وأفلت أوفى ودوري ابن عناب حتى صلح واستوى أنفه فقال أوفى في ذلك
( لاقَى ابنُ عَنَّاب بخيبرَ ماجداً ... يَزَعُ اللئامَ وينصرُ الأحسابا )
( فضربتُهُ بهِراوتي فتركتُهُ ... كالحِلْس منعفرَ الجبينِ مصابا )
قال ثم لحق أوفى بقومه فلما كان بعد ذلك بمدة اتهمه رجل من قريش بأنه سرق عبدا له وباعه بخيبر فلم يزل القرشي يطلبه حتى أخذه وأقام عليه البينة فحبس في سجن المدينة وجعلت للقرشي يده فبعث ابن عناب إلى عشيرته بني نبهان فأبوا أن يعاونوه وأقبل عرفاء بني بحتر إلى المدينة يريدون أن يؤدوا صدقات قومهم فيهم حصن وسلامة ابنا معرض وسعد بن عمرو بن لام ومنصور بن الوليد بن حارثة وجبار بن أنيف فلقوا القرشي وانتسبوا له وقالوا نحن نعطيك العوض من عبدك ونرضيك ولم يزالوا به حتى قبل وخلى سبيله فقال حريث يمدحهم ويهجو قومه الأدنين من بني نبهان
( لما رأيتُ العبدَ نَبْهَانَ تارِكي ... بلماعةٍ فيها الحوادثُ تَخطرُ )

( نُصِرتُ بمنصورٍ وبابْني معرِّضٍ ... وسعدٍ وجبَّارٍ بل اللهُ يَنْصُرُ )
( وذو العرشِ أعطاني المودَّةَ منهُمُ ... وثبَّتَ ساقي بعدما كدتُ أعثُرُ )
( إذا ركبَ الناسُ الطريقَ رأيتَهم ... لهم خابِطٌ أعمَى وآخر مُبصِرُ )
( لكلِّ بني عمرو بن غَوْثٍ رباعة ... وخيرُهُم في الشَّرِّ والخيرِ بُحْتُرُ )
وقال أبو عمرو مر ابن عناب بعدما أسن بنسوة من بني قليع وهو يتوكأ على عصا فضحكن منه فوقف عليهن وأنشأ يقول
( هزئت نساءُ بني قُلَيع أن رأَتْ ... خَلَقَ القميصِ على العصا يَتَرَكَّعُ )
( وجعلْنَنِي هُزُؤاً ولو يعرفْنَنِي ... لعلمن أنِّي عند ضيميَ أَرْوَعُ )

شعره حين أغار على قوم من بني أسد
)
قال أبو عمرو وكان حريث بن عناب أغار على قوم من بني أسد فاستاق إبلاً لهم فطلبه السلطان فهرب من نواحي المدينة وخيبر إلى جبلين في بلاد طيء يقال لهما مرى والشموس حتى غرم عنه قومه ما طلب ثم عاود وقال في ذلك
( إذا الدِّين أودَى بالفساد فقل له ... يَدَعْنَا ورُكْناً من مَعَدٍّ نصادِمُهْ )
( بِبيضٍ خِفافٍ مرهَفاتٍ قواطع ... لداودَ فيها أَثْرُه وخواتِمُهْ )
( وزُرْقٍ كستْها ريشَها مَضْرَحِيَّةٌ ... أَثِيثٌ خَوافِي ريشها وقوادِمُهْ )

( إذا ما خرجْنا خَرَّت الأُكْم سُجَّداً ... لعزٍّ عَلاَ حَيْزُومُه وعلاَجِمُهْ )
( إذا نحن سِرْنَا بين شرقٍ ومَغربٍ ... تحرَّكَ يقظانُ التُّرابَ ونائِمُهْ )
( وتفزَع مِنَّا الإِنْسُ والجِنُّ كلُّها ... ويُشرب مهجورُ المِياه وعائِمُهْ )
( سَتَمْنَع مُرَّى والشُّموسُ أخاهما ... إذا حكم السلطان حُكْماً يُضاجِمُهْ )
يميل فيه ويروى يصاحمه وقال أبو عمرو يصاحمه يزاحمه والأصحم منه مأخوذ إلى هنا انتهى الجزء الرابع عشر من كتاب الأغاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الخامس عشر منه وأوله أخبار جعفر بن الزبير ونسبه

حذف

بسم الله الرحمن الرحيم

صوت منسرح
( هَلْ في ادِّكار الحبيبِ من حَرجِ ... أمْ هَلْ لهمِّ الفؤادِ مِن فَرَج )
( أم كيفَ أنْسَى رحيلَنا حُرُماً ... يوم حلَلْنا بالنَّخل من أَمَجِ )
( يومَ يقولُ الرسولُ قد أَذِنَتْ ... فائْتِ على غير رِقْبةٍ فَلِجِ )
( أقبلْتُ أسعَى إلى رحالِهِمُ ... في نَفحةٍ من نسيمِها الأرِجِ )
الشعر لجعفر بن الزبير والغناء للغَريض خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق
وذكر عمرو بن بانة أنه لدحمان في هذه الطريقة والمجرى
وذكره يونس بغير طريقة وقال فيه لحنان لابن سريج والغريض
وذكر الهشامي أنّ لحن ابن سريج رمل بالوسطى

1 - خبار جعفر بن الزّبير ونسبه
جعفر بن الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
وأم جعفر بن الزبير زينب بنت بشر بن عبد عمرو من بني قيس بن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل
أخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكّار قال حدثني مصعب بن عثمان قال أخبرني جدّك عبد الله بن مصعب عن أبي عثمان بن مصعب عن شعيب بن جعفر بن الزبير قال فرض سليمان بن عبد الملك للناس في خلافته وعرض الفرض
قال وكان ابن حزم في ذلك محسناً يعلم الله إنّه كان يأمر الغلمان أن يتطاولوا على خفافهم ليرفعهم بذلك
قال شعيب بن جعفر بن الزّبير فقال لي سليمان بن عبد الملك من أنت قلت شعيب بن جعفر بن الزّبير
فقال ما فعل جعفر فقال له عمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين على الكبر والعيال
فقال قل له يحضر الباب
فقال لجعفر احضر الباب
فدعا المنذر بن عبيدة بن الزبير فرفع معه رقعة وأرسله إلى عمر بن عبد العزيز فيها قوله سريع
( يا عُمَر بنِ عمر بنِ الخطّابْ ... إنَّ وقوفي من وراء الأبوَابْ )
( يَعدِلُ عندي حَطْمَ بعضِ الأنيابْ ... )

قال فلما قرأها عمر عذره عند سليمان فأمر له سليمان بألف دينار في دينه وألف دينار معونة على عياله وبرقيق من البيض والسّودان وكثير من طعام الجاري وأن يدان من الصّدقة بألفي دينار
قال فلما جاء ذلك إلى أبي قال أعطيته من غير مسألة فقيل نعم
قال الحمد لله ما أسخى هذا الفتى ما كان أبوه سخيّاً ولا ابن سخيٍّ
ولكن هذا كأنه من آل حرب
ثم قال طويل
( فما كنت دَيَّاناً فقد دِنْتُ إذ بَدَتْ ... صُكوكُ أميرِ المؤمنيْنَ تدورُ )
( بوَصْلِ أُولي الأرحامِ قَبْلَ سؤالِهِمْ ... وذلك أمرٌ في الكرامِ كثيرُ )
قال بعض من روى هذا الخبر عن الزبير الناس لا ينظرون في عيب أنفسهم وما كان لجعفر أن يعيب أحداً بالبخل وما رئي في الناس أحد أبخل منهم أهل البيت ولا من عبد الله بن الزبير خاصة وما كان فيهم جواد غير مصعب
قال الزبير حدثني عمي قال كان السلطان بالمدينة إذا جاء مال الصدقة أدان من أراد من قريش منه وكتب بذلك صكّا عليه فيستعبدهم به ويختلفون إليه ويديرونه فإذا غضب على أحد منهم استخرج ذلك منه حتّى كان هارون الرشيد فكلّمه عبد الله بن مصعب في صكوك بقيت من ذلك على غير واحد من قريش فأمر بها فخرقت عنهم فذلك قول ابن الزبير - طويل -
( فما كنت دَيَّاناً فقد دِنْتُ إذ بَدَتْ ... صُكوكُ أميرِ المؤمنيَنَ تدورُ )
قال الزبير وحدثني عمّي مصعب قال شهد جعفر بن الزبير مع أخيه عبد الله حربه واستعمله عبد الله على المدينة وقاتل يوم قتل عبد الله بن الزبير حتى جمد الدم على يده وفي ذلك يقول جعفر - طويل

( لَعَمْرُكَ إنِّي يوم أجْلَتْ ركائِبي ... لأَطْيَبُ نَفْساً بالجِلادِ لدى الرُّكن )
( ضَنِيْنٌ بمن خَلفِي شحيْحٌ بطاعتي ... طِرادُ رجال لا مُطاردة الُحُصْنِ )
الحُصْن جمع حصان يقول هذا طراد القتال لا طراد الخيل في الميادين
( غداةَ تحامَتْنا تُجِيْبُ وغافِقٌ ... وهَمْدانُ تبكي من مُطاردةِ الضُّبْنِ )
قال الزبير وحدّثني عمي مصعب بن عثمان أنّ جعفر بن الزبير كانت بينه وبين أخيه عروة معاتبة فقال في ذلك - طويل -
( لا تَلْحَينِّي يابنَ أمِّي فإنّني ... عدُوٌّ لمن عاديْتَ يا عُرْوَ جاهدُ )
( وفارقْتُ إخواني الذين تَتَابَعوا ... وفارقْتُ عبدَ الله والموتُ عاند )
( ولولا يمينٌ لا أزال أبرُّها ... لقد جمعَتْنا بالفِناء المقاعد )
قال الزبير أنشدتني عمّتي أسماء بنت مصعب بن ثابت لجعفر بن الزبير وأنشدنيه غيرُها يرثي ابناً له - طويل -

صوت
( أهاجَكَ بَيْنٌ من حبيبٍ قدِ احتمَلْ ... نعَمْ ففؤادي هائمُ العقلِ مُحْتَبَلْ )
( وقالوا صُحَيْرات اليمام وقدَّموا ... أوائِلَهمْ من آخرِ الليل في الثَّقَلْ )

( مررْنَ على ماءِ العُشَيْرة والهوى ... على مَلَلٍ يا لهْفَ نفسي على مَللْ )
( فَتى السنِّ كهلُ الحِلْمِ يهتزُّ للندَى ... أمرُّ من الدِّفْلَى وأحلى من العَسَلْ )
في هذه الأبيات خفيف رمل بالبنصر نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج ونسبه الهشاميّ إلى الأبجر قال ويقال إنه لابن سهيل
فأخبرني الحسن بن عليّ قال حدثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني وخبره أتمّ قال اصطحب قوم في سفر ومعهم رجل يغنّي وشيخ عليه أثر النّسك والعبادة فكانوا يشتهون أن يغنّيهم الفتى ويستحيون من الشّيخ إلى أن بلغوا إلى صحيرات اليمام فقال له المغنّي أيها الشيخ إنّ عليّ يميناً أن أنشد شعراً إذا انتهيت إلى هذا الموضع وإنّي أهابك وأستحي منك فإن رأيت أن تأذن لي في إنشاده أو تتقدّم حتّى أوفي بيميني ثم نلحق بك فافعل
قال وما عليّ من إنشادك أنشد ما بدا لك
فاندفع يغني - طويل -
( وقالوا صُحَيْرات اليمام وقدَّموا ... أوائِلَهمْ من آخرِ الليل في الثَّقَلْ )
( وردْنَ على ماءِ العُشَيْرة والهوى ... على مَلَلٍ يا لَهْفَ نفسي على مَللْ )
فجعل الشيخ يبكي أحرّ بكاء وأشجاه فقالوا له ما لك يا عمّ تبكي فقال لا جزيتم خيراً هذا معكم طول هذا الطريق وأنتم تبخلون عليّ به أتفرّج به ويقطع عني طريقي وأتذكّر أيام شبابي
فقالوا لا والله ما كان يمنعنا منه غير هيبتك
قال فأنتم إذاً معذورون
ثم أقبل عليه فقال عد فديتك إلى ما كنت عليه
فلم يزل يغنيهم طول سفرهم حتّى افترقوا

قال الزبير وأخبرني مصعب بن عثمان أن أمّ عروة بنت جعفر بن الزبير أنشدته لأبيها جعفر وكان يرقّصها بذلك - رجز -
( يا حبّذا عُرْوَةُ في الدَّمالِج ... أحَبُّ كلِّ داخلٍ وخارجِ )
قال وأخبرتني أن أخاها صالح بن جعفر غزا أرض الروم فقال فيه جعفر رجز البسيط
( قد راحَ يوم السبتِ حِينَ راحُوا ... مع الجَمَال والتُّقى صَلاحُ )
( من كلِّ حيٍّ نَفَرٌ سِماحُ ... بيضُ الوجوهِ عَرَبٌ صِحاحُ )
( وفزِعوا وأُخِذَ السلاحُ ... وهُمْ إذا ما كُرِه الشِّياحُ )
( مصاعبٌ يكرهها الجراحُ ... )
قال الزبير ولجعفر شعر كثير قد نحل عمر بن أبي ربيعة ودخل في شعره فأمّا الأبيات التي ذكرت فيها الغناء فمن الناس من يرويها لعمر بن أبي ربيعة ومنهم من يرويها للأحوص وللعرجيّ وقد أنشدنيها جماعة من أصحابنا لجعفر بن الزبير
وأخبرني بذلك الحرمي والطوسيّ وحبيب بن نصر المهلّبي وذكر الأبيات
وأخبرنيه عمّي عن ابن أبي سعيد عن سعيد بن عمرو عن أم عروة بنت جعفر مثله
قال ابن أبي سعد قال الحزاميّ الناس يروونها للعرجيّ وأمّ عروة أصدق
أخبرني الطوسيّ قال حدثنا الزبير قال حدثني سعيد بن عمرو الزبيري قال تزوج جعفر بن الزبير امرأة من خزاعة وفيها يقول - منسرح -
( هل في ادّكارِ الحبيبِ من حَرَجِ ... )

الأبيات
وزاد فيها بيتين وهما
( تُسفِر عن واضح إذا سَفَرتْ ... ليس بذي آمَةٍ ولا سَمِجِ )
وسقط البيت الآخر من الأصل
قال الزبير في رواية الطوسي حدّثني مصعب بن عثمان وعمي مصعب قالا
كان جماعة من قريش منتحين عن المدينة فصدر عن المدينة بدويّ فسألوه هل كان للمدينة خبر قال نعم مات أبو الناس
قالوا وأنى ذلك قال شهده أهل المدينة جميعاً وبكي عليه من كلّ دار
فقال القوم هذا جعفر ابن الزبير فجاءهم الخبر بعد أنّ جعفر بن الزبير مات
أخبرني عمي قال حدّثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدّثني إبراهيم بن معاوية عن أبي محمد الأنصاريّ عن عروة بن هشام بن عروة عن أبيه قال لمّا تزوّج الحجّاج وهو أمير المدينة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أتى رجل سعيد ابن المسيب فذكر له ذلك فقال إني لأرجو أن لا يجمع الله بينهما ولقد دعا داعٍ بذلك فابتهل وعسى الله فإن أباها لم يزوّج إلا الدراهم
فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان أبرد البريد إلى الحجاج وكتب إليه يغلظ له ويقصّر به ويذكر تجاوزه قدره ويقسم بالله لئن هو مسّها ليقطعنّ أحبّ أعضائه إليه ويأمره بتسويغ أبيها المهر وبتعجيل فراقها
ففعل فما بقي أحد فيه خير إلا سرّه ذلك
وقال جعفر بن الزبير وكان شاعراً في هذه القصة - طويل

( وجدْتُ أميرَ المؤمنين ابنَ يوسُفٍ ... حَمِيّاً من الأمر الذي جئْتَ تَنْكَفُ )
( ونُبِّئْتُ أنْ قد قالَ لمّا نكحتَها ... وجاءت به رسْلٌ تخُبُّ وتُوجِف )
( ستَعلمُ أَنِّي قد أنِفْتُ لمَا جَرَى ... ومثلُكَ منه عَمْرَك الله يُؤنفُ )
( ولولا انتكاسُ الدهرِ ما نالَ مثلها ... رجاؤُك إذ لم يَرْجُ ذلك يُوسُفُ )
( أبِنْتَ المصفَّى ذِي الجناحَيْن تبتغي ... لقد رُمْتَ خَطْباً قدرُه ليس يُوصَف )

صوت طويل
( كأنْ لم يكُن بينَ الحَجُونِ إلى الصَّفا ... أنيس ولم يَسْمُرْ بمكّة سامرُ )
( بَلَى نحنُ كنّا أهلها فأبادنا ... صروفُ الليالِي والجدودُ العواثر )
عروضه من الطويل
الشعر فيما ذكر ابنُ إسحاق صاحب المغازي لمُضَاض بن عمرو الجُرْهُميّ
وقال غيره بل هو للحارث بن عمرو بن مضاض
أخبرنا بذلك الجوهريُّ عن عمر بن شبة عن أبي غسان محمد بن يحيى عن غسان بن عبد الحميد
وقال عبد العزيز بن عمران هو عمرو بن الحارث بن مضاض
والغناء ليحيى المكي رمل بالوسطى عن عمرو
وفيه لإبراهيم الموصلي ماخوريّ بالبنصر
وفيه لأهل مكة لحن قديم ذكره إبراهيم ولم يجنّسه

ذكر خبر مضاض بن عمرو
هو مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي
وكان جده مضاض قد زوّج ابنته رعلة إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن فولدت له اثني عشر رجلاً أكبرهم قيذار ونابت
وكان أبوه إبراهيم عليه السلام أمره بذلك لأنه لما بنى مكة وأنزلها ابنه قدم عليه قدمة من قدماته فسمع كلام العرب وقد كانت طائفة من جرهم نزلت هنالك مع إسماعيل فأعجبته لغتهم واستحسنها فأمر إسماعيل عليه السلام أن يتزوج إليهم فتزوج بنت مضاض بن عمرو وكان سيدهم
فأخبرنا محمد بن جرير قال حدّثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق
وأخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأزرقي قال حدّثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد بن إسحاق
ورواية إسحاق بن أحمد أتمّ
وقد جمعتها أن نابت بن إسماعيل ولي البيت بعد أبيه ثم توفي فولي مكانه جدّه لأمه مضاض بن عمرو الجرهمي فضم ولد نابت بن إسماعيل إليه ونزلت جرهم مع ملكهم مضاض بن عمرو بأعلى مكة ونزلت قطوراء مع ملكهم السميدع أجياد أسفل مكة
وكان هذان البطنان خرجا

سيارة من اليمن وكذلك كانوا لا يخرجون إلا مع ملك يملكونه عليهم فلما رأوا مكة رأوا بلداً طيباً وماء وشجراً فنزلا ورضي كل واحد منهما بصاحبه ولم ينازعه فكان مضاض يعشر من جاء مكة من أعلاها وكان السميدع يعشر من جاءها من أسفلها ومن كداء لا يدخل أحدهما على صاحبه في أمره ثم إن جرهما وقطوراء بغى كل واحد منهما على صاحبه فتنافسوا في الملك حتى نشبت الحرب بينهم وكانت ولاية البيت إلى مضاض دون السميدع فخرج مضاض من بطن قعيقعان مع كتيبته في سلاح شاك يتقعقع فيقال ما سميت قعيقعان إلا بذلك وخرج السميدع من شعب أجياد في الخيل الجياد والرجال ويقال ما سميت أجياداً إلا بذلك حتى التقوا بفاضح فاقتتلوا قتالاً شديداً وفضحت قطوراء ويقال ما سمّي فاضحاً إلا بذلك ثم تداعى القوم إلى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعباً بأعلى مكة وهو الذي يقال له الآن شعب ابن عامر فاصطلحوا هناك وسلّموا الأمر إلى مضاض فلمّا اجتمع له أمر مكة وصار ملكها دون السميدع نحر للناس فطبخوا هناك الجزر فأكلوا وسمي ذلك الموضع المطابخ
فيقال إنّ هذا أول بغي بمكة فقال مضاض بن عمرو في تلك الحرب - طويل -
( ونحنُ قتلنا سيِّدَ الحيِّ عَنْوةً ... فأصبحَ منها وهو حَيْرانُ مُوجَعُ )
يعني أنّ الحيَّ أصبح حَيرانَ موجَعاً
( وما كانَ يبغِي أن يكون سَواؤنا ... بها مَلِكاً حتّى أتانا السَّميدعُ )

( فذاق وبالاً حين حاوَلَ مُلْكَنا ... وحاوَل مِنَّا غُصَّةً تُتَجَرَّعُ )
( ونحنُ عَمَرْنَا البيتَ كُنّا وُلاتَه ... نُضارِب عنه مَنْ أتانا ونَدْفَعُ )
( وما كان يبغي ذاك في الناس غيرُنا ... ولم يَكُ حيٌّ قبلنا ثَمَّ يمنعُ )
( وكُنّا ملوكاً في الدهور التي مضَتْ ... ورِثْنا مُلوكاً لا تُرام فتُوضَعُ )
قال عثمان بن ساج في خبره وحدثني بعض أهل العلم أن سيلاً جاء فدخل البيت فانهدم فأعادته جرهم على بناء إبراهيم بناه لهم رجل منهم يقال له أبو الجدرة واسمه عمر الجارود وسمّي بنوه الجدرة
قال ثم استخفت جرهم بحقّ البيت وارتكبوا فيه أموراً عظاماً وأحدثوا فيه أحداثاً قبيحة وكان للبيت خزانة وهي بئر في بطنه يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له وهو يومئذ لا سقف عليه فتواعد عليه خمسة من جرهم أن يسرقوا كلّ ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز و جل أعلاه أسفله وسقط منكّساً فهلك وفرّ الأربعة الآخرون
قالوا ودخل إساف ونائلة البيت ففجرا فيه فمسخهما الله حجرين فأخرجا من البيت
وقيل إنّه لم يفجر بها في البيت ولكنه قبّلها في البيت
وذكر عثمان بن ساج عن أبي الزناد أنه إساف بن سهيل وأنها نائلة بنت عمرو بن ذئب
وقال غيره إنها نائلة بنت ذئب
فأخرجا من الكعبة ونصبا ليعتبر بهما من رآهما ويزدجر النّاس عن مثل ما ارتكبا فلما غلبت خزاعة على مكة ونسي حديثهما حوّلهما عمرو بن لحيّ بن كلاب بعد ذلك فجعلهما تجاه الكعبة يذبح عندهما عند موضع زمزم

قالوا فلما كثر بغي جرهم بمكة قام فيهم مضاض بن عمرو بن الحارث ابن مضاض فقال يا قوم احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله وقد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم ولم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا حتّى سلطكم الله عليهم فاجتحتموهم فتفرقوا في البلاد فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت الله ولا تظلموا من دخله وجاءه معظماً لحرماته أو خائفاً أو رغب في جواره فإنّكم إن فعلتم ذلكم تخوّفت أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن والطير تأمن فيه
فقال قائل منهم يقال له مجدع ومن الذي يخرجنا منه ألسنا أعزّ العرب وأكثرهم مالاً وسلاحاً فقال مضاض إذا جاء الأمر بطل ما تذكرون فقد رأيتم ما صنع الله بالعماليق قالوا وقد كانت العماليق بغت في الحرم فسلّط الله عزّ وجل عليهم الذر فأخرجهم منه ثم رموا بالجدب من خلفهم حتى ردهم الله إلى مساقط رؤوسهم ثم أرسل عليهم الطوفان قال والطوفان الموت قال فلما رأى مضاض بن عمرو بغيهم ومقامهم عليه عمد إلى كنوز الكعبة وهي غزالان من ذهب وأسياف قلعية فحفر لها ليلاً في موضع زمزم ودفنها
فبيناهم على ذلك إذ سارت القبائل من أهل مأرب ومعهم طريقة الكاهنة حين خافوا سيل العرم وعليهم مزيقياء وهو عمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فقالت لهم طريقة لما قاربوا مكة وحق ما أقول وما علّمني ما أقول إلا الحكيم المحكم ربّ جميع الأمم من عرب وعجم
قالوا لها ما

شأنك يا طريقة قالت خذوا البعير الشدقم فخضبوه بالدم تكن لكم أرض جرهم جيران بيته المحرم
فلما انتهوا إلى مكة وأهلها أرسل إليهم عمرو ابنة ثعلبة فقال لهم يا قوم إنا قد خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلدة إلا أفسح أهلها لنا وتزحزحوا عنا فنقيم معهم حتى نرسل رواداً فيرتادوا لنا بلداً يحملنا فافسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح ونرسل روادنا إلى الشأم وإلى الشرق فحيثما بلغنا أنه أمثل لحقنا به وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيراً فأبت ذلك جرهم إباءً شديداً واستكبروا في أنفسهم وقالوا لا والله ما نحب أن تنزلوا فتضيقوا علينا مرابعنا ومواردنا فارحلوا عنا حيث أحببتم فلا حاجة لنا بجواركم
فأرسل إليهم إنه لا بدّ من المقام بهذا البلد حولاً حتى ترجع إليّ رسلي التي أرسلت فإن أنزلتموني طوعاً نزلت وحمدتكم وآسيتكم في الرعي والماء وإن أبيتم أقمتُ على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلاّ فضلاً ولم تشربوا إلا رنقا وإن قاتلتموني قاتلتكم ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء وقتلت الرجال ولم أترك منكم أحداً ينزل الحرم أبداً فأبت جرهم أن تنزله طوعاً وتعبت لقتاله فاقتتلوا ثلاثة أيام أفرغ عليهم فيها الصبر ومنعوا النصر ثم انهزمت جرهم فلم يفلت منهم إلا الشريد
وكان مضاض بن عمرو قد اعتزل حربهم ولم يعنهم في ذلك وقال قد كنت أحذركم هذا ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتّى نزلوا قنوني وما حوله فبقايا جرهم به إلى اليوم وفني الباقون

أفناهم السيف في تلك الحروب
قالوا فلما حازت خزاعة أمر مكة وصاروا أهلها جاءهم بنو إسماعيل وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة فلم يدخلوا في ذلك فسألوهم السكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة أمر عظيم أرسل إلى خزاعة يستأذنها ومتّ إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال وسوء العشرة في الحرم واعتزاله الحرب فأبت خزاعة أن يقروهم ونفوهم عن الحرم كله وقال عمرو بن لحي لقومه من وجد منكم جرهمياً قد قارب الحرم فدمه هدر فنزعت إبل لمضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو من قنوني تريد مكة فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة فمضى على الجبال نحو أجياد حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن وادي مكة فأبصر الإبل تنحر وتؤكل ولا سبيل له إليها فخاف إن هبط الوادي أن يقتل فولّى منصرفاً إلى أهله وأنشأ يقول - طويل -
( كأنْ لم يكن بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ )
( ولم يَتَربَّعْ واسطاً فَجنوبَه ... إلى المُنْحَنَى من ذي الأراكة حاضر )

( بَلَى نحنُ كنّا أهلَها فأبادنا ... صروفُ اللَّيالي والجدود العواثر )
( وأبدلَنَا ربّي بها دارَ غُرْبةٍ ... بها الذئبُ يعوِي والعدوُّ المخامر )
( أقولُ إذا نام الخَلِيُّ ولم أَنَمْ ... أذَا العَرْشِ لا يَبْعَدْ سُهيلٌ وعامر )
( قدِ ابدِلْتُ منهمْ أوجُهاً لا أريدُها ... وحِمْيَرُ قد بُدّلْتُها واليُحَابرُ )
( فإن تَمِلِ الدُّنيا علينا بكَلّها ... ويُصبِحُ شرٌّ بيننا وتشاجُرُ )
( فنحنُ ولاةُ البيتِ مِن بَعد نابتٍ ... نُمشّى به والخيرُ إذْ ذاكَ ظاهر )
( وأَنكحَ جدّي خَيْرَ شخصٍ علمْتَهُ ... فأبناؤه مِنّا ونحنُ الأصاهر )
( وأَخْرَجَنا منها المليكُ بقدرةٍ ... كذلك يا لَلنَّاسِ تجري المقادر )
( فصرنا أحاديثاً وكُنّا بغِبطةٍ ... كذلك عَضَّتْنا السّنونَ الغوابرُ )
( وسحَّتْ دموعُ العين تبكي لبلدةٍ ... بها حَرَمٌ أمْنٌ وفيها المشاعرِ )
( ويا ليتَ شعري مَنْ بأجيادَ بعدَنا ... أقامَ بمُفْضَى سَيله والظَّواهِرِ )
( فبطنُ مِنىً أمسَى كأنْ لم يكنْ بهِ ... مُضَاضٌ ومِنْ حَيَّيْ عدَيٍّ عمائرُ )
( فهل فَرَجٌ آتٍ بشَيْءٍ نحِبُّه ... وهل جَزَعٌ مُنْجِيكَ ممّا تحاذرُ )

قالوا وقال أيضاً - بسيط -
( يا أيُّها الحيُّ سِيرُوا إنَّ قَصْرَكُمُ ... أن تُصبِحوا ذاتَ يومٍ لا تسيرونا )
( إنّا كما أنتُمُ كُنّا فغَيَّرنَا ... دهرٌ بصَرْفٍ كما صِرْنا تصيرونا )
( أزجوا المطيَّ وأرخُوا من أزِمَّتها ... قَبْلَ المماتِ وقَضُّوا ما تُقَضُّونا )
( قد مال دهرٌ علينا ثمَّ أهلَكَنا ... بالبَغْي فيه فقد صِرْنا أفانينا )
( كنّا زماناً ملوكَ الناسِ قَبلكُم ... نأوِي بلاداً حراماً كان مسكونا )
قال الأزرقي فحدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال
وخرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي قبيل الإسلام في نفر من قريش يريدون اليمن فأصابهم عطش شديد ببعض الطريق وأمسوا على غير الطريق فتشاوروا جميعاً فقال لهم أبو سلمة إنّي أرى ناقتي تنازعني شقاً أفلا أرسلها وأتبعها قالوا فافعل
فأرسل ناقته وتبعها فأضحوا على ماء وحاضر فاستقوا وسقوا فإنهم لعلى ذلك إذ أقبل إليهم رجل فقال من القوم قالوا من قريش
فرجع إلى شجرة أمام الماء فتكلم عندها بشيء ثم رجع إلينا فقال أينطلق معي أحدكم إلى رجل ندعوه قال أبو سلمة فانطلقت معه فوقف بي تحت شجرة فإذا وكر معلق فصوت يا أبت فزعزع شيخ رأسه فأجابه

فقال هذا الرجل
فقال لي ممن الرجل قلت من قريش
قال من أيها قلت من بني مخزوم بن يقظة
قال من أيهم قلت أنا أبو سلمة بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة
قال أيهات منك أنا ويقظة سن أتدري من يقول - طويل -
( كأنْ لم يكن بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ )
( بَلَى نحنُ كنّا أهلَهَا فأبادَنا ... صُروفُ اللَّيالي والجدودُ العواثر )
قلت لا
قال أنا قائلها أنا عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي
أتدري لم سمي أجياد أجياداً قلت لا
قال جادت بالدماء يوم التقينا نحن وقطوراء أتدري لم سمي قعيقعان قلت لا
قال لتقعقع السلاح على ظهورنا لما طلعنا عليهم منه
وأخبرني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا عبد العزيز بن عمران قال حدثني راشد بن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال قال أبو سلمة بن عوف
وخرجت في نفر من قريش يريدون اليمن
وذكر الخبر مثل حديث الأزرقي
والله أعلم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا غسان بن عبد العزيز بن عبد الحميد أن ربيعة بن أمية بن خلف كان قد أدمن الشراب وشرب في شهر رمضان فضربه عمر رضي الله عنه وغربه إلى ذي المروة فلم يزل بها حتى توفي واستخلف عثمان رضي الله

عنه فقيل له قد توفي عمر واستخلف عثمان فلو دخلت المدينة ما ردك أحد
قال لا والله لا أدخل المدينة فتقول قريش قد غربه رجل من بني عدي بن كعب
فلحق بالروم وتنصر فكان قيصر يحبوه ويكرمه فأعقب بها
قال غسان حدثني أبي قال قدم رسول يزيد بن معاوية على معاوية من بلاد الروم فقال له معاوية هل كان للناس خبر قال بينا نحن محاصرون مدينة كذا وكذا إذ سمعنا رجلاً فصيح اللسان مشرفا من بين شرفتين من شرف الحصن وهو ينشد - طويل -
( كأنْ لم يكن بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ )
فقال معاوية ويحك ذاك الربيع بن أمية يتغنى بشعر عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي
أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال قال لي أبي مر بالدواب تسرج سحراً حتّى نغدو إلى ابن جامع نستقبله بالياسرية بسحرة لا تأخذنا الشمس قال فأمرت بذلك
وركبنا في السحر فأصبحنا دون الياسرية وقد طلعت علينا الشمس
قال فجئنا إلى ابن جامع وإذا به مختضب وعلى رأسه ولحيته خرق الخضاب وإذا بقدر تطبخ في الشمس فلما نظر إلينا رحب بنا وقام إلينا فسلم علينا ثم دعا الماء فغسل رأسه ولحيته ثم دعا بالغداء فأتي بغدائه فغرف لنا من تلك القدر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45