كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش
شَهَادَتِهِمْ ( رُبْعَ الدِّيَةِ ) بِالسَّوِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّابِعِ الْمُكَمِّلِ لِلنِّصَابِ ، وَكَذَا إذَا رَجَعُوا مُجْتَمِعِينَ ( وَ ) إنْ رَجَعَ ( رَابِعٌ ) أَيْ مِنْ السِّتَّةِ الْأَحْرَارِ أَيْضًا ( فَنِصْفُهَا ) أَيْ الدِّيَةِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ لِبَقَاءِ نِصْفِ النِّصَابِ وَهُمْ الِاثْنَانِ الْبَاقِيَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، فَالْأَرْبَعَةُ الرَّاجِعُونَ بِمَنْزِلَةِ اثْنَيْنِ مُتِمَّيْنِ لِلنِّصَابِ ، وَإِنْ رَجَعَ خَامِسٌ فَعَلَى الْخَمْسَةِ الرَّاجِعِينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِبَقَاءِ رُبْعِهِ ، وَإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ فَعَلَى السِّتَّةِ جَمِيعُهَا أَسْدَاسًا وَسَكَتَ عَنْ هَذَيْنِ لِوُضُوحِهِمَا .
وَإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ بَعْدَ فَقْءِ عَيْنِهِ ، وَخَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَتِهِ ، وَرَابِعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ : فَعَلَى الثَّانِي خُمُسُ الْمُوضِحَةِ مَعَ سُدُسِ الْعَيْنِ : كَالْأَوَّلِ ، وَعَلَى الثَّالِثِ : رُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ .
( وَإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ ) مِنْ سِتَّةِ أَحْرَارٍ شَهِدُوا عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَا وَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ وَكَانَ رُجُوعُهُ ( بَعْدَ عَيْنِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ ( وَ ) رَجَعَ ( خَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَتِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهِ ( وَ ) رَجَعَ ( رَابِعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهِ ( فَعَلَى ) الرَّاجِعِ الثَّانِي ) أَيْ الْخَامِسِ خُمُسُ دِيَةِ ( الْمُوضِحَةِ ) لِحُصُولِهَا بِشَهَادَةِ خَمْسَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ ( مَعَ سُدُسِ ) دِيَةِ ( الْعَيْنِ ) لِحُصُولِ فَقْئِهَا بِسِتَّةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ ، وَشَبَّهَ فِي غُرْمِ سُدُسِ دِيَةِ الْعَيْنِ فَقَالَ ( كَ ) الرَّاجِعِ ( الْأَوَّلِ ) أَيْ السَّادِسِ لِذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ لِرُجُوعِهِ قَبْلَ حُصُولِهَا ( وَعَلَى ) الرَّاجِعِ ( الثَّالِثِ رُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ ) لِإِتْلَافِهَا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَتَيْ الْعَيْنِ وَالْمُوضِحَةِ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي دِيَةِ النَّفْسِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ إنْ رَجَعَ أَحَدُ سِتَّةٍ شَهِدُوا بِزِنَا رَجُلٍ حَدُّهُ الرَّجْمُ بَعْدَ فَقْءِ عَيْنِهِ بِهِ ، وَثَانٍ بَعْدَ مُوضِحَتِهِ بِهِ ، وَثَالِثٌ بَعْدَ مَوْتِهِ بِهِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدُسُ دِيَةِ عَيْنِهِ لِفَقْئِهَا بِشَهَادَتِهِ مَعَ خَمْسَةٍ ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي مَعَ خُمُسِ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ لِكَوْنِهَا بِشَهَادَتِهِ مَعَ أَرْبَعَةٍ ، وَعَلَى الثَّالِثِ رُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ لِمَوْتِهِ بِشَهَادَتِهِ مَعَ ثَلَاثَةٍ .
وَفِي سُقُوطِ مَا عَلَى الثَّانِي عَنْهُ وَلُزُومِهِ إيَّاهُ قَوْلَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى أَنَّ دُخُولَ دِيَةِ فَقْءِ عَيْنِ رَجُلٍ وَدِيَةِ مُوضِحَتِهِ فِي دِيَةِ قَتْلِهِ خَطَأٌ فِي الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ اسْتِلْزَامِ دِيَةِ النَّفْسِ دِيَةَ مَا دُونَهَا كُلِّيَّةً فِي أَجْزَائِهَا أَوْ كُلًّا بِهَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَلَا يَسْتَوْفِي .
قُلْت هَذَا وَاضِحٌ بَيِّنٌ مِنْ تَعْلِيلِ قَدْرِ مَا وَجَبَ عَلَى
كُلٍّ مِنْهُمْ ، قَالَ وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إذَا رَجَعُوا حِينَئِذٍ فَيَسْتَوْفِي ، وَلَا يَمْنَعُ رُجُوعُهُمْ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَيَصِيرُ الْمَرْجُومُ كَأَنَّهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِشَهَادَةِ السِّتَّةِ جَمِيعًا ، فَيَكُونُونَ كَمَنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ أَوْضَحَهُ وَفَقَأَ عَيْنَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ سِوَى رُبْعِ الدِّيَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ بِالسَّوَاءِ ، وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ مَا عَدَاهُ .
قُلْت قَوْلُهُ فَيَكُونُونَ كَمَنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ أَوْضَحَهُ وَفَقَأَ عَيْنَهُ وَهْمٌ ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ أَوْضَحَهُ وَفَقَأَ عَيْنَهُ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِنَفْسِ شَهَادَتِهِمْ وَرُجُوعُهُمْ لَغْوٌ فَتَأَمَّلْهُ ، وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ مَنْ رَجَعَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَنْفِيذِهِ إنَّمَا ثَبَتَ حَيْثُ لَا مُسْتَنَدَ لِلْحُكْمِ إلَّا شَهَادَةُ الرَّاجِعِينَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْنَادُهُ إلَيْهِ حَيْثُ صَحَّ إسْنَادُهُ لِمُقِيمٍ عَلَى شَهَادَتِهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمُكِّنَ مُدَّعٍ رُجُوعًا مِنْ بَيِّنَةٍ : كَيَمِينٍ إنْ أَتَى بِلَطْخٍ
وَ ) إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ عِنْدَ حَاكِمٍ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ فَادَّعَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ رَجَعَتْ عَنْ شَهَادَتِهَا عَلَيْهِ بِهِ وَأَنْكَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى رُجُوعِهَا ( مُكِّنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا شَخْصٌ ( مُدَّعٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً ( رُجُوعًا ) مِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ عَنْ شَهَادَتِهَا عَلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْبَيِّنَةُ الرُّجُوعَ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهَا وَصِلَةُ مُكِّنَ ( مِنْ ) إقَامَةِ ( بَيِّنَةٍ ) عَلَى الرُّجُوعِ الَّذِي ادَّعَاهُ ، فَإِنْ أَقَامَهَا وَأُعْذِرَ فِيهَا لِلْبَيِّنَةِ وَعَجَزَتْ عَنْ تَجْرِيحِهَا غَرِمَتْ لَهُ مَا غَرِمَهُ بِشَهَادَتِهَا ، وَسَوَاءٌ أَتَى الْمُدَّعِي بِلَطْخٍ أَمْ لَا .
وَشَبَّهَ فِي التَّمْكِينِ فَقَالَ ( كَيَمِينٍ ) مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَمِ رُجُوعِهَا عَنْ شَهَادَتِهَا عَلَيْهِ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهَا فَيُمَكَّنُ مِنْ طَلَبِهَا مِنْهَا ( إنْ ) كَانَ ( أَتَى ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ( بِلَطْخٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ قَرِينَةٍ تُقَوِّي دَعْوَاهُ رُجُوعَهَا عَنْهَا كَتَحَدُّثِ النَّاسِ بِرُجُوعِ الْبَيِّنَةِ عَنْ شَهَادَتِهَا ، وَإِقَامَتُهُ شَاهِدًا بِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، فَإِنْ حَلَفَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَدَمِ رُجُوعِهَا بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى رُجُوعِهَا أَوْ غَرَّمَهَا مَا غَرِمَهُ بِشَهَادَتِهَا .
ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ سَحْنُونٍ إذَا ادَّعَى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَأَنْكَرَا فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِلَطْخٍ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ أَتَى بِلَطْخٍ حَلَفَا وَبَرِئَا ، وَإِنْ نَكَلَا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَغْرَمَهُمَا مَا أَتْلَفَاهُ لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِمَا .
وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِمَا شَاهِدَيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا مَعًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَلْيَغْرَمَا مَا شَهِدَا بِهِ وَيَغْرَمَا دِيَةَ النَّفْسِ فِي الْقِصَاصِ وَالرَّجْمِ مَعَ حَدِّ الْقَذْفِ ، وَيَغْرَمَا أَرْشَ
الْجِرَاحِ ، وَلَا يُنْظَرُ لِرُجُوعِهِمَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ .
وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمَا عَنْ الرُّجُوعِ .
( وَ ) إنْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ رُجُوعِهِمَا عَنْهَا فَ ( لَا يُقْبَلُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ( رُجُوعُهُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ ( عَنْ الرُّجُوعِ ) لِاتِّهَامِهِمَا بِالنَّدَمِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى إسْقَاطِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى رُجُوعِهِمَا مِنْ الْغُرْمِ وَالْحَدِّ وَنَحْوِهِمَا ، وَلِأَنَّهُ كَرُجُوعِ الْمُقِرِّ بِحَقٍّ .
ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يُنْظَرُ لِرُجُوعِهِمَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَوْ رَجَعَا عَنْ رُجُوعِهِمَا الْمُوجِبِ غُرْمَهُمَا فَلَا يُقَالُ وَيُقْضَى عَلَيْهِمَا بِمَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الرَّاجِعِ الْمُتَأَدِّي عَلَى رُجُوعِهِ .
وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهِمْ ، وَحَكَمَ : فَالْقِصَاصُ
وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهِمْ ) أَيْ الشُّهُودِ فِي شَهَادَتِهِمْ عِنْدَهُ بِقَتْلِ عَمْدٍ وَزِنَا مُحْصَنٍ ( وَحَكَمَ ) الْحَاكِمُ بِقَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ رَجْمِهِ ( فَالْقِصَاصُ ) عَلَى الْحَاكِمِ لَا عَلَى الشُّهُودِ الْكَاذِبِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ بِالْقَتْلِ سَوَاءٌ تَعَمَّدُوا الْكَذِبَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لَا بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ كَذِبَهُمْ اقْتَصَّ مِنْهُمَا ، وَسَوَاءٌ بَاشَرَ الْحَاكِمُ الْقَتْلَ أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَأْمُورِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ كَذِبَ الشُّهُودِ وَيَعْلَمْ عِلْمَ الْمَذْكُورِينَ بِكَذِبِهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ عَلِمَ كَذِبَ الشُّهُودِ فَحَكَمَ بِالْجَوْرِ وَأَرَاقَ هَذَا الدَّمَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الشُّهُودِ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ وَأَمَرَ بِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ ، وَلَوْ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ عَلِمَ كَذِبَ الشُّهُودِ فِي شَهَادَتِهِمْ ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ عَلِمَ ذَلِكَ فَقَتَلَ قَاتِلَ وَلِيِّهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يُقْتَلُ كَالشُّهُودِ خَيَالٌ فَاسِدٌ ا هـ .
وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ .
وَإِنْ رَجَعَا عَنْ طَلَاقٍ : فَلَا غُرْمَ : كَعَفْوِ الْقِصَاصِ إنْ دَخَلَ ، وَإِلَّا فَنِصْفُهُ : كَرُجُوعِهَا عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ
( وَإِنْ رَجَعَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( عَنْ ) شَهَادَتِهِمَا بِ ( طَلَاقٍ ) بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَيْهِمَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا كَمَا يَأْتِي ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ كُلَّ الْمَهْرِ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُفْتِيَا عَلَيْهِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهُ ، وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْغُرْمِ فَقَالَ ( كَ ) رُجُوعِهِمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا عَلَى مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ بِ ( عَفْوِ ) هـ عَنْ ( الْقِصَاصِ ) بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِسُقُوطِهِ فَلَا يَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ شَيْئًا ، إذْ لَا قِيمَةَ لِلْقِصَاصِ ، وَمَحَلُّ عَدَمِ غُرْمِ الرَّاجِعِينَ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ ( إنْ ) كَانَ ( دَخَلَ ) الزَّوْجُ ( بِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ( فَنِصْفُهُ ) أَيْ الصَّدَاقِ يَغْرَمُهُ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ لِلزَّوْجِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ كِتَابَيْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ إنْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِطَلَاقِهِ أَلْبَتَّةَ وَالنِّكَاحُ ثَبَتَ بِغَيْرِ شَهَادَتِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَغْرَمَانِ نِصْفَ الْمَهْرِ .
أَصْبَغُ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا .
ابْنُ الْمَوَّازِ الصَّوَابُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ أَرْضَى ، وَفِيهَا إنْ رَجَعَا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ .
عِيَاضٌ كَذَا عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِ بَعْضُ الشُّيُوخِ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ هَذَا النِّصْفُ ، فَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى أَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ ، وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الْعُشُورِ مِنْ الْأَسْمِعَةِ ، وَحَمَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لِيَكْمُلَ لَهَا صَدَاقُهَا الَّذِي أَبْطَلَاهُ عَلَيْهَا بِالْفِرَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمَسْأَلَةَ الْقَرَوِيُّونَ قَالُوا هَذَا مُقْتَضَى النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ لَا وَجْهَ
لَهُ ، إذْ النِّصْفُ عَلَيْهِ مَتَى حَصَلَ الْفِرَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَرَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ عَلَيْهِمَا شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ .
وَشَبَّهَ فِي غُرْمِ النِّصْفِ فَقَالَ ( كَرُجُوعِهِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ ( عَنْ ) شَهَادَتِهِمَا بِ ( دُخُولِ ) زَوْجَةٍ ( مُطَلَّقَةٍ ) أَقَرَّ زَوْجُهَا بِطَلَاقِهَا وَأَنْكَرَ دُخُولَهُ بِهَا فَشَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِغُرْمِ جَمِيعِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَيَغْرَمَانِ لِلزَّوْجِ نِصْفَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ لَهُ رُبْعَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَةِ الدُّخُولِ فِي مُطَلَّقَةٍ غَرِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ هُوَ نَصُّ الْجَلَّابِ ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ فِي زَوْجَةٍ لَهُ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا فَطَلَّقَهَا بَعْدَهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِنِكَاحِهَا وَطَلَاقِهَا وَمُنْكِرٌ دُخُولَهُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا غَرِمَا لَهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ الَّذِي لَزِمَهُ بِشَهَادَتِهِمَا .
وَاخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ بِدُخُولٍ عَنْ الطَّلَاقِ
( وَ ) إنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِدُخُولٍ وَاثْنَانِ بِطَلَاقٍ عَلَى مَنْ ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ ثُمَّ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ عَمَّا شَهِدُوا بِهِ ( اخْتَصَّ ) الشَّاهِدَانِ ( الرَّاجِعَانِ ) عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِدُخُولٍ ) عَنْ الرَّاجِعَيْنِ ( عَنْ ) شَهَادَتِهِمَا بِ ( الطَّلَاقِ ) بِغُرْمِ نِصْفِ الْمَهْرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا تَمَّ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِطَلَاقِ مَنْ ثَبَتَ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ شَهَادَتِهِمَا وَآخَرَانِ بِأَنَّ الزَّوْجَ دَخَلَ بِهَا وَأَرْخَى السِّتْرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْلَمْ شَاهِدَا الطَّلَاقِ هَلْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ شَاهِدَا الدُّخُولِ بِطَلَاقِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ فَلَا غُرْمَ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ الْمَوَّازِ .
ابْنُ سَحْنُونٍ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ خَالَفَ فِيهِ وَأَسْقَطَ غُرْمَهُمَا لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أَتْلَفَا مَنَافِعَ بُضْعٍ ، وَذَلِكَ لَا يَتَقَوَّمُ ، وَمَا غَرِمَهُ الزَّوْجُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، فَلَوْ رَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ غَرِمَا نِصْفَ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَغَرَامَةُ النِّصْفِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ إنَّمَا هِيَ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِالْبِنَاءِ ، فَإِذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا غَرِمَا هَذَا النِّصْفَ بِالسَّوَاءِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ رُبْعَ الصَّدَاقِ وَقَرَّرَ أَحْمَدُ أَنَّ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ يَغْرَمَانِ لِلزَّوْجِ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَتَبِعَهُ الْخَرَشِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا .
طفى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ لَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِمَا نِصْفُ
الصَّدَاقِ بِرُجُوعِهِمَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ الْمَوَّازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَلَكَتْ بِالْعَقْدِ الْجَمِيعَ أَوْ النِّصْفَ ، ثُمَّ قَالَ وَبِمَا ذُكِرَ تَعْلَمُ التَّنَافِيَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَالْعُذْرُ لَهُ أَنَّهُ دَرَجَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَدَرَجَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَمَنْ مَعَهُ لَمَّا رَأَى أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَلَيْهِ فَلَمْ تُمْكِنْهُ مُخَالَفَتُهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ مَجَالٌ لِلشُّيُوخِ ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَعَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ نِصْفُهُ ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ اخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ بِدُخُولٍ بِغُرْمِ الصَّدَاقِ لَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ .
الْبُنَانِيُّ لَوْلَا تَفْرِيعُ الْمَازِرِيِّ مَا هُنَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَمَنْ مَعَهُ لَقُلْنَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا بِمَنْزِلَةِ رُجُوعٍ عَنْ طَلَاقِ مَدْخُولٍ بِهَا لِوُجُودِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ا هـ .
أَقُولُ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الرُّجُوعَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ غَيْرِ الرَّاجِعِ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
وَرَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ : إنْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثٍ ، دُونَ مَا غَرِمَ وَرَجَعَتْ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثٍ وَصَدَاقٍ
( وَ ) إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى مَنْ ثَبَتَ نِكَاحُهُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَآخَرَانِ بِدُخُولِهِ بِهَا وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ وَغَرِمَ الرَّاجِعَانِ عَنْ شَهَادَةِ الدُّخُولِ نِصْفَ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ ( رَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ ) بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي غَرِمَاهُ لَهُ بِرُجُوعِهِمَا ( بِ ) سَبَبِ ( مَوْتِ الزَّوْجَةِ إنْ أَنْكَرَ ) الزَّوْجُ ( الطَّلَاقَ ) أَيْ اسْتَمَرَّ عَلَى إنْكَارِهِ لِاسْتِلْزَامِهِ وُجُوبَ جَمِيعِ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهَا ، فَقَدْ كَشَفَ الْغَيْبُ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَمْ تُتْلِفْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ .
وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا ) أَيْ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ الرَّاجِعَيْنِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِهِ ( بِ ) عِوَضِ ( مَا فَوَّتَاهُ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْوَاوِ مُثَقَّلًا ، أَيْ شَاهِدَا الطَّلَاقِ الزَّوْجَ ( مِنْ إرْثٍ ) أَيْ مَا كَانَ يَرِثُهُ مِنْ نِصْفِ تَرِكَةِ الزَّوْجَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فَرْعٌ وَإِرْثٌ أَوْ رُبْعُهَا إنْ كَانَ بَيَانٌ لِمَا ( دُونَ مَا غَرِمَ ) الزَّوْجُ مِنْ صَدَاقِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ لِاعْتِرَافِهِ بِكَمَالِ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهَا لِإِنْكَارِهِ طَلَاقَهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِالطَّلَاقِ وَاثْنَانِ بِالدُّخُولِ فَالْأَكْثَرُ لَا غَرَامَةَ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ ، وَيَرْجِعُ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ الْمِيرَاثِ دُونَ مَا غَرِمَ لَهَا ، وَتَرْجِعُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَالصَّدَاقِ .
الْمَازِرِيُّ ابْنُ سَحْنُونٍ لَوْ غَرِمَ شَاهِدَا الْبِنَاءِ لِرُجُوعِهِمَا ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ رَجَعَا عَلَى الزَّوْجِ بِمَا غَرِمَا لَهُ ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ طَلَاقَهَا وَالْبِنَاءَ بِهَا يُوجِبُ أَنَّ مَوْتَهَا فِي عِصْمَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ عَلَيْهِ كُلَّ الصَّدَاقِ .
ابْنُ شَاسٍ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقُضِيَ
عَلَيْهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلْمَرْأَةِ مَا حَرَمَاهَا مِنْ مِيرَاثِهِ وَمَا أَسْقَطَا مِنْ صَدَاقِهَا ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ لَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمِيرَاثِهِ فَقَطْ لَا بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَ مِنْ الصَّدَاقِ ، وَهَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُنْكِرَ الطَّلَاقَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ .
( وَ ) إنْ مَاتَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَمُنْكِرَةٌ لِطَلَاقِهَا الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَرَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ ( رَجَعَتْ ) الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمَا ( بِ ) عِوَضِ ( مَا فَوَّتَاهَا مِنْ إرْثٍ ) مِنْ زَوْجِهَا وَهُوَ رُبْعُ تَرِكَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرْعٌ وَارِثٌ وَثُمُنُهَا إنْ كَانَ لَهُ فَرْعٌ وَارِثٌ ( وَ ) بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ نِصْفِ ( صَدَاقٍ ) .
وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ أَمَةٍ : غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ بِزَوْجِيَّتِهَا
( وَإِنْ كَانَ ) أَيْ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِتَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْنِ بِطَلَاقِ أَمَةٍ بِأَنْ كَانَ رَجُلٌ مُتَزَوِّجًا أَمَةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى سَيِّدُهَا طَلَاقَهَا بَائِنًا وَأَنْكَرَهُ زَوْجُهَا فَأَقَامَ سَيِّدُهَا شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ بِتَجْرِيحِهِمَا أَوْ غَلَّطَهُمَا فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِرَدِّ شَهَادَةِ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ وَبَقَاءِ الْأَمَةِ عَلَى عِصْمَةِ زَوْجِهَا ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ الْأَخِيرَانِ ( عَنْ ) شَهَادَتِهِمَا بِ ( تَجْرِيحِ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ أَمَةٍ ) فَإِنَّهُمَا ( يَغْرَمَانِ ) أَيْ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ عَنْ التَّجْرِيحِ أَوْ التَّغْلِيطِ ( لِلسَّيِّدِ ) لِتِلْكَ الْأَمَةِ ( مَا نَقَصَ ) مِنْ قِيمَتِهَا ( بِ ) سَبَبِ ( زَوْجِيَّتِهَا ) أَيْ كَوْنِهَا زَوْجَةً .
الْبُنَانِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حَكَمَ بِالطَّلَاقِ أَوَّلًا ثُمَّ نَقَضَهُ ، فَهُمَا حُكْمَانِ كَمَا صَوَّرَ بِهِ " ز " تَبَعًا لتت ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْذُرَ لِلزَّوْجِ فِي بَيِّنَتِهِ وَيَعْجِزَ عَنْ تَجْرِيحِهَا ، وَأَيْضًا مَا الْمَانِعُ مِنْ تَصْوِيرِهَا بِالشَّهَادَةِ بِالتَّجْرِيحِ أَوْ التَّغْلِيطِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ ، ثُمَّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ زَوْجِيَّتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ مَرْزُوقٍ اُنْظُرْ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ بِغَلَطِ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شَاسٍ كَصَاحِبِ النَّوَادِرِ وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ .
الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا كَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُمَا سَمِعَا شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْغَلَطِ وَمَاتَا أَوْ غَابَا وَلَمْ يَسْأَلَا وَتَذَكَّرَ هُنَا شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْقَاضِي أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ بِكَذَا فَوَهَمَ ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَوْ غَلَطَ بِبَيِّنَةٍ .
قُلْت أَوْ بِأَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدَانِ الْأَخِيرَانِ بِأَنَّهُمَا حَضَرَا مَجْلِسَ
الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَةً أُخْرَى لَا الْأَمَةَ أَوْ بِأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الزَّوْجِ مَعَ الْأَمَةِ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الطَّلَاقِ ، وَتَعْتَرِفُ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى بِذَلِكَ ، وَانْظُرْ مَا سَبَبُ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ وَمَاتَا أَوْ غَابَا وَلَمْ يَسْأَلَا ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَصْوِيرِهِ بِحَيَاتِهِمَا وَحُضُورِهِمَا مُنْكِرِينَ الْإِقْرَارَ الْمَشْهُودَ بِهِ أَوْ مُعْتَرِفِينَ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ لَهُ أَمَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِطَلَاقِهَا وَالسَّيِّدُ يَدَّعِيه فَقَضَى لَهُ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِإِسْقَاطِ شَهَادَتِهِمَا بِأَنَّهُمَا زَوَّرَا بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ كَانَا غَائِبَيْنِ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي شَهِدَا بِهِ فَأَثْبَت الْقَاضِي النِّكَاحَ وَنَقَضَ حُكْمَهُ بِالْفِرَاقِ ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ الْأَخِيرَانِ فَعَلَيْهِمَا غُرْمُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا ذَاتَ زَوْجٍ وَقِيمَتِهَا خَالِيَةً مِنْهُ .
وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ لَمْ تَطِبْ ، أَوْ آبِقٍ : فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ عَلَى الْأَحْسَنِ .
وَلَوْ كَانَ ) الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ عَلَى زَوْجَةٍ ( بِخُلْعٍ ) مِنْهَا لِزَوْجِهَا ( بِثَمَرَةٍ لَمْ تَطِبْ أَوْ ) بِرِقِّ ( آبِقٍ ) بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّتِهِ لِاغْتِفَارِ الْغَرَرِ فِيهِ ( فَالْقِيمَةُ ) لِلثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَطِبْ وَالْآبِقُ عَلَى غَرَرِهِمَا يَغْرَمُهَا الشَّاهِدَانِ لِلزَّوْجَةِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ رُجُوعِهِمَا بِلَا تَأْخِيرٍ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ ؛ لِأَنَّهَا ( كَالْإِتْلَافِ ) لِلثَّمَرَةِ قَبْلَ طِيبِهَا الْمُوجِبِ لِغُرْمِ الْمُتْلِفِ قِيمَتَهَا عَلَى غَرَرِهَا حِينَهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ لَا تَرْجِعُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمَا بِشَيْءٍ حَتَّى تُجَذَّ الثَّمَرَةُ وَيَقْبِضَهَا الزَّوْجُ فَيَغْرَمَ الشَّاهِدَانِ قِيمَتَهَا حِينَئِذٍ لِلزَّوْجَةِ ، وَلَا يَغْرَمَانِ لَهَا قِيمَةَ الْآبِقِ إلَّا بَعْدَ وِجْدَانِهِ وَقَبْضِهِ وَوَضَحَ قَوْلُهُ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ ( بِلَا تَأْخِيرٍ ) لِتَقْوِيمِ الثَّمَرَةِ وَالْآبِقِ ( لِلْحُصُولِ ) أَيْ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَقَبْضِ الْآبِقِ ( فَيَغْرَمَ ) بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ الشَّاهِدَانِ ( الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ الْحُصُولِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ ( عَلَى الْأَحْسَنِ ) عِنْدَ رَاشِدٍ شَارِحِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، قَالَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَقْيَسُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ رَجَعَا عَنْ الْخُلْعِ بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا ، فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَغْرَمَانِ قِيمَتَهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ كَمَنْ أَتْلَفَهَا ، وَفِي الْآبِقِ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤَخَّرُ الْجَمِيعُ إلَى الْحُصُولِ فَيَغْرَمَانِ مَا يَحْصُلُ ، وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ خَالَعَهَا بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَأَقَرَّا بِالزُّورِ فَلْيَغْرَمَا لَهَا قِيمَةَ الثَّمَرَةِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ بَلْ يَغْرَمَانِ لَهَا قِيمَتَهَا يَوْمَ يَأْخُذُهَا الزَّوْجُ وَيَقْبِضُهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ جَنِينٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا
يَلْزَمُهُمَا غُرْمٌ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْجَنِينِ وَقَبْضِهِ ، وَبَعْدَ وُجْدَانِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَقَبْضِهِمَا فَيَغْرَمَانِ لَهَا قِيمَةَ ذَلِكَ يَوْمئِذٍ إلَى هَذَا رَجَعَ مُحَمَّدٌ وَلِعَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلٌ تَرَكْته ، وَعَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ إنْ ظَهَرَ مَوْتُ الْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ قَبْلَ الْخُلْعِ رَدَّتْ الزَّوْجَةُ الْقِيمَةَ لِلشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ ظَهَرَ مَعِيبًا رَدَّتْ لَهُمَا مَا زَادَتْهُ قِيمَتُهُ سَلِيمًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ .
" غ " الْقِيمَةُ الْأُولَى حِينَ الرُّجُوعِ وَهِيَ مُثْبَتَةٌ ، وَالْقِيمَةُ الثَّانِيَةُ حِينَ الْحُصُولِ وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَوْضِعٍ وَلَا عَلَى حُكْمٍ فَلَا تَكْرَارَ وَلَا إعَادَةَ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فَيَغْرَمَ بِالنَّصْبِ جَوَابًا لِلنَّفْيِ وَعُطِفَ الْمَصْدَرُ الْمُؤَوَّلُ عَلَى الصَّرِيحِ وَالْأَحْسَنِيَّةُ ذَكَرَهَا ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ فَقَالَ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَقْيَسُ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْغُرْمُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمُخَالِعُ بِهِ يَوْمَ الْخُلْعِ كَالْإِتْلَافِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ كَانَ تَالِفًا يَوْمئِذٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ .
وَأَمَّا فِي الْإِتْلَافِ فَلَا .
ا هـ .
وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَهَلْ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ وَالْمَنْفَعَةُ إلَيْهِ لَهُمَا ، أَوْ تَسْقُطُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ ، أَوْ يُخَيَّرُ فِيهِمَا ؟ أَقْوَالٌ .
( وَإِنْ كَانَ ) الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ ( بِعِتْقٍ ) لِرَقِيقٍ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُنْكِرِ لَهُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ ( غَرِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( قِيمَتَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ يَوْمَ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْإِفَاتَةِ فِيهَا إنْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْعِتْقِ الَّذِي شَهِدَا بِهِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْمُعْتَقِ ( وَوَلَاؤُهُ ) أَيْ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ ( لَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ لِاعْتِرَافِهِمَا لَهُ بِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُقِيمًا عَلَى الْجَحْدِ فَلَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ رَجُلٍ فَوَلَاؤُهُ لِلرَّجُلِ .
الْمَازِرِيُّ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مُعْتَرِفَانِ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ لَا لَهُمَا ، فَإِذَا مَاتَ الْعَتِيقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ وَرِثَهُ سَيِّدُهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِعِتْقِهِ أَمَةً وَعَلِمَ سَيِّدُهَا بُطْلَانَ الشَّهَادَةِ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ قَبَضَ قِيمَتَهَا ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَمَةِ التَّزَوُّجُ إذَا عَلِمَتْ بُطْلَانَ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا جَازَ .
( وَهَلْ إنْ كَانَ ) الْعِتْقُ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَرَجَعَا عَنْهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ ( لِأَجَلٍ ) كَسَنَةٍ ( يَغْرَمَانِ ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( الْقِيمَةَ ) لِسَيِّدِهِ ( وَ ) تَكُونُ ( الْمَنْفَعَةُ ) أَيْ غَلَّةُ الرَّقِيقِ مُسْتَمِرَّةً ( إلَيْهِ ) أَيْ الْأَجَلِ ( لَهُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ يَسْتَوْفِيَانِ مِنْهَا الْقِيمَةَ الَّتِي أَدَّيَاهَا لِلسَّيِّدِ ، وَمَا زَادَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَنْهَا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي الْأَجَلِ أَوْ تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ تُوفِ مَنْفَعَتُهُ بِقِيمَتِهِ فَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ ، وَهَلْ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ لَهُمَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَا مِنْ غَلَّتِهِ أَوْ يَبْقَى تَحْتَ سَيِّدِهِ وَيَدْفَعَ لَهُمَا غَلَّتَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ مَثَلًا قَوْلَانِ .
( أَوْ يُسْقَطَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ ( مِنْهَا ) أَيْ الْقِيمَةِ ( الْمَنْفَعَةُ ) أَيْ قِيمَتُهَا عَلَى
غَرَرِهَا وَتَبْقَى الْمَنْفَعَةُ لِلسَّيِّدِ إلَى الْأَجَلِ ( أَوْ يُخَيَّرُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلًا لِلسَّيِّدِ ( فِيهِمَا ) أَيْ إسْلَامِ الْعَبْدِ لِلشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَا الْقِيمَةَ مِنْهَا وَإِسْقَاطِ قِيمَتِهَا مِنْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ ، فِي الْجَوَابِ ( أَقْوَالٌ ) الْبُنَانِيُّ جَعَلَ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةً وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَرْبَعَةٌ : الْأَوَّلُ : لِعَبْدِ الْمَلِكِ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ وَالْمَنْفَعَةَ لِلْأَجَلِ لَهُمَا ، لَكِنْ يَبْقَى تَحْتَ يَدِ سَيِّدِهِ وَيُعْطِيهِمَا مِنْ تَحْتِ يَدِهِ .
الثَّانِي : لِسَحْنُونٍ كَالْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ يُسَلَّمُ إلَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَا مَا غَرِمَاهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ لِسَيِّدِهِ إلَى الْأَجَلِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَحْتَمِلُهُمَا قَوْلُهُ وَالْمَنْفَعَةُ لَهُمَا إلَيْهِ .
وَالثَّالِثُ : يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ بَعْدَ أَنْ تَسْقُطَ مِنْهَا قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ كَمَا فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ لَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ .
وَلَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَالرَّابِعُ : لِابْنِ الْمَوَّازِ يُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ .
شب عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ إنْ اسْتَوْفَيَا مِنْهَا مَا غَرِمَا وَبَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ رَجَعَتْ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ رَجَعَا عَلَيْهِ بِبَقِيَّةِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِبَقِيَّةِ مَالِهِمَا إنْ زَادَتْ قِيمَةُ بَاقِي الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهَا فَإِنْ مَاتَ قَبْلُ وَتَرَكَ مَالًا أَوْ قُتِلَ وَأَخَذَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ مِمَّنْ قَتَلَهُ فَإِنَّهُمَا يَأْخُذَانِ مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ .
" ق " مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ إلَى سِنِينَ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَعَلَيْهِمَا لِسَيِّدِهِ قِيمَتُهُ حَالَّةً ، وَيَطْلُبَانِ ذَلِكَ فِي خِدْمَتِهِ فَيُؤَجِّرَاهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَاهُ ، فَإِنْ قَبَضَا مَا أَدَّيَا قَبْلَ الْأَجَلِ رَجَعَ الْعَبْدُ يَخْدُمُ سَيِّدَهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ تَمَّ
الْأَجَلُ وَلَمْ يَتِمَّ مَا أَدَّيَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا مِمَّا بَقِيَ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَغْرَمَانِ قِيمَتَهُ مُسْقِطًا مِنْهَا قِيمَةَ خِدْمَتِهِ لِلْأَجَلِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ قَالَ سَيِّدُهُ بَعْدَمَا أَغْرَمَهُمَا قِيمَتَهُ لَا أُسَلِّمُهُ إلَيْهِمَا وَأَسْتَخْدِمُهُ وَأَدْفَعُ إلَيْهِمَا مَا يَحِلُّ عَلَيَّ مِنْ خِدْمَتِهِ ، فَذَلِكَ لَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إسْلَامِهِ إلَيْهِمَا لِيَأْخُذَا مِنْ خِدْمَتِهِ مَا أَدَّيَا وَبَيْنَ حَبْسِهِ وَدَفْعِهِ إلَيْهِمَا مَا يَحْصُلُ مِنْ خِدْمَتِهِ إلَى مَبْلَغِ مَا أَدَّيَا .
وَإِنْ كَانَ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ : فَالْقِيمَةُ ، وَاسْتَوْفَيَا مِنْ خِدْمَتِهِ .
فَإِنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِمَا ، وَهُمَا أَوْلَى ، إنْ رَدَّهُ دَيْنٌ ، أَوْ بَعْضُهُ : كَالْجِنَايَةِ .
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ ) بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ وَإِضَافَتُهُ لِلْبَيَانِ فَالْقِيمَةُ ) عَلَيْهَا حَالَّةً ( وَاسْتَوْفَيَا ) هَا ( مِنْ خِدْمَتِهِ ) أَيْ الْمُدَبَّرِ لِمَنْعِهِمَا سَيِّدَهُ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَبَاقِي خِدْمَتِهِ إنْ كَانَ لِسَيِّدِهِ ( فَإِنْ عَتَقَ ) الْمُدَبَّرُ ( بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ) لِحَمْلِهِ ثُلُثَهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِمَا ( فَ ) قَدْ فَاتَ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ ( وَ ) إنْ أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ دُيِّنَ عَلَى سَيِّدِهِ فَ ( هُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( أَوْلَى ) أَيْ أَحَقُّ مِنْ أَرْبَابِ الدَّيْنِ بِاسْتِيفَاءِ قِيمَتِهِ مِنْ رَقَبَتِهِ ( إنْ رَدَّهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرَ إلَى الرِّقِّ ( دَيْنٌ ) عَلَى سَيِّدِهِ كُلَّهُ ( أَوْ ) رَدَّ الدَّيْنَ ( بَعْضَهُ ) لِبُطْلَانِ التَّدْبِيرِ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَرُجُوعِهِ رِقًّا وَقَدْ أَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْهُمَا قِيمَتَهُ وَهِيَ دَيْنٌ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ( كَ ) أَرْشِ ( الْجِنَايَةِ ) مِنْ الْمُدَبَّرِ عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدِ الَّذِي بَطَلَ تَدْبِيرُهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِدَيْنٍ فَمُسْتَحِقُّهُ مُقَدَّمٌ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى رَبِّ دَيْنٍ عَلَى السَّيِّدِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِرِقِّهِ بِيعَ لَهُمَا أَيْ الشَّاهِدَيْنِ قَبْلَ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً وَالدَّيْنُ مُحِيطٌ بِهِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِرَقَبَتِهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ضَيْح ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَحَمَلَهُ ثُلُثُهُ خَرَجَ حُرًّا ، وَإِنْ رَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُمَا أَوْلَى بِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّهُ دَيْنٌ فَهُمَا أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ كَأَهْلِ الْجِنَايَةِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ ، قَالَ وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ يَقْتَضِي أَنَّ رُقْيَةَ بَعْضِهِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّيْنِ كَرِقِّيَّةِ الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ السَّيِّدَ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا سِوَى الْمُدَبَّرِ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَرَقَّ ثُلُثَاهُ .
وَإِنْ كَانَ بِكِتَابَةٍ فَالْقِيمَةُ ، وَاسْتَوْفَيَا مِنْ نُجُومِهِ ، وَإِنْ رُقَّ : فَمِنْ رَقَبَتِهِ
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِكِتَابَةٍ ) لِرَقِيقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا ( فَالْقِيمَةُ ) لِلْمَشْهُودِ بِكِتَابَتِهِ يَغْرَمَانِهَا لِسَيِّدِهِ حَالَّةً ( وَاسْتَوْفَيَا ) هَا ، أَيْ الشَّاهِدَانِ الْقِيمَةَ ( مِنْ نُجُومِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ وَبَاقِيهَا لِسَيِّدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ( وَإِنْ رُقَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُكَاتَبُ لِعَجْزِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ نُجُومِهَا ( فَ ) تُسْتَوْفَى قِيمَتُهُ ( مِنْ ) ثَمَنِ ( رَقَبَتِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِقِيمَتِهِ ضَاعَ بَاقِيهَا عَلَيْهِمَا .
سَحْنُونٌ إنْ شَهِدَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا وَأَقَرَّا بِالزُّورِ فَالْحُكْمُ مَاضٍ ، وَلْيُؤَدِّيَا قِيمَتَهُ نَاجِزَةً لِلسَّيِّدِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَيَتَأَدَّيَاهَا مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ ، فَإِنْ اقْتَضَيَا مِنْهَا مِثْلَ مَا أَدَّيَا رَجَعَ السَّيِّدُ فَأَخَذَ بَاقِيَ الْكِتَابَةِ مُنَجَّمَةً ، فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ ، وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ لَهُ ، وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ بَعْضِ الرَّاجِعِينَ مَا أَدَّيَا بِيعَ لِتَمَامِ مَا بَقِيَ لَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَمَامُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا غَيْرُهُ .
ابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَبِهِ أَقُولُ ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُوقَفُ قِيمَتُهُ بِيَدِ عَدْلٍ وَالسَّيِّدُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَظْلُومٌ مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي عَبْدِهِ دُونَ ثَمَنٍ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَا رَاحَةَ لِلشَّاهِدَيْنِ فِي وَقْفِهَا ، وَلَعَلَّهَا تَتْلَفُ فَيَغْرَمَانِهَا ثَانِيَةً ، وَلَوْ اسْتَحْسَنْتُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَقُلْتُ كُلَّمَا يَقْبِضُ السَّيِّدُ مِنْ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا يَدْفَعُ مِثْلَهُ لِلشَّاهِدَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ الْمَوْقُوفَةِ خِلَافُ ظَاهِرِ جَوَابِ سَحْنُونٍ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إذَا رَجَعَا بِيعَتْ الْكِتَابَةُ بِعَرْضٍ ، فَإِنْ شَاءَ السَّيِّدُ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ بِيعَ الْعَرْضُ ، فَإِنْ وَفَّى ثَمَنَهُ بِالْقِيمَةِ أَوْ زَادَ فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ تَبِعَهُمَا بِتَمَامِ الْقِيمَةِ .
قَالَ عَنْهُ ابْنُ مُيَسِّرٍ
فَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ بَيْعَ الْكِتَابَةِ فَلَا يَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ لَهُ شَيْئًا ، فَالْأَقْوَالُ أَرْبَعَةٌ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَفِي عَدِّ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَوْ اسْتَحْسَنْت قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ خَامِسًا نَظَرٌ .
وَإِنْ كَانَ بِإِيلَادٍ فَالْقِيمَةُ ، وَأَخَذَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا ، وَفِيمَا اسْتَفَادَتْهُ : قَوْلَانِ
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِاسْتِيلَادٍ ) مِنْ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ ( فَالْقِيمَةُ ) يَغْرَمَانِهَا كَامِلَةً عَلَى الْمَشْهُورِ نَاجِزَةً ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمَا شَيْءٌ مِنْهَا لِبَقَاءِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَيَسِيرِ خِدْمَتِهَا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ( وَأَخَذَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ بَدَلَ قِيمَتِهَا ( مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا ) أَيْ الْأَمَةِ إنْ اتَّفَقَتْ وَبَاقِيهِ إنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ ( وَفِي ) أَخْذِهَا مِ ( مَّا اسْتَفَادَتْهُ ) الْأَمَةُ بِعَمَلٍ أَوْ هِبَةٍ مَثَلًا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَعَدَمُهُ وَيَخْتَصُّ السَّيِّدُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ ( قَوْلَانِ ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا .
الْعَدَوِيُّ الرَّاجِحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمِنْ كِتَابِهِ إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَوْلَدَ جَارِيَتَهُ ، أَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهَا لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ يَطَؤُهَا لَهُ وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلَا يَبْقَى فِيهَا خِدْمَةٌ ، وَلَا يَرْجِعَانِ فِيهَا بِمَا غَرِمَا إلَّا أَنْ تُجْرَحَ أَوْ تُقْتَلَ ، وَيُؤْخَذُ لِذَلِكَ أَرْشٌ فَلَهُمَا الرُّجُوعُ فِيهِ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّيَا وَالْفَضْلُ لِسَيِّدِهَا .
مُحَمَّدٌ وَلَا يَرْجِعَانِ فِيمَا تُفِيدُهُ مِنْ مَالٍ بِعَمَلٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ لِلسَّيِّدِ مَعَ مَا أَخَذَهُ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ يَرْجِعَانِ فِي الْأَرْشِ وَفِي كُلِّ مَا أَخَذَتْ .
وَإِنْ كَانَ بِعِتْقِهَا : فَلَا غُرْمَ ؛
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِعِتْقِهَا ) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ ( فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ ، إذْ لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِ غَيْرَ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا قِيمَةَ لَهُ ، وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ كَذَلِكَ .
مُحَمَّدٌ إنْ شَهِدَا فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا فَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا غَيْرُ وَطْئِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهُ كَشَهَادَتِهِمَا أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْهَا ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا كَقَتْلِهَا ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَصَحُّ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ .
ابْنُ عَرَفَةَ إنْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَةٍ بِعِتْقِ أُمِّ وَلَدٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ فَفِي غُرْمِهِمَا قِيمَتَهَا وَعَدَمِهِ ثَالِثُهَا قِيمَةٌ مُخَفَّفَةٌ .
أَوْ بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ : فَالْكِتَابَةُ .
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ ) بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ ( فَالْكِتَابَةُ ) أَيْ الْمَالُ الْمُكَاتَبُ بِهِ يَغْرَمَانِهَا مُنَجَّمَةً قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَرْضًا لَا قِيمَتَهَا ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ غَرِمَا قِيمَةَ كِتَابَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَدَّى مِنْهَا شَيْئًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِ غَرِمَا مَا بَقِيَ مِنْهَا .
سَحْنُونٌ إنْ شَهِدَا لِلْمُكَاتَبِ أَنَّ سَيِّدَهُ قَبَضَ مِنْهُ كِتَابَتَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُ كِتَابَتَهُ وَخَرَجَ حُرًّا فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَلْيَغْرَمَا لِسَيِّدِهِ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا .
ابْنُ الْمَوَّازِ يُؤَدِّيَانِهِ عَلَى النُّجُومِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ .
الْخَرَشِيُّ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ رُجُوعِهِمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِ مُدَبَّرٍ أَوْ بِتَنْجِيزِ عِتْقِ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ ، اُنْظُرْ الْكَبِيرَ لِلْعَدَوِيِّ ، حَاصِلُهُ أَنَّهُمَا إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِ الْمُدَبَّرِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِقِيمَتِهِ عَلَى أَنَّهُ مُدَبَّرٌ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً لَكَانَ لَهُ وَطْؤُهَا وَيُقْضَى بِهِمَا دَيْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِتَنْجِيزِ عِتْقِ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ ، فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ قِيمَةَ رَقَبَتِهِ عَلَى أَنَّهُ مُعْتَقٌ لِأَجَلٍ ، وَلَوْ كَانَ إلَى مَوْتِ فُلَانٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ إلَى أَقْصَى عُمُرَيْ الْعَبْدِ ، وَاَلَّذِي أَعْتَقَ إلَى مَوْتِهِ .
وَإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ ، فَلَا غُرْمَ ، إلَّا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإِرْثٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا : فَقِيمَتُهُ أَوَّلًا ، ثُمَّ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ آخَرَ : فَالْقِيمَةُ لِلْآخَرِ ، وَغَرِمَا لَهُ نِصْفَ الْبَاقِي ، وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ : أُخِذَ مِنْ كُلٍّ النِّصْفُ ، وَكُمِّلَ بِالْقِيمَةِ ؛ وَرَجَعَا عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِبُنُوَّةٍ ) لِشَخْصٍ ادَّعَاهَا وَأَنْكَرَهَا أَبُوهُ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْهَا ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَيْهِمَا فِي الْحَالِ إذْ لَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْأَبِ مَالًا ( إلَّا بَعْدَ ) مَوْتِ الْأَبِ وَ ( أَخَذَا ) لِوَلَدِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِ ( لِمَالِ ) الَّذِي تَرَكَهُ الْأَبُ ( بِإِرْثٍ ) عَنْهُ وَلِلْأَبِ وَرَثَةٌ حَجَبَهُمْ الِابْنُ الْمَشْهُودُ لَهُ كَإِخْوَةٍ أَوْ شَارَكَهُمْ كَأَوْلَادٍ فَيَغْرَمَانِ عِوَضَ مَا أَخَذَهُ الِابْنُ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَارِثٌ غَيْرُ الِابْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ عِوَضَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِإِرْثٍ عَمَّا أَخَذَهُ الِابْنُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى أَبِيهِ فَلَا يَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ عِوَضَهُ وَ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) الْمَشْهُودُ بِبُنُوَّتِهِ ( عَبْدًا ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْأُبُوَّةِ ( فَقِيمَتُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ يَغْرَمُهَا الشَّاهِدَانِ ( أَوَّلًا ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مُشَدَّدًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
( ثُمَّ إنْ مَاتَ ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ( وَتَرَكَ ) ابْنًا ( آخَرَ ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْخَاءِ ثَابِتًا نَسَبُهُ ( فَالْقِيمَةُ ) الَّتِي أَخَذَهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ( لِ ) لِابْنِ اَ ( لِآخَرَ ) الثَّابِتِ نَسَبُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا الْمَشْهُودُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا حَقَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِيهَا وَأَخْذُهَا مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ظُلْمٌ وَتُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ الثَّابِتِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ ( وَغَرِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( لَهُ ) أَيْ الِابْنِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ ( نِصْفَ الْبَاقِي ) مِنْ تَرِكَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ مِنْهَا .
( وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ) لِلتَّرِكَةِ عَلَى الْأَبِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( أُخِذَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( مِنْ كُلٍّ ) مِنْ الِابْنَيْنِ الثَّابِتِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ ( نِصْفُهُ ) الَّذِي أُخِذَ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِمَا ، وَكَذَا إنْ ظَهَرَ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ
وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ الْمُسْتَغْرِقَ لِقَوْلِهِ وَكُمِّلَ بِالْقِيمَةِ ( وَ ) إنْ لَمْ يُوَفِّ مَا يُؤْخَذُ بِهِمَا بِالدَّيْنِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَى أَبِيهِمَا ( كُمِّلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الدَّيْنُ ( بِالْقِيمَةِ ) الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا ثَابِتُ النَّسَبِ ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ الدَّيْنِ اخْتَصَّ بِهِ أَيْضًا وَأُخِّرَتْ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ لِلشَّكِّ فِي اسْتِحْقَاقِهَا الْمَيِّتِ ( وَرَجَعَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ الِابْنِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ ( بِ ) عِوَضِ ( مَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ ) الْمَشْهُودُ بِبُنُوَّتِهِ ( لِلْغَرِيمِ ) أَيْ صَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا غَرِمَاهُ لِلثَّابِتِ لِإِتْلَافِهِ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا ، فَلَمَّا ظَهَرَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَشَفَ أَنَّ تَرِكَتَهُ حَقٌّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لَا لِابْنِهِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ ، وَأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهِ مَا أَخَذَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ الْغَرِيمُ .
الْبِسَاطِيُّ قَالَ بِمَا غَرِمَهُ لِلْعَبْدِ إلَخْ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ لَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ فَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُ الثَّانِي لِلْغَرِيمِ .
الْحَطّ هَذَا ظَاهِرٌ لَكِنْ الْمُصَنِّفُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي دَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ فَلَا يُلَائِمُهُ مَا قَالَهُ ، وَإِنَّمَا يُلَائِمُهُ لَوْ قَالَ بِمَا غَرِمَاهُ لَهُ وَيَظْهَرُ لِي إنْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ أَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ لَا يَجِدُ بِيَدِ الْعَبْدِ إلَّا بَعْضَ مَا أَخَذَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِالْبَاقِي ، فَلَا يَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِقَدْرِ مَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ فِي عَبْدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَضَى بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِهِ وَحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ رَجَعَا وَالسَّيِّدُ صَحِيحُ الْبَدَنِ ، فَالْحُكْمُ بِالنَّسَبِ مَاضٍ ، وَعَلَيْهِمَا لِلسَّيِّدِ قِيمَةُ الْعَبْدِ ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَرَكَ وَلَدًا آخَرَ مَعَ الْمُسْتَلْحَقِ فَلْيَقْسِمَا تَرِكَتَهُ إلَّا قِيمَةَ الْمُسْتَلْحَقِ الَّتِي
أَخَذَهَا الْأَبُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ، فَإِنَّهَا تُعْزَلُ مِنْ التَّرِكَةِ فَتَكُونُ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ يَقُولُ إنَّ أَبَاهُ ظَلَمَ الشُّهُودَ فِيهَا وَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ فِيهَا ، وَيَنْظُرُ مَا حَصَلَ لِلْمُسْتَلْحَقِ مِنْ الْمِيرَاثِ فَيَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ مِثْلَهُ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ عِوَضَ مَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ .
مُحَمَّدٌ إنَّمَا جَعَلْنَا الْقِيمَةَ كُلَّهَا لِلِابْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّا لَوْ قَسَمْنَاهَا بَيْنَهُمَا لَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْمُسْتَلْحَقِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهَا فَأَخَذَاهُ مِنْهُ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِمَا لِصِحَّةِ نَسَبِهِ ، فَإِذَا أَخَذَا ذَلِكَ مِنْهُ قَامَ عَلَيْهِمَا الِابْنُ الْأَوَّلُ فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُسْتَلْحَقِ لَوَجَبَ لِي الرُّجُوعِ بِمِثْلِهِ عَلَيْكُمَا ، إذْ تَغْرَمَانِ لِي كُلَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّكُمَا أَلْحَقْتُمَاهُ بِأَبِي مُحَمَّدٍ فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مِائَةُ دِينَارٍ فَلْيَأْخُذْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ نِصْفَهَا ، فَإِنْ عَجَزَ ذَلِكَ أَتَمَّ قَضَاءَ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا الِابْنُ الْأَوَّلُ ، وَرَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الِابْنِ الثَّابِتِ فَأَغْرَمَاهُ مِثْلَ الَّذِي غَرِمَهُ الْمُسْتَلْحَقُ لِلْغَرِيمِ .
ابْنُ يُونُسَ ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا غَرِمَا لَهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ الْمُسْتَلْحَقُ ، وَاَلَّذِي أَخَذَهُ الْمُسْتَلْحَقُ قَدْ قَضَى بِهِ الِابْنُ دَيْنَ أَبِيهِ وَلَا مِيرَاثَ لِلِابْنِ الثَّابِتِ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ ، وَأَيْضًا فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُسْتَلْحَقُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا غَرِمَ مِثْلَ ذَلِكَ لِلثَّابِتِ ، فَلِذَا وَجَبَ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا بِهِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلَا غُرْمَ ؛ إلَّا لِكُلِّ مَا اُسْتُعْمِلَ ، وَمَالٍ اُنْتُزِعَ ، وَلَا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ ، وَوَرِثَ عَنْهُ ، وَلَهُ عَطِيَّتُهُ لَا تَزَوُّجٌ
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِرِقٍّ ) أَيْ رُقْيَةٍ ( لِ ) شَخْصٍ ( حُرٍّ ) فِي الْوَاقِعِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَيْهِمَا حَالَ رُجُوعِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الْحُرِّيَّةَ وَلَا قِيمَةَ لَهَا ( إلَّا ) أَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُرْمَ ( لِكُلِّ مَا ) أَيْ عَمَلٍ ( اُسْتُعْمِلَ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمَشْهُودِ بِرِقِّيَّتِهِ ، أَيْ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ الْمَشْهُودُ لَهُ فَيَغْرَمَانِ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ ( وَ ) يَغْرَمَانِ لَهُ أَيْضًا عِوَضَ كُلِّ ( مَالٍ اُنْتُزِعَ ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ ، أَيْ انْتَزَعَهُ مِنْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ ( وَلَا يَأْخُذُهُ ) أَيْ مَا غَرِمَهُ الشَّاهِدَانِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( الْمَشْهُودُ لَهُ ) لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ قَدْ ظَلَمَ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَخْذِهِ مِنْهُمَا .
( وَ ) إنْ مَاتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَنْ وَرَثَةٍ ( وُرِثَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَالُ الَّذِي غَرِمَهُ الشَّاهِدَانِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( عَنْهُ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ مِنْهُ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( عَطِيَّتُهُ ) أَيْ إعْطَاءُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ لِشَخْصٍ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَلَيْسَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِيهِ ( لَا تَزَوُّجٌ ) أَيْ لَيْسَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِيهِ تَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهُ ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِهِ فَلَهُ فَسْخُهُ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ وَهُوَ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ فَقَضَى بِرِقِّهِ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِمَا ، وَيَغْرَمَانِ لِلْعَبْدِ كُلَّمَا اسْتَعْمَلَهُ سَيِّدُهُ وَخَرَاجَ عَمَلِهِ وَمَا انْتَزَعَهُ مِنْهُ ، وَلَيْسَ لِمَنْ قَضَى لَهُ بِمِلْكِهِ أَخْذُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فَلَا يَرِثُ ذَلِكَ السَّيِّدُ وَيُوقَفُ حَتَّى يَسْتَحِقَّهُ مُسْتَحِقٌّ ثُمَّ يَرِثَهُ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَإِنْ أَوْصَى مِنْهُ الْعَبْدُ فَمَا أَوْصَى بِهِ فِي ثُلُثِهِ ، وَإِنْ
وَهَبَ مِنْهُ أَوْ تَصَدَّقَ جَازَ ، وَيَرِثُ بَاقِيَهُ وَرَثَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَرِثُهُ إنْ كَانَ حُرًّا ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ ا هـ .
فِي التَّوْضِيحِ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ أَنَّ مَنْ بَاعَ حُرًّا وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ أَنَّ عَلَى الرَّاجِعِينَ دِيَةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
الْمِسْنَاوِيُّ هَذَا تَخْرِيجٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ الْقَوْلِ عَنْ الْفِعْلِ وَلِانْضِمَامِ دَعْوَى الْمُدَّعِي لِلشَّهَادَةِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ لَا تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمَا بِالتَّسَبُّبِ فِي رِقِّيَّتِهِ ، بَلْ الْمُدَّعَى مَعَهُمَا .
وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ، ثُمَّ قَالَا لِزَيْدٍ : غَرِمَا خَمْسِينَ لِعَمْرٍو فَقَطْ .
( وَإِنْ كَانَ ) رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ( بِمِائَةٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهَمْزٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ مَثَلًا ( لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ) عَلَى بَكْرٍ ( ثُمَّ قَالَ ) أَيْ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لَهُمَا عَلَيْهِ الْمِائَةُ ( لِزَيْدٍ وَحْدَهُ ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُنْفَرِدًا بِهَا عَنْ عَمْرٍو ( غَرِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( خَمْسِينَ ) دِينَارًا مَثَلًا ( لِلْغَرِيمِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ بَكْرٌ فِي الْمِثَالِ ( فَقَطْ ) قَيَّدَ فِي خَمْسِينَ ، أَيْ لَا أَزْيَدَ مِنْهَا " غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِعَمْرٍو مَكَانَ لِلْغَرِيمِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ فَظِيعٌ ، وَأَصْلُهَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا لَهُمَا وَقَالَا إنَّمَا نَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا وَعَيَّنَاهُ رَجَعَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ بِخَمْسِينَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِلْآخَرِ بِكُلِّ الْمِائَةِ لِجَرْحِهِمَا بِرُجُوعِهِمَا وَلَا يَغْرَمَانِ لَهُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَقَدْ بَقِيَ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَغْرَمَانِ لَهُ خَمْسِينَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أَخَذَا خَمْسِينَ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَعْطَيَاهَا لِمَنْ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَرَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ لَهُمَا وَقَالَا إنَّمَا أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ مِنْهُمَا فَهَهُنَا يَغْرَمَانِ لِمَنْ أَقَرَّا لَهُ قِيمَةَ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ .
هَذَا إنْ أَقَرَّ مَنْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِهِ أَنَّهُ لِمَنْ شَهِدَا لَهُ خَيْرًا ، وَإِنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَأَنْكَرَ شَهَادَتَهُمَا غَرِمَا نِصْفَ قِيمَتِهِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ لَهُ آخِرًا إلَّا نِصْفُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ يَقُومُ مِنْهُ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ بِحَالٍ مَا دَامَ فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّ التَّعَرُّضَ لَهُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ فِيهِ حُكْمًا ، وَنَزَلَتْ فِي أَوَائِلِ هَذَا
الْقَرْنِ يَعْنِي الثَّامِنَ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَعَدَا السُّلْطَانُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَأَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ ثُمَّ تَمَكَّنَ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ طَلَبِ الْمَدِينِ بِدَيْنِهِ فَاحْتَجَّ الْمَدِينُ بِجَبْرِ السُّلْطَانُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ ، فَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِبَرَاءَةِ الْمَدِينِ وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ .
وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا : غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ كَرَجُلٍ مَعَ نِسَاءٍ ، وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ :
( وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ بِحَقٍّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا ( غَرِمَ ) الرَّاجِعُ ( نِصْفَ الْحَقِّ ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الرُّجُوعِ وَلَعَلَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْكُلَّ لِكَوْنِ الرُّجُوعِ عَنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْحَقِّ ، وَشَبَّهَ فِي غُرْمِ نِصْفِ الْحَقِّ فَقَالَ ( كَ ) رُجُوعِ ( رَجُلٍ ) شَهِدَ ( مَعَ نِسَاءٍ ) بِحَقٍّ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ وَعَلَيْهِنَّ النِّصْفُ إنْ رَجَعْنَ دُونَهُ وَإِنْ كَثُرْنَ لِأَنَّهُنَّ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ .
سَحْنُونٌ لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَحْدَهُ وَلَا تُضَمُّ الْمَرْأَةُ إلَى رَجُلٍ ، وَإِنَّمَا تُضَمُّ إلَى مِثْلِهَا ، وَاثْنَتَانِ مِنْهُنَّ فَأَكْثَرُ عَدْلُ رَجُلٍ فَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسْوَةُ كُلُّهُنَّ لَزِمَ الرَّجُلَ نِصْفُ الْحَقِّ وَالنِّسْوَةَ نِصْفُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَلِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ عَنْ شَهَادَةٍ بِحَقٍّ غَرِمَ الرَّجُلُ نِصْفَهُ وَالنِّسْوَةُ نِصْفَهُ ، وَلَوْ رَجَعَ النِّسْوَةُ وَهُنَّ عَشْرٌ وَاحِدَةٌ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِنَّ ، فَلَوْ رَجَعَ مِنْهُنَّ تِسْعٌ فَعَلَيْهِنَّ رُبْعُ الْمَالِ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوَاءِ ، قُلْت لِأَنَّ التِّسْعَ كَامْرَأَةٍ مِنْ امْرَأَتَيْنِ ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعَتْ الْمَرْأَتَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ إلَّا وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهَا الرُّبْعُ .
( وَهُوَ ) أَيْ الرَّجُلُ الشَّاهِدُ ( مَعَهُنَّ ) أَيْ النِّسَاءِ ( فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ ) نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَعَهُنَّ فِيهِ كَامْرَأَةٍ .
الْخَرَشِيُّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الرَّجُلَ مَعَ النِّسَاءِ
كَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَمَا شَابَهَهُ مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ امْرَأَتَانِ ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّضَاعِ وَنَحْوُهُ فَهَلْ هُوَ فِيهِ كَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ فِي الرَّضَاعِ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَبِامْرَأَتَيْنِ أَوْ كَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ بِرَضَاعٍ وَرَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ لِبَقَاءِ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْحُكْمُ وَهُمَا امْرَأَتَانِ حَيْثُ فَشَا قَوْلُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْبَاقِيَتَيْنِ فَنِصْفُ الْغَرَامَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَالتِّسْعِ الرَّاجِعِينَ ، وَهَلْ يُجْعَلُ كَامْرَأَةٍ أَوْ كَامْرَأَتَيْنِ ؟ فِيهِ مَا مَرَّ ، فَإِنْ رَجَعَتْ الْمَرْأَةُ الْبَاقِيَةُ فَالْغُرْمُ عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَيْهِنَّ ، وَهَلْ يُجْعَلُ الرَّجُلُ كَامْرَأَةٍ أَوْ كَامْرَأَتَيْنِ فِيهِ مَا مَرَّ أَيْضًا ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ النِّسَاءَ تُضَمُّ لِلرَّجُلِ فِي الْغَرَامَةِ فِي شَهَادَةِ الرَّضَاعِ فِي الْحَالَيْنِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ امْرَأَتَانِ كَالرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ وَرَجَعُوا ، فَعَلَى الرَّجُلِ السُّدُسُ وَعَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ نِصْفُ سُدُسٍ .
قُلْتُ أَرَادَ أَنَّ الشُّهُودَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ ، كَذَا صَوَّرَهَا ابْنُ شَاسٍ ، وَذَكَرَ فِيهَا الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ .
ابْنُ هَارُونَ جَعَلَ عَلَى الرَّجُلِ ضَعْفَ مَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ اسْتِوَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْغُرْمِ فِي هَذَا الْفَصْلِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ فِيهِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا آلَتْ إلَى الْمَالِ حُكِمَ فِي الرُّجُوعِ عَنْهَا بِحُكْمِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْمَالِ .
قُلْتُ هَذَا التَّوْجِيهُ وَهْمٌ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الرَّجُلِ مَعَ النِّسْوَةِ فِي الْأَمْوَالِ يُوجِبُ عَلَيْهِ غُرْمَ نِصْفِ الْحَقِّ لَا ضِعْفَ مَا
يَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ مِنْ إضَافَةِ الْغُرْمِ إلَى عَدَدِ الشُّهُودِ مِنْ حَيْثُ عَدَدُهُمْ لَا عَلَى أَقَلِّ النِّصَابِ مِنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَشْهَبَ فِي أَرْبَعَةٍ رَجَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ ، خِلَافُ الْمَشْهُورِ أَنَّ عَلَيْهِمْ نِصْفُهُ ، ثُمَّ تَعَقَّبَ تَوْجِيهَهُ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ رَجَعُوا إلَّا امْرَأَتَيْنِ فَلَا غُرْمَ ، قَالَ فَهَذَا يُقَوِّي مَا قُلْنَاهُ إنَّ الرَّجُلَ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْمَرْأَةِ ، فَلِذَا اسْتَقَلَّ الْحُكْمُ بِامْرَأَتَيْنِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ بَقَاءَ الْمَرْأَتَيْنِ يُثْبِتُ حُكْمَ الرَّضَاعِ وَكُلُّ مَا ثَبَتَ فَلَا غُرْمَ ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي نُقِضَ فِيهَا عِلَّةُ الْحُكْمِ مُبَايِنَةٌ لِصُورَةِ النِّزَاعِ فَلَا تُرَدُّ نَقْضًا فَتَأَمَّلْهُ ، وَلَمْ أَعْرِفْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَلَقَدْ أَطَالَ الشَّيْخُ وَالصَّقَلِّيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ، فَذَكَرَا فِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً ، وَلَمْ يَذْكُرَاهَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ بِلَفْظِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ ، فَإِضَافَةُ ابْنِ شَاسٍ إلَى الْمَذْهَبِ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهِ فِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَامٌّ ، وَهُوَ إضَافَتُهُ مَا يَظُنُّهُ جَارِيًا عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ إلَى الْمَذْهَبِ ، كَأَنَّهُ نَصٌّ فِيهِ وَتَعَقُّبٌ خَاصٌّ ، وَهُوَ حَيْثُ الْإِجْرَاءُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا ، وَلَمَّا ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ قَالَ تُنَزَّلُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَنْزِلَةَ رَجُلٍ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُهُ عَلَى الرَّجُلِ .
قُلْتُ هَذَا التَّوْجِيهُ يَتِمُّ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ وَالشَّهَادَةُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ عِنْدَنَا فِي الرَّضَاعِ كَامْرَأَةٍ قَالَهُ فِي نِكَاحِهَا الثَّانِي .
وَعَنْ بَعْضِهِ : غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ
( وَ ) إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ( عَنْ بَعْضِهِ ) أَيْ الْحَقِّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا ( غَرِمَ ) الرَّاجِعُ ( نِصْفَ الْبَعْضِ ) الَّذِي رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ بِهِ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ النِّصْفِ غَرِمَ الرُّبْعَ ، وَعَنْ الرُّبْعِ غَرِمَ الثُّمْنَ ، وَعَنْ الثُّلْثِ غَرِمَ السُّدْسَ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِحَقٍّ بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَ نِصْفَهُ فَقَطْ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ .
مُحَمَّدٌ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ نِصْفِ مَا شَهِدَا بِهِ غَرِمَ الرُّبْعَ ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ الثُّلْثِ غَرِمَ السُّدُسَ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ رُجُوعُهُمَا غَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا رَجَعَ عَنْهُ .
وَإِنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ : فَلَا غُرْمَ ، فَإِذَا رَجَعَ غَيْرُهُ ، فَالْجَمِيعُ
( وَإِنْ رَجَعَ ) عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا ( مَنْ يَسْتَقِلُّ ) أَيْ يَحْصُلُ وَيَتِمُّ وَيَصِحُّ ( الْحُكْمُ بِعَدَمِ ) شَهَادَتِهِ لِزِيَادَتِهِ عَنْ النِّصَابِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَى الرَّاجِعِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ ثَلَاثَةً فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِبَقَاءِ مَنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ ، فَإِنْ رَجَعَ ثَانٍ غَرِمَ هُوَ وَالْأَوَّلُ نِصْفَ الْحَقِّ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَغْرَمُ الرَّاجِعُ أَوَّلًا مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُلُثَ الْحَقِّ ، وَذَكَرَ أَنَّ أَشْهَبَ قَالَهُ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِدِرْهَمٍ فَرَجَعَ ثَلَاثَةٌ فَعَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ .
مُحَمَّدٌ لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِثَلَاثِينَ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ عَنْ الْجَمِيعِ وَآخَرُ عَنْ عِشْرِينَ وَآخَرُ عَنْ عَشَرَةٍ ، فَقَدْ بَقِيَتْ عَشَرَةٌ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا رَجُلَانِ وَاجْتَمَعُوا فِي الرُّجُوعِ عَنْ عَشَرَةٍ فَهِيَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ، وَالْعَشَرَةُ الثَّالِثَةُ رَجَعَ عَنْهَا اثْنَانِ وَأَثْبَتَهَا وَاحِدٌ ، فَعَلَى الِاثْنَيْنِ نِصْفُهَا اثْنَانِ وَنِصْفٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَهُمَا الرَّاجِعُ عَنْ الْجَمِيعِ وَالرَّاجِعُ عَنْ عِشْرِينَ .
( فَإِذَا رَجَعَ ) عَنْ الشَّهَادَةِ ( غَيْرُهُ ) أَيْ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ مِمَّنْ لَا يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ ( فَالْجَمِيعُ ) أَيْ الرَّاجِعُ أَوَّلًا الَّذِي يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِدُونِهِ وَالرَّاجِعُ ثَانِيًا الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ يَشْتَرِكُونَ فِي الْغُرْمِ بِالسَّوِيَّةِ ، كَأَنَّهُمْ رَجَعُوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، فَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا لِبَقَاءِ النِّصَابِ ، فَإِنْ رَجَعَ ثَالِثٌ غَرِمَ مَعَ الِاثْنَيْنِ النِّصْفَ أَثْلَاثًا عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ
( وَ ) إنْ شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ بِمَالٍ وَقُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا بِهِ فَ ( لِ ) لِشَخْصِ ( الْمَقْضِيِّ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْيَاءِ ( عَلَيْهِ ) بِهِ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي رَجَعَ شَاهِدَاهَا عَنْهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ وَقَبْلَ غُرْمِهِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ( مُطَالَبَتُهُمَا ) أَيْ الرَّاجِعِينَ ( بِالدَّفْعِ لِ ) لِشَخْصِ ( الْمَقْضِيِّ لَهُ ) الْمَالُ الْمَحْكُومُ بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا الَّتِي رَجَعَا عَنْهَا إذْ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُمَا إذَا دَفَعَتْهُ أَنَا رَجَعْتُ عَلَيْكُمَا بِعِوَضِهِ ، فَقَرَارُ الْغَرَامَةِ عَلَيْكُمَا فَادْفَعَاهُ أَنْتُمَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ وَتَقْلِيلًا لِلْعَمَلِ ( وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ ) أَيْ مُطَالَبَةُ الشَّاهِدَيْنِ لَهُ الرَّاجِعَيْنِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالدَّفْعِ لَهُ ( إذَا تَعَذَّرَ ) أَخْذُهُ ( مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ) قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ إنَّهُ مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَلِأَنَّهُمَا غَرِيمَانِ لِغَرِيمِهِ وَغَرِيمُ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يَلْزَمُهُمَا الْغُرْمُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يَغْرَمَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا قَائِلًا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ نَقَلَهُ إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ عَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ فِي هَذَا الْفَرْعِ لَا يَلْزَمُهُمَا الدَّفْعُ إلَّا بَعْدَ غُرْمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ، فَهَذَا مُنَاقِضٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ قَبْلَ غُرْمِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَقْفُهُ عَلَى غُرْمِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْبَتِهِ لَا مَعَ حُضُورِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْبَتِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَوْ حَضَرَ لَأَقَرَّ بِالْحَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهِ ، وَإِذَا حَضَرَ وَطَلَبَ غُرْمَهُمَا انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ ا هـ .
قُلْت جَوَابُ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ ، وَلَعَلَّ
الظَّاهِرَ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ الْمُنَاقَضَةِ بِأَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ الطَّلَبُ بِالدَّفْعِ لَا الدَّفْعُ بِالْفِعْلِ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى دَفْعِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَوَّازِيَّةِ الْآتِي ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَهْمٌ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ إنْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا وَهَرَبَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُرْمِ فَلَيْسَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ تَغْرِيمُ الرَّاجِعِينَ بِمَا يَغْرَمَانِهِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ إذَا غَرِمَ مَا شَهِدَا بِهِ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ يُنَفَّذُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَغْرَمَ أَغْرَمَهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْحَقِّ مُؤَجَّلًا ثُمَّ رَجَعَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ ، وَيَغْرَمَ ، وَلَهُ طَلَبُ الْحُكْمِ لَهُ عَلَيْهِمَا الْآنَ وَلَا يَغْرَمَانِ الْآنَ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ طَلَبُ الشَّاهِدَيْنِ بِدَفْعِ الْمَالِ عَنْهُ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الرَّاجِعِينَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَغْرَمَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ .
وَفِي هَذَا تَعَرُّضٌ لِبَيْعِ دَارِهِ وَإِتْلَافِ مَالِهِ وَاَللَّذَانِ أَوْجَبَا ذَلِكَ عَلَيْهِ قَائِمَانِ أَرَأَيْت لَوْ حَبَسَهُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ أَيُتْرَكُ مَحْبُوسًا وَلَا يَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ ، بَلْ يُؤْخَذَانِ بِذَلِكَ حَتَّى يُخَلِّصَاهُ ، فَإِنْ أَبَيَا حُبِسَا مَعَهُ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا قَبْلَ غُرْمِهِ لِيَغْرَمَاهُ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُمَا إلَّا بَعْدَ غُرْمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ .
قُلْت قَوْلُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَهْمٌ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ ، وَلَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَنْصُوصِ لَأَمْكَنَ كَوْنُهُ قَوْلًا انْفَرَدَ بِمَعْرِفَتِهِ ،
وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُمَا إلَّا بَعْدَ غُرْمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ إلَخْ ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ وَهْمٌ وَمَا نَقَلَهُ مِنْ تَضْعِيفِهِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ : جُمِعَ ، وَإِلَّا رُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ كَنَسْجٍ ، وَنَتَاجٍ إلَّا بِمِلْكٍ مِنْ الْمَقَاسِمِ
( وَإِنْ ) تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ بِأَنْ شَهِدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يُنَافِي مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى وَ ( أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ ) الْمُتَعَارِضَتَيْنِ ( جُمِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ بَيْنَهُمَا وَعُمِلَ بِهِمَا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ ، كَدَعْوَى شَخْصٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ لِفُلَانٍ هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً ، وَدَعْوَى فُلَانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْأَثْوَابِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْمِائَتَيْنِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ بَيْنَهُمَا سَلَمَانِ حَضَرَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ سَلَمًا وَشَهِدَتْ بِهِ .
الْمُتَيْطِيُّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَسْلَمَ هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَلْ ثَوْبَيْنِ غَيْرَهُ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَثْوَابِ فِي الْمِائَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَى غَيْرِ مَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى .
ابْنُ عَبْدُوسٍ هَذَا إنْ كَانَا فِي مَجْلِسَيْنِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ تَكَاذُبٌ ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ أَثْبَتَتْ حُكْمًا غَيْرَ مَا أَثْبَتَتْ صَاحِبَتُهَا ، وَلَا قَوْلَ لِمَنْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا ، وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ هَذَا الْعَبْدَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَهُ ذَلِكَ الْعَبْدَ وَثَوْبًا مَعَهُ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْعَبْدَ وَالثَّوْبَ فِي الْمِائَةِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ شَهِدَتْ بِالْأَكْثَرِ .
ا هـ .
وَالْمَسْأَلَتَانِ مَعًا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى إنْ
شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ ، بِخِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ إحْدَاهُمَا بِعِتْقٍ وَالثَّانِيَةُ بِطَلَاقٍ ، أَوْ إحْدَاهُمَا بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ وَالثَّانِيَةُ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَشِبْهِ هَذَا ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ فِي أَنَّهُ تَهَاتُرٌ وَتَكَاذُبٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ يُحْكَمُ فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ ، فَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا ، وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِمَا مَعًا إذَا اسْتَوَيَا فِي الْعَدَالَةِ أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَعْدَلَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جَمْعٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ الْكُبْرَى وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ طَلَّقَ الصُّغْرَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَتَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةُ الْمِصْرِيِّينَ ا هـ .
" ح " وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَزِمَهُ مَا أَلْزَمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ بِمِثْلِ مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ .
الثَّانِي : أَنَّ مَا فَرَضَهُ هُوَ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تُكَلِّمُهُ بِغَيْرِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى يَتَبَيَّنُ هَذَا بِنَقْلِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِهَا ، وَهُوَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ أَنَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ شَهِدَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَفَوَّهْ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَإِنَّمَا حَلَفَ بِعِتْقِ غُلَامِهِ فُلَانٍ لَا أَرَى لَهُمْ شَهَادَةً أَجْمَعِينَ فِي طَلَاقٍ وَلَا إعْتَاقٍ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَكْذَبَ بَعْضًا ، هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَشْهَدُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُطَلِّقْ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ حَتَّى تَفَرَّقْنَا ، وَإِنَّمَا حَلَفَ
بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فُلَانَةَ الْأُخْرَى ، أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ نَشْهَدُ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فُلَانًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا أَعْتَقَ الَّذِي شَهِدْتُمْ لَهُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ فُلَانًا غُلَامًا لَهُ آخَرَ ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَبْطُلُ ، وَسَقَطَ قَوْلُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَكْذَبَ بَعْضًا ، وَشَرَحَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجَمْعَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ شَهَادَتِهِمَا فِي مَجْلِسَيْنِ ، وَبِهِ يَسْقُطُ اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّتِي هِيَ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ كَشَهَادَةِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِفُلَانٍ يَوْمَ كَذَا ، وَشَهَادَةِ أُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ( رُجِّحَ ) ت بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى ( بِ ) بَيَانِ ( سَبَبِ مِلْكٍ ) شَهِدَتْ بِهِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى الَّتِي شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ لِلْخَصْمِ الْآخَرِ ، وَلَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَهُ فَيُحْكَمُ بِشَهَادَةِ الْأُولَى وَتُلْغَى الثَّانِيَةُ .
وَمَثَّلَ لِلسَّبَبِ بِقَوْلِهِ ( كَنَسْجٍ ) لِشُقَّةٍ تَنَازَعَ فِيهَا اثْنَانِ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَقَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ إنَّ مَنْ شَهِدْت لَهُ نَسْجُهَا فِي التَّوْضِيحِ اُخْتُلِفَ فِي الشَّهَادَةِ بِنَسْجِ الثَّوْبِ هَلْ هِيَ كَالشَّهَادَةِ بِالنَّتَاجِ ؟ فَأَجْرَاهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَجْرَى النَّتَاجِ .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمِلْكِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ النَّسْجِ ، وَيُقْضَى لِمَنْ شُهِدَ لَهُ بِالنَّسْجِ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَنْسِجْهَا مَجَّانًا .
الْمَازِرِيُّ هَذَا إذَا كَانَ النَّاسِجُ يَنْسِجُ لِنَفْسِهِ ، وَأَمَّا إنْ انْتَصَبَ لِلنَّاسِ فَلَا تَنْفَعُهُ الشَّهَادَةُ
بِالنَّسْجِ .
ا هـ .
وَكَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ قَائِلًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ يَنْسِجُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ انْتَصَبَ لِنَسْجِ النَّاسِ بِأَجْرٍ أَوْ لِلْبَيْعِ فَالْبَيِّنَةُ لَهُ بِالنَّسْجِ لَغْوٌ .
ا هـ .
فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِالنَّسْجِ فَقَطْ وَلَمْ تَزِدْ لِنَفْسِهِ ، وَكَلَامُهُمْ هَذَا يَدُلُّ لِقَوْلِنَا .
الرَّاجِحُ أَنَّ ذَا السَّبَبِ شَهِدَ بِهِ فَقَطْ .
( وَ ) كَ ( نَتَاجٍ ) أَيْ وِلَادَةٍ لِحَيَوَانٍ مُتَنَازَعٍ فِيهِ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ مِلْكٌ لِفُلَانٍ وُلِدَ عِنْدَهُ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ مِلْكٌ لِفُلَانٍ الْآخَرِ ، وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا فَتُرَجَّحُ الْأُولَى وَيُقْضَى بِهَا وَتُلْغَى الثَّانِيَةُ ( إلَّا ) شَهَادَةَ الثَّانِيَةِ ( بِمِلْكٍ ) لِمَنْ شَهِدَتْ لَهُ ( مِنْ الْمَقَاسِمِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ، أَيْ الْغَنَائِمِ بِأَخْذِهَا فِي سَهْمِهِ أَوْ شِرَائِهِمَا مِمَّنْ أَخَذَهَا فِي سَهْمِهِ أَوْ مِنْ الْإِمَامِ فَيُعْمَلُ بِشَهَادَتِهَا وَتُلْغَى الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ نَاقِلَةٌ ، وَالْأُولَى مُسْتَصْحِبَةٌ ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وُلِدَ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَغَارَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ ثُمَّ غَنِمَ مِنْهُ ، لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ لَوْ أَنَّ أَمَةً تَنَازَعَ فِيهَا اثْنَانِ وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ، فَأَتَى أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا وُلِدَتْ عِنْدَهُ لَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ لَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى سُرِقَتْ فَتُرَجَّحُ الْأُولَى بِبَيَانِهَا سَبَبَ الْمِلْكِ ، وَيُقْضَى لِصَاحِبِ الْوِلَادَةِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ لِبَيِّنَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَقَاسِمِ ، فَإِنْ شَهِدَتْ بِذَلِكَ فَصَاحِبُ الْمَقَاسِمِ أَحَقُّ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ صَاحِبُ الْوِلَادَةِ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ .
وَفِيهَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي دَابَّةٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَقَاسِمِ
فَهِيَ لِمَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَقَاسِمِ ، بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهَا تُغْصَبُ وَتُسْرَقُ وَلَا تُحَازُ عَلَى النَّاتِجِ إلَّا بِأَمْرٍ يَثْبُتُ وَأَمْرُ الْمَغْنَمِ قَدْ اسْتُوقِنَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِحِيَازَةِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ وُجِدَتْ فِي يَدِ مَنْ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَغَانِمِ أَخَذَهُمَا مِنْهُ أَيْضًا ، وَكَانَ أَوْلَى بِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا اشْتَرَاهَا بِهِ وَيَأْخُذَهَا ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ .
غ " قَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ بِسَبَبِ مِلْكٍ كَنَسْجٍ وَنَتَاجٍ ، أَيْ إذَا ذَكَرَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مَعَ الْمِلْكِ سَبَبَهُ مِنْ نَسْجِ ثَوْبٍ وَنَتَاجِ حَيَوَانٍ وَنَحْوَهُمَا ، كَنَسْخِ كِتَابٍ وَاصْطِيَادِ وَحْشٍ ، وَلَمْ تَذْكُرْ الْأُخْرَى سِوَى مُجَرَّدِ الْمِلْكِ ، فَتُرَجَّحُ ذَاكِرَةُ السَّبَبِ عَلَى الَّتِي لَمْ تَذْكُرْهُ ، وَبِنَحْوِ هَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ كَمَا إذَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ صَادَهُ أَوْ نَتَجَ عِنْدَهُ وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ، وَفِي شَهَادَاتِهَا وَلَوْ أَنَّ أَمَةً تَنَازَعَ فِيهَا اثْنَانِ وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَأَتَى أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا لَهُ لَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِشَيْءٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ وُلِدَتْ عِنْدَهُ لَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى سُرِقَتْ قُضِيَ بِهَا لِصَاحِبِ الْوِلَادَةِ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي أَمَةٍ بِيَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا وُلِدَتْ عِنْدَهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِهَا حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهَا لَا نَعْلَمُ لِغَيْرِهِ فِيهَا حَقًّا ، إذْ قَدْ يُولَدُ فِي يَدِهِ مَا هُوَ لِغَيْرِهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهَا لِمَنْ وُلِدَتْ عِنْدَهُ وَهُوَ أَصْوَبُ ، وَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ أَوْ غَصْبٌ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ التُّونُسِيِّ .
طفى قَرَّرَهُ الشَّارِحُ بِمَا فِي التَّوْضِيحِ مِنْ
شَهَادَةِ ذَاتِ السَّبَبِ بِهِ فَقَطْ .
وَفِيهَا خِلَافٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلتَّوْضِيحِ وَذَكَرَ نَصَّ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ عَقِبَهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ ، وَلَمَّا نَقَلَ فِي تَوْضِيحِهِ قَوْلَ أَشْهَبَ هَذَا قَالَ وَخَالَفَهُ التُّونُسِيُّ ا هـ .
وَضَعَّفَ قَوْلَ أَشْهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ ، فَظَهَرَ لَك أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا لَقَالَ وَرُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ مَعَهُ ، وَمَا أَدْرِي مَا الْحَامِلُ لِابْنِ غَازِيٍّ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّارِحِ مَعَ نَقْلِهِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَمُخَالَفَةِ التُّونُسِيِّ ، وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ إلَّا تَفْسِيرُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ مِنْ ضَعْفِ مَا انْبَنَى عَلَيْهِ .
وَإِنْ وَافَقَ أَحَدَ التَّأْوِيلَيْنِ فَفِي تَنْبِيهَاتِ عِيَاضٍ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ مَذْهَبِهِ فِي الْكِتَابِ فِي إعْمَالِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحِيَازَةِ وَعَلَى النَّسْجِ وَعَلَى النَّتَاجِ وَشِبْهِهَا وَإِيجَابُهَا الْمِلْكَ هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الشَّهَادَةِ بِهَا يُوجِبُ الْمِلْكَ أَوْ حَتَّى يَزِيدُوا أَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ يَحُوزُهَا حِيَازَةَ الْمِلْكِ .
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَأَنَّهُ مُرَادُهُ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ تَتِمَّ شَهَادَتُهُ وَلَا عَارَضَتْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِالْمِلْكِ ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَقُلْ هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَالشَّهَادَةُ بِالْوِلَادَةِ أَوْ النَّسْجِ مُغْنِيَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِلْكِ وَقَائِمَةٌ مَقَامَهُ عِنْدَهُ .
الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ طفى غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَ لغ ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ الْخِلَافَ فِي بَيِّنَةِ السَّبَبِ بِمُجَرَّدِهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ ، فَتُقَدَّمُ عَلَى الْحَوْزِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوَّلًا تُفِيدُهُ فَلَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ الْحَائِزِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ
الْمِلْكِ كَمَا ادَّعَاهُ طفى تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَالتَّوْضِيحِ ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِابْنِ غَازِيٍّ عَلَى تَقْرِيرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَوْ تَارِيخٍ ، أَوْ تَقَدُّمِهِ ، وَبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ ، لَا عَدَدٍ ، وَبِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ ، وَيَمِينٍ ، أَوْ امْرَأَتَيْنِ ، وَبِيَدٍ ، إنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ فَيَحْلِفُ
( أَوْ ) بَيَانُ ( تَارِيخٍ ) لِمِلْكِ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ مِنْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَتُرَجَّحُ الْمُؤَرَّخَةُ وَيُحْكَمُ بِالْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِمَنْ شَهِدَتْ لَهُ ، وَتُلْغَى الَّتِي لَمْ تُؤَرَّخْ .
ابْنُ شَاسٍ إنْ كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَةً وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةً قُدِّمَتْ الْمُؤَرَّخَةُ عَلَى الْمُطْلَقَةِ .
وَحَكَى اللَّخْمِيُّ فِي هَذَا خِلَافًا .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي مُجَرَّدِ التَّارِيخِ قَوْلَانِ .
التَّوْضِيحُ الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الْمُؤَرَّخَةِ لِأَشْهَبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَهَادَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَرِّخْ أَنَّ الْحَاكِمَ قَضَى بِالْعَبْدِ لِمَنْ شَهِدَتْ لَهُ ، وَالْقَوْلُ بِنَفْيِ التَّقْدِيمِ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَلَمْ يَعْزُوَاهُ .
( أَوْ تَقَدُّمِهِ ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ مُشَدَّدَةً أَيْ التَّارِيخِ لِمَا شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِهِ عَلَى تَارِيخِ مَا شَهِدَ بِهِ الْأُخْرَى بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا نَشْهَدُ أَنَّهُ مِلْكُ زَيْدٌ مِنْ سَنَةِ خَمْسِينَ وَلَمْ نَعْلَمْ خُرُوجَهُ عَنْهُ إلَى الْآنَ ، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ عَمْرٍو مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْآنَ ، فَيُعْمَلُ بِشَهَادَةِ الْأُولَى وَيُحْكَمُ بِهِ لِزَيْدٍ ، وَتُلْغَى شَهَادَةُ الثَّانِيَةِ فِيهَا أَقْضِي بِبَيِّنَةِ أَبْعَدِ التَّارِيخِ إنْ عُدِّلَتْ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ ، وَلَا أُبَالِي بِيَدِ مَنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَحُوزَهَا الْأَقْرَبُ تَارِيخًا بِالْوَطْءِ وَالْخِدْمَةِ وَالِادِّعَاءِ لَهَا بِمَحْضَرِ الْآخَرِ فَقَدْ أَبْطَلَ دَعْوَاهُ اللَّخْمِيُّ إنْ وُرِّخَتَا قُضِيَ بِالْأَقْدَمِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ وَسَوَاءٌ كَانَ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ تَحْتَ يَدِ ثَالِثٍ أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ وُرِّخَتْ بَيِّنَتَا الْمُتَدَاعِيَيْنِ قُضِيَ بِأَبْعَدِهِمَا تَارِيخًا .
الْبُنَانِيُّ لَا يُقَالُ كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ حَدِيثَةِ التَّارِيخِ ؛
لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ التَّرْجِيحِ بِالنَّقْلِ تَبْيِينُ سَبَبِهِ كَاشْتِرَائِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ مُوَرِّثِهِ أَوْ الْمَقَاسِمِ ، وَهُنَا إنَّمَا شَهِدْنَا بِالْمِلْكِ غَيْرَ أَنَّ إحْدَاهُمَا قَالَتْ مَلَكَهُ مُنْذُ عَامَيْنِ وَالْأُخْرَى قَالَتْ مَلَكَهُ مُنْذُ عَامٍ وَالْأَصْلُ الِاسْتِصْحَابُ .
( وَ ) رُجِّحَ ( بِزِيَادَةِ عَدَالَةٍ ) فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ الشَّاهِدَتَيْنِ بِمَالٍ أَوْ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ دُونَ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ كَعِتْقٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَمُوجِبِ حَدٍّ ، فَلَا يُرَجَّحُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ .
الصِّقِلِّيُّ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ اخْتَلَفَ إذَا كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلَ ، فَهَلْ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْأَعْدَلِ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَحْلِفُ ا هـ .
وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا كَشَاهِدَيْنِ فَيُرَجَّحُ بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ بَلْ سَائِرُ الْمُرَجِّحَاتِ كَذَلِكَ لَا يُرَجَّحُ بِهَا إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقَرَافِيِّ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ ، قَالَ حَكَى الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِتَرْجِيحِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً ( لَا ) تُرَجَّحُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِزِيَادَةِ ( عَدَدٍ ) عَلَى الْمَشْهُورِ ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّرْجِيحِ قَطْعُ النِّزَاعِ وَمَزِيدُ الْعَدَالَةِ أَقْوَى فِي قَطْعِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ ، إذْ كُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ تُمْكِنُهُ زِيَادَةُ الْعَدَدِ فِي الشُّهُودِ ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْعَدَالَةِ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ دُورٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ عُرُوضٌ أَوْ دَرَاهِمُ
أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ غَيْرُهَا فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ بَيِّنَةً فَيُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا وَبَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ عِيَاضٌ ثَبَتَ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ عِنْدَ ابْنِ وَضَّاحٍ وَسَقَطَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي لَغْوِ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَاعْتِبَارِهِ قَوْلُهَا رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ ، وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ " رَحِمَهُ اللَّهُ " لَوْ شَهِدَ لِهَذَا شَاهِدَانِ وَلِهَذَا مِائَةٌ وَتَكَافَئُوا فِي الْعَدَالَةِ فَلَا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ .
اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مَحْمَلُهُ عَلَى الْمُغَايَاةِ وَلَوْ كَثُرُوا حَتَّى حَصَلَ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ لَقَضَى بِهِمْ ، وَوَجَّهَ الْقَرَافِيُّ الْمَشْهُورَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ قَطْعُ النِّزَاعِ وَمَزِيدٌ فِي الْعَدَالَةِ أَشْهَدُ فِي التَّعَذُّرِ مِنْ مَزِيدِ الْعَدَدِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَصْمَيْنِ يُمْكِنُهُ زِيَادَةُ الْعَدَدِ فِي الشُّهُودِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ مَزِيدُ الْعَدَالَةِ ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ إنَّمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِقَيْدِ الْعَدَالَةِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَدِ بِهَذَا الْقَيْدِ سَهْلَةٌ ، وَتَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى كَانَ أَدْخَلَ تَحْتَ الِانْضِبَاطِ وَأَبْعَدَ عَنْ النَّقْضِ وَالْعَكْسِ كَانَ أَرْجَحَ ، وَزِيَادَةُ الْعَدَدِ مُنْضَبِطٌ مَحْسُوسٌ لَا يَتَخَلَّفُ ، وَالْعَدَالَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قُيُودٍ فَضَبْطُ زِيَادَتِهَا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ فِي التَّرْجِيحِ .
قُلْت رَدَّهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَدِ بِهَذَا الْقَيْدِ سَهْلَةٌ ، يَرُدُّ بِأَنَّ الْقَرَافِيَّ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِأَنَّهَا سَهْلَةٌ ، بَلْ بِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ ، وَكَوْنُهَا لَيْسَتْ سَهْلَةً لَا يَمْنَعُ إمْكَانَهَا عَادَةً ، وَقَوْلُهُ ضَبْطُ زِيَادَةِ الْعَدَالَةِ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ يُرَدُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ ، فَإِنَّا نَعْلَمُ
ضَرُورَةً فِي شُهُودِ شُيُوخِنَا وَأَمْثَالِنَا مَنْ هُوَ أَعْدَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ ، وَوَجَّهَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا قَيَّدَ شَهَادَةَ الزِّنَا بِأَرْبَعَةٍ وَالطَّلَاقَ بِاثْنَيْنِ وَقِبَلَ فِي الْمَالِ الْوَاحِدَ مَعَ الْيَمِينِ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا أَثَرَ لِلْعَدَدِ .
قُلْتُ الْأَظْهَرُ فِي التَّرْجِيحِ بِالْأَعْدَلِيَّةِ دُونَ الْكَثْرَةِ أَنَّ مَا بِهِ التَّرْجِيحُ فِي الْأَعْدَلِيَّةِ هُوَ وَصْفٌ حَاصِلٌ فِيمَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ ، وَهُمَا الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ يَجِبُ الْإِعْذَارُ فِيهِمَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالْكَثْرَةُ وَصْفٌ خَارِجٌ عَمَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ .
( وَ ) رُجِّحَ ( بِشَاهِدَيْنِ ) لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ ( عَلَى شَاهِدٍ ) لِلْآخَرِ مُعَارِضٍ لَهُمَا وَلَوْ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ ( وَيَمِينٍ ) مِنْهُ مَعَ شَاهِدِهِ ( أَوْ ) عَلَى ( شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ) لِلْآخَرِ مُعَارِضَيْنِ لِلشَّاهِدَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَجَعَلَ مَرْتَبَتَهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ الَّذِي مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَعْدَلَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ وَالْأَقْدَمُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ هُوَ وَالْمَرْأَتَانِ ، هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَشْهَبُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى .
ابْنُ فَرْحُونٍ ، يُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ قَالَهُ أَشْهَبُ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقَدَّمَانِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ أَوَّلًا بِتَقْدِيمِهِمَا ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى عَدَمِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْأَظْهَرُ التَّرْجِيحُ وَيُقَدَّمُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَوْ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِلْعَمَلِ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَفِي الْعَمَلِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ خِلَافٌ .
( وَ ) رُجِّحَ ( بِ ) وَضْعِ ( يَدٍ ) مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ( إنْ لَمْ تُرَجَّحْ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ ( بَيِّنَةُ
مُقَابِلِهِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ خَصْمِهِ فَإِنْ رُجِّحَتْ بِتَارِيخٍ أَوْ تَقَدُّمِهِ أَوْ زِيَادَةِ عَدَالَةٍ عُمِلَ بِهَا وَلَمْ يُعْمَلْ بِوَضْعِ الْيَدِ ( فَيَحْلِفُ ) وَاضِعُ الْيَدِ الَّذِي لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ .
" غ " رُجُوعُ الْحَلِفِ لِلْمَنْطُوقِ أَبْيَنُ مِنْ رُجُوعِهِ لِلْمَفْهُومِ وَإِنْ رَجَّحَهُ الْبِسَاطِيُّ ، وَتَبِعَهُ تت لِلْمَفْهُومِ فَقَالَ فَيَحْلِفُ ذُو الْبَيِّنَةِ الرَّاجِحَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ ؛ وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحِبَةٍ
( وَ ) رُجِّحَتْ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ ( بِالْمِلْكِ ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ بِكُلِّ أَمْرٍ جَائِزٍ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا لَا بِنِيَابَةٍ ، فَيَدْخُلُ مِلْكُ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ حُكْمًا ، وَيَخْرُجُ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَذِي الْإِمَرَةِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ( عَلَى ) الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِ ( الْحَوْزِ ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَخَصُّ مِنْ الْحَوْزِ وَأَقْوَى مِنْهُ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْحَوْزِ مُؤَرَّخَةً أَوْ مُتَقَدِّمَتَهُ وَلِعَدَمِ مُعَارَضَةِ بَيِّنَةِ الْحَوْزِ بَيِّنَةَ الْمِلْكِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَوْزِ الْمِلْكُ .
( وَ ) رُجِّحَ ( بِنَقْلٍ ) فَتُرَجَّحُ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ كَالشَّاهِدَةِ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْخَصْمِ أَوْ مِنْ مُوَرِّثِهِ أَوْ مِنْ الْمَقَاسِمِ ( عَلَى ) بَيِّنَةٍ ( مُسْتَصْحِبَةٍ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَالشَّاهِدَةِ بِالْبِنَاءِ أَوْ الِاصْطِيَادِ أَوْ النَّتْجِ أَوْ النَّسْجِ أَوْ الْإِحْيَاءِ أَوْ الْإِرْثِ .
الْبُنَانِيُّ بَقِيَ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ الْأَصَالَةُ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْفَرْعِيَّةِ ، فَإِذَا شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى وَهُوَ صَحِيحُ الْعَقْلِ ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ أَوْصَى وَهُوَ مُشَوَّشُ الْعَقْلِ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ ، وَالْغَالِبُ فِي الْفَائِقِ وَمِثْلُهَا بَيِّنَتَا الطَّوْعِ وَالْإِكْرَاهِ وَالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالرُّشْدِ وَالسَّفَهِ وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْعَدَالَةِ وَالْجُرْحَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرُّقْيَةِ وَالْكَفَاءَةِ وَعَدَمِهَا وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِهِ .
ا هـ .
قَوْلُهُ وَمِثْلُهَا ، أَيْ مَسْأَلَةِ التَّرْجِيحِ لَا بِقَيْدِ الْأَصَالَةِ قَوْلُهُ بَيِّنَتَا الطَّوْعِ وَالْإِكْرَاهِ ، أَيْ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ عَلَى بَيِّنَةِ الطَّوْعِ ، وَكَذَا كُلُّ صُورَةٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ فَقَدْ زَادَ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ ، وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ ، وَقَوْلُهُ وَالرُّشْدِ وَالسَّفَهِ ، أَيْ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ السَّفَهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ
ابْنِ لُبٍّ ، وَكَذَا مُرَادُهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْيُسْرِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَكَذَا الْمُجَرِّحَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ ، وَعَدَمِ مُنَازِعٍ ، وَحَوْزٍ طَالَ : كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الْأَخِيرِ ، لَا بِالِاشْتِرَاءِ
( وَصِحَّةُ ) الشَّهَادَةِ بِ ( الْمِلْكِ ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ شَرْعًا فِعْلًا أَوْ قُوَّةً أَصَالَةً ، فَيَدْخُلُ مِلْكُ الْمَحْجُورِ ، وَيَخْرُجُ اسْتِحْقَاقُ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ ( بِ ) مُعَايَنَةِ ( التَّصَرُّفِ ) فِي الشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِمِلْكِهِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِهِ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ ( وَعَدَمِ مُنَازِعٍ ) لَهُ فِيهِ ( وَ ) بِمُعَايَنَةِ ( حَوْزٍ ) أَيْ اسْتِيلَاءٍ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ مَعَ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ ( طَالَ ) زَمَانُهُ ( كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ) أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ فَإِنْ عَرَفَ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَعْرِفُهَا قُبِلَ مِنْهُ إطْلَاقُ مَعْرِفَةِ الْمِلْكِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يُفَسِّرَ الْأَشْيَاءَ الْخَمْسَةَ أَنْ يَعْرِفَ الشَّاهِدُ كَوْنَ يَدِ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ عَلَى مَا يَدَّعِي وَكَوْنَهُ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ وَنِسْبَتَهُ لِنَفْسِهِ ، وَكَوْنَهُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ مُنَازِعٌ وَطُولُ مُدَّةِ ذَلِكَ عَامًا فَأَكْثَرَ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَقُومُ مِنْهُ أَنَّ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ طُولُ هَذَا الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ لَا غَيْرُ الْمَازِرِيُّ لَا يُبِيحُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ مُجَرَّدُ مُشَاهَدَتِهِ شَخْصًا ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُهَا غَاصِبٌ أَوْ مُودَعٌ أَوْ مُسْتَعِيرٌ أَوْ مُكْتَرٍ أَوْ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الْمِلْكِ بِالْحَوْزِ وَوَضْعِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ مَعَ دَعْوَى الْمِلْكِ وَإِضَافَتَهُ لِنَفْسِهِ وَطُولِ الزَّمَنِ ، وَلَا يَظْهَرُ مَنْ يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ شَهِدَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِفُلَانٍ ، فَإِنْ عَوَّلَ عَلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ عَارِفًا إلَى هَذَا ، أَشَارَ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ هِلَالٍ وَأَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي لَغْوِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي دَارٍ أَنَّهَا مِلْكٌ لِفُلَانٍ حَتَّى يَقُولَ وَمَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِ وَقَبُولُهَا مُطْلَقًا .
ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَهُمْ نَبَاهَةٌ وَيَقَظَةٌ لِابْنِ سَلْمُونٍ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ قَائِلًا شَاهَدْت الْقَضَاءَ بِهِ ، وَالثَّانِي لِابْنِ مُطَرِّفٍ ، وَالثَّالِثُ لِابْنِ عَاتٍ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَكُونَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمَالِكُ ، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ ، سَوَاءٌ حَضَرُوا ابْتِدَاءَ دُخُولِهَا فِي يَدِهِ أَمْ لَا ، وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْحِيَازَةُ فَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ غَنِمَهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَشَبَهِهِ .
الْحَطّ أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ أَنْ تَكُونَ لِكَوْنِهِ رَأَى الْمَشْهُودَ لَهُ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَشْهُودِ بِهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ .
( وَ ) بِذِكْرِهِمْ فِي أَدَاءِ شَهَادَتِهِمْ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَشْهُودَ بِمِلْكِهِ ( لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ كَبَيْعٍ وَتَبَرُّعٍ ( فِي عِلْمِهِمْ ) أَيْ الشُّهُودِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ عَنْهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ ادَّعَى عَيْنًا قَائِمَةً مِنْ رَقِيقٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ نَاضٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَتَى بِبَيِّنَةٍ عَلَى مِلْكِهِ ، فَمِنْ تَمَامِ شَهَادَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا وَمَا عَلِمْنَاهُ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي سَعِيدٍ ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ سَمِعْت مَالِكًا " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ فِي الَّذِي يَدَّعِي الْعَبْدَ أَوْ الثَّوْبَ ، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ شَيْؤُهُ لَمْ يَعْلَمْهُ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ ، وَإِذَا شَهِدُوا بِهَذَا مَا اسْتَوْجَبَ مِمَّا ادَّعَاهُ .
( وَتُؤُوِّلَتْ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ فُهِمَتْ الْمُدَوَّنَةُ ( عَلَى الْكَمَالِ فِي الْأَخِيرِ ) أَيْ ذِكْرِ الشُّهُودِ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ
عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ سَمِعَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ إذَا شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ قَالَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ مَا عَلِمُوهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ عَلَى الْعِلْمِ .
ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ يَزِيدُونَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمِلْكِ بِالْبَتِّ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ هِيَ كَمَالُ الشَّهَادَةِ ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْهُ فِي شَهَادَتِهِ بَطَلَتْ وَلَا يُحْكَمُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْقَاضِي حَتَّى مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ ، إذْ لَا يَصِحُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدُ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ إلَّا مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِ الصِّقِلِّيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّ زِيَادَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاعَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ كَمَالٌ فِي الشَّهَادَةِ لَا شَرْطٌ ، وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهَا فِي الْعَارِيَّةِ ، وَكَانَ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ شُيُوخِنَا يَحْمِلُونَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي كَوْنِهَا شَرْطَ إجْزَاءٍ أَوْ كَمَالٍ ، لِقَوْلِهَا فِي الشَّهَادَاتِ وَالْعَارِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ عَاتٍ فِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ حَمْلِهَا عَلَى الْخِلَافِ ، وَأَنَّ مَا فِي الْعَارِيَّةُ تَفْسِيرُ تت ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ، وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ فِي وَثِيقَةِ الْمَيِّتِ دُونَ الْحَيِّ بِأَنْ طَلَبَ الْوَرَثَةُ عَنْ مُوَرِّثِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْحَيِّ تَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ .
ابْنُ الْعَطَّارِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ .
طفى الْبَعْضُ هُوَ أَبُو الْحَسَنِ وَعَطَفَ عَلَى بِالتَّصَرُّفِ فَقَالَ ( لَا بِالِاشْتِرَاءِ ) سَحْنُونٌ مَنْ حَضَرَ رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السُّوقِ فَلَا يَشْهَدُ أَنَّهَا مِلْكُهُ ، فَإِنْ ادَّعَاهَا آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً
أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ كَانَتْ لِذِي الْمِلْكِ وَقَدْ يَبِيعُهَا مَنْ لَمْ يَمْلِكْهَا .
وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي دَابَّةٍ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَقَاسِمِ فَهِيَ لِمَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَقَاسِمِ ، بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تُغْصَبُ وَتُسْرَقُ وَلَا تُحَازُ عَلَى النَّاتِجِ إلَّا بِأَمْرٍ يَثْبُتُ ا هـ .
" غ " قَوْلُهُ لَا بِالِاشْتِرَاءِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بِالتَّصَرُّفِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَمَا مَعَهُ لَا بِالِاشْتِرَاءِ فَهُوَ إشَارَةٌ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ .
قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ رَأَى رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السُّوقِ فَلَا يَشْهَدُ أَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَقَامَ هَذَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ كَانَتْ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ ، وَقَدْ يَبِيعُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُهَا ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا بِالِاشْتِرَاءِ مِنْهُ لَأَمْكَنَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْخَصْمِ ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ شُهُودَ الْمِلْكِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يَقُولُوا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ خَصْمِهِ ، بَلْ يُحْكَمُ بِالِاسْتِصْحَابِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ خَصْمِهِ أَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ نَصًّا فِي الْمَذْهَبِ ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ نَوْعِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَإِنْ شَهِدَ بِإِقْرَارٍ اُسْتُصْحِبَ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ طفى وَأَقَرَّهُ .
وَإِنْ شُهِدَ بِإِقْرَارٍ : اُسْتُصْحِبَ
( وَإِنْ شُهِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِإِقْرَارٍ ) مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مِلْكٌ لِخَصْمِهِ ( اُسْتُصْحِبَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ ، حُكْمُ إقْرَارِهِ وَكَفَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا فِيهَا لَا نَعْلَمُ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْآنَ إذْ إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ لِخَصْمِهِ مُسْقِطٌ لِخُصُومَتِهِ وَمُوجِبٌ لِتَسْلِيمِهِ لَهُ ، فَإِنْ ادَّعَى انْتِقَالَهُ لَهُ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ كَبَيْعٍ وَتَبَرُّعٍ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِبَيِّنَةٍ مُعْتَبَرَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ بِالْأَمْسِ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ وَيُسْتَصْحَبُ مُوجَبُهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ ، وَكَمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ هُوَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بِالْأَمْسِ فَلَا يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ غَلَبَهُ عَلَيْهِ كَانَتْ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً ، وَيُجْعَلُ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الْيَدِ .
قُلْت أَعْيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ أَعْرِفْهَا نَصًّا لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَّا لِمَنْ تَبِعَهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ .
وَفِي وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَمْسِ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّاهِدُ لِلْمِلْكِ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مِلْكًا لَهُ بِالْأَمْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْتَزَعُ مِنْ يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ تَحْقِيقٍ فَيَسْتَصْحِبُ ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ ، فَإِنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ تَخْمِينٍ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ هُوَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ سُمِعَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى تَحْقِيقٍ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعِي بِالْأَمْسِ قُبِلَ ، وَجُعِلَ الْمُدَّعِي صَاحِبَ يَدٍ .
وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتَا ، وَبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ ، أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ ، وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى ، إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ، كَالْعَوْلِ
( وَإِنْ ) تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَ ( تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ ) لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، وَكَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ غَيْرِ الْمُتَنَازِعَيْنِ ( سَقَطَتَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ ( وَبَقِيَ ) الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ( بِيَدِ حَائِزِهِ ) إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ( أَوْ ) يَدْفَعَ ( لِمَنْ ) أَيْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ الَّذِي ( يُقِرُّ ) الْحَائِزُ أَنَّهُ ( لَهُ ) الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ غَيْرِ الْمُتَنَازِعَيْنِ صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ ؛ لِأَنَّ حَائِزَهُ تَارَةً يَدَّعِيه لِنَفْسِهِ ، وَتَارَةً يُقِرُّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا وَتَارَةً لِغَيْرِهِمَا ، وَتَارَةً يَسْكُتُ .
وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ فَتَارَةً تَقُومُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ بَيِّنَةٌ وَتَسْقُطُ الْبَيِّنَتَانِ بِعَدَمِ التَّرْجِيحِ ، وَتَارَةً لَا تَقُومُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَهَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ ، فَفِي صُوَرِ الْبَيِّنَةِ إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَسَقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ حَلَفَ وَبَقِيَ بِيَدِهِ كَمَا فِي الْمَتْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ .
وَقِيلَ يُنْزَعُ مِنْهُ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِيهَا أَيْضًا ، وَقِيلَ إقْرَارُهُ لَغْوٌ وَيَقْتَسِمَانِهِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِمَا أَوْ سَكَتَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَهَاتَانِ دَخَلَتَا فِي قَوْلِهِ وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى ، وَفِي صُوَرِ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ حَلَفَ وَبَقِيَ بِيَدِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ا هـ لِغَيْرِهِمَا أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ سَكَتَ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي قُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى .
( وَقُسِمَ ) فَكُسِرَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ( عَلَى ) قَدْرِ ( الدَّعْوَى ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ مُنَاصَفَةً ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ( بِيَدِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ بِأَنْ كَانَ بِيَدِهِمَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ، أَوْ كَانَ لَيْسَ بِيَدِ أَحَدٍ
كَعَفَى أَرْضٍ ، وَلَمَّا شَمِلَ الْقَسْمُ عَلَى الدَّعْوَى صُورَتَيْنِ : الْقَسْمُ كَالْعَوْلِ وَالْقَسْمُ عَلَى التَّنَازُعِ وَالتَّسْلِيمِ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ( كَالْعَوْلِ ) فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي زِيدَ فِي سِهَامِهَا عَلَى أَصْلِهَا الضَّيِّقِ سِهَامُهَا عَنْ وَرَثَتِهَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْكُلِّ وَنِسْبَتُهُ لِلْمَجْمُوعِ وَنِسْبَةُ الْمَزِيدِ لِلْمَجْمُوعِ أَيْضًا وَإِعْطَاءُ مُسْتَحِقِّ كُلِّ مِثْلٍ نِسْبَةَ مَالِهِ مِنْ الْمَجْمُوعِ ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ زِيدَ عَلَى الْكُلِّ مِثْلُ نِصْفِهِ وَنُسِبَ الْكُلُّ لِلْمَجْمُوعِ ، فَكَانَ ثُلُثَيْهِ وَالنِّصْفُ لَهُ فَكَانَ ثُلُثًا ، فَيُعْطَى مُدَّعِي الْكُلِّ ثُلُثَيْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَمُدَّعِي النِّصْفِ ثُلُثَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ إذَا وَجَبَ قَسْمُ الْمُدَّعَى فِيهِ .
ابْنُ شَاسٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا قُسِمَ عَلَى قَدْرِ الدَّعَاوَى زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ اتِّفَاقًا .
ابْنُ هَارُونَ فَعَلَيْهِ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الثَّوْبِ وَالْآخَرُ نِصْفَهُ قُسِمَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
قُلْت ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ حَارِثٍ وَقَالَ فِيهَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٍ لِمُدَّعِي الْكُلِّ النِّصْفُ بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ وَالنِّصْفُ الثَّانِي الَّذِي تَدَاعَيَا فِيهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
قُلْت وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ اتِّفَاقًا .
الشَّيْخُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَالٍ بِأَيْدِيهِمَا لَهُ ثُلُثَاهُ وَقَالَ الْآخَرُ لِي نِصْفُهُ ، وَإِنَّمَا لَك نِصْفُهُ فَلِمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ النِّصْفُ ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ الثُّلُثُ وَالسُّدُسُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ تَحَالُفِهِمَا .
وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَعَبَّرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ قَوْلِهِ بِلَا يَكُونُ الْقَسْمُ عَلَى الدَّعَاوَى ، وَفِي تَعْيِينِ الْمُبْدَأِ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ خِلَافٌ ، ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا يَخْتَارُ فِي هَذَا الْأَصْلِ الْقَوْلَ بِالْقُرْعَةِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ
وَعَلَى كَوْنِهِ عَلَى التَّدَاعِي ، فَفِي كَوْنِهِ عَلَى قَدْرِ مُدَّعِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَعَوْلِ الْفَرَائِضِ أَوْ عَلَى اخْتِصَاصِ مُدَّعِي الْأَكْثَرِ بِمَا سُلِّمَ لَهُ وَقَسْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ نَقْلَا الشَّيْخِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ ، وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ زَادَ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا اخْتِصَاصُ مُدَّعِي الْأَكْثَرِ بِمَا زَادَ عَلَى الدَّعْوَيَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالثَّانِي اخْتِصَاصُهُ بِمَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا .
فَلَوْ كَانَ ثَالِثٌ يَدَّعِي الثُّلُثَ مَعَ مُدَّعِي جَمِيعِهِ وَنِصْفِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَخْتَصُّ مُدَّعِي الْكُلِّ بِالسُّدُسِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ الْبَاقِي نِصْفَهُ وَهُوَ رُبُعٌ وَسُدُسٌ ، ثُمَّ يَخْتَصُّ مُدَّعِي النِّصْفِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسٍ وَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ ، وَعَلَى الثَّانِي يَخْتَصُّ مُدَّعِي الْكُلِّ بِالنِّصْفِ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ الْبَاقِي نِصْفَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ ، وَيَأْخُذُ مُدَّعِي النِّصْفِ سُدُسًا ، ثُمَّ يَقْسِمُ الْبَاقِي أَثْلَاثًا لِثَلَاثَةٍ .
قُلْت يُرِيدُ بِالْأَوَّلِ الِاخْتِصَاصَ بِمَا زَادَ عَلَى الدَّعْوَيَيْنِ ، وَبِالثَّانِي بِمَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَاضِحٌ ، وَعَزَا الشَّيْخُ الْأَوَّلَ لِابْنِ الْمَوَّازِ ، وَالثَّانِيَ لِأَشْهَبَ ، وَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ يُقَالُ لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَمُدَّعِي الثُّلُثِ سَلَّمْتُمَا النِّصْفَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ فَلَهُ سِتَّةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَيُقَالُ لِمُدَّعِي الثُّلُثِ سَلَّمْت السُّدُسَ وَهُوَ سَهْمَانِ بَيْنَ مُدَّعِي الْكُلِّ وَمُدَّعِي النِّصْفِ ، وَيَبْقَى الثُّلُثُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ يَدَّعُونَهُ كُلُّهُمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، فَيَصِيرُ لِمُدَّعِي الثُّلُثِ سَهْمٌ وَثُلُثٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ سَهْمَانِ وَثُلُثٌ ، وَلِمُدَّعِي الْكُلِّ ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ ، قَالَ وَهُوَ نَحْوُ جَوَابِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَرَّرَ مُحَمَّدٌ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَالثُّلُثِ
سَلِّمَا السُّدُسَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ تَبْقَ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ يَدَّعِيهَا مُدَّعِي الْكُلِّ وَيَدَّعِيهَا صَاحِبَاهُ أَيْضًا فَيُعْطِيَانِهِ نِصْفَهَا وَهُوَ عَشَرَةُ قَرَارِيطَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا ، فَيُقَالُ لِمُدَّعِي الثُّلُثِ أَنْتَ لَا تَدَّعِي فِي قِيرَاطَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ سَلِّمْهُمَا لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَتُقْسَمُ الثَّمَانِيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
ابْنُ حَارِثٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلٌ ثَالِثٌ هُوَ أَعْدَلُهَا ، أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ عَلَى حِسَابِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ وَهُوَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الدِّينَارِ الْوَاقِعِ فِي مِائَةِ دِينَارٍ ، وَكَثِيرًا مَا كُنْت سَمِعْته مِنْ شُيُوخِنَا وَكُهُولِ أَصْحَابِهِمْ فِي أَيَّامِ الدَّرْسِ لَهُمْ وَالْمُنَاظَرَةِ لَهُمْ .
قُلْت حَكَاهُ الشَّيْخُ مِنْ نَوَادِرِهِ مِنْ نَقْلِ أَشْهَبَ ، قَالَ قَالَ أَشْهَبُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُقْسَمُ عَلَى حِسَابِ الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ فَيُقْسَمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا ، فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ سِتَّةٌ وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِمُدَّعِي الثُّلُثِ اثْنَانِ .
وَلَمْ يَأْخُذْهُ بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ .
( وَ ) إنْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي مِلْكِ شَيْءٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ وَتَعَذَّرَ تَرْجِيحُ إحْدَاهُمَا وَشَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِ مَنْ شَهِدْت لَهُ بِالْأَمْسِ ( لَمْ يَأْخُذْهُ ) أَيْ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مَنْ شَهِدَ لَهُ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ ( كَانَ بِيَدِهِ ) أَمْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ بِيَدِهِ كَوْنُهُ مِلْكَهُ وَلَا مُسْتَحَقَّهُ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ أَعَمُّ ، وَالْأَعَمُّ لَا يُشْعِرُ بِالْأَخَصِّ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُطْلَقُ الْحَوْزِ ، وَهَا هُوَ مَحُوزٌ فِي يَدِ الْآخَرِ الْيَوْمَ .
ابْنُ شَاسٍ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ انْتَزَعَهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ غَلَبَهُ عَلَيْهِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ ، وَيُجْعَلُ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الْيَدِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ .
" غ " أَغْفَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الثَّانِيَةَ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُمَا مَعًا نَصًّا لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، مَعَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فِي النَّوَادِرِ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
الْبُنَانِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ مَنْصُوصَةٌ لِأَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ ، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
التُّونُسِيُّ رَأَيْت لِأَشْهَبَ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بِيَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ أَمْسِ بِيَدِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ .
التُّونُسِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ أَمْسِ سَابِقٌ لِلَّذِي هُوَ بِيَدِهِ الْيَوْمَ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى يَدِهِ حَتَّى يُثْبِتَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ إلَّا بِيَقِينٍ .
ابْنُ مُحْرِزٍ قَوْلُ أَشْهَبَ صَحِيحٌ .
الْعَوْفِيُّ كَلَامُ التُّونُسِيِّ ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ مِنْ كَلَامِ أَشْهَبَ نَقَلَهُ الطِّخِّيخِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ ، وَقَوْلُ " غ " أَغْفَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ، أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِلَّا فَقَدَّمَ فِي بَابِ
الْغَصْبِ مَا تُفْهَمُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُ ، حَيْثُ قَالَ كَشَاهِدٍ بِمِلْكٍ لِآخَرَ ، وَجَعَلْت ذَا يَدٍ لَا مَالِكًا وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا نَقَلَهُ " ق " هُنَا .
وَإِنْ ادَّعَى أَخٌ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ ، إلَّا بِأَنَّهُ تَنَصَّرَ ، أَوْ مَاتَ إنْ جُهِلَ أَصْلُهُ فَيُقْسَمُ كَمَجْهُولِ الدِّينِ ، وَقُسِمَ عَلَى الْجِهَاتِ بِالسَّوِيَّةِ
وَإِنْ ادَّعَى أَخٌ أَسْلَمَ ) أَيْ حَدَثَ إسْلَامُهُ عَلَى أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ ( أَنَّ أَبَاهُ ) النَّصْرَانِيَّ ( أَسْلَمَ ) وَمَاتَ مُسْلِمًا وَأَنْكَرَ الْأَخُ النَّصْرَانِيُّ إسْلَامَ أَبِيهِ وَقَالَ إنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا ( فَالْقَوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ ) اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ ، وَهَذَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً شَهِدَتْ لَهُ ( قُدِّمَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ ) ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا ) أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ أَبَاهُمَا ( تَنَصَّرَ ) أَيْ نَطَقَ بِمَا دَلَّ عَلَى اعْتِقَادِهِ النَّصْرَانِيَّةَ ( وَمَاتَ ) عَقِبَهُ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهُ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمَاتَ عَقِبَهُ فَقَدْ تَعَارَضَتَا ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فَيَتَرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قُسِمَتْ تَرِكَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذَا ( إنْ جُهِلَ أَصْلُهُ ) أَيْ دِينُ الْأَبِ الْأَصْلِيِّ .
طفى الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ ، إذْ لَا فَائِدَةَ لِاشْتِرَاطِهِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فِي مَعْلُومِ النَّصْرَانِيَّةِ ، وَعَلَيْهِ قَرَّرَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَذَلِكَ ، فَذِكْرُهُ أَوْجَبَ انْقِطَاعَ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِحَالَةَ الْمَسْأَلَةِ عَنْ وَجْهِهَا ، فَلَوْ حَذَفَهُ ثُمَّ قَالَ كَمَجْهُولِ الدِّينِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَأَجَادَ ، وَلِذَا قَالَ " ق " لَوْ قَالَ إلَّا بِأَنَّهُ تَنَصَّرَ وَمَاتَ فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ فَيُقْسَمُ كَمَجْهُولِ الدِّينِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا .
وَشَبَّهَ فِي الْقَسْمِ فَقَالَ ( كَمَجْهُولِ الدِّينِ ) الَّذِي مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَتَنَازَعَا فِي مَوْتِهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا بِلَا بَيِّنَةٍ ، فَيُقْسَمُ مَتْرُوكُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ( وَقُسِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمَالُ الَّذِي تَرَكَهُ مَجْهُولُ الدِّينِ وَأَبْنَاؤُهُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ ( عَلَى الْجِهَاتِ ) أَيْ
الْإِسْلَامِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الَّتِي تَدِينُ بِهَا أَوْلَادُهُ الْمُتَنَازِعُونَ ( بِالسَّوِيَّةِ ) مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَدَدِ أَصْحَابِ كُلِّ جِهَةٍ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِهَاتُ ثَلَاثَةً فَلِكُلِّ جِهَةٍ ثُلُثُهُ وَلَوْ كَانَتْ جِهَةٌ أَصْحَابُهَا عَشَرَةٌ وَجِهَةٌ أَصْحَابُهَا خَمْسَةٌ وَجِهَةٌ صَاحِبُهَا وَاحِدٌ .
الْعَدَوِيُّ الْجِهَاتُ أَرْبَعٌ إسْلَامٌ وَيَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ وَسِوَاهَا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَصَرَّحَ الْعُقْبَانِيُّ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْحَوفِيِّ بِأَنَّ الْقَسْمَ عَلَى الْجِهَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حَلِفِ أَصْحَابِهَا فِي صُورَتَيْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ ، فَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةٍ ، وَقَالَ الْأَخَوَانِ وَأَصْبَغُ إنْ كَانَتْ بِحَضْرَةِ النَّصْرَانِيِّ قَطَعَتْ دَعْوَاهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ لَهُ عُذْرٌ فِي سُكُوتِهِ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ النَّصَارَى وَدَفَنُوهُ عِنْدَهُمْ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ اخْتَصَّ النَّصْرَانِيُّ بِإِرْثِهِ .
قُلْت لِلشَّيْخِ عَنْ الْأَخَوَيْنِ فِي الْوَاضِحَةِ إنْ دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْآخَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا لَا يُنْكِرُ ، فَذَلِكَ يَقْطَعُ حُجَّتَهُ .
اللَّخْمِيُّ إنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ ، فَإِنْ كَانَتْ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ إلَى مَوْتِهِ وَلَا يَعْرِفُونَهُ انْتَقَلَ عَنْهُ كَانَ تَكَاذُبًا وَقُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا ، فَإِنْ تَكَافَأَتَا كَانَ الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِأَحَدِ الدِّينَيْنِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ ، فَفِي كَوْنِ ذَلِكَ تَكَاذُبًا أَوْ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي نَقَلَتْهُ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهَا زَادَتْ حُكْمًا قَوْلَانِ ، وَعَلَى الثَّانِي إنْ كَانَتْ الْحَالَةُ الْأُولَى كُفْرًا فَإِرْثُهُ لِلْمُسْلِمِ ، وَفِي الْعَكْسِ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ .
وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا طِفْلٌ ، فَهَلْ يَحْلِفَانِ وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ حَلَفَا وَقُسِمَ ، أَوْ لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ ؟ قَوْلَانِ
( وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ) أَيْ الْأَخَوَيْنِ الْبَالِغَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ أَبُوهُمَا أَخٌ لَهُمَا ( طِفْلٌ فَهَلْ يَحْلِفَانِ ) أَيْ الْأَخَوَانِ الْبَالِغَانِ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ ( وَيُوقَفُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَافِ ( الثُّلُثُ ) مِمَّا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ سُدُسُ التَّرِكَةِ ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثُلُثَهَا إلَى بُلُوغِ الطِّفْلِ ، وَإِذَا بَلَغَ ( فَمَنْ ) أَيْ الْأَخُ الَّذِي ( وَافَقَهُ ) الطِّفْلُ فِي دِينِهِ ( أَخَذَ ) الطِّفْلُ ( حِصَّتَهُ ) أَيْ سُدُسَ الْأَخِ الَّذِي وَافَقَهُ الطِّفْلُ الْمَوْقُوفُ إلَى بُلُوغِهِ ( وَرُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ ( عَلَى ) الْأَخِ ( الْآخَرِ ) الَّذِي لَمْ يُوَافِقْهُ الطِّفْلُ فِي دِينِهِ سُدُسُهُ الْمَوْقُوفُ ، فَإِنْ وَافَقَ الْمُسْلِمَ أَخَذَ سُدُسَهُ وَرُدَّ سُدُسُ النَّصْرَانِيِّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ وَافَقَ النَّصْرَانِيَّ أَخَذَ سُدُسَهُ وَرُدَّ سُدُسُ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ ، وَعَلَى كُلٍّ يَكْمُلُ لِجِهَةِ الْإِسْلَامِ نِصْفُ التَّرِكَةِ ، وَلِجِهَةِ النَّصْرَانِيَّةِ نِصْفُهَا الْآخَرُ ، وَوُقِفَ الثُّلُثُ أَوَّلًا لِلطِّفْلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ ثَالِثٍ وَيَدَّعِي أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ مَاتَ ) الطِّفْلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ ( حَلَفَا ) أَيْ أَخَوَاهُ الْبَالِغَانِ يَحْلِفُ كُلٌّ أَنَّ الطِّفْلَ مَاتَ عَلَى دِينِهِ ( وَاقْتَسَمَا ) أَيْ أَخَوَاهُ الثُّلُثَ الْمَوْقُوفَ لَهُ بِالسَّوِيَّةِ ، وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَاشِرٍ بِأَنَّهُ تَوْرِيثٌ مَعَ الشَّكِّ فِي الْمُوَافَقَةِ فِي الدِّينِ ، إذْ لَا يُمْكِنُ لِلطِّفْلِ إلَّا دِينٌ وَاحِدٌ مُوَافِقٌ لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُخَالِفٌ لَهُمَا مَعًا .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَالِغِينَ يَدَّعِي أَنَّ الطِّفْلَ كَانَ عَلَى دِينِهِ وَمَاتَ عَلَيْهِ جَازَ مَا بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ تَرِكَتِهِ ، وَأَنَّ أَخَاهُمَا يَظْلِمُهُ فِيمَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا فَبِالْوَجْهِ الَّذِي وَرِثَ بِهِ أَبَاهُ يَرِثُ أَخَاهُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ ،
وَيُنْظَرُ مَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ لِلطِّفْلِ وَارِثٌ غَيْرُ أَخَوَيْهِ كَأُمِّهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ بُنَانِيٌّ .
( أَوْ ) يُوقَفُ ( لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ ) مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِمْ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَالِغَيْنِ يَدَّعِي أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ فَيَسْلَمُ لَهُ نِصْفُ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ رُبْعُ التَّرِكَةِ ( وَيُجْبَرُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الطِّفْلُ ( عَلَى الْإِسْلَامِ ) إذَا بَلَغَ وَيُقْسَمُ النِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْجَوَابِ ( قَوْلَانِ ) مُسْتَوِيَانِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ أَصْبَغُ قَالَ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ صَغِيرٌ فَكِلَاهُمَا مُقِرٌّ لَهُ بِالنِّصْفِ كَامِلًا ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنِّصْفُ لَهُمَا بَعْدَ إيمَانِهِمَا .
سَحْنُونٌ فَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَلَفَا وَقَسَمَا مَالَهُ .
اللَّخْمِيُّ أَصْلُ قَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، فَإِنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ سِتِّينَ دِينَارًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْأَوْلَادِ عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَقُولُ الْمَالُ بَيْنِي وَبَيْنَ الصَّغِيرِ نِصْفَيْنِ وَالنَّصْرَانِيُّ غَاصِبٌ لَنَا وَالْغَصْبُ عَلَيَّ ، وَعَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِنَا ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِوَائِهِمَا فِيهِ .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَحْلِفَانِ وَيُوقَفُ ثُلُثُ مَا بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَكْبَرَ الصَّبِيُّ فَيَدَّعِي دَعْوَى أَحَدِهِمَا فَيَأْخُذَ مَا وُقِفَ مِنْ سَهْمِهِ وَيَرُدَّ لِلْآخَرِ مَا وُقِفَ مِنْ سَهْمِهِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَلَفَا وَاقْتَسَمَا مِيرَاثَهُ ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ يُعْرَفُونَ فَهُمْ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهِ وَلَا يُرَدُّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ يُعْرَفُونَ وُقِفَ مِيرَاثُهُ ، فَإِذَا كَبِرَ وَادَّعَاهُ كَانَ لَهُ .
قُلْت قَوْلُ سَحْنُونٍ فَيَأْخُذُ مَا وُقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ وَيَرُدُّ إلَى الْآخَرِ مَا وُقِفَ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ إلَخْ ، خِلَافُ قَوْلِ أَصْبَغَ .
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ : فَلَهُ أَخْذُهُ ، إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ ، وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً
وَإِنْ ) كَانَ لِشَخْصٍ حَقٌّ عِنْدَ آخَرَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ الظَّاهِرِ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مَعَ إنْكَارِهِ وَ ( قَدَرَ عَلَى ) أَخْذِ عَيْنِ ( شَيْئِهِ ) خُفْيَةً ( فَلَهُ أَخْذُهُ ) سَوَاءٌ عَلِمَ غَرِيمُهُ بِأَخْذِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ( إنْ يَكُنْ ) شَيْؤُهُ ( غَيْرَ عُقُوبَةٍ ) فَإِنْ كَانَ عُقُوبَةً كَحَدِّ قَذْفٍ وَقِصَاصٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ تَأْدِيبِ شَاتِمٍ وَنَحْوِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ سَدًّا لِتَعَدِّي بَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ وَادِّعَائِهِمْ أَخْذَ حَقِّهِمْ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ ، وَكَذَا غَيْرُ عَيْنِ شَيْئِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنِهَا فَلَوْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِشَيْئِهِ عَيْنَهُ خَاصَّةً لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِعَدَمِ شُمُولِ عَيْنِ شَيْئِهِ لَهَا ، فَيُحْمَلُ شَيْؤُهُ عَلَى حَقِّهِ الشَّامِلِ لِعَيْنِ شَيْئِهِ وَعِوَضِهِ ، فَيَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْعُقُوبَةِ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْوَدِيعَةَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا ضَعِيفٌ قَالَهُ عب وَمِثْلُهُ لِلْخَرَشِيِّ .
( وَ ) إنْ ( أَمِنَ ) صَاحِبُ الْحَقِّ ( فِتْنَةً ) تَحْصُلُ بِأَخْذِ حَقِّهِ كَقِتَالٍ وَإِرَاقَةِ دَمٍ ( وَ ) أَمِنَ ( رَذِيلَةً ) كَنِسْبَتِهِ لِسَرِقَةٍ أَوْ خِيَانَةٍ بِأَخْذِ حَقِّهِ .
طفى لَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَصَرَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَمَنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِ عَيْنِ حَقِّهِ آمِنًا مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ إلَى رَذِيلَةٍ جَازَ لَهُ وَأَمَّا فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ وَكَلَامُهُمَا كَمَا تَرَى فِي اسْتِرْجَاعِ عَيْنِ حَقِّهِ ، وَبِهِ شَرَحَ فِي التَّوْضِيحِ ، فَقَالَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِ شَيْئِهِ بِعَيْنِهِ .
وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ وَمَنْ غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدَرَ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ
تَحْرِيكِ فِتْنَةٍ أَوْ سُوءِ عَاقِبَةٍ بِأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ .
ا هـ .
وَهَكَذَا عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي هَذَا خِلَافًا ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي غَيْرِ عَيْنِ شَيْئِهِ .
ثَالِثُهَا إنْ كَانَ جِنْسَهُ جَازَ ، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى عَيْنِ شَيْئِهِ كَمَا قُلْنَا فَيَكُونُ غَيْرَ شَيْئِهِ عِنْدَهُ بِالْمَنْعِ كَمَا يَأْخُذُهُ مِنْ بَابِ الْوَدِيعَةِ .
وَأَمَّا حَمْلُ تت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى غَيْرِ عَيْنِ شَيْئِهِ وَتَعْمِيمُهُ فِي الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ وَمُعَارَضَتُهُ لِذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ ، وَجَوَابُهُ عَنْ ذَلِكَ بِإِخْرَاجِ الْوَدِيعَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ نُبُوُّ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَنْ حَمْلِهِ .
الثَّانِي : خُلُوُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ بَيَانِ حُكْمِ اسْتِرْدَادِ عَيْنِ شَيْئِهِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَهُمَا مَتْبُوعَاهُ ، وَلَا يُقَالُ يُؤْخَذُ بِالْأُولَى لِخَفَائِهِ وَلِتَعَرُّضِ الْأَئِمَّةِ لَهُ .
الثَّالِثُ : لُزُومُ الْمُعَارَضَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا جَوَابُهُ فِيهِ نَظَرٌ ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ اسْتَثْنَاهَا مِنْ الْمَنْعِ ، إذْ مَنْ أَجَازَ أَجَازَهَا ، وَمَنْ مَنَعَ مَنَعَهَا ، وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ عَرَفَةَ طُرُقَ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْوَدِيعَةَ مِنْهَا فِي طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي طَرِيقِهِ فِي الْوَدِيعَةِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعَ وَالْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ وَالِاسْتِحْبَابَ .
خَامِسُهَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ الْحِصَاصِ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الْإِبَاحَةُ مُطْلَقًا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لَا ، وَأَيْضًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ .
وَإِنْ كَانَ فَرْضُهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَيْسَ الْحُكْمُ خَاصًّا بِهَا وَقَدْ تَوَرَّكَ عَلَيْهِ هُنَاكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهَا وَمَنْ لَك عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ قِرَاضٍ أَوْ بَيْعٍ فَجَحَدَهُ ، ثُمَّ صَارَ لَهُ بِيَدِك مِثْلُهُ بِإِيدَاعٍ وَبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ .
قَالَ
الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ مَا قَرَّرَ بِهِ " ز " هُوَ الظَّاهِرُ ، وَمَا قَالَهُ طفى ، وَصَوَّبَهُ مِنْ حَمْلِ مَا هُنَا عَلَى عَيْنِ شَيْئِهِ ، إذْ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا غَيْرُ عَيْنِهِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشَى الْمُصَنِّفُ مِنْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَنْعِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ أَظْهَرَ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ الْإِبَاحَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ قَالَ : أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ ؛ أُنْظِرَ
( وَإِنْ ) كَانَ لِشَخْصٍ حَقٌّ عَلَى آخَرَ وَوَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى خَلَاصِهِ فَطَلَبَهُ الْوَكِيلُ مِنْ الْغَرِيمِ فَ ( قَالَ ) الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ ( أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك ) بِكَسْرِ الْكَافِ ( الْغَائِبُ أُنْظِرَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أُمْهِلَ وَأُخِّرَ الْغَرِيمُ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ ، فَإِنْ أَقَرَّ بِإِبْرَائِهِ وَإِلَّا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْ الْغَرِيمِ ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى عَدَمِهِ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يَحْلِفُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَرِيبَةِ اتِّفَاقًا ، وَفِي الْبَعِيدَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ بِقِيلِ ، وَلَمْ يَعْزُهُ ، وَقَالَ إنَّهُ الْأَصْلُ ، ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمَطْلُوبِ الْقَضَاءَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى لَقِيَ صَاحِبِ الْحَقِّ ، وَمِثْلُهُ دَعْوَاهُ الْإِبْرَاءَ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ .
وَفِي النَّوَادِرِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي وَكِيلِ الْغَائِبِ يَطْلُبُ دَيْنَهُ الثَّابِتَ فَيَقُولُ الْمَطْلُوبُ بَقِيَ مِنْ حَقِّي أَنْ يَحْلِفَ الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ مِنِّي ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً كَتَبَ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْحَقَّ السَّاعَةَ وَيُقَالُ لَهُ إذَا اجْتَمَعْت مَعَهُ فَحَلِّفْهُ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي لَهُ كِتَابًا بِذَلِكَ يَكُونُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمَقْضِيُّ لَهُ حَلَفَ الْأَكَابِرُ مِنْ وَرَثَتِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ الصِّغَارُ وَإِنْ كَبِرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ .
ا هـ .
وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ وَقَوْلُهُ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْمُوَكِّلِ .
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً
كَيَوْمَيْنِ انْتَظَرَ الْمُوَكِّلُ حَتَّى يَحْلِفَ ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً يَحْلِفُ الْوَكِيلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مُوَكِّلَهُ قَبَضَ مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَيُقْضَى لَهُ بِهِ .
وَفِي الْمُعِينِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ .
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَهُ تَحْلِيفُ الطَّالِبِ إذَا لَقِيَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ ، ثُمَّ قَالَ الْحَطّ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ يُنْظَرُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُوَكِّلُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ فَالْمَنْصُوصُ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِدَفْعِ الْحَقِّ وَلَا يُؤَخَّرُ ، لَكِنَّ ابْنَ كِنَانَةَ قَالَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَقٌّ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ ، وَمُقَابِلُ الْمَنْصُوصِ مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ بِقِيلَ ، وَعَزَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَخَرَّجَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : إذَا عُلِمَ هَذَا فَقَوْلُهُ أُنْظِرَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ إنْظَارَهُ فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ ، وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَزْوِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَبُولِهِ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى .
وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَرَّجٌ ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّخْمِيَّ حَكَاهُ بِقِيلَ ، فَالْمُنَاسِبُ وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ أَوْ قَضَيْته فَلَا يُنْتَظَرُ فِي الْبَعِيدَةِ بِخِلَافِ الْقَرِيبَةِ ، فَيُؤَخَّرُ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ ، أُنْظِرَ فِي الْقَرِيبَةِ .
وَفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ
مُوَكِّلِهِ وَيَقْضِي لَهُ ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ وَاسْتَمَرَّ الْقَبْضُ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ، وَاسْتَرْجَعَ مَا أَخَذَ مِنْهُ .
" غ " حَلَفَ الْوَكِيلُ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا ، إذْ لَا يَحْلِفُ شَخْصٌ لِيَنْتَفِعَ غَيْرُهُ ، وَمَا بَعْدَهُ سَاقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلًا آخَرَ ، وَنَسَبَهُ فِي تَوْضِيحِهِ لِابْنِ الْمَوَّازِ ، فَقَدْ رَكَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ قَوْلَيْنِ .
الْحَطّ أَمَّا حَلِفُ الْوَكِيلِ فَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ فَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ وَابْنَ الْقَاسِمِ وَابْنَ الْمَوَّازِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَلَا يُؤَخَّرُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ لَهُ تَحْلِيفَ الْمُوَكِّلِ إذَا لَقِيَهُ ، فَإِنْ حَلَفَ مَضَى ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ فَهَذِهِ النُّسْخَةُ حَسَنَةٌ مُوَافِقَةٌ لِلرَّاجِحِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَّا حَلِفَ الْوَكِيلِ ، فَإِنَّهُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ .
الثَّانِي : لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْمَطْلُوبِ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك كَمَا فُرِضَ فِي سَمَاعِ عِيسَى ، وَقَوْلِهِ قَبَضَهُ مِنِّي مُوَكِّلُك .
الثَّالِثُ : إذَا قُضِيَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْحَقِّ ثُمَّ لَقِيَ الْمُوَكِّلَ فَاعْتَرَفَ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْحَقِّ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى وَكِيلِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ بَيِّنَةً وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى دَفْعِهِ لَهُ .
وَمَنْ اسْتَمْهَلَ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ ، أُمْهِلَ بِالِاجْتِهَادِ : كَحِسَابٍ وَشِبْهِهِ ، بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ : كَأَنْ أَرَادَ إقَامَةَ ثَانٍ ، أَوْ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ : فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ .
وَفِيهَا أَيْضًا : نَفْيُهُ ، وَهَلْ خِلَافٌ ، أَوْ الْمُرَادُ وَكِيلٌ يُلَازِمُهُ ، أَوْ إنْ لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ ، تَأْوِيلَاتٌ
( وَمَنْ ) شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَأُعْذِرَ لَهُ فِيهَا فَادَّعَى حُجَّةً وَ ( اسْتَمْهَلَ ) أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ وَالتَّأْخِيرَ ( لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ ) شَهِدَتْ عَلَيْهِ أَوْ جُرِحَتْ بَيِّنَتَهُ ( أُمْهِلَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ أُخِّرَ وَضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ ( بِالِاجْتِهَادِ ) مِنْ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ الدَّعْوَى وَالْمُدَّعَى فِيهِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْعَمَلَ بِتَفْرِيقِ الْأَجَلِ .
عب مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ قَرُبَتْ بَيِّنَتُهُ كَجُمُعَةٍ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا أَحْضَرَهَا .
الْبُنَانِيُّ هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ إذَا قَالَ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَمْهِلُونِي فَلِي بَيِّنَةٌ دَافِعَةٌ أُمْهِلَ مَا لَمْ يَبْعُدْ فَيُقْضَى عَلَيْهِ وَيَبْقَى عَلَى حُجَّتِهِ إذَا أَحْضَرَهَا أ هـ .
وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّحْدِيدِ فِي الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ عَلَى الطَّالِبِ ضَرَرًا فِي إمْهَالِ الْمَطْلُوبِ مَعَ بُعْدِ بَيِّنَتِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَشَبَّهَ فِي الْإِمْهَالِ بِالِاجْتِهَادِ فَقَالَ ( كَ ) اسْتِمْهَالِ التَّحْرِيرِ ( حِسَابٍ وَشِبْهِهِ ) مِنْ مُرَاجَعَةِ مَكْتُوبٍ عِنْدَهُ وَسُؤَالِ غُلَامٍ وَنَحْوِهِ لِيَتَحَقَّقَ مَا يَجِبُ بِهِ ، وَيُمْهَلُ ( بِكَفِيلٍ ) أَيْ ضَامِنٍ ( بِالْمَالِ ) فَلَا يَكْفِي ضَامِنٌ بِالْوَجْهِ لِثُبُوتِ الْمَالِ وَالْإِمْهَالُ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْبَيِّنَةِ .
عب هَذَا رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ فَقَطْ وَأَوْلَى لِقَوْلِهِ أُنْظِرَ كَمَا مَرَّ ، وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا فَيَكْفِي كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ طَلَبُ الْإِمْهَالِ لِنَحْوِ الْحِسَابِ بَعْدَ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بِالْمَالِ ، وَيَفُوتُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ طَلَبُ الْإِمْهَالِ لِنَحْوِ الْحِسَابِ قَبْلَ إقَامَتِهَا .
طفى هَذَا رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ تت ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَأَخَّرَهُ لِيُشَبِّهَ بِهِ ، وَأَمَّا فِي الْحِسَابِ وَشَبِيهِهِ فَحُمِلَ بِالْوَجْهِ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَتَقْيِيدُ ابْنِ شَاسٍ
تَأْخِيرَهُ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ صَوَابٌ ، وَيَبْعُدُ كَوْنُهُ اعْتَمَدَ هُنَا قَوْلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَفِيلُ بِالْمَالِ ا هـ .
إذْ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ .
وَشَبَّهَ فِي الْإِمْهَالِ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ كَفِيلٍ بِالْمَالِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ أَقَامَ الطَّالِبُ شَاهِدًا وَ ( أَرَادَ ) الطَّالِبُ ( إقَامَةَ ) شَاهِدٍ ( ثَانٍ ) وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ فَيُمْهَلُ مَعَ كَفِيلٍ بِالْمَطْلُوبِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ لِلطَّالِبِ الْحَلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ ، أَوْ لِأَنَّ الْمَالَ ثَبَتَ بِهِ وَالْيَمِينُ اسْتِظْهَارٌ .
الْبُنَانِيُّ الْأَوْلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْإِمْهَالِ وَفِي لُزُومِ كَفِيلٍ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ لَا فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ ، كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ ابْنِ مَرْزُوقٍ ( أَوْ ) ادَّعَى بِمَالٍ عَلَى شَخْصٍ فَأَنْكَرَهُ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي الْإِمْهَالَ ( بِ ) إرَادَتِهِ لِ ( إقَامَةِ بَيِّنَةٍ ) تَشْهَدُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ ( فَ ) يُمْهَلُ بِالِاجْتِهَادِ ( بِحَمِيلٍ ) لِلْمَطْلُوبِ ( بِالْوَجْهِ ) كَمَا فِي شَهَادَاتِهَا .
الْمَازِرِيُّ لَا بِالْمَالِ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ ( وَفِيهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ ( أَيْضًا نَفْيُهُ ) أَيْ كَفِيلِ الْوَجْهِ ، وَنَصُّهَا مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ خُلْطَةٌ فِي مُعَامَلَةٍ فَادَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّهُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا ثَبَتَتْ الْخُلْطَةُ فَلَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ لِيُوقِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ .
( وَ ) اُخْتُلِفَ ( هَلْ ) مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ( خِلَافٌ ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ سَهْلٍ ( أَوْ وِفَاقٌ ) بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا لِأَبِي عِمْرَانَ ( الْمُرَادُ ) بِكَفِيلِ الْوَجْهِ الَّذِي فِي شَهَادَاتِهَا ( وَكِيلٌ يُلَازِمُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَكِيلِ كَفِيلٌ ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفِيلُ الْوَجْهِ كَمَا فِي الْحَمَّالَاتِ ( أَوْ ) مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ
الْقَاسِمِ فِي الشَّهَادَاتِ فَلَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ ( إنْ لَمْ تُعْرَفْ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ( عَيْنُهُ ) أَيْ الْمَطْلُوبِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَيْنِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ .
فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَاتٌ ) ثَلَاثَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ غَصْبًا أَوْ دَيْنًا وَاسْتِهْلَاكًا فَإِنْ عُرِفَ بِمُخَالَطَتِهِ فِي مُعَامَلَةٍ أَوْ عُلِمَتْ تُهْمَتُهُ فِيمَا ادَّعَى قِبَلَهُ مِنْ التَّعَدِّي وَالْغَصْبِ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ ، فَإِمَّا أَحْلَفَهُ لَهُ أَوْ أَخَذَ لَهُ كَفِيلًا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ خُلْطَتُهُ وَلَا تُهْمَتُهُ فِيمَا ذُكِرَ فَلَا يَعْرِضُ لَهُ .
عِيَاضٌ بَعْضُهُمْ جَعَلَ لَهُ أَخْذَ الْكَفِيلِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَلِغَيْرِهِ هُنَاكَ كَمَا لَهُ هُنَا .
وَقَالَ آخَرُونَ ظَاهِرُهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِقَوْلِهِ ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَعْرِضُ لَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ بِخِلَافِهِ .
عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَفِيلَ بِمَعْنَى الْمُوَكَّلِ بِهِ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَزِمَهُ الْكَفِيلُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ بَيِّنٍ ، لِقَوْلِهِ إنْ كَانَ يُعْرَفُ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ فِي دَيْنٍ " ق " ابْنُ يُونُسَ مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ لَهُ عَلَيْهِ كَفِيلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ لِيُوقِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا فَلَيْسَ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ لِأَنَّا نَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ : الْعَبْدُ ، وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ
( وَ ) إنْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ كَفِيلٌ عَمْدًا أَوْ جُرْحٍ كَذَلِكَ فَ ( يُجِيبُ عَنْ ) دَعْوَى مُوجِبِ ( الْقِصَاصِ الْعَبْدُ ) لِأَنَّهُ الَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ إنْ أَقَرَّ بِمُوجِبِهِ لَا سَيِّدُهُ ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ وَأَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ جَوَابَ الدَّعْوَى إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمُجِيبُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ يَلْزَمُهُ فَيَلْزَمُهُ الْجَوَابُ عَنْهَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَوَابُ سَيِّدِهِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ ، وَمِثْلُ الْقِصَاصِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ .
( وَ ) إنْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ بِمُوجِبِ أَرْشٍ كَجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيهَا كَجَائِفَةٍ وَآمَّةٍ فَيُجِيبُ ( عَنْ ) دَعْوَى مُوجِبِ ( الْأَرْشِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَإِعْجَامِ الشَّيْنِ ، أَيْ الدِّيَةِ لِنَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ ( السَّيِّدُ ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُطَالَبُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ ، فَلَا يُعْتَبَرُ جَوَابُهُ فِيهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ قَبُولَ إقْرَارِهِ فَيُعْتَبَرُ ، فَفِي كِتَابِ دِيَاتِهَا فِي عَبْدٍ عَلَى بِرْذَوْنٍ مَشَى عَلَى أُصْبُعِ صَغِيرٍ فَقَطَعَهَا فَتَعَلَّقَ بِهِ الصَّغِيرُ وَهِيَ تَدْمَى ، وَقَالَ فَعَلَ بِي هَذَا وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ ، فَإِنَّ الْأَرْشَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ جَوَابُ دَعْوَى الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ يُطْلَبُ مِنْ الْعَبْدِ ، وَدَعْوَى الْأَرْشِ يُطْلَبُ جَوَابُهُ مِنْ سَيِّدِهِ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ عَامِلٌ دُونَ سَيِّدِهِ ، وَفِي الثَّانِي سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ عَامِلٌ دُونَ الْعَبْدِ .
وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَوْ كِتَابِيًّا ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ : بِاَللَّهِ فَقَطْ
( وَالْيَمِينُ ) الشَّرْعِيَّةُ ( فِي كُلِّ حَقٍّ ) مَالِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا اللِّعَانَ وَالْقَسَامَةَ صِيغَتُهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ) ابْنُ عَرَفَةَ وَلَفْظُ الْيَمِينِ فِي حُقُوقِ غَيْرِ اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ فِيهَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مَنْ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا ، وَمِثْلُهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ بِزِيَادَةِ لَا أَعْرِفُ غَيْرَ هَذَا .
ابْنُ رُشْدٍ فِي صِيغَةِ الْيَمِينِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ الْمَشْهُورُ قَوْلُهَا ، وَقِيلَ يَزِيدُ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَدَنِيَّةِ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إنْ قَالَ وَاَللَّهِ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهَا يَمِينٌ جَائِزَةٌ .
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تَجْزِئَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ .
قُلْت هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ قَالَ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ وَلَمْ يَزِدْ ، أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ .
قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ أَنْ تُجْزِئَ فِي الْحُقُوقِ لِاخْتِصَاصِ يَمِينِ الْخُصُومَةِ بِالتَّغْلِيظِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ قَوْلَ أَشْهَبَ قَالَ حَمَلَ بَعْضُ أَشْيَاخِي عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ رَأَى الِاكْتِفَاءَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَقَطْ ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ فِي هَذَا بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ يَقُولُ بِاَللَّهِ وَلَيْسَ مَقْصُودُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيَانُ اللَّفْظِ الْمَحْلُوفِ بِهِ فِي اللِّعَانِ ، وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِي يَمِينِ اللِّعَانِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَقُولُ أَشْهَدُ بِعِلْمِ اللَّهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
وَالرَّابِعُ بِزِيَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي
لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَنَحْوِهِ .
اللَّخْمِيُّ الْمَازِرِيُّ وَفِي الْقَسَامَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ، وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
مُحَمَّدٌ وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ ، وَرِوَايَتُهُ وَرِوَايَةُ ابْنِ كِنَانَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِزِيَادَةِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ .
ابْنُ رُشْدٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أُقْسِمُ بِاَلَّذِي أَحْيَا وَأَمَاتَ ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ صِيغَةَ حَلِفِ الْقَسَامَةِ أَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَلَا الطَّالِبُ الْغَالِبُ الْمُدْرِكُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَشْهُورُ مَذْهَبِهِ ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ مَنْ حَلَفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَلْيَقُلْ وَرَبِّ هَذَا الْمِنْبَرِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِاَلَّذِي أَحْيَا وَأَمَاتَ وَالزِّيَادَةُ عَلَى بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عِنْدَ مَنْ رَآهَا اسْتِحْسَانٌ ، إذْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ يَمِينُهُ .
قُلْت وَقَالَهُ اللَّخْمِيُّ .
وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( كِتَابِيًّا ) يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ( وَتُؤُوِّلَتْ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلًا ، أَيْ فُهِمَتْ الْمُدَوَّنَةُ ( عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ ) فِي يَمِينِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ ( بِاَللَّهِ ) وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ( فَقَطْ ) لَا يَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا الْيَهُودِيُّ فَيَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لَا يَحْلِفُ
النَّصَارَى وَلَا الْيَهُودُ فِي حَقٍّ أَوْ لِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِاَللَّهِ ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْيَهُودِيَّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى .
ابْنُ مُحْرِزٍ فِي الْكِتَابِ فِي النَّصْرَانِيِّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَقَالَهُ ابْنُ شَبْلُونَ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُوَحِّدُونَ فَلَا يُكَلَّفُونَ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ يَحْلِفُونَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا تَكُونُ مِنْهُمْ أَيْمَانًا ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو عُلَمَائِنَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِحْلَافُهُمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ يَنْفُونَ الصَّانِعَ .
تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ .
زَادَ عِيَاضٌ وَفَرَّقَ غَيْرُ ابْنِ شَبْلُونٍ بَيْنَ الْيَهُودِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يُلْزِمُهُمْ لِعَدَمِ قَوْلِهِمْ بِهِ .
فِي التَّوْضِيحِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَقُولُ فِي يَمِينِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي حَقٍّ أَوْ لِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِاَللَّهِ .
عِيَاضٌ حَمَلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ تَمَامُ الشَّهَادَةِ إذْ لَا يَعْتَقِدُونَهَا فَلَا يُكَلَّفُونَ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ شَبْلُونٍ ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَ الْيَهُودِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَلْزَمُهُمْ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا قَالَ إنَّمَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ فَقَطْ مُفْتِيًا لَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ أَيَزِيدُونَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ، فَقَالَ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَلَا يَزِيدُونَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ .
ا هـ .
وَظَاهِرُ قَوْلِ الْإِمَامِ
مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَحْلِفُ كَمَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ إلَّا بِاَللَّهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْحَطّ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْيَمِينِ مِنْ كَوْنِ حَرْفِ الْقَسَمِ فِيهَا الْبَاءَ الْمُوَحَّدَةَ ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى صِيغَةِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَوْ وَصِيغَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَغَالِبُ مَنْ رَأَيْت كَلَامَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَزَرُّوقٍ وَالْجَزِيرِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَغَيْرِهِمْ ، قَالُوا وَاخْتُلِفَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَلَمْ يَزِدْ ، أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَشْهَبُ إنْ قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِاَللَّهِ فَقَطْ فَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
اللَّخْمِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهَا أَيْمَانٌ تُكَفَّرُ أَنَّهَا تُجْزِيه ، ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَفِي الْجَوَاهِرِ أَمَّا الْحَلِفُ فَهُوَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ ، ثُمَّ نَقَلَهُ بِالْبَاءِ ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي فِي الْكِتَابِ ، أَيْ الْمُدَوَّنَةِ ، إنَّمَا هُوَ بِالْوَاوِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْوَاوِ ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَالصَّحِيحُ الِاجْتِزَاءُ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
وَفِي الْمُنْتَقَى اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الَّذِي يُجْتَزَى بِهِ مِنْ التَّغْلِيظِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ، فَإِنْ
قَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَوْ قَالَ بِاَللَّهِ فَقَطْ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِيه حَتَّى يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّاءَ الْفَوْقِيَّةَ كَذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّانِي : لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْيَمِينِ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ ، فَإِنْ أَحْلَفَهُ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ قَالَهُ الْبَاجِيَّ .
الثَّالِثُ : ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ طُرُوُّ مَا بِيَدِهِ مِنْ إيرَادٍ أَوْ بَيْعٍ هُوَ قَوْلُهَا فِي اللَّقْطَةِ ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ صَاحِبَ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدَيْهِ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي غَيْرِ الرُّبْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ ا هـ .
الرَّابِعُ : ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْيَمِينُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ يَزِيدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَفِي الْقَسَامَةِ وَلِلِّعَانِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
ضَيْح الْمَازِرِيُّ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ بِاَللَّهِ فَقَطْ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا أَجْزَأَهُ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا .
الْخَامِسُ : تَعَقَّبَ الْبِسَاطِيُّ قَوْلَهُ وَتُؤُوِّلَتْ إلَخْ بِأَنَّهُ صَرِيحُهَا لَا تَأْوِيلَ لَهَا لِقَوْلِهَا وَلَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ وَلَا النَّصْرَانِيُّ إلَّا بِاَللَّهِ ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَوَّلَهَا هُوَ الرَّادُّ لَهَا إلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا بِاَللَّهِ لَا يَحْلِفُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَيْمَانِهِمْ الَّتِي يَعْتَقِدُونَهَا ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى لَفْظِ بِاَللَّهِ ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ إبْقَاءَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَغُلِّظَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ ، كَالْكَنِيسَةِ ، وَبَيْتِ النَّارِ ، وَبِالْقِيَامِ ، لَا بِالِاسْتِقْبَالِ وَبِمِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
( وَغُلِّظَتْ ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُثَقَّلَةً وَإِعْجَامِ الظَّاءِ الْيَمِينُ عَلَى الْحَالِفِ ( فِي رُبْعِ دِينَارٍ ) شَرْعِيٍّ أَوْ مَا يُسَاوِيه مِنْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ وَتَغْلِيظُهَا ( بِ ) حَلِفِهَا ( بِجَامِعٍ ) لِلْجُمُعَةِ فَلَا يَكْفِي حَلِفُهَا بِغَيْرِهِ وَلَوْ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانٌ مِنْ الْجَامِعِ وَقَالَ الْمِسْنَاوِيُّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي غَيْرِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا ، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ التَّغْلِيطِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْخَصْمُ ، وَنَصَّ الْقَرَافِيِّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لِأَجْلِهِ ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ ، فَعَلَى وُجُوبِهِ يَحْنَثُ ، وَعَلَى نَدْبِهِ لَا ، وَأَيْضًا عَلَى وُجُوبِهِ تُعَادُ الْيَمِينُ لَهُ وَعَلَى نَدْبِهِ لَا ، وَأَيْضًا عَلَى وُجُوبِهِ بَعْدَ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ نَاكِلًا وَعَلَى نَدْبِهِ لَا .
وَشَبَّهَ فِي الْجَامِعِ فِي التَّغْلِيظِ بِهِ فَقَالَ ( كَالْكَنِيسَةِ ) لِلنَّصْرَانِيِّ ، وَالْبِيعَةِ لِلْيَهُودِيِّ ( وَبَيْتِ النَّارِ لِلْمَجُوسِيِّ ) زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ الْيَمِينِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَحَلِّهِ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ ، وَفِي رُبْعِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ حَيْثُ يُعَظَّمُ مِنْهُ .
الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ الثَّلَاثَةُ دَرَاهِمُ رُبْعُ دِينَارٍ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ رِوَايَةً ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاسْتِحْلَافَ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ .
( وَ ) تُغَلَّظُ ( بِ ) حَلِفِهَا حَالَ ( الْقِيَامِ ) مِنْ الْحَالِفِ ( لَا ) تُغَلَّظُ ( بِالِاسْتِقْبَالِ ) مِنْ الْحَالِفِ حَالَ حَلِفِهَا هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، فَفِيهَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا ، وَعَلَى التَّغْلِيظِ بِهِ جَرَى ابْنُ سَلْمُونٍ قَائِلًا بِهِ الْعَمَلُ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ
وَهُوَ قَوْلُ الْأَخَوَيْنِ ( وَ ) تُغَلَّظُ ( بِ ) حَلِفِهَا عِنْدَ ( مِنْبَرِهِ ) أَيْ النَّبِيِّ ( عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَخَصَّ مِنْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } ، وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمِنْبَرَ الْمَوْجُودَ الْآنَ فِي مَوْضِعِ مِنْبَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُهُ لِلدَّمَامِينِيِّ وَالسَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ .
تت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ فِي الْمَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَأَمَّا فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ فَتُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ .
وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ فِيمَا ادَّعَتْ ؛ أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهَا ، إلَّا الَّتِي لَا تَخْرُجُ نَهَارًا ، وَإِنْ مُسْتَوْلَدَةً فَلَيْلًا ، وَتُحَلَّفُ فِي أَقَلَّ بِبَيْتِهَا
( وَخَرَجَتْ ) الْمَرْأَةُ ( الْمُخَدَّرَةُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ الْمُلَازِمَةِ لِلْخِدْرِ ، أَيْ السِّتْرِ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا أَيْ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا ، يُقْضَى عَلَيْهَا بِالْخُرُوجِ إلَى الْجَامِعِ لِتَحْلِفَ فِيهِ ( فِيمَا ) أَيْ رُبْعِ دِينَارٍ ( ادَّعَتْ ) بِهِ عَلَى غَيْرِهَا وَشَهِدَ لَهَا شَاهِدٌ يَمِينًا تُكَمِّلُ بِهَا النِّصَابَ ، أَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَهَا شَاهِدٌ وَرَدَّ الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ عَلَيْهَا ( أَوْ ) فِيمَا ( اُدُّعِيَ ) بِضَمِّ الدَّالِ مُثَقَّلَةً وَكَسْرِ الْعَيْنِ بِهِ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْمُخَدَّرَةِ وَأَنْكَرَتْهُ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا شَاهِدٌ ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا شَاهِدٌ وَرَدَّ الْخَصْمُ الْيَمِينَ عَلَيْهَا .
أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَخْرُجُ أَيْ غَيْرَ مُسْتَتِرَةٍ ، وَأَمَّا الَّتِي تَخْرُجُ مُسْتَتِرَةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ لَا تَخْرُجُ أَلْبَتَّةَ نَقَلَهُ الْقَلْشَانِيُّ عَنْ الْغُبْرِينِيُّ ، وَاَلَّتِي لَا تَخْرُجُ أَصْلًا تَحْلِفُ فِي بَيْتِهَا فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ مِنْ شَأْنِهَا الْخُرُوجُ فِي مَصَالِحِهَا نَهَارًا وَلَيْلًا وَمَنْ تَخْرُجُ لَهَا لَيْلًا فَقَطْ وَمَنْ لَا تَخْرُجُ أَصْلًا ( إلَّا ) الْمُخَدَّرَةَ ( الَّتِي لَا تَخْرُجُ نَهَارًا ) وَهِيَ حُرَّةٌ ، بَلْ ( وَ ) إنْ كَانَتْ ( مُسْتَوْلَدَةً ) بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ ( فَ ) تَخْرُجُ لِلْحَلِفِ ( لَيْلًا ) ابْنُ عَرَفَةَ ، فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا سَأَلَتْ عَنْهُ مِنْ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَسُنَّتُهُنَّ فِي الْيَمِينِ سُنَّةُ الْأَحْرَارِ .
عِيَاضٌ قَوْلُهُ مَا سَأَلْت عَنْهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَسُنَّتُهُمْ سُنَّةُ الْأَحْرَارِ إلَّا أَنِّي أَرَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَالْحَرَائِرِ فَمِنْهُنَّ مَنْ تَخْرُجُ ، وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَخْرُجُ حَمَلَ بَعْضُهُمْ أَوَّلَ الْكَلَامِ عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ ، وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَأَنَّ مَا عَدَا
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَالرِّجَالِ فِي الْخُرُوجِ لِلْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِحُرْمَةِ سَادَتِهِنَّ كَالْحَرَائِرِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ مُحْرِزٍ .
وَلِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحُرَّةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ سَوَاءٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَهُ بَالٌ مِنْ الْحُقُوقِ فَتَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ نَهَارًا فَلْتَخْرُجْ لَيْلًا ، وَتَحْلِفُ فِي الْيَسِيرِ فِي بَيْتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَخْرُجُ وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا وَيُجْزِئُهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ .
اللَّخْمِيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَفِي رُبْعِ دِينَارٍ فِي الْجَامِعِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَتَصَرَّفُ أُحْلِفَتْ نَهَارًا وَإِلَّا أُحْلِفَتْ لَيْلًا .
وَأَجَازَ سَحْنُونٌ فِي امْرَأَتَيْنِ لَيْسَتَا مِمَّنْ يَخْرُجْنَ أَنْ تَحْلِفَا فِي أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِمَا .
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ وَالْقَدْرِ جَازَ أَنْ يَبْعَثَ الْحَاكِمُ إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا وَلَا مَقَالَ لِخَصْمِهَا .
عِيَاضٌ هَذَا فِيمَا تُطْلَبُ بِهِ .
ابْنُ كِنَانَةَ تَحْلِفُ النِّسَاءُ اللَّاتِي لَا تَخْرُجْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ فِيمَا اُدُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِنَّ ، فَإِنْ أَرَدْت أَنْ يَسْتَحْقِقْنَ حَقَّهُنَّ فَلْيَخْرُجْنَ إلَى مَوْضِعِ الْيَمِينِ وَقَدْ أَحْلَفَ سَحْنُونٌ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فِي أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِنَّ .
وَرَأَى شُيُوخُ الْأَنْدَلُسِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِ هَؤُلَاءِ وَمَنْ امْتَنَعَتْ حُكِمَ عَلَيْهَا بِحُكْمِ الْمَلِكِ .
عِيَاضٌ لَيْسَ هَذَا بِصَوَابٍ الشَّيْخُ فِي نَوَادِرِهِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْرُجُ فِيمَا لَهُ بَالٌ فَمَنْ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ خَرَجَتْ وَإِلَّا خَرَجَتْ بِاللَّيْلِ ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِثْلُهُ .
( وَتَحْلِفُ ) الْمَرْأَةُ ( فِي أَقَلَّ ) مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ ( بِبَيْتِهَا ) وَيُرْسِلُ لَهَا الْحَاكِمُ مَنْ يُحَلِّفُهَا وَيَكْفِي رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا تَخْرُجُ لِلْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ فِيهِ
الْيَمِينُ بِالْمَكَانِ .
وَإِنْ ادَّعَيْت قَضَاءً عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ
( وَإِنْ ) كَانَ عَلَيْك دَيْنٌ لِمَيِّتٍ وَطَلَبَهُ وَرَثَتُهُ فَ ( ادَّعَيْتَ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ خِطَابٌ لِلْمَدِينِ ( قَضَاءً ) لِلدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْك بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مِنْك بِهِ ثُمَّ ادَّعَيْت قَضَاءَهُ ( عَلَى مَيِّتٍ ) وَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ الْقَضَاءَ لَمْ ) الْأَوْلَى فَلَا ( يَحْلِفُ ) عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْقَضَاءِ ( إلَّا مَنْ ) أَيْ الَّذِي ( يُظَنُّ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ( بِهِ الْعِلْمُ ) بِقَضَائِك ( مِنْ وَرَثَتِهِ ) الْبَالِغِينَ بِسَبَبِ مُخَالَطَتِهِ لِلْمَيِّتِ وَعِلْمِهِ بِأَسْرَارِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِدَيْنٍ لِمَيِّتٍ فَادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ قَضَى الْمَيِّتَ حَقَّهُ فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ ، وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يَظُنُّ بِهِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ بَالِغِي وَرَثَتِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، وَلَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ ، وَلَا عَلَى صَغِيرٍ الشَّيْخُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إنْ كَانَ لِمَيِّتٍ دَيْنٌ مُبَيَّنَةٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ فَقَامَ وَرَثَتُهُ يَطْلُبُونَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ أَكَابِرُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا وَلِيَّهُمْ قَبَضَهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ سَبَبِهِ ، وَلَا يَحْلِفُ الْأَصَاغِرُ وَإِنْ كَبِرُوا بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَحَلَفَ فِي نَقْصٍ بَتًّا ، وَغِشٍّ عِلْمًا ، وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ : كَخَطِّ أَبِيهِ أَوْ قَرِينَةٍ
( وَ ) مَنْ دَفَعَ لِآخَرَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَاطَّلَعَ آخِذُهَا فِيهَا عَلَى نَقْصٍ أَوْ غِشٍّ فَرَدَّهَا لِدَافِعِهَا فَأَنْكَرَهَا ( حَلَفَ ) الدَّافِعُ ( فِي ) دَعْوَى ( نَقْصٍ ) حَلِفًا ( بَتًّا وَ ) فِي دَعْوَى ( غِشٍّ عِلْمًا ) أَيْ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ قَدْ تَخْفَى وَلَا يَتَحَقَّقُ عَيْنُ دَرَاهِمِهِ ، وَظَاهِرُهُ صَيْرَفِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ الصَّيْرَفِيِّ .
وَأَمَّا الصَّيْرَفِيُّ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ مُطْلَقًا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي سَلَمِهَا الْأَوَّلِ إنْ أَصَابَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ رَصَاصًا أَوْ نُحَاسًا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ مَا دَفَعْت لَك إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَيَحْلِفُ مَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى أَنْ يُرِيَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهَا .
التُّونُسِيُّ إنْ حَقَّقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَرَاهِمِهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ قَابِضُهَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مُوقِنٌ قُلْت ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ الْأَوَّلُ عَلَى الْعِلْمِ فَتَنْقَلِبُ يَمِينُهُ عَلَى خِلَافِ مَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ قُلْت ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ الْفَاسِيِّينَ فِي صِيغَةِ يَمِينِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ، الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ مُطْلَقًا .
الثَّانِي يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ مُطْلَقًا .
الثَّالِثُ هَذَا إنْ كَانَ صَيْرَفِيًّا .
وَعَزَاهَا ابْنُ حَارِثٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ .
( وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الْفَوْقِيَّةِ ، أَيْ مُرِيدُ الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ ( فِي ) إقْدَامِهِ عَلَى حَلِفِهِ بَتًّا ( عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّ أَبِيهِ أَوْ قَرِينَةٍ ) مِنْ خَصْمِهِ كَنُكُولِهِ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ أَوْ شَاهِدٍ لِأَبِيهِ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي بَتِّ الْيَمِينِ الْقَطْعُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ " .
طفى نَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ زَادَ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ الْيَقِينُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَابِلْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَعَ مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي فَصْلِ يَمِينِ الْغَمُوسِ حَيْثُ قَالَ قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظَّنَّ كَذَلِكَ .
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ وَمِنْ هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ .
قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظَّنَّ كَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ .
وَيَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا ، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ ، وَنَفَى سَبَبًا ، إنْ عُيِّنَ وَغَيْرَهُ ، فَإِنْ قَضَى نَوَى سَلَفًا يَجِبُ رَدُّهُ
( وَيَمِينُ ) الشَّخْصِ ( الْمَطْلُوبِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ صِيغَتُهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ( مَا لَهُ ) أَيْ الطَّالِبِ الْمُدَّعِي ( عِنْدِي كَذَا ) أَيْ الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي ادَّعَاهُ الطَّالِبُ كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ( وَلَا شَيْءَ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِالْعَشَرَةِ مَثَلًا مُدَّعٍ بِكُلِّ آحَادِهَا ، فَحَقُّ الْيَمِينِ نَفْيُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ إثْبَاتَ الْكُلِّ إثْبَاتٌ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ، وَنَفْيُ الْكُلِّ لَيْسَ نَفْيًا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَلِئَلَّا يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ أَقَلَّ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي سَمَّاهُ ، وَيُعْتَذَرُ بِالنِّسْيَانِ وَيُحَلِّفُهُ ثَانِيًا ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فِي يَمِينِهِ لَزِمَهُ الْحَلِفُ ثَانِيًا عَلَى مَا تَرَكَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَا شَيْءَ لَهُ عِنْدِي مِمَّا ادَّعَاهُ ، أَوْ يَقُولَ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ .
( وَنَفَى ) الْمَطْلُوبُ فِي يَمِينِهِ ( سَبَبًا ) لِتَرَتُّبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ ( إنْ عُيِّنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا السَّبَبُ مِنْ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ ( وَ ) نَفَى ( غَيْرَهُ ) أَيْ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ ، فَإِنْ كَانَ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ مِنْ سَلَفٍ فَيَقُولُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ ، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا مِنْ سَلَفٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ .
أَشْهَبُ إنْ لَمْ يَزِدْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجْتَزِئُ بِيَمِينِهِ ، أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ الْمُدَّعِي نَاسِيًا ( فَإِنْ ) كَانَ الْمَطْلُوبُ قَدْ ( قَضَى ) الطَّالِبَ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَجَحَدَهُ الطَّالِبُ وَاسْتَحْلَفَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَسَلَّفْ مِنْهُ مَثَلًا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ مَا تَقَدَّمَ ( وَنَوَى ) الْمَطْلُوبُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَتَسَلَّفْ ( سَلَفًا يَجِبُ ) لَك عَلَيَّ ( رَدُّهُ ) الْآنَ إلَيْك قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ إنْ حَلَفَ مَا تَسَلَّفَ كَانَتْ يَمِينُهُ غَمُوسًا ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ مَا لَا يَلْزَمُهُ .
فَإِنْ قِيلَ الْيَمِينُ
عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ قِيلَ مَحَلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِيهَا وَإِلَّا فَعَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ شَرْطُ الْيَمِينِ أَنْ تُطَابِقَ الْإِنْكَارَ .
قُلْت وَهُوَ قَوْلُهَا فِي الشَّهَادَاتِ مَنْ اشْتَرَى مِنْك ثَوْبًا وَنَقَدَك الثَّمَنَ فَقَبَضْته وَجَحَدْته الِاقْتِضَاءَ وَطَلَبْت يَمِينَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَك قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَك أَنْ تُحَلِّفَهُ مَا اشْتَرَى سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا ؛ لِأَنَّ هَذَا أَرَادَ أَنْ يُورِيَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يُورِيَ الْإِلْغَازَ أَحْمَدُ بْنُ زِيَادٍ .
قُلْت لِابْنِ عَبْدُوسٍ إذَا أَسْلَفَ رَجُلًا مَالًا وَقَضَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَجَحَدَ الْقَابِضُ وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ مَا أَسْلَفَهُ ، وَقَالَ الْمُتَسَلِّفُ بَلْ أَحْلِفُ مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ مَا أَسْلَفَهُ شَيْئًا .
قُلْت فَقَدْ اضْطَرَرْتُمُوهُ إلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ أَوْ إلَى غُرْمِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ، قَالَ يَحْلِفُ مَا أَسْلَفَهُ ، وَيَعْنِي فِي ضَمِيرِهِ سَلَفًا يَجِبُ عَلَيَّ رَدُّهُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَيَبْرَأُ مِنْ الْإِثْمِ فِي ذَلِكَ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَارِثٍ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ بِلَفْظِ ابْنِ شَاسٍ .
وَإِنْ قَالَ وَقْفٌ ، أَوْ لِوَلَدِي : لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ بَيِّنَتِهِ ، وَإِنْ قَالَ لِفُلَانٍ ، فَإِنْ حَضَرَ : اُدُّعِيَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ ، أَوْ غَابَ لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ ، وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ ، أَخَذَهُ .
( وَإِنْ ) ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَطَلَبَ مِنْهُ الْجَوَابَ فَ ( قَالَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( هُوَ ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ( وَقْفٌ ) عَلَى فُلَانٍ أَوْ الْمَسَاكِينِ ( أَوْ ) قَالَ هُوَ ( لِوَلَدِي ) مَثَلًا ( لَمْ ) الْأَوْلَى فَلَا ( يُمْنَعُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ ( مُدَّعٍ ) لِذَلِكَ الشَّيْءِ ( مِنْ ) إقَامَةِ ( بَيِّنَةٍ ) عَلَى أَنَّهُ لَهُ بِحَضْرَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الرَّشِيدِ أَوْ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَوْ وَلِيِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَحْجُورِ .
ابْنُ شَاسٍ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا فَقَالَ لَيْسَ لِي إنَّمَا هُوَ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى وَلَدِي أَوْ هُوَ مِلْكٌ لِطِفْلٍ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ لِلْمُدَّعِي حَتَّى يُثْبِتَ مَا ذَكَرَ ، فَتُوقَفُ الْخُصُومَةُ عَلَى حُضُورِ مَنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا مُقْتَضَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ ، وَمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ لِحَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مَنْ ذَكَرَ نَفْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا إلَّا الْغَزَالِيَّ فِي وَجِيزِهِ .
( وَإِنْ قَالَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ ( لِفُلَانٍ فَإِنْ ) كَانَ قَدْ ( حَضَرَ فُلَانٌ اُدُّعِيَ ) بِضَمِّ الدَّالِ مُثَقَّلَةً وَكَسْرِ الْعَيْنِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ انْتَقَلَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إنْ صَدَّقَ الْأَوَّلَ فِي أَنَّهُ لَهُ ( فَإِنْ حَلَفَ ) فُلَانٌ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى نَفْيِ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا أَوْ انْفِرَادِ شَاهِدٍ وَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ( فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ ) أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِحَقٍّ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ( وَإِنْ نَكَلَ ) الْمُقِرُّ ( حَلَفَ ) الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُ لَا لِلْمُقَرِّ لَهُ ( وَغَرَّمَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْمُدَّعِي الْمُقِرَّ ( مَا ) أَيْ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى بِهِ الَّذِي ( فَوَّتَهُ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْمُقِرُّ عَلَى الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ بِهِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ ، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا غَرِمَ مِثْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا غَرِمَ قِيمَتَهُ .
الْمَازِرِيُّ لَوْ قَالَ هُوَ لِفُلَانٍ وَهُوَ حَاضِرٌ يُصَدِّقُهُ سُلِّمَ لَهُ
الْمُدَّعَى فِيهِ ، وَتَصِيرُ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَلِلْمُدَّعِي إحْلَافُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِحَقٍّ إذْ لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْبَاطِلِ ، وَأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِمُدَّعِيهِ لَزِمَهُ الْغُرْمُ لِإِتْلَافِهِ حَقَّهُ ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِالصِّدْقِ ، وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُدَّعِي سَقَطَ مَقَالُ الْمُدَّعِي ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ غَرَامَةَ الْمُقِرِّ لِإِتْلَافِهِ بِإِقْرَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْإِتْلَافَ ، وَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُقَرِّ لَهُ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ حَقُّهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَمْ لَا ؟ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوُهُ قَوْلُ عِيَاضٍ إذَا اطَّلَعَ بَائِعُ سِلْعَةٍ مِنْ وَكِيلٍ عَلَى شِرَائِهَا عَلَى زَائِفٍ فِي الثَّمَنِ فَأَحْلَفَ الْآمِرَ فَنَكَلَ فَوَجَبَتْ الْيَمِينُ لِلْبَائِعِ فَنَكَلَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَأْمُورَ ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ عَنْ يَمِينِ الْآمِرِ نُكُولٌ عَنْ يَمِينِ الْمَأْمُورِ .
وَعَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ حَضَرَ فَقَالَ ( أَوْ غَابَ ) الْمُقَرُّ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي غَيْبَةً بَعِيدَةً لَا يُعْذَرُ لَهُ فِيهَا ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُقِرَّ ( يَمِينٌ ) أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِحَقٍّ ( أَوْ بَيِّنَةٌ ) عَلَى أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْدَعَهُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدَهُ ( وَ ) إنْ حَلَفَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ ( انْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ ) أَيْ الْغَائِبِ فَيُنْتَظَرُ قُدُومُهُ ( وَإِنْ نَكَلَ ) الْمُقِرُّ وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى بِهِ ( بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ ) فِي إقْرَارِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الْمُدَّعِي بِيَمِينٍ لِقَوْلِهِ وَانْتَقَلَتْ
الْحُكُومَةُ لَهُ ، وَأَمَّا إنْ حَلَفَ الْمُقِرُّ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ لِلْغَائِبِ ، فَقَدِمَ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ فَيَأْخُذُهُ بِلَا يَمِينٍ وَتَنْتَقِلُ الْحُكُومَةُ لَهُ .
الْحَطّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ غَائِبًا فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ غَابَ ، وَالْأَحْسَنُ وَإِنْ غَابَ ، أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، فَإِنْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِمُدَّعِيهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُجَرَّدًا عَنْ يَمِينٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ا هـ .
فَلِذَا قَالَ هَذَا لَزِمَهُ ، أَيْ الْمُقِرَّ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَا كَلَامَ أَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْتَقِلُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْغَائِبِ كَمَا قَالَ ، وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ ، أَيْ الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَ الْمُقِرِّ ، فَقَالَ أَشْهَبُ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ أَخَذَهُ الْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ إذَا أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً أَوْ حَلَفَ فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ إذَا نَكَلَ الْمُقِرُّ عَنْ الْيَمِينِ وَأَخَذَهُ الْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَازِرِيُّ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ لَا يُعْذَرُ إلَيْهِ لِبُعْدِ غَيْبَتِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ اتِّفَاقًا ، فَإِنْ أَرَادَ تَحْلِيفَهُ سُئِلَ فَإِنْ قَالَ رَجَاءَ أَنْ يَنْكَلَ فَأَحْلِفَ وَأُغَرِّمُهُ قِيمَتَهُ جَرَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَوَجُّهِ الْغُرْمِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ دُونَ مُبَاشَرَةِ إتْلَافِهِ ، فَمَنْ أَغْرَمَهُ يُحَلِّفْهُ وَمَنْ لَا فَلَا ، وَإِنْ قَالَ رَجَاءَ أَنْ يَنْكَلَ فَأَحْلِفَ وَاسْتَحِقَّ
نَفْسَ الثَّوْبِ ، فَذَكَرَ سَحْنُونٌ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِدَارٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ هِيَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ ، فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَتْ الدَّارُ بِيَدِهِ ، وَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهَا الْمُدَّعِي دُونَ يَمِينٍ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَيَأْخُذَ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ .
وَذَكَرَ بَعْضُ أَشْيَاخِي إسْقَاطَ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَوْدَعَهُ السِّلْعَةَ أَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ غَيْرِهِ .
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ الْمُدَّعَى فِيهِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَيُخَاصِمَهُ ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ هَذَا صِيَانَةٌ لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَا الْمُدَّعِيَ مِنْ الْمُدَّعَى فِيهِ ، وَلَا يَحْلِفُ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فَعَلَ كُلُّ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنْ يُضِيفَ الْمُدَّعَى فِيهِ لِغَائِبٍ .
وَإِنْ اسْتَحْلَفَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ، أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ
( وَإِنْ ) ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِمَالٍ فَأَنْكَرَهُ وَ ( اسْتَحْلَفَ ) أَيْ طَلَبَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَفَ ( وَ ) الْحَالُ ( لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( بِبَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ ) بِالْبَلَدِ يَعْلَمُهَا ( أَوْ ) غَائِبَةٍ غَيْبَةً قَرِيبَةً ( كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا ) أَيْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ ثُمَّ أَرَادَ إقَامَتَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْهُ ( لَمْ ) الْأَوْلَى فَلَا ( تُسْمَعُ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ ، أَيْ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَهَا بِاسْتِحْلَافِهِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يَعْلَمُهَا مِمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا ، فَإِنَّهَا تُسْمَعُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَظَاهِرُهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ اسْتِحْلَافَهُ مُسْقِطٌ لِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمَطْلُوبُ ، وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِحَلِفِهِ .
عج وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ .
طفى وَهُوَ صَوَابٌ ، فَفِيهَا وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبَ بَيِّنَتَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا قَضَى لَهُ بِهَا ، وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيِّنَتِهِ تَارِكًا لَهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ فَلَا حَقَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ ا هـ .
فَدَلَّ أَوَّلُ كَلَامِهَا عَلَى أَنَّ " اسْتَحْلَفَهُ " لَيْسَ لِلطَّلَبِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ حَلَّفَهُ .
وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ إنْ حَقَّقَ ، وَلْيُبَيِّنْ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ
( وَإِنْ ) ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِمَالٍ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ فَأَنْكَرَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَاسْتَحْلَفَهُ فَ ( نَكَلَ ) الْمَطْلُوبُ ( فِي مَالٍ وَحَقِّهِ ) أَيْ مُتَعَلِّقِ الْمَالِ كَأَجَلٍ وَخِيَارٍ ( اسْتَحَقَّ ) الطَّالِبُ مَا ادَّعَاهُ ( بِهِ ) أَيْ نُكُولَ الْمَطْلُوبِ ( بِيَمِينٍ ) مِنْ الطَّالِبِ ( إنْ حَقَّقَ ) الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ الطَّالِبُ دَعْوَاهُ وَاتَّهَمَ الْمَطْلُوبَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا ادَّعَاهُ بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْمَشْهُورِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ زَرْقُونٍ اُخْتُلِفَ فِي تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَالسَّرِقَةِ أَنَّهَا تَتَوَجَّهُ ، وَقَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَتَوَجَّهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَنْقَلِبُ ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ السَّرِقَةِ أَنَّهَا تَنْقَلِبُ .
الْبَاجِيَّ إنْ ادَّعَى الْمُودَعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ وَالْمُودِعُ تَعَدِّيَهُ عَلَيْهَا صُدِّقَ الْمُودَعُ ، إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفَ قَالَهُ أَصْحَابُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا أَفَادَهُ الْحَطّ .
طفى قَوْلُهُ بِيَمِينٍ إنْ حَقَّقَ تَفْرِيعٌ عَلَى تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ ، وَقَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ إلَخْ ، يَقْتَضِي عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى التُّهْمَةِ فَضْلًا عَنْ عَدَمِ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ فِيهَا ، وَفِيهِ خِلَافٌ ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْقَوْلَانِ التَّوَجُّهُ وَعَدَمُهُ .
ابْنُ فَرْحُونٍ الْمُتَيْطِيُّ اُخْتُلِفَ فِي الدَّعْوَى إذَا لَمْ تُحَقَّقْ ، فَظَاهِرُ مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَجِبُ إلَّا بِتَحْقِيقِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ ، غَيْرَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا
تَجِبُ عَلَى وَرَثَتِهِ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ الْمَرْأَةُ أَوْ وَرَثَتُهَا عَلَيْهِمْ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ شَيْئًا فَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَمِينَ عَلَى غَائِبٍ وَلَا عَلَى مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ الْيَمِينَ حَتَّى يَدَّعِيَ عَلَيْهِمْ وَرَثَةُ الزَّوْجَةِ الْعِلْمَ ، وَكَذَا مَذْهَبُهُ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ فِي الدَّابَّةِ إذَا رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَطَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِالْعَيْبِ ، فَقَالَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا بِتَحْقِيقِ الدَّعْوَى أَوْ يَدَّعِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مُخْبِرٌ .
ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مُخْبِرُ صِدْقٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ .
وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ بِغَيْرِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى فَمَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ إذَا قَبِلَ الدَّرَاهِمَ وَلَمْ يَعْرِفْهَا ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ الشِّقْصُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَحْلِفُ أَنَّك مَا بِعْته مِنْهُ أَوْ مَا عَوَّضْته سِرًّا وَأَرَدْتُمَا قَطْعَ الشُّفْعَةِ بِمَا أَظْهَرْتُمَا ، فَقَالَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ حَلَّفَهُ وَإِلَّا فَلَا يُحَلِّفُهُ ، فَأَوْجَبَ الْيَمِينَ مَعَ عَدَمِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى ا هـ .
قُلْت وَمَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ هِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَقَبِلَهَا حَلَفَ الْآمِرُ لَهُ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَبَرِئَ ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ شَرْطَ الْمُدَّعَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُحَقَّقًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِلَافًا .
وَفِي رَسْمِ الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ مَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَتْ صَدَاقَهَا حَلَفَ الْوَرَثَةُ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ صَدَاقٌ .
ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ .
خِلَافُ مَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ ، وَمَا فِي الْغَرَرِ مِنْهَا فِي التَّدَاعِي فِي مَوْتِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ عَلَى الصِّفَةِ ، فَإِنْ نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ صَدَاقَهَا وَتَسْتَوْجِبُهُ لَا عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ عَلِمُوا أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهُ ، فَهَذِهِ الْيَمِينُ تَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ مَا نَكَلَ عَنْهُ الْوَرَثَةُ ، وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ ، وَيُخْتَلَفُ فِي تَوَجُّهِ هَذِهِ الْيَمِينِ إذَا لَمْ تُحَقِّقْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي رُجُوعِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِمَا تَحْلِفُ عَلَيْهِ كَمَا يُخْتَلَفُ فِي رُجُوعِ يَمِينِ التُّهْمَةِ ا هـ .
وَأَشَارَ بِمَا فِي الْغَرَرِ لِقَوْلِهَا وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً كَانَ قَدْ رَآهَا أَوْ مَوْصُوفَةً فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهَا هَلَكَتْ بَعْدَ الصَّفْقَةِ ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ الصَّفْقَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَائِعُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ كَانَتْ مِنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الْأَوَّلِ ، وَيَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ عَلَى عِلْمِهِ أَنَّهَا لَمْ تَهْلِكْ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ا هـ .
إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ عج وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ إنْ حَقَّقَ سَمَاعَ دَعْوَى التُّهْمَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ ، فَهُوَ فِي غَيْرِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ ، أَمَّا فِيهَا فَتُسْمَعُ فِيهِ نَظَرٌ ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ كُلُّ مَا خَالَفَ التَّحْقِيقَ فَهُوَ تُهْمَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ كَلَامُهُ ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّهَامِ وَكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ أَعْنِي الْمُقَابِلَةَ لِلْمُحَقَّقَةِ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ نَعَمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ لِمُوجَبٍ وَهِيَ قَلِيلَةٌ فَتَأَمَّلْهُ .
(
وَلْيُبَيِّنْ ) الْحَاكِمُ لِمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ( حُكْمَهُ ) أَيْ النُّكُولِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ إنْ نَكَلْت حَلَفَ خَصْمُك وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاهُ ، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْبَيَانِ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَنْبَغِي الِاسْتِحْبَابُ .
طفى عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمَا لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ ظَاهِرُهُمَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ ، وَوَقَعَ لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَقَالَ وَإِذَا جَهِلَ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ فَلْيَذْكُرْهُ لَهُ الْقَاضِي .
وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ بِخِلَافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا ، ثُمَّ رَجَعَ
( وَلَا يُمَكَّنُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْكَافِ مُثَقَّلًا أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( مِنْهَا ) أَيْ الْيَمِينِ ( إنْ نَكَلَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ حَلِفُهَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ؛ لِأَنَّ خَصْمَهُ تَعَلَّقَ لَهُ حَقٌّ بِالْيَمِينِ بِنُكُولِهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ النُّكُولُ امْتِنَاعُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ مِنْهَا وَلِأَنَّ نُكُولَهُ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ خَصْمِهِ ، وَرُجُوعُهُ لَهَا نَدَمٌ .
ابْنُ شَاسٍ الرُّكْنُ الرَّابِعُ النُّكُولُ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا إذَا تَمَّ نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَيَتِمُّ نُكُولُهُ بِأَنْ يَقُولَ لَا أَحْلِفُ وَأَنَا نَاكِلٌ ، أَوْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ أَنْتَ أَوْ يَتَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْيَمِينِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ ، ثُمَّ حَيْثُ تَمَّ نُكُولُهُ ثُمَّ قَالَ أَنَا أَحْلِفُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ قَوْلُهَا .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إذَا نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ عَنْ الْيَمِينِ وَرَدُّوا الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَرَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفُوا فَلَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِيمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى مَالٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْلِفَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَسَمِعَ عِيسَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ أَنْ طَلَبَ يَمِينَهُ احْلِفْ أَنْتَ وَخُذْ ، فَلَمَّا هَمَّ الْمُدَّعِي بِالْحَلِفِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا أَرْضَى بِيَمِينِك مَا ظَنَنْتُك تَحْلِفُ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ وَكِتَابِ الدِّيَاتِ ، وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَوْ نَكَلَ عَنْهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ ، فَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَصِحَّةِ
رُجُوعِهِ قَوْلَانِ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدَنِيَّةِ مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِهَا فِي الدِّيَاتِ وَظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمَدَنِيَّةِ .
( بِخِلَافِ مُدَّعًى ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ ( عَلَيْهِ الْتَزَمَهَا ) أَيْ الْيَمِينَ ( ثُمَّ رَجَعَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا فَلَهُ ذَلِكَ .
بَهْرَامُ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ لَا يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ إلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْلِيقَةِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ الْيَمِينَ ثُمَّ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى إحْلَافِ الْمُدَّعِي ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ لَيْسَ أَشَدَّ مِنْ إلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ، قَالَ وَخَالَفَنِي ابْنُ الْكَاتِبِ ، وَقَالَ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْيَمِينِ .
وَإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وَسَكَتَ زَمَنًا : فَلَهُ الْحَلِفُ
( وَإِنْ رُدَّتْ ) بِضَمِّ الرَّاءِ الْيَمِينُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( عَلَى مُدَّعٍ فَسَكَتَ ) الْمُدَّعِي ( زَمَنًا ) غَيْرَ مُلْتَزِمٍ وَلَا نَاكِلٍ ثُمَّ أَرَادَ الْحَلِفَ ( فَلَهُ ذَلِكَ ) أَيْ الْحَلِفُ وَلَا مَقَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، إذْ لَا يُعَدُّ سُكُوتُهُ نُكُولًا وَلَوْ طَالَ مِنْهُ .
الْبُنَانِيُّ لَوْ قَالَ وَإِنْ سَكَتَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ زَمَانًا إلَخْ ، لَكَانَ أَحْسَنَ لِشُمُولِهِ .
وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ، ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ ، وَلَا بَيِّنَتُهُ ، إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ ؛ كَشَرِيكٍ أَجْنَبِيٍّ حَازَ فِيهَا إنْ هَدَمَ وَبَنَى
( وَإِنْ حَازَ ) بِإِهْمَالِ الْحَاءِ وَإِعْجَامِ الزَّايِ شَخْصٌ ( أَجْنَبِيٌّ ) مِنْ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ ( غَيْرُ شَرِيكٍ ) لِلْمَحُوزِ عَلَيْهِ فِي الْمَحُوزِ ( وَتَصَرَّفَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْأَجْنَبِيُّ الْحَائِزُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ ( ثُمَّ ادَّعَى ) شَخْصٌ ( حَاضِرٌ ) بِالْبَلَدِ مَعَ الْحَائِزِ ، وَاحْتَرَزَ بِحَاضِرٍ عَنْ الْغَائِبِ غَيْبَةً بَعِيدَةً كَسَبْعَةِ أَيَّامٍ ( سَاكِتٌ ) عَنْ مُنَازَعَةِ الْحَائِزِ الْمُتَصَرِّفِ ( بِلَا مَانِعٍ ) لَهُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى الْحَائِزِ وَمُنَازَعَتِهِ وَاحْتَرَزَ عَمَّنْ نَازَعَ الْمُتَصَرِّفَ وَعَمَّنْ سَكَتَ لِمَانِعٍ ، كَخَوْفٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ عَدَمِ عِلْمٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَحَازَ الْأَجْنَبِيُّ ( عَشْرَ سِنِينَ ) الْبُنَانِيُّ هَذَا خَاصٌّ بِالْعَقَارِ وَالتَّحْدِيدُ بِالْعَشْرِ نَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ ، وَعَزَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِرَبِيعَةَ ، وَنَصُّهَا وَلَمْ يُحِدَّ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْحِيَازَةِ فِي الرُّبْعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَهَا ، وَقَالَ رَبِيعَةُ حَوْزُ عَشْرِ سِنِينَ يَقْطَعُ دَعْوَى الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَى أَوْ أَسْكَنَ أَوْ أَخْدَمَ أَوْ أَعَارَ وَنَحْوَهُ ، وَلَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ حَازَ عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ } ا هـ .
فِي التَّوْضِيحِ بِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ ، وَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ .
وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا قَارَبَ الْعَشْرَ كَسَبْعٍ كَالْعَشْرِ ، وَعَنْ مَالِكٍ تُحَدُّ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَيَتَحَصَّلُ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تُحَدُّ بِسِنِينَ مُقَدَّرَةٍ ، بَلْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ .
الثَّانِي قَوْلُ رَبِيعَةَ تُحَدُّ بِعَشْرِ سِنِينَ ، وَبِهِ أَخَذَ
أَصْحَابُ الْإِمَامِ .
الثَّالِثُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الثَّانِي حَدُّهَا بِسَبْعِ سِنِينَ ، وَلَخَّصَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ وَفِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ بِعَشْرٍ أَوْ سَبْعٍ ثَالِثُهَا لَا تَحْدِيدَ بِمُدَّةٍ بَلْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ .
ا هـ .
وَتُلَفَّقُ مِنْ حِيَازَةِ الْمُوَرِّثِ وَوَارِثِهِ كَحَوْزِ الْمُوَرِّثِ خَمْسَ سِنِينَ ، وَوَارِثُهُ كَذَلِكَ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ ، وَيَجْرِي هَذَا فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ عَنْ الْعَشْرِ وَالْقَصِيرَةِ عَنْهَا الْآتِيَيْنِ .
( لَمْ ) الْأَوْلَى فَلَا ( تُسْمَعْ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ دَعْوَى الْحَاضِرِ السَّاكِتِ بِلَا مَانِعٍ ( وَلَا ) تُسْمَعُ ( بَيِّنَتُهُ ) أَيْ الْحَاضِرِ السَّاكِتِ بِلَا مَانِعٍ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ بِمِلْكِهِ الْمَحُوزِ ، أَيْ لَا يُعْمَلُ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهَا .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْحَطّ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ بَابَ الشَّهَادَاتِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْحِيَازَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَالشَّاهِدِ عَلَى الْمِلْكِ .
الثَّانِي : ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ إلَى الْحَائِزِ بِاتِّفَاقٍ ، وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَعَهَا قَوْلَ الْحَائِزِ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِيَمِينِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ } لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُهُ لَهُ بِدَعْوَاهُ ، فَإِنْ حَازَ الرَّجُلُ مَالَ غَيْرِهِ فِي وَجْهِهِ مُدَّةً تَكُونُ الْحِيَازَةُ فِيهَا عَامِلَةً وَهِيَ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ دُونَ هَدْمٍ وَلَا بُنْيَانٍ أَوْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ عَادَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ بِابْتِيَاعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ ا هـ .
وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَفِي الشَّامِلِ وَفِي يَمِينِ الْحَائِزِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ الْحَطّ وَلُزُومُ الْيَمِينِ أَقْوَى وَهُوَ
الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّالِثُ : ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ أَضْعَفُهَا حِيَازَةُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ أَوْ عَكْسُهُ ، وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْقَرِيبِ الشَّرِيكِ ، وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْقَرِيبِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَالْوَلِيِّ وَالْخَتْنِ الشَّرِيكِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْمَوْلَى وَالْخَتْنِ غَيْرِ الشَّرِيكِ ، وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْأَجْنَبِيِّ الشَّرِيكِ ، وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَهِيَ أَقْوَاهَا .
الرَّابِعُ : ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَضْعَفُهَا السُّكْنَى وَالِازْدِرَاعُ ، وَيَلِيهَا الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَالِاسْتِغْلَالُ ، وَيَلِيهَا التَّفْوِيتُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنَّحْلِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ إلَّا فِي مَالِهِ ، وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الرَّقِيقِ وَالرُّكُوبُ فِي الدَّوَابِّ كَالسُّكْنَى فِيمَا يُسْكَنُ وَالِازْدِرَاعُ فِيمَا يُزْرَعُ .
الْخَامِسُ : الْحِيَازَةُ عَلَى النِّسَاءِ عَامِلَةٌ إذَا كُنَّ فِي الْبَلَدِ ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي الْمُقْنِعِ .
السَّادِسُ : يُسْتَحَبُّ لِلْغَائِبِ إذَا عَلِمَ بِالْحِيَازَةِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَالرَّجْرَاجِيُّ .
السَّابِعُ : اُخْتُلِفَ هَلْ يُطَالَبُ الْحَائِزُ بِبَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يُطَالَبُ بِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ يُطَالَبُ بِهِ .
وَقِيلَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فَلَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَنْ بَيَانِ أَصْلِ مِلْكِهِ ، وَإِنْ ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْحَائِزِ سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ الْعَتَّابِ وَابْنُ الْقَطَّانِ لَا يُطَالَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ .
الثَّامِنُ : الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَدَمُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا لَا أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ ابْتِدَاءً ، وَلَا يُسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا ، فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ ، بَلْ
يُسْأَلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ مِلْكَ مَا حَازَهُ لِلْمُدَّعِي وَيَعْتَقِدَ أَنَّ مُجَرَّدَ حَوْزِهِ يُوجِبُ لَهُ الْمِلْكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَوْزَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكِ إجْمَاعًا ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى انْتِقَالِهِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهِ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ ، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الْأَعْظَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ } .
التَّاسِعُ : الْحَطّ إنْ قِيلَ قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَلَا بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى عَدَمُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ ، فَجَوَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ وَلَا بَيِّنَتُهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْبَيِّنَةِ لَا تُسْمَعُ ، وَاَلَّتِي عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ تُسْمَعُ كَدَعْوَى الرَّقِيقِ الْعِتْقَ وَالزَّوْجَةِ الطَّلَاقَ ، وَأَيْضًا لِيُفَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إلَّا بِالْإِمْكَانِ وَنَحْوِهِ .
الْعَاشِرُ الْحَطّ لَا تَسْقُطُ الْحِيَازَةُ وَلَوْ طَالَتْ الدَّعْوَى فِي الْحَبْسِ ، بِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْوَقْفِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَتَضَمَّنُ السُّؤَالَ عَنْ جَمَاعَةٍ وَاضِعِينَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَمُوَرِّثِهِمْ وَمُوَرِّثِ مُوَرِّثِهِمْ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ عَامًا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالتَّعْوِيضِ وَالْقِسْمَةِ ، وَكَثِيرٍ مِنْ وُجُوهِ التَّفْوِيتِ ، فَادَّعَى عَلَيْهِمْ بِوَقْفِيَّتِهَا شَخْصٌ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِالتَّفْوِيتِ الْمَذْكُورِ وَالتَّصَرُّفِ هُوَ وَمُوَرِّثُهُ مِنْ قَبْلِهِ ، وَنَصُّهُ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْبِيسُ وَمِلْكُ الْمُحْبِسِ لِمَا حَبَسَهُ يَوْمَ تَحْبِيسِهِ ، وَبَعْدَ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْأَمْلَاكُ الْمُحْبَسَةُ بِالْحِيَازَةِ لَهَا عَلَى مَا تَصِحُّ الْحِيَازَةُ فِيهِ ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَأَعْذَرَ إلَى الْقَوْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا تَرْكَ الْقَائِمِ وَأَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ ،
وَطُولَ سُكُوتِهِمَا عَنْ طَلَبِ حَقِّهِمَا بِتَفْوِيتِ الْأَمْلَاكِ ، فَالْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ وَاجِبٌ وَالْحُكْمُ بِهِ لَازِمٌ .
ا هـ .
وَأَفْتَى بِهِ أَيْضًا فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَاتِ فَانْظُرْهَا ، وَالْجَوَابُ فِي الْحَطّ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بَيِّنَتُهُ فَقَالَ ( إلَّا ) بِبَيِّنَتِهِ الشَّاهِدَةِ لَهُ ( بِإِسْكَانٍ ) مِنْ الْمُدَّعِي لِلْحَائِزِ فِي الْعَقَارِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِلَا أُجْرَةٍ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ الْإِسْكَانِ كَإِعْمَارٍ وَمُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ .
ابْنُ رُشْدٍ الْحِيَازَةُ لَا يَنْتَفِعُ الْحَائِزُ بِهَا إلَّا أَنْ يَجْهَلَ أَصْلَ دُخُولِهِ فِيهَا ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ أَصْلَ دُخُولِهِ فِيهَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ مَا مِنْ غَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ إسْكَانٍ أَوْ إرْفَاقٍ فَلَا يَنْتَفِعُ بِطُولِ حِيَازَتِهِ لَهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ ذَلِكَ جِدًّا ، وَلَمْ يَحُدَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَدًّا إلَّا أَنَّهُ قَالَ قَدْرَ مَا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ الْحَقَّ هَلَكَ أَوْ نَسِيَ لِطُولِ زَمَانِهِ ، فَيَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ ، وَيَقْضِي لَهُ إنْ ادَّعَى الْحَائِزُ أَنَّ الْمَالِكَ بَاعَهُ مَثَلًا .
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِ نَقْلَ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا تَمَسَّك بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ فَلَا يَحْلِفُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ فَقَالَ ( كَشَرِيكٍ ) لِلْمُدَّعِي ( أَجْنَبِيٍّ ) مِنْهُ ( حَازَ ) الْعَقَارَ عَنْ شَرِيكِهِ ( فِيهَا ) أَيْ الْعَشْرِ سِنِينَ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بَعْدَهَا وَلَا بَيِّنَتُهُ ( إنْ هَدَمَ ) الْحَائِزُ الْعَقَارَ الَّذِي لَمْ يَخْشَ سُقُوطَهُ ( وَبَنَى ) الْعَقَارَ ، فَإِنْ هَدَمَ مَا خَشِيَ سُقُوطَهُ أَوْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْحِيَازَةِ .
وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ ؛ لَا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ ، إلَّا بِكَهِبَةٍ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَعَهُمَا مَا تَهْلِكُ الْبَيِّنَاتُ ، وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ ، وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ ، فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ ، وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرْضٍ .
( وَفِي ) تَحْدِيدِ مُدَّةِ حِيَازَةِ ( الشَّرِيكِ ) لِلْقَائِمِ ( الْقَرِيبِ ) لَهُ ( مَعَهُمَا ) أَيْ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ ( قَوْلَانِ ) لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مَرَّةً الْعَشْرُ سِنِينَ حِيَازَةٌ ، وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَتْ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ ، أَرَادَ مِثْلَ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ ، وَسَوَاءٌ كَانُوا إخْوَةً أَوْ لَا .
وَمَفْهُومُ إنْ هَدَمَ وَبَنَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ .
ابْنُ رُشْدٍ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بِهِمَا أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ .
( تَنْبِيهٌ ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حِيَازَةِ الْقَرِيبِ غَيْرِ الشَّرِيكِ ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَجَعَلَهُ مَرَّةً كَالْقَرِيبِ الشَّرِيكِ ، قَالَ فَيَكُونُ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي عَشْرِ سِنِينَ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا حِيَازَةَ بَيْنَهُمْ إلَّا مَعَ الطُّولِ الْكَثِيرِ وَهُوَ نَصُّ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى ، وَمَرَّةً رَآهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ قَوْلِهِ إنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ بِعَشْرِ سِنِينَ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ ، وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ ا هـ .
الْحَطّ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ حُكْمَ الْقَرِيبِ غَيْرِ الشَّرِيكِ كَحُكْمِ الْقَرِيبِ الشَّرِيكِ هُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِهِ إنَّهُ نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَأَنَّ الثَّانِيَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِهِ ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ سَوَاءٌ كَانُوا شُرَكَاءَ أَوْ غَيْرَ شُرَكَاءَ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَمَدِ الطَّوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الْأَرْجَحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( لَا ) تَكُونُ الْحِيَازَةُ ( بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ ) بِشَيْءٍ ( إلَّا بِكَهِبَةٍ ) مِنْ أَحَدِهِمَا عَقَارَ الْآخَرِ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ ،
وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الصَّدَقَةَ وَالْبَيْعَ وَالْعِتْقَ وَالتَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ وَالْوَطْءَ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْمَالِكُ فِي مِلْكِهِ فَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمَا بِهَدْمٍ وَبِنَاءٍ إذَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا فِي عَقَارِ الْآخَرِ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ ، سَوَاءٌ قَامَ عَلَيْهِ الْآخَرُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَطُولَ مَعَهُمَا ) أَيْ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ ( مَا ) أَيْ زَمَانٌ ( تَهْلِكُ ) مَعَهُ ( الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ ) فِيهِ ( الْعِلْمُ ) الْحَطّ مُحَصَّلُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا الْأَقَارِبُ الشُّرَكَاءُ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَكَذَا الشُّرَكَاءُ الْأَجَانِبُ بِخِلَافِ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمْ ، فَالْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ ، وَإِنْ حَصَلَ هَدْمٌ وَبُنْيَانٌ وَغَرْسٌ فَتَكْفِي الْأَعْوَامُ الْعَشَرَةُ فِي الشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَ ذَلِكَ قَوْلَانِ .
وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْقَرِيبِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَالْمَوْلَى وَالصِّهْرِ الشَّرِيكَيْنِ حِيَازَةً .
ثَالِثُهَا فِي الصِّهْرِ وَالْمَوْلَى دُونَ الْقَرِيبِ .
وَفِي كَوْنِ السُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْعَشْرِ حِيَازَةً لِمَوْلًى وَصِهْرٍ غَيْرِ شَرِيكَيْنِ أَوْ إنْ هَدَمَ وَبَنَى فِي الْعَشْرِ أَوْ إنْ طَالَ جِدًّا أَقْوَالٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَلَوْ بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ وَلَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ إلَّا أَنَّهُ إنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْبَيْعِ وَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ ، وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَهُ الْعَامَ وَنَحْوَهُ اسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ
بِالْحِيَازَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَامَ حِينَ عَلِمَ أَخَذَ حَقَّهُ ، وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ ، وَإِنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ فَسَكَتَ حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ فَلَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ قَامَ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ حَقُّهُ ، وَإِنْ سَكَتَ الْعَامَ وَنَحْوَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَيُخْتَلَفُ فِي الْكِتَابَةِ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ قَوْلَانِ .
( وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ ) أَيْ الْعَقَارُ ( مِنْ غَيْرِهَا ) مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالْعُرُوضِ ( فِي ) مُدَّةِ حِيَازَةِ ( الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الدَّابَّةِ ) بِالنِّسْبَةِ لِرُكُوبِ الْأَجْنَبِيِّ السَّنَتَانِ ( وَ ) فِي ( أَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ عَلَى السَّنَتَيْنِ ( فِي ) حِيَازَةِ ( عَبْدٍ وَعَرْضٍ ) وَنَحْوُهُ لِأَصْبَغَ ، زَادَ وَمَا أَحْدَثَ الْأَجْنَبِيُّ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَطْءٍ فِي الْأَمَةِ بِعِلْمِ مُدَّعِيه أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ حِينَ عَلِمَ اسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ بِذَلِكَ .
ابْنُ رُشْدٍ إنَّ الْأَقَارِبَ الشُّرَكَاءَ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ ، وَاسْتِخْدَامُ الرَّقِيقِ وَرُكُوبُ الدَّوَابِّ كَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ ، وَالِاسْتِغْلَالُ كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ، ثُمَّ قَالَ وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى وَارِثِهِ بَيْنَ الرُّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِالِاعْتِمَارِ
وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوب وَاللُّبْسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ ، فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ وَأَنَّ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ ، وَفِي الْإِمَاءِ إذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ وَفِي الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ إلَى الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ كَمَا يُصْنَعُ فِي الْأُصُولِ ا هـ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ كَسُكْنَى الدَّارِ ، وَأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ حِيَازَةٌ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهُ ، وَأَنَّ اسْتِغْلَالَ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فَتَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بِهِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ .
وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّتِهَا عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الْمَتْنِ وَبِالْأُمُورِ الْمُفَوِّتَةِ كَالْبَيْعِ ، وَعُلِمَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا مُفَوِّتًا بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ ، فَغَيْرُهُمَا بِالْأَوْلَى .
( الثَّانِي ) : مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي الْأَجْنَبِيِّ إنَّ الْقَرِيبَ لَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي حَقِّهِ كَانَ شَرِيكًا أَوْ غَيْرَ شَرِيكٍ .
( الثَّالِثُ ) : تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الثِّيَابَ يَكْفِي فِي حِيَازَتِهَا السَّنَةُ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ دُخُولُهَا فِي الْعُرُوضِ .
الرَّابِعُ ) : التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ وَلَا مِنْ التَّوْضِيحِ وَهُوَ أَتَمُّ فَائِدَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْخَامِسُ : فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُسْقِطُ الدَّيْنَ بِهَا وَلَدٌ .
ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَسَائِلِهِ الْمَلْقُوطَةِ السَّاكِتُ طَلَبَ دَيْنَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا قَوْلَ لَهُ ، وَيُصَدَّقُ الْغَرِيمُ فِي دَعْوَى دَفْعِهِ وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً لِإِمْكَانِ مَوْتِهِمْ أَوْ نِسْيَانِهِمْ لِلشَّهَادَةِ .
ا هـ .
وَمِنْ مُنْتَخَبِ ابْنِ أَبِي
زَمَنِينَ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ فِي مُدَّعِي دَيْنِ سَلَفٍ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ ، إذْ الْغَالِبُ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ السَّلَفُ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَالْبُيُوعَاتِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا قَدِيمًا وَقَامَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ حَقِّهِ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهَا أَخَذَهُ بِهِ ، وَعَلَى الْآخَرِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ .
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ إنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِطُولِ الزَّمَانِ كَثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَكَذَلِكَ الدُّيُونُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْأَصْلِ إذَا طَالَ زَمَانُهَا هَكَذَا وَمَنْ هِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ حُضُورٌ ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ إلَّا بَعْدَ هَذَا مِنْ الزَّمَانِ .
فَيَقُولُ قَدْ قَضَيْتُك وَبَادَ شُهُودِي بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَدِينِ غَيْرَ الْيَمِينِ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَقُومُ عَلَيْهِ الْيَتِيمُ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ وَيُنْكِرُ قَبْضَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً يَهْلِكُ فِي مِثْلِهَا شُهُودُ الْوَصِيِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالدَّفْعِ ، ثُمَّ قَالَ الْحَطّ أَحْفَظُ لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا تَقَرَّرَ الدَّيْنُ وَثَبَتَ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ } ، وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ إذَا كَانَ بِوَثِيقَةٍ فِي يَدِ الطَّالِبِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِيَدِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ دَيْنَهُ إذْ الْعَادَةُ أَنَّهُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ أَخَذَ عَقْدَهُ أَوْ مَزَّقَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْحِيَازَةِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا الْحَائِزُ وَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْأَصْهَارِ وَغَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا جَهْلُ أَصْلِ وَضْعِ الْيَدِ وَهُوَ هُنَا مَعْلُومٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
السَّادِسُ : طفى قَوْلُهُ وَإِنَّمَا
تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ ، اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ تَكَلَّمَ عَلَى حِيَازَةِ الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ ، وَلَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ حِيَازَةِ الْوَارِثِ عَلَى الْوَارِثِ بَيْنَ الرُّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِالِاعْتِمَارِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ ، وَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ ، فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ ، وَإِنَّ السَّنَتَيْنِ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ .
وَفِي الْإِمَاءِ إذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ ، وَفِي الْعَبْدِ وَالْعُرُوضِ فَوْقَ ذَلِكَ ، وَلَا يَبْلُغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ إلَى عَشَرَةِ أَعْوَامٍ كَمَا فِي الْأُصُولِ هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى قَوْلِ أَصْبَغَ دُونَ نَصِّهِ .
ا هـ .
فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِي التَّفْرِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ إلَّا لِقَوْلِ أَصْبَغَ ، فَاقْتَضَى أَنَّ أَصْبَغَ سَوَّى بَيْنَ الرُّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ ، وَمَا مَعَهَا فِي الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ مَعَ أَنَّ أَصْبَغَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا ، فَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ أَصْبَغَ وَمُطَرِّفٍ وَأَمَّا حِيَازَةُ الشَّرِيكِ الْوَارِثِ عَمَّنْ وَرِثَ مَعَهُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَبِيدِ بِالِاخْتِدَامِ وَاللُّبْسِ وَالِامْتِهَانِ مُنْفَرِدًا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ لَهُ فَالْقَضَاءُ فِيهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ فِي ذَلِكَ فَوْقَ الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ عِنْدَ نُزُولِ ذَلِكَ ا هـ .
فَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ مُشْكِلَةٌ وَلِذَا اعْتَرَضَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ قَائِلًا مَفْهُومُ الْحَصْرِ يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ الدَّارِ وَغَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقَارِبِ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ وَلَا عَمَلَ عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ .
ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَمَا حَازَ الشُّرَكَاءُ وَالْوَرَثَةُ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ
وَالْحَيَوَانِ وَجَمِيعِ الْعُرُوضِ تُخْتَدَمُ وَتُرْكَبُ وَتُمْتَهَنُ الْعُرُوض فَلَا يُقْطَعُ حَقُّ الْبَاقِينَ مَا لَمْ يَطُلْ ، وَالطُّولُ فِي ذَلِكَ دُونَ الطُّولِ بَيْنَهُمْ فِي حِيَازَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَفَوْقَ حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ا هـ .
وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ مُطَرِّفٍ يَرْجِعُ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْهُ مَعَ أَصْبَغَ ، وَقَوْلُهُ وَالطُّولُ فِي ذَلِكَ دُونَ الطُّولِ فِي حِيَازَةِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ مُدَّةُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَاصِمٍ وَغَيْرِهِ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً وَنَصُّهُ فِي تُحْفَتِهِ : وَالْأَقْرَبُونَ حَالُهُمْ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ اعْتِمَادِهِمْ يَخْتَلِفُ فَإِنْ يَكُنْ بِمِثْلِ سُكْنَى الدَّارِ وَالزَّرْعُ لِلْأَرْضِ وَالِاعْتِمَارُ فَهُوَ بِمَا يُجَوِّزُ الْأَرْبَعِينَ وَفِي مُنْتَقَى الْأَحْكَامِ إذَا حَازَ الْوَارِثُ عَلَى الْوَارِثِ الْأُصُولَ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ حِيَازَةً حَتَّى يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ سَنَةً خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الشُّرَكَاءِ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ جِدًّا ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ يُسْلَف لَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الْمَشْهُورُ إنَّ الْوَارِثِينَ لَا حِيَازَةَ بَيْنَهُمْ بِالسُّكْنَى وَالِاعْتِمَارِ .
ا هـ .
فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ أَصْبَغَ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ فِي حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي حِيَازَةِ الْقَرِيبِ .
وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَسَوَّى بَيْنَ الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَفِيهَا ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ حَازَ عَلَى حَاضِرٍ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا
أَوْ رَقِيقًا فَذَلِكَ كَالْحِيَازَةِ فِي الرُّبْعِ إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ ، وَالدَّوَابُّ تُرْكَبُ وَتُكْرَى ، وَالْأَمَةُ تُوطَأُ ، وَلَمْ يَحُدَّ لِي مَالِكٌ فِي الْحِيَازَةِ فِي الرُّبَاعِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا غَيْرَهَا ا هـ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ فَفِي رَسْمِ شَهِدَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي رَجُلٍ يَحُوزُ مَالَهُ ابْنُهُ فِي حَيَاتِهِ فِي الْحَيَوَانِ الرَّأْسِ وَالدَّابَّةِ حَتَّى يَمُوتَ أَبُوهُ وَذَلِكَ الْحَيَوَانُ فِي يَدِهِ ، فَيَقُولُ وَرَثَتُهُ هَذَا الرَّأْسَ لِأَبِينَا وَالدَّابَّةُ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى صَدَقَتِهِ وَلَا عَلَى عَطِيَّتِهِ ، فَهَلْ يَنْتَفِعُ بِطُولِ تَقَادُمِهِ فِي يَدِهِ ، وَالْأَصْلُ مَعْرُوفٌ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَنْتَفِعُ بِطُولِ تَقَادُمِهِ فِي يَدِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي رَسْمِ يُسْلَف مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّ الِابْنَ لَا يَنْتَفِعُ بِحِيَازَةِ الْأَرْضِ عَلَى أَبِيهِ بِالِازْدِرَاعِ وَالِاعْتِمَارِ ، وَفِي رَسْمِ الْكَبْشِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى فِي امْرَأَةٍ هَلَكَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ مَنْزِلًا وَرَقِيقًا فَعَاشَتْ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِهَا زَمَانًا وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ زَوْجًا وَزَوْجَيْنِ ثُمَّ هَلَكَتْ فَقَامَ وَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْأَوَّلِ يَطْلُبُ مُوَرِّثَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ فِي رُبَاعِهِ وَرَقِيقِهِ فَقَالَ وَلَدُ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ قَدْ عَايَشَتْنَا أُمُّكُمْ زَمَانًا طَوِيلًا وَكَانَتْ عَالِمَةً بِحَقِّهَا ، وَوَجْهُ خُصُومَتِهَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَمْ تَطْلُبْ قِبَلَنَا شَيْئًا حَتَّى مَاتَتْ ، فَقَالَ لَا أَرَى أَنْ يَقْطَعَ سُكُوتُهَا بِمَا ذَكَرْت مِنْ الزَّمَانِ مَوْرُوثُهَا مَعْرُوفًا لَهَا وَوَلَدِهَا فِي الْقِيَامِ بِطَلَبِهِ عَلَى مِثْلِ حُجَّتِهَا لَا يَقْطَعُ حَقَّهَا طُولُ سُكُوتِهَا فِي مُوَرَّثِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْوَرَثَةِ عِنْدِي فِي هَذَا مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا اقْتَسَمُوا بِعِلْمِهَا حَتَّى صَارَ
كُلُّ وَاحِدٍ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْإِرْثِ ، وَبِأَنَّ بِحَقِّهِ مِنْ أَثْمَانِ مَا بَاعُوا وَبِحَقِّهِ مِمَّا اقْتَسَمُوا مِنْ الرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ وَهِيَ سَاكِتَةٌ عَالِمَةٌ لَا تَدَّعِي شَيْئًا ، فَهَذَا الَّذِي يَقْطَعُ حُجَّتَهَا وَيُبْطِلُ طَلَبَهَا .
قُلْت فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمُوا بِبَيِّنَةٍ وَاقْتَطَعَ كُلُّ وَارِثٍ أَرْضًا يَزْرَعُهَا وَتُنْسَبُ إلَيْهِ أَوْ دَارًا يَسْكُنُهَا أَوْ رَقِيقًا يَخْتَدِمُهُ أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا يَحْتَلِبُهَا أَوْ دَوَابَّ يَسْتَغِلُّهَا فَكُلُّ وَارِثٍ قَبَضَ مِمَّا نَصَصْت لَك شَيْئًا قَدْ بَانَ بِمَنْفَعَتِهِ دُونَ إشْرَاكِهِ فَإِلَيْهِ يُنْسَبُ وَلَهُ يُعْرَفُ ، وَلَوْ كُلِّفُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الِاقْتِسَامِ لَمْ يَجِدُوهَا لِطُولِ الزَّمَانِ ، وَلَيْسَ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ ، أَتَرَى هَذَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ يَقْطَعُ حَقَّهَا مِنْ الْمَوْرُوثِ ؟ قَالَ أَرَى هَذَا يَمْنَعُهَا مِنْ أَخْذِ حَقِّهَا .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَرَى أَنْ يَقْطَعَ حَقَّهَا سُكُوتُهَا مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا إنَّهُ لَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ ، وَقَوْلِهِ أَوْ دَوَابَّ يَسْتَغِلُّهَا هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالسُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامِ لَا تَقَعُ الْحِيَازَةُ بِهِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ تَقَعُ بِهِ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوْ دَوَابَّ يَسْتَعْمِلُهَا وَهُوَ طَرْدٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ .
ا هـ .
فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سَوَّى بَيْنَ الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا فِي الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ ، وَلَمْ أَرَ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ التَّفْرِيقَ فِي الْأَجْنَبِيِّ فَقَطْ إلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ حَافِظٌ ، وَلَعَلَّهُ تَفَقُّهٌ لَهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ .
وَقَدْ جَرَى الْحَطّ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ رُشْدٍ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ .
وَأَمَّا عج فَقَالَ اعْتِرَاضُ ابْنِ مَرْزُوقٍ صَحِيحٌ ، بَلْ رُبَّمَا يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ لَهُ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ
رُشْدٍ .
ا هـ .
كَلَامُ طفى وَقَدْ اخْتَصَرَهُ الْبُنَانِيُّ وَأَقَرَّهُ .
أَقُولُ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا نَظَرٌ ، فَإِنَّ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُقَيِّدُ ذَلِكَ ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِيهِ فِي التَّفْوِيتِ وَعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ ، بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ وَطْءَ الْأَمَةِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ طُولُ الْمُدَّةِ ، وَبِدَلِيلِ تَخْصِيصِ الرُّبَاعِ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَحُدَّ لِي مَالِكٌ فِي الْحِيَازَةِ فِي الرُّبَاعِ إلَخْ ، وَبِدَلِيلِ تَقْدِيمِ التَّشْبِيهِ عَلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ هَذَا بَابٌ مُتَّسَعٌ ، فَيَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ مِنْ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ نَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ إجْمَاعَ الْمِلَلِ عَلَى وُجُوبِ حِفْظِ الْأَدْيَانِ وَالنُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْأَنْسَابَ بَدَلَ الْأَمْوَالِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْهَا ، وَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَدَمِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ .
ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا وَإِنْفَاذُ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ ، وَأَنَّ الْوَعِيدَ لَا حِقٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ فِي الْمَشِيئَةِ ، وَأَنَّ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ أَبَدًا ، فَقَدْ أَخْطَأَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ ، لِأَنَّ قَتْلَهُ لَا يُحْبِطُ إيمَانَهُ ، وَلَا صَالِحَ أَعْمَالِهِ ، لِأَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا تُبْطِلُ الْحَسَنَاتِ وَأُخِذَ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ أَمْرٌ بَاطِنٌ ، وَمُوجِبَ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ إمَامَتِهِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ ، وَنَصُّهُ ابْنُ رُشْدٍ عَمْدُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْهُ ، وَفِي قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْهُ وَإِنْفَاذِ وَعِيدِهِ مَذْهَبَا الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ .
قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِعَدَمِ رَفْعِ سَابِقِ جُرْأَتِهِ وَقَبُولُ التَّوْبَةِ أَمْرٌ بَاطِنٌ ، وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامِ
أَمْرٌ ظَاهِرٌ ، وَأُخِذَ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِيَكْثُرَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالصَّدَقَةُ وَالْجِهَادُ وَالْحَجُّ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَوْلَ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِيَكْثُرَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالصَّدَقَةُ وَالْجِهَادُ ، وَيَلْزَمُ الثُّفُورُ مَنْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْقَوَدُ دَلِيلُ رَجَائِهِ قَبُولَ تَوْبَتِهِ خِلَافَ قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَالْقَوْلُ بِتَخْلِيدِهِ خِلَافَ السُّنَّةِ ، وَمِنْ تَوْبَتِهِ عَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ قَوَدًا أَوْ دِيَةً ، وَإِنْ فَعَلَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عُدْوَانًا قِصَاصًا فَقِيلَ قَتْلُهُ كَفَّارَةٌ لَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا } ، وَقِيلَ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يَنْتَفِعُ بِقَتْلِ قَاتِلِهِ ، وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ لِلْأَحْيَاءِ زَجْرًا وَتَشَفِّيًا ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةُ .
( فَائِدَتَانِ ) الْأُولَى : سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } ، بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ بَيْنَ الْمُتَقَارِبَيْنِ جِدًّا وَقَتْلُ جَمِيعِ النَّاسِ بَعِيدٌ جِدًّا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَكَذَلِكَ الْإِحْيَاءُ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ إمَامٌ مُسْقِطٌ أَوْ حَاكِمٌ عَدْلٌ أَوْ وَلِيٌّ تُرْجَى بَرَكَتُهُ الْعَامَّةُ ، أَوْ عَالِمٌ شَرْعِيٌّ يَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ بِعِلْمِهِ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ رَسُولٌ فَلِعُمُومِ مَفْسَدَةِ قَتْلِهِ كَانَ قَتْلُهُ كَقَتْلِ كُلِّ مَنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهُمْ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ جَمِيعًا .
الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } ، قِيلَ الْخِطَابُ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا اقْتَصُّوا فَقَدْ سَلَّمُوا وَحَيَّوْا بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ عَنْهُمْ الَّذِي صَارَ عَدُوُّهُمْ .
وَقِيلَ لِلْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُمْ إذَا اُقْتُصَّ مِنْهُمْ مُحِيَ الْإِثْمُ عَنْهُمْ فَيَحْيَوْنَ حَيَاةً
مَعْنَوِيَّةً .
وَقِيلَ لِلنَّاسِ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْأَصْلُ وَلَكُمْ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ الْقَتْلِ فَيَحْيَا هُوَ وَمَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ .
وَقِيلَ لَا حَذْفَ وَالْقِصَاصُ نَفْسُهُ فِيهِ الْحِيَازَةُ لِلْجَانِي بِسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِثْمِ وَلِغَيْرِهِ بِدَفْعِ شَرِّ الْجَانِي وَالْقِصَاصُ إمَّا مِنْ نَفْسٍ وَإِمَّا مِنْ طَرَفٍ .
بَاب إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ ، وَإِنْ رُقَّ ، غَيْرُ حَرْبِيٍّ ، وَلَا زَائِدِ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ حِينَ الْقَتْلِ ، إلَّا لِغِيلَةٍ .
مَعْصُومًا لِلتَّلَفِ وَالْإِصَابَةِ بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ .
كَالْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ ، وَأُدِّبَ ، كَمُرْتَدٍّ ، وَزَانٍ أَحْصَنَ ، وَيَدِ سَارِقٍ ؛ فَالْقَوَدُ عَيْنًا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ قَتَلْتنِي أَبْرَأْتُك
وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ الْقَاتِلُ ، وَالْمَقْتُولُ وَالْقَتْلُ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقَاتِلِ فَقَالَ ( إنْ أَتْلَفَ ) وَلَمْ يَقُلْ قَتَلَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ وَالتَّسَبُّبَ وَالْقَتْلَ يَتَبَادَرُ مِنْهُ خُصُوصُ الْمُبَاشَرَةِ ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ قَالَهُ الْحَطّ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْإِتْلَافِ الْمُبَاشَرَةُ أَيْضًا شَخْصٌ ( مُكَلَّفٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلَةٌ ، أَيْ مُلْزَمٌ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَعَمْدُهُمَا كَخَطَئِهِمَا ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ النَّائِمُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَالْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْمَجْنُونُ حَتَّى يُفِيقَ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَالْمَرْفُوعُ إنَّمَا هُوَ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ .
وَأَمَّا الضَّمَانُ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ حُرًّا ، بَلْ ( وَإِنْ رُقَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الْقَافِ ، أَيْ كَانَ رَقِيقًا قِنًّا أَوْ ذَا شَائِبَةٍ فَيُقْتَلُ بِمِثْلِهِ وَبِالْحُرِّ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ ( غَيْرُ حَرْبِيٍّ ) بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا ، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ جِنَايَتِهِ ( وَ ) غَيْرُ ( زَائِدِ حُرِّيَّةٍ ) عَلَى الْمَقْتُولِ بِأَنْ تَسَاوَيَا فِي الْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّيَّةِ أَوْ زَادَ الْمَقْتُولُ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْحُرِّيَّةِ فَيُقْتَلُ الرِّقُّ بِالْحُرِّ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ ، فَإِنْ زَادَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ بِالْحُرِّيَّةِ فَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالرِّقِّ .
( أَوْ ) غَيْرُ زَائِدٍ ( إسْلَامٍ ) بِأَنْ تَسَاوَيَا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْكُفْرِ أَوْ زَادَ الْمَقْتُولُ بِالْإِسْلَامِ فَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ حُرًّا أَوْ الْمُسْلِمُ رَقِيقًا ، فَإِنْ زَادَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ
بِالْإِسْلَامِ فَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ حُرًّا وَقَاتِلُهُ الْمُسْلِمُ رَقِيقًا وَيُعْتَبَرُ عَدَمُ زِيَادَةِ الْقَاتِلِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ ( حِينَ الْقَتْلِ ) فَإِنْ قَتَلَ رَقِيقٌ رَقِيقًا أَوْ كَافِرٌ ذِمِّيٌّ مِثْلَهُ ثُمَّ تَحَرَّرَ الْقَاتِلُ أَوْ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَائِدٍ حِينَ الْقَتْلِ ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ الزَّائِدِ حِينَ الْقَتْلِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ ( إلَّا ) الْقَاتِلَ ( لِغِيلَةٍ ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ أَخْذِ مَالٍ فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ لَكِنْ لَيْسَ قِصَاصًا ، بَلْ لِدَفْعِ فَسَادٍ كَقَتْلِ الْمُحَارِبِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا عَفْوَ فِيهِ وَلَوْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ وَلَوْ صَالَحَ وَلِيُّ الدَّمِ بِالدِّيَةِ رُدَّ صُلْحُهُ وَحُكْمُهُ لِلْإِمَامِ فِي التَّوْضِيحِ حَقِيقَةُ الْغِيلَةِ خَدْعُهُ وَإِدْخَالُهُ مَوْضِعًا وَقَتْلُهُ لِأَخْذِ مَالِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَتْلُ الْغِيلَةِ حِرَابَةٌ وَهُوَ قَتْلُ الرَّجُلِ خُفْيَةً لِأَخْذِ مَالِهِ .
ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ أَهْلُ اللُّغَةِ قَتْلُ الْغِيلَةِ أَنْ يَخْدَعَهُ وَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ خُفْيَةً ، فَإِذَا صَارَ فِيهِ قَتَلَهُ فَيُقْتَلُ بِهِ بِلَا عَفْوٍ .
بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِشَرْطِ كَوْنِ قَتْلِهِ عَنْ مَالٍ لَا عَنْ ثَائِرَةٍ أَيْ عَدَاوَةٍ فَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحِرَابَةِ .
ا هـ .
وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ مِثْلَهُ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عِيَاضٌ أَيْ اغْتَالَهُ لِأَخْذِ مَالِهِ ، وَلَوْ كَانَ لِثَائِرَةٍ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ فِيهِ جَائِزٌ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَهُوَ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحَارِبٍ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَخْذِ الْمَالِ ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
ابْنُ رُشْدٍ قَتْلُ الْغِيلَةِ هُوَ الْقَتْلُ عَلَى مَالٍ .
ا هـ .
وَالْغِيلَةُ فِي
الْأَطْرَافِ كَالْغِيلَةِ فِي النَّفْسِ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا ، وَالْحُكْمُ لِلْإِمَامِ ، إلَّا أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْغِيلَةِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
( تَنْبِيهٌ ) طفي قَوْلُهُ حِينَ الْقَتْلِ الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ إلَّا حِينَ الْقَتْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ إلَى حُصُولِ الْقَتْلِ ، إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحَالَيْنِ أَوْ يَقُولُ إلَى حِينِ الْقَتْلِ بِالْغَايَةِ كَمَا فَعَلَ فِيمَا بَعْدُ ، وَقَوْلُ عج لَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ جُرْحِهِ ثُمَّ نَزَّى الْجُرْحُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُكَافِئٌ لَهُ حِينَ الْمَوْتِ وَحِينَ السَّبَبِ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ الْمَوْتُ وَهُوَ الْجُرْحُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَافِئٍ عِنْدَ الرَّمْيِ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ لِلْمَوْتِ غَيْرُ ظَاهِرٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ ابْنُ سَحْنُونٍ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ فَمَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً أَشْهَبُ إنَّمَا عَلَيْهِ دِيَةُ نَصْرَانِيٍّ إنَّمَا النَّظَرُ لِوَقْتِ الضَّرْبِ لَا الْمَوْتِ .
وَفِي الْجَوَاهِرِ ابْنُ سَحْنُونٍ أَصْحَابُنَا فِي مُسْلِمٍ قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى الْمُسْلِمِ ، فَإِنْ شَاءَ أَوْلِيَاؤُهُ أَخَذُوا دِيَةَ يَدِ نَصْرَانِيٍّ ، وَإِنْ أَحَبُّوا أَقْسَمُوا وَلَهُمْ دِيَةُ مُسْلِمٍ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ .
وَقَالَ أَشْهَبُ دِيَةُ نَصْرَانِيٍّ ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُ إلَخْ ، فِيهِ نَظَرٌ ، وَكَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ عَنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ا هـ كَلَامُ طفي .
الْبُنَانِيُّ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا .
وَفِي ضَيْح عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَأَمَّا الْقِصَاصُ فَبِالْحِينِ مَعًا ، أَيْ
فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ التَّكَافُؤِ مِنْ حُصُولِ السَّبَبِ إلَى حُصُولِ الْمُسَبَّبِ اتِّفَاقًا .
أَقُولُ إنَّمَا يُتَّجَهُ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَوْتِ بَدَلَ الْقَتْلِ أَمَّا الْقَتْلُ فَيَعُمُّ السَّبَبَ وَمُسَبَّبَهُ فَقَدْ أَفَادَتْ عِبَارَتُهُ اشْتِرَاطَهُمَا حَالَهُمَا مَعًا ، إذْ الْجُرْحُ وَحْدَهُ لَا يُسَمَّى قَتْلًا وَكَذَا الْمَوْتُ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَفْعُولُ أَتْلَفَ قَوْلُهُ شَخْصًا ( مَعْصُومًا ) أَيْ مُحَرَّمًا قَتْلُهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي فَلَا يُقْتَصُّ مِمَّنْ قَتَلَ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَقَاتِلٍ بِالنِّسْبَةِ لِوَلِيِّ الدَّمِ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَزَانٍ مُحْصَنٍ ، وَيُشْتَرَطُ دَوَامُ عِصْمَتِهِ مِنْ الْجُرْحِ ( لِلتَّلَفِ ) أَيْ الْمَوْتِ فِي الْقِصَاصِ لِلنَّفْسِ ( وَ ) مِنْ ( ا ) الرَّمْيِ لِ ( لِإِصَابَةِ ) فِي الْقِصَاصِ لِلْجُرْحِ ، فَإِنْ جَرَحَ أَوْ رَمَى حُرٌّ مُسْلِمٌ مِثْلَهُ وَارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ أَوْ الْمَرْمِيُّ قَبْلَ تَلَفِهِ أَوْ إصَابَتِهِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ جَارِحِهِ أَوْ رَامِيهِ لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ عِصْمَتِهِ لِتَلَفِهِ وَإِصَابَتِهِ .
طفي كَأَنَّهُ يَحُومُ عَلَى قَوْلِ الْجَوَاهِرِ فَصْلٌ فِي تَغَيُّرِ الْحَالِ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْجُرْحِ وَبَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ زَالَ بَيْنَ حُصُولِ الْمُوجِبِ وَوُصُولِ الْأَثَرِ كَعِتْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ ، وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ أَوْ بَعْدَ الْجُرْحِ ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ حَالُ الْإِصَابَةِ وَحَالُ الْمَوْتِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ حَالَ الرَّمْيِ وَرَجَعَ سَحْنُونٌ فَقَوْلُهُ لِلتَّلَفِ ، أَيْ لَا حِينَ الْجُرْحِ فَقَطْ .
وَقَوْلُهُ وَالْإِصَابَةِ أَيْ لَا حِينَ الرَّمْيِ فَقَطْ ، وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْجُرْحِ فَلَا يَرِدُ قَوْلُ مَنْ قَالَ لِلتَّلَفِ فِي النَّفْسِ وَالْإِصَابَةِ فِي الْجُرْحِ ، وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ " وَالْإِصَابَةِ " أَسْلَمُ مِنْ التَّكْرَارِ مَعَ قَوْلِهِ وَالْجُرْحُ كَالنَّفْسِ إلَخْ سَرَى لَهُ ، هَذَا مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ
مَطَارِحِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ .
الْبُنَانِيُّ وَنَحْوَهُ نَقَلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ تَقْرِيرِ الْمِسْنَاوِيِّ مُعْتَرِضًا بِهِ مَا قَرَّرَهُ " ز " تَبَعًا لِ لَغْ وَالْعِصْمَةُ .
( بِإِيمَانٍ ) أَيْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَمَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ لِرُسُلِهِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْتِزَامُ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ ( أَوْ ) بِ ( أَمَانٍ ) أَيْ تَأْمِينٍ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْتِزَامِ الْجِزْيَةِ وَالدُّخُولِ فِي حِمَايَةِ الْإِسْلَامِ ، وَسَكَتَ عَنْ هَذَا لِعِلْمِهِ بِالْأُولَى مِنْ قَوْلِهِ أَوْ أَمَانٍ وَمَثَّلَ لِلْمَعْصُومِ فَقَالَ ( كَ ) الشَّخْصِ ( الْقَاتِلِ ) فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ ( مِنْ غَيْرِ ) الشَّخْصِ ( الْمُسْتَحِقِّ ) لِقَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَقْتُلُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( أُدِّبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْمُسْتَحِقُّ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ .
وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ فَقَالَ ( كَ ) قَاتِلِ شَخْصٍ ( مُرْتَدٍّ ) طفي حَصَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَتْلِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، وَنَصُّ الْأَوَّلِ وَدِيَةُ الْمُرْتَدِّ فِي قَتْلِهِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي نَفْسِهِ ، وَفِي جِرَاحِهِ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ .
وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ عَقْلَهُ عَقْلُ الدَّيْنِ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا لَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ .
وَاقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ فِي أَوَّلِ الْجِرَاحِ عَلَى الثَّالِثِ فَقَالَ وَالْمُرْتَدُّ .
قَالَ سَحْنُونٌ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى قَاتِلِهِ إلَّا الْأَدَبَ فِي افْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدِّيَاتِ عَلَى الدِّيَةِ كَالْمَجُوسِيِّ ، لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَأَمَّا هُنَا فَسَكَتَ فَلَكَ أَنْ تُقَرِّرَهُ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْمُصَنِّفِ
النَّسْجُ عَلَى مِنْوَالِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَرْنُهُ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَيَدِ السَّارِقِ أَوْ تَقُولُ لَا قِصَاصَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الدِّيَةِ ، وَعَلَيْهِ قَرَّرَهُ الْحَطّ .
الْبُنَانِيُّ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ فِيهِ دِيَةٌ فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ فِيهِ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثَ خُمُسِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدِّيَاتِ .
وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ إلَّا الْأَدَبَ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا لِأَنَّهُ الْآتِي لَهُ فِي الدِّيَاتِ ( وَ ) كَقَاتِلٍ ( زَانٍ أَحْصَنَ ) بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ ، وَيُؤَدَّبُ قَاتِلُهُ لِتَعَدِّيهِ عَلَى الْإِمَامِ ، وَمَفْهُومُ أَحْصَنَ أَنَّ قَاتِلَ الزَّانِي الْبِكْرِ يُقْتَلُ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ ( وَ ) كَ ( قَاطِعِ يَدِ ) شَخْصٍ سَارِقٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَيُؤَدَّبُ لِذَلِكَ .
الْحَطّ وَكَذَا قَاتِلُ الْمُحَارِبِ وَالزِّنْدِيقِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَتَلَ زِنْدِيقًا .
اللَّخْمِيُّ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ ، وَلَا دِيَةَ لَهُمْ إنْ قُتِلُوا خَطَأً .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ فَلَا دِيَةَ لَهُ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُ دِيَتُهَا فَعَلَيْهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي هَذَيْنِ إنْ قُتِلَا خَطَأً ، وَإِنْ قُطِعَ لَهُمَا عُضْوٌ فَلَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْعُضْوِ .
الشَّيْخُ عِيسَى مَنْ اغْتَاظَ مِنْ ذِمِّيٍّ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ ، فَإِنْ كَانَ شَتْمًا يُوجِبُ قَتْلَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ وَضُرِبَ مِائَةً وَسُجِنَ عَامًا .
وَفِي التَّوْضِيحِ نَصَّ عَلَى نَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ قَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ نَصْرَانِيًّا .
ا هـ .
وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا هُنَا
وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ دِيَةَ الْمُرْتَدِّ كَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْقِصَاصَ هُنَا ، وَالْكَلَامُ هُنَاكَ فِي الدِّيَةِ ، وَنَفْيُ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ ، وَأَمَّا الزَّانِي الْمُحْصَنُ فَلَا دِيَةَ لَهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَكَأَنَّ قَاتِلَهُ قَتَلَ كَافِرًا مُحَرَّمَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ ا هـ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ مِقْدَارُ أَدَبِهِمْ ، فَمَنْ طَلَبَ السِّتْرَ عَلَيْهِ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ فَالْجُرْأَةُ عَلَى الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ أَشَدُّ وَكُفْرُ الزَّنْدَقَةِ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الِارْتِدَادِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّانِي : أَبُو الْحَسَنِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُنْصِفُهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ حَقِّهِ .
أَبُو عِمْرَانَ الَّذِي قَتَلَ وَلِيِّهِ رَجُلٌ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَقْتُلُ الْوَلِيُّ قَاتِلَ وَلِيِّهِ غِيلَةً أَوْ بِاحْتِيَالٍ ، فَإِنَّهُ لَا أَدَبَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ يُنْصِفُهُ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ .
وَجَوَابُ إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ مَعْصُومًا ( فَالْقَوَدُ ) أَيْ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُودُونَ الْجَانِيَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ تَبَرِّيًا مِنْ شَرِّهِ ( عَيْنًا ) أَيْ مُتَعَيِّنًا لِلْوَلِيِّ إنْ شَاءَ أَخَذَ حَقَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَفْوُهُ أَوْلَى وَأَكْمَلُ ، وَرَوَى أَشْهَبُ تَخْيِيرُهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ حَقَّهُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ } ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ فَإِنَّ الْقَاتِلَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مَلِيئًا .
ابْنُ يُونُسَ الْإِمَامُ مَالِكٌ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَاتِلُ الْعَمْدِ يَطْلُبُ الْأَوْلِيَاءُ الدِّيَةَ مِنْهُ فَيَأْبَى إلَّا قَتْلَهُ فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا قَتْلَهُ أَوْ الْعَفْوَ عَنْهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى وَيُجْبَرَ عَلَى الدِّيَةِ إنْ كَانَ مَلِيئًا لِأَنَّهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ لِيَتْرُكَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ مَضَارٌّ .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ جَعَلَ الْوَلِيَّ إنْ أَحَبَّ قَتَلَ وَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَ الدِّيَةَ } وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي النَّفْسِ ، وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ فَيُوَافِقُ أَشْهَبُ فِيهِ الْمَشْهُورَ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ التَّخْيِيرُ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ كَالنَّفْسِ .
( تَنْبِيهٌ ) اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا جُرْحَ عَبْدٍ أَوْ قَتْلَهُ مِثْلَهُ ، فَإِنَّ لِسَيِّدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ أَوْ أَخْذَ الْجَانِي ، فَإِنْ اقْتَصَّ فَلَا إشْكَالَ ، وَإِنْ أَخَذَ الْجَانِيَ خُيِّرَ سَيِّدُهُ فِي فِدَائِهِ بِقِيمَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِسْلَامِهِ .
وَفِي الْجُرْحِ يُخَيَّرُ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ بِأَرْشِ الْجُرْحِ إنْ كَانَ لَهُ أَرْشٌ مُسَمًّى ، وَإِلَّا فَإِنْ حَصَلَ بِهِ عَيْبٌ خُيِّرَ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ عَيْبٌ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبَ .
وَإِنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَلَا زَائِدِ حُرِّيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ مَعْصُومًا تَعَيَّنَ الْقَوَدُ إنْ لَمْ يَقُلْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي إنْ قَتَلْتنِي أَبْرَأْتُك ، بَلْ ( وَلَوْ قَالَ ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي ( إنْ قَتَلْتنِي أَبْرَأْتُك ) فَقَتَلَهُ ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِعَفْوِهِ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لِأَوْلِيَائِهِ وَلَا يُشْبِهُ مَنْ أَنْفَذَ مَقْتَلِهِ وَأُدْرِكَ حَيًّا فَقَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي عَفَوْت عَنْ قَاتِلِي .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَالْأَظْهَرُ سُقُوطُ الْقَتْلِ وَلُزُومُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِشُبْهَةِ الْعَفْوِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ لِلْقَاتِلِ إنْ قَتَلْتنِي فَقَدْ وَهَبْت لَك دَمِي فَقَوْلَانِ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحْسَنُهُمَا أَنْ يَقْتُلَ بِخِلَافِ عَفْوِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِ يَدِهِ عُوقِبَ ، وَلَا قِصَاصَ الْمُوَضِّحُ الَّذِي نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ ، ذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِسَحْنُونٍ ، ثُمَّ قَالَ وَزَادَ فِي الْبَيَانِ ثَالِثًا بِنَفْيِ الْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْعَفْوِ وَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ، قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا ، وَلَا جُعْلَ لَهُ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لِلْأَوْلِيَاءِ قَتْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْ عَبْدِي وَلَك كَذَا أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَتَلَهُ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ ، وَكَذَا السَّيِّدُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَمْ لَا ، وَالصَّوَابُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَقَوْلِهِ أَحْرِقْ ثَوْبِي فَفَعَلَ فَلَا يَغْرَمُ .
الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدِي أَوْ يَدَ عَبْدِي عُوقِبَ الْمَأْمُورُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ .
ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ا هـ