كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش

بَيْعُهُمَا شُرِطَ أَوْ لَا ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ لَا تُبَاعُ فِي نَفَقَةٍ احْتَاجَ لَهَا مِنْ وَلِيِّهِ ، وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا إذَا أَبْطَلَ الْوَاهِبُ الشَّرْطَ .
ثَانِيهَا أَنَّ الْوَاهِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إبْطَالِ شَرْطِهِ وَاسْتِرْدَادِ هِبَتِهِ .
ثَالِثُهَا بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَصِحَّةُ الْهِبَةِ .
رَابِعُهَا لُزُومُ الْهِبَةِ وَإِعْمَالُ الشَّرْطِ فَتَكُونُ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَالْحَبْسِ لَا يَبِيعُ وَلَا يَهَبُ حَتَّى يَمُوتَ فَتُورَثُ عَنْهُ .
خَامِسُهَا تَكُونُ حَبْسًا ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجَعَ إلَى الْوَاهِبِ أَوْ وَرَثَتِهِ أَوْ أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

وَصَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ ، يُنْقَلُ ، مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا
( وَصَحَّتْ ) الْهِبَةُ ( فِي كُلِّ ) شَيْءٍ ( مَمْلُوكٍ ) لِلْوَاهِبِ ( يُنْقَلُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْقَافِ ، أَيْ يَقْبَلُ مِلْكُهُ النَّقْلَ شَرْعًا فَلَا تَصِحُّ فِي مُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَاسْتِمْتَاعٍ بِزَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ وَتُعُقِّبَ بِجَوَازِ هِبَةِ مَا لَا يَجُوزُ نَقْلُ مِلْكِهِ كَجِلْدِ ضَحِيَّةٍ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ .
ابْنُ شَاسٍ الرُّكْنُ الثَّانِي الْمَوْهُوبُ وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ وَمَنَافِعِهِمَا لَا مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، زَادَ ابْنُ هَارُونَ كَالشُّفْعَةِ وَرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّهُمَا مَالِيَّانِ ، وَكَذَا الْحَبْسُ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ ، وَقَدْ دَخَلَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ وَتَدْخُلُ الْعَارِيَّةُ وَهُوَ خِلَافُ الْعُرْفِ ، وَصِلَةُ صَحَّتْ ( مِمَّنْ ) أَيْ كُلِّ شَخْصٍ ( لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا ) أَيْ الذَّاتِ الْمَوْهُوبَةِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ وَلَا رَقِيقٍ وَلَا مُفْلِسٍ وَلَا بِمِلْكِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا وَلَا زَوْجَةٍ أَوْ مَرِيضٍ بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِمَا .
ابْنُ شَاسٍ الْوَاهِبُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَيْسَ التَّبَرُّعُ بِأَعْرَفَ مِنْ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَعْرِفُهَا دُونَهُ وَالْأَوْلَى مَنْ لَا حَجَرَ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ فَيَخْرُجُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ .

وَإِنْ مَجْهُولًا أَوْ كَلْبًا

( وَ ) تَصِحُّ هِبَةُ الْمَمْلُوكِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا ، بَلْ وَ ( إنْ ) كَانَ ( مَجْهُولًا ) فِيهَا الْفَوْرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ جَائِزٌ لَا فِي الْبَيْعِ ، وَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ مُورَثَهُ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ سُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ أَوْ وَهَبَهُ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ أَوْ جِدَارٍ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ .
أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَعْرِفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هِبَةَ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ .
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَجُوزُ هِبَةُ الْمَجْهُولِ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ كَثِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ وَهَبَ مُورَثَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ جَازَ وَالْغَرَرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
اللَّخْمِيُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ وَالصَّدَقَةُ بِهِ مَاضِيَةٌ ، وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْعَطِيَّةِ خَوْفَ النَّدَمِ .
قُلْت هِبَةُ مَا جُهِلَ قَدْرُهُ فِي إرْثٍ نَاجِزٍ فِي لُزُومِهَا .
ثَالِثُهَا إنْ عَرَفَ قَدْرَ الْمِيرَاثِ وَلَوْ جَهِلَ نَصِيبَهُ مِنْهُ ، وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ الْمِيرَاثِ فَلَا تَلْزَمُهُ ، وَلَوْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْهُ لَهَا مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَائِلًا وَلَوْ ظَهَرَتْ كَثْرَتُهَا ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ تَصَدَّقَ بِمِيرَاثِهِ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَا ظَنَّهُ فَلَهُ رَدُّهُ ، وَكَذَا فِي الْوَاضِحَةِ وَابْنِ فَتُّوحٍ عَنْ بَعْضِهِمْ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ تَفْرِيقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشُكَّ فِيمَا بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ كَكَوْنِ الزَّوْجِ لَا يَدْرِي هَلْ إرْثُهُ النِّصْفُ أَوْ الرُّبْعُ ، فَيَكُونُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ جَهْلِ قَدْرِ الْمَالِ وَجْهٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِيمَا بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ رَضِيَ بِهِبَةِ أَكْثَرِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ

فِيمَنْ وَهَبَ إرْثَهُ مِنْ أَبِيهِ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَالصَّحِيحُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ ظَنَّ الْمَوْرُوثُ دَارًا مُعَيَّنَةً بَانَ أَنَّهَا دَارٌ أُخْرَى أَوْ طَرَأَ مَالٌ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ حَاضِرًا فَلَهُ رَدُّهُ كَدَارٍ وَالطَّارِئُ وَإِنْ ظَنَّ فِي الْحَاضِرِ قَدْرًا بَانَ أَنَّهُ أَكْثَرُ كَانَ شَرِيكًا بِالزَّائِدِ ، وَفِي عَارِضَةِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ رِوَايَتَانِ ، وَفِيهَا فِيمَنْ وَهَبَ نَصِيبًا مِنْ دَارٍ لَمْ يُسَمِّهِ قِيلَ لَهُ أَقِرَّ بِمَا تَشَاءُ مِمَّا يَكُونُ نَصِيبًا .
اللَّخْمِيُّ هَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ وَعَلَى الْمَقْصِدِ إنْ أَقَرَّ بِمَا يُشْبِهُ هِبَةَ مِثْلِهِ لِمِثْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قُبِلَ وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا يُشْبِهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِي لُزُومِ حَلِفِهِ نَقَلَا ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ فَتُّوحٍ عَنْ الْمَذْهَبِ ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ تَصَدَّقَ بِإِرْثِهِ مِنْ أَبِيهِ إنْ مَاتَ وَالْأَبُ بَاقٍ فَلَا يَلْزَمُهُ لِجَهْلِهِ قَدْرَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ عَدَمُ لُزُومِهِ لِجَهْلِهِ قَدْرَهُ لَا لِأَنَّهُ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْ ، بَلْ مَا يَمْلِكُ لِتَقْيِيدِهِ بِمَوْتِهِ خِلَافُ سَمَاعِهِ .
أَصْبَغُ إنَّهُ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ ظَنَنْت قِلَّتَهُ وَلَوْ عَلِمْته هَذَا الْقَدْرَ مَا وَهَبْته ، وَأَشْبَهَ قَوْلُهُ فَيَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ .
وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ سَمَاعَ أَصْبَغَ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَسَمَاعَ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ قَبْلَهُ قَالَ وَهُوَ قَوْلُهَا إنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ الْإِرْثَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إنَّمَا يَمْلِكُ فِيهِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ، قَالَ وَفِي الْمُوَطَّإِ مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ مَا وَهَبَهُ فِي مَرَضِ مُورِثِهِ مِنْ إرْثِهِ مِنْهُ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ ، بَلْ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ هِبَةَ إرْثِهِ فِي مَرَضِ مُورِثِهِ لَازِمَةٌ ، وَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَلَا فِي هَذَا السَّمَاعِ نَصٌّ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ هِبَتَهُ

كَانَتْ فِي صِحَّةِ مُورِثِهِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ، فَفِي لُزُومِ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ثَالِثُهَا فِي الْمَرَضِ ، وَفِي تَنْبِيهِ ابْنِ بَشِيرٍ حَكَى مُحَمَّدٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَهَبَ مَجْهُولًا ، وَقَالَ مَا ظَنَنْته هَذَا الْمِقْدَارَ هَلْ لَهُ رَدُّهُ أَمْ لَا .
( فَرْعٌ ) فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِبَيْتٍ مِنْ دَارِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ مَرْفَقًا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ مَدْخَلٍ وَمَخْرَجٍ وَمَرْفَقٍ بِبَيْتٍ وَمِرْحَاضٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الصَّدَقَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ افْتَحْ بَابًا حَيْثُ شِئْت ، وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ .
( فَرْعٌ ) فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا وَهَبَ لَهُ حَائِطَهُ الْمُثْمِرَ وَزَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ الْأَصْلَ دُونَ الثَّمَرِ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ لِلْوَاهِبِ .
وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَمْلُوكِ إنْ جَازَ بَيْعُهُ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( كَلْبًا ) مَأْذُونًا فِيهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اتِّفَاقًا ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَقَالَ الشَّارِحُ الظَّاهِرُ عَدَمُ جَوَازِ هِبَتِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ تَصِحُّ هِبَةُ الْآبِقِ وَالْكَلْبُ وَاضِحٌ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ وَلَغْوِ الْغَرَرِ فِي الْهِبَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَوْهُوبُ شَيْئًا مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ

وَدَيْنًا وَهُوَ إبْرَاءٌ ، إنْ وُهِبَ لِمَنْ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَكَالرَّهْنِ

( أَوْ ) كَانَ ( دَيْنًا ) فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِك فَوَهَبَهُ لَك ، فَإِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَك وَبَيْنَ غَرِيمِهِ وَدَفَعَ إلَيْك ذِكْرَ الْحَقِّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهَذَا قَبْضٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ وَأَشْهَدَ لَك وَأَحَالَك عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا ، وَكَذَلِكَ إنْ أَحَالَك عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَأَشْهَدَ لَك وَقَبَضْت ذِكْرَ الْحَقِّ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هَكَذَا يُقْبَضُ .
( وَهُوَ ) أَيْ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ أَوْ هِبَتُهُ وَذِكْرُهُ مُرَاعَاةً لِخَبَرِهِ ( إبْرَاءٌ ) أَيْ إسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةِ مَدِينِهِ تَفْرِيغٌ لَهَا مِنْ ( إنْ وُهِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الدَّيْنُ ( لِمَنْ ) أَيْ مَدِينٍ أَوْ الْمَدِينِ الَّذِي ( هُوَ ) أَيْ الدَّيْنُ ثَابِتٌ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَدِينِ ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِقَبُولِ الْمَدِينِ وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " ، وَصَدَّرَ فِي اخْتِصَارِ الْمُتَيْطِيَّةِ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخِلَافُهُمَا إذَا سَكَتَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِقَبُولٍ وَلَا رَدٍّ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ قُبِلَتْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَفِي بُطْلَانِهَا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، وَلَوْ رَدَّ الْهِبَةَ بَطَلَتْ عَلَى كُلَّ حَالٍ فَفِيهَا مَنْ وَهَبَك دَيْنًا لَهُ عَلَيْك فَقَوْلُك قَبِلْت قَبْضٌ ، وَإِذَا قَبِلْت سَقَطَ الدَّيْنُ ، وَإِنْ قُلْت لَا أَقْبَلُ بَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَهَبْ الدَّيْنَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ وَهَبَهُ لِغَيْرٍ ( فَ ) هِبَتُهُ لِغَيْرِ مَدِينِهِ ( كَالرَّهْنِ ) لِلدَّيْنِ فِي تَوَقُّفِ قَبْضِهِ عَلَى إشْهَادِهِ بِذَلِكَ وَجَمْعِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينِ .
وَدُفِعَ ذِكْرُ الدَّيْنِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ كَانَ لَهُ ذِكْرٌ .
عَبْدُ الْحَقِّ دَفْعُ ذِكْرِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ قَبْضِهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ كَمَالٍ .
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْبَيَانِ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ

اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ كَقَبْضِهِ فِي الرَّهْنِ .
ابْنُ شَاسٍ تَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ كَمَا يَصِحُّ رَهْنُهُ ، وَقَبْضُهُ كَقَبْضِهِ فِي الرَّهْنِ مَعَ إعْلَامِ الْمِدْيَانِ بِالْهِبَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ لَهُ وَأَحَالَهُ عَلَى مَدِينِهِ لِحُضُورِهِ وَدَفَعَ لَهُ ذِكْرَ الْحَقِّ كَفَى اتِّفَاقًا ، وَإِنْ تَعَذَّرَ كَفَى الْإِشْهَادُ وَالْقَبُولُ ، وَفِي لُزُومِ دَفْعِ ذِكْرِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ قَوْلَانِ لَهَا وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ .
وَنَصَّ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ ذِكْرَ الدَّيْنِ لِلْمَوْهُوبِ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ كَدَارٍ مُغْلَقَةٍ لَمْ يُعْطِهِ مِفْتَاحَهَا .
الْبُنَانِيُّ وَفِي التَّشْبِيهِ بِالرَّهْنِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ رَهْنِ الدَّيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَهَذِهِ الْإِحَالَةُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ ذَكَرَ رَهْنَ الدَّيْنِ فَجَاءَتْ الْإِحَالَةُ فِي كَلَامِهِ حَسَنَةً .

وَرَهْنًا لَمْ يُقْبَضْ وَأَيْسَرَ رَاهِنُهُ ، أَوْ رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ ، وَإِلَّا قُضِيَ بِفَكِّهِ ، إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ وَإِلَّا بَقِيَ لِبَعْدِ الْأَجَلِ

وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَمْلُوكِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا ، بَلْ ( وَ ) إنْ كَانَ ( رَهْنًا ) فِي حَقٍّ ( لَمْ يُقْبَضْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا غَيْرُهُ مَنْ رَاهَنَهُ حَتَّى وَهَبَهُ لِغَيْرِ مُرْتَهِنِهِ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مُرْتَهِنِهِ ( وَ ) قَدْ ( أَيْسَرَ رَاهِنُهُ ) بِالدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَمُرْتَهِنُهُ أَحَقُّ بِهِ .
فِيهَا مَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ وَيُقْضَى عَلَى الْوَاهِبِ بِافْتِكَاكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْمَوْهُوبُ حَتَّى افْتَكَّهُ الْوَاهِبُ فَلَهُ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ ، وَلَيْسَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ .
أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمَوْهُوبُ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إنْ كَانَ الْوَاهِبُ مَلِيًّا وَإِلَّا فَالْمُرْتَهِنُ لَهُ أَحَقُّ بِهِ إلَّا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَتَنْفُذُ الْهِبَةُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَيُعَجَّلُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّهُ مِنْ الثَّوَابِ كَالْبَيْعِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ قَبْلَ حَوْزِ الْمُرْتَهِنِ وَالْوَاهِبُ مَلِيءٌ ، ثُمَّ أَعْدَمَ فَلْيُتْبَعْ بِالدَّيْنِ وَتَمْضِي الْهِبَةُ ، وَإِنْ وَهَبَهُ ثُمَّ قَامَا قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا جَازَتْ الْهِبَةُ ، وَكَانَ الْمَوْهُوبُ أَحَقَّ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ، وَحُكِمَ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَعْجِيلِ حَقِّهِ ، فَإِنْ أَعَسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ اتَّبَعَهُ بِحَقِّهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبَ ثُمَّ وَهَبَ وَحَازَهُ الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْأَوَّلِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْأَصْلِ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ .
( أَوْ ) لَمْ يُوسِرْ رَاهِنُهُ وَ ( رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ ) أَيْ الرَّهْنَ الَّذِي وَهَبَهُ رَاهِنُهُ لِغَيْرِ مُرْتَهِنِهِ بِدَفْعِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ

وَأَوْلَى قَبْلَهُ ( وَإِلَّا ) نَفْيٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُقْبَضْ ، فَالْمَعْنَى وَإِنْ كَانَتْ هِبَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ قَبْضِهِ مُرْتَهَنَهُ وَرَاهِنُهُ مُوسِرٌ وَلَمْ يَرْضَ مُرْتَهِنُهُ بِدَفْعِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ( قُضِيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّاهِنِ ( بِفَكِّهِ ) أَيْ الرَّهْنِ مِنْ الْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَدَفَعَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ( إنْ كَانَ الدَّيْنُ ) الْمَرْهُونُ فِيهِ ( مِمَّا ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي ( يُعَجَّلْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ يُقْضَى عَلَى مُسْتَحِقِّهِ بِقَبُولِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجْلِهِ إنْ عَجَّلَهُ الْمَدِينُ بِأَنْ كَانَ عَيْنًا مُطْلَقًا أَوْ عَرْضًا مِنْ خُصُوصِ قَرْضٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مِمَّا يُعَجَّلُ بِأَنْ كَانَ عَرَضًا مِنْ بَيْعٍ ( بَقِيَ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا أَوْ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الرَّهْنُ الْمَوْهُوبُ بَعْدَ قَبْضِهِ مُرْتَهَنَهُ رَهْنًا بِيَدِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ الْأَمِينِ ( لِ ) مَا ( بَعْدِ ) تَمَامِ ( الْأَجَلِ ) لِلدَّيْنِ فَيَقْضِي الرَّاهِنُ الْمُوسِرُ الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ فِيهِ ، وَيَدْفَعُ الرَّهْنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْوَاهِبِ أَخْذُ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَدَفْعُهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ وَالْإِتْيَانِ بِرَهْنٍ آخَرَ ثِقَةٍ عِوَضًا عَنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِعَيْنِهِ ، وَصِلَةُ صَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ

بِصِيغَةٍ ، أَوْ مُفْهِمِهَا ، وَإِنْ بِفِعْلٍ : كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ

( بِصِيغَةٍ ) مِنْ مَادَّةِ الْهِبَةِ كَوَهَبْت وَأَنَا وَاهِبٌ ، وَهَذَا مَوْهُوبٌ أَوْ هِبَةٌ وَأَنْتَ مَوْهُوبٌ لَك كَذَا ( أَوْ ) بِلَفْظٍ ( مُفْهِمِهَا ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرَتَيْنِ أَيْ الْهِبَةَ مِنْ غَيْرِ مَادَّتِهَا كَأَعْطَيْتُ وَمَنَحْت وَبَذَلْت وَنَحَلْت .
إنْ كَانَ مُفْهِمُهَا قَوْلًا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ مُفْهِمُهَا مُصَوَّرًا ( بِفِعْلٍ ) إذْ الْمَقْصُودُ الرِّضَا ، فَأَيُّ شَيْءٍ دَلَّ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ .
ابْنُ شَاسٍ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ السَّبَبُ النَّاقِلُ لِلْمِلْكِ وَهُوَ صِيغَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، وَيَتَّصِلُ بِالصِّيغَةِ حُكْمُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى التَّمْلِيكِ وَلَوْ فِعْلًا كَالْمُعَاطَاةِ .
فِي الذَّخِيرَةِ ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا الْجَوَازُ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إرْسَالِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ رَسُولٍ ، وَقَدْ وَقَعَ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ التَّرَوِّي فِي الْقَبُولِ .
ا هـ .
وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَالْمُتَيْطِيِّ إذَا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ مَنْ سَكَتَ عَنْ قَبُولِ صَدَقَتِهِ زَمَانًا فَلَهُ قَبُولُهَا بَعْدَهُ ، فَإِنْ طَلَبَ غَلَّتَهَا حَلَفَ مَا سَكَتَ تَارِكًا لَهَا وَأَخَذَهَا ا هـ .
وَمَثَّلَ لِلْفِعْلِ فَقَالَ ( كَتَحْلِيَةِ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ جَعْلِ حِلْيَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ كَخَلْخَالٍ وَأَسْوِرَةٍ وَقُرْطٍ لِ ( وَلَدِهِ ) فَيَخْتَصُّ الْوَلَدُ بِهَا عَنْ سَائِرِ وَرَثَةِ أَبِيهِ إنْ مَاتَ ، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ حَلَّى ابْنَهُ الصَّغِيرَ حُلِيًّا فَهُوَ لَهُ لَا مِيرَاثَ .
ابْنُ رُشْدٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا وُهِبَ لَهُ وَمَا حَلَّاهُ بِهِ مِنْ الْحُلِيِّ فَقَدْ وَهَبَهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَسَاهُ مِنْ ثَوْبٍ ، إذْ هُوَ مِمَّا يُلْبَسُ كَمَا يُلْبَسُ الثَّوْبُ

وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْأَبُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِمْتَاعِ ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اخْتِصَاصُ الْوَلَدِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رُشْدٍ لَهَا ، وَكَأَنَّ " غ " لَمْ يَسْتَحْضِرْ مَا فِي الرِّوَايَةِ ، فَقَالَ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ أَبِي عُمَرَ فِي الْكَافِي وَإِذَا حَلَّى الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهُمَا الصَّغِيرَ حُلِيًّا وَأَشْهَدَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ فَالْحُلِيُّ الَّذِي عَلَى الصَّبِيِّ لَهُ دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ .
ا هـ .
وَفِي إلْحَاقِهِ الْأُمَّ بِالْأَبِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحُوزُ لِابْنِهَا الصَّغِيرِ مَا وَهَبَتْهُ لَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيَأْتِي عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَنَّهَا تَحُوزُ لَهُ مُطْلَقًا ، أَوْ مُرَادُهُ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا .

لَا بِابْنِ مَعَ قَوْلِهِ دَارُهُ
( لَا ) تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ فِي الْأَرْضِ بِقَوْلِ الْأَبِ لِابْنِهِ ( ابْنِ ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ الْبِنَاءِ فِيهَا دَارًا وَبَنَاهَا فِيهَا ( مَعَ قَوْلِهِ ) أَيْ الْأَبِ الَّذِي أَمَرَ ابْنَهُ بِالْبِنَاءِ هَذِهِ ( دَارُهُ ) أَيْ الِابْنِ الَّذِي بَنَاهَا ، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ فَلَا يَخْتَصُّ الِابْنُ بِالْأَرْضِ وَيُشَارِكُهُ فِيهَا الْوَرَثَةُ ، وَلِلِابْنِ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا قَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ وَ نَصُّهُ مَنْ قَالَ لِابْنِهِ اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَرْمًا أَوْ جِنَانًا أَوْ ابْنِ فِيهِ دَارًا فَفَعَلَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ ، وَصَارَ الْأَبُ يَقُولُ كَرْمُ ابْنِي وَجِنَانُ ابْنِي ، فَإِنَّ الْقَاعَةَ لَا يَسْتَحِقُّهَا الِابْنُ بِذَلِكَ وَتُورَثُ عَنْ الْأَبِ ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ إلَّا قِيمَةُ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا ، وَكَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ بِعُرْفٍ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ مِنْهُ شَيْئًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إلَّا بِإِشْهَادٍ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا ، وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرًا فِي النَّاسِ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ .

وَحِيزَ ، وَإِنْ بِلَا إذْنٍ ، وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ
( وَحِيزَ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَزَايٌ ، أَيْ أَخَذَ الْمَوْهُوبُ مِنْ وَاهِبِهِ بِإِذْنِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ حَوْزُهُ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ وَاهِبِهِ لِخُرُوجِ الْمَوْهُوبِ مِنْ مِلْكِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ إذَا قَبِلَهُ ( وَ ) إنْ امْتَنَعَ الْوَاهِبُ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ( أُجْبِرَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْوَاهِبُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ تَسْلِيمِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِذَلِكَ .
فِيهَا مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ قَبْضُهُ ، إذْ يُقْضَى بِذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ مَنَعَهُ إيَّاهَا .

وَبَطَلَتْ إنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ ، أَوْ وَهَبَ لِثَانٍ وَجَازَ أَوْ أَعْتَقَ الْوَاهِبُ أَوْ اسْتَوْلَدَ وَلَا قِيمَةَ أَوْ اسْتَصْحَبَ هَدِيَّةً ، أَوْ أَرْسَلَهَا ثُمَّ مَاتَ ، أَوْ الْمُعَيَّنَةُ لَهُ ، إنْ لَمْ يُشْهِدْ كَأَنْ دَفَعْت لِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْك بِمَالٍ وَلَمْ تُشْهِدْ

( وَبَطَلَتْ ) الْهِبَةُ ( إنْ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ ( تَأَخَّرَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا حَوْزُهَا ( لِ ) حُصُولِ ( دَيْنٍ مُحِيطٍ ) بِمَالِ الْوَاهِبِ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ إذَا تَأَخَّرَ الْحَوْزُ حَتَّى أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالٍ الْوَاهِبِ ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَادِثًا بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فِي الصِّحَّةِ يَمُوتُ مُعْطِيهَا أَوْ يُفْلِسُ أَوْ يَمْرَضُ قَبْلَ حَوْزِ ذَلِكَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ فَتُحَازُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيُقْضَى لِلْمُعْطَى بِقَبْضِهَا إنْ مَنَعَهُ مُعْطِيهَا .
ابْنُ يُونُسَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا أَدَانَ الْمُعْطِي مَا أَحَاطَ بِمَالِهِ وَبِالصَّدَقَةِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى وَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَالصَّدَقَةُ بِيَوْمِ قَبْضِهَا لَا بِيَوْمِ يَتَصَدَّقُ بِهَا خِلَافًا لِأَصْبَغَ .
( أَوْ ) إنْ تَأَخَّرَ حَوْزُهَا حَتَّى ( وَهَبَ ) الْوَاهِبُ الشَّيْءَ الَّذِي وَهَبَهُ ( لِ ) شَخْصٍ ( ثَانٍ ) غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ ( وَحَازَ ) الْهِبَةَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الثَّانِي فَقَدْ بَطَلَتْ هِبَتُهَا لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُهُ عَلِمَ الْأَوَّلُ بِالْهِبَةِ لَهُ وَفَرَّطَ فِي حَوْزِهَا أَوْ لَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْحَوْزُ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ .
( أَوْ أَعْتَقَ ) الْوَاهِبُ الرَّقِيقَ الْمَوْهُوبَ قَبْلَ حَوْزِهِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ لَا كَانَ الْعِتْقُ نَاجِزًا أَوْ لِأَجَلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ تَدْبِيرٍ ( أَوْ اسْتَوْلَدَ ) الْوَاهِبُ الْأَمَةَ قَبْلَ حَوْزِهَا الْمَوْهُوبَ لَهُ .
فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ عَبْدًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ أَخَدَمَهُ إيَّاهُ حَيَاتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُعْطِي قَبْلَ حَوْزِ الْمُعْطَى جَازَ الْعِتْقُ وَبَطَلَ مَا سِوَاهُ عَلِمَ الْمُعْطَى بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ

.
قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَتُهُ فَأَحْبَلَهَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قِيلَ لَهُ فَهَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَةُ الْأَمَةِ ، قَالَ لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ، وَفِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ وَوَهَبَهُ لِآخَرَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ حَازَهُ الْآخَرُ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ .
أَشْهَبُ بَلْ الثَّانِي أَحَقُّ بِهِ إذَا حَازَهُ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ لِآخَرَ وَالْأَوَّلُ عَالِمٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ إذَا حَازَهُ الْآخَرُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ أَوْلَى مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ .
( وَلَا قِيمَةَ ) الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ ( أَوْ اسْتَصْحَبَ ) الْوَاهِبُ ( هَدِيَّةً ) لِشَخْصٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ كَمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَتَبْطُلُ الْهَدِيَّةُ وَتَرْجِعُ لِوَرَثَتِهِ لِمَوْتِهِ قَبْلَ حَوْزِهَا عَنْهُ ( أَوْ أَرْسَلَهَا ) أَيْ الْمُهْدِي الْهَدِيَّةَ مَعَ رَسُولٍ لِلْمُهْدَى لَهُ ( فَمَاتَ ) الْمُهْدِي قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا الرَّسُولُ لِلْمُهْدَى لَهُ فَتَبْطُلُ لِذَلِكَ ( أَوْ ) مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ( الْمُعَيَّنَةُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً الْهَدِيَّةُ ( لَهُ ) قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهَا فَتَبْطُلُ ، سَوَاءٌ اسْتَصْحَبَهَا الْمُهْدِي أَوْ أَرْسَلَهَا لَهُ مَعَ رَسُولٍ ( إنْ لَمْ يُشْهِدْ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ الْمُهْدِي عَلَى أَنَّهُ أَهْدَى مَا اسْتَصْحَبَهُ أَوْ أَرْسَلَهَا إلَى الْمُهْدَى إلَيْهِ الْمُعَيَّنِ ، وَتَرْجِعُ لِلْمُهْدِي إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا لِعَدَمِ الْحَوْزِ قَبْلَ الْمَوْتِ إنْ مَاتَ الْمُهْدِي وَعَدَمُ الْقَبُولِ قَبْلَهُ إنْ مَاتَ الْمُهْدَى لَهُ ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُهْدِي وَلَا بِمَوْتِ الْمُهْدَى

لَهُ ، وَتُدْفَعُ لِلْمُهْدَى لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ بَعَثَ بِهَدِيَّةٍ أَوْ صِلَةٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي أَوْ الْمُعْطَى لَهُ قَبْلَ وُصُولِهَا ، فَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ بِهَا فَهِيَ لِلْمُعْطَى لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا حِينَ بَعَثَهَا فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ فَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الْبَاعِثِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَوَّلًا رَجَعَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ .
ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا أَبْيَنُ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ لَا بِمَوْتِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابٍ آخَرَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِرَجُلٍ فَمَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ هِبَتَهُ فَوَرَثَتُهُ مَكَانَهُ يَقْبِضُونَ هِبَتَهُ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ مَنْعُ ذَلِكَ .
مُحَمَّدٌ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَوْ أَشْهَدَ الْبَاعِثُ أَنَّهَا هَدِيَّةً لِفُلَانٍ ثُمَّ طَلَبَ اسْتِرْجَاعَهَا مِنْ الرَّسُولِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ ، وَقَدْ يُقَالُ مَعْنَى مَا فِي الْكِتَابِ هُنَا أَنَّ الْبَاعِثَ قَالَ إنَّمَا تَصَدَّقْت بِهَا صِلَةً لِلْمَبْعُوثِ إلَيْهِ بِعِيَالِهِ إنْ وُجِدَ حَيًّا فَيَصْدُقُ ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ مَعْرُوفِهِ ، إذْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى أَصْلِهِ ، فَيَلْزَمُهُ بِظَاهِرِ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ فِي تَنْبِيهَاتِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) الْبُنَانِيُّ الصَّوَابُ أَوْ مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُعَيَّنَةُ هِيَ لَهُ بِالْإِبْرَازِ فِيهِمَا لِعَطْفِ الظَّاهِرِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ صِلَةَ أَلْ فِي الثَّانِي رَفَعَتْ ضَمِيرَهَا وَفِي الْأَلْفِيَّةِ : وَإِنْ يَكُنْ مَا رَفَعْت صِلَةَ أَلْ ضَمِيرُ غَيْرِهَا أَبْيَنُ وَانْفَصَلَ وَشَبَّهَ فِي الْبُطْلَانِ بِمَوْتِ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُعْطَى لَهُ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ

مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ ( دَفَعْت ) بِفَتْحِ التَّاءِ ( لِمَنْ ) أَيْ شَخْصٍ مَالًا ( يَتَصَدَّقُ ) الْمَدْفُوعُ لَهُ ( عَنْك بِ ) ذَلِكَ الـ ( مَالِ ) عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا وَأَنْتَ صَحِيحٌ ( وَلَمْ تُشْهِدْ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ مِتَّ أَيُّهَا الدَّافِعُ قَبْلَ قَبْضِ الْفُقَرَاءِ الْمَالَ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَرَجَعَتْ لِوَرَثَتِك ، وَإِنْ مِتَّ بَعْدَ قَبْضِهِمْ جَمِيعهَا مَضَتْ وَتَمَّتْ ، وَإِنْ مِتَّ بَعْدَ قَبْضِهِمْ بَعْضَهَا وَقَبْلَ قَبْضِ بَاقِيهَا فَمَا قَبَضُوهُ مَضَى وَمَا بَقِيَ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ بِهِ ، وَرَجَعَ لِوَرَثَتِك ، وَمَفْهُومُ وَلَمْ تُشْهِدْ أَنَّك إنْ أَشْهَدْت عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ بِمَوْتِك قَبْلَ قَبْضِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِيمَنْ دَفَعَ فِي صِحَّتِهِ مَالًا لِشَخْصٍ يُفَرِّقُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ إنْفَاذِهِ فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ حِينَ دَفَعَهُ لِمَنْ يُفَرِّقُهُ نَفَّذَ مَا فَاتَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ حِينَ دَفْعِهِ نَفَّذَ مَا فَاتَ وَرَدَّ مَا بَقِيَ إلَى وَرَثَةِ الْمُعْطِي ، وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَجَعَلَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَقْبِضْ الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ صَحَّتْ الصَّدَقَةُ إلَّا إنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ قَالَ لِلرَّجُلِ لَا تَدْفَعُهَا لَهُ إلَّا بِإِذْنِي ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ بَتَلَهَا مَرِيضٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ ثُلُثِهِ كَوَصَايَاهُ .

لَا إنْ بَاعَ وَاهِبٌ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ ، وَإِلَّا فَالثَّمَنُ لِلْمُعْطِي " رُوِيَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا "

( أَوْ بَاعَ ) شَخْصٌ ( وَاهِبٌ ) مَوْهُوبَهُ ( قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ ) لَهُ بِهِبَتِهِ لَهُ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ رَدُّ بَيْعِهِ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ وَأَخْذُ الْمَوْهُوبِ بِعَيْنِهِ وَلَهُ إمْضَاؤُهُ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ .
الشَّارِحُ فِي إطْلَاقِ الْبُطْلَانِ عَلَى رَدِّ الْبَيْعِ تَسَامُحٌ ، إذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ بُطْلَانُ الْهِبَةِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ .
" غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا إنْ بَاعَ وَاهِبٌ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِأَدَاةِ النَّفْيِ وَالشَّرْطِ ، وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ عَطْفٌ أَوْ جِنٌّ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمُثْبِتَاتِ وَالْعَاقِلُ يَفْهَمُ .
وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ بَاعَ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِهِبَتِهِ لَهُ ( فَ ) بَيْعُهُ مَاضٍ لَا يُرَدُّ وَ ( الثَّمَنُ لِلْمُعْطِي رُوِيَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُدَوَّنَةُ ( بِفَتْحِ الطَّاءِ ) اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ ( وَ ) رُوِيَتْ بِ ( كَسْرِهَا ) أَيْ الطَّاءِ اسْمُ فَاعِلٍ أَيْ الْوَاهِبِ .
الْحَطّ صَوَابُهُ كَمَا قَالَ " غ " لَا إنْ بَاعَ وَاهِبٌ حَتَّى يُوَافِقَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَحُكْمُ الصَّدَقَةِ كَالْهِبَةِ ، فَإِنْ بَاعَ الْمُتَصَدِّقُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ الصَّدَقَةُ وَتَخَيَّرَ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ وَإِجَازَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فُضُولِيٌّ كَمَا أَنَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا بَاعَ الْوَاهِبَ مَا وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ لَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ ، وَتَخَيَّرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي رَدِّهِ وَإِجَازَتِهِ وَأَمَّا إنْ بَاعَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَالثَّمَنُ لِلْمُعْطِي ، رُوِيَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الصَّدَقَةِ ، وَفَرَضَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْهِبَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
( تَنْبِيهٌ ) إذَا عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَلَمْ يَفْرُطْ حَتَّى عَاجَلَهُ الْوَاهِبُ بِالْبَيْعِ فَلَهُ رَدُّهُ ،

نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ " ق " فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ " رَحِمَهُ اللَّهُ " مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُعْطَى لَهُ حَتَّى بِيعَتْ تَمَّ بَيْعُهَا وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْمُعْطَى ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَفْرُطْ حَتَّى عَافَصَهُ بِالْبَيْعِ فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ وَأَخْذُهَا ، فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى فَلَا شَيْءَ لَهُ بِيعَتْ أَوْ لَمْ تُبَعْ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ .
ابْنُ شَاسٍ فِي الْكِتَابِ إذَا عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَمْ يَقْبِضْ حَتَّى بَاعَهَا الْوَاهِبُ نَفَّذَ الْبَيْعَ وَالثَّمَنُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَفِي الرُّهُونِ اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الْهِبَةِ قَبْلَ حَوْزِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ نُقِضَ الْبَيْعُ وَإِنْ عَلِمَ مَضَى الْبَيْعُ وَعَوَّضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الثَّمَنَ ، وَقَالَ أَشْهَبُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ كَبُطْلَانِ الرَّهْنِ إذَا بِيعَ قَبْلَ حَوْزِهِ وَالثَّمَنُ لِلْوَاهِبِ ، فِي ضَيْح مُقْتَضَى الْقِيَاسِ خِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ ، إذْ الْهِبَةُ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ فَالْقِيَاسُ تَخْيِيرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ إلَّا أَنَّهُمْ رَاعَوْا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ .

أَوْ جُنَّ ، أَوْ مَرِضَ ، وَاتَّصَلَا بِمَوْتِهِ
أَوْ جُنَّ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ النُّونِ ، أَيْ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ إنْ جُنَّ الْوَاهِبُ قَبْلَ حَوْزِهَا الْمَوْهُوبَ لَهُ ( أَوْ مَرِضَ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ الْوَاهِبُ قَبْلَ حَوْزِهَا الْمَوْهُوبَ لَهُ ( وَاتَّصَلَا ) أَيْ جُنُونُ الْوَاهِبِ وَمَرَضُهُ ( بِمَوْتِهِ ) أَيْ الْوَاهِبِ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ صِحَّةً بَيِّنَةً أَوْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ إفَاقَةً بَيِّنَةً فَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْضُهَا مِنْهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ وَإِنْ جُنَّ الْوَاهِبُ أَوْ مَرِضَ قَبْلَهُ وَقَفْت حَتَّى يَبْرَأَ فَلَا تَبْطُلُ أَوْ يَمُوتُ فَتَبْطُلُ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ " رَحِمَهُ اللَّهُ " كُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ فِي الصِّحَّةِ يَمُوتُ الْمُعْطَى أَوْ يُفْلِسُ أَوْ يَمْرَضُ قَبْلَ حَوْزِ ذَلِكَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَى أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ فَتُحَازُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيُقْضَى لِلْمُعْطَى بِالْقَبْضِ إنْ مُنِعَهُ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ الْحَوْزِ كَوْنُهُ فِي صِحَّةِ الْمُعْطِي وَعَقْلِهِ .
ابْنُ شَاسٍ وَتَبْطُلُ بِجُنُونِ الْوَاهِبِ أَوْ مَرَضِهِ إنْ اتَّصَلَا بِمَوْتِهِ ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ تَصَدَّقَتْ بِعَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي صِحَّتِهَا فَذَهَبَ عَقْلُهَا قَبْلَ حَوْزِهِ فَحَوْزُهُ بَاطِلٌ كَمَوْتِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ هُوَ كَالْمَرَضِ وَرُجُوعُ عَقْلِهَا كَصِحَّتِهَا .

أَوْ وَهَبَ لِمُودَعٍ ، وَلَمْ يَقْبَلْ لِمَوْتِهِ ؛
( أَوْ وَهَبَ ) الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ الْوَدِيعَةَ ( لِ ) شَخْصٍ ( مُودَعٍ ) بِالْفَتْحِ ( وَلَمْ يَقْبَلْ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت ( لِمَوْتِهِ ) أَيْ الْوَاهِبِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ ، فَإِنْ قَبِلَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ تَمَّتْ لِصِحَّةِ حَوْزِهِ بَعْدَ قَبُولِهَا .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ " رَحِمَهُ اللَّهُ " إذَا وَهَبَك وَدِيعَةً لَهُ فِي يَدِك فَلَمْ تَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ .
الْبُنَانِيُّ تَحْصِيلُ الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ وَهَبَ شَيْئًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَلِمَ وَقَبِلَ فِي حَيَاةِ وَاهِبِهِ صَحَّتْ هِبَتُهُ اتِّفَاقًا .
وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَقُلْ قُبِلَتْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ بَطَلَتْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَصَحَّتْ عِنْدَ أَشْهَبَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ بَطَلَتْ اتِّفَاقًا إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَنَقَلَهُ حُلُولُو وَالْقَلْشَانِيُّ فَإِنْ وَهَبَ شَيْئًا لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَجُزْ بَطَلَتْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ بِمَوْتِ وَاهِبِهَا قَبْلَ حَوْزِهَا .

وَصَحَّ إنْ قَبَضَ لِيَتَرَوَّى
وَصَحَّ ) قَبُولُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ بَعْدَ مَوْتِ وَاهِبِهَا ( إنْ ) كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَدْ ( قَبَضَ ) الْهِبَةَ ( لِيَتَرَوَّى ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ يَتَفَكَّرُ وَيَتَأَمَّلُ فِي أَنَّ الْأَحْسَنَ قَبُولُهَا أَوْ رَدُّهَا فَمَاتَ وَاهِبُهَا وَقَبِلَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ .
الْبَاجِيَّ لَوْ وَهَبَ الْمُسْتَوْدِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقِيَاسُ بُطْلَانُهَا ، وَقَالَ أَشْهَبُ بَلْ هِيَ حِيَازَةٌ جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ .
مُحَمَّدٌ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ بِيَدِ الْمُعْطِي فَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبْته هِبَةً فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَقَبَضَهَا لِيَنْظُرَ رَأْيَهُ فَمَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ مَاضِيَةٌ إنْ رَضِيَهَا وَلَهُ رَدُّهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي هِبَةِ الْمُودَعِ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ قَوْلَانِ وَكَذَا مَنْ وُهِبَ لَهُ فَقَبَضَ لِيَتَرَوَّى ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ فَظَاهِرُهُ دُخُولُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ التَّرَوِّي وَظَاهِرُ سِيَاقِهَا الْبَاجِيَّ عَنْ مُحَمَّدٍ مُحْتَجًّا بِهَا عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ أَشْهَبَ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ قَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مَسْأَلَةِ التَّرَوِّي ا هـ .

أَوْ جَدَّ فِيهِ ، أَوْ تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ
( أَوْ ) إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَدْ ( جَدَّ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ اهْتَمَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ ( فِيهِ ) أَيْ حَوْزِ الْهِبَةِ وَمَنَعَهُ الْوَاهِبُ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِمَوْتِهِ تَنْزِيلًا لِلْجِدِّ فِي الْحَوْزِ مَنْزِلَتَهُ ( أَوْ ) وَهَبَ شَيْئًا فَقَبِلَهُ وَطَلَبَهُ مِنْهُ فَأَنْكَرَهَا فَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ وَهَبَهُ وَطَلَبَ مِنْهُ تَزْكِيَتُهَا فَجَدَّ ( فِي تَزْكِيَةِ ) جِنْسِ ( شَاهِدِهِ ) وَمَاتَ وَاهِبُهُ قَبْلَهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ إذَا زَكَّاهَا بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَبْطُلُ ، إذْ غَايَةُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَإِقْرَارِ وَاهِبِهَا بِهَا ، وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا وَمَاتَ قَبْلَ قَبْضِهَا بَطَلَتْ ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَزْكِيَةُ شَاهِدِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إيقَافُهَا إلَّا مَعَ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُنْتَقَى مَنْ تَصَدَّقَ بِعَبْدِهِ الْآبِقِ عَلَى رَجُلٍ فَطَلَبَهُ الْمُعْطِي وَاجْتَهَدَ فَلَمْ يَجِدْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْطِي فَهُوَ نَافِذٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُعْطَى فَالْإِشْهَادُ فِيهِ وَطَلَبُ الْمُعْطَى لَهُ حَوْزَهُ حَوْزٌ كَالدَّيْنِ .
فِيهَا مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ خَاصَمَهُ فِيهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي صِحَّةِ الْوَاهِبِ وَرُفِعَتْ الْهِبَةُ إلَى السُّلْطَانِ يَنْظُرُ فِيهَا فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُقْضَى لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِهَا إنْ عُدِّلَتْ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِيهَا حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ .
ابْنُ شَاسٍ إذَا كَانَ الْمُطَالَبُ جَادًّا فِي الطَّلَبِ غَيْرَ تَارِكٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْهِبَةُ بِشَاهِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ حَتَّى يُزَكِّيَانِ فَمَاتَ الْوَاهِبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ هُوَ حَوْزُهُ وَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ .

أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ إذَا أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ
( أَوْ ) إنْ ( أَعْتَقَ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ الرَّقِيقَ الْمَوْهُوبَ ( أَوْ بَاعَ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( أَوْ وَهَبَ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا وُهِبَ لَهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ حَوْزُهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ كَحَوْزِهِ اتِّفَاقًا فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ، وَفِي الْهِبَةِ ( إذَا أَشْهَدَ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى هِبَتِهِ مَا وَهَبَ لَهُ لِغَيْرِهِ ( وَأَعْلَنَ ) أَيْ أَظْهَرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الْقَاضِي .
ابْنُ شَاسٍ لَوْ بَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ بَيْعَهَا حِيَازَةٌ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ .
وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ بَيْعُهَا حِيَازَةً وَلَا غَيْرَهُ إلَّا الْعِتْقَ وَحْدَهُ ، وَلَوْ وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْهِبَةَ حَوْزٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَتْ الْهِبَةُ حَوْزًا لِاحْتِيَاجِهَا إلَى حِيَازَةٍ .
طفي ظَاهِرُ كَلَامِ تت أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالنَّقْلِ أَنَّهُ فِي الْهِبَةِ فَقَطْ ، وَقَالَ ابْنُ رَحَّالٍ فِي شَرْحِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرِهِ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا الْبَاجِيَّ وَلَا الرَّجْرَاجِيُّ وَلَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ وَقَفْت عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ كَلَامَهُمْ قَالَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَحْمَدَ إنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ فِي الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ الْإِعْلَانِ فَإِنَّهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ .

، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا ، إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ

( أَوْ لَمْ يُعْلَمْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ اللَّامِ ( بِهَا ) أَيْ الْهِبَةِ ( إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
" غ " أَيْ وَكَذَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِمَ بِهَا وَرَثَتُهُ فَلَهُمْ الْقِيَامُ بِهَا عَلَى الْوَاهِبِ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ جَوَّزَ فِي تَوْضِيحِهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِهِ فَفِي بُطْلَانِهَا قَوْلَانِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا اعْتَرَضَهُ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ، وَأَظُنُّهُ السَّفَاقِسِيَّ ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ " يُعْلَمْ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالصِّحَّةِ لَمْ يُوجَدْ .
تت أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَيْ الْوَاهِبِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحَانِ ، وَمِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ .
طفي قَرَّرَاهُ بِمَا ذُكِرَ ، وَاسْتَدَلَّ الشَّارِحُ بِقَوْلِ ابْنِ رَاشِدٍ نَزَلَتْ عِنْدَنَا بِتُونُسَ وَوَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ وَوُجِدَ فِي الطِّرَازِ أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي شَامِلِهِ فَقَالَ وَصَحَّتْ إنْ قَبَضَهَا لِيَتَرَوَّى أَوْ مَاتَ وَاهِبُهَا قَبْلَ عِلْمِك أَوْ تَزْكِيَةِ شَاهِدِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فَانْظُرْ اعْتِمَادَهُ هُنَا .
وَفِي شَامِلِهِ مَا ذُكِرَ ، وَقَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ وَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إنْ مَاتَ الْمُعْطِي الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْطَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ سُكُوتَهُ مَعَ كَوْنِ الْهِبَةِ بِيَدِهِ رِضًا بِهَا وَلَا قَبُولًا لَهَا .
وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِيهَا إنَّهَا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ رَأَى سُكُوتَهُ مَعَ كَوْنِ الْهِبَةِ

بِيَدِهِ رِضًا بِهَا وَقَبُولًا لَهَا فَقَالَ إنَّ كَوْنَهَا فِي يَدِهِ أَحَوْزَ الْحَوْزِ ، فَاخْتِلَافُهُمَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ لِقَوْلِهَا إنْ كَانَ لَهُ فِي يَدِك أَرْضٌ أَوْ دَارٌ أَوْ رَقِيقٌ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَذَلِكَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَوَهَبَك ذَلِكَ فَقَوْلُك قَبِلْتُ حَوْزٌ ، وَإِنْ لَمْ تَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ ذَلِكَ حَوْزٌ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ شُذُوذٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هِبَةَ الْأَمْوَالِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ وَأَنَّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِنَفْسِ الْهِبَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَدُّهَا إلَّا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ إنْ قَبِلَهَا وَهُوَ مُعَيَّنٌ ، وَلَا اخْتِلَافَ أَحْفَظُ فِي هَذَا سِوَى قَوْلِ مَالِكٍ الشَّاذِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَلَوْ عَلِمَ بِالْهِبَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ قَبُولُهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ جَرَى ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ، وَبِقَوْلِ أَشْهَبَ أَخَذَ سَحْنُونٌ .
فَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَهَبَ شَيْئًا هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَلِمَ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ وَقَبِلَ جَازَتْ لَهُ الْهِبَةُ اتِّفَاقًا .
وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ جَازَتْ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَبَطَلَتْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ بِاتِّفَاقٍ إلَّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ .
ا هـ .
فَبَعْدَ حِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْبُطْلَانِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى قَوْلِهِ شَاذَّةٌ بَعِيدَةٌ كَيْفَ يَصِحُّ تَقْرِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهَا ، وَكَيْفَ يَقَعُ الِاضْطِرَابُ بِتُونُسَ فِيهَا وَكَأَنَّهُمْ لَمْ

يَقِفُوا عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورِ ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَبِلَهُ ، وَلِذَا فَرَّ " غ " مِنْ هَذَا ، وَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي مَوْتِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَبَنَى لَمْ يُعْلَمْ لِلْمَجْهُولِ لَكِنْ عَلَى تَقْرِيرِهِ تَكُونُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ رَكَاكَةٌ فِي تَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ فِي مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا مَاتَ الْمُعْطَى الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُعْطِي الْمُتَصَدِّقِ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ ، وَيَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ إذَا عَلِمُوا قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْطِي الْمُتَصَدِّقِ .
ا هـ .
فَأَطْلَقَ فِي تَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَبُولَ لَا تُشْتَرَطُ فَوْرِيَّتُهُ ثُمَّ تَارَةً تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْوَاهِبِ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَعِيَالَهُ ، وَتَارَةً عَلَى قَصْدِ عَيْنِهِ فَقَطْ ، وَتَارَةً لَا تُوجَدُ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَفِي الْأَوَّلِ تَقُومُ وَرَثَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ ، وَفِي الثَّانِي لَا يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِيهِ وَدَرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّالِثِ عَلَى أَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ بِهَذَا قُرِّرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمِسْنَاوِيِّ وَأَحْمَدَ بَابَا وَنَصُّ التَّوْضِيحِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْهِبَةِ ، وَقَدْ كَانَ بَاعَهَا الْوَاهِبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً غَيْرَ مُفَرَّعَةٍ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا ، وَيَكُونُ ضَمِيرُ مَاتَ عَائِدًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مُعَلَّلًا بِعَدَمِ الْقَبُولِ ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْغَالِبَ الْقَبُولُ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ أَرْسَلَ هَدِيَّةً ، وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُفَرَّعَةٍ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا فِي بَيْعِ الْوَاهِبِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

وَحَوْزُ مُخْدَمٍ
( وَ ) إنْ وَهَبَ مَالِكُ رَقِيقٍ خِدْمَتَهُ لِشَخْصٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ حَيَاتَهُ ثُمَّ وَهَبَ رَقَبَتَهُ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَهُوَ فِي حَوْزِ الْمُخْدَمِ صَحَّ ( حَوْزُ ) شَخْصٍ ( مُخْدَمٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ خِدْمَةُ رَقِيقٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ حَيَاتَهُ لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ رَقَبَتُهُ ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْإِخْدَامِ فَلَا حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقِ .

أَعَارَ مَالك شَيْئِهِ لِشَخْصِ ثُمَّ وَهَبَهُ لِآخَر ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِب وَهُوَ فِي حَوْز الْمُسْتَعِير وَمُسْتَعِيرٍ مُطْلَقًا

( وَ ) إنْ أَعَارَ مَالِكُ شَيْئِهِ لِشَخْصٍ ثُمَّ وَهَبَهُ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَهُوَ فِي حَوْزِ الْمُسْتَعِيرِ صَحَّ حَوْزُ شَخْصٍ ( مُسْتَعِيرٍ ) شَيْئًا لِمَنْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ وَالشَّيْءُ فِي يَدِ مُسْتَعِيرِهِ فَهُوَ حَقٌّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لَا لِوَرَثَةِ وَاهِبِهِ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِعِلْمِ الْمُخْدِمِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِالْهِبَةِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِخْدَامُ وَالْهِبَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ تَأَخَّرَتْ الْهِبَةُ عَنْهُ ، وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ الْوَاهِبُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا .
فِيهَا مَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ وَيُقْضَى عَلَى الْوَاهِبِ بِافْتِكَاكِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى افْتَكَّهُ الْوَاهِبُ فَلَهُ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَمُتَّ الْوَاهِبُ فَتَبْطُلُ هِبَتُهُ فَلَيْسَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ مَاتَ وَاهِبُهُ ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي عَيْنِ الْعَبْدِ ، بِخِلَافِ مَنْ أَخْدَمَ عَبْدَهُ سِنِينَ رَجُلًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِفُلَانٍ بَعْدَ الْخِدْمَةِ فَقَبْضُ الْمُخْدَمِ قَبْضٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ قَبْضِهِ الْمَوْهُوبَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخْدَمَ لَمْ يَجِبْ لَهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ حَقٌّ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَاجَرَ عَبْدَهُ أَوْ دَابَّتَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ وَهَبَهُ لِآخَرَ فَلَيْسَ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ حَوْزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ أُجْرَةَ ذَلِكَ مَعَهُ ، فَيَتِمَّ الْحَوْزُ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُخْدِمُ أَوْ الْمُعَارُ إلَى أَجَلٍ فَقَبْضُ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُخْدَمِ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ ذَلِكَ ، إذْ لَيْسَ لِلْمُخْدَمِ وَالْمُعَارِ حَقٌّ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ ، وَلَا يَكُونُ قَبْضُ الْمُخْدَمِ وَالْمُعَارِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَعْلَمَ وَيَرْضَى أَنْ يَكُونَ حَائِزًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا قَالَ إذَا رَهَنَ فَضْلَةَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ حَائِزًا حَتَّى يَعْلَمَ وَيَرْضَى بِذَلِكَ .
" ق

" اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ مُطْلَقًا .
طفي هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ إذْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْعِلْمَ وَلَا الرِّضَا وَنَصُّهَا وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُخْدِمُ أَوْ الْمُعَارُ إلَى أَجَلٍ فَقَبْضُ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ لَهُ قَبْضٌ لِلْمَوْهُوبِ وَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ ذَلِكَ ا هـ .
وَلَمَّا قَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ حَوْزُ الْمُودَعِ صَحِيحٌ إنْ عَلِمَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا خِلَافٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا قَبْضَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُخْدَمِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ مَعْرِفَتَهُمَا ، وَكَذَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ فِي الْمُخْدَمِ كَمَا فِي فَضْلَةِ الرَّهْنِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ ، وَلَعَلَّ التَّصْحِيفَ وَقَعَ مِنْ الْمَوَّاقِ فِي نَقْلِهِ أَوْ مِنْ النَّاسِخِ إذْ عَادَتُهُ نَقْلُ كَلَامِ الشُّيُوخِ مَمْزُوجًا بِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَدْ اغْتَرَّ عج بِذَلِكَ فَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمَنْ جَعَلَ رِبْقَةَ التَّقْلِيدِ فِي عِتْقِهِ يَصْدُرُ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا .
الْبُنَانِيُّ وَكَذَا رَأَيْت أَبَا الْحَسَنِ نَقَلَ التَّقْيِيدَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ .

وَمُودَعٍ إنْ عَلِمَ
( وَ ) إنْ أَوَدَعَ الْمَالِكُ شَيْأَهُ عِنْدَ شَخْصٍ ثُمَّ وَهَبَهُ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَالِكُ وَهُوَ فِي حَوْزِ الْمُودَعِ صَحَّ حَوْزُ ( مُودَعٍ ) بِالْفَتْحِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْوَدِيعَةُ الَّتِي عِنْدَهُ ( إنْ عَلِمَ ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بِالْهِبَةِ .
شَرْطٌ فِي صِحَّةِ حَوْزِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ .
التُّونُسِيُّ لَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ الْقَاسِمِ عِلْمَ الْمُخْدَمِ وَالْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا حَازَا لِمَنْفَعَتِهِمَا فَلَوْ قَالَا لَا نَحُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يُبْطِلَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ قَبُولِهِمَا ، فَصَارَ عِلْمُهُمَا غَيْرَ مُقَيَّدٍ وَالْمُودَعُ لَوْ يَشَاءُ يَقُولُ خُذْ مَا أَوْدَعَتْنِي لَا أَحُوزُ لِهَذَا .
مُحَمَّدٌ لَوْ وَهَبَ الْوَدِيعَةَ رَبُّهَا لِغَيْرِ الْمُودَعِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَشْهَدَ كَانَتْ حِيَازَةً .
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ أَشْهَدَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَبْضِهَا حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَلِمَ الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ صَارَ حَائِزًا لِلْمُعْطِي ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُعْطِي أَخْذُهَا وَلَوْ دَفَعَهَا الْمُودِعُ إلَى الْمُعْطَى قَبْلَ عِلْمِهِ ضَمِنَهَا .

، لَا غَاصِبٍ وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ ، إلَّا أَنْ يَهَبَ الْإِجَارَةَ
وَإِنْ وَهَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمَغْصُوبِ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ أَوْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لِغَيْرِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ فِي حَوْزِ غَاصِبِهِ أَوْ مُرْتَهِنِهِ أَوْ مُسْتَأْجِرِهِ فَ ( لَا ) يَصِحُّ أَنْ يَحُوزَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ شَخْصٌ ( غَاصِبٌ ) لِلشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ ( وَمُرْتَهِنٌ وَمُسْتَأْجِرٌ ) لِلْمَوْهُوبِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَهَبَ ) الْمَالِكُ ( الْإِجَارَةَ ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي أَجَّرَ بِهِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الذَّاتُ فَيَصِحُّ حَوْزُ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اغْتَصَبَهُ رَجُلٌ عَبْدًا فَوَهَبَهُ سَيِّدٌ لِرَجُلٍ آخَرَ وَالْعَبْدُ بِيَدِ غَاصِبِهِ جَازَتْ الْهِبَةُ إنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِ وَاهِبِهَا ، وَلَيْسَ قَبْضُ الْغَاصِبِ قَبْضًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، أَيْ ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا .

وَلَا إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ .
بِأَنْ آجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا ، بِخِلَافِ سَنَةٍ

( و لَا ) يَصِحُّ الْحَوْزُ ( إنْ رَجَعَتْ ) الذَّاتُ الْمَوْهُوبَةُ ( إلَيْهِ ) أَيْ وَاهِبِهَا ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْحَوْزِ ( بِقُرْبٍ ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مِنْ حَوْزِهَا رُجُوعًا مُصَوَّرًا ( بِأَنْ آجَرَهَا ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةُ لِوَاهِبِهَا ( أَوْ أَرْفَقَ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ ( بِهَا ) أَيْ الْهِبَةِ ( بِخِلَافِ ) رُجُوعِهَا لِوَاهِبِهَا بَعْدَ تَمَامِ ( سَنَةٍ ) فَلَا يَبْطُلُ حَوْزُهَا .
الْحَطّ إنَّ الذَّاتَ الْمَوْهُوبَةَ إذَا رَجَعَتْ إلَى وَاهِبِهَا بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَكَانَ رُجُوعُهَا إلَى وَاهِبِهَا عَنْ قُرْبٍ وَرُجُوعُهَا إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ أَجَرَهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَيْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَرْفَقَ بِهَا الْوَاهِبُ يُرِيدُ أَوْ أَعْمَرَهُ إيَّاهُمَا فَذَلِكَ كُلُّهُ يُبْطِلُ الْهِبَةُ فِي التَّوْضِيحِ بِاتِّفَاقٍ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ أَنَّهُ تَحَيَّلَ لِإِسْقَاطِ الْحِيَازَةِ ، وَهَكَذَا صَرَّحَ الْبَاجِيَّ وَغَيْرُهُ إلَّا بِالِاتِّفَاقِ ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ سَنَةٍ يَعْنِي أَنَّ رُجُوعَ الْوَاهِبِ إلَى الذَّاتِ الْمَوْهُوبَةِ بَعْدَ حِيَازَتِهَا الْمَوْهُوبِ لَهُ سَنَةً لَا يُبْطِلُ هِبَتَهَا ؛ لِأَنَّهُ طُولٌ وَقِيلَ الطُّولُ سَنَتَانِ ، وَهَذَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِلَا تَرْجِيحٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَقَرَّ بِهِمَا لَا يَضُرُّ ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَحُوزُ لِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ آجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا حَازَ عَلَيْهِ أَبُوهُ أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكْبَرَ وَيَحُوزَ لِنَفْسِهِ سَنَةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ .
مُحَمَّدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ أَنَّ الْكَبِيرَ يُتَصَوَّرُ مَنْعُهُ الْأَبَ مِنْ رُجُوعِهِ فِي هِبَتِهِ

وَالصَّغِيرُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ ، فَكَانَ رُجُوعُهُ رُجُوعًا فِي الْهِبَةِ أَفَادَهُ الْحَطّ .
الْبُنَانِيُّ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَأَنَّ طَرِيقَةَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَحْجُورَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ عَامٍ ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَوَّلَ الْمُتَيْطِيُّ ، وَبِهَا أَفْتَى ابْنُ لُبٍّ وَبِهَا جَرَى الْعَمَلُ .
الثَّانِي : طفي عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ بِرُجُوعِهَا بَعْدَهُ بِقُرْبٍ ، وَكَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا بَقِيَتْ بِيَدِ الْوَاهِبِ إلَى مَوْتِهِ مَثَلًا وَإِلَّا فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا لِيَصِحَّ حَوْزُهُ ، فَاَلَّذِي يَبْطُلُ بِهِ الْحَوْزُ فَقَطْ لَا هِيَ مِنْ أَصْلِهَا هَذَا الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، إذْ حُكْمُهَا فِي هَذَا كَالرَّهْنِ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِالدَّارِ أَوْ حَبَسَهَا وَتَمَادَى عَلَى سُكْنَاهَا أَوْ عَادَ إلَيْهَا عَنْ قُرْبٍ بِاكْتِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ إرْفَاقٍ حَتَّى مَاتَ فِيهَا فَالصَّدَقَةُ أَوْ الْحَبْسُ فِيهَا بَاطِلٌ ، وَأَمَّا إنْ رَجَعَ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا عَنْهُ بِالْحِيَازَةِ لَهَا دُونَهُ انْقِطَاعًا بَيِّنًا السَّنَةَ فَمَا زَادَ فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ حِيَازَتَهُ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ تَبْطُلُ الْحِيَازَةُ بِرُجُوعِهِ إلَى يَدِ رَاهِنِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُرْتَهِنِ بِحِيَازَتِهِ انْقِطَاعًا بَيِّنًا ؛ لِأَنَّ حَوْزَ الرَّهْنِ آكَدُ .
ا هـ .
فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي يَبْطُلُ الْحِيَازَةُ ، فَقَوْلُ ابْنِ عَاشِرٍ فِي حَاشِيَتِهِ تَعْبِيرُهُمْ بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ لِرُجُوعِهَا عَنْ قُرْبٍ يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا مِنْ أَصْلِهَا لَا حَوْزَهَا فَقَطْ ، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا لِلْحَوْزِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ وَقَدْ اسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَنْ وَهَبَ دَارًا ثُمَّ أَعْمَرَ فِيهَا وَاهِبُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ لَا تَكُونُ حِيَازَةً نَزَعَهَا مِنْ يَدِ وَاهِبِهَا وَأَكْرَاهَا مِنْ غَيْرِهِ لِإِتْمَامِ

الْحَوْزِ فِي الْهِبَةِ ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْحَوْزُ لِلْهِبَةِ كَمُؤَاجَرَةِ الرَّهْنِ لِرَاهِنِهِ مَعَ صِحَّةِ حَوْزِهِ .
الثَّالِثُ : " ق " قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَنَةٍ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَهُ غَلَّةٌ ، وَعَلَى غَيْرِ صِغَارِ وَلَدِهِ .
طفي فِيهِ نَظَرٌ ، إذْ يَقْتَضِي أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْعَامِ أَوْ بَعْدَهُ خَاصٌّ بِاَلَّذِي لَهُ غَلَّةٌ وَأَنَّ مَا لَا غَلَّةَ لَهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا ، وَهَذَا شَيْءٌ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ ، إذْ لَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا عَلِمْت وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَبْسِ ، وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ وَصُورَتُهُ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ لِلِانْتِفَاعِ ، وَإِنَّمَا حَبَسَهُ وَجَعَلَهُ تَحْتَ يَدِهِ يَصْرِفُهُ وَيُرْجِعُهُ .
الرَّابِعُ : " غ " قَوْلُهُ بِأَنْ آجَرَهَا أَوْ أَرْفَقَ بِهَا الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي الْفِعْلَيْنِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَجِبُ بِنَاءُ الثَّانِي لِلْفَاعِلِ .
كَالْأَوَّلِ .
طفي وَهُوَ صَوَابٌ فَقَوْلُ " ح " أَوْ أَرْفَقَ بِهَا مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ غَيْرُ صَوَابٍ سَرَى لَهُ ذَلِكَ مِنْ جَعْلِهِ الضَّمِيرَ الْمُسْتَكِنَّ فِي آجَرَهَا لِلْوَاهِبِ وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ لُغَةً ؛ لِأَنَّ أَجَرَ لِلْمَالِكِ فَفِي الْقَامُوسِ أَجَرَ الْمَمْلُوكَ أَجْرًا أَكْرَاه كَآجَرَهُ إيجَارًا وَمُؤَاجَرَةً .

أَوْ رَجَعَ مُخْتَفِيًا أَوْ ضَيْفًا فَمَاتَ
( أَوْ رَجَعَ ) الْوَاهِبُ لِلدَّارِ الَّتِي وَهَبَهَا حَالَ كَوْنِهِ ( مُخْتَفِيًا ) عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ حِيَازَتِهَا عَنْهُ بِأَنْ وَجَدَهَا خَالِيَةً فَسَكَنَهَا وَمَاتَ بِهَا فَلَا يَبْلَ حَوْزَهَا ، كَذَا فِي الشُّرَّاحِ .
الْبُنَانِيُّ صَوَابُهُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَكَذَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَسَيَأْتِي نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ ( أَوْ ) رَجَعَ إلَيْهَا حَالَ كَوْنِهِ ( ضَيْفًا ) عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ( فَمَاتَ ) الْوَاهِبُ فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ فَلَا تَبْطُلُ حِيَازَتُهَا ، ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ رَجَعَ لَهَا عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ .
مُحَمَّدٌ إذَا حَازَ الْمُعْطَى الدَّارَ وَسَكَنَهَا ثُمَّ اسْتَضَافَهُ الْمُعْطِي فَأَضَافَهُ وَمَرِضَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ أَوْ اخْتَفَى عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْعَطِيَّةَ ، وَهَكَذَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا .

وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا وَهِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا ، لَا الْعَكْسُ ،

( وَ ) صَحَّتْ ( هِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِ ) لِزَوْجِ ( الْآخَرِ مَتَاعًا ) أَوْ خَادِمًا وَإِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ يَدُ الْوَاهِبِ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيَّةِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِخَادِمَةٍ وَهِيَ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَكَانَتْ تَخْدُمُهَا بِحَالِ مَا كَانَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ .
سَحْنُونٌ وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهَا إيَّاهَا فَهُوَ حَوْزٌ .
أَشْهَبُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إذَا أَشْهَدَ لَهَا بِهَذِهِ الْخَادِمُ فَتَكُونُ عِنْدَهُمَا كَمَا كَانَتْ فِي خِدْمَتِهَا أَوْ وَهَبَتْ هِيَ لَهُ خَادِمَهَا فَكَانَتْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَتَاعًا فِي الْبَيْتِ فَأَقَامَ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ بِأَيْدِيهِمَا فَهِيَ ضَعِيفَةٌ .
ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا تَوَاهَبَا جَائِزٌ وَهِيَ حِيَازَةٌ ، وَكَذَلِكَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَبِهِ أَقُولُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْكَنُ الَّذِي هُمَا بِهِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهَا فَأَقَامَا فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ مِيرَاثٌ ، وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ قَضَى لَهَا أَنْ يَسْكُنَهَا غَيْرُهُ حَتَّى تَحُوزَ الْمَسْكَنَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا لَوْ تَصَدَّقَتْ هِيَ عَلَيْهِ بِالْمَنْزِلِ وَهُمَا فِيهِ فَذَلِكَ حَوْزٌ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ زَوْجَتَهُ فَسُكْنَاهُ بِهَا فِيهِ حَوْزٌ ، وَمِنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ سُئِلَ ابْنُ لُبَابَةَ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّهِ بِثُلُثِ دَارِهِ وَهِيَ مَعَهُ فِيهَا سَاكِنَةٌ حَتَّى مَاتَ الْوَلَدُ فَقَالَ سُكْنَاهَا مَعَهُ حَوْزٌ تَامٌّ وَهِيَ صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ ، وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ هَذَا إنْ كَانَتْ سَكَنَتْ مِثْلَ نَصِيبِهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ إلَّا قَدْرَ مَا سَكَنَتْ .
( وَ ) صَحَّتْ ( هِبَةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا ) ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ تَصَدَّقَتْ هِيَ عَلَيْهِ بِالْمَنْزِلِ وَهُمَا فِيهِ فَذَلِكَ حَوْزٌ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ زَوْجَتَهُ فَسُكْنَاهُ بِهَا فِيهِ حَوْزٌ مَا لَمْ تَشْتَرِطْ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا

يُخْرِجَهَا مِنْهَا ، فَإِنْ اشْتَرَطَتْ ذَلِكَ فَلَا يَكْفِي فِي الْحَوْزِ إشْهَادُهَا عَلَى الْهِبَةِ لِزَوْجِهَا كَمَا فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ ( لَا ) يَصِحُّ ( الْعَكْسُ ) أَيْ هِبَتُهُ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ إنْ مَاتَ وَهُوَ سَاكِنٌ بِهَا فِيهَا لِبُطْلَانِ الْحَوْزِ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تُنْسَبُ لِلزَّوْجِ وَهِيَ تَابِعَةٌ لَهُ .

وَلَا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ إلَّا لِمَحْجُورِهِ : إلَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ، وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ ، وَدَارَ سُكْنَاهُ ، إلَّا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا ، وَيُكْرِيَ لَهُ الْأَكْثَرَ ، وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ : بَطَلَ فَقَطْ ، وَالْأَكْثَرُ بَطَلَ الْجَمِيعُ .

( وَلَا ) تَصِحُّ الْهِبَةُ ( إنْ بَقِيَتْ ) الذَّاتُ الْمَوْهُوبَةُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْوَاهِبِ لِفَلَسِهِ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ مَرَضِهِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِمَوْتِهِ وَأَعَادَ هَذَا لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ ( إلَّا ) الْوَاهِبَ ( لِمَحْجُورِهِ ) فَتَصِحُّ هِبَتُهُ لَهُ مَعَ بَقَائِهِ عِنْدَهُ إلَى مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ( إلَّا مَا ) أَيْ مَوْهُوبًا ( لَا يُعْرَفُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَعْدُودٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ مَكِيلٍ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ لِمَحْجُورِهِ مَعَ بَقَائِهِ عِنْدَهُ إنْ لَمْ يَخْتِمْ عَلَيْهِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) جُعِلَ فِي صُرَّةٍ وَ ( خُتِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ بِخَتْمِ الْوَاهِبِ وَالشُّهُودِ فَلَا يَكْفِي فِي حَوْزِهِ لَهُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ .
وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ يَصِحُّ حَوْزُهَا إذَا أَحْضَرَهَا لِلشُّهُودِ وَخَتَمَ عَلَيْهَا .
فِيهَا مَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا وَوَهَبَ لَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَهِيَ سَفِيهَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ جُنُونًا مُطْبِقًا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ حَائِزًا لَهَا إلَّا أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ وَيَجْعَلَهُ عَلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهُ لَهَا ، وَلَا يَكُونُ مُتَصَدِّقٌ حَائِزًا لِصَدَقَتِهِ إلَّا أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لِمَنْ فِي وِلَايَتِهِ ، وَالزَّوْجُ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَا بَيْعُهُ مَالَهَا وَأَبُوهَا الْحَائِزُ لَهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا مَا دَامَتْ سَفِيهَةً أَوْ فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ لَهَا أَمْرٌ .
وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، أَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا ، بِخِلَافِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إلَّا إنْ كَانَ دَيْنًا .
ابْنُ عَرَفَةَ حَوْزُ الْأَبِ لِصِغَارِ وَلَدِهِ مَا

يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ صَحِيحٌ .
ابْنِ رُشْدٍ اتِّفَاقًا .
الْبَاجِيَّ وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهَا إنْ بَقِيَتْ بِيَدِ الْأَبِ غَيْرَ مَخْتُومٍ عَلَيْهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ الْعَطِيَّةُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يَجُوزُ .
وَإِنْ طَبَعَ عَلَيْهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ وَيُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ وَذَلِكَ إنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةِ الْعَيْنِ وَلَا مُتَعَيِّنَةٍ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُعْرَفَ بِعَيْنِهَا إذَا أُفْرِدَتْ مِنْ غَيْرِهَا ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرِهِ .
وَأَمَّا إذَا خَتَمَ عَلَيْهَا وَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَبْطُلُ ، زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ خَتَمَ عَلَيْهَا الشُّهُودُ وَالْأَبُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ مُعْطِيهَا كَاَلَّتِي لَمْ يُخْتَمْ عَلَيْهَا .
الْمُتَيْطِيُّ قَبْضُ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ جَائِزٌ ، وَالْإِشْهَادُ بِالصَّدَقَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْحِيَازَةِ ، وَيَضْمَنُ مَعْرِفَةَ الشُّهُودِ وَصِغَرَ الِابْنِ لِئَلَّا يَقُومَ عَلَيْهِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَبِيرٌ وَلَمْ يَجُزْ وَيَقُولَ هُوَ كُنْت صَغِيرًا إنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ ذَلِكَ ، وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَ ذَلِكَ أَيُّهُمَا يُقْبَلُ .
( وَ ) إلَّا ( دَارَ سُكْنَاهُ ) أَيْ الْوَاهِبِ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا لِمَحْجُورِهِ إذَا اسْتَمَرَّ سَاكِنًا بِهَا لِمَوْتِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَسْكُنَ ) الْوَاهِبُ ( أَقَلَّهَا ) أَيْ الدَّارِ ( وَيُكْرِيَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْوَاهِبُ ( لَهُ ) أَيْ مَحْجُورِهِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ( الْأَكْثَرَ ) مِنْ الدَّارِ فَتَصِحَّ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهَا .
فِيهَا مَنْ حَبَسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ دَارًا أَوْ

وَهَبَهَا لَهُمْ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِمْ فَحَوْزُهُ حَوْزٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَهَا كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا إلَى مَوْتِهِ فَيَبْطُلَ جَمِيعُهَا ، وَإِنْ سَكَنَ مِنْ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ ذَاتِ الْمَسَاكِنِ أَقَلَّهَا وَأَكْرَى لَهُمْ بَاقِيَهَا نَفَذَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا سَكَنَ وَفِيمَا لَمْ يَسْكُنْ ، وَلَوْ سَكَنَ الْجُلَّ وَأَكْرَى لَهُمْ الْأَقَلَّ بَطَلَ الْجَمِيعُ .
( وَإِنْ سَكَنَ ) الْوَاهِبُ ( النِّصْفَ ) مِنْ الدَّارِ الَّتِي وَهَبَهَا الْمَحْجُورُ وَأَكْرَى لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ ( بَطَلَ ) النِّصْفُ الْمَسْكُونُ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ النِّصْفِ الْمُكْرَى ، فَتَصِحُّ هِبَتُهُ .
عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ ( وَ ) إنْ سَكَنَ الْوَاهِبُ ( الْأَكْثَرَ ) مِنْ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ لِمَحْجُورِهِ ( بَطَلَ الْجَمِيعُ ) الْمَسْكُونُ وَالْمُكْرَى لَهُ .
فِي النُّكَتِ حَفِظْت عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا إذَا سَكَنَ أَبُو الْأَصَاغِرِ شَيْئًا فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، إنْ سَكَنَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بَطَلَ الْجَمِيعُ ، وَإِنْ سَكَنَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ صَحَّ لَهُمْ مَا سَكَنَ وَمَا لَمْ يَسْكُنْ ، وَإِنْ سَكَنَ الْقَلِيلَ وَأَبْقَى الْكَثِيرَ خَالِيًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُكْرِيَهُ لِلْأَصَاغِرِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِكِرَائِهِ مَنَعَ لَهُ فَكَأَنَّهُ أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ كَأَشْغَالِهِ إيَّاهُ بِسُكْنَاهُ .
عِيَاضٌ هَذَا صَحِيحٌ مِنْ النَّظَرِ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ .
الْمُتَيْطِيُّ شَرْطُ صَدَقَةِ الْأَبِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ بِدَارِ سُكْنَاهُ إخْلَاؤُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَثِقَلِهِ وَمُعَايَنَتُهَا .
الْبَيِّنَةُ فَارِغَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَيُكْرِيهَا لَهُمْ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ .
طفي قَوْلُهُ وَدَارَ سُكْنَاهُ عَطْفٌ عَلَى مَا لَا يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ دَارَ السُّكْنَى كَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ إلَى مَنْ يَحُوزُهَا ، وَبِذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ ، فَقَالَ يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ دَارَ سُكْنَاهُ ،

فَإِنَّ حُكْمَهَا فِي اشْتِرَاطِ إخْرَاجِهَا عَنْ يَدِهِ حُكْمُ مَا إذَا وَهَبَ لَهُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي شَامِلِهِ فَقَالَ وَلَوْ وَهَبَهُ دَارَ سُكْنَاهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ حَبَسَهَا عَلَيْهِ وَقَدِمَ مَنْ حَازَهَا جَازَ .
ا هـ .
وَمَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكُتُبُ الْمَالِكِيَّةُ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ اشْتَرَطَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ خُرُوجَهَا عَنْ يَدِهِ إلَى مَنْ يَحُوزُهَا كَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ ، نَعَمْ تُفَارِقُ غَيْرَهَا فِي كَوْنِهَا لَا بُدَّ مِنْ إخْلَائِهَا مِنْ شَوَاغِلِهِ وَمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِذَلِكَ ، ثُمَّ تَبْقَى تَحْتَ يَدِهِ ، فَفِي وَثَائِقِ ابْنِ شَرِيعَةَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي دَارٍ يَسْكُنُهَا الْأَبُ فَلَا تَجُوزُ حَتَّى يُخْلِيَهَا الْأَبُ مِنْ أَهْلِهِ وَثِقَلِهِ ، وَتَكُونَ فَارِغَةً وَيُكْرِيَهَا لِلِابْنِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى هَذَا فَلَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ ، وَنَحْوُهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّهُ .
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي وَثِيقَةِ هِبَةِ الْأَبِ دَارَ سُكْنَاهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَانْتَقَلَ الْمُتَصَدِّقُ الْمَذْكُورُ عَنْ جَمِيعِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ بِبَيِّنَةٍ وَأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ تَصْحِيحًا لِلصَّدَقَةِ وَإِكْمَالًا لَهَا ، وَتَوَلَّى قَبْضَهَا مِنْ نَفْسِهِ لِابْنِهِ الْمَذْكُورِ وَاحْتَازَهَا لَهُ بِمَا يَحُوزُ بِهِ الْآبَاءُ ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ تَصَدَّقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِدَارٍ لَا يَسْكُنُهَا فَلَا تَذْكُرْ فِي الْعَقْدِ الِانْتِقَالَ وَلَا التَّخَلِّيَ وَلَا قَيْدَ مُعَايَنَةِ الشُّهُودِ لِلْقَبْضِ وَإِشْهَادُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ كَافٍ ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَالْحَيَوَانِ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ سَلْمُونٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَفْتَرِقُ دَارُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِهَا فِي هِبَةِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِأَنَّ دَارَ السُّكْنَى لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ التَّخَلِّيَ وَمِثْلُهَا الْمَلْبُوسُ ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيَكْفِي فِيهِ إشْهَادُ

الْأَبِ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ ، وَإِنْ لَمْ تُعَايِنْ الْبَيِّنَةُ الْحِيَازَةَ .
الْمُتَيْطِيُّ وَإِشْهَادُ الْأَبِ بِصَدَقَتِهِ يُغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ وَإِحْضَارُهُ لِشُهُودِهَا فِيمَا لَا يَسْكُنُهُ الْأَبُ وَلَا يَلْبَسُهُ ، فَظَهَرَ لَك الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ هِبَةِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَهِبَةِ دَارِ السُّكْنَى .
الثَّانِي : هَذَا حُكْمُ هِبَةِ الْأَبِ لِلصَّغِيرِ ، وَأَمَّا الْكَبِيرُ وَالْأَجْنَبِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ حَوْزَهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا ، وَلَا يَكْفِي الْإِقْرَارُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ .
الثَّالِثُ : لَيْسَ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ خَاصًّا بِدَارِ السُّكْنَى ، بَلْ كَذَلِكَ غَيْرُهَا إذَا سَكَنَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ إذْ لَمْ يَخُصُّوهُ بِهَا كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ .
الرَّابِعُ : مِثْلُ الدُّورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ الثِّيَابُ يَلْبَسُهَا ، وَكَذَا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ وَأَبْقَى بَعْضَهُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْبَيَانِ .
الْخَامِسُ : ذَكَرَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي صَرْفِ الْغَلَّةِ قَوْلَيْنِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَبَ صَرَفَ الْغَلَّةَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ مِثْلَ مَا فِي الْوَقْفِ ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ رَحَّالٍ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ الَّذِي رَجَّحَهُ النَّاسُ هُوَ شَرْطُ صَرْفِ الْغَلَّةِ لِلْمَحْجُورِ فِي الْهِبَةِ وَالْحَبْسِ ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا ، قَالَ وَانْظُرْ دَلِيلَهُ وَاضِحًا بَيِّنًا .

وَجَازَتْ الْعُمْرَى كَأَعْمَرْتُك أَوْ وَارِثَك

( وَجَازَتْ ) أَيْ نُدِبَتْ ( الْعُمْرَى ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَقْصُورًا مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُمْرِ بِمَعْنَى مُدَّةِ الْحَيَاةِ لِوُقُوعِهِ ظَرْفًا لِمَنْفَعَتِهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ الْعُمْرَى تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطِي بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً فَيَخْرُجُ الْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِهَا وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا قَبْلَ حَوْزِهَا ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ عُمْرَى وَحُكْمُهَا النَّدْبُ لِذَاتِهَا ، وَيَتَعَذَّرُ عُرُوضُ وُجُوبِهَا لَا كَرَاهَتُهَا وَتَحْرِيمُهَا .
الصِّيغَةُ الْبَاجِيَّ مَا دَلَّ عَلَى هِبَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الذَّاتِ كَأَسْكَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ وَهَبْتُك سُكْنَاهَا عُمْرَك .
وَفِيهَا مَنْ قَالَ قَدْ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَيَاتَك جَازَ ذَلِكَ ، وَتَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَنْ قَالَ دَارِي هَذِهِ لَك صَدَقَةٌ سَكَنًا فَإِنَّمَا لَهُ السُّكْنَى دُونَ ذَاتِهَا ، وَإِنْ قَالَ لَهُ قَدْ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك مِنْ بَعْدِك أَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك وَلِعَقِبِك سُكْنَى ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ مِلْكًا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ ، فَإِنْ مَاتَ فَإِلَى أُولِي الْبَأْسِ بِهِ يَوْمَ مَاتَ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَنْ قِيلَ لَهُ هِيَ لَك صَدَقَةُ سُكْنَى فَلَيْسَ لَهُ إلَّا سُكْنَاهَا دُونَ رَقَبَتِهَا مُحَمَّدٌ حَيَاتَهُ .
( كَأَعْمَرْتُك ) دَارِي أَوْ عَبْدِي أَوْ دَابَّتِي ، أَيْ وَهَبْتُك مَنْفَعَتَهَا مُدَّةَ حَيَاتِك ( أَوْ ) أَعْمَرْتُ ( وَارِثَك ) مَا ذُكِرَ " غ " كَأَعْمَرْتُك أَوْ وَارِثَك كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِوَاوِ الْعَطْفِ بَعْدَ كَأَعْمَرْتُك فَقَطْ أَوْ أَعْمَرْتُك وَوَارِثَك فَهُمَا مِثَالَانِ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " جَوَازَهَا فِي الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ ، قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا وَهِيَ عِنْدِي عَلَى مَا أَعَارَهَا عَلَيْهِ

وَالْحُلِيُّ عِنْدَهُ كَذَلِكَ ، فِيهَا قِيلَ فَإِنْ أَعْمَرَ ثَوْبًا أَوْ حُلِيًّا ، قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الثِّيَابِ شَيْئًا ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ ا هـ .
الثَّانِي : الْحَطّ إنْ قَالَ أَعْمَرْتُك وَلَمْ يَقُلْ حَيَاتَك وَلَا حَيَاتِي وَلَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَهِيَ عُمْرَى وَكَذَلِكَ أَسْكَنْتُك اللَّخْمِيُّ قَدْ أَتَتْ هِبَاتٌ مُتَقَارِبَةُ اللَّفْظِ مُخْتَلِفَةُ الْأَحْكَامِ حُمِلَ بَعْضُهَا عَلَى هِبَةِ الرِّقَابِ وَبَعْضُهَا عَلَى هِبَةِ الْمَنَافِعِ ، وَهُوَ يَقُولُ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَآخُذُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذَا الْبَعِيرِ وَأَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَأَعْمَرْتُك ، فَحُمِلَ قَوْلُهُ أَعْمَرْتُك وَأَسْكَنْتُك وَأَخْدَمْتُك عَلَى أَنَّهَا هِبَةُ مَنَافِعَ حَيَاةَ الْمَخْدُومِ وَالْمُسْكَنِ وَالْمُعْمَرِ ، وَقَوْلُك كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذَا الْبَعِيرِ أَوْ الْفَرَسِ عَلَى هِبَةِ الرِّقَابِ ، ثُمَّ قَالَ وَالْعُمْرَى ثَلَاثَةٌ : مُقَيَّدَةٌ بِأَجَلِ أَوْ حَيَاةِ الْمُعْمَرِ ، وَمُطْلَقَةٌ وَمُعَقَّبَةٌ ، فَإِنْ قُيِّدَتْ بِأَجَلٍ بِأَنْ قَالَ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً أَوْ عَشْرًا أَوْ حَيَاتِي فَهِيَ عَلَى مَا أَعْطَى ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ حُمِلَ عَلَى عُمْرِ الْمُعْطَى حَتَّى يَقُولَ عُمْرِي أَوْ حَيَاتِي ، وَإِنْ عَقَّبَهَا فَقَالَ أَعْمَرْتُكَهَا أَنْتَ وَعَقِبَك فَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَقِبُ ، وَفِي قَوَانِينِ ابْنِ جُزَيٍّ الْعُمْرَى جَائِزَةٌ إجْمَاعًا ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَ دَارِي أَوْ ضَيْعَتِي أَوْ أَسْكَنْتُك أَوْ وَهَبْت لَك سُكْنَاهَا أَوْ اسْتِغْلَالَهَا فَهُوَ وَهَبَ لَهُ مَنْفَعَتَهَا فَيَنْتَفِعُ بِهَا حَيَاتَهُ ، فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إلَى رَبِّهَا ، وَإِنْ قَالَ لَك وَلِعَقِبِك فَإِذَا انْقَرَضَ عَقِبُهُ رَجَعَتْ إلَى رَبِّهَا أَوْ لِوَارِثِهِ .

وَرَجَعَتْ لِلْمُعْمِرِ أَوْ وَارِثِهِ :
( وَرَجَعَتْ ) الْعُمْرَى بِمَعْنَى الذَّاتِ الَّتِي وُهِبَتْ مَنْفَعَتُهَا لِشَخْصٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَسَنَةٍ أَوْ عَشْرٍ وَمُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ الْمُطْلَقَةَ أَوْ الْمُعَقَّبَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ انْقِرَاضِ الْعَقِبِ ( لِ ) شَخْصِ ( الْمُعْمِرِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ أَيْ وَاهِبِ الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا إنْ كَانَ حَيًّا ( أَوْ ) لِ ( وَارِثِهِ ) أَيْ الْمُعْمَرِ إنْ كَانَ مَاتَ مِلْكًا أَيْضًا .
فِيهَا إنْ قَالَ لَهُ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك رَجَعَتْ إلَيْهِ مِلْكًا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ ، فَإِنْ مَاتَ فَإِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِ يَوْمَ مَاتَ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِمْ .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ قَدْ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةِ حَيَاتك جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَتَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ الَّذِي أَعْمَرَهَا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ .
قُلْت فَإِنْ أَعْمَرَ ثَوْبًا قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الثِّيَابِ شَيْئًا ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ ، وَالثِّيَابُ عِنْدِي عَلَى مَا أَعَارَهُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ .

كَحَبْسٍ عَلَيْكُمَا ، وَهُوَ لِآخِرِكُمَا مِلْكًا
وَشَبَّهَ فِي الرُّجُوعِ مِلْكًا فَقَالَ ( كَ ) عَبْدِي أَوْ دَارِي أَوْ دَابَّتِي ( حُبُسٍ عَلَيْكُمَا وَهُوَ ) أَيْ الْحَبْسُ ( لِآخِرِكُمَا ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ حَالَ كَوْنِ الْعُمْرَى الرَّاجِعَةِ لَمُعْمِرِهَا أَوْ وَارِثِهِ ( مِلْكًا ) لَهُ " غ " لَفْظُ مِلْكًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي رَجَعْت وَأَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ لِقَوْلِهِ آخَرَ كِتَابِ الْهِبَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدِي حُبُسٌ عَلَيْكُمَا وَهُوَ لِلْآخِرِ مِنْكُمَا جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ لِلْآخِرِ يَبِيعُهُ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ فَيَسْتَحِقَّانِهِ مَعًا عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا مَلَكَهُ الْآخَرُ

لَا الرُّقْبَى كَذَوِي دَارَيْنِ ، قَالَا : إنْ مِتَّ قَبْلِي فَهُمَا لِي ، وَإِلَّا فَلَكَ : كَهِبَةِ نَخْلٍ وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا سِنِينَ ، وَالسَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ

( لَا ) تَجُوزُ ( الرُّقْبَى ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَقْصُورًا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي عَارِيَّتِهَا لَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الرُّقْبَى فَفُسِّرَتْ لَهُ فَلَمْ يُجِزْهَا وَهِيَ تَحْبِيسُ رَجُلَيْنِ دَارًا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَوَّلًا فَحَظُّهُ حَبْسٌ عَلَى الْآخَرِ ، وَسَأَلْته عَنْ تَحْبِيسِهِمَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا فَحَظُّهُ يَخْدُمُ آخِرَهُمَا مَوْتًا حَيَاتَهُ ، ثُمَّ يَكُونُ الْعَبْدُ حُرًّا فَلَمْ يُجِزْهُ ، وَأَلْزَمَهُمَا عِتْقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا .
وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا يَخْدُمُ وَرَثَتَهُ دُونَ صَاحِبِهِ ، فَإِذَا مَاتَ آخِرُهُمَا كَانَ حَظُّ كُلٍّ مِنْهُمَا حُرًّا مِنْ ثُلُثِهِ ، كَمَنْ قَالَ إنْ مِتُّ فَعَبْدِي يَخْدُمُ فُلَانًا حَيَاتَهُ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ .
اللَّخْمِيُّ إنْ نَزَلَ فِي الدَّارِ فَعَلَى أَنَّ الْحَبْسَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَرْجِعُ مِلْكًا يَبْطُلُ تَحْبِيسُهَا ، وَتَرْجِعُ مِلْكًا لَهُمَا ، وَعَلَى رُجُوعِهِ حَبْسًا تَبْطُلُ السُّكْنَى فَقَطْ وَتَكُونُ لَهُمَا حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا فَتَرْجِعُ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ .
الصِّقِلِّيُّ أَلْزَمَهُمَا الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّهُ كَعِتْقٍ لِأَجَلٍ لِوَقْفِهِ عَلَى مَوْتِ فُلَانٍ وَجَعْلِهِ مِنْ الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي فَجَمَعَ لَهُ الْحُكْمَيْنِ .
وَمَثَّلَ لِلرُّقْبَى فَقَالَ ( كَذَوَيْ ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ مُثَنَّى ذُو ، أَيْ صَاحِبَيْ ( دَارَيْنِ ) مَثَلًا ( قَالَا ) أَيْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ( إنْ مِتَّ ) بِفَتْحِ التَّاءِ قَبْلِي ( فَهُمَا ) أَيْ دَارِي وَدَارُك مِلْكٌ ( لِي وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمُتْ قَبْلِي بِأَنْ مِتُّ أَنَا قَبْلَك ( فَ ) هُمَا ( لَك ) وَتَعَاقَدَا عَلَى هَذَا ، وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ ( كَهِبَةِ نَخْلٍ ) لِشَخْصٍ ( وَاسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا ) أَيْ النَّخْلِ ( سِنِينَ ) مُسْتَقْبَلَةً بَعْدَ الْهِبَةِ لِلْوَاهِبِ ( وَ ) قَدْ شَرَطَ الْوَاهِبُ أَنْ يَكُونَ ( السَّقْيُ ) النَّخْلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ( عَلَى الْمَوْهُوبِ ) فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ

قَبْضُهُ ، إذْ كَأَنَّهُ بَاعَهُ النَّخْلَ بِسَقْيِهِ فِي تِلْكَ السِّنِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ إلَّا بَعْدَهَا ، وَلَا يَدْرِي بَعْدَهَا ، وَمَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ السَّقْيُ عَلَى الْوَاهِبِ لَجَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ مَعْرُوفٌ .

، أَوْ فَرَسٍ لِمَنْ يَغْزُو سِنِينَ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ ، وَلَا يَبِيعُهُ لِبُعْدِ الْأَجَلِ

( أَوْ ) هِبَةُ ( فَرَسٍ لِمَنْ يَغْزُو ) عَلَيْهِ ( سِنِينَ وَ ) شَرَطَ الْوَاهِبُ أَنَّهُ ( يُنْفِقُ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْفَرَسِ فِي تِلْكَ السِّنِينَ ، ثُمَّ يَكُونُ الْفَرَسُ مِلْكًا لِلْمَدْفُوعِ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِذَلِكَ ( وَاشْتَرَطَ ) الْوَاهِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنَّهُ ( لَا يَبِيعُهُ ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْفَرَسَ ( لِ ) مَا ( بَعْدَ ) تَمَامِ ( الْأَجَلِ ) أَيْ السِّنِينَ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِحَائِطٍ وَفِيهِ ثَمَرٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِالثَّمَرَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الصَّدَقَةِ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُعْطِي ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْبُورَةً فَهِيَ لِلْمُعْطَى كَالْبَيْعِ ، وَيَقْبَلُ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَرَبُّ الْحَائِطِ مُصَدَّقٌ مِنْ حِينِ تُؤَبَّرُ الثَّمَرَةُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
قُلْت وَكَيْفَ حِيَازَةُ النَّخْلِ وَرَبُّهَا يَسْقِيهَا لِمَكَانِ ثَمَرَتِهِ فَقَالَ إنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَتْ حِيَازَةً .
ابْنُ الْمَوَّازِ يَقْبِضُ الْمَوْهُوبُ لَهُ النَّخْلَ وَيَكُونُ سُقِيَهَا عَلَى وَاهِبِهَا فِي مَالِهِ لِمَكَانِ ثَمَرَتِهِ ، وَيَتَوَلَّى الْمَوْهُوبُ لَهُ سَقْيَهَا لِمَكَانِ حِيَازَتِهِ .
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَثْنَى الْوَاهِبُ ثَمَرَتَهَا لِنَفْسِهِ عَشْرَ سِنِينَ ، فَإِنْ أَسْلَمَ النَّخْلَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ يَسْقِيهَا بِمَاءِ الْوَاهِبِ وَيُرْجِعُ إلَيْهِ ثَمَرَتَهَا كُلَّ سَنَةٍ فَذَلِكَ حَوْزٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَسْقِيهَا بِمَائِهِ وَالثَّمَرَةُ لِلْوَاهِبِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ اسْقِهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ هِيَ لَك ، وَلَا يَدْرِي أَتَسَلَّمَ النَّخْلَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا ، وَلَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ فَرَسَهُ يَغْزُو عَلَيْهِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ الْفَرَسُ مِنْ عِنْدِهِ ، ثُمَّ هُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَجَلِ ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ

لَا يَبِيعَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ ، وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَرَأَيْت إنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ بَاطِلًا ، فَهَذَا غَرَرٌ ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَسْأَلَتِك فِي النَّخْلِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّخْلُ بِيَدِ الْوَاهِبِ يَسْقِيهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدِهِ ، فَهَذَا إنَّمَا وَهَبَ نَخْلَهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ سَلَّمْت النَّخْلَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَمْ يَمُتْ رَبُّهَا وَلَا لَحِقَهُ دَيْنٌ فَلَهُ أَخْذُهَا بَعْدَ الْأَجَلِ ، وَإِنْ مَاتَ رَبُّهَا أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا .

وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ : كَأُمٍّ فَقَطْ وَهَبَتْ ذَا أَبٍ ، وَإِنْ مَجْنُونًا ، وَلَوْ تَيَتَّمَ عَلَى الْمُخْتَارِ إلَّا فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْآخِرَةُ : كَصَدَقَةٍ بِلَا شَرْطٍ

( وَ ) إنْ وَهَبَ أَبٌ لِوَلَدِهِ هِبَةً فَ ( لِلْأَبِ ) أَيْ مُبَاشَرَةً أَيْ لَا الْجَدِّ ( اعْتِصَارُهَا ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِهْمَالِ الصَّادِ ، أَيْ أَخْذُ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ ( مِنْ وَلَدِهِ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَازَهَا الْوَلَدُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الِاعْتِصَارُ ارْتِجَاعُ الْمُعْطِي عَطِيَّتَهُ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى ، وَصِيغَتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظًا ، وَفِي لَغْوِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ الْتِزَامًا نَقْلَا ابْنِ عَاتٍ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الشُّورَى وَابْنِ وَرْدٍ ، قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى فِيمَنْ بَاعَهَا قَبْلَهُ بِاسْمِ نَفْسِهِ وَمَاتَ فَثَمَنُهَا لِابْنِهِ فِي مَالِهِ ، وَلَا يَكُونُ الِاعْتِصَارُ إلَّا بِإِشْهَادٍ .
ا هـ .
قَوْلُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظًا شَامِلٌ لِمَا كَانَ مِنْ مَادَّةِ الِاعْتِصَارِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ .
وَفِي لُبَابِ ابْنِ رَاشِدٍ صِيغَتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَاعْتَصَرْتُ وَرَدَدْت ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَكُونُ اعْتِصَارُ الْأَبَوَيْنِ إلَّا بِإِشْهَادٍ .
ا هـ .
فَتَخْصِيصُ صِيغَتِهِ بِمَادَّةِ الِاعْتِصَارِ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَهُ الْبُنَانِيُّ .
وَشَبَّهَ فِي الِاعْتِصَارِ فَقَالَ ( كَأُمٍّ ) مُبَاشِرَةِ الْوِلَادَةِ فَلَهَا اعْتِصَارُ مَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ جَدٍّ وَجَدَّةٍ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثُوا دُيُونًا ، وَيُحْدِثُوا فِيهَا إحْدَاثًا .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اعْتِصَارِ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ صَغِيرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ كَبِيرًا ، وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأُمَّ مِثْلُهُ .
فِيهَا قَالَ رَبِيعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَعْتَصِرُ الْوَلَدُ مِنْ الْوَالِدِ .
قُلْت فَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ جَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالٍ

أَوْ خَالَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ اعْتِصَارُ هِبَتِهِمْ ؟ قَالَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِصَارُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَّا لِلْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا تَعْتَصِرُ الْأُمُّ الَّتِي ( وَهَبَتْ ) وَلَدًا ( ذَا ) أَيْ صَاحِبَ ( أَبٍ ) فَإِنْ وَهَبَتْ يَتِيمًا فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ ، وَلَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْ ذِي الْأَبِ إنْ كَانَ الْأَبُ عَاقِلًا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْأَبُ ( مَجْنُونًا ) جُنُونًا مُطْبِقًا ، إذْ هُوَ كَالْعَاقِلِ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ مَالِهِ فَلَيْسَ وَلَدُهُ يَتِيمًا ، وَلَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْ ذِي الْأَبِ حَالَ الْهِبَةِ إنْ اسْتَمَرَّ الْأَبُ حَيًّا ، بَلْ ( وَلَوْ تَيَتَّمَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ صَارَ الْوَلَدُ يَتِيمًا بِمَوْتِ أَبِيهِ بَعْدَ هِبَتِهَا لَهُ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ مِنْهُ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ .
وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا تَعْتَصِرُ مِنْهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا وَهَبَتْ الْأُمُّ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ وَلَا أَبَ لَهُمْ فَلَيْسَ لَهَا اعْتِصَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ وَيُعَدُّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَهَبَتْهُمْ وَالْأَبُ مَجْنُونٌ جُنُونًا مُطْبِقًا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الِاعْتِصَارِ لَهَا .
اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ يَوْمَ الْعَطِيَّةِ وَلَمْ تَعْتَصِرْ حَتَّى مَاتَ أَبُوهُ ، فَإِنَّ لَهَا اعْتِصَارَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ .
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا تَعْتَصِرُ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى وَقْتَ الْعَطِيَّةِ هَلْ كَانَتْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً ، وَاَلَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ حَسْبَمَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ إنْ وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فَبَلَغَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَلِأُمِّهِ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَتْهُ ، وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ ثُمَّ بَلَغَ فَلَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ لِانْقِطَاعِهِ بِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ .
عج اُنْظُرْ

كَيْفَ قَدَّمَ اخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَتَبِعَهُ تَلَامِذَتُهُ وَالْعَدَوِيُّ .
الْبُنَانِيُّ كَلَامُهُ يُفِيدُ التَّعَقُّبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَنَّ اخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ مِنْ عِنْدِهِ لَا مِنْ الْخِلَافِ ، فَحَقُّهُ التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ وَتَرَكَ الْمَنْصُوصَ .
قُلْت كَوْنُ اخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وضيح وَغَيْرِهِمَا ، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا لِلَّخْمِيِّ هُوَ ظَاهِرُهَا وَنَصُّهَا وَلِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ الْأَبِ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ مَا الْعَامِلُ فِيهِ نَحَلَتْ أَوْ وَهَبَتْ ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ فِيهِ تَعْتَصِرُ كَانَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ وَهَبَتْ فَمِثْلُ مَا رَجَّحَ اللَّخْمِيُّ فَيَتَخَرَّجُ الْقَوْلَانِ مِنْهَا .
ا هـ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَهَا هُوَ التَّعَلُّقُ بِالْأَقْرَبِ وَهُوَ وَهَبَتْ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى مُخْتَارِ اللَّخْمِيِّ ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالِاسْمِ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُهَا .
وَاسْتَثْنَى مِمَّا يَعْتَصِرُهُ الْأَبُ فَقَالَ ( إلَّا فِيمَا ) أَيْ تَبَرُّعٍ مِنْ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ ( أُرِيدَ ) بِفَتْحِ الدَّالِ ( بِهِ ) أَيْ التَّبَرُّعِ ( الْآخِرَةُ ) أَيْ ثَوَابُهَا فَلَيْسَ لَهُمَا اعْتِصَارُهُ ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ ، فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ هِبَتُهُ لِابْنِهِ لِلصِّلَةِ لَا يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا ، وَكَذَا هِبَتُهُ لِضَعْفِهِ وَخَوْفِ الْخَصَاصَةِ عَلَيْهِ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ كُلُّ هِبَةٍ لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِطَلَبِ الْأَجْرِ أَوْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ فَلَا تَعْتَصِرُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَحْوُهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ تَعْتَصِرُ .
وَشَبَّهَ فِي مَنْعِ

الِاعْتِصَارُ فَقَالَ ( كَصَدَقَةٍ ) مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ لِوَلَدِهِمَا ( بِلَا شَرْطٍ ) لِاعْتِصَارِهَا فَلَيْسَ لَهُمَا اعْتِصَارُهَا .
وَمَفْهُومُ بِلَا شَرْطٍ أَنَّهُ إنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الِاعْتِصَارِ إنْ شَاءَ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
الْبَاجِيَّ إذَا قَيَّدَ الْهِبَةَ أَوْ الْعَطِيَّةَ أَوْ النِّحْلَةَ قَالَ إنِّي سَلَّطْت عَلَيْهَا حُكْمَ الِاعْتِصَارِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ الِاعْتِصَارِ .
ابْنُ رُشْدٍ الِاعْتِصَارُ لَا يَكُونُ فِي الصَّدَقَاتِ إلَّا بِشَرْطٍ .

إنْ لَمْ تَفُتْ ، لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ ، بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ ، وَلَمْ يُنْكَحْ أَوْ يُدَايَنْ لَهَا أَوْ يَطَأْ ثَيِّبًا أَوْ يَمْرَضْ ، كَوَاهِبٍ إلَّا أَنْ يَهَبَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ ، أَوْ يَزُولَ الْمَرَضُ عَلَى الْمُخْتَارِ

وَذَكَرَ مَوَانِعَ الِاعْتِصَارِ فَقَالَ ( إنْ لَمْ تَفُتْ ) الْهِبَةُ ( بِحَوَالَةِ ) أَيْ تُغَيَّرُ ( سُوقٍ ) أَيْ قِيمَةٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ هِبَتِهَا ، فَإِنْ فَاتَتْ بِهَا فَلَا تَعْتَصِرُ ، هَذَا ظَاهِرُهُ ، وَلَكِنْ قَالَ " ق " لَوْ قَالَ وَلَوْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ لَا بِزَيْدٍ وَنَقْصٍ لَوَافَقَ نَصَّ الْبَاجِيَّ إذَا تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ فِي قِيمَتِهَا بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اعْتِصَارَهَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى حَالِهَا وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانُهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِفَتِهَا فَلَا يَمْنَعُ اعْتِصَارُهَا كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ .
" غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ لَمْ تَفُتْ لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ ، بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
الشَّارِحُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْهِبَةَ يَفُوتُ اعْتِصَارُهَا بِحَوَالَةِ السُّوقِ ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيَّ عَنْ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيتٍ .
ابْنُ رَاشِدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ .
الْحَطّ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ قَوْلَانِ فِي فَوَاتِ الِاعْتِصَارِ بِحَوَالَةِ السُّوقِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اعْتَمَدَ الْقَوْلَ بِالْإِفَاتَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي لَمْ أَجِدْ فِي الْمُعِينِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَمْنَعُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ تَغَيُّرُ السُّوقِ لَغْوٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقُ وَصَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ .
ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ ، فَالِاعْتِصَارُ جَائِزٌ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَبْعُدُ يَخْرُجُ الْخِلَافُ فِيهِ حَقُّهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَصْلَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْخِلَافُ ، وَذِكْرُهُ دُونَ تَعْيِينِهِ سَاقِطٌ .
ا هـ .
فَهَذَا كُلُّهُ يُفِيدُ خِلَافَ مَا قَالَهُ " ح " ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَنَسَبَ تت فِي كَبِيرِهِ لِبَعْضِ شُرَّاحِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ رَجَّحَ الْإِفَاتَةَ بِهَا ، وَأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَتَيْنِ

إحْدَاهُمَا تَحْكِي الْخِلَافَ وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِ .
الْبُنَانِيُّ وَعَلَى تَسْلِيمِ وُجُودِ الْخِلَافِ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ ، وَلِذَا قَالَ " ز " لِعَدَمِ فَوَاتِهِ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( أَوْ ) بِحُصُولِ ( زَيْدٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ، أَيْ زِيَادَةٍ فِي ذَاتِ الْهِبَةِ كَكِبَرِ صَغِيرٍ وَسِمَنِ هَزِيلٍ ( أَوْ ) بِحُصُولِ ( نَقْصٍ ) فِيهَا كَانْهِدَامٍ وَنِسْيَانِ صَنْعَةٍ الْبَاجِيَّ إذَا تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ فِي عَيْنِهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ زِيَادَتُهَا فِي عَيْنِهَا وَنَقْصُهَا لَا يَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا ، وَقَالَ أَصْبَغُ يَمْنَعُهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ حَالِ ذِمَّةِ الْمُعْطَى يَقْطَعُ الِاعْتِصَارَ ، فَأَنْ يَمْنَعَهُ تَغَيُّرُ الْهِبَةِ فِي نَفْسِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى .
( وَ ) إنْ لَمْ ( يُنْكَحْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْكَافِ أَيْ يُزَوَّجْ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِأَجْلِ الْهِبَةِ ، فَإِنْ زَوَّجَ لِأَجْلِهَا وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَاتَ اعْتِصَارُهَا ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِي ذِي الْمَالِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ بِهِ ( أَوْ ) إنْ لَمْ ( يُدَايَنْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ ، أَيْ يُعَامَلْ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِدَيْنٍ بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ ( لَهَا ) أَيْ لِأَجْلِ يُسْرِهِ بِالْهِبَةِ ، فَإِنْ دُويِنَ لَهَا فَاتَ اعْتِصَارُهَا .
طفي هَذَا مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ ، وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَابْنَ الْقَاسِمِ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَلَمْ يُنْسَبْ مُقَابِلُهُ إلَّا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الدَّيْنَ وَالنِّكَاحَ يَمْنَعَانِ مُطْلَقًا .
وَلَمَّا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ سَمَاعَ عِيسَى قَالَ عَقِبَهُ ظَاهِرُ قَوْلِهَا لِلْأَبِ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَهُ لِأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ مَا لَمْ يَنْكِحُوا ، وَفِي الْجَلَّابِ مِثْلُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهَا بِاخْتِصَارِ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا أَنْ يَنْكِحُوا أَوْ يَتَدَايَنُوا

فَنَقَلَ الْمَوَّاقِ عَنْهَا التَّقْيِيدَ بِكَوْنِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ لِأَجْلِهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ ا هـ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ أَوْ نَحَلَ لِبَنِيهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصِّغَارِ أُمٌّ ؛ لِأَنَّ الْيُتْمَ إنَّمَا هُوَ بِمَوْتِ الْأَبِ مَا لَمْ يَنْكِحُوا أَوْ يَسْتَحْدِثُوا دَيْنًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَحَ لِغِنَاهُ وَعَلَيْهِ دَايَنَهُ النَّاسُ ، وَبِذَلِكَ يَرْغَبُ فِي الْبِنْتِ وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا فَلِذَلِكَ مَنَعَ الِاعْتِصَارَ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ كَثِيرَةً يُزَادُ فِي الصَّدَاقِ لِأَجْلِهَا ، فَأَمَّا الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ فَلَا .
وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَتَهُ نِحْلَةً فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فَقَدْ انْقَطَعَ الِاعْتِصَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَعُودُ بَنَى بِهَا أَوْ لَمْ يَبْنِ ، وَكَذَا مَنْ نَكَحَ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ أَوْ دَايَنَ ثُمَّ زَالَ الدَّيْنُ أَوْ زَالَتْ الْعِصْمَةُ فَلَا اعْتِصَارَ ، فِيهَا قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَهُ أَوْ ابْنَتَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِنْ نَحَلَهُمَا بَعْدَ النِّكَاحِ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَتَدَايَنَا أَوْ يَمُوتَا .
( أَوْ ) إنْ لَمْ ( يَطَأْ ) الِابْنُ الْبَالِغُ أَمَةً ( ثَيِّبًا ) وَهَبَهَا لَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَاتَ اعْتِصَارُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ وَطْءُ الثَّيِّبِ فَوْتًا فَالْبِكْرُ أَوْلَى ، وَيَصْدُقُ الِابْنُ فِي دَعْوَى الْوَطْءِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنْ كَانَ اخْتَلَى بِهَا وَكَالْوَطْءِ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ وَالْعِتْقُ لِأَجَلٍ وَأَوْلَى الْمُنَجَّزُ .
مُحَمَّدٌ إذَا وَهَبَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ بَعْدَ تَزْوِيجِهِ فَلَهُ اعْتِصَارُهَا مَا لَمْ يَتَدَايَنْ الْوَلَدُ أَوْ تَنْمُو الْهِبَةُ أَوْ يَطَؤُهَا إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَيَفُوتُ الِاعْتِصَارُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِكْرًا وَلَمْ تَحْمِلْ قَالَهُ الْإِمَامُ

مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
( أَوْ ) إنْ لَمْ ( يَمْرَضْ ) الْمَوْهُوبُ لَهُ مَرَضًا مَخُوفًا ، فَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا فَاتَ اعْتِصَارُهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ وَرَثَتِهِ بِهَا ، وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ فَقَالَ ( كَ ) مَرَضِ ( وَاهِبٍ ) مَرَضًا مَخُوفًا فَيَفُوتُ اعْتِصَارُهَا لِاتِّهَامِهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتَصِرُهَا لِوَرَثَتِهِ .
يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنْ مَرِضَ الْأَبُ أَوْ الِابْنُ فَلَا اعْتِصَارَ فِي مَرَضِ أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ فَلَهُ اعْتِصَارُهَا ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامَلْ لَهَا فِي الْمَرَضِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلُهُ فِي الْأَبِ ، قَالَ وَلَا يُشْبِهُ الْمُعْتَصِرُ مِنْهُ الْمُعْتَصِرَ فِي ذَلِكَ ، وَقَالَ أَصْبَغُ إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ بِمَرَضِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِنِكَاحِ الْوَلَدِ أَوْ تَدَايُنِهِ ثُمَّ زَالَ الْمَرَضُ وَالدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ فَلَا اعْتِصَارَ وَإِذَا زَالَ الِاعْتِصَارُ يَوْمًا فَلَا يَعُودُ ، وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ وَإِذَا صَحَّ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى رَجَعَ الِاعْتِصَارُ كَمَا تَنْطَلِقُ يَدُهُ فِيمَا لَهُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَنْكِحْ أَوْ يُدَايِنْ لَهَا وَمَا بَعْدَهُ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ يَهَبَ ) الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ لِوَلَدِهِ وَهُوَ ( عَلَى ) حَالِ مِنْ ( هَذِهِ الْأَحْوَالِ ) الْمَانِعَةِ الِاعْتِصَارَ بِأَنْ وَهَبَهُ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ أَوْ مَدِينٌ أَوْ أَحَدُهُمَا مَرِيضٌ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ مَعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ ، وَلَا يَكُونُ وُجُودُهَا مَانِعًا مِنْهُ ( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يَزُولَ الْمَرَضُ ) الْحَاصِلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْوَاهِبُ بَعْدَ الْهِبَةِ فَيَعُودُ الِاعْتِصَارُ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَنَصُّهُ اخْتَلَفَ إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ لِمَرَضِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ ثُمَّ بَرِئَ ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ

الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَعْتَصِرُ وَهُوَ أَبْيَنُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَرَضُ مَوْتٍ ، فَإِذَا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا وَأَنَّهُ مَرَضٌ لَا يَمُوتُ مِنْهُ ، وَلَوْ اعْتَصَرَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ ثُمَّ صَحَّ مِنْهُ كَانَ الِاعْتِصَارُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ نَقَلَهُ " ق " .

، وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ
( وَكُرِهَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( تَمَلُّكُ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمِيمِ وَضَمِّ اللَّامِ مُثَقَّلَةً ( صَدَقَةٍ ) لِلْمُتَصَدَّقِ بِهَا ( بِغَيْرِ مِيرَاثٍ ) كَشِرَاءٍ أَوْ قَبُولِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَلَا يُكْرَهُ تَمَلُّكُهَا بِمِيرَاثٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ { عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ جَوَادٍ عَلَى رَجُلٍ فَلَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ ، وَقَالَ عُمَرُ إنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ } .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يَشْتَرِي الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ، مُحَمَّدٌ لَا تَرْجِعُ بِاخْتِيَارٍ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَمْلَاكُ وَالْمَوَارِيثُ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ ؟ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيُكْرَهُ وَظَاهِرُ الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَجُوزُ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْمَثَلَ ضُرِبَ لَنَا بِمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ الْفَاعِلِ بِتَشْبِيهِهِ بِالْكَلْبِ الْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَالذَّمُّ عَلَى الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ .
عِزُّ الدِّينِ لِبُعْدِ اللَّخْمِيِّ عَنْ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ ، قَالَ مَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَرُجُوعُهَا بِالْإِرْثِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ جَبْرٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْحُرْمَةُ ، وَهُوَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَعَبَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَشْهُورِ بِالْكَرَاهَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى غَيْرَ لَفْظِ لَا يَجُوزُ .

وَلَا يَرْكَبُهَا أَوْ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهَا ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ ؟ تَأْوِيلَانِ ، وَيُنْفِقُ عَلَى أَبٍ افْتَقَرَ مِنْهَا

( وَلَا يَرْكَبُهَا ) أَيْ الْمُتَصَدِّقُ الدَّابَّةَ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا ( أَوْ يَأْكُلُ ) الْمُتَصَدِّقُ ( غَلَّتَهَا ) أَيْ الصَّدَقَةِ .
فِيهَا مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَلَا يَرْكَبُهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ ثَمَنِهَا ، وَالْأُمُّ وَالْأَبُ إذَا احْتَاجَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ .
مُحَمَّدٌ وَلَا يَسْتَعِيرُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَعْطَاهُ لِرَجُلٍ فِي السَّبِيلِ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَا يَقْبَلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِالْأَصْلِ ، وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ عُمْرَى أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلَهُ شِرَاؤُهَا قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَأَصْحَابُهُ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ غَنَمٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا إذَا رَضِيَ الْوَلَدُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ ، وَهَذَا فِي الْوَلَدِ الرَّشِيدِ ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَفْعَلُ وَقَالَهُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ابْنُ رُشْدٍ شِرَاءُ غَلَّةِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ، قِيلَ جَائِزٌ كَالْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا ، وَكَرِهَهُ أَشْهَبُ وَهُوَ الصَّوَابُ .
ابْنُ عَرَفَةَ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا عَوْدٌ فِي عَيْنِ الْعَطِيَّةِ لَا فِي غَلَّتِهَا .
( وَهَلْ ) يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِغَلَّةِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا ( أَنْ يَرْضَى ) ابْنُ الْمُتَصَدِّقِ ( الْكَبِيرُ ) أَيْ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ ( بِشُرْبِ اللَّبَنِ ) أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ بِذَاتِ اللَّبَنِ أَوْ يَمْنَعُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ الْكَبِيرُ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) أَيْ فَهْمَانِ لِشَارِحِي الْمُدَوَّنَةِ .
فِيهَا وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرَتِهَا ، وَلَا يَرْكَبُهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً وَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا .
وَفِي الرِّسَالَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ .
أَبُو

الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَعُونَةِ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ يَسِيرًا أَوْ يَرْكَبَ الْفَرَسَ الَّذِي جَعَلَهُ فِي السَّبِيلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ خَطَرُهُ .
وَقِيلَ مَعْنَى مَا فِي الرِّسَالَةِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا ثَمَنَ لَهُ .
وَقِيلَ يُحْمَلُ مَا فِي الرِّسَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ قَوْلِهِ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ غَنَمٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا إذَا رَضِيَ الْوَلَدُ الْكَبِيرُ .
ا هـ .
الْحَطّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الِابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ تَأْوِيلَانِ ، إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَخْصِيصُهُ بِاللَّبَنِ ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ خَاصٍّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ عَلَى الرِّسَالَةِ لَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ ، وَذَكَرَ نَصَّ أَبِي الْحَسَنِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ قَالَ فَأَنْتَ تَرَى تَقْيِيدَ الْمُدَوَّنَةِ بِالْأَجْنَبِيِّ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي كَلَامِ الرِّسَالَةِ ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ خِلَافًا لَهُمَا ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْوَلَدِ بِرِضَاهُ كَانَ وِفَاقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مَفْهُومِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ فَتَكُونَ وِفَاقًا لِلْمَوَّازِيَّةِ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ فَتَكُونَ خِلَافًا لَهَا لَصَحَّ التَّأْوِيلَانِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ حِينَئِذٍ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ .
( وَيُنْفَقُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ ( عَلَى أَبٍ ) وَأُمٍّ ( افْتَقَرَ ) أَيْ صَارَ فَقِيرًا فَيُنْفَقُ عَلَيْهِ ( مِنْهَا ) أَيْ صَدَقَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فِيهَا وَالْأُمُّ وَالْأَبُ إذَا احْتَاجَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى وَلَدِهِمَا .
ا هـ .
وَمِثْلُهُمَا الزَّوْجَةُ وَلَوْ غَنِيَّةً لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا لِزَوْجِيَّتِهَا .

وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ لِلضَّرُورَةِ ، وَيُسْتَقْصَى

( وَ ) يَجُوزُ لِلْأَبِ ( تَقْوِيمُ جَارِيَةٍ ) تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ( أَوْ عَبْدٍ ) تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَتَمَلُّكُهُمَا ( لِلضَّرُورَةِ ) أَيْ احْتِيَاجِهِ لِوَطْءِ الْجَارِيَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَيُسْتَقْصَى ) أَيْ يَبْلُغُ الْأَبُ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ أَقْصَاهَا وَأَعْلَاهَا ، فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِجَارِيَةٍ فَتَبِعَتْهَا نَفْسُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ ، وَيُسْتَقْصَى لِلِابْنِ .
مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ رُخِّصَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ مِنْ ابْنِهِ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ أَجْنَبِيًّا مَا حَلَّ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَهُ مَالِكٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ مِثْلُ قَوْلِهَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَوْهُوبُ عَبْدٌ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهَا فِي الْجَارِيَةِ أَعْذَرُ مِنْهُ فِي الْعَبْدِ لِتَعَلُّقِ نَفْسِهِ بِهَا وَلَوْ تَبِعَتْهَا نَفْسُهُ وَالصَّدَقَةُ بِهَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَمَّا بَعُدَ شِرَاؤُهُ لَهَا ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْوَلَدِ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِلشُّبْهَةِ فِي مَالِ ابْنِهِ ، وَلِذَا أَجَازَ فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ أَنْ يَكْتَسِيَ بِصُوفِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى ابْنِهِ مِنْ الْغَنَمِ وَيَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا .
الْبُنَانِيُّ عَبَّرَ بِتَقْوِيمٍ تَبَعًا لَهَا ، وَالْمُرَادُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا تَقْوِيمُهُ بِالْعُدُولِ ، وَلِذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ أَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ؟ وَحَمَلَهُ عَلَى السَّدَادِ .
وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ جَعَلَهُ كَالْوَصِيِّ يَتَعَقَّبُ الْإِمَامُ فِعْلَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِنَفْسِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ السَّدَادِ ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَ هُنَا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى ابْنِهِ وَوَجَّهُوهُ بِالضَّرُورَةِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ .

وَجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ ، وَلَزِمَ بِتَعْيِينِهِ .

( وَجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ ) أَيْ الْعِوَضِ الْمَالِيِّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي نَظِيرِ الْهِبَةِ مُقَارِنًا لِصِيغَةِ الْهِبَةِ ، كَوَهَبْتُك أَوْ أَعْطَيْتُك أَوْ مَنَحْتُك أَوْ نَحَلْتُك هَذَا الشَّيْءَ عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي أَوْ تُعَوِّضَنِي أَوْ تَرُدَّ عَلَيَّ أَوْ تُكَافِئَنِي وَهُوَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ .
ابْنُ يُونُسَ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ فِي أَكْثَرِ الْحَالَاتِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعِوَضَ عِنْدَ الْهِبَةِ أَجَازَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَغَيْرِهِ ، وَخَالَفَتْ الْبَيْعَ فِي هَذَا ، كَخِلَافِ نِكَاحِ التَّعْوِيضِ لِنِكَاحِ التَّسْمِيَةِ وَكِلَاهُمَا نِكَاحٌ فِيهِ عِوَضٌ ، وَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ .
الْبَاجِيَّ هِبَةُ الثَّوَابِ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا فَلَهُ ارْتِجَاعُهَا وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ كَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ ثَمَرَةٍ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا تَجُوزُ فِي نَحْوِ الْآبِقِ كَالْبَيْعِ .
ابْنُ عَرَفَةَ هِبَةُ الثَّوَابِ عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ .
وَلَزِمَ ) الثَّوَابُ الْمَوْهُوبَ لَهُ ، أَيْ دَفْعُهُ لِلْوَاهِبِ ( بِ ) سَبَبِ ( تَعْيِينِهِ ) أَيْ الثَّوَابِ حَالَ عَقْدِ الْهِبَةِ بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ فَرَضِيَ ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ جُبِرَ عَلَيْهِ الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا عَيَّنَ الثَّوَابَ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ لِلْوَاهِبِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ .
خَلِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِتَعْيِينِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا ضَرُورِيٌّ كَبَتِّ عَقْدِ الْخِيَارِ ، وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ فَاعِلَ لَزِمَ ضَمِيرُ عَقْدِ الْهِبَةِ ، أَيْ لَزِمَ الْعَقْدُ

بِتَعْيِينِ الثَّوَابِ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الثَّوَابَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَلَا يَكْفِي فِي اللُّزُومِ وَهُوَ كَذَلِكَ الْبُنَانِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الثَّالِثُ أَيْ مِنْ أَوْجُهِ هِبَةِ الثَّوَابِ أَنْ يَهَبَ عَلَى ثَوَابٍ يَشْتَرِطُهُ وَيُسَمِّيهِ فَهُوَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يَحِلُّهُ مَا يَحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ

وَصُدِّقَ وَاهِبٌ فِيهِ ، إنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ بِضِدِّهِ ، وَإِنْ لِعُرْسٍ ، وَهَلْ يَحْلِفُ أَوْ إنْ أَشْكَلَ ؟ تَأْوِيلَانِ

.
( وَ ) إنْ وَهَبَ شَخْصٌ لِآخَرَ هِبَةً وَادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهَا لِلثَّوَابِ ( صُدِّقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا شَخْصٌ ( وَاهِبٌ ) شَيْئًا مُتَمَوَّلًا لِشَخْصٍ آخَرَ ( فِي ) قَصْدِ ( هـ ) أَيْ الثَّوَابِ ( إنْ لَمْ يَشْهَدْ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْهَاءِ ( عُرْفٌ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَرَى بَيْنَ النَّاسِ ( بِضِدِّهِ ) أَيْ عَدَمِ الثَّوَابِ عَلَى الْهَدِيَّةِ بِأَنْ جَرَى الْعُرْفُ بِهِ أَوْ لَمْ يَجْرِ بِشَيْءٍ ، فَإِنْ جَرَى عُرْفٌ بِضِدِّهِ فَلَا يُصَدَّقُ الْوَاهِبُ فِيهِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا وَهَبْت لِقَرَابَتِك أَوْ ذِي رَحِمِك ، وَعَلِمَ أَنَّك أَرَدْت بِهِ ثَوَابًا فَذَلِكَ لَك .
فَإِنْ أَثَابُوك وَإِلَّا رَجَعَتْ .
فِيهَا وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِثَوَابٍ كَصِلَتُك لِفَقِيرِهِمْ وَأَنْتَ غَنِيٌّ فَلَا ثَوَابَ لَك ، وَلَا تُصَدَّقُ أَنَّك أَرَدْته وَلَا رَجْعَةَ فِي هِبَتِك ، وَكَذَلِكَ هِبَةُ غَنِيٍّ لِأَجْنَبِيٍّ فَقِيرٍ أَوْ فَقِيرٍ لِفَقِيرٍ ، ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْلِ الْهِبَةِ ثَوَابًا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِي هِبَتِهِ .
وَيُصَدَّقُ الْوَاهِبُ فِيهِ إنْ كَانَ وَهَبَ لِغَيْرِ عُرْسٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ وَهَبَ ( لِعُرْسٍ ) الْبَاجِيَّ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ بِبَلَدِنَا مِنْ إهْدَاءِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ الْكِبَاشَ وَغَيْرَهَا عِنْدَ النِّكَاحِ ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ إنَّ ذَلِكَ عَلَى الثَّوَابِ ، وَبِذَلِكَ رَأَيْت الْقَضَاءَ فِي بَلَدِنَا ، قَالَ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُهْدِينَ وَالْمُهْدَى لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ الْعُرْفُ ، قَالَ وَذَلِكَ كَمَا شَرَطَ فَيُقْضَى لِلْمُهْدِي بِقِيمَةِ الْكِبَاشِ حِينَ قَبَضَهَا الْمُهْدَى إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْوَزْنِ ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ قَضَى بِوَزْنِهَا ، وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى إلَيْهِ بَعَثَ إلَى الْمُهْدِي قَدْرًا مِنْ لَحْمٍ مَطْبُوخٍ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُ فِي الْعُرْسِ حُوسِبَ بِهِ فِي قِيمَةِ هَدِيَّتِهِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي بَلَدٍ لَا يُعْرَفُ فِيهِ هَذَا ، فَلَا يُقْضَى فِيهِ بِثَوَابٍ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ

الرَّحْمَنِ لَوْ قَالَ لَا أُعْطِيك إلَّا أَنْ يَتَجَدَّدَ عُرْسٌ ، وَهُوَ شَأْنُ النَّاسِ ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ هَدَيْته مُعَجَّلًا .
( وَهَلْ يَحْلِفُ ) الْوَاهِبُ عَلَى قَصْدِ الثَّوَابِ مُطْلَقًا شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ أَوَّلًا ( أَوْ ) إنَّمَا يَحْلِفُ ( إنْ أَشْكَلَ ) الْأَمْرُ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْعُرْفُ وَلَا عَلَيْهِ ؟ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) عِيَاضٌ قَوْلُهُ فِي هِبَةِ الْفَقِيرِ إنْ قَالَ إنَّمَا وَهَبْته لِلثَّوَابِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْجَلَّابِ .
وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ أَمَّا إذَا أَشْكَلَ فَإِحْلَافُهُ صَوَابٌ وَإِنْ لَمْ يُشْكِلْ وَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ فَلَا يَحْلِفُ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِبَتِهِ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ دُونَ مُكَافَأَةٍ أَوْ قَصَدَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِثْلَ هِبَةِ النُّظَرَاءِ وَالْأَكْفَاءِ مِنْ أَهْلِ الْوُفُورِ وَالْغِنَى فَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ .
وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَأْوِيلِهَا هَلْ بِيَمِينٍ أَوْ غَيْرِهَا .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْوَاهِبِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَهُمَا رَاجِعَانِ لِقَوْلِهِ وَصُدِّقَ وَاهِبٌ فِيهِ ، وَبِهَذَا قَرَّرَهُ الْبِسَاطِيُّ ، وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ فَإِنْ أَشْكَلَ صُدِّقَ الْوَاهِبُ وَهَلْ بِيَمِينٍ تَأْوِيلَانِ

فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ إلَّا لِشَرْطٍ
وَيُصَدَّقُ الْوَاهِبُ فِيهِ ( فِي ) هِبَةِ ( غَيْرِ الْمَسْكُوكِ ) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ فِي هِبَةِ الْمَسْكُوكِ ( إلَّا بِشَرْطٍ ) لِلثَّوَابِ فِي هِبَةِ الْمَسْكُوكِ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَيُثَابُ عَنْهُ عَرْضٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ حَيَوَانٌ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا ثَوَابَ فِي هِبَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَإِنْ وَهَبَهَا فَقِيرٌ لِغَنِيٍّ وَمَا عَلِمْته مِنْ عَمَلِ النَّاسِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الثَّوَابَ فَيُثَابُ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا وَأَجَازَ الْإِمَامُ مَالِكٌ هِبَةَ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ لِلثَّوَابِ وَالْعِوَضُ عَلَيْهِ يُعَاضُ عُرُوضًا .

وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ
( وَ ) لَا يُصَدَّقُ فِي قَصْدِ الثَّوَابِ فِي ( هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا .
وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ ، وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى الْحَذْفِ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ .
فِيهَا لَا يُقْضَى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ وَلَا بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ بَيْنَهُمْ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ لِامْرَأَةٍ جَارِيَةٌ فَارِهَةٌ فَطَلَبَهَا مِنْهَا زَوْجُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَعْطَتْهُ إيَّاهَا مُرِيدَةً بِهَا اسْتِفْزَازَ صِلَتِهِ وَعَطِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ يُحْسِنُ لِامْرَأَتِهِ وَالِابْنُ لِأَبِيهِ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ اسْتِفْزَازَ مَا عِنْدَ أَبِيهِ .
فَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَجْهُ مَا طَلَبَ فِي هِبَتِهِ ، فَفِي ذَلِكَ الثَّوَابُ ، فَإِنْ أَثَابَهُ وَإِلَّا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هِبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُرَوِّجْهُ مَا ذَكَرْنَا فَلَا ثَوَابَ بَيْنَهُمَا .

وَلِقَادِمٍ عِنْدَ قُدُومِهِ وَإِنْ فَقِيرًا لِغَنِيٍّ ، وَلَا يَأْخُذُ هِبَتَهُ وَإِنْ قَائِمَةً

( وَ ) لَا يُصَدَّقُ فِي قَصْدِهِ مَنْ أَهْدَى ( لِقَادِمٍ ) مِنْ سَفَرٍ ( عِنْدَ قُدُومِهِ ) أَيْ الْقَادِمِ مِنْهُ إنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ أَوْ الْمُهْدِي فَقِيرًا وَالْمُهْدَى لَهُ غَنِيًّا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْمُهْدِي ( فَقِيرًا ) أَهْدَى ( لِغَنِيٍّ ) عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ( وَلَا يَأْخُذُ الْفَقِيرُ ) الْمُهْدِي لِلْغَنِيِّ عِنْدَ قُدُومِهِ ( هَدِيَّتَهُ ) أَيْ الْفَقِيرِ مِنْ الْغَنِيِّ الْمُهْدَى لَهُ إنْ كَانَتْ فَاتَتْ بِيَدِ الْغَنِيِّ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَتْ ( قَائِمَةً ) بِعَيْنِهَا بِيَدِ الْغَنِيِّ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا قَدِمَ غَنِيٌّ مِنْ سَفَرٍ فَأَهْدَى لَهُ جَارُهُ الْفَقِيرُ الْفَوَاكِهَ وَالرُّطَبَ وَشَبَهَهُمَا ، ثُمَّ قَامَ وَطَلَبَ الثَّوَابَ ، وَقَالَ إنَّمَا أَهْدَيْت إلَيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَكْسُوَنِي أَوْ يَصْنَعَ بِي خَيْرًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِغَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا لَهُ أَخْذُ هَدِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا .
الْحَطّ أَطْلَقَ فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا بِمَا يُهْدَى مِنْ الطَّعَامِ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهِمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لَا ثَوَابَ فِي هَدِيَّةِ فَقِيرٍ لِغَنِيٍّ الْفَاكِهَةَ وَالرُّطَبَ لِقُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ قَائِمًا .
الصِّقِلِّيُّ عَنْ الشَّيْخِ لِابْنِ اللَّبَّادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ قَائِمًا ، قَالَ وَأَمَّا الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ يُوهَبُ لِلْقَادِمِ فَفِيهِ الثَّوَابُ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي الْهِبَةِ لِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ الْفَاكِهَةَ وَالطَّعَامَ وَشَبَهَهُمَا فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا ثَوَابَ فِيهَا وَلِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِ حَمْدِيسٍ لَهُ .
فِيهَا الثَّوَابُ وَهُوَ أَبْيَنُ وَالشَّأْنُ رَجَاؤُهُ مِمَّا يَقْدُمُ بِهِ الْمُسَافِرُ .
قُلْت مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدُمْ بِشَيْءٍ فَلَا ثَوَابَ عَلَيْهِ .

وَلَزِمَ وَاهِبَهَا لَا الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ ، إلَّا لِفَوْتٍ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ ؛
( وَلَزِمَ وَاهِبَهَا ) أَيْ هِبَةِ الثَّوَابِ قَبُولُ الْقِيمَةِ إنْ دَفَعَهَا لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَائِمَةً كَانَتْ أَوْ فَائِتَةً عَلَى الْمَشْهُورِ ( لَا ) تَلْزَمُ ( الْمَوْهُوبَ ) لَهُ وَفَاعِلُ لَزِمَ ( الْقِيمَةُ ) لِلشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ رَدُّهَا ( إلَّا لِفَوْتٍ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ ) فِي عَيْنِ الْهِبَة فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمَشْهُورِ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الْوَاهِبَ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْقِيمَةِ إذَا دَفَعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الْهِبَةُ عِنْدَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ " ق " هِبَةُ الثَّوَابِ يَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرًا فِيهَا مَا كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ بَيْنَ أَنْ يُشَبِّهَ مَا فِيهِ وَفَاءً بِقِيمَةِ الْهِبَةِ أَوْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ ، وَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْفَوْتِ .
ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الْفَوْتِ الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ .
الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ أَوْ النُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ عِيسَى عَنْهُ .

وَلَهُ مَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ
( وَلَهُ ) أَيْ الْوَاهِبِ ( مَنْعُهَا ) أَيْ الْهِبَةِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ ( حَتَّى يَقْبِضَهُ ) أَيْ الْوَاهِبِ الثَّوَابَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَلِوَاهِبِهَا مَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَ عِوَضَهَا كَالْبَيْعِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بِمَ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ الْقِيمَةِ هَلْ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ أَوْ بِالْقَبْضِ ، بَلْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْقِيمَةِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْهِبَةِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
الثَّانِي : ابْنُ عَرَفَةَ إذَا أَثَابَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَامْتَنَعَ الْوَاهِبُ أَنْ لَا يَقْبَلَ إلَّا الْقِيمَةَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ مَا أَعْطَاهُ الْمَوْهُوبَ لَهُ .
الثَّالِثُ : فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَيْسَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَنْ يَشْهَدُوا بَيْنَ النَّاسِ ، وَلَا أَنْ يُضَيِّفُوا أَحَدًا وَلَا أَنْ يُكَافِئُوا عَلَى الْهَدَايَا ، وَكَذَا السُّلْطَانُ لَا يُكَافِئُ وَلَا يُكَافَأُ .
" غ " عَنْ شَيْخِهِ الْقُورِيِّ : لَيْسَ عَلَى الْفَقِيهِ مِنْ ضِيَافَاتٍ وَلَا شَهَادَاتٍ وَلَا مُكَافَآتٍ ذِكْرُ ذَا أَيْضًا لِذِي الْمَدَارِكِ عَنْ سَعْدٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ الْمَدَارِكِ أَفَادَهَا الْحَطّ .
الْبُنَانِيُّ " غ " فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ الْبَيْتَيْنِ لِنَفْسِهِ .

وَأُثِيبَ مَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ وَإِنْ مَعِيبًا إلَّا كَحَطَبٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ، وَلِلْمَأْذُونِ ، وَلِلْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ : الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ

( وَأُثِيبَ ) بِضَمٍّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ دُفِعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ عِوَضًا عَنْ هِبَتِهِ ( مَا ) أَيْ شَيْئًا أَوْ الشَّيْءَ الَّذِي ( يُقْضَى ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ يَجُوزُ دَفْعُهُ قَضَاءً ( عَنْهُ ) أَيْ الْمَوْهُوبِ ( بِبَيْعٍ ) أَيْ يُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي الْبَيْعِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ وَهَبَك حِنْطَةً فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ تُعَاوِضَهُ مِنْهَا بَعْدَ حِنْطَةٍ ، أَوْ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَكِيلِ الطَّعَامِ أَوْ مَوْزُونِهِ إلَّا أَنْ تُعَاوِضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ طَعَامًا مِنْ طَعَامٍ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَحِمَهُ اللَّهُ " إلَّا أَنْ تُعَاوِضَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَكَيْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ افْتَرَقَا إنْ كَانَ مَا يُقْضَى عَنْهُ سَلِيمًا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( مَعِيبًا ) " غ " بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ يَاءٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الْكَسْرَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ مِنْ الْعَيْبِ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهَا وَإِنْ وَجَدَ الْوَاهِبُ عَيْبًا بِالْعِوَضِ ، فَإِنْ كَانَ عَيْبًا فَادِحًا لَا يُتَعَاوَضُ فِي مِثْلِهِ كَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ الْهِبَةِ إنْ لَمْ تَفُتْ إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَادِحًا نُظِرَ إلَى قِيمَةِ الْمَعِيبِ فَإِنْ كَانَتْ كَقِيمَةِ الْهِبَةِ فَأَكْثَرَ فَلَا يَجِبُ لَهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ تَطَوُّعٌ غَيْرُ لَازِمٍ ، فَإِنْ كَانَ دُونَ قِيمَتِهَا فَأَتَمَّ لَهُ الْقِيمَةَ بَرِئَ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ رَدُّ الْعِوَضِ إلَّا أَنْ يَأْبَى الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ لَهُ الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُعَوِّضُهُ مِمَّا جَرَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الْأَعْوَاضِ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءً بِالْقِيمَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
وَاسْتَثْنَى مِمَّا يَقْضِي عَنْهُ بِبَيْعٍ فَقَالَ ( إلَّا ) مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِثَابَتِهِ عَنْهُ ( كَحَطَبٍ ) وَتِبْنٍ وَحَلْفَاءَ وَحَشِيشٍ فَلَا

يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنِ شَاسٍ نَوْعُ الثَّوَابِ الَّذِي يَلْزَمُ قَبُولُهُ بِاتِّفَاقٍ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ ، وَرَوَى أَشْهَبُ انْحِصَارَهُ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى غَيْرِهِمَا ، وَرَأَى سَحْنُونٌ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَمَوَّلُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا .
وَيَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُهُ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ هِبَتِهِ ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الْمُتَمَوِّلِ الْحَطَبَ وَالتِّبْنَ وَشِبْهِهِمَا مِمَّا لَا يُثَابُ عَادَةً بِمِثْلِهِ ، تت وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ غَالِبًا وَإِلَّا فَبَعْضُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَذَوِي الْعِيَالِ وَالدَّوَابِّ إذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ .
( وَلِ ) لِرَقِيقِ ( الْمَأْذُونِ ) لَهُ فِي التَّجْرِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ ( وَلِلْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ ) الْمَحْجُورِ لَهُ لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ ( الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ ) فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ " رَحِمَهُ اللَّهُ " وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يَهَبَ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ وَهَبَهُ ، وَلِلْأَبِ أَنْ يَهَبَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِلثَّوَابِ وَيُعَوِّضَ عَنْهُ وَاهِبَهُ لِلثَّوَابِ ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْأَبِ جَائِزٌ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ .

وَإِنْ قَالَ : دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا ؛ أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ
( وَإِنْ قَالَ ) الرَّشِيدُ الْمَالِكُ أَمَرَ نَفْسَهُ ( دَارِي ) مَثَلًا ( صَدَقَةٌ ) وَصِلَةُ قَالَ ( بِيَمِينٍ ) كَأَنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فَدَارِي صَدَقَةٌ حَالَ كَوْنِهِ ( مُطْلِقًا ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ قَوْلًا مُطْلَقًا بِفَتْحَتِهَا عَنْ التَّقَيُّدِ بِكَوْنِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ بِهَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ( أَوْ ) قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ ( بِغَيْرِهَا ) أَيْ الْيَمِينِ ، بِأَنْ قَالَ ابْتِدَاءُ دَارِي صَدَقَةٌ بِلَا تَعْلِيقَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ عَدَمِهِ ( وَ ) الْحَالُ أَنَّهُ ( لَمْ يُعَيِّنْ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْقَائِلُ دَارِي صَدَقَةٌ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ عَلَى نَحْوِ الْمَسَاكِينِ وَأَبَى تَنْفِيذَ الصَّدَقَةِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ( لَمْ يُقْضَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ فَلَا يُحْكَمُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَائِلِ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ بِتَنْفِيذِ الصَّدَقَةِ بِهَا ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ التَّبَرُّرَ فِي صُورَتَيْ الْيَمِينِ وَلِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي الثَّالِثَة .
( بِخِلَافِ ) قَوْلِهِ فِي غَيْرِ يَمِينٍ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ ( الْمُعَيَّنِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْيَاءِ مُثَقَّلَةً وَأَبَى مِنْ تَنْفِيذِهَا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ لِتَبَرُّرِهِ وَتَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهَا ، فِيهَا مَنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ قَالَهُ فِي غَيْرِ يَمِينٍ وَبَتَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ إنْ كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ .
عِيَاضٌ عَلَى هَذَا اخْتَصَرَهَا أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ إلَّا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ .

وَفِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ : قَوْلَانِ ؛
( وَفِي ) الْقَضَاءِ بِتَنْفِيذِ صَدَقَةٍ ( عَلَى مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ ) وَعَدَمِهِ ( قَوْلَانِ ) سُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ عَمَّنْ تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ لِمَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا وَإِنْفَاذِهَا ؟ فَقَالَ يُجْبَرُ كَمُتَصَدِّقٍ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ .
يُرِيدُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ لَيْسَ لِلْمَسْجِدِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ فَهِيَ كَصَدَقَةٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا لَا أَدْرِي وَتَوَقَّفَ .

وَقُضِيَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فِيهَا بِحُكْمِنَا .
( وَقُضِيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بَيْنَ ) شَخْصٍ ( مُسْلِمٍ وَ ) شَخْصٍ ( ذِمِّيٍّ ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ مُثَقَّلَةً مَنْسُوبٌ لِلذِّمَّةِ ، أَيْ الْعَهْدِ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ( فِيهَا ) أَيْ هِبَةِ الثَّوَابِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ( بِحُكْمِنَا ) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ .
فِيهَا يُقْضَى بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْهِبَاتِ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ فَامْتَنَعَ الْوَاهِبُ مِنْ دَفْعِ الْهِبَةِ فَلَا أُعْرِضُ لَهُمَا ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ النِّظَامِ الَّذِي أَمْنَعُهُمْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَكُونُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ، فَإِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
عِيَاضٌ بَعْضُ شُيُوخِنَا مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا وَلَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا لَحَكَمْت بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ .
وَقِيلَ بَلْ مَعْنَاهُ وَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَلَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ هِبَاتِهِمْ لَيْسَتْ مِنْ التَّظَالُمِ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ هُنَا لِقَوْلِهِ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ مَالِهِ .
تت هَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الَّتِي لَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ فِيهَا وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالزِّنَا .
وَفِيهَا كُلُّهَا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ .
طفي عَدَمُ الْحُكْمِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا عِنْدَ التَّرَافُعِ .
عِيَاضٌ وَقَدْ .
اُخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالزِّنَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( خَاتِمَةٌ فِي الْعِدَّةِ ) ابْنُ عَرَفَةَ الْعِدَّةُ إخْبَارٌ عَنْ إنْشَاءِ الْمُخْبِرِ مَعْرُوفًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَيَدْخُلُ الْوَعْدُ بِالْحَمَالَةِ وَغَيْرِهَا وَالْوَفَاءُ بِهَا مَطْلُوبٌ اتِّفَاقًا .
ابْنُ رُشْدٍ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ بِهَا مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَبَبٍ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِسَبَبِهَا فِي السَّبَبِ أَوْ بِشَرْطِ دُخُولِهِ بِسَبَبِهَا فِيهِ ، رَابِعُهَا لَا يُقْضَى بِهَا مُطْلَقًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَصْبَغَ مَعَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا السَّمَاعِ وَلِسَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ وَصَوَّبَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ ثَانِيَهَا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلُهُ لِمَدِينٍ أَنَا أَقْضِي عَنْك دَيْنَك لَا يَلْزَمُهُ ، وَقَوْلُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَقْضِيك الدَّيْنَ الَّذِي لَك يَلْزَمُهُ لِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ فِي التَّوَثُّقِ ، وَفِي نِكَاحِهَا الْأَوَّلِ مِمَّا هُوَ حَمْلٌ لَا حَمَالَةٌ ، قَوْلُهُ بِعْ فُلَانًا فَرَسَك وَثَمَنُهُ عَلَيَّ ، فَإِنْ هَلَكَ الْأَوَّلُ فَذَلِكَ فِي مَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَدَعْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُبْتَاعِ ، وَكَذَا مَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ مَالًا فَقَالَ لِرَجُلٍ قَبْلَ دَفْعِهِ لَهُ بِعْ فَرَسَك لِفُلَانٍ بِاَلَّذِي وَهَبْته لَهُ وَأَنَا ضَامِنٌ لَك حَتَّى أَدْفَعَ لَك فَقَبَضَ الْفَرَسَ فَالثَّمَنُ عَلَى الْوَاهِبِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ وَلَا مَالَ لَهُ فَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَيْءٍ .
عَبْدُ الْحَقِّ لَمْ يُبَيِّنْ إنْ مَاتَ الْوَاهِبُ عَدِيمًا قَبْلَ قَبْضِ الْمُبْتَاعِ الْفَرَسَ هَلْ لَهُ قَبْضُهُ دُونَ غُرْمِ ثَمَنِهِ أَمْ لَا ، وَفِيهِ قَوْلَانِ لِغَيْرِ الشَّيْخِ ، وَلَهُ ثُمَّ قَالَ وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ قَالَ لِبَيْعِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِعْ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك قَوْلًا عَازِمًا بَيِّنًا لَزِمَهُ ، وَيُصَدَّقُ الْمُبْتَاعُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ نَقْصٍ إنْ أَشْبَهَ .
ابْنُ رُشْدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ قَبْلَ انْتِقَادِهِ

كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اُنْقُدْنِي وَبِعْ وَلَا نَقْصَ عَلَيْك فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ .
وَفِي سَمَاعِ عِيسَى ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ عُيُوبٌ وَخُصُومَاتٌ ، فَإِنْ بَاعَ بِنَقْصٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ لَهُ إنْ كَانَ انْتَقَدَ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَغْبِنْ فِي الْبَيْعِ غَبْنًا بَيِّنًا وَبَاعَ بِالْقُرْبِ ، فَإِنْ أُخِّرَتْ حَتَّى حَالَتْ الْأَسْوَاقُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ .
يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي النَّقْصِ فِيمَا يُشْبِهُ ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ .
وَفِي سَمَاعِ عِيسَى إنْ كَانَ عَبْدًا فَأَبْقَ أَوْ مَاتَ فَقَالَ أَصْبَغُ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَاَلَّذِي أَقُولُهُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الثَّوْبِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ ذَهَبَ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا إنْ قَبِلَ الشَّرْطَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ بِوَطْئِهِ تَرَكَ مَا جُعِلَ لَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ لَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَنْهُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَفِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ لَوْ بَاعَ مِنْهُ عَلَى أَنْ لَا نَقْصَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَيْسَ بَيْعًا ، فَإِنْ بَاعَ فَلَهُ إجَارَتُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا ، وَفِي كَوْنِهِ إجَارَةً فَاسِدَةً أَوْ بَيْعًا فَاسِدًا قَوْلَانِ فِي هَذَا السَّمَاعِ مَعَ الْمُوَطَّإِ وَفِي غَيْرِهِمَا وَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ وَفِي السَّمَاعِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا فَوْتَ لِلْمَبِيعِ وَلَوْ بِعَيْبٍ مُفْسِدٍ ، وَلِلْمُبْتَاعِ أَجْرُ مِثْلِهِ فَلَوْ فَوَّتَهَا بِعَطِيَّةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ حَمْلٍ ، فَفِي مُضِيُّهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِعْطَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْإِحْبَالِ لِرَعْيٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ أَوْ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ فِي قَوْلَا مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا السَّمَاعِ ، وَعَلَى الثَّانِي فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَبَيْعٍ فَاسِدٍ اتِّفَاقًا .
وَسَمِعَ أَصْبَغُ أَشْهَبَ مَنْ أَجَابَ مَنْ

ابْتَاعَ مِنْهُ كَرْمًا فَخَافَ الْوَضِيعَةَ بِقَوْلِهِ بِعْ وَأَنَا أُرْضِيك إنْ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ فَأَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَأَنَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْضِيَهُ ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا سَمَّاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا أَرْضَاهُ بِمَا شَاءَ ، وَحَلَفَ مَا أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُرْضِيَهُ بِمَا يُشْبِهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ وَالْوَضِيعَةَ .
فِيهَا أَصْبَغُ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ أَشْهَبَ إنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا سَمَّاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إرْضَاءَهُ ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ إنْ قَالَ لَمْ يَرْضَ بِمَا يَقُولُ النَّاسُ أَنَّهُ إرْضَاءٌ فَلَا يُصَدَّقُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَيُرْضِيَنَّهُ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِمَا يَقُولُهُ النَّاسُ وَبِمَا يُرْضِيهِ ا هـ .
قُلْت هَذَا عَلَى تَقْدِيمِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَلَى الْعُرْفِ فِي الْأَيْمَانِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

بَابٌ ) اللُّقَطَةُ : مَالٌ مَعْصُومٌ : عَرَضَ لِلضَّيَاعِ ؛ وَإِنْ كَلْبًا وَفَرَسًا وَحِمَارًا

بَابُ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ وَالْآبِقِ وَاللَّقِيطِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ( اللُّقَطَةُ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ فِي أَشْهَرِ لُغَاتِهَا الْأَرْبَعِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ خِلَافُ الْقِيَاسِ لِأَنَّ فُعَّلَةٌ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وُضِعَ لِمَنْ كَثُرَ فِعْلُهُ كَهُمَزَةٍ ، وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَجَعَلَ الزُّبَيْدِيُّ سَاكِنَ الْقَافِ اسْمًا لِلشَّيْءِ الْمُلْتَقَطِ وَمَفْتُوحَهَا لِلشَّخْصِ الْمُلْتَقِطِ ، ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ الْتِقَاطُهُ ، وَحَكَى ابْنُ الْأَثِيرِ الْقَوْلَيْنِ ، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَةُ لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَالرَّابِعَةُ لُقَطٌ بِلَا هَاءٍ أَيْ مَعْنَاهَا شَرْعًا ( مَالٌ ) جِنْسٌ شَمَلَ اللُّقَطَةَ وَغَيْرَهَا ، وَخَرَجَ عَنْهُ اللَّقِيطُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ صَغِيرٌ حُرٌّ كَمَا يَأْتِي ( مَعْصُومٌ ) أَيْ مُحْتَرَمٌ فَصْلٌ مُخْرِجٌ الرِّكَازَ وَمَالَ الْحَرْبِيِّ ( عَرَضَ ) بِفَتَحَاتٍ وَإِعْجَامِ الضَّادِ ، أَيْ تَهَيَّأَ وَاسْتَعَدَّ وَصَارَ مُعَرَّضًا ( لِلضَّيَاعِ ) بِتَلَفِهِ أَوْ أَخَذَهُ خَائِنٌ أَوْ سَبُعٌ .
فَصْلٌ مُخْرِجٌ مَا فِي حِرْزِهِ وَضَالَّةَ الْإِبِلِ .
ابْنُ شَاسٍ اللُّقَطَةُ مَالٌ مَعْصُومٌ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ .
ابْنُ عَرَفَةَ اللُّقَطَةُ مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا وَلَا نَعَمًا ، فَيَخْرُجُ الرِّكَازُ وَمَا بِأَرْضِ الْحَرْبِ ، وَتَدْخُلُ الدَّجَاجَةُ وَحَمَامُ الدُّورِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا السَّمَكَةُ تَقَعُ فِي سَفِينَةٍ هِيَ لِمَنْ وَقَعَتْ إلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَاتٍ عَنْ الشَّعْبَانِيِّ وَالْأَظْهَرُ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا مَنْ سَقَطَتْ إلَيْهِ لَنَجَتْ بِنَفْسِهَا لِقُوَّةِ حَرَكَتِهَا وَقُرْبِ مَحَلِّ سُقُوطِهَا مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ ، فَهِيَ كَمَا قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَهِيَ لِرَبِّ السَّفِينَةِ كَقَوْلِهَا فِيمَنْ طَرَدَ صَيْدًا حَتَّى دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ ، فَإِنْ اضْطَرَّهُ إلَيْهَا فَهُوَ لَهُ ، وَإِلَّا فَهُوَ لِرَبِّ الدَّارِ إنْ بَعُدَ عَنْهُ فَقَوْلُهُ مَالُ جِنْسٍ شَمَلَ اللُّقَطَةَ وَغَيْرَهَا ، وَخَرَجَ عَنْهُ اللَّقِيطُ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ

آدَمِيٌّ حُرٌّ ، وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ حِرْزٍ يُخْرِج الْمَسْرُوقَ ، وَقَوْلُهُ مُحْتَرَمًا يُخْرِجُ مَالَ الْحَرْبِيِّ وَالرِّكَازِ ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا يُخْرِجُ الرَّقِيقَ لِأَنَّهُ آبِقٌ لَا لُقَطَةٌ ، وَقَوْلُهُ وَلَا نَعَمًا مُخْرِجٌ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ ، إذْ هِيَ ضَالَّةٌ لَا لُقَطَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالضَّالَّةُ نَعَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا ، وَالْآبِقُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وُجِدَ كَذَلِكَ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ كَوْنُ الْجَمِيعِ لُقَطَةً خِلَافُ ظَاهِرِهَا مَعَ غَيْرِهَا وَالْأَحَادِيثِ الْآمِرَةُ بِحِفْظِ عِفَاصِ اللُّقَطَةِ وَوِكَائِهَا .
الْحَطّ حَدُّهُ اللُّقَطَةَ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ الثَّمَرِ .
الْمُعَلَّقِ فِيهِ ، وَلَيْسَ لُقَطَةٌ فَالْأَحْسَنُ قَوْلُهُمْ عَرَضَ لِلضَّيَاعِ .
الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ الرَّقِيقَ الصَّغِيرَ وَهُوَ لُقَطَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِ اللَّقِيطِ إنْ كَانَ الْمَالُ الْمُعَرَّضُ لِلضَّيَاعِ لَيْسَ كَلْبًا وَلَا فَرَسًا وَلَا حِمَارًا بَلْ ( وَإِنْ كَلْبًا ) مَأْذُونًا فِيهِ لِحِرَاسَةٍ أَوْ صَيْدٍ لِأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْمَالِ الْمَعْصُومِ .
ابْنُ شَاسٍ مَنْ وَجَدَ كَلْبًا الْتَقَطَهُ إنْ كَانَ بِمَكَانٍ يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهَا مَنْ سَرَقَ كَلْبًا صَائِدًا فَلَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يُرَاعَى دَرْءُ حَدٍّ بِالشُّبْهَةِ ( وَفَرَسًا وَحِمَارًا ) اللَّخْمِيُّ الْبَقَرُ وَالْخَيْلُ وَسَائِرُ الدَّوَابِّ الَّتِي لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ سَبُعٍ وَلَا غَيْرِهِ لَا تُؤْخَذُ وَإِلَّا فَتُؤْخَذُ وَتُعَرَّفُ عَامًا .

وَرُدَّ بِمَعْرِفَةِ مَشْدُودٍ فِيهِ وَبِهِ وَعَدَدِهِ بِلَا يَمِينٍ ؛ وَقُضِيَ لَهُ عَلَى ذِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ

( وَرُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَالُ الْمُلْتَقَطُ لِمُدَّعٍ أَنَّهُ لَهُ ( بِمَعْرِفَةِ ) عِفَاصٍ ( مَشْدُودٍ فِيهِ ) الْمَالُ مِنْ كِيسٍ أَوْ مِنْدِيلٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا ( وَ ) مَعْرِفَةِ وِكَاءٍ مَشْدُودٍ ( بِهِ ) مِنْ نَحْوِ خَيْطٍ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ ، وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ ، وَحَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ فِي الِاسْتِذْكَارِ ، وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ أَشْهَبَ عَكْسَهُ ( وَ ) بِمَعْرِفَةِ ( عَدَدِهِ ) أَيْ الْمَالِ فَيُرَدُّ لِمَنْ عَرَفَ الثَّلَاثَةَ ( بِلَا يَمِينٍ ) مِنْهُ أَنَّهُ لَهُ فِيهَا مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَأَتَى مَنْ وَصَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعُدَّتَهَا لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَإِنْ أَبَى فَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ .
أَبُو عُمَرَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْعِفَاصَ الْخِرْقَةُ الْمَرْبُوطُ فِيهَا وَهُوَ لُغَةً مَا يُسَدُّ بِهِ فَمُ الْقَارُورَةِ وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ .
الْبَاجِيَّ هَلْ تَلْزَمُهُ يَمِينٌ إذَا وَصَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ ؟ الْمَشْهُورُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ .
( وَقُضِيَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( لَهُ ) أَيْ مَنْ عَرَفَ الثَّلَاثَةَ يَرُدُّهَا لَهُ فَيُقَدَّمُ ( عَلَى ذِي ) أَيْ عَارِفِ ( الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ ) وَادَّعَاهَا كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ .
أَصْبَغُ لَوْ عَرَفَ وَاحِدٌ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَوَصَفَ آخَرُ عَدَدَ الدَّنَانِيرِ وَوَزْنَهَا كَانَتْ لِمَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَحْدَهُ سُمِعَ أَشْهَبُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا اللُّقَطَةَ فَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَوَصَفَ الْآخَرُ عَدَدَهَا وَوَزْنَهَا فَقَالَ هِيَ لِلَّذِي عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ .
ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ إذَا جَاءَ وَحْدَهُ فَقِيلَ إنَّهَا تُدْفَعُ لَهُ بِالصِّفَةِ دُونَ يَمِينِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَقِيلَ لَا تُدْفَعُ لَهُ إلَّا بِيَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ ا هـ مِنْ الْبَيَانِ ، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعُ

أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهَا تُدْفَعُ لِوَاصِفِهَا إنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهَا ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ تُدْفَعُ لَهُ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ ؟ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا تُدْفَعُ لَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ .

وَإِنْ وَصَفَ ثَانٍ وَصْفَ أَوَّلٍ ؛ وَلَمْ يَبِنْ بِهَا : حَلَفَا ، وَقُسِمَتْ كَبَيِّنَتَيْنِ لَمْ تُؤَرِّخَا ؛ وَإِلَّا فَلِلْأَقْدَمِ

( وَإِنْ ) ادَّعَى اللُّقَطَةَ رَجُلٌ وَوَصَفَهَا وَصْفًا يَسْتَحِقُّهَا بِهِ وَادَّعَى آخَرُ وَ ( وَصَفَ ) اللُّقَطَةَ شَخْصٌ ( ثَانٍ وَصْفَ ) شَخْصٍ ( أَوَّلٍ ) أَيْ بِعَيْنِهِ ( لَمْ يَبِنْ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ لَمْ يَنْفَصِلْ الْأَوَّلُ ( بِهَا ) أَيْ بِاللُّقَطَةِ عَنْ مَجْلِسِ وَصْفِهَا بِأَنْ وَصَفَهَا الثَّانِي وَصْفَ الْأَوَّلِ قَبْلَ انْفِصَالِ الْأَوَّلِ بِهَا وَاشْتِهَارِ أَمْرِهَا ( حَلَفَا ) أَيْ الْوَاصِفَانِ ، أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْآخَرِ وَأَنَّهَا لَهُ ( وَقُسِمَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ اللُّقَطَةُ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْوَاصِفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ اخْتَصَّ الْحَالِفُ بِهَا .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُدْفَعُ لَهُمَا إنْ نَكَلَا ، فَإِنْ أَتَى الثَّانِي بَعْدَ أَنْ بَانَ بِهَا الْأَوَّلُ وَظَهَرَ أَمْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ وَصْفُ الثَّانِي وَتُدْفَعُ لِلْأَوَّلِ .
فِيهَا إنْ دَفَعَهَا لِمَنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَ مِثْلَ مَا وَصَفَ الْأَوَّلَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ تِلْكَ اللُّقَطَةَ كَانَتْ لَهُ فَلَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرٍ يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ بِهِ .
اللَّخْمِيُّ وَإِنْ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَاتَّفَقَتْ صِفَتُهُمَا اقْتَسَمَاهَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا ، فَإِنْ أَخَذَهَا أَحَدُهُمَا بِالصِّفَةِ ثُمَّ أَتَى الْآخَرُ فَوَصَفَ مِثْلَ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَبِينَ بِهَا وَيَظْهَرَ أَمْرُهَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ ظَهَرَ أَمْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الثَّانِي .
وَشَبَّهَ فِي حَلِفِهِمَا وَقَسْمِهَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ ( كَ ) إقَامَتِهِمَا ( بَيِّنَتَيْنِ ) مُتَكَافِئَتَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ مُتَعَارِضَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ بِأَنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا لِهَذَا وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لِلْآخَرِ ( لَمْ تُؤَرِّخَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ فَيَحْلِفَانِ وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ أُرِّخَتَا ( فَ ) اللُّقَطَةُ لِمُقِيمِ الْبَيِّنَةِ ( الْأَقْدَمِ ) تَارِيخًا .
اللَّخْمِيُّ إنْ أَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَةً اُنْتُزِعَتْ مِنْ الْأَوَّلِ

إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً فَيُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا ، وَإِنْ تَكَافَأَتَا بَقِيَتْ لِلْأَوَّلِ بِالصِّفَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي النَّوَادِرِ لِأَشْهَبَ زَادَ هَذَا إنْ لَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ وَإِنْ أُرِّخَتَا كَانَتْ لِأَوَّلِهِمَا مِلْكًا بِالتَّارِيخِ وَنَصُّ التَّوْضِيحِ أَشْهَبُ إنْ دَفَعَهَا لِلْأَوَّلِ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَةً أَيْضًا فَهِيَ لِأَوَّلِهِمَا مِلْكًا بِالتَّارِيخِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَارِيخٌ فَهِيَ لِأَعْدِلهُمَا ، فَإِنْ تَكَافَأَتَا كَانَتْ لِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهَا لَهُ وَلَا يُعْلِمُهَا لِلْآخَرِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الثَّانِي وَأَخَذَهَا ، فَإِنْ نَكَلَ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ بِلَا يَمِينٍ .
ابْنُ يُونُسَ يُحْتَمَلُ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ تُقْسَمَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَازَهَا الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَالٌ عُرِفَ أَصْلُهُ كَقَوْلِهِ فِيمَنْ وَرِثَ رَجُلًا بِوَلَاءٍ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَوْلَاهُ وَتَكَافَأَتَا فَالْمَالُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مَالٌ عُرِفَ أَصْلُهُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ أَشْهَبَ هُنَا .
ا هـ .
وَتَعَقَّبَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا النَّقْلِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَائِلًا لَعَلَّ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ طَرَفًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطَرَفًا مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ ، وَتَبِعَهُ الْبِسَاطِيُّ وتت ، وَرَدَّهُ الْفِيشِيُّ وطفي بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوَّلًا وَآخِرًا لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ أَشْهَبُ فِي التَّرْجِيحِ بِالْأَعْدَلِيَّةِ أَوْ تَقَدُّمِ التَّارِيخِ ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَشْهَبُ إلَّا بِبَقَائِهَا عِنْدَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ إذَا تَكَافَأَتَا وَالْمُصَنِّفُ خَالَفَ فِيهِ وَمَشَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا عَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لَهُ ، وَبِهِ تَعْلَمُ قُصُورَ نَقْلِ " ق " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
بُنَانِيٌّ وَنَصَّ طفي عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ فَانْظُرْ هَذَا مَعَ كَلَامِهِ هُنَا ا هـ كَلَامُ الشَّارِحِ ، وَتَبِعَهُ الْبِسَاطِيُّ

فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ ، وَحَكَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَشْهَبَ ، ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصٌّ ، ثُمَّ حَكَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْك بَعْدَ هَذَا السَّعْيِ فِي تَصْحِيحِ كَلَامِهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ كَذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَسَلَّمَ تت تَعَقَّبَ الشَّارِحِينَ وَقَدْ لَا يُسَلِّمُ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْأَعْدَلِيَّةِ وَالتَّارِيخُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَشْهَبَ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِهِ ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَشْهَبُ إلَّا بِبَقَائِهَا عِنْدَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ عِنْدَ تَكَافُئِهِمَا ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ ، وَيَدُلُّ لِهَذَا كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ التَّرْجِيحَ بِالتَّارِيخِ أَوْ الْأَعْدَلِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ سَكَتَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا تَبْقَى بِيَدِهِ عِنْدَ تَكَافُئِهِمَا ، قَالَ يُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ تُقْسَمَ إلَخْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَالْمُصَنِّفُ دَرَجَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَعَلَّ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ فِيهِ نَظَرٌ .

وَلَا ضَمَانَ عَلَى دَافِعٍ بِوَصْفٍ ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِغَيْرِهِ
( وَلَا ضَمَانَ عَلَى ) مُلْتَقِطِ ( دَافِعِ ) اللُّقَطَةَ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ وَوَصَفَهَا ( بِوَصْفٍ ) يُسَوِّغُ دَفْعَهَا لَهُ بِأَنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا أَوْ وِكَاءَهَا ثُمَّ أَتَى آخَرُ وَوَصَفَهَا مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ أَتَمَّ مِنْهُ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ ، بَلْ ( وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمَدْفُوعِ لَهُ الْأَوَّلُ ، فِيهَا إنْ دَفَعَهَا لِمَنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا مِثْلَ وَصْفِهَا الْأَوَّلِ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ اللُّقَطَةَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُهَا دَافِعُهَا لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرٍ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا بِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ دَافِعُهَا بِوَصْفٍ فَأَوْلَى دَافِعُهَا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ وَوَصَفَهَا أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ .

وَاسْتُؤْنِيَ بِالْوَاحِدَةِ إنْ جَهِلَ غَيْرَهَا لَا غَلِطَ عَلَى الْأَظْهَرِ ؛
( وَ ) إنْ ادَّعَى اللُّقَطَةَ شَخْصٌ وَوَصَفَ عِفَاصَهَا وَقَالَ لَمْ أَعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ ( اُسْتُؤْنِيَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ النُّونِ أَيْ لَا يُسْتَعْجَلُ فِي دَفْعِهَا لَهُ ( بِ ) الصِّفَةِ ( الْوَاحِدَةِ ) مِنْ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ لَا مِنْ غَيْرِهِمَا ، هَذَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي السَّمَاعِ ، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَاشِرٍ وَغَيْرُهُ ، عَسَى أَنْ يَأْتِيَ غَيْرُهُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُ فَتُدْفَعُ لَهُ ( إنْ جَهِلَ ) مُدَّعِيهَا ( غَيْرَهَا ) أَيْ الصِّفَةِ الَّتِي عَرَفَهَا ، أَيْ قَالَ لَمْ أَعْرِفْهَا ( لَا ) إنْ ( غَلِطَ ) فِي غَيْرِهَا بِأَنْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَقَالَ غَلِطْت فَلَا تُدْفَعُ لَهُ ( عَلَى الْأَظْهَرِ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ .
أَصْبَغُ لَوْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَحْدَهُ وَادَّعَى جَهْلَ مَا سِوَاهُ فَلْيُسْتَبْرَأْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أُعْطِيهَا .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا وَصَفَ الْعِفَاصَ أَوْ الْوِكَاءَ وَجَهِلَ الْآخَرُ أَوْ غَلِطَ فِيهِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَعْدَلُهَا عِنْدِي .
ثَالِثُهَا وَهُوَ إنْ ادَّعَى الْجَهْلَ اُسْتُبْرِئَ أَمْرُهُ وَإِنْ ادَّعَى الْغَلَطَ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَتَعَقَّبَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَمْرَيْنِ : الْأَوَّلُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ لَا إنْ غَلِطَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوْنِي ، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لَهُ ، وَبِتَعْجِيلِ دَفْعِهَا لَهُ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ .
وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِجَعْلِ أَلْ فِي الْوَاحِدَةِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ ، أَيْ مِنْ الْمَشْدُودِ فِيهِ وَالْمَشْدُودِ بِهِ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى إرَادَةِ عَدَمِ دَفْعِهَا مُطْلَقًا .
قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ ، فَإِنَّهُ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ .

وَلَمْ يَضُرَّ جَهْلُهُ بِقَدْرِهِ ؛
( وَلَمْ ) الْأَوْلَى لَا ( يَضُرَّ جَهْلُهُ ) أَيْ مُدَّعِي اللُّقَطَةِ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ الْمَالِ الْمُلْتَقَطِ إذَا عَرَفَ عِفَاصَهُ وَوِكَاءَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا وَجَهِلَ الْآخَرَ وَلَمْ يَأْتِ غَيْرُهُ مَعَ الِاسْتِينَاءُ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا جَهْلُهُ بِالْعَدَدِ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ ، وَكَذَلِكَ غَلَطُهُ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ لَا يَضُرُّهُ ، وَاخْتُلِفَ فِي غَلَطِهِ بِالنُّقْصَانِ

وَوَجَبَ أَخْذُهُ لِخَوْفِ خَائِنٍ : لَا إنْ عَلِمَ خِيَانَتَهُ هُوَ فَيَحْرُمُ ؛ وَإِلَّا كُرِهَ عَلَى الْأَحْسَنِ

( وَوَجَبَ أَخْذُهُ ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي وُجِدَ فِي غَيْرِ حِرْزِهِ وَخِيفَ ضَيَاعُهُ إنْ تُرِكَ فِي مَحَلِّهِ ( لِخَوْفِ ) أَخْذِ شَخْصٍ ( خَائِنٍ ) فِيهِ بِتَمَلُّكِهِ لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ وَاجِبٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي حُكْمِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ اضْطِرَابٌ .
ابْنُ رُشْدٍ يَلْزَمُ أَنْ يُؤْخَذَ اللَّقِيطُ وَلَا يُتْرَكَ لِأَنَّهُ إنْ تُرِكَ ضَاعَ وَهَلَكَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي لُقَطَةِ الْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ لَا يَخْشَى أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ عَلِمَهَا بَعْدَ تَعْرِيفِهِ إيَّاهَا وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ غَيْرِ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ فَأَخْذُهَا وَاجِبٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ ، وَالْإِمَامُ غَيْرُ عَدْلٍ ، لَكَانَ الِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا قَوْلًا وَاحِدًا ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ ظَنُّهُ مِنْ أَكْثَرِ الْخَوْفَيْنِ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا عَدَا لُقَطَةَ الْحَاجِّ ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا مَخَافَةَ أَنْ لَا يَجِدَ رَبَّهَا لِتَفَرُّقِ الْحُجَّاجِ إلَى بُلْدَانِهِمْ ، فَإِنْ الْتَقَطَهَا وَجَبَ فِي تَعْرِيفِهَا مَا يَجِبُ فِيمَا سِوَاهَا .
اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَتْ بَيْنَ نَاسٍ غَيْرِ مَأْمُونِينَ وَجَبَ حِفْظُهَا لِأَنَّ حِفْظَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَنْ لَا تَضِيعُ وَاجِبٌ ، وَيَجِبُ أَخْذُهُ لِخَوْفِ خَائِنٍ إنْ عَلِمَ وَاجِدُهُ أَمَانَةَ نَفْسِهِ ( لَا إنْ عَلِمَ ) وَاجِدُهُ ( خِيَانَتَهُ ) أَيْ وَاجِدِ الْمَالِ ( هُوَ ) تَأْكِيدٌ لِلْمَاءِ بِتَمَلُّكِهِ وَعَدَمِ تَعْرِيفِهِ ( فَيَحْرُمُ ) عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبَ أَخْذِهَا وَتَرْكِ الْخِيَانَةِ ، وَلَا يَكُونُ عِلْمُهُ خِيَانَةَ نَفْسِهِ عُذْرًا مُسْقِطًا عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْحَطّ ، وَنَصُّهُ وَالْأَظْهَرُ

مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِفْظِ أَنْ يَجِبَ الِالْتِقَاطُ ، وَلَا يُعَدُّ عِلْمُهُ خِيَانَةَ نَفْسِهِ مَانِعًا ، وَأَحْرَى خَوْفُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْخِيَانَةِ وَحِفْظُ الْمَالِ الْمَعْصُومِ ، وَقُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْحِفْظِ وَحْدَهُ ، وَمَنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ أَوْ شَكَّ فِيهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ الْحِفْظُ وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِ هَذَا فَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الِاسْتِحْبَابُ أَوْ الْوُجُوبُ لَوْ قِيلَ بِهِ لِوُجُوبِ إعَانَةِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ا هـ .
الْحَطّ كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَسَنٌ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنْ خَائِنٍ وَعَلِمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ ( كُرِهَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَخْذُهُ ( عَلَى الْأَحْسَنِ ) عِنْدَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَذَا خَوْفُ الْخَائِنِ مَعَ شَكِّهِ فِي أَمَانَةِ نَفْسِهِ .
طفي عِبَارَة الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَاصِرَةٌ عَنْ تَحْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ وَالِالْتِقَاطُ حَرَامٌ عَلَى مَنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ ، وَمَكْرُوهٌ لِلْخَائِفِ .
وَفِي الْمَأْمُونِ الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ وَالْوُجُوبُ إنْ خَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ .
خَلِيلٌ الْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا .
الثَّانِي أَنْ يَخَافَ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ .
الثَّالِثُ أَنْ يَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ ، وَهَذَا يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ أَمْ لَا ، فَإِنْ خَافَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَالثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالِ وَكُلُّهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَأَصْلُهُ كُلُّهُ لِلَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ ، فَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ وُجُوبَ الْتِقَاطِهَا لِخَوْفِ خَائِنٍ لِلْمَأْمُونِ

وَحُرْمَتَهُ عَلَى مَنْ عَلِمَ الْخِيَانَةَ مِنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا خَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ أَمْ لَا ، فَقَوْلُهُ وَوَجَبَ أَخْذُهُ لِخَوْفِ خَائِنٍ أَيْ مَعَ ثِقَتِهِ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا كُرِهَ النَّفْيُ بِلَا مَنْصِبٍ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْخَوَنَةَ وَلَا عَلِمَهَا مِنْ نَفْسِهِ كُرِهَ وَنَفْيُ عِلْمِهَا يَصْدُقُ بِالْخَوْفِ مِنْ نَفْسِهِ وَثِقَتِهِ بِهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ اقْتَصَرَ فِيهِ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَفِي الثَّانِي هِيَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَتَقْرِيرُ تت بِعَزْوِهِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاسْتِحْسَانُ بَعْضِهِمْ هُوَ فِي الثَّانِي فَقَطْ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ ، فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْمَالٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِي بَعْضِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ كَلَامُهُ غَيْرُ مُبَيَّنٍ ، ثُمَّ قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْوُجُوبِ بِعَدَالَةِ الْإِمَامِ وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ تَرَكْنَاهُ خَوْفَ الطُّولِ .

وَتَعْرِيفُهُ سَنَةً ، وَلَوْ كَدَلْوٍ لَا تَافِهًا ؛ بِمَظَانِّ طَلَبِهَا : بِكَبَابِ مَسْجِدٍ ، فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمِنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْهَا ، إنْ لَمْ يُعَرِّفْ مِثْلُهُ

( وَ ) وَجَبَ ( تَعْرِيفُهُ ) أَيْ الْمَالِ الْمُلْتَقَطِ ( سَنَةً ) فَوْرًا مِنْ حِينِ أَخْذِهِ ، فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ الْتَقَطَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا مَصُوغًا أَوْ عُرُوضًا أَوْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلْيُعَرِّفْهَا سَنَةً ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا وَإِلَّا فَلَا آمُرُهُ بِأَكْلِهَا كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا إلَّا أَنْ يُحِبَّ بَعْدَ السَّنَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ، وَيُخَيَّرُ صَاحِبُهَا إنْ جَاءَ فِي أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوَابُهَا أَوْ يَغْرَمَهَا لَهُ فِعْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَأَكْرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا قَبْلَ السَّنَةِ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الْيَسِيرَ .
أَبُو الْحَسَنِ الْكَرَاهَةُ هُنَا عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ .
اللَّخْمِيُّ إنْ أَمْسَكَهَا سَنَةً وَلَمْ يُعَرِّفْهَا ثُمَّ عَرَّفَهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَيَّدَ بِالسَّنَةِ .
وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ سَنَةً إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( كَدَلْوٍ ) وَمِخْلَاةٍ فَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ التَّعْرِيفِ سَنَةً بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشَارَ بِ وَلَوْ إلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّ الْيَسِيرَ يُعَرَّفُ أَيَّامًا بِمَظَانِّ طَلَبِهِ .
فِيهَا سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي لُقَطَةٍ مِثْلِ الدَّلْوِ وَالْحَبْلِ وَالْمِخْلَاةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ إنْ وُجِدَ بِطَرِيقٍ وُضِعَ بِأَقْرَبِ مَوْضِعٍ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ انْتَفَعَ بِهِ وَعَرَّفَهُ بِهِ وَالصَّدَقَةُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ .
ابْنُ رُشْدٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ هُوَ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ إنْ تُرِكَ ، وَيَبْقَى فِي يَدِ مُلْتَقِطِهِ إنْ الْتَقَطَهُ ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا جِدًّا لَا بَالَ لَهُ وَلَا قَدْرَ لَقِيمَتِهِ ، وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ لِتَفَاهَتِهِ ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُعَرَّفُ وَهُوَ لِوَاجِدِهِ إنْ شَاءَ أَكَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ ، أَصْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

{ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتهَا } وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَعْرِيفًا .
وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الَّذِي يَجِدُ السَّوْطَ وَالْعَصَا أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا إلَّا أَنَّ لَهُ قَدْرًا وَمَنْفَعَةً ، وَقَدْ يَشِحُّ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبُهُ ، فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَعْرِيفِهِ .
وَظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُعَرِّفُ سَنَةً .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنَّمَا يُعَرِّفُهُ أَيَّامًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
( لَا ) يَجِبُ أَنْ يُعَرِّفَ مَالًا ( تَافِهًا ) لَا تَلْتَفِتُ النُّفُوسُ إلَيْهِ كَفَلْسٍ وَتَمْرَةٍ وَكِسْرَةٍ وَهُوَ لِوَاجِدِهِ إنْ شَاءَ أَكَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ ( بِمَظَانِّ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِعْجَامِ الظَّاءِ وَشَدِّ النُّونِ ، أَيْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّ صَاحِبَ اللُّقَطَةِ يَطْلُبُهَا بِهَا ( بِكَبَابِ مَسْجِدٍ ) فِيهَا يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ حَيْثُ وَجَدَهَا وَعَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ يُعَرِّفُ حَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا هُنَاكَ أَوْ خَبَرَهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَمْرِ الْإِمَامِ .
ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْهُ سَمِعَ الْقَرِينَانِ أَيُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ فِي الْمَسْجِدِ ؟ فَقَالَ مَا أُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ تُعَرَّفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ مَشَى هَذَا الَّذِي وَجَدَهَا إلَى الْخَلْقِ فِي الْمَسْجِدِ يُخْبِرُهُمْ بِهَا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا .
وَفِي التَّمْهِيدِ التَّعْرِيفُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْت لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الْعَامَّةِ وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ .
وَيُعَرِّفُهُ ( فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ) مِنْ الْأَيَّامِ مَرَّةً ، رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ الْإِمَامِ

مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَنْبَغِي لِلَّذِي يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ أَنْ لَا يُرِيَهَا أَحَدًا وَلَا يُسَمِّيَهَا بِعَيْنِهَا وَيُعَمِّيَ بِهَا لِئَلَّا يَأْتِيَ مُتَحَيِّلٌ فَيَصِفَهَا بِصِفَةِ الْمُعَرِّفِ فَيَأْخُذَهَا وَلَيْسَتْ لَهُ ، وَلْيُعَرِّفْهَا بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ صَنْعَتَهُ وَيُعَرِّفُهَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ التَّعْرِيفِ ، وَيُعَرِّفُهُ ( بِنَفْسِهِ ) أَيْ وَاجِدِ الْمَالِ ( أَوْ بِمَنْ ) أَيْ شَخْصٍ أَوْ الشَّخْصِ الَّذِي ( يَثِقُ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ فَقَافٌ ، أَيْ يَطْمَئِنُّ ( بِهِ ) قَلْبُهُ وَيَعْتَقِدُ أَمَانَتَهُ وَصِدْقَهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ ( أَوْ ) بِمَنْ يَثِقُ بِهِ ( بِأُجْرَةٍ ) لِمُعَرِّفِهَا ( مِنْهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( إنْ لَمْ يُعَرِّفْ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا اللُّقَطَةَ ( مِثْلُهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ لِإِزْرَائِهِ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُعَرِّفُهَا فَلَا يَسْتَأْجِرُ عَلَى تَعْرِيفِهَا إلَّا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِالْتِقَاطِهِ كَأَنَّهُ الْتَزَمَ التَّعْرِيفَ بِنَفْسِهِ .
اللَّخْمِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعٍ تَعْرِيفِهَا بِنَفْسِهِ وَرَفْعِهَا إلَى السُّلْطَانِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَا يَتَشَاغَلُ عَنْ تَعْرِيفِهَا وَبِمُؤْتَمِنٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ وَاسْتِئْجَارِ مَنْ يُعَرِّفُهَا .
وَأَجَازَ ابْنُ شَعْبَانَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهَا عَلَيْهِ ، يُرِيدُ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ تَعْرِيفَهَا وَكَانَ مِثْلُهُ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا دَفَعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ لَمْ يُعَرِّفْهَا فَضَاعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
ابْنُ كِنَانَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيَعْمَلَ مَا شَاءَ .

وَبِالْبَلَدَيْنِ إنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا وَلَا يُذْكَرُ جِنْسُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ
( وَ ) تُعَرَّفُ ( بِالْبَلَدَيْنِ إنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْبَلَدَيْنِ اللَّخْمِيُّ إنْ وُجِدَتْ بِطَرِيقٍ بَيْنَ مَدِينَتَيْنِ عَرَّفَهَا فِيهِمَا وَكَذَا الْقَرْيَتَانِ وَالْمَدِينَةُ وَالْقَرْيَةُ ( وَلَا يَذْكُرُ ) الْمُعَرِّفُ ( جِنْسَهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هَلْ يُسَمِّي جِنْسَ اللُّقَطَةِ إذَا أَنْشَدَهَا .
وَإِنْ لَا يُسَمِّيَ أَحْسَنُ .

وَدُفِعَتْ لِحَبْرٍ ، إنْ وُجِدَتْ بِقَرْيَةِ ذِمَّةٍ
( وَدُفِعَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ اللُّقَطَةُ ( لِحَبْرٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ عَالِمٍ ذِمِّيٍّ ( إنْ وُجِدَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ اللُّقَطَةُ ( بَقَرِيَّةِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ كُفَّارٍ أَهْلِ ذِمَّةٍ ( رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ ) فِي اللُّقَطَةِ تُوجَدُ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ تُدْفَعُ إلَى أَحْبَارِهِمْ ، وَبَحَثَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ بِإِمْكَانِ كَوْنِهَا لِمُسْلِمٍ ، فَالِاحْتِيَاطُ تَعْرِيفُهَا أَوَّلًا سَنَةً ، ثُمَّ تُدْفَعُ لِحَبْرِهِمْ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهَا لَهُمْ ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا غَرَّمُوهَا لَهُ وَتُدْفَعُ لِأَحْبَارِهِمْ ابْتِدَاءً إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا لِأَهْلِ الذَّمَّةِ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ ، وَإِنْ قَالُوا إنَّ مِنْ دِينِهِمْ كَوْنَ لُقَطَةِ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ لَهُمْ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُدْفَعَ لِأَحْبَارِهِمْ ، وَتُوقَفُ أَبَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .

وَلَهُ حَبْسُهَا بَعْدَهُ أَوْ التَّصَدُّقُ أَوْ التَّمَلُّكُ وَلَوْ بِمَكَّةَ ضَامِنًا فِيهِمَا

( وَلَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ السَّنَةِ ( حَبْسُهَا ) أَيْ إبْقَاءُ اللُّقَطَةِ عِنْدَهُ وَدِيعَةً لِرَبِّهَا ( أَوْ التَّصَدُّقُ ) بِهَا عَنْ رَبِّهَا ، وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّمَلُّكِ .
( أَوْ التَّمَلُّكُ ) لَهَا أَيْ اقْتِرَاضُهَا لِنَفْسِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا دَفَعَهَا لَهُ فِي الْأَوَّلِ وَغَرِمَ لَهُ عِوَضَهَا فِي الْأَخِيرَيْنِ .
الْجَلَّابِ إنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَأْتِ طَالِبُهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْفَقَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا وَضَمِنَهَا أَوْ حَبَسَهَا لِيَأْتِيَ رَبُّهَا اللَّخْمِيُّ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عَرِّفْهَا سَنَةً ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا .
وَفِي الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ تُعَرِّفْ فَاسْتَنْفِقْهَا ، وَفِي النَّسَائِيّ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ خِلَافُهُ قَبْلَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا لِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَيْضًا .
وَفِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَنِيِّ ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَيَضْمَنَهَا .
ابْنُ وَهْبٍ قُلْت لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا شَأْنُهُ بِهَا قَالَ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَنْفَقَهَا ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ بَعْدَ الْحَوْلِ ، هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَوْلُهُ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَتَمَلُّكُهَا بَعْدَ السَّنَةِ إنْ الْتَقَطَهَا بِغَيْرِ مَكَّةَ ، بَلْ ( وَلَوْ ) الْتَقَطَهَا ( بِمَكَّةَ ) حَكَاهُ

ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
الْمَازِرِيُّ حُكْمُ لُقَطَةِ مَكَّةَ حُكْمُ لُقَطَةِ سَائِرِ الْبِلَادِ ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى خِلَافِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ لُقَطَتَهَا لَا تُمْلَكُ لِخَبَرِ لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ هَذَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ إلَّا بِمَكَّةَ إذْ لُقَطَتُهَا لَا تُسْتَبَاحُ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً ، وَعَلَى مُلْتَقِطِهَا تَعْرِيفُهَا أَبَدًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ } .
ابْنُ زَرْقُونٍ كَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ .
وَلِابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .
لُقَطَةُ مَكَّةَ كَغَيْرِهَا ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ { لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ } تَأْكِيدًا لِلْإِعْلَامِ لِسَنَةِ اللُّقَطَةِ لِكَثْرَتِهَا بِمَكَّةَ .
الْمَازِرِيُّ حُكْمُ لُقَطَةِ مَكَّةَ حُكْمُ لُقَطَةِ سَائِرِ الْبِلَادِ ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْرِيفِ لِرُجُوعِ رَبِّهَا لِبَلَدِهِ وَعَدَمِ عَوْدِهِ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا لَهُ .
عِيَاضٌ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ كَغَيْرِهَا .
اللَّخْمِيُّ ابْنُ الْقَصَّارِ حُكْمُ اللُّقَطَةِ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا " لُقَطَةُ مَكَّةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا وَهُوَ أَبْيَنُ لِلْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ ، فَلَوْ كَانَتْ كَغَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى .
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلِأَنَّ غَالِبَ مَنْ حَجَّ عَدَمُ رُجُوعِهِ لِمَكَّةَ فِي عَامِهِ ، بَلْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ ، فَلَا يَكُونُ مُرُورُ السَّنَةِ دَلِيلًا عَلَى الْإِيَاسِ مِنْ رَبِّهَا .
ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لُقَطَةُ مَكَّةَ كَسَائِرِ اللُّقَطِ ، وَتَكَلَّمَ عُلَمَاؤُنَا فِي الِاحْتِجَاجِ لَهُ وَالِانْفِصَالِ عَنْ الْحَدِيثِ ، وَلَمْ أَرَ مُخَالَفَةَ الْحَدِيثِ وَلَا تَأْوِيلَ مَا لَا يَقْبَلُهُ .
قُلْت

وَالِانْفِصَالُ عَنْ الْحَدِيثِ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مِنْ تَقْدِيمِهِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وَاضِحٌ ، وَيُقَالُ جَاءَ الْحَدِيثُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّعْرِيفِ بِمَكَّةَ لِغَلَبَةِ تَفَرُّقِ الْحُجَّاجِ مُشَرِّقِينَ وَمُغَرِّبَيْنِ وَمَدِّ الْمَطَايَا أَعْنَاقَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعْرِيفِ ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهَا كَغَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ صَاحِبِهَا بِمَكَّةَ أَوْ تَوْكِيلِهِ مُقِيمًا بِهَا عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ الْمُتَصَدِّقِ أَوْ الْمُتَمَلِّكِ بَعْدَ السَّنَةِ ( ضَامِنًا ) اللُّقَطَةَ لِمُسْتَحِقِّهَا إذَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ( فِيهِمَا ) أَيْ التَّصَدُّقِ وَالتَّمَلُّكِ .

: كَنِيَّةِ أَخْذِهَا قَبْلَهَا

وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَنِيَّةِ ) الْمُلْتَقِطِ لِ ( أَخْذِهَا ) أَيْ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ ( قَبْلَ ) تَمَامِ ( هَا ) أَيْ السَّنَةِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ هِيَ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ اخْتِزَالَهَا فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبِ ، وَفِيهَا إذَا ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَضْمَنُهَا .
أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَخَذْتهَا لِتَذْهَبَ بِهَا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لَا أَعْرِفُهَا صُدِّقَ الْمُلْتَقِطُ .
أَشْهَبُ بِلَا يَمِينٍ قَرَّرَ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِمَا تَقَدَّمَ وَدَرَج عَلَيْهِ فِي شَامِلِهِ فَقَالَ وَلَوْ نَوَى أَكْلَهُ قَبْلَ الْعَامِ ضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ ا هـ .
الشَّارِحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إذَا تَلِفَ بَعْدَهَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ قَالَ الْمَشْهُورُ أَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا فِعْلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ قَبْلَهَا لِلُّقَطَةِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ اللُّقَطَةَ نَوَى أَخْذَهَا لِتَمَلُّكِهَا قَبْلَ الْتِقَاطِهَا وَتَبِعَهُ الْبِسَاطِيُّ .
الْحَطّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ لَمْ يَقُلْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَمَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَبَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا رَدَّهَا لِمَوْضِعِهَا أَوْ غَيْرِهِ ضَمِنَهَا ، فَإِنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ سَاعَتِهِ كَمَنْ مَرَّ فِي إثْرِ رَجُلٍ فَوَجَدَ شَيْئًا فَأَخَذَهُ وَصَاحَ بِهِ أَهَذَا لَك فَقَالَ لَا فَتَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي وَاجِدِ كِسَاءٍ بِإِثْرِ رُفْقَةٍ فَأَخَذَهُ وَصَاحَ أَهَذَا لَكُمْ فَقَالُوا لَا فَرَدَّهُ ، قَالَ قَدْ أَحْسَنَ فِي رَدِّهِ وَلَا يَضْمَنُهُ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ لِيُعَرِّفَهَا اُنْظُرْ هَلْ تَعْرِيفًا عَامًّا الَّذِي هُوَ السَّنَةُ ، أَوْ تَعْرِيفًا خَاصًّا كَوَاجِدِ الْكِسَاءِ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَهَلْ تُوجِبُ النِّيَّةُ بِمُجَرَّدِهَا شَيْئًا أَوْ لَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ } ، فَمَنْ نَوَى قُرْبَةً فَلَا تَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا قَوْلٌ كَالنَّذْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ كَصَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ فَهَذَا يَلْزَمُ إتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ كَالْجِوَارِ وَقِرَاءَةِ أَحْزَابٍ فَمَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَ وَمَا لَمْ يَأْتِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ ، وَالتَّعْرِيفُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَلَيْسَ فِيمَا يَأْتِي إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ ا هـ .
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ أَيْ وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ إذَا نَوَى لَمَّا وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَخَذَهَا تَمَلُّكًا ، وَهَذِهِ النِّيَّةُ قَبْلَ أَخْذِهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا صَارَ كَالْغَاصِبِ ، فَإِنْ قُلْت حَمَلْت اللَّفْظَ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ ، قُلْت بَلْ يَحْتَمِلُ ، وَغَايَةُ مَا يُورَدُ أَنِّي غَيَّرْت الْأَخْذَ حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَى الْمَنْصُوصُ ، وَقَدَّرْت مُضَافًا مَحْفُوظًا بَعْدَ قَبْلُ ، أَيْ قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ ، وَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ مَعْنًى وَلَا نَقْلًا .
ا هـ .
فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي قَوْلِهِ ، وَظَاهِرُ إلَخْ وَاحْتِجَاجَهُ بِكَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اتِّفَاقًا فَيَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ فَأَوَّلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لِيُوَافِقَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الضَّمَانَ إذَا أَخَذَهَا بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهَا .
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهِيَ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ اخْتِزَالَهَا فَتَصِيرَ كَالْمَغْصُوبِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ اللُّقَطَةَ بِيَدِ مُتَلَقِّطِهَا عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الشَّرْعِ ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا مَا لَمْ يَنْوِ اغْتِيَالًا وَغَصْبًا ، فَإِنْ نَوَاهُ ضَمِنَهَا

كَالْغَاصِبِ ، وَهَذَا بَيِّنٌ إذَا كَانَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ حِينَ الْتَقَطَهَا ، وَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ هَذِهِ النِّيَّةُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ جَرَى ذَلِكَ عَلَى تَبَدُّلِ النِّيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْقَوْلَ بَلَغُوا أَثَرَ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ لَا مَعَ تَغَيُّرِ بَقَائِهَا عَمَّا كَانَتْ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِتَأْثِيرِ النِّيَّةِ وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ السَّابِقَةُ عَنْ نِيَّةِ الِاغْتِيَالِ كَانَتْ مَقْرُونَةً بِالتَّعْرِيفِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَيْهِ ، وَهِيَ بَعْدَهَا مَقْرُونَةٌ بِنَقِيضِ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْفِعْلِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ اتِّفَاقًا وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَنْظُرَ لِحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ .
ا هـ .
وَكَذَلِكَ هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةٍ لِلشَّامِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلِ الْبِسَاطِيِّ .
ا هـ .
كَلَامُ الْحَطّ .
طفي أَتَى أَبُو الْحَسَنِ بِمَا قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَصَحَّ اسْتِدْلَالُ الشَّارِحِ بِهِ هُنَا ، وَسَقَطَ تَوَرُّكُ الْحَطّ عَلَيْهِ .
وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ تَحَامُلٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِنَقِيضِ مَا اخْتَارَهُ هُنَا فَقَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا أَوْ التَّصَدُّقِ بِهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ ذَلِكَ ، قَبِلَهُ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ بِتَأْثِيرِ النِّيَّةِ ، وَلَمْ أَعْرِفُهُ نَصًّا ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَأْثِيرِ النِّيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي النِّيَّةِ الْمُسْتَنِدَةِ لِعَقْدٍ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِتَأْثِيرِهَا لَمْ أَعْرِفْهُ إلَّا لِابْنِ بَشِيرٍ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي تَخْرِيجِهِ جَوَازَ صَرْفِ الْوَدِيعَةِ وَمَنْعَهُ عَلَى تَأْثِيرِ النِّيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ فِي الْحُكْمِ وَلَغْوِهَا ، وَالنِّيَّةُ فِي الْوَدِيعَةِ مُسْتَنِدَةٌ لِعَقْدٍ ، وَلِذَا عَبَّرَ الْمَازِرِيُّ عَنْ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي صَرْفِ الْوَدِيعَةِ

بِقَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى وَقْفِ انْتِقَالِ ضَمَانِهَا عَلَى قَبْضِهَا وَحُصُولِهِ بِالْعَقْدِ ، فَلَمْ يُعَلِّلْ ضَمَانَهَا إلَّا بِالْعَقْدِ لَا بِالنِّيَّةِ ، وَالْعَقْدُ أَقْوَى مِنْهَا ا هـ .
وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ عَقْدُ الصَّرْفِ فَظَهَرَ ، أَنَّ الصَّوَابَ التَّقْرِيرُ الثَّانِي وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَذَلِكَ مَفْرُوضَةٌ فَفِي الْجَوَاهِرِ هِيَ مَغْصُوبَةٌ فِي يَدِ مَنْ أَخَذَهَا بِقَصْدِ الِاخْتِزَالِ .
الْبُنَانِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ وَ " ح " لِأَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِيَالِ هُنَا لَمْ تَتَجَرَّدْ ، بَلْ قَارَنَهَا الْكَفُّ عَنْ التَّعْرِيفِ وَلَا حُجَّةَ لطفي فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ بَعْدُ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ فِي نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَالنِّيَّةُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدَةٌ عَنْ تَغَيُّرِ وَصْفِ الْيَدِ لِأَنَّهُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ سَقَطَ عَنْهُ التَّعْرِيفُ ، فَتَمَسُّكُهُ بِهِ غَفْلَةٌ وَاضِحَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ ، إلَّا بِقُرْبٍ : فَتَأْوِيلَانِ .

( وَ ) كَ ( رَدَّهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ لِمَوْضِعِهَا الَّذِي وُجِدَتْ بِهِ وَأَوْلَى لِغَيْرِهِ ( بَعْدَ أَخْذِهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( لِلْحِفْظِ ) وَالتَّعْرِيفِ وَطُولِ الزَّمَانِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَتَلِفَتْ فَيَضْمَنُهَا وَهَذَا فِي أَخْذِهَا الْمَكْرُوهِ لَا الْوَاجِبِ لِضَمَانِهَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِهَا وَلَا الْحَرَامِ لِضَمَانِهَا بِأَخْذِهَا إنْ لَمْ يَرُدَّهَا لِمَكَانِهَا ، فَإِنْ رَدَّهَا لَهُ فَلَا يَضْمَنُهَا لِوُجُوبِ رَدِّهَا حِينَئِذٍ ( إلَّا ) رَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ ( بِقُرْبٍ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مِنْ وَقْتِ أَخْذِهَا ( فَ ) فِي ضَمَانِهَا إذَا تَلِفَتْ وَعَدَمِهِ ( تَأْوِيلَانِ ) الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ ، وَالثَّانِي لِلَّخْمِيِّ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَبَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا رَدَّهَا لِمَوْضِعِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ ضَمِنَهَا ، وَأَمَّا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا مَكَانَهُ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَنْ مَرَّ فِي إثْرِ رَجُلٍ فَوَجَدَ شَيْئًا فَأَخَذَهُ وَصَاحَ بِهِ أَهَذَا لَك فَقَالَ لَا فَتَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي وَاجِدِ الْكِسَاءِ فِي إثْرِ رُفْقَةٍ فَأَخَذَهُ وَصَاحَ بِهِ أَهَذَا لَكُمْ فَقَالُوا لَا فَرَدَّهُ ، قَالَ قَدْ أَحْسَنَ فِي رَدِّهِ فَلَا يَضْمَنُ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ لِيُعَرِّفَهَا اُنْظُرْ هَلْ تَعْرِيفًا عَامًّا الَّذِي هُوَ السَّنَةُ ، أَوْ تَعْرِيفًا خَاصًّا كَوَاجِدِ الْكِسَاءِ .
عِيَاضٌ اخْتَلَفَ تَأْوِيلُ الشُّيُوخِ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقِيلَ إنَّ الثَّانِيَةَ بِخِلَافِ الْأُولَى ، وَأَنَّهُ ضَمِنَهُ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ فَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ، وَحَكَى هَذَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا بِالْقُرْبِ ، وَقَدْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ تَعْرِيفِهَا وَإِلَيْهِ نَحَا اللَّخْمِيُّ ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً الْمَسْأَلَةَ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى

أَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ فِي الْأُولَى إذَا لَمْ يَرُدَّهَا بِالْقُرْبِ لِقَوْلِهِ فَبَعْدَ أَنْ حَازَهَا وَبَانَ بِهَا وَلَمْ يَضْمَنْهُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ رَدَّهَا بِالْقُرْبِ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ اللَّخْمِيِّ ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَهُ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ تَعْرِيفِهَا فَلَزِمَهَا حِفْظُهَا فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَالثَّانِيَةُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ الْعَامِّ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ .
الشَّيْخُ وَهَلْ تُوجِبُ النِّيَّةُ بِمُجَرَّدِهَا شَيْئًا أَمْ لَا ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ } ، فَمَنْ نَوَى قُرْبَهُ فَلَا تَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا قَوْلٌ كَالنَّذْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ ، ثُمَّ هَذَا الْعَمَلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَتَجَزَّأُ كَصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ فَهَذَا يَلْزَمُ إتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ ، وَإِمَّا أَنْ يَتَجَزَّأَ كَالْجِوَارِ وَقِرَاءَةِ أَحْزَابٍ ، فَمَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَ ، وَمَا لَمْ يَأْتِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ .
وَالتَّعْرِيفُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فِيمَا يَأْتِي إلَّا مُجَرَّدَ النِّيَّةِ فَانْظُرْهُ .
ا هـ .
فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ إمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا بِنِيَّةِ تَعْرِيفِهَا ، وَإِمَّا بِنِيَّةِ اغْتِيَالِهَا ، وَإِمَّا بِنِيَّةِ سُؤَالٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يَرُدَّهَا ، فَفِي الثَّالِثِ يُفَرَّقُ بَيْنَ رَدِّهَا بِبُعْدٍ فَيَضْمَنُ وَبِقُرْبٍ فَلَا يَضْمَنُ ، وَفِي الثَّانِي رَدُّهَا وَاجِبٌ فَلَا ضَمَانَ بِهِ مُطْلَقًا ، وَفِي الْأَوَّلِ يَضْمَنُ إنْ رَدَّهَا بِبُعْدٍ ، وَفِي الْقُرْبِ تَأْوِيلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَذُو الرِّقِّ كَذَلِكَ ، وَقَبْلَ السَّنَةِ فِي رَقَبَتِهِ
( وَذُو ) أَيْ صَاحِبُ ( الرِّقِّ ) أَيْ الشَّخْصِ الْمُتَّصِفِ بِالرِّقِّيَّةِ قِنًّا كَانَ أَوْ ذَا شَائِبَةٍ حُكْمُهُ فِي الْتِقَاطِ اللُّقَطَةِ وَتَعْرِيفِهَا سَنَةً وَفِعْلِهِ بِهَا مَا يَشَاءُ بَعْدَهَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ الْحُرِّ ( وَ ) إنْ تَمَلَّكَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا ( قَبْلَ ) تَمَامِ ( السَّنَةِ فَ ) هِيَ ( فِي رَقَبَتِهِ ) فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إسْقَاطُهَا عَنْهُ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْهَا ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِدَائِهِ بِعِوَضِهَا وَإِسْلَامِهِ فِيهَا ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ تَعْرِيفِهَا لِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ عَنْ خِدْمَتِهِ .
وَمَفْهُومُ قَبْلَ السَّنَةِ أَنَّهَا بَعْدَهَا فِي ذِمَّتِهِ كَالْحُرِّ وَهُوَ كَذَالِك .
اللَّخْمِيُّ إذَا الْتَقَطَ الرَّقِيقُ لُقَطَةً عَرَّفَهَا وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ فِيهَا ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا قَبْلَ السَّنَةِ كَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَهَا فَلَا تَكُونُ إلَّا فِي ذِمَّتِهِ ابْنُ يُونُسَ وَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ إسْقَاطُهَا عَنْهُ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْهَا وَلَوْلَا الشُّبْهَةُ لَكَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ جَعَلَهَا بَعْدَ السَّنَةِ فِي ذِمَّتِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا } .

وَلَهُ أَكْلُ مَا يَفْسُدُ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ ، وَشَاةٍ : بِفَيْفَاءَ : كَبَقَرٍ بِمَحَلِّ خَوْفٍ ، وَإِلَّا تُرِكَتْ كَإِبِلٍ ، وَإِنْ أَخَذَتْ : عُرِّفَتْ ، ثُمَّ تُرِكَتْ بِمَحَلِّهَا .

وَلَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ ( أَكْلُ مَا يَفْسُدُ ) بِالتَّأْخِيرِ كَطَرِيِّ لَحْمٍ وَفَاكِهَةٍ إنْ وُجِدَ بِغَيْرٍ قُرْبِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) وَجَدَهُ ( بِقُرْبِهِ ) وَلَا يَضْمَنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَوْلَى وَأَكْلُهُ أَوْلَى مِنْ طَرْحِهِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ الْتَقَطَ مَا لَا يَبْقَى مِنْ الطَّعَامِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ .
ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ أَكَلَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ ( وَ ) لَهُ أَكْلُ ( شَاةٍ ) وَجَدَهَا ( بِفَيْفَاءَ ) بِفَتْحِ الْفَاءَيْنِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ مَمْدُودًا ، أَيْ صَحْرَاءُ لَا عِمَارَةَ بِهَا وَلَا مَاءَ وَلَا عُشْبَ .
ابْنُ رُشْدٍ مَا لَا يَبْقَى بِيَدِ مُلْتَقِطِهِ وَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ إنْ تَرَكَهُ كَالشَّاةِ فِي الْفَيْفَاءِ وَالطَّعَامِ الَّذِي لَا يَبْقَى فَإِنَّ هَذَا يَأْكُلُهُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ { هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ } فَأَوْجَبَهَا لَهُ مِلْكًا .
وَاخْتُلِفَ إنْ وُجِدَ هَذَا الطَّعَامُ الَّذِي يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَلَا يَبْقَى فِي الْحَاضِرَةِ وَحَيْثُ النَّاسُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ أَكْلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ .
وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ وَجَدَ ضَالَّةَ الْغَنَمِ بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ عَرَّفَ بِهَا فِي أَقْرَبِ الْقُرَى إلَيْهِ ، وَلَا يَأْكُلُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي فَلَوَاتِ الْأَرْضِ وَالْمَهَامِهِ أَكَلَهَا وَلَا يُعَرِّفُ بِهَا ، وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّهَا شَيْئًا .
الْحَطّ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا آخَرَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ كَوْنُهَا بِعُسْرِ حَمْلِهَا ، وَ أَقَرَّهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، الثَّانِي لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْسُرْ حَمْلُهَا لَلَزِمَهُ حَمْلُهَا ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا .
وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ فَقَالَ ( كَبَقَرٍ ) وُجِدَتْ ( بِمَحَلِّ خَوْفٍ ) عَلَيْهَا مِنْ سِبَاعٍ وَنَحْوَهَا وَجُوعٍ وَعَطَشٍ وَعُسْرِ سَوْقِهَا

لَلْعُمْرَانِ فَيَجُوزُ لِوَاجِدِهَا أَكْلُهَا وَلَا يَضْمَنُهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْبَقَرُ بِمَحَلِّ خَوْفٍ ( تُرِكَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنْ الْمُخْتَلِطَةِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ ضَالَّةُ الْبَقَرِ إنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يُخَافُ عَلَيْهَا فِيهِ مِنْ السِّبَاعِ وَالذِّئَابِ فَهِيَ كَالْغَنَمِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ السِّبَاعِ فَهِيَ كَالْإِبِلِ .
وَشَبَّهَ فِي التَّرْكِ فَقَالَ ( كَ ) ضَالَّةِ ( إبِلٍ ) فَيَجِبُ تَرْكُهَا بِمَحَلِّ وُجُودِهَا وَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا ( فَإِنْ أُخِذَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ اُلْتُقِطَتْ ضَالَّةُ الْإِبِلِ ( عُرِّفَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ضَالَّةُ الْإِبِلِ سَنَةً ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحِقُّهَا ( تُرِكَتْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ضَالَّةُ الْإِبِلِ ( بِمَحَلِّهَا ) الَّذِي وُجِدَتْ بِهِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَجَدَ ضَالَّةَ الْإِبِلِ بِفَلَاةٍ تَرَكَهَا ، فَإِنْ أَخَذَهَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا وَلَا بَيْعُهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَبَّهَا فَلْيُخَلِّهَا بِالْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ الْحَطّ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ ، وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِزَمَانِ الْعَدْلِ وَصَلَاحِ النَّاسِ .
وَأَمَّا فِي الزَّمَنِ الَّذِي فَسَدَ فِيهِ النَّاسُ فَالْحُكْمُ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا فَإِنْ لَمْ تُعَرَّفْ بِيعَتْ وَوَقَفَ ثَمَنُهَا لِصَاحِبِهَا ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِهِ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا دَخَلَ النَّاسَ فِي زَمَنِهِ الْفَسَادُ ، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ صَمِيمُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَدَمُ الْتِقَاطِهَا مُطْلَقًا ، وَ أَقَرَّهُ الْمُوَضِّحُ ، وَ ظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يُخَافُ عَلَيْهَا فِيهِ مِنْ السِّبَاعِ أَمْ لَا .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ اُخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ الْإِبِلُ بَعِيدَةً مِنْ الْعُمْرَانِ حَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ السِّبَاعِ فَقِيلَ

إنَّهَا كَالْغَنَمِ لِوَاجِدِهَا أَكْلُهَا .
وَقِيلَ تُؤْخَذُ فَتُعَرَّفُ .
إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي جَلْبِهَا ا هـ .
وَنَقَلَ الْخِلَافَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُوَضِّحُ أَيْضًا عَنْ غَيْرِ الْمُقَدِّمَاتِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا تُلْتَقَطُ الْإِبِلُ فِي الصَّحْرَاءِ .
الْمُوَضِّحُ نَحْوَهُ .
فِي الْمُدَوَّنَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ مَفْهُومًا ثُمَّ هُوَ يَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْتِقَاطُهَا حَيْثُ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَامْتِنَاعُهُ حَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ أَوْلَى ، وَالْمُخَالَفَةُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تُلْتَقَطُ فِي الْعُمْرَانِ لِسُهُولَةِ وِجْدَانِ رَبِّهَا وَلِأَنَّهَا فِي الْعُمْرَانِ لَا تَجِدُ مَا تَأْكُلُ فَتَهْلِكُ جُوعًا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلُ أَسْعَدُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ .
وَالثَّانِي أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ .

وَكِرَاءُ بَقَرٍ وَنَحْوَهَا فِي عَلَفِهَا : كِرَاءً مَضْمُونًا
( وَ ) لَهُ ( كِرَاءُ بَقَرٍ ) مُلْتَقَطَةٍ ( وَنَحْوَهَا ) كَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَيُصْرَفُ كِرَاؤُهَا ( فِي عَلَفِهَا كِرَاءً مَضْمُونًا ) أَيْ مَأْمُونًا وَعَاقِبَتُهُ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا الْهَلَاكُ مِنْهُ .
وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي عَلَفِهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ كِرَاؤُهَا لِغَيْرِهِ .
اللَّخْمِيُّ ضَالَّةُ الْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدَّوَابِّ يُمْنَعُ أَخْذُهَا إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعِ رَيٍّ وَمَاءٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا السِّبَاعُ وَلَا بَأْسٌ ، فَإِنْ انْخَرَمَ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أُخِذَتْ وَلَيْسَ لِهَذِهِ صَبْرٌ عَنْ الْمَاءِ كَالْإِبِلِ ، فَإِنْ أُخِذَتْ عُرِّفَتْ حَوْلًا إذَا تَكَلَّفَ ذَلِكَ وَاجِدُهَا وَلَمْ يَلْحَقْ صَاحِبَهَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ مَضَرَّةٌ .
فَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَيْعِهَا فِي أَمْنٍ وَحِفْظٍ أَوْ تُؤَاجَرُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ مِنْ النَّفَقَةِ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَإِنْ خِيفَ خُرُوجُهَا إلَى الرَّعْيِ اُسْتُؤْجِرَتْ فِي مَأْمُونٍ مِنْ الْأَعْمَالِ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُهُ مِنْ النَّفَقَةِ ، فَإِنْ لَمْ تُوفِ الْإِجَارَةُ بِعَلَفِهَا أَوْ قَالَ وَاجِدُهَا لَا أَتَكَلَّفُ الصَّبْرَ عَلَيْهَا بِيعَتْ ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهَا .

رُكُوب دَابَّةٍ مُلْتَقَطَة مِنْ مَوْضِع الْتِقَاطهَا لِمَوْضِعِهِ أَيْ الْمُلْتَقَط وَرُكُوبُ دَابَّةٍ لِمَوْضِعِهِ وَإِلَّا ضَمِنَ ، وَغَلَّاتُهَا دُونَ نَسْلِهَا
( وَ ) لَهُ ( رُكُوبُ دَابَّةٍ ) مُلْتَقَطَةٍ مِنْ مَوْضِعِ الْتِقَاطِهَا ( لِمَوْضِعِهِ ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْهَا لِمَوْضِعِهِ بِأَنْ رَكِبَهَا لِغَيْرِهِ ( ضَمِنَ ) قِيمَتَهَا إنْ هَلَكَتْ بِسَبَبِ رُكُوبِهَا وَأُجْرَتِهَا إنْ سَلِمَتْ .
مُطَرِّفٌ لِوَاجِدِ ضَالَّةِ الدَّوَابِّ رُكُوبُهَا إلَى مَوْضِعِهِ لَا فِي حَوَائِجِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا ( وَ ) لَهُ ( غَلَّاتُهَا ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ اللَّامِ .
" غ " الْمُرَادُ بِالْغَلَّةِ هُنَا لَبَنُهَا وَزُبْدُهَا وَسَمْنُهَا دُونَ صُوفِهَا وَدُونَ كِرَائِهَا ، بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ الْكِرَاءِ ، وَالصُّوفُ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّسْلِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ ، بِخِلَافِ وَلَدٍ وَثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ وَصُوفٍ تَمَّ أَوْ لَا ( دُونَ نَسْلِهَا ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ نِتَاجُ الضَّالَّةِ مِثْلُهَا وَلَبَنُهَا .
عِيسَى لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نِتَاجِهَا وَخَفَّفَ أَكْلَ لَبَنِهَا يُرِيدُ بِقَدْرِ قِيَامِهِ عَلَيْهَا ، لِأَنَّهُ كَالْوَصِيِّ فِي مَالِ يَتِيمَتِهِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَهُ قَدْرٌ يَشِحُّ بِهِ رَبُّهُ كَلُقَطَةٍ وَمَا لَا يَشِحُّ بِهِ لَهُ أَكْلُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ نَسْلُ الضَّالَّةِ الْمُعَرَّفَةِ وَصُوفُهَا مِثْلُهَا فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ .
وَأَمَّا مَنَافِعُ اللُّقَطَةِ وَغَلَّاتُهَا وَلَبَنُهَا فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِلْمُلْتَقِطِ وَلَا يُتْبَعُ بِذَلِكَ ، وَيُتْبَعُ بِهَا وَبِنَسْلِهَا خَاصَّةً .
وَقِيلَ يُتْبَعُ بِالْجَمِيعِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَ الْبَقَرَ وَغَيْرَهُ فِي عَلَفِهَا كِرَاءً مَأْمُونًا ، وَلَهُ الرُّكُوبُ ، وَلَهُ بَيْعُ مَا يُخَافُ ضَيَاعُهُ وَتَلَفُهُ

وَخُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ فَكِّهَا بِالنَّفَقَةِ أَوْ إسْلَامِهَا
.
( وَ ) إنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ نَفَقَةً ( خُيِّرَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً ( رَبُّهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( بَيْنَ فَكِّهَا بِ ) دَفْعِ عِوَضِ ( النَّفَقَةِ ) لِلْمُلْتَقِطِ ( وَإِسْلَامِهَا ) لِمُلْتَقِطِهَا فِي النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَيْهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَا أُنْفِقَ عَلَى الدَّوَابِّ أَوْ مَا اُلْتُقِطَ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ إبِلٍ ، كَأَنْ أَسْلَمَهَا رَبُّهَا أَوْ غَنَمٍ أَوْ مَتَاعٍ أُكْرِيَ عَلَى حَمْلِهِ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ دُونَهُ فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ حَتَّى يَدْفَعَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَسْلَمَهُ رَبُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَفِي رُهُونِهَا الْمُنْفِقُ عَلَى الضَّالَّةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نَفَقَتَهُ .
الشَّيْخُ فِي كُتُبِ أَشْهَبَ وَغَيْرِهَا لِرَبِّ الدَّوَابِّ وَالْمَاشِيَةِ أَخْذُهَا وَإِسْلَامُهَا ، فَإِنْ أَسْلَمَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَخْذُهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا فِي الْآبِقِ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ .

وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَهَا فَمَا لِرَبِّهَا إلَّا الثَّمَنُ
( وَإِنْ بَاعَهَا ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ ( بَعْدَهَا ) أَيْ السَّنَةِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا ( فَمَا ) أَيْ لَيْسَ ( لِرَبِّهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( إلَّا الثَّمَنُ ) الَّذِي بِيعَتْ بِهِ ، سَوَاءٌ بِيعَتْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ بَيْعِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا إنْ بِيعَتْ اللُّقَطَةُ بَعْدَ السَّنَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ، وَإِنْ بِيعَتْ دُونَ أَمْرِ الْإِمَامِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُ ثَمَنِهَا مِمَّنْ قَبَضَهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الدَّوَابِّ إذَا بِيعَتْ .
ابْنُ يُونُسَ جَعَلَ أَشْهَبُ بَيْعَ الثِّيَابِ بَعْدَ السَّنَةِ دُونَ أَمْرِ الْإِمَامِ تَعَدِّيًا ، وَجَعَلَهُ يَنْقُضُ الْبَيْعَ فِي الدَّوَابِّ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَشَأْنَكَ بِهَا } فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِهَذَا أَبْيَنُ .

بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهَا بِيَدِ الْمِسْكَيْنِ ؛ أَوْ مُبْتَاعٍ مِنْهُ : فَلَهُ أَخْذُهَا ؛ وَلِلْمُلْتَقِطِ : الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا ، إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ،

( بِخِلَافِ ) مَا ( لَوْ وَجَدَهَا ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ اللُّقَطَةَ ( بِيَدِ الْمِسْكَيْنِ ) الَّذِي تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِهَا عَلَيْهِ ( أَوْ ) وَجَدَهَا بِيَدِ شَخْصٍ ( مُبْتَاعٍ ) أَيْ مُشْتَرٍ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمِسْكَيْنِ فَلَهُ أَخْذُهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ .
فِيهَا إذَا تَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ السَّنَةِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا ، فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِيَدِ الْمَسَاكِينِ فَلَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ أَكَلُوهَا فَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُمْ لِأَنَّهُ قِيلَ فِي اللُّقَطَةِ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ شَأْنُهُ بِهَا بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَأْكُلُ الْهِبَةَ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ هَذَا لِرَبِّهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ .
ابْنُ يُونُسَ إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْتِزَامِ قِيمَتِهَا لِرَبِّهَا فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا الْتَزَمَ أَوْ يَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ الْمَسَاكِينِ ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا تَعَدِّيًا أَوْ عَنْ رَبِّهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا أَخْذُهَا ، وَإِنْ فَاتَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ لَزِمَ مُلْتَقِطَهَا قِيمَتُهَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ وُجِدَتْ بِيَدِ مَنْ ابْتَاعَهَا مِنْ الْمَسَاكِينِ فِيهِ أَخْذُهَا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ .
ابْنُ يُونُسَ جَعَلَ ابْنَ الْقَاسِمِ لِرَبِّهَا نَقْضُ بَيْعِ الْمَسَاكِينِ لَهَا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ نَقْضَ بَيْعِهَا الْمُلْتَقَطَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ بَاعَهَا خَوْفًا مِنْ ضَيَاعِهَا وَأَوْقَفَ لَهُ ثَمَنَهَا فَلَمْ يُنْقَضْ بَيْعُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَشَأْنَك بِهَا } وَالْمَسَاكِينُ إنَّمَا بَاعُوهَا عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُمْ فَلِمُسْتَحِقِّهَا نَقْضُ بَيْعِهِمْ كَنَقْضِهِ بَيْعَ الْمُشْتَرِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ .
ابْنُ يُونُسَ وَإِذَا أَخَذَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ رَجَعَ الْمُبْتَاعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ قَائِمًا بِأَيْدِيهِمْ كَمَا كَانَ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا مِنْهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا أَكَلُوهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ الَّذِي سَلَّطَهُمْ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَكَلُوهَا .
( وَلِل ) شَخْصِ الـ ( مُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمِسْكِينِ بِاللُّقَطَةِ إنْ وَجَدَهَا عِنْدَهُ

وَبِثَمَنِهَا إنْ وَجَدَهُ عِنْدَهُ إنْ أَخَذَ صَاحِبُهَا ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ ( قِيمَتُهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ ) الْمُلْتَقِطُ ( بِهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( عَنْ نَفْسِهِ ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمِسْكَيْنِ بِشَيْءٍ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي عَيْنِهَا إنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَصَدَّقَ عَنْ نَفْسِهِ .
ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ إنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مِنْ الْمَسَاكِينِ ، وَأَخَذَ قِيمَتَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِشَيْءٍ .

وَإِنْ نَقَصَتْ بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا ، فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا أَوْ قِيمَتِهَا .
( وَإِنْ نَقَصَتْ ) لُقَطَةٌ عِنْدَ مُلْتَقِطِهَا ( بَعْدَ نِيَّةِ ) مُلْتَقِطِهَا لِ ( تَمَلُّكِهَا ) بَعْدَ السَّنَةِ ( فَلِرَبِّهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( أَخْذُهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ مِنْ مُلْتَقِطِهَا نَاقِصَةً بِلَا أَرْشٍ لِنَقْصِهَا ( أَوْ ) أَخَذَ ( قِيمَتَهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ يَوْمَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا وَتَرَكَهَا لِمُلْتَقِطِهَا ، وَمَفْهُومُ بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِسَمَاوِيٍّ قَبْلَهَا أَوْ فِي السَّنَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخَذُهَا نَاقِصَةً .
وَ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ نَقَصَتْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِاسْتِعْمَالِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذَا وَجَدَهَا رَبُّهَا بِيَدِ مُلْتَقِطِهَا وَقَدْ نَقَصَهَا بِاسْتِعْمَالِهِ فَلَهُ أَخْذُهَا وَمَا نَقَصَهَا ، وَإِنْ أَنْهَكَهَا فَفِي تَخْيِيرِهِ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا أَوْ أَخَذَهَا ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَقْصِهَا أَوْ مَعَ قِيمَةِ نَقْصِهَا .
ثَالِثُهَا لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَقَصَهَا .
طفي وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كَمَا تَرَى لَيْسَتْ فِي فَرْضِ الْمُصَنِّفِ مِنْ نَقْصِهَا بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا بَعْدَ السَّنَةِ ، بَلْ فِي نَقْصِهَا عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهِ لَا بِقَيْدِ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا بَعْدَ السَّنَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَوَجَبَ لَقْطُ طِفْلٍ نُبِذَ كِفَايَةً

( وَوَجَبَ لَقْطُ ) بِسُكُونِ الْقَافِ وَإِهْمَالِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ ( طِفْلٍ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ صَبِيٍّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( نُبِذَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِعْجَامِ الذَّالِ ، أَيْ طُرِحَ لِوُجُوبِ حِفْظِ النَّفْسِ وُجُوبًا ( كِفَايَةً ) مِمَّنْ قَامَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ لِحُصُولِ الْحِفْظِ بِهِ فَلَا يُلْقَطُ بَالِغٌ وَلَا طِفْلٌ غَيْرُ مَنْبُوذٍ ، وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ مَنْبُوذًا بِقَرِينَةِ الْحَالِ .
ابْنُ شَاسٍ كُلُّ صَبِيٍّ ضَائِعٍ لَا كَافِلَ لَهُ فَالْتِقَاطُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : ابْنُ عَرَفَةَ اللَّقِيطُ صَغِيرٌ آدَمِيٌّ لَمْ يُعْلَمْ أَبَوَاهُ وَلَا رِقُّهُ فَخَرَجَ وَلَدُ الزَّانِيَةِ الْمَعْلُومَةِ وَمَنْ عُلِمَ رِقُّهُ لُقَطَةً الْمِسْنَاوِيُّ وَفِيهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الرَّقِيقَ مِنْ حَدِّ اللُّقَطَةِ أَيْضًا ، قَوْلُهُ إنَّهُ آبِقٌ لَا لُقَطَةٌ وَلَا لَقِيطٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْضًا لِأَنَّ الْآبِقَ عُرْفًا هُوَ الْفَارُّ مِنْ سَيِّدِهِ .
الثَّانِي : ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ تَابِعًا لِلْغَزَالِيِّ هُوَ طِفْلٌ ضَائِعٌ لَا كَافِلَ لَهُ قَبْلَهُ .
ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِطِفْلٍ كَذَلِكَ مَعْلُومٍ أَبَوَاهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَقِيطٍ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ وَهُوَ كَوْنُ إرْثِهِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي وَلَائِهَا .
اللَّقِيطُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَنْ الْتَقَطَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ يَشَاءُ وَالْمُسْلِمُونَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ مَا جَنَى وَيَرِثُونَهُ .
الثَّالِثُ : ابْنُ عَرَفَةَ أَطْلَقَ ابْنُ شَعْبَانَ عَلَيْهِ لَفْظَ مَنْبُوذٍ وَتَرْجَمَ عَلَى أَحْكَامِهِ فِي الْمُوَطَّإِ بِالْقَضَاءِ فِي الْمَنْبُوذِ .
وَفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ الْمَنْبُوذُ اللَّقِيطُ .
اللَّخْمِيُّ الْمَنْبُوذُ كَاللَّقِيطِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالدَّيْنِ ، وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَنْبُوذُ لِزَنْيَةٍ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ ، وَيُحَدُّ قَاذِفُ اللَّقِيطِ بِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ ، وَقِيلَ الْمَنْبُوذُ مَنْ نُبِذَ عِنْدَ

وِلَادَتِهِ وَشَأْنُ ذَلِكَ فِيمَا وَلَدُ لِزِنًا وَاللَّقِيطُ مَنْ طُرِحَ فِي الشِّدَّةِ وَالْجَدْبِ وَلِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِثْلُهُ قَالَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا مَنْبُوذُ قَالَ مَا يُعْلَمُ مَنْبُوذٌ إلَّا وَلَدَ الزِّنَا وَعَلَى قَائِلِهِ الْحَدُّ ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ اسْتَلْحَقَ لَقِيطًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ وَيَسْمَعُ قَوْلَ النَّاسِ إنْ طُرِحَ عَاشَ ، وَهَذَا إنَّمَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ .
الرَّابِعُ : ابْنُ عَرَفَةَ عَبَّرَ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ حُكْمِ الْتِقَاطِهِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ الْمَنْبُوذُ وَلَا يُتْرَكَ .
وَفِي الْمَعُونَةِ مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَوْ تَرَكَهُ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ الْكَافَّةَ إعَانَتُهُ .
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ تَابِعًا الْغَزَالِيَّ إلَى الْتِقَاطِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَمْ أَعْرِفْهَا .
وَالظَّاهِرُ إنْ كَانَ بَيْتُ مَالٍ تَعَيَّنَ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ حِفْظُهُ وَعَلَى مَنْ أَبْصَرَهُ رَفْعُ عِلْمِهِ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْغَالِبُ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَى الْقَادِرِينَ عَلَى حِفْظِهِ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ إنْ خَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ إنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ هُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَمَاتَ تَخَرَّجَ عَلَى قَوْلِهَا أَوَّلُ حَرِيمِ الْبِئْرِ إنْ لَمْ يَقْوَ الْمُسَافِرُونَ عَلَى دَفْعِهِمْ حَتَّى مَاتُوا عَطَشًا فَدِيَتُهُمْ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا .

وَحَضَانَتُهُ وَنَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ الْفَيْءِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ كَهِبَةٍ أَوْ يُوجَدَ مَعَهُ أَوْ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ ، إنْ كَانَ مَعَهُ رُقْعَةٌ

( وَ ) وَجَبَتْ ( حَضَانَتُهُ ) أَيْ تَرْبِيَةُ اللَّقِيطِ وَحِفْظُهُ عَلَى مُلْتَقِطِهِ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ بِأَخْذِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ حَضَانَةُ اللَّقِيطِ عَلَى مُلْتَقِطِهِ اتِّفَاقًا ( وَ ) وَجَبَتْ ( نَفَقَتُهُ ) أَيْ اللَّقِيطِ عَلَى مُلْتَقِطِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَيَدْخُلَ بِالْأُنْثَى زَوْجُهَا ( إنْ لَمْ يُعْطَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اللَّقِيطُ ( مِنْ الْفَيْءِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَهَمْزٌ ، أَيْ مَالِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَكْفِيهِ ( إلَّا أَنْ يَمْلِكَ ) اللَّقِيطُ ( كَهِبَةٍ ) وَصَدَقَةٍ وَغَلَّةٍ حُبِسَ ( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يُوجَدَ مَعَهُ ) أَيْ اللَّقِيطِ ( مَالٌ ) مَرْبُوطٌ فِي لِفَافَتِهِ ( أَوْ ) يُوجَدَ شَيْءٌ ( مَدْفُونٌ ) تَحْتَهُ ( إنْ كَانَتْ مَعَهُ ) أَيْ اللَّقِيطِ ( رُقْعَةٌ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ مِنْ وَرَقٍ أَوْ جِلْدٍ مَكْتُوبٍ فِيهَا إنَّ الْمَدْفُونَ تَحْتَ اللَّقِيطِ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ رُقْعَةٌ كَذَلِكَ فَلَيْسَ الْمَدْفُونُ لَهُ ، بَلْ هُوَ رِكَازٌ إنْ كَانَ دَفْنَ جَاهِلِيٍّ وَإِلَّا فَهِيَ لُقَطَةٌ .
ابْنُ شَاسٍ نَفَقَةُ اللَّقِيطِ فِي مَالِهِ وَهُوَ مَا وُقِفَ عَلَى اللَّقِيطِ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ مَا وُجِدَ تَحْتَ يَدِ اللَّقِيطِ عِنْدَ الْتِقَاطِهِ لِكَوْنِهِ مَلْفُوفًا عَلَيْهِ .
وَفِي الزَّاهِيِّ إنْ وُجِدَ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَعَهُ مَالٌ مَشْدُودٌ فَهُوَ لَهُ .
ابْنُ شَاسٍ وَأَمَّا الْمَالُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ تَحْتَهُ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ إلَّا أَنْ تُوجَدَ مَعَهُ رُقْعَةٌ مَكْتُوبَةٌ بِأَنَّهُ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَالَ الْبَاجِيَّ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَلَى مُلْتَقِطِهِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَغْنِيَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ وَفِي عِتْقِهَا الثَّانِي اللَّقِيطُ حُرٌّ وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ أَجْرُ رَضَاعِ اللَّقِيطِ .
وَمَنْ لَا

مَالَ لَهُ مِنْ الْيَتَامَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .

وَرُجُوعُهُ عَلَى أَبِيهِ إنْ طَرَحَهُ عَمْدًا ، وَالْقَوْلُ لَهُ إنْ لَمْ يُنْفِقْ حِسْبَةً

( وَ ) وَجَبَ لِلْمُلْتَقِطِ ( رُجُوعُهُ عَلَى أَبِيهِ ) أَيْ اللَّقِيطِ بِعِوَضِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ ( إنْ طَرَحَهُ ) أَيْ الْأَبُ اللَّقِيطَ ( عَمْدًا ) ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَأَتَى رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَلْيَتْبَعْهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فِي حِينِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ هَذَا إنْ تَعَمَّدَ الْأَبُ طَرْحَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ طَرَحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ بِحَالٍ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ مُحْتَسَبٌ .
اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَبْيَنُ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ يَقُولُ لَوْ عَلِمْت أَنَّ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ أُنْفِقْ عَلَيْهِ .
وَفِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي صَغِيرٍ ضَلَّ مِنْ وَالِدِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ بِشَيْءٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ الْأَبُ طَرْحَهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ ( وَالْقَوْلُ لَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ بِيَمِينِهِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ ( لَمْ يُنْفِقْ ) الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ ( حِسْبَةً ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ تَبَرُّعًا لِلَّهِ تَعَالَى إذَا ادَّعَى الْأَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ حِسْبَةً ، وَهَذَا إذَا أُشْكِلَ الْأَمْرُ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ ثَبَتَ لَهُ أَبٌ بِبَيِّنَةٍ وَطَرَحَهُ عَمْدًا لَزِمَهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَ حِسْبَةً فَلَا رُجُوعَ لَهُ ، فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْفِقِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَهِمَ ابْنَ الْحَاجِبِ وَشَارِحَاهُ الْمَذْهَبَ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ حِسْبَةً فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ مَعَ تَعَمُّدِهِ .
طَرْحَهُ ، وَمُقْتَضَى الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ ، وَأَنَّ لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ احْتِسَابًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ لَهُ أَبًا مُوسِرًا تَعَمَّدَ طَرْحَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا وَيُرَشِّحُهُ اللَّخْمِيُّ بِقَوْلِهِ إنَّهُ يَقُولُ لَوْ

عَلِمْت لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مَا أَنْفَقْت عَلَيْهِ ،

وَهُوَ حُرٌّ ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِي قُرَى الْمُسْلِمِينَ ، كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا بَيْتَانِ ، إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ ، وَإِنْ فِي قُرَى الشِّرْكِ فَمُشْرِكٌ
وَهُوَ ) أَيْ اللَّقِيطُ ( حُرٌّ ) لَا رِقَّ لِمُلْتَقِطِهِ ( وَوَلَاؤُهُ ) أَيْ مِيرَاثُ اللَّقِيطِ إذَا مَاتَ بِلَا وَارِثٍ ( لِ ) بَيْتِ مَالِ ( الْمُسْلِمِينَ ) لَا لِمُلْتَقِطِهِ .
فِيهَا اللَّقِيطُ حُرٌّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ( وَحُكِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ اللَّقِيطِ إنْ وُجِدَ ( فِي قُرَى ) بِضَمِّ الْقَافِ جَمْعُ قَرْيَةٍ ( الْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ ، وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ ، حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ ( لَمْ يَكُنْ ) يُوجَدُ ( فِيهَا ) أَيْ الْقَرْيَةِ الَّتِي وُجِدَ اللَّقِيطُ فِيهَا ( إلَّا بَيْتَانِ ) لِلْمُسْلِمِينَ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ( إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ و ) إنْ وُجِدَ ( فِي قُرَى الشِّرْكِ ) أَيْ الْكُفْرِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بَيْتَانِ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ ( مُشْرِكٌ ) أَيْ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ وَلَوْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فِيهَا ، قُلْت مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فِي مَدِينَةٍ إسْلَامٍ أَوْ فِي قَرْيَةٍ لِلشِّرْكِ فِي أَرْضِهِ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ بِيعَةٍ وَعَلَيْهِ زِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ وَكَيْفَ إنْ كَانَ الَّذِي الْتَقَطَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا مَا حَالُهُ ، فَقَالَ إنْ الْتَقَطَهُ نَصْرَانِيٌّ فِي قُرَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ فِي قُرَى أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَمَوَاضِعِهِمْ فَهُوَ مُشْرِكٌ ، وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لِلنَّصَارَى وَلَا يُعْرَضُ لَهُ إلَّا أَنْ يَلْتَقِطَهُ هُنَاكَ مُسْلِمٌ فَيَحْمِلَهُ عَلَى دِينِهِ .

وَلَمْ يَلْحَقْ بِمُلْتَقِطِهِ وَلَا غَيْرِهِ ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِوَجْهٍ
( وَلَمْ ) الْأَوْلَى لَا ( يَلْحَقْ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ نَسَبُ اللَّقِيطِ ( بِمُلْتَقِطِهِ وَلَا ) بِ ( غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةِ ) شَاهِدَةٍ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ بِمُلْتَقِطِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ بِوَجْهٍ ) أَيْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِ مُدَّعِيهِ كَشُهْرَتِهِ بِمَوْتِ أَوْلَادِهِ وَسَمَاعِهِ قَوْلَ بَعْضِ الْعَوَامّ إنْ طُرِحَ الْوَلَدُ يَوْمَ وِلَادَتِهِ عَاشَ ، فَزَعَمَ أَنَّهُ طَرَحَهُ لِذَلِكَ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ فَلَا يُصَدَّقُ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِدَعْوَاهُ وَجْهٌ كَرَجُلٍ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَمَاهُ لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْلَ النَّاسِ إذَا طُرِحَ عَاشَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ قَالَ أَرَاهُ شَاهِدًا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مَعَ الْيَمِينِ فِي النَّسَبِ .

وَلَا يَرُدُّهُ بَعْدَ أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ لِيَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ ، وَالْمَوْضِعُ مَطْرُوقٌ
( وَلَا يَرُدُّهُ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ ، أَيْ الْمُلْتَقِطُ اللَّقِيطَ ( بَعْدَ أَخْذِهِ ) لِتَعَيُّنِ حَضَانَتِهِ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ اللَّقِيطَ ( لِيَدْفَعَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ اللَّقِيطَ ( لِلْحَاكِمِ ) لَا لِقَصْدِ تَرْبِيَتِهِ ( فَلَمْ يَقْبَلْهُ ) أَيْ الْحَاكِمُ اللَّقِيطَ فَلِلْمُلْتَقِطِ رَدُّهُ لِمَوْضِعِ الْتِقَاطِهِ ( وَ ) الْحَالُ ( الْمَوْضِعُ مَطْرُوقٌ ) لِلنَّاسِ كَثِيرًا .
الْبَاجِيَّ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مَطْرُوقًا وَأَيْقَنَ أَنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُهُ وَإِلَّا فَلَا يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلتَّلَفِ .
ابْنُ عَرَفَةَ أَشْهَبُ مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَلَيْسَ لَهُ تَرَكَهُ إنْ أَخَذَهُ لِيُرَبِّيَهُ وَإِنْ أَخَذَهُ لِيَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَلَا ضِيقَ عَلَيْهِ فِي رَدِّهِ لِمَوْضِعِ أَخْذِهِ .
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ أَخَذَ لَقِيطًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ الْتِزَامَ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ قَبِلَ قَوْلَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِيهِ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ يُسَارِعُ النَّاسُ إلَى أَخْذِهِ .

وَقُدِّمَ الْأَسْبَقُ ثُمَّ الْأَوْلَى ، وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ ،
( وَ ) إنْ ازْدَحَمَ عَلَى اللَّقِيطِ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ وَكُلٌّ مِنْهُمْ صَالِحٌ لِحَضَانَتِهِ وَأَرَادَ كُلٌّ أَخْذَهُ ( قُدِّمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الشَّخْصُ ( الْأَسْبَقُ ) أَيْ السَّابِقُ مِنْهُمْ إلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَكُنْ أَسْبَقُ قُدِّمَ الشَّخْصُ ( الْأَوْلَى ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ ، أَيْ الْأَحَقُّ بِكَفَالَتِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَسْبَقُ وَلَا أَوْلَى ( فَالْقُرْعَةُ ) تُضْرَبُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ بِتَقْدِيمِهِ قُدِّمَ .
ابْنُ شَاسٍ لَوْ ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى اللَّقِيطِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ قُدِّمَ مَنْ سَبَقَ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا قَدَّمَ الْإِمَامُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلصَّبِيِّ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا .
وَفِيهَا مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَكَابَرَهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَنَزَعَهُ مَنَعَهُ فَرَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ إلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقْوَى عَلَى مُؤْنَتِهِ وَكِفَايَتِهِ وَكَانَ مَأْمُونًا دَفَعَهُ إلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ تَابِعًا لِلْغَزَالِيِّ إنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا .

وَيَنْبَغِي الْإِشْهَادُ
( وَيَنْبَغِي الْإِشْهَادُ ) عَلَى الْتِقَاطِهِ خَوْفَ اسْتِرْقَاقِهِ أَوْ تَبَنِّيه .
ابْنُ شَاسٍ مَنْ أَخَذَ لَقِيطًا فَلْيَشْهَدْ عَلَيْهِ خَوْفَ الِاسْتِرْقَاقِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْهُ نَصًّا إلَّا لِلْغَزَالِيِّ ، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافَ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ نَدْبِهِ

وَلَيْسَ لِمُكَاتَبٍ وَنَحْوَهُ الْتِقَاطٌ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ
( وَلَيْسَ لِ ) رَقِيقٍ ( مُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِ ) كَمُدَبَّرٍ وَمُبَعَّضٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَلَدِهَا غَيْرِ سَيِّدِهَا وَأَوْلَى الْقِنُّ ( الْتِقَاطٌ ) لِلَّقِيطِ ( بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ) فَإِنْ أَذِنَ فَهُوَ الْمُلْتَقِطُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ لَوْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ اُنْتُزِعَ مِنْ أَيْدِيهِمَا ، فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَبَرُّعٌ وَهُمَا مَمْنُوعَانِ مِنْهُ ، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فَهُوَ الْمُلْتَقِطُ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ كَأَنَّهُ نَصُّ الْمَذْهَبِ وَلَمْ أَعْرِفُهُ نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى أَصْلِهِ ، وَالْحَقُّ أَنْ لَا يُنْقَلَ عَلَى أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِ ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مُقْتَضَاهُ .
الْحَطّ فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِتَرْبِيَتِهِ وَنَفَقَتِهِ عَنْ سَيِّدِهِ وَنَصَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَوَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّ اللَّقِيطَ يَحْتَاجُ إلَى حَضَانَةٍ وَهِيَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَانْظُرْ الزَّوْجَةَ هَلْ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا ؟ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَنُزِعَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ مِنْ غَيْرِهِ
( وَنُزِعَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ لَقِيطٌ ( مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ ) بِالْتِقَاطِهِ فِي قَرْيَةِ مُسْلِمِينَ ، وَصِلَةُ نُزِعَ ( مِنْ ) مُلْتَقِطٍ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْكَافِرُ خَوْفَ تَرْبِيَتِهِ عَلَى دِينِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا اللَّقِيطُ فِي قُرَى الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ وَلَوْ الْتَقَطَهُ كَافِرٌ .
مُطَرِّفٌ وَ أَصْبَغُ إنْ الْتَقَطَهُ نَصْرَانِيٌّ نُزِعَ مِنْهُ لِئَلَّا يُنَصِّرَهُ أَوْ يَسْتَرِقَّهُ .
وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنْ الْتَقَطَتْ نَصْرَانِيَّةٌ صَبِيَّةً فَرَبَّتهَا حَتَّى بَلَغَتْ عَلَى دِينِهَا رُدَّتْ لِلْإِسْلَامِ وَهِيَ حُرَّةٌ .
اللَّخْمِيُّ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي إنْ الْتَقَطَ كَافِرٌ لَقِيطًا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَرَبَّاهُ عَلَى دِينِهِ فَلَا يُتْرَكْ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ عَلَيْهَا فَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُقَرُّ عَلَيْهَا .

وَنُدِبَ أَخْذُ آبِقٍ لِمَنْ يَعْرِفُ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُهُ ؛ فَإِنْ أَخَذَهُ رَفَعَهُ لِلْإِمَامِ وَوُقِفَ سَنَةً ، ثُمَّ بِيعَ وَلَا يُهْمَلُ ، وَأَخَذَ نَفَقَتَهُ وَمَضَى بَيْعُهُ : وَإِنْ قَالَ رَبُّهُ كُنْت أَعْتَقْته وَلَهُ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ ، وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ ؛ وَضَمِنَهُ إنْ أَرْسَلَهُ ، إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُ : كَمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِيمَا يَعْطَبُ فِيهِ ، لَا إنْ أَبَقَ مِنْهُ وَإِنْ مُرْتَهِنًا وَحَلَفَ ، وَاسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ : بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، وَأَخَذَهُ ، إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دَعْوَاهُ إنْ صَدَّقَهُ وَلْيُرْفَعْ لِلْإِمَامِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مُسْتَحِقَّهُ ، إنْ لَمْ يَخَفْ ظُلْمَهُ

وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( أَخْذُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ رَقِيقٍ ( آبِقٍ ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ هَارِبٍ مِنْ مَالِكِهِ ( لِمَنْ ) أَيْ شَخْصٍ أَوْ الشَّخْصِ الَّذِي ( يَعْرِفُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ( رَبَّهُ ) قَرِيبًا كَانَ أَوْ جَارًا أَوْ غَيْرَهُمَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ ( فَلَا ) يُنْدَبُ لَهُ أَخْذُهُ ( فَإِنْ أَخَذَهُ ) وَهُوَ لَا يَعْرِفُ رَبَّهُ ( رَفَعَهُ ) أَيْ الْآخِذُ الْآبِقَ ( لِلْإِمَامِ ) أَيْ حَاكِمِ بَلَدِهِ إمَامًا كَانَ أَوْ نَائِبَهُ ( وَ ) إذَا رَفَعَهُ لَهُ ( وُقِفَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْآبِقُ عِنْدَهُ ( سَنَةً ) وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَظْهَرْ رَبُّهُ ( بِيعَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْآبِقُ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ ( وَلَا يُهْمَلُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَمْرُهُ عَنْ الْبَيَانِ فَيَكْتُبُ اسْمَهُ وَصِفَاتِهِ وَبَلَدَهُ وَثَمَنَهُ الَّذِي بِيعَ بِهِ وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ ادَّعَاهُ قَابَلَ كَلَامَهُ بِالْمَكْتُوبِ ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَهُ دَفَعَ لَهُ بَقِيَّةَ ثَمَنِهِ وَإِلَّا فَلَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى لَا يُهْمَلُ لَا يُتْرَكُ بَعْدَ السَّنَةِ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ كَضَالَّةِ الْأَبِ .
( وَ ) إذَا بَاعَهُ الْإِمَامُ ( أَخَذَ ) الْإِمَامُ ( نَفَقَتَهُ ) أَيْ الْآبِقِ الَّتِي أُنْفِقَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ ثَمَنِهِ الَّذِي بِيعَ بِهِ وَجَعَلَ بَقِيَّةَ ثَمَنِهِ أَمَانَةً لِرَبِّهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ وَجَدَ آبِقًا فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَرِيبِهِ أَوْ جَارِهِ أَوْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ فِي سِعَةِ وَمَنْ أَخَذَ آبِقًا رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَوَقَفَهُ سَنَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَإِلَّا بَاعَهُ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ وَحَبَسَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ لِرَبِّهِ فِي بَيْتِ

الْمَالِ .
سَحْنُونٌ لَا أَرَى أَنْ يُوقِفَهُ سَنَةً وَلَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ أَمْرُهُ ثُمَّ يُبَاعُ وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ صِفَتَهُ عِنْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبُهُ .
ابْنُ يُونُسَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَبِيعُ الْإِبَاقَ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَا يَأْمُرُ بِاطِّلَاقِهِمْ يَعْمَلُونَ وَيَأْكُلُونَ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ لِأَنَّهُمْ يَأْبَقُونَ ثَانِيَةً .
وَ ) إذَا بَاعَهُ الْإِمَامُ ( مَضَى بَيْعُهُ ) أَيْ الْآبِقِ ( وَإِنْ قَالَ رَبُّهُ كُنْت أَعْتَقْته ) أَيْ الْآبِقَ قَبْلَ بَيْعِهِ لِاتِّهَامِهِ بِالتَّحَيُّلِ عَلَى نَقْضِ بَيْعِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لَهُ بِإِعْتَاقِهِ قَبْلَهُ فَيُنْقَضُ بَيْعُهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنْ جَاءَ رَبُّ الْآبِقِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ السَّنَةِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ثَمَنُهُ وَلَا يَرُدُّ بَيْعَهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ بَاعَهُ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ ، وَلَوْ قَالَ رَبُّهُ كُنْت أَعْتَقْته أَوْ دَبَّرْته بَعْدَ إبَاقِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى نَقْضِ الْبَيْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
( وَلَهُ ) أَيْ رَبُّ الْآبِقِ ( عِتْقُهُ ) أَيْ الْآبِقِ نَاجِزًا مَجَّانًا وَعَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِهِ وَإِلَى أَجَلٍ وَكِتَابَتُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ وَالْإِيصَاءُ بِهِ ( وَهِبَتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَتُقَامُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْآبِقِ ( الْحُدُودُ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِزِنًا وَسَرِقَةٍ وَشُرْبِ مُسْكِرٍ وَقَذْفٍ وَرِدَّةٍ وَتَرْكِ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا .
فِيهَا يَجُوزُ لِسَيِّدِ الْآبِقِ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ .
وَهِبَتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِثَوَابٍ ، وَإِنْ زَنَى الْآبِقُ أَوْ سَرَقَ أَوْ قَذَفَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ .
( وَضَمِنَهُ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ، أَيْ الْآبِقَ آخِذُهُ ( إنْ أَرْسَلَهُ ) أَيْ أَطْلَقَ الْآخِذُ الْآبِقَ وَخَلَّى سَبِيلَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا ) إرْسَالَهُ ( لِخَوْفٍ مِنْهُ ) أَيْ الْآبِقِ أَنْ يَقْتُلَ آخِذَهُ أَوْ يَضُرَّهُ

فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَلَا يُوجِبُ إرْسَالُهُ ضَمَانَهُ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ أَخَذَ آبِقًا فَأَبَقَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ ضَمِنَهُ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَوْ خَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ لِعُذْرٍ بِأَنْ خَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَضُرَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ لِشِدَّةِ النَّفَقَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ ( كَمَنْ ) أَيْ شَخْصٍ أَوْ الشَّخْصِ الَّذِي ( اسْتَأْجَرَهُ ) أَيْ الْآبِقُ مِنْ نَفْسِهِ ( فِيمَا ) أَيْ عَمِلَ ( يَعْطَبُ ) الْآبِقُ ( فِيهِ ) أَيْ بِسَبَبِهِ وَعَطِبَ فَيَضْمَنُهُ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ اسْتَأْجَرَ آبِقًا فَعَطِبَ فِي عَمَلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ آبِقٌ ضَمِنَهُ لِرَبِّهِ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَنْ أَجَرَ عَبْدًا عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ إلَى بَلَدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ ، ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْآبِقَ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي عَمَلٍ يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَهَلَكَ فِيهِ .
ا هـ .
فَإِنْ كَانَ لَا يَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ فَلِرَبِّهِ أُجْرَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ بَالٌ لَا مَا لَا بَالَ لَهُ كَسَقْيِ دَابَّةٍ وَشِرَاءِ خُضْرَةٍ .
( لَا ) يَضْمَنُ آخِذُ الْآبِقِ ( إنْ أَبَقَ ) الْآبِقُ ( مِنْهُ ) أَيْ آخِذِهِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ أَخَذَ آبِقًا فَأَبَقَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبَالَغَ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْإِبَاقِ فَقَالَ لَا يَضْمَنُ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ .
فَأَبَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَهَنًا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الرَّقِيقُ ( مُرْتَهَنًا ) بِفَتْحِ الْهَاءِ ، أَيْ مَرْهُونًا فِي دَيْنٍ وَأَبَقَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِكَسْرِ الْهَاءِ ( وَحَلَفَ ) الْمُرْتَهِنُ بِالْكَسْرِ أَنَّهُ أَبَقَ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُ لِرَاهِنِهِ ، فِيهَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ وَيَصْدُقُ فِي إبَاقِهِ وَلَا يَحْلِفُ وَكَانَ عَلَى حَقِّهِ ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّبَّاغِ

وَيَحْلِفُ ( وَاسْتَحَقَّهُ ) أَيْ الْآبِقَ ( سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ ) شَهِدَ لَهُ بِهِ ( وَيَمِينٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ أَنَّهُ لَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ وَهُوَ يَكْفِي فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ اعْتَرَفَ آبِقًا عِنْدَ السُّلْطَانِ وَأَثْبَتَ شَاهِدًا حَلَفَ مَعَهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ .
( وَ ) إنْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ الْآبِقَ لَهُ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي الْآبِقَ ( إنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا دَعْوَاهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ ( إنْ صَدَّقَهُ ) أَيْ الْآبِقُ الْمُدَّعِيَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَهُ .
ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ التَّلَوُّمِ .
فِيهَا إنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْآبِقَ عَبْدُهُ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ دُفِعَ إلَيْهِ أَرَادَ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَتَضْمِينِهِ إيَّاهُ ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي مَتَاعٍ وُجِدَ مَعَ لُصُوصٍ فَادَّعَاهُ قَوْمٌ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمْ إنَّ الْإِمَامَ يَتَلَوَّمُ فِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ سِوَاهُمْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ الْآبِقُ .
أَشْهَبُ لِأَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ ( وَلْيُرْفَعْ ) مَنْ أَخَذَ الْآبِقَ أَمْرُهُ ( لِلْإِمَامِ ) الْعَدْلِ ( إذَا لَمْ يَعْرِفْ ) آخِذُهُ ( مُسْتَحِقَّهُ ) أَيْ الْآبِقِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ( إنْ لَمْ يَخَفْ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ آخِذُهُ ( ظُلْمَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ بِأَنْ كَانَ عَادِلًا ، فَإِنْ خَافَ ظُلْمَهُ فَلَا يَرْفَعُهُ إلَيْهِ فِيهَا ، وَالْآبِقُ إذَا اعْتَرَفَهُ رَبُّهُ فِي يَدِك وَلَمْ تُعَرِّفْهُ فَأَرَى أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ إنْ لَمْ تَخَفْ ظُلْمَهُ .

وَإِنْ أَتَى رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ إنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي : أَنَّ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا فُلَانٌ ، هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ ، وَوَصَفَهُ ، فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ بِذَلِكَ .

( وَإِنْ أَتَى رَجُلٌ ) قَاضِيًا أَوْ وَالِيًا ( بِكِتَابِ قَاضٍ ) آخَرَ مَضْمُونُهُ ( أَنَّهُ ) أَيْ الشَّأْنَ ( قَدْ شَهِدَ عِنْدِي ) عَدْلَانِ ( أَنَّ صَاحِبَ ) أَيْ حَامِلَ ( كِتَابِي هَذَا فُلَانٌ ) كِنَايَةٌ عَنْ عَلَمِ شَخْصٍ كَزَيْدٍ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى صَاحِبٍ ( هَرَبَ مِنْهُ ) أَيْ فُلَانٍ صَاحِبِ الْكِتَابِ ( عَبْدٌ ) صِفَتُهُ كَذَا هَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرُ أَنَّ ( وَوَصَفَهُ ) أَيْ فُلَانُ الْعَبْدَ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَبْدٌ مَحْبُوسٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ( فَلْيَدْفَعْ ) الْقَاضِي الَّذِي أَتَاهُ الْكِتَابُ الْعَبْدَ الَّذِي عِنْدَهُ ( إلَيْهِ ) أَيْ صَاحِبِ الْكِتَابِ ( بِذَلِكَ ) الْكِتَابِ .
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا أَتَى رَجُلٌ إلَى قَاضٍ بِكِتَابٍ مِنْ قَاضٍ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي قَوْمٌ أَنَّ فُلَانًا صَاحِبَ كِتَابِي إلَيْك قَدْ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ صِفَتُهُ كَذَا فَحْلًا ، وَوَصَفَهُ فِي الْكِتَابِ ، وَعِنْدَ هَذَا الْقَاضِي عَبْدٌ آبِقٌ مَحْبُوسٌ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلْيُقْبَلْ كِتَابُ الْقَاضِي وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي شَهِدَتْ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ الْعَبْدُ .
طفي ظَاهِرُهُ إعْمَالُ الْكِتَابِ بِمُجَرَّدِ إتْيَانِ الرَّجُلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ عَلَيْهِ ، وَقَدْ عَارَضَهُ عج بِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ ، وَأَجَابَ بِإِمْكَانِ رَدِّ هَذَا لِذَاكَ وَبِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِقَوْلَيْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا قُبِلَ هُنَا وَحْدَهُ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ ، إذْ لَهُ أَخْذُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ، وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ قِيلَ أَفَتَرَى لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الصِّفَةِ وَيَكْتُبَ بِهَا إلَى قَاضٍ آخَرَ ، قَالَ نَعَمْ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَتَاعِ الَّذِي يُسْرَقُ بِمَكَّةَ إذَا اعْتَرَفَهُ رَجُلٌ وَوَصَفَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَسْتَأْنِي الْإِمَامُ فِيهِ ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَطْلُبُهُ وَإِلَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ ، فَالْعَبْدُ الَّذِي أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ ، وَإِنْ ادَّعَى عَيْنَ

الْعَبْدِ وَوَصَفَهُ وَلَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَأَرَى أَنَّهُ مِثْلُ الْمَتَاعِ يَنْتَظِرُ بِهِ الْإِمَامُ وَيَتَلَوَّمُ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يَطْلُبُهُ وَإِلَّا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَضَمَّنَهُ إيَّاهُ ، قِيلَ وَلَا يُلْتَفَتُ هُنَا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ إنْ أَنْكَرَ أَنَّ هَذَا مَوْلَاهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ بِبَلَدٍ آخَرَ .
ا هـ .
وَلَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِ الْعَبْدِ هُنَا لِوَصْفِهِ رَبَّهُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ تَصْدِيقِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِفْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابٌ ) أَهْلُ الْقَضَاءِ :
( بَابٌ ) فِي بَيَانِ شُرُوطِ وَأَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( أَهْلُ ) أَيْ مُسْتَحِقُّ ( الْقَضَاءِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِعْجَامِ الضَّادِ مَمْدُودًا .
ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ الْقَضَاءُ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْقَضَاءُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَوِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَالْإِمَامَةِ .
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَاضِحٌ قُصُورُهُ .
الْحَطّ يُطْلَقُ الْقَضَاءُ فِي الِاصْطِلَاحِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ وَفِي الْقَضَاءِ وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَهْلُ الْقَضَاءِ إلَخْ وَعَلَى الْإِخْبَارِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ قَضَى الْقَاضِي بِكَذَا ، وَقَوْلِهِمْ قَضَاءُ الْقَاضِي بِكَذَا حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ .
لَكِنْ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ رَاشِدٍ مُسَامَحَاتٌ الْأُولَى ذِكْرُ الْأَخْبَارِ ، إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ مَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ الْمُقَابِلَ لِلْإِنْشَاءِ ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَمْرُ الْقَاضِي بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ .
الثَّانِيَةُ شُمُولُ حُكْمٍ حُكْمَيْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَتَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ وَحُكْمَ الْمُحْكَمِ وَحُكْمَ الْمُحْتَسِبِ وَالْوَالِي وَغَيْرِهِمَا مِنْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا حَكَمُوا بِالشَّرْعِ ، قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّ التَّحْكِيمَ يَخْرُجُ مِنْ تَعْرِيفِهِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ خُرُوجِهِ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْمُحَكِّمَ لَا يَحْكُمُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمُحَكِّمِينَ وَلَا يَحْكُمُ ابْتِدَاءً فِي الْقِصَاصِ وَاللِّعَانِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِمَا بِذَلِكَ ، قَالُوا فَإِنْ حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ جَوْرٍ نَفَذَ حُكْمُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْدِيلَ وَالتَّجْرِيحَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : فِي الذَّخِيرَةِ عَقْدُ الْقَضَاءِ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُطْلَقًا كَالْجَعَالَةِ وَالْقِرَاضِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي عَمَلِهِمَا وَالْمُغَارَسَةِ وَالتَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ ، فَلِلْإِمَامِ عَزْلُهُ وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي .
الثَّانِي : ابْنُ سَهْلٍ تَلْخِيصُ خُطَطِ الْوِلَايَةِ الْقَضَاءُ وَالشُّرْطَةُ وَالْمَظَالِمُ وَالرَّدُّ وَالْمَدِينَةُ وَالسُّوقُ ، فَمُتَعَلِّقُ حُكْمِ وَالِي الرَّدِّ مَا اسْتَرَابَهُ الْقُضَاةُ وَرَدُّوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَصَاحِبُ السُّوقِ يُعْرَفُ بِصَاحِبِ الْحِسْبَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ نَظَرِهِ فِيهَا بِالْأَسْوَاقِ مِنْ غِشٍّ وَتَفَقُّدِ مِكْيَالٍ وَمِيزَانٍ .
الثَّالِثُ : عِلْمُ الْقَضَاءِ أَخَصُّ مِنْ الْعِلْمِ بِفِقْهِهِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ فِقْهِهِ كُلِّيٌّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ وَمُتَعَلِّقُ عِلْمِهِ كُلِّيٌّ مِنْ حَيْثُ صِدْقُ كُلِّيِّهِ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ ، وَكَذَا فِقْهُ الْفَقِيهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فَقِيهًا هُوَ أَعَمُّ مِنْ فِقْهِ الْفَقِيهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُفْتِيًا ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ حَالَ الْفَقِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَقِيهٌ كَحَالِ عَالِمٍ بِكُبْرَى قِيَاسِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ ، وَحَالُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي كَحَالِ عَالِمٍ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِصُغْرَاهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعِلْمَ بِهِمَا أَشَقُّ وَأَخَصُّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْكُبْرَى فَقَطْ ، وَأَيْضًا فِقْهُ الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى مَبْنِيَّانِ عَلَى النَّظَرِ فِي الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ بِإِدْرَاكِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي فِيهَا ، فَيُلْغَى طَرْدِيُّهَا وَيُعْمَلُ مُعْتَبَرُهَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عِلْمُ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْفِقْهِ مُتَمَيِّزٌ بِأُمُورٍ لَا يُحْسِنُهَا كُلُّ فَقِيهٍ ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ عَارِفًا بِفَصْلِ الْخِصَامِ ، وَلَيْسَ لَهُ بَاعٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْفَرَائِضِ كَذَلِكَ ، وَكَمَا أَنَّ عِلْمَ التَّصْرِيفِ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِنَا لَا يُحْسِنُونَهُ ، وَقَدْ يُحْسِنُهُ مَنْ هُوَ

دُونَهُمْ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَلَا غَرَابَةَ فِي امْتِيَازِ عِلْمِ الْقَضَاءِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ ، وَإِنَّمَا الْغَرَابَةُ فِي اسْتِعْمَالِ كُلِّيَّاتِ عِلْمِ الْفِقْهِ وَتَطْبِيقِهَا عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا الْوَاقِعَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ عَسِيرٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَتَجِدُ مَنْ يَحْفَظُ أُصُولًا كَثِيرَةً مِنْ الْفِقْهِ وَيَفْهَمُهَا وَيُعَلِّمُهَا غَيْرَهُ ، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ الْوَاقِعَةِ جُزْئِيَّةً مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ مَسَائِلِ الْإِيمَانِ لَا يُحْسِنُ الْجَوَابَ ، بَلْ لَا يَفْهَمُ مُرَادَ السَّائِلِ عَنْهَا إلَّا بَعْدَ عُسْرٍ ، وَلِلشُّيُوخِ فِي هَذَا حِكَايَاتٌ نَبَّهَ ابْنُ سَهْلٍ عَلَى بَعْضِهَا .
الرَّابِعُ : أَقْوَالُ الشُّيُوخِ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى جَلَالَةِ خُطَّةِ الْقَضَاءِ وَنُدُورِ السَّلَامَةِ فِيهِ ، قَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْقَضَاءُ مِنْ أَعْظَمِ الْخُطَطِ قَدْرًا وَأَجَلِّهَا خَطَرًا ، لَا سِيَّمَا إذَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ الصَّلَاةُ ابْنُ عَرَفَةَ أَرَادَ إمَامَةَ الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَاهُ حُسْنُ اجْتِمَاعِهِمَا وَالْمَعْرُوفُ بِبَلَدِنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا مَنْعُ إمَامَةِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِهَا وَإِلَّا تُنْكِحُهُ إمَامَةُ الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ بِهَا .
الْخَامِسُ : ابْنُ رُشْدٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدْلِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الْأَجْرِ ، وَالْجَوْرُ فِيهِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ، وَهُوَ مِحْنَةٌ مَنْ دَخَلَ فِيهِ اُبْتُلِيَ بِعَظِيمٍ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ إذْ التَّخَلُّصُ فِيهِ عَسِيرٌ .
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَدِدْت أَنِّي أَنْجُو مِنْ هَذَا الْأَمْرِ كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ ، فَالْهُرُوبُ مِنْهُ وَاجِبٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ .
مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَا أَدْرَكْت قَاضِيًا اسْتَقْضَى بِالْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إلَّا رَأَيْت كَآبَةَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَكَرَاهِيَتَهُ فِي وَجْهِهِ إلَّا قَاضِيَيْنِ سَمَّاهُمَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، هَذَا حِينَ كَانَ

الْقَاضِي يُعَانُ عَلَى مَا وَلِيَهُ وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَحْكُمُ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا إذَا صَارَ الْقَاضِي لَا يُعَانُ بَلْ مَنْ وَلَّاهُ رُبَّمَا أَعَانَ عَلَيْهِ مَنْ مَقْصُودُهُ بُلُوغُ هَوَاهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقَلِبُ مُحَرَّمًا نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ .
وَأَكْثَرُ الْخُطَطِ الشَّرْعِيَّةِ فِي زَمَنِنَا أَسْمَاءٌ شَرِيفَةٌ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ خَسِيسَةٍ .
السَّادِسُ : حُكْمُ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي الْوُجُوبُ .
اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إقَامَةُ حَكَمٍ لِلنَّاسِ وَاجِبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْهَرْجِ وَالْمَظَالِمِ ، فَعَلَى الْوَالِي عَلَى بَلَدٍ النَّظَرُ فِي أَحْكَامِهِمْ إنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ أَوْ اشْتَغَلَ عَنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُمْ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْضِعِ وَالٍ كَانَ ذَلِكَ لِذَوِي الرَّأْيِ وَالثِّقَةِ .
السَّابِعُ : مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ قَاضٍ .
هُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَقْضُونَ بَيْنَ النَّاسِ .
أَوَّلُ مَنْ اسْتَقْضَى مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَقْضَى شُرَيْحًا ، وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ أَنَّ أَوَّلَ قَاضٍ اُسْتُقْضِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَوْفَلٍ وَلَّاهُ مُعَاوِيَةُ .
الْعِرَاقِيُّونَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَقْضَى عُمَرُ وَجَّهَ شُرَيْحًا لِلْكُوفَةِ وَكَعْبَ بْنَ سِرَارٍ لِلْبَصْرَةِ ، وَقِيلَ أَوَّلُ مِنْ اسْتَقْضَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا مَنَعَتْهُ الْحُرُوبُ اسْتَقْضَى شُرَيْحًا ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ يَسْتَقْضِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ يَعْنِي بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ بَعَثُوا إلَيْهَا قُضَاةً وَاسْتَقْضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا وَغَيْرَهُمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
الثَّامِنُ : صِفَاتُ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَةُ

فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : شُرُوطٌ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَشُرُوطٌ فِي دَوَامِهَا وَشُرُوطٌ فِي كَمَالِهَا ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ عَدْلٌ إلَى قَوْلِهِ فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ ، وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى إلَى قَوْلِهِ وَوَجَبَ عَزْلُهُ وَإِلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ كَوَرَعٍ إلَخْ .

عَدْلٌ ، ذَكَرٌ ، فَطِنٌ ، مُجْتَهِدٌ ، إنْ وُجِدَ وَإِلَّا : فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ

( عَدْلٌ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ ذَكَرٌ حُرٌّ غَيْرُ فَاسِقٍ وَلَا مُرْتَكِبٍ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ لِلْقَضَاءِ خِصَالٌ مُشْتَرَطَةٌ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا ذَكَرًا عَاقِلًا وَاحِدًا ، فَهَذِهِ السِّتُّ خِصَالٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ عَلَى مَذْهَبِنَا إلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ، فَإِنْ وَلِيَ مَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَتُهُ وَإِنْ انْخَرَمَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ انْعِقَادِ الْوِلَايَةِ سَقَطَتْ الْوِلَايَةُ .
الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَصَّ أَصْحَابُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَأَمِيرُ الْجَيْشِ وَالْحَرْبِ فِي مَعْنَاهُ ، فَإِنَّهَا مَنَاصِبُ دِينِيَّةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا تَنْفِيذُ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يَصْلُحُ لَهَا الْعَبْدُ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالرِّقِّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَمَسْلُوبُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالتَّنْفِيذِ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَلَا لِلْإِمَارَةِ ، وَأَظُنُّ جُمْهُورَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ وِلَايَةِ الْعَتِيقِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْجُمْهُورِ ، قَالَا وَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ خَوْفَ اسْتِحْقَاقِهِ فَيُرَدُّ إلَى الرِّقِّ ، وَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَافَقَ الْحَقَّ أَمْ لَا ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ صَرَّحَ بِهِ فِي تَوْضِيحِهِ ، وَقَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ أَصْبَغُ فِسْقُهُ مُوجِبٌ لِعَزْلِهِ وَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ ، وَيَمْضِي مِنْ أَحْكَامِهِ مَا وَافَقَ الْحَقَّ .
وَفِي الْعُمْدَةِ هَلْ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ أَوْ يَجِبُ عَزْلُهُ قَوْلَانِ .
الْقَرَافِيُّ إنْ لَمْ يُوجَدْ عَدْلٌ وُلِّيَ أَمْثَلُ الْمَوْجُودِينَ .
مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا أَرَى خِصَالَ الْقُضَاةِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ ، فَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْهَا

خَصْلَتَانِ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وَلِيَ .
( ذَكَرٌ ) فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ امْرَأَةٍ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ { لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } ( فَطِنٌ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ الْفَطَانَةِ ، أَيْ النَّبَاهَةِ وَجَوْدَةِ الْعَقْلِ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي يَنْخَدِعُ بِتَحْسِينِ الْكَلَامِ ، وَلَا يَتَنَبَّهُ لِمَا يُفِيدُ الْإِقْرَارُ وَحِيَلِ الْخُصُومِ وَالشُّهُودِ .
ابْنُ عَرَفَةَ عَدَّ ابْنَ الْحَاجِبِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَطَانَتَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطُّرْطُوشِيِّ ، فَلَا يَكْتَفِي بِالْعَقْلِ التَّكَيُّفِيِّ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْفَطِنَةِ بَعِيدَ الْغَفْلَةِ وَعَدَّهَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ مُطْلَقَ الْفَطِنَةِ الْمَانِعَ مِنْ كَثْرَةِ التَّغَفُّلِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، وَالْفَطِنَةُ الْمُوجِبَةُ لِلشُّهْرَةِ بِهَا غَيْرُ النَّادِرَةِ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ ، فَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْسَبُ لِأَنَّ فَطِنٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ كَحَذِرٍ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْفَطَانَةِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا لَازِمَةٌ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُرَادُ بِالْفَطِنِ مَنْ لَا يَسْتَزِلُّ فِي رَأْيِهِ وَلَا تَمْشِي عَلَيْهِ حِيَلُ الشُّهُودِ وَالْخُصُومِ .
الْحَطّ الْأَحْسَنُ ذُو فِطْنَةٍ الْمِسْنَاوِيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْفِطْنَةَ مِنْ الشُّرُوطِ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَمُحَقِّقُو الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ .
( مُجْتَهِدٌ ) أَيْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ ( إنْ وُجِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ مُقَلِّدٍ مَعَ وُجُودِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ ( فَأَمْثَلُ ) أَيْ أَكْمَلُ ( مُقَلِّدٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ مُقَلِّدٍ دُونَهُ مَعَ وُجُودِهِ .
الْبُنَانِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْثَلِ شَرْطُ صِحَّةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ وِلَايَةُ مَنْ دُونَهُ مَعَ وُجُودِهِ ، وَلَا أَظُنُّ هَذَا يَسْلَمُ ، وَعِبَارَةُ ابْنِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57