كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش
وَلَزِمَ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ
( وَلَزِمَ ) الطَّلَاقُ ( بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ يُفْهَمَ مِنْهَا التَّطْلِيقُ ، بِأَنْ صَاحَبَهَا قَرِينَةٌ يَقْطَعُ مَنْ عَايَنَهَا بِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْهُ الزَّوْجَةُ مِنْهَا وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى النُّطْقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهِيَ كَاللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي عَدَمِ الِافْتِقَارِ لِنِيَّةٍ ، وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ لِقَوْلِهِ وَلَفْظٌ وَغَيْرُ الْمُفْهِمَةِ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَوْ قَصَدَهُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ إلَّا لِعُرْفٍ جَارٍ بِالتَّطْلِيقِ بِهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَا عُلِمَ مِنْ الْأَخْرَسِ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَذْفٍ لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ .
وَرَوَى الْبَاجِيَّ إشَارَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ كَلَفْظِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا } قُلْت إنْ قُلْت يَحْسُنُ هَذَا دَلِيلًا لِلْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ آيَةٌ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَلَامِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَقِيَاسُ السَّلِيمِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ .
ابْنُ شَاسٍ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ بِالطَّلَاقِ هِيَ مِنْ الْأَخْرَسِ كَالصَّرِيحِ ، وَمِنْ الْقَادِرِ كَالْكِنَايَةِ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا دَلَالَةَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إلَّا مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ .
فَإِنْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَانَتْ كَالصَّرِيحِ كَانَتْ مِنْ أَخْرَسَ ، أَوْ قَادِرٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْكِنَايَةِ مِنْهُمَا .
قُلْت ظَاهِرُ نَقْلِ الْبَاجِيَّ أَنَّهُمَا مِنْهُمَا سَوَاءٌ ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُرَدُّ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْقَرَائِنِ مَعَ الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ لَا يُزَاحِمُهَا إمْكَانُ مَا هُوَ أَدَلُّ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا ، وَهُوَ النُّطْقُ بِحَالٍ ، فَكَانَتْ كَالصَّرِيحِ ، وَدَلَالَةُ الْقَرَائِنِ مَعَ الْإِشَارَةِ مِنْ الْقَادِرِ يُزَاحِمُهَا
إمْكَانُ مَا هُوَ أَدَلُّ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا وَهُوَ النُّطْقُ فَلَمْ تَكُنْ فِي حَقِّهِ كَالصَّرِيحِ .
وَبِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ بِهِ مَعَ رَسُولٍ
( وَ ) لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ ( بِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ بِهِ ) أَيْ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ ( مَعَ رَسُولٍ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ أَخْبِرْهَا بِأَنِّي طَلَّقْتهَا وَنَحْوَهُ فَلَزِمَ الطَّلَاقُ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ لِلرَّسُولِ سَوَاءٌ أَخْبَرَهَا الرَّسُولُ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهَا ، وَإِضَافَةُ مُجَرَّدٍ مِنْ إضَافَةٍ مَا كَانَ صِفَةً ، وَالْأَصْلُ بِإِرْسَالِهِ الْمُجَرَّدَ عَنْ التَّبْلِيغِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَخْبِرْ زَوْجَتِي بِطَلَاقِهَا ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولًا بِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ بَلَّغَهَا الرَّسُولُ أَوْ كَتَمَهَا .
وَبِالْكِتَابَةِ عَازِمًا ، أَوْ لَا إنْ وَصَلَ لَهَا ،
( وَ ) لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ ( بِالْكِتَابَةِ ) لِصِيغَتِهِ مِنْ الزَّوْجِ حَالَ كَوْنِهِ ( عَازِمًا ) أَيْ نَاوِيًا الطَّلَاقَ بِكِتَابَةِ صِيغَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظِهِ بِهَا لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ فَنُزِّلَتْ الْكِتَابَةُ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ ( أَوْ ) كَتَبَهُ ( لَا ) أَيْ غَيْرَ عَازِمٍ وَبَعَثَهُ إلَيْهَا كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ( إنْ وَصَلَ ) الْكِتَابُ لِلزَّوْجَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ فَلَا يَلْزَمُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا كَتَبَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ ، أَحَدُهَا : أَنْ يَكْتُبَهُ مُجْمِعًا عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَخِيرَ فِيهِ ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُنْفِذَهُ أَنْفَذَهُ .
وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يُنْفِذَهُ لَمْ يُنْفِذْهُ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ ، فَأَمَّا إذَا كَتَبَهُ مُجْمِعًا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ .
وَأَمَّا إذَا كَتَبَهُ مُسْتَخِيرًا فِي إنْفَاذِهِ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ .
قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكِتَابُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَيَحْلِفُ عَلَى نِيَّتِهِ ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بِخُرُوجِهِ مِنْ يَدِهِ وَصَلَهَا أَوْ لَمْ يَصِلْهَا .
وَاخْتُلِفَ إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ عَلَى رَدِّهِ إنْ بَدَا لَهُ فَقِيلَ إنَّ خُرُوجَهُ مِنْهَا كَالْإِشْهَادِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ .
وَقِيلَ لَهُ رَدُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ ، فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا ، فَإِذَا وَصَلَهَا طَلَقَتْ مَكَانَهَا وَأُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا ، وَإِنْ كَتَبَ إذَا وَصَلَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَرْسَلَهُ إلَيْهَا تَخَرَّجَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ كَكَتْبِهِ إنْ وَصَلَك كِتَابِي هَذَا .
وَالثَّانِي : وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ مَكَانَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إذَا بَلَغْت مَعِي مَوْضِعَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ حَسْبَمَا فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ
عِيسَى مِنْ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ ، وَسَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْهُ .
ا هـ .
فَفَرَّقَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا لِأَنَّ إنْ صَرِيحَةٌ فِي الشَّرْطِ ، وَإِذَا مُحْتَمِلَةٌ لَهُ وَلِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ ، فَمَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِهَا الْآنَ حَمَلَهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَقَطْ ، فَكَأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى زَمَانٍ آتٍ فَيُنَجَّزُ ، وَالظَّاهِرُ عَلَى الْمَشْهُورِ عَدَمُ تَنْجِيزِهِ إذْ هِيَ عِنْدَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الشَّرْطِ .
وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ : خِلَافٌ
( وَفِي لُزُومِهِ ) أَيْ الطَّلَاقِ الزَّوْجَ ( بِكَلَامِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( النَّفْسِيِّ ) بِأَنْ أَجْرَى لَفْظَةَ الطَّلَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَاسْتَحْضَرَهَا بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِهَا كَمَا يُجْرِيهَا عَلَى لِسَانِهِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ ، وَالْقَصْدِ لِلتَّطْلِيقِ إذْ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُهُ ، فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إجْمَاعًا ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِلْوَسْوَسَةِ وَلَا لِقَوْلِهِ فِي خَاطِرِهِ أَطْلِقْ هَذِهِ وَأَسْتَرِيحُ مِنْ سُوءِ عِشْرَتِهَا مَثَلًا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ ، أَفَادَهُ عب الْبُنَانِيُّ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ ، وَالْقَوْلُ بَعْدَ اللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنَصَرَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ وَشَهَرَهُ الْقَرَافِيُّ ، وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَشَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَلَّ الْعِصْمَةَ الَّتِي عُقِدَتْ بِقَوْلٍ وَنِيَّةٍ فَوَجَبَ كَوْنُ حَلِّهَا كَذَلِكَ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ الْقَلْبِيَّةِ ، لَا فِيمَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ غَيْرُ النِّيَّةِ فَالتَّطْلِيقُ بِهِ حَلُّ الْعِصْمَةِ بِكَلَامٍ وَنِيَّةٍ فَسَاوَى عَقْدَهَا بِهِمَا وَلِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرَهُ كَلَامَ النَّفْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَعَدَمُ لُزُومِهِ بِهِ فِيهِ ( خِلَافٌ ) أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
وَإِنْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ ، فَثَلَاثٌ إنْ دَخَلَ : كَمَعَ طَلْقَتَيْنِ مُطْلَقًا ، وَبِلَا عَطْفٍ : ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا ، إنْ نَسَّقَهُ ، إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ فِيهِمَا فِي غَيْرِ مُعَلَّقٍ بِمُتَعَدِّدٍ
( وَإِنْ كَرَّرَ ) الزَّوْجُ ( الطَّلَاقَ بِعَطْفٍ ) لِبَعْضِ صِيَغِهِ عَلَى بَعْضٍ ( بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ ) سَوَاءٌ أَعَادَ الْمُبْتَدَأَ مَعَ كُلِّ مَعْطُوفٍ أَمْ لَا ( فَ ) يَلْزَمُهُ ( ثَلَاثٌ ) مِنْ الطَّلْقَاتِ ( إنْ ) كَانَ ( دَخَلَ ) الزَّوْجُ بِالزَّوْجَةِ قَبْلَ طَلَاقِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَثَلَاثٌ أَيْضًا إنْ نَسَّقَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا ، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ ، وَمَعْنَى النَّسَقِ ذِكْرُ اللَّفْظِ الْمُتَأَخِّرِ عَقِبَ الْمُتَقَدِّمِ بِلَا فَصْلٍ " غ " تَبِعَ فِي هَذَا الشَّرْطِ ابْنَ شَاسٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ عَرَضَهُ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فِي ثُمَّ وَالْوَاوِ ظَاهِرٌ ، وَنَصَّ فِيمَنْ بَنَى وَمَنْ لَمْ يَبْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ أَتْبَعَ الْخُلْعَ طَلَاقًا ، وَوَجَّهَ فِي التَّوْضِيحِ مَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي ثُمَّ وَالْفَاءِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّرَاخِي ، وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُهْلَةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ الْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ فِي الْإِخْبَارِ طَلَّقْت فُلَانَةَ ثُمَّ فُلَانَةَ طَلَّقْتهَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَلَامُ إنْشَاءً فَلَا لِاسْتِلْزَامِ الْإِنْشَاءِ الْحَالَ .
ا هـ .
وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ هَذَا مَقْصُورٌ عَلَى ثُمَّ دُونَ الْفَاءِ وَالْوَاوِ وَهُوَ التَّحْقِيقُ .
وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فَقَالَ ( كَ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ( مَعَ طَلْقَتَيْنِ ) فَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ كَوْنُهُ دَخَلَ ( وَ ) إنْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا ( بِلَا عَطْفٍ ) لَزِمَهُ ( ثَلَاثٌ فِي ) الزَّوْجَةِ ( الْمَدْخُولِ بِهَا ) وَإِنْ كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فِيهَا ، وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ فَقَالَ ( كَغَيْرِهَا ) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا ( إنْ نَسَّقَهُ )
أَيْ وَصَلَ الزَّوْجُ صِيَغَ الطَّلَاقِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فَلَا فَصْلَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ فَصَلَ بِأَمْرٍ اضْطِرَارِيٍّ عُطَاسٍ وَسُعَالٍ ، وَمَفْهُومُ إنْ نَسَّقَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُنَسِّقْهُ فَلَا يَلْزَمْهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا الْأَوَّلَ لِبَيْنُونَتِهَا بِهِ ، فَلَا يَجِدُ الثَّانِي مَحَلًّا يَقَعُ فِيهِ ، وَالْمُتَأَخِّرُ يَلْزَمُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُطْلَقًا ، وَفِي غَيْرِهَا مَنْسُوقًا فِي كُلِّ حَالٍ .
إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ ) لِلْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الْأَوَّلُ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فِي الْمُكَرَّرِ بِلَا عَطْفٍ ، وَأَمَّا مَعَ الْعَطْفِ فَلَا تَنْفَعُ نِيَّةُ التَّأْكِيدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِتَنَافِيهِمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْفَعُ وَنِيَّةُ التَّأْكِيدِ مَقْبُولَةٌ بِيَمِينٍ فِي الْقَضَاءِ وَبِغَيْرِهَا فِي الْفَتْوَى ، وَلَوْ طَالَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَفِي غَيْرِهَا إنْ لَمْ يَطُلْ ، وَإِلَّا فَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ التَّأْكِيدَ قَالَهُ عج .
وَقَالَ " د " ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّأْكِيدَ يَنْفَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ نَسَقًا أَمْ لَا ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالنَّسَقِ أَيْ وَإِلَّا فَلَا تَنْفَعُهُ لِأَنَّ فَصْلَهُ يَمْنَعُ التَّوْكِيدَ .
وَقَيَّدَ قَبُولَ التَّوْكِيدِ بِقَوْلِهِ ( فِي غَيْرِ مُعَلَّقٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً ( بِمُتَعَدِّدٍ ) بِأَنْ لَمْ يُعَلِّقْ أَصْلًا أَوْ عَلَّقَ بِمُتَّحِدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ كَلَّمَهُ فَثَلَاثٌ إلَّا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِمُتَعَدِّدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلَتْ كَذَا وَفَعَلَ الْجَمِيعَ فَثَلَاثٌ ، وَلَا تُقْبَلُ نِيَّةُ التَّأْكِيدِ لِتَعَدُّدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ طَلَّقَ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت ؟ فَقَالَ : هِيَ طَالِقٌ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إخْبَارَهُ ، فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ : قَوْلَانِ
( وَلَوْ طَلَّقَ ) الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهُ ( فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت ) فَأَجَابَ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ وَالْإِنْشَاءَ ( فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ ) وَرُفِعَ لِلْقَاضِي ( فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ) الزَّوْجُ ( إخْبَارَهُ ) أَيْ الْمُسْتَفْهِمِ وَلَا إنْشَاءَ طَلَاقٍ آخَرَ ( فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ ) وَاحِدَةٍ بَعْدَ حَلِفِهِ مَا أَرَادَ بِهِ إنْشَاءَ طَلَاقٍ آخَرَ ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ ( أَوْ ) لُزُومُ طَلْقَتَيْنِ ( اثْنَتَيْنِ ) مُحَمَّلًا عَلَى الْإِنْشَاءِ احْتِيَاطًا ( قَوْلَانِ ) فَهُمَا فِي لُزُومِ ثَانِيَةٍ ، فَلَوْ قَالَ فَفِي لُزُومِ ثَانِيَةٍ قَوْلَانِ لَكَفَى ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا تَلْزَمُهُ ثَانِيَةٌ اتِّفَاقًا ، كَتَعَيُّنِ جَوَابِهِ لِلْإِخْبَارِ أَوْ مَجِيئِهِ مُسْتَفْتِيًا ، وَإِنْ تَمَحَّضَ لِلْإِنْشَاءِ لَزِمَتْهُ ثَانِيَةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا رَجْعِيَّةٍ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ، فَمَحَلُّهُمَا مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ ، الدُّخُولُ وَالرَّجْعِيَّةُ وَبَقَاءُ الْعِدَّةِ وَاحْتِمَالُ الْجَوَابِ وَالْقَضَاءُ ، وَهُمَا اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ ، وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت ؟ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت إخْبَارَهُ بِالتَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقْتهَا قَبِلَ قَوْلَهُ الصِّقِلِّيُّ وَيَحْلِفُ ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا إنَّمَا يَحْلِفُ إنْ تَقَدَّمَتْ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ ، وَحَيْثُ يَجِبُ حَلِفُهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فَإِنْ أَبَى فَلَا رَجْعَةَ لَهُ ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فِي عِدَّتِهَا لِإِقْرَارِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ أَوْ يُوقِعَهَا .
ابْنُ شَاسٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَوْلَا الْمُتَأَخِّرِينَ .
قُلْت الْأَوَّلُ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ لَوْ عُلِمَ عَدَمُ نِيَّتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُ تَطْلِيقَةٍ لِأَنَّ بِسَاطَ سُؤَالِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا فَعَلَ .
وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
فَسُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَمَلٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ طَلَاقًا قُلْتُ فِي حَلِفِهِ فِي هَذِهِ بُعْدٌ ابْنِ مُحْرِزٍ لَوْ أَجَابَ بِطَلَّقْتُهَا لَمْ يَحْلِفْ عِيَاضٌ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ إعْلَامَهُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا فَعَلَ .
وَنِصْفَ طَلْقَةٍ ، أَوْ طَلْقَتَيْنِ ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ
( وَ ) اللَّازِمُ ( فِي ) قَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ( نِصْفَ طَلْقَةٍ أَوْ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ ( طَلْقَتَيْنِ أَوْ ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ( نِصْفَيْ ) مُثَنَّى نِصْفٍ حُذِفَ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ لِ ( طَلْقَةٍ أَوْ ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ( نِصْفَ ) بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ لِطَلْقَةٍ الْآتِي ( وَثُلُثَ ) بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ لِطَلْقَةٍ مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا ( طَلْقَةٍ ) الْمَذْكُورَةُ ، وَالْأَصْلُ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَحُذِفَ لَفْظُ طَلْقَةٍ الْمُضَافِ إلَيْهِ ثُلُثٌ ، وَاعْتَرَضَ بِ وَثُلُثَ بَيْنَ نِصْفَ الْمُضَافِ وَطَلْقَةٍ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، هَذَا تَوْجِيهُ التَّرْكِيبِ الْمَشْهُورِ فِي النَّحْوِ وَالْفُقَهَاءُ بَنَوْا فَتْوَاهُمْ عَلَى عَطْفِ ثُلُثٍ عَلَى نِصْفٍ وَإِضَافَةِ مَجْمُوعِهِمَا إلَى طَلْقَةٍ الْمَذْكُورَةِ ، وَمَجْمُوعُهُمَا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ طَلْقَةٍ فَيَكْمُلُ الْكَسْرُ ، وَتَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَكَذَا إذَا ذَكَرَ أَجْزَاءً يَنْقُصُ مَجْمُوعُهَا عَنْ طَلْقَةٍ أَوْ يُسَاوِيهَا ، فَإِنْ زَادَ فَطَلْقَتَانِ .
فَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ لِزِيَادَةِ الْأَجْزَاءِ عَلَى وَاحِدَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ طَلَّقَ بَعْضَ طَلْقَةٍ لَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ .
ابْنُ شِهَابٍ وَيُوجَعُ ضَرْبًا ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ سُدُسَ تَطْلِيقَةٍ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ حُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَالْفُقَهَاءُ عَلَى خِلَافِهِ .
قُلْت تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ نُزُولَ الْمُخَالِفِ مَعَ كَثْرَةِ الْمُجْمِعِينَ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَفِي ثُلُثَ وَرُبُعَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ
طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَفِي ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ ثَلَاثٌ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا فِي نِصْفَ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَفِي نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ اسْتِشْكَالٌ مِنْهُ وَالْأَظْهَرُ عَوْدُهُ لِلْأُولَى لِجَرَيَانِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَصْلِ تَكْمِيلِ الطَّلْقَةِ ، وَتَقْرِيرُ إشْكَالِ الْأُولَى أَنَّ تَقْدِيرَ لَفْظِهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ فَنِصْفٌ مُضَافٌ قَطْعًا فِي النِّيَّةِ وَالْمَنْوِيُّ مَعَ اللَّفْظِ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ ، فَسَاوَتْ الْأُولَى الثَّانِيَةَ فَافْتِرَاقُهُمَا فِي الْحُكْمِ مُشْكِلٌ .
وَجَوَابُهُ عَلَى أَصْلَيْنِ فِي الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَاضِحٌ ، أَمَّا الْفِقْهِيُّ : فَهُوَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، لِإِضَافَتِهِ الْجُزْأَيْنِ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَزِيدُ مَجْمُوعُهُمَا عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي نِصْفَيْ طَلْقَةٍ .
وَأَمَّا أَصْلُ الْعَرَبِيَّةِ : فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ إنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ إذَا حُذِفَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْوِينِ الْمُضَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ بَعْدَ الْحَذْفِ عَلَى هَيْئَتِهِ قَبْلَ الْحَذْفِ ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا ، قَالُوا التَّقْدِيرُ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ مَنْ قَالَهَا وَرِجْلَهُ ، فَحُذِفَ الضَّمِيرُ وَأُقْحِمَ الْمَعْطُوفُ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَحُذِفَ التَّنْوِينُ مِنْ يَدٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَنْ .
وَحُذِفَ مِنْ رِجْلٍ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَنْ فِي الْمَعْنَى ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي اللَّفْظِ ، وَهَذَا الْأَصْلُ يُوجِبُ تَقْدِيرَ تَرْكِيبِ لَفْظِ الْمَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَهَا ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّ اللَّازِمَ فِي هَذَا اللَّفْظِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ ، وَقَوْلُهُ قَالُوا يَقْتَضِي عَزْوَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا أَعْرِفُهُ نَصًّا لِوَاحِدٍ ، لَكِنَّ أُصُولَ الْمَذْهَبِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ تَقْتَضِيهِ .
أَوْ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ ؛ أَوْ مَتَى مَا فَعَلْت ، وَكُرِّرَ ، أَوْ طَالِقٌ أَبَدًا طَلْقَةً
أَوْ ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ( وَاحِدَةً فِي ) طَلْقَةٍ ( وَاحِدَةٍ ) فَتَلْزَمُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْحِسَابَ وَإِلَّا فَاثْنَتَانِ ( أَوْ ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مُتَّحِدٍ بِأَدَاةٍ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَقَوْلِهِ ( مَتَى فَعَلْت ) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
( وَكُرِّرَ ) بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى مُشَدَّدَةً اللَّفْظُ أَوْ الْفِعْلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ نَوَى بِتَكَرُّرِ اللَّفْظِ التَّوْكِيدَ .
" غ " أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى فَعَلْت كَذَا ، وَكَرَّرَ الْفِعْلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ أَوْ دَلَّ لَفْظٌ يُجْمَعُ أَوْ بِكُلَّمَا أَوْ مَهْمَا لَا مَتَى مَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا مَعْنَى كُلَّمَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَرَنَ الْمُصَنِّفُ مَتَى فِي بَابِ الْأَيْمَانِ بِمَا وَجَرَّدَهَا مِنْهَا هُنَا كَمَا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَيَسْتَشْكِلُ قَوْلُهُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِمَتَى مَعْنَى كُلَّمَا بِأَنَّ نِيَّةَ التَّكْرَارِ تَوْجِيهٌ بِأَيِّ لَفْظٍ ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِمَتَى مَا ، وَلِذَا لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ رُشْدٍ اقْتِرَانَهَا بِمَا وَيُجَابُ بِأَنَّ مَتَى مَا قَرِيبَةٌ مِنْ كُلَّمَا فَمُجَرَّدُ إرَادَةِ كَوْنِهَا بِمَعْنَاهَا يَثْبُتُ بِهَا لِتَكْرَارٍ دُونَ اسْتِحْضَارِ نِيَّتِهِ ، ثُمَّ قَالَ " غ " فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنَّ ضَبْطَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَتَى فَعَلْتُ بِضَمِّ التَّاءِ كَإِنْ كَرَّرَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ، وَإِنْ ضُبِطَ بِكَسْرِهَا كَإِنْ كُرِّرَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَإِلَّا قِيلَ وَكَرَّرَتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ .
( أَوْ ) قَوْلُهُ أَنْتِ ( طَالِقٌ أَبَدًا ) فَاللَّازِمُ ( طَلْقَةٌ ) وَاحِدَةٌ فِي السَّبْعِ مَسَائِلَ عَلَى فَهْمِ ابْنِ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ فِي السَّابِعَةِ بِجَعْلِ الْأَبَدِيَّةِ لِمُطْلَقِ الْفِرَاقِ الشَّامِلِ لِلسُّنِّيِّ إذْ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ ، وَاسْتَمَرَّ طَلَاقُك أَبَدًا أَوْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَلَمْ
يُرَاجِعْهَا فَقَدْ اسْتَمَرَّ طَلَاقُهَا ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ ، وَظَاهِرُهَا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ لِجَعْلِ الْأَبَدِيَّةِ لِلْفِرَاقِ فِي أَزْمَانِ الْعِصْمَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ ، وَذَلِكَ بِالثَّلَاثِ .
وَنَصَّ ابْنُ يُونُسَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ خَلَعَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ فَقَالَتْ الْأُخْرَى سَتُرَاجِعُهَا فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ أَبَدًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ إنْ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَانَ خَاطِبًا ، وَمِنْ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ لِلْمُدَوَّنَةِ ، وَأَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا وَقَعَ التَّأْبِيدُ عَلَى الرَّجْعَةِ كَأَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ سَتُرَاجِعُهَا قَالَ إنْ رَاجَعْتهَا أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَلِذَا أَلْزَمَهُ طَلْقَةً .
وَصَوَّبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَوْلَ .
ابْنُ يُونُسَ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّأْبِيدَ عَلَى الطَّلَاقِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ سَتُرَاجِعُهَا قَالَ لَهَا هِيَ طَالِقٌ أَبَدًا يُرِيدُ إنْ رَاجَعَهَا فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَصِيرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا قَوْلَانِ ، قَوْلٌ إنَّهُ وَاحِدَةٌ وَقَوْلٌ إنَّهُ ثَلَاثٌ .
وَاثْنَتَانِ فِي " رُبُعَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ " ، وَوَاحِدَةً فِي اثْنَيْنِ ، وَالطَّلَاقُ كُلُّهُ ، إلَّا نِصْفَهُ
( وَ ) اللَّازِمُ ( اثْنَتَانِ فِي ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( رُبُعَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ ) لِإِضَافَةِ كُلِّ كَسْرٍ إلَى طَلْقَةٍ صَرِيحًا فَأَخَذَ كُلُّ كَسْرٍ مُمَيِّزَهُ فَاسْتَقَلَّ بِهِ ، وَلِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً فَالثَّانِيَةُ غَيْرُ الْأُولَى ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ } .
ابْنُ شَاسٍ وَفِي ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ ثَلَاثٌ .
( وَ ) اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ( وَاحِدَةً فِي ) طَلْقَتَيْنِ ( اثْنَتَيْنِ ) إنْ عَرَفَ الْحِسَابَ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ ( وَ ) اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( الطَّلَاقَ كُلَّهُ ) أَيْ ثَلَاثًا ( إلَّا نِصْفَهُ ) أَيْ وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَالْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٌ وَنِصْفٌ ، وَحُكْمُ كَسْرِ الطَّلَاقِ تَكْمِيلُهُ بِوَاحِدَةٍ تت لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَتَى بِالضَّمِيرِ مَوْضِعَ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَائِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ إلَّا نِصْفَ الطَّلَاقِ أَوْ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ الطَّلَاقِ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ وَاحِدَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ ، فَاسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ لِتَكْمِيلِ كَسْرِ الْبَاقِي .
طفي قَوْلُهُ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ .
وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ، ثُمَّ قَالَ : كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَهِيَ طَالِقٌ
وَ ) اثْنَتَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ ( أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ) مُشِيرًا إلَى قَرْيَةِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى تَزَوُّجِهَا ( فَهِيَ طَالِقٌ ) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَطَلْقَتَانِ وَاحِدَةٌ بِالْخُصُوصِ وَوَاحِدَةٌ بِالْعُمُومِ ، وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيَلْزَمُ فِيهِ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ ذِكْرَهَا بِخُصُوصِهَا بَعْدَ دُخُولِهَا فِي عُمُومِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا يَزِيدُهَا شَيْئًا ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ عَلَّقَ فِيهَا أَوَّلًا بِخُصُوصِهَا ، ثُمَّ عَلَّقَ فِيهَا ثَانِيَةً بِالْعُمُومِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا ، وَكَذَا صَوَّبَ شَيْخُ ابْنِ نَاجِي وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ نَاجِي بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ أَيْضًا .
وَثَلَاثٌ فِي : إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ ؛ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ ، أَوْ كُلَّمَا حِضْت
( وَ ) يَلْزَمُهُ ( ثَلَاثٌ فِي ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ ( إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ ) كَذَا قَدَّرَ الشَّارِحُ وتت وَوُجِّهَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى نِصْفَ طَلْقَةٍ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالطَّلَاقِ غَيْرَ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا لَقَالَ نِصْفَهُ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ مُسْتَغْرِقٌ حِينَئِذٍ ، أَشَارَ إلَى هَذَا الشَّارِحُ .
وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَظَاهِرٌ أَيْضًا ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ قَالَهُ " د " .
( وَ ) يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ ( اثْنَتَيْنِ فِي ) طَلْقَتَيْنِ ( اثْنَتَيْنِ ) سَوَاءٌ أَرَادَ مَعْنَى الضَّرْبِ أَوْ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ( أَوْ ) قَالَ لِمَنْ تَحِيضُ بِالْفِعْلِ أَوْ لِصَغِيرَةٍ يُتَوَقَّعُ حَيْضُهَا أَنْتِ طَالِقٌ ( كُلَّمَا حِضْت ) أَوْ كُلَّمَا جَاءَ يَوْمُ أَوْ شَهْرُ حَيْضِك فَتَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ مِنْ وَقْتِ قَوْلِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ غَالِبُ الْحُصُولِ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ التَّكْثِيرَ كَطَالِقٍ مِائَةَ طَلْقَةٍ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ إذَا قَالَهُ وَهِيَ طَاهِرٌ ، فَإِذَا حَاضَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَقَعَتْ ثَانِيَةٌ ، ثُمَّ إذَا حَاضَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ فَلَا تَقَعُ الثَّالِثَةُ .
قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلَّمَا .
أَوْ مَتَى مَا ، أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُك ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ؛
( أَوْ ) قَالَ ( كُلَّمَا طَلَّقْتُك ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَوْ ) قَالَ ( مَتَى مَا ) طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ) قَالَ ( إذَا مَا طَلَّقْتُك ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَوْ ) قَالَ مَتَى أَوْ إذَا مَا ( وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ) فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَتَى مَا وَإِذَا مَا مِثْلُ كُلَّمَا فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ نَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ أَوْ مَتَى فَعَلْت وَكَرَّرَ ، وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ لَا مَتَى مَا .
" غ " حَاصِلُ مَا فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا قَالَ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً ثَلَاثٌ ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بَدَلَ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَرَجَعَ سَحْنُونٌ إلَى كَوْنِهِ كَذَلِكَ ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ ا هـ .
وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَلْ فَاعِلُ السَّبَبِ فَاعِلُ الْمُسَبَّبِ أَمْ لَا .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُهُ أَنَّ إذَا مَا وَمَتَى مَا مِثْلُ كُلَّمَا دُونَ إرَادَةِ كَوْنِهِمَا مِثْلَهَا خِلَافٌ ، نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ بَابُ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ مَهْمَا وَمَتَى مَا مِثْلُ إنْ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ .
ا هـ .
وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَا فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَتَى فَعَلْت ، وَكَرَّرَ وَخِلَافُ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ لَا مَتَى مَا وَكَأَنَّهُ اسْتَشْعَرَ هَذَا فِي التَّوْضِيحِ إذْ قَالَ وَأَلْحَقَ سَحْنُونٌ بِكُلَّمَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إذَا مَا وَمَتَى مَا .
أَوْ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا
( أَوْ ) قَالَ ( إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ) فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ ، وَيُلْغَى قَوْلُهُ قَبْلَهُ لِاتِّصَافِهَا بِالْحِلِّ إلَى وَقْتِ التَّطْلِيقِ ، وَفِي وَقْتِهِ قَدْ مَضَى مَا قَبْلَهُ وَالْمَاضِي لَا يَعُودُ ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ شَاسٍ مَنْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أُلْغِيَ لَفْظُ قَبْلَهُ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ تَمَامُ الثَّلَاثِ .
قُلْتُ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ هَذِهِ الْمُتَرْجَمَةُ قَصَصْنَاهُمْ ، قَالَ دَهْمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ أَبَدًا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْمُنَجَّزُ دُونَ الْمُعَلَّقِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاصِّ .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَقَعُ مَعَ الْمُنَجَّزِ تَمَامُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالْحُسْنِيِّ وَغَيْرُهُ وَأَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ خِيَارِ مُتَأَخِّرِيهِمْ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَصْحَابِنَا مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَا دَلَّ عَلَى تَصْحِيحِهَا وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُمَا مِمَّنْ ادَّعَاهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهَا ، وَعَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ يُبْطِلُ عِتْقَهُمَا ، وَرُفِعَ لَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَهُوَ ثُبُوتُ مَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ مِنْهُ قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَهُ أَوْ وَالِدَهُ فِي مَرَضِهِ بَتْلًا صَحَّ عِتْقُهُ وَوَرِثَ مَعَ أَنَّ إرْثَهُ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ ، لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ فَثُبُوتُ إرْثِهِ يُبْطِلُ الْعَطِيَّةَ لَهُ ، وَبُطْلَانُهَا يُبْطِلُ حُرِّيَّتَهُ ، وَبُطْلَانُهَا يُبْطِلُ إرْثَهُ .
الشَّيْخُ مَنْ شَرَطَ لِامْرَأَتِهِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا
عَلَيْهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ أُخْرَى وَشَرَطَ لَهَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَصْبَغُ تَطْلُقَانِ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ وَذَكَرَهَا الطُّرْطُوشِيُّ ، وَقَالَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَعْنَى شَرْطِهِ لِلْأُولَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ فَهِيَ طَالِقٌ ، وَعَقْدُ الثَّانِيَةِ أَوْجَبَ طَلَاقَ الْأُولَى ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى ، وَلَمْ يَجْمَعْهَا مَعَهَا ، وَالْقَصْدُ كَرَاهَةُ أَنْ يَجْمَعَ مَعَهَا أُخْرَى قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا جَوَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ قَوْلُ أَصْبَغَ لِأَنَّ شَرْطَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْجَبَ طَلَاقَ الْأُخْرَى .
الطُّرْطُوشِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ وَقَدْ وَضَّحْنَاهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ .
قُلْت وَالْمَسْأَلَةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِيهَا ، وَهُوَ جَعْلُ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ سَبَبًا فِي طَلَاقٍ مُقَيَّدٍ بِزَمَنٍ مَاضٍ هَلْ يَلْزَمُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ أَوْ لَا اعْتِبَارًا بِوَقْتِ حُصُولِ السَّبَبِ ، سَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ غَدًا الْحَمَّامَ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَلَهُ مَسُّهَا فَقَبِلَهَا الشَّيْخُ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ تَجَوُّزٌ مِثْلُهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، بَلْ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، وَحَقِيقَةُ تَرْكِيبِهِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْيَوْمَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الْحَمَّامَ غَدًا ، وَقَوْلُهُ لَهُ مَسُّهَا يُرِيدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَدٍ .
قُلْت وَلِابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ دُخُولِك لَزِمَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا فَكَلَّمَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ هَذَا خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ
لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَنٍ قُلْتُ فَفِي لَغْوِ الْمُعَلَّقِ مُقَيَّدًا بِزَمَنٍ قَبْلَ زَمَنِ سَبَبِهِ طَرِيقَا ابْنِ رُشْدٍ مَعَ نَصِّ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ مُحْرِزٍ مَعَ الشَّيْخِ ، وَنَصِّ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمُقْتَضَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ وَهِيَ أَسْعَدُ بِالرِّوَايَاتِ صِحَّةً مَا فَهِمَهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ فِي السُّرَيْجِيَّةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ شَاسٍ .
وَطَلْقَةٌ فِي أَرْبَعٍ قَالَ لَهُنَّ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ ، مَا لَمْ يَزِدْ الْعَدَدُ عَلَى الرَّابِعَةِ : سَحْنُونٌ ، وَإِنْ شَرَّكَ طَلَقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا
( وَ ) تَلْزَمُ ( طَلْقَةٌ ) وَاحِدَةٌ ( فِي ) كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجَاتٍ لَهُ ( أَرْبَعٍ قَالَ ) الزَّوْجُ ( لَهُنَّ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ ) أَوْ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِزَوْجَتَيْنِ بَيْنَكُمَا طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ وَقَوْلُهُ لِثَلَاثِ زَوْجَاتٍ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ ، فَيَلْزَمُ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ طَلْقَةٌ ( مَا لَمْ يَزِدْ ) الْعَدَدُ لِلطَّلَقَاتِ الْمُشْرَكِ فِيهَا ( عَلَى ) الطَّلْقَةِ ( الرَّابِعَةِ ) فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى اثْنَيْنِ فِي الزَّوْجَتَيْنِ ، وَعَلَى الثَّلَاثِ فِي الثَّلَاثِ زَوْجَاتٍ ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ خَمْسَ طَلَقَاتٍ إلَى ثَمَانِ طَلَقَاتٍ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ ، وَإِنْ قَالَ تِسْعَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا .
قَالَ ( سَحْنُونٌ ) فَتْحُ سِينِهِ هُوَ الْكَثِيرُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ .
وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَضَمُّهَا لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَأَصْلُهُ اسْمُ طَائِرٍ حَدِيدِ النَّظَرِ لُقِّبَ بِهِ لِحِدَّةِ فَهْمِهِ ( وَإِنْ شَرَّكَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ أَتَى الزَّوْجُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي كُلِّ طَلْقَةٍ بِأَنْ قَالَ لِلْأَرْبَعِ مَثَلًا شَرِكَتُكُنَّ فِي ثَلَاثِ طَلَقَاتٍ ( طَلَقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ) أَيْ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِجَعْلِهِ اشْتِرَاكَهُنَّ فِي كُلِّ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ ، فَيَخُصُّ كُلَّ زَوْجَةٍ رُبُعٌ مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ فَيَكْمُلُ كُلُّ رُبُعٍ بِطَلْقَةٍ فَتَصِيرُ ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ .
ابْنُ يُونُسَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ الْفَرْعَيْنِ سَوَاءٌ لَمْ أَعِبْهُ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ لَزِمَتْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ ، وَفِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ قَالَ خَمْسَةٌ إلَى ثَمَانٍ طَلَقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ، وَإِنْ قَالَ تِسْعٌ إلَى مَا فَوْقَ طَلَقْنَ ثَلَاثًا .
ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ لَوْ قَالَ شَرَّكْتُ بَيْنَكُنَّ فِي ثَلَاثٍ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدَةٍ
ثَلَاثٌ وَفِي طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَانِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَشَارَ بَعْضُ الْمُؤَلِّفِينَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّشْرِيكِ قَوْلًا مِثْلَ قَوْلِ مَسْأَلَةِ بَيْنَكُنَّ إنْ كَانَ نَصًّا فَلَا كَلَامَ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ نَصَّ سَحْنُونٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى إنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِمَا تُوجِبُهُ الْقِسْمَةُ وَلَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ قَبْلَهَا شَيْئًا .
وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ لَا أَعْرِفُهُ .
وَنَصُّ الْمُجْتَهِدِ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي صُورَتَيْنِ مُتَّحِدَتَيْ الْعِلَّةِ لَا يَمْنَعُ تَخْرِيجَ قَوْلِ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَ مَرَّةٍ .
فَإِنْ قُلْت لَا فَرْقَ بَيْنَ مُسَمَّى شَرَّكَ وَمُسَمَّى بَيْنَ لِتَلَازُمِهِمَا صِدْقًا وَكَذِبًا مَثَلًا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَبْدٌ وَلِعَمْرٍو عَبْدٌ كَذَّبَ قَوْلَهُمَا أَخُو أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا وَهُمَا شِرْكَةٌ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ وَرِثَاهُمَا مِنْ عَمِّهِمَا مَثَلًا وَأَحَدُهُمَا لِأُمِّهِ وَالْآخَرُ أَخُو الْآخَرِ لِأَبِيهِ صُدِّقَ كَوْنُهُمَا بَيْنَهُمَا وَشِرْكَةً بَيْنَهُمَا .
قُلْت إنَّمَا تَلَازَمَا فِيمَا يَمْلِكُهُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ بَيْنَ كَمَا فِي الْمِثَالَيْنِ ، وَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ الْمُؤْلِمِ وَمَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ فَلَا كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدَيْهِ بَيْنَكُمَا سَوْطَانِ أَوْ نِطْعَانِ ، فَهَذَا يُصَدَّقُ فِيهِ بَيْنَ دُونَ الشَّرِكَةِ ، وَلِلطَّلَاقِ حُكْمُ الْمُؤْلِمِ ، وَلِذَا شُطِرَ كَالْحَدِّ فَإِذَا نَصَّ مَعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ صَارَ قَوْلُهُ بَيْنَكُمَا طَلْقَةٌ ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ وُجُودُ قَوْلٍ فِي بَيْنَكُنَّ مِثْلُ الْقَوْلِ فِي شَرَّكْتُكُنَّ ، نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ نَوَازِلِ أَصْبَغَ ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَصَلَ لَهَا جُزْءٌ مِنْ كُلِّ
طَلْقَةٍ ، قَالَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ صَرَفَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِي الدَّرَاهِمِ زَائِفًا هَلْ يُنْتَقَضُ صَرْفُ الدَّنَانِيرِ كُلِّهَا أَوْ صَرْفُ دِينَارٍ فَقَطْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي مَسْأَلَةِ لَفْظِ التَّشْرِيكِ خِلَافًا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ شَرِيكَةُ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَلِثَالِثَةٍ ، وَأَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا : طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ ، وَالطَّرَفَيْنِ ثَلَاثًا ، وَأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ كَمُطَلَّقِ جُزْءٍ ، وَإِنْ كَيَدٍ ؛
( وَإِنْ قَالَ ) الزَّوْجُ لِإِحْدَى زَوْجَاتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَقَالَ لِأُخْرَى ( أَنْتِ شَرِيكَةُ ) زَوْجَةٍ ( مُطَلَّقَةٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ مُثَقَّلًا ( ثَلَاثًا وَ ) قَالَ ( لِ ) زَوْجَةٍ ( ثَالِثَةٍ وَأَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا ) أَيْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ( طَلَقَتْ ) الزَّوْجَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَشْرَكَهَا مَعَ الْأُولَى فِي الثَّلَاثِ طَلْقَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ) لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَّكَهَا مَعَ الْأُولَى اقْتَضَى أَنَّ لَهَا وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَكُمِّلَ النِّصْفُ ( وَ ) طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ ( الطَّرَفَيْنِ ) أَيْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ ( ثَلَاثَةً ) أَمَّا الْأُولَى فَوَاضِحٌ .
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّهُ شَرَّكَهَا مَعَ الْأُولَى فِي ثَلَاثٍ ، فَاقْتَضَى أَنَّ لَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا فَكُمِّلَ النِّصْفُ ، وَمَعَ الثَّانِيَةِ فِي اثْنَتَيْنِ فَلَهَا طَلْقَةٌ مَعَ اثْنَتَيْنِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثٌ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ سَحْنُونٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِأَصْبَغَ ، وَمُقْتَضَى سَحْنُونٍ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ ثَلَاثًا ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ ، وَفِي السَّابِقَةِ قَوْلُ سَحْنُونٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مَنْ قَالَ لِإِحْدَى نِسَائِهِ الثَّلَاثِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ ثُمَّ لِلْأُخْرَى أَنْتِ شَرِيكَتُهَا ، ثُمَّ لِلثَّالِثَةِ أَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا فَهُنَّ طَوَالِقُ أَلْبَتَّةَ ، لَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لَغْوٌ مَعَ الْبَتَّةِ قُدِّمَتْ أَوْ أُخِّرَتْ وَهِيَ لَا تَتَبَعَّضُ .
وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَقَطْ وَقَعَ عَلَى الْأُولَى الثَّلَاثُ ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ طَلْقَتَانِ ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ مِنْ شِرْكَةِ الْأُولَى طَلْقَتَانِ ، وَمِنْ شَرِكَةِ الثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ تَبْعِيضِ الْبَتَّةِ وَأَنَّهَا مُرَادِفَةُ أَنْتِ طَالِقٌ بِآخِرَةِ الثَّلَاثِ وَفِي تَبْعِيضِهَا نَقَلَ الْبَيَانُ عَنْ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ قَوْلَهُمَا بِضَمِّ الشَّهَادَةِ بِهَا لِلشَّهَادَةِ بِوَاحِدَةٍ وَأَصْبَغُ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ
الْمَبْسُوطَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ، وَفِي اخْتِصَارِهِ الْمَبْسُوطَةِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ .
( وَأُدِّبَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً الزَّوْجُ ( الْمُجَزِّئُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ مُشَدَّدَةً لِلطَّلَاقِ بِتَشْرِيكٍ فِيهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَطَالِقٍ رُبْعَ طَلْقَةٍ ، وَهَذَا يُفِيدُ تَحْرِيمَهَا ، وَيُؤَدَّبُ مُعَلِّقُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ فَفِي الشَّامِلِ وَهَلْ تَعْلِيقُهُ مَكْرُوهٌ أَوْ مَمْنُوعٌ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ خِلَافٌ .
وَشَبَّهَ فِي التَّأْدِيبِ فَقَالَ ( كَمُطَلِّقِ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( جُزْءٍ ) مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ شَائِعًا كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( كَيَدٍ ) وَرِجْلٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَطَلَاقُ جُزْءِ الْمَرْأَةِ كَكُلِّهَا .
ابْنُ حَارِثٍ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا كَكُلِّهَا اتِّفَاقًا .
وَلَزِمَ : بِشَعْرِك طَالِقٌ ، أَوْ كَلَامُك عَلَى الْأَحْسَنِ ، لَا بِسُعَالٍ وَبُصَاقٍ وَدَمْعٍ .
وَلَزِمَ ) الطَّلَاقُ ( بِ ) قَوْلِهِ ( شَعْرُك طَالِقٌ ) حَيْثُ قَصَدَ الْمُتَّصِلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَا إنْ قَصَدَ الْمُنْفَصِلَ وَكَالشَّعْرِ سَائِرُ مَحَاسِنِهَا الَّتِي يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً كَعَقْلِهَا وَرُوحِهَا ( أَوْ ) قَوْلُهُ ( كَلَامُك ) طَالِقٌ ( عَلَى الْأَحْسَنِ لَا ) يَلْزَمُ الطَّلَاقُ ( بِ ) قَوْلِهِ ( سُعَالٍ ) كِ ( أَوْ بُصَاقٍ ) كِ طَالِقٌ ( أَوْ دَمْعٍ ) كِ طَالِقٌ وَعِلْمُهَا وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً كَعِلْمِهَا وَجَنِينِهَا وَشَعْرِ غَيْرِ رَأْسِهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَلَامِك أَوْ شَعْرُك طَالِقٌ قَوْلًا أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ اُخْتُلِفَ عِنْدَنَا إنْ طَلَّقَ بَعْضَ مَا يَنْفَصِلُ كَالشَّعْرِ وَالْكَلَامِ وَالسُّعَالِ وَالْبُزَاقِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ أَقِفْ فِي السُّعَالِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ .
قُلْت ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِدْلَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى لَغْوِ تَحْرِيمِ الشَّعْرِ وَالْكَلَامِ بِلَغْوٍ تَحْرِيمَ السُّعَالِ وَالْبُزَاقِ الِاتِّفَاقُ عَلَى لَغْوِهِمَا .
وَلِابْنِ الْقَصَّارِ مَا نَصُّهُ لَا أَعْرِفُ فِي الدَّمْعِ وَالدَّمِ وَالرِّيقِ نَصًّا ، قَالَ وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَدْ رَكِبَهُ وَخَالَفَ إذَا قَالَ حَمْلُك طَالِقٌ لِأَنَّهُ فِي وِعَاءٍ لَيْسَ مُتَّصِلًا اتِّصَالَ الْخِلْقَةِ .
ا هـ .
وَتَحْرُمُ بِتَحْرِيمِ الرِّيقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي الْفَمِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ وَهُوَ مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ وَهُوَ الرُّضَابُ .
وَصَحَّ اسْتِثْنَاءٌ بِإِلَّا ؛ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ ، فَفِي ثَلَاثٍ ، إلَّا ثَلَاثًا ، إلَّا وَاحِدَةً ، أَوْ ثَلَاثًا ، أَوْ أَلْبَتَّةَ ، إلَّا اثْنَتَيْنِ ، إلَّا وَاحِدَةً : اثْنَتَانِ وَوَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ ؛ إلَّا اثْنَتَيْنِ ، إنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ : فَوَاحِدَةٌ ؛ وَإِلَّا : فَثَلَاثٌ ؛
( وَصَحَّ اسْتِثْنَاءٌ ) لِعَدَدٍ مِنْ الطَّلَاقِ ( بِإِلَّا ) أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِهِ ( إنْ اتَّصَلَ ) الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَفَادَهُ تت ، وَفِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ هَلْ الْمُرَادُ اتِّصَالُهُ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، إلَّا اثْنَتَيْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ قَوْلَانِ ، فَإِنْ انْفَصَلَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا لِعُذْرٍ كَسُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ نَحْوِهِمَا .
( وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ ) الْمُسْتَثْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَنَوَاهُ وَنَطَقَ بِهِ وَإِنْ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْيَمِينِ ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ أَوْ سَاوَى لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعًا ، وَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ، فَلَوْ قَالَ وَلَمْ يُسَاوِ لَفُهِمَ مِنْهُ الْمُسْتَغْرِقُ بِالْأَوْلَى أَوْ أُطْلِقَ الْمُسْتَغْرِقُ عَلَى مَا يَعُمُّ الْمُسَاوِيَ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَغْرِقِ وَالْمُسَاوِي بِذَاتِهِ أَوْ بِتَكْمِيلِهِ كَطَالِقٍ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ وَرُبُعًا أَوْ عَكْسُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ الِاسْتِثْنَاءُ شَرْطُهُ الِاتِّصَالُ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي طَالِقٍ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ ، وَفِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَسَادِهِ .
الْقَرَافِيُّ لِابْنِ طَلْحَةَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَنْفَعُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ .
( فَفِي ) قَوْلِهِ طَالِقٌ ( ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ) اثْنَتَانِ ، وَوَجْهُ لُزُومِ الِاثْنَتَيْنِ اعْتِبَارُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى اللَّازِمَةِ وَإِلْغَاءُ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ لِاسْتِغْرَاقِهَا .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكَلَامِ بِآخِرِهِ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي أَخْرَجَ مِنْهَا الْوَاحِدَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُولَى ، فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهَا اثْنَتَانِ فَبَقِيَتْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَى عَكْسِ الْقَوْلَيْنِ
أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ ، وَعَلَى الثَّانِي اثْنَتَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً .
ابْنُ شَاسٍ اثْنَتَانِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَوْلَى وَاحِدَةٌ قُلْت وَهُوَ الْحَقُّ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ كَالْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَمَامِ حُكْمِهِ وَتَقْرِيرِهِ بِتَمَامِ نُطْقِهِ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بَيَانِهِ ، وَتَعْلِيلُ ابْنِ شَاسٍ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً يُنْتَجُ لَهُ الْعَكْسُ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ إخْرَاجُ وَاحِدَةٍ مِنْهُ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ لِوُجُوبِ رَدِّ الثَّانِي لِمُتَعَلَّقِ الْأَوَّلِ لِبُطْلَانِ تَعَلُّقِهِ لِاسْتِغْرَاقِهِ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ .
( أَوْ ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ( ثَلَاثًا ) إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَتَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَقَوْلُهُ ثَلَاثًا إثْبَاتٌ ، وَقَوْلُهُ إلَّا اثْنَتَيْنِ نَفْيٌ أَخْرَجَ بِهِ اثْنَتَيْنِ فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ ، وَقَوْلُهُ إلَّا وَاحِدَةً إثْبَاتٌ لَهَا فَتُضَمُّ لِلْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ .
( أَوْ ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ( أَلْبَتَّةَ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً ) لَزِمَهُ ( اثْنَتَانِ ) وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عَبْدَ الْمَلِكِ أَشْهَبَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً اثْنَتَانِ هَذَا عَلَى أَنَّهَا تَتَبَعَّضُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ( وَ ) إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ الْعَطْفِ مَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ ) فَ ( إنْ كَانَ ) نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ ( مِنْ الْجَمِيعِ ) أَيْ مَجْمُوعِ الْوَاحِدَةِ إلَّا اثْنَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ ( فَ ) تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ ( وَاحِدَةٌ ) لِاسْتِثْنَائِهِ اثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ
اسْتِثْنَاءِ أَكْثَرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْجَمِيعِ بِأَنْ نَوَاهُ مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ مِنْ الْمَعْطُوفِ كَذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ( فَ ) تَلْزَمُهُ طَلَقَاتٌ ( ثَلَاثٌ ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ بِاسْتِغْرَاقِهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ ، وَأَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ بِلُزُومِ ثَلَاثٍ وَلُزُومِ وَاحِدَةٍ ، وَنَصُّهُ وَفِي جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ مَعَ الْقَاضِي عَنْ الْجُمْهُورِ ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ فِي طَالِقٍ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ مَعَ نَقْلِ الْقَاضِي مَنْعَهُ ، وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْإِقْرَارِ وَفِي جَوَازِ الْمُسَاوِي كَطَالِقٍ اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً مَعْرُوفَ الْمَذْهَبِ .
وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ يُخْتَلَفُ فِيهِ ، وَغَالِبُ قَوْلِهِ يُخْتَلَفُ فِيهِ فِيمَا خِلَافُهُ مُخَرَّجٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا مِنْهُ التَّخْرِيجُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَا يُشْتَرَطُ الْأَقَلُّ عَلَى الْمَنْصُوصِ .
الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ عَبْدٍ وَ " س " وَابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً ، إنْ نَوَى بِالتَّكْرِيرِ التَّأْكِيدَ لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ اسْتَثْنَى مِنْهَا وَاحِدَةً .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً ، أَوْ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ ، فَقَالَ مَرَّةً هِيَ كَاسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَقَالَ مَرَّةً هِيَ ثَلَاثَةٌ وَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ ، وَثُمَّ أَبْيَنُ مِنْ نَسَقِهِ بِالْوَاوِ .
قُلْت هُمَا بِنَاءٌ عَلَى اعْتِبَارِ مَدْلُولِ الْمَعْطُوفِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَجْمُوعُهُمَا كَمَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ حَيْثُ انْفِرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاخْتِصَاصُهُ بِلَفْظِهِ .
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ رَدِّهِ لِلْجَمِيعِ أَوْ لِبَعْضِهِ ، فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ
بَعْدَ ذِكْرِ شَرْطِ عَدَمِ اسْتِغْرَاقِهِ وَعَدَمِ شَرْطِ الْأَقَلِّ ، وَلِذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ فَطَلْقَةٌ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَمِيعِ فَلَا يَلْزَمُ لَغْوُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِمَا بِالْحَيْثِيَّةِ الثَّانِيَةِ
وَفِي إلْغَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَاعْتِبَارِهِ : قَوْلَانِ
( وَفِي إلْغَاءِ ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ عَدَمِ اعْتِبَارِ ( مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ ) مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ فَلَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا ( وَاعْتِبَارُهُ ) أَيْ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ لِوُجُودِهِ لَفْظًا وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا شَرْعًا ، وَرَجَعَ سَحْنُونٌ إلَى هَذَا وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَرْجَحُ فِي النَّظَرِ ( قَوْلَانِ ) لِسَحْنُونٍ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَ ثَلَاثٌ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الرَّاجِحُ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْفُرُوجِ .
وَإِنْ قَالَ مِائَةً إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَتَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَوَاحِدَةٌ عَلَى الثَّانِي .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ اسْتَثْنَى مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَفِي إجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ عُرْفٌ فَيَجِبُ ، وَقَصْرُهُ عَلَى ثَلَاثٍ لِلَّغْوِ الزَّائِدِ عَلَيْهَا شَرْعًا وَكَذَا فِي الْمُسْتَثْنَى .
ثَالِثُ الطُّرُقِ لَغْوُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لِابْنِ رُشْدٍ وَسَحْنُونٍ وَالْمَازِرِيِّ فِي نَازِلَةٍ لِسَحْنُونٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا .
وَكَذَا طَالِقٌ مِائَةً إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ هِيَ الْبَتَّةُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ الَّتِي اسْتَثْنَى .
ابْنُ رُشْدٍ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا اسْتِثْنَاءٌ لِأَكْثَرِ الْجُمْلَةِ قِيلَ يَمْنَعُهُ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ ، وَعَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا تَلْزَمُ وَاحِدَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ الْأَكْثَرَ وَإِنْ جَازَ لُغَةً فَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ عُرْفًا وَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ عُرْفًا حُمِلَ قَائِلُهُ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ ، بَلْ عَلَى النَّدَمِ وَعَلَى مَنْعِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرَ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ، هَذَا إجْرَاءُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأُصُولِ وَلَمْ يَقُلْهُ
سَحْنُونٌ ، وَنَحَا لِجَعْلِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ كَالْعَدَمِ لِلَغْوِهِ شَرْعًا ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ الَّتِي اسْتَثْنَى ، فَعَلَى قَوْلِهِ لَوْ قَالَ طَالِقٌ مِائَةً إلَّا طَلْقَةً كَانَتْ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ الْمُسْتَثْنَاةَ عَلَى مَذْهَبِهِ إنَّمَا تَقَعُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الثَّلَاثِ إذْ قَوْلُهُ مِائَةٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِ ثَلَاثٌ وَالْأَظْهَرُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا وَتُجْعَلُ الطَّلْقَةُ الَّتِي اسْتَثْنَى مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمِائَةِ فَتَبْقَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ يَلْزَمُ مِنْهَا ثَلَاثٌ .
الْمَازِرِيُّ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا لَزِمَهُ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ كَالْعَدَمِ لِلَغْوِهَا شَرْعًا ، فَصَارَ كَالْقَائِلِ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ مِائَةً إلَّا طَلْقَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ كَالْقَائِلِ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ ، لَكِنَّ هَذَا لَمَّا أَبْقَى بَعْدَ اسْتِثْنَائِهِ ثَلَاثًا أُخِذَ بِهَا .
وَلَوْ قَالَ سِتًّا إلَّا ثَلَاثًا لَزِمَهُ ثَلَاثٌ عَلَى الطَّرِيقِينَ مَعًا إنْ اعْتَبَرَ مَا أَبْقَى فَقَدْ أَبْقَى ثَلَاثًا ، وَإِنْ رُوعِيَ كَوْنُ السِّتِّ كَالثَّلَاثِ صَارَ كَقَوْلِهِ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا .
وَنُجِّزَ إنْ عُلِّقَ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا ، أَوْ جَائِزٍ كَلَوْ جِئْت قَضَيْتُك
( وَنُجِّزَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ حَالَ النُّطْقِ بِصِيغَتِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ بِمُحَرَّمٍ كَإِنْ لَمْ يَزْنِ ، وَمَسْأَلَةِ إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ ، وَمَسْأَلَةِ مَا عُلِّقَ عَلَى مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْت ( إنْ عُلِّقَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُثَقَّلَةً أَيْ الطَّلَاقُ ( بِ ) شَيْءٍ ( مَاضٍ ) أَيْ مُقَدَّرٍ حُصُولُهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي ( مُمْتَنِعٍ ) أَيْ مُسْتَحِيلٍ ( عَقْلًا ) عَلَى وَجْهِ الْحِنْثِ ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقٌ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمُمْتَنِعِ ، وَانْتِفَاؤُهُ مُحَقَّقٌ وَاجِبٌ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقٌ عَلَى وَاجِبٍ ، فَلِذَا نُجِّزَ ، قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ كَزَوْجَتِهِ طَالِقٌ لَوْ جَاءَ فُلَانٌ أَمْسِ لِجَمْعِ عَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ .
( أَوْ ) مُمْتَنِعٌ ( عَادَةً ) كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ لَخَسَفَ الْأَرْضَ بِهِ أَوْ رَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ ( أَوْ ) مُمْتَنِعٌ ( شَرْعًا ) كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ لَقَتَلَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ ( أَوْ جَائِزٌ ) شَرْعًا ( كَ ) قَوْلِهِ ( لَوْ جِئْت ) ني أَمْسِ لَ ( قَضَيْتُك ) حَقَّك وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ حُلُولِ أَجَلِهِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَنَقَلَهُ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُمْتَنِعٌ عَمَّا عُلِّقَ بِمَاضٍ وَاجِبٍ عَقْلًا كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ مَا جَمَعَ عَدَمَهُ وَوُجُودَهُ ، أَوْ عَادَةً كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ مَا خَسَفَ الْأَرْضَ بِهِ وَلَا رَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ ، أَوْ شَرْعًا كَلَوْ جَاءَهُ أَمْسِ لِقَضَاءِ حَقِّهِ الْحَالِّ أَجَلُهُ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِيقَاعُهُ مُعَلَّقًا أَقْسَامٌ لَوْ حَلَفَ بِهِ عَلَى فِعْلٍ مُرَتَّبٍ عَلَى فَرْضٍ مَاضٍ لَمْ يَقَعْ ، فَفِي حِنْثِهِ ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ فِعْلُهُ مَمْنُوعًا لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ أَشْهَبَ
فِي اخْتِصَارِ الْمَبْسُوطَةِ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَعَ دَلِيلِ قَوْلِهَا لَوْ كُنْت حَاضِرَ الشِّرْكِ مَعَ أَخِي لَفَقَأْت عَيْنَك حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يَبَرُّ فِيهِ وَلَا فِي مِثْلِهِ ، فَسَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِمَنْ نَازَعَهُ وَجَبَذَ ثَوْبَهُ لِيَشُقَّهُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَوْ أَنَّك شَقَقْته لَشَقَقْت جَوْفَك ، ثُمَّ كَرَّرَهُ شَقَقْت كَبِدَك إلَّا أَنْ لَا أَقْدِرَ عَلَيْك لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشُقَّ الثَّوْبَ .
سَحْنُونٌ هَذِهِ جَبْذَةٌ يُرَدُّ إلَيْهَا مَا يُشْبِهُهَا .
وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُهُ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِلَيْهِ نَحَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي التَّفْسِيرِ الثَّالِثِ أَنَّهُ حَانِثٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا .
وَقَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ الْمَسْأَلَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَلِفِهِ عَلَى فَقْءِ عَيْنِهِ أَوْ شَقِّ كَبِدِهِ أَوْ شَقِّ ثَوْبِهِ .
وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الصِّقِلِّيِّ قَوْلَ أَصْبَغَ وَقَوْلَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إنْ أَمْكَنَ الْفِعْلُ شَرْعًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ .
وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ شَرَطَهُ بِمُمْكِنٍ عَادَةً أَوْ شَرْعًا حَنِثَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لَا عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَبِمُمْتَنِعٍ عَادَةً وَشَرْعًا وَأَرَادَ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ حَنِثَ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ لَمْ يَحْنَثْ فَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافُ نَقْلِ الصِّقِلِّيِّ ، وَخِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَهْوًا أَوْ ظَفِرَ بِنَقْلٍ غَرِيبٍ وَتَرَكَ الْجَادَّةَ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ رَدِيءٌ ، وَمَا قَالَهُ مِنْ إلْزَامِ الْحِنْثِ مَعَ الْإِمْكَانِ الْمُنَاسِبُ عَكْسُهُ .
قُلْت وَقَوْلُ أَصْبَغَ لَوْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ لَوْ جِئْتنِي أَمْسِ لَقَضَيْتُك حَقَّك فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يَدْرِي أَكَانَ فَاعِلًا أَمْ لَا ، نَصَّ فِي خِلَافِ قَوْلِ
ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ حَلَفَ عَلَى وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا وَلَمْ أَعْرِفْهُ إلَّا مِنْ نَقْلِهِ ، وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَلَامَ هُنَا فَلْيُنْظَرْ .
أَوْ مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ ، وَيُشْبِهُ بُلُوغُهُمَا عَادَةً : كَبَعْدَ سَنَةٍ
( أَوْ ) عَلَّقَ بِشَيْءٍ ( مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْقَافِ وُقُوعُهُ ( وَيُشْبِهُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ يُمْكِنُ ( بُلُوغُهُمَا ) أَيْ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ مَعًا ( عَادَةً ) إلَى حُصُولِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُحَقَّقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( كَ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( بَعْدَ سَنَةٍ ) فَيُنَجَّزُ وَقْتُ تَعْلِيقِهِ لِشَبَهِهِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ يُشْبِهُ بُلُوغُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَلَا يُنَجَّزُ إذْ لَا يَأْتِي الْأَجَلُ إلَّا وَالْفُرْقَةُ حَصَلَتْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، فَلَمْ يُشْبِهْ الْمُتْعَةَ حِينَئِذٍ ، وَلِذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا مَعًا فَهَذَا يَلْزَمُ ، أَوْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَبْلُغُهُ عُمْرُهُمَا ، أَوْ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ أَوْ عُمُرُهَا ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا إذْ لَا تَطْلُقُ مَيِّتَةً وَلَا يُؤْمَرُ مَيِّتٌ بِطَلَاقٍ .
ابْنُ يُونُسَ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَرَوَاهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا طَلَّقَهَا إلَى وَقْتٍ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهَا أَوْ لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ .
أَوْ يَوْمَ مَوْتِي ؛ أَوْ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا ، أَوْ لِهَزْلِهِ : كَ " طَالِقٌ أَمْسِ
( أَوْ ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ( يَوْمَ مَوْتِي ) أَوْ مَوْتِك فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَ قَوْلِهِ وَكَذَا قَبْلَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَقْتَ تَعْلِيقِهِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ فِي جَعْلِ حِلِّهَا إلَى وَقْتٍ يَبْلُغُهُ عُمُرُهُمَا ظَاهِرًا بِخِلَافِ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى مِتَّ أَوْ مَتَى فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يُنَجَّزُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ الْمَوْتِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَنْقَطِعُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجِدُ الطَّلَاقُ مَحَلًّا .
بِخِلَافِ يَوْمِ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك لِصِدْقِهِ بِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ ، فَلِذَا نُجِّزَ .
وَأَمَّا إنْ عَلَّقَهُ عَلَى مَوْتِ غَيْرِهِمَا فَيُنَجَّزُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُوَضِّحُ ، وَلَا فَرْقَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ بَيْنَ يَوْمِ مَوْتِهِ أَوْ إنْ أَوْ إذَا أَوْ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَمُوتُ أَخِي نُجِّزَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ .
وَعَطَفَ عَلَى أَمْثِلَةِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُحَقَّقِ فَقَالَ ( أَوْ ) قَوْلُهُ ( إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِتَعْلِيقِهِ بِمُحَقَّقٍ وَاجِبٍ عَادِيٍّ وَهُوَ انْتِفَاءُ مَسِّ السَّمَاءِ ( أَوْ ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا ) فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالنَّدَمِ وَتَعْقِيبِ الطَّلَاقِ بِمَا يَرْفَعُهُ .
وَكَذَا إنْ أَخَّرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَزْلِ لِاسْتِحَالَةِ انْتِفَاءِ حَجَرِيَّةِ الْحَجَرِ ( أَوْ لِهَزْلِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ ( كَ ) قَوْلِهِ أَنْتِ ( طَالِقٌ أَمْسِ ) فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَقْتَ قَوْلِهِ ، وَفِي نُسْخَةٍ حُذِفَ أَوْ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلتَّنْجِيزِ فِي إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ،
وَقَوْلُهُ كَطَالِقٍ أَمْسِ تَشْبِيهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مُحَالٍ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ فَفِي لُزُومِهِ طَلَاقُهَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ ، وَنَقَلَهُمَا الصِّقِلِّيُّ عَنْ الْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَلِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَرَّةً كَسَحْنُونٍ اللَّخْمِيُّ وَعَلَيْهِمَا قَوْلُهُ إنْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ وَلِمُحَمَّدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ قَالَ فِي مُنَازَعَةِ امْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ هَذَا الْعَمُودُ هِيَ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الْعَمُودِ .
اللَّخْمِيُّ أَرَى أَنْ يَحْلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَيُبَرَّأَ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ الزَّوْجَةُ نَدَمَهُ فَيَحْلِفَ ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى وَاضِحٍ فَقَبَضَهُ مُؤَخَّرًا عَنْهُ كَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمُقَدَّمًا ابْنُ الْحَاجِبِ حَانَثْ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
قُلْت الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ اللَّخْمِيِّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ هَذَا الْعَمُودُ .
وَلِابْنِ مُحْرِزٍ فِي طَالِقٍ أَمْسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي السُّرَيْجِيَّةِ نَقَلَ الشَّيْخِ تَقْيِيدَ الطَّلَاقِ بِالْمَاضِي كَإِطْلَاقِهِ ، وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى حَالٍ وَاضِحَةٍ يَعُدْ الْمُعَلَّقِ فِيهَا هَازِلًا مِثْلُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا وَهَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا حَنِثَ لِهَزْلِهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
ا هـ .
فَمَحَلُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْحِنْثِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُقَدَّمًا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِنْسَانُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا .
أَوْ بِمَا لَا صَبْرَ عَنْهُ : كَإِنْ قُمْت
( أَوْ ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ ( بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ ( لَا صَبْرَ عَنْهُ ) عَادَةً ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ قُمْت ) فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَطْلَقَ أَوْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ يَعْسُرُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمُحَقَّقِ ، وَيَصِحُّ ضَبْطُ تَاءِ قُمْت بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَسِيحًا فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَ الْيَمِينِ .
أَوْ غَالِبٍ : كَإِنْ حِضْت
( أَوْ ) عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ ( غَالِبٍ ) حُصُولُهُ ( كَ ) قَوْلِهِ لَهَا ( إنْ حِضْت ) أَوْ إذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَهَا تَنْزِيلًا لِلْغَالِبِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ أَوْ يُتَوَقَّعُ حَيْضُهَا كَصَغِيرَةٍ لَا آيِسَةٍ وَبِعِلَّةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى غَالِبِ الْوُجُودِ كَالْحَيْضِ فِي تَعْجِيلِهِ وَتَأْخِيرِهِ إلَيْهِ نَقْلًا اللَّخْمِيِّ مَعَ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْمَشْهُورِ وَأَشْهَبُ مَعَ الْمَخْزُومِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّيْخِ عَنْ رِوَايَتِهِ وَلِابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ .
ثَالِثُهَا إنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ .
أَوْ مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ : كَإِنْ صَلَّيْت ؛ أَوْ بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا : كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ ؛ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، أَوْ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ ؛ أَوْ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
( أَوْ ) عَلَّقَهُ بِ ( مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْت ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ وَلَوْ كَافِرَةً أَوْ صَغِيرَةً وَيَتَوَقَّفُ التَّنْجِيزُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ( أَوْ ) عَلَّقَهُ ( بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ ( لَا يُعْلَمُ حَالًا ) وَيُعْلَمُ مَآلًا ( كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لِلشَّكِّ فِي حِنْثِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا بَقَاءَ لِعِصْمَةٍ مَشْكُوكَةٍ وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَلَا تَعُودُ لِعِصْمَتِهِ ( أَوْ ) قَالَ إنْ ( لَمْ يَكُنْ ) فِي بَطْنِك غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَ التَّعْلِيقِ لِلشَّكِّ فِي حِنْثِهِ فِيهِ حِينَئِذٍ وَلَا تَعُودُ لَهُ وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرًا عَقِبَهُ .
فَإِنْ قُلْت الْمُعَلَّقُ عَلَى نَحْوِ دُخُولِ الدَّارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَيْضًا وَلَا يُنَجَّزُ فَمَا الْفَرْقُ قُلْتُ الْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى نَحْوِ الدُّخُولِ لَمْ يُشَكَّ فِي الْحِنْثِ فِيهِ فِي الْحَالِ ، بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا فَالشَّكُّ فِي حِنْثِهِ حِينَ تَعْلِيقِهِ فَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ اسْتِمْرَارٌ عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكَةٍ .
( أَوْ ) قَالَ إنْ كَانَ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ ( فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ ) مَثَلًا ( قَلْبَانِ ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ فِيهِمَا وَلَوْ كُسِرَتْ حَالًا وَتَبَيَّنَ فِيهَا مَا يُبْرِيهِ وَظَاهِرُهُ التَّنْجِيزِ فِي هَذَيْنِ .
لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَتَحْرِيكِهَا قُرْبَ أُذُنِهِ وَظَنِّهِ أَنَّ فِيهَا قَلْبًا أَوْ قَلْبَيْنِ ( أَوْ ) قَالَ إنْ كَانَ فُلَانٌ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ ( فُلَانٌ ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَخِفَّةِ اللَّامِ كِنَايَةٌ عَنْ اسْمِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ ( مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) أَوْ النَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ كَالْعَشَرَةِ الَّذِينَ بَشَّرَهُمْ الرَّسُولُ الْأَعْظَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبِي لَهَبٍ الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ .
فِي التَّوْضِيحِ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ ثَبَتَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَالْعَشَرَةِ وَكُلِّ مَنْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمَنْ شَهِدَ الْإِجْمَاعُ بِعَدَالَتِهِ وَصَلَاحِهِ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَقَالَ هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ إمَامُ هُدًى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَرَجَّحَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَهِيَ طَالِقٌ هِيَ طَالِقٌ سَاعَتَئِذٍ .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَمِثْلُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ .
ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُمَا لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمَبْسُوطَةِ إنْ حَلَفَ عَلَيْهِ حَتْمًا .
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } ، وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ .
فَإِنْ نَوَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ فَتَعْجِيلُ طَلَاقِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الذُّنُوبِ وَلَمْ يُعْصَمْ مِنْهَا إلَّا نَبِيٌّ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى غَيْبٍ ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مِنْ الَّذِينَ لَا يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ فَمَعْنَى يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَعْدَ إيمَانِهِ وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ لِمَوْتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُقِيمَنَّ بِهَذَا الْبَلَدِ حَتَّى يَمُوتَ لَا يَنْبَغِي فِيهِ خِلَافٌ .
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظَاهِرُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ .
وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الْجَنَّةَ عَلَى الثَّانِي ، ثُمَّ قَالَ وَسَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ
لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنُ رُشْدٍ وَسَائِرُ الْعَشَرَةِ ، وَكَذَا مَنْ ثَبَتَ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَوَقَفَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي تَحْنِيثِ مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ إمَامُ هُدًى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ فِيهِ .
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، فَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ } .
.
الْحَدِيثَ وَشَبَهَهُ ، وَحَصَلَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِجْمَاعُ مَعْصُومٌ ، ثُمَّ قَالَ قُلْتُ فَفِي وُقُوعِ طَلَاقِ الْحَالِفِ عَلَى الْجَزْمِ بِمُغَيَّبٍ يَبِينُ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَفْسِ حَلِفِهِ أَوْ بِالْحُكْمِ .
ثَالِثُهَا يُؤَخَّرُ لِبَيَانِهِ .
وَرَابِعُهَا هَذَا إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ كَقَوْلِهِ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا فَانْظُرْهُ .
أَوْ إنْ كُنْت حَامِلًا ، أَوْ لَمْ تَكُونِي .
وَحُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَاخْتَارَهُ مَعَ الْعَزْلِ
( أَوْ ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ ( إنْ كُنْت ) بِكَسْرِ التَّاءِ ( حَامِلًا ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَوْ ) إنْ ( لَمْ تَكُونِي ) حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَ قَوْلِهِ لِلشَّكِّ فِي حِنْثِهِ حِينَهُ ( وَحُمِلَتْ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الزَّوْجَةُ ( عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ ) إنْ كَانَتْ ( فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ ) الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ ( فِيهِ ) أَيْ الطُّهْرِ أَوْ مَسَّهَا فِيهِ فَلَا إنْزَالَ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ ، فِي إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ ، وَفِي إنْ كُنْت حَامِلًا وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ فِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِك غُلَامٌ وَفِي إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا ( وَاخْتَارَهُ ) أَيْ اللَّخْمِيُّ الْحَمْلَ عَلَى الْبَرَاءَةِ ( مَعَ ) مَسِّهَا وَالْإِنْزَالِ وَ ( الْعَزْلِ ) وَضُعِّفَ بِسَبْقِ الْمَاءِ بِلَا شُعُورٍ بِهِ .
أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إطْلَاعُنَا عَلَيْهِ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ
( أَوْ ) عَلَّقَهُ بِمَا ( لَمْ يُمْكِنْ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ ( اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ كَ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيُنَجَّزُ فِيهِمَا ابْنُ عَرَفَةَ .
ابْنُ رُشْدٍ وَتَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَإِطْلَاقِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى وَاقِعٍ لِانْحِصَارِ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي إنْ أَرَادَهُ أَوْ شَرَعَهُ ، وَالْأَوَّلُ وَاقِعٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ مَلْزُومٌ لِإِرَادَتِهِ ، وَكُلُّ مُرَادٍ لِلْبَشَرِ مُرَادٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِعُمُومِ إرَادَتِهِ تَعَالَى كُلَّ حَادِثٍ ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ لِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى لُزُومُهُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَوْلُ بَعْضُهُمْ إنَّمَا أَلْزَمَهُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ تَعَالَى مَجْهُولَةٌ لَنَا لَا يُمْكِنُنَا عِلْمُهَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِلشَّكِّ فِيهِ مَرْغُوبٌ عَنْهُ لِاقْتِضَائِهِ تَشَابُهَ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى لِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ لِجَعْلِهِ ذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَغَابَ قَبْلَ عِلْمِ مَشِيئَتِهِ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ مُضَاهٍ لِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ .
أَوْ الْمَلَائِكَةُ ؛ أَوْ الْجِنُّ
( أَوْ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ ( الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ ) فَيُنَجَّزُ لِلشَّكِّ فِي وُقُوعِهِ حَالًا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَى مَشِيئَةِ مَلَكٍ أَوْ جِنٍّ .
ابْنُ شَاسٍ كَإِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ تَمْثِيلُ بَعْضِهِمْ بِإِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَغَابَ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ ، إذْ لَا مَشِيئَةَ لَهُ ، وَلِلْمَلَكِ وَالْجِنِّ مَشِيئَةٌ لَا تُعْلَمُ كَزَيْدٍ الْمَفْقُودِ .
أَوْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ : إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ
( أَوْ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ ( صَرَفَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ ) وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ ، أَيْ نَوَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ رَاجِعَةٌ لِلدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَوُجِدَ الدُّخُولُ فَيُنَجَّزُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ إذْ التَّنْجِيزُ فِي صَرْفِهَا لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَصْرِفْهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ لَا طَلَاقَ وَلَوْ دَخَلَتْ .
ابْنُ رُشْدٍ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَمُقَابِلُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَصَرَفَ الْمَشِيئَةَ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ إنْ تَرَكْت الدُّخُولَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولِي فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ ، وَقَدْ عُلِمَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدُّخُولَ أَوْ عَدَمَهُ وَاقِعٌ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَأَجَابَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ صَرْفَهُ الْمَشِيئَةَ لِلْفِعْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُحْتَمَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَشِيئَةِ بِهِ مُوجِبٌ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ ، أَوْ بِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ فَابْنُ رُشْدٍ بَنَاهُ عَلَى الثَّانِي فَأَلْزَمَ مَا أَلْزَمَ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُجِيبًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ بَنَى عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فِي جَرْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ هُوَ
الْأَصْلُ وَهُوَ فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ .
فَابْنُ رُشْدٍ جَعَلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .
وَابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَهُ شَرْطًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ .
وَإِنْ كَانَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ عَلَّقَ مُعَلَّقًا عَلَى أَمْرٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي لَغْوِ اسْتِثْنَائِهِ مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ يُرِدْ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ لِلْمَشْهُورِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مَعَ أَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَالشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ ، وَصَوَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ .
ابْنُ رُشْدٍ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ إعْمَالُهُ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَهُ لِلْفِعْلِ فَقَدْ بَرَّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ لَا تُوجَدُ وَهِيَ أَنْ يَفْعَلَ الْفِعْلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَشَاؤُهُ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ مَجُوسِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَعَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ دَرْكٌ عَظِيمٌ .
قُلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، لِأَنَّهُ فِيهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي هَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَرَدُّهُ لِلْفِعْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُحْتَمَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْفِعْلِ مُوجِبٌ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ ، أَوْ بِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهِ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحَلِفِ بِهِ فَابْنُ رُشْدٍ بَنَاهُ عَلَى الثَّانِي فَأَلْزَمَ مَا لَزِمَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُجِيبًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ بَنِي عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَحِينَئِذٍ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فِي جَرْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ .
فَإِنْ قُلْت الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْأَصْلُ هُوَ فِيهَا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ قُلْت بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ تَقْيِيدُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ شَاءَهُ
اللَّهُ تَعَالَى سَلَّمْنَاهُ فَنَقُولُ إنَّمَا كَانَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأَوَّلِ مُنَافٍ لِنَصِّ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ أَنَّهُ يَرْفَعُ مُقْتَضَى الْيَمِينِ ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمُوَافَقَتِهِ مُقْتَضَى النَّصِّ فِيهِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ هُوَ فِيهِ حَمْلٌ لِلَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَعَ السَّلَامَةِ عَنْ مُعَارَضَةِ نَصٍّ فِيهِ .
إمَّا إنَّهُ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت إنْ شَاءَ اللَّهُ قِيَامِي ، فِيهِ شَرْطٌ تَعَقَّبَ شَرْطًا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ فِعْلًا مُسْنَدًا أَنْ يُؤَثِّرَ فِي وَقْفِ إسْنَادِهِ عَلَى الشَّرْطِ لَا أَنْ يُؤَثِّرَ فِي وَقْفِ نَقِيضِ الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ ، كَقَوْلِهِ اضْرِبْ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً ، هَذَا إنْ كَانَ قَذَفَ حُرًّا عَفِيفًا إنْ كَانَ عَبْدًا ، فَقَوْلُهُ إنْ كَانَ عَبْدًا مُؤَثِّرٌ فِي إسْنَادِ ضَرْبِ أَرْبَعِينَ بِمَعْنَى وَقْفُهُ عَلَى الشَّرْطِ الْأَخِيرِ ، وَهُوَ إنْ كَانَ عَبْدًا وَحَمَلَهُ عَلَى تَأْثِيرِ الشَّرْطِ فِي وَقْفِ نَقِيضِ الْإِسْنَادِ ، وَهُوَ عَدَمُ الضَّرْبِ الْمَذْكُورِ حُمِلَ لَهُ عَلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا لِمُعَارِضٍ شَرْعِيٍّ ، كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي صَرْفِهِ لِلْفِعْلِ أَوْ لِلطَّلَاقِ فَلَمْ أَعْلَمْ فِيهِ نَصَّ رِوَايَةٍ ، وَالنَّظَرُ عِنْدِي صَرْفُهُ لِلْفِعْلِ إنْ قَصَدَ بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ لِأَنَّ صَرْفَهُ لِلطَّلَاقِ لَغْوٌ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَصَرْفَهُ لِلْفِعْلِ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ ، وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ لَهُ مَعْنًى أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ .
( بِخِلَافِ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ( إلَّا أَنْ يَبْدُوَ ) أَيْ يَظْهَرَ ( لِي ) أَنْ لَا أَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ أَوْ إلَّا أَنْ أَشَاءَ ، وَإِلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ ، وَإِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا فِي خَاطِرِي ، وَنَحْوَ ذَلِكَ إذْ
كَانَ ذَلِكَ ( فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ ) فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ ، بَلْ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْلِيقُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أُصَمِّمْ عَلَى جَعْلِ دُخُولِ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك ، بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَإِنْ شِئْت جَعَلْته سَبَبًا ، وَإِنْ شِئْت لَمْ أَجْعَلْهُ سَبَبًا لَهُ ، فَلِذَا نَفَعَهُ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ وُكِّلَ إلَى إرَادَتِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى جَعْلِهِ سَبَبًا .
وَاحْتَرَزَ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عَنْ صَرْفِهِ لِلْمُعَلَّقِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَلَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ فَيُنَجَّزُ ، وَكَذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ صَرْفِهِ إلَى أَحَدِهِمَا فَيُنَجَّزُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي عِتْقِهَا الْأَوَّلُ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلَتْ مَعِي شَهْرًا إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَقَعَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَأْكُلَ مَعَهُ فَنَهَاهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَأَكَلَتْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهُ وَرَأَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
أَوْ كَإِنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا إلَّا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَنَ .
أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ فَيُنْتَظَرُ
( أَوْ ) عَلَّقَهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ لَا يَدْرِي أَيُوجَدُ أَمْ لَا ( كَإِنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ وَلَا يُنْتَظَرُ وُجُودُهُ ، وَإِنْ أَمُطِرْت بَعْدَ كَلَامِهِ غَدًا فَلَا تُرَدُّ إلَيْهِ ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ مِنْ الْغَيْبِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْهَزْلِ ، وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ الْحِنْثَ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَنَ ) الْمُسْتَقْبَلَ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّ إمْطَارَهَا فِيهَا مُحَقَّقٌ وَعَدَمُهُ مُحَالٌ عَادَةً فَهُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى مُحَالٍ .
( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يَحْلِفَ ) عَلَى الْإِمْطَارِ ( لِعَادَةٍ ) اعْتَادَهَا ( فَيُنْتَظَرُ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتٍ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُمَهَّلَ وَلَا يُنَجَّزَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يَمْضِيَ الزَّمَنُ الَّذِي حَلَفَ عَلَى الْإِمْطَارِ فِيهِ ، فَإِنْ أُمْطِرَتْ فِيهِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ .
وَيُمْنَعُ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ صِيغَتُهُ بِرًّا أَوْ حِنْثًا لِأَنَّ فِي إرْسَالِهِ عَلَيْهَا إرْسَالًا عَلَى مَشْكُوكٍ فِي عِصْمَتِهَا ، وَظَاهِرُهُ انْتِظَارُهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ ، وَاحْتَرَزَ بِالْعَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ غَيْرِهَا كَكَهَانَةٍ وَتَنْجِيمٍ فَلَا يُنْتَظَرُ وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ .
عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ لَوْ حَلَفَ لِعَادَةٍ جَرَتْ لَهُ وَعَلَامَاتٍ عَرَفَهَا وَاعْتَادَهَا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ التَّخَرُّصِ وَتَأْثِيرِ النُّجُومِ عِنْدَ مَنْ زَعَمَهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكُونَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ } ، وَبَحْرِيَّةً صِفَةُ سَحَابَةٍ مَحْذُوفَةٍ ، أَيْ مَنْسُوبَةٍ لِلْبَحْرِ لِإِتْيَانِهَا مِنْ جِهَتِهِ ، وَمَعْنَى تَشَاءَمَتْ مَالَتْ لِجِهَةِ الشَّامِ ، وَغُدَيْقَةٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ أَيْ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، فَهُوَ تَصْغِيرُ تَعْظِيمٍ ، وَالْغَدَقُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالدَّالِ الْمَطَّارُ الْكِبَارُ ، وَغَدَقٌ اسْمُ بِئْرٍ مَعْرُوفٍ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا
أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ .
وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ يُوصِي مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُمْطِرْ السَّمَاءُ غَدًا أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عُجِّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ اسْتِخْبَارُ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ حَقًّا قَبْلَ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ .
ابْنُ رُشْدٍ يَنْقَسِمُ ذَلِكَ إلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْمِيَ بِذَلِكَ مَرْمَى الْغَيْبِ ، وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَطْعًا مِنْ جِهَاتِ الْكِهَانَةِ أَوْ التَّنْجِيمِ أَوْ تَقَحُّمًا عَلَى الشَّكِّ دُونَ سَبَبٍ مِنْ تَجْرِبَةٍ ، أَوْ تَوَسُّمِ شَيْءٍ ظَنَّهُ فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ سَاعَةَ حَلَفَ ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ .
فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ وَلَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَعِيسَى تَطْلُقُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُنَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي أَنْ لَا يَرْمِيَ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْغَيْبِ وَإِنَّمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَنْ تَجْرِبَةٍ أَوْ شَيْءٍ تَوَسَّمَهُ ، فَهَذَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ، وَلَا يُسْتَأْنَى بِهِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ أَمْ لَا ، فَإِنْ لَمْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ ، هَذَا قَوْلُ عِيسَى وَدَلِيلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ ا هـ .
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ مَنْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ عُجِّلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَا يُسْتَأْنَى بِهِ .
وَاخْتُلِفَ إنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، أَحَدُهَا أَنَّهُ تَطْلُقُ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى ظَنِّهِ لِأَمْرٍ تَوَسَّمَهُ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا ظَهَرَ لِكِهَانَةٍ أَوْ تَنْجِيمٍ أَوْ
الشَّكِّ أَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ طُلِّقَ عَلَيْهِ ا هـ أَفَادَهُ " غ " .
وَهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ؟ أَوْ يُنْجَزُ كَالْحِنْثِ ؟ تَأْوِيلَانِ
( وَهَلْ يُنْتَظَرُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُمَهَّلُ الْحَالِفُ ، وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ( فِي ) صِيغَةِ ( الْبِرِّ ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الِانْتِظَارِ ( الْأَكْثَرُ ) مِنْ شَارِحِيهَا ( أَوْ يُنَجَّزُ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ مُشَدَّدَةً الطَّلَاقُ فِي الْبِرِّ ( كَ ) تَنْجِيزِهِ فِي ( الْحِنْثِ تَأْوِيلَانِ ) مَحَلُّهُمَا إذَا حَلَفَ لَا لِعَادَةٍ وَقَيَّدَ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ كَدُونِ سَنَةٍ .
وَأَمَّا إنْ حَلَفَ لِعَادَةٍ فَيُنْتَظَرُ ، أَوْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تُمْطِرَ فِي الْأَجَلِ الْبَعِيدِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّنَةَ زَمَنٌ بَعِيدٌ فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ قَيَّدَ بِهَا فِي صِيغَةِ الْبِرِّ ، وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ قَيَّدَ بِهَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ بَلْ يَسْتَحِيلُ عَادَةً بِبَلَدِنَا ، وَنَحْوِهَا أَنْ تَمْضِيَ سَنَةٌ وَلَا يَحْصُلُ مَطَرٌ فِيهَا ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَشْهُرُ الَّتِي لَا يَتَخَلَّفُ الْمَطَرُ فِيهَا عَادَةً كَالتَّقْيِيدِ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ فَيَفْتَرِقُ فِيهَا صِيغَةُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ لِأَنَّ السَّمَاءَ لَا بُدَّ أَنْ تُمْطِرَ فِي زَمَنٍ مَا وَكَذَا إنْ ضَرَبَ أَجَلًا عَشْرَ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ .
ا هـ .
طفى إنَّمَا مَحَلُّ التَّأْوِيلِ إذَا حَلَفَ لَا لِعَادَةٍ وَضَرَبَ الْأَجَلَ الْقَرِيبَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا أَوْ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَمَنْ تَأَكَّدَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَمَا نَقَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ اتَّضَحَ لَهُ مَا قُلْنَا ، وَعَلَيْهِ شَرْحُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ شُرَّاحِهِ .
أَوْ بِمُحَرَّمٍ .
كَإِنْ لَمْ أَزْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ قَبْلَ التَّنْجِيزِ ؛
( أَوْ ) عَلَّقَهُ ( بِ ) فِعْلٍ ( مُحَرَّمٍ كَ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْ لَمْ أَزْنِ ) أَوْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ أَوْ أَقْتُلْ فُلَانًا عَمْدًا وَعُدْوَانًا فَيُنَجِّزُهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَلَا يُنَجِّزُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ( إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ ) الْفِعْلُ الْمُحَرَّمُ مِنْ الْحَالِفِ بِإِنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ قَتَلَ النَّفْسَ قَبْلَ التَّنْجِيزِ ) عَلَيْهِ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ
أَوْ بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَمَآلًا ، وَدُيِّنَ إنْ أَمْكَنَ حَالًا ، وَادَّعَاهُ ، فَلَوْ حَلَفَ اثْنَانِ عَلَى النَّقِيضِ : كَإِنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِينًا : طَلَقَتْ
( أَوْ ) عَلَّقَهُ ( بِمَا لَا يُعْلَمُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ اللَّامِ ( حَالًا وَلَا مَآلًا ) .
الشَّارِحُ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ .
( وَدُيِّنَ ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً أَيْ وُكِّلَ الزَّوْجُ إلَى دِينِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ ( إنْ أَمْكَنَ ) اطِّلَاعُهُ عَلَيْهِ ( حَالًا وَادَّعَاهُ ) كَحَلِفِهِ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ وَالسَّمَاءَ مُطْبَقَةً بِالْغَيْمِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ وَيَحْلِفُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفَتْوَى .
( فَلَوْ حَلَفَ ) زَوْجَانِ ( اثْنَانِ ) بِطَلَاقِ زَوْجَتَيْهِمَا ( عَلَى ) جِنْسِ ( النَّقِيضِ ) الصَّادِقِ بِالنَّقِيضَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ أَوْ الْمَعْنَى حَلَفَ كُلٌّ عَلَى النَّقِيضِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْآخَرُ ( كَ ) قَوْلِ أَحَدِهِمَا ( إنْ كَانَ هَذَا ) الطَّائِرُ ( غُرَابًا ) فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ ( أَوْ ) قَوْلِ الْآخَرِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ، وَلَا يُلْزَمُ الْمُكَلَّفُ بِيَقِينِ غَيْرِهِ ، وَكَقَوْلِ أَحَدِهِمَا زَوْجَتُهُ طَالِقٌ لَقَدْ قُلْت لِي كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ زَوْجَتُهُ طَالِقٌ لَمْ أَقُلْهُ لَك وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ .
( فَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ الْحَالِفَانِ عَلَى النَّقِيضَيْنِ ( يَقِينًا ) بِأَنْ شَكَّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ( طَلَقَتَا ) أَيْ زَوْجَتَا الْحَالِفَيْنِ ، وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِينًا طَلَقَتْ بِالْإِفْرَادِ فِيهِمَا ، أَيْ طَلَقَتْ زَوْجَةُ مَنْ لَمْ يَدَّعِ الْيَقِينَ سَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا أَوْ أَحَدُهَا وَأَرَادَ بِالْيَقِينِ الْجَزْمَ إذْ الْيَقِينُ مَا لَا يُمْكِنُ خِلَافُهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ هُنَا ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الظَّنَّ وَالشَّكَّ وَالْوَهْمَ ، وَسَوَاءٌ تَبَيَّنَ صِدْقُ أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ وَإِنْ ادَّعَيَا الْيَقِينَ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَأُ أَحَدِهِمَا فَيَحْنَثُ ، إذْ
اللَّغْوُ لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ يَمِينِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمَفْهُومُ اثْنَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَاحِدٌ عَلَى النَّقِيضَيْنِ بِطَلَاقِ زَوْجَتَيْهِ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ الْحَالُ وَتَعَذَّرَ التَّحْقِيقُ لَطَلَقَتَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَحَقُّقُ النَّقِيضَيْنِ ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا لَمْ تَطْلُقْ الَّتِي تَبَيَّنَ لَهُ بِرُّ يَمِينِهَا وَطَلَقَتْ الْأُخْرَى ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ يَعْرِفُ هَذَا الْحَقَّ لِحَقٍّ يَدَّعِيهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ يَعْرِفُ لَهُ فِيهِ حَقًّا دُيِّنَا جَمِيعًا ، وَلَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُهُ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا وَالْعِتْقُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا .
وَرَوَى مُحَمَّدٌ السَّبَائِيُّ أَنَّهُمَا يُدَيَّنَانِ وَلَا يَحْلِفَانِ .
وَلِعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُدَيَّنَانِ وَيَحْلِفَانِ ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي نَحْوِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إنْ طُولِبَ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ ، وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَفْتِيَيْنِ فَلَا وَجْهَ لِلْيَمِينِ ، وَفِي اخْتِصَارِ الْمَبْسُوطَةِ لِابْنِ رُشْدٍ سُئِلَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَمَّنْ نَازَعَ رَجُلًا فَقَالَ أَنْتَ قُلْت كَذَا وَكَذَا فَأَنْكَرَ الْآخَرُ ، فَقَالَ الْأَوَّلُ يَمِينِي فِي يَمِينِك بِالطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَا قُلْته حَقًّا ، وَقَالَ الْآخَرُ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ أَلْبَتَّةَ إنْ كَانَ مَا ذَكَرَ حَقًّا فَقَالَ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " حَنِثَ الْأَوَّلُ وَطَلَقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَلْبَتَّةَ .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ فَلَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَقَدْ قُلْت لِي كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْت قُلْته فَلْيُدَيَّنَا وَيُتْرَكَا إنْ ادَّعَيَا يَقِينًا ، وَفِي عِتْقِهَا الْأَوَّلَ إنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ
دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ ، فَإِنْ ادَّعَيَا عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ دُيِّنَا فِيهِ وَإِنْ قَالَا لَمْ نُوقِنْ أَدَخَلَ أَمْ لَا وَإِنَّمَا حَلَفْنَا ظَنًّا فَلْيُعْتِقَاهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ .
وَقَالَ غَيْرُهُ يُجْبَرَانِ عَلَى عِتْقِهِ ، وَعَبَّرَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ الْغَيْرِ بِأَشْهَبَ وَنَقَلَهَا التُّونُسِيُّ بِلَفْظِ حَلَفَا عَلَى الشَّكِّ بَدَلَ حَلَفَا ظَنًّا ، وَلَفْظُ الْأُمِّ إنْ ادَّعَيَا عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ دُيِّنَا ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ وَيُوهِمَانِ أَنَّهُمَا حَلَفَا عَلَى الظَّنِّ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَسْتَرِقَّاهُ بِالشَّكِّ .
ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ .
سَحْنُونٌ وَقَالَ غَيْرُهُ يُجْبَرَانِ عَلَى ذَلِكَ .
وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ : كَإِنْ لَمَسْت السَّمَاءَ ، أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ ، أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَةُ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ ، أَوْ لَا يُشْبِهُ الْبُلُوغُ إلَيْهِ ، أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ ، أَوْ إذَا مِتُّ ، أَوْ مَتَى ، أَوْ إنْ ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَهُ
( وَلَا يَحْنَثُ ) الزَّوْجُ ( إنْ عَلَّقَهُ ) أَيْ الطَّلَاقَ ( بَ ) شَيْءٍ ( مُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ ) وُجُودُهُ عَقْلًا كَقَوْلِهِ إنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ شَرْعًا بِصِيغَةِ بِرٍّ كَقَوْلِهِ إنْ زَنَيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَادَةٍ ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ لَمَسْت ) بِتَثْلِيثِ التَّاءِ ( السَّمَاءَ ) فَطَالِقٌ ( أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُحَقَّقٌ عَدَمُهُ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ ، وَعُورِضَتْ هَذِهِ بِلُزُومِهِ بِالْهَزْلِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا قَوْلَانِ ، فَمَا هُنَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْوَهَّابِ رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّ لُزُومَهُ أَصَحُّ ، فَاسْتَوَى مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا .
( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ آدَمِيٍّ وَ ( لَمْ تُعْلَمْ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ اللَّامِ ( مَشِيئَةُ ) الشَّخْصِ ( الْمُعَلَّقِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ الطَّلَاقُ ( بِمَشِيئَتِهِ ) أَيْ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ فَلَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا حِينَ التَّعْلِيقِ وَعَلِمَ بِمَوْتِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ( أَوْ ) عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ ( لَا يُشْبِهُ ) أَيْ يُمْكِنُ ( الْبُلُوغُ ) أَيْ الْحَيَاةُ مِنْهُمَا مَعًا ( إلَيْهِ ) عَادَةً كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَإِنْ بَلَغَ الزَّوْجَانِ مَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يُشْبِهُ بُلُوغَهُمَا إلَيْهِ فَقَالَ الْحَطّ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ .
عب وَالظَّاهِرُ وُقُوعُهُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ التَّعْمِيرُ مِنْ سَبْعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ .
( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ إنْ قَالَ ( طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ ) أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَأَتَى بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ نَسَقًا بِلَا فَصْلٍ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا
يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ تَحْصُلُ بِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ ( إذَا مِتَّ ) بِضَمِّ التَّاءِ ( أَوْ مُتِّي ) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ لِإِشْبَاعِ الْكِسْرَةِ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ رَدِيئَةٍ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِهَا وَكَسْرِ التَّاءِ ، وَجَوَابُ إذَا مَحْذُوفٌ أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
( أَوْ ) قَوْلُهُ ( إنْ ) مِتّ بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ مِتَّ بِكَسْرِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْنَثُ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ إنْ مِتَّ أَوْ مِتَّ أَوْ إذَا مِتَّ أَوْ مِتَّ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " تَغْلِيبًا لِلشَّرْطِيَّةِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ ، وَمَفْعُولُ يُرِيدُ ( نَفْيَهُ ) أَيْ الْمَوْتِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ الْمَرَضِ عِنَادًا بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ لَا أَمُوتُ وَلَا تَمُوتِينَ فَيُنَجَّزُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لَغْوٌ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مِتَّ أَنَا وَأَنْتِ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فِي إنْ قَالَ ، وَكَذَا إذَا ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَرَأَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي إنْ قُلْت يُرَدُّ بِأَنَّ إنْ حَرْفٌ لَا تَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ فَاخْتَصَّتْ بِوُقُوعِ الْمَوْتِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ ، وَإِذَا اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى زَمَانِ الْمَوْتِ الصَّادِقِ عَلَى مَا قَارَبَهُ قَبْلَهُ فَصَارَ كَقَوْلِهِ يَوْمَ مَوْتِي .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ ، أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مِتَّ أَوْ إذَا مِتَّ سَوَاءٌ وَوَقَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي إنْ مِتَّ قَالَ أَصْبَغُ هُمَا سَوَاءٌ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَمَحْمَلُهُمَا وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِبِسَاطٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَمُوتَ عِنَادًا أَوْ مِنْ مَرَضٍ خَاصٍّ فَيُعَجَّلُ طَلَاقُهُ مَكَانَهُ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إلَى أَنْ إذَا مِتَّ مِثْلُ إنْ مِتَّ فِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي قَوْلِهَا إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أَوْ إذَا شِئْتِ فَذَلِكَ بِيَدِهَا ، وَإِنْ افْتَرَقَا حَتَّى تُوقِفَ أَوْ يَتَلَذَّذَ مِنْهَا طَائِعَةً وَكَانَتْ " إذَا "
عِنْدَ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَشَدَّ مِنْ " إنْ " ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا .
أَوْ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً
( أَوْ ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْمُحَقَّقِ بَرَاءَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ ( إنْ وَلَدْت جَارِيَةً ) أَيْ بِنْتًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ أَوْ مَسَّهَا فِيهِ وَلَمْ يُنْزِلْ أَوْ عَزَلَ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَوَافَقَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ .
طفي هَذَا أَصْلُهُ لِعِيَاضٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِك غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ سَاعَتَئِذٍ مَا نَصُّهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ إنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً أَوْ إذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى تَلِدَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ ، وَكَذَا بَيَّنَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ ا هـ .
أَبُو الْحَسَنِ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى التَّفْسِيرِ ، وَكَذَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ ، وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ خِلَافٌ ا هـ .
وَكَذَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت غُلَامًا فَلَكَ مِائَةُ دِينَارٍ وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالطَّلَاقُ وَقَعَ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ ، يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ أَنْ يُعَجَّلَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْمُدَوَّنَةِ .
ا هـ .
وَلِذَا حَمَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً كَمَا بَعْدَهُ ، وَالْغَرَضُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ وَتَبِعَهُ " س " وَتَعَقَّبَ الْحَطّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ .
وَذَكَرَ هُنَا طَرِيقَيْنِ أُولَاهُمَا الَّتِي قَدَّمَهَا فِي قَوْلِهِ كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ تَكُونِي وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يُنَجَّزُ فِي قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ ، وَنَصُّ تَبْصِرَتِهِ اخْتَلَفَ فِيمَنْ قَالَ إنْ وَلَدْت
جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ تَلِدِي غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ نَحْوَ الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَفِي مَالِكٍ أَنَّهَا طَالِقٌ مَكَانَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ .
ا هـ .
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْآنَ وَهِيَ طَرِيقَةُ عِيَاضٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ .
ا هـ .
قَالَ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ تَكُونِي هَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ حَالًا ، وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ أَوْ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ فَكُلُّهَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ .
وَقَوْلُهُ أَوْ إنْ وَلَدْت جَارِيَةً مَعَ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى خِلَافِ مَا شَهَرَهُ هُنَاكَ .
ا هـ .
وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ لَا تَخَالُفَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ عِيَاضٍ ، إذْ لَمْ يُخَالِفْ عِيَاضٌ إلَّا فِي إنْ وَلَدْت جَارِيَةً أَوْ إذَا وَلَدْت جَارِيَةً حَسْبَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّهِ .
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ تَكُونِي فَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ عِيَاضٌ ، بَلْ وَافَقَ اللَّخْمِيَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَيْفَ يُخَالِفُهُ فِيهِ وَالْمُدَوَّنَةُ قَالَتْ فِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِك غُلَامٌ مَا تَقَدَّمَ عَنْهَا وَأَقَرَّهُ عِيَاضٌ ، وَإِنَّمَا قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ إلَخْ وَقَالَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت حَامِلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِك حَمْلٌ أَوْ إذَا وَضَعْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، طَلَقَتْ مَكَانَهَا ، وَلَا يُسْتَأْنَى بِهَا لِيَنْظُرَ أَبِهَا حَمْلٌ أَمْ لَا ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَتَوَارَثَانِ ، فَهَذَا صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فَخِلَافُهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي إنْ وَلَدْت جَارِيَةً وَمَحَلُّهُ إذَا قَالَهُ لِمُحَقَّقَةِ الْحَمْلِ أَوْ لِمَشْكُوكٍ فِي حَمْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ مُحَقَّقَةَ الْبَرَاءَةِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّنْجِيزِ ، لَكِنْ
عِنْدَ اللَّخْمِيِّ يُنْتَظَرُ إلَى الْوَطْءِ وَعِنْدَ عِيَاضٍ إلَى الْوِلَادَةِ .
أَوْ إنْ حَمَلْت ، إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً ، وَإِنْ قَبْلَ يَمِينِهِ : كَإِنْ حَمَلْت ، وَوَضَعْت ، أَوْ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبِ ، وَانْتُظِرَ إنْ أَثْبَتَ : كَيَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ وَتَبَيَّنَ الْوُقُوعُ أَوَّلَهُ : إنْ قَدِمَ فِي نِصْفِهِ
أَوْ ) قَالَ لِغَيْرِ ظَاهِرَةِ الْحَمْلِ ( إذَا حَمَلْت ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِظُهُورِهِ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ يَمِينِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا ظَهَرَ بِك حَمْلٌ أَوْ حَدَثَ فَعُمِلَ بِالِاحْتِيَاطِ فَحَنِثَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِظَاهِرَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّ قَصْدَهُ قَطْعًا إذَا حَدَثَ بِك حَمْلٌ غَيْرُ هَذَا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِحَمْلٍ مُسْتَقْبَلٍ .
وَأَمَّا إنْ قَالَ لِظَاهِرَةِ الْحَمْلِ إنْ كُنْت حَامِلًا فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ فِي إذَا حَمَلْت فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً ) بَعْدَ يَمِينِهِ .
بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْوَطْءُ ( قَبْلَ يَمِينِهِ ) نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً ، كَقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً ، ثُمَّ يُمْسِكُ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ .
وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ بَيْنَهُمَا بِمَنْعِ النِّكَاحِ لِأَجَلٍ ، وَجَوَازُ الْعِتْقِ لَهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَتْنِ رَاجِعْ لِلصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ ، وَاسْتُشْكِلَ الْحِنْثُ بِوَطْئِهَا قَبْلَ يَمِينِهِ بِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى حُدُوثِ حَمْلٍ مُسْتَقْبَلٍ ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْيَمِينِ ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ إنْ حَمَلْت إنْ كُنْت حَامِلًا وَظَهَرَ حَمْلُك أَوْ مُرَادُهُ بِهِ الْوَضْعُ ، وَلَكِنَّ هَذَا فِيهِ إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ ، وَأَوَّلُ الْجَوَابَيْنِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ وَإِنْ قُبِلَ يَمِينُهُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ التَّنْجِيزِ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً وَإِنْ قُبِلَ يَمِينُهُ فَقَالَ ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ حَمَلْت وَوَضَعْت ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ سُكُونِهَا فِيهِمَا فَطَالِقٌ وَلَيْسَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً وَإِنْ قُبِلَ يَمِينُهُ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ نُجِّزَ
عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغَايَةِ الثَّانِيَةِ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَحْنَثُ إنْ عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ( مُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبٍ ) وُقُوعُهُ وَيُمْكِنُ عِلْمُهُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( وَانْتُظِرَ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ أُمْهِلَ الزَّوْجُ بِالْحِنْثِ إلَى وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( إنْ أَثْبَتَ ) فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنْ عَلَّقَهُ بِصِيغَةِ بِرٍّ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَ ( كَ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ ) الْغَائِبِ مِنْ سَفَرِهِ قَاصِدًا تَعْلِيقَهُ عَلَى نَفْسِ قُدُومِهِ وَالزَّمَنُ تَبَعٌ لَهُ ، فَإِنْ قَدِمَ وَلَوْ لَيْلًا حَنِثَ ، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى زَمَنِ قُدُومِهِ نُجِّزَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا يُنْتَظَرُ ، وَأَنَّهُ لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى نَفْسِ الزَّمَنِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى نَفْسِ فِعْلٍ غَيْرِ غَالِبٍ وُجُودُهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِهِ فِيهَا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدَمَ وَلَهُ وَطْؤُهَا ، فَإِنْ قَصَدَ وَقْتَ الْفِعْلِ وَهُوَ تَبَعٌ فَكَمُعَلَّقٍ عَلَى وَقْتٍ .
( وَتَبَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ ظَهَرَ ( الْوُقُوعُ ) لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى قُدُومِ زَيْدٍ ( أَوَّلَهُ ) أَيْ يَوْمَ قُدُومِهِ ( إنْ قَدِمَ ) زَيْدٌ ( فِي نِصْفِهِ ) أَيْ الْيَوْمِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إذَا حَنِثَ بِنَفْسِ قُدُومِهِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، فَإِذَا قَدِمَ أَثْنَاءَ أَحَدِهِمَا تَبَيَّنَ أَيْ اُعْتُبِرَ حِنْثُهُ بِأَوَّلِهِ وَثَمَرَتُهُ فِي الْعِدَّةِ ، فَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ أَوْ الْغُرُوبِ طَاهِرًا وَحَاضَتْ وَقْتَ قَدِمَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَوَضَعَتْ وَقْتَ قُدُومِهِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَفِي التَّوَارُثِ وَرُجُوعِهَا عَلَيْهِ بِمَا خَالَعَتْهُ
بِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ الْغُرُوبِ فِي الْيَوْمِ لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْحِنْثَ فِي هَذَا بِنَفْسِ قُدُومِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ تَبَيُّنِ وُقُوعِهِ أَوَّلَ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلِ .
وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ مِثْلُ إنْ شَاءَ
( وَ ) لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ ) عَدَمَهُ أَوْ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْتِ فَلَا يَتَنَجَّزُ ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَى مَشِيئَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، فَإِنْ شَاءَ وُقُوعَهُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا ( مِثْلُ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْ شَاءَ ) زَيْدٌ أَوْ أَنْ شِئْت أَنْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ فِي التَّوَقُّفِ عَلَيْهَا ، لَكِنْ فِي هَذَا اتِّفَاقًا فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مِثْلُ إنْ شَاءَ .
وَاخْتُلِفَ فِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ لِاقْتِضَائِهِ وُقُوعَهُ حَتَّى يَشَاءَ زَيْدٌ رَفْعَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهُوَ إذَا وَقَعَ لَا يَرْتَفِعُ فَقِيَاسُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَشِيئَتِهِ عَدَمَ وُقُوعِهِ ، لَكِنَّهُ نَظَرَ فِيهِ لِلتَّعْلِيقِ مَعْنًى ابْنُ عَرَفَةَ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَقِيلَ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ .
وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُنْتَخَبَةِ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي أَبِي فَمَنَعَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي فَلَمْ يَشَأْ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ أَبِي .
اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُرْسَلًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَةِ أَبِيهِ مِثْلُهُ فِي نَوَازِلِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ قِيَاسُهُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ لَا قِيَاسُهُ الثَّانِي أَنَّهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ أَبِي لِأَنَّ وَقْفَ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَةِ الْأَبِ صَحِيحٌ وَرَفْعَ مَشِيئَةِ الْأَبِ الطَّلَاقَ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَلَا يَنْبَغِي جَعْلُ لَفْظِ رَفْعِ الْمَشِيئَةِ الطَّلَاقَ بِمَعْنَى وَقْفِ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَتِهِ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ فَيَنْوِيَ إنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَلَا يَصِحُّ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ الْبَيِّنَةِ فَضْلًا أَنْ تُحْمَلَ يَمِينُهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْ إلَّا أَنْ يَمْنَعَنِي
لَغْوًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ حُمِلَ عَلَى إرَادَتِهِ بِهِ إنْ شَاءَ أَبِي لِعَدَمِ تَفْرِقَةِ الْعَوَامّ وَالْجُهَّالِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ، فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يُفْتَى بِهِ الْجَاهِلُ ، عَلَى أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِهِ لَيْسَتْ الْجَهَالَةُ بِأَحْسَنَ حَالَةً مِنْ الْعِلْمِ فِي الطَّلَاقِ فَقَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ ضَعِيفٌ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى لَفْظِهِ هُوَ أَظْهَرُ مُحْتَمَلَاتِهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَتِي طَالِقٌ لَا أُلْزِمُ نَفْسِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَبِي ، وَإِلَيْهِ نَحَا أَصْبَغُ فَجَعَلَهُ كَإِنْ شَاءَ أَبِي ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا ، وَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ أَحَدَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيُخْتَلَفُ عَلَى أَيُّهَا يُحْمَلُ .
ا هـ .
وَأَطَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا .
بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي : كَالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ .
كَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ مُنِعَ مِنْهَا إلَّا إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا ، أَوْ إنْ لَمْ أَطَأْهَا
( بِخِلَافِ ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( إلَّا أَنْ يَبْدُوَ ) أَيْ يَظْهَرَ ( لِي ) عَدَمُ طَلَاقِك فَيُنَجَّزُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ ، حَيْثُ رَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِلْمُعَلَّقِ ، فَإِنْ رَدَّهُ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفَعَهُ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهَا فِي النُّذُورِ مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْفَعُهُ اسْتِثْنَاؤُهُ .
الصِّقِلِّيُّ وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ .
إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَشْيِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا ، وَقَالَ مَا قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي إلَّا كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ ، فَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ .
التُّونُسِيُّ لَمْ يَنْفَعْهُ اسْتِثْنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ لَمْ يَقَعْ ، بَلْ إلَى وُجُوبِ شَيْءٍ قَدْ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي عَلَى الْأَشْهَرِ خِلَافُ نَصِّ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُمَا .
وَوَجْهُ تَفْرِقَتِهِ أَنَّ الرَّافِعَ فِي إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي هُوَ الْمَوْقِعُ فَكَانَ مِنْهُ تَلَاعُبًا .
وَفِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ غَيْرَهُ فَأَشْبَهَ كَوْنَهُ تَفْوِيضًا .
وَشَبَّهَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ ( كَالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ ) فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ كَذَا أَوْ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي فَرَجٍ إنْ شَاءَ زَيْدٌ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى مَشِيئَتِهِ .
وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ شِئْت فَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ أَشَاءَ
لَزِمَهُ وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَإِنْ رَدَّهُ لِيُعَلِّقَ عَلَيْهِ نَفْعَهُ وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّ الرِّوَايَاتِ تَسْوِيَةُ الْعِتْقِ وَالنَّذْرِ بِالطَّلَاقِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ .
ابْنُ شَاسٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لِأَصْحَابِنَا طَرِيقَانِ الْأُولَى لَفْظُ الطَّلَاقِ يُوجِبُهُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ ، الثَّانِيَةُ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ تَأَخُّرُ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ الطَّلَاقِ مَعَ وُقُوعِهِ بِلَفْظِهِ كَاسْتِثْنَاءٍ عُلِّقَ بِمَاضٍ يَسْقُطُ كَسُقُوطِهِ فِي تَعَلُّقِهِ بِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ .
الْمَازِرِيُّ تَحْقِيقُهُ إنْ أَرَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ إيقَاعَ لَفْظِي لَزِمَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنْ أَرَادَ إنْ شَاءَ لُزُومَ الطَّلَاقِ لِلْحَالِفِ بِهِ لَزِمَهُ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ أَرَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ ، وَإِنْ أَرَادَ إلْزَامَ الطَّلَاقِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ فَهُوَ أَشْكَلُ الْوُجُوهِ ، وَالْحَقُّ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ هَلْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْفُرُوعِ حُكْمٌ مَطْلُوبٌ نَحْنُ غَيْرُ عَالِمِينَ بِهِ فَيَرْجِعُ إلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ أَوْ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ بَلْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَيَكُونُ الْحَقُّ مُعَلَّقًا بِاجْتِهَادِ الْمُفْتِي .
قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّفْرِيقِ ، بَلْ هُوَ بَحْثٌ فِي أَعْمَالِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَلَغْوِهِ وَالْأَقْرَبُ فِي التَّفْرِيقِ أَنَّ مَدْلُولَ الطَّلَاقِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَقَطْ ، فَاسْتَحَالَ تَعْلِيقُهُ لِقِدَمِهِ وَمَدْلُولُ الْيَمِينِ فِعْلٌ أَوْ كَفٌّ عَنْهُ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ لِحُدُوثِهِ ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ الْأَصْلُ لَغْوُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ
الْمُعَلَّقِ وَرَدُّ أَعْمَالِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ .
وَذَكَرَ قَسِيمٌ إنْ أَثْبَتَ فَقَالَ ( وَإِنْ نَفَى ) أَيْ حَلَفَ بِصِيغَةِ حِنْثٍ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا ( وَلَمْ يُؤَجِّلْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةً أَيْ لَمْ يَذْكُرْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا مُعَيَّنًا بِأَنْ أَطْلَقَهَا ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ لَمْ يَقْدَمْ ) زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( مُنِعَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الزَّوْجُ ( مِنْ ) وَطْءِ ( هَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَدَمِ الْقُدُومِ مَثَلًا حَتَّى يَحْصُلَ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاسْتِرْسَالُ عَلَى فَرْجٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَيُنْتَظَرُ فَإِنْ رَفَعَتْهُ بِتَرْكِ وَطْئِهَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ وَإِنَّمَا جُبِرَ عَلَى تَرْكِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ .
وَفِي نُسْخَةٍ كَإِنْ لَمْ أَقْدَمْ بِهَمْزَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ حُكْمَ حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ إلَخْ ، وَيُمْكِنُ رَدُّ النُّسْخَةِ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ بِجَعْلِ فَاعِلِ يَقْدَمُ ضَمِيرُ الْحَالِفِ ، فَإِنْ أَجَّلَ بِأَجَلٍ مُعَيَّنٍ كَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَضِيقَ الْأَجَلُ ، فَإِنْ فَعَلَ قَبْلَ انْقِضَائِهِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّعْلِيقُ عَلَى عَدَمِ فِعْلٍ مُمْكِنٍ لِلْحَالِفِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ وَلَا مُؤَجَّلٍ يَمْنَعُ الْوَطْءَ حَتَّى يَفْعَلَهُ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَرِثَتْهُ وَوَرِثَهَا إذْ لَا تَطْلُقُ مَيِّتَةً وَلَا يُؤْمَرُ مَيِّتٌ بِطَلَاقٍ ، وَفِي الْأَيْمَانِ مِنْهَا مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ .
اللَّخْمِيُّ رَوَى ابْنُ شَعْبَانَ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَفْعَلَن فَتَرْكُ وَطْئِهِ مُحْدَثٌ لَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ ، يُرِيدُ لَمْ تَكُنْ الْفُتْيَا بِمَنْعِهِ ،
وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ يُؤْمَرُ بِالْكَفِّ مَنْ يُتَوَقَّعُ حِنْثُهُ فِي الْحَيَاةِ لَا مَنْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَوْتِهِ أَوْ مَوْتِ زَوْجَتِهِ أَحْسَنُ .
الشَّيْخُ إنْ تَعَدَّى وَوَطِئَ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ .
الصِّقِلِّيُّ لِضَعْفِ الْقَوْلِ بِمَنْعِهِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ .
قُلْت يَرُدُّهُ وَطْءُ الْمُعْتَكِفَةِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالصَّائِمَةِ فَالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لِخَلَلٍ فِي مُوجِبِ الْوَطْءِ ، وَقَوْلُ اسْتِبْرَائِهَا كُلُّ وَطْءٍ فَاسِدٍ لَا يَطَأُ بَعْدَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ يُرِيدُ مَا فَسَدَ لِسَبَبِ حِلْيَتِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ مَا قَبْلَهُ مِنْ وَطْءِ الْأَبِ أَمَةَ ابْنِهِ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مُنِعَ مِنْهَا فَقَالَ ( إلَّا ) مَنْ كَانَ بِرُّهُ فِي وَطْئِهَا ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا ) فَهِيَ طَالِقٌ بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ( أَوْ ) قَوْلِهِ ( إنْ لَمْ أَطَأْهَا ) فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّ بِرَّهُ فِي وَطْئِهَا فَيُرْسِلُ عَلَيْهَا ، فَإِنْ تَرَكَ وَطْأَهَا وَرَفَعَتْهُ فَهُوَ مُولٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
وَمَحَلُّ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا حَيْثُ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا فَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ وَلَوْ مِنْ جِهَتِهِ مُنِعَ مِنْهَا وَنُجِّزَ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا .
وَهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقًا ؟ أَوْ إلَّا فِي : كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ ، وَلَيْسَ وَقْتَ سَفَرٍ ؟ تَأْوِيلَانِ إلَّا : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك مُطْلَقًا أَوْ إلَى أَجَلٍ ، أَوْ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك بِرَأْسِ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ ، أَوْ الْآنَ فَيُنَجَّزُ
( وَهَلْ يُمْنَعُ ) مَنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ فِي غَيْرِ صُورَتَيْ الِاسْتِثْنَاءِ مَنْعًا ( مُطْلَقًا ) غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَى عَدَمِهِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ ( أَوْ ) يُمْنَعُ ( إلَّا فِي ) مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ ( كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ لَمْ أَحُجَّ ) فِي هَذَا الْعَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَلَيْسَ ) الْوَقْتُ الَّذِي عَلَّقَ فِيهِ ( وَقْتَ سَفَرِ ) مُعْتَادِ الْحَجِّ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ الثَّانِي إذْ لَا يَقْصِدَ أَحَدٌ الْحَجَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا لَهُ أَجَلٌ عُرْفًا سَمِعَ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَحُجَّ ، فَإِنْ قَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ زَمَانٌ قِيلَ لَهُ أَحْرِمْ وَاخْرُجْ لِأَنَّهَا إنْ رَفَعَتْهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي إنْ لَمْ يُحْرِمْ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ دُونَ مَسِيسٍ حَجَّ مَتَى شَاءَ .
ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرٌ كَظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا يُمْنَعُ الْوَطْءُ مِنْ يَوْمِ حَلِفِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ إبَّانَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ وَإِنْ رَفَعَتْهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا إنْ تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ بِهَا قِيلَ لَهُ اُخْرُجْ وَأَحْرِمْ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَحْرَمِ وَضَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إذَا وَجَدَ صَحَابَةً وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ بِإِحْرَامٍ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ .
وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ حَتَّى يَأْتِيَ إبَّانَ خُرُوجِ الْحَجِّ ، فَإِنْ جَاءَ ضُرِبَ لَهُ فَإِنْ حَجَّ قَبْلَ انْقِضَائِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى انْقَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَائِهِ .
" ر " إذَا انْقَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ وَقْتِ
الْحَجِّ فَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ ، فَإِنْ أَتَى وَحَجَّ بَرَّ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا ، وَإِنْ لَمْ يُؤَجِّلْ لِلْإِيلَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ أُجِّلَ لِلْإِيلَاءِ وَقِيلَ لَهُ اُخْرُجْ وَأَحْرِمْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ يَرْجِعُ إلَى الْوَطْءِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ أَبَدًا وَيُؤَجَّلُ لِلْإِيلَاءِ مَتَى قَامَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ .
وَثَالِثُهَا لَا يُمْنَعُ الْوَطْءَ حَتَّى يَخْشَى فَوَاتَ الْحَجِّ فَيُمْنَعَ وَيُؤَجَّلَ لِلْإِيلَاءِ إنْ قَامَتْ امْرَأَتُهُ بِهِ .
وَقِيلَ أُخْرِجَ فَإِنْ أَسْرَعَ وَحَجَّ سَقَطَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا إنْ انْقَضَى أَجَلُهَا أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ .
وَرَابِعُهَا لَا يُمْنَعُ الْوَطْءَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ فَاتَهُ وَقَامَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ فَإِنْ خَرَجَ فَلَا تُطَّلَقُ عَلَيْهِ بِانْقِضَائِهِ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ الْحَجِّ .
فَإِنْ حَجَّ بَرَّ وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ .
وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى انْقَضَى أَجَلُ الْإِيلَاءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِهَا وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ حَلَفَ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الْحَجِّ مَا يُدْرِكُهُ فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْعَامِ ، وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي السَّمَاعِ .
فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ وَعَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يَحُجُّ فِي مِثْلِهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْخُرُوجِ لِبَلَدٍ وَلَا يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يُمْكِنُهُ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِخُرُوجِهِ وَقْتٌ وَمَنَعَهُ فَسَادُ طَرِيقٍ أَوْ غَلَاءُ كِرَاءٍ فَهُوَ عُذْرٌ ، وَكَذَا حَلِفُهُ لَيُكَلِّمَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ فَلَا يُوقَفُ حَتَّى يَقْدَمَ وَلَوْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ ، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَضَرَ وَطَالَ مِقْدَامُهُ بِمَا يُمْكِنُهُ الْفِعْلُ فِيهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ فُلَانٌ حَنِثَ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ مُنِعَ مِنْهَا أَيْ وَيُنْتَظَرُ فَقَالَ ( إلَّا ) قَوْلُهُ ( إنْ لَمْ أُطَلِّقْك ) فَأَنْتِ طَالِقٌ حَالَ كَوْنِهِ ( مُطْلِقًا ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ لَهُ بِأَجَلٍ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ مَا لَهَا لِلطَّلَاقِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ ( أَوْ ) مُقَيِّدًا تَعْلِيقَهُ ( إلَى أَجَلٍ ) قَوْلُهُ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَجْهُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَالْفَوْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ .
ابْنُ عَاشِرٍ لَمَّا تَضَمَّنَ قَوْلُهُ مُنِعَ مِنْهَا حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مُصَرَّحٌ بِهِ وَهُوَ الْحَيْلُولَةُ وَالْآخَرُ لَازِمٌ وَهُوَ عَدَمُ التَّنْجِيزِ ، اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ قَوْلَهُ إلَّا إنْ لَمْ أُحْبِلْهَا إلَخْ ، وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الثَّانِي قَوْلَهُ إلَّا إنْ لَمْ أُطَلِّقْك إلَخْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي هَذِهِ صَرِيحًا احْتَاجَ إلَى بَيَانِهِ بِقَوْلِهِ فَيُنَجَّزُ فَلَوْ قَرَنَ إلَّا الثَّانِيَةَ بِوَاوِ عَطْفٍ لَكَانَ أَصْنَعَ .
( أَوْ ) أَيْ وَإِلَّا قَوْلُهُ ( إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ ) أَيْ آخَرَ ( الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ ) فَتَنَجَّزَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ وَقْتَ تَعْلِيقِهِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ آخِرَهُ بِإِيقَاعِهِ أَوْ بِحِنْثِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا ( أَوْ ) أَيْ وَإِلَّا إنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( الْآنَ ) أَلْبَتَّةَ ( فَيُنَجَّزُ ) الطَّلَاقُ أَلْبَتَّةَ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا إمَّا بِإِيقَاعِهِ أَوْ حِنْثِهِ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ ، وَصَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ بِالتَّنْجِيزِ وَإِنَّمَا هُوَ
مُخَرَّجٌ فِيهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَاعْتَرَفَ فِي التَّوْضِيحِ بِهَذَا وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ، لِأَنَّ الْأُولَى عَجَّلَ فِيهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، وَهَذِهِ لَهُ الْخُرُوجُ فِيهَا مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ بِالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى مَنْصُوصَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَفِيهَا وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ مَكَانَهُ طَلْقَةٌ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ وَقَفَهُ ا هـ .
وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِعَدَمِ التَّنْجِيزِ فِي الْحَلِفِ بِالْبَتَّةِ قَائِلًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ .
ا هـ .
وَهُوَ وَاضِحٌ إذْ لَا وَجْهَ لِلتَّنْجِيزِ وَهُوَ يَجِدُ مَخْرَجًا بِالْمُصَالَحَةِ ، وَلَمْ يَعْرِفْ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ بِالتَّنْجِيزِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَشْهُورًا ، وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ إنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْهِلَالِ ثَلَاثًا لَمْ يُعَجِّلْ أَحَدَ الطَّلَاقَيْنِ .
قَالَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ .
الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ الطَّلْقَةَ الَّتِي إلَى شَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ .
مُحَمَّدٌ هَذِهِ جَيِّدَةٌ وَوَقْفٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَرَآهَا أَيْمَانًا لَا يَجِبُ فِيهَا طَلَاقٌ وَقَالَ أَرَأَيْت إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك إلَى سَنَةٍ أَلْبَتَّةَ أَتُعَجَّلُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُصَالِحَ قَبْلَ السَّنَةِ وَيَتَزَوَّجَهَا فَيَسْلَمَ مِنْ الْبَتَّةِ وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِ وَطْأَهَا إلَى الْأَجَلِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لَا أُعْتِقَنَّ جَارِيَتِي إلَى سَنَةٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا .
قُلْت ظَاهِرُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ التَّعْجِيلِ فِي تَعْلِيقِ " أَلْبَتَّةَ " عَلَى عَدَمِهَا وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ بِالتَّعْجِيلِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ
الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهَا قَوْلًا بِالتَّعْجِيلِ وَكَذَا فَعَلَ ابْنُ بَشِيرٍ .
وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ كَطَالِقٍ الْيَوْمَ ، أَوْ كَلَّمَتْ فُلَانًا غَدًا
( وَيَقَعُ ) الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ الْآنَ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ ( وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ ) وَاوُهُ لِلْحَالِ وَلَوْ مُؤَكِّدَةً فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ ، وَاسْتَظْهَرَ عَلَى هَذَا بِالْقِيَاسِ فَقَالَ ( كَطَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا ) قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَصْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا كَلَّمَهُ غَدًا وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْيَوْمِ وَجْهٌ .
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الْحَمَّامَ غَدًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فُلَانٌ الْحَمَّامَ غَدًا وَلَهُ وَطْؤُهَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ ، وَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ الْبَتَّةُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهَا فَسَقَطَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ شَيْءٌ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى إيقَاعِ الْبَتَّةِ رَأْسَ الشَّهْرِ بِوُقُوعِهَا الْآنَ فَلَهُ طَلَبُ تَحْصِيلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ إيقَاعُ أَلْبَتَّةَ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ .
فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ تَرْكُ ذَلِكَ الطَّلَبِ وَاخْتِيَارُ الْحِنْثِ كَمَا لِكُلِّ حَالِفٍ ، فَإِذَا اخْتَارَهُ لَمْ يُمْكِنْ وُقُوعُ الْحِنْثِ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ زَمَانِ أَلْبَتَّةَ الْمَحْلُوفِ بِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهَا فِي الزَّمَنِ الْحَالِ الَّذِي عَادَ مَاضِيًا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا وَكَلَّمَهُ غَدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَضَى وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ إذَا كَلَّمَهُ غَدًا
، وَأَيْضًا فَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ بِإِثْرِ هَذِهِ مِمَّا يَرُدُّ بَحْثَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ لَوْ صَحَّ لَلَزِمَ فِيمَنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِمَا ذُكِرَ ، وَلَكِنْ لَا يَحْسُنُ الْخِلَافُ فِي تَعْجِيلِ الْوَاحِدَةِ ا هـ
وَإِنْ قَالَ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ ، فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَتْ ، وَإِلَّا قِيلَ لَهُ : إمَّا عَجَّلَتْهَا وَإِلَّا بَانَتْ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ غَيْرِهِ فَفِي الْبِرِّ : كَنَفْسِهِ ، وَهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ ؟ أَوْ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَيُتَلَوَّمُ لَهُ ؟ قَوْلَانِ ،
( وَإِنْ قَالَ ) الزَّوْجُ ( إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ عَجَّلَهَا ) أَيْ الزَّوْجُ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ ( أَجْزَأَتْ ) فِي بِرِّهِ مِنْ الْيَمِينِ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ شَيْءٌ لِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ قَبْلَ الشَّهْرِ لَا يَضُرُّ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُنَجَّزَ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ أَجَلِهِ طَالِقٌ بَعْدَ شَهْرٍ فَيُنَجَّزُ الْآنَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْهَا وُقِفَ وَ ( قِيلَ لَهُ إمَّا عَجَّلْتهَا ) أَيْ الْوَاحِدَةَ الْآنَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُعَجِّلْهَا ( بَانَتْ ) مِنْك بِالثَّلَاثِ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاوَزَ الْأَجَلَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا لِوَاحِدَةٍ طَلَقَتْ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَمْنَعُهَا مُضِيُّ زَمَنِهَا .
( وَإِنْ حَلَفَ ) الزَّوْجُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ أَمَتِهِ ( عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ الشَّامِلِ لِلزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا ( فَفِي ) حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ بِصِيغَةِ ( الْبِرِّ ) بِأَنْ قَالَ إنْ فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ فَ ( كَ ) حَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ ( نَفْسِهِ ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَيُنْتَظَرُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ أَمَتِهِ الَّتِي حَلَفَ بِعِتْقِهَا وَلَا مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا .
وَأَمَّا الْبِرُّ الْمُؤَقَّتُ كَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فُلَانٌ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ فَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الْأَمَةِ لَا مِنْ وَطْئِهَا أَوْ الزَّوْجَةِ .
( وَهَلْ كَذَلِكَ ) أَيْ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ( فِي ) صِيغَةِ ( الْحِنْثِ ) الْمُطْلَقِ فِي مَنْعِهِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ وَضَرْبِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ إنْ رَفَعَتْهُ ( أَوْ لَا ) يَكُونُ كَحَلِفِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا ( يُضْرَبُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ( لَهُ ) أَيْ الْحَالِفِ ( أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَ ) لَكِنْ ( يُتَلَوَّمُ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا أَيْ يُسْتَأْنَى ( لَهُ ) بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ أَرَادَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَحْنَثُ فِي الْجَوَابِ (
قَوْلَانِ ) لِابْنِ الْقَاسِمِ رَجَّحَ الثَّانِيَ .
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا عَلَيْهِمَا أَمَّا عَلَى ضَرْبِ الْأَجَلِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عَلَى التَّلَوُّمِ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ بِمَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا مَعَهُ وَنَصُّهَا فِي الْحَطّ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِ غَيْرِ الْحَالِفِ فِي كَوْنِهِ كَعَدَمِ فِعْلِهِ أَوْ التَّلَوُّمُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَهُ .
ثَالِثُهَا إنْ حَلَفَ عَلَى غَائِبٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ أَوْ إنْ لَمْ يَحُجَّ فَالْأَوَّلُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى حَاضِرٍ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَهَبْ لِي دِينَارًا أَوْ إنْ لَمْ تَقْضِنِي حَقِّي فَالثَّانِي ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الثَّانِي فِي مَنْعِهِ الْوَطْءَ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ لِيَمِينِهِ سَبَبٌ وَقْتًا أَرَادَهُ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَلَيْهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ أَرَادَهُ دُونَ حُكْمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ مَضَى قَدْرُ مَا كَانَ السُّلْطَانُ يَتَلَوَّمُ لَهُ وَقَعَ حِنْثُهُ ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَهُ فَلَا يَرِثُهَا وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ .
وَقَالَ الْأَخَوَانِ لَا يَقَعُ وَلَوْ طَالَ إلَّا بِالْحُكْمِ وَالْقِيَاسِ الْأَوَّلِ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا
وَإِنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْت ، صُدِّقَ بِيَمِينٍ ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيُنَجَّزُ ، وَلَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ ، إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَبَانَتْ ؛ وَلَا تَتَزَيَّنُ إلَّا كُرْهًا ، وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا : قَوْلَانِ
( وَإِنْ أَقَرَّ ) الزَّوْجُ ( بِفِعْلٍ ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُ أَوْ تَسَرَّيْتُ أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ .
ثُمَّ ) كَذَّبَ نَفْسَهُ فِي إقْرَارِهِ أَوْ الْبَيِّنَةَ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ وَ ( حَلَفَ ) بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ( مَا فَعَلْت ) ذَلِكَ الْفِعْلَ ( صُدِّقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا ( بِيَمِينٍ ) بِاَللَّهِ تَعَالَى إنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ زُوِّرَتْ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ نُجِّزَ عَلَيْهِ إنْ رُفِعَ وَإِنْ اسْتَفْتَى صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَنْ أَقَرَّ بِفِعْلِ كَذَا ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا فَعَلَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فَلَا يَنْفَعُهُ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالْقَضَاءِ .
قُلْت مِثْلُهُ فِي رَسْمِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِيهِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِحَقٍّ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ يُنْكِرُهُ فَحَلَفَ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزُورٍ حَلَفَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ وَدُيِّنَ ، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَصْدِيقِهِمْ أَوْ شَهِدَ آخَرُونَ بِصِدْقِ شَهَادَةِ الْأَوَّلِينَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ كَذَا وَإِنْ كَانَ كَلَّمَ فُلَانًا الْيَوْمَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ بِالْحَقِّ أَوْ بِالْكَلَامِ فَقَدْ حَنِثَ ابْنُ رُشْدٍ أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ مِنْهَا وَتَكَرَّرَتْ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْيَمِينُ عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ هُوَ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَقَدَّمَ فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمُهُ وَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي إبْطَالِهِ وَإِذَا تَقَدَّمَ الْفِعْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلْيَمِينِ بِتَكْذِيبِ ذَلِكَ حُكْمٌ إذْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَالِفُ إلَى إيجَابِ حُكْمِ الطَّلَاقِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا قَصَدَ تَحْقِيقَ نَفْيِ ذَلِكَ الْفِعْلِ .
قُلْتُ
الْأَصْلُ أَنَّ ثَانِيَ الْمُتَنَافِيَيْنِ نَاسِخٌ أَوَّلَهُمَا فِيمَا فِيهِ النَّسْخُ وَرَافِعٌ لَهُ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْحَلِفُ كَانَ مَا بَعْدَهُ رَافِعًا لِمَدْلُولِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَكَانَ إقْرَارًا بِالْحِنْثِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ رَافِعًا مَا قَبْلَهُ فَلَا حِنْثَ .
اللَّخْمِيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ يَشْهَدَانِ عَلَيْك بِكَذَا فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ .
وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِرِيحِ خَمْرٍ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا شَرِبَ خَمْرًا حُدَّ وَدُيِّنَ فِي يَمِينِهِ ، وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ .
قُلْت ظَاهِرُهُ دُونَ يَمِينٍ وَلَا يَنْقُضُ فَرْعُ الْمَوَّازِيَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ ، لِأَنَّ حَلِفَهُ فِيهِ فِي حُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ رَدًّا لَهَا لِمَا أَخْبَرَ بِهَا .
بِخِلَافِ إقْرَارِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ ( بَعْدَ الْيَمِينِ ) بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بِفِعْلِهِ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فِيهِ فَلَا يَنْفَعُهُ ( فَيُنَجَّزُ ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِإِقْرَارِهِ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا عَلَيْهِ وَالْتِزَامِهِ حُكْمَهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهَا وَلَا الرُّجُوعُ عَنْهَا وَتَقَدَّمَ قَوْلُهَا ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فَلَا يَنْفَعُهُ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالْقَضَاءِ ( وَ ) إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ أَقَرَّ بِفِعْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فِيهِ فَ ( لَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ ) مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا ( إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ ) بِحِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ وَلَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ ( وَبَانَتْ ) مِنْهُ وَاوُهُ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ وَلَوْ دُونَ الثَّلَاثِ ، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَلَيْسَ عَلَيْهَا مَنْعُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ارْتَجَعَهَا وَيُنْدَبُ لَهَا
مَنْعُهُ حَتَّى يُشْهَدَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ وَأَصَابَتْ مَنْ مُنِعَتْ لَهُ فَلَوْ سُمِعَتْ بَيِّنَةُ إقْرَارِهِ نُجِّزَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ سُمِعَتْ أَنَّ لَهَا تَمْكِينَهُ إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ هِيَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا عَلَيْهِ لِنَحْوِ عَدَاوَةٍ فَسَمَاعُهَا أَقْوَى مِنْ شَهَادَتِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا تُمَكِّنُهُ أَيْضًا بِالْأَوْلَى مِنْ سَمَاعِهَا إقْرَارَهُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِيهِ .
( وَلَا تَتَزَيَّنُ ) أَيْ الزَّوْجَةُ الَّتِي سَمِعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِحِنْثِهِ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فِيهِ ( إلَّا كُرْهًا ) أَيْ مُكْرَهَةً فِي تَمْكِينِهَا وَتَزَيُّنِهَا ( وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ ) وُجُوبًا إذَا سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا ( وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( لَهُ ) أَيْ زَوْجِهَا الَّذِي أَبَانَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ ( عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا ) عَلَى وَطْئِهَا وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ إذَا عَلِمَتْ أَوْ ظَنَّتْ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ كَالصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ ، وَعَدَمُ جَوَازِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ وَلَوْ أَمِنَتْ قَتْلَهَا فِيهِ وَلَكِنْ لَا تُمَكِّنُهُ إلَّا إذَا خَافَتْ قَتْلَهَا وَلَا تُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَتْهُ إذَا ثَبَتَتْ مُحَاوَرَتُهَا وَإِلَّا قُتِلَتْ بِهِ ، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ إذْ هُوَ حُكْمٌ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُنَافِي الْقِصَاصَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا ( قَوْلَانِ ) الْأَوَّلُ لِمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ قَالَ لَا سَبِيلَ إلَى قَتْلِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَطْئِهَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْقَتْلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَهُ صَارَ حَدًّا عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ أَحْمَدُ بَابَا فَيَخْتَصُّ الْمَعْنَى بِمُدَافَعَتِهِ وَإِنْ أَدَّتْ إلَى قَتْلِهِ لَا قَصْدِ قَتْلِهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا إنْ لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَذَبَ فِيهِ حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسَعُ
امْرَأَتَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ ، هَذَا إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ بَيِّنَةً وَلَا سُلْطَانَ لَهَا فَهِيَ كَمَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا .
قَالَ فِيهَا مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا تَتَزَيَّنُ لَهُ وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَلَا وَجْهَهَا إنْ قَدَرَتْ وَلَا يَأْتِيهَا إلَّا كَارِهَةً وَلَا تَنْفَعُهَا مُدَافَعَتُهُ وَلَا يَمِينَ إلَّا بِشَاهِدٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عِبَارَةُ إلَّا كَارِهَةً إذْ لَا تَنْفَعُهَا كَرَاهَةُ إتْيَانِهِ لَهَا إنَّمَا يَنْفَعُهَا كَوْنُهَا مُكْرَهَةً .
ابْنُ مُحْرِزٍ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا لِقَصْدِ اللَّذَّةِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا لِغَيْرِ اللَّذَّةِ إذْ وَجْهُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَغَيْرِهِ لَيْسَ عَوْرَةً وَقَدْ قَالَ فِي الظِّهَارِ وَقَدْ يَرَى غَيْرُهُ وَجْهَهَا مُحَمَّدٌ وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ بِمَا قَدَرَتْ وَلَوْ بِشَعْرِ رَأْسِهَا ، وَتَقْتُلُهُ إنْ خَفِيَ لَهَا كَغَاصِبِ الْمَالِ أَرَادَ الْعَادِيَ عَلَيْهِ وَالْمُحَارِبَ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَحِلُّ لَهَا قَتْلُهُ وَلَا قَتْلُ نَفْسِهَا أَكْثَرُ مَا عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَأَلَّا يَأْتِيَهَا إلَّا مُكْرَهَةً .
ابْنُ مُحْرِزٍ هَذَا الصَّوَابُ .
ابْنُ بَشِيرٍ اُخْتُلِفَ هَلْ يُبَاحُ لَهَا قَتْلُهُ إنْ أَمْكَنَهَا وَخَفِيَ لَهَا فَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ وَرَآهُ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ .
وَقِيلَ لَا وَرَآهُ مِنْ بَابِ إقَامَةِ الْحُدُودِ ، وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنٍ أَمْ لَا ، وَقَاسَ مُحَمَّدٌ قَتْلَهُ عَلَى الْمُحَارِبِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ بِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الْمُحَارِبُ أَخْذَ مَالِهِ مُخَيَّرٌ فِي التَّسْلِيمِ وَالْمُحَارَبَةِ ، وَالْمَرْأَةُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّسْلِيمُ وَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَطْئِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ بِوَجْهٍ وَبَعْدَهُ صَارَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَيْسَ لَهَا إقَامَتُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِمُدَافَعَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَتْلِهِ قَتَلَتْهُ .
قُلْت تَقْرِيرُ ابْنِ مُحْرِزٍ بِأَنَّ
الْمَغْصُوبَ مُخَيَّرٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ يَنْتِجُ كَوْنُ الْقِيَاسِ أُخْرَوِيًّا فِي الْقَتْلِ .
وَالصَّوَابُ إنْ أَمِنَتْ مِنْ قَتْلِ نَفْسِهَا إنْ قَتَلَتْهُ أَوْ حَاوَلَتْ قَتْلَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا قَتْلُهُ لَا إبَاحَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَأْمَنْ قَتْلَ نَفْسِهَا فِي مُدَافَعَتِهِ بِالْقَتْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ فِي سَعَةٍ ، وَكَذَا مَنْ رَأَى فَاسِقًا يُحَاوِلُ فِعْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ وَفِي جِهَادِهَا إنْ نَزَلَ قَوْمٌ بِآخَرِينَ يُرِيدُونَ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ وَحَرِيمَهُمْ نَاشَدُوهُمْ اللَّهَ فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ .
وَأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي : إنْ كُنْت تُحِبِّينِي ، أَوْ تُبْغِضِينِي ، وَهَلْ مُطْلَقًا ، أَوْ إلَّا أَنْ تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَيُنَجَّزُ ؟ تَأْوِيلَانِ .
وَفِيهَا مَا يَدُلُّ لَهُمَا
( وَأُمِرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الزَّوْجُ وُجُوبًا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَقَالَ " د " نَدْبًا ، وَلَكِنْ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ عَصَى بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَبَقِيَتْ عِصْمَتُهُ غَيْرَ مَنْحَلَةٍ ( بِالْفِرَاقِ ) بِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى أَمْرٍ قَلْبِيٍّ لَا يُعْلَمُ الصِّدْقُ فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي ) بِضَمِّ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ أَبْغَضَ قَالَهُ تت وَأَبُو الْحَسَنِ وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ مَعَ زِيَادَةِ أَنْ تَبْغَضَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ ، وَفِي عج عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَبْغَضَهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَهَذَا سَهْوٌ .
وَنَصُّ الْقَامُوسِ الْبُغْضُ بِالضَّمِّ ضِدُّ الْحُبِّ وَالْبِغْضَةُ بِالْكَسْرِ وَالْبَغْضَاءُ شِدَّتُهُ وَبَغُضَ كَكَرُمَ وَنَصَرَ وَفَرَحَ بَغَاضَةً فَهُوَ بَغِيضٌ ، وَيُقَالُ بَغِضَ جَدُّك كَتَعِسِ جَدُّك وَنَعِمَ اللَّهُ بِك عَيْنًا وَبَغِضَ بِعَدُوِّكَ عَيْنًا وَأَبْغُضُهُ وَيَبْغُضُنِي بِالضَّمِّ ، أَيْ ضَمِّ الْغَيْنِ مَعَ فَتْحِ التَّاءِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ .
ا هـ .
فَلَيْسَ قَوْلُهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَأَبْغُضُهُ وَيَبْغُضُنِي مَعًا ، بَلْ لِقَوْلِهِ وَيَبْغُضُنِي فَقَطْ ، وَإِلَّا لَقَالَ لُغَتَانِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَبْغُضُهُ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى بَغِضَ جَدُّك أَيْ وَيُقَالُ أَبْغُضُهُ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ الْمِصْبَاحِ بَغُضَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ بَغَاضَةً فَهُوَ بَغِيضٌ وَأَبْغَضْته إبْغَاضًا فَهُوَ مُبْغَضٌ وَالِاسْمُ الْبُغْضُ ، قَالُوا وَلَا يُقَالُ بَغَضْته بِغَيْرِ أَلْفٍ .
ا هـ .
فَأَفَادَ أَنَّ اللَّازِمَ بَغُضَ بِالضَّمِّ وَالْمُتَعَدِّي أَبْغَضَ وَأَنَّهُ لَا يُقَالُ تَبْغُضُنِي بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ فِي الْفَصِيحِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَلِيٌّ الشَّمَرْلِسِيُّ أَفَادَهُ عب .
( وَهَلْ ) الْأَمْرُ بِالْفِرَاقِ بِلَا جَبْرٍ ثَابِتٌ حَالَ كَوْنِهِ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِإِجَابَتِهَا بِمَا لَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَلَا يُجْبَرُ سَوَاءٌ
أَجَابَتْهُ بِمَا يَقْتَضِي بِرَّهُ أَوْ حِنْثَهُ أَوْ سَكَتَتْ ( أَوْ ) الْأَمْرُ بِلَا جَبْرٍ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ تُجِيبَ ) الزَّوْجَةُ ( بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَيُنَجَّزَ ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ جَبْرًا ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيُجْبَرُ فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) نَقَلَهُمَا عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ ( وَفِيهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ ( مَا يَدُلُّ لَهُمَا ) أَيْ التَّأْوِيلَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ دَخَلْت فَإِنْ صَدَّقَهَا جُبِرَ عَلَى فِرَاقِهَا ، وَإِنْ كَذَّبَهَا أُمِرَ بِهِ بِلَا جَبْرٍ ، وَسَوَاءٌ فِيهِمَا رَجَعَتْ عَنْ قَوْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْجِعْ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ دَخَلْتُ فَكَذَّبَهَا ثُمَّ قَالَتْ كُنْتُ كَاذِبَةً أَوْ لَمْ تَقُلْ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ ا هـ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ إجَابَتَهَا بِالْمُوَافَقَةِ وَلَمْ يُوجِبْ طَلَاقَهَا فَقَالَ يُؤْمَرُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ ، وَقَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ فِرَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّهُ قَالَ فَلْيُفَارِقْهَا وَظَهَرَ بِالْقَضَاءِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَحَبَّةِ لَا يُتَوَصَّلُ فِيهَا إلَى تَكْذِيبِهَا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُتَوَصَّلُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ وَهَذَا الْفَرْقُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ .
ا هـ .
وَقَدْ ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَحَبَّةِ أَنَّ الْمُؤَوَّلَ هُوَ قَوْلُهَا فَلْيُفَارِقْهَا وَأَنَّ الدَّالَّ لِحَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ هُوَ كَلَامُهَا فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الدَّارِ وَالدَّالَّ لِحَمْلِهِ عَلَى الْجَبْرِ مَعَ أَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ هُوَ قَوْلُهَا فِيمَنْ شَكَّ كَمْ طَلَّقَ لَا تَحِلُّ لَهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا فَظَاهِرُهُ الْجَبْرُ .
عِيَاضٌ وَهَذَا كَلَّةُ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِي الْإِجْبَارِ فِي الطَّلَاقِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ اُنْظُرْ أَبَا الْحَسَنِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
وَبِالْأَيْمَانِ .
الْمَشْكُوكِ فِيهَا .
وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا ، إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ : كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلًا شَكَّ فِي كَوْنِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ
( وَ ) أُمِرَ ( بِ ) تَنْفِيذِ ( الْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ ) فِي حَلِفِهِ بِهَا وَحِنْثِهِ ( فِيهَا ) أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ لَمْ يَدْرِ بِمَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعَتَاقٍ أَوْ بِمَشْيٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ فَلْيُطَلِّقْ نِسَاءَهُ وَيُعْتِقْ رَقِيقَهُ وَيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِ إلَى مَكَّةَ فَيُؤْمَرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ قَالَهُ " غ " وَنَحْوُهُ لِ ق وَاسْتَحْسَنَهُ " ح " وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
وَقَوْلُهَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ إلَخْ ابْنُ نَاجِي فَهِمَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ عَلَى اللُّزُومِ وُجُوبًا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْقَضَاءِ وَفَهِمَهُ شَيْخُنَا الْبُرْزُلِيُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ لِقَرِينَةِ قَوْلِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ عَزَاهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ شَكُّهُ لِسَبَبٍ قَامَ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَطَرِيقَةُ أَبِي عِمْرَانَ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْحِنْثُ .
ابْنُ يُونُسَ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ قَالَتْ فِي الَّذِي حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَدْرِ أَكَلَّمَهُ أَمْ لَا أَنَّ زَوْجَتَهُ تَطْلُقُ عَلَيْهِ ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْجَبْرِ وَطَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَاللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الْحِنْثِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ بِقَضَاءٍ وَلَا فُتْيَا ذَكَرَ الطُّرُقَ الثَّلَاثَةَ فِي التَّوْضِيحِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
( وَلَا يُؤْمَرُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الزَّوْجُ بِالْفِرَاقِ ( إنْ شَكَّ ) الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْرِ جَوَابَ ( هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ) أَيْ هَلْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ ( أَمْ لَا ) فَيَشْمَلُ شَكَّهُ هَلْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْ لَا وَشَكَّهُ هَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَمْ لَا ، وَشَكَّهُ بَعْدَ حَلِفِهِ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا ، وَسَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ
نَفْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ ) الزَّوْجُ فِي شَكِّهِ لِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الزَّوْجُ وَاوُهُ لِلْحَالِ ( سَالِمُ الْخَاطِرِ ) مِنْ الْوَسْوَسَةِ وَكَثْرَةِ الشَّكِّ ( كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ ) حَالَ كَوْنِهِ ( دَاخِلًا ) دَارِهِ مَثَلًا ( شَكَّ ) الْحَالِفُ ( فِي كَوْنِهِ ) أَيْ الشَّخْصِ الدَّاخِلِ ( الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ) أَنْ لَا يَدْخُلَ أَوْ غَيْرَهُ وَغَابَ عَنْهُ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَحْقِيقُهُ فَيُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ .
وَهَلْ يُجْبَرُ ؟ تَأْوِيلَانِ
( وَهَلْ يُجْبَرُ ) الزَّوْجُ عَلَى الْفِرَاقِ إنْ أَبَاهُ وَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ( تَأْوِيلَانِ ) وَاحْتَرَزَ بِسَالِمِ الْخَاطِرِ مِنْ الْمُوَسْوِسِ أَيْ مُسْتَنْكِحِ الشَّكِّ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْفِرَاقِ اتِّفَاقًا ابْنُ عَرَفَةَ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا ، فَعَلَى وُجُوبِ وُضُوءِ مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هُنَا ، وَعَلَى اسْتِحْبَابِ وُضُوئِهِ يُسْتَحَبُّ فِرَاقُهُ وَفِي تَخْرِيجِهِ الْوُجُوبَ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ أَيْسَرُ مِنْ الطَّلَاقِ وَلِأَنَّ أَسْبَابَ نَقْضِ الْوُضُوءِ مُتَكَرِّرَةٌ غَالِبًا ، بِخِلَافِ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ .
وَلَمَّا حَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْفَرْقَ بِمَشَقَّةِ الطَّلَاقِ دُونَ الْوُضُوءِ قَالَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْفِرَاقِ وَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ مِنْ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ ، وَالشَّكُّ فِيهِ شَكٌّ فِي مَشْرُوطِهِ وَذَا مَانِعٌ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ شَكٌّ فِي حُصُولِ الْمَانِعِ مِنْ اسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ ، وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ بِوَجْهٍ .
وَالنُّكْتَةُ أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ مَطْرُوحٌ ، فَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ طَرْحَهُ وَذَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمَشْرُوطِ ، وَالشَّكُّ فِي الْمَانِعِ يُوجِبُ طَرْحَهُ .
وَهَذَا مُوجِبٌ لِلتَّمَادِي .
قُلْت مَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ الشَّكَّ لَغْوٌ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ النُّكْتَةُ إلَخْ ، وَالْمَشْكُوكُ فِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ لَا الْوُضُوءُ فَيَجِبُ طَرْحُهُ .
ا هـ .
وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ اعْتِبَارِهِ بِالِاحْتِيَاطِ لِأَعْظَمِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مَعَ خِفَّةِ الْوُضُوءِ وَتَكَرُّرِ أَسْبَابِ نَقْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفى حَادَ عَنْ تَمْثِيلِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ لِلِاسْتِنَادِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ اسْتَنَدَ كَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحِنْثِ وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ حَنِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي
مِثَالِهِ نَظَرٌ ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْعُلَمَاءِ بِالْمُسْتَنِدِ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْيَمِينِ حُصُولُ الشَّكِّ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُدْخِلَ زَيْدًا دَارِهِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ دَخَلَهَا زَيْدٌ أَمْ لَا فَهَذَا مِنْ الشَّكِّ الَّذِي لَا يُؤْمَرُ بِهِ بِطَلَاقٍ وَإِنْ رَأَى إنْسَانًا دَخَلَ تِلْكَ الدَّارَ وَشَبَّهَهُ بِزَيْدٍ ثُمَّ غَابَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَحَقُّقُهُ هَلْ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَفِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي عِمْرَانَ وَأَبِي مُحَمَّدٍ ، وَفِي تَنْظِيرِهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَا قَالَاهُ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهَا تَشْبِيهًا فِي الْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ .
وَكَذَا إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ وَلَمْ يَدْرِ أَحَنِثَ أَمْ لَا أُمِرَ بِالْفِرَاقِ وَإِنْ كَانَ ذَا وَسْوَسَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْيَمِينِ حُصُولُ الشَّكِّ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا إذْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا قَالَا الْيَمِينُ أَصْلٌ لِاسْتِنَادِ الشَّكِّ وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إلَخْ لَا يُرَادُ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَ لَا يُؤْمَرُ فِيهِ بِالطَّلَاقِ .
ابْنُ رُشْدٍ وَلَعَلَّهُمَا لَا يَقُولَانِ فِيهِ بِذَلِكَ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهَا ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَحَنِثَ أَمْ لَا .
وَقَوْلُهَا الْمُتَقَدِّمُ وَكُلُّ يَمِينٍ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ ، وَلَئِنْ سُلِّمَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَكَلَامُهُمَا فِي الْحَالِفِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إلْغَاؤُهُ فِيهِ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ ، وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَرَفَةَ عَارَضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا .
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدُلُّ لَهُمَا لِأَنَّ مَنْ يَشُكُّ بِلَا سَبَبٍ مُوَسْوِسٌ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ مَنْ يَشُكُّ لِسَبَبٍ وَبَيْنَ الْمُوَسْوَسِ
وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ تَقْسِيمُ ابْنِ رُشْدٍ ، قَالَ يَنْقَسِمُ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يُتَّفَقُ عَلَى لَغْوِهِ بِلَا أَمْرٍ وَلَا جَبْرٍ كَحَلِفِهِ عَلَى شَخْصٍ لَا يَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ يَشُكُّ فِي فِعْلِهِ بِلَا سَبَبٍ يُوجِبُ شَكَّهُ فِيهِ ، وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ بِلَا جَبْرٍ كَحَلِفِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا لِسَبَبٍ اقْتَضَى شَكَّهُ ، وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ بِهِ وَيُخْتَلَفُ فِي الْأَمْرِ بِهِ كَشَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَمْ لَا أَوْ هَلْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ .
وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُجْبَرُ وَلَا يُؤْمَرُ .
وَمِنْهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي الْجَبْرِ بِهِ وَعَدَمِهِ كَطَلَاقِهِ ثُمَّ شَكِّهِ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَحَلِفِهِ وَحِنْثِهِ وَشَكِّهِ هَلْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ عِتْقٍ ، أَوْ قَوْلُهُ زَوْجَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَائِضَةً فَقَالَتْ لَسْت بِحَائِضَةٍ ، أَوْ إنْ كَانَ فُلَانٌ يُبْغِضُنِي فَقَالَ أَنَا أُحِبُّك ، أَوْ إنْ لَمْ يُخْبِرْنِي بِالصِّدْقِ فَيُخْبِرُهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ صَدَقَ وَلَا يَدْرِي حَقِيقَةَ ذَلِكَ .
وَمِنْهُ مَا يُتَّفَقُ عَلَى الْجَبْرِ بِهِ كَقَوْلِهِ زَوْجَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ أَمْسِ كَذَا لِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِهِ .
وَكَشَكِّهِ فِي أَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ امْرَأَتَيْنِ طَلَّقَهَا فَيُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
طفى قَوْلُهُ وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا جَازَ عَلَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ وَالْأَوْلَى الْجَرْيُ عَلَى نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ لِتَقْدِيمِهِ عِنْدَ الشُّيُوخِ عَلَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ إذَا تَعَارَضَا .
الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا خِلَافًا لِأَصْبَغَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ
شَكُّهُ لِسَبَبٍ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَرُ اتِّفَاقًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فَابْنُ رُشْدٍ اسْتَغْنَى عَنْ التَّقَيُّدِ فِي هَذَا بِالْقَيْدِ فِيمَا قَبْلَهُ ، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ انْتَفَى التَّعَارُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَوْ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ فِيهَا إلَخْ ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَاهُ هَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَمْ لَا فَهَذَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ هَلْ يُؤْمَرُ أَمْ لَا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ مِنْ تَحَقُّقِ الْحَلِفِ وَالشَّكِّ فِي الْحِنْثِ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْفِرَاقِ إنْ كَانَ شَكُّهُ لِسَبَبٍ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ سَبَبٍ .
وَإِنْ شَكَّ : أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا ؟ أَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ
( وَإِنْ ) طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ بِعَيْنِهَا وَ ( شَكَّ ) الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي جَوَابِ ( أَهِنْدٌ هِيَ ) الْمُطَلَّقَةُ ( أَمْ ) الْمُطَلَّقَةُ ( غَيْرُهَا ) أَيْ هِنْدٌ أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَحَنِثَ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا طَلَقَتَا مَعًا نَاجِزًا مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ .
وَقِيلَ يُمْهَلُ لِيَتَذَكَّرَ فَإِنْ تَذَكَّرَهَا فَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ ، وَإِنْ تَذَكَّرَهَا فِي الْعِدَّةِ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ قِيَاسًا عَلَى الْآتِيَةِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِغَيْرِ مَنْ ذَكَرَ عَيْنَهَا ، وَيَكُونُ فَوَاتُ هَذَا الْغَيْرِ كَفَوَاتِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ .
( أَوْ قَالَ ) الزَّوْجُ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ ( إحْدَاكُمَا ) أَوْ إحْدَاكُنَّ ( طَالِقٌ ) وَلَمْ يَنْوِ بِهِ زَوْجَةً مُعَيَّنَةً طَلَقَتَا أَوْ طَلَقْنَ مَعًا نَاجِزًا وَلَا يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلطَّلَاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ فَيَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلْعِتْقِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ فِي وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، هَذَا قَوْلُ الْمِصْرِيِّينَ وَرِوَايَتُهُمْ .
وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ وَرَوَوْا يَخْتَارُ وَاحِدَةً لِلطَّلَاقِ كَالْعِتْقِ .
مُحَمَّدٌ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ .
ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ شُذُوذُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعِتْقَ كَالطَّلَاقِ وَتَفْرِقَةُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتِحْسَانٌ .
وَأَمَّا إنْ نَوَى وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً وَنَسِيَهَا فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اتَّفَقَ فِيهَا الْمَدَنِيُّونَ وَالْمِصْرِيُّونَ عَلَى طَلَاقِ الْجَمِيعِ .
ابْنُ يُونُسَ لَا خِلَافَ فِي هَذَا وَكَذَا فِي الْعِتْقِ إذَا قَالَ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ وَنَوَى وَاحِدًا مُعَيَّنًا ثُمَّ نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً وَلَمْ يَنْسَهَا صُدِّقَ فِي الْفَتْوَى بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا فِي الْقَضَاءِ إنْ كَانَ نَوَى الشَّابَّةَ أَوْ الْجَمِيلَةَ أَوْ مَنْ عُلِمَ مَيْلُهُ لَهَا وَإِلَّا فَيَمِينٌ .
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ : طَلَقَتَا وَإِنْ قَالَ أَوْ أَنْتِ : خُيِّرَ ، وَلَا أَنْتِ ؛ طَلَقَتْ الْأُولَى ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِضْرَابَ .
( أَوْ ) قَالَ لِزَوْجَةٍ ( أَنْتِ طَالِقٌ ) ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى ( بَلْ أَنْتِ ) طَالِقٌ ( طَلَقَتَا ) مَعًا .
اللَّخْمِيُّ لِإِيجَابِهِ الطَّلَاقَ فِيهِمَا وَإِضْرَابُهُ عَنْ الْأُولَى لَا يَرْفَعُهُ عَنْهَا .
( وَإِنْ قَالَ ) لِزَوْجَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ وَلِأُخْرَى ( أَوْ أَنْتِ ) طَالِقٌ ( خُيِّرَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً أَيْ الزَّوْجُ فِي طَلَاقِ أَيَّتِهِمَا أَحَبَّ .
اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ نِيَّةً بَعْدَ تَمَامِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ الْأُولَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا يَصِحَّ رَفْعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَا تَطْلُقُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا عَلَى خِيَارٍ وَهُوَ لَا يَخْتَارُهُ لَهُمَا طَلَقَتْ الْأُولَى ( وَ ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ وَلِأُخْرَى ( لَا أَنْتِ طَلَقَتْ الْأُولَى ) فَقَطْ .
اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهُ نَفَى الطَّلَاقَ عَنْ الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا نَفْيَهُ عَنْ الْأُولَى ثُمَّ يَلْتَفِتُ لِلثَّانِيَةِ فَيَقُولُ أَنْتِ أَيْ الَّتِي تَطْلُقِي فَيَطْلُقَانِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ ) الزَّوْجُ بِلَا ( الْإِضْرَابَ ) عَنْ طَلَاقِ الْأُولَى وَإِثْبَاتَهُ لِلثَّانِيَةِ ، وَصِلَةُ يُرِيدُ مَحْذُوفَةٌ يُحْتَمَلُ بِ " لَا " أَوْ بِ " أَوْ " فَيَطْلُقَانِ وَالْإِضْرَابُ بِأَوْ أَشْهَرُ مِنْهُ بِلَا فَهُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا أَيْ قَوْلِهِ أَوْ أَنْتِ وَلَا أَنْتِ أَيْ أَنَّ تَخْيِيرَهُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ مَحَلُّهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِأَوْ الْإِضْرَابَ فَتَطْلُقَانِ مَعًا ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ لَا أَنْتِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِضْرَابَ فَتَطْلُقَانِ مَعًا .
وَإِنْ شَكَّ : أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؟ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ .
وَصُدِّقَ ، إنْ ذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ ؛ إلَّا أَنْ يَبُتَّ
( وَإِنْ ) طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَ ( شَكَّ ) الزَّوْجُ فِي جَوَابٍ ( أَطَلَّقَ ) الْهَمْزُ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً ( وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ ) الزَّوْجَةُ الْمَشْكُوكُ فِي عَدَدِ طَلَاقِهَا لِلزَّوْجِ الثَّالِثِ ( إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ ) غَيْرِهِ بِشُرُوطِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا ( وَصُدِّقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الزَّوْجُ الشَّاكُّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ ( إنْ ذَكَرَ ) أَيْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ( فِي الْعِدَّةِ ) فَلَهُ رَجْعَتُهَا فِيهَا بِلَا عَقْدٍ وَبَعْدَهَا بِهِ بِلَا يَمِينٍ فَلَيْسَ كَوْنُ التَّذَكُّرِ فِي الْعِدَّةِ شَرْطًا فِي التَّصْدِيقِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ كَانَ خَاطِبًا ، وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ .
( ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا ) أَيْ الزَّوْجُ الشَّاكُّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ الزَّوْجَةَ الَّتِي شَكَّ فِي عَدَدِ طَلَاقِهَا بَعْدَ زَوْجٍ ( وَطَلَّقَهَا ) طَلْقَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَحُكْمُ تَزَوُّجِهَا بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ كَحُكْمِ تَزَوُّجِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمَشْكُوكِ فِي تَوَقُّفِ حِلِّهِ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِغَيْرِهِ قَبْلَهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ اثْنَتَيْنِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ فَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ وَاحِدَةً ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَطَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا وَهَكَذَا دَائِمًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ زَوْجٍ .
وَقَالَ عِيَاضٌ وَلَوْ بَعْدَ أَلْفِ زَوْجٍ .
( إلَّا أَنْ يَبُتَّ ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ مُثَقَّلًا الزَّوْجُ الشَّاكُّ طَلَاقَهَا حَقِيقَةً بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَقَدْ طَلَّقْتُك مَا يُكَمِّلُهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ ، وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَكُونَ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ مِنْهُ فَيَنْقَطِعُ الدَّوَرَانُ وَتَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ بِعِصْمَةٍ كَامِلَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقَالَ أَشْهَبُ
يَنْقَطِعُ الدَّوَرَانُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَزْوَاجٍ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ تَدَبَّرْته فَوَجَدْته خَطَأً .
وَقَالَ الْفُضَيْلُ هُوَ خَطَأٌ وَاضِحٌ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الدُّولَابِيَّةَ .
وَقَيَّدَهَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ، قَالَ وَلَا يَحْصُلُ الدَّوَرَانُ مَعَ الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ حُصُولَهُ مَعَهُ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا فِي الثَّانِي طَلْقَتَيْنِ وَفِي الثَّالِثِ طَلْقَةً وَفِي الرَّابِعِ طَلْقَةً فَإِنْ فُرِضَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ ثَلَاثًا فَالْأَخِيرَةُ أُولَى عِصْمَةً ، وَإِنْ فُرِضَ اثْنَتَيْنِ فَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ثَانِيَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ فُرِضَ وَاحِدَةً فَاعْلَمْهُ انْتَهَى " غ " يَعْنِي أَنَّ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ يُلْغَى وَيَصِيرُ الْأَمْرُ فِيهِ كَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَرْبَعًا ، وَالضَّابِطُ هُوَ مَا يَأْتِي ابْنُ عَرَفَةَ .
اللَّخْمِيُّ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أُمِرَ أَنْ لَا يَرْتَجِعَ وَلَا يُقِرَّ بِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ طَلَاقُهُ الْأَوَّلُ ثَلَاثًا فَقَدْ أَحَلَّهَا الزَّوْجُ الْآخَرُ وَكَانَتْ هَذِهِ أُولَى عِصْمَةً وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ الْآنَ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ الْأَوَّلُ وَاحِدَةً كَانَتْ هَذِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً فَهَذِهِ ثَالِثَةٌ .
وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا الْآنَ ، فَإِنْ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَ فَلَا يَرْتَجِعْهَا وَلَا يَقْرَبْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ اثْنَتَيْنِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَلَمْ يَشُكَّ فِي وَاحِدَةٍ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا فَلَا يَقْرَبْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ ثَلَاثًا .
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ
زَوْجٍ وَطَلَّقَهَا فَلَا يَقْرَبْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْأَوَّلِ اثْنَتَيْنِ وَهَذِهِ ثَالِثَةٌ .
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ زَوْجٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ ثَلَاثًا فَهَذِهِ ثَانِيَةٌ وَبَقِيَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ .
وَإِنْ كَانَ اثْنَتَيْنِ فَهَذِهِ أَوْلَى وَبَقِيَ لَهُ اثْنَتَانِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَصُوَرُ شَكِّهِ فِي الْعَدَدِ أَرْبَعٌ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ، وَالشَّكُّ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ ، وَالشَّكُّ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ ، وَالشَّكُّ فِي اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ .
وَضَابِطُ مَا تَحْرُمُ فِيهِ قَبْلَ زَوْجٍ إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ طَلَاقًا دُونَ الْبَتَاتِ كُلُّ مَا لَا يَنْقَسِمُ مَجْمُوعُ طَلَاقِهِ بَعْدَ زَوْجٍ مَعَ عَدَدِ طَلَاقِ كُلِّ شَكٍّ بِانْفِرَادِهِ عَلَى ثَلَاثٍ فَلَا تَحْرُمُ .
وَإِنْ انْقَسَمَ عَلَيْهَا وَلَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ حَرُمَتْ الطُّرْطُوشِيُّ إنْ شَكَّ فِي عَدَدِ طَلَاقِهِ لَزِمَهُ أَكْثَرُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ وَاحِدَةً وَشَكَّ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَكٌّ فِي عَدَدِ مَا وَقَعَ وَالثَّانِي شَكٌّ فِي الْوُقُوعِ ا هـ كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ ، وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَفِي حُرْمَتِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَأَمْرِهِ بِفِرَاقِهَا دُونَ قَضَاءٍ قَوْلُهَا .
وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً بَعْدَ نِكَاحِهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَفِي لُزُومِ الثَّلَاثِ وَلَوْ نَكَحَهَا كَذَلِكَ بَعْدَ مِائَةِ زَوْجٍ مَا لَمْ يَبُتَّ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا دَفْعَةً ، أَوْ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَزْوَاجٍ .
ثَالِثُهَا مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا وَلَوْ مُتَفَرِّقَاتٍ لَهَا ، وَلِرِوَايَةِ الصِّقِلِّيِّ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ وَابْنِ وَهْبٍ وَتَوْجِيهُهُ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ دَلِيلُ مُغَايِرَتِهَا عِنْدَهُ ، وَالْحَقُّ لَا تَغَايُرَ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَمَا قَبْلَهُ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ شَكَّ
هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أُمِرَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهُ رَجْعَتُهَا اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الشَّكِّ فِي الثَّلَاثِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِتَقَرُّرِ الشَّكِّ فِي الثَّلَاثِ ، وَإِنْ شَكَّ فِي وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فَلَهُ رَجْعَتُهَا ، فَإِنْ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا جَاءَ الشَّكُّ فِي الثَّلَاثِ .
قُلْتُ صُوَرُ الشَّكِّ فِي الْعَدَدِ أَرْبَعٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ ، فَحَلَفَ الْآخَرُ : لَا دَخَلْت : حُنِّثَ الْأَوَّلُ
وَإِنْ حَلَفَ ) شَخْصٌ ( صَانِعُ طَعَامٍ ) مَثَلًا ( عَلَى ) شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ ( لَا بُدَّ ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُشَدَّدَةً ( أَنْ تَدْخُلَ ) الدَّارَ مَثَلًا لِتَأْكُلَ الطَّعَامَ ( فَحَلَفَ ) الشَّخْصُ ( الْآخَرُ ) الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهِ ( لَا دَخَلْت ) هَا وَامْتَنَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْحِنْثِ ( حُنِّثَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ مُشَدَّدَةً أَيْ جُبِرَ الشَّخْصُ ( الْأَوَّلُ ) أَيْ صَانِعُ الطَّعَامِ عَلَى الْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ لِحَلِفِهِ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ ، فَإِنْ رَضِيَ الثَّانِي بِحِنْثِ نَفْسِهِ وَدَخَلَ الدَّارَ مَثَلًا فَلَا يَحْنَثُ الْأَوَّلُ لِبِرِّهِ فِي يَمِينِهِ بِحُصُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ أُكْرِهَ الثَّانِي عَلَى الدُّخُولِ فَلَا يَحْنَثَانِ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ ، وَالثَّانِي لِإِكْرَاهِهِ فِي يَمِينِ الْبِرِّ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت ، إنْ دَخَلْت : لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِهِمَا
( وَإِنْ ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى أَمْرَيْنِ مُكَرِّرًا أَدَاةَ الشَّرْطِ بِأَنْ ( قَالَ إنْ كَلَّمْتِ ) بِكَسْرِ التَّاءِ مُخَاطِبًا زَوْجَتَهُ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ زَيْدًا مَثَلًا ( وَإِنْ دَخَلْت ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْضًا أَيْ دَارَ زَيْدٍ مَثَلًا ( لَمْ تَطْلُقْ ) الزَّوْجَةُ ( إلَّا بِ ) مَجْمُوعِ ( هِمَا ) أَيْ الْكَلَامِ وَالدُّخُولِ سَوَاءٌ فَعَلَتْهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ .
" غ " هَذَا تَعْلِيقُ تَعْلِيقِ ابْنِ عَرَفَةَ وَتَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ كَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَتْ لِزَيْدٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِهَا وَكَوْنِهَا لِزَيْدٍ وَلَوْ عَلَى التَّحْنِيثِ بِالْأَقَلِّ اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقَيْنِ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ اخْتِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي إيلَائِهَا .
وَفِي كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى التَّعْلِيقِ حَلِفًا عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ إنْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَيْنَ حِنْثِ الْيَمِينِ وَحِنْثِ التَّعْلِيقِ أَوْ تَأْكِيدًا لِلتَّعْلِيقِ فَيَتَنَجَّزُ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ حِنْثُ التَّعْلِيقِ قَوْلًا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَأَقَلُّهُمْ لِابْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ زَرْبٍ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَيْمَانُ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ إنْ كُنْت لِي زَوْجَةً فَدَخَلَهَا ثُمَّ بَارَأَهَا فَقَالَ ابْنُ دَحُونٍ تَحَيَّرَ فِيهَا أَهْلُ بَلَدِنَا فَقَالَ الْقَاضِي قَدْ بَرَّ بِمُبَارَأَتِهَا ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ ، كَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَقَالَ لَهُ أَبُو الْأَصْبَغِ الْخُشَنِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَتْ مِثْلَهَا لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا كُنْت لِي زَوْجَةً فِيمَا رَأَيْتهَا صَارَتْ لَهُ زَوْجَةً وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ ، فَقَالَ الْقَاضِي هِيَ عِنْدِي مِثْلُهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لَا كُنْت لِي بِزَوْجَةٍ أَبَدًا ، فَإِنْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الْحِنْثُ مَتَى تَزَوَّجَهَا .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ أَفْتَى فِيهَا بَعْضُ فُقَهَاءِ بَلَدِنَا بِطَلَاقِ الثَّلَاثِ وَأَنَّ الْمُبَارَأَةَ لَا تَنْفَعُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ .
وَقَالَ ابْنُ مُيَسِّرٍ نَزَلْت
بِقُرْطُبَةَ وَكَتَبَ بِهَا إلَى ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فَقِيهِ الْقَيْرَوَانِ فَأَفْتَى فِيهَا بِفُتْيَا الْقَاضِي .
قُلْتُ جَوَابُ الْقَاضِي عَنْ إيرَادِ أَبِي الْأَصْبَغِ الْخُشَنِيِّ لَغْوٌ لِأَنَّهُ تَكْرِيرٌ لِعَيْنِ دَعْوَاهُ أَوْ لَا ، وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَا يَقَعُ جَوَابًا لَكَانَ جَوَابًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَالِيِّ وَقَوْلُ الْخُشَنِيِّ عَلَى تَعَيُّنِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ وَهُوَ مُقْتَضَى مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ فِي الْأَيْمَانِ .
الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ الْفَرَّاءَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا مُرَتَّبَيْنِ كَتَرْتِيبِهِمَا فِي الذِّكْرِ .
وَقِيلَ بِشَرْطِ عَكْسِ التَّرْتِيبِ .
وَقِيلَ تَطْلُقُ بِهِمَا مَعًا مُطْلَقًا .
وَقِيلَ بِوُقُوعِ أَيِّ شَرْطٍ ، وَاخْتَارَ الْفَرَّاءُ الثَّانِيَ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَوَابٌ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ فِي النِّيَّةِ إلَى جَانِبِهِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ جَوَابَ الثَّانِي فَيَكُونُ فِي النِّيَّةِ بَعْدَهُ ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى الْجَوَابِ كَمَا فِي أَنْتَ ظَالِمٌ إنْ فَعَلْت لَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ نَفْسَهُ هُوَ الْجَوَابُ ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَابْنِ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ عَلَى رَأْيِ الْفَرَّاءِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا .
الدَّمَامِينِيُّ دَخَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَأَجَابَهُ بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ جَوَابًا حَسَنًا .
حَاصِلُهُ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهَا شَرْطَانِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا لَهُمَا مَعًا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلُزُومِ اجْتِمَاعِ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُجْعَلَ جَوَابًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلُزُومِ الْإِتْيَانِ بِمَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَتَرْكِ مَا لَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ ، وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ
جَوَابًا لِلثَّانِي فَقَطْ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلُزُومِ كَوْنِهِ مَعَ جَوَابِهِ جَوَابَ الْأَوَّلِ ، وَوُجُوبِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَلَا فَاءَ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ جَوَابٌ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ وَجَوَابُهُ دَلِيلُ جَوَابِ الثَّانِي : الدَّمَامِينِيُّ وَهَذَا وَجْهُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي اشْتِرَاطِ عَكْسِ تَرْتِيبِ الذِّكْرِ ، وَوَجْهُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِحَذْفِ وَاوِ الْعَطْفِ كَقَوْلِهِ : كَيْفَ أَصْبَحْت كَيْفَ أَمْسَيْت مِمَّا يَغْرِسُ الْوُدَّ فِي فُؤَادِ اللَّبِيبِ وَضَعُفَ بِاخْتِصَاصِهِ بِالضَّرُورَةِ ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْحُذَّاقِ أَنَّ تَوْجِيهَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّسْهِيلِ وَالْمُغْنِي تَوْجِيهُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا ، وَلَا يَقْتَضِي عَكْسَ التَّرْتِيبِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَّا لَوْ أَبْقَى الشَّرْطَانِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَوَّلَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ شَمَلَ الِاسْتِقْبَالَ وَغَيْرَهُ ، وَصَارَ مَعْنَى الْمِثَالِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ ثَبَتَ كَلَامُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهَذَا شَامِلٌ لِوُقُوعِ الْكَلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ، وَبُحِثَ فِيهِ بِاقْتِضَائِهِ الْحِنْثَ بِكَلَامِهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَأْوِيلِ الْأَوَّلِ بِالثُّبُوتِ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ الثَّانِي لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ ، وَمَذْهَبُنَا عَلَى اسْتِقْبَالِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ التَّكَلُّمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الثَّانِي إنَّمَا هُوَ لُزُومُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ لَا الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ ، وَظَهَرَ بِهِ أَنَّ تَوْجِيهَ ابْنِ الْحَاجِبِ يَصْلُحُ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحِنْثِ بِالْبَعْضِ الَّذِي قَالَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ
حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا أَوْ لَا يَفْعَلُ فِعْلًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ أَنَّهُ حَانِثٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ ، إذْ هُوَ بَعْضُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ .
ا هـ .
لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ تَعْلِيقٌ وَاحِدٌ وَمَا هُنَا فِيهِ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يُوجَدُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ هُنَا تَوَقُّفَ الطَّلَاقِ عَلَى مَجْمُوعِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ ، وَآخَرُ بِبَتَّةٍ ، أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا ، أَوْ بِكَلَامِهِ فِي السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ ، أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ وَيَوْمًا بِمَكَّةَ .
لُفِّقَتْ : كَشَاهِدٍ بِوَاحِدَةٍ ، وَآخَرَ بِأَزْيَدَ ، وَحُلِّفَ عَلَى الزَّائِدِ ؛ وَإِلَّا سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ ، لَا بِفِعْلَيْنِ
( وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ ) عَدْلٌ عَلَى زَوْجٍ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ( بِ ) لَفْظٍ ( حَرَامٍ وَ ) شَهِدَ شَاهِدٌ ( آخَرُ ) عَدْلٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ( بِ ) لَفْظِ ( بَتَّةَ ) لُفِّقَتْ الشَّهَادَةُ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِاتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ ( أَوْ ) شَهِدَ شَاهِدٌ ( بِتَعْلِيقِهِ ) طَلَاقَهَا ( عَلَى دُخُولِ دَارٍ ) مَثَلًا ، وَصِلَةُ تَعْلِيقِ ( فِي رَمَضَانَ وَ ) شَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ بِتَعْلِيقِهِ فِي ( ذِي الْحِجَّةِ ) وَشَهِدَا هُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا بِدُخُولِهَا بَعْدَ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لُفِّقَتْ وَلَزِمَهُ مَا عَلَّقَهُ .
( أَوْ ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ دَارٍ مُعَيَّنَةٍ وَشَهِدَ شَاهِدٌ وَشَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ ( بِدُخُولِهَا ) أَيْ الدَّارِ الَّتِي عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى دُخُولِهَا ( فِيهِمَا ) أَيْ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ أَيْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِدُخُولِهَا فِي رَمَضَانَ وَالْآخَرُ بِدُخُولِهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ وَالتَّعْلِيقُ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ فَتُلَفَّقُ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ .
( أَوْ ) حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ ( بِكَلَامِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( فِي السُّوقِ وَ ) عَدْلٌ آخَرُ بِكَلَامِهِ فِي ( الْمَسْجِدِ ) فَتُلَفَّقُ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ( أَوْ ) شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الزَّوْجَ ( طَلَّقَ ) زَوْجَتَهُ ( يَوْمًا بِمِصْرَ ) الْقَاهِرَةِ فِي رَمَضَانَ ( وَ ) شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ آخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ( يَوْمًا بِمَكَّةَ ) الْمُشَرَّفَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ ( لُفِّقَتْ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مُشَدَّدَةً جَوَابُ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ ، فَلَقَدْ أَحْسَنَ فِي تَرْتِيبِ أَمْثِلَةِ الْقَوْلَيْنِ وَالْفِعْلَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْمَعْنَى .
وَشَرْطُهُ فِي الْأَخِيرَةِ فَصْلُ الْفِعْلَيْنِ بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ لِلْآخَرِ ، وَلَا تَنْقَضِي فِيهِ الْعِدَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ شَهَادَةُ الثَّانِي .
ابْنُ رُشْدٍ تَلْفِيقُ الشَّهَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ تُلَفَّقُ فِيهِ
بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ وَاتَّفَقَ الْمَعْنَى وَمَا يُوَجِّهُ الْحُكْمَ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِالثَّلَاثِ وَالْآخَرُ بِالْبَتَّةِ أَوْ الْبَرِيَّةِ أَوْ الْخَلِيَّةِ ، وَالثَّانِي : لَا تُلَفَّقُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ وَهُوَ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا بِالثَّلَاثِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ حَلَفَ إنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَمَرَ أَنَّهَا طَالِقٌ .
الثَّالِثُ : اُخْتُلِفَ فِي تَلْفِيقِهَا فِيهِ وَالْمَشْهُورُ التَّلْفِيقُ وَهُوَ مَا إذَا اتَّفَقَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَزْمِنَةُ وَالْأَمْكِنَةُ كَمِصْرِ وَمَكَّةَ وَرَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ .
الرَّابِعُ : اُخْتُلِفَ فِي تَلْفِيقِهَا فِيهِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُهُ وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ وَيَتَّفِقَ مَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَيَشْهَدَ الْآخَرُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا ، وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِابْنِ شِهَابٍ إنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ مُفْتَرِقُونَ أَحَدُهُمْ بِطَلْقَةٍ وَآخَرُ بِاثْنَتَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثٍ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ .
اللَّخْمِيُّ هَذَا يَصِحُّ فِي بَعْضِ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ عُلِمَتْ التَّوَارِيخُ فَكَانَ الثَّانِي فِي ثَانِي يَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ فِي ثَالِثِهِمَا لَزِمَتْ الطَّلْقَتَانِ وَاحِدَةٌ بِضَمِّ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ فِي وَاحِدَةٍ ، وَثَانِيَةٌ بِضَمِّ بَاقِي شَهَادَةِ الثَّانِي لِشَهَادَةِ الثَّالِثِ فِي وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ قَالَ وَيُخْتَلَفُ إنْ عَدِمَتْ التَّوَارِيخُ هَلْ تَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ أَوْ طَلْقَتَانِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ .
وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِيهَا مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِثَلَاثٍ وَآخَرُ بِاثْنَيْنِ وَآخَرُ بِوَاحِدَةٍ قِيلَ لَهُ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى وَاحِدٌ بِوَاحِدَةٍ وَآخَرُ بِاثْنَتَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَأَجَابَ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ النُّسَخِ فِيمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي تَلْفِيقِ
الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لُزُومُ الطَّلْقَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَرِوَايَتُهُ سَوَاءٌ أَرَّخَ كُلُّ وَاحِدٍ شَهَادَتَهُ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخْ اخْتَلَفُوا فِي التَّارِيخِ أَوْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَا أَثَرَ لِلتَّارِيخِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ تَلْفِيقِ الشَّهَادَةِ ، إذْ لَوْ قِيلَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِانْفِرَادٍ فِي تَعْيِينِ يَوْمِهَا لَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِالتَّوَارِيخِ ، إذْ لَا أَثَرَ لَهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَإِنْ أَرَّخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَهَادَتَهُ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ شَاهِدَانِ عَلَى تَارِيخٍ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِهِ وَمَا فَعَلَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ كَوْنِ تَارِيخِ الشَّاهِدِ بِالثَّلَاثِ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَارِيخِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ يَصِحُّ وَكَذَا قَوْلُهُ يَخْتَلِفُ إنْ عَدِمَتْ التَّوَارِيخُ هَلْ تَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ غَلَطٌ ظَاهِرٌ ، إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالشَّكِّ ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ .
قُلْتُ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ لَوْ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي تَعْيِينِ يَوْمِهَا لَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَخْ ، يُرَدُّ بِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ زَمَنِ الطَّلْقَةِ فِي كَوْنِهِ قَيْدًا مِنْهَا ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ اللَّخْمِيُّ ، إذْ لَوْ اعْتَبَرَ ذَلِكَ لَأَبْطَلَ الضَّمَّ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ مُتَعَلَّقِ الشَّهَادَتَيْنِ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ وَآخَرَ بِمِثْلِهِ ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ اللَّخْمِيُّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُوصِلًا إلَى كَوْنِ أَحَدِ الطَّلَاقَيْنِ مَخْبَرًا بِهِ عَنْ طَلَاقٍ آخَرَ إخْبَارًا يَقْصِدُ بِهِ كَمَالَ الطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ ،
وَلِذَا أَلْزَمَهُ فِي الثَّلَاثِ الَّتِي أَوَّلُهَا الشَّاهِدُ بِوَاحِدَةٍ وَآخِرُهَا الشَّاهِدُ بِالثَّلَاثِ طَلْقَتَيْنِ ، وَفِي عَكْسِهِ ثَلَاثًا وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ ، وَصُوَرُ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ سِتٌّ ضَابِطُهَا عَلَى مَأْخَذِ اللَّخْمِيِّ ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّلَاقِ مَخْبَرًا بِهِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ كُلَّمَا تَأَخَّرَتْ بَيِّنَةُ الثَّلَاثِ فَطَلْقَتَانِ وَإِلَّا فَثَلَاثٌ .
وَشَبَّهَ فِي التَّلْفِيقِ فَقَالَ ( كَشَاهِدٍ ) عَدْلٍ عَلَى الزَّوْجِ ( بِ ) طَلْقَةٍ ( وَاحِدَةٍ وَ ) شَاهِدٍ ( آخَرَ ) عَدْلٍ عَلَيْهِ ( بِأَزْيَدَ ) مِنْ طَلْقَةٍ فَتُلَفَّقُ فِي الْوَاحِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّاهِدَانِ فَتَلْزَمُ الزَّوْجَ ( وَحَلَفَ ) الزَّوْجُ ( عَلَى ) فَفِي الطَّلَاقِ ( الزَّائِدِ ) عَلَى الْوَاحِدَةِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَبُو الْحَسَنِ صُورَةُ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا طَلَّقْت أَلْبَتَّةَ فَتَنْفَعُهُ يَمِينُهُ فِي سُقُوطِ اثْنَتَيْنِ وَتَلْزَمُهُ الْوَاحِدَةُ ، أَيْ يَحْلِفُ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً وَلَا أَكْثَرَ لِإِسْقَاطِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ اللَّازِمَةِ بِشَهَادَتِهِمَا ، فَعَلَى لِلتَّعْلِيلِ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ مِنْهُ الزَّائِدُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ وَنَكَلَ ( سُجِنَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَاسْتَمَرَّ مَسْجُونًا ( حَتَّى ) أَيْ إلَى أَنْ ( يَحْلِفَ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَمِينِ رَجَعَ إلَى هَذَا الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ طَلَقَتْ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ .
وَفِي الْجَلَّابِ فَإِنْ طَالَ زَمَنُ حَبْسِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى عَدَمِ الْحَلِفِ أُطْلِقَ وَتُرِكَ وَوُكِّلَ لِدِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ .
أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي لُزُومِ الْوَاحِدَةِ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ .
الْقَرَافِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اتِّحَادَهُ يُوجِبُ تَكَاذُبَهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَالَ لَفَظَ بِوَاحِدَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِأَكْثَرَ ( لَا ) تُلَفَّقُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ ( بِفِعْلَيْنِ ) مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ حَلَفَ
بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ ، وَأَنَّهُ دَخَلَهَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ وَأَنَّهُ رَكِبَهَا قَالَهُ تت ، وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ .
فَإِنْ قُلْت الشَّهَادَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِفِعْلٍ وَقَوْلٍ .
قُلْتُ اُعْتُبِرَ الْفِعْلُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَيَحْلِفُ عَلَى كَذِبِهِمَا فِي الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِ لَا بِفِعْلَيْنِ مَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ وَإِلَّا لُفِّقَتْ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَالْآخَرِ بِشُرْبِهَا فَيُحَدُّ ، وَقَوْلِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ تَحَرُّزٌ عَنْ مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ ، فَتُلَفَّقُ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا .
أَوْ بِفِعْلٍ وَقَوْلٍ : كَوَاحِدٍ بِتَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ ، وَآخَرَ بِالدُّخُولِ ، وَإِنْ شَهِدَا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ وَنَسِيَاهَا : لَمْ تُقْبَلْ وَحَلَفَ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً ، وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِيَمِينٍ وَنَكَلَ ؛ فَالثَّلَاثُ .
( أَوْ ) أَيْ وَلَا تُلَفَّقُ شَهَادَةٌ ( بِفِعْلٍ وَ ) شَهَادَةٌ بِ ( قَوْلٍ ) وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ ( كَوَاحِدٍ ) شَهِدَ ( بِتَعْلِيقِهِ ) أَيْ الطَّلَاقِ ( بِالدُّخُولِ ) لِدَارِ زَيْدٍ مَثَلًا ( وَآخَرُ ) شَهِدَ ( بِالدُّخُولِ ) لَهَا فَلَا تُلَفَّقُ ( وَإِنْ شَهِدَا ) أَيْ الْعَدْلَانِ عَلَى الزَّوْجِ ( بِطَلَاقِ ) زَوْجَةِ ( وَاحِدَةٍ ) مُعَيَّنَةٍ مِنْ زَوْجَاتِهِ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ ( وَنَسِيَاهَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ الزَّوْجَةَ الْمُعَيَّنَةَ ( لَمْ تُقْبَلْ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ شَهَادَتُهُمَا لِعَدَمِ ضَبْطِهِمَا وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ ، وَلَوْ تَذَّكَّرَاهَا وَهُمَا مُبْرِزَانِ ، وَمُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَبُولُهُمَا وَهِيَ الَّذِي يَنْبَغِي .
( وَحَلَفَ ) الزَّوْجُ ( مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً ) مِنْ زَوْجَاتِهِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ أَبُو الْحَسَنِ لَوْ نَكَلَ فَتَخَرَّجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ لِمَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " هَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطْلُقْنَ كُلُّهُنَّ .
اللَّخْمِيُّ وَأَرَى أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَيُسْجَنَ حَتَّى يُقِرَّ بِالْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَطَعَتْ بِأَنَّ وَاحِدَةً عَلَيْهِ حَرَامٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ طَلَاقُ جَمِيعِهِنَّ ، كَمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ ، فَإِنْ صَدَّقَ الشُّهُودَ وَادَّعَى النِّسْيَانَ طَلَقْنَ كُلُّهُنَّ وَإِنْ عَيَّنَ وَاحِدَةً صُدِّقَ ( وَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ ) عَلَى زَوْجٍ كُلُّ شَاهِدٍ ( بِيَمِينٍ ) أَيْ تَنْجِيزِ طَلْقَةٍ أَوْ حِنْثٍ فِيهَا وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَعَ الْآخَرِ حَلَفَ لِتَكْذِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ رَبِيعَةَ فِي غَيْرِ التَّعْلِيقِ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ طَلَّقَ وَاحِدَةً وَآخَرَ كَذَلِكَ وَآخَرَ كَذَلِكَ ، وَلَمْ يَسْمَعْ اثْنَانِ مِنْهُمْ طَلَاقَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ يَمِينٍ ، وَفِي
التَّعَالِيقِ الْمُتَّفِقَةِ كَشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وَدَخَلَهَا وَآخَرَ كَذَلِكَ ، وَفِي التَّعَالِيقِ الْمُخْتَلِفَةِ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ وَأَنَّهُ رَكِبَهَا وَآخَرَ لَا لَبِسَ الثَّوْبَ ، وَأَنَّهُ لَبِسَهُ وَآخَرَ أَنَّهُ لَا دَخَلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَهَا .
( وَإِنْ نَكَلَ ) الزَّوْجُ عَنْ الْحَلِفِ لِتَكْذِيبِ الثَّلَاثَةِ ( فَ ) الطَّلْقَاتُ ( الثَّلَاثُ ) تَلْزَمُهُ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَكَذَا عَدَمُ لُزُومِ طَلْقَةٍ مَعَ حَلِفِهِ وَهَذَا قَوْلُ رَبِيعَةَ وَقَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ وَالْمَذْهَبُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِاجْتِمَاعِ اثْنَيْنِ عَلَيْهَا ، وَيَحْلِفُ عَلَى الزَّائِدِ فِي غَيْرِ التَّعَالِيقِ وَفِي التَّعَالِيقِ الْمُتَّفِقَةِ ، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ فَيَحْلِفُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ ا هـ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ " ز " فِي غَيْرِ التَّعَالِيقِ إلَخْ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ لَا يَصِحُّ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بِيَمِينٍ لَا يَشْمَلُهَا ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى تَأْوِيلِ الْقَابِسِيِّ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا رَبِيعَةُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ كُلُّ وَاحِدٌ بِطَلْقَةٍ لَيْسَ مَعَهُ صَاحِبُهُ فَأُمِرَ أَنْ يَحْلِفَ فَأَبَى فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ نَكَلَ وَقُضِيَ عَلَيْهِ الْقَابِسِيُّ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ وَاحِدٌ شَهِدَ عَلَيْهِ بِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا ، فَلِذَلِكَ إذَا نَكَلَ طُلِّقَ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَحْلِفُ لِتَكْذِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ قَالَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهَا وَيَحْلِفُ مَعَ الْآخَرِ ، أَيْ لِرَدِّهِ ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وِفَاقًا لِلْمَذْهَبِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي التَّطْلِيقِ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ قَوْلَ رَبِيعَةَ خِلَافٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمَالِكٌ يَلْزَمُهُ
وَاحِدَةٌ لِاجْتِمَاعِ اثْنَيْنِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَصْبَغَ .
ا هـ .
فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِيَمِينٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى تَأْوِيلِ الْقَابِسِيِّ بِالْوِفَاقِ ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى خُصُوصِ التَّعَالِيقِ الْمُخْتَلِفَةِ .
وَقَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ فَالثَّلَاثُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ وَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُسْجَنُ ، فَإِنْ طَالَ دُيِّنَ هُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ .
وَأَمَّا تَقْرِيرُ " ز " فَيُوَافِقُ التَّأْوِيلَ وَالثَّانِي بِحَمْلِ كَلَامِ رَبِيعَةَ عَلَى الْعُمُومِ بِحَيْثُ يَشْمَلُ الطَّلْقَاتِ دُونَ تَعْلِيقٍ وَالتَّعَالِيقَ الْمُتَّفِقَةَ وَالْمُخْتَلِفَةَ فَيَكُونُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ فِي التَّلْفِيقِ فِي الْأَوَّلَيْنِ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ ، لَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِيَمِينٍ يَمْنَعُهُ وَيُعَيِّنُ الْحَمْلَ عَلَى الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
فَصْلٌ ) إنْ فَوَّضَهُ لَهَا تَوْكِيلًا ؛ فَلَهُ الْعَزْلُ إلَّا لِتَعَلُّقِ حَقٍّ ، لَا تَخْيِيرًا ، أَوْ تَمْلِيكًا .
( فَصْلٌ ) ( فِي أَحْكَامِ الِاسْتِنَابَةِ عَلَى الطَّلَاقِ ) وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَوْكِيلٌ وَإِرْسَالٌ وَتَمْلِيكٌ وَتَخْيِيرٌ ( إنْ فَوَّضَهُ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ ( لَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( تَوْكِيلًا ) أَيْ جُعِلَ إنْشَاءً لَهَا بَاقِيًا لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ إنْ شَاءَ فَخَرَجَ بِالْإِنْشَاءِ الْإِرْسَالُ وَبِبَقَاءِ الْمَنْعِ التَّمْلِيكُ وَالتَّخْيِيرُ ( فَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( الْعَزْلُ ) أَيْ مَنْعُهَا مِنْ إيقَاعِهِ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا عَلَى قَاعِدَةِ التَّوْكِيلِ مِنْ عَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا لِتَعَلُّقِ حَقٍّ ) لَهَا بِإِيقَاعِهِ كَقَوْلِهِ لَهَا : إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَقَدْ وَكَّلْتُكِ عَلَى طَلَاقِك أَوْ طَلَاقِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِرَفْعِ ضَرَرِ الضَّرَّةِ عَنْهَا .
( لَا ) إنْ فَوَّضَهُ لَهَا ( تَخْيِيرًا ) بِأَنْ جَعَلَ لَهَا إنْشَاءَهُ ثَلَاثًا نَصًّا أَوْ حُكْمًا بِلَا مَنْعٍ مِنْهُ ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ قَبْلَ إنْشَائِهِ ، فَخَرَجَ بِالْإِنْشَاءِ الْإِرْسَالُ وَبِالنَّصِّ عَلَى الثَّلَاثِ إلَخْ التَّمْلِيكُ ، وَبِعَدَمِ الْمَنْعِ التَّوْكِيلُ ( أَوْ ) فَوَّضَهُ لَهَا ( تَمْلِيكًا ) بِأَنْ جَعَلَ إنْشَاءَهُ لَهَا بِلَا مَنْعٍ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يُخَصُّ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّتِهِ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا أَيْضًا ، فَخَرَجَ بِالْإِنْشَاءِ الْإِرْسَالُ ، وَبِعَدَمِ الْمَنْعِ التَّوْكِيلُ ، وَبِرُجْحَانِ الثَّلَاثِ التَّخْيِيرُ الْحَطّ .
الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ عَلَى سَبِيلِ النِّيَابَةِ عَنْ مُوَكِّلِهِ ، وَالْمُمَلَّكُ وَالْمُخَيَّرُ يَفْعَلَانِ عَنْ نَفْسِهِمَا لِمِلْكِهِمَا مَا كَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ قِيلَ عُرْفِيٌّ لَا دَخْلَ لِلُّغَةِ فِيهِ ، فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ يُنَاكِرُ الزَّوْجُ الْمُمَلَّكَةَ لَا الْمُخَيَّرَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفٍ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِهِ .
وَقِيلَ : لِلُّغَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إعْطَاءُ مَا لَمْ
يَكُنْ حَاصِلًا فَالْأَصْلُ بَقَاءُ مِلْكِ الزَّوْجِ الْعِصْمَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ بِإِعْطَائِهِ وَالتَّخْيِيرُ لُغَةً : جَعْلُ الْخِيَارِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لِلْمُخَيَّرِ بِالْفَتْحِ فَمَعْنَى تَخْيِيرِ الزَّوْجَةِ أَنَّهُ خَيَّرَهَا بَيْنَ بَقَائِهَا عَلَى عِصْمَتِهِ وَذَهَابِهَا عَنْهَا ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الَّذِي لَا يُبْقِي لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حُكْمًا أَفَادَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُوَضِّحُ .
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ اتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ كِنَايَةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا بِنِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِهِ التَّخْيِيرَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ إنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ احْتَمَلَ الْوَاحِدَةَ وَغَيْرَهَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ مَا نَصُّهُ ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً لَا مِرْيَةَ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَفْتَى بِالثَّلَاثِ عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ أَوْجَبَتْ نَقْلَ اللَّفْظِ عَنْ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ ، فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ، غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ الْيَوْمَ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ ، وَيَكُونُ كِنَايَةً مَحْضَةً كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ .
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَبْنِيًّا عَلَى نَقْلٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ ، وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ إنْ شَهِدَتْ لَهُ عَادَةٌ أُخْرَى ، هَذَا هُوَ الْفِقْهُ ا هـ .
وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ إنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَنَى عَلَى عُرْفٍ فِي زَمَانِهِ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَغَيُّرِ الْحُكْمِ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ صَحِيحٌ .
وَحِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تُجِيبَ ، وَوُقِفَتْ .
( وَحِيلَ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ أَيِّ فُرِّقَ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا ( حَتَّى تُجِيبَ ) الزَّوْجَةُ بِمَا يَقْتَضِي بَقَاءَهَا عَلَى عِصْمَةِ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقَهُ لَا فِي التَّوْكِيلِ لِأَنَّ لَهُ عَزْلَهَا إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّهَا بِالطَّلَاقِ وَالنَّفَقَةِ زَمَنَ الْحَيْلُولَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَرِثَهُ الْآخَرُ ( وَوُقِفَتْ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْقَافِ الزَّوْجَةُ الْمُخَيَّرَةُ أَوْ الْمُمَلَّكَةُ إنْ أَطْلَقَ الزَّوْجُ .
.
وَإِنْ قَالَ إلَى سَنَةٍ مَتَى عُلِمَ فَتَقْضِي ، وَإِلَّا أَسْقَطَهُ الْحَاكِمُ .
بَلْ ( وَإِنْ قَالَ ) الزَّوْجُ أَمْرُك بِيَدِك ( إلَى ) تَمَامِ ( سَنَةٍ ) مَثَلًا ، وَصِلَةُ وُقِفَتْ ( مَتَى عُلِمَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِأَنَّهُ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا فَيُوقِفُهَا حِينَ عِلْمِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَلَا يُمْهِلُهَا إلَى تَمَامِ السَّنَةِ مَثَلًا ( فَتَقْضِي ) الزَّوْجَةُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ أَوْ رَدِّ مَا جَعَلَهُ لَهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْضِ بِشَيْءٍ ( أَسْقَطَهُ ) أَيْ مَا جَعَلَهُ الزَّوْجُ لَهَا ( الْحَاكِمُ ) وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِبَقَائِهِ بِيَدِهَا إلَى تَمَامِ السَّنَةِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ فِيهِ التَّمَادِي عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكَةٍ .
وَعُمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيح فِي الطَّلَاق ، كَطَلَاقِهِ ، وَرَدِّهِ : كَتَمْكِينِهَا طَائِعَةً ، وَمُضِيِّ يَوْمِ تَخْيِيرِهَا .
وَرَدِّهَا بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا .
وَهَلْ نَقَلَ قُمَاشِهَا وَنَحْوُهُ : طَلَاقٌ ؟ أَوْ لَا ؟ تَرَدُّدٌ .
( وَعُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِجَوَابِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( الصَّرِيحِ فِي ) اخْتِيَارِ ( الطَّلَاقِ ) سَوَاءٌ كَانَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةً ظَاهِرَةً فِيهِ ، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ فَتُسْقِطُ مَا بِيَدِهَا وَلَوْ نَوَتْ بِهَا الطَّلَاقَ فِي التَّوْضِيحِ .
ابْنُ يُونُسَ لَوْ أَجَابَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ عِنْدَمَا مَلَّكَهَا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ الطَّلَاقَ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَطّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ جَوَابَهَا فِي التَّمْلِيكِ بِصِيغَةِ الظِّهَارِ إذَا نَوَتْ بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ لَازِمٌ مَعَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ .
وَمَثَّلَ لِلْجَوَابِ الصَّرِيحِ فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ ( كَطَلَاقِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ تَطْلِيقِهَا لِلزَّوْجِ بِأَنْ قَالَتْ طَلَّقْته أَوْ هُوَ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي مِنْهُ أَوْ أَنَا طَالِقٌ مِنْهُ ( وَ ) عُمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ فِي ( رَدِّهِ ) أَيْ مَا جَعَلَهُ لَهَا وَبَقَائِهَا فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا يَقُولُ بِأَنْ قَالَتْ رَدَدْت إلَيْك مَا مَلَّكْتنِي أَوْ فِعْلٍ ( كَتَمْكِينِهَا ) أَيْ الْمُمَلَّكَةِ أَوْ الْمُخَيَّرَةِ زَوْجَهَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا حَالَ كَوْنِهَا ( طَائِعَةً ) عَالِمَةً بِمَا جَعَلَهُ مِنْ تَخْيِيرٍ أَوْ تَمْلِيكٍ وَلَوْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ لَا مُكْرَهَةً أَوْ جَاهِلَةً بِمَا جَعَلَهُ لَهَا فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهَا وَلَوْ وَطِئَهَا ، فَإِنْ ادَّعَى التَّمْكِينَ وَأَنْكَرَتْهُ صُدِّقَ إنْ ثَبَتَتْ خَلْوَتُهُ بِهَا بِامْرَأَتَيْنِ ، وَإِنْ ادَّعَتْ الْإِكْرَاهَ صُدِّقَتْ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِيَمِينٍ وَصُدِّقَ فِي الْوَطْءِ بِيَمِينٍ قَالَهُ الْحَطّ .
( وَ ) كَ ( مُضِيِّ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْيَاءِ أَيْ فَرَاغِ ( يَوْمِ ) أَيْ زَمَنٍ يَوْمًا كَانَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ تَخْتَرْ فِيهِ شَيْئًا فَقَدْ سَقَطَ مَا جَعَلَهُ لَهَا سَوَاءٌ عَلِمَتْ بِمُضِيِّهِ أَمْ لَا بِأَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا أَوْ جُنَّتْ حَتَّى فَاتَ ( وَ ) كَ ( رَدِّهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ مِنْ إضَافَةِ
الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ لِعِصْمَةِ زَوْجِهَا الَّذِي مَلَّكَهَا أَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بِخُلْعٍ أَوْ بَتَاتٍ أَوْ بِرَجْعِيٍّ انْقَضَتْ عِدَّتُهُ ثُمَّ رَدَّهَا لِعِصْمَتِهِ ( بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ مِنْهُ فَقَدْ سَقَطَ مَا جَعَلَهُ لَهَا مِنْ تَخْيِيرٍ أَوْ تَمْلِيكٍ إلَّا إذَا كَانَ بِأَدَاةٍ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ، وَمَفْهُومُ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَرَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ مَا جَعَلَهُ لَهَا .
( وَهَلْ نَقْلُ قُمَاشِهَا ) أَيْ مَتَاعِهَا وَجِهَازِهَا كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ( وَنَحْوُهُ ) أَيْ النَّقْلِ فَهُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى نَقْلٍ كَتَغْطِيَةِ وَجْهِهَا مِنْ زَوْجِهَا ( طَلَاقٌ ) ثَلَاثٌ فِي التَّخْيِيرِ وَوَاحِدَةٌ فِي التَّمْلِيكِ ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَيْسَ طَلَاقًا فِي الْجَوَابِ ( تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالطَّلَاقِ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ طَلَاقٌ اتِّفَاقًا .
وَقُبِلَ تَفْسِيرُ : قَبِلْت ، أَوْ قَبِلْتُ أَمْرِي أَوْ مَا مَلَّكْتَنِي بِرَدٍّ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بَقَاءٍ .
.
.
( وَقُبِلَ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا الْمُفَوَّضِ لَهُ أَمْرُهَا ( تَفْسِيرُ ) الْجَوَابِ الْمُحْتَمِلِ لِلطَّلَاقِ وَالرَّدِّ نَحْوَ ( قَبِلْت ) بِدُونِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ ( أَوْ قَبِلْت أَمْرِي ) وَاحِدَ الْأُمُورِ أَيْ شَأْنِي ( أَوْ ) قَبِلْت ( مَا مَلَّكْتنِي ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، وَصِلَةُ تَفْسِيرٍ ( بِرَدٍّ ) لِمَا جَعَلَهُ لَهَا وَإِبْقَائِهَا فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا وَنُظِرَ فِي تَفْسِيرِ الْقَبُولِ بِالرَّدِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لَهُ وَلَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ ، بَلْ رَافِعٌ لِمُقْتَضَاهُ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّدُّ مِنْ آثَارِ قَبُولِ النَّظَرِ فِي الْأَمْرِ صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعَهُ الْمُوَضِّحُ .
( أَوْ ) بِ ( طَلَاقٍ أَوْ ) بِ ( بَقَاءٍ ) عَلَى مَا جَعَلَهُ لَهَا حَتَّى تَنْظُرَ فِي أَمْرِهَا مَا هُوَ الْأَحْسَنُ لَهَا وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُ اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت أَمْرِي أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت أَيْضًا
وَنَاكَرَ مُخَيَّرَةً لَمْ تَدْخُلْ ، وَمُمَلَّكَةً مُطْلَقًا إنْ زَادَتَا عَلَى الْوَاحِدَةِ إنْ نَوَاهَا ، وَبَادَرَ وَحَلَفَ ، إنْ دَخَلَ ، وَإِلَّا فَعِنْدَ الِارْتِجَاعِ ، وَلَمْ يُكَرِّرْ أَمْرُهَا بِيَدِهَا ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ .
كَنَسْقِهَا .
وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ .
( وَنَاكَرَ ) الزَّوْجُ زَوْجَةً ( مُخَيَّرَةً ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةُ تَحْتَ مُثَقَّلَةٍ ( لَمْ تَدْخُلْ ) الزَّوْجَةُ بِزَوْجِهَا شَرْطٌ فِي مُنَاكَرَتِهَا فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا ( وَ ) نَاكَرَ زَوْجَةً ( مُمَلَّكَةً ) بِضَمٍّ فَفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا حَالَ كَوْنِهَا ( مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا مَدْخُولًا بِهَا ( إنْ زَادَتَا ) أَيْ الْمُخَيَّرَةُ وَالْمُمَلَّكَةُ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي أَوْقَعَتَاهُ ( عَلَى ) الطَّلْقَةِ ( الْوَاحِدَةِ ) هَذَا مَوْضُوعُ الْمُنَاكَرَةِ أَيْ رَدِّ الزَّوْجِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ بِتَخْيِيرِهَا أَوْ تَمْلِيكِهَا ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُنَاكِرُهَا فِي الْوَاحِدَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ .
وَأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ فَعَدَمُ مُنَاكَرَتِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَخْيِيرُهَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُمَلَّكَةِ لِبَيْنُونَتِهَا بِالْوَاحِدَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِدَلِيلِ تَصْدِيرِهِ الشُّرُوطَ الْخَمْسَةَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ ( إنْ ) كَانَ ( نَوَاهَا ) أَيْ الزَّوْجُ الْوَاحِدَةَ بِالتَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ لَمْ يَنْوِهَا بِهِ بَلْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهَا أَصْلًا لَزِمَهُ مَا أَوْقَعَتْهُ ، وَأَوْلَى وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ ( وَ ) إنْ ( بَادَرَ ) الزَّوْجُ لِلْمُنَاكَرَةِ بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا أَوْقَعَتْهُ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ ( وَ ) إنْ ( حَلَفَ ) الزَّوْجُ أَنَّهُ نَوَى بِهِ الْوَاحِدَةَ ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا أَوْقَعَتْهُ وَمَحَلُّ حَلِفِهِ حِينَ الْمُنَاكَرَةِ ( إنْ ) كَانَ ( دَخَلَ ) الزَّوْجُ بِالزَّوْجَةِ وَأَرَادَ رَجْعَتَهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ أَوْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يُرِدْ رَجْعَتَهَا الْآنَ ( فَ ) يَحْلِفُ ( عِنْدَ ) إرَادَةِ ( الِارْتِجَاعِ وَ ) إنْ ( لَمْ يُكَرِّرْ ) الزَّوْجُ عِنْدَ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ قَوْلَهُ ( أَمْرُهَا ) أَيْ حُكْمُ عِصْمَتِهَا ( بِيَدِهَا ) فِي مِلْكِهَا تَتَصَرَّفُ
فِيهَا كَيْفَ شَاءَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ إبْقَاءٍ ، فَإِنْ كَرَّرَهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ أَتَى بِأَدَاةٍ تُفِيدُ التَّكْرَارَ كَكُلَّمَا شِئْت فَأَمْرُك بِيَدِك فَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ حَالٍ .
( إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ) الزَّوْجُ بِتَكْرِيرِ أَمْرُهَا بِيَدِهَا ( التَّأْكِيدَ ) فَإِنْ كَانَ نَوَاهُ بِهِ فَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِيمَا زَادَتْهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ ، هَذَا وَقَالَ الْحَطّ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ تَكْرَارِ : أَمْرُهَا بِيَدِهَا فَإِنَّ تَكْرَارَهُ كَعَدَمِهِ فِي الْحُكْمِ ، فَالْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ بِأَنْ يُقَالَ وَإِنْ كَرَّرَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا ، وَالْمَعْنَى إنْ نَوَى الْوَاحِدَةَ عُمِلَ بِنِيَّتِهِ ، وَإِنْ كَرَّرَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا مَثَلًا ثُمَّ قَالَ : وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَقُولَ : كُلَّمَا شِئْت فَأَمْرُك بِيَدِك وَإِلَّا فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ .
وَلَوْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ مِمَّا ذَكَرَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ كَمَا عَلِمْت .
وَشَبَّهَ فِي اعْتِبَارِ نِيَّةِ التَّأْكِيدِ فَقَالَ ( كَنَسْقِهَا ) أَيْ تَكْرِيرِ الْمُمَلَّكَةِ أَوْ الْمُخَيَّرَةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا قَوْلَهَا طَلَّقْت نَفْسِي مَثَلًا بِلَا فَصْلٍ فَيَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ بِعَدَدِهِ إلَّا أَنْ تَنْوِيَ التَّوْكِيدَ .
وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ تَكْرِيرِهَا نَسْقًا وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا بَعْدَ الْأُولَى فِي الْعِدَّةِ ، وَمَفْهُومُ نَسْقِهَا أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ كَرَّرَتْهُ لَا نَسْقًا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَوَّلُ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بِهِ فَلَا يَجِدُ بَعْدَهُ مَحَلًّا فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ ضَمِيرِ الزَّوْجَةِ الْمُؤَكَّدِ بِقَوْلِهِ ( هِيَ ) أَيْ الزَّوْجَةُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَوْدِ الْمُؤَكَّدِ بِالْفَتْحِ عَلَى الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ ( وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ لِلْمَرْأَةِ ( فِي الْعَقْدِ ) لِنِكَاحِهَا فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ لَهَا فِيهِ لَزِمَهُ مَا أَوْقَعَتْهُ وَلَوْ
كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، وَلَهُ رَجْعَةُ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ كَانَتْ أَبْقَتْ شَيْئًا مِنْ الْعِصْمَةِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ : لَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا لِرُجُوعِهِ لِلْخُلْعِ لِإِسْقَاطِهَا مِنْ صَدَاقِهَا لِلشَّرْطِ .
وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ إنْ أَطْلَقَ : .
قَوْلَانِ ، وَقُبِلَ إرَادَةُ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ : لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ : وَلَا نُكْرَةَ لَهُ ، إنْ دَخَلَ فِي تَخْيِيرٍ مُطْلَقٍ .
.
( وَفِي حَمْلِهِ ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ( عَلَى الشَّرْطِ ) أَيْ كَوْنِهِ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ فَلَا يُنَاكِرُهَا فِيمَا زَادَتْهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ ( إنْ أَطْلَقَ ) الْمُوَثِّقُ أَيْ لَمْ يُقَيِّدْ بِشَرْطٍ وَلَا تَطَوُّعٍ بِأَنْ كَتَبَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا إنْ تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُصُولَ هَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ هَارُونَ فِي اخْتِصَارِهِ الْمُتَيْطِيَّةَ وَنَصُّهُ : وَلَوْ كَتَبَ الْعَاقِدُ هَذِهِ الشُّرُوطَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ : إنَّهَا كَانَتْ عَلَى الطَّوْعِ ، وَقَالَتْ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا : بَلْ فِي الْعَقْدِ فَحَكَى ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ أَنَّهَا عَلَى الطَّوْعِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُقِيلٍ : هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ انْعَقَدَ عَلَيْهَا ، بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الطَّوْعِ وَغَيْرِهِ فِي التَّمْلِيكِ خَاصَّةً فَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِيهِ إنْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فِيمَا طَاعَ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ إنْ ادَّعَى نِيَّةً ، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُنَاكِرُهَا فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ .
وَأَمَّا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الطَّوْعُ مِنْ غَيْرِهِ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّائِقَ التَّعْبِيرُ بِتَرَدُّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : وَإِنْ كَانَ تَبَرَّعَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ .
أَبُو الْحَسَنِ : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّبَرُّعَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ كَالشَّرْطِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ
شَرْطٍ لَهُ حُكْمُ الْمُشْتَرَطِ .
ا هـ .
أَوْ عَلَى التَّطَوُّعِ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَهُ الْمُنَاكَرَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ .
( قَوْلَانِ وَ ) إنْ مَلَّكَ زَوْجَتَهُ مُطْلَقًا أَوْ خَيَّرَهَا قَبْلَ بِنَائِهِ بِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ التَّخْيِيرِ طَلَاقًا فَقِيلَ : لَزِمَتْك الثَّلَاثُ الَّتِي أَوْقَعَتْهَا فَقَالَ أَرَدْت طَلْقَةً وَاحِدَةً ( قُبِلَ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الزَّوْجِ الْمُمَلِّكِ أَوْ الْمُخَيِّرِ زَوْجَتَهُ فِي الْعِصْمَةِ قَبْل الْبِنَاءَ بِيَمِينٍ بَعْدَ قَضَائِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، وَنَائِبُ فَاعِلِ قُبِلَ ( إرَادَةُ ) الطَّلْقَةِ ( الْوَاحِدَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( لَمْ أُرِدْ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِالتَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ( طَلَاقًا ) فَقِيلَ لَهُ : إنْ لَمْ تُرِدْهُ فَقَدْ لَزِمَك مَا أَوْقَعْت ، فَقَالَ : أَرَدْت وَاحِدَةً فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ ثُمَّ تَذَكُّرِهِ .
وَقَالَ أَصْبَغُ لَا نَقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةَ الْوَاحِدَةِ وَيُعَدُّ نَادِمًا وَيَلْزَمُهُ مَا أَوْقَعَتْهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ : ( وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ ) أَيْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةُ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا .
وَصُرِّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لَمْ تَدْخُلْ فَقَالَ ( وَلَا نُكْرَةَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيْ مُنَاكَرَةَ ( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ ( إنْ ) كَانَ ( دَخَلَ ) الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ وَخَيَّرَهَا فَأَوْقَعَتْ زَائِدًا عَلَى الْوَاحِدَةِ ( فِي تَخْيِيرٍ مُطْلَقٍ ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِطَلْقَةٍ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَعَنْ التَّقْيِيدِ بِصِيغَةٍ مِمَّا يَأْتِي ، إذْ مِنْهُ مَا لَا تَتَأَتَّى فِيهِ الْمُنَاكَرَةُ كَاخْتَارِي فِي تَطْلِيقَتَيْنِ .
وَإِنْ قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي : سُئِلَتْ بِالْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ ، فَإِنْ أَرَادَتْ الثَّلَاثَ : لَزِمَتْ فِي التَّخْيِيرِ ، وَذَكَرَ فِي التَّمْلِيكِ .
.
( وَإِنْ قَالَتْ ) الزَّوْجَةُ الْمُخَيَّرَةُ أَوْ الْمُمَلَّكَةُ ( طَلَّقْت نَفْسِي ) أَوْ زَوْجِي قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ( سُئِلَتْ ) بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِ الْهَمْزِ الزَّوْجَةُ ( بِالْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ ) عَمَّا أَرَادَتْهُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي لِاحْتِمَالِهِ الْوَاحِدَةَ وَالزَّائِدَ عَلَيْهَا ( فَإِنْ ) كَانَتْ ( أَرَادَتْ ) الزَّوْجَةُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي الطَّلَاقَ ( الثَّلَاثَ لَزِمَتْ ) أَيْ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ الزَّوْجَ فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ ( فِي التَّخْيِيرِ ) إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا لِقَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَا نُكْرَةَ لَهُ إنْ دَخَلَ ( وَنَاكَرَ ) الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ فِيمَا زَادَتْهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ ( فِي التَّمْلِيكِ ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا ، وَفِي التَّخْيِيرِ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا لِقَوْلِهِ وَنَاكَرَ مُخَيَّرَةً لَمْ تَدْخُلْ وَمُمَلَّكَةً مُطْلَقًا .
وَإِنْ قَالَتْ وَاحِدَةً بَطَلَتْ فِي التَّخْيِيرِ .
وَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ .
أَوْ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ؟ .
تَأْوِيلَانِ .
وَالظَّاهِرُ سُؤَالُهَا إنْ قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي أَيْضًا
( وَإِنْ قَالَتْ ) الزَّوْجَةُ : أَرَدْت بِقَوْلِي طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً ( وَاحِدَةً بَطَلَتْ ) صِفَتُهَا أَيْ كَوْنُهَا مُخَيَّرَةً لِخُرُوجِهَا عَمَّا خَيَّرَهَا فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِرَادَتِهِ بَيْنُونَتَهَا مِنْهُ وَإِرَادَتِهَا بَقَاءَهَا فِي عِصْمَتِهِ لَا الْوَاحِدَةَ فَقَطْ ، وَهَذَا فِي الْمُخَيَّرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْمُمَلَّكَةُ مُطْلَقًا فَتَلْزَمُهُ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ فِيهِمَا .
( وَهَلْ يُحْمَلُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ قَوْلُهَا طَلَّقْت نَفْسِي ( عَلَى ) إرَادَةِ الطَّلَاقِ ( الثَّلَاثِ ) مِنْهَا بِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ فَتَلْزَمُهُ فِي التَّخْيِيرِ إنْ دَخَلَ وَلَهُ الْمُنَاكَرَةُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَفِي التَّمْلِيكِ مُطْلَقًا ( أَوْ ) يُحْمَلُ عَلَى إرَادَةِ ( الْوَاحِدَةِ ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَتَلْزَمُهُ فِي التَّمْلِيكِ مُطْلَقًا وَالتَّخْيِيرِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيَبْطُلُ تَخْيِيرُ الْمَدْخُولِ بِهَا وَهَذَا تَأْوِيلُ عَبْدِ الْحَقِّ الْمُدَوَّنَةَ ، وَصِلَةُ يُحْمَلُ ( عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ) مِنْهَا لِعَدَدٍ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ وَالظَّاهِرُ ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمُنَاسِبُ لِتَعْبِيرٍ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ( سُؤَالُهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ الْمُخَيَّرَةِ أَوْ الْمُمَلَّكَةِ ( إنْ قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي ) الْمُنَاسِبُ اخْتَرْت الطَّلَاقَ .
" غ " فِي بَعْضِ النُّسَخِ اخْتَرْت الطَّلَاقَ وَهُوَ الصَّوَابُ إشَارَةً لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ .
وَأَمَّا إنْ قَالَتْ اخْتَرْت الطَّلَاقَ ، فَاَلَّذِي أَرَاهُ فِيهِ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنَّهَا تُسْأَلُ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ لِاحْتِمَالِ أَلْ الِاسْتِغْرَاقَ فَيَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ يُرَادُ بِهَا الْعَهْدُ وَهُوَ الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ الْمَشْرُوعُ فَيَكُونُ وَاحِدَةً ، وَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْوَجْهَيْنِ وَجَبَ أَنْ تُسْأَلَ أَيُّهُمَا أَرَادَتْ ، فَإِنْ قَالَتْ أَرَدْت وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ قَالَتْ لَمْ أُرِدْ
شَيْئًا مِنْهُمَا تَخَرَّجَ فِيهَا التَّأْوِيلَانِ السَّابِقَانِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ ظَهَرَ لِأَنَّهُ مِنْ نَفْسِهِ .
وَفِي جَوَازِ التَّخْيِيرِ : قَوْلَانِ .
( وَفِي جَوَازِ ) إقْدَامِ الزَّوْجِ عَلَى ( التَّخْيِيرِ ) لِزَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ نَقْلُ الْبَاجِيَّ وَعَبْدِ الْحَقِّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَائِلًا مَا عَلِمْت مَنْ كَرِهَهُ إنَّمَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إيقَاعُ الثَّلَاثِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ ( قَوْلَانِ ) وَيُقَابِلُ الْجَوَازَ فِي كَلَامِهِ يُحْتَمَلُ الْمَنْعُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْمُقَابَلَةُ لِلْجَوَازِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ يُمْنَعُ لِمَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ وَتَوْكِيلِهِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ فَعَلَ انْتَزَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْ يَدِهَا مَا لَمْ تُوقِعْ الثَّلَاثَ ، وَيُحْتَمَلُ لِكَرَاهَةٍ وَهُوَ نَقْلُ الْبَاجِّي أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ ، فَتَتَلَخَّصُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْبِسَاطِيِّ وَالْكَرَاهَةُ وَسَطٌ .
وَحَلَفَ فِي اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ ، أَوْ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً وَاحِدَةً .
( وَ ) إنْ قَالَ : اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ فَأَوْقَعَتْ ثَلَاثًا وَقَالَ : لَمْ أُرِدْ إلَّا طَلْقَةً ( حَلَفَ ) الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً ( فِي ) قَوْلِهِ : لِزَوْجَتِهِ ( اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ ) فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَوْ قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ الطَّلَاقَ ، فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ ثَلَاثًا ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ .
( أَوْ ) فِي قَوْلِهِ لَهَا اخْتَارِي ( فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً وَاحِدَةً ) أَوْ فِي أَنْ تُقِيمِي فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ : مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى هَذَا .
" غ " لَفْظُ الْأُمَّهَاتِ اخْتَارِي فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَفِي أَنْ تُقِيمِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّهُ يَكُونُ ثَلَاثًا ، قَالَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ آاللَّهُ مَا أَرَدْت بِقَوْلِك ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً .
قَالَ : وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً قَالَ هِيَ وَاحِدَةٌ .
قُلْت مَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا مَالِكٌ قَالَ هِيَ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ فَأَجَابَ بِمَا أَخْبَرْتُك .
عِيَاضٌ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَوَّاهَا مَعَ قَوْلِهِ اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ وَأَنَّهُ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَكَانَ الْمُرَادُ عِنْدَهُمْ مُحْتَمِلٌ لِإِمْضَاءِ الْفِرَاقِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِلْإِعَادَةِ وَالتَّكْرِيرِ ، سَوَاءٌ سَمَّى التَّطْلِيقَةَ أَمْ لَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ تُقِيمِي وَالْوَاحِدَةُ لَا تُبَيِّنُهَا وَهِيَ مَعَهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمَةِ بَعْدُ .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ يَحْلِفُ لِزِيَادَةِ لَفْظَةٍ ، وَفِي أَنْ تُقِيمِي لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا مَعَ الطَّلْقَةِ مُقِيمَةٌ عَلَى حَالِهَا فِي
عِصْمَتِهِ فَلَمَّا زَادَ ، وَفِي أَنْ تُقِيمِي اُسْتُظْهِرَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ لِذَلِكَ ، فَأَمَّا إذَا أَسْقَطَ هَذَا اللَّفْظَ وَقَالَ : اخْتَارِي فِي تَطْلِيقَةٍ فَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ : إنَّمَا حَلَّفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِقَوْلِهِ وَفِي أَنْ تُقِيمِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْبَيْنُونَةَ لِأَنَّ ضِدَّ الْإِقَامَةِ الْبَيْنُونَةُ فَقَدْ تَضَافَرَتْ هَذِهِ النُّقُولُ عَلَى أَنَّ السِّرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ تُقِيمِي فَعَلَى الْمُصَنِّفِ فِي إسْقَاطِهِ الدَّرَكِ ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ مَا قَضَتْ بِهِ ، وَلَوْلَا زِيَادَةُ أَوْ تُقِيمِي لَقِيلَ عَلَيْهِ كَيْفَ يَحْلِفُ فِي اخْتِيَارِيٍّ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَا يَحْلِفُ فِي اخْتِيَارِيٍّ فِي طَلْقَةٍ .
لَا اخْتَارِي طَلْقَةً .
وَبَطَلَ : إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ ، أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ .
( لَا ) يَحْلِفُ إنْ قَالَ : ( اخْتَارِي طَلْقَةً ) فَأَوْقَعَتْ ثَلَاثًا فَقَالَ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ فَقَطْ بِلَا يَمِينٍ " غ " أَشَارَ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِنْ قَالَ لَهَا : اخْتَارِي فِي طَلْقَةٍ فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْتهَا أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي وَقَدْ يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةً وَلَهُ رَجْعَتُهَا وَلَيْسَتْ فِي الْأُمَّهَاتِ ( وَبَطَلَ ) مَا جَعَلَهُ الزَّوْجُ لَهَا ( إنْ قَضَتْ ) الزَّوْجَةُ الْمُخَيَّرَةُ ( بِ ) طَلْقَةٍ ( وَاحِدَةٍ فِي ) قَوْلِهِ لَهَا ( اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ ) وَيَبْقَى الزَّوْجُ عَلَى مَا كَانَ لَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ لَهَا ( أَوْ فِي قَوْلِهِ ) اخْتَارِي ( فِي تَطْلِيقَتَيْنِ ) بِزِيَادَةٍ فِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ وَبَطَلَ مَا جَعَلَهُ بِيَدِهَا قَالَهُ تت .
طفي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ التَّخْيِيرُ مِنْ أَصْلِهِ ، وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحُ فِي غَيْرِ شَرْحِهِ الصَّغِير وَتَبِعَهُ تت وَ " س " ، وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي صَغِيرِهِ عَلَى بُطْلَانِ مَا قَضَتْ بِهِ مَعَ بَقَاءِ التَّخْيِيرِ ، وَتَبِعَهُ عج ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُطَابِقُ لِلنَّقْلِ ، وَنَظَرَ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ أَرَ هَذَا النَّقْلَ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ يُطَابِقُهُ ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ خِلَافُ مَا زَعَمَهُ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا : اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ا هـ .
فَتَسْوِيَتُهَا بَيْنَ اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ وَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ ، وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ فِي اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ لَهَا الْقَضَاءُ بِهِمَا فَإِنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُوَضِّحُ .
وَمِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ ، فَلَا تَقْضِي إلَّا بِوَاحِدَةٍ وَبَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ ، إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ : كَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا .
( وَإِنْ ) قَالَ لَهَا : اخْتَارِي ( مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَا تَقْضِي ) الزَّوْجَةُ ( إلَّا بِ ) طَلْقَةٍ ( وَاحِدَةٍ ) فَإِنْ قَضَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ نَقَلَهُ الْحَطّ ( وَ ) إنْ خَيَّرَ الْمَدْخُولَ بِهَا تَخْيِيرًا مُطْلَقًا فَأَوْقَعَتْ طَلْقَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ ( بَطَلَ ) التَّخْيِيرُ لَا مَا قَضَتْ بِهِ فَقَطْ ( فِي ) التَّخْيِيرِ ( الْمُطْلَقِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَدٍ مِنْ الطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَ : اخْتَارِي أَوْ خَيَّرْتُك مَثَلًا سَوَاءٌ نَجَّزَهُ أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى نَحْوِ دُخُولِ الدَّارِ ( إنْ قَضَتْ ) الزَّوْجَةُ ( بِدُونِ ) مُتِمِّ الطَّلَاقِ ( الثَّلَاثِ ) فَإِنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ تَكْمِلَةَ الثَّلَاثِ لَمْ يَبْطُلْ مَا قَضَتْ بِهِ ، وَهَذَا فِي تَخْيِيرِ مَدْخُولٍ بِهَا وَلَمْ يَرْضَ بِمَا أَوْقَعَتْهُ ، وَيَصِيرُ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَ تَخْيِيرِهَا لِعُدُولِهَا عَمَّا شُرِعَ لَهَا وَهِيَ الثَّلَاثُ ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ لَزِمَهُ .
وَشَبَّهَ فِي بُطْلَانِ مَا جُعِلَ لَهَا قَالَ ( كَ ) قَوْلِهِ ( طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَشِيئَتِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَقَلَّ مِنْهَا فَيَبْطُلُ مَا أَوْقَعَتْهُ وَمَا بِيَدِهَا لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ
وَوُقِفَتْ ، إنْ اخْتَارَتْ بِدُخُولِهِ عَلَى ضَرَّتِهَا ، وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا فِي الْمُطْلَقِ ، مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ كَمَتَى شِئْت ، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالسُّقُوطِ .
( وَ ) إنْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ الطَّلَاقَ إنْ دَخَلَ عَلَى ضَرَّتِهَا ( وُقِفَتْ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُخَيَّرَةِ أَيْ يُوقِفُهَا الْحَاكِمُ وَيَأْمُرُهَا بِالِاخْتِيَارِ حَالًا وَإِلَّا أُسْقِطَ مَا جُعِلَ لَهَا ( إنْ اخْتَارَتْ ) نَفْسَهَا ( بِ ) شَرْطِ ( دُخُولِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( عَلَى ضَرَّتِهَا ) بِأَنْ قَالَتْ : إنْ دَخَلْت عَلَى ضَرَّتِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي ، وَلَا تُؤَخِّرُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَى ضَرَّتِهَا ابْنُ نَاجِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي الشَّامِلِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ لَهَا نَاجِزًا إنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِتَعْلِيقِهَا وَإِلَّا انْتَظَرَ دُخُولَهُ عَلَى ضَرَّتِهَا ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ بِدُونِ اخْتِيَارِهَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ .
( وَرَجَعَ ) الْإِمَامُ ( مَالِكٌ ) " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فِي الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ بِبَقَاءِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ الْمُطْلَقَيْنِ بِيَدِهَا فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ بِقَدْرِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا تَخْتَارُ فِي مِثْلِهِ ، فَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْهُ أَوْ خَرَجَا عَنْ الْكَلَامِ إلَى كَلَامٍ آخَرَ فَيَبْطُلُ مَا بِيَدِهَا فَرَجَعَ عَنْ هَذَا ( إلَى بَقَائِهِمَا ) أَيْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ( بِيَدِهَا ) أَيْ مِلْكِ الزَّوْجَةِ وَتَصَرُّفِهَا ( فِي ) التَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ ( الْمُطْلَقِ ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان ( مَا لَمْ تُوقَفْ ) أَيْ مُدَّةَ انْتِفَاءِ إيقَافِهَا الْحَاكِمُ فَإِنْ أَوْقَفَهَا فَلَا يَبْقَيَانِ بِيَدِهَا ، فَإِمَّا أَنْ تُجِيبَ أَوْ يُسْقِطَهُ الْحَاكِمُ ( أَوْ تُوطَأْ ) أَوْ تُمَكِّنْهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ عَالِمَةً طَائِعَةً ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمُضِيِّ يَوْمِ تَخْيِيرِهَا لِأَنَّهُ قَسِيمُهُ ، وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ مَا لَمْ تَقُلْ عِنْدَ التَّمْلِيكِ أَوْ التَّخْيِيرِ قَبِلْت أَمْرِي أَوْ رَضِيت وَنَحْوُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَتْرُكْ مَا بِيَدِهَا ، فَإِنْ قَالَتْهُ بَقِيَ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ .
ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا .
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ مَلَّكَ
امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ لِي النَّظَرُ فِي أَمْرِي ، فَقَالَ لَيْسَ لَك هَذَا ، أَوْ قَالَ فَانْظُرِي الْآنَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك ، قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ بِيَدِهَا حَتَّى يُوقِفَهَا السُّلْطَانُ .
ابْنُ رُشْدٍ مَضَى لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الْقَضَاءُ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى يُوقِفَهَا السُّلْطَانُ ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ إذَا قَالَتْهُ بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك تَنْظُرِينَ لِنَفْسِك وَإِنْ انْقَضَى الْمَجْلِسُ ، وَلَوْ رَدَّ قَوْلَهَا لَجَرَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ا هـ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْبَاجِيَّ أَنَّ ظَاهِرَهُ خَرَّجَهَا عَنْ الْخِلَافِ وَلَوْ رَدُّ قَوْلِهَا خِلَافَ مَا فَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَانْظُرْهُ .
وَشُبِّهَ فِي بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ ، فَقَالَ ( كَ ) قَوْلِهِ ( مَتَى شِئْت ) بِكَسْرِ التَّاءِ فَأَمْرُك أَوْ فَاخْتَارِي نَفْسَك فَيَبْقَيَانِ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ أَوْ تُمَكَّنْ ( وَأَخَذَ ) بِفَتَحَاتٍ أَيْ تَمَسَّكَ الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ( بْنُ الْقَاسِمِ ) تِلْمِيذُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ( بِالسُّقُوطِ ) لِلتَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ أَوْ الْخُرُوجِ عَنْ الْكَلَامِ إلَى غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَرَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ثَانِيًا بَاقِيًا عَلَيْهِ إلَى مَوْتِهِ فَهُوَ الرَّاجِحُ ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ .
وَفِي جَعْلِ إنْ شِئْت أَوْ إذَا كَمَتَى أَوْ كَالْمُطْلَقِ ؟ .
تَرَدُّدٌ : .
( وَفِي جَعْلِ ) قَوْلِهِ ( إنْ ) شِئْت ( أَوْ إذَا ) شِئْت فَأَمْرُك بِيَدِك ( كَ ) قَوْلِهِ ( مَتَى ) شِئْت فَأَمْرُك بِيَدِك فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ أَوْ تُمَكِّنْ ( أَوْ ) جَعَلَهُمَا ( كَ ) التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ( الْمُطْلَقِ ) فِي جَرَيَانِ قَوْلَيْ الْإِمَامِ فِيهِمَا ( تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ ، وَقَالَ أَصْبَغُ : إنْ قَالَ إنْ شِئْت فَالْأَمْرُ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوطَأْ ، وَإِنْ قَالَ : إذَا فَيَبْقَى بِيَدِهَا وَلَوْ وُطِئَتْ ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ : إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ إذَا شِئْت فَذَلِكَ بِيَدِهَا وَإِنْ افْتَرَقَا حَتَّى تُوقَفَ أَوْ تُوطَأَ وَكَانَتْ إذَا عِنْدَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَشَدَّ مِنْ إنْ ، ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا .
قَالَ بَعْضُ شَارِحِيهَا إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا لِأَنَّ " إذَا " ظَرْفٌ مُسْتَغْرِقٌ لِلزَّمَانِ الْمُسْتَقِلِّ بِلَا حَدٍّ وَلَا حَصْرٍ ، فَجَعَلَ الطَّلَاقَ بِيَدِهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَشَاؤُهُ فِيهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يُسْقِطُ مَا بِيَدِهَا قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ ، أَوْ يَكُنْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي إنْ لِأَنَّ إنْ لَا تَدُلُّ عَلَى زَمَانٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلشَّرْطِ خَاصَّةً .
عِيَاضٌ تَفْرِيقُ إذَا وَإِنْ حَمَلَهُ الشُّيُوخُ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي إذَا هَلْ تَقْتَضِي الْمُهْلَةَ فَتَكُونُ كَمَتَى أَوْ الشَّرْطَ الْمُجَرَّدَ فَتَكُونُ مِثْلَ إنْ .
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهَا ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْ جَعَلَ إنْ مِثْلَ إذَا وَأَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهَا مَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَوْضُوعُهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ .
أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ كَلَامُ الْفَقِيهَيْنِ أَحَدُهُمَا نَحْوِيٌّ وَالْآخَرُ غَيْرُ نَحْوِيٍّ ، فَفِي الْحَاضِرَةِ يُقَدَّمُ النَّحْوِيُّ ، فَإِنْ خُرِجَ إلَى قَيَاطِينِ الْبَرَابِرِ يَكُونَانِ سَوَاءً .
كَمَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَبَلَغَهَا ، وَإِنْ عَيَّنَ أَمْرًا تَعَيَّنَ .
وَشَبَّهَ فِي التَّرَدُّدِ فَقَالَ ( كَمَا إذَا كَانَتْ ) الزَّوْجَةُ ( غَائِبَةً ) عَنْ زَوْجِهَا حِينَ تَخْيِيرِهَا أَوْ تَمْلِيكِهَا ( وَبَلَغَهَا ) أَيْ التَّخْيِيرُ أَوْ التَّمْلِيكُ الزَّوْجَةَ فَهَلْ يَبْقَى بِيَدِهَا إنْ لَمْ يَطُلْ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ حَتَّى يُتَبَيَّنَ رِضَاهَا بِإِسْقَاطِهِ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ ، وَحُكِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ الْحَاضِرَةِ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ طَرِيقُ اللَّخْمِيِّ فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ .
( وَإِنْ عَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الزَّوْجُ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ ( أَمْرًا ) كَتَقْيِيدِهِ اخْتِيَارَهَا بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان ( تَعَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا فَإِذَا انْقَضَى مَا عَيَّنَهُ سَقَطَ حَقُّهَا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَمَضَى يَوْمُ تَخْيِيرِهَا ، وَالْمَكَانُ مِثْلُ الزَّمَانِ بِدَلِيلِ تَعْمِيمِهِ هُنَا ، وَكِلَاهُمَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَطَّلِعْ الْحَاكِمُ وَإِلَّا وُقِفَتْ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَشَمِلَ كَلَامُهُ : نَحْوَ أَمْرُك بِيَدِك مَتَى شِئْت فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ .
وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي أَوْ بِالْعَكْسِ ، فَالْحُكْمُ لِلْمُتَقَدِّمِ ، .
وَهُمَا فِي التَّنْجِيزِ لِتَعْلِيقِهِمَا بِمُنَجِّزٍ وَغَيْرِهِ : كَالطَّلَاقِ .
( وَإِنْ قَالَتْ ) الزَّوْجَةُ الْمُخَيَّرَةُ أَوْ الْمُمَلَّكَةُ ( اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي أَوْ ) قَالَتْ كَلَامًا مُتَلَبِّسًا ( بِالْعَكْسِ ) لِلتَّرْتِيبِ السَّابِقِ بِأَنْ قَالَتْ : اخْتَرْت زَوْجِي وَنَفْسِي ( فَالْحُكْمُ لِلْمُتَقَدِّمِ ) مِنْ النَّفْسِ وَالزَّوْجِ ، وَيُعَدُّ الثَّانِي نَدَمًا فَإِنْ قَدَّمَتْ النَّفْسَ فَقَدْ اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ ، وَإِنْ قَدَّمَتْ الزَّوْجَ فَقَدْ اخْتَارَتْ الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ .
وَرَدَّتْ مَا جَعَلَهُ لَهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ : وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْتهمَا فَكَتَقْدِيمِ نَفْسِهَا وَلَا يُنْظَرُ لِلتَّقَدُّمِ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الزَّوْجِ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ ، فَإِنْ شُكَّ فِي الْمُقَدَّمِ فَلَا طَلَاقَ كَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا ( وَهُمَا ) أَيْ التَّخْيِيرُ وَالتَّمْلِيكُ ( فِي التَّنْجِيزِ ) عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونُ أَمْرُ الزَّوْجَةِ بِيَدِهَا بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ الصِّيغَةِ ( لِتَعَلُّقِهِمَا ) أَيْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فَاللَّامُ التَّعْلِيلِ ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَافِ وَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا عَلَى حَدِّهَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ } ، أَيْ لِتَعْلِيقِهِمَا ( بِ ) شَيْءٍ ( مُنَجِّزٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةً أَيْ مُقْتَضٍ لِلتَّنْجِيزِ كَمُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ يَبْلُغَانِهِ عَادَةً كَأَمْرُكِ بِيَدِك بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ عَامٍ أَوْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ أَوْ بِمَا لَا صَبْرَ عَنْهُ كَأَنْ قُمْت أَوْ مُحْتَمَلٍ غَالِبٍ كَأَنْ حِضْت .
( وَ ) هُمَا فِي ( غَيْرِهِ ) أَيْ عَدَمُ التَّنْجِيزِ لِتَعْلِيقِهِمَا بِغَيْرِ مُنَجِّزٍ كَمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ كَأَنْ لَمَسْت السَّمَاءَ ، أَوْ شَرِبْت الْبَحْرَ ، أَوْ حَمَلْت الْجَبَلَ ، أَوْ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبٍ كَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَخَبَرُهُمَا فِي التَّنْجِيزِ وَغَيْرِهِ ( كَالطَّلَاقِ ) فَلَا يَثْبُتُ لَهَا حَقٌّ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ الْمُحْتَمَلِ غَيْرِ الْغَالِبِ .
وَلَوْ عَلَّقَهُمَا بِمَغِيبِهِ شَهْرًا فَقَدِمَ وَلَمْ تَعْلَمْ وَتَزَوَّجَتْ فَكَالْوَلِيَّيْنِ .
( وَلَوْ عَلَّقَهُمَا ) أَيْ الزَّوْجُ التَّخْيِيرَ وَالتَّمْلِيكَ ( بِمَغِيبِهِ ) أَيْ غَيْبَةِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ ( شَهْرًا ) بِأَنْ قَالَ : إنْ غِبْت عَنْك شَهْرًا فَأَمْرُك بِيَدِك تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا ( فَ ) غَابَ وَ ( قَدِمَ ) مِنْ سَفَرِهِ إلَى بَلَدِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الشَّهْرِ ( وَلَمْ تَعْلَمْ ) الزَّوْجَةُ بِقُدُومِهِ حَتَّى تَمَّ الشَّهْرُ فَأَثْبَتَتْ تَعْلِيقَهُ وَغَيْبَتَهُ وَحَلَفَتْ أَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ لَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ( وَتَزَوَّجَتْ ) غَيْرَهُ أَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ سَيِّدُهَا ثُمَّ أَثْبَتَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ قُدُومَهُ إلَى بَلَدِهَا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ ( فَ ) حُكْمُهَا ( كَ ) حُكْمِ ذَاتِ ( الْوَلِيَّيْنِ ) فِي أَنَّهَا إنْ دَخَلَ أَوْ تَلَذَّذَ الثَّانِي بِهَا غَيْرَ عَالِمَيْنِ بِقُدُومِ الْأَوَّلِ فَهِيَ لِلثَّانِي ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ .
وَمَفْهُومُ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ بِقُدُومِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الشَّهْرِ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَتَزَوَّجَتْ فَلَا تَكُونُ لِلثَّانِي ، وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا ، وَالظَّاهِرُ حَدُّهَا إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ إقْرَارُهَا بِعِلْمِهَا بِهِ قَبْلَ عَقْدِ الثَّانِي أَوْ قَبْلَ تَلَذُّذِهِ بِهَا وَإِلَّا فَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهَا لِاتِّهَامِهَا بِمَحَبَّةِ الْأَوَّلِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى فَسْخِ عَقْدِ الثَّانِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
وَبِحُضُورِهِ وَلَمْ تَعْلَمْ ؛ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا .
( وَ ) لَوْ عَلَّقَ الزَّوْجُ تَخْيِيرَ زَوْجَتِهِ أَوْ تَمْلِيكَهَا ( بِحُضُورِهِ ) أَيْ عَلَى قُدُومِ غَائِبٍ غَيْرِهِ مِنْ سَفَرِهِ بِأَنْ قَالَ لَهَا : إنْ حَضَرَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ فَأَمْرُك بِيَدِك تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا وَحَضَرَ فُلَانٌ ( وَلَمْ تَعْلَمْ ) الزَّوْجَةُ بِحُضُورِهِ ( فَهِيَ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( عَلَى خِيَارِهَا ) فِي الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ مَتَى عَلِمَتْ وَلَوْ بَعْدَ وَطْئِهَا طَائِعَةً حَتَّى تُمَكِّنَهُ عَالِمَةً بِحُضُورِهِ طَائِعَةً .
" غ " يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِتَنْكِيرِ حُضُورٍ غَيْرِ مُضَافٍ لِلضَّمِيرِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَاخْتَارِي فَلَهَا ذَلِكَ إذَا قَدِمَ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْئِهَا ، وَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ قُدُومِ فُلَانٍ وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِقُدُومِهِ إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ فَلَهَا الْخِيَارُ حِينَ تَعْلَمُ .
وَاعْتُبِرَ التَّنْجِيزُ قَبْلَ بُلُوغِهَا ، وَهَلْ إنْ مَيَّزَتْ أَوْ مَتَى تُوطَأُ ؟ قَوْلَانِ .
( وَ ) إنْ مَلَّكَ أَوْ خَيَّرَ صَغِيرَةً وَنَجَّزَتْ بِاخْتِيَارِ بَقَاءٍ أَوْ طَلَاقٍ ( اُعْتُبِرَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ ( التَّنْجِيزُ ) لِجَوَابِ التَّوْكِيلِ أَوْ التَّخْيِيرُ أَوْ التَّمْلِيكُ سَوَاءٌ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ بَقَاءٍ عَلَى الْعِصْمَةِ مِنْ زَوْجَةٍ مُمَيِّزَةٍ ( قَبْلَ بُلُوغِهَا ) الْحُلُمَ .
( وَهَلْ ) يُعْتَبَرُ تَنْجِيزُهَا ( إنْ مَيَّزَتْ ) سَوَاءٌ أَطَاقَتْ الْوَطْءَ أَوْ لَمْ تُطِقْهُ وَهُوَ سَمَاعُ عِيسَى إذَا عَرَفَتْ مَا مَلَكَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغًا يُوطَأُ مِثْلُهَا فِيهِ فَاعْتُبِرَ التَّمْيِيزُ فَقَطْ ( أَوْ ) يُعْتَبَرُ تَنْجِيزُهَا ( مَتَى ) تَبْلُغُ سِنًّا ( تُوطَأُ ) فِيهِ زِيَادَةً عَنْ تَمْيِيزِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجَوَابِ ( قَوْلَانِ ) فَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ فَلَا يُعْتَبَرُ تَنْجِيزُهَا وَيَسْتَأْنِي بِهَا التَّمْيِيزُ وَحْدَهُ أَوْ وَإِطَاقَةُ الْوَطْءِ ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ إدْخَالُ " هَلْ " عَلَى إنْ مَيَّزَتْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ ، فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا عَنْهُ بِأَنْ يَقُولَ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ مَتَى تُوطَأُ .
وَلَهُ التَّفْوِيض لِغَيْرِهَا .
( وَ ) يَجُوزُ ( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( التَّفْوِيضُ ) فِي عِصْمَةِ زَوْجَتِهِ تَوْكِيلًا أَوْ تَمْلِيكًا أَوْ تَخْيِيرًا ( لِغَيْرِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَهَا أَوْ لَا ، بَالِغًا أَوْ لَا ، مُسْلِمًا أَوْ لَا ، شَرِكَهَا مَعَهُ أَوْ لَا ، عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ ؟ قَوْلَانِ .
.
( وَ ) إنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ شَخْصًا عَلَى تَفْوِيضِ أَمْرِ زَوْجَتِهِ لَهَا تَوْكِيلًا أَوْ تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا فَ ( هَلْ لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( عَزْلُ وَكِيلِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ عَلَى تَفْوِيضِ أَمْرِ الْعِصْمَةِ لِلزَّوْجَةِ تَوْكِيلًا أَوْ تَمْلِيكًا أَوْ تَخْيِيرًا أَوْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ ( قَوْلَانِ ) هَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَعَلَيْهِ فَضَمِيرُ وَكِيلِهِ لِلتَّفْوِيضِ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ أَوْ التَّخْيِيرِ .
وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ بِحَمْلِهِ عَلَى الْوَكِيلِ الْحَقِيقِيِّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلزَّوْجِ عَزْلَ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ كَمَا جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا مَا فِي الْحَطّ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِغَيْرِهِ : طَلِّقْ امْرَأَتِي فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّمْلِيكِ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ أَوْ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَهُ عَزْلُهُ ، هَذَا الَّذِي يُفِيدُهُ أَبُو الْحَسَنِ وَ " ق " و " غ " ، قَالَ وَحَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى وَحْيٍ يُسْفِرُ عَنْهُ .
وَعِبَارَةُ ابْنِ غَازِيٍّ هَكَذَا هُوَ فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ .
وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْوَكِيلِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْمُمَلَّكِ وَالْمُخَيَّرِ وَالرَّسُولِ ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَهُ مَا لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ كَمَا جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَجَوَّزَ فِيهِ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْمُمَلَّكِ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : وَإِذَا أَمْلَكَهَا أَمْرَهَا أَوْ مَلَّكَهُ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ بَدَا لَهُ عَزْلُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالْأَمْرُ إلَيْهِمَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي هَذَا
خِلَافًا .
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تُنْكِرُ وُجُودَ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْأَصْلِ .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ قَالَ لِخَتَنَتِهِ إذَا تَكَارَيْتِ لِابْنَتِكِ وَخَرَجْتِ بِهَا مِنْ الْقَرْيَةِ فَأَمْرُهَا بِيَدِك فَتَكَارَتْ لَهَا لِتُخْرِجَهَا فَأَبَى وَبَدَا لَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
قُلْت قَدْ تَأَوَّلَ الْبَاجِيَّ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَقَالَ : مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّ الرُّجُوعَ فِي سَبَبِ التَّمْلِيكِ بِأَنْ يَمْنَعَ أُمَّهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِهَا وَلَوْ أَخْرَجَتْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي التَّمْلِيكِ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ زَرْقُونٍ وَغَيْرُهُ كَابْنِ عَرَفَةَ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا كَوْنَهُ خِلَافًا لَكَانَ مِنْ الشُّذُوذِ بِمَكَانٍ ، فَكَيْفَ يُعَادِلُهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَلِابْنِ مُحْرِزٍ تَحْرِيرٌ عَجِيبٌ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّخْيِيرُ وَالتَّمْلِيكُ تَوْكِيلٌ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى الطَّلَاقِ وَتَمْلِيكٌ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَزْلَ فِيهِ لِمَا تَعَلَّقَ لِلْمُخَيَّرَةِ وَالْمُمَلَّكَةِ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ وَإِنْ هُوَ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ رَجُلٍ إرَادَةَ مُوَافَقَتِهَا بِذَلِكَ وَإِدْخَالِ الْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُمْنَعَ مِنْ عَزْلِهِ لِحَقِّهَا وَيُؤْمَرَ هَذَا الَّذِي جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهِ أَنْ لَا يَقْضِيَ إلَّا بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُوَافِقُهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ مُوَافَقَتَهَا فَهِيَ وَكَالَةٌ كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ عَلَى أَنْوَاعِ الْمَمْلُوكَاتِ إنْ شَاءَ أَقَرَّ مَنْ وَكَّلَهُ وَإِنْ شَاءَ عَزَلَهُ ا هـ .
فَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ كَلَامَ ابْنِ مُحْرِزٍ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِالْقَوْلَيْنِ فَعِبَارَتُهُ غَيْرُ وَافِيَةٍ بِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ فِي الْمَعْنَى ، نَعَمْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ اُنْظُرْ إذَا مَلَّكَ غَيْرَ الزَّوْجَةِ ، وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ أَسْقَطْت حَقِّي فِي التَّمْلِيكِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَ الْمُمَلَّكَ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا عَدَمَ عَزْلِ