كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش
الْأَنْفِ .
وَبَعْضُ الْمَغَارِبَةِ يَأْخُذُ خَيْطًا وَيُثَبِّتُهُ وَيُدِيرُهُ بِرَقَبَتِهِ وَيَجْمَعُ طَرَفَيْهِ فِي أَسْنَانِهِ ، فَإِنْ دَخَلَ رَأْسُهُ مَعَهُ فَقَدْ بَلَغَ وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا فَقَدْ رَأَيْت فِي كُتُبِ التَّشْرِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْإِنْسَانُ تَغْلُظُ حَنْجَرَتُهُ وَيَضْمَحِلُّ صَوْتُهُ فَتَغْلُظُ رَقَبَتُهُ وَجَرَّبَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ فَصَدَّقَهُ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ مَا قَرَّرَ بِهِ " ز " هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَخِلَافُ مَا فِي " ق " عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَرِيقَةٌ ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لَهَا ، وَلِطَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ وَذَكَرَهُمَا فِي ضَيْح وَنَصُّهُ : وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةٌ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ بَنِي قُرَيْظَةَ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُنْظُرُوا إلَى مُؤْتَزَرِهِ فَمَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ } .
وَلِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَامَةً عَلَى الْبُلُوغِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْقَطْعِ ، وَحَمَلَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّينَ .
قَالَ : وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَلَامَةٍ ا هـ .
( وَصُدِّقَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الصَّبِيُّ فِي إخْبَارِهِ بِأَنَّهُ بَلَغَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ .
الْحَطّ زَرُّوقٌ فَأَمَّا الِاحْتِلَامُ وَالْحَيْضُ وَالْحَمْلُ فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا عَلَامَاتٍ ، وَيُصَدَّقُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا ، وَكَذَا عَنْ الْإِنْبَاتِ وَلَا تُكْشَفُ عَوْرَتُهُ ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ يُنْظَرُ فِي الْمِرْآةِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ قَائِلًا لَا يُنْظَرُ لِلْعَوْرَةِ وَلَا إلَى صُورَتِهَا ، وَيُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ حَيْثُ جُهِلَ التَّارِيخُ ( إنْ لَمْ يُرَبْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ يُشَكَّ فِي
صِدْقِهِ ، فَإِنْ اُرْتِيبَ فِي صِدْقِهِ فَلَا يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَ طَالِبًا كَمُدَّعِيهِ لِيُقْسَمَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ مَطْلُوبًا كَجَانٍ ادَّعَى عَلَيْهِ بُلُوغَهُ لِيُحَدَّ قَالَهُ تت .
عج الْمُعْتَمَدُ تَصْدِيقُهُ إذَا كَانَ مَطْلُوبًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ } ، وَفِي كَلَامِ " ق " مَا يُفِيدُهُ ، وَتَبِعَهُ الْخَرَشِيُّ وعب قَالَ فَإِنْ اُرْتِيبَ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَيُصَدَّقُ فِي الْجِنَايَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ ، وَفِي الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ صِبَاهُ ، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ ، وَاسْتُثْنِيَ دَعْوَى الْحَمْلِ فَيُنْتَظَرُ ظُهُورُهُ إنْ كَانَ خَفِيًّا ، وَيَدُلُّ قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ بِدَعْوَاهَا الْحَمْلَ بَلْ بِظُهُورِهِ وَحَرَكَتِهِ قَالَهُ " د " ، فِي الْحَطّ أَنَّهَا تُصَدَّقُ ا هـ .
الْحَطّ وَمِنْهُ أَيْ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ تُرِيدُ النِّكَاحَ وَتَدَّعِي الْبُلُوغَ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَوْ تُكْشَفُ فَأَجَابَ يُقْبَلُ قَوْلُهَا ا هـ .
وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ ؛
( وَ ) إنْ تَصَرَّفَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ أَوْ سَفِيهٌ فِي الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَ ( لِلْوَلِيِّ ) عَلَيْهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ مُقَدَّمِ الْقَاضِي أَوْ الْقَاضِي ( رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ ) بِمُعَاوَضَةٍ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَهُ إمْضَاؤُهُ ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ سَدَادًا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَصْبَغَ لِوُقُوعِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ ، وَأَشْعَرَ تَخْيِيرُهُ بِأَنَّهُ رَدُّ إبْطَالٍ وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَمَفْهُومُ " مُمَيِّزٍ " أَنَّ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَحْرَى ، وَقُيِّدَ الرَّدُّ بِمَا فِي الْمُتَيْطِيَّةِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى يَتِيمٍ مُوَلًّى عَلَيْهِ ، وَاشْتَرَطَ عَدَمَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيهِ لِوَصِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ شَرْطُهُ .
ابْنُ فَرْحُونٍ وَبِهِ الْفَتْوَى وَفِيهِ خِلَافٌ أَفَادَهُ تت .
الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ " ح " هَذَا الْفَرْعَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي ، وَلِغَيْرِهِ مَنْ أُذِنَ لَهُ الْقَبُولُ إلَخْ ، وَجَعْلُ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ هُوَ الْمَشْهُورُ .
ثُمَّ قَالَ : وَاعْتُرِضَ هَذَا وَضُعِّفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } وَقَالَ فِي الْتِزَامَاتِهِ عَقِبَ هَذَا الْفَرْعِ قُلْت فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ لَا تَجُوزُ ، وَإِطْلَاقَ يَدِ السَّفِيهِ عَلَى الْمَالِ إضَاعَةٌ لَهُ فَالصَّوَابُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْحَطّ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُمَيِّزِ الْمَحْجُورَ ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ بَالِغًا سَفِيهًا وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا فَقَالَ : رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ مَحْجُورٍ لَكَانَ أَبَيْنَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ لِلْإِبَاحَةِ وَأَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَالْإِمْضَاءَ ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لَا بِحَسَبِ شَهْوَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ، فَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ إلَّا بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فَهُوَ مَعْزُولٌ بِظَاهِرِ النَّصِّ عَنْ غَيْرِ الْأَحْسَنِ ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ لَهُ الْإِجَازَةَ وَالرَّدَّ
فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ بِعِوَضٍ .
وَأَمَّا التَّبَرُّعَاتُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّهَا ، فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ ، وَالْمَحِيضَ مِنْ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ مِنْ هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا عَطِيَّةٍ وَلَا عِتْقٍ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ فَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ فَعَلَ مَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِمَّا يَخْرُجُ عَلَى عِوَضٍ وَلَا يَقْصِدُ فِيهِ إلَى مَعْرُوفٍ وُقِفَ عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ ، فَإِنْ رَآهُ سَدَادًا أَوْ غِبْطَةً أَجَازَهُ ، وَإِنْ رَآهُ بِخِلَافِهِ رَدَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قُدِّمَ لَهُ وَلِيٌّ يَنْظُرُ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ ، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ حَتَّى وَلِيَ أَمْرَهُ فَلَهُ إجَازَةُ ذَلِكَ أَوْرَدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ كَانَ سَدَادًا إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى خِلَافِهِ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ نَمَاءٍ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ نُقْصَانٍ فِيمَا ابْتَاعَهُ .
وَلَهُ إنْ رَشَدَ ، وَلَوْ حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، أَوْ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ إنْ لَمْ يُؤَمَّنْ عَلَيْهِ
( وَ ) إنْ تَصَرَّفَ الْمُمَيِّزُ فِي مَالِهِ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ لَهُ وَلِيٌّ وَلَمْ يَعْلَمْ تَصَرُّفَهُ قَبْلَ رُشْدِهِ فَ ( لَهُ ) أَيْ الْمُمَيِّزِ رَدُّ تَصَرُّفِ نَفْسِهِ ( إنْ رَشَدَ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ صَارَ رَشِيدًا مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ إنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ أَوْ بِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ ، بَلْ وَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ بُلُوغِهِ بِيَمِينٍ ( حَنِثَ ) فِيهَا ( بَعْدَ بُلُوغِهِ ) رُشْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، سَوَاءٌ لَمْ يَقَعْ تَصَرُّفُهُ الْمَوْقِعَ ( أَوْ وَقَعَ ) تَصَرُّفُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ ( الْمَوْقِعَ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْقَافِ ، أَيْ وَافَقَ وَنَظَرًا مِمَّا كَانَ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَنْقُضَهُ إنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ نَمَاءٍ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ نُقْصَانٍ فِيمَا ابْتَاعَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَالْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ .
( وَضَمِنَ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ الْمُمَيِّزُ ( مَا ) أَيْ شَيْئًا ( أَفْسَدَ ) هـ الْمُمَيِّزُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ ( إنْ لَمْ يُؤَمَّنْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْمِيمِ مُثَقَّلًا أَيْ لَمْ يُجْعَلْ الْمُمَيِّزُ أَمِينًا ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَالِ الْمُفْسَدِ مِنْ مَالِكِهِ الرَّشِيدِ ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أُمِّنَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَمَفْهُومُ الْمُمَيِّزِ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَهُ دَمًا كَانَ أَوْ مَالًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ .
ثَانِيهَا أَنَّهُ كَالْمُمَيِّزِ .
ثَالِثُهَا إهْدَارُ الْمَالِ وَدِيَةُ الدَّمِ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ ضَمِنَ أَنَّ أَبَاهُ لَا يُتْبَعُ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُضْمَنُ كَالْخَمْرِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
ابْنُ رُشْدٍ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ : وَيَلْزَمُهُ مَا أَفْسَدَ وَكَسَرَ مِمَّا لَمْ يُؤَمَّنْ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا أَفْسَدَهُ وَكَسَرَهُ مِمَّا ائْتُمِنَ عَلَيْهِ
وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ عِتْقُ مَا حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهِ وَحَنِثَ فِيهِ حَالَ صِغَرِهِ .
وَاخْتُلِفَ فِيمَا حَلَفَ بِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ وَحَنِثَ بِهِ فِي حَالِ رُشْدِهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ .
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يَلْزَمُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ يَمِينٌ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ ، فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ حَقَّهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا تَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينٌ ثَانِيَةٌ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحُقُوقِ وَالْأَحْكَامِ ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ، وَذَكَرَ مِنْهَا الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ } ا هـ .
عب وَضَمِنَ الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ خِلَافًا لتت .
مَا أَفْسَدَ فِي مَالِهِ وَلَا يُتْبَعُ بِثَمَنِهِ فِي ذِمَّتِهِ إنْ لَمْ يُؤَمَّنْ عَلَيْهِ إلَّا ابْنَ شَهْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْعَجْمَاءِ فِي فِعْلِهِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ أُمِّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُصَوِّنَ بِهِ مَالَهُ فَيَضْمَنَ فِي الْمَالِ الَّذِي صَوَّنَهُ ، أَيْ حَفِظَهُ خَاصَّةً ، فَإِنْ تَلِفَ وَأَفَادَ غَيْرُهُ فَلَا يَضْمَنُ فِيهِ ، وَإِنْ بَاعَ مَا أُمِّنَ عَلَيْهِ وَصَوَّنَ بِهِ مَالَهُ فِي نَفَقَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ مِنْ مَالِهِ إلَّا قَدْرَ مَا صَوَّنَهُ ، وَظَاهِرٌ وَلَوْ كَانَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ يُسَاوِي أَكْثَرَ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْمَنْقُولُ فِيمَا يُتْلِفُهُ الْمَجْنُونُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْمَالُ فِي مَالِهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ .
الثَّانِي : أَنَّهُمَا هَدَرٌ الثَّالِثُ : الْمَالُ هَدَرٌ ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ .
الْبُنَانِيُّ : قَوْلُهُ فِي مَالِهِ وَلَا
يُتْبَعُ بِثَمَنِهِ فِي ذِمَّتِهِ تَبِعَ فِيهِ عج قَائِلًا ذَكَرَهُ الرَّجْرَاجِيُّ ، قَالَ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ .
طفي هَذَا وَهْمٌ فَاحِشٌ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ ، بَلْ يُتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَنَصُّهَا : وَمَنْ أَوْدَعْته وَدِيعَةً فَاسْتَهْلَكَهَا ابْنُهُ الصَّغِيرُ فَهِيَ فِي مَالِ الِابْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ : وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالدِّيَةُ عَلَى حُكْمِ الْخَطَأِ ، وَالْكَبِيرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي جِنَايَتِهِ كَالْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ .
وَكَلَامُ الرَّجْرَاجِيِّ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ عج عَلَى مَا قَالَ نَقَلَهُ " ح " فِي التَّنْبِيهِ التَّاسِعِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الصَّبِيُّ فِيمَا بَاعَهُ وَأَنْفَقَهُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَمْ لَا ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ " ح " .
ا هـ .
أَيْ فِي التَّنْبِيهِ الثَّامِنِ ، فَإِنَّ سِيَاقَهُ فِيهِ يُفِيدُ مَا قَالَهُ طفي ، وَذَكَرَ الْمِسْنَاوِيُّ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ طفي ، ثُمَّ قَالَ : وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِ الرَّجْرَاجِيِّ فِي أَصْلِهِ فَوَجَدْته وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُوَافِقًا لِمَا ظَنَنَّاهُ ، وَنَصُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَعْقُودَةِ لِمَا يَلْزَمُ السَّفِيهَ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْخُصُوصِ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ عَنْ عِوَضٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَعْرُوفُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قَدَّمَ الْقَاضِي نَاظِرًا يَنْظُرُ لَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرَ الْوَصِيِّ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى مَلَكَ أَمْرَ نَفْسِهِ كَانَ هُوَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ وَإِجَازَتِهِ ، فَإِنْ رَدَّ بَيْعَهُ أَوْ ابْتِيَاعَهُ وَكَانَ أَتْلَفَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ أَوْ السِّلْعَةَ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُنْفِقَ الثَّمَنَ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ
أَوْ فِي غَيْرِهِ .
فَإِنْ أَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ وَاجِبِهِ مِمَّا هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى فَلَا يُتْبَعُ بِهِ وَلَا يَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ أَنْفَقَهُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا يَلْزَمُهُ إقَامَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَهَلْ يُتْبَعُ بِهِ فِي مَالِهِ أَوْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مُتَأَوَّلَيْنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ ا هـ .
الْمُرَادُ مِنْهُ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا : وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ جِنَايَةَ الصَّغِيرِ عَلَى الْمَالِ لَازِمَةٌ لِمَالِهِ وَذِمَّتِهِ .
ا هـ .
قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ يُسَاوِي كَثِيرًا إلَخْ ، هَذَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ ، فَفِي التَّوْضِيحِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ فَأَتْلَفَهُ فَلَا يَضْمَنُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ سَلَّطَ عَلَيْهَا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ .
اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَصْرِفَا ذَلِكَ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ ، وَلَهُمَا مَالٌ فَيُرْجَعَ عَلَيْهِمَا بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَتْلَفَا أَوْ صَوَّنَا مِنْ مَالِهِمَا ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْمَالُ ثُمَّ أَفَادَا غَيْرَهُ فَلَا رُجُوعَ عَلْيِهِمَا فِيهِ .
ا هـ .
وَبِالرُّجُوعِ بِالْأَقَلِّ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ : وَالْمَنْقُولُ فِيمَا يُتْلِفُهُ الْمَحْجُورُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ إلَخْ ، هَذِهِ الْأَقْوَالُ حَكَاهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ .
وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ فَالصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مِثْلُ الْمَجْنُونِ فِي الْمَالِ وَالدَّمِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَهُوَ أَنَّ جِنَايَتَهُمَا عَلَى الْمَالِ فِي مَالِهِمَا وَعَلَى الدَّمِ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ ، فَفِي مَالِهِمَا فَهُمَا كَالْمُمَيِّزِ فِي هَذَا كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِهِ
فِي التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ ، زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَلَا التَّمْيِيزُ .
اللَّقَانِيُّ هَذَا مُقْتَضَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ ، بِخِلَافِ السُّكْرِ ، وَعَمْدُهُمَا كَخَطَأٍ فَتَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا إنْ بَلَغَتْ .
الثُّلُثَ ، وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ .
ا هـ .
أَيْ إنْ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ فَفِي مَالِ الْجَانِي أَوْ ذِمَّتِهِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
اللَّقَانِيُّ فَظَاهِرُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ فِي ضَيْح .
الْمِسْنَاوِيُّ وَعَلَيْهِ فَالذِّمَّةُ ثَابِتَةٌ لِلْجَمِيعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّمْيِيزُ فَضْلًا عَنْ التَّكْلِيفِ ا هـ .
وَبِرُجْحَانِ هَذَا الْقَوْلِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ إلَخْ يَشْمَلُ الْمُمَيِّزَ وَغَيْرَهُ وَالْمَجْنُونَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ كَالسَّفِيهِ إنْ لَمْ يُخَلِّطْ إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ
( وَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ ) أَيْ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ ، وَشَبَّهَ فِي الصِّحَّةِ فَقَالَ ( كَ ) وَصِيَّةِ ( السَّفِيهِ ) أَيْ الْبَالِغِ الَّذِي لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِأَجْلِهِمَا وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِمَا فِيهَا لَكَانَ لِغَيْرِهِمَا ( إنْ لَمْ يُخَلِّطْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً يَحْتَمِلُ أَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ قَبْلُ وَبَعْدَهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ضَمِيرُ السَّفِيهِ لِقُرْبِهِ ، وَقَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِهِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا عَادَةُ الْمُصَنِّفِ مِنْ إرْجَاعِ الشَّرْطِ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ضَمِيرُ الْأَحَدِ أَوْ الْمَذْكُورِ الصَّادِقِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَفَسَّرَ اللَّخْمِيُّ عَدَمَ التَّخْلِيطِ بِإِيصَائِهِ بِقُرْبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ وَأَبُو عِمْرَانَ التَّخْلِيطُ بِأَنْ يَذْكُرَ فِي كَلَامِهِ مَا يُبَيِّنُ عَدَمَ مَعْرِفَتِهِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ .
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ خَلَّطَ لَمْ تَصِحَّ وَعَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي سِنِّ مَنْ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فَقِيلَ عَشْرٌ أَوْ أَقَلُّ بِيَسِيرٍ أَوْ سَبْعٌ وَهُمَا لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، أَوْ إذَا رَاهَقَ وَهُوَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ يُنْظَرُ لِحَالِ كُلٍّ بِانْفِرَادِهِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّخْمِيُّ ، وَاسْتُظْهِرَ .
وَيَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَى الصَّبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِهِ ( إلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ ) أَيْ الْبُلُوغِ ، وَظَاهِرُهُ انْفِكَاكُ الْحَجْرِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ وَحِفْظِ الْمَالِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْمَازِرِيُّ إذْ اللَّازِمُ لِلْحَاجِرِ حِفْظُ الْمَالِ لَا التَّجْرِبَةُ فَمَالِكُهُ أَوْلَى .
وَقِيلَ يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ حُسْنِ التَّنْمِيَةِ إذْ لَوْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَأَتْلَفَ مَالَهُ قَالَهُ تت .
الْحَطّ هَذَا حَدُّ الرُّشْدِ الَّذِي لَا يُحْجَرُ عَلَى صَاحِبِهِ بِاتِّفَاقٍ .
وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَجْرِ هَلْ هُوَ ذَلِكَ أَيْضًا أَوْ يُزَادُ فِيهِ حُسْنُ التَّنْمِيَةِ ،
ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ اشْتِرَاطُ الثَّانِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّشِيدِ الْعَدَالَةُ ، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْيَتِيمُ فَاسِقًا مَرِيدًا وَكَانَ مَعَ هَذَا نَاظِرًا فِي مَالِهِ غَابِطًا لَهُ وَجَبَ إطْلَاقُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَلَمْ يَكُنْ نَاظِرًا فِي مَالِهِ فَلَا يَجِبُ إطْلَاقُهُ مِنْهَا .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ صِفَةُ مَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْرَارِ أَنْ يَكُونَ يُبَذِّرُ مَالَهُ سَرَفًا فِي لَذَّاتِهِ مِنْ الشَّرَابِ وَالْفِسْقِ وَغَيْرِهِ ، وَيَسْقُطُ فِيهِ سُقُوطَ مَنْ لَا يَعُدُّ الْمَالَ شَيْئًا وَأَمَّا مَنْ أَحْرَزَ مَالَهُ وَأَنْمَاهُ وَهُوَ فَاسِقٌ فِي حَالِهِ غَيْرُ مُبَذِّرٍ لِمَالِهِ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عِنْدَ وَصِيٍّ قَبَضَهُ وَيُحْجَرُ عَلَى الْبَالِغِ السَّفِيهِ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا وَلَا يَتَوَلَّى حَجْرَهُ إلَّا الْقَاضِي ، قِيلَ : وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ قَالَ الْقَاضِي أَحَبُّ إلَيَّ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلَدِهِ أَتَى بِهِ إلَى الْإِمَامِ يَحْجُرُ عَلَيْهِ وَشَهَّرَهُ فِي الْجَامِعِ وَالْأَسْوَاقِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ ، فَمَنْ بَاعَهُ أَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ بَعْدَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ .
عِيَاضٌ : قَوْلُهُ : أَحَبُّ إلَيَّ لِلْوُجُوبِ ، وَقَدْ قَالَ شُيُوخُنَا الْحَجْرُ : يَخْتَصُّ بِهِ الْقُضَاةُ دُونَ سَائِرِ الْحُكَّامِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ .
ا هـ .
وَالسَّفَهُ ضِدُّهُ فَهُوَ عَدَمُ حِفْظِ الْمَالِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا ، سَوَاءٌ صَرَفَهُ فِي الْمُبَاحَاتِ أَوْ الْمُحَرَّمَاتِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ ، وَاعْتَرَضَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ " صَرَفَ فِي اللَّذَّاتِ الْمُحَرَّمَةِ " ، قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَالَ : قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ إلَى حِفْظِ
مَالِ ذِي الْأَبِ بَعْدَهُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجْرِ بِبُلُوغِهِ ، بَلْ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إلَى ظُهُورِ رُشْدِهِ ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجْرِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَإِنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ ، فَإِذَا بَلَغَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَجَرَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ حَجَرَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ بِهِ فَحُكْمُهُ كَمَنْ لَزِمَتْهُ الْوِلَايَةُ وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَلِمَ رُشْدَهُ أَوْ سَفَهَهُ عَمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ جَهِلَ فَالْمَشْهُورُ حَمْلُهُ عَلَى السَّفَهِ .
وَرَوَى زِيَادُ بْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حَمْلَهُ عَلَى الرُّشْدِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ : اُخْتُلِفَ هَلْ الْوَلَدُ مَحْمُولٌ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَلَى الرُّشْدِ أَوْ السَّفَهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ حَتَّى يُعْلَمَ رُشْدُهُ .
ابْنُ عَاشِرٍ : يُسْتَثْنَى مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَبُوهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْدَ أَوَّلِ بُلُوغِهِ فَلَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا لِلْمَالِ إلَّا بِفَكِّ الْأَبِ .
ا هـ .
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ ، وَنَصَّهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْأَبِ تَجْدِيدُ السَّفَهِ عَلَى وَلَدِهِ قُرْبَ بُلُوغِهِ ، وَإِذَا بَعُدَ بِأَزْيَدَ مِنْ الْعَامِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِسَفَهِهِ ا هـ .
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ : لَيْسَ لِلْأَبِ الْحَجْرُ عَلَى ابْنِهِ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ ، إمَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا حِينَ الْحُلُمِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ، وَضَرَبَ عَلَى يَدَيْهِ وَأَشْهَدَ بِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ ، وَلَا يَزَالُ الِابْنُ بَاقِيًا فِي حَجْرِهِ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يُرَشِّدَهُ أَبُوهُ أَوْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِإِطْلَاقِهِ ، وَعَلَى هَذَا بَنَى أَهْلُ الْوَثَائِقِ وَثَائِقَهُمْ وَانْعَقَدَتْ بِهِ أَحْكَامُهُمْ ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَغْفَلَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَتَّى بَعُدَ عَنْ سِنِّ الِاحْتِلَامِ فَلَيْسَ لَهُ تَسْفِيهُهُ إلَّا عِنْدَ الْإِمَامِ .
وَفَكِّ وَصِيٍّ ، وَمُقَدَّمٍ إلَّا كَدِرْهَمٍ لِعَيْشِهِ ، لَا طَلَاقِهِ وَاسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ وَنَفْيِهِ ، وَعِتْقِ مُسْتَوْلَدَتِهِ
( وَ ) الْمَحْجُورُ لِوَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ يَسْتَمِرُّ حَجْرُهُ إلَى ( فَكِّ وَصِيٍّ ) مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ ( أَوْ مُقَدَّمٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ مُشَدَّدَةً عَلَى يَتِيمٍ مِنْ قَاضٍ لِيَنْظُرَ لَهُ بِالْمَصْلَحَةِ ، وَيَتَصَرَّفَ لَهُ فِي مَالِهِ بِهَذَا الْحَجْرِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَظُهُورِ رُشْدِهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُقَدَّمُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي فِي فَكِّ حَجْرِهِ .
الْمَازِرِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ يَحْتَاجُ لِإِذْنِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُورُ مَعْرُوفًا بِالرُّشْدِ .
ابْنُ رَاشِدٍ وَبِهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ .
أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ فَإِنَّ حَجْرَ الْأَبِ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الْوَصِيِّ لِأَنَّ حَجْرَ الْأَبِ هُوَ الْأَصْلُ ، وَحَجْرَ الْوَصِيِّ مَقِيسٌ عَلَيْهِ ، وَجَعَلُوا مَعَ هَذَا حَجْرَ الْأَبِ يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ ، وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكِّ الْأَبِ ، وَحَجْرَ الْوَصِيِّ لَا يَنْفَكُّ بِهِمَا إلَّا بِفَكِّهِ ، فَمَا وَجْهُ هَذَا ؟ وَوُجِّهَ بِأَنَّ حَجْرَ الْأَبِ حَجْرٌ أَصَالَةً بِلَا جُعْلٍ وَلَا إدْخَالِ أَحَدٍ ، وَحَجْرَ الْوَصِيِّ بِجُعْلٍ وَإِدْخَالٍ وَلَا يُعْتَرَضُ بِتَجْدِيدِ الْأَبِ الْحَجْرَ عَلَى وَلَدِهِ ، إذْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِبَقَاءِ الْحَجْرِ الْأَصْلِيِّ عَلَيْهِ ا هـ .
وَقَوْلُهُ " وَلَا يُعْتَرَضُ إلَخْ " صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَبَ إذَا جَدَّدَ الْحَجْرَ عَلَى وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ ، لَكِنْ مَا نَقَلَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَالْمُتَيْطِيُّ أَقْوَى مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
الْحَطّ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ قَبْلَ الْفَكِّ وَتَصَرَّفَ السَّفِيهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ كَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ فِيهِ وَجْهَ الصَّوَابِ ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ فَقَالَ ( إلَّا ) تَصَرُّفَهُ بِ ( كَدِرْهَمٍ ) شَرْعِيٍّ ( لِعَيْشِهِ ) أَيْ قُوتِ الْمُمَيِّزِ وَعَيْشِ وَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ فِي خُبْزٍ وَلَحْمٍ
وَبَقْلٍ وَدُهْنٍ وَمَاءٍ وَحَطَبٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ إذَا أَحْسَنَهُ ، وَأَمَّا نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ وَخَادِمِهَا فَتُعْطَى لَهَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي لِأَنَّهَا لِحُرِّيَّتِهَا أَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً دُفِعَتْ لِسَيِّدِهَا .
وَأَخْرَجَ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُمَيِّزِ الشَّامِلِ لِلْبَالِغِ السَّفِيهِ فَقَالَ ( لَا ) أَيْ لَيْسَ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ رَدُّ ( طَلَاقِهِ ) أَيْ السَّفِيهِ زَوْجَتَهُ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ خُلْعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( وَ ) لَيْسَ لَهُ رَدُّ ( اسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ ) مِنْ السَّفِيهِ لِمَجْهُولٍ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ أَيْضًا ( وَ ) لَيْسَ لَهُ رَدُّ ( نَفْيِهِ ) أَيْ النَّسَبِ مِنْ السَّفِيهِ لِحَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ عَنْ نَفْسِهِ ( وَ ) لَيْسَ لَهُ رَدُّ تَنْجِيزِ ( عِتْقِ مُسْتَوْلَدَتِهِ ) أَيْ السَّفِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ وَنَفَقَتُهَا أَكْثَرُ مِنْهُمَا وَيَتْبَعُهَا مَالُهَا وَلَوْ كَثُرَ عَلَى الرَّاجِحِ .
وَمَفْهُومُ مُسْتَوْلَدَتِهِ أَنَّ عِتْقَ غَيْرِهَا لِوَلِيِّهِ رَدُّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ .
وَقِصَاصٍ وَنَفْيِهِ ، وَإِقْرَارٍ بِعُقُوبَةٍ
( وَ ) لَيْسَ لَهُ رَدُّ ( قِصَاصٍ ) طَلَبَهُ السَّفِيهُ مِنْ جَانٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ ( وَ ) لَيْسَ لَهُ رَدُّ ( نَفْيِهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ السَّفِيهِ عَنْ جَانٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ ( وَ ) لَيْسَ لَهُ رَدُّ ( إقْرَارٍ ) مِنْ السَّفِيهِ ( بِ ) مُوجَبِ ( عُقُوبَةٍ ) لِلسَّفِيهِ كَسَرِقَةٍ وَشُرْبِ مُسْكِرٍ وَقَذْفٍ وَقَتْلٍ وَزِنًا .
ابْنُ رُشْدٍ : اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ أَنَّ السَّفِيهَ الْبَالِغَ تَلْزَمُهُ جَمِيعُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي بَدَنِهِ وَمَالِهِ ، وَيَلْزَمُهُ مَا وَجَبَ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ كَانَ بِيَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ ، وَيَنْظُرُ لَهُ وَلِيُّهُ فِيهِ بِوَجْهِ النَّظَرِ ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ وَيُمْسِكَ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَعَلَ ، وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يُعْتِقَ عَنْهُ وَإِنْ آلَ ذَلِكَ إلَى الْفِرَاقِ بَيْنَهُمَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَجْزِيهِ الصِّيَامُ وَلَا الْإِطْعَامُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ الْعِتْقَ ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْإِيلَاءُ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ يَمِينٍ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ فِيهَا عَلَى حِنْثٍ أَوْ بِسَبَبِ امْتِنَاعِ وَلِيِّهِ مِنْ تَكْفِيرِهِ عَنْهُ عَنْ ظِهَارٍ لَزِمَهُ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فَيُنْظَرُ لِيَمِينِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِعِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُمَا مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ وَيَحْجُرُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلِيُّهُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ إيلَاءٌ ، وَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ .
وَإِنْ كَانَتْ بِصِيَامٍ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ لَزِمَهُ بِهِ الْإِيلَاءُ ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا عَطِيَّةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يُعْتِقَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيَلْزَمَهُ لِأَنَّهَا كَالزَّوْجَةِ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِالْوَطْءِ .
وَاخْتُلِفَ فِي مَالِهَا هَلْ يَتْبَعُهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ يَتْبَعُهَا وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى لَا يَتْبَعُهَا .
وَقَالَ أَصْبَغُ يَتْبَعُهَا الْقَلِيلُ .
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ نَافِعٍ لَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ فَفِي ثُلُثِهِ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَاسْتَحْسَنَهُ أَصْبَغُ مَا لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ .
وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَنِكَاحُهُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا جَرَى عَلَى عِوَضٍ فَإِنَّهُ يُوقَفُ عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ وَإِلَّا قَدَّمَ الْقَاضِي لَهُ نَاظِرًا يَنْظُرُ لَهُ نَظَرَ الْوَصِيِّ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَلَكَ أَمْرَهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي رَدِّ ذَلِكَ وَإِجَازَتِهِ ا هـ .
وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ ، لَا ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَعَلَيْهِمَا الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ إذَا رَشَدَ بَعْدَهُ ، وَزِيدَ فِي الْأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ بِهَا ، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا ، وَلَوْ جَدَّدَ أَبُوهَا حَجْرًا عَلَى الْأَرْجَحِ
( وَتَصَرُّفُهُ ) أَيْ السَّفِيهِ الْمُهْمَلِ ( قَبْلَ الْحَجْرِ ) عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي مَحْمُولٌ ( عَلَى الْإِجَازَةِ ) بِالزَّايِ أَيْ الْمُضِيِّ وَاللُّزُومِ ( عِنْدَ ) الْإِمَامِ ( مَالِكٍ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ وَشَهَّرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ عِنْدَهُ الْحَجْرُ وَلَمْ يُوجَدْ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلَدِهِ أَتَى بِهِ الْإِمَامَ لِيَحْجُرَ عَلَيْهِ ، وَيُشْهِرُهُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْأَسْوَاقِ ، وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فَمَنْ عَامَلَهُ بَعْدُ فَمَرْدُودٌ ( لَا ) عِنْدَ الْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ( ابْنِ الْقَاسِمِ ) صَاحِبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، فَمَحْمُولٌ عَلَى الرَّدِّ عِنْدَهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ، وَشَهَّرَهُ فِي الْبَيَانِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْمَازِرِيُّ : وَاخْتَارَهُ مُحَقِّقُو أَشْيَاخِي لِأَنَّ الْمَانِعَ عِنْدَهُ السَّفَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ .
( تَنْبِيهَانِ ) : الْأَوَّلُ : أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ ، وَهَلْ كَذَا أَوْ كَذَا ؟ خِلَافٌ كَعَادَتِهِ .
الثَّانِي : أَشْعَرَ ذِكْرُهُ الْقَوْلَيْنِ فِي السَّفِيهِ بِأَنَّ أَفْعَالَ مَجْهُولِ الْحَالِ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَأَفْعَالُهُ مَرْدُودَةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ .
وَأَمَّا الْأُنْثَى السَّفِيهَةُ الْمُهْمَلَةُ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيهَا قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ رَوَاهُ زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَقَالَهُ فِي غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَالثَّانِي أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ تُعَنِّسْ أَوْ تَتَزَوَّجْ وَيَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا وَتُقِمْ مَعَهُ مُدَّةً يُحْمَلُ أَمْرُهَا فِيهَا عَلَى الرُّشْدِ قِيلَ : أَدْنَاهَا الْعَامُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ ، وَقِيلَ : ثَلَاثَةٌ .
ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ
الَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَتَّى يَمُرَّ بِهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مِثْلُ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَأَفْعَالُهَا قَبْلَ هَذَا مَرْدُودَةٌ .
( وَعَلَيْهِمَا ) أَيْ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ( الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ ) أَيْ السَّفِيهِ ( إذَا رَشَدَ ) وَتَصَرَّفَ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْحَجْرِ وَقَبْلَ فَكِّهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ، وَمَاضٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِرُشْدِهِ وَزَوَالِ سَفَهِهِ .
صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ : وَهُمَا مَنْصُوصَانِ لَا مُخَرَّجَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ .
وَقَدْ حَكَى فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الْيَتِيمِ الْمُهْمَلِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ ، أَحَدُهَا قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ إنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا مُعْلَنَ السَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلَنِهِ ، اتَّصَلَ سَفَهُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ أَوْ سُفِّهَ بَعْدَ أَنْ أُنِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ .
الثَّانِي : لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلَ السَّفَهِ فَلَا تَجُوزُ وَإِلَّا جَازَتْ وَلَزِمَتْهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ بَيْعَ سَفَهٍ وَخَدِيعَةٍ مِثْلُ بَيْعِ مَا بِأَلْفٍ بِمِائَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ إنْ أَفْسَدَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُعْلَنِ السَّفَهِ وَغَيْرِهِ .
وَالثَّالِثُ : لِأَصْبَغَ إنْ كَانَ مُعْلَنًا بِهِ فَلَا تَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَنْ بِهِ جَازَتْ اتَّصَلَ سَفَهُهُ أَمْ لَا ، وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنْ يُنْظَرَ لَهُ يَوْمَ بَيْعِهِ ، فَإِنْ كَانَ رَشِيدًا جَازَتْ أَفْعَالُهُ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ تَجُزْ .
( وَزِيدَ ) بِكَسْرِ الزَّايِ عَلَى مَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ بِهِ عَنْ الذَّكَرِ مِنْ الْبُلُوغِ وَظُهُورِ الرُّشْدِ فِي ذِي الْأَبِ ، وَهُمَا وَالْفَكُّ فِي ذِي الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ ( فِي ) فَكِّ حَجْرِ ( الْأُنْثَى ) شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا دُخُولُ زَوْجٍ ) بِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ عَلَى
الْحَجْرِ ، وَلَوْ عُلِمَ رُشْدُهَا وَلَا يُحْتَاجُ لِاخْتِبَارِهَا بِسَنَةٍ بِالنُّونِ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَشَهَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ اخْتِبَارَهَا بِسَنَةٍ بِالنُّونِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَصَرَّحَ ابْنُ فَرْحُونٍ بِتَشْهِيرِهِ وَضَبَطَ قَوْلَهُ بِسِتَّةٍ بِالتَّاءِ أَيْ سِتَّةِ أَعْوَامٍ بَعْدَ الدُّخُولِ لِيُوَافِقَ مَا بِهِ الْعَمَلُ ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ الْأَبُ عَلَيْهَا حَجْرًا قَبْلَ ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَبْعَةُ أَعْوَامٍ بَعْدَ الْبِنَاءِ ابْنُ عَرَفَةَ وَبِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا .
وَالثَّانِي ( شَهَادَةُ الْعُدُولِ ) أَيْ أَرْبَعَةٍ فَأَكْثَرَ ، هَذَا الَّذِي جَرَى بِهِ عَمَلُ الْمُوَثَّقِينَ .
قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ عَدْلَانِ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْحُقُوقِ وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ .
أَبُو عَلِيٍّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِهَا ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَالْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي هَذَا أَنَّ تَكْثِيرَ الشُّهُودِ فِي التَّرْشِيدِ وَالتَّسْفِيهِ شَرْطٌ ، وَأَقَلُّهَا عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَرْبَعَةٌ وَتَجُوزُ فِيهِمَا شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَوْ الرِّجَالِ فَقَطْ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مِنْ الْجِيرَانِ ، وَمَنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفْقَدُوا فَيَشْهَدَ الْأَبَاعِدُ ( عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا ) أَيْ حُسْنِ تَصَرُّفِهَا فِي الْمَالِ وَسَدَادِهِ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَالْمُدَوَّنَةِ ، فَيَنْفَكُّ حَجْرُهَا وَلَوْ قُرْبَ دُخُولِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ إنْ لَمْ يُجَدِّدْ الْأَبُ حَجْرَهَا ، بَلْ ( وَلَوْ جَدَّدَ أَبُوهَا حَجْرًا ) عَلَيْهَا ( عَلَى الْأَرْجَحِ ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ " غ " لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ لِابْنِ يُونُسَ .
وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ تَجْدِيدُ حَجْرِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَدَّ لِجَوَازِ أَفْعَالِهَا حَدًّا مِنْ السِّنِينَ ، مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَضْرَبَ هُنَا عَنْ الْقَوْلِ بِالتَّحْدِيدِ بِالسِّنِينَ ، وَقَدْ قَبِلَ
ابْنُ عَرَفَةَ قِيَاسَ ابْنِ رُشْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا لِابْنِ يُونُسَ ، فَفِي هَذَا التَّرْجِيحِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا نِسْبَتُهُ لِابْنِ يُونُسَ ، وَالثَّانِي تَفْرِيعُهُ عَلَى غَيْرِ الْقَوْلِ بِالتَّحْدِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تت .
تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْفِكَاكُهُ وَلَوْ ضَمِنَ شُهُودُ تَجْدِيدِ سَفَهِهَا عِلْمَهُمْ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِفَتْوَى ابْنِ الْقَطَّانِ وَالْأَصِيلِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ سَفَهِهَا .
الثَّانِي : حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الْمُرَجَّحَ هُنَا إنَّمَا هُوَ ابْنُ رُشْدٍ حَيْثُ قَالَ : الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا تَجْدِيدُ حَجْرِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَدَّ لِجَوَازِ أَفْعَالِهَا حَدًّا مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّهُ حَمَلَهَا بِبُلُوغِهَا إلَيْهِ عَلَى الرُّشْدِ ، وَأَجَازَ أَفْعَالَهَا فَلَا يُصَدَّقُ الْأَبُ فِي إبْطَالِ هَذَا الْحُكْمِ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ سَفَهِهَا إلَّا أَنْ يُعْلَمَ صِحَّةُ قَوْلِهِ .
الثَّالِثُ : شَمِلَ قَوْلُهُ الْأُنْثَى الْمُعَنَّسَةَ وَابْنُ الْحَاجِبِ جَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ فِي غَيْرِهَا .
الرَّابِعُ : نَسَبَ الشَّارِحُ التَّرْجِيحَ لِابْنِ يُونُسَ ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ هُوَ فِي مُقَدِّمَاتِهِ ، فَإِنْ كَانَا اتَّفَقَا عَلَى تِلْكَ الْعِبَارَةِ فَالْمُنَاسِبُ عَلَى الْأَرْجَحِ وَالْأَظْهَرِ ، وَإِلَّا فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْكَاتِبِ ا هـ كَلَامُ تت .
الْخَامِسُ الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي ذَاتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ ، وَأَمَّا الْمُهْمَلَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا وَالْمَشْهُورُ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ عَلَى مَا فِي الْبَيَانِ ، فَذَكَرَ فِي كُلٍّ مِنْ ذَاتِ الْأَبِ وَالْمُهْمَلَةِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ ، وَذَكَرَ الْمَشْهُورَ مِنْهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ وَنَصُّهُ : وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَاتَيْنِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَقِيلَ فِي ذَاتِ الْأَبِ : إنَّهَا تَخْرُجُ بِالْحَيْضِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا .
وَقِيلَ لَا تَخْرُجُ بِهِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَيَمُرَّ بِهَا عَامٌ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ .
وَقِيلَ :
عَامَانِ .
وَقِيلَ : سَبْعَةٌ .
وَقِيلَ : لَا تَخْرُجُ وَإِنْ طَالَتْ إقَامَتُهَا مَعَ زَوْجِهَا حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا .
وَقِيلَ : تَخْرُجُ بِالتَّعْنِيسِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا .
وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ تَعْنِيسِهَا فَقِيلَ : أَرْبَعُونَ ، وَقِيلَ : مِنْ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ .
وَقِيلَ : أَفْعَالُهَا جَائِزَةٌ بَعْدَ التَّعْنِيسِ إذَا أَجَازَهَا الْوَلِيُّ فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ .
وَقِيلَ فِي الْيَتِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ : إنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ بَعْدَ بُلُوغِهَا .
وَقِيلَ : لَا تَجُوزُ حَتَّى يَمُرَّ بِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الْعَامُ وَنَحْوُهُ أَوْ الْعَامَانِ وَنَحْوُهُمَا ، وَقِيلَ : الثَّلَاثَةُ الْأَعْوَامِ وَنَحْوُهَا .
وَقِيلَ : حَتَّى تَدْخُلَ وَيَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا .
وَقِيلَ : إذَا عَنَّسَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً إلَى الْخَمْسِ وَالسِّتِّينَ ، وَهُوَ زَمَنُ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ ، وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا سَابِعٌ وَهُوَ أَنْ تَجُوزَ أَفْعَالُهَا بِمُرُورِ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ دُخُولِهَا وَالْمَشْهُورُ فِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا وَلَا تَجُوزُ أَفْعَالُهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ أَمْرِهَا ، وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا كَوْنُ أَفْعَالِهَا جَائِزَةً إذَا مَرَّ بِهَا سَبْعَةُ أَعْوَامٍ مِنْ دُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا عَلَى رِوَايَةٍ مَنْسُوبَةٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ .
وَالْمَشْهُورُ فِي الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ الْمُهْمَلَةِ أَنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ إذَا عَنَّسَتْ أَوْ مَضَى لِدُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا الْعَامُ وَهُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ ، فَإِنْ عَنَّسَتْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا جَازَتْ أَفْعَالُهَا بِاتِّفَاقٍ إذَا عُلِمَ رُشْدُهَا أَوْ جُهِلَ حَالُهَا ، وَرُدَّتْ إنْ عُلِمَ سَفَهُهَا ، هَذَا الَّذِي اعْتَقَدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مِنْهَاجِ قَوْلِهِمْ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَأَمَّا الْيَتِيمَةُ ذَاتُ الْوَصِيِّ مِنْ أَبِيهَا أَوْ الْمُقَدَّمِ مِنْ الْقَاضِي .
فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا تَخْرُجُ مِنْ
الْوِلَايَةِ وَإِنْ عَنَّسَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَطَالَ زَمَانُهَا وَحَسُنَتْ حَالَتُهَا حَتَّى تُطْلَقَ مِنْ الْحَجْرِ الَّذِي لَزِمَهَا بِمَا يَصِحُّ إطْلَاقُهَا بِهِ مِنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولُ بِهِ ا هـ .
الْحَطّ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلِلْأَبِ تَرْشِيدُهَا قَبْلَ دُخُولِهَا كَالْوَصِيِّ ، وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ رُشْدُهَا .
وَفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي : خِلَافٌ
( وَلِلْأَبِ تَرْشِيدُهَا ) أَيْ بِنْتِهِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ ( قَبْلَ دُخُولِهَا ) بِزَوْجِهَا وَأَوْلَى بَعْدَهُ ، هَذَا ظَاهِرُهُ وَبِهِ قَرَّرَ تت .
وَقَالَ عب كَالْوَصِيِّ لَهُ تَرْشِيدُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لتت ، وَلِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ ، وَنَحْوُهُ لِلْخَرَشِيِّ .
طفي : قَوْلُ تت " قَبْلَ الدُّخُولِ " لَعَلَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ إذْ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ هَكَذَا فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَبِهِ قَرَّرَ عج إنْ عُرِفَ رُشْدُهَا ، بَلْ ( وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ ( رُشْدُهَا ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ طفي الصَّوَابُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالثَّانِيَةِ إذْ فِيهَا الْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِلَوْ ، وَبِهِ قَرَّرَ " ج " .
فِي الْمُتَيْطِيَّةِ .
اُخْتُلِفَ هَلْ لِلْوَصِيِّ تَرْشِيدُهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُعْلِمْ الْبَيِّنَةُ رُشْدَهَا .
وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ رُشْدِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ .
وَاخْتُلِفَ فِي تَرْشِيدِ الْوَصِيِّ إيَّاهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَقِيلَ : لَهُ ذَلِكَ كَالْأَبِ .
وَقِيلَ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْخُلَ زَوْجُهَا وَيُعْرَفَ مِنْ حَالِهَا مَا يُوجِبُ إطْلَاقَهَا .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ بَقِيٍّ : لَيْسَ لِلْوَصِيِّ تَرْشِيدُهَا قَبْلَ دُخُولِ بَيْتِهَا إلَّا أَنْ تُعَنِّسَ ، فَإِنَّ التَّعْنِيسَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ .
ا هـ .
وَبِهَذَا يَصِحُّ قَوْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهَا ا هـ .
قُلْت إذَا رَجَعَتْ الْمُبَالَغَةُ الثَّانِيَةُ فَرُجُوعُهَا لِلْأُولَى أَوْلَى لِحَمْلِ تَصَرُّفِ الْأَبِ عَلَى السَّدَادِ لِشَفَقَتِهِ ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا فِي الْأُولَى لِمُجَرَّدِ دَفْعِ التَّوَهُّمِ لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَفِي ) تَرْشِيدِ ( مُقَدَّمِ الْقَاضِي خِلَافٌ ) فَقِيلَ يَجُوزُ كَتَرْشِيدِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً وَهُوَ لِسَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَقِيلَ : لَا يُعْتَبَرُ وَأَقْفَالُهَا
بَعْدَهُ مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ تُعَنِّسْ أَوْ تَتَزَوَّجْ وَتُقِمْ مُدَّةً بِبَيْتِ زَوْجِهَا مُدَّةً يُحْمَلُ أَمْرُهَا فِيهَا عَلَى الرُّشْدِ طفي أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ اُخْتُلِفَ فِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي هَلْ لَهُ تَرْشِيدُهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْمَشْهُورُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ مَا يُوجِبُ إطْلَاقَهَا ، وَبَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَهُ بِهِ ، وَكَمَا أَدْخَلَهَا فِي الْوِلَايَةِ قَاضٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَهَا مِنْهَا إلَّا قَاضٍ ، وَقَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ وَغَيْرُهُ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ قَاضٍ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ رُشْدُهَا إلَّا بِقَوْلِهِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ ا هـ .
وَفِي التَّوْضِيحِ : وَأَمَّا الْمُقَدَّمُ مِنْ الْقَاضِي فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَوَصِيِّ الْأَبِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ جَبَرَ بِهِ الْخَلَلَ الْكَائِنَ بِتَرْكِ الْأَبِ تَقْدِيمَ وَصِيٍّ لِهَذَا الْوَلَدِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَأَمَّا تَقْرِيرُ تت فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْيَتِيمَةِ غَيْرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا هَلْ أَفْعَالُهَا جَائِزَةٌ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ أَوْ مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ تُعَنِّسْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا غَيْرُ مُلْتَئِمٍ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ كَهُمَا إذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ سَحْنُونٌ وَلَا غَيْرُهُ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي أَصْلًا ، .
وَالْوَلِيُّ الْأَبُ ، وَلَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ
( وَالْوَلِيُّ ) عَلَى الْمَحْجُورِ ، مَجْنُونًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا ( الْأَبُ ) الرَّشِيدُ ، كَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا فَهَلْ يَكُونُ نَاظِرُهُ نَاظِرًا عَلَى بَنِيهِ أَوْ لَا إلَّا بِتَقْدِيمٍ مُسْتَأْنَفٍ ؟ قَوْلَانِ أَفَادَهُ تت ، وَعِبَارَةُ عب عَلَى الْمَحْجُورِ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا لَمْ يَطْرَأْ سَفَهُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا أَوْ خُرُوجِهِ بِهِمَا مِنْ حَجْرِ أَبِيهِ الْأَبِ الْمُسْلِمِ الرَّشِيدِ لَا الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَالْأُمِّ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ إلَّا بِإِيصَاءٍ ، وَقَدَّمَ الْحَاكِمُ عَلَى مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ حَجْرِ أَبِيهِ مُقَدَّمًا يَنْظُرُ لَهُ فِي مَالِهِ بِالْمَصْلَحَةِ .
الْمُتَيْطِيُّ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ السَّفَهُ فَإِنَّ الْأَبَ يُثْبِتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَيُقَدِّمُهُ لِلنَّظَرِ لَهُ إنْ رَأَى ذَلِكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ ، وَكَذَا يُقَدَّمُ الْحَاكِمُ عَلَى صَبِيٍّ لَهُ وَصِيٌّ مِنْ أَبٍ كَافِرٍ ، أَوْ سَفِيهٍ مُهْمَلٍ أَوْ ذِي وَصِيٍّ عَلَى مَا بِهِ الْعَمَلُ .
وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى الْأَبِ السَّفِيهِ وَصِيٌّ عَلَى أَوْلَادِهِ ، قَالَ : وَنَظَرُ الْوَصِيِّ فِي الْمَشْهُورِ مُنْسَحِبٌ عَلَى بَنِي الْمَحْجُورِ مَيَّارَةُ : الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ فَقَطْ .
وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَكُونُ نَاظِرًا عَلَى بَنِيهِ لِأَنَّ نَظَرَهُ لَهُمْ كَانَ بِحَسَبِ التَّبَعِ لِنَظَرِهِ لِأَبِيهِمْ .
( وَلَهُ ) أَيْ الْأَبِ الْوَلِيِّ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ ( الْبَيْعُ ) لِشَيْءٍ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْمَحْجُورِ لَهُ لِيُنْفِقَ ثَمَنَهُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ الْعَقَارِ إنْ بَيَّنَ الْأَبُ سَبَبَ بَيْعِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ) الْأَبُ ( سَبَبَهُ ) أَيْ الْبَيْعِ عَلَى وَلَدِهِ تت أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَعَزَاهُ فِي تَوْضِيحِهِ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ .
أَبُو عِمْرَانَ كُلُّ مَا فِي الْكِتَابِ عَنْ
بَيْعِ الْأَبِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ وَلَدِهِ أُطْلِقَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّظَرِ ، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْوَصِيِّ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ مَحْجُورِهِ قَالَ : لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَظَرًا ، وَحَيْثُ كَانَ الْأَبُ مَحْمُولًا فِي بَيْعِهِ عَلَى السَّدَادِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِوَلَدِهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِيمَا بَاعَهُ عَلَيْهِ .
قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
( تَنْبِيهٌ ) : إطْلَاقُهُ جَوَازَ الْبَيْعِ يَشْمَلُ بَيْعَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ ، لَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ ، وَتَحَقُّقُ ذَلِكَ فَسْخٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ مَنْفَعَةً غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا يُفْسَخُ كَبَيْعِهِ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا لَا تَنْقَسِمُ .
طفي : قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَبِيعُ إلَّا بِالنَّظَرِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيَانُ وَجْهِ النَّظَرِ ، هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالسَّبَبِ ، وَعَلَيْهِ قَرَّرَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَذْكُرَ السَّبَبَ الَّذِي بِيعَ ذَلِكَ لِأَجْلِهِ ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَبَيْعُ عَقَارِ ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ قَصْرِهِ عَلَى وُجُوهٍ مَعْدُودَةٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ ا هـ .
فَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالسَّبَبِ مَا يَأْتِي فِي بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَبَ يَبِيعُ عَقَارَ ابْنِهِ وَغَيْرَهُ لِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ وَلِغَيْرِهَا .
ا هـ .
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ إلَّا بِالسَّبَبِ وَهُوَ النَّظَرُ ، لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذِكْرُهُ لِحَمْلِهِ عَلَيْهِ ، إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَقَوْلُ تت وَتَبِعَهُ " ج " قَوْلُهُ " وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ " مُنْتَقَدٌ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ عَنْ كَوْنِهِ يَبِيعُهُ لِسَبَبٍ ، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، لَيْسَ كَذَلِكَ ، لَيْسَ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُمَا
فَهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ مَا يَأْتِي فَقَطْ ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ ، قَوْلُ تت إنْ بَاعَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَتَحَقَّقَ ذَلِكَ أُطْلِقَ فِي الْفَسْخِ ، فَظَاهِرُهُ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَمْ لَا .
وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ رُشْدٍ : وَحُكْمُ مَا بَاعَهُ الْأَبُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فِي مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أَوْ حَابَى بِهِ حُكْمُ مَا وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَيُفْسَخُ فِي الْقِيَامِ ، وَحُكْمُهُ فِي الْفَوَاتِ عَلَى مَا ذَكَرْته فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا غَرِمَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِالثَّمَنِ ، وَقَالَ قَبْلَ هَذَا : فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَ الرَّجُلُ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَتَزَوَّجُ بِهِ فَقَالَ : إنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِابْنِهِ ، وَيُرَدُّ إنْ كَانَ مُعْدِمًا إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ فَلَا يُرَدَّ أَصْبَغُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ لَهُ خِلَالَ ذَلِكَ يُسْرٌ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَدِيمًا فِي ذَلِكَ الطُّولِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ ، وَقَالَ : الصَّدَقَةُ تُرَدُّ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْدِمًا فَإِنْ تَلِفَتْ الصَّدَقَةُ بِيَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَغَرِمَ الْأَبُ الْقِيمَةَ ، وَإِنْ فَاتَتْ بِيَدِهِ بِاسْتِهْلَاكٍ أَوْ أَكْلٍ ، وَالْأَبُ عَدِيمٌ غَرِمَ قِيمَتَهَا وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَبِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَغَرِمَ الْأَبُ قِيمَتَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا رُدَّ عِتْقُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةٌ فَأَوْلَدَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ بِمَنْزِلَةِ مَا فَوَّتَهُ بِاسْتِهْلَاكٍ أَوْ أَكْلٍ هَذَا الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي التَّزْوِيجِ : الْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِهِ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ مُوسِرًا كَانَ الْأَبُ أَوْ مُعْدِمًا وَيَتْبَعُ الِابْنُ أَبَاهُ
بِقِيمَتِهِ .
قَالَ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ : يَوْمَ أَخَذَهُ وَأَصْدَقَهُ أَمْر أَنَّهُ يُرِيدُ يَوْمَ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ لَا يَوْمَ دَفْعِهِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، فَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ الْمَرْأَةُ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الِابْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ ، وَيَظَلَّ فِي يَدِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا .
فَإِنْ قَامَ بَعْدَ قَبْضِهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَالْأَمْرُ الْقَرِيبُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَكُونُ كَالِاسْتِحْقَاقِ ، وَتَتْبَعُ الْمَرْأَةُ الْأَبَ بِقِيمَتِهِ ، وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَخَلَ الْأَبُ بِالْمَرْأَةِ أَمْ لَا ، وَفَرَّقَ مُطَرِّفٌ بَيْنَ دُخُولِهِ بِهَا وَعَدَمِهِ ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : الِابْنُ أَحَقُّ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا قَبَضَتْ أَمْ لَا طَالَ الْأَمْرُ أَمْ لَا ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَإِلَّا فَالزَّوْجَةُ أَحَقُّ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا فَالْحَاصِلُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ يُسْرِ الْأَبِ وَعُسْرِهِ فِي الْعِتْقِ ، وَعَلَى هَذَا دَرَجَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَأَبِيهِ إنْ أَيْسَرَ ، وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهَا : وَإِذَا قَاسَمَ لِلصَّغِيرِ أَبُوهُ فَحَابَى لَمْ تَجُزْ مُحَابَاتُهُ فِيهَا وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ، وَيُرَدُّ ذَلِكَ إنْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ وَتُرَدُّ الصَّدَقَةُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا .
ا هـ .
فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلْأَخَوَيْنِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّزْوِيجِ فَأَمْضَيَا ذَلِكَ مَعَ الْيَسَارِ وَرَدَّاهُ مَعَ الْإِعْسَارِ .
وَأَطَالَ " ح " بِجَلْبِ كَلَامِهِمَا مِنْ النَّوَادِرِ وَتَرَكَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُعْتَمَدَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ .
الْبُنَانِيُّ ابْنُ نَاجِي : قَوْلُهَا فِي
الْقِسْمَةِ تُرَدُّ الصَّدَقَةُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا إلَخْ .
الْمَغْرِبِيُّ : يَعْنِي وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ هُمَا سَوَاءٌ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْأَخَوَيْنِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ مُطْلَقًا ، وَقَوْلَ أَصْبَغَ بِالْمُضِيِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ مُطْلَقًا ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ فِي النُّكَتِ : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : الْفَرْقُ بَيْنَ عِتْقِ الْأَبِ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَنْ نَفْسِهِ وَبَيْنَ صَدَقَتِهِ بِمَالِهِ أَوْ هِبَتِهِ لِلنَّاسِ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَوْجَبَ بِهِ الْأَبُ عَلَى نَفْسِهِ تَمَلُّكَ شَيْءٍ يَتَعَجَّلُهُ وَهُوَ مِلْكُ الْوَلَاءِ ، وَإِنْفَاذُ الْعِتْقِ عَلَى نَفْسِهِ فَذَلِكَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ مَالَ وَلَدِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ وَلَدِهِ بِالْمُعَاوَضَةِ فَأَجَزْنَا ذَلِكَ وَأَلْزَمْنَاهُ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَإِنَّمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ مِلْكِ وَلَدِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِوَلَدِهِ وَلَا لِنَفْسِهِ ا هـ .
وَقَالَ الْمِسْنَاوِيُّ : الِانْتِقَادُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ هُنَا أَحَدُ الْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ إلَخْ ، فَحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنْ يُقَالَ : لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْأَبِ وُجُودُ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ فَضْلًا عَنْ ذِكْرِهِ ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا : مُرَادُهُ مُطْلَقُ السَّبَبِ فَلَا إشْكَالَ فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِ سَبَبٍ أَيَّ سَبَبٍ كَانَ إذْ لَا يَحِلُّ لِلْأَبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَبِيعَ مَالَ وَلَدِهِ بِدُونِ سَبَبٍ أَصْلًا ، وَعَلَى هَذَا فَلَا انْتِقَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ .
ثُمَّ وَصِيُّهُ ، وَإِنْ بَعُدَ .
وَهَلْ كَالْأَبِ ، أَوْ إلَّا الرَّبْعَ فَبِبَيَانِ السَّبَبِ ؟ خِلَافٌ .
وَلَيْسَ لَهُ هِبَةٌ لِلثَّوَابِ ؛
( ثُمَّ ) يَلِي الْأَبَ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ ( وَصِيُّهُ ) أَيْ الْأَبِ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ إنْ قَرُبَ ، بَلْ ( وَإِنْ بَعُدَ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَصِيُّ الْوَصِيِّ ( وَهَلْ ) الْوَصِيُّ ( كَالْأَبِ ) فِي حَمْلِ تَصَرُّفِهِ عِنْدَ جَهْلِ حَالِهِ عَلَى السَّدَادِ مُطْلَقًا ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ سَبَبِ تَصَرُّفِهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ ( أَوْ ) هُوَ مِثْلُهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ( إلَّا الرَّبْعَ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْعَقَارَ مِنْ الْأَرْضِ ، وَمَا اتَّصَلَ مِنْهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ ( فَ ) يَتَصَرَّفُ فِيهِ ( بِ ) شَرْطِ ( بَيَانِ السَّبَبِ ) لِبَيْعِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْجَوَابِ ( خِلَافٌ ) أَيْ قَوْلَانِ مُشَهَّرَانِ هَذَا ظَاهِرُهُ .
طفي لَمْ أَرَ مَنْ شَهَّرَ شَيْئًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فَالْمَحَلُّ لِتَرَدُّدِ ظَاهِرِ التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ : أَفْعَالُ الْأَوْصِيَاءِ فِيمَا بَاعُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ ، فَإِنْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ رُدَّ الْبَيْعُ ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ لُبَابَةَ وَابْنِ الْعَطَّارِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ : يُحْمَلُ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ ا هـ .
لَكِنْ فِي وَثَائِقِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ : فِعْلُ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ا هـ .
وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَشَارَ بِالْخِلَافِ لِهَذَا لَكِنْ اُنْظُرْ مَنْ شَهَّرَ الْمُقَابِلَ .
الْبُنَانِيُّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا " وَهِبَةُ الْوَصِيِّ شِقْصَ الْيَتِيمِ كَبَيْعِ رِيعِهِ " : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِنَظَرٍ بِمَا نَصَّهُ عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِعْلَ الْأَبِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى
يَثْبُتَ خِلَافُهُ ، وَفِعْلَ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الرِّبَاعِ خَاصَّةً ، كَذَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ ، قَالَ أَبُو عِمْرَانَ : وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يُفَسِّرُهُ ا هـ .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ هَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ رُشْدٍ : بَيْعُ الْأَبِ عَقَارَ ابْنِهِ يُخَالِفُ بَيْعَ الْوَصِيِّ عَقَارَ يَتِيمِهِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ إلَّا لِوُجُوهٍ مَعْلُومَةٍ حَصَرَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَهَا وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ فِيهَا أَمْ لَا فَقِيلَ : يُصَدَّقُ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ عَلَيْهَا وَقِيلَ : لَا يُصَدَّقُ فِيهَا وَيَلْزَمُهُ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ : لَا يُصَدَّقُ فِيهَا وَيَلْزَمُهُ إقَامَتُهَا عَلَيْهَا ، وَأَمَّا الْأَبُ فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ عَقَارِ ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ إذَا كَانَ بَيْعُهُ وَجْهَ النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ حَصْرِ وُجُوهِهِ فِي ذَلِكَ بِعَدَدٍ ، وَبَيْعُهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ مَلِيًّا كَانَ أَوْ مُفْلِسًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ا هـ .
وَبِهَذَا اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الثَّانِي " فَبَيَانُ السَّبَبِ " الْمُرَادُ بِهِ إثْبَاتُهُ بِبَيِّنَةٍ لَا مُجَرَّدُ ذِكْرِهِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ أَبِي عُمَرَ أَنَّ مِثْلَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ ، وَمِثْلَهُ لِلْجَزِيرِيِّ ، وَهُوَ الْحَقُّ .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْوَصِيِّ ( هِبَةٌ ) لِشَيْءٍ مِنْ مَالٍ مَحْجُورِهِ ( لِلثَّوَابِ ) أَيْ الْعِوَضِ الْمَالِيِّ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْ بِيَدِهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا ، وَالْوَصِيُّ لَا يَبِيعُ بِهَا كَالْحَاكِمِ ، بِخِلَافِ الْأَبِ .
الْبُنَانِيُّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْبَيْعُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهَا فَلَهُ الْبَيْعُ بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُتَيْطِيُّ ، فَيُقَالُ : لِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي صُورَةِ الْحَاجَةِ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ فَأَجَابَ الْمِسْنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهَا
إنَّمَا يُقْضَى فِيهَا بِالْقِيمَةِ بَعْدَ فَوَاتِهَا بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَبْلَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ رَدِّهَا وَبَيْنَ دَفْعِ الْقِيمَةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِفَوَاتِهَا وَهِيَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ فَوَاتِهَا ، وَمِنْ الْجَائِزِ نَقْصُهَا يَوْمَ الْفَوَاتِ عَنْهَا يَوْمَ الْهِبَةِ فَلَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ لِاحْتِمَالِ تَأْدِيَتِهَا لِلنَّقْصِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِحَاجَةٍ بِهَا ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ، فَإِنْ نَقَصَ فَلَا يَعُودُ نَقْصُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ .
ثُمَّ حَاكِمٌ ، وَبَاعَ بِثُبُوتِ يُتْمِهِ ، وَإِهْمَالِهِ وَمِلْكِهِ لِمَا بِيعَ .
وَأَنَّهُ الْأَوْلَى ؛ وَحِيَازَةِ الشُّهُودِ لَهُ ، وَالتَّسَوُّقِ ، وَعَدَمِ إلْغَاءِ زَائِدٍ ، وَالسَّدَادِ فِي الثَّمَنِ ، وَفِي تَصْرِيحِهِ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ : قَوْلَانِ ، لَا حَاضِنٌ : كَجَدٍّ
ثُمَّ ) يَلِي الْوَصِيَّ فِي الْوِلَايَةِ ( الْحَاكِمُ ) أَوْ مُقَامُهُ ( وَبَاعَ ) الْحَاكِمُ مِنْ عَقَارِ الْيَتِيمِ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى صَرْفِ ثَمَنِهِ فِي مَصَالِحِ الْيَتِيمِ ( بِثُبُوتِ يُتْمِهِ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ كَوْنِ الصَّبِيِّ يَتِيمًا لِاحْتِمَالِ حَيَاةِ أَبِيهِ ( وَإِهْمَالِهِ ) أَيْ كَوْنِ الْيَتِيمِ لَا وَصِيَّ وَلَا مُقَدَّمَ لَهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا ( وَمِلْكِهِ ) أَيْ الْيَتِيمِ ( لِمَا بِيعَ ) أَيْ أُرِيدَ بَيْعُهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ ( وَأَنَّهُ ) أَيْ مَا أُرِيدَ بَيْعُهُ ( الْأَوْلَى ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ أَيْ الْأَحَقُّ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ ( وَ ) ثُبُوتِ ( حِيَازَةِ الشُّهُودِ لَهُ ) أَيْ مَا شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مِلْكُ الْيَتِيمِ بِأَنْ يَطُوفُوا بِهِ وَيُشَاهِدُوا حُدُودَهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَيَقُولُوا لِلْحَاكِمِ وَلِمَنْ وَجَّهَهُ الْحَاكِمُ مَعَهُمْ ، هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ هُوَ الَّذِي شَهِدْنَا أَوْ شَهِدَ غَيْرُنَا بِمِلْكِهِ لِلْيَتِيمِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ بِحُدُودِهِ ، فَإِنْ شَهِدَتْ بِهَا وَبِمَحَلِّهِ أَغْنَتْ عَنْ بَيِّنَةِ الْحِيَازَةِ خَشْيَةَ أَنْ يُبَاعَ غَيْرُهُ .
( وَ ) ثُبُوتِ ( التَّسَوُّقِ ) بِمَا يُبَاعُ أَيْ إشْهَارِهِ لِلْبَيْعِ وَالنِّدَاءِ عَلَيْهِ مِرَارًا ( وَ ) ثُبُوتِ ( عَدَمِ إلْغَاءِ ) بَقَاءِ أَيْ وُجُودِ ثَمَنٍ ( زَائِدٍ ) عَلَى مَا أُرِيدَ بَيْعُهُ بِهِ ( وَ ) ثُبُوتِ ( السَّدَادِ ) أَيْ عَدَمِ النَّقْصِ ( فِي الثَّمَنِ ) الَّذِي قُصِدَ بَيْعُهُ بِهِ وَكَوْنِهِ عَيْنًا لَا عَرَضًا حَالًّا مُؤَجَّلًا خَوْفًا مِنْ رُخْصِ الْعَرَضِ وَعَدَمِ الْمَدِينِ .
وَزَادَ ابْنُ رَاشِدٍ قَبُولَ مَنْ يُقَدِّمُهُ لِلْبَيْعِ لِمَا كَلَّفَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ بَاعَ قَبْلَ قَبُولِهِ كَانَ بَيْعُهُ مَنْظُورًا فِيهِ إذْ لَمْ يَقْبَلْ حِينَ الْإِذْنِ ، وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ حِينَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ قَبُولٌ أَفَادَهُ تت ، فَإِنْ بَاعَ الْقَاضِي تَرِكَةً قَبْلَ ثُبُوتِ مُوجِبَاتِ بَيْعِهَا فَأَفْتَى السُّيُورِيُّ بِفَسْخِ
بَيْعِهِ ، وَإِنْ فَاتَ لَزِمَهُ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ يَوْمَ تَعَدِّيهِ بِسِكَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَكَذَا إذَا فَرَّطَ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ حَتَّى غَابَ الْمُشْتَرُونَ أَوْ هَلَكُوا أَفَادَهُ الْبُرْزُلِيُّ .
( وَفِي ) وُجُوبِ ( تَصْرِيحِهِ ) أَيْ الْقَاضِي فِي تَسْجِيلِهِ الْبَيْعَ عَلَى الْيَتِيمِ ( بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ ) الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِالْيُتْمِ وَالْإِهْمَالِ وَالْمِلْكِ وَأَنَّهُ الْأَوْلَى وَالْحِيَازَةِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي سِجِلِّهِ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا إلَخْ ، لِيَتَيَسَّرَ لِلْيَتِيمِ بَعْدَ رُشْدِهِ الْقَدْحُ فِيمَنْ رَأَى فِيهِ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ ، وَعَدَمِ وُجُوبِهِ ( قَوْلَانِ ) فِي الْحَاكِمِ الْعَدْلِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَسْمَائِهِمْ وَإِلَّا نُقِضَ حُكْمُهُ .
الْبُنَانِيُّ : صَوَابُهُ تَرَدُّدٌ اُنْظُرْ " ق " .
وَعَطَفَ عَلَى الْأَبِ أَوْ عَلَى فَاعِلِ " بَاعَ " فَقَالَ ( لَا حَاضِنٌ ) أَيْ كَافِلٌ وَمُرَبٍّ لِيَتِيمٍ مُهْمَلٍ ( كَجَدٍّ ) وَأُمٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ فَلَا يَبِيعُ مَتَاعَ مَحْضُونِهِ مُطْلَقًا ، وَلَا يُقَاسِمُ عَنْهُ إلَّا لِشَرْطٍ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ لَا يَحْضُنُهُ إلَّا إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا عَلَيْهِ أَوْ عُرِفَ بِهِ كَعَادَةِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِتَرْكِ أَحَدِهِمْ الْوَصِيَّةَ عَلَى أَوْلَادِهِ اتِّكَالًا عَلَى قِيَامِ جَدِّهِمْ أَوْ عَمِّهِمْ أَوْ أَخِيهِمْ الرَّشِيدِ بِشَأْنِهِمْ ، فَهُوَ كَإِيصَاءِ الْأَبِ مِنْ ذَكَرٍ ، نَقَلَهُ الطِّخِّيخِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ صَالِحٍ ، وَبِهِ أَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِهِ فَقَالَ شَأْنُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ تَصَرُّفُ الْأَكَابِرِ عَلَى الْأَصَاغِرِ يَتْرُكُونَ الْإِيصَاءَ اتِّكَالًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ بِغَيْرِ إيصَاءٍ فَالْأَخُ الْكَبِيرُ مَعَ الْأَصَاغِرِ فِي الْبَادِيَةِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَصِيِّ ، بِهَذَا الْعُرْفُ ، عَلَى هَذَا دَرَجُوا ، ثُمَّ نَقَلَ رِوَايَةَ ابْنِ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِأَنَّ الْكَافِلَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ بِدُونِ هَذَا الْعُرْفِ ، وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي
مُحَمَّدٍ صَالِحٍ هَذِهِ الرِّوَايَةُ جَيِّدَةٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي لِأَنَّهُمْ يُهْمِلُونَ الْإِيصَاءَ .
ابْنُ هِلَالٍ وَبِهِ أَقُولُ وَأَتَقَلَّدُ الْفُتْيَا بِهِ فِي بَلَدِنَا لِأَنَّهَا كَالْبَادِيَةِ .
بَيْعِ الْيَسِيرِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الْحَاضِنِ وَعُمِلَ بِإِمْضَاءِ الْيَسِيرِ ، وَفِي حَدِّهِ : تَرَدُّدٌ
( وَعُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( بِإِمْضَاءِ ) بَيْعِ ( الْيَسِيرِ ) مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الْحَاضِنِ .
تت وَفِي الْعُتْبِيَّةِ جَوَازُهُ ، وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ ، وَلِذَا تَعَقَّبَ لَفْظَ الْإِمْضَاءِ لِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ جَوَازِهِ ابْتِدَاءً ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ " حَاضِنٌ " يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ .
الْبُنَانِيُّ ابْنُ هِلَالٍ فِي بَيْعِ الْحَاضِنِ عَلَى مَحْضُونِهِ الْيَتِيمِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ وَاَلَّذِي جَرَى الْعَمَلُ بِهِ مَا لِأَصْبَغَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَجُوزُ فِي التَّافِهِ الْيَسِيرِ ، ثُمَّ قَالَ فَعَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ لَا يَبِيعُ إلَّا بِشُرُوطٍ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَضَانَةِ وَصِغَرِ الْمَحْضُونِ وَالْحَاجَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْبَيْعِ وَتَفَاهَةِ الْمَبِيعِ ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ مَا يُبَاعُ ، وَمَعْرِفَةِ السَّدَادِ فِي الثَّمَنِ ، وَتَشْهَدُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ بَيِّنَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى فِي كُتُبِ الْمُوَثَّقِينَ .
وَفِي التَّوْضِيحِ إذَا قِيمَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِيمَا ابْتَاعَهُ مِنْ الْكَافِلِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ هَذِهِ الشُّرُوطِ ، وَزَادَ بَيَانَ أَنَّهُ أَنْفَقَ الثَّمَنَ عَلَيْهِ وَأَدْخَلَهُ فِي مَصَالِحِهِ ، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلِلْمَحْضُونِ بَعْدَ رُشْدِهِ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، إلَّا كَوْنَ الثَّمَنِ أُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَفِي حَدِّهِ ) أَيْ قَدْرِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَمْضِي بَيْعُهُ مِنْ الْحَاضِنِ ( تَرَدُّدٌ ) فَحَدَّهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَابْنُ الْعَطَّارِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَابْنُ زَرْبٍ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا .
أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَعَلَى الثَّانِي الْأَكْثَرُ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ كَانَ الْحَاضِنُ غَيْرَ وَلِيٍّ فِي الْبَيْعِ وَوَلِيًّا فِي النِّكَاحِ ، مَعَ أَنَّ الْبُضْعَ أَقْوَى مِنْ الْمَالِ ، فَجَوَابُهُ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَسْتَقِلُّ لِلْكَافِلِ بِهِ ، وَيَسْتَأْذِنُ الزَّوْجَةَ فِيهِ ، وَاَلَّذِي يُبَاشِرُهُ الْكَافِلُ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ
بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا إذْنَ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِنْ أَذِنَ الْيَتِيمُ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ ، فَلَوْ جَازَ مِنْ الْكَافِلِ لَاسْتَقَلَّ بِهِ .
وَلِلْوَلِيِّ : تَرْكُ التَّشَفُّعِ وَالْقِصَاصِ فَيَسْقُطَانِ ، وَلَا يَعْفُو ، وَمَضَى عِتْقُهُ بِعِوَضٍ : كَأَبِيهِ إنْ أَيْسَرَ ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ : فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ ، وَالْوَصِيَّةِ وَالْحُبُسِ الْمُعَقَّبِ ، وَأَمْرِ الْغَائِبِ
( وَلِلْوَلِيِّ ) الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ ( تَرْكُ التَّشَفُّعِ ) أَيْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ الثَّابِتِ لِمَحْجُورِهِ فِي الشِّقْصِ الَّذِي بَاعَهُ شَرِيكُهُ مِنْ عَقَارٍ قَابِلٍ الْقِسْمَةَ إنْ كَانَ التَّرْكُ نَظَرًا ، أَوْ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْيَتِيمِ فَلَا يَقُومُ بِهِ إذَا رَشَدَ ، فَإِنْ كَانَ الْأَخْذُ نَظَرًا فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ تَرْكُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ فَلَهُ إذَا رَشَدَ الْقِيَامُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ أَسْقَطَ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ بِلَا نَظَرٍ .
( وَ ) لَهُ تَرْكُ ( الْقِصَاصِ ) الثَّابِتِ لِلصَّغِيرِ مِنْ جَانٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ وَأَخْذُ الدِّيَةِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا لَهَا وَالْقِصَاصُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْوَلِيُّ فَلَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ الْقِيَامُ بِهِ ، وَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ التَّشَفُّعَ وَالْقِصَاصَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ ( فَيَسْقُطَانِ ) فَلَيْسَ لِلْمَحْجُورِ قِيَامٌ بِهِمَا بَعْدَ رُشْدِهِ ، وَالسَّفِيهُ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فِي شَأْنِ الْقِصَاصِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا يَعْفُو ) الْوَلِيُّ مَجَّانًا عَنْ جَانٍ عَلَى مَحْجُورِهِ أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً إلَّا أَنْ يُعَوِّضَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ نَظِيرَ مَا فَوَّتَهُ بِعَفْوِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ( وَ ) إنْ أَعْتَقَ الْوَلِيُّ رَقِيقَ مَحْجُورِهِ ( مَضَى عِتْقُهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ رَقِيقَ مَحْجُورِهِ النَّاجِزُ عَنْ نَفْسِ الْوَلِيِّ أَوْ عَنْ مَحْجُورِهِ إنْ كَانَ ( بِعِوَضٍ ) مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا مِنْ مَالِ الرَّقِيقِ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ بِلَا عِوَضٍ رُدَّ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِ الْمَحْجُورِ فِيهَا .
لِلْوَصِيِّ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ مَنْ يَلِيهِ عَلَى النَّظَرِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ إذْ لَوْ شَاءَ لَانْتَزَعَهُ وَأَبْقَاهُ رَقِيقًا وَلَوْ كَانَ عَلَى عَطِيَّةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَازَ عَلَى النَّظَرِ كَبَيْعِهِ .
" غ " إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهَا جَوَازُهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا هُنَا ، وَكَأَنَّهُ اسْتَرْوَحَ وَلَوْ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ عَلَى عَطِيَّةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَازَ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ .
وَشَبَّهَ فِي الْمُضِيِّ فَقَالَ
( كَ ) عِتْقِ ( أَبِيهِ ) أَيْ الْمَحْجُورِ رَقِيقَهُ بِلَا عِوَضٍ مِنْ مَالِ الْأَبِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَيَمْضِي ( إنْ أَيْسَرَ ) الْأَبُ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الَّذِي أَعْتَقَهُ مِنْ مَالِهِ لِوَلَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا رُدَّ عِتْقُهُ .
فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ مَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ أَعْتَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَيُرَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا .
فِي الْعِتْقِ فَيَجُوزَ ذَلِكَ عَلَى الِابْنِ ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَفِيهَا أَيْضًا وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَ ابْنِهِ جَازَ إنْ كَانَ لِلْأَبِ مَالٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُوسِرَ قَبْلَ النَّظَرِ فِيهِ فَيَتِمَّ وَيُقَوَّمَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ الْهِبَةُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا .
تت فَفِي تَشْبِيهِهِ بِمَا يَمْضِي مُسَامَحَةٌ .
( وَإِنَّمَا يَحْكُمُ ) أَيْ يَجُوزُ حُكْمُهُ ابْتِدَاءً ( فِي الرُّشْدِ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ إذَا تُنُوزِعَ فِيهِ ( وَضِدِّهِ ) أَيْ الرُّشْدِ وَهُوَ السَّفَهُ ( وَ ) شَأْنِ ( الْوَصِيَّةِ ) مِنْ تَقْدِيمِ وَصِيٍّ وَمِنْ الْوَصِيِّ إذَا تَعَدَّدَ هَلْ يَحْصُلُ الِاشْتِرَاكُ فِي التَّصَرُّفِ أَوْ يَسْتَقِلُّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ دُخُولِ الْحَمْلِ فِي الْمُوصَى بِهِ إنْ كَانَ حَيَوَانًا وَعَدَمِهِ وَمِنْ صِحَّتِهَا وَعَدَمِهَا ( وَالْحُبُسِ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا أَيْ الْوَقْفِ ( الْمُعَقَّبِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ أَيْ الْمُدْخَلِ فِي مُسْتَحِقِّهِ الْعَقِبُ ، أَيْ الذُّرِّيَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَحَبْسٍ عَلَى فُلَانٍ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ ، وَمَفْهُومُ الْمُعَقَّبِ أَنَّ غَيْرَهُ كَحَبْسٍ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْقُضَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمِثْلُ الْمُعَقَّبِ الْحُبُسُ عَلَى مَنْ لَا يُحْصَرُ كَالْفُقَرَاءِ ( وَأَمْرِ ) أَيْ شَأْنِ الْغَائِبِ ) الَّذِي عُلِمَ مَوْضِعُهُ وَلَا يَشْمَلُ الْغَائِبُ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَفْقُودَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ مَوْضِعُهُ وَلَا حَالُهُ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ
زَوْجَتَهُ تَرْفَعُ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي وَوَالِي الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَالنَّسَبِ ، وَالْوَلَاءِ ، وَحَدٍّ ، وَقِصَاصٍ ، وَمَالِ يَتِيمٍ الْقُضَاةُ .
( وَ ) شَأْنُ ( النَّسَبِ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالسِّينِ ، أَيْ الِانْتِسَابِ لِأَبٍ مُعَيَّنٍ وَالْوَلَاءِ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودًا الْمُرَتَّبِ عَلَى الْإِعْتَاقِ الَّذِي هُوَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ ( وَحَدٍّ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ عُقُوبَةٍ لِمَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ كُفْرٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِحُرٍّ أَوْ رِقٍّ مُتَزَوِّجٍ مِلْكَ غَيْرِ سَيِّدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَوْ تَزَوَّجَ مِلْكَ سَيِّدِهِ فَلَهُ حَدُّهُ كَمَا يَأْتِي ( وَقِصَاصٍ ) فِي نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ ( وَمَالِ يَتِيمٍ ) وَفَاعِلُ " يَحْكُمُ " ( الْقُضَاةُ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ قَاضٍ لِخَطَرِ هَذِهِ الْعَشَرَةِ ، نَصَّ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الْأُولَى أَبُو الْأَصْبَغِ بْنُ سَهْلٍ ، وَزَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ الْأَخِيرَيْنِ قَالَهُ تت .
طفي فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الَّذِي زَادَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ وَمَا عَدَاهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْأَصْبَغِ ، كَذَا فِي أَصْلِ أَبِي الْأَصْبَغِ بْنِ سَهْلٍ وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَوْلَهَا وَلَا يَتَوَلَّى الْحَجْرَ إلَّا الْقَاضِي ، وَزَادَ بَعْدَ الثَّمَانِيَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَالنَّظَرُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ا هـ وَقَدْ أَحْسَنَ " س " عَزْوَهَا .
وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ لِحَاجَةٍ ، أَوْ غِبْطَةٍ ، أَوْ لِكَوْنِهِ مُوَظَّفًا ، أَوْ حِصَّةً ، أَوْ قَلَّتْ غَلَّتُهُ فَيُسْتَبْدَلُ خِلَافُهُ ، أَوْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ ، أَوْ جِيرَانِ سُوءٍ ، أَوْ لِإِرَادَةِ شَرِيكِهِ بَيْعًا وَلَا مَالَ لَهُ ، أَوْ لِخَشْيَةِ انْتِقَالِ الْعِمَارَةِ أَوْ الْخَرَابِ وَلَا مَالَ لَهُ ، أَوْ لَهُ وَالْبَيْعُ أَوْلَى
( وَإِنَّمَا يُبَاعُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ ( عَقَارُهُ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْيَتِيمِ ذِي الْوَصِيِّ ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لِخُصُوصِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيهِ خَاصَّةً كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ كَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْمُهْمَلُ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ ، وَأَنَّهُ يَبِيعُ لِحَاجَتِهِ فَقَطْ ، فَقَوْلُ " س " أَيْ عَقَارُ الْيَتِيمِ الَّذِي لَا وَصِيَّ لَهُ أَوْ لَهُ وَصِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ ، وَنَحْوُهُ لِلزَّرْقَانِيِّ وَتَبِعَهُمَا " ج " فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَوْلُهُمْ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ الْآخَرَ يَقُولُ لَهُ الْبَيْعُ لِغَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَتَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ قَالَهُ طفي ( لِحَاجَةٍ ) تَعَلَّقَتْ بِالْيَتِيمِ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ وَفَاءِ دَيْنٍ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِهِ ( أَوْ غِبْطَةٍ ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ رَغْبَةٍ فِي ثَمَنِهِ بِزِيَادَتِهِ عَلَى الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ قَدْرَ ثُلُثِهِ مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا ، وَقَوْلُهَا " أَنْ يَزِيدَ أَضْعَافَ الثَّمَنِ " لَعَلَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ فَتُّوحٍ سَحْنُونٌ وَيَكُونُ مَالُ الْمُبْتَاعِ حَلَالًا طَيِّبًا .
الْمُتَيْطِيُّ عَنْهُ إنْ كَانَ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
قُلْت : الْأَخْذُ بِظَاهِرِ هَذَا يُوجِبُ التَّعَذُّرَ .
أَبُو عِمْرَانَ : إنْ عَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّ مَالَ الْمُشْتَرِي كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ خَبِيثٌ ضَمِنَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَضْمَنُ وَلَهُ إلْزَامُ الْمُبْتَاعِ ثَمَنًا حَلَالًا أَوْ بَيْعُ الدَّارِ عَلَيْهِ ، وَزِيدَ فِي الْبَيْعِ لِلْغِبْطَةِ رَجَاؤُهُ أَنْ يُعَوَّضَ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ مَا هُوَ أَفْيَدُ مِنْهُ .
وَأَمَّا الْأَبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَبِيعُ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ مَصْلَحَةٌ كَالتَّجْرِبَةِ .
فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَبَ يَبِيعُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ الرَّبْعَ أَوْ
غَيْرَهُ لِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَوْ غَيْرِهَا ، وَفِعْلُهُ فِي رَبْعِ وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ سِلْعَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاحِ ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْوَصِيُّ وَحْدَهُ ا هـ ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ .
( أَوْ لِكَوْنِهِ ) أَيْ عَقَارِ الْيَتِيمِ ( مُوَظَّفًا ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ فَفَاءٍ ، أَيْ عَلَيْهِ مَالٌ يُدْفَعُ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ عَامٍ فَيُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَقَارٌ غَيْرُهُ مُوَظَّفٌ ( أَوْ ) لِكَوْنِهِ ( حِصَّةً ) أَيْ جُزْءًا مِنْ عَقَارٍ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ أَمْ لَا ، أَرَادَ شَرِيكُهُ الْبَيْعَ أَمْ لَا فَتُبَاعُ وَيُشْتَرَى لَهُ بِثَمَنِهَا عَقَارٌ كَامِلٌ لَا شَرِكَةَ فِيهِ ( أَوْ ) لِكَوْنِهِ ( قَلَّتْ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلَةً ( غَلَّتُهُ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا وَأَوْلَى مَا لَا غَلَّةَ لَهُ أَصْلًا فَيُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا كَثُرَتْ غَلَّتُهُ .
فِي تَوْضِيحِ " يُبَاعُ " فِي حَالَيْنِ ، الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَعُودَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَبِيعَهُ لِيُعَوِّضَ عَلَيْهِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ .
الثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ لِيُعَوِّضَهُ مَا هُوَ أَعْوَدُ مِنْهُ ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ قَائِلًا يُشْتَرَى لَهُ لِكَثْرَةِ فَائِدَتِهِ ( أَوْ ) لِكَوْنِهِ ( بَيْنَ ) رِبَاعِ ( ذِمِّيِّينَ ) فَيُبَاعُ وَيُشْتَرَى لَهُ رَبْعٌ بَيْنَ رِبَاعِ مُسْلِمَيْنِ إنْ كَانَ لِسُكْنَاهُ ، فَإِنْ كَانَ لِلْكِرَاءِ فَلَا يُبَاعُ لِغُلُوِّهِ غَالِبًا .
( أَوْ ) لِكَوْنِهِ بَيْنَ ( جِيرَانِ سُوءٍ ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ شَرٍّ وَفِسْقٍ كَزُنَاةٍ وَشَرَبَةِ خَمْرٍ فَيُبَاعُ وَيُشْتَرَى لَهُ رَبْعٌ بَيْنَ جِيرَانٍ عُدُولٍ ( أَوْ لِإِرَادَةِ شَرِيكِهِ ) أَيْ الْيَتِيمِ فِي الْعَقَارِ ( بَيْعًا ) لِنَصِيبِهِ وَهُوَ لَا يَنْقَسِمُ ( وَ ) الْحَالُ ( لَا مَالَ لَهُ ) أَيْ الْيَتِيمِ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ نَصِيبَهُ شَرِيكُهُ فَيُبَاعُ نَصِيبُ الْيَتِيمِ مَعَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ لَهُ بِثَمَنِهِ خِلَافَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِثَمَنِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ اشْتَرَى لَهُ بِهِ
وَلَا يُبَاعُ نَصِيبُهُ ( أَوْ لِخَشْيَةِ انْتِقَالِ الْعِمَارَةِ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ سُكْنَى النَّاسِ عَنْ الْعَقَارَاتِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ فَيَصِيرُ مُنْفَرِدًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ( أَوْ ) خَشْيَةِ ( الْخَرَابِ ) عَلَى عَقَارِ الْيَتِيمِ ( وَ ) الْحَالُ ( لَا مَالَ لَهُ ) أَيْ الْيَتِيمِ يُعَمَّرُ بِهِ ( أَوْ لَهُ ) مَالٌ يُعَمَّرُ بِهِ ( وَ ) الْحَالُ ( الْبَيْعُ ) وَشِرَاءُ عَقَارٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ لِتَعْمِيرٍ ( أَوْلَى ) أَيْ أَصْلَحُ مِنْ التَّعْمِيرِ لِكَثْرَةِ كُلْفَتِهِ .
تت وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا وَجْهٌ مُسْتَقِلٌّ وَعَدَّهُ الشُّرَّاحُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ وَاحِدًا ، وَزَادَ فِي الطُّرَرِ وَجْهًا وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ يُبْغَى عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ .
وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ زِيَادٍ : كَوْنَ الدَّارِ أَوْ الْحِصَّةِ مُثْقَلَةً بِمَغَارِمَ لَا تَفِي أُجْرَتُهَا بِهَا ، وَقَدْ يُقَالُ اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا بِالْمُوَظَّفِ وَابْنُ الطَّلَّاعِ : خَشْيَةَ النُّزُولِ ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِمَا يُخْشَى انْتِقَالُ الْعِمَارَةِ وَنَظَمَهَا الدَّمَامِينِيُّ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا ، وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ : إذَا بِيعَ رَبْعٌ لِلْيَتِيمِ فَبَيْعُهُ لِأَشْيَاءَ يُحْصِيهَا الذَّكِيُّ بِفَهْمِهِ قَضَاءٍ وَإِنْفَاقٍ وَدَعْوَى مُشَارِكٍ إلَى الْبَيْعِ فِيمَا لَا سَبِيلَ لِقَسْمِهِ وَتَعْوِيضِ كُلٍّ أَوْ عَقَارٍ مُحَرَّرٍ وَخَوْفِ نُزُولٍ فِيهِ أَوْ خَوْفِ هَدْمِهِ وَبَذْلِ الْكَثِيرِ الْحِلِّ فِي ثَمَنٍ لَهُ وَخِفَّةِ نَفْعٍ فِيهِ أَوْ ثِقَلِ غُرْمِهِ وَتَرْكِ جِوَارِ الْكُفْرِ أَوْ خَوْفِ عُطْلِهِ فَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الصَّوَابِ وَحُكْمِهِ وَنَظَمَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ : وَبَيْعُ عَقَارٍ عَنْ يَتِيمٍ لِقُوتِهِ وَهَدْمٍ وَمَا يُبْنَى بِهِ غَيْرُ حَاصِلِ وَدَيْنٍ وَلَا مَقْضِيَّ مِنْهُ سَوَاءُ قُلْ وَشِرْكٍ بِهِ يُرْجَى بِهِ مِلْكُ كَامِلِ وَدَعْوَى شَرِيكٍ لَا سَبِيلَ لِقَسْمِهِ وَذِي ثَمَنٍ حِلٍّ كَثِيرٍ وَطَائِلِ كَذَا الْعَارِ عَنْ نَفْعٍ وَمَا خِيفَ غَصْبُهُ أَوْ الدَّارِ فِي دُورِ الْيَهُودِ الْأَرَاذِلِ وَمَا نَالَهُ تَوْظِيفُ أَوْ ثِقْلُ مَغْرَمٍ
فَخُذْهَا جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ وَدَعْوَى الشَّرِيكِ الْبَيْعَ قَيَّدَ بَعْضُهُمْ بِلَا ثَمَنٍ يُعْطَى لِدَاعٍ مُفَاصِلِ .
وَحُجِرَ عَلَى الرَّقِيقِ إلَّا بِإِذْنٍ ، وَلَوْ فِي نَوْعٍ فَكَوَكِيلٍ مُفَوَّضٍ .
( وَحُجِرَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( عَلَى الرَّقِيقِ ) فِي مَالِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مُضَيِّعًا أَوْ حَافِظًا لَهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ وَحَقًّا فِي زِيَادَةِ قِيمَتِهِ بِمِلْكِهِ الْمَالَ وَكَثْرَتِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ قِنًّا أَوْ ذَا شَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ ( إلَّا ) مَا ارْتَفَعَ حَجْرُهُ عَنْهُ ( بِإِذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ نَصًّا أَوْ لُزُومًا كَمُكَاتَبٍ .
اللَّخْمِيُّ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ إنْ كَانَ الْإِذْنُ فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( فِي نَوْعٍ ) مَخْصُوصٍ كَالْبَزِّ ( فَ ) هُوَ ( كَوَكِيلٍ مُفَوَّضٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْوَاوِ مُثَقَّلًا فِي مُضِيِّ تَصَرُّفِهِ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ أَقْعَدَهُ لِلتِّجَارَةِ مَعَ النَّاسِ وَلَمْ يَعْلَمُوا تَخْصِيصَهَا بِنَوْعٍ .
وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ فِي نَوْعٍ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي صَنْعَةٍ كَالْقِصَارَةِ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ وَلَا فِي الْمُدَايَنَةِ .
الْمُصَنِّفُ لَوْ قَالَ لَهُ : أَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ فَلَيْسَ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ ، وَشَبَّهَهُ بِالْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ اتِّكَالًا عَلَى شُهْرَةِ حُكْمِهِ الْآتِي .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : الْأَوَّلُ : الْمَأْذُونُ لَهُ مَنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّجْرِ بِمَالِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ رِبْحُهُ لَهُ أَوْ لِسَيِّدِهِ أَوْ فِي مَالِ السَّيِّدِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلرَّقِيقِ ، فَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ فَوَكِيلٌ لَا مَأْذُونٌ أَفَادَهُ أَبُو الْحَسَنِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّابِعِ وَالثَّانِي مِلْكُ الْعَبْدِ الْمَالَ فِي الثَّانِي ، وَشَرْطُ رِبْحِهِ لِسَيِّدِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ ، وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّجْرِ بِمَالِ سَيِّدِهِ جَازَ لَهُ التَّجْرُ بِمَالِ نَفْسِهِ لَا الْعَكْسُ .
الثَّانِي : تَشْبِيهُهُ بِالْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ إنَّمَا هُوَ فِي مُضِيِّ تَصَرُّفِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا فِي جَوَازِ قُدُومِهِ عَلَيْهِ لِمَنْعِ قُدُومِهِ عَلَى التَّجْرِ فِي غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ ، فَإِنْ صَرَّحَ لَهُ
بِمَنْعِ غَيْرِهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ رُدَّ تَصَرُّفُهُ إنْ أَشْهَرَهُ وَإِلَّا فَلَا .
الثَّالِثُ : شَبَّهَهُ بِالْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ " وَكَّلْتُكَ " حَتَّى يُخَصِّصَ أَوْ يُعَمِّمَ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ الْإِذْنِ لِلرَّقِيقِ فِي التِّجَارَةِ فَيَكْفِي فِيهِ الْإِذْنُ الْمُطْلَقُ .
الرَّابِعُ : فِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْمُدَوَّنَةِ يُصَدَّقُ الرَّقِيقُ فِي دَعْوَى إذْنِ سَيِّدِهِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَظَاهِرُ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ .
الْخَامِسُ : قَيَّدَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ الْمَشْهُورَ مِنْ أَنَّهُ إنْ خَصَّهُ بِنَوْعٍ مَضَى تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ بِأَنْ لَا يُشْهِرَهُ وَلَا يُعْلِنَهُ ، فَإِنْ أَشْهَرَهُ وَأَعْلَنَهُ فَلَا وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ ، وَنَصُّهَا : وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِالدَّيْنِ وَالنَّقْدِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ لَزِمَهُ مَا دَايَنَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي التَّحْجِيرِ فِي الدَّيْنِ .
وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِالدَّيْنِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ إلَّا أَنْ يُشْهِرَ ذَلِكَ وَيُعْلِنَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَلَا يَلْزَمُهُ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ صِقِلِّيَّةَ ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى قَائِمٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي النَّاسُ لِأَيِّ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ أَقْعَدَهُ .
وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّهُ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ
يَعْلَمُونَ بَعْضًا دُونَ الْبَعْضِ .
فِي الْبَيَانِ دَلِيلُ قَوْلِ أَصْبَغَ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ أَعْلَنَ وَأَشْهَرَ بِقَصْرِ إذْنِهِ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ تَجَرَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ مَا دَايَنَ بِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ اخْتِلَافٌ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْجِيرِ فَعَلَى قَوْلِهَا لَا يَحْجُرُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا السُّلْطَانُ لَا يَنْفَعُهُ الْإِعْلَانُ بِقَصْرِ إذْنِهِ ، وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ " لِلسَّيِّدِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى عَبْدِهِ " أَنَّ الْإِشْهَارَ يَنْفَعُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ تَخْرِيجَهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ لَغْوِ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ ثَبَتَ الْإِذْنُ لَهُ فِيهِ ، وَعَمِلَ بِهِ لَغْوُهُ فِيمَا قَارَنَ إذْنَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ : فَفِي لُزُومِ تَخْصِيصِ السَّيِّدِ تَجْرَ عَبْدِهِ بِنَوْعٍ وَلَغْوِهِ فَيَعُمُّ .
ثَالِثُهَا إنْ أَعْلَنَ بِهِ .
وَرَابِعُهَا لِلَّخْمِيِّ إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَرَى أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا حُدَّ لَهُ وَإِلَّا فَالثَّانِي أَنْظَرُ الْحَطّ .
وَلَهُ أَنْ يَضَعَ وَيُؤَخِّرَ وَيُضَيِّفَ إنْ اسْتَأْنَفَ ، وَيَأْخُذَ قِرَاضًا ، وَيَدْفَعَهُ ، وَيَتَصَرَّفَ فِي كَهِبَةٍ ، وَأُقِيمَ مِنْهَا عَدَمُ مَنْعِهِ مِنْهَا وَلِغَيْرِ مَنْ أُذِنَ لَهُ الْقَبُولُ بِلَا إذْنٍ ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ
( وَلَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ( أَنْ يَضَعَ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُسْقِطَ بَعْضَ دَيْنٍ لَهُ ( وَ ) لَهُ أَنْ ( يُؤَخِّرَ ) دَيْنَهُ الْحَالَّ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ .
اللَّخْمِيُّ : إنْ لَمْ تَكْثُرْ الْوَضِيعَةُ وَيَبْعُدْ التَّأْخِيرُ ، وَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ وَالْبُعْدِ .
الْحَطّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا .
وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْجَرِّ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الْأَثْمَانِ طَلَبًا لِمَحْمَدَةِ الثَّنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَهُ ) أَنْ ( يُضَيِّفَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا ، وَالتَّحْتِيَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ مُثَقَّلَةٌ وَسُكُونُهَا عَلَى الثَّانِي النَّاسَ بِطَعَامٍ يَدْعُوهُمْ إلَيْهِ وَلَوْ عَقِيقَةً لِوَلَدِهِ ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
طفي فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْوَاسِعِ الْمَالِ أَنْ يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ وَيَطْعَمَ ذَلِكَ الطَّعَامَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا لَهُ أَنْ يَصْنَعَ طَعَامًا وَيَدْعُوَ إلَيْهِ النَّاسَ ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الْمَأْذُونُ اسْتِئْلَافًا فِي التِّجَارَةِ فَيَجُوزَ .
أَبُو الْحَسَنِ : قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الْمَأْذُونُ اسْتِئْلَافًا فِي التِّجَارَةِ فَيَجُوزَ " هَذَا يَعُودُ عَلَى غَيْرِ الْعَقِيقَةِ .
طفي وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ تت وَ " س " وَلَوْ عَقِيقَةً وَأَنَّهُ غَرَّهُمَا ظَاهِرُ لَفْظِهَا ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْوَضْعِ وَالتَّأْخِيرِ وَالتَّضْيِيفِ ( إنْ اسْتَأْنَفَ ) الْمَأْذُونُ بِهَا لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الْمَنْعُ مِنْهَا إنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ بِهَا لَهَا .
( تَنْبِيهٌ ) : فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُعِيرَ مِنْ مَالِهِ عَارِيَّةً مَأْذُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ
مَأْذُونٍ ، وَكَذَلِكَ الْعَطِيَّةُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لَا يُعِيرُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ غَيْرُهُ : لَا بَأْسَ أَنْ يُعِيرَ دَابَّتَهُ لِلْمَكَانِ الْقَرِيبِ ا هـ .
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يَأْخُذَ ) الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ( قِرَاضًا ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَا لَا يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ ، وَجُزْؤُهُ كَخَرَاجِهِ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَلَا يَتْبَعُهُ إنْ عَتَقَ لِبَيْعِهِ بِهِ مَنَافِعَ نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ إجَارَةَ نَفْسِهِ وَالْمُسَاقَاةُ كَالْقِرَاضِ .
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يَدْفَعَهُ ) أَيْ الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التَّجْرِ الْقِرَاضَ لِأَنَّ أَخْذَهُ وَدَفْعَهُ مِنْ التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي اسْتِلْزَامِ الْإِذْنِ فِي التَّجْرِ أَخْذَ الْقِرَاضِ وَإِعْطَاءَهُ نَقْلًا الصِّقِلِّيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَجْرٌ أَوْ إجَارَةٌ أَوْ إيدَاعٌ لِلْغَيْرِ .
ا هـ .
وَلَهُ التَّسَرِّي وَقَبُولُ الْوَدِيعَةِ وَأَخْذُهُ اللُّقَطَةَ وَهِبَةِ الثَّوَابِ لَا التَّوَكُّلِ وَالِالْتِقَاطِ لِلَّقِيطِ إلَّا بِإِذْنٍ .
( وَ ) لَهُ أَنْ ( يَتَصَرَّفَ ) أَيْ الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التَّجْرِ ( فِي كَهِبَةٍ ) وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ لَهُ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ لَا بِهِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَلَعَلَّهُ نَصَّ عَلَى هَذَا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنٍ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِ لِطَرَيَانِهِ بَعْدَهُ ( وَأُقِيمَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ فُهِمَ ( مِنْهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ ( عَدَمُ مَنْعِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ( مِنْ ) قَبُولِ ( هَا ) أَيْ الْهِبَةِ أَقَامَهُ عِيَاضٌ مِنْ قَوْلِهَا وَمَا وُهِبَ لِلْمَأْذُونِ وَقَدْ اغْتَرَقَهُ دَيْنٌ فَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ شَيْءٌ وَلَا مِنْ خَرَاجِهِ وَأَرْشِ جُرْحِهِ وَقِيمَتِهِ إنْ قُتِلَ وَمَا فَضَلَ بِيَدِهِ مِنْ خَرَاجِهِ ، وَإِنَّمَا لَهُمْ ذَلِكَ فِي مَالٍ وُهِبَ
لِلْعَبْدِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ الْعَبْدُ .
ا هـ .
وَالْإِقَامَةُ مِنْ قَوْلِهَا فَقَبِلَهُ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ اسْتِقْلَالُهُ بِالْقَبُولِ .
( وَ لِ ) رَقِيقٍ ( غَيْرِ مَنْ ) أَيْ رَقِيقٍ ( أُذِنَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الذَّالِ ( لَهُ ) فِي التَّجْرِ ( الْقَبُولُ ) لِلْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ فِيهِ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي كَهِبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ مُعْطِيهِ عَدَمَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
ابْنُ الْفَرَسِ الْعَمَلُ بِشَرْطِ الْمُعْطِي الْمَذْكُورِ خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } أَيْ تَحْتَاجُونَ لَهَا فِيهِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَا تَحْتَاجُونَ لَهُ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لَهُمْ ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ مُخَصِّصَةٌ وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّهَا كَاشِفَةٌ ( وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا قَامَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ وَطَلَبُوا تَفْلِيسَهُ أَوْ أَرَادَ سَيِّدُهُ مَنْعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَإِبْطَالَ إذْنِهِ لَهُ ( كَ ) الْحَجْرِ عَلَى الْمَدِينِ ( الْحُرِّ ) فِي كَوْنِ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ الْقَاضِي لَا الْغُرَمَاءُ وَلَا السَّيِّدُ ، وَقَبُولِ إقْرَارِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ لَا بَعْدَهُ ، وَمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ إلَى غَيْرِ هَذَا مِمَّا مَرَّ ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إسْقَاطُ الدَّيْنِ عَنْهُ ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فَلِسَيِّدِهِ إسْقَاطُ الدَّيْنِ الَّذِي تَدَايَنَهُ بِلَا إذْنِهِ عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
وَقِيلَ لِسَيِّدِهِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ .
وَفَهِمَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ .
اللَّخْمِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَطُلْ تَجْرُهُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ وَتَرَدَّدَ النُّوَيْرِيُّ فِي كَوْنِهِ خِلَافًا أَوْ تَقْيِيدًا
أَوْ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ الْأَوَّلِ .
طفي فَرَضَ تت الْمَسْأَلَةَ فِي الْحَجْرِ لِقِيَامِ الْغُرَمَاءِ ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَتَبِعَهُ جَمِيعُ مَنْ وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ شُرَّاحِهِ ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي قِيَامِ الْغُرَمَاءِ وَالْحَجْرِ كَالْحُرِّ .
وَقِيلَ يَحْجُرُ السَّيِّدُ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مَا لَمْ يَطُلْ تَجْرُهُ يَعْنِي أَنَّهُ فِي قِيَامِ غُرَمَائِهِ وَحَجْرِهِمْ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فَجَعَلَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُمَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ فِي قِيَامِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ .
وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ وَمَعْنَى الْحَجْرُ عَلَيْهِ إبْطَالُ إذْنِهِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَرَدُّهُ لِلْحَجْرِ ، وَبِهَذَا قَرَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَالْحَجْرُ الْمَذْكُورُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لَا ، وَيَتَبَيَّنُ لَك مَا قُلْنَا بِنَقْلِ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ لِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَصَدَ اخْتِصَارَهُ ، وَنَصُّهُ : وَلِلسَّيِّدِ الْحَجْرُ عَلَى عَبْدِهِ بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ وَإِنْ اغْتَرَقَ الدَّيْنُ مَا بِيَدِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ التِّجَارَةِ ثُمَّ يَكُونُ مَا بِيَدِهِ لِغُرَمَائِهِ دُونَ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ فَيَكُونَ لَهُ أَوْ يَكُونَ هُوَ أَحَدَهُمْ فَيُشَارِكَهُمْ ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْجُرُوا عَلَى الْعَبْدِ ، لَكِنْ لَهُمْ الْقِيَامُ بِدُيُونِهِمْ فَيُفَلِّسُونَهُ وَهُوَ فِي هَذَا كَالْحُرِّ .
وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ دُونَ السُّلْطَانِ حَتَّى يَكُونَ السُّلْطَانُ هُوَ الَّذِي يُوقِفُهُ لِلنَّاسِ فَيَأْمُرُ بِهِ فَيُطَافُ بِهِ حَتَّى يُعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ دُونَ السُّلْطَانِ فَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ .
وَقَالَ
غَيْرُهُ حَيْثُ رَدَّهُ السَّيِّدُ فَهُوَ مَرْدُودٌ .
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ أَجْزَأَ حَجْرُ السَّيِّدِ ، وَذَكَرَهُ عِنْدَ مَنْ خَالَطَهُ أَوْ عَامَلَهُ ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ الْإِذْنُ لَهُ كَانَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِلسُّلْطَانِ يُسَمِّعُ ذَلِكَ وَيُظْهِرُهُ ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْهُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ هُوَ كَالْحُرِّ فِي كِلَيْهِمَا ، إحْدَاهُمَا عِنْدَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ وَتَفْلِيسِهِمْ .
وَالْأُخْرَى : الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى إبْطَالِ الْإِذْنِ فِي التَّجْرِ وَرَدِّهِ لِلْحَجْرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَجَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً ، وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الْحَجْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ قِيَامَ الْغُرَمَاءِ ، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهَا وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلِيِّهِ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَرْفَعُهُ لِلسُّلْطَانِ لِيُشْهِرَهُ لِلنَّاسِ ، وَيُسَمِّعُ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ ، فَمَنْ بَاعَهُ أَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَا يَنْبَغِي لِسَيِّدِهِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيُوقِفُهُ السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ ، وَيَأْمُرُ بِهِ فَيُطَافُ بِهِ حَتَّى يُعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ .
أَبُو الْحَسَنِ لَا يَنْبَغِي هُنَا عَلَى بَابِهِ ا هـ ، وَانْظُرْهُ مَعَ نَقْلِ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا : وَإِذَا لَحِقَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَدَيْنُهُ فِي مَالِهِ ، وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ ، أَوْ يَكُونَ السَّيِّدُ دَايَنَهُ فَيَكُونَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْجُرُوا عَلَيْهِ الْحَجْرَ الَّذِي يَحْجُرُهُ السَّيِّدُ بِأَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِي مَالِهِ .
وَأَمَّا الْحَجْرُ الَّذِي هُوَ التَّفْلِيسُ فَهُوَ لَهُمْ .
طفي فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا الْمَسْأَلَتَانِ وَأَنَّهُ فِيهِمَا كَالْحُرِّ ، وَأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَا يُقَيَّدُ بِقِيَامِ الْغُرَمَاءِ فَافْهَمْ فَقَدْ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ وَأَطَلْنَا بِالنُّقُولِ إيضَاحًا لِلْحَقِّ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَأُخِذَ مِمَّا بِيَدِهِ وَإِنْ مُسْتَوْلَدَتَهُ : كَعَطِيَّتِهِ ، وَهَلْ إنْ مُنِحَ لِلدَّيْنِ ؟ أَوْ مُطْلَقًا ؟ تَأْوِيلَانِ ، لَا غَلَّتِهِ ، وَرَقَبَتِهِ
( وَأُخِذَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الدَّيْنُ الثَّابِتُ عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التَّجْرِ سَوَاءٌ حُجِرَ عَلَيْهِ أَمْ لَا ( مِمَّا ) أَيْ الْمَالِ الَّذِي ( بِيَدِهِ ) أَيْ الْمَأْذُونِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي لَهُ سُلْطَةٌ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ أَمْ لَا ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَوْلَدَتِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ مَا بِيَدِهِ ( مُسْتَوْلَدَتَهُ ) أَيْ أُمَّ وَلَدِ الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ أَوْلَدَهَا قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ أَوْ رِبْحِهِ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ وَلَا شَائِبَةَ حُرِّيَّةٍ فِيهَا وَإِلَّا لَكَانَتْ أَشْرَفَ مِنْ سَيِّدِهَا وَكَمُسْتَوْلَدَتِهِ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ وَحَاشِيَتُهُ الْقَرِيبَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدِهِ حَامِلًا فَلَا تُبَاعُ حَتَّى تَلِدَ لِأَنَّ جَنِينَهَا لِسَيِّدِهِ وَلَهُ بَيْعُ مَنْ ذُكِرَ لِغَيْرِ الدَّيْنِ لَكِنْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِرَعْيِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ عَتَقَ .
وَإِنْ بَاعَ بِلَا إذْنِهِ مَضَى لِأَنَّ رَعْيَ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يُبَاعُ وَلَدُهُ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ لَا لَهُ ، وَإِنْ بِيعَ فُسِخَ بَيْعُهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عِتْقِهِ عَلَيْهِ إنْ عَتَقَ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ خَرَاجِهِ وَكَسْبِهِ فَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ لِأَنَّهَا لِسَيِّدِهِ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ حَامِلًا مِنْهُ أَوْ مَعَ وَلَدٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَكِنْ تُبَاعُ فِيهِ مَعَ وَلَدِهَا وَإِنْ حَدَثَ الدَّيْنُ بَعْدَ شِرَائِهَا فَالْوَلَدُ لِسَيِّدِهِ ، وَتُبَاعُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا إذْ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَعَ وَلَدِهَا بَعْدَ تَقْوِيمِهِمَا لِيُعْلَمَ مَا يَخُصُّهَا فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ وَمَا يَخُصُّ وَلَدَهَا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ بِيعَتْ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ ظَهَرَتْ حَامِلًا فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحَقِّهِ فِي حَمْلِهَا .
وَقِيلَ لَا يَفْسَخُهُ وَشَمِلَ الدَّيْنُ دَيْنَ سَيِّدِهِ فَيُحَاصِصُ بِهِ الْغُرَمَاءَ وَلَا يُحَاصِصُهُم بِمَا دَفَعَهُ لَهُ
لِتَجْرٍ إلَّا أَنْ يُعَامِلَهُ بَعْدَهُ بِسَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ صَحِيحٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ : لَوْ بَاعَ وَلَدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ رُدَّ بَيْعُهُ إذْ لَا اخْتِلَافَ فِي عِتْقِهِ عَلَيْهِ إذَا عَتَقَ .
قُلْت : بَلْ لِأَنَّهُ مَحْضُ مِلْكِ سَيِّدِهِ ، وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ : لَا تُبَاعُ أُمُّ وَلَدِهِ لِغُرَمَائِهِ وَهِيَ حَامِلٌ ، بَلْ حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا لِسَيِّدِهِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ بَيْعُهَا بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا ، وَفِي التَّوْضِيحِ إذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَأْذُونِ وَأَمَتُهُ حَامِلٌ مِنْهُ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُؤَخَّرُ بَيْعُهَا حَتَّى تَضَعَ ، وَيَكُونُ وَلَدُهَا لِلسَّيِّدِ وَتُبَاعُ بِوَلَدِهَا بَعْدَ تَقْوِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ لِيُعْلَمَ كُلُّ مَا يَبِيعُ بِهِ مِلْكَهُ .
وَشَبَّهَ فِي الْأَخْذِ فِي الدَّيْنِ فَقَالَ ( كَعَطِيَّتِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ هِبَةٍ لَهُ أَوْ صَدَقَةٍ عَلَيْهِ أَوْ وَصِيَّةٍ لَهُ فَتُؤْخَذُ فِي دَيْنِهِ .
( وَهَلْ ) أَخْذُهَا فِيهِ ( إنْ ) كَانَ ( مُنِحَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ أُعْطِيَ الْمَأْذُونُ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ ( لِ ) قَضَاءِ ( الدَّيْنِ ) بِهَا فَإِنْ لَمْ يُمْنَحْ لَهُ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ كَخَرَاجِهِ ( أَوْ ) يَقْضِي دَيْنَهُ بِهَا ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَنْحِهِ لِلدَّيْنِ ، فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) الْأَوَّلُ لِلْقَابِسِيِّ ، وَالثَّانِي لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ .
تت وَهُمَا فِيمَا وُهِبَ لَهُ بَعْدَ قِيَامِهِمْ .
قَالَ فِي الشَّامِلِ وَاخْتَصَّ سَيِّدُهُ بِمَا وُهِبَ لَهُ قَبْلَ قِيَامِهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ ، وَالدَّيْنُ قَدْرُ مَالِهِ وَإِلَّا فَلَا .
طفي لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا وُهِبَ لَهُ قَبْلَ قِيَامِهِمْ وَبَعْدَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَيْدَ لِغَيْرِهِ وَلَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَعْنَى لَهُ ، وَغَرَّهُ كَلَامُ الشَّامِلِ الَّذِي نَقَلَهُ مُحَرَّفًا كَمَا حَرَّفَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَكَلَّفَ لَهُ مَعْنًى يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَشَرَحَهُ
مُؤَلِّفُهُ عَلَى هَذَا التَّحْرِيفِ ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ الشَّامِلِ وَاخْتَصَّ سَيِّدُهُ بِمَا رَهَنَهُ ؛ بِالرَّاءِ وَالنُّونِ بَعْدَ الْهَاءِ وَكَأَنَّهَا إصْلَاحٌ ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْمَدَنِيِّ شَارِحِ الشَّامِلِ فَقَالَ : أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا فِي النَّوَادِرِ .
قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إذَا بَاعَ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ سِلْعَةً ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا فَلَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ ، فَإِنْ كَانَ دَيْنُ السَّيِّدِ بِقَدْرِ مَالِ الْعَبْدِ وَمُبَايَعَتُهُ مُبَايَعَةَ مِثْلِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ .
وَقِيلَ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ا هـ ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي كَلَامِ الشَّامِلِ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُحَاصِصُ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ عَبْدِهِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ مَالٍ فَتَجَرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامَلَهُ بِذَلِكَ فَأَسْلَفَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ رَهْنًا فِي ذَلِكَ كَانَ السَّيِّدُ أَحَقَّ بِهِ ، وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْ سَيِّدِهِ سِلْعَةً بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لَا يُشْبِهُ الْمُعْتَادَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ تَوْلِيجٌ لِسَيِّدِهِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ بَيْعًا يُشْبِهُ الْبَيْعَ فَهُوَ يُحَاصِصُ بِهِ الْغُرَمَاءَ .
ا هـ .
فَقَوْلُ الشَّامِلِ وَالدَّيْنُ قَدْرُ مَالِهِ هُوَ قَوْلُهَا بَيْعًا صَحِيحًا وَقَوْلُهَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا هُوَ قَوْلُهَا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لَا يُشْبِهُ الثَّمَنَ ، وَقَدْ نَبَّهَ " ح " عَلَى كَلَامِ الشَّامِلِ وَتَبِعَ " س " تت .
( لَا ) يُؤْخَذُ دَيْنُ الْمَأْذُونِ مِنْ ( غَلَّتِهِ ) أَيْ الْمَأْذُونِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ الْإِذْنِ فَلَا تُؤْخَذُ فِي دَيْنِهِ وَتُؤْخَذُ فِيهِ غَلَّتُهُ الَّتِي بِيَدِهِ قَبْلَ الْإِذْنِ لِدُخُولِهَا فِي الْمَالِ الْمَأْذُونِ فِي التَّجْرِبَةِ ضِمْنًا ( وَ ) لَا يُؤْخَذُ دَيْنُ الْمَأْذُونِ مِنْ ثَمَنِ ( رَقَبَتِهِ )
أَيْ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ دُيُونَ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ الَّتِي هِيَ مِلْكُ سَيِّدِهِ وَمِثْلُ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ أَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ .
تت وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ اسْتَهْلَكَهُ فِي التَّجْرِ تَعَدِّيًا أَوْ لَا كَانَ وَغْدًا أَوْ لَا ، وَفِيهِمَا خِلَافٌ .
طفي هَذَا الْخِلَافُ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اسْتَهْلَكَهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَحَكَى يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَهَا تَعَدِّيًا فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ وَغْدًا لَا يُودَعُ مِثْلُهُ لَا يُتْبَعُ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرِيمٌ ، فَكَغَيْرِهِ ، وَلَا يُمَكَّنُ ذِمِّيٌّ مِنْ تَجْرٍ فِي : كَخَمْرٍ ؛ إنْ اتَّجَرَ لِسَيِّدِهِ ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرِيمٌ ) أَيْ ذُو دَيْنٍ عَلَى الْمَأْذُونِ ( فَ ) الْمَأْذُونُ ( كَغَيْرِهِ ) مِمَّنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي أَنَّ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعَ مَالِهِ وَعَدَمَ قَبُولِ إقْرَارِهِ وَلَوْ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ .
طفي تَقْرِيرُ تت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالِانْتِزَاعِ فَقَطْ صَوَابٌ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَأَمَّا الِانْتِزَاعُ إذَا لَمْ يَكُنْ غُرَمَاءُ فَكَغَيْرِهِ فَزِيَادَةُ " س " وَ " ج " " وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَاكِمٍ " غَيْرُ صَوَابٍ لِمَا سَبَقَ لَك مِنْ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ شَاسٍ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ كَالْحُرِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَرَّهُمَا تَقْرِيرُ قَوْلِهِ ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ مَعَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ .
( وَلَا يُمَكَّنُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْكَافِ مُثَقَّلًا رَقِيقٌ ( ذِمِّيٌّ ) غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّجْرِ أَيْ يَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُمَكِّنَ عَبْدَهُ الذِّمِّيَّ غَيْرَ الْمَأْذُونِ ( مِنْ تَجْرٍ فِي كَخَمْرٍ ) وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ ( إنْ اتَّجَرَ ) الذِّمِّيُّ ( لِسَيِّدِهِ ) لِأَنَّهَا كَتِجَارَةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ سَوَاءٌ بَاعَ الذِّمِّيُّ ذَلِكَ لِذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ ، لَكِنْ إنْ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ أُرِيقَتْ وَكُسِرَ إنَاؤُهَا ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الذِّمِّيُّ ثَمَنَهَا تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَدَبًا لَهُ وَإِنْ قَبَضَهُ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ " كَخَمْرٍ " فَيَحْرُمَ تَمْكِينُهُ مِنْ تَجْرٍ فِيمَا يُبَاحُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَمُنِعَ ذِمِّيٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَفْهُومِ مَا هُنَا ، وَإِنَّمَا خَصَّ كَالْخَمْرِ هُنَا لِقَوْلِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَّجِرْ لِسَيِّدِهِ بِأَنْ اتَّجَرَ لِنَفْسِهِ فِي كَالْخَمْرِ ( فَقَوْلَانِ ) فِي جَوَازِ تَمْكِينِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَعَلَيْهِ
فَيَحِلُّ لِسَيِّدِهِ تَنَاوُلُ مَا أَتَى بِهِ إنْ انْتَزَعَهُ مِنْهُ ، وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى خِطَابِهِمْ بِهَا ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ لِقَوْلِهِ إنْ تَجَرَ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ تَجَرَ بِمَالِ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ ، بَلْ وَكِيلٍ لَهُ وَنَحْوُهُ فِي " د " وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّارِحِ يُقَيِّدُهُ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَأْذُونِ لَكِنْ فِي فَرْضٍ خَاصٍّ وَهُوَ تَجْرُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّ الرُّبُعَ لِلسَّيِّدِ إذْ لَا يُقَالُ فِيهِ حِينَئِذٍ تَجَرَ لِسَيِّدِهِ قَالَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ نَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَقَرَّرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا قَرَّرَهُ " ز " وَغَيْرُهُ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ ، وَجَوَازُ تَمْكِينِهِ إنْ تَجَرَ لِنَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةُ وَنَصُّهَا : وَلَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ أَوْ بَيْعِهِمَا أَوْ شِرَائِهِمَا ، أَوْ يَأْتِي الْكَنِيسَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ دِينُهُمْ ا هـ .
عِيَاضٌ قِيلَ مُرَادُهُ بِعَبْدِهِ هُنَا مُكَاتَبُهُ إذْ لَا حَجْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ هُوَ فِي مَأْذُونٍ لَهُ يَتَّجِرُ بِمَالِ نَفْسِهِ .
وَقِيلَ : فِي قُوتِهِ ، وَقِيلَ : فِي مَالٍ تَرَكَهُ سَيِّدُهُ تَوْسِعَةً لَهُ ا هـ .
طفي نَحْوُ عِبَارَتِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَمُرَادُهُمَا بِعَدَمِ التَّمْكِينِ مَنْعُ أَخْذِ السَّيِّدِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَبِالتَّمْكِينِ جَوَازُهُ لَا حَقِيقَةُ التَّمْكِينِ ، إذْ لَا يَسُوغُ لَهُ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّجْرِ مُطْلَقًا فِيمَا ذُكِرَ ، وَفِي غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْوَكَالَةَ : وَمُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَتَقَاضٍ ، وَبِالْحَمْلِ عَلَى مَا قُلْنَا يُوَافِقُ قَوْلَهَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَتْجِرَ إلَخْ ، وَيُوَافِقُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَيَدُلُّ عَلَى الَّذِي قُلْنَاهُ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ ، وَقَصَدَ ابْنُ الْحَاجِبِ اخْتِصَارَهُ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُمَا عَلَيْهِ ،
وَنَصُّ الْجَوَاهِرِ اللَّخْمِيُّ : لَا يَنْبَغِي لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ إمَّا لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِالرِّبَا أَوْ يَخُونُ فِي مُعَامَلَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنْ تَجَرَ وَرَبِحَ وَعَمِلَ بِالرِّبَا تَصَدَّقَ السَّيِّدُ بِالْفَضْلِ ، فَإِنْ جَهِلَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ فِي بَيْعِهِ اُسْتُحْسِنَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ بِلَا إجْبَارٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْكِتَابِ لَا أَرَى لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَتْجِرَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ وَلَا يَأْمُرَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } الْمَائِدَةَ اللَّخْمِيُّ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَتَجَرَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَمَا أَتَى بِهِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ، وَيَخْتَلِفُ إذَا اتَّجَرَ مَعَ أَهْلِ دِينِهِ فَأَرْبَى أَوْ تَجَرَ فِي الْخَمْرِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ .
يَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا بَايَعَ مُسْلِمًا ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا يَسُوغُ لِلسَّيِّدِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ يَبِيعُ الْخَمْرَ ، هَذَا إذَا كَانَ تَجْرُهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ تَجَرَ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَوَلِّي السَّيِّدِ ذَلِكَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ .
ا هـ .
فَكَأَنَّهُمَا فَهِمَا مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ .
.
.
إلَخْ جَوَازَ التَّمْكِينِ حَقِيقَةً فَيُقَرَّرُ كَلَامُهُمَا بِهِ وَعَلَيْهِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي كَخَمْرٍ ا هـ .
كَلَامُ طفي الْبُنَانِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَعَلَى مَرِيضٍ حَكَمَ الطِّبُّ بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ : كَسِلٍّ ، وَقُولَنْجِ وَحُمَّى قَوِيَّةٍ ، وَحَامِلِ سِتَّةٍ ، وَمَحْبُوسٍ لِقَتْلٍ أَوْ لِقَطْعٍ ، إنْ خِيفَ الْمَوْتُ
( وَ ) حُجِرَ ( عَلَى ) شَخْصٍ ( مَرِيضٍ ) أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ لَهُمَا ( حَكَمَ الطِّبُّ ) أَيْ فَنُّهُ أَوْ أَهْلُهُ ( بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ ) أَيْ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ لِاعْتِيَادِهِ وَلَوْ لَمْ يَغْلِبْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِلْمَازِرِيِّ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْكَثْرَةِ الْغَلَبَةُ فَيُقَالُ فِي الشَّيْءِ كَثِيرٌ إذَا سَاوَى وُجُودُهُ عَدَمَهُ وَالْغَلَبَةُ زِيَادَةُ الْوُجُودِ عَلَى الْعَدَمِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ : وَالْمَخُوفُ مَا يَحْكُمُ الطِّبُّ أَنَّ الْمَوْتَ بِهِ كَثِيرٌ .
خَلِيلٌ مُرَادُهُ بِالْكَثِيرِ مَا يَشْتَهِرُ الْمَوْتُ عَنْهُ فَلَا يُتَعَجَّبُ مِنْ حُصُولِهِ مِنْهُ لَا لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْمَرَضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ .
وَمَثَّلَ لِلْمَرَضِ الَّذِي حَكَمَ الطِّبُّ بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ فَقَالَ ( كَسِلٍّ ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ اللَّامِ مَرَضٌ يَنْحُلُ بِهِ الْبَدَنُ ، فَكَأَنَّ الرُّوحَ تَنْسَلُّ مَعَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا كَمَا تَنْسَلُّ الْعَافِيَةُ ( وَقُولَنْجِ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا أَوْ فَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا مَرَضٌ مِعَوِيٌّ يَعْسُرُ مَعَهُ خُرُوجُ الثُّقْلُ ، وَالرِّيحُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ .
قَوْلُهُ : مِعَوِيٌّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ وَفُتِحَ نِسْبَةً لِلْمِعَى لِحُلُولِهِ فِيهَا أَوْ يُقَالُ فِيهِ : قُولُونُ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ ، وَفِي نُزْهَةِ دَاوُد الْقُولَنْجُ رِيحٌ غَلِيظٌ يُحْتَبَسُ فِي الْمِعَى وَمِثْلُهُ ذَاتُ الْجَنْبِ وَإِسْهَالُ دَمٍ .
( وَحُمَّى ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ ( قَوِيَّةٍ ) أَيْ مُجَاوِزَةٍ الْعَادَةَ فِي الْحَرَارَةِ وَإِزْعَاجِ الْبَدَنِ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ فَتَأْتِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ لَا تُخَافُ ، وَأَوَّلُ حُمَّى نَزَلَتْ بِالْأَرْضِ حُمَّى الْأَسَدِ بِسَفِينَةِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخَافَ مَنْ فِيهَا فَسُلِّطَتْ عَلَيْهِ فَشَغَلَتْهُ .
( وَ ) مَرْأَةٍ ( حَامِلِ ) جَنِينٍ بِتَمَامِ ( سِتَّةٍ ) مِنْ الْأَشْهُرِ وَدَخَلَتْ فِي السَّابِعِ وَلَوْ بِيَوْمٍ ، وَيَكْفِي فِيهِ إخْبَارُهَا فَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ ، وَبِهَذَا فَسَّرَ
عِيَاضٌ الْمَذْهَبَ ، وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ بِدُخُولِهَا فِي السَّادِسِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَالْحَامِلُ تَبْلُغُ سِتَّةً ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُهُمَا أَفَادَهُ تت ، وَقَصَرَهُ عب عَلَى الْأَوَّلِ قَائِلًا أَيْ الْحَامِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهِيَ لَا تُنْسَبُ لَهَا إلَّا إذَا أَتَتْ عَلَى جَمِيعِهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَا ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمَخُوفِ بُلُوغَ حَمْلِ الْمَرْأَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ .
الْمُتَيْطِيُّ الْحَامِلُ كَالصَّحِيحَةِ حَتَّى تَدْخُلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَقِيلَ تَدْخُلُ فِي السَّابِعِ .
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَتَّى يَأْخُذَهَا الطَّلْقُ وَبِهِ أَخَذَ الدَّاوُدِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ مِنْ أَوَّلِ حَمْلِهَا ثُمَّ قَالَ : وَدُخُولُهَا فِي السَّابِعِ هُوَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ عِيَاضٌ الْمَذْهَبَ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُوَطَّإِ فَانْظُرْهُ .
( وَ ) يُحْجَرُ عَلَى ( مَحْبُوسٍ لِقَتْلٍ ) ثَبَتَ عَلَيْهِ مُوجَبُهُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ وَلَا يُحْجَرُ عَلَى مَحْبُوسٍ بِتُهْمَةٍ حَتَّى يُتَحَقَّقَ أَمْرُهُ ( أَوْ ) مَحْبُوسٍ ( لِقَطْعٍ ) مِنْ خِلَافٍ لِثُبُوتِ حِرَابَتِهِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ ( إنْ خِيفَ ) عَلَيْهِ ( الْمَوْتُ ) بِسَبَبِ الْقَطْعِ تت ظَاهِرُهُ عَطْفُ " لِقَطْعٍ " عَلَى لِقَتْلٍ فَيُفِيدُ الْحَجْرَ عَلَى مَنْ حُبِسَ لِلْقَطْعِ إنْ خِيفَ مَوْتُهُ بِهِ ، وَيَحْتَمِلُ تَعَلُّقَ " لِقَطْعٍ إنْ " بِمَحْذُوفٍ عُطِفَ عَلَى " مَحْبُوسٍ " أَيْ أَوْ مُقَرَّبٍ لِقَطْعٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْمُقَرَّبِ لَهُ الْحَجْرُ عَلَى مَنْ حُبِسَ لَهُ لِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَى الْمُقَرَّبِ أَشَدُّ ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ بِهِ .
عب : أَوْ مُقَرَّبٍ لِقَطْعٍ لَا مَحْبُوسٍ لَهُ إنْ خِيفَ عَلَى الْمُقَرَّبِ لِلْقَطْعِ الْمَوْتُ ، وَنَحْوُهُ لِلْخَرَشِيِّ .
وَحَاضِرٍ صَفَّ الْقِتَالِ ، لَا كَجَرَبٍ ، وَمُلَجَّجٍ بِبَحْرٍ ، وَلَوْ حَصَلَ الْهَوْلُ فِي غَيْرِ مُؤْنَتِهِ وَتَدَاوِيهِ وَمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ
( وَ ) يُحْجَرُ عَلَى شَخْصٍ ( حَاضِرٍ صَفَّ الْقِتَالِ ) وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ جُرْحٌ لَا صَفَّ النَّظَّارَةِ أَوْ الرَّدِّ أَوْ التَّوَجُّهِ لِلْقِتَالِ ، وَالنَّظَّارَةُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ الْمَغْلُوبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُجَاهِدِينَ فَيَنْصُرُونَهُ وَالرَّادُّونَ الَّذِينَ يَرُدُّونَ مَنْ فَرَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَسْلِحَةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالتَّوَجُّهُ التَّهَيُّؤُ لِلْقِتَالِ قَبْلَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ الْبَاجِيَّ : لَمْ أَرَ فِي صَفِّ الرَّدِّ نَصًّا ، وَأَرَى أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا بِكَوْنِهِ فِي صَفِّ الْمُقَاتِلَةِ ، و مِثْلُ حَاضِرٍ صَفَّ الْقِتَالِ النَّاسُ زَمَنَ الْوَبَاءِ وَنَحْوِهِ الَّذِي أَذْهَبَ نِصْفَهُمْ أَوْ ثُلُثَهُمْ أَفْتَى بِهِ الْبُرْزُلِيُّ قَائِلًا إنَّهُ كَالْمَرَضِ .
قَالَ : وَأَفْتَى صَاحِبُنَا الْقَاضِي الْعَدْلُ أَبُو مَهْدِيٍّ عِيسَى قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِأَنَّهُمْ كَالْأَصِحَّاءِ حَتَّى يُصِيبَهُمْ الْمَرَضُ الْمَذْكُورُ ، وَأَفْتَى بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَبَّابُ ، وَنَقَلَ كَلَامَهُ ابْنُ هِلَالٍ فِي نَوَازِلِهِ وَكَلَامُ الْبُرْزُلِيُّ قَالَهُ الْبُنَانِيُّ .
( لَا ) يُحْجَرُ بِخَفِيفِ مَرَضٍ ( كَجَرَبٍ ) وَرَمَدٍ وَحُمَّى يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ ، وَرِبْعٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ تَأْتِي رَابِعَ يَوْمٍ أَوْ ثِلْثٍ تَأْتِي ثَالِثَ يَوْمٍ وَبَرَصٍ ، وَجُذَامٍ ، وَفَالِجٍ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ مِنْهَا وَالْمَوْتُ بِهَا نَادِرٌ ، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَالتَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَجْرِ بِهَذِهِ وَلَوْ أَعْقَبَهَا الْمَوْتُ أَوْ زَادَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّبَرُّعِ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ آخِرُ الْمُتَطَاوِلِ أَيْ كَالْفَالِجِ وَأَوَّلُهُ إنْ أَعْقَبَهُ الْمَوْتُ مَخُوفٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَخُوفِ إذَا أَعْقَبَهُ الْمَوْتُ يَصِيرُ مَخُوفًا ، وَقَيَّدَ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَوْنَ الْفَلَجِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْقُرُوحِ مِنْ الْخَفِيفِ بِعَدَمِ إقْعَادِهِ وَإِضْنَائِهِ ، فَإِنْ أَقْعَدَهُ وَأَضْنَاهُ وَبَلَغَ عَلَيْهِ حَدَّ الْخَوْفِ عَلَيْهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَخُوفِ .
( وَلَا ) يُحْجَرُ عَلَى ( مُلَجِّجٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ
وَكَسْرِ الْجِيمِ الْأُولَى ، أَيْ صَائِرٌ فِي اللُّجَّةِ أَيْ الْمَاءِ الْغَزِيرِ الْغَامِرِ ( بِبَحْرٍ ) مِلْحٍ أَوْ نِيلٍ أَوْ فُرَاتٍ أَوْ دِجْلَةَ أَوْ بَطَائِحِ بَصْرَةَ فِي سَفِينَةٍ أَوْ عَائِمًا يُحْسِنُ الْعَوْمَ ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهُ فَكَمَرِيضٍ بِمَخُوفٍ فِيمَا يَظْهَرُ ، اُنْظُرْ " د " ، إنْ كَانَ الْبَحْرُ سَاكِنًا ، بَلْ ( وَلَوْ حَصَلَ الْهَوْلُ ) أَيْ خَوْفُ الْغَرَقِ بِشِدَّةِ الرِّيحِ وَكَثْرَةِ الْمَوْجِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَأَشَارَ بِالْمُبَالَغَةِ لِقَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ إذَا حَصَلَ الْهَوْلُ حَقِيقَةً لَا مَجِيءَ وَقْتِهِ مَعَ عَدَمِهِ وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ ( فِي غَيْرِ مُؤْنَتِهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ ( وَ ) غَيْرِ ( تَدَاوِيهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِمَا إذْ بِهِمَا قِوَامُ بَدَنِهِ ( وَ ) فِي غَيْرِ ( مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ ) فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقِرَاضٍ وَمُسَاقَاةٍ وَإِجَارَةٍ وَكِرَاءٍ وَاكْتِرَاءٍ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الثُّلُثِ ، وَمِنْ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَصُلْحُ الْقِصَاصِ .
وَوُقِفَ تَبَرُّعُهُ ، إلَّا لِمَالٍ مَأْمُونٍ ، وَهُوَ الْعَقَارُ ، فَإِنْ مَاتَ فَمِنْ الثُّلُثِ ، وَإِلَّا مَضَى .
وَعَلَى الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَلَوْ عَبْدًا فِي تَبَرُّعٍ زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا ، وَإِنْ بِكَفَالَةٍ .
( وَ ) إنْ تَبَرَّعَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَوْ بِعِتْقٍ ( وُقِفَ ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْقَافِ ( تَبَرُّعُهُ ) وَلَوْ بِثُلُثِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ تَبَرُّعُهُ ( لِمَالٍ ) أَيْ مِنْ مَالٍ لَهُ ( مَأْمُونٍ ) أَيْ مِنْ التَّغَيُّرِ ( وَهُوَ الْعَقَارُ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ الْأَرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ فَلَا يُوقَفُ ، وَيَنْفُذُ الْآنَ حَيْثُ حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَيَأْخُذْهُ الْمُتَبَرَّعُ لَهُ وَلَا يَنْتَظِرُ بِهِ مَوْتَ الْمُتَبَرِّعِ ، فَإِنْ حَمَلَ بَعْضَهُ نَفَذَ عَاجِلًا ، فَإِنْ مَاتَ الْمُتَبَرِّعُ فَلَا يَمْضِي غَيْرُ مَا نَفَذَ وَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ صِحَّةً بَيِّنَةً نَفَذَ بَاقِيهِ .
( فَإِنْ مَاتَ ) مَنْ وُقِفَ تَبَرُّعُهُ مِنْ مَالٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ فَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ ( فَ ) يُخْرَجُ تَبَرُّعُهُ ( مِنْ الثُّلُثِ ) مُعْتَبِرًا يَوْمَ التَّنْفِيذِ إنْ وَسِعَهُ ، أَوْ مَا يَسَعُهُ الثُّلُثُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ صُنْعُهُ حَالَ مَرَضِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِأَنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ صِحَّةً بَيِّنَةً ( مَضَى ) تَبَرُّعُهُ كُلُّهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهِ لِأَنَّهُ بَتَلَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ وَصِيَّةً وَلَيْسَتْ مِنْ التَّبَرُّعِ الَّذِي فِيهِ التَّفْصِيلُ لِأَنَّهَا تُوقَفُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا ( وَ ) يُحْجَرُ ( عَلَى الزَّوْجَةِ ) الْحُرَّةِ الرَّشِيدَةِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ حَجْرِ الرَّقِيقَةِ لِسَيِّدِهَا وَالسَّفِيهَةِ لِوَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا ) الْبَالِغِ الرَّشِيدِ لِحَقِّهِ فِي التَّجَمُّلِ بِمَالِهَا وَالتَّمَتُّعِ بِشُورَتِهَا إنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَ ( عَبْدًا ) عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِحَقِّهِ فِي مَالِهَا كَالْحُرِّ ، وَأَشَارَ بِلَوْ لِخِلَافِ ابْنِ وَهْبٍ ، وَحَجْرُ زَوْجَةِ السَّفِيهِ لِوَلِيِّهِ ( فِي تَبَرُّعٍ زَادَ عَلَى ثُلُثِ ) مَالِ ( هَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ فَلَا حَجْرَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي تَبَرُّعِهَا بِثُلُثِ مَالِهَا وَلَوْ قَصَدَتْ بِهِ ضَرَرَ زَوْجِهَا عِنْدَ ابْنِ
الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ .
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " تَبَرُّعٍ " الْمُعَاوَضَةُ الْمَالِيَّةُ فَلَا حَجْرَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهَا ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا كَنَفَقَةِ وَالِدَيْهَا وَرَقِيقِهَا وَحَيَوَانِهَا فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا فِيهِ ، وَيُحْجَرُ عَلَيْهَا فِي تَبَرُّعِهَا بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا إنْ كَانَ بِنَحْوِ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( بِكَفَالَةٍ ) أَيْ ضَمَانٍ لِأَجْنَبِيٍّ مُعْسِرٍ أَوْ مُوسِرٍ ، فَإِنْ كَانَتْ لِزَوْجِهَا فَقَدْ لَزِمَتْهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْجُرُ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ .
تت سَوَاءٌ تَكَلَّفَتْ بِمَالٍ أَوْ وَجْهٍ أَوْ طَلَبٍ لِضَرَرِ زَوْجِهَا بِخُرُوجِهَا لِطَلَبِ الْمَضْمُونِ أَوْ حَبْسِهَا فَيُمْنَعُ مِنْهَا ، وَظَاهِرُهُ ضَمِنَتْ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : كَفَالَتُهَا كَعَطِيَّتِهَا وَأَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهَا لَوْ تَكَفَّلَتْ عَنْ زَوْجِهَا لَزِمَتْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ قَالَتْ أَكْرَهَنِي فَلَا تُصَدَّقُ .
عب هَذَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي فِي بَابِ الضَّمَانِ أَنَّ ضَمَانَهَا زَوْجَهَا كَضَمَانِهَا أَجْنَبِيًّا ، وَهَذَا فِي غَيْرِ كَفَالَةِ الْوَجْهِ وَالطَّلَبِ فَلَهُ مَنْعُهُمَا مُطْلَقًا بَلَغَتْ الثُّلُثَ أَمْ لَا لِضَرَرِ زَوْجِهَا بِخُرُوجِهَا إلَخْ .
وَفِي إقْرَاضِهَا : قَوْلَانِ وَهُوَ جَائِزٌ حَتَّى يُرَدَّ فَمَضَى ، إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى تَأَيَّمَتْ ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا : كَعِتْقِ الْعَبْدِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ ، إنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ ؛ وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ الثُّلُثِ ، تَبَرُّعٌ ، إلَّا أَنْ يَبْعُدَ .
( وَ ) فِي حَجْرِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ( فِي إقْرَاضِهَا ) أَيْ تَسْلِيفِ الزَّوْجَةِ مَالًا زَائِدًا عَلَى ثُلُثِهَا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهَا عِوَضَهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ كَهِبَتِهَا وَصَدَقَتِهَا قَالَهُ ابْنُ الشَّقَّاقِ ، وَعَدَمِهِ لِأَخْذِهَا عِوَضَهُ قَالَهُ ابْنُ دَحَوْنَ ( قَوْلَانِ ) وَأَمَّا قِرَاضُهَا أَيْ دَفْعُهَا مَالًا لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا فِيهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مِنْ التِّجَارَةِ كَالْمَرِيضِ مَرَضًا مَخُوفًا .
( وَهُوَ ) أَيْ تَبَرُّعُ الزَّوْجَةِ بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا ( جَائِزٌ ) أَيْ مَاضٍ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْقُدُومُ عَلَيْهِ ( حَتَّى يَرُدَّ ) الزَّوْجُ جَمِيعَهُ أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ مَرْدُودٌ حَتَّى يُجِيزَهُ الزَّوْجُ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي بُلُوغِهِ زِيَادَةً عَنْ الثُّلُثِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ لَهَا عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلِزَوْجِهَا عَلَى الثَّانِي ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ يَدِهَا أَمْ لَا وَمِنْ ثَمَرَتِهِ أَيْضًا مَا فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ ( فَمَضَى ) أَيْ يَمْضِي تَبَرُّعُ الزَّوْجَةِ بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ ( إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ ) تَبَرُّعَهَا ( حَتَّى تَأَيَّمَتْ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ خَلَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِيَّتِهِ بِطَلَاقِهِ وَأَوْلَى إنْ عَلِمَ وَسَكَتَ حَتَّى تَأَيَّمَتْ ( أَوْ ) حَتَّى ( مَاتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَاتَتْ فَلَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ لَهُ إرْثَهُ وَلَيْسَ لَهَا رَدُّهُ إنْ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا كَالصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ الَّذِي لَهُ رَدُّ تَبَرُّعِهِ إذَا رَشَدَ قَبْلَ رَدِّ وَلِيِّهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ تَصَرُّفَهَا مِنْ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ وَقَدْ زَالَ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَلَمْ يَزُلْ .
وَشَبَّهَ فِي الْمُضِيِّ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ لَهُ
الْحَجْرُ إلَّا بَعْدَهُ فَقَالَ : ( كَعِتْقِ الْعَبْدِ ) رَقِيقَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ حَتَّى أَعْتَقَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ فَقَدْ مَضَى عِتْقُهُ ، فَاسْمُ الْمَصْدَرِ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ بَعْدَ حَذْفِ فَاعِلِهِ أَيْ السَّيِّدِ ، أَيْ كَعِتْقِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ بَعْدَ أَنْ تَبَرَّعَ بِتَبَرُّعَاتٍ لَمْ يَعْلَمْهَا سَيِّدُهُ حَتَّى أَعْتَقَهُ ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ فَتَمْضِيَ تَبَرُّعَاتُهُ ، وَأَوْلَى إنْ عَلِمَ بِهَا وَسَكَتَ حَتَّى أَعْتَقَهُ .
فِي كِتَابِ كَفَالَةِ الْمُدَوَّنَةِ : وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا مُدَبَّرٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ كَفَالَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، فَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَجُوزُ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ ، فَإِنْ رَدَّهُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ ، وَإِنْ عَتَقُوا وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى عَتَقُوا وَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ عَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
ا هـ .
وَفِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ : وَلَا يَجُوزُ لَهُ مَعْرُوفٌ إلَّا مَا جُرَّ إلَى التِّجَارَةِ ، فَأَمَّا هِبَتُهُ أَوْ صَدَقَتُهُ أَوْ عِتْقُهُ فَمَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ أَوْ رَدِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى يَعْتِقَ مَضَى فَلَزِمَ ذَلِكَ الْعَبْدَ وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَرُدَّهُ .
( وَ ) كَتَبَرُّعِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ قَبْلَ ( وَفَاءِ الدَّيْنِ ) الَّذِي أَحَاطَ بِمَالِهِ ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) أَيْ رَبِّ الْمُحِيطِ بِمَالِ الْمُتَبَرِّعِ وَلَمْ يَعْلَمْ رَبُّ الدَّيْنِ بِتَبَرُّعِهِ ، أَوْ عَلِمَ وَسَكَتَ حَتَّى وَفَاءِ دَيْنِهِ فَقَدْ مَضَى تَبَرُّعُهُ إنْ بَقِيَ مَا تَبَرَّعَ بِهِ بِيَدِهِ ، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ ، وَنَصُّهَا : إذَا لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْضِ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةٍ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَالْمَالُ بِيَدِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلَافٍ ، وَقَالَ فِي تَبَرُّعِ
الْمِدْيَانِ بِغَيْرِ إذْنِ غُرَمَائِهِ : إنَّ ذَلِكَ يَنْفُذُ عَلَيْهِ إنْ بَقِيَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ إلَى أَنْ ارْتَفَعَتْ عِلَّةُ الْمَنْعِ بِزَوَالِ الدَّيْنِ .
( وَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( رَدُّ الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ مَا تَبَرَّعَتْ بِهِ زَوْجَتُهُ وَإِمْضَاؤُهُ ( إنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ ) عَنْ ثُلُثِهَا وَرَدُّ الزَّائِدِ فَقَطْ ، وَإِمْضَاءُ الثُّلُثِ إلَّا إذَا كَانَ تَبَرُّعُهَا بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى ثُلُثِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الزَّائِدِ فَقَطْ لِتَأْدِيَتِهِ لِعِتْقِ بَعْضِهَا بِلَا تَكْمِيلٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
ابْنُ نَافِعٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً أَوْ يَسِيرَةً .
وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا إنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَالدِّينَارِ وَمَا خَفَّ مَضَى ، وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ .
وَفَرَّقَ فِي التَّوْضِيحِ بَيْنَ تَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنْ رَدِّ الْجَمِيعِ إنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ وَعَدَمِ تَمْكِينِ الْوَارِثِ مِنْهُ إنْ تَبَرَّعَ الْمَرِيضُ بِزَائِدٍ بِإِمْكَانِ تَدَارُكِ الزَّوْجَةِ التَّبَرُّعَ بِثُلُثِهَا ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ تَمْكِينِهِ هُنَا مِنْهُ وَعَدَمِ تَمْكِينِهِ فِي دَعْوَى الْأَبِ بَعْدَ السَّنَةِ إعَارَتَهَا وَصَدَّقَتْهُ ، فَفِي ثُلُثِهَا بِقُوَّةِ شُبْهَةِ الْأَبِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ رَدَّ السَّيِّدِ وَوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ رَدُّ إبْطَالٍ ، وَرَدَّ الْغُرَمَاءِ رَدُّ إيقَافٍ ، وَرَدَّ الزَّوْجِ رَدُّ إيقَافٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِبْطَالٍ عَلَى مُقَابِلِهِ ، وَرَدَّ الْقَاضِي كَرَدِّ مَنْ نَابَ عَنْهُ ، وَنَظَمَ هَذَا ابْنُ غَازِي فَقَالَ : أَبْطِلْ صَنِيعَ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بِرَدِّ مَوْلَاهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَأَوْقِفْنَ فِعْلَ الْغَرِيمِ وَاخْتُلِفْ فِي الزَّوْجِ وَالْقَاضِي كَمُبْدَلٍ عُرِفَ ( وَلَيْسَ لَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( بَعْدَ ) تَبَرُّعِهَا بِ ( الثُّلُثِ ) مِنْ مَالِهَا ( تَبَرُّعٌ ) مِنْ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ بِشَيْءٍ ( إلَّا أَنْ يَبْعُدَ ) التَّبَرُّعُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ التَّبَرُّعِ الْمُتَقَدِّمِ بِعَامٍ عِنْدَ ابْنِ سَهْلٍ وَرُجِّحَ ،
وَبِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ فَيَصِيرُ الْبَاقِي كَأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَقِلٌّ لَمْ تَتَبَرَّعْ مِنْهُ بِشَيْءٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ
بَابٌ ) الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بَيْعٌ ، أَوْ إجَارَةٌ ، وَعَلَى بَعْضِهِ : هِبَةٌ
بَابٌ ) فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الصُّلْحِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يُنَاسِبُهَا وَهُوَ لُغَةً قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَأَصْلُهُ الْكَمَالُ ، يُقَالُ صَلَحَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا إذَا كَمُلَ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ .
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ قَبْضُ شَيْءٍ عَنْ عِوَضٍ يَشْمَلُ مَحْضَ الْبَيْعِ .
وَقَوْلُ عِيَاضٍ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَنْ دَعْوَى يَخْرُجُ عَنْهُ صُلْحُ الْإِقْرَارِ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ الصُّلْحُ مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ وَإِبْرَاءٌ وَإِسْقَاطُ تَقْسِيمٍ لَهُ لَا تَعْرِيفٌ فَلَا يُتَوَهَّمُ نَقْضُهُ بِمَحْضِ الْبَيْعِ وَهِبَةِ كُلِّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهِمَا تَحْتَ مَوْرِدِ التَّقْسِيمِ .
الْحَطّ قَدْ يُقَالُ حَدُّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الصُّلْحَ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ .
طفي قَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الِانْتِقَالُ ، بَلْ هُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَالِانْتِقَالُ مُفَرَّعٌ عَنْهَا مَعْلُولٌ لَهَا كَمَا أَنَّ الِانْتِقَالَ فِي الْبَيْعِ مُفَرَّعٌ عَنْهُ وَمَعْلُولٌ لَهُ ، وَالصُّلْحُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَهِبَةٌ فَيُفَسَّرُ بِالْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، فَحَدُّ عِيَاضٍ هُوَ الصَّوَابُ وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الصُّلْحِ كَوْنُهُ عَنْ إنْكَارٍ فَهُوَ حَدٌّ لِلْغَالِبِ .
الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ وَالِانْتِقَالِ بِعِوَضٍ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ .
( فَوَائِدُ ) الْأُولَى : فِي الْمُقَدِّمَاتِ رُوِيَ { أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ تَقَاضَى مِنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا دَيْنًا لَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ ، فَخَرَجَ حَتَّى كَشَفَ سَجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبًا فَقَالَ يَا كَعْبُ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قُمْ فَاقْضِهِ } .
الثَّانِيَةُ : فِي التَّوْضِيحِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا } .
الثَّالِثَةُ : ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ مَصْلَحَتِهِ وَحُرْمَتُهُ وَكَرَاهَتُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ مَفْسَدَةً وَاجِبَةَ الدَّرْءِ أَوْ رَاجِحَتَهُ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا بَأْسَ بِنَدْبِ الْقَاضِي الْخَصْمَيْنِ إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَاحْرِصْ عَلَى الصُّلْحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَك فَصْلُ الْقَضَاءِ .
وَقِيلَ فِي بَعْضِ الْمُذَاكَرَاتِ لَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَ التَّبَيُّنِ إنْ كَانَ لِرِفْقٍ بِالضَّعِيفِ مِنْهُمَا ، كَالنَّدْبِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ ثُبُوتَ الْحَقِّ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ سُقُوطَهُ لَهُ ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَبَاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا يُلِحُّ عَلَيْهِ إلْحَاحًا يُوهِمُ الْإِلْزَامَ .
الرَّابِعَةُ : ابْنُ عَرَفَةَ قَسَّمُوهُ إلَى صُلْحٍ عَلَى إقْرَارٍ وَصُلْحٍ عَلَى إنْكَارٍ ، فَقَوْلُ عِيَاضٍ حُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ لِتَكُونَ الْقِسْمَةُ حَقِيقِيَّةً بَيْنَ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ أَوْ الْمُسَاوِي لِنَقِيضِهِ ا هـ .
طفي الشَّيْءُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَنَقِيضُهُ لَا إقْرَارُهُ وَمُسَاوِيهِ الْإِنْكَارُ وَالسُّكُوتُ ، وَإِنْ شِئْت قُلْت الشَّيْءُ هُوَ الْإِنْكَارُ وَنَقِيضُهُ لَا إنْكَارَ وَمُسَاوِيهِ الْإِقْرَارُ وَالسُّكُوتُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَلَا إقْرَارَ وَلَا بَيْنَ الْإِنْكَارِ وَلَا إنْكَارَ فَافْهَمْ .
( الصُّلْحُ ) أَيْ عَلَى إقْرَارٍ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ الصُّلْحَ عَلَى سُكُوتٍ وَالصُّلْحَ عَلَى إنْكَارٍ بَعْدَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ ، وَبَيَّنَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فَقَالَ ( عَلَى ) أَخْذِ شَيْءٍ ( غَيْرِ الْمُدَّعَى ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ
مُشَدَّدَةٍ وَالْعَيْنِ ، وَصِلَتُهُ مَحْذُوفَةٌ أَيْ بِهِ ( بَيْعٌ ) لِذَاتِ الْمُدَّعَى بِهِ بِالْمَأْخُوذِ إنْ كَانَ ذَاتًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ كَدَعْوَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَقَارٍ ، فَيُقِرُّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَالِحُهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِهِمَا نَقْدًا أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ ، فَقَدْ بَاعَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى بِهِ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ فَجَازَ لِوُجُودِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ لَا يَبِيعَ الْمُصَالِحَ بِهِ أَوْ لَا يَلْبَسَهُ أَوْ لَا يَرْكَبَهُ أَوْ لَا يَطَأَ الْجَارِيَةَ أَوْ صَالَحَهُ بِمَجْهُولٍ أَوْ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ عَنْ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مُؤَخَّرًا ، وَعَكْسِهِ أَوْ عَنْ طَعَامِ مُعَاوَضَةٍ فَسَدَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ أَوْ وُجُودِ الْمَانِعِ .
وَذَكَرَ الْقِسْمَ الثَّانِي عَاطِفًا لَهُ بِأَوْ الَّتِي لِلتَّقْسِيمِ فَقَالَ ( أَوْ إجَارَةً ) لِلْمَأْخُوذِ صُلْحًا إنْ كَانَ مَنَافِعَ ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ لِعَدَمِ فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ ، وَغَايَتُهُ إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ بِمُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا مَضْمُونَةٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ ، فَصُورَةُ الْإِجَارَةِ الْجَائِزَةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ طَعَامٍ كَذَلِكَ فَيُقِرُّ بِهِ ثُمَّ يُصَالِحُهُ بِمَنْفَعَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ، أَوْ مَضْمُونٍ مِنْ عَقَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَضْمُونٍ لَمْ يَسْتَوْفِهَا جَازَ الصُّلْحُ عَنْهَا بِنَقْدٍ مُعَجَّلٍ أَوْ حَيَوَانٍ كَذَلِكَ أَوْ طَعَامٍ كَذَلِكَ ، وَهُوَ إجَارَةٌ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا بِمُؤَخَّرٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ .
( وَ ) الصُّلْحُ ( عَلَى بَعْضِهِ ) أَيْ
الْمُدَّعَى بِهِ وَتَرْكِ بَاقِيهِ ( هِبَةٌ ) لِلْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ قَبْلَ مَوْتِ وَاهِبِهِ وَجُنُونِهِ وَمَرَضِهِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِمَوْتِهِ وَقَبْلَ فَلَسِهِ .
ابْنُ عَاشِرٍ تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ لَدَدِهِ أَوْ إنْكَارِهِ أَوْ سُكُوتِهِ ادْفَعْ لِي خَمْسِينَ وَأُسْقِطَ لَك الْبَاقِي فَلَمْ يُجِبْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ ، فَلَوْ رَضِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدُ لَزِمَ الصُّلْحُ وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَرْضَ حَتَّى مَاتَ الْمُدَّعِي .
الْبُنَانِيُّ قَسَّمَ الصُّلْحَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ وَهِبَةٌ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ بِهِ إنْ كَانَ ذَاتًا فَهُوَ بَيْعٌ ، وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً فَهِيَ إجَارَةٌ ، وَإِنْ كَانَ بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَهِيَ هِبَةٌ ، وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَقْسَامُ فِي الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ وَعَلَى إنْكَارٍ وَعَلَى سُكُوتٍ ، أَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْإِنْكَارِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعَى بِهِ ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَحَدِهِمَا ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَالسُّكُوتُ أَوْ الْإِنْكَارُ فَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِانْفِرَادِهِمَا عَنْ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ الْمُصَالَحُ بِهِ إنْ كَانَ مَنَافِعَ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا حَاضِرًا كَكِتَابٍ مَثَلًا يَدَّعِيهِ عَلَى زَيْدٍ وَهُوَ بِيَدِهِ فَيُصَالِحُهُ بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ ، فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَدَرَاهِمَ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِمَنَافِعَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ .
( وَجَازَ ) الصُّلْحُ ( عَنْ دَيْنٍ بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ ( يُبَاعُ ) الدَّيْنُ ( بِهِ ) كَالصُّلْحِ عَنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ .
وَمَفْهُومُ مَا يُبَاعُ بِهِ مَنْعُ الصُّلْحِ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يَمْنَعُ بَيْعَهُ بِهِ كَصُلْحِهِ عَنْ دَيْنٍ بِمَنْفَعَةٍ لِمَضْمُونٍ أَوْ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ ، أَوْ عَنْ طَعَامٍ بِطَعَامٍ مُخَالِفٍ لَهُ مُؤَجَّلٍ لِأَنَّهُ رِبَا نَسَاءٍ أَوْ عَنْ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَكْسِهِ لِأَنَّهُ صَرْفُ مُؤَخَّرٍ أَوْ عَنْ طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ مُعَاوَضَةً قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ عَنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ أَثْوَابٍ مُؤَجَّلَةٍ بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ ، أَوْ أَثْوَابٍ حَالَّةٍ لِأَنَّهُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ ، أَوْ عَنْ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لِشَهْرٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا لِحَطِّ الضَّمَانِ ، وَأَزِيدُك وَيَرُدُّ الْمَمْنُوعَ إنْ لَمْ يَفُتْ وَقِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ إنْ فَاتَ وَيَرْجِعَانِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَإِلَّا لَزِمَ تَتْمِيمُ الْفَاسِدِ ، وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنَ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَ بِمَكْرُوهٍ نَفَذَ وَلَوْ أَدْرَكَ بِحِدْثَانِ قَبْضِهِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ .
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُفْسَخُ بِحِدْثَانِهِ ، وَيَنْفُذُ إنْ طَالَ كَصُلْحٍ عَنْ دَيْنٍ بِثَمَرَةِ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ مُزْهِيَةٍ ، وَاشْتُرِطَ تَتَمُّرُهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي قَوْلِهِ فِي بَابِ السَّلَمِ ، وَهَلْ الْمُزْهِي كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَأْوِيلَانِ ، وَقَرَّرَ ق الْمَكْرُوهَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ حَقِيقَةً لَا يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ مُطْلَقًا .
الْبُنَانِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْمَكْرُوهُ مَا ظَاهِرُهُ الْفَسَادُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ كَوْنَهُ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَدَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ
دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى تَأْخِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِأَجَلٍ .
الْخَرَشِيُّ الْمُرَادُ بِالْمَكْرُوهِ هُنَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَبِالْحَرَامِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَالْمَكْرُوهُ حَقِيقَةً جَائِزٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ ، وَكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ لَا تَتَأَتَّى هُنَا .
طفي وَالْبَنَّانِيُّ الْمُنَاسِبُ فَجَازَ بَقَاءُ التَّفْرِيعِ بَدَلَ الْوَاوِ ، وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مَا يُتَّقَى فِي الصُّلْحِ مِنْ أَوْجُهِ الْفَسَادِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِ الْقَائِلِ : جَهْلًا وَفَسْخًا وَنَسَا وَحُطَّ ضَعْ وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ صَالَحْت دَعْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْجَهْلَ هُنَا ، وَقَدْ قَدَّمَهُ قَبْلَ هَذِهِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ وَكَذَا تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ مَا يُصَالَحُ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ ، وَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي صُلْحِ الزَّوْجَةِ عَنْ إرْثِهَا مَعْرِفَتَهَا جَمِيعَ التَّرِكَةِ .
ا هـ .
لَكِنَّ هَذَا إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ جَازَ عَلَى مَعْنَى التَّحَلُّلِ إذْ هُوَ غَايَةُ الْمَقْدُورِ نَقَلَهُ الْحَطّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ
وَعَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ ، وَعَكْسَيْهِ ، إنْ حَلَّا ، وَعُجِّلَ كَمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَنْ مِائَتَيْهِمَا
.
( وَ ) جَازَ الصُّلْحُ ( عَنْ ذَهَبٍ ) فِي الذِّمَّةِ حَالٍّ ( بِوَرِقٍ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ فِضَّةٍ حَالَّةٍ مُعَجَّلَةٍ ( أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ الصُّلْحِ عَنْ وَرِقٍ فِي الذِّمَّةِ حَالٍّ بِذَهَبٍ حَالٍّ مُعَجَّلٍ ( إنْ حَلَّا ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً ، أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ بِهِ وَهُوَ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّةِ ، وَشَرْطُهُ الْحُلُولُ ( وَعُجِّلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْمُصَالَحُ بِهِ بِالْفِعْلِ ، إذْ لَوْ أُخِّرَ لَكَانَ صَرْفًا مُؤَخَّرًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، فَإِنْ أُجِّلَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا مُنِعَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ ، وَمَثَّلَ لِلصُّلْحِ الْجَائِزِ فَقَالَ ( كَ ) صُلْحٍ بِ ( مِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ ) وَاحِدٍ حَالَّةٍ مُعَجَّلَةٍ بِالْفِعْلِ ( عَنْ مِائَتَيْهِمَا ) أَيْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مُثَنَّى مِائَةٍ سَقَطَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ ، وَالْمِائَتَانِ حَالَّتَانِ .
فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ لَك عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ حَالَّتَانِ فَصَالَحْته عَنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ جَازَ لِأَنَّك أَخَذْت الدَّنَانِيرَ قَضَاءً عَنْ دَنَانِيرِك وَأَخَذْت دِرْهَمًا مِنْ دَرَاهِمِك وَهَضَمْت بَاقِيَهَا ، بِخِلَافِ التَّبَادُلِ بِهَا نَقْدًا .
( تَنْبِيهٌ ) ذَكَرَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا لِخَفَائِهَا ، وَذَكَرَهَا مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ لِلنَّصِّ عَلَى كُلِّ فَرْعٍ بِانْفِرَادِهِ قَالَ تت .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : طفي إنْ حَلَّا وَعُجِّلَ تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَثْنِيَةِ ضَمِيرِ حَلَّا وَإِفْرَادِ ضَمِيرِ عُجِّلَ مَعَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ الَّذِي دَعَاهُمَا لِتَثْنِيَةِ الْأَوَّلِ يَجْرِي فِي الثَّانِي قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ الْبُنَانِيُّ أَمَّا تَعْجِيلَ الْمُصَالَحِ بِهِ فَطَاهِرٌ ، وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِأَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ الْمُدَّعِي لِرَفْعِ نِزَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَائِزِ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّانِي : طفي قَوْلُ تت يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالتَّعْجِيلُ ، أَمَّا الْحُلُولُ فَنَعَمْ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى ضَعْ وَتُعَجَّلْ ، وَأَمَّا التَّعْجِيلُ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَحَطِيطَةٌ فَلَا تُهْمَةَ فِي التَّأْخِيرِ .
أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَسَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ الدِّرْهَمَ نَقْدًا أَوْ أَخَّرَهُ بِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا أَوْ أَخَّرَهُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا مُبَايَعَةَ هُنَا ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ وَحَطِيطَةٌ فَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ دِينَارٍ أَوْ الْمِائَةُ دِرْهَمٍ لَمْ تَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ ضَعْ وَتُعَجَّلْ عب قَوْلُ تت فَيَشْتَرِطُ الْحُلُولَ ، وَالتَّعْجِيلُ خِلَافُ مَا لِابْنِ يُونُسَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ التَّعْجِيلَ إنْ كَانَ عَلَى إقْرَارٍ ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ حَيْثُ صَالَحَ بِمُعَجَّلٍ مُطْلَقًا أَوْ بِمُؤَجَّلٍ ، وَالصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى إنْكَارٍ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ ، فَلَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَتَيْهِمَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِينَارٍ ، فَإِنْ كَانَ نَقْدًا جَازَ لِأَنَّ الْمِائَةَ قَضَاءٌ عَنْ الْمِائَةِ وَالدِّينَارَ صَرْفٌ لِلْمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ .
الثَّالِثُ : طفي قَوْلُ تت وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا إلَخْ ، دُخُولُهَا بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِهِمْ اشْتِرَاطَ الْحُلُولِ وَالتَّعْجِيلِ ، وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَهُ .
الرَّابِعُ : عب قَوْلُهُ وَدِرْهَمٌ عَطْفٌ عَلَى مِائَةٍ وَلَا يُتَوَهَّمُ عَطْفُهُ عَلَى دِينَارٍ وَمَعَ قَوْلِهِ عَنْ مِائَتَيْهِمَا ، وَلِكَوْنِ التَّمَثُّلِ لِلصُّلْحِ عَلَى الْبَعْضِ ، وَتَبَرَّكَ بِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْضَحُ كَدِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ عَنْ مِائَتَيْهِمَا
وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ
( وَ ) جَازَ الصُّلْحُ ( عَلَى الِافْتِدَاءِ ) بِمَالٍ ( مِنْ ) حَلِفِ ( يَمِينٍ ) طُلِبَتْ مِنْهُ لِرَدِّ دَعْوَى مُجَرَّدَةٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ نَحْوُهُ قَوْلُ أَيْمَانِ الْمُدَوَّنَةِ وَنُذُورُهَا وَمَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ وَافْتَدَى مِنْهَا بِالْمَالِ جَازَ ، وَظَاهِرُهَا كَالْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ .
ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ .
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ إنْ عَلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَرَاءَتَهُ وَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ فَلْيَحْلِفْ وَلَا يُصَالِحْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ صَالَحَ أَثِمَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ، إذْلَالُ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ } ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ وَتَجْزِئَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِطْعَامُهُ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ .
وَرُدَّ بِأَنَّ تَرْكَ الْحَلِفِ عِزٌّ لَا إذْلَالٌ ، وَلَيْسَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ إضَاعَةُ مَالٍ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلِأَنَّ الْإِضَاعَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا إتْلَافُهُ بِنَحْوِ حَرْقٍ وَإِغْرَاقٍ لَا تَرْكُهُ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ نَحْوِ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَالْإِغْرَاءُ وَإِطْعَامُ مَا لَا يَحِلُّ لَيْسَ عَلَى الْمُصَالِحِ مِنْهَا شَيْءٌ ، إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ .
أَبُو الْحَسَنِ لَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ يَقُولُ دَفَعْت عَنْ نَفْسِي الظُّلْمَ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْهُمْ مَنْ افْتَدَى وَمِنْهُمْ مَنْ حَلَفَ .
ا هـ .
وَجَعَلَ الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ تَقْيِيدًا وَجَزَمَ بِهِ فِي شَامِلِهِ .
الْحَطّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرِ ، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا يُعَارِضُ هَذَا الْإِطْلَاقَ ، بَلْ رَأَيْت مَا يُقَوِّيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرُّبُعِ عَلَى عَدَمِ يَمِينٍ مُسْتَحَقَّةٍ وَعَلَى يَمِينِهِ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الرُّبُعِ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ .
وَفِي مَسَائِلِ الْبُرْزُلِيُّ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَاحْتَفَّتْ بِهِ قَرَائِنُ يَحْصُلُ لَهُ بِهَا الْعِلْمُ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ
فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ ، وَلَهُ تَرْكُ الْحَلِفِ الْحَالَةَ هَذِهِ وَلَيْسَ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ، وَذَكَرَ نُصُوصًا أُخْرَى فَانْظُرْهُ .
أَوْ السُّكُوتِ
أَوْ ) الصُّلْحُ عَلَى مُقْتَضَى ( السُّكُوتِ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ إجَابَةِ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ حَبْسٍ وَتَعْزِيرٍ ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ كَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ صُلْحِ الْإِنْكَارِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَوَجْهُ جَعْلِهِ مِثْلَهُمَا كَوْنُهُ مُحْتَمِلًا لَهُمَا ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدِينَارٍ فَسَكَتَ ثُمَّ صَالَحَهُ بِدَرَاهِمَ مُؤَخَّرَةٍ فَلَا يَحِلُّ بِالنَّظَرِ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ حُكْمَ سُكُوتِهِ حُكْمُ إنْكَارِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَّ مِنْ قَرْضٍ فَسَكَتَ ثُمَّ صَالَحَهُ بِدَرَاهِمَ فَيَمْتَنِعُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ إقْرَارِهِ بَعْدُ ، وَأَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ كَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ .
إلَخْ ، ظَاهِرُ كَلَامِ " غ " أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مُقَابِلٌ لِلرَّاجِحِ ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ قَوْلُ عِيَاضٍ حُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَعًا ، وَكَذَا قَالَ تت فِي كَبِيرِهِ ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا حُكْمُ السُّكُوتِ فَكَمَا قَدَّمْنَا عَنْ عِيَاضٍ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ .
الْفَاكِهَانِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِيهِ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْإِقْرَارِ ، وَاعْتَبَرَ فِيهِ شَرْطَ صُلْحِ الْإِنْكَارِ .
ا هـ .
فَجَعَلَ كَلَامَ ابْنِ مُحْرِزٍ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ .
طفي وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ يُمْنَعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اُنْظُرْ طفي .
وَقَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَّ مِنْ قَرْضٍ فَسَكَتَ إلَى قَوْلِهِ فَيَمْتَنِعُ بِالنَّظَرِ إلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
.
.
إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّا إذَا أَنْزَلْنَا السُّكُوتَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ
فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِلْمُدَّعِي ، وَإِنْ نَزَّلْنَاهُ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مُحْرِزٍ وَاعْتَبَرْنَا فِيهِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ فَلَا دَعْوَى لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَالٍ ، فَلَا يُعْتَبَرُ مُنِعَ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهَذَا بَعْدَهُ ، إذْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِشَيْءٍ فَالشَّرْطُ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَقَطْ ا هـ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُعْتَبَرُ .
وَاعْتَرَضَ " ح " عِبَارَةَ ابْنِ مُحْرِزٍ قَائِلًا إذَا اعْتَبَرَ فِيهِ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ فَقَدْ اعْتَبَرَ فِيهِ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ حُكْمَ الْمُعَاوَضَةِ مُعْتَبَرٌ فِيهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ ، وَيَزِيدُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ ، فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ قَوْلَ أَصْبَغَ لَا يَأْتِي فِيهِ ، وَإِنَّمَا يَأْتِي فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحُكْمِ ، وَاسْتَشْكَلَهُ " ح " قَائِلًا فِي اعْتِبَارِ جَوَازِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ بَحْثٌ ، إذْ السَّاكِتُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ حَبْسٌ وَأَدَبٌ ثُمَّ حُكْمٌ بِلَا يَمِينٍ .
أَوْ الْإِنْكَارِ ، إنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ ،
( أَوْ ) الصُّلْحُ عَلَى ( الْإِنْكَارِ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي الظَّاهِرِ .
وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكِرَ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِي مَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُسَامِحْهُ الْمُدَّعِي .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السُّكُوتَ غَيْرُ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ يَمِينٍ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ عِنْدَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، أَشَارَ لِاثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ ( إنْ جَازَ ) الصُّلْحُ ( عَلَى دَعْوَى كُلٍّ ) مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِطْلَاقُ الدَّعْوَى عَلَى الْإِنْكَارِ أَوْ السُّكُوتِ مَجَازٌ ، إذْ مَعْنَاهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيَّ فَهَذَانِ شَرْطَانِ ، أَوْ مَحَلُّ كَلَامِهِ إنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خُصُوصَ مَا ادَّعَى بِهِ الْمُدَّعِي ، وَأَجَابَ بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ فَالشَّرْطُ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَقَطْ .
وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ
( وَ ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ جَوَازُهُ ( عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ ) الشَّرْعِيِّ أَيْ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ ، أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ تُهْمَةُ فَسَادٍ ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا ، وَهُوَ أَنْ لَا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادِ مِثَالٍ مُسْتَوْفِي الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ حَالَّةٍ فَيُنْكِرُهَا أَوْ يَسْكُتُ فَيُصَالِحُهُ عَنْهَا بِثَمَانِيَةٍ مُعَجَّلَةٍ ، أَوْ بِعَرْضٍ حَالٍّ .
وَمِثَالُ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا وَيُمْتَنَعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَيُنْكِرُهَا أَوْ يَسْكُتُ فَيُصَالِحُهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ بِهَا أَوْ بِخَمْسِينَ مِنْهَا شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ أَوْ أَخَّرَهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ بَعْضَ حَقِّهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ بِمَا الْتَزَمَ دَفْعَهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً ، فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ ، وَالْمَنْفَعَةُ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، أَوْ حِفْظِ الْحَقِّ عَنْ السُّقُوطِ بِحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَجَائِزٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ .
وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَاهُمَا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ فَيَعْتَرِفَ بِالطَّعَامِ وَيُنْكِرُ الدَّرَاهِمَ فَيُصَالِحُهُ بِطَعَامٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ ، أَوْ يَعْتَرِفُ بِالدَّرَاهِمِ وَيُصَالِحُهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ ، فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَفَسْخِهِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ صَرْفٍ مُؤَخَّرٍ .
وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحْدَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيُنْكِرُهَا ثُمَّ يُصَالِحُهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى
الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ صَرْفُ مُؤَخَّرٍ ، وَيَجُوزُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا افْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ ، وَجَائِزٌ عِنْدَ أَصْبَغَ ، إذْ لَمْ تَتَّفِقْ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ .
وَمِثَالُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَّ قَمْحٍ مِنْ قَرْضٍ ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ سَلَّمَ وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَهُ بِدَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا مُعَجَّلَةٍ فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمُمْتَنِعٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَصْبَغَ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ أَيْ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ لَا مَعْنَى لَهُ ، إذْ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ ، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَإِنْ فَرَضْنَاهُ الْجَوَازَ صَارَ الْمَعْنَى إنْ جَازَ عَلَى ظَاهِرِ الْجَوَازِ ، وَلَا مَعْنَى لَهُ ، وَإِنْ فُرِضَ غَيْرُهُ فَلَا مَعْنَى لَهُ أَيْضًا إذْ لَا يَكُونُ الْجَوَازُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَنْعِ مَثَلًا ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ مَا يَطْرَأُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاصَمَةِ وَمَجْلِسِ الْفَصْلِ .
وَقَوْلُهُ مِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَاهُمَا .
.
.
إلَخْ طفي اُنْظُرْ ذِكْرَهُمْ فِي الْمِثْلِ الْإِقْرَارُ الْمُخْتَلِطُ بِالْإِنْكَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَأَحْرَى عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ ، فَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ فِي التَّمْثِيلِ عَلَى مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَهُوَ الْإِنْكَارُ الْمَحْضُ ، إذْ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِ عِيَاضٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَا نَصُّهُ وَحُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ عَلَى قَوْلَيْهِمَا جَمِيعًا ، فَمَا وَقَعَ مِنْ صُلْحٍ حَرَامٌ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ السُّكُوتِ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَالْبَيْعِ وَكَذَا مَا وَقَعَ مِنْ صُلْحٍ حَرَامٍ فِي صُلْحِ الْإِقْرَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِنْكَارِ فَيُصَالِحُهُ عَمَّا لَوْ
انْفَرَدَ بِهِ الْإِقْرَارُ لَمْ يَجُزْ ، كَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ وَدَرَاهِمَ فَاعْتَرَفَ بِالطَّعَامِ وَأَنْكَرَ الدَّرَاهِمَ فَصَالَحَهُ بِطَعَامٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ لِأَجَلٍ ، أَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّرَاهِمِ فَصَالَحَهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ لِأَجَلٍ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُصَالِحٌ بِحَرَامٍ ، إذْ الْحَرَامُ فِيمَا حَصَلَ فِيهِ إقْرَارُهُمَا قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَهُوَ مِمَّا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ لِأَنَّ الْحَرَامَ وَقَعَ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ إذَا كَانَ تَوَقُّعُ الْفَسَادِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ الْمَحْضِ .
ا هـ .
فَالصُّلْحُ فِي الْإِنْكَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِقْرَارِ فِيمَا ذُكِرَ وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الْإِقْرَارُ فَهُوَ كَالصُّلْحِ فِي الْإِقْرَارِ الْمَحْضِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ مِنْ صُوَرِ الْإِقْرَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِنْكَارِ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَالْمِثَالِ الْأَخِيرِ عِنْدَ " ز " ، فَلَا وَجْهَ لِقَصْرِ الْخِلَافِ عَلَى صُوَرِ الْإِنْكَارِ الْمَحْضِ ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ مَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ الِاقْتِصَارُ فِي التَّمْثِيلِ عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ لَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ شُرُوطَ الْجَوَازِ فَاقْتَضَى مَفْهُومُهَا صُوَرَ الْأَبَدِ مِنْ التَّمْثِيلِ لَهَا ، مِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ خِلَافٍ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ ، وَلَا يُقَالُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمُخْتَلِطِ بِالْإِنْكَارِ كَالصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَحْضِ فَلَا يَنْدَرِجُ هُنَا ، لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ فِي هَذَا غَيْرَ الْمُدَّعِي بِهِ ، وَأَمْكَنَ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، كَذَلِكَ أَدْرَجُوهُ فِي صُلْحِ الْإِنْكَارِ وَجَعَلُوا فِيهِ شُرُوطَهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ الْمَحْضِ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْجَوَازُ عَلَى دَعْوَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ ، فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا أَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا
( وَلَا يَحِلُّ ) الْمَالُ الْمُصَالَحُ بِهِ ( لِلظَّالِمِ ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ لِلْمَظْلُومِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ حَكَمَ لَهُ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، إذْ قَوْلُهُ لِلظَّالِمِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ فِيمَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ بَاطِنَهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الْقَضَاءِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا .
وَأَمَّا مَا ظَاهِرُهُ كَبَاطِنِهِ فَيُحِلُّ الْحَرَامَ كَمَا أَفْتَى بِهِ " صر " كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَرُفِعَ الْخِلَافُ .
وَفُرِّعَ عَلَى مُقَدَّرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ أَيْ فَيَلْزَمُ إلَّا لِعَارِضٍ وَبَيَّنَ الْعَارِضَ ، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ فَقَالَ ( فَلَوْ أَقَرَّ ) الظَّالِمُ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَوْ مُدَّعِيًا بِمَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الصُّلْحِ فَلِلْمَظْلُومِ نَقْضُهُ ، لِأَنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَيْهِ ( أَوْ شَهِدَتْ ) لِلْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ ( بَيِّنَةٌ ) عَدْلَانِ ، فَإِنْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَلَا يُقْضَى بِنَقْضِ الصُّلْحِ قَالَهُ الْأَخَوَانِ وَعَبْدُ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ ، نَقَلَهُ الْقَلْشَانِيُّ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ ( لَمْ يَعْلَمْهَا ) أَيْ الْمَظْلُومُ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ لَهُ حِينَ عَقَدَ الصُّلْحَ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ فَلَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا .
( أَوْ ) صَالَحَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَعْلَمُهَا غَائِبَةٌ بِبَعِيدٍ جِدًّا كَأَفْرِيقِيَّةِ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْأَنْدَلُسِ ( وَأَشْهَدَ ) الْمَظْلُومُ ( وَأَعْلَنَ ) أَيْ أَظْهَرَ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي غَيْبَةِ الظَّالِمِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَظْلُومَ ( يَقُومُ بِ ) شَهَادَةِ ( هَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الظَّالِمِ إذَا حَضَرَتْ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلِنْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا لَا إنْ عَلِمَهَا وَقْتَ الصُّلْحِ وَقَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لَا جِدًّا فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهَا وَلَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا .
وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَهُ : كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ ، أَوْ يُقِرَّ سِرًّا فَقَطْ عَلَى الْأَحْسَنِ فِيهِمَا
( أَوْ ) صَالَحَ عَلَى إنْكَارٍ لِعَدَمِ وَثِيقَتِهِ ثُمَّ ( وَجَدَ ) الْمَصَالِحُ ( وَثِيقَتَهُ ) أَيْ الْحَقَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الصُّلْحِ وَقَدْ كَانَ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا إنْ وَجَدَهَا ( فَلَهُ ) أَيْ الْمَظْلُومِ ( نَقْضُهُ ) أَيْ الصُّلْحِ فِي الْأَرْبَعِ مَسَائِلَ اتِّفَاقًا ، وَلَهُ إمْضَاؤُهُ فَإِنْ نَسِيَهَا حَالَ الصُّلْحِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ أَيْضًا وَالْقِيَامُ بِهَا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَلَهُ نَقْضُهُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ إبْرَاءٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ .
" صر " وَشَيْخُهُ بُرْهَانُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فَيُقَيِّدُ قَوْلَهُ الْآتِي إنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ قَبْلَهُ بَرِئَ مُطْلَقًا إلَخْ ، بِمَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ الْحَقِّ ، وَأَمَّا إنْ أَبْرَأَهُ مَعَ الصُّلْحِ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ فَلَا يُبَرَّأُ ، أَيْ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَلَى دَوَامِ صِفَةِ الصُّلْحِ لَا إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ ، فَلَمَّا لَمْ يَتِمَّ جَعَلَ لَهُ الشَّارِعُ نَقْضَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ إبْرَاؤُهُ ، وَبِهَذَا سَقَطَ مَا يُقَالُ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِهِ صَحَّ وَلَزِمَ فَأَوْلَى مِنْ بَعْضِهِ أَفَادَهُ عب .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فِي الْأَرْبَعِ مَسَائِلَ اتِّفَاقًا إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ، إذْ الثَّانِيَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا ، وَلَفْظُ ضَيْح وَهُنَا ثَمَانِ مَسَائِلَ أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأَرْبَعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا ، فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَالْأُولَى إذَا صَالَحَ ثُمَّ أَقَرَّ ، وَالثَّانِيَةُ إذَا أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ .
وَالثَّالِثَةُ إذَا ذَكَرَ ضَيَاعَ صَكِّهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَهُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ اُتُّفِقَ فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ .
وَالرَّابِعَةُ إذَا ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فَقِيلَ لَهُ حَقُّك ثَابِتٌ فَائِتٌ بِهِ فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ .
وَأَمَّا الْأَرْبَعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا إذَا غَابَتْ بَيِّنَتُهُ وَأَشْهَدَ سِرًّا أَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِحَقِّهِ بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ يَعْلَمْهَا وَالْمَشْهُورُ فِيهِمَا الْقَبُولُ .
وَالثَّانِيَةُ إذَا صَالَحَ وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيِّنَتِهِ
وَالْمَشْهُورُ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ .
وَالرَّابِعَةُ مَنْ يُقِرُّ سِرًّا وَيَجْحَدُ عَلَانِيَةً وَذُكِرَ الْخِلَافَ ا هـ .
قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ إبْرَاءٌ .
إلَخْ ظَاهِرٌ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ الْإِبْرَاءُ فَقَطْ ، وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ فِي الصُّلْحِ عَدَمَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ بَيِّنَةً فَلَا قِيَامَ لَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَاشِرٍ ، وَنَصُّهُ قَوْلُهُ فَلَهُ نَقْضُهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هَارُونَ فِي اخْتِصَارِ الْمُتَيْطِيِّ ، فَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ فِي وَثِيقَةِ الصُّلْحِ أَنَّهُ مَتَى قَامَ عَلَيْهِ فِيمَا ادَّعَاهُ فَقِيَامُهُ بَاطِلٌ وَحُجَّتُهُ دَاحِضَةٌ ، وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ زُورٌ الْمُسْتَرْعَاةُ وَغَيْرُهَا ، وَأَسْقَطَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ مَا تَكَرَّرَ فَلَا تُسْمَعُ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ هَذَا الْإِبْرَاءِ بَيِّنَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَ عَارِفًا بِهَا حِينَ الصُّلْحِ أَمْ لَا ، وَإِنْ سَقَطَ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْوَثِيقَةِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَعْرِفْهَا ا هـ .
وَشَبَّهَ فِي النَّقْضِ فَقَالَ ( كَ ) صُلْحِ ( مَنْ ) أَيْ مَظْلُومٍ غَابَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَعُدَتْ جِدًّا فَأَشْهَدَ سِرًّا أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُ لِغَيْبَتِهَا وَأَنَّهَا إنْ قَدِمَتْ قَامَ بِهَا ( وَلَمْ يُعْلِنْ ) الْإِشْهَادَ عِنْدَ حَاكِمٍ ثُمَّ قَدِمَتْ بَيِّنَتُهُ فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَنَقْضُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَشْهُورِ ( أَوْ ) صُلْحِ مَظْلُومٍ ( يُقِرُّ ) لَهُ ظَالِمُهُ بِحَقِّهِ عِنْدَهُ ( سِرًّا ) فِيمَا بَيْنَهُمَا حِينَ لَمْ يَحْضُرْهُمَا مَنْ يَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِ وَيَجْحَدُهُ عَلَانِيَةً حِينَ حُضُورِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ طَلَبِهِ عَاجِلًا أَوْ حَسْبُهُ بَعْدَ إشْهَادِ الْمَظْلُومِ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِيَطْمَئِنَّ وَيَأْمَنَ مِنْ ذَلِكَ وَيُقِرَّ عَلَانِيَةً فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِبَاقِي حَقِّهِ ، فَإِنْ أَقَرَّ الظَّالِمُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلِمَنْ صَالَحَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي اسْتَرْعَاهَا وَنَقْضُ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِبَاقِي حَقِّهِ ( عَلَى الْأَحْسَنِ فِيهِمَا ) أَيْ
الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَ الْكَافِ .
وَأَشَارَ بِالْأَحْسَنِ فِي الثَّانِيَةِ لِفَتْوَى بَعْضِ أَشْيَاخِ شَيْخِهِ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَمُقَابِلُهُ لِمُطَرِّفٍ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَى فَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهَا ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ وَاسْتَظْهَرَ فِيهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الْقِيَامِ عَكْسَ قَوْلِهِ عَلَى الْأَحْسَنِ ، وَأَكْثَرُ النُّسَخِ لَيْسَ فِيهِ فِيهِمَا .
فَإِنْ قُلْت لَعَلَّ عَلَى الْأَحْسَنِ خَاصٌّ بِالثَّانِيَةِ .
قُلْت هُوَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِيمَنْ لَمْ يُعْلِنْ بِالْإِشْهَادِ ، فَلَا يَكُونُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُعْلِنِ وَغَيْرِهِ فَائِدَةٌ ، وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي يَشْهَدُهَا سِرًّا عَلَى عَدَمِ الْتِزَامِ الصُّلْحِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ تُسَمَّى بَيِّنَةَ الِاسْتِرْعَاءِ ، أَيْ إيدَاعَ الشَّهَادَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ إنْ صَالَحَهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ سَنَةً ، وَأَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ وَإِنْ قَدِمَتْ قَامَ بِهَا فَقِيلَ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا إنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُهُ فَيَجْحَدُهُ ، وَقِيلَ لَا قِيَامَ لَهُ بِهَا .
قَالَ مُطَرِّفٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمَطْلُوبَ بَعْدِ إنْكَاره ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى تَأْخِيرِهِ سَنَةً بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إنْكَارِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِيُقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ ثُمَّ صَالَحَهُ وَأَقَرَّ بَعْدَ صُلْحِهِ ، فَفِي لُزُومِ أَخْذِهِ بِإِقْرَارِهِ وَلَغْوِ صُلْحِهِ عَلَى تَأْخِيرِهِ وَلَغْوِ إقْرَارِهِ وَلُزُومِ صُلْحِهِ بِتَأْخِيرِهِ نَقَلَا الصِّقِلِّيِّ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَائِلًا ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ .
قُلْت وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ وَالْمُوَثِّقِينَ وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَحْكِ عَنْ الْمَذْهَبِ غَيْرَهُ .
وَحَكَى الْمُتَيْطِيُّ ثَانِيًا لَهُ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَنْفَعُ إشْهَادُ السِّرِّ إلَّا عَلَى مَنْ لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ
كَالسُّلْطَانِ وَالرَّجُلِ الْقَاهِرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ حَاصِلُ حَقِيقَةِ الِاسْتِرْعَاءِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي وَقْتِنَا إيدَاعًا هُوَ إشْهَادُ الطَّالِبِ أَنَّهُ طَلَبَ فُلَانًا ، وَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ إنْكَارُهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، وَأَنَّهُ مَهْمَا أَشْهَدَ بِتَأْخِيرِهِ إيَّاهُ بِحَقِّهِ أَوْ بِوَضِيعَةِ شَيْءٍ مِنْهُ أَوْ بِإِسْقَاطِ بَيِّنَةِ الِاسْتِرْعَاءِ فَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِيُقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ وَشَرْطُهُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الصُّلْحِ ، فَيَجِبُ تَعْيِينُ وَقْتِهِ بِيَوْمِهِ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ هُوَ مِنْ يَوْمِهِ خَوْفَ اتِّحَادِ يَوْمِهِمَا ، فَإِنْ اتَّحَدَ دُونَ تَعْيِينِ جُزْءِ الْيَوْمِ لَمْ يُفِدْ اسْتِرْعَاؤُهُ .
الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ وَلَا يَنْفَعُ الِاسْتِرْعَاءُ إلَّا مَعَ ثُبُوتِ إنْكَارِ الْمَطْلُوبِ وَرُجُوعِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ إلَى الْإِقْرَارِ ، فَإِنْ ثَبَتَ إنْكَارُهُ وَتَمَادَى عَلَيْهِ بَعْدَ صُلْحِهِ لَمْ يُفِدْ اسْتِرْعَاؤُهُ شَيْئًا ، وَقَوْلُ الْعَوَامّ صُلْحُ الْمُنْكِرِ إثْبَاتٌ لِحَقِّ الطَّالِبِ جَهْلٌ ، وَقَوْلُهُمْ فِي الصُّلْحِ تَسَاقَطَا الِاسْتِرْعَاءُ وَالِاسْتِرْعَاءُ فِي الِاسْتِرْعَاءِ ، لِأَنَّهُ إذَا اسْتَرْعَى وَقَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ مَتَى أَشْهَدَ بِقَطْعِ اسْتِرْعَائِهِ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ إقْرَارِ خَصْمِهِ لَمْ يَضُرَّهُ إسْقَاطُهُ فِي الصُّلْحِ اسْتِرْعَاؤُهُ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي اسْتِرْعَائِهِ أَنَّهُ مَتَى أَسْقَطَ اسْتِرْعَاءَهُ فَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لَهُ كَإِنَّ إسْقَاطُهُ فِي صُلْحِهِ اسْتِرْعَاءَهُ مُسْقِطًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَإِذَا قُلْت إنَّهُ قَطَعَ الِاسْتِرْعَاءَ وَالِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ ثُمَّ اسْتَرْعَى وَقَالَ إنَّهُ مَتَى أَشْهَدَ بِقَطْعِ الِاسْتِرْعَاءِ فَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لَهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ إقْرَارِ خَصْمِهِ لَمْ يُفِدْهُ ، إذْ لَا اسْتِرْعَاءَ ، زَادَ الْمُتَيْطِيُّ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ فِيهِ تَنَازُعٌ وَالْأَحْسَنُ مَا قَدَّمْنَاهُ .
قُلْت
وَلِابْنِ رُشْدٍ كَلَامٌ فِي هَذَا مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ .
ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَرْعٌ إذَا أَشْهَدَ فِي السِّرِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِأَجْلِ إنْكَارِهِ وَأَنَّهُ مَتَى وَجَدَ بَيِّنَةً قَامَ بِهَا فَالصُّلْحُ غَيْرُ لَازِمٍ إذَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ وَثَبَتَ الْحَقُّ ، وَغَايَةُ مَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا عُلِمَ بِبَيِّنَتِهِ .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا يَنْفَعُهُ مَا أَشْهَدَ بِهِ فِي السِّرِّ .
وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ لَا يَنْفَعُ إشْهَادُ السِّرِّ إلَّا عَلَى مَنْ لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ كَالسُّلْطَانِ وَالرَّجُلِ الْقَاهِرِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِشْهَادُ السِّرِّ فِيهِ بَاطِلٌ .
( فَرْعٌ ) : إنْ تَقَيَّدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُودِعْ شَهَادَتَهُ يَعْنِي اسْتِرْعَاءً .
وَمَتَى قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَهِيَ كَاذِبَةٌ .
قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَكَثِيرًا مَا يُكْتَبُ عِنْدَنَا بِقَفِصَةٍ ، وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ سَقَطَ .
( فَرْعٌ ) : لَوْ قَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ : وَمَتَى أَشْهَدْت عَلَى نَفْسِي أَنِّي قَطَعْت الِاسْتِرْعَاءَ وَالِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ إلَى أَقْصَى تَنَاهِيهِ فَإِنَّمَا أَفْعَلُهُ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ ، وَأَنِّي غَيْرُ قَاطِعٍ لِشَيْءٍ مِنْهُ وَأَرْجِعُ فِي حَقِّي فَحَكَى صَاحِبُ الطُّرَرِ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهُ مَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ ، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّهُ إنْ قَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ مَتَى أَشْهَدْت بِقَطْعِ الِاسْتِرْعَاءِ فَإِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ اسْتِجْلَابًا لِإِقْرَارِ خَصْمِي فَلَهُ الْقِيَامُ وَلَا يَضُرُّهُ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ إسْقَاطِ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَرْعَاةِ .
وَإِنْ قَالَ أَنَّهُ أُسْقِطُ الِاسْتِرْعَاءَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِاسْتِرْعَائِهِ .
وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ وَفِيهِ تَنَازُعٌ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الطُّرَرِ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الصُّلْحِ بِإِنْكَارِهِ ، وَالْمُكْرَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قِيلَ أَنَّهُ
لَا يَسْقُطُ اسْتِرْعَاؤُهُ مُطْلَقًا لَكَانَ وَجْهًا إذَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ .
ا هـ .
كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ
لَا إنْ عَلِمَ بِبَيِّنَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ ، فَقِيلَ لَهُ : حَقُّك ثَابِتٌ بِهِ فَائِتٌ بِهِ ، فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ .
( لَا ) يُنْقَضُ الصُّلْحُ ( إنْ عَلِمَ ) الْمَظْلُومُ الْمُصَالَحُ عَلَى إنْكَارٍ حِينَ الصُّلْحِ بِبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ ( وَلَمْ يُشْهِدْ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْمَظْلُومُ قَبْلَ صُلْحِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا بَعْدَ الصُّلْحِ فَلَيْسَ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً غَيْبَةً بَعِيدَةً جِدًّا وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ لِقُوَّةِ أَمْرِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ أَوْ هِبَةٌ ، وَلِأَنَّهُ كَالتَّارِكِ لَهَا حِينَ الصُّلْحِ ( أَوْ ادَّعَى ) الطَّالِبُ ( ضَيَاعَ الصَّكِّ ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ، وَشَدِّ الْكَافِ أَيْ الْوَثِيقَةِ الْمَكْتُوبِ حَقُّهُ فِيهَا ( فَقِيلَ لَهُ ) أَيْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلطَّالِبِ ( حَقُّك ثَابِتٌ ) إنْ أَتَيْت بِهِ ( فَأْتِ ) بِهَمْزٍ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ الْإِتْيَانِ ( بِهِ ) أَيْ الصَّكِّ وَخُذْ حَقَّك ( فَ ) لَمْ يَأْتِ بِهِ وَ ( صَالَحَ ) الطَّالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( ثُمَّ وَجَدَهُ ) أَيْ الطَّالِبُ الصَّكَّ فَلَا قِيَامَ لَهُ بِهِ وَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الصَّكِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَقَوْلِهِ أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ أَقَرَّ إقْرَارًا مُعَلَّقًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِالصَّكِّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ الطَّالِبُ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ ، وَمَا سَبَقَ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ الْحَقُّ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَشْهَدَ الطَّالِبُ أَنَّهُ يُصَالِحُهُ لِضَيَاعِ صَكِّهِ بِدُونِ الْتِزَامٍ ، وَأَنَّهُ مَتَى وَجَدَهُ يَقُومُ بِهِ الْبُنَانِيُّ .
هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَنَصُّهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ غَرِيمَهُ فِي هَذِهِ مُعْتَرِفٌ ، وَإِنَّمَا طَلَبَهُ بِإِحْضَارِ صَكِّهِ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ فَرَضِيَ الطَّالِبُ بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتَعْجَلَ حَقَّهُ ، وَالْأَوَّلُ أَنْكَرَ الْحَقَّ وَقَدْ أَشْهَدَ طَالِبُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِضَيَاعِ وَثِيقَتِهِ إلَخْ ، فَقَوْلُ " ز " مُقِرٌّ لَا مُطْلَقًا ، بَلْ بِشَرْطٍ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ هُوَ مُقِرٌّ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَعَنْ إرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرْضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ مُورِثِهَا مِنْهُ فَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ ، لَا مِنْ غَيْرِهَا مُطْلَقًا ، إلَّا بِعَرْضٍ إنْ عَرَفَ جَمِيعَهَا وَحَضَرَ ، وَأَقَرَّ الْمَدِينُ وَحَضَرَ
( وَ ) إنْ مَاتَ زَوْجٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ أَوْ أَبٍ وَتَرِكَتُهُ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَعَرْضٌ وَأَرَادَ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ صُلْحَ زَوْجَتِهِ جَازَ الصُّلْحُ ( عَنْ إرْثِ زَوْجَةِ ) مَثَلًا ( مِنْ عَرْضٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ ( وَوَرِقٍ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ فِضَّةٍ وَسَوَاءٌ حَضَرَ الْعَرْضُ وَالْوَرِقُ أَوْ غَابَا ( وَذَهَبٍ ) لِزَوْجِهَا الْمَيِّتِ وَصْلَةُ الصُّلْحِ ( بِذَهَبٍ مِنْ ) ذَهَبِ ( التَّرِكَةِ قَدَّرَ مُوَرِّثُهَا ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ ( مِنْهُ ) أَيْ الذَّهَبِ كَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ ثَمَانِينَ دِينَارًا مَعَ فَرْعٍ وَارِثٍ أَوْ أَرْبَعِينَ مَعَ عَدَمِهِ حَاضِرَةً كُلَّهَا ، فَإِنْ غَابَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَخَذَتْ حَظَّهَا مِنْ الْحَاضِرِ فَقَطْ ( فَأَقَلُّ ) مِنْ مُوَرِّثِهَا كَخَمْسَةٍ مِنْ ثَمَانِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ حَضَرَ الْعَرْضُ وَالدَّرَاهِمُ أَمْ لَا ، كَانَ حَظُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرَ صَرْفِ دِينَارٍ أَمْ لَا ، وَقِيمَةُ حَظِّهَا مِنْ الْعَرْضِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَخَذَتْ حَظَّهَا أَوْ بَعْضَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَوَهَبَتْ حَظَّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْعَرْضِ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ ، فَإِنْ حَازُوهُ قَبْلَ مَانِعِ هِبَتِهَا تَمَّتْ وَإِلَّا فَلَا .
( أَوْ أَكْثَرُ ) مِنْ مُوَرِّثِهَا مِنْ الذَّهَبِ كَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ ( إنْ ) حَضَرَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا وَ ( قَلَّتْ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ أَيْ نَقَصَتْ ( الدَّرَاهِمُ ) الَّتِي وَرِثَتْهَا عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ أَوْ قَلَّتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ عَنْهُ ، أَوْ كَانَ مَا أَخَذَتْهُ زَائِدًا عَلَى حَظِّهَا دِينَارًا وَاحِدًا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ لِأَخْذِ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَبَيْعِهَا لِبَاقِي الْوَرَثَةِ حَظَّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْعَرْضِ بِمَا زَادَ عَلَى حَظِّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِيهِ .
فَإِنْ قَلَّتْ إذَا كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ وَقَلَّتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي
أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ فَلِمَ جَازَ .
قُلْت لِأَنَّهُ لَمَّا قَلَّ الْعَرْضُ صَارَ غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الصَّرْفُ .
فَإِنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ وَقِيمَةُ الْعَرْضِ وَأَخَذَتْ عَنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ امْتَنَعَ لِاجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ ، فَالشَّرْطُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَطْ .
( لَا ) يَجُوزُ صُلْحُهَا بِشَيْءٍ ( مِنْ غَيْرِهَا ) أَيْ التَّرِكَةِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، حَضَرَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا أَمْ لَا لِأَنَّهُ بَيْعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَرْضٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهَذَا رِبَا فَضْلٍ وَفِيهِ رِبَا النَّسَاءِ إنْ غَابَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَلَوْ الْعَرْضَ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ النَّقْدِ إذَا صَاحَبَهُ ( إلَّا ) صُلْحُهَا ( بِعَرْضٍ ) مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فَيَجُوزُ ( إنْ عَرَفَا ) أَيْ الْمُصْطَلَحَانِ ( جَمِيعَهَا ) أَيْ التَّرِكَةِ لِيَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مَعْلُومًا لَهُمَا .
( وَ ) إنْ ( حَضَرَ ) جَمِيعُ التَّرِكَةِ حَقِيقَةً فَقَطْ فِي الْعَيْنِ أَوْ وَلَوْ حُكْمًا فِي غَيْرِهَا بِقُرْبِ غَيْبَتِهِ بِحَيْثُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ لِلسَّلَامَةِ مِنْ النَّقْدِ فِي الْغَائِبِ ، بِشَرْطٍ ( وَ ) إنْ ( أَقَرَّ الدَّيْنَ ) بِمَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَلَوْ عَرْضًا ( وَحَضَرَ ) الْمَدِينُ وَقْتَ الصُّلْحِ ، إذْ لَوْ غَابَ لَاحْتَمَلَ إنْكَارَهُ إذَا حَضَرَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَلَوْ ثَبَتَ إقْرَارُهُ فِي غَيْبَتِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لَهُ مِدْفَعًا فِيمَا يَثْبُتُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يُبَاعُ وَهُوَ يُحَقِّقُ أَنَّهُ لَا مَدْفَعَ لَهُ فِيهِ ، وَلِلِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِ فَقَدْ لَا تَرْتَضِي مُعَامَلَتَهُ وَكَانَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَانَ الْعَرْضُ الْمُصَالَحُ بِهِ مُخَالِفًا لِلْعَرْضِ الَّذِي عَلَى الْمَدِينِ لِأَنَّهُ لَوْ وَافَقَهُ لَكَانَ سَلَفًا لَهَا بِمَنْفَعَةٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا يُصَالِحُهَا بِهِ أَقَلُّ
مِنْ حَقِّهَا .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ إنْ عَرَفَا جَمِيعَهَا شُرُوطٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَيْضًا ، قَالَهُ الْبُنَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَعَنْ دَرَاهِمَ وَعَرْضٍ تُرِكَا بِذَهَبٍ : كَبَيْعٍ وَصَرْفٍ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ ، فَكَبَيْعِهِ
.
( وَ ) جَازَ الصُّلْحُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا ( عَنْ ) حَظِّهَا مِنْ ( دَرَاهِمَ ) أَوْ مِنْ ذَهَبٍ ( وَعَرْضٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ ( تُرِكَا ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ تَرَكَهُمَا مَيِّتٌ لِوَرَثَتِهِ ( بِذَهَبٍ ) أَوْ فِضَّةٍ مِنْ مَالِ الْمُصَالِحِ حَالَ كَوْنِهِ ( كَ ) ا اجْتِمَاعِ ( بَيْعِ وَصَرْفِ ) بِأَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا بِأَنْ يُصَالِحَهَا بِدِينَارٍ وَاحِدٍ أَوْ يَجْتَمِعَا فِي دِينَارٍ ، وَحَظُّهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَقَلُّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ ، أَوْ يَكُونُ الْعَرْضُ يَسِيرًا جِدًّا لَا يُعْتَبَرُ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ .
( وَإِنْ كَانَ فِيهَا ) أَيْ التَّرِكَةِ الْمُصَالَحِ عَنْ حَظِّ وَارِثٍ مِنْهَا ( دَيْنٍ ) لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ عُرُوضٌ ( فَ ) الصُّلْحُ عَنْ حَظِّ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْهُ حُكْمُهُ ( كَ ) حُكْمِ ( بَيْعِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْمَدِينِ وَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَكَوْنُهُ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ ، وَكَوْنُ الدَّيْنِ لَيْسَ طَعَامًا مِنْ سَلَمٍ .
عب وَالْخَرَشِيُّ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ عَلَى الْفُرُوعِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَقَوْلُهُ وَعَنْ دَرَاهِمَ إلَخْ يُغْنِي عَنْهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ إلَخْ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَأَقَرَّ الْمَرِيضُ وَحَضَرَ
وَعَنْ الْعَمْدِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ
.
( وَ ) جَازَ الصُّلْحُ ( عَنْ ) جِنَايَةِ ( الْعَمْدِ ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا ( بِمَا ) أَيْ مَالٍ ( قَلَّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا ، أَيْ نَقَصَ عَنْ دِيَةِ الْجِنَايَةِ لَوْ كَانَتْ خَطَأً ( وَ ) بِمَا ( كَثُرَ ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ زَادَ عَلَيْهَا مُعَيَّنًا قَدْرُهُ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ لَا دِيَةَ لَهَا ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ مَجَّانًا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرَ الْمَالِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ انْعَقَدَ الصُّلْحُ وَلَزِمَ الْجَانِي دِيَةَ خَطَأٍ ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَمَفْهُومُ الْعَمْدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْخَطَأِ بِأَقَلَّ مِنْ دِيَتِهِ لِأَقْرَبَ مِنْ أَجَلِهَا لِضَعْ وَتَعَجَّلْ وَلَا بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ ، وَكَذَا الْعَمْدُ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَهُ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ كَجَائِفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
لَا غَرَرٍ كَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ ؛
.
( لَا ) يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ بِذِي ( غَرَرٍ كَ ) الصُّلْحِ عَنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ بِ ( رِطْلٍ مِنْ ) لَحْمِ ( شَاةٍ ) حَيَّةٍ أَوْ قَبْلَ سَلْخِهَا لِجَهْلِ صِفَةِ لَحْمِهَا .
تت أَطْلَقَ هُنَا وَقَيَّدَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِالْحَيَّةِ فَفِيهَا وَإِذَا ادَّعَيْت عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا فَصَالَحَك مِنْهُ بِعَشَرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ لَمْ يَجُزْ .
طفي أَبُو الْحَسَنِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الذَّبْحِ ، وَفُهِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ بِالرِّطْلِ مَنْعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى ، وَجَوَازُهُ بِجَمِيعِ الشَّاةِ الْحَيَّةِ أَوْ الْمَذْبُوحَةِ قَبْلَ سَلْخِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِينَئِذٍ جَمِيعُهَا الْحَاضِرُ الْمُشَاهَدُ لَا بَعْضُ لَحْمِهَا الْمُغَيَّبِ ، فَإِنْ سُلِخَتْ جَازَ الصُّلْحُ بِرِطْلٍ مِنْ لَحْمِهَا إذْ لَا غَرَرَ فِيهِ ، وَمِمَّا فِيهِ الْغَرَرُ ثَمَرَةٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا ، فَإِنْ وَقَعَ ارْتَفَعَ الْقِصَاصُ وَقَضَى بِدِيَةِ عَمْدٍ .
ابْنُ رَاشِدٍ لَوْ صَالَحَ الْجَانِي عَلَى ارْتِحَالِهِ مِنْ بَلَدِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُنْقَضُ الصُّلْحُ وَلِلْمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصُ .
وَقَالَ أَصْبَغُ وَالْمُغِيرَةُ يَمْضِي وَيُحْكَمُ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ أَبَدًا عَمَلًا بِالشَّرْطِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ سَحْنُونٌ ، وَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَرْتَحِلْ أَوْ ارْتَحَلَ ثُمَّ عَادَ وَكَانَ الدَّمُ ثَابِتًا فَلَهُمْ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ .
أَوْ إنْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ فَهُمْ عَلَى حُجَّتِهِمْ .
وَلِذِي دَيْنٍ : مَنْعُهُ مِنْهُ
( وَلِذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( دَيْنٍ ) مُحِيطٍ بِمَالٍ الْجَانِي عَمْدًا عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَالِحَ الْمُسْتَحِقَّ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ( مَنْعُهُ ) أَيْ الْجَانِي ( مِنْهُ ) أَيْ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ فِي نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ إذْ هُوَ إتْلَافٌ لِمَالِهِ فِيمَا لَمْ يُعَامِلْهُ عَلَيْهِ كَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ ، وَلَيْسَ كَإِنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ عَامَلُوهُ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَدَّمَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ وَأَعْضَائِهِ وَهُمْ مُؤَخَّرُونَ عَنْ الْقُوتِ الَّذِي يَحْفَظُ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ ظَلَمَ بِجِنَايَتِهِ فَلَا يَلْحَقُ ظُلْمُهُ غُرَمَاءَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَظْلِمْ فِي الْقُوتِ مَعَ اضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَمُعَامَلَتُهُمْ عَلَيْهِ ، قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الدَّيْنِ غَيْرَ مُحِيطٍ بِمَالِ الْجَانِي فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ مِنْ الصُّلْحِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ بِمَا بَقِيَ وَلَوْ بِتَحْرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ التَّكَسُّبُ
وَإِنْ رُدَّ مُقَوَّمٌ بِعَيْبٍ ، أَوْ اُسْتُحِقَّ ، رُجِعَ بِقِيمَتِهِ كَنِكَاحٍ ، وَخُلْعٍ
( وَإِنْ ) صَالَحَ بِمُقَوَّمٍ عَنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ مُطْلَقًا أَوْ خَطَأٍ عَلَى إنْكَارِ وَ ( رُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ شَيْءٌ ( مُقَوَّمٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالْوَاوِ مُشَدَّدَةً كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ مُصَالَحٍ بِهِ عَنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ مُطْلَقًا أَوْ خَطَأٍ عَلَى إنْكَارِ وَصْلَةِ رَدٍّ ( بِعَيْبٍ ) ظَهَرَ فِيهِ بَعْدَ الصُّلْحِ ( أَوْ اُسْتُحِقَّ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ذَلِكَ الْمُقَوَّمُ الْمُعَيَّنُ الْمُصَالَحُ بِهِ أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ ( رَجَعَ ) رَادُّهُ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ بِالْفَتْحِ عَلَى دَافِعِهِ ( بِقِيمَتِهِ ) أَيْ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقِّ مُعْتَبَرَةٌ يَوْمَ عَقْدِ الصُّلْحِ ، نَقَلَهُ الْحَطّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ سَلِيمًا صَحِيحًا لَا بِمَا صُولِحَ عَنْهُ ، إذْ لَيْسَ لِجِنَايَةِ الْعَمْدِ دِيَةٌ وَلَا لِلْخِصَامِ فِي الْإِنْكَارِ قِيمَةٌ فَيَرْجِعُ بِهَا ، وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ فَفِي غَيْرِ الدَّمِ يَرْجِعُ فِي الْمُقِرِّ بِهِ إنْ لَمْ يَفُتْ ، وَيُعَوِّضُهُ إنْ فَاتَ .
وَفِي الدَّمِ يَرْجِعُ لِلدِّيَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَوَّمُ الْمُصَالَحُ بِهِ الْمَرْدُودُ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقُّ مَوْصُوفًا رَجَعَ بِمِثْلِهِ مُطْلَقًا .
وَشَبَّهَ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ أَوْ الْمُسْتَحَقِّ فَقَالَ ( كَنِكَاحٍ ) بِصَدَاقٍ مُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَرَدَّتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِهِ سَلِيمًا صَحِيحًا ( وَ ) كَ ( خُلْعٍ ) بِمُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ رَدَّهُ الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِعَيْبٍ ظَهَرَ فِيهِ أَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُلْعِ سَلِيمًا صَحِيحًا ، وَكَذَا إنْ كَانَ الصَّدَاقُ أَوْ الْمُخَالَعُ بِهِ شِقْصًا أُخِذَ بِشُفْعَةٍ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ ، وَكَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ السَّبْعَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِقَوْلِهِ وَفِي عَرْضٍ
بِعَرْضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ أَوْ قِيمَتِهِ إلَّا نِكَاحًا وَخُلْعًا وَصُلْحَ عَمْدٍ ، أَيْ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَمُقَاطَعًا بِهِ عَنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عُمْرَى ا هـ .
وَالطَّارِئُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا إمَّا عَيْبٌ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ فَهِيَ إحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي سَبْعَةٍ نَظَمَهَا ( غ ) فِي بَيْتٍ وَهُوَ : صُلْحَانِ عِتْقَانِ وَبُضْعَانِ مَعًا عُمْرَى لِأَرْشِ عِوَضٍ بِهِ ارْجِعَا
وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ ، أَوْ قَطَعُوا جَازَ صُلْحُ كُلٍّ ؛ وَالْعَفْوُ عَنْهُ
( وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ ) قَتِيلًا مَعْصُومًا عَمْدًا عُدْوَانًا مُكَافِئًا لَهُمْ بِتَمَالُؤٍ ، أَوْ اسْتَوَتْ أَفْعَالُهُمْ أَوْ لَمْ تَتَمَيَّزْ ( أَوْ قَطَعُوا ) عُضْوَ مَعْصُومٍ كَذَلِكَ ( جَازَ ) لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ ( صُلْحُ كُلٍّ ) مِنْ الْجَمَاعَةِ الْقَاتِلِينَ أَوْ الْقَاطِعِينَ ( وَ ) جَازَ لَهُ ( الْعَفْوُ عَنْهُ ) أَيْ كُلٍّ ، وَجَازَ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ كُلٍّ وَتَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ وَجَازَ لَهُ صُلْحُ بَعْضٍ وَالْعَفْوُ عَنْ بَعْضٍ وَالْقِصَاصُ مِنْ بَعْضٍ ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ يَدَ رَجُلٍ أَوْ جَرَحُوهُ عَمْدًا فَلَهُ صُلْحُ أَحَدِهِمْ وَالْعَفْوُ عَمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ ، وَالْقِصَاصُ مِمَّنْ شَاءَ ، وَكَذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ فِي النَّفْسِ .
وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْجَانِي وَتَعَدُّدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَثَبَتَ عَلَيْهِ فَصَالَحَ أَوْلِيَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الدِّيَةِ وَعَفَوَا عَنْ دَمِهِ وَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْآخَرِ بِالْقَوَدِ فَلَهُمْ الْقَوَدُ ، فَإِنْ اسْتَقَادُوا بَطَلَ الصُّلْحُ ، وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُمْ عَلَى حَيَاتِهِ وَقَتْلِهِ لِبَعْضِ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ لِجَمِيعِهِمْ .
وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ ، ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ : فَلِلْوَلِيِّ لَا لَهُ رَدُّهُ ، وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأَخْذِهِمْ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ
وَإِنْ ) جَنَى شَخْصٌ عَمْدًا عُدْوَانًا بِقَطْعٍ أَوْ جَرْحٍ وَ ( صَالَحَ ) شَخْصٌ ( مَقْطُوعٌ ) عُضْوُهُ أَوْ مَجْرُوحٌ عَمْدًا عُدْوَانًا قَاطِعَهُ أَوْ جَارِحَهُ بِمَالٍ عَنْ الْقَطْعِ أَوْ الْجُرْحِ فَقَطْ ( ثُمَّ نُزِيَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ سَالَ دَمُ الْمَقْطُوعِ ( فَمَاتَ ) الْمَقْطُوعُ ( فَلِلْوَلِيِّ ) أَيْ مُسْتَحِقِّ دَمِ الْمَقْطُوعِ أَوْ الْمَجْرُوحِ الَّذِي مَاتَ وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا ( لَا لَهُ ) أَيْ الْقَاطِعِ ( رَدُّهُ ) أَيْ الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ لِلْقَاطِعِ أَوْ الْجَارِحِ ( وَ ) الْقِصَاصُ أَيْ ( الْقَتْلُ ) لِلْقَاطِعِ ( بِقَسَامَةٍ ) بِفَتْحِ الْقَافِ ، أَيْ خَمْسِينَ يَمِينًا يَحْلِفُهَا الْوَلِيُّ لَمَنْ قَطَعَهُ مَاتَ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا كَانَ عَنْ الْقَطْعِ وَقَدْ كَشَفَ الْغَيْبَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى نَفْسٍ كَامِلَةٍ وَأَقْسَمُوا لَتَأَخَّرَ الْمَوْتُ عَنْ الْقَطْعِ وَلَهُ إمْضَاءُ مُصْلَحِ الْمَقْطُوعِ بِمَا وَقَعَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إتْبَاعُ الْقَاطِعِ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ فِيهَا مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا أَوْ يَقْتُلُوا وَيَرُدُّوا الْمَالَ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُقْسِمُوا كَانَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذُوهُ فِي قَطْعِ الْيَدِ ا هـ .
وَشَبَّهَ فِي تَخْيِيرِ الْوَلِيِّ فَقَالَ ( كَ ) صُلْحِ مَقْطُوعٍ يَدِهِ مَثَلًا خَطَأً أَوْ مَجْرُوحٍ بِمُوضِحَةٍ مَثَلًا خَطَأً ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَيُخَيَّرُ أَوْلِيَاؤُهُ بَيْنَ الْقَسَامَةِ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَطْعِهِ أَوْ جَرْحِهِ وَ ( أَخْذِهِمْ ) أَيْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْطُوعِ أَوْ الْمَجْرُوحِ ( الدِّيَةَ ) الْكَامِلَةَ لِلنَّفْسِ مِنْ عَاقِلَةِ الْجَانِي ( فِي ) جِنَايَةِ ( الْخَطَإِ ) وَيَرْجِعُ بِمَا صَالَحَ بِهِ وَعَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ مَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ عَاقِلَتِهِ وَبَيْنَ إمْضَاءِ الصُّلْحِ بِمَا وَقَعَ بِهِ وَأَعَادَ ضَمِيرَ الْجَمْعِ عَلَى الْوَلِيِّ الْمُفْرَدِ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِمُتَعَدِّدٍ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ
وَإِلَّا مُنِعَ فِي الْخَطَإِ وَكَذَا فِي عَمْدٍ فِيهِ قِصَاصٌ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ يَأْتِيَانِ فِي الْمَتْنِ .
وَأَمَّا مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ حَتَّى الْمَوْتَ امْتَنَعَ أَيْضًا ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ ، وَإِنْ كَانَ لَا شَيْءَ فِيهِ مُقَدَّرًا لَمْ يُصَالَحْ عَلَيْهِ ، إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ قَالَهُ عب الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِلَّا مُنِعَ فِي الْخَطَإِ إلَخْ ، أَيْ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنْ بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ الصُّلْحَ فِي الْجِرَاحَاتِ عَلَى تَرَامِيهَا لِلْمَوْتِ فِي الْخَطَإِ ، فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ كَالْمُوضِحَةِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي يَوْمَ الصُّلْحِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ ، فَإِنْ بَرِئَ فَفِيهِ أَرْشُهُ ، فَإِنْ مَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَسَامَةِ ، وَفِيمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فِي مَنْعِهِ وَجَوَازِهِ نَقْلًا ابْنُ حَبِيبٍ مَعَ قَوْلِ صُلْحِهَا وَالْجَوَازُ فِيهِ أَظْهَرُ ، وَمَا لَا قَوَدَ فِيهِ لَا يَجُوزُ عَلَى تَرَامِيهِ لِلْمَوْتِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ ، وَعَلَى الْجُرْحِ دُونَ تَرَامِيهِ لِلْمَوْتِ أَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى ، قَالَ مَرَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ دُونَ الْمَوْتِ ، وَمَرَّةً قَالَ عَلَيْهِ فَقَطْ .
ا هـ .
وَقَدْ نَقَلَ " ح " كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ مَبْسُوطًا فَانْظُرْهُ .
فَقَوْلُ " ز " عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطّ غَيْرُ صَوَابٍ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ الْمَنْعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْمُسْتَظْهَرُ الْجَوَازُ لَا الْمَنْعُ ، وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ هُوَ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ لَا " ح " فَانْظُرْهُ .
وَنَصُّ " ح " قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَلِلْوَلِيِّ لَا لَهُ رَدُّهُ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأَخْذِهِمْ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ .
قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قُطِعَتْ
يَدُهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْقَاطِعَ عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ ثُمَّ نُزِيَ فِيهَا فَمَاتَ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوا وَيَرُدُّوا الْمَالَ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُقْسِمُوا كَانَ لَهُمْ الْمَالُ الَّذِي أَخَذُوا فِي قَطْعِ الْيَدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةً خَطَأً فَلَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَيَرْجِعُ الْجَانِي فَيَأْخُذُ مَالَهُ وَيَكُونُ فِي الْعَقْلِ كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ ، وَلَوْ قَالَ قَاطِعُ الْيَدِ لِلْأَوْلِيَاءِ حِينَ نَكَلُوا عَنْ الْقَسَامَةِ قَدْ عَادَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَاقْتُلُونِي وَرَدُّوا الْمَالَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَالَحَ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ وَشَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَطْعَ الْيَدِ وَلَا يُقْسِمُونَ فَذَلِكَ لَهُمْ ، وَإِنْ شَاءُوا أَقْسَمُوا وَقَتَلُوهُ .
ا هـ .
وَإِلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ قَاطِعُ الْيَدِ إلَخْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا لَهُ .
وَقَوْلُهُ فِيهَا نُزِيَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ أَيْ تَزَايَدَ وَتَرَامَى إلَى الْهَلَاكِ ، وَأَصْلُهُ مِنْ زِيَادَةِ جَرَيَانِ الدَّمِ .
ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ مَا تَرَامَى إلَيْهِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ هَذَا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِالصُّلْحِ لَا فِي الْخَطَإِ وَلَا فِي الْعَمْدِ .
وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ فَيُخَيَّرُونَ فِيهِ وَالْخَطَإِ فَلَا يُخَيَّرُونَ ، وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا التَّمَسُّكُ بِهِ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ ، وَعَزَا الثَّالِثَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ .
قُلْت وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ خِلَافُ مَا عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ ، قَالَ وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ .
أَمَّا جُرْحُ الْخَطَإِ الَّذِي دُونَ الثُّلُثِ كَالْمُوضِحَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ .
إنْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَهُوَ لَا يَدْرِي يَوْمَ صَالَحَ مَا
يَجِبُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ مَتَى عُثِرَ عَلَيْهِ وَاتَّبَعَ فِيهِ مُقْتَضَى حُكْمِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ ، فَإِنْ بَرِئَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ .
وَإِنْ مَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ وَإِنْ بَلَغَ الْجُرْحُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا .
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَظَاهِرُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَائِزٌ .
وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ فَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ فَالصُّلْحُ فِيهِ عَلَى وَضْعِ الْمَوْتِ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي صُلْحِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ خِلَافُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَالْجَوَازُ فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا شَاءَ .
وَأَمَّا جُرْحُ الْعَمْدِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِ عَلَى الْمَوْتِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصَّ خِلَافٍ .
وَأَمَّا الصُّلْحُ فِيهِ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ الْمَوْتِ فَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَا لَهُ دِيَةٌ مُسَمَّاةٌ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْجَائِفَةِ .
قَالَ فِي مَوْضِعٍ الصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ بِمَا دُونَ النَّفْسِ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهِ بِعَيْنِهِ لَا عَلَى مَا تَرَامَى إلَيْهِ مِنْ زِيَادَةٍ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيمَا لَا دِيَةَ لَهُ مُسَمَّاةً إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ ، فَهَذَا تَحْصِيلُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جُرِحَ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ : جَازَ وَلَزِمَ .
وَهَلْ مُطْلَقًا ، أَوْ إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ ، لَا مَا يَئُولُ إلَيْهِ ؟ تَأْوِيلَانِ .
( وَإِنْ وَجَبَ ) أَيْ ثَبَتَ ( لِ ) شَخْصٍ ( مَرِيضٍ ) ظَاهِرُهُ ، بَلْ صَرِيحَةٌ تَقَدَّمَ مَرَضُهُ عَلَى جُرْحِهِ وَبِهِ قَرَّرَهُ الْحَطّ وَ " س " وعج وعب .
طفي هَذَا لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرَضُ هُنَا مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا صَالَحَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ ثُمَّ نُزِيَ جُرْحُهُ .
ا هـ .
وَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا ( عَلَى رَجُلٍ ) مَثَلًا ( جَرَحَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( عَمْدًا ) عُدْوَانًا .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْإِضَافَةِ ( فَصَالَحَ ) الرَّجُلُ الْمَرِيضَ عَلَى جُرْحِهِ ( فِي ) حَالِ ( مَرَضِهِ ) مِنْ الْجُرْحِ ( بِ ) مَالٍ قَدْرِ ( أَرْشِهِ ) أَيْ دِيَةِ الْجُرْحِ ( أَوْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْأَرْشِ صَادِقٌ بِأَقَلَّ وَأَكْثَرَ مِنْهُ ( ثُمَّ مَاتَ ) الْمَرِيضُ ( مِنْ مَرَضِهِ ) مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ ( جَازَ ) صُلْحُهُ ابْتِدَاءً ( وَلَزِمَ ) صُلْحُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ نَقْضُهُ إذْ لِلْمَرِيضِ الْعَفْوُ عَنْ جَارِحِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا مَجَّانًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ .
( وَهَلْ ) جَوَازُ صُلْحِهِ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ عَنْ خُصُوصِ الْجُرْحِ فَيَجُوزُ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ أَيْضًا ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ .
وَحَمَلَهَا عَلَيْهِ بَعْضُ شَارِحِيهَا كَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَطَّارِ ( أَوْ ) جَوَازُهُ ( إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْجُرْحِ ( فَقَطْ لَا ) إنْ صَالَحَ عَنْهُ ( وَ ) عَنْ ( مَا ) أَيْ الْمَوْتِ الَّذِي ( يَئُولُ ) الْجُرْحُ ( إلَيْهِ ) وَعَلَى هَذَا حَمَلَهَا أَكْثَرُ شَارِحِيهَا فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) وَنَصُّهَا وَإِذَا وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جِرَاحَةُ عَمْدٍ فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ مِنْ أَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ ، إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَعْ مَالًا ا هـ .
عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا عَلَى الْمَوْتِ ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ
الْعَطَّارِ عَلَى مَآلِ الْمَوْتِ وَنَقَلَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَهَا عَلَى مَا تَأَوَّلَهَا عَلَيْهِ ابْنُ الْعَطَّارِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْحَطّ لَيْسَتْ هَذِهِ مُعَارَضَةٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهَا عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ ، ثُمَّ نُزِيَ وَمَاتَ مِنْهُ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ عَنْ جُرْحِهِ عَمْدًا أَوْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا مِنْ الْجُرْحِ أَنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ لَازِمٌ ، وَلَا يُقَالُ .
هَذَا صُلْحٌ وَقَعَ مِنْ الْمَرِيضِ فَيُنْظَرُ فِيهِ هَلْ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَمْ لَا .
الثَّانِي : عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ ، وَإِنْ نُزِيَ الْجُرْحُ فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَيُعْمَلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ .
الثَّالِثُ : عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ لَزِمَ الصُّلْحُ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ ثُمَّ نُزِيَ فِيهِ وَمَاتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ إذْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ كَلَامُ الْحَطّ .
طفي هَذَا عَلَى تَقْرِيرِ أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا مِنْ الْجُرْحِ مُفَرِّقًا بِهِ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَخِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ .
وَلَمَّا ذَكَرَ عِيَاضٌ التَّأْوِيلَيْنِ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ قَبْلَ الْبُرْءِ ، قَالَ وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَصَرَ أَصْحَابُنَا الْخِلَافَ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْجُرْحِ وَمَا تَرَامَى إلَيْهِ
، وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ الَّتِي فِيهَا التَّأْوِيلَانِ ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ الْجُرْحِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمَرَضَ هُنَا مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ .
الرَّابِعُ : عب مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ مَرَضِهِ بِمَعْنَى فِي ، فَهِيَ ظَرْفِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ مَرَضِهِ لَمْ يَأْتِ قَوْلُهُ ، وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ " ق " مِنْ بِمَعْنَى بَاءِ السَّبَبِيَّةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ ، فَلَا يَكْفِي فِي الْمُرَادِ ، بَلْ يُوهِمُ خِلَافَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ يَكُونُ الْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَّا مَرَّ بِخِلَافِهِ .
وَقَالَ الْخَرَشِيُّ قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ مِنْ سَبَبِيَّةٍ أَيْ بِسَبَبِ مَرَضِهِ ، أَيْ كَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ مَرَضَهُ لَا الْجُرْحَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إجْمَالٌ وَالْإِجْمَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ مِنْ ظَرْفِيَّةً .
وَقَالَ فِي كَبِيرِهِ وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ مِنْ مَرَضِهِ ، أَيْ لَا بِسَبَبِ الْجُرْحِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ مَرَضِهِ إذَا شَكَّ فِيهِ .
ا هـ .
وَالْخَرَشِيُّ تَبِعَ الْحَطّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْهُ .
الْخَامِسُ : عب وَإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ جُرْحٌ عَمْدًا طَرَأَ عَلَى مَرَضِهِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ وَأَمَّا طُرُوُّ الْمَرَضِ عَلَى جُرْحِ عَمْدٍ فَسَيَذْكُرُ فِيهِ خِلَافًا هَلْ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَارِحِ أَيْ بِقَسَامَةٍ أَوْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، أَيْ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ قَالَهُ عج ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا .
" ق " عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْمَرَضِ عَنْ الْجُرْحِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ ، وَأَنَّ مَا يَأْتِي لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ صُلْحٌ ا هـ ، وَيَحْتَاجُ لِنَقْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ .
السَّادِسُ : طفي ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقُلْنَا إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ الْجُرْحِ ، وَإِنَّهُ مَاتَ مِنْهُ وَيَجُوزُ الصُّلْحُ وَيَلْزَمُ كَمَا هُوَ نَصُّهَا ، وَنَصُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُشْكِلُ تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى
الْجُرْحِ فَقَطْ يَلْزَمُ مَعَ أَنَّهُ آلَ الْأَمْرُ إلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ ، وَيُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْيِيرِ الْأَوْلِيَاءِ إذَا نُزِيَ الْجُرْحُ فَمَاتَ مِنْهُ ، وَيُنَاقِضُ قَوْلُهَا وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ فَلِأَوْلِيَائِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ بِقَسَامَةٍ إنْ كَانَ عَفْوُهُ عَلَى الْيَدِ لَا عَلَى النَّفْسِ .
ا هـ .
بَلْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ .
قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ الْعَمْدِ ثُمَّ نُزِيَ فِيهِ فَمَاتَ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا أَوْ يَقْتُلُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْ النَّفْسِ .
أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَفَوْت عَنْ الْجُرْحِ ، وَعَمَّا تَرَامَى إلَيْهِ فَيَكُونُ عَفْوًا عَنْ النَّفْسِ .
ا هـ .
وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ جَامِعًا بَيْنَ الْعَفْوِ وَالصُّلْحِ ، فَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ قَوْلَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ .
.
إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ يُخَيَّرُونَ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُمْ خِيَرَةٌ إذَا قَالَ ذَلِكَ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْخِلَافَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالتَّفْصِيلَ فِيهِ ، وَأَنَّ جِرَاحَاتِ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصِ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا عَمَّا تَرَامَتْ إلَيْهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَ مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ الْمَنْعِ ، فَتَحْصُلُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَشْهَبَ عَلَى مَا لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَظَهَرَ لَك تَرْجِيحُ تَأْوِيلِ ابْنِ الْعَطَّارِ ، وَهُوَ الَّذِي انْتَحَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَسْأَلَةُ بِقَوْلِهَا إذْ لِلْمَقْتُولِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي مَرَضِهِ ، وَالْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرَ يَأْتِي عَلَى اللُّزُومِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِهَا كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
وَعِيَاضٌ رَجَعَ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَوَازِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللُّزُومَ ، قَالَ فِي تَنْبِيهَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي يُصَالِحُ جَارِحَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ فَمَاتَ أَنَّ ذَلِكَ
جَائِزٌ ، وَتَأَوَّلَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى الصُّلْحِ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا مَا تَئُولُ إلَيْهِ مِنْ النَّفْسِ ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَعًا .
ا هـ .
وَهَكَذَا نَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ عِيَاضٍ وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ اللُّزُومِ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِهَا فِي اخْتِصَارِ أَبِي سَعِيدٍ ، وَكُلُّ مَنْ نَقَلَهَا نَقَلَهَا بِهِ لَا يُقَالُ لَا إشْكَالَ وَلَا تَنَاقُضَ لِفَرْقِ أَبِي الْحَسَنِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ، لِأَنَّا نَقُولُ فَرْقُهُ صُورِيٌّ فَقَطْ ، أَمَّا الْحُكْمُ فَسَوَاءٌ ، إذْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ الْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ الْبُرْءُ أَوْ قَبْلَهُ ، وَقَدْ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ نَزْوِ الْجُرْحِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ ، هَذَا مَا حَضَرَنَا مِنْ الْبَحْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَتَحْتَاجُ لِمَزِيدِ تَحْرِيرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَبِكَلَامِ عِيَاضٍ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ مُطْلَقًا مُشَاحَةً ، لِأَنَّ ابْنَ الْعَطَّارِ لَمْ يَتَأَوَّلهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، بَلْ عَلَى الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَعًا ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ أَنَّهُ إذَا جَازَ عِنْدَهُ عَلَيْهِمَا فَجَوَازُهُ عِنْدَهُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ أَوْلَى وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ ، لَكِنْ يَتْبَعُ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمَشَايِخُ لَفْظَ الْكُتُبِ وَيَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا يَعْدُوهُ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ قَدْ أَسْقَطَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي اخْتِصَارِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ لَفْظَ اللُّزُومِ ، وَنَصَّهُ وَفِيهَا صُلْحُ الْمَرِيضِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجُرْحِ أَوْ الدِّيَةِ جَائِزٌ .
عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجِرَاحَةِ فَقَطْ لَا عَلَى مَآلِ الْمَوْتِ ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَلَى مَالِ الْمَوْتِ ا هـ .
السَّابِعُ : فِي الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ بِشَيْءٍ عَنْ الْجُرْحِ ، وَالْمَوْتِ إنْ كَانَ لَكِنْ يُصَالِحُهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا ، فَإِنْ عَاشَ أَخَذَ مَا
صَالَحَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْقَتْلُ فِي الْعَمْدِ .
الثَّامِنُ : الَّذِي فِي الْحَطّ وعج وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إنْ صَالَحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ جَازَ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ وَإِنْ نُزِيَ فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي الصُّلْحُ بَاطِلٌ ، وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ ، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ الصُّلْحُ وَإِنْ نُزِيَ فَمَاتَ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ .
وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلِيَّيْنِ ، فَلِلْآخِرِ الدُّخُولُ مَعَهُ ، وَسَقَطَ الْقَتْلُ كَدَعْوَاك صُلْحَهُ فَأَنْكَرَ
وَإِنْ ) قَتَلَ شَخْصٌ عَمْدًا عُدْوَانًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَ ( صَالَحَ أَحَدُ ) الـ ( وَلِيَّيْنِ ) لِلْمَقْتُولِ عَمَّا فِيهِ قِصَاصٌ ، إمَّا عَنْ الدَّمِ كُلِّهِ بِدِيَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَإِمَّا عَنْ حِصَّتِهِ فَقَطْ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ( فَلِ ) لِوَلِيِّ ( الْآخَرِ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ إذَا طَلَبَ مَا وَجَبَ لَهُ ( الدُّخُولُ مَعَهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ الْمُصَالِحِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ جَبْرًا فَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا يَنُوبُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ قَلِيلًا ( وَسَقَطَ الْقَتْلُ ) عَنْ الْجَانِي بِصُلْحِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْقِصَاصُ ، وَلَهُ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَهُ وَإِتْبَاعُ الْجَانِي بِنَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ وَلَيْسَ لِلْمُصَالِحِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ وَلِلْآخَرِ الْعَفْوُ مَجَّانًا ، وَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ مَجَّانًا فَلِلْآخَرِ الْعَفْوُ أَوْ إتْبَاعُ الْجَانِي بِنَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ لَا الْقَتْلِ لِسُقُوطِهِ بِعَفْوِ الْأَوَّلِ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلِلْوَلِيِّ الْآخَرِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا صَالَحَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ الْعَمْدِ وَيَضُمَّهُ إلَى مَا صَالَحَ بِهِ صَاحِبُهُ وَيَقْتَسِمَانِ الْجَمِيعَ ، كَأَنَّهُ هُوَ الْمُصَالَحُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُصَالِحِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيُتْبِعَ الْقَاتِلَ بِحِصَّتِهِ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّ مَنْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ اخْتَصَّ بِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ فِيهَا وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ وَلِيَّانِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِيهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ صَالَحَ عَنْ حِصَّتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى عَرْضٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ عَلَى
الْقَاتِلِ إلَّا بِحِسَابِ دِيَتِهِ ا هـ .
قَالَ فِي ضَيْح ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ عَفَا الْبَعْضُ عَلَى جَمِيعِ الدِّيَةِ فَلِلْبَاقِينَ نَصِيبُهُمْ عَلَى حِسَابِ دِيَةِ عَمْدٍ ثُمَّ يَضُمُّونَ كُلَّ مَا حَصَلَ لَهُمْ وَيَقْتَسِمُونَهُ ، كَأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى الصُّلْحِ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ سَقَطَ الْقَتْلُ عَلَى قَوْلِهِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ لِيُفِيدَ سُقُوطَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْآخَرُ مَعَ الْأَوَّلِ .
وَشَبَّهَ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ فَقَالَ ( كَدَعْوَاك ) أَيْ ادِّعَائِك يَا وَلِيَّ الدَّمِ ( صُلْحَهُ ) أَيْ قَاتِلِ وَلِيِّك عَمْدًا عُدْوَانًا بِمَالٍ قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ( فَأَنْكَرَ ) الْقَاتِلُ الصُّلْحَ فَيَسْقُطُ الْقَتْلُ كَالْمَالِ إنْ حَلَفَ الْجَانِي ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ مُسْتَحِقُّ الدَّمِ وَاسْتَحَقَّهُ ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ دَعْوَى الْوَلِيِّ تَضَمَّنَتْ أَمْرَيْنِ إقْرَارَهُ بِالْعَفْوِ وَاسْتِحْقَاقَهُ الْمَالَ ، فَأَخَذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُعْطَى الْمَالَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ
وَإِنْ صَالَحَ مُقِرٌّ بِخَطَأٍ بِمَالِهِ : لَزِمَهُ ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ مَا دَفَعَ ؟ تَأْوِيلَانِ
.
( وَإِنْ ) أَقَرَّ مُكَلَّفٌ طَائِعٌ بِقَتْلِهِ نَفْسًا خَطَأً وَ ( صَالَحَ ) الشَّخْصُ ( الْمُقِرُّ ) عَلَى نَفْسِهِ ( بِ ) قَتْلٍ ( خَطَأً ) وَصِلَةُ صَالَحَ ( بِمَالِهِ ) أَيْ الْمُصَالِحُ الْمُقِرُّ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُقِرَّ الْمُصَالِحَ الصُّلْحُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ .
( وَهَلْ ) يَلْزَمُهُ الصُّلْحُ ( مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِالدَّفْعِ فَيَدْفَعُ الْمُصَالَحُ بِهِ مِنْ مَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ( أَوْ ) إنَّمَا يَلْزَمُهُ ( مَا دَفَعَ ) مِنْ الْمُصَالَحِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا قُسِّمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ ، وَيَلْزَمُهُ تَكْمِيلُ مَا عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ، وَلَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَمَّا عَلَيْهِ لِأَنَّ لِدَفْعِهِ بِتَأْوِيلِ أَثَرٍ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ فِي الدَّفْعِ قَبْلَ الْعِلْمِ وَلِأَنَّهُ كَمُتَطَوِّعٍ ، وَلِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَبَاقِيهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَسَامَةِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ بِنَاءً عَلَى حَمْلِ الْعَاقِلَةِ الِاعْتِرَافَ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَالْمُنْبَنِي عَلَيْهِ مَشْهُورٌ وَلَا غَرَابَةَ فِي هَذَا فِي الْجَوَابِ ( تَأْوِيلَانِ ) الْأَوَّلُ أَبِي عِمْرَانَ ، وَالثَّانِي لِابْنِ مُحْرِزٍ فِي فَهْمِ قَوْلِهَا وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَصَالَحَ الْأَوْلِيَاءَ عَلَى مَالٍ قَبْلَ أَنْ تَلْزَمَ الدِّيَةُ الْعَاقِلَةَ بِقَسَامَةٍ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً ، فَقِيلَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ ، وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ فِي رِوَايَتَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَبُو الْحَسَنِ .
قَوْلُهُ جَائِزٌ أَيْ لَازِمٌ نَافِذٌ ، وَانْظُرْ بِمَاذَا يُلْزِمُ أَبُو عِمْرَانَ بِالْعَقْدِ وَأَبُو إِسْحَاقَ بِالدَّفْعِ ، وَبَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّقْيِيدُ بِظَنِّ اللُّزُومِ .
الْحَطّ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأً عَلَى أَرْبَعِ رِوَايَاتٍ الْأُولَى أَنَّهُ إنْ اُتُّهِمَ بِإِرَادَةِ
إغْنَاءِ وَارِثِ الْمَقْتُولِ كَأَخِيهِ وَصَدِيقِهِ فَلَا يُصَدَّقُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَبَاعِدِ صُدِّقَ إنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا وَلَمْ يُتَّهَمْ بِارْتِشَائِهِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَسَامَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يُقْسِمُوا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ .
الثَّانِيَةُ أَنَّهَا عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ .
الثَّالِثَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ .
الرَّابِعَةُ : تُقْضَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فَمَا أَصَابَهُ غَرِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ فَلَا يَلْزَمُهَا حَكَاهَا ابْنُ الْجَلَّابِ ، فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْخَطَأِ لَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَتَلْزَمُ عَاقِلَتَهُ بِقَسَامَةٍ إذَا لَمْ يُتَّهَمْ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي دِيَاتِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا ، وَذَكَرَ نَصَّهَا الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَأْوِيلِ الْمُدَوَّنَةِ فَتَأَوَّلَهَا أَبُو عِمْرَانَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيمَا دَفَعَ وَفِيمَا لَمْ يَدْفَعْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا دَفَعَ دُونَ مَا لَمْ يَدْفَعْ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ ، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ مَا دَفَعَ تَأْوِيلَانِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ عَلَى الْعَاقِلَةِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
لَا إنْ ثَبَتَ ، وَجَهِلَ لُزُومَهُ ، وَحَلَفَ ، وَرَدَّ ، إنْ طُلِبَ بِهِ مُطْلَقًا ، أَوْ طَلَبَهُ وَوُجِدَ
( لَا ) يَلْزَمُ الْمَالُ الْمُصَالَحُ بِهِ الْمُصَالِحَ ( إنْ ) ( ثَبَتَ ) قَتْلُ الْخَطَإِ الْمُصَالَحُ عَنْهُ بِبَيِّنَةٍ ( وَجَهِلَ ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ، أَيْ اعْتَقَدَ الْقَاتِلُ الْمُصَالِحُ جَهْلًا مِنْهُ ( لُزُومَهُ ) أَيْ الْعَقْلِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَهُ لِجَهْلِهِ ( وَحَلَفَ ) الْقَاتِلُ الْمُصَالِحُ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَ لِظَنِّهِ لُزُومَهُ الدِّيَةُ الْعَوْفِيّ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ ( وَرُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ صُلْحًا لِلْمُصَالِحِ مَا عَدَا مَا يَخُصُّهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَلَا يُرَدُّ لَهُ لِتَطَوُّعِهِ بِتَعْجِيلِهِ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ بِجَهْلِهِ ( إنْ طُلِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْقَاتِلُ أَيْ طَلَبَهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ( بِهِ ) أَيْ الصُّلْحِ ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِوُجُودِ الْمُصَالَحِ بِهِ بِيَدِ الْأَوْلِيَاءِ فَتُرَدُّ عَيْنُهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَمِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ فَاتَ بِذَهَابِهَا لِأَنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَى الصُّلْحِ ( أَوْ طَلَبَهُ ) أَيْ الْقَاتِلُ الصُّلْحَ ( وَوُجِدَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَا دَفَعَهُ الْقَاتِلُ لِلْأَوْلِيَاءِ صُلْحًا بِأَيْدِيهِمْ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَيُرَدُّ لَهُ وَمَا فَاتَ بِذَهَابِ عَيْنِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ كَمُثِيبٍ عَلَى صَدَقَةٍ ظَانًّا لُزُومَ الْإِثَابَةِ قَالَهُ تت ، وَيُحْسَبُ لَهُ وَلِلْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا حُسِبَ لَهَا قَالَهُ الْهَارُونِيُّ .
وَقَالَ الْبَنَوْفَرِيُّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا حُسِبَ لَهَا ، وَمُقْتَضَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَ " ق " أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ وَلَا لِعَاقِلَتِهِ شَيْءٌ مِنْهُ ، فَهِيَ ثَلَاثُ مَقَالَاتٍ أَظْهَرُهَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ الْأَخِيرَةُ قَالَهُ عج .
عب قَدْ يُقَالُ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ مَا قَالَهُ الْبَنَوْفَرِيُّ
وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ وَارِثَيْنِ ، وَإِنْ عَنْ إنْكَارٍ ، فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ : كَحَقٍّ لَهُمَا فِي كِتَابٍ ، أَوْ مُطْلَقٍ ؛ إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ ، إلَّا أَنْ يَشْخَصَ ، وَيُعْذِرَ إلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْوَكَالَةِ فَيَمْتَنِعُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ الْمُقْتَضِي ، أَوْ يَكُونُ بِكِتَابَيْنِ
( وَإِنْ ) مَاتَ مَنْ خَالَطَ آخَرَ فِي مَالٍ عَنْ وَلَدَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بِمَالٍ عَلَى خَلِيطِهِ فَأَقَرَّ بِهِ أَوْ أَنْكَرَهُ وَ ( صَالَحَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ ) مَثَلًا ( وَارِثَيْنِ ) شَخْصًا كَانَ خَلِيطًا لِأَبِيهِمَا فِي الْمَالِ فَادَّعَيَا عَلَيْهِ بِمَالٍ لِأَبِيهِمَا فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ إقْرَارٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) صَالَحَهُ ( عَنْ إنْكَارٍ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ ( فَلِصَاحِبِهِ ) أَيْ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ الْمُصَالِحِ وَهُوَ الْوَلَدُ الْآخَرُ مَثَلًا ( الدُّخُولُ ) مَعَ الْمُصَالِحِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ وَلَهُ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَهُ وَمُطَالَبَةُ الْمُقِرِّ بِحِصَّتِهِ كُلِّهَا مِنْ الْمُقِرِّ بِهِ ، وَلَهُ تَرْكُهَا ، وَلَهُ الْمُصَالَحَةُ عَنْهَا ، هَذَا فِي حَالَةِ الْإِقْرَارِ .
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا وَأَخَذَ حَظَّهُ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ صَالَحَ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْوَارِثُ أَخَذَ نَصِيبَهُ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ صَالَحَ عَنْهُ ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَرْجِعُ الْمُصَالِحُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ دَخَلَ مَعَهُ أَخُوهُ .
تت لَا فَرْقَ فِي الْوَارِثَيْنِ بَيْنَ كَوْنِهِمَا وَلَدَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِمَا اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُدَوَّنَةَ فِي فَرْضِهَا فِي وَلَدَيْنِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِيَّيْنِ ، وَلِذَا قَالَ فَلِصَاحِبِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ وَهُوَ وَاضِحٌ .
وَشَبَّهَ فِي التَّخْيِيرِ فِي الدُّخُولِ فَقَالَ ( كَ ) دُخُولِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَا صَالَحَ بِهِ شَرِيكُهُ عَنْ ، نَصِيبِهِ مِنْ ( حَقٍّ لَهُمَا ) مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ مَكْتُوبٍ ( فِي كِتَابٍ ) وَاحِدٍ ( أَوْ مُطْلَقٍ ) عَنْ الْكِتَابَةِ ، زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَبَاعَاهُ صَفْقَةً بِمَالٍ أَوْ بِعَرْضٍ
يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ، أَوْ وَرَّثَا هَذَا الذَّكَرَ الْحَقَّ ، فَإِنَّ مَا اقْتَضَاهُ مِنْهُ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ ، وَكَذَا إنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَشْرَاكِهِ ا هـ .
الشَّارِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ مُطْلَقٌ بِمَا زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ فَلَا دُخُولَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِيمَا اقْتَضَى لِأَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ لَمْ يُجَامِعْ الْآخَرَ بِوَجْهٍ .
ابْنُ يُونُسَ إذَا دَخَلَ شَرِيكُهُ مَعَهُ فِيمَا اقْتَضَاهُ كَانَ مَا بَقِيَ عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمَا ، اُنْظُرْ " ق " لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ الْآتِي وَيَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ، وَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِلُزُومِ الصُّلْحِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَازِمٌ وَلَمَّا شَارَكَهُ رَبُّ الدَّيْنِ الْآخَرِ فِيمَا اقْتَضَى شَارَكَهُ هُوَ فِي حِصَّتِهِ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ ، قُلْت الظَّاهِرُ الْوَسَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ ) الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ إلَّا الطَّعَامَ ، فَفِي دُخُولِهِ مَعَهُ تَرَدُّدٌ وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ ، بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ اسْتَثْنَى الطَّعَامَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي وَجْهِ اسْتِثْنَائِهِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ، وَخَالَفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِجَلْبِ كَلَامِهَا وَكَلَامِهِمَا قَالَ فِيهَا وَإِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ خَلْطَةٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ أَنَّ لِأَبِيهِ قَبْلَ خَلِيطِهِ مَالًا
فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَنْ حَظِّهِ مِنْ ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ جَازَ وَلِأَخِيهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا أَخَذَ ، وَكُلٌّ ذَكَرَ حَقًّا لَهُمَا بِكِتَابٍ أَوْ بِغَيْرِ كِتَابٍ ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَبَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ بِمَالٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ بِمَالٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ وَرِثَا هَذَا لِذِكْرِ الْحَقِّ ، فَإِنَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْآخَرُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَشْرَاكِهِ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْأَعْذَارِ إلَى أَشْرَاكِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ لَهُ فَامْتَنَعُوا ، فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَدْخُلُونَ فِيمَا اقْتَضَى لِأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُمْ إلَى الْإِمَامِ لَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ أَوْ التَّوْكِيلِ ، فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اقْتِضَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ عَلَيْهِ مِنْهُمْ فِيمَا اقْتَضَى ا هـ .
ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى الطَّعَامَ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ الْمُقْتَضَى بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَى أَشْرَاكِهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ أَوْ الْوَكَالَةِ فَامْتَنَعُوا ، فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَدْخُلُونَ فِيمَا اقْتَضَى .
قَالَ فَإِذَا كَانَ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْذَنَ لِصَاحِبِهِ فِي الْخُرُوجِ لِاقْتِضَاءِ حَقِّهِ خَاصَّةً لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْخُرُوجِ مُقَاسَمَةٌ لَهُ فِي الطَّعَامِ وَالْمُقَاسَمَةُ فِيهِ كَبَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي صَدْرِهَا غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يُحْتَمَلُ عِنْدِي اسْتِثْنَاؤُهُ الْإِدَامَ وَالطَّعَامَ إنَّمَا هُوَ لِمَا ذَكَرَ مِنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ أَوْ صُلْحِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي لَهُمَا طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا بَيْعُ نَصِيبِهِ أَوْ مُصَالَحَتُهُ مِنْهُ ، لِأَنَّ
ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي عِيَاضٌ فِي تَنْبِيهَاتِهِ إنَّمَا اسْتَثْنَى هُنَا الطَّعَامَ مِنْ بَيْعٍ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِاقْتِضَاءِ نَصِيبِهِ مُقَاسَمَةً وَالْمُقَاسَمَةُ فِيهِ كَبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُ ، وَفِي قِسْمَةِ الْأَسْدِيَةِ لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خِلَافٌ ، هَذَا وَهُوَ أَصْلٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ هَلْ الْقِسْمَةُ بَيْعٌ أَوْ تَمْيِيزُ حَقٍّ ، وَحَمَلَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَآلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ عَنْ غَرِيمِهِ وَمُصَالَحَتِهِ إيَّاهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِآخِرِ الْكِتَابِ ، وَكَرَّرَهُ بِلَفْظِهِ فَقَالَ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ ، فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُرَادُهُ وَأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ .
ا هـ .
ثُمَّ قَالَ طفي فَصَدَقَ قَوْلُ مَنْ قَالَهُ إلَّا الطَّعَامَ ، فَفِي وَجْهِ اسْتِثْنَائِهِ تَرَدُّدٌ وَأَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ وَأَبِي عِمْرَانَ أَوْ عَبْدِ الْحَقِّ وَالْأَلْيَقُ تَأْوِيلَانِ .
وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ مَعَهُ فَقَالَ ( إلَّا أَنْ يَشْخَصَ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ يَخْرُجَ بِشَخْصِهِ وَذَاتِهِ ، أَيْ يُسَافِرَ لِلْمَدِينِ الْقَابِضِ مِنْهُ ( وَيُعْذِرَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ يَقْطَعَ الْعُذْرَ الشَّاخِصَ ( إلَيْهِ ) أَيْ صَاحِبِهِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الدَّيْنِ بِأَنْ يَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ أَوْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً ( فِي ) طَلَبِ ( الْخُرُوجِ ) مَعَهُ إلَى الْمَدِينِ لِاقْتِضَاءِ دَيْنِهِمَا مِنْهُ ( أَوْ الْوَكَالَةِ ) أَيْ تَوْكِيلِ الْقَاعِدِ الْخَارِجَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى اقْتِضَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ ( فَيَمْتَنِعُ ) الْقَاعِدُ مِنْ الْخُرْجِ وَالتَّوْكِيلِ فَلَا يَدْخُلُ الْقَاعِدُ فِيمَا قَبَضَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَدِينِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ
مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ مَعَهُ فِيهِ وَإِتْبَاعِهِ ذِمَّةَ الْمَدِينِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمَدِينِ مَالٌ غَيْرُ مَا اقْتَضَاهُ الْخَارِجُ مِنْهُ ، بَلْ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) عِنْدَ الْمَدِينِ مَالٌ ( غَيْرُ ) الْمَالِ ( الْمُقْتَضَى ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَدِينِ .
تت فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ يَشْخَصُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا وَاقْتَضَى أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَدَخَلَ مَعَهُ الْآخَرُ إنْ شَاءَ ، وَمِنْ قَوْلِهِ يُعْذِرُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لَهُ بِدُونِ إعْذَارٍ لَدَخَلَ مَعَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَقَالَ عج الْمَدَارُ عَلَى الْأَعْذَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرٌ .
طفي عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَصْلٌ فِي الْغَائِبِ وَسَكَتَ عَنْ الْحَاضِرِ وَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِعْذَارِ وَعَدَمِهِ .
( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يَكُونَ ) الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ مَكْتُوبًا ( بِكِتَابَيْنِ ) نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِكِتَابٍ وَنَصِيبُ الْآخَرِ بِكِتَابٍ آخَرَ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ مِنْ مَدِينِهِمَا لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْكِتَابِ كَالْقِسْمَةِ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْحَقُّ إذَا كَانَ بِكِتَابَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ شَرِيكُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَصْلُهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ بَاعَاهُ فِي صَفْقَةٍ
وَفِيمَا لَيْسَ لَهُمَا ، وَكُتِبَ فِي كِتَابٍ : قَوْلَانِ
( وَ ) لَوْ كَانَ لِشَخْصَيْنِ دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَكَتَبَاهُمَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا وَاقْتَضَى أَحَدُهُمَا مِنْ مَدِينِهِمَا دَيْنَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَ ( فِي ) دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيمَا اقْتَضَاهُ الْآخَرُ ( مَا لَيْسَ ) مُشْتَرَكًا ( لَهُمَا ) بِأَنْ جَمَعَا سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ ( وَكُتِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ثَمَنُهُمَا ( فِي كِتَابٍ ) وَاحِدٍ لِأَنَّ جَمْعَهُمَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ صَيَّرَهُمَا كَمُشْتَرَكٍ فِيهِ وَعَدَمِهِ ( قَوْلَانِ ) الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ .
قَالَ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَصَرِيحُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ بِالْمُكَاتَبَةِ فِي الْمُفْتَرَقِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الِاقْتِضَاءِ .
وَالثَّانِي لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُوجِبُهُ ، وَلِكُلٍّ مَا قَبَضَهُ ، وَرَدَّهُ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّ الْكِتَابَيْنِ يُفَرِّقَانِ مَا أَصْلُهُ الِاشْتِرَاكُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ الْكِتَابُ الْوَاحِدُ مَا أَصْلُهُ الِافْتِرَاقُ .
( تَنْكِيتٌ ) لَمْ يَحْفَظْ بَعْضُ مَشَايِخِي قَوْلَ سَحْنُونٍ فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يُعَادِلَ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بِبَحْثِ ابْنِ يُونُسَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَ خِلَافَهُ وَهُوَ ظَاهِرُهَا قَالَهُ تت .
" ح " ابْنُ يُونُسَ وَهَذَا إذَا جَمَعَا سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَهُ لِأَنَّهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ سِلْعَةُ أَحَدِهِمَا وَهِيَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي نَقْضُ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهِمَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُمَا فِي الِاقْتِضَاءِ حُكْمَ الشَّرِيكَيْنِ .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُوجِبُ الْكَتْبُ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا اقْتَضَى ا هـ .
قُلْت إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِأَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى غَيْرِ
الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، ا هـ كَلَامُ " ح " .
الْبُنَانِيُّ إنْ وُجِدَ شَرْطُ جَوَازِ جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا كَانَتْ مُفَرَّعَةً عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَقَطَ بَحْثُ " ح " .
وَلَا رُجُوعَ ، إنْ اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ وَإِنْ هَلَكَ
( وَ ) إنْ كَانَ دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ وَاقْتَضَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ مَدِينِهِمَا وَسَلَّمَهُ لَهُ شَرِيكُهُ فَ ( لَا رُجُوعَ ) لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ عَلَى الْقَابِضِ بِنَصِيبِهِ مِمَّا قَبَضَهُ ( إنْ ) كَانَ ( اخْتَارَ ) غَيْرَ الْقَابِضِ أَنْ يَأْخُذَ ( مَا ) بَقِيَ ( عَلَى الْغَرِيمِ ) أَيْ مَدِينِهِمَا مِنْهُ وَرَضِيَ بِاخْتِصَاصِ الْقَابِضِ بِمَا قَبَضَهُ إنْ لَمْ يَهْلِكْ الْغَرِيمُ وَلَا مَالُهُ ، بَلْ ( وَإِنْ هَلَكَ ) الْغَرِيمُ نَفْسُهُ أَوْ مَالُهُ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ إتْبَاعَ الْغَرِيمِ كَالْمُقَاسَمَةِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَهَا
وَإِنْ صَالَحَ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِينِهِ ، فَلِلْآخَرِ إسْلَامُهَا ، أَوْ أَخْذُ خَمْسَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ ، وَيَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ، وَيَأْخُذُ الْآخَرُ خَمْسَةً
( وَإِنْ كَانَ ) لِشَرِيكَيْنِ مِائَةٌ عَلَى مَدِينٍ وَ ( صَالَحَ ) أَحَدُهُمَا ( عَلَى عَشَرَةٍ ) وَقَبَضَهَا بَدَلًا ( مِنْ خَمْسِينِهِ فَلِ ) شَرِيكِهِ ا ( لِآخَرَ ) الَّذِي لَمْ يُصَالِحْ ( إسْلَامُهَا ) أَيْ تَرْكُ الْعَشَرَةِ لِلْمُصَالِحِ وَإِتْبَاعُ الْمَدِينِ بِخَمْسِينَ ( أَوْ أَخَذَ خَمْسَةً مِنْ شَرِيكِهِ ) الْمُصَالِحِ ( وَيَرْجِعُ ) الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يُصَالِحْ عَلَى الْمَدِينِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ تَمَامِ الْخَمْسِينَ الَّتِي لَهُ ( وَيَأْخُذُ الْآخَرُ ) الْمُصَالِحُ مِنْ الْمَدِينِ ( خَمْسَةً ) بَدَلَ الْخَمْسَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْهُ شَرِيكُهُ لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْهُ ، وَهَذَا فِي الصُّلْحِ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ .
وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ عَلَى إنْكَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ فَلِلْآخَرِ أَخْذُ خَمْسَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ ، وَيَرْجِعُ بِمِثْلِهَا عَلَى الْمَدِينِ وَلَا رُجُوعَ لِلْآخَرِ عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ يَرْجِعُ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ قَالَهُ عب .
وَالْخَرَشِيُّ .
الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُصَالِحْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُؤَدِّيَ أَوْ يُصَالِحَ ، وَأَثْبَتَ نُونَ خَمْسِينَ مَعَ إضَافَتِهِ عَلَى لُغَةِ اسْتِعْمَالِهِ كَحَيِّزٍ .
وَإِنْ صَالَحَ بِمُؤَخَّرٍ عَنْ مُسْتَهْلَكٍ ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِدَرَاهِمَ ؛ كَقِيمَتِهِ فَأَقَلَّ ، أَوْ ذَهَبَ كَذَلِكَ ، وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ : كَعَبْدٍ آبِقٍ
( وَإِنْ ) أَهْلَكَ شَخْصٌ مُقَوَّمًا وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ حَالَّةً فَ ( صَالَحَ ) عَنْهَا ( بِ ) مَالٍ ( مُؤَخَّرٍ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ( عَنْ ) قِيمَةِ مُقَوَّمٍ ( مُسْتَهْلَكٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ ( لَمْ يَجُزْ ) صُلْحُهُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إنْ كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَفْسُوخِ ، أَوْ كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَفْسُوخِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ ( إلَّا ) أَنْ يُصَالِحَهُ ( بِدَرَاهِمَ ) مُؤَخَّرَةٍ وَهِيَ ( كَقِيمَتِهِ ) أَيْ الْمُسْتَهْلَكِ ( فَأَقَلَّ ) مِنْهَا فَيَجُوزُ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ إنْظَارٌ بِهَا أَوْ مَعَ إسْقَاطِ بَعْضِهَا وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَحُسْنُ اقْتِضَاءٍ ( أَوْ ) بِ ( ذَهَبٍ كَذَلِكَ ) أَيْ قَدْرِ قِيمَتِهِ فَأَقَلَّ مُؤَخَّرٍ فَيَجُوزُ لِذَلِكَ ، فَإِنْ صَالَحَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ ذَهَبٍ مُؤَخَّرٍ أَكْثَرَ مِنْهَا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا .
وَأَشَارَ لِشَرْطِ الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ : ( وَ ) الْحَالُّ ( هُوَ ) أَيْ الْمُسْتَهْلَكُ ( مِنْ ) جِنْسِ ( مَا ) أَيْ شَيْءٍ أَوْ الشَّيْءِ ( يُبَاعُ ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ ( بِهِ ) أَيْ الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ أَوْ الذَّهَبُ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُسْتَهْلَكُ يُبَاعُ بِالْوَرِقِ فَأَخَذَ ذَهَبًا مُؤَخَّرًا أَوْ عَكْسَهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ .
وَدَلَّ قَوْلُهُ كَقِيمَتِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ مُقَوَّمٌ .
طفي الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمُقَوَّمِ ، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَ كَوْنِهِ يُبَاعُ بِهِ بِالْبَلَدِ وَهُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ ، وَلِذَا تَارَةً تَكُونُ الْقِيمَةُ ذَهَبًا وَتَارَةً فِضَّةً .
وَشَبَّهَ بِمَا تَقَدَّمَ تَشْبِيهًا تَامًّا فَقَالَ ( كَ ) صُلْحِ غَاصِبٍ ( عَبْدٍ ) أَوْ أَمَةٍ ( آبِقٍ ) مِنْ عِنْدِ الْغَاصِبِ بِمُؤَخَّرٍ فَيَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنِ الْقِيمَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ غَصْبِهِ فِي دَيْنِ الْمُصَالِحِ بِهِ الْمُؤَخَّرِ إلَّا بِدَرَاهِمَ أَوْ ذَهَبٍ
قَدْرِ قِيمَتِهِ فَأَقَلَّ ، وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ .
الْحَطّ لَيْسَ هَذَا مِثَالًا لِمَا قَبْلَهُ ، وَإِنَّمَا مُشَبَّهٌ بِهِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ ، أَيْ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَ مَنْ غَصَبَكَ عَبْدًا وَأَبَقَ مِنْهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ أَوْ الدَّرَاهِمُ كَقِيمَتِهِ فَأَقَلَّ .
قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَإِنْ غَصَبَك عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَهُ عَلَى عَرْضٍ مُؤَجَّلٍ ، وَأَمَّا عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ كَالْقِيمَةِ فَأَقَلَّ جَازَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْآبِقِ ، أَيْ لِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ فَالْمُصَالَحُ عَنْهُ قِيمَتُهُ لَا نَفْسُهُ حَتَّى يَمْنَعَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْآبِقِ مَمْنُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
طفي هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِمُوَافَقَتِهِ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ ، إذْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا تَبِعَ فِيهَا الْمُصَنِّفُ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ شَاسٍ
وَإِنْ صَالَحَ بِشِقْصٍ عَنْ مُوضِحَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ ، فَالشُّفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبِدِيَةِ الْمُوضِحَةِ ، وَهَلْ كَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ ؟ تَأْوِيلَانِ .
( وَإِنْ ) جَنَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِمُوضِحَةٍ عَمْدًا وَمُوضِحَةٍ خَطَأً مَثَلًا وَ ( صَالَحَ ) هـ ( بِشِقْصٍ ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ ، أَيْ جُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ( عَنْ مُوضِحَتَيْ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ مُثَنَّى مُوضِحَةٍ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ ، أَيْ جُرْحٌ أَظْهَرَ الْعَظْمَ بِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ جِلْدٍ وَلَحْمٍ نَشَأَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ فِعْلٍ ( عَمْدٍ وَ ) الْأُخْرَى عَنْ فِعْلٍ ( خَطَإٍ ) وَأَرَادَ شَرِيكُ الْجَانِي أَخْذَ الشِّقْصِ الْمُصَالَحِ بِهِ بِالشُّفْعَةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُوضِحَةَ الْعَمْدِ لَا دِيَةَ لَهَا إنَّمَا فِيهَا الْقِصَاصُ ، أَوْ الْعَفْوُ كَسَائِرِ جِنَايَاتِ الْعَمْدِ ، وَدِيَةُ مُوضِحَةِ الْخَطَإِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ النَّفْسِ .
( فَالشُّفْعَةُ ) فِي الشِّقْصِ لِشَرِيكِ الْجَانِي ( بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَبِدِيَةِ الْمُوضِحَةِ ) الْخَطَإِ ، أَيْ يَدْفَعُ الشَّفِيعُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفَ قِيمَةِ الشِّقْصِ فِي مُقَابَلَةِ نِصْفِ الشِّقْصِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ مُوضِحَةِ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا مَالٌ مُقَدَّرٌ ، وَيَدْفَعُ لَهُ أَيْضًا دِيَةَ مُوضِحَةِ الْخَطَإِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي مُقَابَلَةِ نِصْفِهِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ مُوضِحَةِ الْخَطَإِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ قَاعِدَتَهُ إذَا أَخَذَ الشِّقْصَ فِي مُقَابَلَةِ مَعْلُومٍ كَدِيَةِ الْخَطَإِ ، وَمَجْهُولٍ كَجُرْحِ الْعَمْدِ أَنْ يُوَزَّعَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ نِصْفٌ لِلْمَعْلُومِ وَنِصْفٌ لِلْمَجْهُولِ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الصُّلْحِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى إنْكَارٍ فَالشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ جَمِيعِ الشِّقْصِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَهَلْ كَذَلِكَ ) أَيْ الْمُصَالَحُ بِهِ عَنْ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ مُتَّفِقَيْنِ كَمُوضِحَتَيْنِ فِي قِسْمَةِ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا ( إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ ) كَقَتْلِ نَفْسٍ خَطَأً وَقَطْعِ يَدٍ عَمْدًا أَوْ عَكْسِهِ صَالَحَ عَنْهُمَا بِشِقْصٍ مِنْ
مُشْتَرَكٍ وَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ( أَوْ ) إنْ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ يُقَسَّمُ الشِّقْصُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ دَيْنَيْهِمَا فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ ثُلُثَهُ الْمُصَالَحَ بِهِ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ ، وَثُلُثَيْ قِيمَةِ الشِّقْصِ الْمُصَالَحَ بِهِمَا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ لِأَنَّ دِيَةَ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ خَطَأً خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَدِيَةَ النَّفْسِ لَوْ كَانَتْ خَطَأً أَلْفُ دِينَارٍ وَمَجْمُوعُهُمَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ نِسْبَةُ الْأَلْفِ لَهُ ثُلُثَانِ وَالْخَمْسُمِائَةِ ثُلُثٌ ، وَعَلَى هَذَا قِسْ صُورَةَ الْأَصْلِ فَيَأْخُذُ بِدِيَةِ النَّفْسِ أَلْفَ دِينَارٍ ، وَبِثُلُثِ دِيَةِ الشِّقْصِ ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْقُرَوِيِّينَ ( تَأْوِيلَانِ ) وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
بَابٌ ) شَرْطُ الْحَوَالَةِ : رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ فَقَطْ ؛
بَابٌ ) ( فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْحَوَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ) ( شَرْطُ ) صِحَّةِ ( الْحَوَالَةِ ) عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ ، لِأَنَّ الطَّالِبَ تَحَوَّلَ مِنْ طَلَبِ غَرِيمِهِ إلَى طَلَبِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْحَوَالَةُ طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةٍ بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى وَلَا تَرِدُ الْمُقَاصَّةُ إذْ لَيْسَتْ طَرْحًا بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى لِامْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِذِمَّةِ مَنْ هُوَ لَهُ ا هـ .
الْحَطّ وَلَا يَشْمَلُ حَوَالَةَ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَهُ وَأَحَالَ بِهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ إذْ لَا يُطْلَقُ لَفْظُ الدَّيْنِ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ عُرْفًا ، وَهِيَ حَوَالَةٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، فَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي .
طفي الطَّرْحُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْحَوَالَةِ لَا نَفْسِهَا وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ أَحْكَامِهَا فَقَالَ أَمَّا حُكْمُهَا فَبَرَاءَةُ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ وَتَحْوِيلُ الْحَقِّ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ .
ا هـ .
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَيَتَحَوَّلُ إلَخْ ا هـ .
الْبُنَانِيُّ الطَّرْحُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِعْلُ الْفَاعِلِ ، أَيْ طَرْحُ الْمُحَالِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ فَهُوَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْبَرَاءَةُ فِي كَلَامِ الْجَوَاهِرِ ، بَلْ هِيَ مُفَرَّعَةٌ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ عِيَاضٌ الْأَكْثَرُ أَنَّهَا رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ الْبَاجِيَّ لَيْسَتْ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ ، فَهِيَ مِنْ بَابِ النَّقْدِ .
عِيَاضٌ فِي حَمْلِ الْحَوَالَةِ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ قَوْلًا الْأَكْثَرُ ، وَبَعْضُهُمْ الْبَاجِيَّ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ .
( رِضَا ) الشَّخْصِ ( الْمُحِيلِ وَ ) رِضَا الشَّخْصِ ( الْمُحَالِ ) ابْنُ عَرَفَةَ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ أَنَّهُمَا مِنْ