كتاب : منح الجليل شرح مختصر خليل
المؤلف : محمد بن أحمد عليش
الْكَافَ لِلتَّمْثِيلِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْحَقُّ كَمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ أَنَّهَا لِلتَّشْبِيهِ وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ تت وَجَدُّ عج وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ ، ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَقْضِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَحْدَهُ وَاعْتَرَفَ بِهَذَا فِي ضحيه وَلَمْ يَزَلْ الشُّيُوخُ يَسْتَبْعِدُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَ خِلَافَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ هُنَا لِمَا عَلِمْت ، وَلِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَرَفْعُ الْخِلَافِ ، بَلْ يُنَافِيهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِ مَا قَضَى بِهِ رَجَعَ فِيهِ ، وَلَا يَنْقُضُ مَا حَكَمَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
( وَ ) كَحُكْمٍ ب ( شُفْعَةِ جَارٍ ) فَيُنْقَضُ لِضَعْفِ دَلِيلِهِ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي يُنْقَضُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ بِهِ الْحُكْمُ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَبِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ طفي وَأَمَّا شُفْعَةُ الْجَارِ فَقَالَ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مُحْتَجِّينَ بِحَدِيثِ { الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ } ، وَالصَّقَبُ رُوِيَ بِالصَّادِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَيْنِ الْقَرِيبُ .
وَبِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد { جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ } إلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَنْ لَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ أَسَانِيدُهَا جَيِّدَةٌ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اضْطِرَابٌ ، بِخِلَافِ حَدِيثِ { الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ } ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَيْسَا مُخَالِفَيْنِ لِلسُّنَّةِ ، إذْ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ حُجَّةٌ ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُمَا مِنْ شَهَادَةِ الْكَافِرِ لِمِثْلِهِ وَمِيرَاثِ
ذَوِي الرَّحِمِ وَمَوْلًى أَسْفَلَ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، إذْ قَالَ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَهُ حُجَجٌ لَا نُطِيلُ بِهَا ، وَكَذَا الْحُكْمُ بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
( وَ ) كَ ( حُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ ) لِلْحَاكِمِ فَيُنْقَضُ لِإِتْهَامِهِ فِيهِ بِالْجَوْرِ .
ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى شَخْصٍ فَأَقَامَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْقَاضِيَ عَدُوٌّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ ( أَوْ ) حُكْمٍ بِ ( شَهَادَةِ ) شَخْصٍ ( كَافِرٍ ) عَلَى مِثْلِهِ .
طفي مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا شَهِدَ الْكَافِرُ عَلَى مِثْلِهِ وَالْقَائِلُ بِقَبُولِهَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا شَهَادَتُهُ عَلَى مُسْلِمٍ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا .
( وَ ) كَحُكْمٍ بِ ( مِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ ) كَخَالَةٍ وَعَمَّةٍ ( أَوْ ) مِيرَاثِ ( مَوْلًى ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ ( أَسْفَلَ ) أَيْ عَتِيقٍ مِنْ مُعْتِقِهِ بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ ( أَوْ ) حُكْمٍ ( بِ ) سَبَبِ ( عِلْمٍ ) مِنْ الْقَاضِي بِشَيْءٍ ( سَبَقَ ) عِلْمُهُ بِهِ ( مَجْلِسَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا ، وَاحْتَرَزَ عَنْ حُكْمِهِ بِمَا عَلِمَهُ فِي مَجْلِسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ .
اللَّخْمِيُّ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَلَا بَعْدَ أَنْ وَلِيَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ ، أَوْ كَانَ فِيهِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَيْهِ أَوْ يَجْلِسَا لِلْحُكُومَةِ ، مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا يُقِرُّ لِلْآخَرِ فَلَمَّا تَقَدَّمَ لِلْحُكُومَةِ أَنْكَرَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ إنْ أَقَرَّ بَعْدَ أَنْ جَلَسَا لِلْخُصُومَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ يَحْكُمُ بِهِ وَرَأَيَا أَنَّهُمَا لَمَّا جَلَسَا لِلْمُحَاكَمَةِ فَقَدْ رَضِيَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَقُولَانِهِ ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ حَتَّى حَكَمَ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَالَ مَا
أَقْرَرْت بِشَيْءٍ فَلَا يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِهِ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ .
طفي وَالْقَائِلُ بِالنَّقْضِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفِيمَا مَاثَلَهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ الْخِلَافُ النَّقْضَ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا .
ابْنُ رُشْدٍ لَا خِلَافَ فِي نَقْضِ حُكْمِ مَنْ قَبْلَهُ إنْ كَانَ خَطَأً لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَلَا يَرُدُّهُ .
وَقِيلَ يَرُدُّهُ إنْ كَانَ شَاذًّا .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَرُدُّهُ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ قَوِيًّا مَشْهُورًا إنْ كَانَ خِلَافَ سُنَّةٍ قَائِمَةٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ الْحُكْمُ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَشِبْهِهَا ، وَلَمَّا ذَكَرَهَا الْمَازِرِيُّ قَالَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَمْ يَرَ النَّقْضَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ نَقْلَهَا غَيْرُ قَطْعِيٍّ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بَعِيدٌ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ وَرَدَ بِهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ .
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَا قَالَ هَذَا غَيْرُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَقَدْ اعْتَرَفَ فِي تَوْضِيحِهِ بِأَنَّ هَذَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحْدَهُ ، وَنَصُّ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَرُدُّ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِيهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَشُفْعَةِ الْجَارِ وَشَهَادَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِمِثْلِهِ وَمِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ ، وَكَذَا مَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَوْ شَاعَ الْعَمَلُ بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ رَأْيِ الْعُلَمَاءِ أَوْ اسْتِحْسَانِهِمْ فَلَا يَنْقُضُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ رَأْيِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُنْقَضُ الْخِلَافُ كَائِنًا مَا كَانَ ، وَاَلَّذِي حَكَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُلَائِمُ
قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا دَرَج عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَمَا زَالَ الشُّيُوخُ يَسْتَبْعِدُونَهُ وَيَعْتَمِدُونَ خِلَافَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ ابْنُ شَاسٍ وَلَا ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ لِمَا عَلِمْت ، وَ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَرَفْعُ الْخِلَافِ بَلْ يُنَافِيهِ .
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِ مَا قَضَى بِهِ رَجَعَ فِيهِ وَلَا يَنْقُضُ مَا حَكَمَ فِيهِ غَيْرُهُ مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ .
ا هـ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مُشْكِلٌ فِي نَحْوِ شُفْعَةِ الْجَارِ وَاسْتِسْعَاءِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ لِتَعَلُّقِ الْمُخَالِفِ فِيهِ بِسُنَّةٍ قَائِمَةٍ كَمَا عَلِمْت ، وَهَبْ أَنَّهَا عِنْدَهُ مَرْجُوحَةٌ فَهِيَ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْمُخَالِفِ ، وَكَذَا كُلُّ مَا تَعَلَّقَ فِيهِ الْمُخَالِفُ بِسُنَّةٍ وَغَيْرُهُ بِمِثْلِهَا فَقَدْ ظَهَرَ لَك مَا قُلْنَاهُ سَابِقًا أَنَّ الصَّوَابَ جَعْلُ قَوْلِهِ كَاسْتِسْعَاءِ عِتْقٍ إلَخْ تَشْبِيهًا ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِهِ فِي تَوْضِيحِهِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ عَنْ الْقَرَافِيِّ نَقْضَ الْحُكْمِ إذَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيُرَدُّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِثَالًا بَلْ تَشْبِيهًا .
الْبُنَانِيُّ أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِعَدَمِ النَّقْضِ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَأَنَّ النَّقْضَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمُخَالَفَةِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ ، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي نَقْضِ
الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَالَ مَا نَصُّهُ أَشَارَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الذَّاهِبِينَ إلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ خَالَفُوا فِي حُكْمِ مَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ ذَلِكَ كَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْقَائِمَةِ لَا سِيَّمَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَمْ يَرَ النَّقْضَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، لِكَوْنِ أَدِلَّتِهَا لَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ .
ثُمَّ قَالَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَعِيدٌ عَنْ تَجْدِيدِ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ كَيْفَ وَالِاسْتِسْعَاءُ قَدْ وَرَدَ بِهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ مَعَ وُرُودِ أَحَادِيثَ تَقْتَضِيهَا .
ا هـ .
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا خَالَفَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُنْقَضُ بِمَنْزِلَةِ مَا خَالَفَ قَاطِعًا ، وَأَنَّ النَّقْضَ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي مُخَالَفَةِ الْقَاطِعِ ، وَلَعَلَّ اسْتِبْعَادَ الْمَازِرِيِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ فَلَمْ يَرْتَضِهِ الْمُصَنِّفُ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ لَمَّا نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِالنَّقْضِ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِعَيْنِهَا ، وَقَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِعَدَمِهِ فِيهَا قَالَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُعْجِبُنِي مَا انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ انْفَرَدَ بِعَدَمِ النَّقْضِ عَنْ أَصْحَابِهِ .
وَقَالَ ابْنُ دَبُّوسٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْإِعْلَامِ بِمَا يَنْزِلُ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ ، وَرَوَى أَكْثَرَهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّهُ رَأْيُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ .
قُلْت لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَمَنْ حَكَمَ بِحُكْمِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَمِيرَاثِ الْعَمَّةِ
وَالْخَالَةِ وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ إلَخْ فَقَالَ هَذَا كُلُّهُ عِنْدِي مِمَّا إذَا حَكَمَ فِيهِ حَاكِمٌ بِإِمْضَائِهِ أَمْضَيْته وَلَا أَرُدُّهُ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَمْ يُعْجِبْنِي انْفِرَادُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِهَذَا الْقَوْلِ دُونَ أَصْحَابِهِ وَلَمْ نَأْخُذْ بِهِ .
وَقَوْلُنَا فِيهِ كَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ .
ا هـ .
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِنَقْلِ الْأَئِمَّةِ ، وَاسْتِبْعَادُ الْمَازِرِيُّ لَهُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَا يُضْعِفُهُ ، وَأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِعَدَمِ النَّقْضِ هُوَ الضَّعِيفُ لِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنْ أَصْحَابِهِ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَقُلْ بِالنَّقْضِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَرْدُودٌ بِمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَوْ جَعْلِ بَتَّةٍ وَاحِدَةً ، أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ بِبَيِّنَةٍ ، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ ، أَوْ كَافِرَيْنِ ، أَوْ صَبِيَّيْنِ ، أَوْ فَاسِقَيْنِ : كَأَحَدِهِمَا ، إلَّا بِمَالٍ فَلَا يُرَدُّ ، إنْ حَلَفَ ، وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُ ، إنْ حَلَفَ
( أَوْ ) حَكَمَ ب ( جَعْلِ بَتَّةٍ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ طَلَاقِ بَتِّ الْعِصْمَةِ وَقَطْعِهَا وَهُوَ الثَّلَاثُ طَلْقَةً ( وَاحِدَةً ) ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَرَفَعَ لِمَنْ يَرَاهَا وَاحِدَةً فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً وَزَوْجُهَا الْبَاتُّ قَبْلَ زَوْجٍ فَلِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يُقَرُّ الْحُكْمُ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَنْتَقِضُ ذَلِكَ كَائِنًا مَا كَانَ مَا لَمْ يَكُنْ خَطَأً مَحْضًا ( أَوْ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( قَصَدَ كَذَا ) مِنْ الْأَقْوَالِ لِيَحْكُمَ بِهِ ( فَأَخْطَأَ ) وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ ( بِبَيِّنَةٍ ) شَهِدَتْ عِنْدَ الْقَاضِي .
الثَّانِي أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ قَصَدَ الْحُكْمَ بِكَذَا فَأَخْطَأَ وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ فَيَنْقُضُهُ الثَّانِي .
ابْنُ الْحَاجِبِ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي الْعَدْلِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ رَأْيًا فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ سَهْوًا نُقِضَ حُكْمُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ ، وَنَصُّهُ إنْ قَصَدَ إلَى الْحُكْمِ بِمَذْهَبٍ فَصَادَفَ غَيْرَهُ سَهْوًا فَهَذَا فَسْخُهُ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ ، إذْ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ لِجَرَيَانِهِ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَوَجْهُ غَلَطِهِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا عَلِمَتْ قَصْدَهُ إلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ فَوَقَعَ فِيهِ فَيَنْقُضُهُ مَنْ بَعْدَهُ كَمَا يَنْقُضُهُ هُوَ .
( أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( قَضَى ) بِأَمْرٍ ( بِ ) شَهَادَةِ ( عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ ) مُعْتَقِدًا عَدَالَتَهُمَا فَيُنْقَضُ قَضَاؤُهُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ اتِّفَاقًا ، وَفِي الرَّابِعَةِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْآخَرُ لَا يُنْقَضُ وَبِهِ أَخَذَ أَشْهَبُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ نُقِضَ الْحُكْمُ ، بِخِلَافِ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ ثَبَتَ تَقَدُّمُ جُرْحَةِ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ مَالِكٌ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ يُنْقَضُ الْحُكْمُ .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ يَمْضِي ، وَعَلَى هَذَا يَجْرِي إنْ ثَبَتَ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً أَوْ تُهْمَةً .
وَشَبَّهَ فِي النَّقْضِ فَقَالَ ( كَ ) ظُهُورِ ( أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ فَاسِقًا فَيُنْقَضُ .
فِيهَا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْجَلْدِ أَوْ الرَّجْمِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ حُدَّ الشُّهُودُ أَجْمَعُونَ .
اللَّخْمِيُّ إنْ ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ نُقِضَ الْحُكْمُ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
وَلَوْ قِيلَ بِمُضِيِّهِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ عَدَمِ إمْضَائِهِ إنْ ثَبَتَ جُرْحَتُهُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ مَرْدُودَةٌ اتِّفَاقًا ، وَالْعَبْدُ أَجَازَ شَهَادَتَهُ عَلِيٌّ وَأَنَسٌ وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَصْرَانِيٌّ رُدَّ الْحُكْمُ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُوَلًّى عَلَيْهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يُنْقَضُ .
وَالنَّقْضُ فِي هَذَا أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الْعَبْدِ ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إنَّ شَهَادَةَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ تَجُوزُ ابْتِدَاءً وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَدْلٌ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِجَهْلِهِ بِتَدْبِيرِ مَالِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الرِّوَايَةُ وَاضِحَةٌ بِأَنَّ كَوْنَهُمَا صَبِيَّيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا كَكَوْنِهِمَا أَوْ أَحَدَهُمَا كَافِرًا ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ مَنْ ظَهَرَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا ( بِمَالٍ فَ ) لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَ ( لَا يُرَدُّ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَالُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ( إنْ حَلَفَ ) الْمَحْكُومُ لَهُ بِهِ لِتَمَامِ النِّصَابِ بِالْيَمِينِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمَحْكُومُ لَهُ بِهِ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْمَالَ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمَحْكُومِ لَهُ ( إنْ حَلَفَ ) الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ
الشَّاهِدِ الْبَاقِي ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَا يَأْخُذُهُ لِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ بِالشَّاهِدِ وَالنُّكُولِ فِيهَا إنْ حَكَمَ بِمَالٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الطَّالِبُ مَعَ الْبَاقِي ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَاسْتَرْجَعَ الْمَالَ ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ عَمْدًا فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَلَا يَكُونُ عَلَى مُتَوَلِّي الْقَطْعِ شَيْءٌ وَهَذَا مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ اللَّخْمِيِّ ، أَرَادَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحُرُّ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ عَبْدٌ .
وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهَا مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُلْ يَحْلِفُ الْمُقْتَصُّ لَهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي كَمَا قَالَ فِي الْمَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا إنَّ جِرَاحَ الْعَمْدِ ثَبَتَتْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَالْمَالِ .
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَالَ يُمْكِنُ رَدُّهُ فَكَانَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ مُنْتَفَعٌ بِيَمِينِهِ فَصَحَّ حَلِفُهُ وَالْقَطْعُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَلَا نَفْعَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِحَلِفِهِ .
وَحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ خَمْسِينَ مَعَ عَاصِبِهِ ، وَإِنْ نَكَلَ : رُدَّتْ ، وَغَرِمَ شُهُودٌ عَلِمُوا ، وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ
( وَ ) إنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِ آخَرَ عَمْدًا فَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا ( حَلَفَ ) وَلِيُّ الدَّمِ ( خَمْسِينَ ) يَمِينًا ( مَعَ ) جِنْسِ ( عَاصِبِهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ، إذْ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ مِنْ رَجُلَيْنِ وَمَضَى الْحُكْمُ .
فَإِنْ نَكَلَ ) الْوَلِيُّ ( رُدَّتْ ) بِضَمِّ الرَّاءِ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الْبَاقِي ( وَغَرِمَ ) الدِّيَةَ ( شُهُودٌ عَلِمُوا ) أَنَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ عَبْدًا وَنَحْوَهُ ، سَوَاءٌ عَلِمُوا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا ( فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ ) الَّذِي حَكَمَ بِالْقِصَاصِ غَرِمَ الدِّيَةَ لِخَطَئِهِ فِي اجْتِهَادِهِ فِي حَالِ الشُّهُودِ ، فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ .
" ق " اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ إنْ بَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَلَفَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْقَتْلِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ عَصَبَتِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا تَمَّ الْحُكْمُ لَهُ وَنَفَذَ ، وَإِنْ نَكَلَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقَسَامَةِ انْتَقَضَ الْحُكْمُ ، كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا غُرْمَ عَلَى الشَّاهِدِ أَيْ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إنْ جَهِلَ رَدَّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ أَوْ الذِّمِّيِّ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ .
وَفِي الْقَطْعِ : حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ .
( وَ ) إنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ وَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ ، فَإِنْ حَلَفَ الْمَشْهُودُ لَهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي مَضَى الْحُكْمُ ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ مَعَهُ ( فِي ) صُورَةِ الْحُكْمِ بِ ( الْقَطْعِ ) لِيَدٍ مَثَلًا ( حَلَفَ ) الشَّخْصُ ( الْمَقْطُوعُ ) يَدُهُ ( أَنَّهَا ) أَيْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَطَعَ يَدَ الْمُدَّعِي عَمْدًا ( بَاطِلَةٌ ) وَاسْتَحَقَّ دِيَةَ يَدِهِ مِنْ الشَّاهِدِ الْبَاقِي الْعَالِمِ بِأَنَّ مَنْ شَهِدَ مَعَهُ عَبْدٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَمِنْ عَاقِلَةِ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ .
" ق " ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالُ فِي هَذَا سِتَّةٌ .
ابْنُ سَحْنُونٍ إنْ بَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَلَفَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْقَطْعِ مَعَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي تَمَّ الْحُكْمُ لَهُ وَنَفَذَ ، وَإِنْ نَكَلَ فِي الْقَطْعِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ شَاهِدَهُ عَبْدٌ لِظُهُورِ حُرِّيَّتِهِ وَحَلَفَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْيَدِ أَنَّ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ بِهِ بَاطِلٌ انْتَقَضَ الْحُكْمُ ، كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا غُرْمَ عَلَى الشَّاهِدِ إنْ جَهِلَ رَدَّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ أَوْ الذِّمِّيِّ وَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ ، وَبَحَثَ فِي حَلِفِ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ ، بَلْ عَلَى الشَّاهِدِ أَوْ عَاقِلَةِ الْإِمَامِ أَوْ عَلَى الْإِمَامِ ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْمَشْهُودُ لَهُ هُنَا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ .
الْحَطّ يَعْنِي فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي قَطْعٍ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا قَطَعَ يَدَ هَذَا عَمْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمَحْكُومُ لَهُ بِالْقِصَاصِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَاسْتَحَقَّ دِيَةَ يَدِهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الدِّيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ،
يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْقِصَاصِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْغُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ إنْ عَلِمُوا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ .
وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ عَمْدًا فَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مُتَوَلِّي الْقَطْعِ شَيْءٌ ، قَالَ وَهَذَا مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ .
قُلْت فَهَلْ لِلْمُقْتَصِّ عَلَى الَّذِي اقْتَصَّ لَهُ شَيْءٌ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ وَلَا أَرَى لَهُ شَيْئًا .
قُلْت فَهَلْ عَلَى الَّذِي اقْتَصَّ شَيْءٌ قَالَ لَا ، وَهَذَا مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ .
اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحُرُّ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ عَبْدٌ ا هـ .
وَنَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ ، إنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ
( وَنَقَضَهُ ) أَيْ الْحُكْمَ ( هُوَ ) أَيْ الْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ ( إنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ ( أَصْوَبُ ) مِنْهُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَعِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا وَالْقَوْلَانِ تُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا .
فِيهَا أَكَانَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَى لِلْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ تَبَيَّنَ لَهُ فِيهَا أَنَّ غَيْرَ مَا قَضَى بِهِ أَصْوَبُ مِمَّا قَضَى بِهِ أَنْ يَرُدَّ قَضِيَّتِهِ وَيَقْضِي بِمَا رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَا قَضَى بِهِ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ إنَّمَا قَالَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مَا قَضَى بِهِ رَجَعَ فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا قَضَتْ بِهِ الْقُضَاةُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ .
ابْنُ مُحْرِزٍ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ .
وَفِي الْعَارِضَةِ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا الْأَصْوَبُ مِنْهَا .
وَأَمَّا رَدُّ غَيْرِهِ لِحُكْمِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا أَوْ بِخِلَافٍ شَاذٍّ .
ا هـ .
الْحَطّ هَذَا مَا دَامَ عَلَى وِلَايَتِهِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ ، فَإِنْ عُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ ، فَفِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ لِلْقَاضِي الرُّجُوعُ عَنْ حُكْمِهِ فِيمَا فِيهِ الِاخْتِلَافُ مَا دَامَ عَلَى خُطَّتِهِ ، وَلَيْسَ لِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ نَقْضُ ذَلِكَ الْحُكْمِ إذَا وَافَقَ قَوْلَ قَائِلٍ ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ هُوَ نَقْضَهُ إنْ عَادَ إلَى الْحُكْمِ بَعْدَ الْعَزْلِ ا هـ .
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ لِلْقَاضِي الرُّجُوعُ عَمَّا حَكَمَ بِهِ وَقَضَى فِيهِ مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَفِيمَا تَبَيَّنَ لَهُ فِيهِ الْوَهْمُ مَا دَامَ عَلَى قَضَائِهِ ، فَإِنْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ جَوْرٌ ، أَوْ يَكُونُ قَدْ قَضَى بِخَطَأٍ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ
أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَا حَكَمَ فِيهِ مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا ضَعِيفًا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ سِوَاهُ فَسْخُهُ .
ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي ثُمَّ صُرِفَ إلَى خُطَّةٍ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ مَا حَكَمَ بِهِ إلَّا مَا يَكُونُ لَهُ نَقْضُهُ مِنْ قَضَاءِ غَيْرِهِ وَعَزْلِهِ وَتَوْلِيَتِهِ كَعَزْلِهِ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ عَمَّا حَكَمَ بِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهُوَ يَرَاهُ بِاجْتِهَادِهِ .
وَأَمَّا إنْ قَضَى بِذَلِكَ وَهِلًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا فَلَا يَنْبَغِي لِلْخِلَافِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى مَا رَأَى ، إذْ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ .
أَوْ خَرَجَ عَنْ رَأْيِهِ ، أَوْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ
( أَوْ خَرَجَ ) الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ ( عَنْ رَأْيِهِ ) الَّذِي أَدَّاهُ اجْتِهَادًا إلَيْهِ وَقَضَى بِغَيْرِهِ سَهْوًا فَلَهُ هُوَ نَقْضُهُ وَلَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ لَوْ قَضَى بِغَيْرِ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ ذَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ عَنْهُ إلَى مَا رَأَى ( أَوْ ) خَرَجَ الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ ( عَنْ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مُثَقَّلًا ذَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَهُ نَقْضُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ .
ابْنُ مُحْرِزٍ إنْ قَصَدَ إلَى الْحُكْمِ بِمَذْهَبٍ فَصَادَفَ غَيْرَهُ سَهْوًا فَهَذَا يَفْسَخُهُ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ ، إذْ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ لِجَرَيَانِهِ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ، وَوَجْهُ غَلْطَةِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا عَلِمَتْ قَصْدَهُ إلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِهِ ، فَوَقَعَ فِيهِ فَيَنْقُضُهُ مَنْ بَعْدَهُ كَمَا يَنْقُضُهُ هُوَ .
الْبُنَانِيُّ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ .
وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِالْمَشْهُورِ وَإِنْ حَكَمَ بِغَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ أَحْكَامِ قُضَاةِ الْعَصْرِ إلَّا مَا لَا يُخَالِفُ الْمَشْهُورَ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَتَبِعَهُ الْبُرْزُلِيُّ فَقَالَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنْ لَا يَحْكُمَ الْقَاضِي بِغَيْرِ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ السُّيُورِيِّ فَفَسَخَهُ وَفَسَخَ الْغُبْرِينِيُّ حُكْمَ حَاكِمٍ بِقَوْلٍ شَاذٍّ ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَلَا مَعْرِفَةِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالشَّاذِّ وَهُوَ مَعْزُولٌ عَنْهُ وَيُفْسَخُ حُكْمُهُ ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْقُضَاةِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ وَجْهُهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ تَرْجِيحُهُ وَلَيْسَ هَذَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا ، بَلْ لَا يَعْرِفُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ النَّصَّ ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُونَ بِالتَّخْمِينِ نَقَلَهُ طفي فِي
أَجْوِبَتِهِ عَنْ الدُّرَرِ الْمَكْنُونَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ الْعُقْبَانِيِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَفَعَ الْخِلَافَ ، لَا أَحَلَّ حَرَامًا
( وَرَفَعَ ) حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي نَازِلَةٍ فِيهَا أَقْوَالٌ لِلْأَئِمَّةِ بِقَوْلٍ مِنْهَا فَيَرْفَعُ ( الْخِلَافَ ) أَيْ الْعَمَلَ وَالْفَتْوَى فِي عَيْنِ تِلْكَ النَّازِلَةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ فِيهَا .
" غ " الْقَرَافِيُّ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلٌ وَاحِدٌ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ : ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ يَبْطُلُ مُطْلَقًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْخِلَافُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ اسْتَفْتَى الْمُخَالِفَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ الْفَتْوَى فِيهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ الْحُكْمُ فِيهَا بِقَوْلِ قَائِلٍ ، وَمَضَى الْعَمَلُ بِهِ فِيهَا وَإِنْ اسْتَفْتَى فِي مِثْلِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ فِيهِ أَفْتَى بِمَذْهَبِهِ عَلَى أَصْلِهِ ، ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ ، وَتَتَغَيَّرُ فُتْيَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ ، فَمَنْ لَا يَرَى وَقْفَ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ ، ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِبُطْلَانِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَتَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ ، فَاَلَّذِي كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ يُنْفِذُ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِالطَّلَاقِ ، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ .
ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُنْفِذُهُ وَلَا يُمْضِيهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ ، وَكَانَ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ يَحْكِي عَنْ شَيْخِهِ الْعَكْرَمِيِّ عَنْ
الرَّجْرَاجِيِّ عَلَيْك بِقَوَاعِدِ الْقَرَافِيِّ وَلَا تَقْبَلْ مِنْهَا إلَّا مَا قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .
لَا أَحَلَّ ) حُكْمُ الْحَاكِمِ ( حَرَامًا ) " غ " فِيهِ تَنْبِيهَانِ ، الْأَوَّلُ عَبْدُ السَّلَامِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيمَا حَكَى عَنْهُمْ أَبُو عُمَرَ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ لَا فِي الْفُرُوجِ ا هـ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .
أَمَّا فِي نُسْخَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الِاسْتِذْكَارِ وَأَمَّا فِي شَرْحِهِ هُوَ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مِنْ الِاسْتِذْكَارِ عَتِيقَةٍ مَقْرُوءَةٍ مُقَابَلَةٍ بِأَصْلِ مُؤَلِّفِهِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِمْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ بِلَفْظِ أَصْحَابِهِمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ الْعَائِدِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ ، إذْ لَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ كَمَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا .
الثَّانِي : سُئِلَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِمَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ لَهُ بِهِ ، وَبِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ لِمَالِكِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ، أَمَّا الْمِثَالُ الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَالِكِيِّ الْأَخْذُ بِهَذِهِ الشُّفْعَةِ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْقَاضِي ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى مَا قَبْلَهُ ، هَكَذَا قَالُوا ، وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ الظَّاهِرُ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلْبَاطِنِ ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِ الشُّهُودِ لَمَا حَكَمَ بِهِمْ ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْقَاضِي وَالْخَصْمَانِ عَلِمُوا مِنْ حَالِ الْبَاطِنِ مَا عَلِمُوا مِنْ حَالِ الظَّاهِرِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَحَكَمَ الْقَاضِي بِرَفْعِ الْخِلَافِ فَيَتَنَزَّلُ ذَلِكَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ ، وَاَلَّذِي
قُلْنَاهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ السُّيُورِيِّ ، وَعَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ غَصَبَ الْغَاصِبُ شَيْئًا فَنَقَلَهُ مِنْ مَكَانِهِ ، وَكَانَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَفُوتُ بِنَقْلِهِ أَمْ لَا فَقَضَى الْقَاضِي لِرَبِّهِ بِأَخْذِهِ ، وَكَانَ مَذْهَبُ رَبِّهِ أَنَّهُ يَفُوتُ وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِرَبِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ كَذَا قَالُوا مَعَ عَزْوِهِ مَا ظَهَرَ لَهُ لِلسُّيُورِيِّ أَنَّ الْمَذْهَبَ هُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ إنَّمَا الْقَضَاءُ إظْهَارٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا اخْتِرَاعٌ لَهُ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَالِكِيِّ شُفْعَةُ الْجِوَارِ إنْ قَضَى لَهُ بِهَا حَنَفِيٌّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ .
الْمَازِرِيُّ فِي ائْتِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِالْمَالِكِيِّ وَعَكْسُهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَاعْتَذَرَ عَنْ قَوْلِ أَشْهَبَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْقُبْلَةِ يُعِيدُ ، وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَفِي مَجْمُوعِهِمَا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَعَدَّى السَّاعِي فَأَخَذَ مِنْ غَنَمِ أَحَدِهِمَا شَاةً فَلْيَتَرَادَّا فِيهَا عَلَى عَدَدِ غَنَمِهِمَا ، فَتَحْلِيلُهُ لِمَنْ أُخِذَتْ الشَّاةُ مِنْ غَنَمِهِ الرُّجُوعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِمَنَابِهِ مِنْهَا نَصٌّ فِي صِحَّةِ عَمَلِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِلَازِمِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ الْمُخَالِفُ لِمَذْهَبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَأَحْرَى إذَا كَانَ نَفْسَ مَا حَكَمَ بِهِ ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ ، وَلَا أَعْلَمُ لِابْنِ شَاسٍ فِيهِ مُسْتَنَدًا إلَّا اتِّبَاعَ وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ .
وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ إلَخْ .
نَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ .
فَقَالَ إنْ حَكَمَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادٍ بِقَوْلٍ شَاذٍّ فَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى فَسْخِ حُكْمِهِ كَالْحُكْمِ
بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ اسْتِشْكَالَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِمَا هُنَا كَاسْتِبْعَادِ الْمَازِرِيِّ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِنَقْضِ الْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجَارِ وَنَظَائِرِهَا الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَبْلَ هَذَا ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ لَا يَنْبَنِي عَلَى إمْضَاءِ حُكْمِ الْقَاضِي وَنَقْضِهِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهَا عَلَى حِدَتِهَا وَلَمْ يُشِرْ لِتَلَازُمِهِمَا .
الْحَطّ فِي النَّوَادِرِ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَتَخَاصَمَا إلَى مَنْ يَرَاهَا وَاحِدَةً وَحَكَمَ لَهُمَا بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَمَذْهَبُهُمَا أَنَّهَا ثَلَاثٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُمَا النِّكَاحُ قَبْلَ زَوْجٍ حُكْمُهُ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُحِلُّ لَهُمَا مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا فِي مَذْهَبِهِمَا ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ اسْقِنِي مَاءً مُرِيدًا عِتْقَهُ بِهَذَا وَالسَّيِّدُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَالْعَبْدُ يَرَاهُ عِتْقًا فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ إنْ حَكَمَ لَهُ بِالْعِتْقِ حَاكِمٌ ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَهِيَ تَذْهَبُ أَنَّهُ ثَلَاثٌ ، وَالزَّوْجُ إلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ ، وَتَخَاصَمَا إلَى مَنْ يَرَاهَا وَاحِدَةً فَحَكَمَ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ فَحُكْمُهُ لَا يُبِيحُ لِلْمَرْأَةِ تَمْكِينَ الزَّوْجِ مِنْهَا وَلْتَمْنَعْهُ جَهْدَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْحَرَامُ .
طفي يُحْتَمَلُ تَعَلُّقَ قَوْلِهِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا بِقَوْلِهِ وَرَفَعَ الْخِلَافَ كَمَا قَرَّرَ بِهِ تت ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ أَنَّ الْقَضَاءَ وَإِنْ لَمْ يُنْقَضْ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْحُكْمُ فِي الْبَاطِنِ ، بَلْ هُوَ عَلَى الْمُكَلَّفِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ إظْهَارٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا اخْتِرَاعٌ لَهُ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَالِكَيَّ شُفْعَةُ الْجِوَارِ ا هـ .
وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْقَاضِي
وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مَا حَكَمَ كَمَنْ أَقَامَ شُهُودَ زُورٍ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِمْ لِاعْتِقَادِ عَدَالَتِهِمْ ، فَهَذَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ بَاطِنِهِ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ النَّوْعَيْنِ ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي عَامٌّ عِنْدَنَا فِي الْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ بِأَنَّهُ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ أَيْضًا وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ .
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لَا أَحَلَّ حَرَامًا هَذَا مُخَصَّصٌ بِمَا إذَا كَانَ بَاطِنُهُ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ أَمْوَالٌ وَفُرُوجٌ وَبِمَا إذَا حَكَمَ بِأَمْرٍ يَعْتَقِدُ حِلِّيَّتَهُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَا يَرَى حِلِّيَّتَهُ لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا أَوْ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ مُقَلِّدِهِ ، فَالْحَرَامُ الَّذِي لَا يُحِلُّهُ حُكْمُ الْقَاضِي هُوَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ عَلَى نِزَاعٍ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ، فَإِنَّ ابْنَ شَاسٍ وَابْنَ الْحَاجِبِ قَالَا لَا يُحِلُّهُ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُمَا تَبِعَا فِيهِ وَجِيزَ الْغَزَالِيِّ ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ ، وَمَحَلُّ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ فِي هَذَا الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي بِقَوْلٍ شَاذٍّ كَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ ، وَحَمْلَهُ فِي ضَيْح عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالشَّاذِّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدْ عَلِمْت بِذَلِكَ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ : مَا بَاطِنُهُ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ ، وَهَذَا مَحَلُّ قَوْلِهِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا ، وَمَا حَكَمَ فِيهِ الْمُخَالِفُ بِقَوْلٍ غَيْرِ شَاذٍّ ، وَهَذَا مَحَلُّ قَوْلِهِ وَرَفَعَ الْخِلَافَ ، وَمَا حُكِمَ فِيهِ بِالشَّاذِّ ، وَهَذَا عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ حُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لَا أَحَلَّ حَرَامًا ، وَعِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ حُكْمُهُ كَالثَّانِي فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ وَرَفَعَ الْخِلَافَ ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ ، نَعَمْ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ لَا أَعْرِفُ لِابْنِ شَاسٍ مُسْتَنَدًا إلَّا مَا فِي الْوَجِيزِ قُصُورٌ ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ مِثْلُهُ فِي
النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ الْحَطّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَتْنِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَنَقْلُ مِلْكٍ ، وَفَسْخُ عَقْدٍ ، وَتَقَرُّرُ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ : حُكْمٌ لَا أُجِيزُهُ ، أَوْ أَفْتَى
ثُمَّ بَيَّنَ مَا يُعَدُّ حُكْمًا رَافِعًا الْخِلَافَ فَقَالَ ( وَنَقْلُ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ ( مِلْكٍ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ قَوْلُ الْقَاضِي نَقَلْت مِلْكَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ حُكْمٌ مِنْهُ رَافِعٌ الْخِلَافَ ( وَفَسْخُ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ( عَقْدٍ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ لِنِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مُتَنَازَعٍ فِيهِ ، أَيْ قَوْلُهُ فَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ حُكْمٌ كَذَلِكَ ( وَتَقَرُّرُ ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْقَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُثَقَّلًا ، أَيْ تَقْرِيرُ ( نِكَاحِ ) امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا ( بِغَيْرِ وَلِيٍّ ) أَيْ قَوْلِهِ قَرَّرْتُهُ ( حُكْمٌ ) رَافِعٌ لِلْخِلَافِ .
خَبَرُ " نَقْلُ " وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ .
عَبَّ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِتَقْرِيرِهِ مَا يَشْمَلُ سُكُوتَ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ حِينَ رُفِعَ لَهُ وَعَدَمَ حُكْمِهِ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ لِلْخَرَشِيِّ ، وَيَشْهَدُ لَهُ النَّقْلُ الْآتِي .
ابْنُ شَاسٍ مَا قَضَى بِهِ الْحَاكِمُ مِنْ نَقْلِ الْأَمْلَاكِ وَفَسْخِ الْعُقُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حُكْمًا ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ تَأْثِيرُ الْقَاضِي فِي الْحَادِثَةِ أَكْثَرَ مِنْ إقْرَارِهَا لَمَا رُفِعَتْ إلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يُرْفَعَ إلَيْهِ نِكَاحُ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَأَقَرَّهُ وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ وَجَاءَ غَيْرُهُ ، فَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْحُكْمِ وَإِمْضَاؤُهُ وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ بِإِجَارَتِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ .
اللَّخْمِيُّ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ .
ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنْ تَرَكَ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِمَسْأَلَةٍ فَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ بِفِقْهِهِ أَنْ يَمْضِيَ حُكْمُهُ بِالتَّرْكِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ صَحِيحٌ كَتَرْكِهِ فَسْخَ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَنِكَاحَ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْمِلْكِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ .
( لَا ) يُعَدُّ
حُكْمًا قَوْلُ الْقَاضِي فِي شَأْنِ عَقْدٍ رُفِعَ إلَيْهِ ( لَا أُجِيزُهُ ) ابْنُ شَاسٍ لَوْ رُفِعَ هَذَا النِّكَاحُ إلَى قَاضٍ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِفَسْخِهِ ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ وَلَكِنَّهُ فَتْوَى وَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ اسْتَقَالَ النَّظَرَ فِيهِ فَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى جَعْلِهِ فَتْوَى أَنَّ لِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ نَقْضُهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْأَوَّلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي نَقْضُهُ ، لِأَنَّ قَوْلَ الْأَوَّلِ لَا أُجِيزُهُ وَلَا أَفْسَخُهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَالْكَرَاهَةُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْخَمْسَةِ الَّتِي يَجِبُ رَعْيُ كُلِّ حُكْمٍ مِنْهَا وَلَازِمِهِ وَحُكْمِ الْمَكْرُوهِ .
وَعَدَمُ نَقْضِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقُهُ تَرْكًا ( أَوْ أَفْتَى ) الْقَاضِي فِي أَمْرٍ رُفِعَ إلَيْهِ فَلَيْسَتْ فَتْوَاهُ حُكْمًا اتِّفَاقًا .
ابْنُ الْحَاجِبِ فَتْوَاهُ فِي وَاقِعَةٍ وَاضِحٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ ابْنِ عَرَفَةَ جَزْمُ الْقَاضِي بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى وَجْهٍ مِنْ مُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِهِ فَتْوَى لَا حُكْمٌ ، وَجَزْمُهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهِ حُكْمٌ .
وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ ، بَلْ إنْ تَجَدَّدَ ، فَالِاجْتِهَادُ كَفَسْخٍ بِرَضْعِ كَبِيرٍ ، وَتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ ، وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ
( وَ ) إنْ حَكَمَ الْقَاضِي فِي نَازِلَةٍ بِحُكْمٍ وَنَزَلَتْ نَازِلَةٌ مِثْلُهَا ( لَمْ يَتَعَدَّ ) حُكْمُهُ ( لِ ) أَمْرٍ ( مُمَاثِلٍ ) لِلْأَمْرِ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ أَوَّلًا لِأَنَّ الْحُكْمَ جُزْئِيٌّ ( بَلْ إنْ تَجَدَّدَ ) الْمُمَاثِلُ بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا ( فَالِاجْتِهَادُ ) مَشْرُوعٌ فِيهِ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَمَثَّلَ لِهَذَا فَقَالَ ( كَفَسْخٍ ) لِنِكَاحٍ ( بِ ) سَبَبِ ( رَضْعِ ) شَخْصٍ ( كَبِيرٍ ) أَيْ زَادَ عُمْرُهُ عَلَى حَوْلَيْنِ وَشَهْرَيْنِ ثُمَّ عَقَدَ الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ فَلَا يَتَعَدَّى فَسْخَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِهَذَا الْعَقْدِ الثَّانِي ، وَكَذَا إذَا تَجَدَّدَ مِثْلُهَا فَيَجْتَهِدُ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ فِي الثَّانِي بِالْفَسْخِ أَوْ التَّقْرِيرِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَحْكُمُ بِتَأْيِيدِ التَّحْرِيمِ بَيْنَهُمَا .
( وَ ) كَفَسْخِ نِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ لِ ( تَأْبِيدِ ) حُرْمَةِ امْرَأَةٍ ( مَنْكُوحَةِ ) رَجُلٍ فِي ( عِدَّةٍ ) لَهَا مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدًا آخَرَ وَتَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ أُخْرَى فِي عِدَّتِهَا فَلَا يَتَعَدَّى الْفَسْخُ إلَى الْعَقْدِ الثَّانِي وَيَجْتَهِدُ فِيهِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ بِالْفَسْخِ ، أَوْ التَّقْرِيرِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَحْكُمُ بِتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْمَرْأَةُ الَّتِي فُسِخَ نِكَاحُهَا بِرَضْعِ الْكَبِيرِ أَوْ بِوُقُوعِهِ فِي عِدَّتِهَا كَغَيْرِهَا ) مِنْ النِّسَاءِ ( فِي ) الزَّمَنِ ( الْمُسْتَقْبَلِ ) مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ .
" غ " هَذَانِ الْمِثَالَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ شَاسٍ ، فَقَالَ إنْ كَانَ حُكْمُ الْأَوَّلِ بِاجْتِهَادٍ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ وَلَيْسَ نَقْلَ مِلْكٍ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إلَى الْآخَرِ ، وَلَا فَصْلَ حُكُومَةٍ بَيْنَهُمَا وَلَا إثْبَاتَ عَقْدٍ بَيْنَهُمَا وَلَا فَسْخَهُ ، كَمَا إذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ رَضَاعُ كَبِيرٍ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ ، وَفَسَخَ النِّكَاحَ مِنْ أَجْلِهِ فَالْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ بِحُكْمِهِ هُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ .
وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ
فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِحُكْمِهِ ، بَلْ يَبْقَى مُعَرَّضًا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حَالُ امْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَنِكَاحُهَا وَحَرَمُهَا عَلَى زَوْجِهَا لَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ بِحُكْمِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ فَحَسْبُ .
وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمُعَرَّضٌ لِلِاجْتِهَادِ ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ حُكْمُهُ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمًا فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ الْعُقُودِ أَوْ الْبَيَّاعَاتِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاهَدَهُ وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ الْحُكْمُ لِعَارِضٍ اجْتِهَادِيٍّ لَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ إذَا تَحَدَّدَ السَّبَبُ ثَانِيًا ، بَلْ يَكُونُ مُعَرَّضًا لِلِاجْتِهَادِ كَفَسْخِ النِّكَاحِ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ وَنِكَاحِ امْرَأَةٍ فِي عِدَّتِهَا وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَبِلُوهُ وَهُوَ صَوَابٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُعْتَدَّةِ .
وَأَمَّا فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ فِيهِ نَظَرٌ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ حُكْمِ الثَّانِي بِخِلَافِ حُكْمِ الْأَوَّلِ هُوَ كَوْنُ حُكْمِ الثَّانِي رَافِعًا لِمُتَعَلِّقِ حُكْمِ الْأَوَّلِ بِالذَّاتِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ دَارَ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا ، إمَّا وُجُودًا فَفِي مِثَالِ حُكْمِ الْحَاكِمِ الثَّانِي بِكَوْنِ الْمُبْتَاعِ الْأَوَّلِ فِيمَا بَاعَهُ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ أَحَقَّ بِالْمَبِيعِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ الثَّانِي بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَابِضَهُ أَحَقُّ .
وَأَمَّا عَدَمًا فَفِي جَوَازِ حُكْمِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ مَنْ قَبْلَهُمَا فِي قِسْمِ الْفَيْءِ ، وَتَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ اعْتِبَارُ الدَّوَرَانِ ، إذَا ثَبَتَ هَذَا وَنَظَرْنَا وَجَدْنَا حُكْمَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ النَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ غَيْرَ رَافِعٍ لِنَفْسِ مُتَعَلِّقِ حُكْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ
مُتَعَلِّقَ حُكْمِهِ بِالذَّاتِ الْفَسْخُ وَالتَّحْرِيمُ تَابِعٌ لَهُ ، فَلَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ مَنْعِ حُكْمِ الثَّانِي فِيهَا وَوَجَدْنَا حُكْمَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ رَافِعًا لِنَفْسِ مُتَعَلِّقِ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ بِالذَّاتِ ، وَهُوَ تَحْرِيمُ رَضَاعِ الْكَبِيرِ ، وَفَسْخُ نِكَاحِهِ تَابِعٌ لِهَذَا الْمُتَعَلِّقِ بِالذَّاتِ ، لَا أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ حُكْمِهِ بِالذَّاتِ ، فَيَجِبُ مَنْعُ حُكْمِ الثَّانِي عَمَلًا بِالْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِمَنْعِهِ .
الْحَطّ بَحْثُ ابْنُ عَرَفَةَ مَعَ ابْنِ شَاسٍ وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُكْمِهِ بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ ، إذْ لَا مُوجِبَ لِلْفَسْخِ سِوَاهُ ، فَحُكْمُ الثَّانِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي رَافِعٌ لِحُكْمِ الْأَوَّلِ بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ ، فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِفَسْخِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لِكَوْنِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا ، وَتَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَسْتَلْزِمُهُ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ أَمْ لَا .
وَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ نَعَمْ فِي عِبَارَةِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ الْقَاضِيَ فَسَخَ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ وَحَرَّمَهَا ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَحَرَّمَهَا أَنَّهُ حَكَمَ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْفَسْخِ فَمَا قَالُوهُ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا فَكَيْفَ يَصِحُّ حُكْمُ الْقَاضِي الثَّانِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي ، وَلَعَلَّهُمْ فَهِمُوا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ .
وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي .
وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ ، إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ
( وَلَا يَدْعُو ) الْقَاضِي الْخَصْمَيْنِ ( لِصُلْحٍ إنْ ) كَانَ ( ظَهَرَ لَهُ ) أَيْ الْقَاضِي بِنَظَرِهِ فِي خُصُومَتِهِمَا ( وَجْهُهُ ) أَيْ الْحَقِّ لِأَحَدِهِمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ خَصْمِهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَشْتَمِلُ غَالِبًا عَلَى إسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ ، فَفِي الدُّعَاءِ لَهُ هَضْمٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ مَا لَمْ يَخْشَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ أَوْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْفَضْلِ أَوْ الرَّحِمِ كَمَا تَقَدَّمَ .
اللَّخْمِيُّ لَا يَدْعُو إلَى الصُّلْحِ إذَا تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا ، وَأَنَّهُ مَتَى حَكَمَ تَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَخُشِيَتْ الْفِتْنَةُ .
وَلَا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ ، إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ : كَالشُّهْرَةِ بِذَلِكَ ، أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ بِالْعَدَالَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ بَعْدَهُ : لَمْ يُفِدْهُ
( وَلَا يَسْتَنِدُ ) الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ ( لِعِلْمِهِ ) أَيْ الْقَاضِي السَّابِقِ عَلَى مَجْلِسِ قَضَائِهِ .
اللَّخْمِيُّ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَلَا بَعْدَ أَنْ وَلِيَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ ، أَوْ كَانَ فِيهِ وَقَبْلَ تَحَاكُمِهِمَا إلَيْهِ ( إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ ) لِلشُّهُودِ فَيَسْتَنِدُ فِيهِمَا لِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ .
أَبُو عُمَرَ أَجْمَعُوا أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ وَيُجَرِّحَ بِعِلْمِهِ ، وَأَنَّهُ إنْ عَلِمَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى غَيْرِ مَا شَهِدُوا بِهِ أَنَّهُ يَنْفُذُ عِلْمُهُ وَيَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ بِعِلْمِهِ .
سَحْنُونٌ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَدْلَانِ مَشْهُورَانِ بِالْعَدَالَةِ وَأَنَا أَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَا بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا ، وَلَا أَنَّ أَرُدَّهَا ، وَلَكِنْ أَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي فَوْقِي وَأَشْهَدُ بِمَا عَلِمْت وَغَيْرِي بِمَا عَلِمَ ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لَيْسَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا أَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا .
وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَادِ الْمَفْهُومِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ ( كَالشُّهْرَةِ بِذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ مِنْ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ .
فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مِنْ النَّاسِ مِنْ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ وَلَا تُطْلَبُ فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِعَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ وَلَا تُطْلَبَ فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِاشْتِهَارِ عَدَالَتِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِشُهْرَتِهِ بِغَيْرِ الْعَدَالَةِ إنَّمَا يُكْشَفُ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ شَهِدَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ قَاضِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَمَّا الِاسْمُ فَاسْمُ عَدْلٍ ، وَلَكِنْ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّك ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مَشَايِخَنَا .
ابْنُ عَرَفَةَ ذَكَرَ لِي بَعْضُ شُيُوخِي أَنَّ الْبَرْقِيَّ فَقِيهَ الْمَهْدِيَّةِ شَهِدَ فِي سَيْرِهِ إلَى الْحَجِّ عِنْدَ قَاضِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة ، فَلَمَّا قَرَأَ اسْمَهُ
قَالَ أَنْتَ الْبَرْقِيُّ فَقِيهُ الْمَهْدِيَّةِ فَقِيلَ لَهُ نَعَمْ فَكَلَّفَ الْمَشْهُودَ لَهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ هُوَ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِ دُونَ طَلَبِ تَعْدِيلِهِ .
( أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ ) الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( بِالْعَدَالَةِ ) الشَّاهِدِ عَلَيْهِ فَيَكْتَفِي بِهِ الْقَاضِي عَنْ طَلَبِ تَعْدِيلِهِ عَنْ غَيْرِهِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْعَدَالَةِ حَكَمَ عَلَيْهِ خَاصَّةً .
ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ هَذَا الْفَرْعَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَفِي جَرْيِهِ عَلَى أَصْلِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مُتَنَاقِضٌ فَيَجِبُ طَرْحُهُ ، فَإِنْ قُلْت فَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي الشُّهُودَ وَاعْتَرَفَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِعَدَالَتِهِمْ قَضَى بِهِمْ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُمْ وَلَا يَقْضِي بِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ .
قُلْت قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُمْ صَيَّرَ الْمَسْأَلَةَ إلَى بَابِ الْإِقْرَارِ وَقَالَ أَصْبَغُ إذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي فَلَا يَحْكُمُ بِهَا .
( وَإِنْ ) أَقَرَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا عَلَيْهِ لِلْآخَرِ وَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَ ( أَنْكَرَ ) شَخْصٌ ( مَحْكُومٌ عَلَيْهِ ) بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَأَنْكَرَ ( إقْرَارَهُ ) عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ ، وَكَانَ إنْكَارُهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( لَمْ يُفِدْهُ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ الْإِنْكَارُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَيَمْضِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مُقْتَضَاهُ .
وَمَفْهُومُ بَعْدَهُ أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ إقْرَارَهُ قَبْلَهُ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمَازِرِيُّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْلَمُ هَذَا إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ .
الْحَطّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِهِ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يَشْهَدَ
عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ ، وَمُقَابِلُهُ لَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِلَا شَهَادَةٍ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِلَا إشْهَادٍ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ إقْرَارَهُ بَعْدَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ عَلَى شَخْصٍ مُسْتَنِدًا لِإِقْرَارِهِ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى إقْرَارِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ ، فَإِنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ لَا يَنْتَقِضُ ، فَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ حَكَمْت عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ عِنْدِي ، وَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَمْ أُقِرَّ عِنْدَهُ فَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ ، هَكَذَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي ضَيْح وَغَيْرِهِ .
وَفِي النَّوَادِرِ فَإِنْ جَهِلَ وَأَنْفَذَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ بِمَا أَقَرَّ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ غَيْرُهُ فَلْيَنْقُضْ هُوَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْزِلْ ، فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ نَقْضَهُ فِي الْإِقْرَارِ خَاصَّةً فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ .
وَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ أَوْ رَآهُ وَهُوَ قَاضٍ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ شَيْئًا ، فَإِنْ نَفَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يُنْفِذُهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَلْيَنْقُضْهُ .
طفي قَوْلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ فِي مَجْلِسِهِ إذَا أَنْكَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ ، أَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ حُكْمِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ .
اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ أَنْ جَلَسَ لِلْخُصُومَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ يَحْكُمُ وَرَأَيَا أَنَّهُمَا إذَا جَلَسَا لِلْمُحَاكَمَةِ فَقَدْ رَضِيَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَقُولَانِهِ ، وَلِذَلِكَ قَصَدَ وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ حَتَّى حَكَمَ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ
.
وَقَالَ مَا أَقْرَرْت بِشَيْءٍ فَلَا يُنْظَرُ لِإِنْكَارِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ .
ابْنُ رُشْدٍ مَا أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ ثُمَّ جَحَدَهُ فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ .
مُحَمَّدٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ الَّذِي عَلَيْهِ قُضَاتُنَا بِالْمَدِينَةِ وَعُلَمَاؤُنَا وَلَمْ أَعْلَمْ مَالِكًا قَالَ غَيْرَهُ أَنَّهُ يَقْضِي بِمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ .
وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ إذَا جَحَدَهُ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ ، وَفِيهَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ثُمَّ جَحَدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ ، فَمَفْهُومُهَا لَوْ لَمْ يَجْحَدْ يَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْحَطّ بِقَوْلِ التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَقَرَّ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِإِقْرَارِهِ وَمُقَابِلُهُ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ لِحَمْلِهِ عَلَى إنْكَارِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَزْوُهُ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَأَصْبَغُ ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ خِلَافَهُمْ إذَا أَنْكَرَ إقْرَارَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ ا هـ ، وَأَقَرَّهُ الْبُنَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ شَهِدَا بِحُكْمٍ نَسِيَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ : أَمْضَاهُ
( وَإِنْ شَهِدَا ) أَيْ الْعَدْلَانِ عَلَى الْقَاضِي ( بِحُكْمٍ ) صَدَرَ مِنْهُ وَقَدْ ( نَسِيَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْحُكْمَ أَمْضَاهُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( أَوْ ) شَهِدَا عَلَيْهِ بِحُكْمٍ ( أَنْكَرَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْحُكْمَ ( أَمْضَاهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْحُكْمَ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي التَّلْقِينِ إنْ نَسِيَ الْحَاكِمُ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ ، فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ بِهِ أَنْفَذَ شَهَادَتَهُمَا .
الْمَازِرِيُّ هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " خِلَافًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
اللَّخْمِيُّ لَوْ أَنْكَرَ الْحَاكِمُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ ، وَقَالَ مَا حَكَمْت بِهَذَا فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِحُكْمِهِ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ حَكَاهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ .
وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ بِمُشَافَهَةٍ ، إنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلَايَتِهِ ، وَبِشَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا .
وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ خَالَفَا كِتَابَهُ .
وَنُدِبَ خَتْمُهُ ، وَلَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ ، وَأَدَّيَا ، وَإِنْ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَأَفَادَ إنْ أَشْهَدَهُمَا أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ أَوْ خَطُّهُ .
كَالْإِقْرَارِ وَمَيَّزَ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ اسْمٍ وَحِرْفَةٍ وَغَيْرِهِمَا يُنَفِّذُهُ الثَّانِي ، وَبَنَى كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ أُخْرَى وَإِنْ حَدًّا ، إنْ كَانَ أَهْلًا أَوْ قَاضِيَ مِصْرٍ ، وَإِلَّا فَلَا : كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ ، وَإِنْ مَيِّتًا ، وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ : فَفِي إعْدَائِهِ أَوْ لَا حَتَّى يُثْبِتَ أَحَدِّيَّتَهُ : قَوْلَانِ
( وَ ) إنْ تَرَافَعَ خَصْمَانِ لِقَاضٍ ثُمَّ انْتَقَلَا لِقَاضٍ آخَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا ( أَنْهَى ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَاءِ ، أَيْ أَوْصَلَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ ( لِ ) قَاضٍ ( غَيْرِهِ ) مَا حَصَلَ نِدّه ( بِمُشَافَهَةٍ ) أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا ( إنْ كَانَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( بِوِلَايَتِهِ ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمُوَلَّى لِلْقَضَاءِ فِيهِ .
ابْنُ شَاسٍ الرُّكْنُ الثَّالِثُ يَعْنِي فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي إنْهَاءِ الْحَاكِمِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ ، وَذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ وَالْكِتَابِ وَالْمُشَافَهَةِ .
أَمَّا الْمُشَافَهَةُ فَلَوْ شَافَهَ الْقَاضِي قَاضِيًا آخَرَ فَلَا يَكْفِي لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَا يَنْفَعُ سَمَاعُهُ أَوْ إسْمَاعُهُ إذَا كَانَا قَاضِيَيْنِ لِبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَنَادَيَا مِنْ طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا فَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ فَيُعْتَمَدُ .
" غ " كَذَا لِابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِابْنِ شَاسٍ التَّابِعِ لِوَجِيزِ الْغَزَالِيِّ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ أَعْرِفْ مَنْ جَزَمَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا شَكَّ أَنَّ ذِكْرَ الْقَاضِي ثُبُوتَ شَهَادَةٍ عِنْدَهُ عَلَى غَائِبٍ لَيْسَ بِقَضِيَّةٍ مَحْضَةٍ وَلَا نَقْلٍ مَحْضٍ ، بَلْ هُوَ مَشُوبٌ بِالْأَمْرَيْنِ فَيُنْظَرُ أَوْلَاهُمَا بِهِ وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَاضِيَيْنِ لَوْ قَضَيَا بِمَدِينَةٍ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنْفِذُ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَأَخْبَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ شَهَادَةُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِرَجُلَيْنِ بِالْبَلَدِ وَقَضَى بِثُبُوتِهِمَا ، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ كَنَقْلِ شَهَادَةٍ فَلَا يَكْتَفِي هَذَا الْقَاضِي الْمُخَاطَبُ بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُمْ حُضُورٌ ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ كَقَضِيَّةِ الْقَاضِي فَالْقَاضِي الثَّانِي يُنْفِذُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ ، وَهَذَا قَدْ يُقَالُ فِيهِ أَيْضًا إذَا جَعَلْنَا قَوْلَ الْقَاضِي وَحْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ كَالنَّقْلِ يُكْتَفَى بِهِ لِحُرْمَةِ
الْقَاضِي ، فَلِذَا يَصِحُّ نَقْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ حَاضِرًا فَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَهُ إلْزَامًا وَانْفِصَالًا فَانْظُرْهُ ا هـ وَنَصُّهُ فَإِنْ قُلْت مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَازِرِيِّ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ كَقَضِيَّةٍ فَالْقَاضِي الثَّانِي يُنْفِذُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ صِحَّةُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ الْمَذْهَبِ .
قُلْت لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَوْلِيَةِ قَاضِيَيْنِ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَلْزُومِيَّةَ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ لَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَلْزُومِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْطِ وَحْدَةِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ شَرْطُ وَحْدَتِهِ فَتَذَكَّرْهُ .
( أَوْ ) أَنْهَى لِغَيْرِهِ ( بِشَاهِدَيْنِ ) عَلَى حُكْمِهِ ( مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا .
فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضٍ لِقَاضٍ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، يَجُوزُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي فِي الزِّنَا شَاهِدَانِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ .
وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا كِتَابُ قَاضٍ اتِّفَاقًا ، فَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ أَصْلُهُ بِأَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا ، أَوْ بِاثْنَيْنِ كَالنِّكَاحِ ، أَوْ بِوَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَالرَّضَاعِ ، أَوْ بِوَاحِدٍ وَيَمِينٍ ، أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ ، أَوْ بِوَاحِدٍ وَلَفِيفٍ ، أَوْ بِوَاحِدٍ فَقَطْ ، أَوْ بِامْرَأَةٍ فَقَطْ قَالَهُ تت .
طفي قَوْلُهُ أَوْ بِوَاحِدٍ وَلَفِيفٍ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ ، وَلَعَلَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ ، إذْ لَيْسَ مَحَلٌّ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّاهِدُ مَعَ اللَّفِيفِ .
الْحَطّ قَوْلُهُ مُطْلَقًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي لَهُ فِي الشَّهَادَةِ ، فَيَنْبَغِي
أَنْ يُقَيَّدَ بِذَلِكَ ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ ا هـ وَتَبِعَهُ عج ، وَأَطَالَ بِمَا يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَيَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ خَرَجَا بِهَا عَنْ أَقْوَالِ الْمَالِكِيَّةِ لِمُعَارَضَتِهِمَا بَيْنَ مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَجُعِلَ أَحَدُهُمَا تَقْيِيدًا لِلْآخَرِ وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ كَمَا بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضٍ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ اتِّفَاقًا ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْإِنْهَاءِ : وَثُبُوتُ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ يَأْتِي فِي فَصْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
فَدَلَّ عَلَى تَخَالُفِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي مُجَرَّدُ إشْهَادِ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ أَوْ كِتَابُهُ فَيَشْهَدَانِ عَلَى إخْبَارِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى حُكْمِهِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ يَحْضُرُ حُكْمَهُ وَيَشْهَدُهُ ، فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ حَكَمْت لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ مِثْلَ قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ عِنْدَ قَاضٍ حَكَمَ لِي قَاضٍ بِكَذَا ، أَوْ ثَبَتَ لِي عِنْدَهُ كَذَا ، فَيَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْتِيهِ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَنِّي حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا .
أَوْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدِي كَذَا ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَاهِدٌ ، وَلَوْ أَتَى الرَّجُلُ ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي فَقَالَ لَهُ خَاطِبْ لِي كَذَا بِمَا ثَبَتَ لِي عِنْدَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا حَكَمْت لِي عَلَيْهِ لَجَازَ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ لَا شَاهِدٌ .
ا هـ .
فَإِذَا كَانَ قَوْلُ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ لَا يَجُوزُ ، فَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّاقِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْبُنَانِيُّ رَأَيْت لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ اُخْتُلِفَ فِي شَاهِدٍ وَيَمِينٍ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي فِي
الْأَمْوَالِ فَلَمْ يُجِزْهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ ، وَأَجَازَهُ فِي غَيْرِهِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ .
ا هـ .
وَبِهِ اعْتَرَضَ ابْنُ نَاجِي الِاتِّفَاقَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
الْبَاجِيَّ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْقَضَاءُ ا هـ .
وَلَمَّا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ بِالْقَضَاءِ بِالْمَالِ فَالْمَشْهُورُ لَا تَمْضِي إلَخْ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيَّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَيْسَ بِمَا يَئُولُ إلَى مَالٍ ، وَدَعْوَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِمَالٍ هِيَ مِنْ دَعْوًى بِمَالٍ حَقِيقَةً ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهَا .
ا هـ .
لَكِنْ نَازَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهَا بِشُهْرَةِ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهَا فِي كَلَامِ الْأَشْيَاخِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْخِلَافِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ عَزْوَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كَلَامِ الْبَاجِيَّ فِي كِتَابِ الْقَاضِي هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَذْكُورُ عِنْدَ " ق " فِي حُكْمِ الْقَاضِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ ، وَتَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي الْحَطّ وعج صَوَابٌ ، وَأَنَّ اعْتِرَاضَ طفي عَلَيْهِمَا قُصُورٌ وَتَهْوِيلٌ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ تَعْوِيلٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَاعْتَمَدَ ) الْقَاضِي الْمَنْهِيُّ إلَيْهِ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ إنْ لَمْ يُخَالِفَا بِشَهَادَتِهِمَا كِتَابَهُ ، بَلْ ( وَإِنْ خَالَفَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ بِهَا ( كِتَابَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْمَنْهِيِّ وَطَابَقَا الدَّعْوَى ( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( خَتْمُهُ ) أَيْ الْكِتَابِ .
الْبَاجِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى شُهُودٍ
كِتَابًا مَطْوِيًّا ، وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ أَوْ كَتَبَ الْحَاكِمُ كِتَابًا إلَى حَاكِمٍ وَخَتَمَهُ وَأَشْهَدَ الشُّهُودَ بِهِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ ، وَقَالَ أَيْضًا لَا يَشْهَدُوا بِهِ إلَّا أَنْ يَقْرَؤُهُ عِنْدَ مَحْمَلِ الشَّهَادَةِ .
ابْنُ شَاسٍ سَحْنُونٌ لَوْ أَشْهَدَ عَلَى كِتَابِهِ وَخَاتَمِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ جَازَ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مَخْتُومٍ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّهَادَةِ ، فَلَوْ شَهِدَا بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ جَازَ إذَا طَابَقَ الدَّعْوَى ، ثُمَّ لِلشَّاهِدِ عَلَى الْحُكْمِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ ( وَلَمْ يُفِدْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ كِتَابَةً ( وَحْدَهُ ) أَيْ مُجَرَّدًا مِنْ الْإِشْهَادِ وَلَوْ مَخْتُومًا ابْنُ شَاسٍ الْكِتَابُ الْمُجَرَّدُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَاضِي لَا أَثَرَ لَهُ .
" غ " ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا كَانَتْ النُّصُوصُ وَالرِّوَايَاتُ وَاضِحَةً بِلَغْوِ ثُبُوتِ كِتَابِ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِنَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي انْتَهَى إلَيْنَا أَمْرُهَا عَلَى قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّ الْقَاضِي دُونَ إشْهَادِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا خَاتَمٌ مَعْرُوفٌ ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ صَرْفَهُمْ عَنْهُ مَعَ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، إنَّ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّهِ ، بَلْ قَالُوا فِي الْقَاضِي يَجِدُ فِي دِيوَانِهِ حُكْمًا بِخَطِّهِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ إنْفَاذُهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ ، وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ وَثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهِ ، وَلَا يَتَخَرَّجُ الْقَوْلُ بِعَمَلِهِ بِمَا تَيَقَّنَهُ مِنْ خَطِّهِ دُونَ ذِكْرِ حُكْمِهِ بِهِ
مِنْ الْخِلَافِ فِي الشَّاهِدِ يَتَيَقَّنُ خَطَّهُ بِالشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ وَلَا يَذْكُرُ مَوْطِنَهَا لِعُذْرِ الشَّاهِدِ ، إذْ مَا عَلِمَهُ هُوَ مَقْدُورُ كَسْبِهِ ، وَالْقَاضِي كَانَ قَادِرًا عَلَى إشْهَادِهِ عَلَى حُكْمِهِ ثُمَّ وَجْهُ عَمَلِ النَّاسِ بِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِأَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْبَاعِثُ بِهِ حُصُولُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ مُنْضَمًّا لِلْمَشْهُورِ ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْغَيْرِ حَسْبَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَذْهَبِ يُوجِبُ كَوْنَ هَذَا الظَّنِّ كَالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ ثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُهُ لِضَرُورَةِ دَفْعِ مَشَقَّةِ مَجِيءِ الْبَيِّنَةِ مَعَ الْكِتَابِ مَعَ انْتِشَارِ الْخُطَّةِ وَبُعْدِ الْمَسَافَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنْ قِيلَ تَنْدَفِعُ الْمَشَقَّةُ بِإِشْهَادِ الْقَاضِي عَلَى كِتَابِهِ بِبَيِّنَةٍ تُوُقِّعَ خَطُّهَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَيُشْهِدُ عَلَى خَطِّهَا فِي بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ .
قُلْت ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْقَاضِي أَقْوَى مِنْ ثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ مَعَ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَاضِي وَمَا تَوَقَّفَ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ أَقْوَى مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ ، لِتَطَرُّقِ احْتِمَالٍ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ لِاحْتِمَالِ فِسْقِ الْبَيِّنَةِ أَوْ رِقِّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ وَإِذَا ثَبَتَ وَجْهُ الْعَمَلِ بِذَلِكَ ، فَإِنْ ثَبَتَ خَطُّ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ عَارِفَةٍ بِالْخُطُوطِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَعْرِفُ خَطَّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ إلَيْهِ فَجَائِزٌ عِنْدِي قَبُولُهُ بِمَعْرِفَةِ خَطِّهِ ، وَقَبُولُ سَحْنُونٍ كُتُبَ أُمَنَائِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي يَعْلَمُهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ لِأَنَّ وُرُودَ الْكِتَابِ مِنْ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ عِنْدَهُ بِذَلِكَ ، فَقَبُولُهُ الْكِتَابَ بِمَا عُرِفَ مِنْ عَدَالَتِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ
عِنْدَهُ عَلَى خَطِّهِ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : هَذَا كُلُّهُ إنْ وَصَلَ كِتَابُ الْقَاضِي قَبْلَ مَوْتِهِ وَعَزْلِهِ وَإِلَّا فَلَا يُعْمَلُ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمُنَاصِفِ ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ .
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ رَحَّالٍ الَّذِي أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ أَشْيَاخَنَا أَنَّ الْإِنْهَاءَ يَصِحُّ مُطْلَقًا مَاتَ الْكَاتِبُ قَبْلَ الْوُصُولِ أَوْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ .
الثَّانِي : قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ شَأْنُ قُضَاةِ وَقْتِنَا رَسْمُ الْخِطَابِ أَسْفَلَ وَثِيقَةِ ذِكْرِ الْحَقِّ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ظَهْرِ الصَّحِيفَةِ أَوْ أَحَدِ عَرْضَيْهَا إنْ ضَاقَ أَسْفَلُهَا ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي وَثِيقَةٍ مُلْصَقَةٍ بِالْوَثِيقَةِ إنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهُ بِهَا .
الثَّالِثُ : ابْنُ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي تَحْتَ الْعَقْدِ خِطَابًا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالْإِعْلَامِ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْحَقِّ عِنْدَهُ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى كِتَابَةِ : صَحَّ الرَّسْمُ عِنْدِي أَوْ ثَبَتَ أَوْ اسْتَقَلَّ ، فَذَلِكَ لَغْوٌ غَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُهُ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنَاصِفِ إنْ ثَبَتَ وَاكْتَفَى وَصَحَّ وَاسْتَقَلَّ كَالْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ .
وَذَكَرَ " غ " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَقَلَّ يَخْتَصُّ بِالْعُدُولِ وَاكْتَفَى بِإِثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَثَبَتَ بِمَا عَدَاهَا .
وَعَنْ الْعُقْبَانِيِّ اسْتَقَلَّ بِالْمُبْرِزِينَ وَثَبَتَ لِمَنْ يُقَارِبُهُمْ وَاكْتَفَى لِمَنْ دُونَ ذَلِكَ .
الرَّابِعُ : " غ " مِمَّا تَسَاهَلَ فِيهِ أَهْلُ فَاسَ وَعَمِلَهَا وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَصْلٌ شَهَادَةُ عُدُولِهِمْ مِنْ تَسْجِيلِ قَاضِيهِمْ ، فَإِذَا أَوْقَعَ الْقَاضِي خَطَّهُ كَتَبَ الشَّاهِدُ شَهِدَ عَلَى إشْهَادِ مَنْ ذُكِرَ بِمَا فِيهِ عَنْهُ ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى خَطِّهِ وَكَيْفَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّهِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَدُكَّانِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرُ غَلْوَةٍ أَوْ أَقَلُّ .
( وَ ) إنْ أَشْهَدَهُمَا الْقَاضِي عَلَى كِتَابِهِ ( أَدَّيَا ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا ، أَيْ الشَّاهِدَانِ مَا أَشْهَدَهُمَا بِهِ عِنْدَ مَنْ أُرْسِلَا
إلَيْهِ ، بَلْ ( وَإِنْ عِنْدَ غَيْرِهِ ) لِعَزْلِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فِيهَا مَعَ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ كِتَابٌ مِنْ قَاضٍ آخَرَ ، فَعَلَى مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ إنْفَاذُ الْكِتَابِ .
ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا إذَا ثَبَتَ الْكَتْبُ عِنْدَهُ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ كِتَابُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ .
( وَأَفَادَ ) كِتَابُ الْقَاضِي الَّذِي أَرْسَلَهُ لِقَاضٍ آخَرَ فَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ وَيُنْفِذُهُ ( إنْ أَشْهَدَهُمَا ) أَيْ الْقَاضِي الْمُرْسِلُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى ( أَنَّهُ ) أَيْ الْكِتَابَ ( حُكْمُهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( أَوْ ) أَشْهَدَهُمَا أَنَّهُ ( خَطُّهُ ) أَيْ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يُقِرَّاهُ عَلَيْهِمَا حَالَ إشْهَادِهِمَا وَلَمْ يَقْرَأْهُ .
ابْنُ شَاسٍ لَوْ قَالَ الْقَاضِي أُشْهِدُكُمَا عَلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطِّيُّ كَفَى ذَلِكَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُمَا مَا فِيهِ حُكْمِي .
وَشَبَّهَ فِي صِحَّةِ الْإِشْهَادِ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ مَنْسُوبٌ لِلْمُشْهَدِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الشَّاهِدَيْنِ بِمَا فِيهِ فَقَالَ ( كَ ) الْإِشْهَادِ عَلَى ( الْإِقْرَارِ ) مِنْ كَاتِبِ وَثِيقَةٍ أَوْ مُمْلِيهَا بِمَا فِيهَا .
ابْنُ شَاسٍ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ أُشْهِدُك عَلَى مَا فِي الْقُبَالَةِ وَأَنَا عَالِمٌ بِهِ كَفَى ، فَإِذَا حَفِظَ الشَّاهِدُ الْقُبَالَةَ وَمَا فِيهَا وَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ جَازَ أَيْضًا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ أُشْهِدُكُمَا عَلَى أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ خَطِّي أَوْ حُكْمِي فَرِوَايَتَانِ ، وَمِثْلُهُ إقْرَارُهُ بِمِثْلِهِ .
ضَيْح ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْهُمَا إعْمَالُ مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ مَا أَشْهَدَهُمَا بِهِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُمَا ، وَوَجَّهَ الْمَازِرِيِّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى بِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ فَالشَّهَادَةُ بِمَضْمُونِهِ شَهَادَةٌ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوا وَضَعَّفَهُ بِأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ قَدْ أَقَرَّ بِهِ لِمَنْ أَمَرَهُ بِالشَّاهِدَةِ وَالْعِلْمُ
تَارَةً يَقَعُ جُمْلَةً وَتَارَةً يَقَعُ تَفْصِيلًا .
( وَمَيَّزَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْقَاضِي ( فِيهِ ) أَيْ الْكِتَابِ الَّذِي أَرَادَ إرْسَالَهُ لِقَاضٍ آخَرَ ( مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ) الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فَقَالَ ( مِنْ اسْمٍ ) لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ ( وَحِرْفَةٍ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ صَنْعَةٍ ( وَغَيْرِهِمَا ) كَصِفَاتٍ وَبَلَدٍ وَمَسْكَنٍ وَلَقَبٍ وَكُنْيَةٍ ابْنِ شَاسٍ وَلْيَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتَهُ وَمَسْكَنَهُ وَصِنَاعَتَهُ أَوْ تِجَارَتَهُ أَوْ شُهْرَةً إنْ كَانَتْ لَهُ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ ( فَيُنَفِّذُهُ ) أَيْ مَا فِي كِتَابِ الْأَوَّلِ الْقَاضِي ( الثَّانِي ) الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ الْحُجَجِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْأَوَّلُ جَمِيعَ الْحُجَجِ بِأَنْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ ( وَ ) أَنْهَى لِلثَّانِي ( بَنَى ) الثَّانِي عَلَى مَا حَصَلَ عِنْدَ الْأَوَّلِ ، وَتَمَّمَ الْحُكْمَ .
ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ اقْتَصَرَ الْأَوَّلُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمَنْهِيِّ إلَيْهِ الْإِتْمَامُ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَشَبَّهَ فِي الْبِنَاءِ فَقَالَ ( كَأَنْ نُقِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْقَاضِي وَهُوَ يَنْظُرُ فِي قَضِيَّةٍ قَبْلَ تَمَامِهَا مِنْ خُطَّةٍ ، أَيْ نَوْعٍ مِنْ الْحُكْمِ كَحُكْمِ السُّوقِ ( لِخُطَّةٍ ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ مَرْتَبَةٍ ( أُخْرَى ) مِنْ مَرَاتِبِ الْحُكْمِ كَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ ابْنُ سَهْلٍ سَأَلْت ابْنُ عَتَّابٍ عَنْ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ إلَى خُطَّةِ الْقَضَاءِ فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ أَوْ يُكْمِلُهَا وَيَصِلُ نَظَرُهُ فِيهَا ؟ فَقَالَ بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْمَحْكُومَةِ وَبِذَلِكَ أَفْتَيْت .
ابْنُ ذَكْوَانَ حِينَ ارْتَفَعَ مِنْ أَحْكَامِ الشُّرْطَةِ وَالسُّوقِ إلَى أَحْكَامِ الْقَضَاءِ ، وَيُنَفِّذُ الثَّانِي مَا حَكَمَ بِهِ
الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَدًّا ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( حَدًّا ) أَوْ قِصَاصًا أَوْ عَفْوًا .
الْبُنَانِيُّ لَوْ قَالَ وَلَوْ زِنًا لَكَانَ أَبْيَنَ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ ( إنْ كَانَ ) الْأَوَّلُ ( أَهْلًا ) لِلْقَضَاءِ بِأَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ ( أَوْ ) لَمْ يُعْرَفْ بِهَا وَكَانَ ( قَاضِي مِصْرٍ ) بِالتَّنْوِينِ ، أَيْ بَلَدٍ كَبِيرٍ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ ، فَإِنَّ الشَّأْنَ لَا يُوَلَّى لِقَضَائِهَا إلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقَضَاءِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا وَلَا قَاضِي مِصْرٍ ( فَلَا ) يُنَفِّذُ الثَّانِي حُكْمَهُ .
ابْنُ شَاسٍ إذَا وَرَدَ كِتَابُ قَاضٍ عَلَى قَاضٍ ، فَإِنْ عَرَفَهُ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ قَبِلَهُ ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَإِنْ عَرَفَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ فَلَا يَقْبَلُهُ .
قَالَ أَصْبَغُ وَإِنْ جَاءَهُ بِكِتَابِ قَاضٍ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا سَخَطَةٍ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْأَمْصَارِ الْجَامِعَةِ مِثْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْأَنْدَلُسِ فَلْيُنَفِّذْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلِيَحْمِلْ مِثْلُ هَؤُلَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ ، وَأَمَّا قُضَاةُ الْكُوَرِ الصِّغَارِ فَلَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ الْعُدُولَ وَعَنْ حَالِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ شَرْطُ قَبُولِ خِطَابِ الْقَاضِي صِحَّةَ وِلَايَتِهِ مِمَّنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ بِوَجْهٍ احْتِرَازٌ مِنْ مُخَاطَبَةِ قُضَاةِ أَهْلِ الدَّجْنِ كَقَاضِي مُسْلِمِي بَلَنْسِيَةَ وَطَرْطُوشَةَ وَقَوْصَرَةَ عِنْدَنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَجْعَلُوا قَبُولَ الْعَدْلِ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمُتَغَلِّبِ جُرْحَةً لِخَوْفِ تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ .
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ التَّنْفِيذِ فَقَالَ ( كَأَنْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ ( شَارَكَهُ ) أَيْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَبَقِيَّةِ صِفَاتِهِ ( غَيْرُهُ ) أَيْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ
فَلَا يُنَفِّذُ الْقَاضِي الثَّانِي حُكْمَ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الْمُشَارِكُ حَيًّا ، بَلْ وَإِنْ ) كَانَ ( مَيِّتًا ) حَتَّى يُشْهِدَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ رَجُلٌ يُلَائِمُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تُعَرِّفُ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَلَائِمَيْنِ قَدْ مَاتَ فَلَا يُنَفِّذُ عَلَى الْحَيِّ مِنْهُمَا مَا فِي الْكِتَابِ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ الْمَيِّتِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ لِبُعْدِهِ فَيُنَفِّذُ فِي الْحَيِّ .
( فَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ ) الْقَاضِي فِي الْكِتَابِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ ( فَفِي أَعْدَائِهِ ) أَيْ تَسْلِيطِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ الطَّالِبُ عَلَى صَاحِبِ الِاسْمِ الْمَكْتُوبِ فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ صَاحِبُ الِاسْمِ أَنَّ بِالْبَلَدِ مَنْ شَارَكَهُ فِيهِ ( أَوْ لَا ) يُعَدِّيهِ عَلَيْهِ ( حَتَّى يُثْبِتَ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الطَّالِبُ ( أَحَدِّيَّتَهُ ) أَيْ كَوْنَ صَاحِبِ الِاسْمِ وَاحِدًا بِالْبَلَدِ لَا مُشَارِكَ لَهُ فِي اسْمِهِ ( قَوْلَانِ ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا .
الْمُصَنِّفُ وَالشَّهَادَةُ فِي هَذَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ وُجِدَ بِالْبَلَدِ رَجُلٌ وَاحِدٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَشَفَ الْقَاضِي عَنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ بِالْبَلَدِ غَيْرُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ أَعْدَاهُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ الْقَاضِي مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَا يُؤْخَذُ بِالْحَقِّ حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْبَلَدِ مَنْ هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ سِوَاهُ وَهُوَ دَلِيلُ سَمَاعِ زُونَانَ .
ابْنُ وَهْبٍ وَقِيلَ يُؤْخَذُ بِهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ هُوَ أَنَّ الْبَلَدَ مَنْ هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ سَوَاءٌ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَرِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَدَنِيَّةِ .
وَالْقَرِيبُ : كَالْحَاضِرِ ، وَالْبَعِيدُ : كَإِفْرِيقِيَّةَ ، يُقْضَى عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ ، وَسَمَّى الشُّهُودَ ، وَإِلَّا نُقِضَ ، وَالْعَشَرَةُ أَوْ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ
وَلَمَّا أَفَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَكَانَتْ الْغَيْبَةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قَرِيبَةٍ وَبَعِيدَةٍ وَمُتَوَسِّطَةٍ ذَكَرَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ ( وَ ) الْغَائِبُ ( الْقَرِيبُ ) الْغَيْبَةِ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ ( كَالْحَاضِرِ ) فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةِ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنْ تُسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ حَضَرَ الْخَصْمُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ يُعْلَمُ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَدْفَعٌ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْدَ الْإِرْسَالِ إلَيْهِ وَإِعْلَامِهِ بِمَنْ قَامَ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَةِ الشُّهُودِ وَالْمَقْبُولِ مِنْهُمْ وَتَسْمِيَةِ الْمُعَدِّلِينَ وَلَمْ يَرَهَا سَحْنُونٌ إلَّا بِحَضْرَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً .
ابْنُ عَرَفَةَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَمَّا الدَّيْنُ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهِ ، وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ حُجَجٌ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهِ .
سَحْنُونٌ وَالدَّيْنُ تَكُونُ فِيهِ الْحُجَجُ .
ابْنُ رُشْدٍ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَتَبَ وَأَعْذَرَ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ إمَّا أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ يَقْدُمَ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ فِيهِ مَالَهُ مِنْ أَصْلٍ وَغَيْرِهِ ، وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَكُلِّ الْأَشْيَاءِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ تُرْجَ لَهُ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ .
( وَ ) الْغَائِبُ ( الْبَعِيدُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِهَا ، أَيْ مَدِينَةِ الْقَيْرَوَانِ بِالْمَغْرِبِ الْأَوْسَطِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ بَلَدِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَثَلَاثَةٍ مِنْ مِصْرَ بَلَدِ ابْنِ الْقَاسِمِ " رَحِمَهُ اللَّهُ " ( يُقْضَى ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ( عَلَيْهِ )
أَيْ بَعِيدِ الْغَيْبَةِ جِدًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ رَبْعٍ وَأَصْلٍ وَعَرْضٍ وَحَيَوَانٍ وَدَيْنٍ .
وَفُهِمَ قَوْلُهُ يُقْضَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ عَنْهُ وَكِيلًا يَنُوبُ عَنْهُ فِي حُجَّتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يُقِيمُهُ عَنْ طِفْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُمَا لِبَقَاءِ حُجَّتِهِمَا وَإِقَامَةُ الْوَكِيلِ تَقْطَعُهَا وَيُقْضَى عَلَيْهِ ( بِيَمِينِ الْقَضَاءِ ) مِنْ الطَّالِبِ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ وَلَا اسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَا اعْتَاضَ وَلَا أَحَالَ وَلَا احْتَالَ وَلَا وُكِّلَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ مِنْهُ كُلِّهِ وَلَا بَعْضِهِ وَتُسَمَّى يَمِينَ الِاسْتِبْرَاءِ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ شَرْطًا ، وَقِيلَ اسْتِظْهَارٌ وَتَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ مُدَّعٍ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ حُبُسٍ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَى مُسْتَحِقِّ الْحَيَوَانِ وَلَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا .
ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ وَانْقَطَعَتْ كَالْعَدْوَةِ مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَمَكَّةَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَعُرُوضٍ وَدَيْنٍ وَالرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَرُجِيَتْ حُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ ، وَكَوْنِهَا مَسْلُوكَةً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ .
ابْنُ شَاسٍ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ نَافِذٌ ، وَيُحَلِّفُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَالِاعْتِيَاضِ وَالْإِحَالَةِ وَالِاحْتِيَالِ وَالتَّوْكِيلِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فِي جَمِيعِ الْحَقِّ .
( وَسَمَّى ) الْقَاضِي ( الشُّهُودَ ) أَيْ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي سِجِلِّهِ ، وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ أَخْبَرَهُ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَعْذَرَ لَهُ فِيهِمْ ، فَإِنْ سَلَّمَ شَهَادَتَهُمْ مَضَى الْحُكْمُ ، وَإِنْ ادَّعَى مُسْقِطًا لِشَهَادَتِهِمْ كَلَّفَهُ بِإِثْبَاتِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الشُّهُودَ الَّذِينَ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَى الْغَائِبِ ( نُقِضَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ حُكْمُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ
لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ فِيهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الطَّعْنِ فِيهِمْ ، وَهَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ رِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ الْبَيِّنَةَ فُسِخَتْ الْقَضِيَّةُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَهُوَ صَحِيحٌ ، عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ تُرْجَى لَهُ وَالْحُكْمَ عَلَى الْحَاضِرِ لَا يَفْتَقِرُ فِيهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ ، إذْ قَدْ أَعْذَرَ فِيهَا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَصْبَغُ وَتَسْمِيَتُهُمْ أَحْسَنُ وَبِهَا مَضَى الْعَمَلُ .
( وَ ) الْأَيَّامُ ( الْعَشَرَةُ ) مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ ( أَوْ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ ) فِي الطَّرِيقِ ( يُقْضَى ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْغَائِبِ ( مَعَهَا ) أَيْ الْعَشَرَةِ مَعَ الْأَمْنِ وَالْيَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْفِ ( فِي ) كُلِّ شَيْءٍ ( غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ ) وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ إنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى عَشْرَةٍ مَعَ الْأَمْنِ ، أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَفِيهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَنْ يَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ فِي الدُّورِ وَهُوَ رَأْيِي إلَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَالْأَنْدَلُسِ وَطَنْجَةَ وَمَا بَعُدَ فَلْيُقْضَ عَلَيْهِ وَمَا عَلِمْت فِي هَذَا خِلَافًا ا هـ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا التَّحْدِيدُ لِلْقُرْبِ وَالْبُعْدِ إنَّمَا هُوَ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسُلُوكِهِ وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُرِّرَتْ غَيْبَتُهُ تت وعب وَالْخَرَشِيُّ ضَمِيرُ مَعَهَا لِيَمِينِ الْقَضَاءِ وَيَلْزَمُهُ خُلُوُّ جُمْلَةِ الْخَبَرِ مِنْ رَابِطِهَا بِالْمُبْتَدَأِ .
وَحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ : كَدَيْنٍ
( وَحَكَمَ ) الْقَاضِي ( بِمَا ) أَيْ بِشَيْءٍ أَوْ الشَّيْءِ الَّذِي ( يَتَمَيَّزُ ) عَنْ غَيْرِهِ حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا ) عَنْ بَلَدِ الْقَضَاءِ وَصِلَةُ يَتَمَيَّزُ ( بِالصِّفَةِ ) كَرَقِيقٍ وَحَيَوَانٍ وَكِتَابٍ وَثَوْبٍ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ كَالْحَرِيرِ وَالْحَدِيدِ لَا يُحْكَمُ بِهِ غَائِبًا بِالصِّفَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا تَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِقِيمَتِهِ وَيْحُكُمْ بِهَا الْمُدَّعِيَةُ .
الْخَرَشِيُّ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْحُكْمِ وَهُوَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ فِي غَيْبَتِهِ كَالْعَقَارِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَا يُطْلَبُ حُضُورُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ ، بَلْ تُمَيِّزُهُ الْبَيِّنَةُ بِالصِّفَةِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ كَدَيْنٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ كَالْحَدِيدِ وَالْحَرِيرِ ، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِقِيمَتِهِ وَيْحُكُمْ بِهَا لِمُدَّعِيهِ فَالْغَائِبُ عَنْ الْبَلَدِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ مُطْلَقًا ، لِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ وَصْفُهُ قَامَ وَصْفُهُ مَقَامَ حُضُورِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَصْفُهُ قَامَتْ قِيمَتُهُ مَقَامَ وَصْفِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ لِجَهْلِ صِفَتِهِ وَإِمَامًا فِي الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ أَمْ لَا وَنَحْوُهُ لعب الْعَدَوِيِّ قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَالْمُنَاسِبُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ( كَدَيْنٍ ) .
تت اخْتَلَفَ الشَّارِحَانِ فِي تَقْرِيرِهِ ، فَقَالَ الشَّارِحُ إنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ فِي غَيْبَتِهِ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُطْلَبُ حُضُورُهُ ، بَلْ تُمَيَّزُ الْبَيِّنَةُ بِالصِّفَةِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ إفَادَةَ الْحُكْمِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ كَمَا
يُحْكَمُ بِالدَّيْنِ الْمُتَمَيِّزِ بِالصِّفَةِ بِمَعْنَى لَا فَرْقَ .
طفي فَهِمَ تت أَنَّ تَقْرِيرَ الشَّارِحِ مُخَالِفٌ لِتَقْرِيرِ الْبِسَاطِيِّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ ، فَمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ فَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ ، أَيْ فِي تَمْيِيزِهِ بِالصِّفَةِ إذْ الدَّيْنُ يَتَعَيَّنُ تَمْيِيزُهُ بِالصِّفَةِ وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ غَيْرُهُ لِكَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَوْ يَكْفِي الْوَصْفُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ لَا يُطْلَبُ حُضُورُهُ ، بَلْ تُمَيِّزُهُ الْبَيِّنَةُ بِالصِّفَةِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ .
وَقَالَ فِي شَامِلِهِ وَيَحْكُمُ فِي غَائِبٍ يَتَمَيَّزُ بِصِفَةٍ دَيْنًا أَوْ غَيْرَهُ كَفَرَسٍ وَعَبْدٍ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ مُرَادُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِذِكْرِ الدَّيْنِ هُنَا .
وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَحْكُومُ بِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَخْفَى فِي الدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ الَّذِي يُمْكِنُ تَعْرِيفُهُ بِتَحْدِيدِهِ أَمَّا الْعَبْدُ وَالْفَرَسُ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِعَلَامَةٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ يَحْكُمُ فِيهِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ غَائِبًا .
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَحْكُمُ فِيهِ بِذَلِكَ ا هـ .
وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ .
قَالَ ابْنُ هَارُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا هَلْ يَعْتَمِدُ عَلَى الصِّفَةِ فِي الْقَضَاءِ بِهِ أَمْ لَا ، فَمِنْ ذَلِكَ الدَّيْنُ وَالْأَمْرُ فِيهِ وَاضِحٌ ، إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا ، وَمِنْهَا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَالْفَرَسُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ يَحْكُمُ فِيهِ بِالصِّفَةِ إنْ كَانَ غَائِبًا خِلَافًا لِابْنِ كِنَانَةَ ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ
بِقَوْلِهِ كَالدَّيْنِ وَفَهِمَ تت مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ أَيْ فِي لُزُومِهِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الدَّيْنَ يُحْكَمُ فِيهِ بِالصِّفَةِ ، وَهَذَا فَهْمٌ رَكِيكٌ ، إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ حِينَئِذٍ كَالدَّيْنِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَصِيرُ لَازِمًا لَهُ بَعْدَ وَصْفِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ الْمُعَيَّنَاتُ لَا تُقَوَّمُ بِالذِّمَّةِ وَلَا تَكُونُ فِي ضَمَانِهِ ، إذْ بِالْحُكْمِ يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ، وَاسْتَدَلَّ فِي كَبِيرِهِ عَلَى فَهْمِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَحْكُمُ بِالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ ، قَوْلُهُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الدَّيْنِ وَحْدَهُ لَا إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ ، فَذَكَرَ كَلَامَ الشَّارِحِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي صَغِيرِهِ ، فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُوصَفُ فَأَدَّاهُ ذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ تَقْرِيرَيْ الشَّارِحَيْنِ ، وَقَدْ حَرَّفَ فِي نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَنَصُّ كَلَامِهِ لَا شَكَّ أَنَّ قَيْدَ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِمَّا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الدَّيْنِ وَحْدَهُ لَا إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ ، وَمُرَادُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ قَيْدَ الْغَيْبَةِ فِي غَيْرِ الدَّيْنِ .
أَمَّا هُوَ فَهُوَ غَائِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ ، فَاشْتِرَاطُ قَيْدِ الْغَيْبَةِ فِيهِ ضَائِعٌ .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ هَارُونَ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ جَائِزًا ، فَلِمَ أَجَازَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ الذَّهَابَ بِهَا إلَى بَلَدِ الْبَائِعِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ عَلَى بَائِعِهِ بِرَدِّ الثَّمَنِ إذَا شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي بَاعَهَا لَهُ مُوَافِقَةٌ لِلصِّفَةِ الَّتِي فِي كِتَابِ الْقَاضِي قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الذَّهَابُ بِهَا لِبَلَدِ
الْبَائِعِ لِأَنَّ قَاضِيَهُ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالصِّفَةِ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ يُرَدُّ جَوَابُهُ بِأَنَّ ظَاهِرَ أَقْوَالِ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ وُجُوبُ إجَابَةِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ يَدِهِ إلَى إسْعَافِهِ بِخُرُوجِهِ بِالْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ إلَى بَلَدِ بَائِعِهِ بِشُرُوطٍ مُقَرَّرَةٍ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الِاسْتِحْقَاقِ لَيْسَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مِمَّنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالصِّفَةِ ، لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا الْكَتْبَ وَالْحُكْمَ بِخُرُوجِهِ بَيْنَ قُضَاةِ الْأَنْدَلُسِ وَكُوَرِهَا حَسَبَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ حَالِ قُضَاتِهِمْ الْحُكْمُ بِالصِّفَةِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ تَوَهُّمِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّ وُجُوبَ إسْعَافِهِ بِالْخُرُوجِ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ مُوجَبِ رُجُوعِهِ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ بَيِّنَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهَا لَا تَضْمَنُ كَوْنَ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ يَدِهِ اشْتَرَى الْمُسْتَحَقَّ ، وَلَمْ تُعَيِّنْ مَنْ بَائِعُهُ لَهُ فَوَجَبَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ ابْتَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ الَّذِي طَلَبَهُ بِثَمَنِهِ وَالْبَيِّنَةُ بِابْتِيَاعِهِ مِنْهُ مَعَ حُضُورِ الْمُسْتَحِقِّ مُتَيَسِّرَةٌ غَيْرُ مُتَعَسِّرَةٍ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَايَنَ الْمَبِيعَ عَرَفَهُ وَأَمْكَنَ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ الَّذِي ابْتَاعَهُ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ مِمَّنْ طَلَبَ ثَمَنَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَافْتَقَرَ إلَى الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ ابْتَاعَهُ مِنْ الَّذِي طَلَبَهُ بِثَمَنِهِ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ لِجَوَازِ ذُهُولِ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ عَلَى شِرَائِهِ مِمَّنْ طَلَبَهُ بِثَمَنِهِ عَنْ صِفَتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ لِغَيْبَتِهِ عَنْهُ ، وَعَدَمِ ضَبْطِ صِفَتِهِ حِينَ الشِّرَاءِ وَهُوَ لَوْ حَضَرَ عَلِمَ أَنَّهُ الْمُشْتَرِي وَالْمُصَنِّفُ يَجِدُ عِلْمَ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِخُرُوجِهِ بِهِ لِبَلَدِ بَائِعِهِ أَدَّى إلَى ضَرَرِهِ بِذَهَابِ ثَمَنِهِ
وَجَوَابُهُ مَعَ بُعْدِهِ قَاصِرٌ عَلَى السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ .
وَأَمَّا الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهَا وَمَنْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا يَشْهَدُ عَلَى الْقَطْعِ ، أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ مِثْلُ الَّذِي ادَّعَاهُ ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ قَاطِعَةٌ بِبَلَدٍ آخَرَ فَسَأَلَ وَضْعَ قِيمَتِهِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَيِّنَتِهِ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ عِنْدَ قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ ، فَلَهُ ذَلِكَ وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ إلَخْ ، فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مِنْ طَلَبِ الْحُجَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْوَصْفِ وَالْحُكْمِ بِهَا جَائِزَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا وَلَيْسَ مُعَيَّنًا بِنَفْسِهِ ، بَلْ بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَالِاعْتِبَارُ فِي الْإِشْهَادِ بِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ بِتَخْصِيصِ الْمَدِينِ بِمَا يُعَيِّنُهُ تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ تُكْتَبُ لِلْقَاضِي بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنْ صِفَةِ الْآبِقِ كَمَا يُكْتَبُ فِي الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَصِفَتِهِ ، فَتَقُومُ الشَّهَادَةُ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ مَقَامَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَيْنِ ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إلَّا ابْنَ كِنَانَةَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الصِّفَةِ وَأَجَازَهَا ابْنُ دِينَارٍ فِي الدَّيْنِ لَا الْآبِقِ .
قُلْت فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ لَمْ يُجِزْهَا فِي الدَّيْنِ .
الْمَازِرِيُّ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِفَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ إنْ كَانَ رُبْعًا لِأَنَّ مِنْ صِفَتِهِ تَجْلِيَتُهُ بِمَحَلِّهِ وَمَكَانِهِ وَهُوَ لَا يَنْتَقِلُ .
وَفِي الْحُكْمِ بِهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ وَشِبْهِهِ قَوْلَانِ عَلَى الْأَوَّلِ يُنَفِّذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِبَلَدٍ الْبَيِّنَةُ الْحُكْمَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهَا ، وَعَلَى الثَّانِي يَحْكُمُ لَهُ بِأَخْذِ الْمُدَّعَى فِيهِ بِوَضْعِهِ قِيمَتَهُ لِيَذْهَبَ بِهِ لِمَحَلِّ الْبَيِّنَةِ
لِتَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، فَيَحْكُمَ لَهُ بِهِ وَيَسْتَرْجِعَ قِيمَتَهُ .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ أَصْلًا ذِكْرُ الْبَيِّنَةِ قِيمَتَهُ تَقُولُ غَصَبَهُ حَرِيرًا قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ طَعَامًا قِيمَتُهُ كَذَا .
قُلْت هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ ، وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ لَا تَصِحُّ الْبَيِّنَةَ بِهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ بَعْدَ حُضُورِهِ ، فَتُمْتَنَعُ الشَّهَادَةُ بِهِ غَائِبًا عَلَى الصِّفَةِ ، وَتَمَامُ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَسَائِلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا مُعَيَّنًا بِنَفْسِهِ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا يُسْتَحَقُّ لَا مِنْ يَدِ مُدَّعٍ مِلْكَهُ وَلَا مُدَّعِيًا حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ سُمِعَتْ فِي غَيْبَتِهِ بِكَمَالِ صِفَتِهِ الْمُوجِبَةِ تَعَيُّنَهُ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا آبِقًا وَإِنْ كَانَهُ فَفِي سَمَاعِهَا وَمَنْعِهِ قَوْلُهَا مَعَ جُلِّ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ مَعَ ابْنِ كِنَانَةَ وَإِنْ كَانَتْ بِمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِ مُدَّعٍ مِلْكَهُ أَوْ مُدَّعِيًا حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ ، فَفِي سَمَاعِهَا بِهِ وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ ، لِاخْتِصَارِ الْوَاضِحَةِ لِفَضْلٍ ، عَنْ سَحْنُونٍ قَائِلًا لَا أَعْلَمُ خِلَافَهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا غَيْرَ ابْنِ كِنَانَةَ وَفَضْلٍ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ مَعَهُ .
وَلِلشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَوْ ادَّعَى عَبْدًا بِيَدِ رَجُلٍ وَالْعَبْدُ غَائِبٌ فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فِيهِ ، أَوْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ مَتَاعًا بِعَيْنِهِ أَقَامَ فِيهِ بَيِّنَةً قُبِلَتْ إذَا وَصَفُوا ذَلِكَ وَعَرَّفُوهُ وَحَلُّوهُ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ .
قَالَ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى غَائِبٍ بِأَنَّهُ سَرَقَ فَقَدِمَ وَغَابَ الشُّهُودُ أَوْ حَضَرُوا حُكِمَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا إذَا اسْتَأْصَلَ تَمَامَ الشَّهَادَةِ .
وَجَلَبَ الْخَصْمَ ، بِخَاتَمٍ ، أَوْ رَسُولٍ ، إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى ، لَا أَكْثَرَ : كَسِتِّينَ مِيلًا ، إلَّا بِشَاهِدٍ
( وَجَلَبَ ) الْقَاضِي ( الْخَصْمَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِخَاتَمٍ ) أَيْ الْآلَةِ الَّتِي يَطْبَعُ بِهَا كِتَابَهُ سَوَاءٌ كَانَ يَضَعُهُ فِي يَدِهِ أَمْ لَا ، أَيْ بِوَرَقَةٍ مَطْبُوعَةٍ بِهِ .
ابْنُ يُونُسَ أَمَرَ سَحْنُونٌ النَّاسَ فَكَتَبُوا أَسْمَاءَهُمْ فِي بِطَاقٍ ثُمَّ خُلِطَتْ ثُمَّ دَعَا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَمَنْ دَعَاهُ وَخَصْمُهُ حَاضِرٌ مَعَهُ أَدْخَلَهُمَا وَأَجْلَسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الِاعْتِدَالِ فِي مَجْلِسِهِمَا ، وَإِنْ اسْتَعْدَى الَّذِي خَرَجَ اسْمُهُ عَلَى رَجُلٍ بِحَاضِرَةِ مَدِينَةِ الْعَدْوَى أَوْ يَقْصُرُ .
ابْنُ الْأَغْلَبِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ أَعْدَاهُ عَلَى خَصْمِهِ بِطَابَعٍ يُعْطِيهِ إيَّاهُ ، فَإِذَا أَتَى بِصَاحِبِهِ أُمِرَ بِأَخْذِ الطَّابَعِ مِنْهُ ، وَكَانَ لَا يُعْطَى كِتَابُ عَدَوِيّ بِجَلْبِ خَصْمٍ إلَّا مِنْ الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ .
( أَوْ رَسُولٍ ) مِنْ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ حُضُورُهُ .
ابْنُ فَتُّوحٍ إنْ سَأَلَ الطَّالِبُ الْقَاضِيَ يَرْفَعُ مَطْلُوبَهُ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي أَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إنْ كَانَ قَرِيبًا أَنْ يَأْمُرَ غُلَامَهُ الَّذِي لَهُ الْإِجَارَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِالسَّيْرِ مَعَهُ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَرِيبُ مِنْ الْمَدِينَةِ كَمَنْ يَأْتِي ثُمَّ يَرْجِعُ يَبِيتُ بِمَنْزِلِهِ .
ابْنُ شَاسٍ إنْ غَابَ الْخَصْمُ وَلَمْ يَكُنْ مَوْضِعُهُ يَزِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَحْضَرَهُ الْقَاضِي .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا اسْتَعْدَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ مَعَهُ أَعْطَاهُ عَدْوَاهُ بِخَاتَمٍ يَخْتِمُهُ لَهُ أَوْ رَسُولٍ يُرْسِلُهُ إلَيْهِ حَتَّى يَجْلِبَهُ إلَيْهِ وَأُجْرَةُ الرَّسُولِ عَلَى الطَّالِبِ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْحُضُورِ أَوْ الْجَوَابِ أَوْ إعْطَاءِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ ، فَتَكُونَ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ لِظُلْمِهِ لَا يُقَالُ الظُّلْمُ لَا يُبِيحُ مَالَ الظَّالِمِ لِأَنَّا نَقُولُ الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُبِيحُ مَالَ الظَّالِمِ هُوَ الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُؤَدِّي لِضَيَاعِ مَالِ الْمَظْلُومِ ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الْمُؤَدِّي لِذَلِكَ فَيُوجِبُ
إغْرَامَهُ كَمَنْعِ آلَةِ التَّذْكِيَةِ حَتَّى مَاتَ الْحَيَوَانُ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ ، أَفَادَهُ تت عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ .
وَيُجْلَبُ الْخَصْمُ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ ( إنْ كَانَ ) الْخَصْمُ ( عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ كَذَلِكَ مَقْصُورًا فِي الصِّحَاحِ الْعَدْوَى طَلَبُك إلَى وَالٍ لِيُعَدِّيَك عَلَى مَنْ ظَلَمَك كَيْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ يُقَالُ اسْتَعْدَيْت عَلَى فُلَانٍ الْأَمِيرَ فَأَعْدَانِي ، أَيْ اسْتَعَنْت بِهِ فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْعَدْوَى وَهِيَ الْمَعُونَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ .
الْحَطّ كَلَامُ الْقَرَافِيِّ يُفِيدُ أَنَّ مَسَافَةَ الْعَدْوَى هِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ ، وَنَحْوُهُ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ .
وَقَالَ الْبَاجِيَّ مِثْلُ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ .
وَقِيلَ أَنْ يَأْتِيَ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ يُجْلَبُ الْخَصْمُ مَعَ مُدَّعِيهِ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَلَا يَجْلِبُهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدٌ .
ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي مِصْرِ الْحَاكِمِ أَوْ عَلَى أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ كَتَبَ بِرَفْعِهِ أَصْبَغُ ، وَإِلَّا فَلْيَكْتُبْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ اجْمَعُوا بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِلتَّنَاصُفِ ، فَإِنْ أَبَيَا فَانْظُرُوا ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ لِلْمُدَّعِي وَجْهَ مَطْلَبٍ وَلَا يُرِيدُ بِالْمَطْلُوبِ تَعْنِيَتَهُ فَارْفَعُوهُ إلَيْنَا وَإِلَّا فَلَا ( لَا ) يُجْلَبُ إنْ كَانَ عَلَى ( أَكْثَرَ ) مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى زِيَادَةً كَثِيرَةً ( كَسِتِّينَ مِيلًا ) فَلَا يَجِبُ مِنْهَا ( إلَّا بِشَاهِدٍ ) يُقِيمُهُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي بِحَقِّهِ فَيَكْتُبُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ أَوْ يَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّلَ .
الْمُتَيْطِيُّ إذَا لَمْ يَتَّفِقْ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ الْبَعِيدَةِ تَقْدِيمُ حَاكِمٍ لِكَوْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَأْذَنْ لِلْقَاضِي فِي ذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ مَنْ يُوَلِّيهِ فَلَا يَرْفَعُ مَنْ فِيهِ إلَى الْمِصْرِ إلَّا بِشُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ كَشَاهِدِ عَدْلٍ أَوْ أَثَرِ ضَرْبٍ أَوْ جُرْحٍ ظَهَرَ عِنْدَهُ ، وَلَعَلَّهُ يُشَخِّصُ
الرَّجُلَ الْبَعِيدَ وَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَهُ .
وَلَا يُزَوِّجُ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ .
( وَلَا يُزَوِّجُ ) الْقَاضِي ( امْرَأَةً ) غَائِبَةً ( لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ ) تت اخْتَلَفَ الشَّارِحَانِ فِي تَقْرِيرِهِ ، فَقَرَّرَهُ الشَّارِحُ بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا بِمَحِلِّهَا فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَخَرَجَتْ مِنْهَا أَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ زَوَّجَهَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ صَارَ مَعْزُولًا عَنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ خَارِجًا عَنْ وِلَايَتِهِ .
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لَا يُزَوِّجُ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ يَعْنِي إذَا حَضَرَ بِوِلَايَتِهِ امْرَأَةٌ مَحَلُّهَا فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ فَلَا يُزَوِّجُهَا قَالُوا لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَشْخَاصُ كَمَا تُعْتَبَرُ الْبِقَاعُ .
طفي تَقْرِيرُ الشَّارِحِ هُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ نَصُّ الْجَوَاهِرِ .
وَهَلْ يُدَّعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ عُمِلَ ؟ أَوْ الْمُدَّعَى وَأُقِيمَ مِنْهَا
( وَ ) إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَلَدٍ لَهُ قَاضٍ وَالْمُدَّعِي بِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ لَهُ قَاضٍ آخَرُ فَ ( هَلْ يُدَّعَى ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَالْعَيْنِ مُثَقَّلًا ، أَيْ تُقَامُ الدَّعْوَى وَيَتَحَاكَمُ ( حَيْثُ ) يَكُونُ الشَّخْصُ ( الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ ) أَيْ الِادِّعَاءِ بِمَحَلِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( عُمِلَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ، أَيْ قَضَى مُطَرِّفٌ بِهِ جَرَى الْحُكْمُ بِالْمَدِينَةِ وَحَكَمَ بِهِ ابْنُ بَشِيرٍ بِالْأَنْدَلُسِ ( أَوْ ) يُدْعَى حَيْثُ يَكُونُ ( الْمُدَّعِي ) فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ( وَأُقِيمَ ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَفَتْحِ الْمِيمِ ، أَيْ فَهِمَهُ فَضْلٌ ( مِنْهَا ) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ تت وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَقَارًا أَوْ شَيْئًا مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، ا هـ .
طفي لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي كَبِيرِهِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِغَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالْخُصُومَةُ فِي مُعَيَّنٍ دَارًا وَغَيْرَهَا فِي كَوْنِهَا فِي بَلَدِ الْمُدَّعِي فِيهِ أَوْ بَلَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعِي فِيهِ ، ثَالِثُهَا هَذَا أَوْ حَيْثُ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمُدَّعِي فِيهِ لِاخْتِصَارِ الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَعَ فَضْلٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ قَائِلًا كُلُّ مَنْ تَعَلَّقَ بِخَصْمٍ فِي حَقٍّ فَلَهُ مُخَاصَمَتُهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ إنْ كَانَ بِهِ أَمِيرًا وَقَاضٍ ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ بِغَيْرِ مَوْضِعِ إجْمَاعِهِمَا .
ابْنُ حَبِيبٍ أَقُولُ بِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ مِنْ دَيْنٍ وَحَقٍّ لَا فِي الْعَقَارِ .
ا هـ .
وَنَقَلَ " ق " عَنْ ابْنِ دِينَارٍ أَنَّ الدَّعْوَى بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ الْخِصَامُ فِيهَا حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ الطَّالِبُ .
قُلْت الدُّيُونُ فِي هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِلْعَقَارِ قَالَ نَعَمْ ، وَفِي التُّحْفَةِ وَحَيْثُ يُلْقِيهِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ يَطْلُبُهُ وَمُقَابَلَتُهُمْ الْعَقَارَ بِالدُّيُونِ
تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَقَارِ ، بَلْ الْمُعَيَّنُ غَيْرُهُ كَهُوَ ، وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَ فَرْضُ كَلَامِهِمْ فِي الْعَقَارِ .
الثَّانِي : تت الظَّاهِرُ أَنَّ الْعَمَلَ مُرَجِّحٌ لِلْقَوْلِ وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ كَانَ الْعُرْفُ عَامًّا فِي كُلِّ بَلَدٍ ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ بِأَنْ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي بَلَدٍ وَجَرَى فِي آخَرَ بِغَيْرِهِ فَغَيْرُ وَاضِحٍ فَرُبَّ شَيْءٍ شَهِدَ الْعُرْفُ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فِي بَلَدٍ وَشَهِدَ فِي آخَرَ أَنَّهُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ ، وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ الْعُرْفُ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ .
طفي كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَلَ بِشَيْءٍ هُوَ جَرَيَانُ الْعُرْفِ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ وَبِهِ الْعَمَلُ وَعُمِلَ بِهِ أَنَّ الْقَوْلَ حَكَمَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَجَرَيَانُ الْعُرْفِ بِالشَّيْءِ هُوَ عَمَلُ الْعَامَّةِ بِهِ مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ حُكْمٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، كَقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ الْعُرْفُ عِنْدَنَا فِي ذَوَاتِ الْأَقْدَارِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ الدَّارَ ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهَا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا الْبَابُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ تَابِعٌ لِلْعُرْفِ ، فَرُبَّ مَتَاعٍ شَهِدَ الْعُرْفَ فِي بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ ، وَيَشْهَدُ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ زَمَنٍ آخَرَ أَنَّهُ لِلنِّسَاءِ ، وَيَشْهَدُ فِي الزَّمَانِ الْوَاحِدِ وَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ وَمِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ قَوْلِهِ ، وَبِهِ الْعَمَلُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ عُمِلَ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ مُطَرِّفٍ وَبِهِ جَرَى الْحُكْمُ فِي الْمَدِينَةِ ، وَبِهِ حَكَمَ ابْنُ بَشِيرٍ بِالْأَنْدَلُسِ وَلَيْسَ هَذَا تَابِعًا لِلْعُرْفِ فِي شَيْءٍ .
وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ ؟ تَرَدُّدٌ .
( وَفِي تَمْكِينِ ) شَخْصٍ مِنْ ( الدَّعْوَى لِ ) شَخْصٍ ( غَائِبٍ ) عَنْ الْبَلَدِ احْتِسَابًا ( بِلَا وَكَالَةٍ ) مِنْ الْغَائِبِ لَهُ فِي شَيْءٍ تَعَدَّى عَلَيْهِ أَوْ غَصْبٍ أَوْ ضَرَرٍ أَحْدَثَهُ جَارُهُ فِي دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَحْنُونٌ ، وَعَدَمُ تَمْكِينِهِ مِنْهَا ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ ، ثَالِثُهَا لَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ وَمَنْ لَهُ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ ، رَابِعُهَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا مِنْ الْخُصُومَةِ ، خَامِسُهَا يُمَكَّنُ الْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ دُونَ تَوْكِيلٍ ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ ( تَرَدُّدٌ ) الْحَطّ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ إلَى الْخِلَافِ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ ، وَذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ : الْحَطّ هَذَا الْخِلَافُ فِي الدَّعْوَى مِمَّنْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ كَمَنْ سَبَقَتْ لَهُ يَدٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ مَنْ لَهُ فِيهِ تَعَلُّقٌ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ ، فَهَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ، لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ كَلَامًا شَافِيًا ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ الْآتِي ذِكْرُهَا أَنْ تُلَخَّصَ قَاعِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَتُجْعَلَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، وَهِيَ أَنَّ هَذَا الْمُدَّعِيَ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ ، وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَصَارَ مُطَالَبًا بِهِ فَلَهُ الْمُخَاصَمَةُ فِيهِ وَالدَّعْوَى وَإِثْبَاتُ مِلْكِ الْغَائِبِ وَتَسَلُّمُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ضَمَانِهِ فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ فِي ذِمَّةِ مَالِكِهِ الْغَائِبِ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَيُثْبِتَ مِلْكَ الْغَائِبِ أَيْضًا ، وَإِلَّا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى ، فَمِنْ
الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْغَاصِبُ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ آخَرُ وَالْمُسْتَعِيرُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنُ كَذَلِكَ وَالْحَمْلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ ، سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعُمَّالِ أَكْرَهَ رَجُلًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ يُخْرِجَ مِنْهُ مَتَاعَهُ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَأَخْرَجَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ الْعَامِلُ الْغَاصِبُ ثُمَّ أَتَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَتَاعُ فَطَلَبَ مَا غُصِبَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ الْآمِرَ ، وَإِنْ شَاءَ الْمَأْمُورَ فَقَالَ نَعَمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا .
قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي أَكْرَهَهُ عَلَى الدُّخُولِ ، فَقَالَ نَعَمْ ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ عُزِلَ الْأَمِيرُ الْغَاصِبُ وَغَابَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَتَاعُ فَقَامَ الْمُكْرَهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ عَلَى الْأَمِيرِ الْغَاصِبِ لِلْمَتَاعِ لِيُغَرِّمَهُ إيَّاهُ وَقَالَ أَنَا الْمَأْخُوذُ بِهِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ فَهَلْ يُعَدَّى عَلَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ .
مُحَمَّدٌ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَفْعَالِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْمَخْلُوقِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ لَا يَصِحُّ بِإِجْمَاعٍ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ مِنْ الْأَقْوَالِ بِاتِّفَاقٍ ، وَمِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى اخْتِلَافٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ يُقْضَى لِلْمُكْرَهِ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ عَلَى الْعَامِلِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ ، فَفِيهِ نَظَرٌ ، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِتَغْرِيمِهِ إيَّاهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَيُوقَفُ لِصَاحِبِهِ ا هـ .
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ إثْرَهُ كَالْمُصَنِّفِ فِي ضَيْح ، قُلْت الْأَظْهَرُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي الْوَقْفِ لَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمِ الْغَصْبِ بَاقٍ ا هـ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى
الْأَفْعَالِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ لَا يَصِحُّ بِإِجْمَاعٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَالُوا فِي الْحَمِيلِ لَهُ أَخْذُ الْحَقِّ بَعْدَ مَحَلِّهِ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ إذَا قَالَ أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ الْمَضْمُونُ وَهُوَ مِمَّا يُخْشَى عَدَمُهُ قَبْلَ قُدُومِ الطَّالِبِ أَوْ كَانَ كَثِيرَ الْمَطْلِ وَاللَّدَدِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَمِيلُ أَمِينًا أَقَرَّ الْمَالَ عِنْدَهُ وَإِلَّا أَوْدَعَ لِبَرَاءَةِ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِ .
وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمُرْتَهِنُ يُثْبِتُ مِلْكَ الرَّاهِنِ لِيَبِيعَهُ وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ وَغُرَمَاؤُهُ يُثْبِتُونَ مَالَهُ لِيُبَاعَ لَهُمْ وَيَسْتَوْفُونَ مِنْ ثَمَنِهِ .
ابْنُ رُشْدٍ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّيْنُ عِنْدَهُ وَالرَّهْنُ وَمِلْكُ الرَّاهِنِ لَهُ .
وَيَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا وَهَبَهُ دَيْنَهُ وَلَا قَبَضَهُ وَلَا أَحَالَ بِهِ وَأَنَّهُ لَبَاقٍ عَلَيْهِ إلَى حِينِ قِيَامِهِ ا هـ .
وَفِي التَّوْضِيحِ إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ وَدَائِعُ وَدُيُونٌ فَرَضَ لِلزَّوْجَةِ نَفَقَتَهَا فِيهَا ، وَلَهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ جَحَدَ مِنْ غُرَمَائِهِ أَنَّ لِزَوْجِهَا عَلَيْهِمْ دَيْنًا ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبِيعُ الْحَاكِمُ الدَّارَ حَتَّى يُكَلِّفَ الزَّوْجَةَ إثْبَاتَ مَلَكِيَّةِ الزَّوْجِ لَهَا وَأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ .
الثَّانِي : تت ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ .
طفي مَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُمْ عَدُّوا هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُشِيرُ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرَدُّدِ لِكَثْرَةِ الْخِلَافِ .
الثَّالِثُ : تت مَا قَرَّرْنَا بِهِ نَحْوَهُ فِي الشَّارِحِ الْأَوْسَطِ .
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ الْغَائِبَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي
قَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَكِيلٌ وَيَكْفِي وُجُودُ الْمَالِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا فَائِدَةَ لِاشْتِرَاطِ حُضُورِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَفَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَوُجُودُ الْوَكِيلِ كَعَدَمِهِ ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ مَعْنَى مَا لِلشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ .
طفي مَا ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ عَنْ الشَّارِحِ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ تت ، إذْ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي كَبِيرِهِ لَيْسَ كَمَا قَالَ ، وَلَا يَصِحُّ فِي نَفْسِهِ ، إذْ لَيْسَ الْخِلَافُ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ يَكْفِي وُجُودُ الْمَالِ ، وَنَصَّ الشَّارِحِ فِي كَبِيرِهِ قَوْلُهُ وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ تَرَدُّدٌ الْمَنْعُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَقَالَ إنْ كَانَ لِلْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحُكْمِ مَالٌ أَوْ حَمِيلٌ أَوْ وَكِيلٌ سُمِعَتْ الدَّعْوَى وَإِلَّا نُقِلَتْ الشَّهَادَةُ ا هـ .
وَهَكَذَا النَّقْلُ فِي ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ شَرَطَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وُجُودَ أَحَدِ مَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ عَلَى حَمْلِ الشَّارِحِ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ الْبَعِيدِ كَإِفْرِيقِيَّةَ إلَخْ ، وَإِنْ قُلْنَا أَعَادَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى الْخِلَافِ فَيَحْتَاجُ لِجَعْلِ اللَّامِ بِمَعْنَى عَلَى ، وَمَعَ ذَلِكَ تَنْبُو عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ عَنْ ذَلِكَ ، إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَةِ عَلَى غَائِبٍ بِلَا وَكِيلٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ مَالٍ تَرَدُّدٌ وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا مَحَلَّ التَّرَدُّدِ ، وَلِأَنَّ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْبَعِيدُ كَإِفْرِيقِيَّةَ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ مَا يُخَالِفُهُ ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْخِلَافِ مَعَ ضَعْفِهِ ، إذْ لَمْ تَجْرِ لِلْمُصَنِّفِ عَادَةً بِذَلِكَ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَقْرِيرُ الشَّارِحِ فِي كَبِيرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَفِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ كَمَا قَرَّرَ تت ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ تَعْمِيمَ ابْنِ مَرْزُوقٍ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُدَّعَى لَهُ
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَالْعَجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ كَيْفَ يَصْدُرُ مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ مَعَ تَقَدُّمِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَمَعَ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورَةً بِالْخِلَافِ فِي دَوَاوِينِ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَنْ قَامَ مُحْتَسِبًا لِغَائِبٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ فَفِي قَصْرِ الْقِيَامِ عَنْهُ دُونَ تَوْكِيلٍ مِنْهُ عَلَى ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَعُمُومُهُ فِيهِمَا وَفِي الْأَجَانِبِ ثَالِثُهَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا الْخُصُومَةِ .
وَرَابِعُهَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَخَامِسُهَا يُمَكَّنُ مِنْهُمَا الْأَبُ وَالِابْنُ فَقَطْ ، وَيُمَكَّنُ غَيْرُهُمَا وَالْأَجْنَبِيُّ فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ لِفَوْتِهَا وَتَغَيُّرِهَا لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقِيَامِ عَنْهُ فِي كَوْنِهِ فِي قَرِيبِ الْغَيْبَةِ وَبِعِيدِهَا وَقَصْرِهِ عَلَى قُرْبِهَا قَوْلَانِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابٌ ) الْعَدْلُ : حُرٌّ ، مُسْلِمٌ ، عَاقِلٌ ، بَالِغٌ .
بِلَا فِسْقٍ وَحَجْرٍ وَبِدْعَةٍ ، وَإِنْ تَأَوَّلَ : كَخَارِجِيٍّ ، وَقَدَرِيٍّ لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً ، أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ ، أَوْ صَغِيرَةَ خِسَّةً وَسَفَاهَةً ، وَلَعِبَ نَرْدٍ ، ذُو مُرُوءَةٍ بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ .
مِنْ حَمَّامٍ ، وَسَمَاعِ غِنَاءٍ ، وَدِبَاغَةٍ ، وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا ، وَإِدَامَةِ شَطْرَنْجٍ
بَابٌ فِي أَحْكَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ لُغَةً الْبَيَانُ وَالشَّاهِدُ الْمُبَيِّنُ ، وَكَذَا الشَّهِيدُ ، وَفُسِّرَ قَوْله تَعَالَى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ } يُبَيِّنُ وَيُعَلِّمُ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا تُعَرَّفُ اصْطِلَاحًا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْقَرَافِيُّ أَقَمْت نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ عَنْهُ وَتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَقُولُونَ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّعَدُّدُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَأَقُولُ لَهُمْ هَذَا فَرْعُ تَصَوُّرِهَا وَتَمَيُّزِهَا عَنْ الرِّوَايَةِ وَتَعْرِيفِهَا بِأَحْكَامِهَا الَّتِي لَا تُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا دَوْرٌ ، وَإِذَا وَقَعَتْ حَادِثَةٌ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ شَرْطُهَا التَّعَدُّدُ إلَخْ أَوْ رِوَايَةٌ لَيْسَ شَرْطُهَا ذَلِكَ وَبَنَوْا الْخِلَافَ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَلَى كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً ، وَفِي قَبُولِهِ بِعَدَدِ مَا صَلَّى إمَامُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِهِمَا وَمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ أَزَلْ فِي شِدَّةِ قَلَقٍ حَتَّى طَالَعْت شَرْحَ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَوَجَدْته حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ وَمَيَّزَ الشَّهَادَةَ مِنْ الرِّوَايَةِ ، فَقَالَ هُمَا خَبَرَانِ ، غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهِيَ الرِّوَايَةُ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ } فَإِنَّهُمَا عَامَّانِ لَا يَخْتَصَّانِ بِمُعَيَّنٍ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ مَثَلًا ، فَإِنَّهُ لِزَامُ الْمُعَيَّنِ لَا يَتَعَدَّاهُ ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ .
ثُمَّ قَالَ يَنْتَقِضُ هَذَا الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِكُلِّيٍّ ، كَشَهَادَةٍ بِوَقْفٍ مُؤَبَّدٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَكَوْنِ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا ،
وَبِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَتَعَلَّق بِجُزْئِيٍّ كَإِرْسَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِجْرَتِهِ وَوَفَاتِهِ وَخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عُمُومَهَا عَارِضٌ ، وَمَقْصُودَهَا الْأَوَّلَ إنَّمَا هُوَ جُزْئِيٌّ ، فَالْمَقْصُودُ بِالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ إنَّمَا هُوَ الْوَاقِفُ لِيَنْزِعَ مِنْهُ الْمَوْقُوفَ .
وَأَمَّا كَوْنُ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا ، وَ يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَالرِّوَايَةِ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ، وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لِتَعَيُّنِ الْمَحْكُومِ فِيهِ وَهُوَ الْأَرْضُ .
وَأَمَّا النَّقْضُ عَلَى الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِجُزْئِيَّاتٍ ابْتِدَاءً لَكِنَّ ثَمَرَاتِهَا وَفَوَائِدَهَا عَامَّةٌ لِلْعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَوَاضِحٌ أَنَّ قَوْلَهُ أَقَمْت أَطْلُبُ الْفَرْقَ وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ إلَخْ نَصٌّ فِي مُنَافَاتِهِ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِ الشَّهَادَةِ ، وَالْحَقُّ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ إنَّهُ مُحْتَاجٌ لِتَعْرِيفِهَا ، وَتَعَقَّبَ بَعْضُ شُيُوخِنَا قَوْلَ الْقَرَافِيِّ أَقَمْت مُدَّةً كَذَا أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَخْ بِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي أَيْسَرِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ مُبْتَدَئِي الطَّلَبَةِ وَهُوَ تَنْبِيهٌ .
ابْنُ بَشِيرٍ قَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ رَدُّ ثُبُوتِ الْهِلَالِ لِبَابِ الْإِخْبَارِ إذَا رَأَوْا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ بَابِ الْخَبَرِ وَبَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّ كُلَّ مَا خَصَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فَبَابُهُ بَابُ الشَّهَادَةِ ، وَكُلَّ مَا عَمَّ فَلَزِمَ الْقَائِلَ مِنْهُ مَا لَزِمَ الْمَقُولَ لَهُ ، فَبَابُهُ بَابُ الْإِخْبَارِ جَعَلُوا فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَهُ بِقَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْهِلَالِ ، وَلَا تَجِدُهُ إلَّا فِي النَّقْلِ عَمَّا ثَبَتَ عِنْدَ الْإِمَامِ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالصَّوَابُ أَنَّ
الشَّهَادَةَ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعَهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَدَلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلَفَ طَالِبُهُ فَتَخْرُجُ الرِّوَايَةُ وَالْخَبَرُ الْقَسِيمُ لِلشَّهَادَةِ وَإِخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ بِالتَّعَدُّدِ أَوْ الْحَلِفِ ، وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَغَيْرُ التَّامَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَدْلُولِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ .
ا هـ .
وَقَالَ قَوْلٌ وَهُوَ جِنْسٌ بَعِيدٌ لِإِدْخَالِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، إذْ هِيَ قَوْلٌ لَا خَبَرٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ النَّفْسِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ لُغَةً وَعُرْفًا ، وَفِيهِ دَوْرٌ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِافْتِقَارِهِ لِلتَّعَدُّدِ فَرْعُ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ شَهَادَةً ، وَقَوْلُهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ أَرَادَ بِهِ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِعِلْمِهِ وَلَوْ قَالَ قَوْلَ عَدْلٍ لَكَانَ أَبْيَنَ أَفَادَهُ شب .
ابْنُ مَرْزُوقٍ تَعْرِيفُهُ غَيْرُ جَامِعٍ ، إذْ لَا يَشْمَلُ الشَّهَادَةَ بِالْخَلْطَةِ لِثُبُوتِهَا بِامْرَأَةٍ وَبِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِيهَا تُوجِبُ يَمِينَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
( الْعَدْلُ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الدَّالِ ( حُرٌّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ لَا قِنٌّ اتِّفَاقًا وَلَا ذُو شَائِبَةٍ كَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ .
يَحْيَى سَأَلَتْ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْمَعْرُوفِ بِظُلْمِ النَّاسِ وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ ذَوِي السَّلْطَنَةِ وَالْوُلَاةِ يَدَّعِي رَجُلٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ ظَلَمَهُ فِي أَرْضٍ غَلَبَهُ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَا يَجِدُ عَلَى دَعْوَاهُ عُدُولًا مِنْ الْبَيِّنَاتِ ، وَيَجِدُ شُهُودًا لَا يُعْرَفُونَ بِعَدَالَةٍ وَلَا يُوصَفُونَ بِسَخْطَةٍ أَيُقْبَلُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ مَا يُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ عُدُولِ الشُّهَدَاءِ ؟ فَقَالَ لَا
تَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ الْعُدُولِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ظَالِمًا أَوْ غَيْرَهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأُشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } ، فَلَا يَنْبَغِي لِغَيْرِ الْعُدُولِ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاهِدَ الْمَجْهُولَ الْحَالُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُعَدَّلَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } ، أَيْ مَنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ أَجَازَ شَهَادَةَ الْمَجْهُولِ الْحَالُ عَلَى التَّوَسُّمِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَ الْمُسَافِرِينَ فِي السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهَا قِيَاسًا عَلَى شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ وَمُرَاعَاةً لِلِاخْتِلَافِ ، إذْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ حَمَلَ الشَّاهِدَ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى تُعْرَفَ جُرْحَتُهُ لِظَاهِرِ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ زُورٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَقَدْ اتَّفَقُوا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ .
وَمِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ فِي يَسِيرِ الْمَالِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } .
وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ ا هـ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي جِهَةٍ إلَّا غَيْرُ الْعُدُولِ أَقَمْنَا أَصْلَحَهُمْ وَأَقَلَّهُمْ فُجُورًا لِلشَّهَادَةِ ، وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ لِئَلَّا تَضِيعَ الْمَصَالِحُ .
قَالَ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يُخَالِفُهُ فِي هَذَا ، فَإِنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْإِمْكَانُ .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ
لِابْنِ رَاشِدٍ فِي مَذْهَبِهِ وَابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ فِي الِاسْتِغْنَاءِ ، قَالَ إذَا كَانَ الْبَلَدُ لَا عُدُولَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِالْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ ، وَيُسْتَكْثَرُ بِحَسَبِ خَطَرِ الْحُقُوقِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصَابِ .
وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ لَا عُدُولَ فِيهَا وَبَعُدُوا عَنْ الْعُدُولِ فَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْأَمْوَالِ أَمْ لَا ؟ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يُعْلَمْ لِلْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ خِلَافُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيَّ ، وَرَأَيْت قَوْمًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يَحْكُونَ عَنْ أَشْيَاخِهِمْ بِأَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَيُعَلِّمُونَهَا لِلضَّرُورَةِ ، وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمَازِرِيِّ فِي دُرَرِهِ رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّارِقِ مِمَّنْ لَقِيَهُ مِنْ النَّاسِ السَّيَّارَةِ عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرِّعَاءِ إذَا عَرَفُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَا فُلَانًا سَرَقَ دَابَّةَ فُلَانٍ أَوْ رَأَيْنَا فُلَانًا فِي حَوْزَةِ كَذَا أَوْ فِي مَرَاعِي بَنِي فُلَانٍ ، وَتَجُوزُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ السَّيَّارَةِ سَوَاءٌ كَانُوا عُدُولًا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ هَذَا فِي الْبَرَابِرِ ، وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمْ إلَّا شَهَادَةُ الْعُدُولِ بِشَيْءٍ عِنْدَنَا .
وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا فِي لُصُوصِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَرَابِرِ بَرْقَةَ ، فَقَالَ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ مَنْ لَقِيَهُمْ مِنْ النَّاسِ قِيلَ لَهُ إنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ ، قَالَ وَأَيْنَ تُوجَدُ الْعُدُولُ عَلَى السَّارِقِ وَاللِّصِّ ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ اللِّصَّ وَالسَّارِقَ مَوَاضِعَ الْخَلَوَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْعُدُولُ ، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ وَمِثْلُهُ فِي أَسْئِلَةِ ابْنِ سَحْنُونٍ كُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ
وَلَا ثُبُوتَ لِشَيْءٍ مِنْهُ فِيهِ ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى ، إذْ لَوْ كَانَ ثَابِتًا مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ وَلَذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مُسْلِمٌ ) لَا كَافِرٌ عَلَى مُسْلِمٍ إجْمَاعًا وَلَا عَلَى مِثْلِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَتَعَقَّبَ ابْنُ مَرْزُوقٍ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنَّ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِهَا عَلَى وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ فِي السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ ، عَزَاهُ ابْنُ سَهْلٍ لِشُرَيْحٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُبَيْدَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمْ ( عَاقِلٌ ) فِي حَالَتَيْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ .
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَازِرِيُّ شَرْطُ الْعَقْلِ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَلَا يَضْبِطُهُ وَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُخْتَلَفُ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْلِ فِي حَالَتَيْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ .
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَلَمْ أَعْرِفْهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ ، بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ .
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي كَبِيرٍ يَخْنُقُ ثُمَّ يُفِيقُ إنْ كَانَ يُفِيقُ إفَاقَةً يَعْقِلُهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَبَيْعُهُ وَابْتِيَاعُهُ .
( بَالِغٌ ) فَلَا يُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّبِيِّ اتِّفَاقًا إلَّا لِصَبِيٍّ عَلَى صَبِيٍّ فِي دَمٍ .
بِشُرُوطٍ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( بِلَا فِسْقٍ ) بِجَارِحَةٍ ظَاهِرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ فِسْقَ الِاعْتِقَادِ ( وَ ) بِلَا ( حَجْرٍ ) عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ رَشَدَ .
مُحَمَّدٌ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ .
شب هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَجَمِيعُ
أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لِسَفَهِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ .
وَفِي شَرْطِ عَدَمِ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ خِلَافٌ سَمِعَ أَشْهَبُ أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ عَدْلٌ ؟ قَالَ نَعَمْ .
ابْنُ رُشْدٍ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِثْلَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ لَغْوِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْيَتِيمِ الْبَالِغِ فِي جَوَازِ أَفْعَالِهِ وَرَدِّهَا ، وَالْآتِي عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ أَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا تَنْفُذُ أَفْعَالُهُ وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا فِي أَحْوَالِهِ : أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَوْ طَلَبَ مَالَهُ أَخَذَهُ وَهُوَ نَصُّ أَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ .
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْهَا ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي شَهَادَتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ أَنَّ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ ، فَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا ؟ .
وَفِي شَرْحِ ابْنِ النَّاظِمِ عَلَى التُّحْفَةِ مَا يُفِيدُ هَذَا ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الْمَانِعَ الْحَجْرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) بِلَا ( بِدْعَةٍ ) أَيْ اعْتِقَادٍ مُخَالِفٍ لِاعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا فَاسِقٌ وَإِمَّا كَافِرٌ إنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ ، بَلْ ( وَإِنْ تَأَوَّلَ ) بِفَتَحَاتٍ مَهْمُوزًا مُثَقَّلًا ( كَخَارِجِيٍّ ) أَيْ مَنْسُوبٍ لِلْخَوَارِجِ وَهُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَفَّرُوهُمَا مُعَاوِيَةَ لِخُرُوجِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَعَلِيٍّ لِرِضَاهُ بِتَحْكِيمِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَقَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمًّا غَفِيرًا ( وَقَدَرِيٍّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ وَشَدِّ الْيَاءِ نِسْبَةً لِلْقَدَرِ ، أَيْ إيجَادِ الْأَشْيَاءِ بِحَسَبِ عَمَلِهَا فِي الْأَزَلِ لِنَفْيِهِمْ إيَّاهُ وَقَوْلِهِ بِخَلْقِ الْعَبْدِ أَفْعَالَهُ الِاخْتِيَارِيَّةَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَلَا تَأْوِيلٍ ، كَالْقَدَرِيِّ وَالْخَارِجِيِّ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْقَدَرِيِّ مِثَالًا لِلْجَاهِلِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ شُبَهِهِمْ عَقْلِيَّةٌ ، وَالْخَطَأُ فِيهَا يُسَمَّى جَهْلًا ، وَالْخَارِجِيُّ مِثَالٌ لِلْمُتَأَوِّلِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ شُبَهِهِمْ سَمْعِيَّةٌ وَالْخَطَأُ فِيهَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَاهِلِ الْمُقَلِّدُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَبِالْمُتَأَوِّلِ الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يُعْذَرُوا بِالتَّأْوِيلِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ ، بِخِلَافِ تَأْوِيلِ الْمُحَارِبِينَ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : الْحَطَّابُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ شُرُوطًا فِي الْعَدْلِ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهَا شُرُوطًا فِي قَوْلِ الشَّهَادَةِ ، وَمِنْهَا الْعَدَالَةُ وَهُوَ أَبْيَنُ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُوجِبَةً لِحُكْمِ الْحَاكِمِ اُشْتُرِطَ فِيهَا شُرُوطٌ مِنْهَا فِي أَدَائِهَا الْإِسْلَامُ اتِّفَاقًا ، ثُمَّ قَالَ وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ ، ثُمَّ قَالَ وَالْبُلُوغُ ، ثُمَّ قَالَ وَالْعَدَالَةُ ، قَالَ وَلَمَّا كَانَتْ شُرُوطًا فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَصْلَيْهِ وَفِقْهِهِ .
طفى إنْ قُلْت جَعَلَ عِيَاضٌ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي الشَّاهِدِ ، وَجَعَلُوا مِنْهَا كَوْنَهُ عَدْلًا ، ثُمَّ فَسَّرُوا الْعَدَالَةَ بِالْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالْكَذِبِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا ، فَخَالَفَ الْمُصَنِّفُ اصْطِلَاحَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ .
وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْتَعْمِلًا لِمُرُوءَتِهِ .
قُلْت لَا مُخَالَفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَ الْعَدْلَ بِمَعْنَى عَدْلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مُرَادُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ، حَيْثُ أَطْلَقُوهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الَّتِي ذَكَرُوهَا ، فَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ ، وَأَخَذَهُ غَيْرُهُ بِمَعْنَى الْمَحَافِظِ عَلَى الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مُحَافَظَةً دِينِيَّةً ، فَشَمِلَ هَذَا الْمَعْنَى الْعَبْدَ ، فَلِذَا احْتَاجُوا لِذِكْرِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ الْعَدَالَةِ وَمَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالْمَقَامِ ، فَقَوْلُ " ح " مُتَوَرِّكًا عَلَى الْمُصَنِّفِ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ أَبْيَنُ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ غَيْرُ بَيِّنٍ .
الثَّانِي : ابْنُ عَرَفَةَ أَطَالَ الْمَازِرِيُّ الْكَلَامَ فِي الْعَدَالَةِ ، وَالْأَوْلَى أَنَّهَا صِفَةُ مَظِنَّةٍ لِمَنْعِ مَوْصُوفِهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا وَمَعْصِيَةً غَيْرَ قَلِيلِ الصَّغَائِرِ ، فَالصَّغَائِرُ الْخَسِيسَةُ مُنْدَرِجَةٌ فِيمَا يَشِينُ وَنَادِرُ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ عَظِيمِ مَفْسَدَةٍ عَفْوٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَلِيلِ الصَّغَائِرِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهَا فِي آخِرِ شَهَادَاتِهَا مِمَّا يُجْرَحُ بِهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَأَطْوَلُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْفِقْهِيِّ الْعَدَالَةُ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَذِبِ وَالْكَبَائِرِ ، وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ ، وَيُتَعَقَّبُ بِحَشْوِ الدِّينِيَّةِ لِاسْتِقْلَالِهِ دُونَهَا ، وَإِجْمَالُ قَوْلِهِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ لِاحْتِمَالِهِ جَمِيعَهَا أَوْ أَكْثَرَهَا .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهَا بِدْعَةٌ رَاجِعٌ لِلْعَدَالَةِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْبِدْعَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَدَالَةِ ، لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا فِسْقٌ يُوجِبُ كَوْنَهَا مُعْتَادَةً فَيُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْهَا كَمَا
اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِهَا عَنْ سَائِرِ أَضْدَادِهَا ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ أَضْدَادِهَا كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهِ .
ا هـ .
وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ الدِّينِيَّةِ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِهَا الدِّينَ ، وَإِنَّمَا فَعَلَهَا لِتَحْصِيلِ مَنْصِبٍ دُنْيَوِيٍّ .
وَقَالَ .
ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ فِي صِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ هُوَ الْمُجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الْمُتَوَقِّي لِأَكْثَرِ الصَّغَائِرِ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَتَمْيِيزٍ مُتَيَقِّظًا مُتَوَسِّطَ الْحَالِ بَيْنَ الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ .
قُلْت وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَنْبَغِي فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ ا هـ .
الثَّالِثُ : عب هَذِهِ الشُّرُوطُ لَا يُشْتَرَطُ مِنْهَا حَالَ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ إلَّا الْعَقْلُ ، وَبَقِيَّتُهَا إنَّمَا يُشْتَرَطُ حَالَ الْأَدَاءِ .
الْبُنَانِيُّ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي غَيْرِ شُهُودِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ عَلَى الْخَطِّ .
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ وَالْخَطِّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَوَقْتَ التَّحَمُّلِ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( لَمْ يُبَاشِرْ ) أَيْ يَفْعَلْ الْعَدْلُ مَعْصِيَةً ( كَبِيرَةً ) بِلَا تَوْبَةٍ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا أَصْلًا أَوْ تَابَ مِنْهَا ، فَإِنْ فَعَلَهَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ عَدَمُ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِهِ إلَّا مِنْ وَلِيٍّ أَوْ صَدِيقٍ ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِ وَأَغْلَبَهَا وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَحَافَظَ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِر فَهُوَ عَدْلٌ .
تت تَكْمِيلُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ ، وَاخْتُلِفَ فِي تَمْيِيزِ الْكَبَائِرِ مِنْهَا فَمِنْهُمْ مَنْ مَيَّزَهَا بِالْعَدِّ مُسْتَقْرِيًا مَوَارِدَ النُّصُوصِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَصَرَهَا بِضَابِطٍ ، وَلْنَذْكُرْ طَرَفًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا .
فَمِنْ الْأَوَّلِ : قِيلَ أَرْبَعٌ ، وَقِيلَ سَبْعٌ ، وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ .
ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى السَّبْعِ ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ .
وَمِنْ الثَّانِي : قِيلَ مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ، وَقِيلَ مَا أَوْجَبَ حُكْمًا .
وَقِيلَ مَا نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ أَوْجَبَ فِي جِنْسِهِ حَدًّا .
وَقِيلَ ، كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ ، وَقِيلَ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِنَارٍ أَوْ حَدٍّ فِي الدُّنْيَا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
( أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ ) ظَاهِرُ مَفْهُومِهِ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ كَثِيرَ الْكَذِبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ اتَّحَدَ مُتَعَلِّقُهُ ، وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ مِمَّا يُجَرَّحُ بِهِ الشَّاهِدُ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ مُشْعِرٍ بِتَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهِ .
وَمَفْهُومُ " كَثِير " أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْكَذِبِ الْيَسِيرِ كَالْوَاحِدِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَدَالَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ الْحَطَّابُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَمَّا الْكَذِبُ فَنَصُّهَا مِمَّا يُجَرَّحُ بِهِ الشَّاهِدُ قِيَامُ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَنَقَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامُهُ يُعْطِي تَكَرُّرَ الْكَذِبِ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا الْقَيْدُ الْأَخِيرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاكْتُفِيَ بِتَكْرَارِ الْكَذِبِ .
قُلْت قَوْلُهُ يُعْطِي تَكْرَارَ الْكَذِبِ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِهِ دُونَ الْمُدَوَّنَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَفْظَ كَذَّابٍ ، وَفَعَّالٌ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةً ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِهِ يَرِدُ بِمَنْعِهِ ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ مَشْهُورٍ أَخَصُّ مِنْ مَعْرُوفٍ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ الْأَعَمِّ صِدْقُ الْأَخَصِّ ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ بِهِ كَوْنَهُ مَشْهُورًا فَلَا يَضُرُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ لَفْظَ مَعْرُوفٍ لَا يَسْتَلْزِمُهُ
، وَإِنْ أَرَادَ لَفْظَ مَعْرُوفٍ فَقَوْلُهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ نَصًّا فَمُسَلَّمٌ ، وَإِنْ أَرَادَ وَلَا لُزُومًا مُنِعَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا قِيَامُ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ كَذَّابٌ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِمُطْلَقِ الْكَذِبِ عَادَةً ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ أَنْ لَا يَثْبُتَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ إلَّا وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِمُطْلَقِ الْكَذِبِ .
( أَوْ صَغِيرَةَ خِسَّةٍ ) كَتَطْفِيفِ حَبَّةٍ أَوْ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ فَمُبَاشِرُهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَمَفْهُومُ خِسَّةٍ أَنَّ مُبَاشَرَةَ صَغِيرَةٍ غَيْرِ الْخَسَّةِ لَا تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهَا غَالِبًا ( وَ ) لَمْ يُبَاشِرْ ( سَفَاهَةً ) أَيْ مُجُونًا وَدُعَابَةً وَهَزْلًا فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ ( وَ ) لَمْ يُبَاشِرْ ( لَعِبَ نَرْدٍ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الرَّاءِ آلَةٌ مُرَبَّعَةٌ مُخَطَّطَةٌ يُلْعَبُ عَلَيْهَا بِفُصُوصٍ ، وَيُقَالُ لَهَا نَرْدَشِيرُ ، وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ مِصْرَ طَاوِلَةً ، فَمُبَاشِرُ لَعِبِهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ مَرَّةً بِغَيْرِ قِمَارٍ لِحَدِيثِ { مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرَ فَكَأَنَّمَا وَضَعَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ } .
وَحَدِيثِ { مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ } .
عِيَاضٌ فِي مَشَارِقِهِ النَّرْدُ فَارِسِيٌّ لِنَوْعٍ مِنْ الْآلَاتِ الَّتِي يُقَامَرُ عَلَيْهَا ، وَيُقَالُ لَهُ النَّرْدَشِيرُ وَالْكِعَابُ .
وَالْعَدْلُ ( ذُو ) أَيْ صَاحِبُ ( مُرُوءَةٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا ، وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزِ وَاوًا وَإِدْغَامُ الْوَاوِ الْأُولَى فِيهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا .
ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرْكُهُ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا مِنْ مُبَاحٍ ، كَتَرْكِ الْمَلِيِّ الِانْتِعَالَ فِي بَلَدٍ يُسْتَقْبَحُ فِيهِ مَشْيُ مِثْلِهِ حَافِيًا ، وَعَلَى تَرْكِ مَا فِعْلُهُ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا مِنْ مُبَاحٍ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَفِي حَانُوتِ الطَّبَّاخِ لِبَلَدِيٍّ .
ابْنُ
مُحْرِزٍ لَسْنَا نَعْنِي بِالْمُرُوءَةِ نَظَافَةَ الثَّوْبِ وَفَرَاهَةَ الْمَرْكُوبِ وَجَوْدَةَ الْآلَةِ وَحُسْنَ الشَّارَةِ ، أَيْ الْهَيْئَةِ ، بَلْ الْمُرَادُ الصَّوْنُ وَالصَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ الْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ رَدِيءٍ يَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافِظُ مَعَهُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ جُرْحَةٌ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَالرِّوَايَاتُ وَالْأَقْوَالُ وَاضِحَةٌ بِأَنَّ تَرْكَ الْمُرُوءَةِ جُرْحَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ لَازِمُ الْعَدَالَةِ وَتَرْكُهَا مُسَبَّبٌ غَالِبًا عَنْ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ .
الْمَازِرِيُّ مَنْ لَا يُبَالِي بِسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ وَدَنَاءَةِ هِمَّتِهِ فَهُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ ، وَنَقْصُهُ يُوجِبُ عَدَمَ الثِّقَةِ بِهِ .
التُّونُسِيُّ الِاتِّصَافُ بِالْمُرُوءَةِ مَطْلُوبٌ وَبِخِلَافِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ ظَهَرَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُصَوَّرَةٌ .
( بِتَرْكِ ) شَيْءٍ ( غَيْرِ لَائِقٍ ) أَيْ مُنَاسِبٍ لِحَالِ مُرْتَكِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ الْمُرُوءَةُ الِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا .
تت بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا يَتَعَذَّرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ ذَوِي الْفَضْلِ .
الْبِسَاطِيُّ بِاجْتِنَابِ مَا يَرْتَكِبُهُ السُّفَهَاءُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ كَاللَّعِبِ بِالطَّابِ وَالْقِمَارِ وَالْمُهَاجَنَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَالتَّصْرِيحِ بِأَقْوَالٍ لَمْ يُعَبِّرْ الشَّرْعُ عَنْهَا إلَّا بِالْكِنَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَبَيَّنَ غَيْرَ اللَّائِقِ فَقَالَ ( مِنْ ) لَعِبٍ بِ ( حَمَامٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ ، ظَاهِرُهُ بِقِمَارٍ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي سَرِقَتِهَا ، وَفِي رَجْمِهَا يُجَرَّحُ الشَّاهِدُ بِلَعِبِهِ بِالْحَمَامِ إذَا كَانَ يُقَامِرُ عَلَيْهِ ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُحْمَلُ مُطْلَقُهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا أَوْ لَا ، وَظَاهِرُهُمَا أَدْمَنَ عَلَيْهِ أَمْ لَا .
الْمَازِرِيُّ عَنْ
مُحَمَّدٍ مَنْ فَعَلَهُ عَلَى قِمَارٍ أَوْ أَدْمَنَ عَلَيْهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ .
ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى أَبُو دَاوُد بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً } .
وَ ) مِنْ ( سَمَاعِ غِنَاءٍ ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودًا وَإِنْ قُصِرَ فَهُوَ الْيَسَارُ وَالْمَالُ ، وَظَاهِرُهُ كَانَ مَعَ آلَةٍ أَمْ لَا فَفِيهَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحِ وَالنَّائِحَةِ إذَا عُرِفُوا بِذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمَاعُ الْعُودِ جُرْحَةٌ إلَّا فِي صَنِيعٍ لَا شَرَابَ فِيهِ ، فَلَا يُحَرَّمُ وَإِنْ كُرِهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَالْغِنَاءُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ ، وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْدَحُ فِي الْمُرُوءَةِ .
الْمَازِرِيُّ وَأَمَّا الْغِنَاءُ بِآلَةٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَوْتَارٍ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ فَمَمْنُوعٌ وَكَذَا الْمِزْمَارُ وَاسْتَظْهَرَ إلْحَاقَهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ وَإِنْ أَطْلَقَ .
مُحَمَّدٌ فِي سَمَاعِ الْعُودِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ .
وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ التَّحْرِيمَ .
( وَ ) مِنْ ( دِبَاغَةٍ ) لِجِلْدٍ ( وَحِيَاكَةٍ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَنَّاةِ لِغَزْلِ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ فَعَلَهَا ( اخْتِيَارًا ) بِأَنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلِهَا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ عَلَيْهَا ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا فَلَا تُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ ، وَأُلْحِقَ بِمَنْ ذُكِرَ مَنْ يَقْصِدُ كَسْرَ نَفْسِهِ وَتَخَلُّقَهَا بِأَخْلَاقِ الْفُضَلَاءِ وَمُبَاعَدَتِهَا عَنْ الْكِبْرِ .
ابْنُ رُشْدٍ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ ذَوِي الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ كَالْكَنَّاسِ وَالْحَجَّامِ وَالدَّبَّاغِ وَالْحَائِكِ إلَّا مَنْ رَضِيَهَا اخْتِيَارًا مِمَّنْ لَا تَلِيقُ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى خَبَلٍ فِي عَقْلِهِ .
ابْنُ مُحْرِزٍ رَأَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ
شَهَادَةَ الْبَخِيلِ لَا تُقْبَلُ وَقَالَهُ الْغَزَالِيُّ .
الْبُرْزُلِيُّ رَأَيْت لِبَعْضِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ إنْ صَنَعَهَا تَصْغِيرًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِيُدْخِلَ السُّرُورَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ لِيَتَصَدَّقَ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا فَإِنَّهَا حَسَنَةٌ ، وَإِلَّا فَهِيَ جُرْحَةٌ تت لَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى دِبَاغَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِإِدْخَالِ بَاقِي الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ .
( وَ ) مِنْ ( إدَامَةِ ) لَعِبٍ بِ ( شِطْرَنْجٍ ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ فَجِيمٌ .
تت ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إبَاحَتُهُ ، وَبِهَا صَرَّحَ الْبِسَاطِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ .
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " حُرْمَةُ اللَّعِبِ بِهِ ، وَتَارَةً يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالْكَرَاهَةِ ، وَتَارَةً يَقُولُ هُوَ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ .
( تَنْبِيهٌ ) فَسَّرَ ابْنُ نَصْرٍ الْإِدْمَانَ بِأَنْ يَلْعَبَ بِهَا فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ ، وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِمَرَّةٍ فِي السَّنَةِ .
الْحَطّ فِي الشَّامِلِ وَإِدَامَةُ شِطْرَنْجٍ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْعَامِ ، وَقِيلَ أَكْثَرُ وَهَلْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ ؟ قَوْلَانِ ، وَثَالِثُهَا إنْ لَعِبَهُ مَعَ الْأَوْبَاشِ عَلَى طَرِيقِ الْمُجَاهَرَةِ حَرُمَ ، وَفِي الْخَلْوَةِ مَعَ نُظَرَائِهِ بِلَا إدْمَانٍ وَتَرْكِ مُهِمٍّ وَلَهْوٍ عَنْ عِبَادَةٍ جَازَ .
وَقِيلَ إنْ أَلْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا حَرَامٌ ا هـ .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : الْحَطّ لُبْسُ اللِّبَاسِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ الْخَارِجِ عَنْ السُّنَّةِ لَيْسَ جُرْحَةً فِي الشَّهَادَةِ كَلِبَاسِ فُقَهَاءِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ تَكْبِيرِهِمْ الْعَمَائِمَ وَإِفْرَاطِهِمْ فِي تَوْسِيعِ الثِّيَابِ وَتَطْوِيلِهِمْ الْأَكْمَامَ ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ .
الثَّانِي : " غ " ابْنُ عَرَفَةَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْتَغِلُ بِمُطْلَقِ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ الْمُنْتَصِرُ بِمَنْعِ
إمَامَتِهِ ، وَرَجَحَ أَبُو زَيْدِ ابْنُ خَلْدُونَ أَنَّهَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ وُجُودِهَا ، فَانْقِلَابُ الْأَعْيَانِ فِيهَا مِنْ السِّحْرِيَّاتِ لَا مِنْ الطِّبِّيَّاتِ ، وَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ بِأَلْغَازِهِمْ الضَّنَانَةَ بِهَا .
وَإِنَّمَا قَصْدُهُمْ التَّسَتُّرُ مِنْ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ .
وَمَنْ اجْتَمَعَتْ الْحُرِّيَّةُ وَمَا بَعْدَهَا فِيهِ فَهُوَ عَدْلٌ إنْ كَانَ بَصِيرًا سَمِيعًا .
وَإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ ؛
بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ ( أَعْمَى ) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ( فِي قَوْلِ ) الْحَطّ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ جَوَازُهَا ، وَشَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الْأَقْوَالِ لَا تَجُوزُ ، وَهَذَا فِيمَا تَحَمَّلَهُ بَعْدَ الْعَمَى .
وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ الْعَمَى مِنْ غَيْرِ الْقَوْلِ فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا الْمَذْهَبَ ، ثُمَّ قَالُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَجُوزُ فِيمَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ الْعَمَى ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ .
وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَى يُقْبَلُ .
سَحْنُونٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ شَهَادَتِهِ أَعْمَى .
ا هـ .
فَظَاهِرُ كَلَامِ سَحْنُونٍ أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا تُقْبَلُ ، سَوَاءٌ تَحَمَّلَهَا بَعْدَ عَمَاهُ أَوْ قَبْلَهُ ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِأَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَهَا قَبْلَ عَمَاهُ تُقْبَلُ ، وَنَصُّهُ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَتُقْبَلُ مِنْ الْأَعْمَى فِيمَا لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَقْوَالِ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ مَعْنَاهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عَلَى الْأَقْوَالِ إذَا كَانَ فَطِنًا ، وَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ .
وَيَتَيَقَّنُ الْمَشْهُودَ لَهُ وَالْمَشْهُودَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْمَرْئِيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ وَهُوَ يَتَيَقَّنُ عَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ .
طفى لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَوْلِ فَتَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْمَرْئِيَّاتِ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَذُوقَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ .
عَبْدُ الْوَهَّابِ تُقْبَلُ عَلَى مَا لَمَسَهُ بِيَدِهِ أَنَّهُ حَارٌّ أَوْ بَارِدٌ أَوْ نَاعِمٌ أَوْ خَشِنٌ وَفِيمَا ذَاقَهُ أَنَّهُ حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ
وَفِيمَا شَمَّهُ .
ابْنُ فَرْحُونٍ هَذَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ فِي الْأَيْمَانِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَشْرَبَ حُلْوًا أَوْ حَامِضًا فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهِ فَيَلْزَمُهُ ، وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَ كَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَلْمُوسَ وَالْمَذُوقَ وَالْمَشْمُومَ يَسْتَوِي فِيهَا الْأَعْمَى وَغَيْرُهُ ، فَهِيَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَسْمُوعِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " جَوَازُهَا ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ وَالْجُمْهُورِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مَنْعُهَا ، وَمَثَارُ الْخِلَافِ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ أَنَّ هَذَا صَوْتُ فُلَانٍ أَمْ لَا ، وَسَوَاءٌ تَحَمَّلَهَا عِنْدَنَا أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا ، وَمَنَعَهُ الْحَنَفِيُّ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ إذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ .
وَأَمَّا شَهَادَتُهُ فِي الْأَفْعَالِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَرْئِيَّاتِ فَلَا تَجُوزُ ، فَإِنْ تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ جَازَتْ إنْ تَيَقَّنَ عَيْنَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَعَرَفَهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُ " ح " وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ الْأَقْوَالِ قَبْلَ الْعَمَى فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَالْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِنَقْلِهِمْ الْمَذْهَبَ أَوَّلًا ، ثُمَّ قَالُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " تَجُوزُ فِيمَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ الْعَمَى ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ وَهْمٌ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ إنَّمَا ذَكَرُوهَا فِي الْأَقْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَنَقَلُوا الْمَذْهَبَ بِجَوَازِهَا ، ثُمَّ قَالُوا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْأَفْعَالِ فَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي كَلَامِهِمْ .
وَنَصُّ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فَأَجَازَهَا مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَلَى الْأَقْوَالِ ، وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " تَجُوزُ فِيمَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ عَمَاهُ وَتُرَدُّ فِيمَا أَدْرَكَهُ بَعْدَهُ ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ حُصُولُ الْعِلْمِ بِالتَّكْرَارِ لِلْأَعْمَى بِأَنَّ هَذَا صَوْتُ فُلَانٍ أَمْ لَا .
ا هـ .
وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَرْحُونٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ ، فَذِكْرُهُ مَعَ مَنْ فَرَّقَ سَهْوٌ .
قَوْلُهُ وَفِي النَّوَادِرِ إلَخْ لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَقْوَالِ لَا فِي الْأَفْعَالِ ، وَمَذْهَبُنَا لَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ ، وَقَصَدَ سَحْنُونٌ بِقَوْلِهِ لَا فَرْقَ الرَّدَّ عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ فِي التَّفْرِقَةِ بِأَنَّ الْعَمَى الَّذِي اعْتَبَرَاهُ مَوْجُودٌ حِينَ الْقَبُولِ وَتَبِعَهُ عج ، وَالْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى .
( أَوْ ) كَانَ الْعَدْلُ ( أَصَمَّ ) فَيُقْبَلُ إذَا شَهِدَ ( فِي فِعْلٍ ) رَآهُ بِعَيْنِهِ .
لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ ، إلَّا فِيمَا لَا يُلْبَسُ
( لَيْسَ ) الْعَدْلُ ( بِمُغَفَّلٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ مُثَقَّلًا .
الْبِسَاطِيُّ التَّغَفُّلُ عَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْقُوَّةِ الْمُدْرَكَةِ مَعَ وُجُودِهَا وَالْبَلَادَةُ عَدَمُهَا ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَا يَسْتَعْمِلُ مُدْرِكَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ( إلَّا فِيمَا ) أَيْ شَيْءٍ وَاضِحٍ ( لَا يُلْبَسُ ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَشْتَبِهُ بِغَيْرِهِ كَرَأَيْت فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا أَوْ قَطَعَ يَدَ فُلَانٍ أَوْ سَمِعْته يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ أَوْ يَعْتِقُ رَقِيقَهُ أَوْ يَقْذِفُ فُلَانًا .
الْمَازِرِيُّ إطْلَاقُ الْمُتَقَدِّمِينَ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِالْبَلَهِ وَالْغَفْلَةِ قَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِمَا كَثُرَ مِنْ الْكَلَامِ وَالْجُمَلِ الْمُتَعَلِّقِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لَا فِي نَحْوِ رَأَيْت هَذَا الشَّخْصَ يَفْعَلُ كَذَا .
وَلَا مُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ ، كَأَبٍ ، وَإِنْ عَلَا ، وَزَوْجِهِمَا وَوَلَدٍ ، وَإِنْ سَفَلَ .
كَبِنْتٍ وَزَوْجِهِمَا .
( وَلَا ) بِ ( مُتَأَكِّدِ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ مُثَقَّلَةً ، أَيْ قَوِيِّ ( الْقُرْبِ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ ، أَيْ الْقَرَابَةِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ( كَأَبٍ ) لَهُ إنْ اتَّصَلَ بِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ عَلَا ) كَجَدٍّ وَأَبِيهِ ( وَزَوْجِهِمَا ) أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ ( وَوَلَدٍ ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ إنْ اتَّصَلَ بِهِ ، بَلْ ( وَإِنْ سَفُلَ ) أَيْ نَزَلَ الْوَلَدُ ( كَبِنْتٍ ) فِي نُسْخَةٍ بِكَافِ التَّمْثِيلِ لِلْوَلَدِ وَفِي أُخْرَى بِاللَّامِ فَهِيَ مُبَالَغَةٌ ثَانِيَةٌ ، أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ السَّافِلُ لِابْنٍ ، بَلْ وَإِنْ كَانَ لِبِنْتٍ ( وَزَوْجِهِمَا ) أَيْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ .
وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ كَكُلٍّ عِنْدَ الْآخَرِ ، أَوْ عَلَى شَهَادَتِهِ ، أَوْ حُكْمِهِ
( وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ ) شَهَادَةٌ ( وَاحِدَةٌ ) فَيُحْتَاجُ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ بِشَاهِدٍ آخَرَ أَوْ يَمِينٍ .
الْحَطّ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ بِجَوَازِ الْجَمِيعِ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ شَهَادَةُ الْأَبِ مَعَ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ ابْنُ فَرْحُونٍ لَوْ شَهِدَ الْأَبُ مَعَ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَتْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ شَهَادَتُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ أَعْدَلُ ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَخَوَيْنِ فِي شَيْءٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ و لَيْسَا كَالْأَبِ وَابْنِهِ .
طفى فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ وَابْنِهِ شَهَادَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْوَى ، أَوْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ .
وَشَبَّهَ فِي الْإِلْغَاءِ فَقَالَ ( كَ ) شَهَادَةِ ( كُلٍّ ) مِنْ الْأَبِ وَابْنِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ( عِنْدَ الْآخَرِ ) الْقَاضِي أَيْ لَا تُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الْأَبِ عِنْدَ ابْنِهِ الْقَاضِي وَلَا شَهَادَةُ الِابْنِ عِنْدَ أَبِيهِ الْقَاضِي ( أَوْ ) شَهَادَةُ الْأَبِ ( عَلَى شَهَادَتِهِ ) أَيْ ابْنِهِ نَقْلًا عَنْهُ أَوْ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ نَقْلًا عَنْهُ ( أَوْ ) شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى ( حُكْمِهِ ) أَيْ الْآخَرِ كُلُّ ذَلِكَ لَغْوٌ .
ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافُ فِي شَهَادَةِ الْأَبِ عِنْدَ ابْنِهِ وَالِابْنِ عِنْدَ أَبِيهِ وَشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ الْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءٌ وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا كُلُّهَا وَاحِدٌ فَقِيلَ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ لِإِجَازَتِهِ شَهَادَةَ الْأَبِ عَلَى قَضَاءِ ابْنِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ ، وَإِجَازَتِهِ شَهَادَتَهُ عِنْدَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُبَرِّزًا ، وَهَذَا تَفْسِيرُهُ لِقَوْلِهِ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي مَعَ اشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ لِإِجَازَتِهِ شَهَادَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ الْآخَرِ وَشَهَادَتَهُ لِمَنْعِهِ قَضَاءَهُ بَعْدَ
عَزْلِهِ وَشَهَادَتَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ ، وَشَهَادَتَهُ عِنْدَهُ وَقِيلَ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ لِمَنْعِهِ شَهَادَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ الْآخَرِ ، وَهُوَ الْآتِي عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ .
وَفَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَيْنَ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ وَشَهَادَتِهِ عَلَى شَهَادَتِهِ ، وَبَيْنَ شَهَادَتِهِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ فَأَجَازَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ ، وَمَنَعَهَا فِي الْأَخِيرَةِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ ا هـ .
وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُهُ قَوْلُ مُطَرِّفٍ أَيْ الْجَوَازُ لَا فِي اشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّبْرِيزُ ، وَلِذَا كُلُّ مَنْ دَرَجَ عَلَى مَا بِهِ الْعَمَلُ مِنْ كَوْنِ شَهَادَتِهِ شَهَادَتَيْنِ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّبْرِيزَ ، لَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ خَاصًّا بِالْأَبِ دَنِيَّةً ، فَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَتَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ مَنَعَ ابْنُ سَحْنُونٍ إجَازَةَ الْقَاضِي شَهَادَةَ ابْنِهِ .
أَوْ ابْنِ ابْنِهِ عَلَى رَجُلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُبَرِّزَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ ا هـ .
وَأَمَّا شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ فَعِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهَا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ ، قَالَ وَفِي كُلٍّ قَوْلَانِ ، وَمِنْ هَذَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ .
بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ إنْ بَرَّزَ ، وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ ، وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِخِلَافِهِ ، كَأَجِيرٍ ، وَمَوْلَى وَمُلَاطِفٍ وَمُفَاوِضٍ فِي غَيْرِ مُفَاوَضَةٍ ، وَزَائِدٍ أَوْ مُنَقِّصٍ ، وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ
( بِخِلَافِ ) شَهَادَةِ ( أَخٍ لِأَخِيهِ ) فَتُقْبَلُ ( إنْ بَرَّزَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ فَاقَ الشَّاهِدُ أَقَرَّ أَنَّهُ فِي عَدَالَتِهِ وَهُوَ لَازِمٌ وَاسْمُ فَاعِلِهِ مُبَرِّزٌ أَيْ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ سَابِقٌ غَيْرَهُ مُقَدَّمٌ فِيهَا وَأَصْلُهُ مِنْ تَبْرِيزِ الْخَيْلِ فِي السَّبَقِ وَتَقَدُّمِ سَابِقِهَا وَهُوَ الْمُبَرِّزُ لِظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْأَخِ الْمُبَرِّزِ لِأَخِيهِ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَقَيَّدَ فِي تَوْضِيحِهِ إطْلَاقَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْأَمْوَالِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِ رَجُلٍ لَهُ ، وَكَذَا الْأَخُ وَالْأَجِيرُ إذَا كَانَا فِي عِيَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي عِيَالِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَا مُبَرِّزَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَالتَّعْدِيلِ .
ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ تَقْيِيدِ شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ .
ابْنُ رُشْدٍ أَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نِكَاحٍ وَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ إنْ نَكَحَ مَنْ يَتَزَيَّنُ بِنِكَاحِهِ إلَيْهِمْ ، وَفِي كَوْنِهِ تَفْسِيرَ الْقَوْلِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ خِلَافًا قَوْلَا ابْنِ دَحُونٍ وَغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَجِرَاحُ الْخَطَأِ وَقَتْلُهُ كَالْمَالِ ، وَفِي لَغْوَاهَا فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَصِحَّتِهَا نَقْلَا اللَّخْمِيِّ عَنْ مَعْرُوفِ الْمَذْهَبِ وَأَشْهَبَ مَعَ الْمَوَّازِيَّةِ ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى سَمَاعِ زُونَانَ .
أَشْهَبُ تَجُوزُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ تَجُوزُ فِي قَتْلِهِ وَالْحُدُودِ .
اللَّخْمِيُّ لَا تَجُوزُ فِي أَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ فَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُبَرِّزِ لِأَخِيهِ إنْ كَانَتْ بِمَالٍ ، بَلْ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( بِتَعْدِيلٍ ) لِلْأَخِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ ( تُؤُوِّلَتْ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلًا أَيْ فُهِمَتْ الْمُدَوَّنَةُ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ عَدَمِ تَعْدِيلِ الْمُبَرِّزِ أَخَاهُ .
عب كَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَ تت ، وَقَرَّرَهُ " ق " بِمَا يُفِيدُهُ أَنَّهَا تُؤُوِّلَتْ بِعَدَمِ
اشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ فِي شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَالْمُعْتَمَدُ اشْتِرَاطُ التَّبْرِيزِ .
الْبُنَانِيُّ وَيَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِمَا مَعًا بِأَنَّ مَعْنَاهُ وَتُؤُوِّلَتْ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَهَذَا أَفْيَدُ .
أَمَّا التَّأْوِيلَانِ فِي اشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ وَعَدَمِهِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ هُوَ الَّذِي فِي أَوَّلِ شَهَادَاتِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي أَثْنَائِهَا .
وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا فِي أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ قَيْدٌ لِغَيْرِهِ .
وَأَمَّا مَا فِي التَّعْدِيلِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي جَوَازِ تَعْدِيلِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَا نَصُّهُ الْجَوَازُ لِابْنِ الْقَاسِمِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ لِقَوْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَخُ وَالْأَجِيرُ فِي الْعِيَالِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا إذَا كَانَا مُبَرِّزَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهَا الْأَكْثَرُونَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِالتَّعْدِيلِ هُنَا تَعْدِيلُ مَنْ شَهِدَ لِأَخِيهِ بِمَالٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَالِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُجَرَّحُ مَنْ جَرَّحَ أَخَاهُ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُجَرَّحُ مَنْ جَرَّحَهُ .
وَشَبَّهَ فِي اشْتِرَاطِ التَّبْرِيزِ فَقَالَ ( كَأَجِيرٍ ) يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ .
فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمَشْهُودِ لَهُ ( وَ ) كَ ( مَوْلَى ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ أَسْفَلَ يَشْهَدُ لِمُعْتِقِهِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ .
أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَعْلَى لِلْأَسْفَلِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ ( وَ ) كَصَدِيقٍ ( مُلَاطِفٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِصَدِيقِهِ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ .
الْحَطّ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الَّذِي يُلَاطِفُ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَمَعْنَى اللُّطْفِ الْإِحْسَانُ وَالْبِرُّ وَالتَّكْرِمَةُ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي تَسْمِيَتِهِ تَعَالَى لَطِيفًا ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُلَاطَفَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَانَتْ كَمَسْأَلَةِ الْأَخَوَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنَالُ أَحَدُهُمَا بِرَّ الْآخَرِ وَصِلَتَهُ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ ابْنُ فَرْحُونٍ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ .
إنَّ أَخَاك الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَك وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَك وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَك شَتَّتَ فِيك شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك .
ا هـ .
وَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ هَذَا ، فَتَفْسِيرُ التَّنْبِيهَاتِ أَوْلَى .
( وَ ) كَشَرِيكٍ ( مُفَاوِضٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَاءٍ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا فَضَادٌ مُعْجَمَةٌ يَشْهَدُ لِشَرِيكِهِ ( فِي غَيْرِ ) مَالِ ( مُفَاوَضَةٍ ) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ بَرَّزَ فِي عَدَالَتِهِ ( وَ ) كَشَاهِدٍ ( زَائِدٍ ) فِي شَهَادَتِهِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا بِأَنْ شَهِدَ لِزَيْدٍ عَمْرٌو بِعَشَرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ لِشَهَادَتِهِ لَهُ عَلَيْهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَتُقْبَلُ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا ( أَوْ مُنَقِّصٍ ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا عَمَّا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا كَعَكْسِ الْمِثَالِ السَّابِقِ ، فَيُقْبَلُ إنْ بَرَّزَ .
( وَ ) كَشَاهِدٍ ( ذَاكِرٍ ) أَيْ مُتَذَكِّرٍ لِمَا شَهِدَ بِهِ ( بَعْدَ شَكٍّ ) مِنْهُ فِيهِ .
ابْنُ رُشْدٍ إذَا سُئِلَ الشَّخْصُ عَنْ شَهَادَةٍ فِي مَرَضِهِ لِتُنْقَلَ عَنْهُ أَوْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ تَحْصِينًا أَوْ سُئِلَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيَشْهَدَ بِهَا فَأَنْكَرَهَا ، وَقَالَ لَا عِلْمَ عِنْدِي مِنْهَا ثُمَّ جَاءَ يَشْهَدُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إذَا كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ .
وَأَمَّا لَوْ لَقِيَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَقَالَ لَهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَشْهَدُ عَلَيَّ بِكَذَا فَقَالَ لَهُ لَا أَشْهَدُ عَلَيْك بِكَذَا وَلَا عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ ، وَإِنْ شَهِدْت فَشَهَادَتِي بَاطِلَةٌ فَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي شَهَادَتِهِ وَلَا يَضُرُّهَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلِهِ بَيِّنَةٌ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ الشَّاهِدُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ
إنْ كُنْت شَهِدْت عَلَيْك بِكَذَا فَأَنَا مُبْطِلٌ ، فَهَذَا رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ .
وَ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ خِلَافًا .
وَتَزْكِيَةٍ وَإِنْ بِحَدٍّ مِنْ مَعْرُوفٍ ، إلَّا الْغَرِيبَ : بِأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لَا يُخْدَعُ ؛ مُعْتَمِدٍ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ ، لَا سَمَاعٍ مِنْ سُوقِهِ ، أَوْ مَحَلَّتِهِ ، إلَّا لِتَعَذُّرٍ
( وَ ) كَشَاهِدٍ فِي ( تَزْكِيَةٍ ) لِشَاهِدٍ فَتُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ إنْ بَرَّزَ وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِمَالٍ ، بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَتْ ( بِ ) مُوجِبِ ( حَدٍّ ) كَقَتْلٍ وَرِدَّةٍ وَزِنًا وَقَذْفٍ وَسُكْرٍ .
الْبَاجِيَّ يَجُوزُ التَّعْدِيلُ فِي الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَكُونُ التَّعْدِيلُ فِي الدِّمَاءِ وَلَا يُقْضَى بِهِ ، وَيُزَادُ عَلَى شَرْطِ التَّبْرِيزِ كَوْنُ التَّزْكِيَةِ ( مِنْ ) شَخْصٍ ( مَعْرُوفٍ ) عِنْدَ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَلَا تُقْبَلُ التَّزْكِيَةُ مِنْ مَعْرُوفٍ بِهَا عِنْدَهُ ( إلَّا ) الشَّاهِدَ ( الْغَرِيبَ ) فَتُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَعْرُوفٍ بِهَا عِنْدَهُ ، وَ مِثْلُ الْغَرِيبِ الْمَرْأَةُ .
ابْنُ عَاشِرٍ .
تَعْدِيلٌ احْتَاجَ لِتَعْدِيلٍ هَبَا إلَّا عَدَالَة النَّسَا وَالْغُرَبَا أَيْ إلَّا تَعْدِيلَ النِّسَاءِ وَالْغُرَبَاءِ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِمَّنْ يَحْتَاجُ لِلتَّعْدِيلِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْقَاضِي وَ الْهَبَاءُ مَا يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ الدَّاخِلِ مِنْ كُوَّةٍ مِثْلُ الْغُبَارِ " غ " أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَإِنْ شَهِدَ قَوْمٌ عَلَى حَقٍّ فَعَدَّلَهُمْ قَوْمٌ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ فَعَدَّلَ الْمُعَدِّلِينَ آخَرُونَ ، فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ غُرَبَاءَ جَازَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ عَدَالَةً عَلَى عَدَالَةٍ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ حَتَّى تَكُونَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي .
وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ التَّزْكِيَةِ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ ( أَشْهَدُ بِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّاهِدَ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ ( عَدْلٌ رِضًى ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورًا مُنَوَّنًا ، أَيْ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ .
ابْنُ الْجَلَّابِ لَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا .
وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ الْمَعْلُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ إجْزَاؤُهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ فَلَا يُجْزِئُ أَعْلَمُ أَوْ أَعْرِفُ قَالَهُ تت .
طفى تَبِعَ قَوْلَ الْبِسَاطِيِّ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ ، فَلَوْ قَالَ هُوَ عَدْلٌ رِضًى فَلَا يَكْفِي عَلَى الْمَشْهُورِ .
ا هـ .
وَهُوَ تَابِعٌ لِقَوْلِ الْمُوَضِّحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَيَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى ، وَقِيلَ أَوْ أَعْلَمُهُ أَوْ أَعْرِفُهُ يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ ، وَالثَّانِي يَكْفِي عِنْدَهُ أَشْهَدُ أَوْ أَعْلَمُهُ عَدْلًا رِضًى أَوْ أَعْرِفُهُ .
ا هـ .
وَهَذَا مُرَادُهُ فِي مُخْتَصَرِهِ لِإِدْخَالِ الْجَارِّ عَلَى الْفِعْلِ قَاصِدًا حِكَايَةَ لَفْظِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ هُوَ مُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ عَدْلٌ ، سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ أَشْهَدُ أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَا يَقُولُ أَعْلَمُهُ وَلَا أَعْرِفُهُ ، وَعَلَى هَذَا شَرَحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، فَقَالَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ اخْتَارَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي هَذَا الشَّاهِدُ عَدْلٌ رِضًى ا هـ .
اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ هُوَ عَدْلٌ رِضًى صَحَّتْ الْعَدَالَةُ .
الْمَازِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَفْظُ التَّعْدِيلِ .
أَنْ يَقُولَ هُوَ عَدْلٌ رِضًى .
ا هـ .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ بِقَوْلِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اشْتِرَاطِ لَفْظِ أَشْهَدُ فِي التَّزْكِيَةِ ، وَالرِّوَايَاتُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ .
وَرَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ يَكْفِي إلَخْ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٌ يَقُولُ هُوَ عَدْلٌ رِضًى جَائِزُ الشَّهَادَةِ يَجْمَعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ اخْتَارَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ قَوْلِهِ هُوَ عِنْدِي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالرِّضَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } وقَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا اكْتَفَى بِهِ لِذِكْرِهِ تَعَالَى كُلَّ لَفْظٍ وَحْدَهُ .
قُلْت وَهُوَ نَقْلُ
ابْنُ فَتُّوحٍ عَنْ الْمَذْهَبِ .
اللَّخْمِيُّ إنْ قَالَ عَدْلٌ رِضًى صَحَّتْ الْعَدَالَةُ ، وَاخْتُلِفَ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ هَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ أَمْ لَا ، فَإِنْ قَالَ إحْدَاهُمَا وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ الْأُخْرَى فَهُوَ تَعْدِيلٌ لِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ وُصِفَ بِإِحْدَاهُمَا ، وَإِنْ سُئِلَ عَنْ الْأُخْرَى فَوَقَفَ فَهِيَ رِيبَةٌ فِي تَعْدِيلِهِ فَيُسْأَلُ عَنْ سَبَبِ وَقْفِهِ ، فَقَدْ يَكُونُ مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ يَذْكُرُ مَا يُرِيبُ فَيُوقَفُ عَنْهُ .
وَفِي الْجَلَّابِ وَالتَّزْكِيَةُ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَنْ نَشْهَدَ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى ، وَلَا يَقْتَصِرَانِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدْلِ وَالرِّضَى .
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ إحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ لَا تَكْفِي وَهُوَ الَّذِي فِي الْجَلَّابِ ، وَفِي الْكَافِي هُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ الْمَعْلُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ ، وَأَنَّهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَجْزَأَهُ وَهُوَ الْمَعْلُومُ لِمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ ، فَالْأَوْلَى الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَائِدَةٌ ) الْقَرَافِيُّ قَاعِدَةُ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَمَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ .
اعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ ، فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ أَنَا أُخْبِرُك أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا عَنْ يَقِينٍ مِنِّي وَعِلْمٍ بِهِ فَلَا يُعَدُّ شَهَادَةً ، بَلْ هَذَا وَعْدٌ مِنْ الشَّاهِدِ لَهُ أَنَّهُ سَيُخْبِرُهُ بِهِ عَنْ يَقِينٍ فَلَا يَعْتَمِدُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُك بِكَذَا فَهُوَ كَاذِبٌ ، إذْ مُقْتَضَاهُ تَقَدُّمُ إخْبَارِهِ بِهِ وَلَمْ يَقَعْ ، فَالْمُضَارِعُ وَعْدٌ وَالْمَاضِي كَذِبٌ ، وَكَذَا اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُقْتَضِي لِلْحَالِ كَأَنَا مُخْبِرُك بِكَذَا ، فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ إخْبَارِهِ فِي الْحَالِ ، وَلَمْ يَقَعْ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ كَيْفَ تَصَرَّفَ لَا يُعَدُّ
شَهَادَةً وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ فَقَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ ، فَسَمِعْته يُقِرُّ لِفُلَانٍ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا ، أَوْ شَهِدْت بِصُدُورِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ ، فَلَيْسَ هَذَا أَدَاءُ شَهَادَةٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخْبِرٌ عَنْ أَمْرٍ تَقَدَّمَ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ بَعْدُ عَلَى مَا مَنَعَ الشَّهَادَةَ بِهِ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ حُدُوثِ رِيبَةٍ لِلشَّاهِدِ تَمْنَعُ الْأَدَاءَ فَلَا يَجُوزُ لِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الِاعْتِمَادُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ بِهِنَّ الشَّاهِدُ ، فَالْخَبَرُ كَيْفَ تَقَلَّبَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ ، وَلِذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ ، فَإِذَا قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِكَذَا كَانَ إنْشَاءً ، وَلَوْ قَالَ شَهِدْت لَمْ يَكُنْهُ .
عَكْسُ الْبَيْعِ لَوْ قَالَ أَبِيعُك لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً لَهُ ، بَلْ وَعْدٌ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ بِعْتُك كَانَ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ ، فَإِنْشَاءُ الشَّهَادَةِ بِالْمُضَارِعِ وَالْعُقُودِ بِالْمَاضِي وَإِنْشَاءُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالْمَاضِي وَاسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ وَلَا يَنْشَأُ الْبَيْعُ وَالشَّهَادَةُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ ، فَلَوْ قَالَ أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا أَوْ أَنَا بَائِعٌ ، كَذَا لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً .
وَسَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الْوَضْعُ الْعُرْفِيُّ ، فَمَا وَضَعَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لِلْإِنْشَاءِ فَهُوَ إنْشَاءٌ وَمَا لَا فَلَا فَاتُّفِقَ أَنَّهُمْ وَضَعُوا لِلْإِنْشَاءِ الْمَاضِيَ فِي الْعُقُودِ ، وَالْمُضَارِعَ فِي الشَّهَادَةِ وَاسْمَ الْفَاعِلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةً لِلْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ صَحَّ اعْتِمَادُ الْحَاكِمِ عَلَى الْمُضَارِعِ فِي الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ صَرِيحٌ فِيهِ ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ ،
وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى غَيْرِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ مِنْهُ ، فَإِنْ اتَّفَقَ تَغَيُّرُ الْعُرْفِ وَصَارَ الْمَاضِي مَوْضُوعًا لِإِنْشَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْمُضَارِعُ لِإِنْشَاءِ الْعُقُودِ اعْتَمَدَ الْحَاكِمُ عَلَى الْعُرْفِ الطَّارِئِ ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْعُرْفِ الْأَوَّلِ الَّذِي تُرِكَ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَاشِئٌ عَنْ الْعَوَائِدِ وَتَابِعٌ لَهَا ، وَأَنَّهُ يَنْقَلِبُ وَيَنْتَسِخُ بِتَغَيُّرِهَا وَانْقِلَابِهَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَذَا خَفَاءٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا تُؤَدَّى بِهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُؤَدَّى بِهِ ا هـ .
طفى جَعْلُهُ أَشْهَدُ إنْشَاءً لَا يَصِحُّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا ، لِقَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ الشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ تَقُولُ مِنْهُ شَهِدَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا ، وَقَوْلُ ابْنِ فَارِسٍ فِي مُجْمَلِهِ الشَّهَادَةُ خَبَرٌ عَنْ عِلْمٍ ، وَقَوْلُ فَخْرِ الدَّيْنِ أَشْهَدُ إخْبَارٌ عَنْ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الْمُسَمَّى كَلَامَ النَّفْسِ ، وَكَذَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِوَصْفِ الشَّاهِدِ بِالصِّدْقِ وَالزُّورِ ، وَهُمَا مِنْ عَوَارِضِ الْخَبَرِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ عَامًّا فَهِيَ الرِّوَايَةُ ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فَهِيَ الشَّهَادَةُ .
فَإِنْ قُلْت لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ جَعْلِ لَفْظِ أَشْهَدُ إنْشَاءً ، وَالشَّهَادَةِ خَبَرًا ، كَمَا قَالَ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ الْإِخْبَارُ عَنْ عَامٍّ لَا تُدَافَعُ فِيهِ الرِّوَايَةُ ، وَخِلَافُهُ الشَّهَادَةُ وَأَشْهَدُ إنْشَاءٌ تَضَمَّنَ إخْبَارًا لَا مَحْضَ إخْبَارٍ أَوْ إنْشَاءٍ ، وَعَلَى الْمُخْتَارِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ أَشْهَدُ إنْشَاءً وَبَيْنَ كَوْنِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ إخْبَارًا ؛ لِأَنَّهُ صِيغَةٌ مُؤَدِّيَةٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِمُتَعَلِّقِهِ .
قُلْت الشَّهَادَةُ مَصْدَرُ أَشْهَدُ فَيَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ أَحَدِهِمَا إنْشَاءً كَوْنُ الْآخَرِ كَذَلِكَ ، وَمِنْ النَّظَرِ إلَى الْمُتَعَلِّقِ فِي أَحَدِهِمَا كَوْنُ الْآخَرِ كَذَلِكَ ، فَلَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ
بَيْنَهُمَا كَمَا صَنَعَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْمُحَلَّى ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَشْهَدُ إنْ سُلِّمَ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لَزِمَ كَوْنُهُ إنْشَاءً لِذَلِكَ الْخَبَرِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ ، فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْمُتَعَلِّقِ فَخَبَرَانِ وَإِلَّا فَإِنْشَاءَانِ ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا ، وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ بَنَى مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ عِنْدَهُمْ حَصْرُ الشَّهَادَةِ فِي لَفْظِ أَشْهَدُ ، فَكَأَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ الْخَبَرِ ، فَحَصْرُ الْقَرَافِيِّ الشَّهَادَةَ فِيهِ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ ، إذْ لَمْ يَشْتَرِطُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ صِيغَةً مَخْصُوصَةً ، بَلْ قَالُوا الدَّارُ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ .
فِي النَّوَادِرِ قَوْلُهُ هَذِهِ شَهَادَتِي أَدَاءٌ لَهَا ، وَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَتَقَرَّرَ عِنْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ تَوَفُّرِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي حَصْرِ الْقَرَافِيِّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِي لَفْظِ أُؤَدِّي الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لِعُرْفٍ تَقَرَّرَ بَعِيدٌ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَرَافِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ .
وَنَقَلَ شَمْسُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ أَشْهَدُ ، بَلْ مَتَى قَالَ الشَّاهِدُ رَأَيْت كَذَا أَوْ سَمِعْت كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَتْ شَهَادَةً مِنْهُ ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ ، وَلَا وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَمَنْ تَصَفَّحَ نُصُوصَ الْمَالِكِيَّةِ
عَلِمَ بُطْلَانَ حَصْرِ الْقَرَافِيِّ الشَّهَادَةَ فِي لَفْظِ أَشْهَدُ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ التَّزْكِيَةِ ( مِنْ ) شَخْصٍ ( فَطِنٍ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، أَيْ ذِي فَطَانَةٍ وَنَبَاهَةٍ لَا يُخْدَعُ ( عَارِفٍ ) صِفَاتِ الْعُدُولِ وَأَضْدَادِهَا وَأَحْوَالِ النَّاسِ بِمُخَالَطَتِهِ لَهُمْ فَلَا يَغْتَرُّ بِظَوَاهِرِهِمْ ، إذْ كَمْ مِنْ ظَاهِرٍ مُمَوَّهٍ عَلَى بَاطِنٍ مُشَوَّهٍ ( لَا يُخْدَعُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ .
الْبِسَاطِيُّ هَذَا تَفْسِيرُ الْفَطِنِ يَزِيدُهُ أَيْضًا ( مُعْتَمِدٍ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ فِي مَعْرِفَةِ حَالِ مُزَكَّاهُ ( عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ ، أَيْ خُلْطَةٍ مَعَ مُزَكَّاهُ وَأَشْعَرَ تَذْكِيرُهُ الْأَوْصَافَ بِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يُزَكِّينَ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً وَهُوَ كَذَلِكَ ( لَا ) مُعْتَمِدٍ عَلَى ( سَمَاعٍ ) مِنْ مَحْصُورِينَ .
وَأَمَّا السَّمَاعُ الْفَاشِي مِنْ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْمُزَكِّي كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ يَثْبُتُ بِهَا التَّعْدِيلُ .
الْبُنَانِيُّ لَمَّا عَارَضَ هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي التَّعْدِيلِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِتَخْصِيصِ هَذَا بِالسَّمَاعِ مِنْ مُعَيَّنٍ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُعَدِّلِينَ وَالْمُجَرِّحِينَ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا فُلَانًا وَفُلَانًا يَشْهَدَانِ أَنَّ فُلَانًا عَدْلٌ رِضًى أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ نَقَلَهُ الْعَوْفِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ ، قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَى شَهَادَتِهِ أَشْهَدَهُمْ عَلَى التَّزْكِيَةِ أَوْ التَّجْرِيحِ وَوَفَّقَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بِتَوْفِيقٍ آخَرَ فَحَمَلَ مَا هُنَا عَلَى شَهَادَتِهِ بِالْقَطْعِ مُعْتَمِدًا عَلَى سَمَاعٍ فَاشِيًا كَانَ أَمْ لَا ، وَمَا يَأْتِي عَلَى الشَّهَادَةِ بِالسَّمَاعِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ التَّوْفِيقَيْنِ .
ابْنُ عَاشِرٍ إذَا كَفَى فِي التَّعْدِيلِ السَّمَاعُ الْفَاشِي ضَاعَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ ، أَيْ مُعْتَمِدًا عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ إلَخْ ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُزَكِّي ( مِنْ ) أَهْلِ سُوقِهِ أَيْ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ ( أَوْ ) أَهْلِ (
مَحِلَّتِهِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّ اللَّامِ ، أَيْ مَحِلِّ حُلُولِ وَسُكْنَى الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِأَحْوَالِهِ .
" غ " لَيْسَ الْجَارُّ مُتَعَلِّقًا بِسَمَاعٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ تَزْكِيَةٍ بِحَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ أَوْ مَحِلَّتِهِ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ وَتَزْكِيَةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ مَعْرُوفٍ وَمِنْ فَطِنٍ وَمِنْ أَهْلِ سُوقِهِ أَوْ مَحِلَّتِهِ ، وَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ وَمَحِلَّتِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ عَنْ تَعْدِيلِهِ مَعَ كَوْنِهِمْ أَقْعَدَ بِهِ رِيبَةٌ فِي تَعْدِيلِهِ ( إلَّا لِتَعَذُّرٍ ) لِتَزْكِيَتِهِ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ أَوْ مَحِلَّتِهِ لِعَدَمِ تَبْرِيزِهِمْ فَيُقْبَلُ تَعْدِيلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ .
اللَّخْمِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عَدْلٌ قُبِلَ مِنْ سَائِرِ بَلَدِهِ ، وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَلَا يُزَكَّى الشَّاهِدَ إلَّا أَهْلُ مَسْجِدِهِ وَسُوقِهِ وَجِيرَانُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ ، رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ .
ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ أَوْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ مُبْرِزِينَ بِالْعَدَالَةِ ، وَفِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَدِّلُوهُ أَهْلَ بَرَازَةٍ فِي الْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا الْمُبَرِّزَ بَدَلَ قَوْلِهِ إلَّا لِتَعَذُّرٍ كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ ، أَوْ قَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَدِّلُوهُ أَهْلَ بَرَازَةٍ .
وَوَجَبَتْ ؛ إنْ تَعَيَّنَ كَجَرْحٍ ، إنْ بَطَلَ حَقٌّ .
( وَوَجَبَ ) التَّعْدِيلُ ( إنْ تَعَيَّنَ ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ انْحَصَرَتْ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الْمُزَكِّي فِي مُبْرِزِينَ وَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حَقٍّ أَوْ بُطْلَانُ بَاطِلٍ .
قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَنْ عَلِمَ عَدَالَةَ شَخْصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ إلَّا أَنْ يَجِدَ غَيْرَهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ ، فَإِنْ عَرَفَ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ أَرْبَعَةٌ مُبَرِّزُونَ وَجَبَ عَلَى أَيِّ اثْنَيْنِ كِفَايَةً ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا إلَّا اثْنَانِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِمَا ، وَمَحِلُّ الْوُجُوبِ بِقِسْمَيْهِ إنْ طُلِبَتْ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ ، فَإِنْ لَمْ تُطْلَبْ فِي حَقِّهِ فَلَا تَجِبُ ، وَأَمَّا فِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّزْكِيَةِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ .
وَشَبَّهَ فِي الْوُجُوبِ فَقَالَ ( كَجَرْحٍ ) أَيْ تَجْرِيحِ شَاهِدٍ فَيَجِبُ ( إنْ بَطَلَ ) بِتَرْكِهِ ( حَقٌّ ) تت الشَّرْطُ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
طفى بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِهَذِهِ مِنْ قَاعِدَتِهِ مِنْ رُجُوعِ الشَّرْطِ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ ، وَيَكْفِي الْأَوَّلُ قَوْلُهُ إنْ تَعَيَّنَ .
الْحَطّ وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ وَأَنْتَ تَعْلَمُ جَرْحَتَهُ فَهَلْ يَجُوزُ لَك أَنْ تَجْرَحَهُ ؟ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ ، وَرَجَّحَ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِجَرْحَتِهِ .
وَنُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ
( وَنُدِبَ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ ( تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا ) أَيْ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُشَابُ بِالْمُدَاهَنَةِ ، فَإِنْ أَقْصَرَ عَلَى تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ أَجْزَأَتْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا تُجْزِئُ ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَزْكِيَةِ السِّرِّ أَجْزَأَتْ اتِّفَاقًا ، وَيَكْفِي فِي نَدْبِ الْجَمْعِ تَزْكِيَةُ وَاحِدٍ سِرًّا وَيُنْدَبُ تَعَدُّدُهُ ، فَفِيهِ مَنْدُوبَانِ ، وَتَجُوزُ التَّزْكِيَةُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ إنْ عَرَفَ الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ اسْمَ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ ، بَلْ ( وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ ) الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ ( الِاسْمَ ) لِلْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ ، هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَقَيَّدَهُ الْمُتَيْطِيُّ بِمَنْ اُشْتُهِرَ بِكُنْيَتِهِ أَوْ لَقَبِهِ ، وَرُبَّ مَشْهُورٍ بِكُنْيَتِهِ أَوْ لَقَبِهِ وَلَا يُعْرَفُ اسْمُهُ كَأَشْهَبَ اسْمُهُ مِسْكِينٌ وَسَحْنُونٌ اسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَإِلَّا فَيَبْعُدُ مَعَ طُولِ الْعِشْرَةِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ الِاسْمِ أَفَادَهُ تت .
" و غ " وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ ، كَذَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَنْ عَدَّلَ رَجُلًا لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ قَبْلَ تَعْدِيلِهِ ، وَجَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَالْمُنَافِي لِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي نَوَازِلِهِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُزَكِّيَ رَجُلًا إلَّا رَجُلًا قَدْ خَالَطَهُ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَسَافَرَ مَعَهُ وَرَافَقَهُ ، وَلِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يُزَكِّيه حَتَّى تَطُولَ الْمُخَالَطَةُ بَيْنَهُمَا ، فَيَعْلَمَ بَاطِنَهُ كَمَا يَعْلَمُ ظَاهِرَهُ ، قَالَ يُرِيدُ عِلْمَ بَاطِنِهِ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ لَا أَنَّهُ يَقْطَعُ بِذَلِكَ .
ابْنُ عَرَفَةَ وَانْظُرْ قَبُولَ سَحْنُونٍ تَزْكِيَةَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ مَعَ تَعَقُّبِ بَعْضِ أَهْلِ الزَّمَانِ تَزْكِيَةَ الشَّاهِدِ بَعْضَ الْعَوَامّ مَعَ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ بِالتَّعْرِيفِ بَعْدَ تَزْكِيَتِهِ إيَّاهُ أَوْ قَبْلَهَا بِقَرِيبٍ .
ا هـ .
وَاَلَّذِي فِي أَصْلِ الْمُتَيْطِيِّ وَيَجُوزُ تَزْكِيَةُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ إذَا اُشْتُهِرَ بِكُنْيَتِهِ أَوْ لَقَبٍ لَا يَعِزُّ
عَلَيْهِ ذِكْرُهُ ، وَرُبَّ رَجُلٍ مَشْهُورٍ بِكُنْيَتِهِ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ ، وَهَذَا أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا يَكَادُ أَكْثَرُ النَّاسِ يَعْرِفُ اسْمَهُ مِسْكِينٌ وَسَحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ اسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ ، وَبِهِ كَانَ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ .
وَيُقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِمَا سَبَقَ سَوَاءٌ ذَكَرَ سَبَبَهُ ( أَوْ لَمْ يَذْكُرْ ) الْمُعَدِّلُ بِالْكَسْرِ لِتَعْدِيلِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أُمُورٍ قَدْ يَعْسُرُ اسْتِحْضَارُهَا وَقْتَهُ ( بِخِلَافِ الْجَرْحِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ، أَيْ التَّجْرِيحِ لِلشَّاهِدِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ سَبَبِهِ ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ ، فَرُبَّمَا اعْتَمَدَ الْمُجَرِّحُ عَلَى مَا لَا يَقْتَضِيه كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَرَّحَ شَاهِدًا فَسُئِلَ عَنْ سَبَبِهِ فَقَالَ رَأَيْته يَبِيعُ وَلَا يُرَجِّحُ فِي الْمِيزَانِ .
سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " عَنْ الَّذِي يَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الشَّاهِدِ فَيُخْبِرُهُ بِبَعْضِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْحَدُّ ، فَقَالَ إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ فَكَشَفَ عَنْ الْمُشَاهَدِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُخْبِرِ شَيْءٌ .
الْحَطّ إذَا قَالَ أَحَدُ الْمُجَرِّحِينَ فِي الشَّاهِدِ هُوَ كَذَّابٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ فِيهِ هُوَ آكُلُ رِبًا فَلَيْسَ بِتَجْرِيحٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ خَائِنٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ يَأْكُلُ أَمْوَالَ الْيَتَامَى فَهَذَا تَجْرِيحٌ ، وَقِيلَ أَيْضًا إذَا جَرَّحَهُ أَحَدُهُمَا بِمَعْنًى وَجَرَّحَهُ الْآخَرُ بِمَعْنًى آخَرَ فَهَذَا تَجْرِيحٌ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ .
ابْنُ حَبِيبٍ وَسَأَلْته عَنْ تَجْرِيحِهِمَا إيَّاهُ أَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ ، وَقَالَا لَا نُسَمِّي الْجُرْحَةَ فَقَالَ هِيَ جُرْحَةٌ وَلَا يَكْشِفُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا أَفَادَهُ ابْنُ سَهْلٍ .
( وَ ) إنْ زَكَّى الشَّاهِدَ مُبَرِّزُونَ مَوْصُوفُونَ بِجَمِيعِ مَا سَبَقَ وَجَرَّحَهُ آخَرُونَ كَذَلِكَ فَ ( هُوَ ) أَيْ الْجَرْحُ ( مُقَدَّمٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ
وَالْقَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ( عَلَى التَّعْدِيلِ ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي الشَّاهِدِ يُعَدِّلُهُ الرَّجُلَانِ ، وَيَأْتِي الْمَطْلُوبُ بِالرَّجُلَيْنِ يُجَرِّحَانِهِ ، قَالَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى الشُّهُودِ أَيُّهُمَا أَعْدَلُ .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ الْمُجَرِّحَانِ أَوْلَى وَيَسْقُطُ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ هُوَ دَلِيلُ مَا فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ وَهْبٍ التَّعْدِيلُ أَوْلَى مِنْ التَّجْرِيحِ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُجَرِّحُونَ الْجُرْحَةَ وَتَعَارَضَتْ الشَّهَادَةُ ، فَإِنْ بَيَّنَ الْمُجَرِّحُونَ الْجُرْحَةَ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ أَعْمَلُ مِنْ شَهَادَةِ الْمُعَدِّلِينَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ عَدَالَةً مِنْهُمْ ، وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا وَجْهٌ .
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَوْجِيهِهَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُجَرِّحِينَ أَعْمَلُ هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ .
ابْنُ سَهْلٍ تَقْدِيمُ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ ، وَقَائِلُوهُ أَكْثَرُ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ .
الْمُتَيْطِيُّ الَّذِي مَضَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ التَّجْرِيحَ أَتَمُّ شَهَادَةً ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْ الْبَاطِنِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُونَ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ ، وَقَالَ فِي نِهَايَتِهِ شَهَادَةُ التَّجْرِيحِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ التَّعْدِيلِ تُبْطِلُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ بِالْجَرْحِ شَهَادَةَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنْ الرِّجَالِ بِالْعَدَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُجَرِّحَ عَلِمَ مِنْ حَالِ الْمُجَرَّحِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْمُزَكِّي ، هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي النَّوَادِرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا عُدِّلَ الشُّهُودُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ أَتَى مَنْ يُجَرِّحُهُمْ فَإِنَّهُ يُسْمَعُ الْجَرْحُ فِيهِمْ أَبَدًا مَا لَمْ يَحْكُمْ ،
فَإِنْ حَكَمَ فَلَا يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ بِجُرْحَةٍ وَلَا بِعَدَالَةٍ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ ا هـ .
ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ جَرَّحَ رَجُلَانِ عَدْلًا ثُمَّ جَاءَ الْمُجَرَّحُ بِمَنْ يُعَدِّلُهُ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ بِأَلْفِ عَدْلٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ ا هـ الْحَطّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ شَهِدَ ثَانِيًا : فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى : تَرَدُّدٌ .
وَبِخِلَافِهَا لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ ، أَوْ أَبَوَيْهِ : إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ
( وَإِنْ شَهِدَ ) الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ زَمَنًا ( ثَانِيًا ) مَرَّةً أُخْرَى ( فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى ) بِضَمِّ الْهَمْزِ رَوَاهُ أَشْهَبُ وَأَطْلَقَ .
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا يَحْتَاجُ لِتَعْدِيلٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَغْمِزَ بِشَيْءٍ أَوْ يَرْتَابَ مِنْهُ ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ زَكَّاهُ مَشْهُورُ الْعَدَالَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ تَزْكِيَتِهِ وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ عَنْهُ الْمَشْهُورُ بِالْعَدَالَةِ يَكْفِي فِيهِ التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ حَتَّى يُجَرَّحَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ ، وَاَلَّذِي لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بِهَا يَتَوَقَّفُ فِي تَعْدِيلِهِ ثَانِيًا أَوْ لَا يَكْفِي التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْدِيلِ كُلَّمَا يَشْهَدُ حَتَّى يَكْثُرَ تَعْدِيلُهُ وَتَشْتَهِرُ تَزْكِيَتُهُ ، وَهَذَا لِسَحْنُونٍ .
وَلِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ الثَّانِيَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْأُولَى وَلَمْ يَطُلْ مَا بَيْنَهُمَا جِدًّا كَفَتْ تَزْكِيَتُهُ الْأُولَى ، وَإِلَّا فَلْيَكْشِفْ عَنْهُ ثَانِيًا طَلَبَهُ الْمَشْهُودُ أَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَالسَّنَةُ طُولٌ .
وَلِأَشْهَبَ إنْ شَهِدَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا فَيُسْأَلُ عَنْهُ الْعَدْلُ الْأَوَّلُ ، فَإِنْ مَاتَ عُدِّلَ مَرَّةً أُخْرَى وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ شَهِدَ بِالْقُرْبِ مِنْ التَّزْكِيَةِ الْأُولَى عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ ، وَبَعْدَ طُولٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَكِّيه ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُرَدُّ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ تَزْكِيَتِهِ ثَانِيًا اسْتِحْسَانٌ ، وَ الْقِيَاسُ الِاكْتِفَاءُ بِتَزْكِيَتِهِ الْأُولَى مَا لَمْ يُتَّهَمْ بِحُدُوثِ أَمْرٍ ( تَرَدُّدٌ ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ .
( وَبِخِلَافِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ مِنْ أَبٍ ( لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى ) وَلَدِهِ ( الْآخَرِ ) فَتُقْبَلُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْأَبِ مَيْلٌ مَعَ الشُّهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ ظَهَرَ الْمَيْلُ فَلَا تُقْبَلُ كَشَهَادَتِهِ لِلْبَارِّ عَلَى الْعَاقِّ أَوْ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ ( أَوْ ) شَهَادَةِ الِابْنِ
لِأَحَدِ ( أَبَوَيْهِ ) عَلَى وَالِدِهِ الْآخَرِ فَتُقْبَلُ ( إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ ) مِنْ الشَّاهِدِ مَعَ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَكَانَ مُبَرِّزًا ، فَإِنْ ظَهَرَ مَيْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
ابْنُ يُونُسَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الِابْنِ يَشْهَدُ لِأَحَدِ وَالِدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا ، أَوْ يَكُونَ مَا يَشْهَدُ بِهِ يَسِيرًا .
" غ " الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ مُحْرِزٍ .
وَلَا عَدُوٌّ وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ ، أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ، وَلْيُخْبِرْ بِهَا كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا : " تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجَانِينِ " مُخَاصِمًا لَا شَاكِيًا
( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( عَدُوٍّ ) عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً فِي مَالٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ مَنْصِبٍ إنْ شَهِدَ عَلَى عُدُوِّهِ ، بَلْ ( وَلَوْ ) شَهِدَ ( عَلَى ابْنِهِ ) أَيْ الْعَدُوِّ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى ، زَادَ وَلَوْ كَانَ مِثْلَ ابْنِ شُرَيْحٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ .
ابْنُ عَرَفَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ أَبُو شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَشْيَاخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِجَوَازِهَا عَلَى ابْنِ عَدُوِّهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ بَيْنَ ( مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُسْلِمٍ عَلَى عَدُوِّهِ الْكَافِرِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ .
عِيَاضٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، إذْ لَوْ تَمَحَّضَ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَزِدْ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ .
" غ " هَذَا فِي حَيِّزِ الْإِغْيَاءِ ، كَأَنَّهُ قَالَ وَلَوْ طَرَأَتْ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ .
وَأَمَّا الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ كَاَلَّتِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ مِنْ جِهَةِ كُفْرِهِ وَاَلَّتِي بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ وَجُرْأَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَمْنَعُ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي فِيهِمَا لَا الْعَكْسُ لِمَانِعِ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ .
( وَلْيُخْبِرْ ) الْعَدْلُ الَّذِي شَهِدَ عَلَى عَدُوِّهِ الْحَاكِمَ ( بِهَا ) أَيْ الْعَدَاوَةِ وُجُوبًا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الَّذِي شَهِدْت عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِيَسْلَمَ مِنْ التَّدْلِيسِ وَلِاحْتِمَالِ عَدَمِ قَدْحِهَا إذَا فُسِّرَتْ .
ابْنُ فَرْحُونٍ وَمِثْلُهَا قَرَابَتُهُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ، وَمَثَّلَ لِلْعَدَاوَةِ فَقَالَ ( كَقَوْلِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( بَعْدَ ) أَدَائِ ( هَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ لِلْحَاكِمِ ( تَشْتُمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجْنُونِ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مُخَاصِمًا ) لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فَتُرَدُّ
شَهَادَتُهُ لِتَحَقُّقِ عَدَاوَتِهِ لَهُ ( لَا ) تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ حَالَ كَوْنِهِ ( شَاكِيًا ) أَيْ مُعَاتِبًا وَمُسْتَجِيرًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ عَدَاوَتِهِ لَهُ .
" غ " كَذَا هُوَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ الشَّهَادَاتِ تَشْتُمُنِي مِنْ الشَّتْمِ لَا تَتَّهِمُنِي مِنْ التُّهْمَةِ .
وَقَالَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ ، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ فَصَلَ فِي الثَّمَانِيَةِ بَيْنَ الْمُخَاصِمِ وَالشَّاكِي ، وَحَكَى عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَادِحٌ وَاسْتَظْهَرَهُ ، وَكَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا .
الْبُنَانِيُّ هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الثَّمَانِيَةِ ، وَلَمْ يُكْمِلْهُ الْمُصَنِّفُ ، وَنَصُّهُ عَلَى نَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا فِي " ق " إنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّكْوَى وَالْإِشْهَادِ مِنْ الْأَذَى لَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ خُصُومَةٍ وَلَا سَمَّى الشَّتْمَةَ فَلَا أَرَاهُ شَيْئًا ، وَإِنْ سَمَّى الشَّتْمَةَ وَهِيَ مِمَّا فِي مِثْلِهَا الْخُصُومَةُ أَوْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الطَّلَبِ لِخُصُومَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الشَّتْمَةَ فَشَهَادَتُهُ بَاطِلَةٌ سَاقِطَةٌ .
ا هـ .
وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ نَاقِصًا كَمَا هُنَا وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، قَالَ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَدُوُّهُ وَلَوْ قَالَ مَا هُوَ أَدْنَى مِنْ هَذَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ .
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَصْوَبُ ، قَالَ وَنَحْوُ هَذَا اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ .
قَالَ طَرْحُ الشَّهَادَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ .
وَاعْتَمَدَ فِي إعْسَارٍ بِصُحْبَةٍ ، وَقَرِينَةِ صَبْرٍ ضُرًّا : كَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ
( وَاعْتَمَدَ ) الشَّاهِدُ ( فِي ) شَهَادَتِهِ بِ ( إعْسَارٍ ) لِمَدِينٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ شَرِيكٍ ( بِ ) طُولِ ( صُحْبَةٍ ) لِلْمَشْهُودِ بِإِعْسَارِهِ ( وَ ) بِ ( قَرِينَةِ صَبْرِ ) الْمَشْهُودِ بِإِعْسَارِهِ عَلَى تَحَمُّلِ ( ضَرَرٍ ) بِجُوعٍ وَعُرْيِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ غَالِبًا .
وَشَبَّهَ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى الصُّحْبَةِ وَالْقَرِينَةِ فَقَالَ ( كَ ) الشَّهَادَةِ بِ ( ضَرَرِ ) أَحَدِ ( الزَّوْجَيْنِ ) الْآخَرَ فَيَعْتَمِدُ الشَّاهِدُ بِهِ عَلَى طُولِ صُحْبَتِهِمَا وَقَرِينَةِ صَبْرِ أَحَدِهِمَا عَلَى سُوءِ عِشْرَةِ الْآخَرِ .
الْحَطّ يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ بِالْإِعْسَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ كَالتَّعْدِيلِ ، وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ عَلَى تَحْصِيلِهِ غَالِبًا ، وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِمُقْتَضَاهُ لَتَعَطَّلَ الْحُكْمُ فِي التَّعْدِيلِ وَالْإِعْسَارِ وَنَحْوِهِمَا ، فَيَعْتَمِدُ فِي الْإِعْسَارِ عَلَى صُحْبَتِهِ وَمُشَاهَدَةِ صَبْرِهِ عَلَى الضَّرَرِ كَالْجُوعِ وَالْعُرْيِ مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْفَقْرِ ، فَبَاءُ بِصُحْبَةٍ بِمَعْنَى عَلَى .
" غ " بِصُحْبَةٍ أَيْ مُخَالَطَةٍ ، وَبِهَا عَبَّرَ الْمَازِرِيُّ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمِحْنَتِهِ أَيْ امْتِحَانِهِ ، وَهَذَا كَقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ بِالْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ وَعَلَى كُلٍّ فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيُّ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ احْتِمَالٌ فِي رُجُوعِ طَرِيقَةِ الْمُقَدِّمَاتِ إلَيْهَا .
الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ يَكْفِيه الظَّنُّ الْقَوِيُّ فِيمَا يَعْسُرُ فِيهِ الْعِلْمُ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي شَرْطِ شَهَادَةِ غَيْرِ السَّمَاعِ بِقَطْعِ الشَّاهِدِ بِالْعِلْمِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ مُطْلَقًا وَصِحَّتُهَا بِالظَّنِّ الْقَوِيِّ فِيمَا يَعْسُرُ الْعِلْمُ بِهِ عَادَةً طَرِيقَانِ ، الْأُولَى لِلْمُقَدِّمَاتِ لَا تَصِحُّ شَهَادَةٌ بِشَيْءٍ إلَّا بِعِلْمِهِ ، وَالْقَطْعُ بِمَعْرِفَتِهِ لَا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَعْرِفَتُهُ ، ثُمَّ قَسَّمَ مُحَصَّلَاتِ الْعِلْمِ .
الثَّانِيَةُ لِلْمَازِرِيِّ إنَّمَا يُطْلَبُ
الظَّنُّ الْقَوِيُّ الْمُزَاحِمُ لِلْعِلْمِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالشَّهَادَةِ بِالْإِعْسَارِ ، وَعَلَى هَذَا مَرَّ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ ، وَهَذَا الظَّنُّ النَّاشِئُ عَنْ الْقَرَائِنِ إنَّمَا هُوَ كَافٍ فِي جَزْمِ الشَّاهِدِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَتِّ ، وَلَوْ صَرَّحَ فِي أَدَاءِ شَهَادَتِهِ بِالظَّنِّ فَلَا تُقْبَلُ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ ابْنِ رُشْدٍ فَتَتَّفِقُ الطَّرِيقَتَانِ .
الْمَازِرِيُّ وَمِنْهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِهِ .
وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ أَوْ صِبًا ، أَوْ رِقٍّ أَوْ عَلَى التَّأَسِّي : كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ
( وَلَا ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( إنْ حَرَصَ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَإِهْمَالِ الصَّادِ الشَّاهِدُ ، أَيْ اُتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ بِالْحِرْصِ ( عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ ) عَنْهُ حَصَلَ لَهُ كَشَهَادَتِهِ بَعْدَ زَوَالِ مَانِعِهَا ( فِيمَا ) أَيْ شَيْءٍ أَوْ الشَّيْءِ الَّذِي ( رُدَّ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الشَّاهِدُ ( فِي ) شَهَادَتِهِ بِ ( هـ لِفِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ ) أَوْ كُفْرٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَدَّاهَا بَعْدَ زَوَالِ مَانِعِهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِيمَانِ لِاتِّهَامِهِ فِيهَا بِالْحِرْصِ عَلَى إزَالَةِ نَقْصِ رَدِّ شَهَادَتِهِ .
وَمَفْهُومُ رُدَّ أَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ وَلَمْ يُؤَدِّ الشَّهَادَةَ حَالَّةً وَأَدَّاهَا بَعْدَ زَوَالِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِسَلَامَتِهَا مِنْ تُهْمَةِ الْحِرْصِ عَلَى إزَالَةِ نَقْصِ الرَّدِّ ، إذْ لَا رَدَّ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِيمَنْ قَالَ لِقَاضٍ يَشْهَدُ لِي فُلَانٌ النَّصْرَانِيُّ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ ، ثُمَّ زَالَ مَانِعُهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا فَتْوًى لَا حُكْمٌ .
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ وَالْمَازِرِيُّ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا رُدَّتْ لِظِنَّةٍ أَوْ تُهْمَةٍ أَوْ لِمَانِعٍ مِنْ قَبُولِهَا ثُمَّ زَالَتْ التُّهْمَةُ أَوْ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِهَا ، فَإِذَا أُعِيدَتْ فَلَا تُقْبَلُ ا هـ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِيمَا رُدَّ فِيهِ مِمَّا لَوْ أَدَّى شَهَادَةً وَلَمْ تُرَدَّ حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ بِشَرْطِ إعَادَتِهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ ، فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْقَائِمُ بِشَهَادَتِهِ لِلْقَاضِي يَشْهَدُ لِي فُلَانٌ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ لَا أُجِيزُ شَهَادَتَهُ ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ رَدًّا لِشَهَادَتِهِ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ زَوَالِ مَانِعِهِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فَتْوَى قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَاحْتَرَزَ بِهِ أَيْضًا عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ زَوَالِ
الْمَانِعِ فِي غَيْرِ مَا رُدَّ فِيهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
( أَوْ ) حَرَصَ ( عَلَى التَّأَسِّي ) أَيْ مُمَاثَلَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي نَقْصِهِ لِيَخِفَّ عَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ ، وَإِذَا خَصَّتْ هَالَتْ .
الْبُنَانِيُّ الَّذِي فِي الْقَامُوسِ ائْتَسَى بِهِ جَعَلَهُ أُسْوَةً وَالْأُسْوَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الْقُدْوَةُ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَأَسٍّ بِهَذَا الْمَعْنَى ، لَكِنْ نَقَلَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ السِّرَاجِ عَنْ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ يُقَالُ التَّأَسِّي وَالِائْتِسَاءُ فِي الِاقْتِدَاءِ ، فَحَقَّقَ ذَلِكَ .
( كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ ) أَيْ الزِّنَا فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ فِيهَا بِحِرْصِهِ مُشَارَكَةَ غَيْرِهِ لَهُ فِي كَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا ( أَوْ ) شَهَادَةِ ( مَنْ ) أَيْ شَخْصٍ أَوْ الشَّخْصِ الَّذِي ( حُدَّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ لِزِنًا أَوْ سُكْرٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ ثُمَّ تَابَ وَشَهِدَ ( فِي ) مِثْلِ ( مَا حُدَّ فِيهِ ) فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ بِالْحِرْصِ عَلَى التَّأَسِّي ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ تُقْبَلُ وَمَفْهُومُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ ، أَنَّ شَهَادَتَهُ فِي غَيْرِ مَا حُدَّ فِيهِ تُقْبَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، كَمَنْ حُدَّ لِسُكْرٍ ثُمَّ يَشْهَدُ بِقَذْفٍ .
طفى قَوْلُهُ أَوْ عَلَى التَّأَسِّي هَذَا مِنْ الْمَانِعِ الرَّابِعِ ، وَلِذَا لَمْ يَقْرِنْهُ بِلَا لَكِنْ الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَفْرَادُ الْمَانِعِ كَمَا فَعَلَ فِي بَقِيَّتِهَا ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ .
الْخَامِسُ الْحِرْصُ عَلَى إزَالَةِ التَّعْيِيرِ بِإِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ أَوْ بِالتَّأَسِّي كَشَهَادَتِهِ فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ ، وَكَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا اتِّفَاقًا وَكَشَهَادَةِ مَنْ حُدَّ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ا هـ .
وَالتَّعْيِيرُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ عَيَّرَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ : كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ، أَوْ شَهِدَ وَحَلَفَ ، أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ ، وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِمْكَانِ ؛ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ : كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ ، وَإِلَّا خُيِّرَ : كَالزِّنَا بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ ، كَالْمُخْتَفِي ؛
وَلَا ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( إنْ حَرَصَ ) أَيْ اُتُّهِمَ الشَّاهِدُ بِالْحِرْصِ ( عَلَى الْقَبُولِ ) لِشَهَادَتِهِ ( كَمُخَاصَمَةِ ) أَيْ مُحَاكِمَةِ الشَّاهِدِ لِ ( مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ لِدَلَالَتِهَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ عَلَى التَّعَصُّبِ مَعَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
الْمَازِرِيُّ مُخَاصَمَتُهُمْ تَدُلُّ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى إنْقَاذِهَا ، وَقَدْ يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيفٍ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهَا .
طفى الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِعَامٍّ تَنْدَرِجُ فِيهِ أَفْرَادُ الْمَانِعِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يَشْمَلُهُ مَا قَبْلَهُ ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ السَّادِسُ الْحِرْصُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْإِفْرَادِ فَالْأَوْلَى ، وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ إفْرَادِهِمَا يَقُولُ بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ .
الْبُنَانِيُّ الْأَوْلَى وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الشَّهَادَةِ لِيَشْمَلَ الرَّفْعَ قَبْلَ الطَّلَبِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَصَ عَلَى الْأَدَاءِ لَا عَلَى الْقَبُولِ ، إذْ الْقَبُولُ فَرْعُ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ الْآنَ .
( أَوْ ) كَمَنْ ( شَهِدَ وَحَلَفَ ) عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ فَتُرَدُّ لِاتِّهَامِهِ بِالْحِرْصِ عَلَى قَبُولِهَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَامِّيًّا فِي التَّبْصِرَةِ .
وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ إذَا أَدَّاهَا ، وَهَذَا قَادِحٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَصُّبِ وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى نُفُوذِهَا .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْيَمِينَ الْقَادِحَةَ هِيَ الْوَاقِعَةُ عِنْدَ الْأَدَاءِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيه قَوْلُ " ز " قَدَّمَ الْحَلِفَ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ أَخَّرَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ عِنْدَ الْأَدَاءِ صَادِقٌ بِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( أَوْ رَفَعَ ) الشَّاهِدُ
شَهَادَتَهُ لِلْحَاكِمِ وَأَدَّاهَا لَهُ ( قَبْلَ الطَّلَبِ ) لَهَا مِنْهُ ( فِي مَحْضِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ خَالِصِ ( حَقِّ آدَمِيٍّ ) أَيْ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ ، وَإِنْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ أَيْضًا بِأَمْرِهِ بِتَوْفِيَتِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ فَلَا تُقْبَلُ لِلِاتِّهَامِ بِالْحِرْصِ عَلَى الْأَدَاءِ وَالتَّعَصُّبِ مَعَ الْمَشْهُودِ ، نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِ الْأَخَوَانِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِعِلْمِهِمْ ، وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرًا .
سَحْنُونٌ لَا يَكُونُ جُرْحَةً إلَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ ، إنْ كَانَ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ شَهَادَةٌ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الرُّبَاعَ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَعَارَهَا أَوْ أَكْرَاهَا لِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ وَالْوَلَدُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَنْ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُعْلِمَ الْوَلَدَ بِذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ جُرْحَةً إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنْ كَتَمَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِشَهَادَةٍ بَطَلَ الْحَقُّ أَوْ دَخَلَ بِذَلِكَ فِي مَضَرَّةٍ أَوْ مَعَرَّةٍ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْإِعْلَامُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ تَرَكَهُ .
( وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ ) وَهُوَ مَا لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ إسْقَاطُهُ ( تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ ) مِنْ الشَّاهِدِ بِالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الطَّلَبِ ( بِ ) حَسَبِ ( الْإِمْكَانِ ) فَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ لَا يُمْكِنُ الرَّفْعُ مَعَهُ ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ بِالرَّفْعِ ( إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُ ) ارْتِكَابِ ( هـ ) أَيْ الْمَشْهُودِ بِهِ ( كَعِتْقٍ ) لِرَقِيقٍ مَعَ اسْتِمْرَارِ اسْتِيلَاءِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْمُعْتَقِ اسْتِيلَاءَ الْمَالِكِ عَلَى مِلْكِهِ ( وَطَلَاقٍ ) بَائِنٍ لِزَوْجَةٍ مَعَ
دَوَامِ مُعَاشَرَةِ الزَّوْجِ لَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ ( وَوَقْفٍ ) مَعَ اسْتِمْرَارِ حَيَاةِ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ وَتَصَرُّفِهِ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ ، وَظَاهِرُهُ كَالْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ بِالْجَوَاهِرِ بِالثَّانِي ( وَرَضَاعٍ ) بَيْنَ زَوْجَيْنِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ تَحْرِيمَهُ ( خُيِّرَ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُثَقَّلَةً الشَّاهِدُ بَيْنَ الرَّفْعِ وَتَرْكِهِ ( كَالزِّنَا ) غَيْرِ الْمُسْتَدَامِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
عِيَاضٌ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ بِالْفِسْقِ وَالْمَعَاصِي ، وَأَمَّا هُوَ فَقَدْ كَرِهَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَغَيْرُهُ السَّتْرَ عَلَيْهِ لِيَرْتَدِعَ عَنْ فِسْقِهِ ، وَنَصُّهُ هَذَا السَّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ فِي السَّتْرِ وَسُتِرُوا غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَدَعُوا وَتَمَادَوْا فَكُشِفَ أَمْرُهُمْ وَقُمِعَ شَرُّهُمْ مِمَّا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السَّتْرِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُهَاوَدَةِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَمُصَافَاةِ أَهْلِهَا ، وَهَذَا أَيْضًا فِي كَشْفِ مَعْصِيَةٍ انْقَضَتْ وَفَاتَتْ فَأَمَّا إذَا عُرِفَ انْفِرَادُ رَجُلٍ بِعَمَلِ مَعْصِيَةٍ أَوْ اجْتِمَاعُ جَمَاعَةٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ السَّتْرُ هُنَا السُّكُوتُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهُمْ وَإِيَّاهَا ، بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَهُ تَغْيِيرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِكَشْفِهِ لِمَنْ يُعِينُهُ أَوْ السُّلْطَانِ فَلْيَفْعَلْ .
وَأَمَّا إيضَاحُ حَالِ مَنْ يُضْطَرُّ إلَى كَشْفِهِ مِنْ الشُّهُودِ وَالْأُمَنَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فَبَيَانُ حَالِهِمْ مِمَّنْ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ ، فَأَمَّا الشَّاهِدُ فَعِنْدَ طَلَبِ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ رُؤْيَةِ الْحَاكِمِ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ مَا يُسْقِطُهَا فَيَجِبُ رَفْعُهُ .
وَأَمَّا فِي أَصْحَابِ
الْحَدِيثِ وَحَمَلَةِ الْعِلْمِ الْمُقَلَّدِينَ فِيهِ فَيَجِبُ كَشْفُ أَحْوَالِهِمْ السَّيِّئَةِ لِمَنْ عَرَفَهَا مِمَّنْ يُقَلِّدُ فِي ذَلِكَ وَيُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِمْ وَيُقَلَّدُوا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ، عَلَى هَذَا اجْتَمَعَ رَأْيُ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَلَيْسَ السَّتْرُ هَاهُنَا بِمُرَغَّبٍ فِيهِ وَلَا بِمُبَاحٍ ا هـ .
( بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ ) لِلشَّهَادَةِ فَلَا يُقْدَحُ فِيهَا ( كَالْمُخْتَفِي ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ، أَيْ الْمُتَوَارِي عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الَّذِي يُقِرُّ بِمَا عَلَيْهِ سِرًّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ .
وَيُنْكِرُهُ إذَا حَضَرَهُ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِذَا اخْتَفَى مِنْهُ عَدْلَانِ أَوْ سَمِعَا إقْرَارَهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْخَلْوَةِ وَضَبَطَاهُ وَشَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ فَالْمَشْهُورُ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِمَا حِرْصُهُمَا عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ فَفِي التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي لِتَحَمُّلِهَا لَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ .
مُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَخْدُوعًا وَلَا خَائِفًا .
خَلِيلٌ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَتْمِيمٌ لِلْمَشْهُورِ ، فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي رَجُلَيْنِ قَعَدَ الرَّجُلُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ ، قَالَ إنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ مَخْدُوعًا أَوْ خَائِفًا فَلَا يَلْزَمُهُ وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ خَالِيًا وَيَأْبَى مِنْ الْبَيِّنَةِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ ، قِيلَ فَرَجُلٌ لَا يُقِرُّ إلَّا خَالِيًا فَاقْعُدْ لَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُهُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ، قَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَسْتَوْعِبُ أَمْرَهُمَا ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَسْمَعَ جَوَابَهُ لِسُؤَالِهِ ، وَلَعَلَّهُ قَالَ لَهُ سِرًّا إنْ جِئْتُك بِكَذَا ، أَمَّا الَّذِي لِي عَلَيْك فَيَقُولُ لَك عِنْدِي كَذَا ، فَإِنْ قَدَرْت أَنْ
تُحِيطَ بِسِرِّهِمْ فَجَائِزٌ ا هـ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ شَهَادَةُ الْمُخْتَفِي لَا خَفَاءَ فِي رَدِّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ دُونَ قَوْلِهِ اشْهَدْ عَلَيَّ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ فِيهَا مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ مُطْلَقًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الِاخْتِفَاءَ لِتَحَمُّلِهَا وَقَبِلَهَا إنْ شَهِدَا بِهَا وَهُمْ الْأَكْثَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى هُنَا .
خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ مَنْ يَخْشَى أَنْ يُخْدَعَ لِضَعْفِهِ وَجَهْلِهِ وَبَيْنَ مَنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَلَوْ أَنْكَرَ الضَّعِيفُ الْجَاهِلُ الْإِقْرَارَ جُمْلَةً لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا قَالَ أَقْرَرْت لِوَجْهِ كَذَا مِمَّا يُشْبِهُ ا هـ .
وَدَلَّ الْمَشْهُورُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ قَوْلُ الْمُقِرِّ اشْهَدْ عَلَيَّ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي هَذَا قَوْلَانِ .
وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ : كَبَدْوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ ، بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ ، أَوْ مَرَّ بِهِ
( وَلَا ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( إنْ اُسْتُبْعِدَ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وُقُوعُ مِثْلِهَا عَادَةً ( كَ ) شَهَادَةِ رَجُلٍ ( بَدْوِيٍّ ) مَنْسُوبٍ لِلْبَادِيَةِ لِسُكْنَاهُ بِهَا ( لِ ) رَجُلٍ ( حَضَرِيٍّ ) مَنْسُوبٍ لِلْحَاضِرَةِ لِسُكْنَاهُ بِهَا عَلَى حَضَرِيٍّ أَوْ بَدْوِيٍّ فَلَا تُقْبَلُ لِبُعْدِهَا عَادَةً ، إذْ لَمْ تَجْرِ بِإِشْهَادِ الْبَدْوِيِّ مَعَ وُجُودِ الْحَضَرِيِّينَ .
اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ هَذَا إذَا كَتَبَ الْبَدَوِيُّ الْوَثِيقَةَ بِخَطِّهِ وَهُمَا فِي الْحَضَرِ مَعَ تَيَسُّرِ إشْهَادِ الْحَضَرِيِّينَ .
وَأَمَّا لَوْ مَرَّا بِهِ بِالْبَادِيَةِ أَوْ سَمِعَ إقْرَارَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَاضِرَةِ فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ بُعْدِهَا حِينَئِذٍ .
ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ حَاصِلُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فِيمَا يُقْصَدُ إلَى إشْهَادِهِمْ عَلَيْهِ دُونَ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ فِيمَا يَقَعُ بِالْحَاضِرَةِ مِنْ عُقُودِ مُعَاوَضَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَتَدْبِيرٍ وَعِتْقٍ وَنِكَاحٍ وَشَبَهِهَا لَا تَجُوزُ ، فَلَا شَهَادَةَ لِبَدَوِيٍّ فِي حَضَرٍ عَلَى حَضَرِيٍّ ، وَلَا عَلَى بِدَوِيٍّ وَلَا لِبَدَوِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ إلَّا فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَشَبَهِهَا مِمَّا لَا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ .
وَتَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ بِالْبَادِيَةِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى حَضَرِيٍّ أَوْ بِدَوِيٍّ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ حَضَرَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ شَيْئًا مِمَّا يَقَعُ فِي الْحَاضِرَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُعَامَلَةٍ وَغَيْرِهَا دُونَ أَنْ يَحْضُرُوا لِذَلِكَ ، أَوْ يُقْصَدَ إلَى إشْهَادِهِمْ فَشَهِدُوا بِمَا حَضَرُوهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانُوا عُدُولًا .
ا هـ .
وَأَمَّا شَهَادَةُ الْحَضَرِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ فَفِيهَا خِلَافٌ فِي التَّوْضِيحِ .
( بِخِلَافِ ) شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ بِإِقْرَارِ الْحَضَرِيِّ ( إنْ سَمِعَهُ ) أَيْ الْبَدْوِيُّ إقْرَارًا لِحَضَرِيٍّ فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ بُعْدِهَا ( أَوْ ) شَهَادَةِ الْبَدْوِيِّ لِحَضَرِيٍّ
عَلَى حَضَرِيٍّ أَوْ بِدَوِيٍّ بِمُعَامَلَةٍ بِبَادِيَةٍ إنْ ( مَرَّ ) الْحَضَرِيُّ ( بِهِ ) أَيْ الْبَدْوِيِّ وَهُوَ بِبَادِيَتِهِ فَتُقْبَلُ ، إذْ لَا بُعْدَ فِيهَا .
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْحَضَرِيِّ عَلَى الْبَدْوِيِّ .
ابْنُ وَهْبٍ وَأَنَا أَقُولُ إنَّهَا جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَهَا مَا دَخَلَ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ مِنْ الظِّنَّةِ وَالتُّهْمَةِ ، وَرَأَى قَوْمٌ مَنْعَهَا .
وَلَا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ ، أَوْ يَسْأَلُ الْأَعْيَانَ
( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَخْصٍ فَقِيرٍ ( سَائِلٍ ) أَيْ طَلَبَ الْإِعْطَاءِ مِنْ غَيْرِهِ ( فِي ) مَالٍ ( كَثِيرٍ ) تَعَامَلَ فِيهِ غَنِيَّانِ لِبُعْدِهَا ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَغْنِيَاءِ كَتْمُ أَمْوَالِهِمْ الْكَثِيرَةِ وَإِخْفَاؤُهَا عَنْ السَّائِلِينَ .
وَمَفْهُومُ كَثِيرٍ قَبُولُ شَهَادَتِهِ فِي التَّافِهِ الْيَسِيرِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ .
طفى هَذَا مُنْتَظِمٌ فِي سِلْكِ الِاسْتِبْعَادِ وَمِنْ أَفْرَادِهِ ، فَالْأَوْلَى تَجْرِيدُهُ مِنْ لَا ، إذْ لَا يُعِيدُهَا إلَّا لِمَانِعٍ لَا لِإِفْرَادِهِ كَمَا فَعَلَ فِي سَائِرِ الْمَوَانِعِ ، وَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ ، فَلَوْ قَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ حَضَرِيٍّ أَوْ سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ إلَخْ .
ثُمَّ قَالَ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَوْ مَرَّ بِهِ لِيَعُودَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا هُوَ النَّقْلُ لَكَانَ أَحْسَنَ .
الْبُنَانِيُّ الْمَانِعُ فِي هَذَا هُوَ الِاسْتِبْعَادُ أَيْضًا ، فَيُقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَ بِهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ ، بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَوْ مَرَّ بِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي كَثِيرٍ أَنَّهَا فِي الْأَمْوَالِ لَا الْحِرَابَةِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا .
تت ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ سَأَلَ لِمُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ أَمْ لَا ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مَنْ سَأَلَ لِمُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ أَوْ دِيَةٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ .
( بِخِلَافِ مَنْ ) أَيْ فَقِيرٍ ( لَمْ يَسْأَلْ ) النَّاسَ شَيْئًا ، سَوَاءٌ كَانَ يَأْخُذُ إنْ أُعْطِيَ أَمْ لَا فَتَقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تُجَوِّزُ شَهَادَتَهُ إنْ كَانَ يَقْبَلُ مِمَّنْ يُعْطِيه مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا أَتَاك مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ ( أَوْ ) مَنْ ( يَسْأَلُ ) الْإِمَامَ أَوْ ( الْأَعْيَانَ ) جَمْعُ عَيْنٍ أَيْ الْأَكَابِرَ مِنْ النَّاسِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْكَثِيرِ .
ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا نَفْعًا : كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا ، أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ إلَّا الْفَقِيرَ ؛ أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلَائِهِ ، أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ ، بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ ، وَشَهَادَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ وَإِنْ بِالْمَجْلِسِ وَالْقَافِلَةِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ؛ فِي حِرَابَةٍ
( وَلَا ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( إنْ جَرَّ ) الشَّاهِدُ ( بِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ ( نَفْعًا ) لِنَفْسِهِ ( كَ ) شَهَادَةِ فَقِيرٍ ( عَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ ) الْعُدْوَانِ فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ بِقَصْدِ قَتْلِهِ لِيَرِثَهُ .
وَخَرَجَ بِالْمُحْصَنِ الْبِكْرُ وَبِالْعَمْدِ الْخَطَأُ فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ .
وَقَيَّدَ أَشْهَبُ عَدَمَ الْقَبُولِ بِكَوْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ غَنِيًّا وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( إلَّا ) الْمُوَرِّثَ ( الْفَقِيرَ ) فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَارِثِهِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ( أَوْ ) شَهَادَةٌ ( بِعِتْقِ مَنْ ) أَيْ رَقِيقٍ ( يُتَّهَمُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الشَّاهِدُ ( فِي ) الِاخْتِصَاصِ بِ ( وَلَائِهِ ) عَنْ الْإِنَاثِ مِنْ وَرَثَةِ مُعْتِقِهِ وَالرَّقِيقُ ذُو مَالٍ ، فَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا لِعَدَمِ الْإِنَاثِ فِي الْوَرَثَةِ أَوْ عَدَمِ مَالِ الرَّقِيقِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِعِتْقِهِ .
ابْنُ عَرَفَةَ فِي ثَانِي عِتْقِهَا إنْ شَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا نِسَاءٌ وَالْعَبْدُ يَرْغَبُ فِي وَلَائِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْغَبُ فِي وَلَائِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ نِسَاءٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا .
( أَوْ ) شَهَادَةٌ ( بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ بِقَصْدِ أَخْذِهِ فِي دَيْنِهِ الَّذِي عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ ، وَظَاهِرُهُ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا اتَّحَدَ الدَّيْنَانِ فِي الصِّفَةِ أَوْ اخْتَلَفَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا .
وَمَفْهُومُ بِدَيْنٍ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ بِغَيْرِ الْمَالِ مَقْبُولَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ .
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازُ شَهَادَةِ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ الْمَدِينُ مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا تُقْبَلُ .
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الَّذِي بَلَغَهُ هُوَ تَفْسِيرُ مَا
سَمِعَهُ مُجْمَلًا ، وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَرِيبَ الْحُلُولِ ، وَأَمَّا إنْ بَعُدَ فَجَائِزَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ مَلِيًّا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ .
قَالَهُ تت .
طفى فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ يَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا ، وَمَا بَلَغَهُ خِلَافًا لَهُ ، فَأَيْنَ مُسْتَنَدُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَيْدِ وَهُوَ ظَاهِرُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ ، وَأَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلشَّهَادَةِ بِالدَّيْنِ ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ لَوْ قَالَ أَوْ بِمَالٍ لِمَدِينِهِ الْمُعْدِمِ أَوْ الْمُلِدِّ لَجَمَعَ الْقُيُودَ كُلَّهَا .
ا هـ .
وَنُوقِشَ بِبَقَاءِ قَيْدِ الْحُلُولِ أَوْ قُرْبِهِ ، وَعُذْرُ تت مُتَابَعَةُ التَّوْضِيحِ التَّابِعِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : رَدُّهَا مُطْلَقًا ، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ ، وَجَوَازُهَا مُطْلَقًا لِأَشْهَبَ ، وَلِبَعْضِهِمْ التَّفْرِقَةُ بَعْدَ الْمَلِيءِ وَالْمُعْدِمِ وَتَبِعَهُمَا فِي الشَّامِلِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ لَمْ أَجِدْ الْمَنْعَ مُطْلَقًا لِابْنِ الْقَاسِمِ ، وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا ، وَلَعَلَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِدَلِيلِ عَزْوِهِمَا التَّفْرِقَةَ لِبَعْضِهِمْ وَهُوَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ لِمَالِكٍ فِيمَا بَلَغَ ابْنَ الْقَاسِمِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَقَدْ أَشَارَ " ح " لِمَا قُلْنَاهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بِخِلَافِ ) شَهَادَةِ الشَّخْصِ ( الْمُنْفِقِ لِ ) لِشَخْصِ ا ( لِمُنْفَقٍ عَلَيْهِ ) فَإِنَّهَا تُقْبَلُ قَرِيبًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا .
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ فِي عِيَالِ الشَّاهِدِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ إذْ لَا تُهْمَةَ .
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ قَرَابَةِ الشَّاهِدِ كَأَخِيهِ انْبَغَى أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ
نَفَقَتُهُ لَا تَلْزَمُهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ بَعْدَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ وَصِلَتِهِ مَعَرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَجْنَبِيًّا جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ .
الصِّقِلِّيُّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ ، وَالْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَهِيَ مِمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ أَوْ لِمَدِينِهِ بِدَيْنٍ .
الْحَطّ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِلْمُنْفِقِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهَا ، وَنَقَلَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ مُبَرِّزًا ، وَذَكَرَ نَصَّهَا وَقَالَ عَقِبَهُ لَعَلَّ صَوَابَهُ الْمُنْفِقُ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَهِيَ صُورَةُ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) بِخِلَافِ ( شَهَادَةِ كُلٍّ ) مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ( لِلْآخَرِ ) فَإِنَّهَا تُقْبَلُ ، سَوَاءٌ شَهِدَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ إنْ كَانَتْ شَهَادَةُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ بِغَيْرِ الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ ، بَلْ ( وَإِنْ ) شَهِدَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ ( بِالْمَجْلِسِ ) الْأَوَّلِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ ابْن الْقَاسِمِ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى رَجُلٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسُقُوطِهَا .
ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى رَجُلَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسَيْنِ جَازَتْ عَلَى رَجُلَيْنِ ، وَفِي جَوَازِهَا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ .
اللَّخْمِيُّ عَنْ الْأَخَوَيْنِ إنْ كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ تَجُزْ ، وَإِنْ كَانَتْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ .
جَازَتْ وَلَوْ تَقَارَبَ مَا بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَجُلَيْنِ جَازَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَرَى رَدَّهُ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى رَجُلَيْنِ بِمَجْلِسَيْنِ لَفْظًا أَوْ
بِكِتَابٍ لِتُهْمَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَطُولَ مَا بَيْنَهُمَا .
الْمَازِرِيُّ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ لِرَجُلَيْنِ شَهِدَا لَهُمَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ بِمَجْلِسَيْنِ جَازَتْ وَلَوْ تَقَارَبَا ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَفِي سُقُوطِهَا نَصُّ قَوْلِ الْأَخَوَيْنِ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْبَغَ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِيَارَ اللَّخْمِيِّ وَأَقَرَّهُ تت تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا صُوَرٌ : الْأُولَى أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَشْهَدَ فُلَانٌ الْمَشْهُودُ لَهُ بِأَنَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِلشَّاهِدِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ اتَّحَدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُودُ بِهِ وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ ، فَقَالَ فِيهِمَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا تُقْبَلَانِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبُولُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ .
الثَّانِيَةُ : تَعَدُّدُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَبَاقِيهَا بِحَالِهِ ، وَالْمَذْهَبُ قَبُولُهَا ، وَرَأَى اللَّخْمِيُّ عَدَمَهُ .
الثَّالِثُ : تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ ، وَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَحَكَى الْمَازِرِيُّ الِاتِّفَاقَ فِيهَا وَلَمْ يَعْتَبِرْ رَأْيَ اللَّخْمِيِّ .
الرَّابِعَةُ : اخْتِلَافُ الْكُلِّ وَطُولُ الزَّمَانِ وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ فِي قَبُولِهَا فِيهَا .
( وَ ) بِخِلَافِ شَهَادَةِ ( الْقَافِلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي حِرَابَةٍ ) عَلَى الْمُحَارَبِينَ فَتُقْبَلُ مَعَ الْعَدَاوَةِ لِلضَّرُورَةِ ، وَظَاهِرُهُ كَانُوا عُدُولًا أَوْ لَا .
وَفِيهَا إنْ كَانُوا عُدُولًا وَسَوَاءٌ شَهِدُوا بِمَالٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا .
طفى قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ كَانُوا عُدُولًا أَوْ لَا ، لَيْسَ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ .
الْبُنَانِيُّ وَهَذَا إذَا شَهِدُوا فِي حِرَابَةٍ .
وَأَمَّا إنْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَفِي " ق " رَوَى الْأَخَوَانِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لِلضَّرُورَةِ
بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ وَحْدَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْعَدَالَةُ ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ فِي التُّحْفَةِ إذْ قَالَ : وَمَنْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ قَدْ ظَهَرْ زُكِّيَ إلَّا فِي ضَرُورَةِ السَّفَرْ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا تَجُوزُ عَلَى الْمُحَارَبِينَ شَهَادَةُ مَنْ حَارَبُوهُ إنْ كَانُوا عُدُولًا ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ شَهِدُوا بِقَتْلٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ .
وَسَمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ إنْ شَهِدَ مَسْلُوبُونَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ سَلَبُونَا هَذِهِ الثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَيْدِيهِمْ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْمَتَاعَ وَلَا الدَّوَابَّ إلَّا بِشَهِيدَيْنِ سِوَاهُمَا .
ابْنُ رُشْدٍ قِيلَ هَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِيهَا ، إذْ لَمْ يُقَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ عَلَى قَبِيلِ قَوْلِهِ فِي سَرِقَتِهَا أَنَّهُ يُقَامُ عَلَى الْمُحَارَبِينَ الْحَدُّ وَيُعْطَوْنَ الْمَالَ بِشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ .
وَقِيلَ لَيْسَتْ مُخَالَفَةً لَهُ وَمَعْنَى السَّمَاعِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْمَتَاعِ وَالدَّوَابِّ ، فَلِذَا سَقَطَتْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ .
وَقِيلَ يَسْتَحِقَّانِ الدَّوَابَّ وَالْمَتَاعَ وَإِنْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهِمَا وَهُوَ الْآتِي عَلَى رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ فِي أَنَّ شَهَادَةَ شَهِيدَيْنِ مِنْ الْمَسْلُوبِينَ عَلَى مَنْ سَلَبُوهُمْ جَائِزَةٌ فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ لِأَنْفُسِهِمَا وَلِأَصْحَابِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا إذَا جَازَتْ فِي الْحَدِّ جَازَتْ فِي الْمَالِ لِأَنْفُسِهِمَا وَلِغَيْرِهِمَا ، إذْ لَا يُجَوَّزُ بَعْضُ الشَّهَادَةِ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا .
وَقِيلَ لَا تَجُوزُ فِي حَدٍّ وَلَا فِي مَالٍ لِغَيْرِهِمَا ، إذْ لَمْ تَجُزْ لِأَنْفُسِهِمَا ؛ لِأَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ فِي بَعْضِ شَهَادَتِهِ رُدَّتْ كُلُّهَا ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ .
ثُمَّ قَالَ فَفِي صِحَّتِهَا فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ وَلَوْ لِأَنْفُسِهِمَا وَرَدَّهَا فِيهِمَا وَلَوْ بِالْمَالِ لِغَيْرِهِمَا .
ثَالِثُهَا
فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ لِغَيْرِهِمَا لَا لِأَنْفُسِهِمَا ، ثُمَّ قَالَ وَرَابِعُهَا لَا تَجُوزُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَتَجُوزُ فِي الْحَدِّ وَفِي أَمْوَالِ الرُّفْقَةِ وَلَا فِي أَمْوَالِ الشُّهَدَاءِ .
هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ مَا شَهِدُوا بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ كَثِيرًا ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُتَّهَمُونَ عَلَيْهِ جَازَتْ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الَّذِي فِي الْوَصِيَّةِ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِمْ بِالسَّلْبِ دُونَ الْمَالِ جَازَتْ عَلَيْهِمْ فِي الْحَدِّ وَبَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا وُجِدَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَالِ اتِّفَاقًا فِيهِمَا .
لَا الْمَجْلُوبِينَ ، إلَّا كَعِشْرِينَ
( لَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَوْمِ ( الْمَجْلُوبِينَ ) بِالْجِيمِ ، أَيْ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ جَلَبَهُمْ وَأَرْسَلَهُمْ السُّلْطَانُ لِحِرَاسَةِ ثَغْرٍ وَنَحْوِهِ لِبَعْضِهِمْ عَلَى أَهْلِ الثَّغْرِ أَوْ نَحْوِهِ الَّذِي أَقَامُوا بِهِ ( إلَّا ) الشُّهُودَ الْكَثِيرِينَ ( كَعِشْرِينَ ) عَدْلًا مِنْهُمْ وَأَبَاهُ سَحْنُونٌ فِي الْعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ تَأْخُذُهُمْ حَمِيَّةُ الْبَلَدِيَّةِ .
الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْمَجْلُوبِينَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا وَيَشْهَدُ مِنْهُمْ كَالْعِشْرِينِ فَأَكْثَرُ فَتُقْبَلُ ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِنَفْسِهِ ، وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْعِشْرِينَ أَوْ لَا ؟ الْأَوَّلُ لِلتُّونُسِيِّ ، وَالثَّانِي لِلَّخْمِيِّ ، وَكَوْنُ الْعِشْرِينَ شَاهِدِينَ صَرَّحَ بِهِ التُّونُسِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ ، وَالْمَجْلُوبُونَ قَوْمٌ أَرْسَلَهُمْ السُّلْطَانُ لِسَدِّ ثَغْرٍ أَوْ حِرَاسَةِ قَرْيَةٍ أَوْ قَوْمٌ كُفَّارٌ أَتَوْا مُتَرَافِقِينَ لِبَلَدِ الْإِسْلَامِ أَسْلَمُوا اُسْتُرِقُّوا أَمْ لَا لِاتِّهَامِهِمْ بِحَمِيَّةِ الْبَلَدِيَّةِ .
الْعَدَوِيُّ الْمُعْتَمَدُ اشْتِرَاطُ عَدَالَةِ الْعِشْرِينَ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ ضَعِيفٌ .
طفى عَمَّمَ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُخْتَصَرُهُ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمَجْلُوبِينَ وَقَرَّرَهُ تت وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الشَّهَادَةِ بِالنَّسَبِ ، وَبِهَا قَرَّرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ ، فَفِيهَا الْمَحْمُولُونَ إذَا أَعْتَقُوا فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَخٌ لِبَعْضٍ أَوْ عَصَبَتُهُمْ ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَّا أَهْلُ الْبَيْتِ وَالنَّفَرُ الْيَسِيرُ يُحْمَلُونَ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَيُسْلِمُونَ فَلَا يَتَوَارَثُونَ بِقَوْلِهِمْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ بِبَلَدِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَمَّا أَهْلُ الْحِصْنِ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ يُحْمَلُونَ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَيُسْلِمُونَ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَيَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ .
وَفِيهَا أَيْضًا كُلُّ بَلَدٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً
وَأَقَرَّ أَهْلُهَا فِيهَا وَأَسْلَمُوا وَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُمْ عَلَى أَنْسَابِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ حِينَ أَسْلَمَتْ ، وَكَذَلِكَ الْحِصْنُ يُفْتَحُ وَشَبَهُهُ بِخِلَافِ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ يُحْمَلُونَ إلَيْنَا .
ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ الْعِشْرُونَ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَأَبَاهُ سَحْنُونٌ .
أَبُو الْحَسَنِ هَذَا خَاصٌّ بِشَهَادَتِهِمْ بِالنَّسَبِ ، وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ أَوْ لَا تُشْتَرَطُ ؟ خِلَافٌ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي تَحْقِيقِهِ ، وَاخْتَارَ مِنْهُ الِاشْتِرَاطَ .
ا هـ .
" ق " .
ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ رَأَيْنَا مَالِكًا وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُجِيزُونَ لِلضَّرُورَةِ شَهَادَةَ بَعْضِ أَهْلِ الرُّفْقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إذَا عَرَضَ لَهُمْ خِصَامٌ فِيمَا يَدُورُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ وَالسَّلَفِ وَالْمُعَامَلَةِ بِتَوَسُّمِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدِ ، كَانُوا مِنْ بَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بُلْدَانٍ شَتَّى ، وَلَا تَجْرِيحَ لِلْخَصْمِ .
فِيهِمْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحُدُودِ وَالْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ لَا شَهَادَةَ فِيهَا إلَّا بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا لِإِصْلَاحِ السَّبِيلِ وَرَدِّ أَكْثَرِ الشَّرِّ ا هـ مِنْ الْمُفِيدِ ، فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ الرَّمَاصِيِّ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .