كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي

فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَوْ الرَّهْنِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ إرْخَاءِ السِّتْرِ وَجَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ا هـ .
وَنَقَلَهُ الْقَلْشَانِيُّ ، وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ كَيْفَ سَمَّاهُ مُدَّعِيًا ، وَجَعَلَ الرَّهْنَ وَإِرْخَاءَ السُّتُورِ وَالشَّاهِدَ الْحَقِيقِيَّ سَبَبًا لِصَيْرُورَتِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ خَصْمِهِ الْمُتَمَسِّكِ بِالْأَصْلِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعُرْفِ هَلْ هُوَ شَاهِدٌ أَوْ كَشَاهِدٍ أَنَّ الْبُرْزُلِيَّ الْقَاعِدَةُ إحْلَافُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ الشَّاهِدِ ، وَقِيلَ هُوَ كَالشَّاهِدَيْنِ ا هـ .
وَقَدْ دَرَجَ خَلِيلٌ فِي مَوَاضِعَ عَلَى أَنَّهُ كَالشَّاهِدِ مِنْهَا قَوْلُهُ فِي الرَّهْنِ ، وَهُوَ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ ، وَقَدْ عَقَدَ فِي التَّبْصِرَةِ بَابًا فِي رُجْحَانِ قَوْلِ الْمُدَّعِي بِالْعَوَائِدِ ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلْغَاءِ الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ا هـ فَهَذَا كُلُّهُ يُوَضِّحُ لَك الْجَوَابَ الْمُتَقَدِّمَ عَمَّا وَرَدَ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ .
وَيَدُلُّك عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَنْقَلِبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِقِيَامِ سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ خَصْمِهِ كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ حَقِيقِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا إلَّا أَنَّ الْعُرْفِيَّ لَا يَقْوَى عِنْدَهُمْ قُوَّةَ الْحَقِيقِيِّ فَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مَعَهُ تَكْمِلَةً لِلنِّصَابِ حَتَّى يُؤَدِّيَ ذَلِكَ لِنَفْيِ يَمِينِ الْإِنْكَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ شَاهِدٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِدُونِ الْيَمِينِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ ، وَهُوَ كَالشَّاهِدِ إلَخْ فَاعْتِرَاضُ التَّاوَدِيِّ عَلَى الْجَوَابِ السَّابِقِ بِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لِنَفْيِ يَمِينِ الْإِنْكَارِ إلَخْ سَاقِطٌ ا هـ بِتَوْضِيحِ

الْمُرَادِ فَانْهَمْ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْأَصْلُ خُولِفَتْ قَاعِدَةُ الدَّعَاوَى أَيْ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْمَطْلُوبِ دُونَ الطَّالِبِ فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ : ( أَحَدُهَا ) اللِّعَانُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي عَنْ زَوْجِهِ الْفَوَاحِش فَحَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى رَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ مَعَ أَيْمَانِهِ أَيْضًا قَدَّمَهُ الشَّرْعُ .
( وَثَانِيهَا ) فِي الْقَسَامَةِ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ لِتَرَجُّحِهِ بِاللَّوْثِ .
( وَثَالِثُهَا ) قَبُولُ قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي التَّلَفِ لِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ فَتَفُوتَ مَصَالِحُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ ، وَالْأَمِينُ قَدْ يَكُونُ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ مُسْتَحِقِّ الْأَمَانَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُتَلَقِّطِ ، وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي بَيْتِهِ .
( وَرَابِعُهَا ) قَبُولُ قَوْلِ الْحَاكِمِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِئَلَّا تَفُوتُ الْمَصَالِحُ الْمُرَتَّبَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ لِلْأَحْكَامِ .
( وَخَامِسُهَا ) قَبُولُ قَوْلِ الْغَاصِبِ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ ا هـ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ لَكِنْ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ فَتَأَمَّلْ عَدَّهُ اللِّعَانَ وَالْقَسَامَةَ وَالْأَمَانَةَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ، وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ عَنْ الْأَمِينِ أَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهُ أَيْ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ ، وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا الْمِكْنَاسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ قَالَ ، وَمِنْهَا اللُّصُوصُ إذَا قَدِمُوا بِمَتَاعٍ ، وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ لَهُ ، وَأَنَّهُمْ نَزَعُوهُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَيَأْخُذُهُ ، وَمِنْهَا السِّمْسَارُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيَّبَ مَا أَعْطَى لَهُ لِلْبَيْعِ ، وَكَانَ مَعْلُومًا بِالْعَدَاءِ ، وَبِإِنْكَارِ النَّاسِ فَيَصْدُقُ الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ ، وَيَغْرَمُ

السِّمْسَارُ ، وَمِنْهَا السَّارِقُ إذَا سَرَقَ مَتَاعَ رَجُلٍ ، وَانْتَهَبَ مَالَهُ ، وَأَرَادَ قَتْلَهُ ، وَقَالَ الْمَسْرُوقُ أَنَا أَعْرِفُهُ فَيُصَدَّقُ الْمَسْرُوقُ بِيَمِينِهِ ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي زَادَهَا لَا تَحْمِلُهَا الْأُصُولُ كَمَا لِأَبِي الْحَسَنِ ، وَلَا يُخَالِفُ مَا لِلْمِكْنَاسِيِّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ مَنْ ادَّعَى عَلَى اللُّصُوصِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا مَا قَدِمُوا بِهِ مِنْهُ ، وَيَأْخُذُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ الْآتِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُقَدَّمُ فِيهِ النَّادِرُ عَلَى الْغَالِبِ ، وَمَا لَا مَا نَصُّهُ : أَخْذُ السُّرَّاقِ الْمَنْهُومِينَ بِالتُّهَمِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ دُونَ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ ، وَالْبَيِّنَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُ لِلصَّوَابِ ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ عَنْ الْقَطْعِ ا هـ .
فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَرَامَةِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ فَيُوَافِقُ مَا لِلْمِكْنَاسِيِّ ، وَلِهَذَا دَرَجَ نَاظِمُ الْعَمَلِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ : لِوَالِدِ الْقَتِيلِ مَعَ يَمِينِ الْقَوْلُ فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِينِ إذَا ادَّعَى دَرَاهِمًا وَأَنْكَرَا الْقَاتِلُونَ مَا ادَّعَاهُ وَطَرَا فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ الْقَتِيلِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالْعَدَاءِ اُنْظُرْ شَرْحُهُ ، وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ وَلَا بُدَّ ا هـ .
وَفِي الْغَصْبِ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ نَاظِمٍ الْعَمَلُ فِي شَرْحِهِ لِلْبَيْتَيْنِ ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ النَّعِيمِ مَا نَصُّهُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ ، وَمِثْلُهَا أَنَّ الْقَوْلَ لِوَالِدِ الْقَتِيلِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْ إذَا ادَّعَى دَرَاهِمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْهُوبِ ، وَأَنْكَرَهَا الْقَاتِلُونَ ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ خِلَافَهُ أَيْ مِنْ الْقَوْلِ لِلْغَاصِبِ فِي

الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ كَمَا فِي خَلِيلٍ ، وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ جَرَى الْحُكْمُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَشْهُورِ ، وَرَجَّحَهَا الْعُلَمَاءُ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ ا هـ ، وَعَنْ الْعَرَبِيِّ الْفَاسِيِّ فِي تَأْيِيدِهِ سَاقَ بَعْدَهُ كَلَامًا طَوِيلًا فَرَاجِعْهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( تَنْبِيهٌ ) خُولِفَتْ قَاعِدَةُ الدَّعَاوَى فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ ( أَحَدُهَا ) اللِّعَانُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي عَنْ زَوْجِهِ الْفَوَاحِشَ فَحَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى رَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ مَعَ إيمَانِهِ أَيْضًا قَدَّمَهُ الشَّرْعُ ( وَثَانِيهَا ) الْقَسَامَةُ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ لِتَرَجُّحِهِ بِاللَّوْثِ ، وَ ( ثَالِثُهَا ) قَبُولُ قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي التَّلَفِ لِئَلَّا يُزْهَدَ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ فَتَوَقَّفَ مَصَالِحُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ ( وَرَابِعُهَا ) يَقْبَلُ قَوْلَ الْحَاكِمِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمَصَالِحُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ لِلْأَحْكَامِ .
( وَخَامِسُهَا ) قَبُولُ قَوْلِ الْغَاصِبِ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ ثُمَّ الْأَمِينُ قَدْ يَكُونُ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ مُسْتَحَقِّ الْأَمَانَةِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ ، وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي بَيْتِهِ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا ) وَتَلْخِيصُ الْفَرْقِ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مُجْمَعٌ عَلَى ثُبُوتِهِ ، وَتَعَيَّنَ الْحَقُّ فِيهِ ، وَلَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِفِتْنَةٍ ، وَلَا تَشَاجُرٍ وَلَا فَسَادِ عَرْضٍ أَوْ عُضْوٍ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ فَمَنْ أَخَذَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ أَوْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا ، وَلَا يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا ضَرَرًا فَلَهُ أَخْذُهَا ، وَمَا يَحْتَاجُ لِلْحَاكِمِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ ( النَّوْعُ الْأَوَّلُ ) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَمْ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ ثُبُوتُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ يَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ دُونَ بَعْضٍ كَاسْتِحْقَاقِ الْغُرَمَاءِ لِرَدِّ عِتْقِ الْمِدْيَانِ وَتَبَرُّعَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُثْبِتُ لَهُمْ حَقًّا فِي ذَلِكَ وَمَالِكٌ يُثْبِتُهُ فَيَحْتَاجُ لِقَضَاءِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ ، وَقَدْ لَا يَفْتَقِرُ هَذَا النَّوْعُ لِلْحَاكِمِ كَمَنْ وُهِبَ لَهُ مَشَاعٌ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَى مَبِيعًا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ أَسْلَمَ فِي حَيَوَانٍ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ الْمُعْتَقِدَ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ ، وَهُوَ كَثِيرٌ ، وَالْمُفْتَقِرُ مِنْهُ لِلْحَاكِمِ قَلِيلٌ ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَفْتَقِرُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ عُسْرٌ .
( النَّوْعُ الثَّانِي ) مَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ لِلْحَاكِمِ كَتَقْوِيمِ الرَّقِيقِ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْمُعْتِقِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ ، وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي بِعَدَمِ الْفَيْئَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْرِيرَ عَدَمِ فَيْئَتِهِ ، وَالْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِتَحْرِيرِ إعْسَارِهِ

وَتَقْدِيرِهِ ، وَمَا مِقْدَارُ الْإِعْسَارِ الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُطْلَقُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ اللَّتَانِ يُفْرَضَانِ بَلْ بِالْعَجْزِ عَنْ الضَّرُورِيِّ الْمُقِيمِ لِلْبَيِّنَةِ ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَفْرِضُهُ ابْتِدَاءً .
( النَّوْعُ الثَّالِثُ ) مَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِلْفِتْنَةِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ يُرْفَعُ ذَلِكَ لِلْأَئِمَّةِ لِئَلَّا يَقَعَ لِسَبَبِ تَنَاوُلِهِ تَمَانُعٌ وَقَتْلٌ وَفِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْأُولَى ، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ ، وَفِيهِ أَيْضًا الْحَاجَةُ لِلِاجْتِهَادِ فِي مِقْدَارِهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ .
( النَّوْعُ الرَّابِعُ ) مَا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعِرْضِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ كَمَنْ ظَفِرَ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ الْمَوْرُوثَةِ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا أَنْ يُنْسَبَ إلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا بِنَفْسِهِ ، وَيَرْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ .
( النَّوْعُ الْخَامِسُ ) مَا يُؤَدِّي إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ إذَا أَوْدَعَ عِنْدَك مَنْ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ ، وَعَجَزْتَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِعَدَمِ اعْتِرَافِهِ أَوْ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَهَلْ لَك جَحْدُ وَدِيعَتِهِ إذَا كَانَتْ قَدْرَ حَقِّك مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدَ ابْنَةِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ بَخِيلٌ لَا يُعْطِيهَا وَوَلَدَهَا مَا يَكْفِيهِمَا فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ } ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فُتْيَا فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوْ قَضَاءٌ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ ظَفَرِك بِجِنْسِ حَقِّك فَلَكَ أَخْذُهُ أَوْ غَيْرُ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَك أَخْذُهُ

فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا ) وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى ، وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ إلَى الْحَاكِمِ هُوَ مَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَمْسَةُ قُيُودٍ الْقَيْدُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى ثُبُوتِهِ .
الْقَيْدُ الثَّانِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الْحَقُّ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فِي تَحْقِيقِ سَبَبِهِ وَمِقْدَارِ مُسَبِّبِهِ .
الْقَيْدُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ أَخْذُهُ لِفِتْنَةٍ وَشَحْنَاءَ .
الْقَيْدُ الرَّابِعُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَسَادِ عِرْضٍ أَوْ عُضْوٍ .
الْقَيْدُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ ، وَمَثَّلَ لَهُ الْأَصْلُ بِمَنْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا فَأَخَذَهَا أَوْ أَخَذَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، وَهُوَ لَا يَخَافُ مِنْ الْأَخْذِ ضَرَرًا تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ بِتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا ، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ قَالَ وَمِنْهُ الْعِتْقُ بِالْقَرَابَةِ ، وَمَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا فِي عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَكْمُلُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ا هـ ، وَمَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ إلَّا بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ هُوَ مَا خَلَا عَنْ قَيْدٍ مِنْ الْقُيُودِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ ( النَّوْعُ الْأَوَّلُ ) مَا اخْتَلَفَ فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا أَمْ لَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ بِثُبُوتِهِ لَعَمَّ افْتِقَارُ هَذَا النَّوْعِ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ، وَإِلَّا فَالْكَثِيرُ مِنْ مَسَائِلِهِ لَا يَفْتَقِرُ لِلْحَاكِمِ مِنْهَا مَنْ وُهِبَ لَهُ مُشَاعٌ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَى مَبِيعًا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ أَسْلَمَ فِي حَيَوَانٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ الْمُعْتَقِدَ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ ، وَالْمُفْتَقِرُ مِنْ مَسَائِلِهِ لِلْحَاكِمِ قَلِيلٌ

مِنْهَا اسْتِحْقَاقُ الْغُرَمَاءِ لِرَدِّ عِتْقِ الْمِدْيَانِ ، وَتَبَرُّعَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُثْبِتُ لَهُمْ حَقًا فِي ذَلِكَ وَمَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُثْبِتُ فَيَحْتَاجُ لِقَضَاءِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَفْتَقِرُ مِنْ مَسَائِلِهِ لِلْحَاكِمِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ مِنْهَا لَهُ عُسْرٌ ( النَّوْعُ الثَّانِي ) مَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فِي تَحْقِيقِ سَبَبِهِ وَمِقْدَارِ مُسَبِّبِهِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الطَّلَاقُ بِالْإِعْسَارِ ، وَالطَّلَاقُ بِالْإِضْرَارِ ، وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي ، وَعَلَى نَحْوِ الْغَالِبِ وَالْمُعْتَرِضِ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنَّ فِي الطَّلَاقِ عَلَى الْمُولِي تَحْرِيرَ عَدَمِ فَيْئَتِهِ ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ مَعَ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ بِمَنْعِهِ تَحْرِيرَ إعْسَارِهِ ، وَتَقْدِيرَهُ ، وَمَا مِقْدَارُ الْإِعْسَارِ الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُطْلَقُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ اللَّتَيْنِ تُفْرَضَانِ بَلْ بِالْعَجْزِ عَنْ الضَّرُورِيِّ الْمُقِيمِ لِلْبَيِّنَةِ ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَفْرِضُهُ ابْتِدَاءً ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَحْقِيقِ الْإِعْسَارِ ، وَهَلْ هُوَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ فَقِيرًا عَلِمَتْ بِفَقْرِهِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ ، وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ حَالِهِ ، وَهَلْ هُوَ مِمَّا يُرْجَى لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا ، وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ صُورَةِ الْإِضْرَارِ ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الْمُولِي يُنْظَرُ هَلْ هِيَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا ، وَهِيَ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى ، وَلَدِهِ فَيُنْظَرُ فِيمَا ادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْإِضْرَارَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْمُفْتَرِضِ ، وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ ثُمَّ نُقِلَ

عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ مَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ خَالِصًا فَإِنْقَاذُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا مَعَ إبَاحَةِ الْحَاكِمِ لَهَا ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلْقَائِمَةِ عِنْدَهُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ بَعْدَ كَمَالِ نَظَرِهِ بِمَا يَجِبُ إنْ شِئْت أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك وَإِنْ شِئْت التَّرَبُّصَ عَلَيْهِ فَإِنْ طَلُقَتْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ ، وَحُجَّةُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ بَرِيرَةَ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتِ أَمْلَكُ بِنَفْسِك إنْ شِئْت أَقَمْت مَعَ زَوْجِك ، وَإِنْ شِئْت فَارَقْتِيهِ } ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي امْرَأَةِ الْمُعْتَرِضِ تَقُولُ لَا تُطَلِّقُونِي ، وَأَنَا أَصْبِرُ إلَى أَجَلٍ آخَرَ قَالَ ذَلِكَ لَهَا ثُمَّ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ فَإِذَا جَاءَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قِيلَ لَهُ فَيْءٌ ، وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك فَتَقُولُ امْرَأَتُهُ أَنَا أُنْظِرُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَذَلِكَ لَهَا ثُمَّ تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ أَمْرِ سُلْطَانٍ ا هـ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ، وَلَا اعْتِرَاضَ بِمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ لَا تُطَلِّقُونِي لِأَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا ، وَلِأَنَّهُ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِالْبَيَانِ بِأَنَّهَا هِيَ الْمُطَلِّقَةُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ فَكَذَلِكَ تَكُونُ هِيَ الْمُطَلِّقَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إنْ أَحَبَّتْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُولِي ، وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا نَجْعَلُ ذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ فَتُنَفِّذُ هِيَ طَلَاقَهَا إنْ شَاءَتْ ، وَطَلَاقُ الْمُولِي عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تُوقِعُهُ الْمَرْأَةُ ، وَهُوَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَقِسْمٌ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ .
وَهُوَ إذَا قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفِيهَا أَقْوَالٌ ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ مُولٍ ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا لِأَنَّ بَاقِيَ وَطْئِهِ بَعْدَ الْتِقَاءِ

الْخِتَانَيْنِ حَرَامٌ فَإِذَا رَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنَجِّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْهُ وَرَضِيَتْ بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ فَلَهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ سَمِعْت أَبَا مَرْوَانَ بْنَ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيَّ يَسْتَحْسِنُ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَتَّابٍ وَيَقُولُ : لَوْ كَانَتْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَعُدَّتْ مِنْ فَضَائِلِهِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ قَالَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَمَا طَلَّقَتْ بِهِ نَفْسَهَا جَازَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْمَجْزُومُ فَلَا خِيَارَ لَهَا حَتَّى تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ ثُمَّ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهَا أَمْرَهَا تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ ، وَلَكِنْ عَلَى السُّلْطَانِ إذَا كَرِهَتْهُ ، وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِوَاحِدَةٍ إذَا يَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ إلَّا أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ سَنَةٍ كَانَ مُوَسْوِسًا أَوْ يَغِيبُ مَرَّةً ، وَيُفِيقُ أُخْرَى ، وَهَذَا يُوَضِّحُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ مِنْ تَقْسِيمِ الطَّلَاقِ الْمَحْكُومِ بِهِ إلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تُوَقِّعُ الْمَرْأَةُ خَاصَّةً دُونَ الْحَاكِمِ ، وَقِسْمٌ يُنَفِّذُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ ، وَإِنْ كَرِهَتْ إيقَاعَهُ كَزَوَاجِهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَتَزْوِيجِهَا مِمَّنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ ، وَنِكَاحِهَا لِلْفَاسِقِ ، وَمَنْ تَزَوَّجَتْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهَا ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلِيُّهَا الَّذِي زَوَّجَهَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَأَنْوَاعِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَهُوَ بَابٌ يَطُولُ تَعَدُّدُهُ ا هـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا تَفْلِيسُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ، وَكَذَا بَيْعٌ أَعْتَقَهُ الْمِدْيَانُ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ ، وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ .
وَكَذَلِكَ إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ ،

وَكَانَ الزَّمَانُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، وَلَمْ يَفُتْ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ نَظَرَ فِي ذَلِكَ فَيَفْسَخُهُ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي الصَّبْرِ مَضَرَّةٌ ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ قَيْدِ الْمُشْكِلِ وَحَلِّ الْمُعْضَلِ لِابْنِ يَاسِين ، وَمِنْهَا مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْعَبْدِ إلَّا بِالْحُكْمِ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ ، وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الْمِلْكِ ، وَحَقِّ الْعَبْدِ فِي تَخْلِيصِ الْكَسْبِ ، وَأَيْضًا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي التَّكْمِيلِ عَلَيْهِ ( وَمِنْهَا ) تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْحُكْمِ فَلَوْ رَضِيَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ ، هُوَ وَسَيِّدُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ ( وَمِنْهَا ) مَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا فَعِتْقُهُ عَلَيْهِ يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ ثَمَّ جِنَايَةٌ تَقْتَضِي مِثْلَ هَذَا الضَّرْبِ أَمْ لَا ، وَيَحْتَاجُ بَعْدَ وُقُوعِ الضَّرْبِ مِنْ السَّيِّدِ إلَى تَحْقِيقِ كَوْنِ ذَلِكَ الضَّرْبِ مُبَرِّحًا بِذَلِكَ الْعَبْدِ ، وَهَلْ السَّيِّدُ عَاصٍ بِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ أَوْ لَيْسَ عَاصِيًا فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ ا هـ ( وَمِنْهَا ) كَمَا فِي الْأَصْلِ تَقْدِيرُ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ .
( النَّوْعُ الثَّالِثُ ) مَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِلْفِتْنَةِ وَالشَّحْنَاءِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الْحُدُودُ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَقَادِيرُهَا مَعْلُومَةً لِأَنَّ تَفْوِيضَهَا لِجَمِيعِ النَّاسِ يُؤَدِّي إلَى الْفِتَنِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْقَتْلِ وَفَسَادِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ قَالَ وَمِنْهَا قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ .
وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْمَقَادِيرِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِحْقَاقَاتِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحَاكِمِ إذْ لَوْ فُوِّضَتْ لِجَمِيعِ النَّاسِ لَدَخَلَهُمْ الطَّمَعُ ، وَأَحَبَّ كُلُّ إنْسَانٍ لِنَفْسِهِ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ مَا

يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّي إلَى الْفِتَنِ ، وَمِنْهَا جِبَايَةُ الْجِزْيَةِ ، وَأَخْذُ الْخُرَاجَاتِ مِنْ أَرَاضِي الْعَنْوَةِ ، وَلَوْ جُعِلَتْ لِلْعَامَّةِ لَفَسَدَ الْحَالُ ا هـ ، وَمِنْهَا كَمَا فِي الْأَصْلِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ إذْ لَوْ لَمْ يُرْفَعْ لِلْأَئِمَّةِ لَأَدَّى بِسَبَبِ تَنَاوُلِهِ تَمَانُعٌ وَقَتْلٌ وَفِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْأُولَى ، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ ، وَفِيهِ أَيْضًا الْحَاجَةُ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَحْرِيرِ مِقْدَارِ الْجِنَايَةِ ، وَحَالُ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ .
( النَّوْعُ الرَّابِعُ ) مَا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ عِرْضٍ أَوْ عُضْوٍ كَمَنْ ظَفِرَ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ الْمَوْرُوثَةِ ، وَخَافَ مِنْ أَخْذِهَا بِنَفْسِهِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا إلَّا بَعْدَ رَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ .
( النَّوْعُ الْخَامِسُ ) مَا يُؤَدِّي إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا إذَا أَوْدَعَ عِنْدَك مَنْ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ ، وَعَجَزْتَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِعَدَمِ اعْتِرَافِهِ أَوْ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَفِي مَنْعِ جَحْدِ وَدِيعَتِهِ إذَا كَانَتْ قَدْرَ حَقِّك مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } ، وَهُوَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِجَازَتِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدَ ابْنَةِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ بَخِيلٌ لَا يُعْطِيهَا وَوَلَدَهَا مَا يَكْفِيهِمَا فَقَالَ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ { خُذِي لَك ، وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ } بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فُتْيَا ، وَهُوَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ قَوْلَانِ ثَالِثُهَا لِبَعْضِهِمْ الْجِوَازُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّك .
وَالْمَنْعُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ هَذَا تَوْضِيحُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ ،

وَصَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ بِزِيَادَةٍ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ ( وَبَقِيَ مَا اُخْتُلِفَ ) فِي كَوْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ ( وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ ) قَبْضُ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا أَيْ فِي افْتِقَارِهِ إلَى الْحَاكِمِ ، وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ خِلَافٌ ( وَمِنْهَا ) مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ بَاقِيَهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ التَّقْوِيمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ يَفْتَقِرُ عِتْقُ بَاقِيهِ إلَى الْحَاكِمِ ( وَمِنْهَا ) عِتْقُ الْقَرِيبِ إذَا مَلَكَهُ الْحُرُّ الْمَلِيءُ الْمَشْهُورُ عَدَمُ افْتِقَارِهِ لِلْحُكْمِ ، وَقِيلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ ( وَمِنْهَا ) الْعِتْقُ بِالْمُثْلَةِ قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِالْحُكْمِ ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَفْتَقِرُ ( وَمِنْهَا ) فَسْخُ الْبَيْعِ بَعْدَ تَخَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ ( وَمِنْهَا ) فَسْخُ النِّكَاحِ بَعْدَ التَّخَالُفِ فِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا .
( وَمِنْهَا ) الْيَتِيمُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِوَصِيٍّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ هَلْ يَكْفِي إطْلَاقُهُ لِلْيَتِيمِ مِنْ الْحَجْرِ دُونَ مُطَالَعَةِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ إطْلَاقُ الْوَصِيِّ لَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِيهِ خِلَافٌ ( وَمِنْهَا ) وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا حَتَّى يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا .
( وَمِنْهَا ) مَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَاضِنَةُ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا قَوْلَانِ ( وَمِنْهَا ) مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَحِيضِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ الطَّلَاقُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ

يَقَعُ بِمُجَرَّدِ نُطْقِهِ قَوْلَانِ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْحُكْمِ ( وَمِنْهَا ) السَّلَمُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ اُخْتُلِفَ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ كَالسَّلَمِ الصَّحِيحِ حَتَّى يُبَاشِرَهُ الْحُكْمُ بِالْفَسْخِ ( وَمِنْهَا ) مَا إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ ، وَكَانَ الْكِرَاءُ لِقَصْدِ أَمْرٍ لَهُ أَبَانَ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَالْحَجِّ وَالْخُرُوجِ إلَى الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ فَجَاءَهُ الْجَمَّالُ بِالْجِمَالِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ قِيلَ يَنْفَسِخُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ كَالزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ ، وَقِيلَ لَا يَنْفَسِخُ لِتَوَقُّعِ الْحَجِّ وَالسَّفَرِ فِي وَقْتٍ ثَانٍ ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَحْدَهُ ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَنَّهُ إذَا رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَفَسَخَهُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ كِتَابِ قَيْدِ الْمُشْكِلِ ( وَمِنْهَا ) الْقَاضِي إذَا فَسَقَ هَلْ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ فِسْقِهِ أَوْ لَا حَتَّى يَعْزِلَهُ الْإِمَامُ قَوْلَانِ .
( وَمِنْهَا ) الْمُفْلِسُ إذَا قَسَّمَ مَالَهُ ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا ، وَوَافَقَهُ الْغُرَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ ، وَيَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ حَجْرَ التَّفْلِيسِ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَوْ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ ، وَتَتَبُّعُ هَذَا يُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ ا هـ كَلَامَ ابْنِ فَرْحُونٍ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ ) وَهُوَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ أَنَّ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ( الْأَوَّلُ ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( وَالنَّوْعُ الثَّانِي ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ ، وَلَا مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ ( النَّوْعُ الثَّالِثُ ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ غَيْرُ مُسْتَفِيضَةٍ بِالْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ ، وَبِالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَبِالنِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ ، وَبِالْوَلَاءِ الْقَدِيمِ ، وَالْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ ، وَبِالضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ( وَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ ) فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَيْضًا ( الْأَوَّلُ ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مُعَامَلَةً وَنَحْوَهَا انْتَفَتْ الظُّنُونُ وَالتُّهْمَةُ عَنْهُمْ وَيَتَحَقَّقُ بِمَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ ، وَمِمَّا لَا إعْذَارَ فِيهِ اسْتِفَاضَةُ الشَّهَادَاتِ الْمَشْهُودِ بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ ، وَفِي الْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ، وَفِي النِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ ، وَفِي الْوَلَاءِ الْقَدِيمِ ، وَفِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ ، وَفِي الضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَفِي أَشْيَاءَ غَيْرِهَا يَطُولُ ذِكْرُهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَوْلُهُ ، وَالضَّرَرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِي الشَّهَادَةِ بِالضَّرَرِ لِهَذِهِ الشَّهَادَاتِ بَابٌ مُسْتَوْعِبٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا انْعَقَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي مَقَالٌ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ ، وَشَهِدَتْ بِهِ شُهُودُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْفَذَ تِلْكَ

الْمَقَالَةَ عَلَى قَائِلِهَا ، وَلَمْ يَعْذُرْ إلَيْهِ فِي شَهَادَةِ شُهُودِهَا لِكَوْنِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَعِلْمِهِ بِهَا ، وَقَطْعِهِ بِحَقِيقَتِهَا ، وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ قَالَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ .
وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ ، وَبِهِ جَرَى الْحُكْمُ وَالْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ ، وَرَأَيْت فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ شُهُودَ الْمَجْلِسِ إذَا كَتَبُوا شَهَادَتَهُمْ عَلَى مَقَالِ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ أَرَادُوا الشَّهَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِي شَهَادَتِهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِمْ إذَا أَدَّوْهَا فِي الْمَجْلِسِ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفِظُوهَا ، وَلَمْ يَكْتُبُوهَا ثُمَّ أَدَّوْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا طَلَبُوا بِهَا ، وَكَانُوا عُدُولًا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِيهَا إلَى مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَا ا هـ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ تَطْلِيقَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا ، وَأَخْذِهَا بِشَرْطِهَا فِي الطَّلَاقِ فِي مَسَائِلِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمْ ا هـ ( وَالنَّوْعُ الثَّانِي ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقِّ مُعَامَلَةٍ ، وَنَحْوِهَا بَيِّنَةٌ أَقَامَهُمْ الْحَاكِمُ مُقَامَ نَفْسِهِ ، وَيَتَّضِحُ بِمَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِيمَنْ أَعْذَرَهُ إلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَخْرُجَانِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ فِي الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمَا الْحَاكِمُ لِحُضُورِ حِيَازَةِ الشُّهُودِ لِمَا شَهِدُوا فِيهِ مِنْ دَارٍ أَوْ عَقَارٍ ، وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ ، وَسَأَلْت ابْنَ عَتَّابٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا إعْذَارَ فِيمَنْ وَجَّهَ لِلْإِعْذَارِ ، وَأَمَّا الْمُوَجِّهَانِ لِلْحِيَازَةِ

فَيُعْذَرُ فِيهِمَا ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشَّاهِدَانِ الْمُوَجَّهَانِ لِحُضُورِ الْيَمِينِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَقَامَهُمَا مُقَامَ نَفْسِهِ ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِيهِمَا ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَعْدِيلُ السِّرِّ فَلَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدِّلِينَ سِرًّا كَمَا تَقَدَّمَ ، وَمِنْهُ أَيْضًا حُكْمُ الْحُكْمَيْنِ فَيُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِيهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِي ذَلِكَ بِمَا خَلَصَ إلَيْهِمَا بَعْدَ النَّظَرِ وَالْكَشْفِ ، وَلَيْسَ حُكْمُهُمَا بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ ا هـ ( وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ أَوْ مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ فَلَا يُعْذَرُ إلَيْهِمْ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَفِي آخِرِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ الزِّنْدِيقَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُصَرِّحِ بِالْكُفْرِ وَالِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَاهِدًا ، وَكَانَ الْقَاضِي يَوْمَئِذٍ مُنْذِرَ بْنَ سَعِيدٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَأَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَأَشَارَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ ، وَصَاحِبُ الصَّلَاةِ أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِغَيْرِ إعْذَارٍ لِأَنَّهُ مُلْحِدٌ كَافِرٌ ، وَقَدْ وَجَبَ بِدُونِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَقُتِلَ بِغَيْرِ إعْذَارٍ فَقِيلَ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ اشْرَحْ أَصْلَ الْفُتْيَا فِي قَتْلِهِ بِغَيْرِ إعْذَارٍ الَّذِي اعْتَمَدْت عَلَيْهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَطْعِ الْإِعْذَارِ عَمَّنْ اسْتَفَاضَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَاتُ فِي الظُّلْمِ ، وَعَلَى مَذْهَبِهِ فِي السَّلَّابَةِ

وَالْمُغِيرِينَ ، وَأَشْبَاهِهِمْ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ الْمَسْلُوبُونَ وَالْمُنْتَهَبُونَ بِأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ ، وَمِنْ قَبُولِهَا عَلَيْهِمْ سَفْكُ دِمَائِهِمْ ، وَفِي الرَّجُلِ يَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ ، وَجَرْحُهُ يَدْمَى فَيُصَدَّقُ عَلَيْهِ .
وَفِي الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ فِي الْمَكَانِ الْخَالِي ، وَقَدْ فَضَحَتْ نَفْسَهَا بِإِصَابَتِهِ لَهَا فَتُصَدَّقُ بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا ، وَفِي الَّذِي وَجَدَهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ أَحَدِ الْحُكَّامِ ، وَهُوَ يُضْرَبُ بِدَعْوَى صَبِيٍّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ ، وَهُوَ يَدْمَى فَضَرَبَهُ الْحَاكِمُ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مِنْ إصَابَتِهِ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُضْرَبُ وَمَالِكٌ جَالِسٌ عِنْدَهُ حَتَّى ضُرِبَ ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الضَّرْبِ قَبْلَ وُصُولِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ انْتَهَى بِهِ الضَّرْبُ إلَى سِتِّمِائَةِ سَوْطٍ .
وَفِي أَهْلِ حِصْنٍ مِنْ الْعَدُوِّ يَأْتُونَ مُسْلِمِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً حَوَامِلَ فَيُصَدَّقُونَ فِي أَنْسَابِهِمْ وَيَتَوَارَثُونَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً لَهُمْ عَدَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَالْعِشْرُونَ عِنْدِي جَمَاعَةٌ فَأَيْنَ الْإِعْذَارُ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ قَالَ ، وَإِذَا كَانَ مَالِكٌ يَرَى فِي أَهْلِ الظُّلْمِ لِلنَّاسِ وَالسَّلَّابِينَ وَالْمُحَارِبِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنْ يُقْطَعَ عَنْهُمْ الْإِعْذَارُ فَالظَّالِمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ بِأَنْ يُقْطَعَ عَنْهُ الْإِعْذَارُ فِيمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ ، وَأَنِّي مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْمَخَارِجِ لَهُ بِالْإِعْذَارِ ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ قَالَ { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ } ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ أُمُّ

الْقَضَايَا ، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ .
وَكَذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَإِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَهُمَا أَيْضًا مَلَاذُ الْحُكَّامِ فِي الْأَحْكَامِ ، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ ، وَلَا إقَالَةَ مِنْ حُجَّةٍ ، وَلَا مِنْ كَلِمَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْإِعْذَارَ فِيمَا يَتَحَاكَمُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِ الدِّيَانَاتِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا ، وَأَنَا عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فِيهِ ، وَالْأَخْذُ بِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مُسْتَحْكِمَةٍ فِيمَا أَوْجَبُوا الْإِعْذَارَ فِيهِ مِنْ الْحُقُوقِ ، وَأَلْتَزِمُ التَّسْلِيمَ لِمَا اسْتَحْسَنُوهُ إذْ هُمْ الْقُدْوَةُ وَالْهُدَاةُ فَأَمَّا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَمْ أَسْمَعْ بِهِ ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ وَصَلَ إلَيْنَا عِلْمُهُ قَالَ فَإِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ نَزَعْت فِي تَرْكِ الْإِعْذَارِ إلَى هَذَا الْمُلْحِدِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ لَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا التَّبْيِينِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ .
وَإِنْ كَانَ فِي فُصُولٍ مِنْ كَلَامِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْأُصُولِ ، وَفِي بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ ، وَالْحَقُّ الْبَيِّنُ أَنَّ مَنْ تَظَاهَرَتْ الشَّهَادَاتُ عَلَيْهِ فِي إلْحَادٍ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا التَّظَاهُرُ وَكَثُرَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَثْرَةُ فَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ مَعْدُومُ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَجْرِيحَ جَمِيعِهِمْ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا يُسْقِطُ بِهِ شَهَادَتَهُمْ ، وَمَنْ قَالَ بِالْإِعْذَارِ أَفَادَ أَصْلَهُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَّامِ فِي لُزُومِ الْإِعْذَارِ فِي الْأَمْوَالِ ، وَمَنْ اجْتَهَدَ أَصَابَ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ا هـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَكُلُّهُ بِنَصِّ لَفْظِهِ إلَّا النَّوْعَ الثَّالِثَ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ فِيهِ

الْإِعْذَارُ فَافْهَمْ قَالَ وَالْإِعْذَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَتَمَامِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْإِعْذَارَ فِي شَيْءٍ نَاقِصٍ لَا يُفِيدُ شَيْئًا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ .
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْذَرُ إلَيْهِ ، وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ يُعْذَرُ إلَيْهِ ، وَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ عَلَيْهِ ا هـ .
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَيَحْكُمُ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ ؟ فَيَقُولُ لَا فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَنْظَرَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ ، وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْمُتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقْوَى حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَتَوَجَّهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْحُكْمِ ا هـ .
وَإِذَا حَصَلَتْ التَّزْكِيَةُ لِلشُّهُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكِّي ، وَالْمُزَكَّى ثُمَّ هَلْ يُعْذَرُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ فِي الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَقُولُ لَهُ دُونَك فَجُرْحٌ ، وَإِلَّا حَكَمْت عَلَيْك .
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا قَوْلَ لَهُ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ وَهَنٌ لِلشَّاهِدِ ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَقُولُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَبُولُهُمْ بِالتَّزْكِيَةِ ، وَلَا يَقُولُهُ فِي الْمُبَرَّزِينَ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُهُ لِمَنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا بِالْإِعْذَارِ فَمَا الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ يُسْمَعُ فِي مُتَوَسِّطِ الْعَدَالَةِ الْقَدْحُ فِيهَا ، وَأَمَّا الْمُبَرَّزُ الْمَعْرُوفُ بِالصَّلَاحِ فَيُسْمَعُ فِيهِ الْقَدْحُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْهِجْرَةِ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُمَكَّنُ مِنْ التَّجْرِيحِ وَلَمْ يُفَرِّقْ .
وَإِذَا قُلْنَا بِسَمَاعِ الْجَرْحِ فِي الْمُبَرَّزِ فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْمُبَرَّزِ فِي الْعَدَالَةِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجْرَحُ

الشَّاهِدُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ ، وَلَا يَجْرَحُ مَنْ هُوَ دُونَهُ إلَّا بِالْعَدَاوَةِ وَالْهِجْرَةِ أَمَّا الْقَدْحُ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَجْرَحُهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ، وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ بِالْإِسْفَاهِ وَبِالْعَدَاوَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا عَارِفًا بِوُجُوهِ الْجِرَاحِ ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ عِنْدَ الْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ التَّجْرِيحُ فِي الْمُبَرَّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُوحُونَ مَعْرُوفِينَ بِالْعَدَالَةِ وَأَعْدَلَ مِنْهُ ، وَيَذْكُرُونَ مَا جَرَحُوهُ بِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْكَشْفِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَجْرَحُ الشَّاهِدُ مَنْ دُونَهُ بِالْعَدَاوَةِ ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ ، وَيُعْذَرُ فِي تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ تَعْدِيلِ السِّرِّ فَلَا يَعْذُرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدَّلِينَ سِرًّا ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِعْذَارِ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْهُدْهُدِ { لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } وقَوْله تَعَالَى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } وقَوْله تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا } الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَالْإِعْذَارُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُذْرِ ، وَمِنْهُ قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ قَدْ بَالَغَ فِي الْإِعْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْك فَأَنْذَرَك .
وَمَنَعَ إعْذَارَ الْقَاضِي إلَى مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ فَنَعْذُرُ عَلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ا هـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ مِنْ مَوَاضِعَ .
( تَنْبِيهَانِ : الْأَوَّلُ ) زِدْت هَذَا الْفَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَجْزَاءِ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ التِّسْعَةِ لِتَكْمُلَ ، وَتَتَّضِحَ بِهَا كَيْفِيَّتُهُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ السِّتَّةِ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَالْآتِي ، وَذَكَرَهَا تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ

تَبَعًا لِابْنِ فَرْحُونٍ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ الْقَاضِي .
وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ وَالْحُكْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ ، وَتَعَرُّفِ حَالِهِ فَافْهَمْ ، وَالرَّابِعُ الْمُدَّعَى فِيهِ ، وَالْخَامِسُ الْمَقْضِيُّ بِهِ يَعْنِي مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ أَوْ مَا بِهِ الْعَمَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ ، وَالسَّادِسُ كَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ قَالَ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى تِسْعَةِ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ مَا هُوَ حُكْمٌ فَلَا يُتَعَقَّبُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ ، وَمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ كَقَوْلِهِ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ ، وَلِيٍّ أَوْ لَا أَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَيَتَعَقَّبُ فَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ حَنَفِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ أَوْ مَالِكِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الثَّانِي مَعْرِفَةُ مَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ ، وَمَا لَا يَفْتَقِرُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ الرَّابِعُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ .
وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ الْخَامِسُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ السَّادِسُ مَعْرِفَةُ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ ، وَشُرُوطِهَا السَّابِعُ مَعْرِفَةُ حُكْمِ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ امْتِنَاعٍ مِنْهُمَا الثَّامِنُ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْإِعْذَارِ التَّاسِعُ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الْيَمِينِ وَمَكَانِهَا ، وَالتَّغْلِيظُ فِيهَا ا هـ الْمُرَادُ بِتَوْضِيحِ مَا ( التَّنْبِيهُ الثَّانِي ) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ رِسَالَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَعْرُوفَةُ بِرِسَالَةِ الْقَضَاءِ هِيَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ

سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ ، وَأَنْفِذْ إذَا تَبَيَّنَ لَك فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ ، وَسَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك ، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك .
الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا ، وَلَا يَمْنَعُك قَضَاءٌ قَضَيْته ثُمَّ رَاجَعْت فِيهِ نَفْسَك وَهُدِيت فِيهِ لِرُشْدِك أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ ، وَمُرَاجَعَتُهُ خَيْرٌ مِنْ الْبَاطِلِ وَالتَّمَادِي فِيهِ .
الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا تَلَجْلَجَ فِي صَدْرِك مِمَّا لَمْ يَبْلُغْك فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ ، وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَاعْمِدْ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى ، وَاجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أُخِذَتْ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَإِلَّا أَوْجَبْت لَهُ الْقَضَاءَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلشَّكِّ ، وَأَبْلَغُ لِلْعُذْرِ .
النَّاسُ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مَجْرِيًّا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ ، وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ ، وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ وَالتَّنْكِيرَ عِنْدَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ يَعْظُمُ بِهِ الْأَجْرُ ، وَيَحْسُنُ عَلَيْهِ الذُّخْرُ فَإِنَّ مَنْ يُصْلِحْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ تَزَيَّنَ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَهُ شَانَهُ اللَّهُ ، فَمَا ظَنُّك بِثَوَابِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ ، وَالسَّلَامُ .
قَالَ ابْنُ سَهْلٍ هَذِهِ الرِّسَالَةُ أَصْلٌ

فِيهِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ فُصُولِ الْقَضَاءِ وَمَعَانِي الْأَحْكَامِ ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَيَنْبَغِي حِفْظُهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا ابْنُ سَهْلٍ ، وَقَوْلُهُ فِيهَا : الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَخْ رَجَعَ عَنْهُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَبِيعَةُ { قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ قَدْ جِئْتُك عَلَى أَمْرٍ لَا رَأْسَ لَهُ ، وَلَا ذَنَبَ فَقَالَ عُمَرُ : مَا هُوَ ؟ فَقَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ عُدُولٍ } ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَمَّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ ، وَأَخَذَ الْحَسَنُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِمَا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } ا هـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا ، وَقَاعِدَةِ الْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَكُونُ مُرَجِّحَةً إذَا جُهِلَ أَصْلُهَا أَوْ عُلِمَ أَصْلُهَا بِحَقٍّ أَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمْنَا نَحْنُ ذَلِكَ أَنَّهَا بِغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ الْمُقْتَضِيَةِ وَضْعَ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُرَجِّحَةً أَلْبَتَّةَ .
( تَنْبِيهٌ ) الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ ، وَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ وَنَعْلُهُ وَمِنْطَقَتُهُ ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا ، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا ، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِهَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَتُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَلَوْ تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ إيمَانِهِمَا ، وَيُقَدَّمُ رَاكِبُ الدَّابَّةِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ .
( فَرْعٌ ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إذَا ادَّعَيَاهَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَجَرْته إيَّاهَا ، وَقَالَ الْآخَرُ : أَوْدَعْته إيَّاهَا صُدِّقَ مَنْ عُلِمَ سَبْقَ كِرَائِهِ أَوْ إيدَاعِهِ ، وَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ لَهُ وَالْمِلْكُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْآخَرِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِحِيَازَةٍ عَنْ الْأَوَّلِ وَحُضُورِهِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ فَيُقْضَى لَهُ فَإِنْ جُهِلَ السَّبْقُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَشْهَبُ فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِغَصْبِ الثَّالِثِ مِنْهُ ، وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّ الثَّالِثَ أَقَرَّ لَهُ بِالْإِيدَاعِ قَضَى لِصَاحِبِ الْغَصْبِ لِتَضْمِينِ بَيِّنَةِ الْيَدِ السَّابِقَةِ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا وَقَاعِدَةِ الْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ ) وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ الْمُرَجِّحَةَ عِبَارَةٌ عَنْ حِيَازَةٍ أَيْ قُرْبٌ وَاتِّصَالٌ إمَّا مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ فَيَكْفِي فِيهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ كَانَ الْمُحَوَّزُ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ ، وَأَمَّا مَعَ عِلْمِنَا نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِأَنَّ أَصْلَ مِلْكِهَا يَحِقُّ لِلْحَائِزِ فَيَكْفِي فِيهَا عَشْرَةُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ فِي الْعَقَارِ ، وَعَامَانِ فَأَكْثَرُ فِي الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ قُلْت لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَرِيبِ فَتَنَبَّهْ ، وَلِلْيَدِ مَرَاتِبُ مُتَرَتِّبَةٌ فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ ، وَمِنْطَقَتُهُ ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا ، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا ، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِهَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَتُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يُقَدَّمُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا ، وَإِذَا تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ .
وَأَمَّا الْيَدُ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ فِي التَّرْجِيحِ أَلْبَتَّةَ فَعِبَارَةٌ عَنْ حِيَازَةٍ أَيْ قُرْبٍ وَاتِّصَالٍ عَلِمْنَا نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا بِطَرِيقٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْمِلْكِ بِحَقٍّ كَالْغَصْبِ ، وَالْعَارِيَّةِ هَذَا تَهْذِيبُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ تُسُولِيِّ الْعَاصِمِيَّةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( وَصْلٌ ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إذَا ادَّعَيَاهَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا آجَرْتُهُ إيَّاهَا ، وَقَالَ

الْآخَرُ أَوْدَعْته إيَّاهَا صُدِّقَ مَنْ عُلِمَ سَبْقُ كِرَائِهِ أَوْ إيدَاعِهِ ، وَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ لَهُ ، وَالْمِلْكُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْآخَرِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِحِيَازَةٍ عَنْ الْأَوَّلِ وَحُضُورِهِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ فَيَقْضِي لَهُ فَإِنْ جُهِلَ السَّبْقُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَشْهَدْت فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِغَصْبِ الثَّالِثِ مِنْهُ ، وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّ الثَّالِثَ أَقَرَّ لَهُ بِالْإِيدَاعِ قُضِيَ لِصَاحِبِ الْغَصْبِ لِتَضْمِينِ بَيِّنَتِهِ الْيَدَ السَّابِقَةَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ لَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ ، وَفِي يَدِ عَبْدٍ لِأَحَدِهِمَا فَادَّعَاهَا الثَّلَاثَةُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ تَاجِرًا ، وَإِلَّا فَنِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ أَفَادَهُمَا الْأَصْلُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِكُلِّ قِسْمٍ مِنْ قِسْمَيْ الْحِيَازَةِ الْمُرَجِّحَةِ مِنْ ذِكْرِ الْيَدِ وَتَصَرُّفِ الْحَائِزِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ وَالنِّسْبَةُ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَطُولِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ فِي الْأُولَى يَعْنِي الْحِيَازَةَ مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ ، وَعَشْرُ سِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ يَعْنِي الْحِيَازَةَ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ ، وَعَدَمُ التَّفْوِيتِ فِي عِلْمِهِمْ فَإِذَا فُقِدَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَعْمُولِ بِهِ إلَّا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَاشِيَةِ اللَّامِيَّةِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ مَالٍ مِنْ أَمْوَالِهِ ابْنِ عَرَفَةَ ، وَفِي لَغْوِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي دَارٍ بِأَنَّهَا مِلْكُ فُلَانٍ حَتَّى يَقُولَ ، وَمَالٍ مِنْ أَمْوَالِهِ وَقَبُولِهَا مُطْلَقًا ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَهُمْ نَبَاهَةٌ وَيَقَظَةٌ الْأَوَّلُ لِابْنِ سَهْل عَنْ مَالِكٍ قَائِلًا شَاهَدْت الْقَضَاءَ بِهِ .
ا هـ ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ كَيْفِيَّةُ وَثْقِيَّةِ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ يَشْهَدُ الْوَاضِعُ

شَكَاهُ أَثَرُهُ بِمَعْرِفَتِهِ لِفُلَانٍ ، وَمَعَهَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ ، وَعَلَى مِلْكِهِ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ ، وَمِلْكًا خَالِصًا مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهِ جَمِيعُ كَذَا الْمَحْدُودِ بِكَذَا يُعْرَفُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ ، وَيَنْسُبُهُ لِنَفْسِهِ ، وَالنَّاسُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ مُنَازِعٍ ، وَلَا مُعَارِضَ مُدَّةً مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْآنَ أَوْ إلَى أَنْ تَعْتَدِيَ عَلَيْهَا فُلَانٌ أَوْ إلَى أَنْ غَابَ أَوْ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ، وَتَرَكَهَا لِمَنْ أَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ إلَخْ فَإِذَا ثَبَتَ هَذِهِ الْوَثِيقَةُ هَكَذَا ، وَأَعْذَرَ فِيهَا لِلْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ مَطْعَنًا فَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا تَدُلُّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِهَذَا الْقَائِمِ ، وَلَا تُفِيدُ الْقَطْعَ لِأَنَّ الشَّهَادَاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ إنَّمَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَقَطْ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّمَا تُقْبَلُ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُ مِلْكِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَنَا حَتَّى شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِهَذَا الْقَائِمِ .
وَحِينَئِذٍ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ حَيْثُ لَا مَطْعَنَ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَ الْحَائِزَ أَوْ لَا هَلْ لَك حُجَّةٌ ، وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْقَائِمِ ، وَأَنَّهُ دَخَلَ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ فَإِنْ قَالَ حَوْزِي وَمِلْكِي ، وَبِيَدِي وَأَثْبَتَ حِيَازَةَ ذَلِكَ عَنْهُ عَشْرَ سِنِينَ فِي الْأُصُولِ أَوْ عَامَيْنِ فِي غَيْرِهَا بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا مِنْ الْيَدِ وَالنِّسْبَةِ ، وَدَعْوَى الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ ، وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ إلَخْ ، وَالْحَالُ أَنَّ الْقَائِمَ حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ إلَخْ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْقَائِمِ ، وَتَبْقَى الْأَمْلَاكُ بِيَدِ حَائِزِهَا ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيَانُ وَجْهِ تَمَلُّكِهِ ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَهْمَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ بِالْقُيُودِ أَوَّلًا لَا تَقْطَعُهَا الْحِيَازَةُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ بِالْقُيُودِ

الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا ، وَمَهْمَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ قُطِعَتْ حُجَّةُ الْقَائِمِ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ مِلْكِهِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ مَدْخَلِهِ أَمَّا إذَا عُلِمَ كَكَوْنِهِ دَخَلَ بِكِرَاءٍ مِنْ الْقَائِمِ أَوْ إسْكَانٍ أَوْ مُسَاقَاتٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَقْطَعُهَا ، وَلَوْ طَالَتْ فَأَصْلُ الْمِلْكِ ، وَأَصْلُ الْمَدْخَلِ شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ ، وَهُمَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَشْتَرِطُ جَهْلَهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْقَائِمِ إذْ هِيَ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ، وَالثَّانِي شَرْطٌ فِي أَعْمَالِ حِيَازَةِ الْمُقَوِّمِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَعْلَمُ بِحِيَازَتِهِ إلَّا إذَا جَهِلَ مَدْخَلَهُ .
أَمَّا إذَا عَلِمَ بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حُجَّةُ الْأَوَّلِ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ ، وَانْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْيَدِ وَالنِّسْبَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى اللَّامِيَّةِ ا هـ كَلَامُ التَّسَوُّلِيِّ بِتَصَرُّفٍ ، وَسَتَأْتِي مَسَائِلُ أُخَرُ فِي الْحِيَازَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُوَ حُجَّةٌ ، وَمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْحُكَّامِ فَتَرَقَّبْ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( فَرْعٌ ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ : لَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ ، وَفِي يَدِ عَبْدٍ لِأَحَدِهِمَا فَادَّعَاهَا الثَّلَاثَةُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ تَاجِرًا ، وَإِلَّا فَنِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَجِبُ إجَابَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ إذَا دَعَاهُ إلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ فِيهِ ) إنْ ادَّعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْأَحْكَامِ ، وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ إلَّا بِذَلِكَ ، وَمِنْ أَبْعَدِ مِنْ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ أَوْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ ، وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ ، وَمَتَى عَلِمَ خَصْمُهُ إعْسَارُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ ، وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ ، وَإِنْ دَعَاهُ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِجَوْرٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ ، وَتَحْرُمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَوْقُوفًا عَلَى الْحَاكِمِ كَأَجْلِ الْعِنِّينِ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى الْحَاكِمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَمْلِيكِ حِصَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ الْفُسُوخُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْحَاكِمِ ، وَإِنْ دَعَاهُ إلَى حَقٍّ مُخْتَلَفٍ فِي ثُبُوتِهِ ، وَخَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ أَوْ يَعْتَقِدُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ ، وَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَحِلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ ، وَمَتَى طُولِبَ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدْفَعُهُ إلَّا بِالْحُكْمِ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ وَوُقُوفُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَعْبٌ ، وَأَمَّا النَّفَقَاتُ فَيَجِبُ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا إنْ كَانَتْ لِلْأَقَارِبِ ، وَإِنْ

كَانَتْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلرَّقِيقِ يُخَيَّرُ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَجِبُ إجَابَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ إذَا دَعَاهُ إلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ فِيهِ ) اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الَّتِي يَذْكُرُهَا لِلْحَاكِمِ وَيُوَجِّهُهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : ( الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) أَنْ تَكُونَ مُجَرَّدَةً عَمَّا يَظْهَرُ بِهِ صِحَّتُهَا مِمَّا مَرَّ ، وَعَنْ دَلِيلٍ وَشُبْهَةٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْقِسْمِ هَلْ يَجِبُ بِهِ الْإِجَابَةُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا لِأَعْلَى مِنْ فَوْقِهَا ، وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ ، وَلَا تَجِبُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَفِي الْحَطَّابِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ نَقْلًا عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ ، وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ لَا تَتَوَجَّهُ فَيَبْعَثُ إلَيْهِ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى ، وَيُحْضِرُهُ لِمَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ ، وَيَفُوتُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِهِ ، وَرُبَّمَا كَانَ حُضُورُ بَعْضِ النَّاسِ ، وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَجْلِسِ الْحُكَّامِ مُزْرِيَةً فَيَقْصِدُ مَنْ لَهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ أَذَى مَنْ يُرِيدُ بِذَلِكَ مِنْ التَّبْصِرَةِ ا هـ .
( الْقِسْمُ الثَّانِي ) أَنْ تَكُونَ مَعَ مَا تَظْهَرُ بِهِ صِحَّتُهَا مِمَّا مَرَّ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ وَشُبْهَةٍ ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ قَالَ الْأَصْلُ إنْ دَعَا مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْأَحْكَامِ وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ إلَّا بِذَلِكَ ، وَمِنْ أَبْعَدِ مِنْ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَيُجْلَبُ الْخَصْمُ مَعَ مُدَّعِيهِ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَإِنْ زَادَ لَمْ يَجْلِبْهُ ا هـ وَقَالَ خَلِيلٌ وَجَلْبُ الْخَصْمِ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَا بِأَكْثَرَ كَسِتِّينَ مِيلًا ا هـ يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَ

إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ يُرْفَعُ بِالْإِرْسَالِ إلَيْهِ لَا بِالْخَاتَمِ عَلَى مَا بِهِ الْعَمَلُ كَمَا فِي الْيَزْنَاسِيِّ ، وَظَاهِرُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ يُرْفَعُ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَبِهِ الْعَمَلُ ، وَإِذَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى يُرْفَعُ بِكِتَابَةِ كِتَابٍ إلَيْهِ أَنْ اُحْضُرْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيُطِيعُ وَيُدْفَعُ لِلطَّالِبِ الْآتِي بِالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي تُسُولِيِّ الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ وَمَسَافَةُ الْعَدْوَى ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ الْجَوْهَرِيُّ الْعَدْوَى طَلَبُك إلَى وَالٍ لِيُعْدِيَك عَلَى مَنْ ظَلَمَك أَيْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ يُقَال اسْتَعْدَيْت عَلَى فُلَانٍ الْأَمِيرَ فَأَعْدَانِي أَيْ اسْتَعَنْت بِهِ فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ ا هـ .
( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) أَنْ تَكُونَ مَعَ مَا تَظْهَرُ بِهِ صِحَّتُهَا مِمَّا مَرَّ ، وَمَعَ الْإِتْيَانِ بِدَلِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَيْ لَطْخٍ كَجَرْحٍ أَوْ شَاهِدٍ أَوْ أَثَرِ ضَرْبٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ زَادَ أَيْ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَمْ يَجْلِبْهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدٌ فَيَكْتُبُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يَرْضَى أَيْ خَصْمُهُ ا هـ يَعْنِي أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَزِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى إمَّا الْإِجَابَةُ أَوْ إرْضَاءُ خَصْمِهِ لَكِنْ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ الَّذِي عَلَى مَا يَزِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى مِنْ مَحَلِّ وِلَايَةِ الْحَاكِمِ أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ : ، وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ وَالْمَالِ مَعَا وَحَيْثُ يُلْفِيهِ بِمَا فِي الذِّمَّهْ يَطْلُبُهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ فَلَيْسَتْ الدَّعْوَى إلَّا هُنَالِكَ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ هُنَاكَ أَمْ لَا ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ فَإِمَّا أَنْ يَلْقَاهُ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَوْ

يَكُونُ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ مَعَهُ أَوْ لَا فَيُجِيبُهُ لِمُخَاصَمَتِهِ هُنَاكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَأَمَّا مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُخَاصِمُهُ حَيْثُ مَا لَقِيَهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْأَصْلُ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْحَطَّابُ مَتَى طُولِبَ الشَّخْصُ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا يَدْفَعُهُ إلَّا بِالْحَاكِمِ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ ، وَوُقُوفُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَعْبٌ ، نَعَمْ إذَا كَانَ الْحَقُّ نَفَقَةً لِلْأَقَارِبِ ، وَجَبَ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا فَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلرَّقِيقِ خُيِّرَ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ كَمَا يُخْبَرُ فِي كُلِّ حَقٍّ مَوْقُوفٍ عَلَى الْحَاكِمِ أَيْ أَوْ يُمْكِنُ فِيهِ التَّخْيِيرُ كَأَجَلِ الْعِنِّينِ يُخَيِّرُ الزَّوْجَ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا ، وَكَالْقِسْمَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْحَاكِمِ يُخْبَرُ بَيْنَ تَمْلِيكِ حِصَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا وَكَالْفُسُوخِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْحَاكِمِ أَمَّا إنْ كَانَ الْحَقُّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ بَلْ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاءٌ ، وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ ، وَمَتَى عَلِمَ خَصْمُهُ إعْسَارَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ ، وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ دَعَاهُ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِحَوْزٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ ، وَتَحْرُمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ .
هَذَا إذَا كَانَ الْحَقُّ مُتَّفِقًا عَلَى ثُبُوتِهِ أَمَّا إنْ دَعَاهُ إلَى حَقٍّ مُخْتَلَفٍ فِي ثُبُوتِهِ فَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ نَعَمْ إنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ

وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ ا هـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَمَحَلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْحَقِّ ، وَيَتَثَبَّتُ فِي أَمْرِهِ ، وَأَمَّا إذَا فُقِدَ ذَلِكَ كَمَا فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي الْجَمِيعِ لِئَلَّا يَقَعَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ ا هـ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ ) الْمَشْرُوعُ مِنْ الْحَبْسِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ يُحْبَسُ الْجَانِي لِغَيْبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ الثَّانِي حَبْسُ الْآبِقِ سَنَةً حِفْظًا لِلْمَالِيَّةِ رَجَاءَ أَنْ يُعْرَفَ رَبُّهُ الثَّالِثُ يُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ عَنْ دَفْعِ الْحَقِّ إلْجَاءً إلَيْهِ الرَّابِعُ يُحْبَسُ مَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْعُسْرِ ، وَالْيُسْرِ اخْتِبَارًا لِحَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُهُ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ عُسْرًا أَوْ يُسْرًا الْخَامِسُ الْحَبْسُ لِلْجَانِي تَعْزِيرًا وَرَدْعًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى السَّادِسُ يُحْبَسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ أَوْ عَشْرِ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا ، وَامْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ السَّابِعُ مَنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولِ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعَيِّنُهُمَا فَيَقُولُ الْعَيْنُ هُوَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ ، وَنَحْوُهُمَا أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي أَقَرَرْت بِهِ هُوَ دِينَارٌ فِي ذِمَّتِي الثَّامِنُ يُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَالصَّوْمِ ، وَعِنْدَنَا يُقْتَلُ كَالصَّلَاةِ ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّمَانِيَةَ لَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إذَا تَمَلَّكَ الْحَاكِمُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا ظَفِرْنَا بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ شَيْءٍ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ كَانَ رَهْنًا أَمْ لَا فَعَلْنَا ذَلِكَ ، وَلَا نَحْبِسُهُ لِأَنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ ، وَدَوَامَ الْمُنْكَرِ فِي الظُّلْمِ ، وَضَرَرُهُ هُوَ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ فِي الْحَبْسِ مِنْ

الثِّيَابِ وَالْقُمَاشِ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْهُ أَخَذَهُ مِنْ عَلَيْهِ قَهْرًا ، وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ ، وَلَا يَحْبِسُهُ تَعْجِيلًا لِدَفْعِ الظُّلْمِ ، وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .
قَالَ ( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ مِنْ انْحِصَارِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَبْسِ فِي ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ كَمَا قَالَ لَيْسَ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ مِنْهُ ) الْحَبْسُ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ بِمَا زَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ : ( الْأَوَّلُ ) حَبْسُ الْجَانِي لِغَيْبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ ( الثَّانِي ) حَبْسُ الْآبِقِ سَنَةً حِفْظًا لِلْمَالِيَّةِ رَجَاءَ أَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ ( الثَّالِثُ ) حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ ، وَلَوْ دِرْهَمًا ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِهِ لَجَاءَ إلَيْهِ فَلَا يُطْلَقُ حَتَّى يَدْفَعَهُ ، وَلَا يُقَالُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ ، وَتَخْلِيدُهُ فِي الْحَبْسِ عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ كَيْفَ تَكُونُ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ ، وَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْلِيدَ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى يَرُدَّ مُخَالَفَةَ الْقَوَاعِدِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقَابِلَ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ كُلَّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ فَهِيَ جِنَايَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُتَقَابِلَةٌ فَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ كَمَا لِلْأَصْلِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ حَقِيرَةٌ بَلْ هُوَ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ، وَالْإِصْرَارَ عَلَى الظُّلْمِ وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ التَّخْلِيدَ ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَمَا لِابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ ( الرَّابِعُ ) حَبْسُ مَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ اخْتِبَارٌ لِحَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُهُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ عُسْرًا أَوْ يُسْرًا .
( الْخَامِسُ ) حَبْسُ الْجَانِي تَعْزِيرًا أَوْ رَدْعًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى .
( السَّادِسُ ) حَبْسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَنْ

أُخْتَيْنِ أَوْ عَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا ، وَامْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ .
( السَّابِعُ ) حَبْسُ مَنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولِ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعَيِّنَهُ فَيَقُولُ الْمُقِرُّ بِهِ هُوَ هَذَا الثَّوَابُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ فِي ذِمَّتِي هُوَ دِينَارٌ .
( الثَّامِنُ ) حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَيُقْتَلُ فِيهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْحَجِّ ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَنِ فَمِثَالُهُ تَرْكُ الْوِتْرِ قَالَ أَصْبَغُ بِتَأْدِيبِ تَارِكِ الْوِتْرِ ا هـ هَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ .
( التَّاسِعُ ) مَنْ يُحْبَسُ اخْتِبَارٌ لِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْفَسَادِ .
( الْعَاشِرُ ) حَبْسُ الْمُتَدَاعِي فِيهِ قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّالِبَ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِعَدْلَيْنِ أَوْ بِعَدْلٍ أَوْ بِمَجْهُولٍ مَرْجُوٍّ تَزْكِيَتُهُ أَوْ بِمَجْهُولَيْنِ كَذَلِكَ أَوْ بِلَطْخٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَالتَّوْقِيفُ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا لِلْإِعْذَارِ مَا لَا خَرَاجَ لَهُ مِنْ الْعَقَارِ بِالْغَلْقِ ، وَمَا لَهُ خَرَاجٌ يُوقَفُ خَرَاجُهُ ، وَغَيْرُ الْعَقَارِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ بِالْوَضْعِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ ، وَبِيعَ وَوُضِعَ ثَمَنُهُ عِنْدَهُ فِي الثِّمَارِ إنْ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ ، وَفِي الثَّانِي لِلْإِعْذَارِ فِيهِ أَوْ لِإِقَامَةِ ثَانٍ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لِرَجَاءِ شَاهِدٍ آخَرَ فَالْمَنْعُ مِنْ التَّفْوِيتِ فَقَطْ فِي الْعَقَارِ ، وَلَا يَنْزِعُ مِنْ يَدِهِ لَكِنْ يُوقِفُ مَالَهُ خَرَاجٌ مِنْهُ ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِالْوَضْعِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ ، وَبَيْعِ مَا يَفْسُدُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَجِدْ ثَانِيًا فَلَا أَحْلِفُ مَعَ هَذَا أَلْبَتَّةَ فَلَا يُبَاعُ حِينَئِذٍ

بَلْ يُتْرَكُ لِلْمَطْلُوبِ ، وَفِي الثَّالِثِ التَّزْكِيَةُ وَالْإِعْذَارُ بَعْدَهَا ، وَحُكْمُهُ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ الْحَاجِبِ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ قَالَ ابْنُ رَحَّالٍ فِي شَرْحِهِ هُوَ كَالْعَدْلِ الْمَقْبُولِ فِي وُجُوبِ الْإِيقَافِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ ، وَفِي الرَّابِعِ التَّزْكِيَةُ وَالْإِعْذَارُ أَيْضًا ، وَحُكْمُهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا فِي بَيْعِ مَا يَفْسُدُ فَيُبَاعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَفِي الْخَامِسِ ، وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِالْوَضْعِ عِنْدَ أَمِينٍ مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَفْسُدُ فَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِزِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَالْعَدْلِ الَّذِي لَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ الْحَلِفَ مَعَهُ ، وَفِي السَّادِسِ لَا عَقْلَ أَيْ لَا حَبْسَ أَصْلًا إذْ لَا يُعْقَلُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْرِ فِيهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ ، وَجَرَى الْعَمَلُ بِالْإِيقَافِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ الْعَقَارِ قَالَ نَاظِمُهُ : وَكُلُّ مُدَّعٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ مُكِّنَ مِنْ الْإِثْبَاتِ بِالْإِطْلَاقِ لَكِنْ حَكَى ابْنُ نَاجِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ مُسْتَنَدُهُ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْإِخْلَالِ بِحَقٍّ ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى حَقِّ الطَّالِبِ فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ قِيمَةَ كِرَائِهَا فِي أَيَّامِ الذَّهَابِ وَالْإِيقَافِ زِيَادَةً عَلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ شَيْئًا أَخَذَهُ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّ هَذَا قَدْ اعْتَرَضَ مَالَ غَيْرِهِ ، وَعَطَّلَهُ عَنْ مَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى لَطْخٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَنَدَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ الْكِرَاءَ الشُّبْهَةِ ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْعَمَلِ ، وَقَدْ حَكَى كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ الْمَعَاشُ يَذْهَبُونَ لِلْفَنَادِقِ فَيَعْتَرِضُونَ دَوَابَّ الْوَارِدِينَ حَتَّى يُصَالِحُوهُمْ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ رَبُّ الدَّابَّةِ مَزْعُوجًا يُرِيدُ الْخُرُوجَ فِي الْحِينِ ، وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ ذَلِكَ الْعَجَبَ

الْعُجَابَ ، وَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا الْتَزَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارَ الْمُدَّعِي فِيهِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ .
وَلَا تَجِبُ أُجْرَةُ تَعْطِيلِ الْمُدَّعَى بِهِ فِي مُدَّةِ الْإِحْضَارِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ إلَخْ مَعَ أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ إنَّمَا هُوَ مَعَ قِيَامِ اللَّطْخِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ التَّسَوُّلِيِّ هَذَا مَا زَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ مِنْ حَصْرِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَبْسِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّمَانِيَةِ الْأَوَّلُ فَلِذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ أَهُوَ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْعَشَرَةَ لَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِيهِ .
قَالَ الْأَصْلُ : وَلَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إذَا تَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ مِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ فَإِنَّا نَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ ، وَكَذَلِكَ إذْ ظَفِرْنَا بِدَارِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ كَانَ هُنَا أَمْ لَا فَإِنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَلَا نَحْبِسُهُ فَإِنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ ، وَدَوَامَ الْمُنْكَرِ مِنْ الْمَطْلِ ، وَضَرَرُهُ هُوَ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ فِي الْحَبْسِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْقُمَاشِ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْهُ أَخَذَهُ مَنْ عَلَيْهِ قَهْرًا ، وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ ، وَلَا يَحْبِسُهُ تَعْجِيلًا ابْنُ الْمُنَاصِفِ فِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ عَلَى مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ ، وَإِذَا ضَرَبَ الْأَجَلَ لِلطَّالِبِ فِي إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ قَبْلَ الْمَطْلُوبِ فَسَأَلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَفِيلًا بِوَجْهِهِ لِأَجْلِ الْخُصُومَةِ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْكَفِيلِ

لَمْ يُحْبَسْ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَقِيلَ لِلطَّالِبِ لَازِمْهُ إنْ شِئْت ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَوْ شَيْئًا مُسْتَهْلَكًا ، وَسَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ لَهُ مِنْهُ كَفِيلًا بِذَلِكَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُعَامَلَةِ .
وَمَا يُوجِبُ اللَّطْخَ ، وَهُمْ حُضُورٌ فَإِنَّهُ يُوَكَّلُ بِالْمَطْلُوبِ حَتَّى يَأْتِيَ بِذَلِكَ اللَّطْخِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمِهِ ، وَشَبَهُهُ اُنْظُرْ تَمَامُهَا فِي التَّهْذِيبِ أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَقَدْ عَقَدَ فَصْلًا لِأَمْثِلَةِ الْأَقْسَامِ الْعَشَرَةِ مَعَ تَقْسِيمِهِ الْقِسْمَ الثَّالِثَ ، وَهُوَ حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَبْسُ تَضْيِيقٍ وَتَنْكِيلٍ ، وَحَبْسُ تَعْزِيرٍ وَتَنْكِيلٍ ، وَحَبْسُ تَعْزِيرٍ وَتَأْدِيبٍ ، وَحَبْسُ مَلُومٍ وَاخْتِيَارٍ ، وَبَيَانُ مَنْ لِكُلِّ قِسْمٍ ، وَأَمْثِلَتُهُ ، وَفَصْلًا لِبَيَانِ أَنَّ قَدْرَ مُدَّةِ الْحَبْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهِ وَمُوجِبَاتِهِ فَانْظُرْ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ أَنَّ السِّجْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَصْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } أَيْ سِجْنًا وَحَبْسًا قَالَ أَوْ السِّجْنُ ، وَإِنْ كَانَ أَسْلَمَ الْعُقُوبَاتِ فَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْله تَعَالَى { إلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أَنَّ السِّجْنَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْبَلِيغَةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَرَنَهُ مَعَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ، وَقَدْ عَدَّ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الِانْطِلَاقَ مِنْ السِّجْنِ إحْسَانًا إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ } وَلَا شَكَّ أَنَّ السِّجْنَ الطَّوِيلَ عَذَابٌ ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ إذْ أَوْعَدَ مُوسَى { لَأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ } وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ ، وَلَمَّا اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ابْنَهُ عَلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَوْصَاهُ أَنْ لَا يُعَاقِبَ فِي حِينِ

الْغَضَبِ ، وَحَضَّهُ عَلَى أَنْ لَا يَسْجُنَ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ ثُمَّ يَرَى رَأْيَهُ ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّ أَوَّلَ مَنْ اتَّخَذَ السِّجْنَ كَانَ حَلِيمًا ، وَلَمْ يُرِدْ مَرْوَانُ طُولَ السِّجْنِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ السِّجْنَ الْخَفِيفَ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ ، وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ هُوَ السِّجْنُ فِي مَكَان ضَيِّقٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْوِيقُ الشَّخْصِ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ شَاءَ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي مَسْجِدٍ أَوْ كَانَ يَتَوَكَّلُ نَفْسَ الْغَرِيمِ أَوْ وَكِيلَهُ عَلَيْهِ ، وَمُلَازَمَتُهُ لَهُ .
وَلِهَذَا أَسْمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيرًا فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ { عَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَرِيمٍ لِي فَقَالَ الْزَمْهُ ثُمَّ قَالَ لِي يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِك } ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مَرَّ بِي آخَرَ النَّهَارِ فَقَالَ مَا فَعَلَ أَسِيرُك يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ ، وَهَذَا كَانَ هُوَ الْحَبْسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسٌ مُعَدٌّ لِحَبْسِ الْخُصُومِ فَلَمَّا انْتَشَرَتْ الرَّعِيَّةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْتَاعَ بِمَكَّةَ دَارًا ، وَجَعَلَهَا سِجْنًا يَحْبِسُ فِيهَا ، وَجَاءَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَجَعَلَهَا حَبْسًا ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْحَبْسِ ا هـ .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّلَّاعِ الْأَنْدَلُسِيِّ الْمَالِكِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِأَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ هَلْ سَجَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَحَدًا أَمْ لَا فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا

سِجْنٌ ، وَلَا سَجَنَا أَحَدًا ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَنَ فِي الْمَدِينَةِ فِي تُهْمَةِ دَمٍ } رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا ، وَفِي غَيْرِ الْمُصَنَّفِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ } .
وَوَقَعَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَنَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ } فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِتْمَامَ عِتْقِهِ قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ .
وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَكَمَ بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ } فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَنَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي سِجْنٍ مُتَّخَذٍ لِذَلِكَ ، وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ سِجْنٌ ، وَأَنَّهُ سَجَنَ الْحُطَيْئَةَ عَلَى الْهَجْوِ ، وَسَجَنَ ضَبُعًا عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالنَّازِعَاتِ ، وَشَبَهِهِنَّ وَأَمْرِهِ النَّاسَ بِالتَّفَقُّهِ فِي ذَلِكَ ، وَضَرَبَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، وَنَفَاهُ إلَى الْعِرَاقِ ، وَقِيلَ إلَى الْبَصْرَةِ ، وَكَتَبَ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ قَالَ الْمُحَدِّثُ فَلَوْ جَاءَنَا ، وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا عَنْهُ ثُمَّ كَتَبَ أَبُو مُوسَى إلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ، وَسَجَنَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ صَابِئَ بْنَ حَارِثٍ ، وَكَانَ مِنْ لُصُوصِ بَنِي تَمِيمٍ وَفُتَّاكِهِمْ حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْسِ ، وَسَجَنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْكُوفَةِ ، وَسَجَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَكَّةَ ، وَسَجَنَ أَيْضًا فِي سِجْنِ عَارِمَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ إذْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعَتِهِ ا هـ ، وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ .

( سُؤَالٌ ) كَيْفَ يَخْلُدُ فِي الْحَبْسِ مَنْ امْتَنَعَ مَنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ ، وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ ( جَوَابُهُ ) أَنَّهَا عُقُوبَةٌ صَغِيرَةٌ بِإِزَاءِ جِنَايَةٍ صَغِيرَةٍ ، وَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فَتُقَابَلُ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ فَهِيَ جِنَايَاتٌ ، وَعُقُوبَاتٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُتَقَابِلَةٌ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ ، وَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ .

الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ ) فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ مُشَبَّهَةٌ فَقَوْلُنَا صَحِيحَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَجْهُولَةِ أَوْ غَيْرُ الْمُحَرَّرَةِ ، وَمَا فَاتَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، وَقَوْلُنَا مُشَبَّهَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الَّتِي يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ ، وَمَا يَشْهَدُ بِهَا ، وَمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَكْذِبِيهَا وَتَصْدِيقِهَا ؛ فَمَا شَهِدَ لَهَا كَدَعْوَى سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِيَدِ رَجُلٍ أَوْ دَعْوَى غَرِيبٍ وَدِيعَةً عِنْدَ جَارِهِ أَوْ مُسَافِرٍ أَنَّهُ أَوْدَعَ أَحَدُ رُفَقَائِهِ .
وَكَالدَّعْوَى عَلَى الصَّانِعِ الْمُنْتَصِبِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مَتَاعًا لِيَصْنَعَهُ أَوْ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ الْمُنْتَصِبِينَ لِلْبَيْعِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ أَوْ يُوصِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عِنْدَ رَجُلٍ فَيُشْرَعُ التَّحْلِيفُ هَاهُنَا بِغَيْرِ شَرْطٍ ، وَتَتَّفِقُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا ، وَاَلَّتِي شَهِدَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُشَبَّهَةٍ فَهِيَ كَدَعْوَى دَيْنٍ لَيْسَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ فَلَا يُسْتَخْلَفُ إلَّا بِإِثْبَاتِ خُلْطَتِهِ لَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَهِيَ أَنْ يُسَالِفَهُ أَوْ يُبَايِعَهُ مِرَارًا ، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ الثَّمَنَ أَوْ السِّلْعَةَ ، وَتَفَاضَلَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ هِيَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تُشْبِهُ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِلَطْخٍ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُشْبِهُ أَنْ يُعَامِلَ الْمُدَّعِيَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فِي تَفْسِيرِ الْخُلْطَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي هَذَا الْقِسْمِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو

حَنِيفَةَ يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَنَا مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ } وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَدَّعِي الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً ، وَلَمْ يُرْوَ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ عَلَى ذَوِي الْأَقْدَارِ بِتَبْذِيلِهِمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالتَّحْلِيفِ ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ ، وَرُبَّمَا الْتَزَمُوا مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْجُمَلِ الْعَظِيمَةِ مِنْ الْمَالِ فِرَارًا مِنْ الْحَلِفِ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَدْ يُصَادِفُهُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُصِيبَةٌ فَيُقَالُ هِيَ بِسَبَبِ الْحَلِفِ فَيَتَعَيَّنُ حَسْمُ الْبَابِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْأَعْرَاضِ وَاجِبَةٌ ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي دَرْءَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ بِدُونِ زِيَادَةٍ ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيُسْقِطُ اعْتِبَارَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الشَّرْطِ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُخَالَطَةً ، وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ قَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ الْخُلْطَةِ فَاشْتِرَاطُهَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ ، وَتَخْتَلُّ حُكْمَهُ الْحُكَّامُ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا بَيَانُ حَالِ مَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ لِمَعْنًى لَا يَحْتَجْ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مُعْرِضٌ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَعَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَات بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ } أَنَّ

مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لَا بَيَانُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ .
وَعَنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا جَوَابٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا فِي أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الْمُحْتَمَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي فِيهَا الْخُلْطَةُ لِأَنَّهَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهَا ، وَإِلَّا لَكَانَ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ الْحَصْرِ ، وَبَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ شَرْطِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا ، أَوْ نَقُولُ لَيْسَ هُوَ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسَلُّطِ الْفَسَقَةِ السَّفَلَةِ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ بِالتَّحْلِيفِ عِنْدَ الْقُضَاةِ ، وَأَنَّهُ يُفْتَحُ بَابُ دَعْوَى أَحَدِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَاوَلَهُ ، وَعَاقَدَهُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِهِ أَوْ خِيَاطَةِ قَلَنْسُوَتِهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ فِيهِ فَطَرِيقُ الْجَمِيعِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْقَوَاعِدِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ ، وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) أَنَّ الْخُلْطَةَ حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْأَمْوَالِ فَتَلْحَقُ بِهَا فِي الْحِجَاجِ ، وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَامْرَأَةٍ ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) إذَا دَفَعَ الدَّعْوَى بِعَدَاوَةٍ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُقْتَضَاهَا الْإِضْرَارُ بِالتَّحْلِيفِ وَالْبِذْلَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ، وَقِيلَ يَحْلِفُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ خَمْسَ مَوَاطِنَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا الْخُلْطَةُ الصَّانِعُ ، وَالْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ ، وَالْقَائِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ ، وَالْمُتَضَيِّفُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ وَالْعَارِيَّةُ ، الْوَدِيعَةُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ ) وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةَ الْمُسْتَكْمِلَةَ لِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ إمَّا أَنْ تَثْبُتَ بِدُونِ الشَّاهِدَيْنِ ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَثْبُتَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَهِيَ قِسْمَانِ ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ أَبُو عَمْرُو بْنُ الْحَاجِبِ كُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا ، وَلَا تُرَدُّ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالرَّجْعَةِ ، وَأَلْحَقَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ بِهَذِهِ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً ، وَقَالَ ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ ، وَسَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنْهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ا هـ فَانْظُرْهُ .
وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالَ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ أَيْ مُسْتَكْمِلَةٌ لِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ لَا يُكَذِّبَهَا الْعُرْفُ ، وَكَانَتْ مِمَّا تَثْبُتُ بِدُونِ الشَّاهِدَيْنِ نَوْعَانِ : الْأَوَّلُ مَا يَشْهَدُ بِهَا الْعُرْفُ فَيُشْرَعُ التَّحْلِيفُ بِمُجَرَّدِهَا بِلَا شَرْطِ خُلْطَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَتَتَّفِقُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا ، وَحَصَرَ أَبُو عُمَرَ هَذَا النَّوْعَ فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ : ( الْمَوْطِنُ الْأَوَّلُ ) أَهْلُ التُّهَمِ وَالْعَدَاءِ وَالظُّلْمِ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ .
( الْمَوْطِنُ الثَّانِي ) الصُّنَّاعُ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ أَنَّهُمْ اسْتَصْنَعُوهُمْ ، وَالتُّجَّارُ لِمَنْ تَاجَرَهُمْ ، وَأَهْلُ الْأَسْوَاقِ ، وَأَهْلُ الْحَوَانِيتِ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ بَاعُوهُ مِمَّا يُرِيدُونَهُ ، وَيَتَّجِرُونَ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِ مَا يُرِيدُونَهُ وَيَتَّجِرُونَ فِيهِ فَلَا يَمِينَ فِيهِ إلَّا بِشُبْهَةٍ .
( الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ ) الْقَائِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ أَوْ تَدَّعِي وَرَثَةُ الْمُتَوَفَّى عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ مَالًا عَلَيْهِ

مِنْ وَجْهٍ نَصُّوهُ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ مُتَوَفًّى فَهُوَ بِخِلَافِ الْحَيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
( الْمَوْطِنُ الرَّابِعُ ) الْمُتَضَيِّفُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ .
( الْمَوْطِنُ الْخَامِسُ ) الْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ كَأَنْ يَنْزِلَ الْغَرِيبُ الْمَدِينَةَ فَيَدَّعِي أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا ، وَزَادَ فِي التَّبْصِرَةِ مَوْطِنًا سَادِسًا ، وَهُوَ الْقَاتِلُ يَدَّعِي أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَفَا عَنْهُ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ ، وَأَنْكَرَهُ أَشْهَبُ وَمَوْطِنًا سَابِعًا ، وَهُوَ مَنْ بَاعَ سِلْعَةَ رَجُلٍ ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا ، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُهَا ، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ ، وَيَأْخُذُهَا ، وَمَوْضِعًا ثَامِنًا ، وَهُوَ مَنْ ادَّعَى عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بَقِيَّةَ كِرَاءٍ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا اكْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ حَلَفَ إنْ كَانَ مُنْكِرًا .
( النَّوْعُ الثَّانِي ) مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْعُرْفُ لِتَكْذِيبِهَا ، وَلَا تَصْدِيقِهَا فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا التَّحْلِيفُ إلَّا بِإِثْبَاتِ خُلْطَةِ مَشْهُورِ الدَّعْوَى دَيْنٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاطِنِ الْمَذْكُورَةِ ، وَكَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الرَّجُلِ الْمُبَرَّزِ مَنْ لَيْسَ مِنْ شَكْلِهِ وَلَا نَمَطِهِ لَمْ تَجِبْ لَهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْخُلْطَةِ الَّتِي اُشْتُرِطَتْ فِي هَذَا النَّوْعِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : ( الْأَوَّلُ ) لِابْنِ الْقَاسِمِ هِيَ أَنْ يُسَالِفَهُ أَوْ يُبَايِعَهُ مِرَارًا ، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ ، وَتَفَاصَلَا قَبْلَ التَّفْرِقَةِ .
( وَالثَّانِي ) لِسَحْنُونٍ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ .
( وَالثَّالِثُ ) لِلْأَبْهَرِيِّ هِيَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تَشْبِيهٌ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ

يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِلَطْخٍ .
( وَالرَّابِعُ ) لِلْقَاضِي أَبِي حَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُشْبِهُ أَنْ يُعَامَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ ، وَفَسَّرَ أَصْبَغُ الْخُلْطَةَ فَلَمْ يَرَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ ، وَلَا الْجُلَسَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا الْجِيرَانُ خُلْطَةً ، وَلَمْ يَرَهَا إلَّا بِتَكَرُّرِ الْمُبَايَعَةِ ، وَأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِالنَّسِيئَةِ ا هـ .
قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ سَحْنُونٍ فَافْهَمْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ ، وَفَائِدَةُ اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْ تَكْرَارِ الْمُبَايَعَةِ وَالنَّسِيئَةِ أَنَّهُ لَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بِالنَّقْدِ ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَتَفَاصَلَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خُلْطَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا بَقِيَّةٌ تُوجِبُ الْيَمِينَ قَالَ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ خُلْطَةِ الْمُبَايَعَةِ وَبَيْنَ خُلْطَةِ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُؤَاخَاةِ فَإِنَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَفَالَةً فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ الْخُلْطَةِ قَالَ يُرِيدُ خُلْطَةَ صُحْبَةٍ وَمُؤَاخَاةٍ لَا خُلْطَةَ مُبَايَعَةٍ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْخُلْطَةَ تُعْتَبَرُ بِصُحْبَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَمَالَةِ ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ يُرَاعِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرِيمِ ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَمَالَةُ .
وَوَجْهُ ابْنِ يُونُسَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ يَقُولُ إنَّمَا وَثِقْت بِمُبَايَعَةِ مَنْ لَا أَعْرِفُ لِكَفَالَتِك إيَّاهُ فَلِذَلِكَ تَوَجَّهَتْ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ا هـ .
قُلْت ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ فِي الْخُلْطَةِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي هَذَا النَّوْعِ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِثْلُهُ ، وَأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ

خُلْطَةٍ ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لُبَابَةَ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ا هـ .
وَفِي الْأَصْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَنَا مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ } ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَدَّعِي الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً ، وَلَمْ يُرْوَ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ عَلَى ذَوِي الْأَقْدَارِ بِتَبْذِيلِهِمْ عِنْدَ الْأَحْكَامِ بِالتَّحْلِيفِ ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ ، وَرُبَّمَا الْتَزَمُوا مَا لَا يَلْزَمْهُمْ مِنْ الْجُمَلِ الْعَظِيمَةُ مِنْ الْمَالِ فِرَارًا مِنْ الْحَلِفِ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ يُصَادِفُهُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُصِيبَةٌ فَيُقَالُ هِيَ بِسَبَبِ الْحَلِفِ فَيَتَعَيَّنُ حَسْمُ الْبَابِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْأَعْرَاضِ وَاجِبَةٌ ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي دَرْءَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ بِدُونِ زِيَادَةٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ مَا ذَكَرَ مِنْ الشَّرْطِ فَجَوَابُهُ مِنْ جِهَتَيْنِ : ( الْأُولَى ) أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا بَيَانُ حَالِ مَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ لِمَعْنًى لَا يَحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مُعْرِضٌ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَعَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ

الْعُشْرُ } بِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لَا بَيَانُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ .
( الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا فِي أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ الْمُحْتَمِلَةِ عَلَى الْحَالَةِ الْمُحْتَمِلَةِ ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي فِيهَا الْخُلْطَةُ لِأَنَّهَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَلَا يَحْتَجَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا ، وَإِلَّا لَكَانَ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُخَالَطَةً فَجَوَابُهُ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْضًا : ( الْأُولَى ) أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ الْحَصْرِ ، وَبَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ شَرْطِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا ( الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْحُقُوقَ قَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ الْخُلْطَةِ فَاشْتِرَاطُهَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ ، وَتَخْتَلُّ حِكْمَةُ الْحُكَّامِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسَلُّطِ الْفَسَقَةِ السَّفَلَةِ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ عِنْدَ الْقُضَاةِ ، وَأَنَّهُ يَفْتَحُ بَابَ دَعْوَى أَحَدِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ عَلَى أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَاوَلَهُ ، وَعَاقَدَهُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِهِ أَوْ خِيَاطَةِ قَلَنْسُوَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ فِيهِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْقَوَاعِدِ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَصْلٌ ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى )

قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ حَيْثُ اشْتَرَطَتْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْأَمْوَالِ فَتَلْحَقُ بِهَا فِي الْحِجَاجِ ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَقَامَ بِالْخُلْطَةِ شَاهِدًا وَاحِدًا حَلَفَ مَعَهُ ، وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا حَضَرَ خَطَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ فَهُوَ كَثُبُوتِ إقْرَارِهِ تَجِبُ بِهِ الْخُلْطَةُ .
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ أَيْضًا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ، وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَحْسَنُ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ إثْبَاتُ لَطْخِ الدَّعْوَى ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمَرْأَةِ ا هـ مِنْ الْأَصْلِ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) فِي التَّبْصِرَةِ ثُبُوتُ الْخُلْطَةِ يُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي دَعْوَى السَّلَفِ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمُقَارَضَةَ أَوْ الشَّرِكَةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَحُدُّهَا الشُّهُودُ ، وَلِذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِهَا ، وَيَعْقِدُ فِي إثْبَاتِ الْخَلْطِ شَهِدَ مَنْ يُسَمَّى أَسْفَلَ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانًا وَفُلَانًا مَعْرِفَةً صَحِيحَةً تَامَّةً بِعَيْنِهِمَا وَاسْمِهِمَا ، وَيَعْرِفُونَ فُلَانًا مُخَالِطًا لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ ، وَمُدَاخِلًا لَهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا عَامًا ، وَلَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ انْقَطَعَ بَيْنَهُمَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى حِينِ إيقَاعِ شَهَادَتِهِمْ فِي تَارِيخِ كَذَا ، وَيَذْكُرُ فِيهِ تَعْرِيفَ الشَّاهِدَيْنِ بِهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي يَعْرِفُهُمَا ، وَفَائِدَةُ التَّحْدِيدِ بِالتَّارِيخِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى

دَاخِلَةً فِي هَذَا التَّحْدِيدِ فَلَوْ كَانَتْ قَبْلَهَا لَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ الْأَمَدِ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ ، وَشَهَادَةُ الضَّرَرِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مُدَّةِ الْأَمَدِ الَّذِي تَحُدُّهُ الشُّهُودُ لِلْخُلْطَةِ لَمْ يَجِبْ الْيَمِينُ فِيهِ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ فِي مُدَّةِ الدَّعْوَةِ ، وَلَا تَجِبُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخُلْطَةِ يَمِينٌ فِي دَعْوَى مُبَايَعَةٍ فِي عَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا تُرَاعَى الْخُلْطَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ مِنْ الْحُقُوقِ ، وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْمُعَيَّنَةُ الَّتِي يَقَعُ التَّدَاعِي فِيهَا بَيْنَهُمَا فَالْيَمِينُ لَاحِقَةٌ مِنْ غَيْرِ خُلْطَةٍ ، وَقِيلَ لَا تَجِبُ الْيَمِينُ إلَّا بِالْخُلْطَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ ، وَهَذَا أَبْيَنُ عِنْدِي لِأَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا رَآهَا الْعُلَمَاءُ لِلْمَضَرَّةِ الدَّاخِلَةِ لَوْ سَمِعَ مَعَ كُلِّ مُدَّعٍ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) فِي التَّبْصِرَةِ اخْتَلَفَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ فَدَفَعَهُمَا بِدَعْوَى الْعَدَاوَةِ هَلْ تَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ بِغَيْرِ خُلْطَةٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ لَا يَجِبُ ا هـ قَالَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُقْتَضَاهَا الْإِصْرَارُ بِالتَّحْلِيفِ وَالْبِذْلَةِ عِنْدَ الْحُكَّامِ ا هـ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ ) قَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَالْأَسْبَابِ وَالْحِجَاجِ ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ شَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَالْحِجَاجَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ وَالْأَسْبَابَ تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ ، وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحِجَاجُ فَنَقُولُ ، وَبِاَللَّهِ نَسْتَعِينُ الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً الشَّاهِدَانِ ، الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا ، وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ ، وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ ، وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ ، وَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ فِي اللِّعَانِ ، وَخَمْسُونَ يَمِينًا فِي الْقَسَامَةِ ، وَالْمَرْأَتَانِ فَقَطْ فِي الْعُيُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْيَمِينُ وَحْدَهَا بِأَنْ يَتَحَالَفَا ، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْإِقْرَارُ ، وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ ، وَالْقَافَةُ ، وَقُمُطُ الْحِيطَانِ ، وَشَوَاهِدُهَا ، وَالْيَدُ فَهَذِهِ هِيَ الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَنَا ، وَفِيهَا شُبُهَاتٌ ، وَاخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَأَذْكُرُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ حُجَّةً حُجَّةً بِانْفِرَادِهَا ، وَأُورِدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ ( الْأُولَى الشَّاهِدَانِ ) وَالْعَدَالَةُ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَدَالَةُ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا ، وَإِلَّا فَلَا ، وَعِنْدَنَا هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا ، وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةَ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا .
وَأَمَّا

الْيَوْمُ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيُلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَاسْتَثْنَى الْحُدُودَ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ يَجْرَحُهَا وَجَبَ الْبَحْثُ عَنْهُمَا لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا ، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنْ لَا أَعْرِفَكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا ، وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تَقْطَعُ بَيْنَهُمَا الْأَرْحَامَ قَالَ لَا فَقَالَ ابْنُ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا ، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا وَقَدْ عُرِفَ إسْلَامُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمَيْنِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكِرٌ غَالِبًا ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدُ ، وَقَوْلُهُ { مِنْكُمْ } إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي لِتَقْيِيدِ فَائِدَةٍ .
وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالِاعْتِقَادِ فَهُوَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ وقَوْله تَعَالَى { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ }

، وَرِضَاءُ الْحَاكِمِ بِهِمْ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِمْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُدُودِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ الْعَدَالَةَ فَإِنْ فَرَّقُوا بِأَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِذَا طَلَبَهَا تَعَيَّنَتْ ، وَأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ اللَّهِ مَنَعْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ بَلْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ فَيَتَّجِهُ الْقِيَاسُ ، وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِالْمَنْعِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ ، وَبِقَوْلٍ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ { وَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ } فَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ بِحَضْرَتِنَا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامَ ، وَلِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الظَّاهِرَ فَالْإِسْلَامُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَمُّ وَازِعٍ ، وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ ، وَعُمُومَاتُ النُّصُوصِ وَالْأَوَامِرِ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَتَوَضَّأُ بِالْمِيَاهِ ، وَيُصَلِّي بِالثِّيَابِ بِنَاءً عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَيْهَا ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فَقَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْفَائِدَةُ فِي هَذَا الْقَيْد ، وَقَيَّدَ أَيْضًا بِرِضَاءِ الْحَاكِمِ .
وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْبَحْثِ ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكْفِي فِيهِ ظَاهِرُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي الْإِسْلَامُ فِي الْعَدَالَةِ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِ عُدُولٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ

مُعْتَبَرُ السَّكْتِ عَنْهُ ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يُؤْمَرُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ الْعُدُولِ ، وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ الْعَدَالَةُ غَالِبَةٌ بِخِلَافِ غَيْره ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُؤَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَ أَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ ( وَعَنْ الرَّابِعِ ) أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى نَعْلَمَ سَجَايَاهُ ، وَعَدَمَ جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ ، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فَذَلِكَ لِأَجْلِ تَيَقُّنِنَا عَدَمَ مُلَابَسَتِهِ مَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ( وَعَنْ الْخَامِسِ ) أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ ، وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا ، وَلَا إجْمَاعَ فَإِنَّ بَحْثَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ .
وَأَمَّا الْفَقْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْفَقْرُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ بَلْ وِزَانُهُ هَاهُنَا أَنْ تَعْلَمَ عَدَالَتُهُ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّا لَا نَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْمَاءِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ ، وَأَمَّا الْعُمُومَاتُ وَالْأَوَامِرُ فَإِنَّا لَا نَكْتَفِي بِظَاهِرِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الصَّارِفِ الْمُخَصِّصِ ، وَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا .

( الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ ) وَهُوَ أَنَّ الْحُجَّةَ وَاحِدُ الْحِجَاجِ الَّتِي هِيَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ فَشَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَبِخِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا فَلَا تُغْفَلُ ، وَالْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ مُنْحَصِرَةٌ عِنْدَنَا فِي سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً ( الْأُولَى ) الْأَرْبَعَةُ الشُّهُودُ ( الثَّانِيَةُ ) الشَّاهِدَانِ ( الثَّالِثَةُ ) الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ ( الرَّابِعَةُ ) الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ ( الْخَامِسَةُ ) الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ ( السَّادِسَةُ ) الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ ( السَّابِعَةُ ) الْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ ( الثَّامِنَةُ ) الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ ( التَّاسِعَةُ ) أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ ( الْعَاشِرَةُ ) خَمْسُونَ يَمِينًا ( الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ ) الْمَرْأَتَانِ فَقَطْ ( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) الْيَمِينُ وَحْدَهَا ( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) الْإِقْرَارُ ( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ ( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) الْقَافَةُ ( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) قُمُطُ الْحِيطَانِ وَشَوَاهِدِهَا ( السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) الْيَدُ وَمَا عَدَا هَذِهِ السَّبْعَ عَشْرَةَ لَا يُقْضَى بِهِ عِنْدَنَا ، وَبَيَانُ كُلِّ حُجَّةٍ مِنْ السَّبْعَ عَشْرَةَ بِانْفِرَادِهَا بِتَوْضِيحِ مَا تَكُونُ فِيهِ ، وَمَا فِيهَا مِنْ اشْتِبَاهٍ وَاخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ يَسْتَدْعِي أَبْوَابًا ، وَوُصُولًا لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ تَمَامُ الْفَائِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( الْبَابُ الْأَوَّلُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْأُولَى ، وَدَلِيلُهَا وَشُرُوطُهَا ، وَفِيهِ وَصْلَانِ : ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) تَكُونُ هَذِهِ الْحُجَّةُ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ ( الْأَوَّلُ ) الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا

تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : ( الْأَوَّلُ ) عَلَى مُعَايَنَتِهِ ، وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً خِلَافًا لِمَنْ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَرْبَعَةً لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ فَسَاوَتْ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ لِتَسَاوِي مُوجِبِهَا أَوْ يَكْفِي فِيهَا رَجُلَانِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَاتِ عَلَى الْإِقْرَارَاتِ إجْرَاءً لِلْإِقْرَارِ بِالزِّنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ ؟ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُعَايَنَةِ أَيْ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَتَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ يَكْفِي أَرْبَعَةٌ فَقَطْ يَشْهَدُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِهِ ، وَالْحُكْمُ بِهِ ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ .
( الْمَوْضِعُ الثَّانِي ) الْمُلَاعَنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَقَلَّ مَنْ يَحْضُرُ لِعَانَ الزَّوْجَيْنِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ ( الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ ) شَهَادَةُ الْأَبْدَانِ فِي النِّكَاحِ ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ ، وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا شُهُودٌ بَلْ إنَّمَا عَقَدَ النِّكَاحَ وَتَفَرَّقَا ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَشْهِدْ مَنْ لَاقَيْت فَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى الْأَبِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ لَمْ تُسَمَّ هَذِهِ أَبْدَادًا فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا بِسِتَّةٍ اثْنَانِ

عَلَى النَّاكِحِ وَاثْنَانِ عَلَى الْمُنْكَحِ ، وَاثْنَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ .
( الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ ) شَهَادَةُ جَلْدِ حَدِّ الزِّنَا لِمَنْ قَذَفَهُ شَخْصٌ فَلَا تَنْفَعُ الْقَاذِفُ إلَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَرْبَعَةً نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِ الزِّنَا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ اثْنَانِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ ( الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ ) شَهَادَةُ عُقُوبَةِ الزَّانِي فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَحْضُرُونَهُ .
( الْمَوْضِعُ السَّادِسُ ) شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ ، وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَجْزِي فِيهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ نَعَمْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا اثْنَانِ .
( الْمَوْضِعُ السَّابِعُ ) الشَّهَادَةُ فِي بَابِ الِاسْتِرْعَاءِ فَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَالْمَشْهُورُ اثْنَانِ .
( الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ ) مِنْ الشَّهَادَةِ فِي التَّرْشِيدِ وَالتَّسْفِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَشْتَرِطُ فِيهِمْ الْكَثْرَةَ وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ .
( الْمَوْضِعُ التَّاسِعُ ) شَهَادَةُ مَنْ قَطَعَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ قَالَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا كَثِيرًا وَأَقَلُّ الْكَثِيرِ أَرْبَعَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ عَدْلَانِ .
( الْمَوْضِعُ الْعَاشِرُ ) الشَّهَادَةُ فِي الرَّضَاعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَبِامْرَأَتَيْنِ ا هـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ فَانْظُرْهَا ( الْوَصْلُ الثَّانِي ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ

ذُكُورٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ بِزِنًا وَاحِدٍ مُجْتَمِعِينَ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ غَيْرَ مُفْتَرِقِينَ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ قَصْدًا لِلتَّحَمُّلِ ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ كَمَا يَسْأَلُ الشُّهُودَ فِي السَّرِقَةِ مَا هِيَ ، وَمِنْ أَيْنَ ، وَإِلَى أَيْنَ ، وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ مَشْهُورَةٌ فِي مَحَالِّهَا ا هـ بِلَفْظِهِ .
وَقَالَ الْأَصْلُ فِي نَظَائِرِ أَبِي عِمْرَانَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِمَا ، وَصَعُبَ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنَاسَبَاتِ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَكْفِي فِي اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ نَصٍّ ، وَأَمَّا قَوْلُنَا ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ عَلَى الزُّنَاةِ وَحِفْظِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الضَّيَاعِ فَهَذَا لَا يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ ، وَإِلَّا لَأَمْكَنَ عَلَى هَذَا السِّيَاقِ أَنْ يَشْتَرِطَ التَّبْرِيزَ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ أَيْضًا ، وَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اتِّبَاعُ مَوَارِدِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ صَعْبٌ جِدًّا ا هـ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَافْهَمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ ) لَا تُقْبَلُ عِنْدَنَا شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ ، وَلَا غَيْرِهَا ، وَلَا فِي وَصِيَّةِ مَيْتٍ مَاتَ فِي السَّفَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ مُسْلِمُونَ ، وَتُمْنَعُ شَهَادَةُ نِسَائِهِمْ فِي الِاسْتِهْلَالِ وَالْوِلَادَةِ ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ ، وَهُمْ ذِمَّةٌ ، وَيَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا ، وَلَا كَتَمَا ، وَلَا اشْتَرَيَا بِهِ ثَمَنًا ، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لِمَنْ الْآثِمِينَ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ غَيْرِكُمْ } أَيْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ ، وَقِيلَ الشَّهَادَةُ فِي الْآيَةِ هِيَ الْيَمِينُ ، وَلَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ هَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ الْيَهُودِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ ، وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى الْيَهُودِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ يُقْبَلُ عَلَى مِلَّتِهِ دُونَ غَيْرِهَا لَنَا قَوْله تَعَالَى { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ } ، وَقِيَاسًا عَلَى الْفَاسِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ ، وَهَذَا أَوْلَى إذْ الشَّهَادَةُ آكَدُ مِنْ الْخَبَرِ وقَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } .
وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ إلَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ } ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ

الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَغَيْرِهِ ، وَإِذَا جَازَتْ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَفِي الصَّحِيحِ { أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَهُمْ يَهُودِيَّانِ فَذَكَرَتْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمَا زَنَيَا فَرَجَمَهُمَا عَلَيْهِ السَّلَامُ } ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ رَجْمَهُمَا بِشَهَادَتِهِمْ ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { إنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ رَجَمْتُهُمَا } ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ أَوْلَادَهُ ، وَلِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ فِي الْحُقُوقِ قَالَ تَعَالَى { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْك } وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ مِنْ غَيْرِ حِلْفِكُمْ .
فَمَا تَعَيَّنَ مَا قُلْتُمُوهُ ، وَمَعْنَى الشَّهَادَةِ التَّحَمُّلُ ، وَنَحْنُ نُجِيزُهُ أَوْ الْيَمِينُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } كَمَا قَالَ فِي اللِّعَانِ أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِسْلَامُ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ أَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِالزِّنَا فَلَمْ يَرْجُمْهُمَا بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِالْوَحْيِ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّحْرِيفِ ، وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ حَدُّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ الْجَلْدُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَحْيُ الَّذِي يَخُصُّهُمَا ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْفِسْقَ .
وَإِنْ نَافَى الشَّهَادَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ لِأَنَّ وَازِعَهَا طَبِيعِيٌّ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ

وَازِعُهَا دِينِيٌّ فَافْتَرَقَا لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْكُفَّارِ عِنْدَنَا فَاسِدٌ ، وَالْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهُ ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ مَا لَنَا ، وَجَمِيعُ أَدِلَّتِكُمْ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } فَنَفَى تَعَالَى التَّسْوِيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ، وَإِلَّا لَحَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ } قَالَ الْأَصْحَابُ ، وَنَاسِخُ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } ( فَرْعٌ مُرَتَّبٌ ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِالْحُكْمِ بِالْكَافِرِ أَوْ الْمَسْخُوطِ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى .

( مَسْأَلَةٌ ) فِي بِدَايَةِ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ ، وَفِي الْأَصْلِ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ ، وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ إلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِهَا فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ أَيْ وَعَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ فَعِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ ، وَلَا غَيْرِهَا ، وَلَا فِي وَصِيَّةِ مَيِّتٍ مَاتَ فِي سَفَرٍ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مُسْلِمُونَ ، وَتُمْنَعُ شَهَادَةُ نِسَائِهِمْ فِي الِاسْتِهْلَالِ ، وَالْوِلَادَةِ بَلْ قَالَ أَبُو زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ النَّوَادِرِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِالْحُكْمِ بِالْكَافِرِ وَالْمَسْخُوطِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ الْيَهُودِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ ، وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى الْيَهُودِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ ، وَهُمْ ذِمَّةٌ يَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا ، وَلَا كَتَمَا ، وَلَا اشْتَرَيَا بِهِ ثَمَنًا ، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ، وَلَا نَكْتُم شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ يُقْبَلُ الْكَافِرُ عَلَى مِلَّتِهِ دُونَ غَيْرِهَا لَنَا قَوْله تَعَالَى { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ } ، وَقِيَاسًا عَلَى الْفَاسِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ ، وَهُنَا أَوْلَى إذْ الشَّهَادَةُ آكَدُ مِنْ الْخَبَرِ وقَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ

} ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قَالُوا فَإِنَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَإِذَا جَازَ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَجَوَابُهُ بِوُجُوبِهِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ مِنْ غَيْرِ حِلْفِكُمْ فَمَا تَعَيَّنَ مَا قَالُوهُ .
( الثَّانِي ) أَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ التَّحَمُّلُ ، وَنَحْنُ نُجِيزُهُ أَوْ الْيَمِينُ { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } كَمَا قَالَ فِي اللِّعَانِ .
( الثَّالِثُ ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ { الْيَهُودَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ يَهُودِيَّانِ فَذَكَرَتْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمَا زَنَيَا فَرَجَمَهُمَا عَلَيْهِ السَّلَامُ } ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ رَجْمَهُمَا بِشَهَادَتِهِمْ ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ رَجَمْتهمَا فَجَوَابُهُ بِوُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) إنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مِنْ شَرْطِ الْإِسْلَامِ .
( الثَّانِي ) أَنَّهُ نُقِلَ أَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِالزِّنَا فَلَمْ يَرْجُمْهُمَا بِالشَّهَادَةِ .
( الثَّالِثُ ) أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِالْوَحْيِ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيفِ ، وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ حَدُّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ الْجَلْدُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَحْيُ الَّذِي يَخُصُّهُمَا ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ

لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ أَوْلَادَهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْفِسْقَ عِنْدَنَا لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ لِأَنَّ وَازِعَهَا طَبِيعِيٌّ ، وَيُنَافِي الشَّهَادَةَ لِأَنَّ وَازِعَهَا دِينِيٌّ فَافْتَرَقَا لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْكُفَّارِ عِنْدَنَا فَاسِدٌ ، وَالْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهُ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ فِي الْحُقُوقِ قَالَ تَعَالَى { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْك } فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ مَا لَنَا بَلْ جَمِيعُ أَدِلَّتِكُمْ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وقَوْله تَعَالَى { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ } فَنَفَى تَعَالَى التَّسْوِيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ، وَإِلَّا حَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ قَالَ الْأَصْحَابُ ، وَنَاسِخُ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } ا هـ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ ) الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ مَا عَلِمْتُ عِنْدَنَا ، وَلَا عِنْدَ غَيْرِنَا خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ .
وَقَالَ مَالِكٌ إنْ شَهِدَا لَهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِ أَحَدٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَا بَاعَ ، وَلَا وَهَبَ ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَالْقَضَاءُ ، وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ اشْتَرَاهَا هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَمَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ بِالدُّيُونِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ عَاوَضَهُ عَلَيْهِ .
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا سِيَّمَا ، وَجُلُّ الشَّهَادَاتِ فِي الدِّمَاءِ ، وَغَيْرِهَا الِاسْتِصْحَابُ ، وَإِذَا قَبِلْنَاهُمَا فِي الْقَتْلِ ، وَيُقْتَلُ بِهِمَا مَعَ جَوَازِ الْعَفْوِ فَلَأَنْ يَقْضِيَ بِهِمَا فِي الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتِرَاطُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ ضَعِيفٌ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } ، وَظَاهِرُ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُمَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ ، وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الْيَمِينِ وَإِثْبَاتُ الْمَشْرُوطِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَاتِ وَالِاحْتِمَالَاتِ صَعْبٌ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لَا نَقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَنْ فِي طَبْعِهِ خَوَرٌ أَوْ خَوْفٌ مِنْ الْقَتْلِ مَعَ تَبْرِيزِهِ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْعَثُهُ عَلَى حَسْمِ مَادَّةِ الْقَتْلِ ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الشُّبَّانُ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ الشُّيُوخُ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَبَّبَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ كَانَ هَذَا مُرُوقًا مِنْ الْقَوَاعِدِ ، وَمُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ لَا سِيَّمَا ، وَالْقِيَاسُ

عَلَى الدَّيْنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ ، وَإِثْبَاتُ شَرْطٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَغَيْرِهِ عَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ وَشُرُوطِهَا ، وَفِيهِ وَصْلَانِ ) : ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي التَّبْصِرَةِ الْقَضَاءُ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُمَا فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْمُبَارَأَةِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْبُلُوغِ وَالْعِدَّةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَالْحِرَابَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ ، وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ ، وَاخْتُلِفَ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْمَالِ عَنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَعَهُ لِيُثْبِتَ التَّوْكِيلَ أَوْ لَا ؟ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ التَّوْكِيلِ حَقٌّ لِلْوَكِيلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَائِبِ دَيْنٌ أَوْ لِأَنَّهُ يُقِرُّ الْمَالَ فِي يَدِهِ قِرَاضًا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ ، وَيَسْتَحِقُّ ا هـ الْمُرَادُ ( الْوَصْلُ الثَّانِي ) فِي التَّبْصِرَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ، وَغَيْرُهُ ا هـ وَفِي الْأَصْلِ وَالْعَدَالَةِ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا ، وَإِلَّا فَلَا ؛ وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةُ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيَلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ نَعَمْ اسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْحُدُودَ فَقَالَ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ

بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ وَجَبَ بِجَرْحِهَا الْبَحْثُ عَنْهَا لَنَا أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا ، وَلَا يَضُرُّكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُقْطَعُ بِهِمَا الْأَرْحَامُ قَالَ لَا قَالَ ابْنَ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا ، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا ، وَقَدْ عَرَفَ إسْلَامَهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكَرٍ غَالِبًا ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) قَوْلُهُ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدْ ، وَقَوْلُهُ مِنْكُمْ إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي التَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ ، وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالِاعْتِقَادِ فَهُوَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) قَوْله تَعَالَى { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } وَرِضَاءُ الْحَاكِمِ بِهِمْ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِمْ .
( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) الْقِيَاسُ عَلَى الْحُدُودِ وَعَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ الْعَدَالَةَ فَإِنْ فَرَّقُوا

بِأَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِذَا طَلَبَهَا تَعَيَّنَتْ ، وَأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ اللَّهِ مَنَعْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ فَيَتَّجِهُ الْقِيَاسُ وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ { ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَقَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ ، وَأَيْضًا بِرِضَاءِ الْحَاكِمِ ، وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْبَحْثِ ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكْفِي فِيهِ ظَاهِرُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي الْإِسْلَامُ فِي الْعَدَالَةِ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عُدُولٌ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا لَسَكَتَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ الْعُدُولِ وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ الْعَدَالَةُ غَالِبَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْإِسْلَامِ فَجَوَابُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُؤَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَ أَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَسْلَمَ بِحَضْرَتِنَا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى نَعْلَمَ سَجَايَاهُ ، وَعَدَمَ جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ أَنَّا قَبِلْنَاهُ لِأَجْلِ تَيَقُّنِنَا عَدَمَ مُلَابَسَتِهِ مَا

يُنَافِي الْعَدَالَةَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الظَّاهِرُ فَالْإِسْلَامُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَمُّ وَازِعٍ ، وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ ، وَعُمُومَاتُ النُّصُوصِ وَالْأَوَامِرِ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَتَوَضَّأُ بِالْمِيَاهِ ، وَيُصَلِّي بِالثِّيَابِ بِنَاءً عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَلِذَلِكَ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَيْهَا فَجَوَابُهُ أَنَّ الْبَحْثَ كَمَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ كَذَلِكَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْإِسْلَامِ ، وَالْقَضِيَّةُ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا ، وَلَا إجْمَاعَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِيهَا مَعَ أَنَّ بَحْثَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَقْرِ وَالْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَبَيْنَ الْعَدَالَةِ بِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ هِيَ الْأَصْلَ بَلْ إذَا عُلِمَتْ عَدَالَتُهُ فِي الْأَصْلِ فَلَا تَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ .
وَأَمَّا الْفَقْرُ فَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهُ ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَأَصْلُهُ الطَّهَارَةُ ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الثَّوْبِ الطَّهَارَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا ، وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا ، وَلَا نُسَلِّمُ الِاكْتِفَاءَ بِظَاهِرِ الْعُمُومَاتِ وَالْأَوَامِرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الصَّارِفِ الْمُخَصِّصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا .

( الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ ) الْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } ( تَنْبِيهٌ ) فِي نَظَائِرِ أَبِي عِمْرَانَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِمَا ، وَصَعْبٌ عَلَى دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنَاسَبَاتِ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَكْفِي فِي اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ نَصٍّ صَرِيحٍ ، وَأَمَّا قَوْلُنَا ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ عَلَى الزُّنَاةِ وَحِفْظِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الضَّيَاعِ فَهَذَا لَا يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ فَيُمْكِنُ أَيْضًا عَلَى هَذَا السِّيَاقِ أَنْ نَشْتَرِطَ التَّبْرِيزَ فِي الْعَدَالَةِ لَوْ يَكُونُ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمُنَاسَبَاتِ ، وَهِيَ عَلَى خِلَافِ الِاجْتِمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اتِّبَاعُ مَوَارِدِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ صَعْبٌ جِدًّا .

( الْبَابُ الثَّالِثُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ وَشُرُوطُهَا الْيَمِينُ زِيَادَةً عَلَى شُرُوطِ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُدْرَكِ وَفِيهِ وُصُولٌ ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَيَمِينُ الْقَضَاءِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَنْ يَقُومُ أَيْ بِالنِّيَّةِ التَّامَّةِ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى الْإِحْبَاسِ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ ، وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ ، وَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَعَلَى مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا ا هـ .
قَالَ الْبَاجِيَّ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ أَجْمَعَ مَنْ عَلِمْت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لِمُسْتَحِقِّ غَيْرِ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ حُكْمٌ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ قَالَ وَرَأَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَلِكَ لَازِمًا فِي الْعَقَارِ وَالرِّبَاعِ ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ يَمِينًا ا هـ .
وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الرِّبَاعِ أَوْ الْأُصُولِ هَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَمْ لَا ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّبَاعَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَتْبِ الْوَثَائِقِ فِيهَا عِنْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا ، وَالْإِعْلَانِ بِالشَّهَادَةِ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ ، وَالْمَكَاتِبِ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِلطَّالِبِ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ ، وَاكْتُفِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَنْ إحْلَافِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُتَمَوِّلَاتِ الَّتِي يَخْفَى وَجْهُ انْتِقَالِهَا ، وَيَقِلُّ حِرْصُ النَّاسِ عَلَى الْمُشَاحَنَةِ فِي كَتْبِ الْوَثَاقِ فِيهَا فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لِذَلِكَ ، وَعَلَى أَنَّ عَلَيْهِ يَمِينًا مُطْلَقًا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَمَا وَهَبَ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ .
وَاتَّفَقُوا فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِمُسْتَحِقٍّ شَيْئًا

مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي أَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ سِلْعَةٍ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الَّذِي ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ أَمْرًا يَظُنُّ بِصَاحِبِهِ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ فَيَحْلِفُ مَا فَعَلَهُ ، وَيَأْخُذُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ غَيْرِ غَاصِبٍ ، وَأَمَّا إنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ فَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا إذَا ثَبَتَ مِلْكُهَا لَهُ ا هـ .
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ ، وَمِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا فِي الطُّرَرِ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ عَلَى خَطِّ غَرِيمِهِ بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ ، وَالْغَرِيمُ جَاحِدٌ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ حَتَّى يَحْلِفَ مَعَهُمَا فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لِحَقٍّ ، وَمَا اقْتَضَيْت شَيْئًا مِمَّا كَتَبَ بِهِ خَطُّهُ أَعْطَى حَقَّهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يَقْضِي لِأَحَدٍ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ السَّمَاعِ مِنْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ ، وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْيَمِينِ ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا جَعَلَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ إنْ غَابَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَغَابَ فَأَرَادَتْ الْأَخْذَ بِشَرْطِهَا عِنْدَ الْأَجَلِ ، وَأَثْبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الزَّوْجِيَّةَ وَالْغَيْبَةَ وَاتِّصَالَهَا ، وَالشَّرْطُ بِذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهَا مَا تَرَكْت مَا جَعَلَهُ بِيَدِهَا ، وَأَنَّهُ غَابَ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي شَرَطَهَا ، وَهَذِهِ يَمِينُ اسْتِبْرَاءٍ ، وَمِنْ ذَلِكَ إذَا أَقَامَتْ لِلْغَرِيمِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ بِأَنَّهُ مُعْدَمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ .
وَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ حَقَّهُ عَاجِلًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَلَعَلَّهُ غَيَّبَ مَالًا ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ النَّفَقَةَ ، وَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ

بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْغَيْبَةِ وَاتِّصَالِهَا ، وَأَنَّهُمْ مَا عَلِمُوهُ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ ، وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهُ يُسْتَظْهَرُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ ا هـ ( الْوَصْلُ الثَّانِي ) يَمِينُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ ، وَلَا وَهَبَ ، وَيَمِينُ الْوَرَثَةِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ مُوَرِّثِهِمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا ، وَأَنَّ مِلْكَ جَمِيعِهِمْ يَعْنِي الْوَرَثَةَ بَاقٍ إلَى حِينِ يَمِينِهِمْ ، وَهَذِهِ التَّتِمَّةُ فِي الْيَمِينِ تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَإِذَا شَهِدَ لِرَجُلٍ شَاهِدَانِ عَلَى دَيْنٍ لِأَبِيهِ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ اقْتَضَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَاسْتَحَقَّهُ بِشَاهِدَيْنِ حَلَفَ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ مَا بَاعَ ، وَلَا وَهَبَ ، وَلَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ ، وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَظُنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ ، وَلَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَا يَظُنُّ بِهِ عَلِمَ ذَلِكَ ، وَلَا عَلَى صَغِيرٍ ، وَمَنْ نَكَلَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ مِنْهُمْ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّتُهُ فَقَطْ قَالَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بَعْدَ يَمِينِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَهْلٌ ، وَلَا يُكَلِّفُ الْوَرَثَةَ أَنْ يَزِيدُوا فِي يَمِينِهِمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ كَانَ فِي مِلْكِ مُوَرِّثِهِمْ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ شَهِدُوا بِذَلِكَ ، وَقَطَعُوا بِهِ .
وَقَدْ أُنْكِرَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ لَمَّا فَعَلَهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَنْبَغِي التَّحَفُّظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَشَبَهِهَا ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَقَامَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى حَاضِرٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ ، وَلَا عَلَى أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ حَتَّى

يَدَّعِيَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ دَافِعٌ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ ا هـ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ ( الْوَصْلُ الثَّالِثُ ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ يَمِينُ الْقَضَاءِ لَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا لِعَدَمِ الدَّعْوَى عَلَى الْحَالِفِ بِمَا يُوجِبُهَا إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ رَأَوْا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ ، وَحِيَاطَةً عَلَيْهِ ، وَحِفْظًا لِمَالِهِ لِلشَّكِّ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ا هـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ لِشَخْصٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِ وَاحِدٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَالْقَضَاءُ ، وَإِنْ عَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ اشْتَرَاهَا هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَمَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مُشْكِلٌ بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ عِنْدَنَا ، وَلَا عِنْدَ غَيْرِنَا خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ عَارَضَهُ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ أَيْضًا الْعَفْوُ عَنْ الْقَاتِلِ الَّذِي يُقْتَلُ بِهِمَا فَكَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ لَا سِيَّمَا ، وَجُلُّ الشَّهَادَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا الِاسْتِصْحَابُ كَذَلِكَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا فِي الْأَمْوَالِ فَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَقْضِيَ بِمُجَرَّدِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِمُجَرَّدِهَا فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتِرَاطُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } وقَوْله تَعَالَى { شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ظَهَرَهُ أَنَّهُمَا

حُجَّةٌ تَامَّةٌ وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الْيَمِينِ .
وَإِثْبَاتُ شَرْطٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالَاتِ وَالْمُسَبِّبَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الدِّمَاءِ كَأَنْ يُقَالُ لَا نَقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَنْ فِي طَبْعِهِ خَوَرٌ أَوْ خَوْفٌ مِنْ الْقَتْلِ مَعَ تَبْرِيزِهِ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْعَثُهُ عَلَى حَسْمِ مَادَّةِ الْقَتْلِ ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الشُّبَّانِ مِنْ الْعُدُولِ فِي الشُّيُوخِ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَمُرُوقٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ ، وَمُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ لَا سِيَّمَا ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ كَلَامُ الْأَصْلِ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .
قُلْت لَكِنْ فِي قَوْلِهِ ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ إلَخْ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْفَرْقُ ظَهَرَ وَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالِاسْتِحْسَانِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ حَيْثُ قَالَ إنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَرَاهُ مُعْتَبَرًا فِي الْأَحْكَامِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ جِدًّا حَتَّى قَالَ مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ ، وَاَلَّذِي يَسْتَقْرِي مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ فَالْعُمُومُ إذَا اسْتَمَرَّ .
وَالْقِيَاسُ إذَا اطَّرَدَ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَرَيَانِ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مَعْنًى قَالَ وَيَسْتَحْسِنُ مَالِكٌ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمَصْلَحَةِ ، وَيَسْتَحْسِنُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ الْوَارِدِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ قَالَ وَيَرَيَانِ مَعًا تَخْصِيصَ

الْقِيَاسِ ، وَنَقْصَ الْعِلَّةِ ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ لِعِلَّةِ الشَّرْعِ إذَا ثَبَتَتْ تَخْصِيصًا .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الِاسْتِحْسَانُ إيثَارُك مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَالتَّرَخُّصُ لِمُعَارَضَةِ مَا يُعَارَضُ بِهِ فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ ، وَقَسَّمَهُ أَقْسَامًا عَدَّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ ، وَهِيَ تَرْكُ الدَّلِيلِ لِلْعُرْفِ ، وَتَرْكُهُ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَتَرْكُهُ لِلْيَسِيرِ لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ ، وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ وَحَدَّهُ غَيْرُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ اسْتِعْمَالُ مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ كُلِّيٍّ قَالَ فَهُوَ تَقْوِيمُ الِاسْتِدْلَالِ الْمُرْسَلِ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ هُوَ أَنْ يَكُونَ طَرْحًا لِقِيَاسٍ يُؤَدِّي إلَى عُلُوٍّ فِي الْحُكْمِ وَمُبَالَغَةٍ فِيهِ فَعُدِلَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِمَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ ، وَهَذِهِ تَعْرِيفَاتٌ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَلَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْأَدِلَّةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ يُقَيَّدُ بَعْضُهَا ، وَيُخَصَّصُ بَعْضُهَا كَمَا فِي الْأَدِلَّةِ السُّنِّيَّةِ مَعَ الْقُرْآنِيَّةِ ، وَلَا يَرُدُّ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا أَصْلًا كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ، وَرَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الِاسْتِحْسَانِ قَدْ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنْ الْقِيَاسِ ، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَرْقَ فِي الْقِيَاسِ يَكَادُ يُفَارِقُ السُّنَّةَ ا هـ .
الْمُرَادُ بِلَفْظِهِ مَعَ تَقْدِيمٍ ، وَتَأْخِيرٍ وَقَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِتَوْضِيحِ مِنْ الْمَحَلِّيِّ ، وَفَسَّرَ الِاسْتِحْسَانَ بِعُدُولٍ عَنْ الدَّلِيلِ إلَى الْعَادَةِ لِلْمَصْلَحَةِ .
وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيْ الْعَادَةَ حَقٌّ لِجَرَيَانِهَا فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْهُ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ مِنْ السُّنَّةِ ، وَالْإِجْمَاعِ فَيُعْمَلُ بِهَا قَطْعًا ، وَإِلَّا ثَبَتَتْ حَقِيقَتُهَا رُدَّتْ قَطْعًا أَيْ فَلَا تَصِحُّ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْعَلَّامَةُ الْعَطَّارُ بَلْ قَالَ فِيهِ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ ، وَإِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ بِلَفْظِهِ ا هـ ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ ) الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَبَالَغَ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ أَنْ حَكَمَ بِهِ قَائِلًا هُوَ بِدْعَةٌ ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ ، وَغَيْرُهُمْ لَنَا وُجُوهٌ ( الْأَوَّلُ ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ } ، وَرُوِيَ فِي الْمَسَانِيدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ ( الثَّانِي ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ ، وَعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ رَوَى ذَلِكَ النَّسَائِيّ ، وَغَيْرُهُ ( الثَّالِثُ ) وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ وَقَوِيَ جَانِبُهُ ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك فِي حَقِّهِ بِشَاهِدِهِ ( الرَّابِعُ ) أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ إذَا رَجَحَ جَانِبُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( الْخَامِسُ ) قِيَاسًا لِلشَّاهِدِ عَلَى الْيَدِ ( السَّادِسُ ) وَلِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ لِدُخُولِهَا فِي اللِّعَانِ دُونَ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَقَدْ حَكَمَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ فَيَحْكُمُ بِالْيَمِينِ ( السَّابِعُ ) وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْبَيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يُبَيِّنُ الْحَقَّ ( الثَّامِنُ ) قَوْله تَعَالَى { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } وَهَذَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَحَصَرَ الْمَشْرُوعَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ

وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ زِيَادَةً فِي النَّصِّ ، وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ ، وَهُوَ لَا يُقْبَلُ فِي الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( الثَّانِي ) { قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِحَضْرَمِيِّ ادَّعَى عَلَى كِنْدِيٍّ شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } ، وَلَمْ يَقُلْ شَاهِدُك ، وَيَمِينُك ( الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَحَصَرَ الْبَيِّنَةَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى ، وَالْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْصُورٌ فِي خَبَرِهِ ، وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَلَمْ تَبْقَ يَمِينٌ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي ( الرَّابِعُ ) أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ نَقْلُ الْبَيِّنَةِ لِلْمُنْكِرِ تَعَذَّرَ نَقْلُ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي ( الْخَامِسُ ) الْقِيَاسُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ ( السَّادِسُ ) أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّاهِدِ كَأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ ، وَلَجَازَ إثْبَاتُ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ زِيَادَةٌ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ تَمْنَعُ أَنَّهُ نَسْخٌ لِأَنَّ النَّسْخَ الرَّفْعُ ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ شَيْءٌ ، وَارْتِفَاعُ الْحَصْرِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ يَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصِيلَةِ ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصِيلَةُ تَرْجِعُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } ، وَالشَّرْطُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ لِلتَّحَمُّلِ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ فَالْحَصْرُ فِي التَّحَمُّلِ بَاقٍ ، وَلَا نَسْخَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ، وَجَمِيعُ الْأُمَنَاءِ وَالْقَسَامَةِ ، وَاخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ ، وَيُنْتَقَضُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِالنُّكُولِ ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ ، وَعَنْ الثَّانِي

أَنَّ الْحَصْرَ لَيْسَ مُرَادًا بِدَلِيلِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءٌ يَخُصُّ بِاثْنَيْنِ لِخُصُوصِ حَالِهِمَا فَيَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعُ ، وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ تِلْكَ الصِّفَةُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا شَاهِدَانِ ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُبَيِّنُوا تِلْكَ الْحَالَةَ مِمَّا قُلْنَا نَحْنُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَى الْمُنْكِرِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَيْهِ هِيَ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ هِيَ الْجَالِبَةُ فَهِيَ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَصْرُ ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِكُمْ لَمَّا لَمْ تَتَحَوَّلْ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَتَحَوَّلْ الْيَمِينُ فَإِنَّا لَمْ نُحَوِّلْ تِلْكَ الْيَمِينَ بَلْ أَثْبَتْنَا يَمِينًا أُخْرَى بِالسُّنَّةِ مَعَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ كَانَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَعَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالَيْنِ ، وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلَ فِيهَا النِّسَاءَ ، وَعَنْ الْخَامِسِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّقْدِيمِ ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ لِتَقْوِيَةِ جِهَةِ الشَّاهِدِ فَقَبْلَهُ لَا قُوَّةَ فَلَا تَدْخُلُ ، وَلَا تُشْرَعُ ، وَالشَّاهِدَانِ شَرْعًا لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعَ الضَّعْفِ ( تَنْبِيهٌ ) وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ ، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ قِيَامِ شَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ حَلِفُ الْمُدَّعِي لَنَا وُجُوهٌ ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ } فَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا فَمَنْ قَالَ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ ( الثَّانِي ) قَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ }

وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَيَنْحَصِرُ الثُّبُوتُ فِيهَا ، وَإِلَّا لَزِمَ الْبَيَانُ فِي تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ ، وَعَمَلًا بِالْمَفْهُومِ ( الثَّالِثُ ) أَنَّ الشَّاهِدَ ، وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ وَالنُّكُولِ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ بِالْآخَرِ ( الرَّابِعُ ) مَا ذَكَرُوهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّهَا ادَّعَى عَلَيْهَا فَتُنْكِرُ فَيُحَلِّفُهَا فَتَنْكُلُ فَيَحْلِفُ ، وَيَسْتَحِقُّهَا بِتَوَاطُؤٍ مِنْهُمَا ( الْخَامِسُ ) أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكْرَهُ زَوْجَهَا فَتَدَّعِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُحَلِّفُهُ ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ ( أَحَدُهَا ) قَضِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ ، وَهِيَ فِي الصِّحَاحِ ، وَقَالَ فِيهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا ( الثَّانِي ) أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ ( الثَّالِثُ ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ بِيَمِينِ الزَّوْجِ ، وَنُكُولِهَا مِنْ الْيَمِينِ ( الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ، وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ ( الْخَامِسُ ) { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْت بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةً فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتَ إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً } فَحَلَّفَهُ بَعْدَ دَعْوَى امْرَأَتِهِ الثَّلَاثِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَثْبُتُ بَعْدَ اللَّوْثِ ، وَهُوَ وُجُودُهُ مَطْرُوحًا بَيْنَهُمْ ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ ، وَغَلَّظَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي الْمَقِيسِ ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ نَادِرٌ ، وَفِي الْخَلَوَاتِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ

الْإِشْهَادُ فَغَلُظَ أَمْرُهُ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَحْلِفُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَانْحَسَمَتْ الْمَادَّةُ ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ اللِّعَانَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ مَقَامُ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِهَا ، وَضَرُورَةِ الْأَزْوَاجِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَحِفْظِ النَّسَبِ ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّرُورَاتِ ، وَخَطَرِ الْبَابِ ، وَعَنْ الْخَامِسِ ، وَإِنْ صَحَّ الْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ بَلْ ظَاهِرٍ لِلثَّلَاثِ ، وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ أَصْلَ الطَّلَاقِ لَيْسَ فِيهِ ظُهُورٌ بَلْ مَرْجُوحٌ بِاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْعَبْدِيُّ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةٌ الْأَمْوَالُ وَالْكَفَالَةُ وَالْقِصَاصُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخُلْطَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي التَّحْلِيفِ فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ ، وَاَلَّذِي لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ثَلَاثَةُ عَشَرَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْوَلَاءُ وَالْأَحْبَاسُ ، وَالْوَصَايَا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ ، وَالْمَوْتُ وَالْقَذْفُ وَالْإِيصَاءُ ، وَتَرْشِيدُ السَّفِيهِ ، وَنَقْلُ الشَّهَادَةِ ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا هَلْ نُثْبِتُ بِهِمَا أَمْ لَا خَمْسَةٌ الْوَكَالَةُ ، وَنِكَاحُ امْرَأَةٍ قَدْ مَاتَتْ وَالتَّجْرِيحُ وَالتَّعْدِيلُ ( تَنْبِيهٌ ) قَبُولُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي الْقِصَاصِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهَا يُصَالَحُ عَلَيْهَا بِالْمَالِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مُشْكِلٌ جِدًّا فَإِنَّهُ إلْغَاءٌ لِلْأَصْلِ ، وَاعْتِبَارٌ لِلطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ فِي النَّفْسِ أَيْضًا ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِمَا فِي الْأَحْبَاسِ مَعَ أَنَّهَا مَنَافِعُ ، وَلَا فِي الْوَلَاءِ ، وَمَآلُهُ إلَى الْإِرْثِ ، وَهُوَ مَالٌ وَالْوَصَايَا ، وَهِيَ مَالٌ ، وَتَرْشِيدُ السَّفِيهِ يَئُولُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ

، وَهُوَ مَالٌ ، وَالْمَالُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَقْرَبُ مِنْ الْمَالِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُبِيحُ الْقِصَاصَ بِذَلِكَ ، وَمَتَى يَقَعُ الصُّلْحُ فِيهَا فَهِيَ مُشْكِلَةٌ ، وَعَدَمُ قَبُولِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي الْأَحْبَاسِ ، وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا مُشْكِلٌ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا كَانَتْ تَئُولُ إلَى مَالٍ تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَآلُهُ إلَى الْمَالِ عَكْسُهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْحَبْسِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ .

( الْبَابُ الرَّابِعُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا ، وَدَلِيلُهُ ، وَفِيهِ وَصْلَانِ ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ الرُّعَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ ، وَيَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَدَّعِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ أَيِّ السِّلَعِ كَانَ مِنْ دُورٍ أَوْ أَرَضِينَ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ مُقَارَضَةٍ أَوْ جُعْلٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ تَسَلُّفٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلثَّوَابِ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ حَبْسٍ أَيْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ سُكْنَى أَوْ خُدَّامٍ أَوْ صَدَاقٍ أَوْ صُلْحٍ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فِي عَمْدٍ ، وَخَطَأٍ أَوْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ تَبَرٍّ مِنْ عَيْبٍ أَوْ رَضِيَ بِهِ بَعْد الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ تَبَرٍّ أَوْ وَكَالَةٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَكُونُ مَالًا أَوْ يَئُولُ إلَى مَالٍ فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا ، وَحَلَفَ مَعَهُ أَخْذًا مَا يَدَّعِي ، وَيَثْبُتُ فِي الْقَتْلِ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْقَسَامَةِ ا هـ .
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَكُونُ فِي الْمُشَاتَمَةِ مَا عَدَا الْحُدُودَ فِي الْفِرْيَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَكَالَةِ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ وَهْبٍ أَوْ لَا يَجُوزُ

فِيهَا ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ ، وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِمَا بَاشَرَتْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَكِنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ الْمَالَ فَأَجَازُوا فِي ذَلِكَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَلِذَلِكَ شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَاعْتَبَرَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يُجِيزَا ذَلِكَ فِيهِمَا ، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَى غَائِبٍ فِي وَكَالَةِ شَاهِدِ فَرَوَى أَنَّهُ يُحَلِّفُ الْوَكِيلَ ، وَتَثْبُتُ وَكَالَتُهُ ، وَالْأَكْثَرُ وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَلْزَمُ مَنْ أَجَازَ شَهَادَةً لِلنِّسَاءِ عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ أَنْ يُجِيزَ شَاهِدًا أَوْ يَمِينًا عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ .
وَزَادَهُ الْقَرَافِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ مِنْ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةٌ الْأَمْوَالُ وَالْكَفَالَةُ وَالْقِصَاصُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ ، وَالْخُلْطَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي التَّحْلِيفِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَأَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ بِهِمَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ ، وَالْوَلَاءُ ، وَالْأَحْبَاسُ ، وَالْوَصَايَا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ ، وَاللَّوْثُ ، وَالْقَذْفُ ، وَالْإِيصَاءُ ، وَتَرْشِيدُ السَّفِيهِ ، وَنَقْلُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَالْمَوَاضِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا خَمْسَةٌ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ ، وَالتَّجْرِيحُ ، وَالتَّعْدِيلُ ، وَنِكَاحُ امْرَأَةٍ قَدْ مَاتَتْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ شَاهِدٌ أَوْ أَنَّ أَحَدَ الْوَارِثِينَ مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ .
وَيَثْبُتُ الْمِيرَاثُ أَوْ لَا ؟ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُورَثُ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَأَشْهَبُ يَمْنَعُ لِتَرْتِيبِ ثُبُوتِ

النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَيَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ عَلَى مَوْضِعَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ( الْأَوَّلُ ) قَبُولُهُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي الْقِصَاصِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهَا يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِالْمَالِ فِي بَعْض الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ إلْغَاءٌ لِلْأَصْلِ ، وَاعْتِبَارٌ لِلطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ فِي النَّفْسِ أَيْضًا ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا .
( وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي ) عَدَمُ قَبُولِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي الْأَحْبَاسِ مَعَ أَنَّهَا مَنَافِعُ ، وَلَا فِي الْوَلَاءِ ، وَمَآلُهُ إلَى الْإِرْثِ ، وَهُوَ مَالٌ ، وَلَا فِي الْوَصَايَا وَهِيَ مَالٌ ، وَلَا فِي تَرْشِيدِ السَّفِيهِ الَّذِي يَئُولُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ مَالٌ بَلْ الْمَالُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَقْرَبُ مِنْ الْمَالِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ لَا سِيَّمَا ، وَهُوَ يُبِيحُ الْقِصَاصَ بِذَلِكَ ، وَهُوَ الْغَالِبُ إذْ مَتَى يَقَعُ الصُّلْحُ فِيهَا ، وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ مَا مَآلُهُ إلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ ، وَكُلُّ مَا لَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ لَا يَثْبُتُ بِهَا فَعَدَمُ قَبُولِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُشْكِلٌ كَقَبُولِهَا فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْحَبْسِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَهُنَّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ ا هـ نَعَمْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْوَلَاءُ .
وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ مَوْلَاهُ ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ ، وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ ، وَلَا الْوَلَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَلَاءَ قَالَ وَقَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ عَلَى مَا هُوَ مَالٌ تَئُولُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ

فَيَثْبُتُ بِهَا تَبَعًا .
وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَالِ تُؤَدِّي إلَى الطَّلَاقِ مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا فَيَحْلِفُ مَعَهُ ، وَيَسْتَحِقُّهَا ، وَيَكُونُ فِرَاقًا وَمِنْهَا أَنْ يُقِيمَ الْمُكَاتَبُ شَاهِدًا عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ ، وَيَتِمُّ الْعِتْقُ وَمِنْهَا مَا لَوْ ثَبَتَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ ، وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الْعِتْقُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الدَّيْنُ وَمِنْهَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ رَجُلًا ظَاهِرَ الْحُرِّيَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي مَنْ يَسْتَحِقُّ رَقَبَةَ الْمَقْذُوفِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَيُسْقِطُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدَّ وَمِنْهَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ مُكَاتَبًا فَيَأْتِي الْمُكَاتَبُ بِشَاهِدٍ أَنَّهُ أَدَّى كِتَابَتَهُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ فَيَجِبُ الْحَدُّ لِتَمَامِ الْعِتْقِ ا هـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ يَتَصَرَّفُ ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ فَانْظُرْهُ .
( تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ حَيْثُ قُلْنَا يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَهَلْ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّاهِدِ فَقَطْ ، وَالْيَمِينُ كَالِاسْتِظْهَارِ ، وَالْيَمِينُ كَشَهَادَتَانِ فِيهِ خِلَافٌ ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ الْخِلَافِ إذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ هَلْ يَغْرَمُ الْحَقَّ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ ا هـ بِلَفْظِهِ .
( التَّنْبِيهُ الثَّانِي ) حَيْثُ يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ أَوْ أَمَةٍ لَك يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ ، وَيَسْتَحِقُّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ا هـ بِإِصْلَاحٍ .
( الْوَصْلُ الثَّانِي ) الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَبَالَغَ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ أَنْ حَكَمَ بِهِ قَائِلًا

هُوَ بِدْعَةٌ ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ لَنَا وُجُوهٌ : ( الْأَوَّلُ ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ } ، وَرُوِيَ فِي الْمَسَانِيدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَضَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ .
( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ ، وَقَوِيَ جَانِبُهُ ، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِشَاهِدِهِ .
( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ إذَا رَجَّحَ جَانِبُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
( الْوَجْهُ الْخَامِسُ ) قِيَاسُ الشَّاهِدِ عَلَى الْيَدِ .
( الْوَجْهُ السَّادِسُ ) أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَكَمَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ فَيَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ لِدُخُولِهَا فِي اللِّعَانِ دُونَ الْمَرْأَتَيْنِ .
( الْوَجْهُ السَّابِعُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْبَيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يُبَيِّنُ الْحَقَّ .
( الْوَجْهُ الثَّامِنُ ) قَوْله تَعَالَى { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } وَهَذَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا ( فَالْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَحَصَرَ الْمَشْرُوعَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الرَّجُلِ ،

وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ ، وَالْيَمِينُ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ ، وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ فِي الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ زِيَادَةٌ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ تُمْنَعُ أَنَّهُ نُسِخَ لِأُمُورٍ : ( الْأَوَّلِ ) النَّسْخُ الرَّفْعُ ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ شَيْءٌ ، وَارْتِفَاعُ الْحَصْرِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ يَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ تُرَجَّحُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا .
( الثَّانِي ) أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } وَالشَّرْعُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ لِلتَّحَمُّلِ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ فَالْحَصْرُ فِي التَّحَمُّلِ بَاقٍ ، وَلَا نَسْخَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ .
( الثَّالِثِ ) أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ، وَجَمِيعَ الْأَمْنَاءِ ، وَالْقَسَامَةَ وَاخْتِلَافَ الْمُتَبَايِعَيْنِ ، وَيَنْتَقِضُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِالنُّكُولِ ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) { قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِحَضْرَمِيٍّ ادَّعَى عَلَى كِنْدِيٍّ : شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } وَلَمْ يَقُلْ شَاهِدَاك ، وَيَمِينُك وُجُوبُهُ أَنَّ الْحَصْرَ لَيْسَ مُرَادًا بِدَلِيلِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءٌ يَخْتَصِرُ بِاثْنَيْنِ لِخُصُوصِ حَالِهِمَا فَيَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعُ ، وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ تِلْكَ الصِّفَةُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا شَاهِدَانِ ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُبَيِّنُوا أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ مِمَّا قُلْنَا نَحْنُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ ، وَالْيَمِينِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَحَصَرَ الْبَيِّنَةَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ مَحْصُورٌ

فِي خَبَرِهِ ، وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَلَمْ تَبْقَ يَمِينٌ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي .
( وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ نَقْلُ الْبَيِّنَةِ لِلْمُنْكِرِ تَعَذَّرَ نَقْلُ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي ، وَجَوَابُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَى الْمُنْكِرِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَيْهِ هِيَ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ هِيَ الْجَالِبَةُ فَهِيَ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَصْرُ ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ تَحْوِيلًا مِنْ يَمِينِ الْمُنْكِرِ بَلْ إثْبَاتٌ لِيَمِينٍ أُخْرَى بِالسُّنَّةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَمَّا تَتَحَوَّلُ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَتَحَوَّلْ الْيَمِينُ مَعَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ كَانَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَعَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالَيْنِ .
( وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ ) أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّاهِدِ كَأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ ، وَلَجَازَ إثْبَاتُ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّقْدِيمِ ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ لِتَقْوِيَةِ جِهَةِ الشَّاهِدِ فَقَبْلَهُ لَا قُوَّةَ فَلَا تَدْخُلُ ، وَلَا تُشْرَعُ وَشُرِعَ الشَّاهِدَانِ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعَ الضَّعْفِ .
( وَالْوَجْهُ السَّادِسُ ) الْقِيَاسُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ ، وَلَا نَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ بِحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ قِيَامِ شَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لَنَا وُجُوهٌ ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ } فَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا فَمَنْ

قَالَ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) قَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَيَنْحَصِرُ الثُّبُوتُ فِيهَا عَمَلًا بِالْمَفْهُومِ ، وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فِي تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ ( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي ، وَلَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُ الْأَبْدَانِ بِهَا فَلَا تَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ .
( وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّهَا ادَّعَى عَلَيْهَا فَتُنْكِرُ فَيُحَلِّفُهَا فَتَنْكُلُ فَيَحْلِفُ ، وَيَسْتَحِقُّهَا بِتَوَاطُؤٍ مِنْهُمَا .
( وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ ) أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكْرَهُ زَوْجَهَا فَتَدَّعِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُحَلِّفُهُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ .
وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا : ( فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) قَضِيَّةُ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ ، وَهِيَ فِي الصِّحَاحِ ، وَقَالَ فِيهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ { تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا } ، وَجَوَابُهُ وَالْأَيْمَانُ تَثْبُتُ بَعْدَ اللَّوْثِ ، وَهُوَ وُجُودُهُ مَطْرُوحًا بَيْنَهُمْ ، وَهُوَ أَعْدَاؤُهُ ، وَغَلُظَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي الْمَقِيسِ ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ نَادِرٌ فِي الْخَلَوَاتِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ فَغَلُظَ أَمْرُهُ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَحْلِفُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَانْحَسَمَتْ الْمُدَّةُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ بِيَمِينِ الزَّوْجِ ، وَنُكُولُهَا عَنْ

الْيَمِينِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ اللِّعَانَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِهَا وَضَرُورَةِ الْأَزْوَاجِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَحِفْظِ النَّسَبِ ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا .
( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ، وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّرُورَاتِ ، وَخَطَرِ الْبَابِ .
( وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ ) أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْتَ بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةٌ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ اللَّهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَحَلَّفَهُ بَعْدَ دَعْوَى امْرَأَتِهِ الثَّلَاثِ ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ دَعْوَى الْمَرْأَةِ الثَّلَاثِ وَدَعْوَاهَا أَصْلُ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ فِيهِ ظُهُورٌ بَلْ مَرْجُوحٌ بِاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ بَلْ ظَاهِرٍ فِيهِ قَالَهُ الْأَصْلُ ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ ) الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ هِيَ حُجَّةٌ فِي الْأَمْوَالِ يَحْلِفُ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ وَيَسْتَحِقُّ ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَوَافَقَنَا فِي الشَّاهِدِ ، وَالْيَمِينِ لَنَا وُجُوهٌ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ مُقَامَ الرَّجُلِ فَيَقْضِي بِهِمَا مَعَ الْيَمِينِ كَالرَّجُلِ ، وَلَمَّا عَلَّلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نُقْصَانَ عَقْلِهِنَّ قَالَ عَدَلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ ، وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا دُونَ مَوْضِعٍ .
( الثَّانِي ) أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَمَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى الثَّالِثُ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَهُمَا ، وَيَتَوَجَّهُ مَعَ الرَّجُلِ ، وَإِذَا لَمْ يُعَرَّجْ عَلَى الْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمَا كَانَتَا أَقْوَى فَيَكُونَانِ كَالرَّجُلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُمَا احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا شَرَعَ شَهَادَتَهُنَّ مَعَ الرَّجُلِ فَإِذَا عَدِمَ الرَّجُلُ الْعَيْبَ ( الثَّانِي ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الْمَالِ إذَا خَلَتْ عَنْ رَجُلٍ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ أَشْهَدَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَالرَّجُلِ لَتَمَّ الْحُكْمُ بِأَرْبَعٍ ، وَيَقْبِلْنَ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَمَا يُقْبَلُ الرَّجُلُ ، وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ رَجُلٌ ، وَامْرَأَتَانِ .
( الثَّالِثُ ) أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ ضَعِيفَةٌ فَتُقَوَّى بِالرَّجُلِ ، وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ فَيُضَمُّ ضَعِيفٌ إلَى ضَعِيفٍ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِمَا لَا يَقُومَانِ مَقَامَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الِاعْتِبَارُ الْمُتَقَدِّمُ كَمَا دَلَّ الِاعْتِبَارُ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُمُطِ فِي الْبُنْيَانِ وَالْجُذُوعِ وَغَيْرِهَا ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَقِلَّ النِّسْوَةُ فِي أَحْكَامِ

الْأَبْدَانِ لِأَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الرِّجَالِ بِمَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّتِهِمْ لِأَنَّ النِّسَاءَ قَدْ خُصِّصْنَ بِعُيُوبِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهَا ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى رُجْحَانِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ .

( الْبَابُ الْخَامِسُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا ، وَفِيهِ وَصْلَانِ : ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الْقَضَاءُ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي يَجْرِي فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ مِنْ الْأَمْوَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَكَذَا الْوِرَاثَةُ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا فَشَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ الْأُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ وَلَدِهَا فَإِنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ أَوْ أُورِثْته عَلَى ذَلِكَ ، وَيَسْتَحِقُّونَ مَا يَرِثُ عَنْ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَالُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَاخْتُلِفَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا لَوْ شَهِدَ النِّسَاءُ فِي طَلَاقٍ وَدَيْنٍ شَهَادَةً وَاحِدَةً جَازَتْ مَعَ الْيَمِينِ فِي الدَّيْنِ دُونَ الطَّلَاقِ وَمِنْهَا مَا إذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ عِتْقٌ وَإِبْضَاعُ النِّسَاءِ يُرِيدُ نِكَاحَ الْبَنَاتِ فَأَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا تُجِيزُهُ السُّنَّةُ ، وَمَا لَا تُجِيزُهُ ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ دُونَ مَا لَمْ تُجِزْهُ ، وَقِيلَ يُرَدُّ الْجَمِيعُ ا هـ ( الْوَصْلُ الثَّانِي ) فِي الْأَصْلِ الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ هِيَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَكَذَا ابْنُ حَنْبَلٍ ، وَوَافَقْنَا فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَنَا وُجُوهٌ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ مُقَامَ الرَّجُلِ فَيَقْضِي بِهَا مَعَ الْيَمِينِ كَالرَّجُلِ ، وَلَمَّا عَلَّلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نُقْصَانَ عَقْلِهِنَّ قَالَ عَدَلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَاهِدَةِ رَجُلٍ ، وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا دُونَ مَوْضِعٍ ( الثَّانِي ) أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَمَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى .
( الثَّالِثُ ) أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا

يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَهُمَا ، وَيَتَوَجَّهُ مَعَ الرَّجُلِ ، وَإِذَا لَمْ تَعْرُجْ عَلَى الْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمَا كَانَتَا أَقْوَى فَيَكُونَانِ كَالرَّجُلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُمَا ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَالْأَوَّلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا شَرَعَ شَهَادَتَيْنِ مَعَ الرَّجُلِ فَإِذَا عُدِمَ الرَّجُلُ أُلْغِيَتْ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِمَا لَا يَقُومَانِ مَقَامَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الِاعْتِبَارُ الْمُتَقَدِّمُ كَمَا دَلَّ الِاعْتِبَارُ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِمْطِ فِي الْبُنْيَانِ وَالْجُذُوعِ وَغَيْرِهَا .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ فِي الْمَالِ إذَا خَلَتْ عَنْ رَجُلٍ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَالرَّجُلِ لَتَمَّ الْحُكْمُ بِأَرْبَعٍ ، وَيُقْبَلْنَ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَمَا يُقْبَلُ الرَّجُلُ ، وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ رَجُلٌ ، وَامْرَأَتَانِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ ضَعِيفَةٌ فَتَقْوَى بِالرَّجُلِ ، وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ فَيُضَمُّ ضَعِيفٌ إلَى ضَعِيفٍ ، وَجَوَابُهُمَا إنْ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَقْوَى ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَقِلَّ النِّسْوَةُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ لِأَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الرِّجَالِ بِمَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّ النِّسَاءَ قَدْ خُصِصْنَ بِعُيُوبِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى رُجْحَانِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ ا هـ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ ) الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا وُجُوهٌ : ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ النُّكُولَ سَبَبٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَيَحْكُمُ بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ كَالْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعِي ، وَتَأْثِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْقُلُ الْيَمِينَ لِلْمُدَّعِي .
( الثَّانِي ) أَنَّ الشَّاهِدَ أَقْوَى مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ .
( الثَّالِثُ ) أَنَّ الشَّاهِدَ يَدْخُلُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) بِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَهُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالنُّكُولُ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ .
( وَثَانِيهَا ) أَنَّ الْحِنْثَ فِيهِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، وَيَذْرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ إذَا أَقْدَمَ عَلَيْهَا غَمُوسًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النُّكُولُ ( الثَّالِثُ ) أَنَّ النُّكُولَ لَا يَكُونُ أَقْوَى حُجَّةً مِنْ جَحْدِهِ أَصْلَ الْحَقِّ ، وَجَحْدُهُ لَا يُقْضَى بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً بِالشَّاهِدِ وَحْدَهُ ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ النُّكُولُ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّعْظِيمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ هَاهُنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَبَّحَ ، وَهَلَّلَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الشَّاهِدِ ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إقْدَامِهِ عَلَى مُوجِبِ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ ، وَهَذَا كَمَا هُوَ وَازِعٌ دِينِيٌّ فَالنُّكُولُ فِيهِ وَازِعٌ طَبِيعِيٌّ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ إنْ حَلَفْت بَرِئْت ، وَإِنْ نَكَلْت غَرِمْت فَإِذَا نَكَلَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ ، وَالْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ أَقْوَى عِنْدَنَا إثَارَةً لِلظُّنُونِ مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ يُقْبَلُ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ ، وَالشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ الْعَدْلِ لِأَنَّ وَازِعَهَا شَرْعِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْمُتَّقِينَ مِنْ النَّاسِ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ تَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْحَقِّ

الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الْمُجْتَلَبِ ، وَهُوَ الْغَالِبُ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِأَنَّ الْوَازِعَ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ الْوَازِعُ الشَّرْعِيُّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ دُونَ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْجَحْدِ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَخَافُهُ ، وَالنُّكُولُ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْيَمِينِ فَخَافَهُ طَبْعُهُ فَظَهَرَ أَنَّ النُّكُولَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ ، وَأَقْوَى مِنْ الْجَحْدِ ( الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ ) الْمَرْأَتَانِ ، وَالنُّكُولُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالْمَدْرَكُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ سُؤَالًا وَجَوَابًا ، وَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ .

( الْبَابُ السَّادِسُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا ، وَدَلِيلُهُ ، وَفِيهِ وَصْلَانِ ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الشَّاهِدُ ، وَالنُّكُولُ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُقْبَلُ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ ، وَالْمَرْأَتَانِ ، وَالْيَمِينُ صُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي وَرَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ قَالَ فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكْمَ النُّكُولِ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَالٍ بَلْ ، وَحُكْمُهُ أَيْضًا إنْ كَانَتْ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ ، وَالنُّكُولِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ ، وَقَالَ قَبْلُ بِأَوْرَاقٍ إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ الْعِتْقَ ، وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا حَلَفَ السَّيِّدُ فَإِنْ نَكَلَ فَقِيلَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ ، وَقِيلَ يُخَلَّى مِنْ السِّجْنِ إذَا طَوَّلَ ، وَالطُّولُ سَنَةٌ قَالَ وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدًا بِالطَّلَاقِ ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ حَلَفَ ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، وَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ أَمْرُهُ ، وَالطُّولُ فِي ذَلِكَ سَنَةٌ ، وَقِيلَ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُطَلِّقَ ، وَقِيلَ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ لِتَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِمُشَابَهَتِهِ الْإِيلَاءَ ا هـ .
( الْوَصْلُ الثَّانِي ) فِي الْأَصْلِ الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا وُجُوهٌ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ النُّكُولَ سَبَبٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَيَحْكُمُ بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ كَالْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعِي ، وَتَأْثِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْقُلُ الْيَمِينَ لِلْمُدَّعِي ( الثَّانِي ) أَنَّ الشَّاهِدَ أَقْوَى مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي

بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ ( الثَّالِثُ ) أَنَّ الشَّاهِدَ يَدْخُلُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ .
وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا : ( فَالْأَوَّلُ ) أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَهُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا تَعْظِيمَ فِي النُّكُولِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّعْظِيمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَبَّحَ ، وَهَلَّلَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الشَّاهِدِ ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إقْدَامِهِ عَلَى مُوجِبِ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ ، وَهَذَا كَمَا هُوَ وَازِعٌ دِينِيٌّ أَمَّا النُّكُولُ فَفِيهِ وَازِعٌ طَبِيعِيٌّ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ إنْ حَلَفْت بَرِئَتْ ، وَإِنْ نَكَلَتْ غَرِمَتْ فَإِذَا نَكَلَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْوِزَاعِ الطَّبِيعِيِّ ، وَالْوِزَاعُ الطَّبِيعِيُّ أَقْوَى أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ الْعَدْلِ لِأَنَّ وَازِعَهَا شَرْعِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْمُتَّقِينَ مِنْ النَّاسِ ؟ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيَذَرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ إذَا أَقْدَمَ عَلَيْهَا غَمُوسًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النُّكُولُ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ تَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْحَقِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُجْتَلِبِ ، وَهُوَ الْغَالِبُ فَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ لِأَنَّ الْوَازِعَ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ الْوَازِعُ الشَّرْعِيُّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ دُونَ الْوِزَاعِ الطَّبِيعِيِّ ( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ النُّكُولَ لَا يَكُونُ أَقْوَى حُجَّةً مِنْ جَحْدِهِ أَصْلَ الْحَقِّ ، وَجَحْدُهُ لَا يَقْضِي بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ ، وَإِلَّا كَانَ قَضَاءً مَعَ الشَّاهِدِ وَحْدَهُ ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ النُّكُولُ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْجَحْدِ لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَخَافُهُ ، وَالنُّكُولُ يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْيَمِينِ فَيَخَافُهُ طَبْعُهُ فَظَهَرَ أَنَّ النُّكُولَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ ، وَأَقْوَى مِنْ الْجَحْدِ قَالَ الْأَصْلُ وَالْمَرْأَتَانِ ،

وَالنُّكُولُ عِنْدَنَا أَيْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُدْرَكُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ سُؤَالًا وَجَوَابًا ، وَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ا هـ ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ ) الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَصُورَتُهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَطْلُوبُ بِالْيَمِينِ الدَّافِعَةِ فَيَنْكُلُ فَيَحْلِفُ الطَّالِبُ ، وَيَسْتَحِقُّ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ فَإِنْ جَهِلَ الْمَطْلُوبُ رَدَّهَا فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَرُدَّهَا فَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَقْضِي بِالنُّكُولِ ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَالٍ كَرَّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْحَقُّ ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عَقْدٍ فَلَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَعْتَرِفَ ، وَفِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَغَيْرِهِ لَا مَدْخَلَ لِلْيَمِينِ فِيهِ فَلَا نُكُولَ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُحْبَسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ لَنَا وُجُوهٌ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ، وَلَا يَمِينَ بَعْدَ يَمِينٍ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ رَدِّ يَمِينٍ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تَرَكَ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي .
( الثَّانِي ) مَا رُوِيَ { أَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ إنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ ، وَطَرَحَتْهُ فِي نَقِيرٍ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ الْيَهُودُ قَالُوا كَيْفَ يَحْلِفُونَ ، وَهُمْ كُفَّارٌ } فَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْخَصْمِ خَرَّجَهُ صَاحِبُ الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ ( وَالثَّالِثُ ) مَا رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ اقْتَرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ

جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُثْمَانُ أَقْرَضْتُك سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ يَحْلِفُ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ لَقَدْ أَنْصَفَك .
فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ فَنَقَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ إلَى الْمُدَّعِي ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا .
( الرَّابِعُ ) الْقِيَاسُ عَلَى النُّكُولِ فِي بَابِ الْقَوَدِ وَالْمُلَاعَنَةِ لَا تُحَدُّ بِنُكُولِ الزَّوْجِ .
( الْخَامِسُ ) لَوْ نَكَلَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الدَّعْوَى لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ وَالْجَوَابِ فَالْيَمِينُ وَحْدَهُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحُكْمِ .
( السَّادِسُ ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةُ الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينُ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي النَّفْيِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ .
( السَّابِعُ ) أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَتُهَا فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَكُونُ لِلْآخَرِ فِعْلُهَا .
( الثَّامِنُ ) أَنَّ النُّكُولَ إذَا كَانَ حُجَّةً تَامَّةً كَالشَّاهِدَيْنِ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الدِّمَاءِ أَوْ نَاقِصَةً كَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ يَمِينٍ وَجَبَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ التَّكْرَارِ أَوْ كَالِاعْتِرَافِ يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ بِخِلَافِهِ فَالِاعْتِرَافُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَكْرَارٍ بِخِلَافِهِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَمَنَعَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينَ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ مَالَ غَيْرِهِ ( الثَّانِي ) الْمُلَاعِنُ إذَا نَكَلَ حُدَّ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ ( الثَّالِثُ ) أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَلَّى ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَضَاءَ الْيَمَنِ فَجَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنَّ هَذَا

الرَّجُلَ وَلَّانِي هَذَا الْبَلَدَ ، وَإِنَّهُ لَا غَنَاءَ لِي عَنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : اُكْتُبْ لِي بِمَا يَبْدُو لَك قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَارِيَتَيْنِ جَرَحَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فِي كَفِّهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ احْبِسْهَا إلَى بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَاقْرَأْ عَلَيْهَا { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ ، وَاسْتَحْلَفَهَا فَأَبَتْ فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ ( الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَجَعَلَ الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ تُجْعَلُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي ، وَجَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ ، وَحَجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا نَقْلُ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِي ( الْخَامِسُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { شَاهِدَاك وَيَمِينُهُ } ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ يَمِينُك ( السَّادِسُ ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ ، وَيَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ جَعْلُ الْبَيِّنَةِ لِلنَّفْيِ تَعَذَّرَ أَيْضًا جَعْلُ الْيَمِينِ لِلْإِثْبَاتِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ لَا تَنْفُذَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَمُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ ، وَإِلَّا مُنِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ الدَّافِعَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ بَلْ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ ، وَهُوَ الصِّدْقُ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِحَدِّ الْمُلَاعِنِ قَذْفُهُ ، وَإِنَّمَا أَيْمَانُهُ مُسْقِطَةٌ فَإِذَا فُقِدَ الْمَانِعُ عُمِلَ بِالْمُقْتَضَى ، وَالنُّكُولُ عِنْدَكُمْ مُقْتَضَى فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ قَالَ اعْتَرَفَتْ فَأَلْزَمْتهَا ذَلِكَ ، وَلَعَلَّهُ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ

يَأْمُرْهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ ، وَالتَّابِعِيُّ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ وَرَدَ لِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَدِيثُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْكِرَ قَدْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ إذَا ادَّعَى وَفَاءَ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ قَدْ تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّهُ لِبَيَانِ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْيَمِينَ وَحْدَهَا لِلْإِثْبَاتِ بَلْ الْيَمِينُ مَعَ النُّكُولِ ثُمَّ إنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ لِلنَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِثْلُ بَيِّنَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ .

( الْبَابُ السَّابِعُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا ، وَدَلِيلُهُ ، وَفِيهِ وَصْلَانِ ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) الْيَمِينُ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ الرَّافِعَةِ لِلدَّعْوَى فَيَسْتَحِقُّ مَا ادَّعَى بِهِ تَكُونُ فِيمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا ، وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ ، وَهِيَ الْيَمِينُ الرَّافِعَةُ لِلدَّعْوَى فَيَنْكُلُ عَنْهَا فَتَنْقَلِبُ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ ، وَهِيَ الْيَمِينُ الْمُنْقَلِبَةُ فَيَحْلِفُ ، وَيَسْتَحِقُّ فَإِنْ جَهِلَ الْمَطْلُوبُ رَدَّهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَرُدَّهَا فَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي حِينَ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَدَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَتِهِ مِنْ ذَلِكَ نَفَعَهُ ذَلِكَ ، وَاسْتَعَادَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُدَّعِي ا هـ ، وَتَكُونُ أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْعَدَمَ ، وَقَالَ إنَّ الْمُدَّعِيَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُ الْيَمِينِ الرَّافِعَةِ لِلدَّعْوَى فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي فَلَا مَقَالَ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى الْيَمِينَ الْمُصَحِّحَةَ ، وَالْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( الْوَصْلُ الثَّانِي ) فِي الْأَصْلِ الْيَمِينُ ، وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقْضِي بِالنُّكُولِ ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَالٍ كُرِّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْحَقُّ ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عَقْدٍ فَلَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ بَلْ

يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَعْتَرِفَ ، وَفِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَغَيْرِهِ لَا مَدْخَلَ لِلْيَمِينِ فِيهِ فَلَا نُكُولٌ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُحْبَسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ لَنَا وُجُوهٌ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَلَا يَمِينَ بَعْدَ يَمِينٍ ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ رَدِّهِ يَمِينٌ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تُرِكَ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي ( الثَّانِي ) مَا رُوِيَ { أَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ إنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ وَطَرَحَتْهُ فِي قَفِيرٍ أَيْ بِئْرٍ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَحْلِفُونَ ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ لَكُمْ الْيَهُودُ قَالُوا كَيْفَ يَحْلِفُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } فَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْخَصْمِ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْمُوَطَّإِ ، وَغَيْرُهُ ( الثَّالِثُ ) مَا رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ اقْتَرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُثْمَانُ أَقْرَضْتُك سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ يَحْلِفُ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ لَقَدْ أَنْصَفَك فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ فَنَقَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ إلَى الْمُدَّعِي ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا ( الرَّابِعُ ) الْقِيَاسُ عَلَى النُّكُولِ فِي بَابِ الْقَوَدِ وَالْمُلَاعَنَةِ لَاتَّحَدَ بِنُكُولِ الزَّوْجِ ( الْخَامِسُ ) لَوْ نَكَلَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الدَّعْوَةِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ ، وَالْجَوَابُ فَالْيَمِينُ وَحْدَهُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحُكْمِ ( السَّادِسُ ) أَوْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينُ حُجَّةُ

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي النَّفْيِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ ( السَّابِعُ ) أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَتُهَا فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَكُونُ لِلْآخَرِ فِعْلُهَا ( الثَّامِنُ ) أَنَّ النُّكُولَ إذَا كَانَ حُجَّةً تَامَّةً كَالشَّاهِدَيْنِ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الدِّمَاءِ أَوْ نَاقِصَةً كَالشَّاهِدَيْنِ ، وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ كَالشَّاهِدِ ، وَيَمِينٍ وَجَبَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ التَّكْرَارِ أَوْ كَالِاعْتِرَافِ يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ ، وَلَا يَفْتَقِرُ أَيْ إلَى تَكْرَارٍ بِخِلَافِهِ النُّكُولُ ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا ( فَالْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } يَمْنَعُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ مَالَ غَيْرِهِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ لَا تَنْفُذَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَمُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ ، وَإِلَّا لَمَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ الدَّافِعَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِهَا مَالًا بَلْ يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ ، وَهُوَ الصِّدْقُ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) الْمَلَاعِنُ إذَا نَكَلَ حُدَّ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِحَدِّ الْمَلَاعِنِ قَذْفُهُ ، وَإِنَّمَا أَيْمَانُهُ مُسْقِطَةٌ فَإِذَا فُقِدَ الْمَانِعُ عُومِلَ بِالْمُقْتَضَى ، وَالنُّكُولُ عِنْدَكُمْ مُقْتَضًى فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا ( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَلَّى ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَضَاءَ الْيَمَنِ فَجَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنَّ هَذَا الرَّجُلُ وَلَّانِي هَذَا الْبَلَدَ ، وَأَنَّهُ لَا غِنَاءَ لِي عَنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ اُكْتُبْ لِي بِمَا يَبْدُو لَك فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَارِيَتَيْنِ جَرَحَتْ أَحَدُهُمَا

الْأُخْرَى فِي كَفِّهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ احْبِسْهَا إلَى بَعْدِ الْعَصْرِ وَاقْرَأْ عَلَيْهَا { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ ، وَاسْتَحْلَفَهَا فَأَبَتْ فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ قَالَ اعْتَرَفَتْ فَأَلْزَمْتهَا ذَلِكَ ، وَلَعَلَّهُ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ ، وَالتَّابِعِيُّ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ ( وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَجَعَلَ الْيَمِينَ فِي حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ تُجْعَلُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي ، وَجَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ ، وَحُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعِي إلَى حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَرَدَ لِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَدِيثُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْكِرَ قَدْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ إذَا ادَّعَى الدِّينَ فَكَذَلِكَ قَدْ تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ ( وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ } ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ يَمِينُك ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لِبَيَانِ مَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ( وَالْوَجْهُ السَّادِسُ ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ ، وَيَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ جَعَلُ الْبَيِّنَةَ لِلنَّفْيِ تَعَذَّرَ أَيْضًا جَعْلُ الْيَمِينِ لِلْإِثْبَاتِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْيَمِينَ وَحْدَهَا لِلْإِثْبَاتِ بَلْ الْيَمِينَ مَعَ النُّكُولِ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ لِلنَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِثْلُ

بَيِّنَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ ا هـ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ ) أَيْمَانُ اللِّعَانِ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا فِيمَا عَلِمْت مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ .

( الْبَابُ الثَّامِنُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ ، وَفِي صِفَتِهَا ، وَفِيهِ وَصْلَانِ ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ لَا يَحْكُمُ بِاللِّعَانِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَمْلِ بِشَاهِدَةِ امْرَأَتَيْنِ ، وَثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَالْأَمْكِنَةِ مِنْ اللِّعَانِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْحَمْلِ ، وَلَا يَحُدُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِحَالٍ ، وَلَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا بِمَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَوْ فِي مَجْلِسِ رَجُلٍ مِنْ أَعْيَانِ الْفُقَهَاءِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ ، وَقَالَ قِيلَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْرَفِ أَمْكِنَةِ الْبَلَدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي الْمَدِينَةِ ، وَعِنْدَ الرُّكْنِ بِمَكَّةَ ، وَعِنْدَ الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهِمَا فِي الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ، وَتَحْلِفُ الذِّمِّيَّةُ فِي كَنِيسَتِهَا لَا فِي الْمَسْجِدِ ، وَالْمَرِيضُ بِمَوْضِعِهِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ قَالَ وَحَقِيقَةُ اللِّعَانِ يَمِينُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِزِنًا أَوْ نَفْيُ حَمْلِهَا أَوْ وَلَدِهَا ، وَيَمِينُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ ، وَسُمِّيَتْ أَيْمَانُهُمَا لِعَانًا لِأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ اللَّعْنِ ، وَلِكَوْنِهَا سَبَبًا فِي بُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ ا هـ ، وَفِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَأَيْمَانُ اللِّعَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِيمَا عَلِمْت مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ا هـ ( الْوَصْلُ الثَّانِي ) صِفَةُ اللِّعَانِ أَنَّهُ إنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى الزِّنَا ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الرُّؤْيَةِ قَالَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ثُمَّ تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ ، وَمَا رَآنِي

أَزْنِي ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ، وَإِنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى لِنَفْيِ الْحَمْلِ ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَحْدَهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ زَادَ فِي الْأَرْبَعِ ، وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مَتَى ، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ ، وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْهُ ، وَيَقُولُ فِي اللِّعَانِ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَحْدَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ لَقَدْ اسْتَبْرَأْتهَا مِنْ كَذَا فَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا مَعَ ذِكْرِهِمَا مَعًا فِي الْأَرْبَعِ الْأَيْمَانِ ، وَإِنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى الْغَصْبِ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي ، وَأَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ .
وَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ وَأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ، وَتَقُولُ الْمُغْتَصَبَةُ إذَا الْتَعَنَتْ لِنَفْيِ الْوَلَدِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا زَنَيْت ، وَلَا أَطَعْت ، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ إنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ ، وَلَفْظُ اللَّعْنِ ، وَالْغَضَبِ بَعْدَهَا ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ ، وَالْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ ، وَقَدْ جُومِعَتْ تُلَاعِنُ زَوْجَهَا لِأَنَّ مَنْ قَذَفَهَا يُحَدُّ ، وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ التَّحَالُفِ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَقَعُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا .
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ اللِّعَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْرَيَا عَلَى سُنَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا .
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ طَلَّقَهَا الْإِمَامُ ثَلَاثًا ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ زَوْجٍ ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ ، وَفُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ثَلَاثًا وَيَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ، وَفِي الْجَلَّابِ فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ

أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْبَابُ التَّاسِعُ ) فِي بَيَانِ مَا فِيهِ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَصِفَتُهَا وَفِيهِ وَصْلَانِ ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَسَامَةُ مُوجِبَةٌ مَعَ اللَّوْثِ لِلْقَتْلِ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ ، وَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَطْرَافِ ، وَلَا فِي الْجِرَاحِ ، وَلَا فِي الْعَبِيدِ ، وَلَا فِي الْكُفَّارِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ اللَّوْثُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ الْمُرَادُ الْوُجُوهُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّلْوِيثُ وَالتَّلْطِيخُ فِي الدِّمَاءِ ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ ، وَمَعَ كَثْرَتِهَا لَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى التَّمَكُّنِ مِنْ الدِّمَاءِ لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَرَفِيعِ قَدْرِهَا فَوَجَبَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا إلَّا لِمَنْ فِيهَا مَالَهُ قُوَّةٌ لِأَجْلِ مَا أُضِيفَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى صِدْقِ مُدَّعِيهِ ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ مَا يُقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ فَعِنْدَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْهُ أَنَّ اللَّوْثَ هُوَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّيَ جِهَةَ الْمُدَّعِيَيْنِ ، وَلَا تَأْثِيرَ فِي نَقْلِ الْيَمِينِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِيَيْنِ ، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ ، وَوَافَقَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ يَقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُ الْعَدْلِ ، وَمَعَ الْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ لَيْسَ بِلَوْثٍ .
وَوَجْهُهُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّهُ لَوْثٌ فَلَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ الْعَدَالَةَ كَاَلَّذِي يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا ، وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَدْلٍ ،

وَقِيلَ تَقْسِمُ مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ ، وَالصِّبْيَانُ وَالْقَوْمُ لَيْسُوا بِعُدُولٍ فَإِذَا وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ بِالْجَوَازِ اسْتَحَقَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الدَّمَ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَلَا حُكْمَ لِلشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ الْقَوَدِ ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَإِنَّمَا الْوَاحِدُ لَوْثٌ وَلُطِّخَ بِقُوَى الدَّعْوَى فِي إبَاحَةِ الْقَسَامَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّاهِدِ ، وَالْيَمِينُ الَّذِي فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ إلَّا رَجُلَانِ فَصَاعِدًا أَوْ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِنِسَاءٍ ، وَلَا حُكْمَ لِلْوَاحِدِ لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ بِإِثْبَاتِهِمَا مُقَامَ الشَّاهِدِينَ بِخِلَافِ الْقَسَامَةِ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ لَوْثٌ لَأَنْصَفَ شَهَادَةً تَكْمُلُ بِالْيَمِينِ فَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ اللَّوْثُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ ، وَبِاللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَطْخٌ لَا شَهَادَةٌ ، وَالْقَسَامَةُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلٌ مُخَصَّصٌ لِنَفْسِهِ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ .
وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا تَجِبَ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا يُرَاقُ دَمُ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ الْعُدُولِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ لَوْثًا ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، وَهَذَا حُكْمُ الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْغِيلَةِ أَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً لَمْ يَقْسِمْ مَعَ شَهَادَتِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ فِي هَذَا إلَّا شَاهِدَانِ نَعَمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُ مِنْ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ ا هـ الْمُرَادُ .
( الْوَصْلُ

الثَّانِي ) فِي التَّبْصِرَةِ صِفَةُ الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ وَلِيَّنَا فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ ، وَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ إنْ كَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ .
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ ، وَيَحْلِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ، وَفِي غَيْرِهَا بِالْجَامِعِ قِيَاسًا دُبُرَ الصَّلَاةِ بِمَحْضَرِ النَّاسِ ، وَيُؤْتَى إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَإِلَى سَائِرِ الْأَمْصَارِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ ، وَيَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ ، وَفِي الْخَطَأِ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ الْوَرَثَةِ رِجَالًا وَنِسَاءً عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ ، وَلَا قَسَامَةَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إذْ تَحْلِيفُ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَلَا قَسَامَةَ إلَّا بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ ، وَلَا يَقْسِمُ مِنْ الْقَبِيلَةِ إلَّا مِنْ التَّقِيِّ مَعَهُ فِي نَسَبٍ ثَابِتٍ ، وَلَا يَقْسِمُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ ، وَلَكِنْ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ ا هـ الْمُرَادُ مِنْهَا فَانْظُرْهَا فِي الْأَصْلِ ، وَأَيْمَانُ الْقَسَامَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ا هـ ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) الْمَرْأَتَانِ فَقَطْ أَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يُقْبَلْنَ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا فِي الْجِرَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ لَنَا وُجُوهٌ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى فِي مَسَائِلِ الْمُدَايَنَاتِ { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَكَانَ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مِثْلُهُ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ ( الثَّانِي ) قَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } الْآيَةَ ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إلَّا مَوْضِعَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ ( الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ } وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْله تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } الْآيَةَ فَأَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَ مُقَامَ الرَّجُلَيْنِ فِي ذَلِكَ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِجَوَازِهِمَا مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدَيْنِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا فِي التَّسْوِيَةِ فَيَكُونَانِ مُرَادَيْنِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ لِوُجُودِ الِاسْمِ .
( الثَّانِي ) قَوْله تَعَالَى { فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } أَطْلَقَ ، وَمَا خَصَّ مَوْضِعًا فَيَعُمُّ .
( الثَّالِثُ ) أَنَّهُمَا أُمُورٌ لَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَتُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ كَالْأَمْوَالِ .
( الرَّابِعُ ) أَنَّ النِّكَاحَ وَالرَّجْعَةَ عَقْدُ مَنَافِعَ فَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ كَالْإِجَارَاتِ .
( الْخَامِسُ ) أَنَّ الْخِيَارَ وَالْآجَالَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا ، وَيُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ

فَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ صُوَرِ النِّزَاعِ .
( السَّادِسُ ) أَنَّ الطَّلَاقَ رَافِعٌ لِعَقْدٍ سَابِقٍ فَأَشْبَهَ الْإِقَالَةَ .
( السَّابِعُ ) أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَالرَّضَاعِ .
( الثَّامِنُ ) أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ مِلْكٍ كَالْبَيْعِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الرَّفْعِ فِي لَفْظِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْتُمْ لَقَالَ فَرَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ إنْ رَجُلَيْنِ فَيَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ كَانَ تَقْدِيرُهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِحَذْفِ الْخَبَرِ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُرْتَبِطٌ بِأَوَّلِهَا ، وَأَوَّلُهَا : إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ لَوْ سَلَّمْنَاهُ خَصَّصْنَاهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى جِرَاحِ الْقَوَدِ بِجَامِعِ عَدَمِ قَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ أَعْلَاهَا الزِّنَا ، وَأَدْنَاهُ السَّرِقَةُ ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُقْبَلُ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ الْأَبْدَانُ أَعْلَى مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا مَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ ، وَحَدُّ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ ، وَحَدُّ الْخَمْرِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالنَّصِّ ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ أَرْبَعَةٍ فِيهِ ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ فَتَعَيَّنَ قِيَاسُهَا عَلَى الطَّلَاقِ ، وَعَنْ الثَّالِثِ الْفَرْقُ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ رُتْبَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُنْفَرِدَاتٍ فَلَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُطْلَقًا كَالْقِصَاصِ ، وَلِأَنَّا وَجَدْنَا النِّكَاحَ آكَدُ مِنْ الْأَمْوَالِ لِاشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ وَالْهِبَةُ ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ

الْمَالُ ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ مَقْصُودَهُ أَيْضًا الْمَالُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَجَلَ وَالْخِيَارَ لَا يَثْبُتَانِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ الْمَالُ ، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ حِلَّ عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ وَالنُّكُولِ أَيْضًا مَقْصُودُ الطَّلَاقِ غَيْرُ الْمَالِ ، وَمَقْصُودُ الْإِقَالَةِ الْمَالُ ، وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّامِنِ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مَالُهُ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ وَلَنَا أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا فَتَجُوزُ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادِ وَالِاسْتِهْلَالِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَبُولِ الْمَرْأَتَيْنِ فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ .
وَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قُبِلَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ ، وَقَبِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاحِدَةً مُطْلَقًا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُطْلَقًا ، وَيَكْفِيَانِ لَنَا وُجُوهٌ : ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ عَلَى الِانْفِرَادِ كَفَى مِنْهُ اثْنَانِ ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ وَاحِدٌ كَالرَّجُلِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ .
( الثَّانِي ) أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ أَقْوَى ، وَأَكْثَرَ ، وَلَمْ يَكْفِ وَاحِدٌ فَالنِّسَاءُ أَوْلَى احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ : ( الْأَوَّلُ ) مَا { رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجَتْ أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ أَبِي إيهَابٍ فَأَتَتْ أُمُّ سَوْرَةَ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ كَيْفَ ، وَقَدْ عَلِمْت ، وَزَعَمْت ذَلِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ .
( الثَّانِي ) عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ .
( الثَّالِثُ ) عَنْ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ } .
( الرَّابِعُ ) الْقِيَاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَوْ كَفَتْ لَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا شَهِدَ عَدْلَانِ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ عِنْدَ كَمَالِ الْحُجَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لَا سِيَّمَا فِي اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ بَلْ مَعْنَاهُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْرِيمُ شَيْءٍ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ يُفْضِي بِهِ إلَى الْحُكْمِ أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ أَوْ الطَّعَامُ نَجَسٌ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَإِخْبَارُ الْوَاحِدَةِ يُفِيدُ الظَّنَّ فَأَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِطَرِيقِ الْفُتْيَا لَا بِطَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَالْإِلْزَامِ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَدِلَّتِنَا الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى الْفُتْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، وَعَنْ الثَّالِثِ كَذَلِكَ أَيْضًا ، وَعَنْ الرَّابِعِ الْفَرْقُ أَنَّ الرِّوَايَةَ تُثْبِتُ حُكْمًا عَامًّا فِي فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ لَا عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ مَظِنَّةَ الْعَدَاوَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ فَتُقْبَلُ الْوَاحِدَةُ فِي الرِّوَايَةِ ، وَلَا تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا .

( الْبَابُ الْعَاشِرُ ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا وَدَلِيلُهُ ، وَفِيهِ وَصْلَانِ : ( الْوَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي التَّبْصِرَةِ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ امْرَأَتَيْنِ بِانْفِرَادِهِمَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالسِّقْطِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَعُيُوبِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ ، وَفِي كُلِّ مَا تَحْتَ ثِيَابِهِنَّ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ ، وَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا أُقِيمَ فِيهَا النِّسَاءُ مُقَامَ الرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ وَتَجُوزُ الْقَسَامَةُ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيمَا تَجُوزُ مَعَهُ الْقَسَامَةُ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَأْتَمِ وَالْحَمَّامِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ، وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ كَالصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ ، وَرَأْيُ اللَّخْمِيِّ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُمَا فِي الْقَتْلِ ثُمَّ يُقَادَ ، وَيَحْلِفَ فِي الْجِرَاحِ ثُمَّ يَقْتَصَّ ، قَالَ وَإِنْ عَدَلَ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ اثْنَتَانِ قَيَّدَ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَاقْتَصَّ فِي الْجِرَاحِ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَنَحَا بِهِنَّ مَنْحَى الرِّجَالِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ كَمَا لِحَمَّامِ الْعُرْسِ وَالْمَآتِمِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ ضَرُورَتِهِنَّ إلَى الِاجْتِمَاعِ فِي ذَلِكَ ، وَقِيلَ تَجُوزُ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ وَلَمْ يَزَلْ النِّسَاءُ يَجْمَعُهُنَّ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْمَآتِمِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلُمَّ جَرًّا فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ

بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ ذَهَبَتْ دِمَاؤُهُنَّ ، وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى الْجَلَّابِ الْمُقَيَّدُ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ الْبُرْنَاسِيِّ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْعُرْسِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَخْتَلِطُ فِيهِ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنْكَرٌ بَيِّنٌ وَكَانَ دُخُولُهُنَّ الْحَمَّامَ بِالْمِئْزَرِ فِي هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ .
وَأَمَّا إذَا كُنَّ فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ ، وَفِي الْأَعْرَاسِ الَّتِي يَمْتَزِجُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِنَّ لِبَعْضٍ لَا تُقْبَلُ وَكَذَلِكَ الْمَأْتَمُ لَا يَحْصُلُ حُضُورُهُ إذَا كَانَ فِيهِ نَوْحٌ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ لِأَنَّ بِحُضُورِهِنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُنَّ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } ا هـ الْمُرَادُ فَانْظُرْهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( الْوَصْلُ الثَّانِي ) فِي الْأَصْلِ وَقَعَ خِلَافُ الْأَئِمَّةِ لَنَا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ ، وَعَدَمِ قَبُولِهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) خَالَفْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ ، وَلَنَا أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا فَتَجُوزُ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادَةِ ، وَالِاسْتِهْلَالِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَبُولِ الْمَرْأَتَيْنِ فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ ، وَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قُبِلَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ ، وَقَبِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاحِدَةً مُطْلَقًا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُطْلَقًا وَيَكْفِيَانِ لَنَا وَجْهَانِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ عَلَى الِانْفِرَادِ كَفَى مِنْهُ اثْنَانِ ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ وَاحِدٌ كَالرَّجُلِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ ( الثَّانِي ) أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ أَقْوَى ،

وَأَكْثَرَ ، وَلَمْ يَكْفِ وَاحِدٌ فَالنِّسَاءُ أَوْلَى ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَأَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ ) مَا رَوَى { عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجَتْ أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ أَبِي إيهَابٍ فَأَتَتْ أُمُّ سَوْرَةَ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ كَيْفَ ، وَقَدْ عَلِمْت وَزَعَمْت ذَلِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا فَإِنَّ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْفُتْيَا لَا بِطَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَالْإِلْزَامِ لِأَمْرَيْنِ ( الْأَوَّلِ ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَخْبَارَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الظَّنَّ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْرِيمَ شَيْءٍ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ أَوْ أَنَّ الطَّعَامَ نَجَسٌ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَوْ كَفَتْ فِي كَمَالِ الْحُجَّةِ لَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ عِنْدَ كَمَالِ الْحُجَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لَا سِيَّمَا فِي اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ بَلْ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا عَلِمْت ( الْوَجْهِ الثَّانِي ) مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَدِلَّتِنَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْفُتْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ( الْوَجْهِ الثَّالِثِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ } ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ كَذَلِكَ بِأَدِلَّتِنَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْفُتْيَا إلَخْ ( الْوَجْهِ الرَّابِعِ )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31