كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي

( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُقَرُّ مِنْهَا ) فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ كَانَ انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَى مَنْ يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُصَحِّحُ ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ كَعَشْرٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ كَالْأُخْتَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد يَخْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَمِنْ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَةً أَيَّتَهمَا شَاءَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى يَخْتَارُ الْأَوَائِلَ مِنْهُمْ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إذَا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ فَارَقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ غَيْرُهُ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَثَرَانِ ( أَحَدُهُمَا ) مُرْسَلُ مَالِكٍ أَنَّ { غَيْلَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ أَرْبَعًا } ( الْحَدِيثُ الثَّانِي ) حَدِيثُ { قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت } ( وَأَمَّا ) الْقِيَاسُ الْمُخَالِفُ لِلْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَشْبِيهُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَوَاخِرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَعْنِي أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِنَّ فَاسِدٌ فِي الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ ضَعْفٌ .
ا هـ بِتَصَرُّفٍ وَوَجْهُ الضَّعْفِ يَتَّضِحُ مِمَّا سَيَأْتِي

فَتَنَبَّهْ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَخْتَارُ أَرْبَعًا مِنْ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا وَأَيَّ وَاحِدَةٍ شَاءَ مِنْ الْأُخْتَيْنِ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّا نَحْمِلُ عُقُودَهُمْ عَلَى الصِّحَّةِ مُطْلَقًا تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْقِصَاصُ وَالْغُصُوبُ وَمَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَيَثْبُتُ مَا اكْتَسَبُوهُ بِعُقُودِ الرِّبَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ لَوْ فَهِمُوا الْمُؤَاخَذَةَ بِذَلِكَ لَنَفَرُوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْكِحَتُهُمْ عِنْدَهُمْ فَاسِدَةٌ وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهَا أَيْ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَفْسَدَةٍ تَدُومُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ لَا تَدُومُ لَكِنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ كَالزَّوَاجِ فِي الْعِدَّةِ فَيُسْلِمُ فِيهَا أَيْ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ يَبْطُلُ وَإِنْ عَرَى نِكَاحُهُمْ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ صَحَّ بِالْإِسْلَامِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا نَقْهَرُهُمْ عَلَى مَا هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ هُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عِنْدَنَا وَلَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ امْرَأَةِ أَوْ رِضَاهَا بِالْإِقَامَةِ مَعَ الرَّجُلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ أَقْرَرْنَاهُمْ .
ا هـ قَالَ الْأَصْلُ سَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْقَضَاءُ بِبُطْلَانِ أَنْكِحَتِهِمْ مُطْلَقًا مُشْكِلٌ مِنْ وُجُوهٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) وِلَايَةُ الْكَافِرِ لِلْكَافِرَةِ صَحِيحَةٌ وَالشَّهَادَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى نَقُولَ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ لِكُفْرِهِمْ عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ وَأَشْهَدَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَالْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَسْتَقِرَّ عَقْدُهُ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صَدَاقَهُمْ قَدْ يَقَعُ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْخَمْرِ وَهَذَا قَدْ يَقَعُ فِي أَنْكِحَةِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَجُهَّالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِحَيْثُ تُحْمَلُ بَعْضُ

الشُّرُوطِ أَوْ كُلُّهَا فَكَمَا لَا نَقْضِي بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُفَصِّلُ وَنَقُولُ مَا صَادَفَ الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ وَاجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا كَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا نَقْضِي بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُفَصِّلُ بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ نَقُولَ بِصِحَّةِ مَا صَادَفَ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُصَادِفْ فَهُوَ بَاطِلٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَصِحُّ بِالْإِسْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ تَقْرِيرُ رِضَاهُمْ بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَنْ لَا يُخَيَّرَ بَيْنَ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا بَلْ نَقُولُ إنْ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْبِنْتِ صَحِيحًا تَعَيَّنَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ لَا نَقْضِي بِالتَّخْبِيرِ مُطْلَقًا بَلْ نُفَرِّقُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعَ مِنْهَا أَرْبَعٌ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ تَعَيَّنَتْ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَإِنْ عَقَدَ عَلَى الْعَشَرَةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً خُيِّرَ بَيْنَهُنَّ لِشُمُولِ الطَّلَاقِ لَهُنَّ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ مُطْلَقًا كَانَ يَلِيقُ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوَانِعِ الْمَاضِيَةِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي تَقْرِيرِ فَاسِدِ عُقُودِهِمْ إنْ كَانَ هُوَ التَّرْغِيبَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَجْهُ لِلتَّفْرِيقِ إذْ لَا يَزِيدُ الزَّوَاجُ فِي الْعِدَّةِ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْمُقَارِنِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي إذَا وَطِئَ فِي الْكُفْرِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مُجْتَمِعِ الشُّرُوطِ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِحْصَانَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّ إطْلَاقَ الْخِيَارِ فِي حَدِيثِ غَيْلَانَ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ { أَنَسِ

بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمْت وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ أَرْبَعًا بِعَامَّتِهِنَّ } كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَنْكِحَةُ فَاسِدَةً كَمَا قُلْت كَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُفْسِدَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكُفْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ الْمَرْأَةِ وَمُجَرَّدَ رِضَاهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ تَأْثِيرَ الْمُفْسِدَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَكَذَا كَوْنُهَا خَامِسَةً مَفْسَدَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا قَارَنَ الْكُفْرَ اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذَكَرْته مِنْ فَسَادِ الْعُقُودِ بَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَطْ وَهَذَا مُجْمَلٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ غَيْلَانَ وَأَنَسِ بْنِ الْحَارِثِ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقَدَا وَاحِدًا أَوْ أَنَّهُنَّ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ فَأَقَرَّهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَذْهَبًا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنِّي إنَّمَا حَكَمْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهَا أَمْرًا يَقْتَضِي هَذَا الْحُكْمَ لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ إيضَاحُهَا وَإِزَالَةُ اللَّبْسِ عَنْهَا وَزَوَالُ كُلِّ مَا يُوجِبُ وَهْمًا فِيهَا فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُدْرَكَ غَيْرُ عِلْمِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهَا بَلْ الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ صُوَرِ مَنْ يُسْلِمُ كَيْفَ كَانَتْ عُقُودُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ إذْ مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ جَمِيعَ الصُّوَرِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ فَظَهَرَ

أَنَّ الْحَقَّ الْأَبْلَجَ الْقَضَاءُ عَلَى عُقُودِهِمْ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ فَسَادُهَا كَالْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَادِحٌ فِي صِحَّتِهِ إذْ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَافِرَةً لَهَا أَخَوَانِ كَافِرٌ وَمُؤْمِنٌ فَأَرَادَتْ الزَّوَاجَ مَنَعْنَا الْمُسْلِمَ مِنْ تَزْوِيجِهَا وَقُلْنَا لِأَخِيهَا الْكَافِرِ زَوِّجْهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرَةِ بَلْ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فَلَوْ أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ فَاسِدٌ لَقُلْنَا لِهَذِهِ الْكَافِرَةِ لَا سَبِيلَ لَك إلَى الزَّوَاجِ حَتَّى تُسْلِمِي لِأَنَّ الْكُفْرَ أَحَدُ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْك فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ عُقُودِهِمْ .
ا هـ بِتَغْيِيرٍ وَتَوْضِيحٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِمَاءِ فِي مِلْكِ غَيْرِ الزَّوْجِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِنْسَانِ لِإِمَائِهِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَالْمَرْأَةِ لِعَبْدِهَا أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ بِشَرْطِهِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ ) ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فِي الصِّحَّةِ وَلَا السَّكْرَانُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِّ الزَّجْرُ بِمَا يُشَاهِدُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَالْمَذَلَّاتِ وَالْمَهَانَاتِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمِرْآةِ الْعَقْلِ وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الْمَجْبُوبِ وَلَا مَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ ذَلِكَ النَّسَبُ وَلَا يُفِيدُ اللِّعَانُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ عَقْدُ الْبَيْعِ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ بَعِيدُ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ وَيَكْفِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ فَلَا يُشْرَعُ الْبَيْعُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يُشْرَعُ نِكَاحُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ حَاصِلَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ بِالْمِلْكِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعَقْدُ لَهُ فِي أَمَتِهِ ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) مِنْ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ لِإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } وَالِاسْتِرْقَاقُ يَقْتَضِي قَهْرَ السَّادَاتِ وَالْقِيَامَ عَلَى الرَّقِيقِ لِلْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَالِاسْتِيلَاءَ بِالِاسْتِهَانَةِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا لِتَنَاقُضِ آثَارِ الْحُقُوقِ ( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) كُلُّ أَمْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ يُقَدِّمُ الشَّرْعُ أَقْوَاهُمَا عَلَى

أَضْعَفِهِمَا وَكَذَلِكَ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ وَالرِّقُّ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ يُوجِبُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي بَعْضُهَا حِلُّ النِّكَاحِ مَعَ صِحَّةِ الْإِيجَارِ وَالْإِخْدَامِ مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا يَقْتَضِي النِّكَاحُ غَيْرَ إبَاحَةِ الْوَطْءِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَى النِّكَاحِ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ السَّابِقُ لِطُرُوءِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ أَمَتَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْمِلْكُ لِوُرُودِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْمُدْرَكَ لَيْسَ تَقْدِيمَ الطَّارِئِ عَلَى السَّابِقِ بَلْ الْمُدْرَكُ أَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْحَالَتَيْنِ إنْ تَقَدَّمَ قُدِّمَ وَإِنْ تَأَخَّرَ قُدِّمَ فَإِنْ سَبَقَ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَرَأَ أَبْطَلَ وَهَذَا هُوَ أَثَرُ الْقُوَّةِ وَالرُّجْحَانِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَبِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ اجْتِمَاعِ النِّكَاحِ وَالرِّقِّ الْكَائِنِ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا إذَا كَانَ الرِّقُّ لِلزَّوْجَيْنِ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الرَّجُلِ الْإِمَاءَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَالْمَرْأَةِ الْعَبْدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهَا وَقَاعِدَةِ نِكَاحِ الرَّجُلِ الْإِمَاءَ فِي مِلْكِهِ وَالْمَرْأَةِ الْعَبْدَ فِي مِلْكِهَا ) حَيْثُ إنَّ الثَّانِيَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَيُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ بِشَرْطِهِ وَهُوَ فِي الرَّجُلِ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ كَمَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ بِإِطْلَاقٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ تَرْضَى هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا بِذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَمْرَيْنِ أَوَّلُهُمَا مَبْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَثَانِيهِمَا السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ إذَا نَكَحَ الْحُرُّ أَمَةً وَعَدَمِهِ ( أَمَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) أَيْ مَبْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ فَثَلَاثُ قَوَاعِدَ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ ( مِنْهَا ) أَنَّ الْجَانِيَ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ لَا يُحَدُّ حَالَ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِّ الزَّجْرُ بِمَا يُشَاهِدُهُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَالْمُذِلَّاتِ وَالْمَهَانَاتِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمِرْآةِ الْعَقْلِ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ اللِّعَانَ لِنَفْيِ النَّسَبِ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّ الْمَجْبُوبِ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْحَقُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ اللِّعَانُ شَيْئًا ( وَمِنْهَا ) أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يُشْرَعُ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ بَلْ هُوَ بَعِيدٌ ( وَمِنْهَا ) مَا هُنَا

مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ نِكَاحُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ حَاصِلَةٌ بِالْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُحَصِّلُ الْعَقْدُ شَيْئًا ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الِاسْتِرْقَاقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ لِإِصْلَاحِ الْإِحْلَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } وَمُقْتَضَى الِاسْتِرْقَاقِ قِيَامُ السَّادَاتِ عَلَى الرَّقِيقِ بِالْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالِاسْتِهَانَةِ لِلْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَ تَنَاقُضِ آثَارِ الْحُقُوقِ يَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا ( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ يُقَدِّمُ الشَّرْعُ أَقْوَاهُمَا عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَمِنْ ذَلِكَ الرِّقُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْتَضِي مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ صِحَّةَ الْإِيجَارِ وَالْإِخْدَامِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي بَعْضُهَا حِلُّ الْوَطْءِ يَكُونُ أَيْ الرِّقُّ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ إنْ طَرَأَ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَلَا يَبْطُلُ إنْ طَرَأَ النِّكَاحُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ لِيَتَحَقَّقَ أَثَرُ قُوَّتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي حَيْثُ فُسِخَ النِّكَاحُ بِطُرُوِّهِ عَلَيْهِ لِوُرُودِ الْمُنَافِي أَنْ يَبْطُلَ الْمِلْكُ بِطُرُوِّ النِّكَاحِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فَافْهَمْ وَأَمَّا ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَيْ السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ أَمْ لَا فَهُوَ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ } الْآيَةَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ } الْآيَةَ الْأَوْلَى يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحِلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ

( أَحَدُهُمَا ) عَدَمُ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ وَالثَّانِي خَوْفُ الْعَنَتِ وَعُمُومُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ لَكِنْ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَقْوَى هَاهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْعُمُومِ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ إلَى صِفَاتِ الزَّوْجِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ الْأَمْرُ بِإِنْكَاحِهِنَّ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ إرْقَاقِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ .
ا هـ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ مُلَخَّصًا قَالَ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ لَمْ يُجِيزُوا النِّكَاحَ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي فَرَعَيْنَ مَشْهُورَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) هَلْ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ طُولٌ أَوْ لَيْسَتْ بِطُولٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طُولٌ وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَتْ بِطُولٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ ( وَالْفَرْعُ الثَّانِي ) هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ فِيهِ هَذَانِ الشَّرْطَانِ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفَرْعَيْنِ هُوَ أَنَّ خَوْفَ الْعَنَتِ هَلْ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي الْعَزَبِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَزَبًا بَلْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لَوْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَزَبًا أَوْ مُتَأَهِّلًا لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ الْأُولَى حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَانِعَةً مِنْ الْعَنَتِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى حُرَّةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ الْعَنَتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى الْأُولَى وَلَوْ حُرَّةً أَمَةً لِأَنَّ مَعَ هَذِهِ الْحُرَّةِ فِي خَوْفِ الْعَنَتِ كَحَالِهِ قَبْلَهَا وَبِخَاصَّةِ إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْ الْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا لَكِنْ اعْتِبَارُ خَوْفِ الْعَنَتِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَهَلْ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ أَوْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ؟ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إذَا وَجَدَ طَوْلًا بِحُرَّةٍ هَلْ

يُفَارِقُ الْأَمَةَ أَمْ لَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا إذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ خَوْفُ الْعَنَتِ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا .
ا هـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَمْوَالِ ) اعْلَمْ أَنَّ النِّسَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَتَتَصَرَّفَ فِي بُضْعِهَا كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَمْ لَا دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَمْ فَاخِرَةً وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الرَّشِيدَةِ الثَّيِّبِ وَغَيْرِهَا فَيَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْجَبْرِ وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُفَوِّضَ إلَّا لِكَامِلِ الْعَقْلِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهَا وَالْأَمْوَالُ خَسِيسَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَجَازَ تَفْوِيضُهَا لِمَالِكِهَا إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَّا مَالِكُهُ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ الْإِبْضَاعَ يُعْرِضُ لَهَا تَنْفِيذَ الْأَغْرَاضِ فِي تَحْصِيلِ الشَّهَوَاتِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يُبْذَلُ لِأَجْلِهَا عَظِيمُ الْمَالِ وَمِثْلُ هَذَا الْهَوَى يُغَطِّي عَلَى عَقْلِ الْمَرْأَةِ وُجُوهَ الْمَصَالِحِ لِضَعْفِهِ فَتُلْقِي نَفْسَهَا لِأَجْلِ هَوَاهَا فِيمَا يُرْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا فَحُجِرَ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَوَقُّعِ مِثْلِ هَذَا الْهَوَى الْمُفْسِدِ وَلَا يَحْصُلُ فِي الْمَالِ مِثْلُ هَذَا الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ الْقَاهِرَةِ الَّتِي رُبَّمَا حَصَلَ الْجُنُونُ وَذَهَابُ الْعَقْلِ بِسَبَبِ فَوَاتِهَا ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي الْإِبْضَاعِ بِسَبَبِ زَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ حَصَلَ الضَّرَرُ وَتَعَدَّى لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ وَإِذَا حَصَلَ الْفَسَادُ فِي الْمَالِ لَا يَكَادُ يَتَعَدَّى الْمَرْأَةَ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ مَا فِي الْإِبْضَاعِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَرْذَالِ الْأَخِسَّاءِ فَهَذِهِ فُرُوقٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَقَدْ

سُئِلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَقَالَ فِي الْجَوَابِ الْمَرْأَةُ مَحَلُّ الزَّلَلِ وَالْعَارِ إذَا وَقَعَ لَمْ يَزُلْ وَفِي الْفَرْقِ مَسْأَلَتَانِ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً أَوْ سَفِيهَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى { أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } وقَوْله تَعَالَى { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهَا دُونَ الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَأَذِنَ الشَّرْعُ لَهَا فِي ذَلِكَ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّهَا مُتَصَرِّفَةٌ فِي مَالِهَا فَفِي نَفْسِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَمَصْلَحَةُ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ وَالْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا ( وَرَابِعُهَا ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ } وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِالْفَرْقِ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا فَإِنْ قُلْت الزَّوْجُ هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ دُونَ الْمَرْأَةِ قُلْت مُسَلَّمٌ

فَيُحْمَلُ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فَخَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ بِيعُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْوَالِ لَهُنَّ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا } خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ( وَعَنْ الثَّانِي ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ مَا تَقَدَّمَ ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ ( وَعَنْ الرَّابِعِ ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أَصْلِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ } فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرَرٍ كَالْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةً عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ } وَالْغَالِبُ عَلَى الْغَنَمِ السَّوْمُ لَا سِيَّمَا أَغْنَامُ الْحِجَازِ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَكَذَلِكَ هَهُنَا الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا إلَّا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ

بِذَلِكَ فَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ وَلِيًّا عَلَى امْرَأَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تَكُونُ وَلِيَّةً عَلَى عَبِيدِهَا وَمَنْ وُصِّيَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَصَاغِرِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ لِلصَّبِيِّ أَهْلِيَّةَ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالطَّلَاقِ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ لِطَلَبِ الْكَفَاءَةِ الْمُحْتَاجَةِ لِدَقِيقِ النَّظَرِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فِي ذَلِكَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) فِي الْعَفْوِ عَنْ الصَّدَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } أَيْ يَعْفُوَ النِّسَاءُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ فَيَسْقُطُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } قَالَ مَالِكٌ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الزَّوْجُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ صَرِيحًا ( وَثَانِيهِمَا ) أَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَسْلِيطِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيَتِهِ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا

لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلِ أَضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيُفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ بِهَا ثُمَّ الْآيَةُ تَدُلُّ لَنَا مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إثْبَاتُ النِّصْفِ فَعَلَى رَأْيِنَا تَعْفُو الْمَرْأَةُ فَيَسْقُطَ فَتَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَعْفُو الزَّوْجُ فَيَثْبُتَ مَعَ هَذَا النِّصْفُ الَّذِي تَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ بِوُقُوعِ الْإِثْبَاتِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ التَّشْرِيكُ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وقَوْله تَعَالَى { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ الْإِثْبَاتُ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْرِيكُ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا تَنْوِيعٌ لِذَلِكَ الْكَائِنِ إلَى نَوْعَيْنِ وَالتَّنْوِيعُ فَرْعُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْإِعْطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ تَنْوِيعُهُ وَعَلَى رَأْيِنَا الْمُتَنَوِّعُ الْإِسْقَاطُ إلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ وَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ فَكَانَ قَوْلُنَا أَرْجَحَ ( وَرَابِعُهَا ) أَنَّ الْعَفْوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَكُونُ الْتِزَامُ مَا سَقَطَ بِالطَّلَاقِ وَالْتِزَامُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يُسَمَّى عَفْوًا ( وَخَامِسُهَا ) أَنَّ إقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تَعْفُوَ عَمَّا اسْتَحَقَّ لَكُمْ فَلَمَّا عَدَلَ إلَى الظَّاهِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الزَّوَاجِ ( وَسَادِسُهُمَا ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا بِيَدِهِ كَذَا أَيْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ

وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَطْءِ بِالْحِلِّ وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ ( وَسَابِعُهَا ) سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَمَضَى فَهُوَ مَجَازٌ وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ ( وَثَامِنُهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } الرَّشِيدَاتُ إجْمَاعًا إذَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِنَّ لَا يُنَفِّذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهُنَّ فَاَلَّذِي يَحْسُنُ مُقَابَلَتُهُنَّ بِهِنَّ الْمَحْجُورَاتُ عَلَى أَيْدِي الْأَوْلِيَاءِ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَلَا مُنَاسَبَةَ فِيهِمْ لِلرَّشِيدَاتِ ( وَتَاسِعُهَا ) أَنَّ الْخِطَابَ كَانَ مَعَ الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } وَهُوَ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ فَلَوْ كَانُوا مُرَادَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } لَقَالَ أَوْ تَعْفُوَ بِلَفْظِ تَاءِ الْخِطَابِ فَلَمَّا قَالَ { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَهُوَ خِطَابُ غَيْبَةٍ لَزِمَ تَغَيُّرُ الْكَلَامِ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ( وَعَاشِرُهَا ) أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ خِلَافُ الْأَصْلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْمُعَوَّضِ قَابِلًا لِلتَّسْلِيمِ أَمَّا مَعَ تَعَذُّرِهِ فَلَا بِشَهَادَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ كَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ فَإِسْقَاطُ الْأَوْلِيَاءِ النِّصْفَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَتَكْمِيلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْحَقُ الْوَصِيُّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْهُ وَفِي الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْعَفْوُ قَبْلَ

الطَّلَاقِ وَلَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَسُلِّطَ الْأَبُ عَلَيْهِ إذَا رَآهُ نَظَرًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَغَلَبَ حَقُّ الزَّوْجَةِ ( فَائِدَةٌ ) يُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ دَخَلَ عَلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ فَأَنْشَدَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ : مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ مَالِكٍ فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ يَجِدْ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ قَدْ كُنَّ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا وَالْآنَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ بَدَأْنَ بِالْهَمْزِ أَوْ بَدَيْنَ بِالْيَاءِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَقُولُ بَدَيْنَ وَلَا بَدَأْنَ بَلْ بَدَوْنَ فَقَالَ لَهُ أَصَبْت وَقَصَدَ غُرَّتَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ صَدْرَ الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ فِي قَوْلِهِ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ بَدَأْنَ مِثْلَ يُخَبِّئَانِ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا فَخَطَرَ لَهُ أَنَّهُ يَغْتَرُّ بِذَلِكَ فَيَخْطَأُ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ( وَثَانِيهِمَا ) قَصْدُ التَّخْطِئَةِ أَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بَدَوْنَ بِالْوَاوِ لِأَنَّ ضَمِيرَ النِّسْوَةِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَهُوَ الْوَاوُ وَمَا ذَكَرْت هَذِهِ الْأَبْيَاتِ إلَّا لِتَعَلُّقِهَا بِالْآيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } بِالْوَاوِ فَضَعَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَجِيءُ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ كَمَا خَطَرَ لَهُ وَلَيْسَ الْوَاوُ هُنَا ضَمِيرًا بَلْ مِنْ نَفْسِ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عَفَا يَعْفُو بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْأَبْيَاتِ هُوَ مِنْ بَدَا يَبْدُو بِالْوَاوِ وَشَأْنُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الَّذِي هُوَ النُّونُ يُحَقِّقُ آخِرَ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ يَاءً بَقِيَ يَاءً وَإِنْ كَانَ وَاوًا بَقِيَ وَاوًا وَإِنْ كَانَ هَمْزَةً بَقِيَ هَمْزَةً وَأَيَّ حَرْفٍ كَانَ بَقِيَ

عَلَى حَالِهِ مِثَالُ الْيَاءِ قَوْلُك رَمْي يَرْمِي فَنَقُولُ النِّسْوَةُ رَمَيْنَ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ كَقَوْلِك دَعَا يَدْعُو وَالنِّسْوَةُ دَعَوْنَ وَالْهَمْزَةُ نَحْوُ قَرَأَ يَقْرَأُ وَالنِّسْوَةُ قَرَأْنَ فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْفُونَ بِالْوَاوِ وَقَالَ الشَّاعِرُ : بَدَوْنَ لِلنَّاظِرِ وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ الْمَشْهُورِينَ طُرِحَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ فَأَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ فَخَطِئَ وَفِي الْأَبْيَاتِ سُؤَالٌ آخَرُ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَصَدَ شَيْئًا وَهُوَ إخْمَالُ الشَّمَاتَةِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَقْوِيَتَهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ : مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِوَقْعَةِ مَالِكٍ أَوْ بِمَصْرَعِ مَالِكٍ فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ وَذَكَرَ مِنْ حَالِ النِّسْوَةِ مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الشَّمَاتَةِ وَتَحَقُّقَ الْمُصِيبَةِ وَهَتْكِ الْعِيَالِ وَتَهَتُّكِ الْوُجُوهِ وَهَذَا يَزِيدُ الشَّامِتَ شَمَاتَةً ( وَالْجَوَابُ ) عَنْهُ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ مَأْتَمًا وَلَا تَفْعَلُ النِّسْوَةُ هَذَا الْفِعْلَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ ثَأْرِ مَنْ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ بِثَأْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُمَا أَنْ يُقَامَ لَهُ مَأْتَمٌ وَلَا يُبْكَى عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَيُّهَا الشَّامِتُ اُنْظُرْ كَيْفَ حَالُ النِّسْوَةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّا أَخَذْنَا بِثَأْرِهِ وَذَهَبَتْ شَمَاتَةُ الشَّامِتِ بِهِ عِنْدَهُمْ أَوْ خَفَّتْ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ ) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَوْ سَفِيهَةً دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَوْ فَاجِرَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَوْ لَا وَيَجُوزُ لَهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الْجَبْرِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ سَفِيهَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الْبِكْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الثَّيِّبِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا } ا هـ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ خَمْسَةٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ كَمَا يُكْتَفَى بِالرُّشْدِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَذَلِكَ يُكْتَفَى بِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ تَصَرُّفُهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَوْلَى مِنْ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ

) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَضَافَ إلَيْهِنَّ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْفِعْلَ فَقَالَ { أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } وَقَالَ { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي إذْنِ الشَّرْعِ لَهُنَّ فِي الْمُبَاشَرَةِ ( الْوَجْهُ الْخَامِسُ ) أَنَّ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَمَّا مِنْ الْكِتَابِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } فَخَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ بِيعُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْوَالِ لَهُنَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ خِطَابًا لِلْأَزْوَاجِ خِلَافُ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ قَالَ أَنْكِحُوا بِالْهَمْزَةِ وَلَوْ أَرَادَ الْأَزْوَاجَ لَقَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَكَانَتْ الْأَلْفُ لِلْوَصْلِ وَإِنْ كَانَ بِالْهَمْزِ فِي الْأَزْوَاجِ لَهُ وَجْهٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى فَلَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ .
ا هـ قَوْله تَعَالَى { وَلَا

تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَرَأَ { وَلَا تُنْكِحُوا } إلَخْ بِضَمِّ التَّاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ بَدِيعَةٌ وَدَلَالَةٌ صَحِيحَةٌ ا هـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ كَوْنَهُ خِطَابًا لِلْأَوْلِيَاءِ أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِهِ خِطَابًا لِأُولِي الْأَمْرِ لِوَجْهَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَوْلِيَاءِ إذْ السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ ( الثَّانِي ) أَنَّ الضَّرَرَ بِزَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ لِلْأَوْلِيَاءِ لَا وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْهُمْ فَهُمْ أَحَقُّ بِخِطَابِ الْإِرْشَادِ مِنْهُ فَافْهَمْ وقَوْله تَعَالَى { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نَهْيِ قَرَابَةِ الْمَرْأَةِ وَعَصَبَتِهَا مِنْ أَنْ يَمْنَعُوهَا النِّكَاحَ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِيَ أَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي مَنْعِهَا مِنْ النِّكَاحِ عَلَى غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى وَثُبُوتُ حَقٍّ لَهُمْ فِي الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ إذْنِهِمْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَأَمَّا مِنْ السُّنَّةِ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا } خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

( وَعَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي ) بِأَنَّ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبْضَاعِ وَقَاعِدَةِ الْأَمْوَالِ ثَلَاثَةَ فُرُوقٍ ( الْفَرْقُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُفَوَّضَ إلَّا لِكَامِلِ الْعَقْلِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهَا وَالْأَمْوَالُ لَمَّا كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا خَسِيسَةً جَازَ أَنْ نُفَوِّضَ لِمَالِكِهَا إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَى مَالِكُهُ ( وَالْفَرْقُ الثَّانِي ) أَنَّ الْإِبْضَاعَ يَعْرِضُ لَهَا تَنْفِيذُ الْأَغْرَاضِ فِي تَحْصِيلِ الشَّهَوَاتِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يُبْذَلُ لِأَجْلِهَا عَظِيمُ الْمَالِ فَيُغَطِّي مِثْلُ هَذَا الْهَوَى عَلَى عَقْلِ الْمَرْأَةِ لِضَعْفِهِ وُجُوهَ الْمَصَالِحِ فَتُلْقِي نَفْسَهَا لِأَجْلِ هَوَاهَا فِيمَا يُرْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا فَحُجِرَ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَوَقُّعِ مِثْلِ هَذَا الْهَوَى الْمُفِيدِ وَلَا يَحْصُلُ فِي الْمَالِ مِثْلُ ذَلِكَ ( الْفَرْقُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي الْإِبْضَاعِ بِسَبَبِ زَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْمَرْأَةِ تَعَدَّى مِنْهَا لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ وَإِذَا حَصَلَ الْفَسَادُ فِي الْأَمْوَالِ وَحَصَلَ الضَّرَرُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا يَكَادُ يَتَعَدَّاهَا وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ مَا فِي الْإِبْضَاعِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَرَاذِلِ الْأَخِسَّاءِ فَهَذِهِ فُرُوقٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَمِنْ هُنَا لَمَّا سُئِلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا قَالَ فِي الْجَوَابِ الْمَرْأَةُ مَحَلُّ الزَّلَلِ ، وَالْعَارُ إذَا وَقَعَ لَمْ يَزُلْ ، وَعَنْ ( الْوَجْهِ الثَّالِثِ ) بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } إلَخْ النَّهْيُ عَنْ التَّثْرِيبِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا اسْتَبْدَدْنَ بِفِعْلِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِنَّ وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَبِدَّ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْوَلِيِّ إلَّا عَقْدُ النِّكَاحِ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَعْقِدَ النِّكَاحَ وَلِلْأَوْلِيَاءِ

الْفَسْخَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الشَّرْعِ فَالِاحْتِجَاجُ بِهَا عَلَى أَنَّ لَهَا الْعَقْدَ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَائِهَا فَسْخُهُ مُطْلَقًا احْتِجَاجٌ بِبَعْضِ ظَاهِرِ الْآيَةِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَلَيْسَ فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِنَّ اخْتِصَاصُهُنَّ نَعَمْ الْأَصْلُ الِاخْتِصَاصُ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ قَدْ قَامَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ ( وَعَنْ الْوَجْهِ الرَّابِعِ ) بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ بَلْ إنَّمَا يَقُولُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا وَكَوْنُ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ هُوَ الزَّوْجُ دُونَ الْمَرْأَةِ مُسَلَّمٌ إلَّا أَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا كَالْحَمْلِ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقَانِ فَافْهَمْ ( وَعَنْ الْوَجْهِ الْخَامِسِ ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } إلَخْ فَإِنَّ كَوْنَ بِنْتِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حِجْرِ زَوْجِ الْأُمِّ غَالِبٌ عَلَى وُقُوعِ تَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِ الْأُمِّ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِهَا لَهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ فَافْهَمْ أَوْ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ } فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرُورَةِ الْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ

الْفَقْرُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُنَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا فِي الْغَالِبِ لَا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُ قَيْدِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فِي الْحَدِيثِ حُجَّةً إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَأَنَّهُ إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَاحْتِجَاجُ دَاوُد بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ لِقَوْلِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ يُسْتَأْذَنُ وَيَتَوَلَّى الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا الْوَلِيُّ فَبِمَاذَا وَلَيْتَ شِعْرِي تَكُونُ الْأَيِّمُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا لَكِنَّ احْتِجَاجَهُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ الْتِزَامِ الظَّوَاهِرِ إمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَلْتَزِمُهَا فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى ذَلِكَ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي السُّكُوتِ وَالنُّطْقِ فَقَطْ وَيَكُونُ السُّكُوتُ كَافِيًا فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَيِّمُ أَحَقُّ إلَخْ الْأَيِّمُ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا قَطُّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ خَصَّهُ بِالثَّيِّبِ وَالْأَظْهَرُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ { الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } ( وَثَانِيهِمَا ) أَنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ بِدُونِ تَخْصِيصٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا إنْكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَإِنَّمَا

لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهِ مِمَّنْ تَرْضَاهُ وَلَيْسَ لَهَا هِيَ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا نِكَاحًا وَلَا تُبَاشِرُهُ وَلَا أَنْ تَضَعَ نَفْسَهَا عِنْدَ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَا أَنْ تُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَ وَلِيِّهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَقٌّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَوَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ أَنَّهَا إنْ كَرِهَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ بِوَجْهٍ وَإِنْ كَرِهَهُ الْوَلِيُّ وَرَغِبَتْهُ الْأَيِّمُ عُرِضَ عَلَى الْوَلِيِّ الْعَقْدُ فَإِنْ أَبَى عَقَدَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ السُّلْطَانُ فَهَذَا وَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ مِنْ وَلِيِّهَا وَفِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ إلَخْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُرَادُ بِهَا الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا لَا الَّتِي لَهَا أَبٌ وَإِنْ رَوَى زِيَادٌ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وُجُوهٌ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ { وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا } وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامٌ إذَا انْفَرَدَ وَقَوْلُهُ غُلِّبَ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ فَكَيْفَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى خِلَافِهِ ( الثَّانِي ) أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ فِيهِ : وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَوْلَى مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْفَضْلِ لِعِلْمِهِ بِالْمُرَادِ بِهِ كَانَ مَرَّةً يَقُولُ { وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ } وَمَرَّةً يَقُولُ { وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ } وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ { وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ } ( الثَّالِث ) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ { وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ } بِمِثْلِ رِوَايَةِ مَالِكٍ ( الرَّابِعُ ) أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ رِوَايَةِ زِيَادٍ لَحَمَلْنَا عَلَى الْبِكْرِ الْمُعْنِسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ الْمَنْدُوبِ

إلَيْهِ .
ا هـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( وَصْلٌ ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } مَسْأَلَتَانِ مِنْهَا فِقْهِيَّتَانِ الْأُولَى مِنْهُمَا هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ نَحْوِيَّةٌ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَوْله تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } أَيْ يَعْفُوَ النِّسَاءُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ مِنْ الصَّدَاقِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ فَيَسْقُطُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ مَالِكٌ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الزَّوْجُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لُبَابُهَا أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الصَّدَاقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرًا مُجْمَلًا مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَحُمِلَ عَلَى الْمُعْسِرِ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ فِي قَبُولِ الصَّدَاقِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِتَرْكِهِ وَقَالَ أَيْضًا { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَأَتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } إلَى آخِرِهَا فَنَهَى اللَّهُ الزَّوْجَ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَى الْمَرْأَةَ إنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا ( الثَّانِي ) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ صَرِيحًا ( الثَّالِثُ ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي هِبَةِ مَالِ آخَرَ فَضْلٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيهَا يَهَبُهُ الْمُفَضَّلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ

يَقْتَضِي عَدَمَ تَسَلُّطِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيَتِهِ ( الرَّابِعُ ) أَنَّ عَفَا كَمَا يُقَالُ بِمَعْنَى أَسْقَطَ كَذَلِكَ يُقَالُ بِمَعْنَى بَذَلَ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَيَيْهِ أَبْلُغُ وَأَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي إحْدَاهُمَا لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ شَبَهَ اسْتِخْدَامٍ وَلِأَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ مَا وَجَبَ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إبْقَاءً لِلْمُرُوءَةِ وَاتِّقَاءً فِي الدِّيَانَةِ قَائِلَةً لَمْ يَنَلْ مِنِّي شَيْئًا وَلَا أَدْرَكَ مَا بَذَلَ فِيهِ هَذَا الْمَالَ كَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَنَا أَتْرُكُ الْمَالَ لَهَا لِأَنِّي قَدْ نِلْت الْحِلَّ وَابْتَذَلْتهَا بِالطَّلَاقِ فَتَرْكُهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَخْلَصُ مِنْ اللَّائِمَةِ ( وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَنَّ جَعْلَ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اسْتَشْهَدُوا بِهِمَا تَفْسِيرًا لِمُجْمَلِ هَذِهِ الْآيَةِ ضَعِيفٌ يُسْقِطُ حُكْمَ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ جَعْلِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ وَهَذِهِ الْآيَةَ لِبَيَانِ حُكْمِ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلِيَّ فِيهَا عَنْ الزَّوْجِ بِمَعْنَى يَخُصُّهُ فَكَنَّى عَنْهُ كِنَايَةً مُسْتَحْسَنَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى { الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَتَمُّ فِي الْمَعْنَى وَأَجْمَعُ لِلْفَوَائِدِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَجِيءَ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا مُبَيِّنَةً وَالْفَوَائِدُ الثَّلَاثَةُ مُعْتَبَرَةٌ ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلٍ إضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ

فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ بِهَا وَالْإِفْضَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ بِمَالِ أَحَدٍ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى بَذْلِ مَا تَمْلِكُهُ يَدُهُ أَمَّا الْإِفْضَالُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ مَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فَهَذَا نَافِذٌ لِأَنَّهُ نَظِيرُ تَفَضُّلِهِ عَلَى الزَّوْجِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نُفُوذِهِ ( وَعَنْ الرَّابِعِ ) بِأَنَّ مَجِيءَ الْعَفْوِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَوْفَى فِي الْمَعْنَى مِنْ مَجِيئِهِ بِمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ أَحَدِ الْعَافِيَيْنِ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَأَمَّا نَدْبُ الزَّوْجِ إلَى إعْطَاءِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرُوا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ مَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يَهَبُ ( وَثَانِيهِمَا ) أَنْ يَعُودَ عَلَى الْوَلِيِّ وَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يُسْقِطُ لَكِنْ مَنْ جَعَلَهُ الزَّوْجَ فَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا زَائِدًا فِي الْآيَةِ أَيْ شَرْعًا زَائِدًا لِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرْعِ وَمَنْ جَعَلَهُ الْوَلِيَّ فَقَدْ زَادَ شَرْعًا فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ الْآيَةَ أَظْهَرُ فِي الْوَلِيِّ مِنْهَا فِي الزَّوْجِ وَذَلِكَ شَيْءٌ يَعْسُرُ قُلْت قَالَ الْأَصْلُ الْآيَةُ تَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إثْبَاتُ النِّصْفِ فَعَلَى رَأْيِنَا تَعْفُو الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا فَيَسْقُطُ فَتَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَعْفُو الزَّوْجُ فَيَثْبُتُ مَعَ هَذِهِ النِّصْفُ الَّذِي تَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَطَّرِدُ

الْقَاعِدَةُ بِوُقُوعِ الْإِثْبَاتِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ أَوْ التَّشْرِيكِ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وقَوْله تَعَالَى { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ الْإِثْبَاتُ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْرِيكُ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ ( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا تَنْوِيعٌ لِذَلِكَ الْكَائِنِ إلَى نَوْعَيْنِ وَالتَّنْوِيعُ فَرْعُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْإِعْطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ تَنْوِيعُهُ وَعَلَى رَأْيِنَا الْمُتَنَوِّعُ إلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ وَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ هُوَ مُطْلَقُ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ قَوْلُنَا أَرْجَحَ ( وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّ الْعَفْوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَكُونُ مَعَ صَدَقَةٍ عَلَى الْتِزَامِ مَا وَجَبَ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا صَادِقًا عَلَى الْتِزَامِ مَا سَقَطَ بِالطَّلَاقِ ، وَالْتِزَامُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يُسَمَّى عَفْوًا ( وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ ) أَنَّ إقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ عَمَّا اسْتَحَقَّ لَكُمْ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } كَانَ مَعَ الْأَزْوَاجِ فَلَمَّا عَدَلَ الظَّاهِرُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا عَلِمْت ( وَالْوَجْهُ السَّادِسُ ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا بِيَدِهِ كَذَا أَيْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَطْءِ بِالْحِلِّ وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ ( وَالْوَجْهُ السَّابِعُ ) سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ

لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَمَضَى فَهُوَ مَجَازٌ وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ ( وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ ) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } الرَّشِيدَاتُ إجْمَاعًا إذْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِنَّ لَا يُنْفِذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهُنَّ فَاَلَّذِي يُحْسِنُ مُقَابِلَتَهُنَّ بِالْمَحْجُورَاتِ عَلَى أَيْدِي الْأَوْلِيَاءِ إلَّا بِالْأَزْوَاجِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِمْ لِلرَّشِيدَاتِ ( وَالْوَجْهُ التَّاسِعُ ) أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ خِلَافُ الْأَصْلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْعِوَضِ قَابِلًا لِلتَّسْلِيمِ أَمَّا مَعَ تَعَذُّرِهِ فَلَا بِشَهَادَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمُتْعَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ فَإِسْقَاطُ الْأَوْلِيَاءِ النِّصْفَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَتَكْمِيلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُلْحَقُ الْوَصِيُّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْهُ وَفِي الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا يُعَدُّ الدُّخُولُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَسُلِّطَ الْأَبُ عَلَيْهِ إذَا رَآهُ نَظَرًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِتَعْيِينِ الِاسْتِحْقَاقِ فَغَلَبَ حَقُّ الزَّوْجِيَّةِ فَالْحُكْمُ هُنَا كَمَا خُصَّ عُمُومٌ فِي قَوْله تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالصَّغِيرَةِ وَالْمَحْجُورَةِ كَذَلِكَ خُصَّ عِنْدَنَا بِالْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ لِكَمَالِ نَظَرِهِمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الصَّغِيرَةَ وَالْمَحْجُورَةَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَهَبَ مِنْ صَدَاقِهَا النِّصْفَ الْوَاجِبَ

لَهَا وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ تَهَبَ مَعَهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } .
ا هـ فَافْهَمْ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَأَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مَعَ زِيَادَةٍ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى صِحَّةِ هِبَةِ الْمُشَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لِلْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ نِصْفَ الصَّدَاقِ فَعَفْوُهَا لِلرَّجُلِ عَنْ جَمِيعِهِ كَعَفْوِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مُشَاعٍ وَمَقْسُومٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ عُمُومُ الْآيَةِ وَأَرَادَ عُلَمَاءُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ الِانْفِصَالَ عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا بَيَّنَ تَكْمِيلًا ثَبَتَ بِنَفْسِ الْعَفْوِ دُونَ شَرْطِ قَبْضِ ذَلِكَ فِي عَفْوِ الْمَرْأَةِ فَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَكْمُلُ الْعَفْوُ فِيهِ إلَّا بِقَبْضٍ مُتَّصِلٍ بِهِ أَوْ قَبْضٍ قَائِمٍ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ وَلَئِنْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى عَقْدِ شَرْطِ زِيَادَةِ الْقَبْضِ فَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ إلَّا تَمَامَهُ وَتَمَامُهُ بِالْقِسْمَةِ فَآلَ الِاخْتِلَافُ إلَى كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ لَكِنَّ هَذَا الِانْفِصَالَ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْهِبَةِ الْقَبْضَ فَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَرَى ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا الِانْفِصَالُ مَعَنَا فَإِنَّ نَفْسَ الْعَفْوِ مِمَّنْ عَفَا يَخْلُصُ مِلْكًا لِمَنْ عُفِيَ لَهُ وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا مَعَهُمْ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْآيَةَ بِمُطْلَقِهَا تُفِيدُ صِحَّةَ هِبَةِ الْمُشَاعِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُشَاعًا ، وَافْتِقَارُ الْهِبَةِ إلَى الْقَبْضِ نَظَرٌ آخَرُ يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ يَخُصُّ تِلْكَ النَّازِلَةَ فَمُشْتَرِطُ الْقِسْمَةِ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ وَلَمْ يَجِدُوهُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى الْمَبْنِيِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُهُ وَلَيْسَ التَّمْيِيزُ مِنْ الْقَبْضِ أَصْلًا فِي وَرْدٍ وَلَا صَدْرٍ فَصَحَّ تَعَلُّقُنَا بِالْآيَةِ وَعُمُومِهَا وَسَلِمَتْ مِنْ

تَشْغِيلِهِمْ ا هـ بِتَصَرُّفٍ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) ضَعَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاءِ { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } بِالْوَاوِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَجِيءُ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ كَمَا خَطَرَ لَهُ إذْ الْوَاوُ هُنَا لَيْسَ ضَمِيرًا وَإِلَّا لَحَذَفَ النَّاصِبُ النُّونَ بَلْ الضَّمِيرُ النُّونُ ، وَالْوَاوُ لَامُ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عَفَا يَعْفُو بِالْوَاوِ وَشَأْنُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الَّذِي هُوَ النُّونُ وَكَذَا كُلُّ ضَمِيرٍ بَارِزٍ أَنْ يَلْحَقَ آخِرَ الْفِعْلِ عَلَى حَالِهِ الْأَصْلِيِّ أَيُّ حَرْفٍ كَانَ فَيُبْقِيهِ فِي نَحْوِ رَمَى يَرْمِي يَاءً تَقُولُ النِّسْوَةُ رَمَيْنَ وَأَنَا قَضَيْت وَفِي نَحْوِ دَعَا يَدْعُو وَاوًا تَقُولُ النِّسْوَةُ دَعَوْنَ وَأَنَا عَفَوْت وَفِي نَحْوِ قَرَأَ يَقْرَأُ هَمْزَةً تَقُولُ النِّسْوَةُ قَرَأْنَ وَأَنَا أَبْرَأْت وَهَكَذَا فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } بِالْوَاوِ وَقَالَ الشَّاعِرُ : مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ مَالِكٍ فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ يَجِدْ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ قَدْ كُنَّ يُخْبِئْنَ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا وَالْآنَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ فَمِنْ هُنَا رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ لَمَّا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ وَأَنْشَدَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ قَالَ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ بَدَأْنَ بِالْهَمْزِ وَبَدَيْنَ بِالْيَاءِ مَرِيدًا غُرَّتَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَدْرَ الْبَيْتِ يُخْبِئْنَ الْوُجُوهَ بِالْهَمْزِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ بَدَأْنَ مِثْلُ يُخْبِئْنَ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْفَاعِلِ عَلَى الْمُذَكِّرِ لَا ضَمِيرَ النِّسْوَةِ فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ نَطَقَ بِالصَّوَابِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَقُولُ بَدَيْنَ وَلَا بَدَأْنَ بَلْ بَدَوْنَ فَقَالَ لَهُ أَصَبْت وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ الْمَشْهُورِينَ طُرِحْت عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ فَأَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ فَأَخْطَأَ وَفِي الْأَبْيَاتِ سُؤَالٌ آخَرُ عَنْ مُشْكِلٍ مِنْ

جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ كَيْفَ يَقْصِدُ إخْمَالَ الشَّمَاتَةِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَقْوِيَتَهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ : مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِوَقْعَةِ مَالِكٍ أَوْ بِمَصْرَعِ مَالِكٍ فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارٍ وَذَكَرَ مِنْ حَالِ النِّسْوَةِ مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الشَّمَاتَةِ وَتَحْقِيقَ الْمُصِيبَةِ وَهَتْكَ الْعِيَالِ وَتَهَتُّكَ الْوُجُوهِ وَهَذَا يَزِيدُ الشَّامِتَ شَمَاتَةً وَجَوَابُهُ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ مَأْتَمًا وَلَا تَفْعَلُ النِّسْوَةُ هَذَا الْفِعْلَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ ثَأْرِ مَنْ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ بِثَأْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَامَ لَهُ مَأْتَمٌ وَلَا يُبْكَى عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَيُّهَا الشَّامِتُ اُنْظُرْ كَيْفَ حَالُ النِّسْوَةِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّا أَخَذْنَا بِثَأْرِهِ وَذَهَبَتْ شَمَاتَةُ الشَّامِتِ بِهِ عِنْدَهُمْ أَوْ خَفَّتْ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ تَتَقَرَّرُ بِالْعُقُودِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّدَقَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ لَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْعُقُودِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ ) وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ( أَحَدُهَا ) عَدَمُ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ ( وَثَانِيهَا ) التَّقَرُّرُ مُطْلَقًا وَالطَّلَاقُ مُشَطَّرٌ ( وَثَالِثُهَا ) النِّصْفُ يَتَقَرَّرُ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ حَتَّى يَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ أَوْ يَثْبُتَ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَأَمَّا أَثْمَانُ الْبَيْعَانِ فَلَمْ أَعْلَمْ فِيهَا خِلَافًا وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَشَأْنُ الشَّرْطِ أَنْ يَتَعَيَّنَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ وَلَيْسَ النَّاسُ يَقْصِدُونَ بِالصَّدَاقِ الْمُعَاوَضَةَ بَلْ التَّجَمُّلُ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ أَيْضًا لَمْ يُرِدْ الْمُعَاوَضَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شُرُوطَ الْإِعْرَاضِ مِنْ نَفْيِ الْجَهَالَةِ لِلْمَرْأَةِ بَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَجْهُولَةِ مُطْلَقًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِتَحْدِيدِ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا وَذَلِكَ وَشَبَهُهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْمُعَاوَضَةِ بَلْ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ إلَّا عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا اُلْتُزِمَ إلَى أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمُرًا وَلَيْسَ الْوَطْأَةُ الْأُولَى هِيَ مُقَابَلَةُ الصَّدَاقِ بِالْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَ الْعُقَلَاءِ بِالصَّدَاقِ بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ جَعَلَهُ شَرْطًا لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ بِعَدَمِ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ دُخُولٍ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْوَاضِ وُجُوبُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فَيَجِبُ الْجَمِيعُ بِالْعَقْدِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ

عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّتِهِ لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } فَرَتَّبَ النِّصْفَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبَهُ فَيَجِبُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً وَيَبْقَى التَّكْمِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ الدُّخُولُ فَهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ تَتَقَرَّرُ بِالْعُقُودِ بِلَا خِلَافٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّدَقَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ لَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْعُقُودِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ ) وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا التَّقَرُّرُ مُطْلَقًا وَالطَّلَاقُ مُشَطَّرٌ وَثَانِيهِمَا النِّصْفُ يَتَقَرَّرُ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ حَتَّى يَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ أَوْ يَثْبُتَ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ ( فَالنَّظَرُ هُنَا ) فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الصَّدَاقِ وَالْأَمْرُ الثَّانِي سَبَبُ الْخِلَافِ وَالْأَمْرُ الثَّالِثُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ ( أَمَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) فَهُوَ أَنَّ الْمَشْهُورَ لَاحِظْ أَنَّ الصَّدَاقَ شَرْطٌ فِي الْإِبَاحَةِ لَا عِوَضٌ عَنْ الْوَطْأَةِ الْأُولَى لِوَجْهَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ النَّاسَ لَا يَقْصِدُونَ بِهِ الْمُعَاوَضَةَ بَلْ التَّحَمُّلَ بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ أَنَّ الْعُقَلَاءَ لَا يَقْصِدُونَ الْوَطْأَةَ الْأُولَى بِالصَّدَاقِ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَيْضًا لَمْ يُرِدْ الْمُعَاوَضَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شُرُوطَ الْأَعْوَاضِ مِنْ نَفْيِ الْجَهَالَةِ لِلْمَرْأَةِ بَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَجْهُولَةِ مُطْلَقًا وَلَا نَعْرِضُ لِتَحْدِيدِ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا وَذَلِكَ وَشَبَهُهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ صَاحِبِ الشَّرْعِ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطًا لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَقَاعِدَةُ الشَّرْطِ أَنْ يَتَعَيَّنَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَشْهُورِ بِعَدَمِ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا إلَّا بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا الْتَزَمَ إلَى أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمْرًا أَوْ بِالْفِرَاقِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَالثَّمَنِ ( وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي ) فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ يُعَارِضُهَا قَاعِدَتَانِ أُخْرَيَانِ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْوَاضِ وُجُوبُهَا

بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ يَجِبُ الْجَمِيعُ بِالْعَقْدِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ ( وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبِيبَتِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } فَرَتَّبَ النِّصْفَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبُهُ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ يَجِبُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً وَيَبْقَى التَّكْمِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ الدُّخُولُ كَذَا فِي الْأَصْلِ ( وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ مَا يَعْرِضُ لِلصَّدَاقِ مِنْ التَّغْيِيرَاتِ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَلَفًا لِلْكُلِّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً وَنَقْصًا مَعًا وَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ بِتَفْوِيتٍ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ أَوْ يَكُونَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فِي مَنَافِعِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا أَوْ فِيمَا تَتَجَهَّزُ بِهِ إلَى زَوْجِهَا فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُمَا فِي التَّلَفِ وَفِي الزِّيَادَةِ وَفِي النُّقْصَانِ شَرِيكَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي النُّقْصَانِ وَالتَّلَفِ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الزِّيَادَةِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : هَلْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا أَوْ لَا تَمْلِكُهُ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا قَالَ هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ مَا لَمْ تَتَعَدَّ فَتُدْخِلُهُ فِي مَنَافِعِهَا وَمَنْ قَالَ تَمْلِكُهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَالتَّشْطِيرُ حَقٌّ وَاجِبٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ أَوْجَبَ الرُّجُوعَ

عَلَيْهَا بِجَمِيعِ مَا ذَهَبَ عِنْدَهَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا إذَا صَرَفَتْهُ فِي مَنَافِعِهَا ضَامِنَةً لِلنِّصْفِ وَاخْتَلَفُوا إذَا اشْتَرَتْ بِهِ مَا يُصْلِحُهَا لِلْجِهَازِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْهُ أَمْ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَقَالَ مَالِكٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ الصَّدَاقُ ا هـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ جَمَعُوا أَسْمَاءَ الْعُقُودِ الَّتِي لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ فِي قَوْلِك جَصَّ مُشْنِقٌ فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَحْصِيلِ حِكْمَتِهَا فِي مُسَبَّبَاتِهَا بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِالِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ فَكُلُّ عَقْدَيْنِ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ لَا يَجْمَعُهُمَا عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ الْعُقُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ لِلُّزُومِ الْجَهَالَةِ فِي عَمَلِ الْجَعَالَةِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْبَيْعَ وَالْإِجَازَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَفْيِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ لَهُ وَذَلِكَ مُوَفَّقٌ لِلْبَيْعِ وَلَا يَجْتَمِعُ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ لِتَضَادِّهِمَا فِي الْمُكَايَسَةِ فِي الْعِوَضِ الْمُعَوَّضِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي النِّكَاحِ وَالْمُشَاحَّةِ فِي الْبَيْعِ فَحَصَلَ التَّضَادُّ ، وَالصَّرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّشْدِيدِ وَامْتِنَاعِ الْخِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ وَأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ فَضَادَّ الْبَيْعُ الصَّرْفَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْقِرَاضُ فِيهِمَا الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ كَالْجَعَالَةِ وَذَلِكَ مُضَادٌّ لِلْبَيْعِ وَالشَّرِكَةُ فِيهَا صَرْفُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَهُوَ صَرْفٌ غَيْرُ نَاجِزٍ وَفِي الشَّرِكَةِ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ وَالْبَيْعُ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ وَمَا لَا تَضَادَّ فِيهِ يَجُوزُ جَمْعُهُ مَعَ الْبَيْعِ فَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ مِنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ ) مِنْ الْعُقُودِ السِّتَّةِ الَّتِي رَمَزَ الْفُقَهَاءُ لَهَا بِقَوْلِهِمْ جِصّ مُشْنِق فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَحْصِيلِ حِكْمَتِهَا فِي مُسَبَّبَاتِهَا الْمُتَنَافِيَةِ بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ لِأَنَّ تَنَافِيَ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ السِّتَّةِ يُضَادُّ الْبَيْعَ فَلِذَا اخْتَصَّتْ فِي الْمَشْهُورِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَعَ الْبَيْعِ عَقْدٌ وَاحِدٌ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ كَمَا لَا يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ بِزِيَادَةِ الْقَرْضِ فَكَذَلِكَ لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِافْتِرَاقِ أَحْكَامِهَا قَالَ وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ : عُقُودٌ مَنَعْنَا اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ لِكَوْنِ مَعَانِيهَا مَعًا تَتَفَرَّقُ فَجُعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شَرِكَةٌ نِكَاحٌ قِرَاضٌ قَرْضٌ بَيْعٌ مُحَقَّقُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ نَاجِي وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّرْدِيرُ فِي شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ ، لَك أَنْ تَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ : فَهَذِي عُقُودٌ سَبْعَةٌ قَدْ عَلِمْتهَا وَيَجْمَعُهَا فِي الرَّمْزِ جبص مُشْنِق .
ا هـ وَأَشَارَ بِالْبَاءِ فِي جَبْصِ لِلْبَيْعِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُبْدِلَهَا بِقَافٍ بِأَنْ يَقُولَ جَقْصٌ لِتَكُونَ إشَارَةً لِلْقَرْضِ وَتَكُونَ السَّبْعَةُ الْمَرْمُوزُ لَهَا هِيَ مَا عَدَا الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي يَمْتَنِعُ جَمْعُهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مَعَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِتَضَادِّ أَحْكَامِهَا

أَمَّا تَضَادُّ الْجَعَالَةِ لِلْبَيْعِ فَمِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْجَهَالَةِ فِي عَمَلِهَا وَلُزُومِ عَدَمِهَا فِي عَمَلِهِ وَأَمَّا تَضَادُّ النِّكَاحِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمُسَامَحَةِ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ فَتَجُوزُ فِيهِ الْمُكَايَسَةُ فِي الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ بِالْمُسَامَحَةِ وَيَكُونُ حَاصِلُ الصُّوَرِ الْعَقْلِيَّةِ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ مِنْ ضَرْبِ ثَمَانِيَةٍ فِي مِثْلِهَا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَالْبَاقِي ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ لِأَنَّك تَأْخُذُ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ يَبْلُغُ ذَلِكَ الْعَدَدَ فَلْيُفْهَمْ .
وَأَمَّا تَضَادُّ الصَّرْفِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ بِنَاءِ الصَّرْفِ عَلَى التَّشْدِيدِ وَامْتِنَاعِ الْخِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ وَأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ وَأَمَّا تَضَادُّ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِمَا الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ كَالْجَعَالَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَأَمَّا تَضَادُّ الشَّرِكَةِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ وَفِي الشَّرِكَةِ مُخَالَفَةُ الْأُصُولِ وَأَمَّا تَضَادُّ الْقِرَاضِ لَهُ فَلِقَوْلِ الْخَرَشِيِّ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْغِرْيَانِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّصْدِيقِ إذَا وَقَعَ فِي الْقَرْضِ الْفَسْخُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْبَيْعِ لِأَجَلٍ عَدَمُ الْفَسْخِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِهَا .
ا هـ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْجَحَ فِي الْقَرْضِ الْفَسْخُ إذَا وَقَعَ التَّصْدِيقُ فِي الْمُقْرَضِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي الْبَيْعِ لِأَجَلٍ الْأَرْجَحُ عَدَمُهُ إذَا وَقَعَ التَّصْدِيقُ فِي الْمَبِيعِ وَمِمَّا ذُكِرَ يُعْلَمُ وَجْهُ تَضَادِّ أَحْكَامِ كُلٍّ مِمَّا عَدَا الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَحْكَامِ الْآخَرِ مِنْهَا نَعَمْ الْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ اتِّحَادُهَا فِي جَوَازِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ أَبْوَابِهَا أَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ وَلَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِلَفْظِ سَاقَيْت وَعِنْدَ سَحْنُونٍ

إلَّا بِهِ وَبِلَفْظِ آجَرْت أَوْ عَامَلْت دُونَ لَفْظِ شَرِكَةٍ أَوْ بَيْعٍ بِخِلَافِهِمَا وَأَنَّ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ شُرُوطًا غَيْرَ شُرُوطِ صِحَّةِ الْجَعَالَةِ فَافْهَمْ وَأَمَّا نَحْوُ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مِمَّا يُمَاثِلُ الْبَيْعَ فِي الْأَحْكَامِ وَالشُّرُوطِ وَلَا يُضَادُّهُ فِيهِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ كَمَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ التَّنَافِي فَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ( وَصْلٌ ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَتُوَضِّحُهُ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ الرَّهُونِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ ثَالِثُهَا بِقَيْدِ التَّبَعِيَّةِ لِأَشْهَبَ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ جَوَازُ بَيْعِ مِائَةِ ثَوْبٍ كُلُّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَسَمَاعُ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ صَرْفٌ وَبَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَالْمَشْهُورُ ثُمَّ قَالَ فَفِي تَبَعِيَّةِ الصَّرْفِ بِكَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِينَارًا فَأَقَلَّ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الصَّقَلِّيِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ ا هـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
ا هـ وَقُدِّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ .
ا هـ أَيْ لَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَمَعَهُمَا احْتَوَى عَلَى أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ حَرَّمَهُ قَالَ وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ ثُمَّ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَلَمَّا ذُكِرَ فِي التُّحْفَةِ مَنْعُ اجْتِمَاعِ السِّتَّةِ الَّتِي فِي الْمَوَّاقِ وَالْحَطَّابِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ الْبَيْعِ أَيْ وَفِي الْأَصْلِ وَهِيَ الرُّمُوزُ لَهَا بِقَوْلِهِمْ جِصّ مُشْنِق

قَالَ .
وَأَشْهَبُ الْجَوَازُ عَنْهُ مَاضٍ قَالَ : قَالَ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِهَا مَا نَصُّهُ وَمُفَادُ النَّاظِمِ أَنَّ خِلَافَهُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُهُ وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
ا هـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ قُلْت وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَطَّابِ هُوَ كَذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ مَنْصُوصٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي ابْنِ نَاجِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِهَا إلَّا أَنَّ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ الْخِلَافُ بِالتَّخْرِيجِ خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ا هـ بِلَفْظِهِ .
وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَيْعِ وَالْجُعْلَ وَفِي كِتَابِ الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ الِاخْتِلَافُ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَيُخْتَلَفُ فِي الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
ا هـ كَلَامُ الرَّهُونِيُّ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَلَفُوا أَيْ الْفُقَهَاءُ إذَا اقْتَرَنَ بِالْمَهْرِ بَيْعٌ مِثْلُ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ عَبْدًا وَيَدْفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْ الصَّدَاقِ وَعَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَا يُسَمِّي الثَّمَنَ مِنْ الصَّدَاقِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَرَّقَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَيْعِ رُبْعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ جَازَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَرَّةً قَالَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ أَمْ لَيْسَ بِشَبِيهٍ فَمَنْ شَبَّهَهُ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ مَنَعَهُ وَمَنْ جَوَّزَ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْجَهْلِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ قَالَ يَجُوزُ ا هـ بِلَفْظِهَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ )

قَالَ كَنُونِ وَأَوْلَى مِنْ مَنْعِ بَيْعٍ وَصَرْفٍ مَنْعِ بَيْعٍ وَبَدَلٍ وَكَمَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ لَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ كَذَلِكَ يُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِرْهَمًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَيْ خَلِيلٍ وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ أَيْ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ وَسَكًّا وَاتَّحَدَتْ وَعَرَفَ الْوَزْنَ وَانْتَقَدَ الْجَمِيعَ ا هـ بِتَوْضِيحٍ وَقَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ وَمِنْ الْجُعْلِ الْمُفَارَسَةُ .
ا هـ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ كنون وَقَوْلُ الزَّرْقَانِيِّ وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُهَا مَعَ الصَّرْفِ وَأَمَّا مَعَ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ وَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ مِنْ الْمَنْعِ مَرْدُودٌ عَقْلًا وَنَقْلًا اُنْظُرْ الْأَصْلَ أَيْ الرَّهُونِيِّ حَيْثُ قَالَ أَمَّا نَقْلًا فَلِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَلَّمَ فُسْطَاطِيَّةً فِي فُسْطَاطِيَّتَيْنِ مِثْلِهَا إحْدَاهُمَا مُعَجَّلَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَجَّلَةٌ جَعَلَ الْمُعَجَّلَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَجَّلَةِ وَالْمُؤَجَّلَةَ هِبَةً .
ا هـ وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَمُؤَخَّرٌ فِقْهًا مُسَلَّمًا وَفِي الْمُفِيدِ أَثْنَاءَ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ بَاعَ دَارًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ مَا نَصُّهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يَنْبَغِي عِنْدِي إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَرَفًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى النَّفَقَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ إنَّمَا هُوَ كَهِبَةٍ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ جَائِزَةٌ فَإِذَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهَا وَكَذَلِكَ هُنَا .
ا هـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَأَمَّا مَعْنًى أَيْ عَقْلًا فَإِنَّ الْهِبَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْبَيْعِ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ تَسْمِيَةٍ فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَشْتَرِي مِنْك دَارَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَهَبَنِي ثَوْبَك فَفَعَلَ فَالدَّارُ وَالثَّوْبُ مَبِيعَانِ مَعًا بِمِائَةٍ وَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَبِيعُك دَارِي بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَهَبَنِي ثَوْبَك فَالدَّارُ مَبِيعَةٌ بِالْمِائَةِ وَالثَّوْبِ ، وَالتَّسْمِيَةُ لَا

أَثَرَ لَهُ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوَاضِعَ شَاهِدٌ لِذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهَا فِي كِتَابِ الْغَرَرِ وَمَنْ قَالَ أَبِيعُك سُكْنَى دَارِي سَنَةً فَذَلِكَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ كِرَاءٌ صَحِيحٌ .
ا هـ وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَلَوْ صَرَفْت مِنْهُ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِهَا مِنْهُ سَمْنًا أَوْ زَيْتًا نَقْدًا وَمُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى أَنْ تَنِضَّهَا ثُمَّ تَشْتَرِيَ بِهَا هَذِهِ السِّلْعَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَجَعْت بِدِينَارِك لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالسِّلْعَةِ وَاللَّفْظُ لَغْوٌ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ مَالِكٌ إلَى فِعْلِهِمَا لَا إلَى قَوْلِهِمَا وَلَيْسَ هَذَا مَنْ يَتَعَيَّنُ فِي بَيْعَةِ ا هـ مِنْهَا بِلَفْظِهَا وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِيهِ أَيْضًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ مُعَجَّلًا بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ وَالدِّينَارَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا إلَى شَهْرَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قُبْحِ كَلَامِهِمَا إذَا صَحَّ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يُنْظَرُ إلَى حَقِّ كَلَامِهِمَا إذَا قَبُحَ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا .
ا هـ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُوَافِقَةِ لِهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ عَيْنُ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَيَكْفِي فِي رَدِّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الشَّبْرَاخِيتِيُّ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمُحَابَاةِ اُنْظُرْ نُصُوصَهُمْ فِيمَا يَأْتِي آخِرَ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
ا هـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ تَوَسَّعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ مَالِكٌ الْبَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ كُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ وَقَعَ التَّشْدِيدُ فِيهَا فِي اشْتِرَاطِ الصِّيَغِ حَتَّى لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ وُجِدَ لِمَالِكٍ الْقَوْلُ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْيِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ إنْ قَصْدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ فَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ زَوِّجْنِي فَقَالَ فَعَلْت أَوْ زَوَّجْتُك فَقَالَ لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيْ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًى فِي الْعَادَةِ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجَوَازُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَتُقَاسُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ بِكُلِّ لَفْظٍ يَفْهَمُ

الْمُتَنَاكِحَانِ مَقْصُودَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُوَّانِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } وقَوْله تَعَالَى { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلْ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ الْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِحْلَالِ وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجَوَّزَ الْجَوَابَ مِنْ الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ فَعَلْت فَهَذِهِ نُصُوصُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهَا لَمْ يَقُلْ فِيهَا أَحَدٌ بِالْمُعَاطَاةِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ إمَّا مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزْوِيجٌ لَا زِنًى وَسِفَاحٌ وَالْبَيْعُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ فِيهِ شَرْطًا جَوَّزُوا فِيهِ الْمُنَاوَلَةَ ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ شُدِّدَ فِيهِ وَكَثُرَتْ شُرُوطُهُ وَبَالَغَ إبْعَادَهُ إلَّا لِسَبَبٍ قَوِيٍّ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَرَفْعًا لِقَدْرِهِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُلُوكِ فِي الْعَوَائِدِ وَلِذَلِكَ إنَّ الْمَرْأَةَ النَّفِيسَةَ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا وَنَسَبِهَا لَا يُوصَلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَهْرِ الْكَثِيرِ وَالتَّوَسُّلِ الْعَظِيمِ وَكَذَلِكَ الْمَنَاصِبُ الْجَلِيلَةُ وَالرُّتَبُ الْعَلِيَّةُ فِي الْعَادَةِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَمَّا كَانَا رُءُوسَ الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ

الْمُتْلَفَاتِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِمَا فَاشْتَرَطَ الْمُسَاوَاةَ وَالتَّنَاجُزَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْبَيْعِ فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامُ لَمَّا كَانَ قِوَامَ بِنْيَةِ الْإِنْسَانِ مَنَعَ بَيْعَهُ نَسِيئَةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السِّلَعِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ عَظِيمُ الْخَطَرِ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُفَضَّلِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَسَبَبُ الْعَفَافِ الْحَاسِمِ لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَسَبَبُ الْمَوَدَّةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَالسُّكُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ فَلِذَلِكَ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ فَاشْتَرَطَ الصَّدَاقَ وَالشَّهَادَةَ وَالْوَلِيَّ وَخُصُوصَ الْأَلْفَاظِ دُونَهُ الْبَيْعُ ( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَإِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ فَلَهُ سَبَبٌ يَجِبُ تَلَقِّيه مِنْ السَّمْعِ فَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ الْمَذْهَبِ ( الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ ) الشَّرْعُ قَدْ يُنَصِّبُ خُصُوصَ الشَّيْءِ سَبَبًا كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَوُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ وَالْعُدْوَانُ سَبَبُ الْقِصَاصِ وَقَدْ يُنَصِّبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ سَبَبًا وَيَبْغِي خُصُوصَاتِهَا كَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى انْطِلَاقِ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ الرَّجُلِ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ الْمَنْصُوبِ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى الزِّنَى أَوْ اللِّوَاطِ وَأَلْفَاظُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ الْمَنْصُوبُ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِ الرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالنِّكَاحُ عِنْدَنَا عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ

مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فَيَتَعَيَّنُ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ ) يَحْتَاطُ الشَّرْعُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ الْمَفْسَدَةُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ يُعَارِضُهَا وَيَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ بِأَيْسَرِ الْأَسْبَابِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلِذَلِكَ حَرُمَتْ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ وَلَا تَحِلُّ الْمَبْتُوتَةُ إلَّا بِعَقْدٍ وَوَطْءٍ حَلَالٍ وَطَلَاقٍ وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ عَقْدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَاتِ وَإِنْ بَعُدَتْ حَتَّى أَوْقَعَهُ مَالِكٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحِلِّ فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ وَلَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ بَلْ بِمَا فِيهِ قُرْبٌ مِنْ مَقْصُودِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ بِجَمِيعِ الصِّيَغِ وَالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَى بِنَقْلِ الْمَالِكِ فِي الْعَرْضَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى تُمْلَكَ بِخِلَافِ النِّسَاءِ الْأَصْلُ فِيهِنَّ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَيْهِنَّ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلِعُمُومِ الْحَاجَةِ لِلْبَيْعِ وَلِقُصُورِهِ فِي الِاحْتِيَاطِ عَنْ الْفُرُوجِ فَإِذَا أَحَطْت بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ ظَهَرَ لَك سَبَبُ اخْتِلَافِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَنَشَأَتْ لَك الْفُرُوقُ وَالْحِكَمُ وَالتَّعَالِيلُ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ تَوَسَّعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ الْبَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَزَادُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالُوا : كُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ نَعَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَكْفِي الْمُعَاطَاةُ دُونَ قَوْلٍ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ وَوَقَعَ التَّشْدِيدُ فِيهَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّيَغِ فِيهِ حَتَّى لَا يُعْلَمَ أَنَّهُ وُجِدَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِ أَلْبَتَّةَ ) وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِخُصُوصِ لَفْظِهِمَا فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ غَيْرَ الْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِحْلَالِ وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجَوَّزَ الْجَوَابَ مِنْ الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ فَعَلْت وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ إلَى الثَّانِي فَقَالَا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ كَمَا فِي الْقَبَسِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي

التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ .
وَقَالَ الْأَصْحَابُ إنْ قَصَدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ فَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ زَوِّجْنِي فَقَالَ فَعَلْت أَوْ زَوَّجْتُك فَقَالَ لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيْ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًى فِي الْعَادَةِ أَيْضًا وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَمْرَانِ ( الْأَوَّلُ ) تَعَارُضُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } وقَوْله تَعَالَى { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } لَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا إلَّا لَفْظَ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } وَزِدْ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ فَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا لَفْظُهُمَا وَالْحَدِيثُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلْ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) تَعَارُضُ قَاعِدَتَيْنِ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَإِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ فَلَهُ سَبَبٌ يَجِبُ تَلَقِّيهِ مِنْ السَّمْعِ فَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) الشَّرْعُ قَدْ يُنَصِّبُ خُصُوصَ الشَّيْءِ سَبَبًا كَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ وَقَدْ يُنَصَّبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ سَبَبًا وَيُلْغِي خُصُوصَاتِهَا كَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى انْطِلَاقِ

الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ الرَّجُلِ وَأَلْفَاظِ الْقَذْفِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى الزِّنَى أَوْ اللِّوَاطِ وَأَلْفَاظِ الدُّخُولِ فِي السَّلَامِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِ الرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ فَعَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالنِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَنَا عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فَيَتَعَيَّنُ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةِ النِّكَاحِ عَلَى هَذَا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ يَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزْوِيجٌ لَا زِنًى وَسِفَاحٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ إمَّا مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ كَمَا قَالَ الثَّلَاثَةُ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ إلَخْ وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ فَلِذَا جَوَّزُوا فِيهِ الْمُنَاوَلَةَ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ النِّكَاحَ عَظِيمُ الْخَطَرِ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُفَضَّلِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ قَالَ تَعَالَى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } وَسَبَبٌ لِلْعَفَافِ الْحَاسِمِ لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَسَبَبٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَالسُّكُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ شُدِّدَ فِيهِ وَكَثُرَتْ شُرُوطُهُ وَبُولِغَ فِي أَبْعَادِهِ إلَّا لِسَبَبٍ قَوِيٍّ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَرَفْعًا لِقَدْرِهِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُلُوكِ فِي الْعَوَائِدِ

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ النَّفِيسَةَ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا وَنَسَبِهَا لَا يُوصَلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَهْرِ الْكَثِيرِ وَالتَّوَسُّلِ الْعَظِيمِ وَأَنَّ الْمَنَاصِبَ الْجَلِيلَةَ وَالرُّتَبَ الْعَلِيَّةَ كَذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَمَّا كَانَ رُءُوسَ الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِمَا فَاشْتِرَاطُ الْمُسَاوَاةِ وَالتَّنَاجُزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْبَيْعِ فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ وَأَنَّ الطَّعَامَ لَمَّا كَانَ قِوَامَ بِنْيَةِ الْإِنْسَانِ مَنَعَ الشَّرْعُ بَيْعَهُ نَسِيئَةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السِّلَعِ فَلِذَلِكَ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِي النِّكَاحِ فَاشْتَرَطَ الصَّدَاقَ وَالشَّهَادَةَ وَالْوَلِيَّ وَخُصُوصَ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْبَيْعِ ( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى تُمْلَكَ وَالْأَصْلُ فِي النِّسَاءِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَيْهِنَّ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ ( وَالْقَاعِدَةُ ) أَنَّ الشَّرْعَ يَحْتَاطُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ الْمَفْسَدَةُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ يُعَارِضُهَا وَيَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ بِأَيْسَرِ الْأَسْبَابِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ حَرُمَتْ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ إبَاحَةٍ إلَى حُرْمَةٍ وَأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِعَقْدٍ وَوَطْءٍ حَلَالٍ وَطَلَاقٍ وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ عِدَدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ وَأَنَّا أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَاتِ وَإِنْ بَعُدَتْ حَتَّى أَوْقَعَهُ مَالِكٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحُرْمَةِ فَيَكْفِي

فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ بَلْ بِمَا فِيهِ قُرْبٌ مِنْ مَقْصُودِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ بِجَمِيعِ الصِّيَغِ وَالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَى بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحُرْمَةِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِقُصُورِهِ فِي الِاحْتِيَاطِ عَنْ الْفُرُوجِ ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلْإِنْسَانِ عَنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَلِبَاسٍ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ( وَالْقَاعِدَةُ ) فِي الْمِلَّةِ السَّمْحَةِ تَخْفِيفٌ فِي كُلِّ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَالتَّشْدِيدُ فِيمَا لَمْ تَعُمَّ الْبَلْوَى بِهِ كَمَا وَضَّحْت ذَلِكَ فِي رِسَالَتِي شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ فَإِذَا أَحَطْت بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ عِلْمًا ظَهَرَ لَك سَبَبُ اخْتِلَافِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَنَشَأَتْ لَك الْفُرُوقُ وَالْحِكَمُ وَالتَّعَالِيلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ يُنْظَرُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ لَا يُنْظَرُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْسِرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ بِطَلَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ لَهَا الْإِنْفَاقُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } فَهَهُنَا أَوْلَى لِأَنَّ بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَقِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لَا تَطْلُقُ بِهَا إجْمَاعًا وَلِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يُوجِبُ بَيْعَهَا وَلَا خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَمْ نُلْزِمْهُ النَّفَقَةَ مَعَ الْعُسْرَةِ وَهُوَ نَظِيرُ الْإِلْزَامِ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِرَفْعِ ضَرَرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ إطْلَاقُهَا لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ النَّفَقَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ الثَّالِثِ إنْ وَقَعَ الضَّرَرُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ تَزْوِيجُهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ مُتَعَذِّرٌ هَهُنَا فَيَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَقْصِدَ إذَا كَانَ لَهُ وَسِيلَتَانِ فَأَكْثَرَ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَيْنًا بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا كَالْجَامِعِ إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ مُسْتَوِيَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَجِبُ سُلُوكُ أَحَدِهِمَا عَيْنًا بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الْمُتَيَسِّرَيْنِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ تَعَدَّتْ أَسْبَابُ زَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ خُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ وَفِي الزَّوْجَاتِ اتَّحَدَتْ الْوَسِيلَةُ وَسَبَبُ الْخُرُوجِ عَنْ الضَّرَرِ فَأُمِرَ بِهِ عَيْنًا وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا

خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الْوَلَدُ إلَى مَنْ تَدَعُنِي } وَقَوْلُهُ { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَالْإِمْسَاكُ عَلَى الْجُوعِ وَالْعُرْيِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَتَعَيَّنُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ يُنْظَرُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ لَا يُنْظَرُ ) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ بَلْ يُفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ بِطَلَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ لَهَا الْإِنْفَاقُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أُمُورٌ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) اسْتِصْحَابُ الْحَالِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تَنْحَلُّ إلَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَا بِالْقِيَاسِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } فَهَاهُنَا أَوْلَى لِأَنَّ بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) أَنَّ النَّفَقَةَ كَمَا لَا يُطَلَّقُ بِهَا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي إجْمَاعًا كَذَلِكَ لَا يُطَلَّقُ بِهَا بِهَا فِي الْحَالِ ( الْأَمْرُ الرَّابِعُ ) أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ فِي الْحَالِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ كَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَطْلِيقَ الزَّوْجَةِ وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا أُمُورٌ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) أَنَّا لَمْ نَقُلْ بِحَلِّ الْعِصْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْإِجْمَاعِ عَنْ الْمُعْسِرِ بِالْإِنْفَاقِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ عَلَى الْجُوعِ وَالْعُرْيِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَتَعَيَّنُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَمَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ

تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الْوَلَدُ إلَى مَنْ تَدَعُنِي } وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو الزِّنَادِ لِسَعِيدٍ : سُنَّةً ؟ قَالَ سَعِيدٌ : سُنَّةٌ ا هـ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّا إنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِرَفْعِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَهُوَ إطْلَاقُهَا لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَلَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ مَعَ الْعُسْرَةِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ إنْظَارَ الْمُعْسِرِ ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الضَّرَرَ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ شَبَهُهُ بِالضَّرَرِ الْوَاقِعِ مِنْ الْعُنَّةِ وَالتَّطْلِيقِ عَلَى الْعِنِّينِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ بَلْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنَّهُ إجْمَاعٌ ( الْأَمْرُ الرَّابِعُ ) أَنَّ النَّفَقَةَ قَالُوا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّاشِزَ لَا نَفَقَةَ لَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ النَّفَقَةَ سَقَطَ الِاسْتِمْتَاعُ فَوَجَبَ الْخِيَارُ ( الْأَمْرُ الْخَامِسُ ) الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَفْصِدَ إذَا اتَّحَدَتْ وَسِيلَتُهُ أُمِرَ بِهِ عَيْنًا وَإِذَا تَعَدَّدَتْ بِأَنْ كَانَ لَهُ وَسِيلَتَانِ فَأَكْثَرَ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَيْنًا ( وَلِمُتَعَدِّدِ الْوَسِيلَةِ ) فِي الشَّرِيعَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ( مِنْهَا ) رَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ بَيْعِهَا طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ تَزْوِيجُهَا ( وَمِنْهَا ) الْجَامِعُ يَكُونُ لَهُ طَرِيقَانِ مُسْتَوِيَانِ لَا يَجِبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُلُوكُ إحْدَاهُمَا عَيْنًا بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ( وَمِنْهَا ) السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ يَتَيَسَّرُ فِيهِ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا ( وَلِمُتَّحِدِ ) الْوَسِيلَةِ فِي الشَّرِيعَةِ

أَيْضًا فُرُوعٌ ( مِنْهَا ) زَوَالُ الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجَاتِ الْوَاقِعِ مِنْ ذَلِكَ اتَّحَدَتْ وَسِيلَتُهُ أَيْ سَبَبُ الْخُرُوجِ عَنْ ضَرَرِ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَهُوَ التَّطْلِيقُ فَأُمِرَ بِهِ عَيْنًا هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَبِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ( مَسْأَلَةٌ ) كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ كَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي قَدْرِ التَّلَوُّمِ لَهُ فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَقِيلَ سَنَةٌ وَقِيلَ سَنَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ غَرِيمُ الْغُرَمَاءِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُؤْخَذُ بِالنَّفَقَةِ وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَهْرَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَغْلِيبُ شَبَهِ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْ تَغْلِيبُ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ الْوَطْءِ تَشْبِيهًا بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ .
ا هـ بِلَفْظِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيس الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِهِ وَإِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي آخِرِ الصَّدَاقِ خُيِّرَتْ عَلَى التَّرَاخِي بَيْنَ الْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ أَيْ تَأْجِيلٍ ثَلَاثًا خِلَافًا لِابْنِ الْبَنَّاءِ وَبَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ عَلَى النِّكَاحِ ا هـ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُمْ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ ) اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ لِأَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ خَاصَّةً وَأَوْجَبَهَا الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَعْضٌ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ تَرْكُهُمَا بِالْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْبُخَارِيِّ يَقُولُ لَك وَلَدُك إلَى مَنْ تَكِلُنِي الْحَدِيثَ وَأَبُ الْأَبِ أَبٌ وَأُمُّ الْأُمِّ أُمٌّ وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } وَأَجْمَعْنَا عَلَى تَخْصِيصِ مَنْ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوَّلًا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ مِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلَمْ تَسْحَقْهُ الْجَدَّةُ وَحَجَبَ الْإِخْوَةَ بِالْأَبِ وَلَمْ يَحْجُبْهُمْ بِالْجَدِّ وَأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَهَا السُّدُسُ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ بِخِلَافِ بِنْتِ الصُّلْبِ مَعَ أُخْتِهَا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ حَقِيقَةً لَزِمَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى السَّوَاءِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّوَائِفَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَالِاقْتِصَارِ

عَلَيْهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِهَا ثُمَّ اللَّازِمُ هُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَمْ لَا وَنَحْنُ الْمَجَازُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا نَعْدِلُ بِاللَّفْظِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ قَطْعًا فَهَهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ لُغَةً وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ .
وَهُوَ فَرْقٌ جَلِيٌّ جِدًّا وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِمَا هُوَ حَقٌّ لِذَوِي الْقُرْبَى وَالنِّزَاعُ فِي النَّفَقَةِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لَهُمْ أَمْ لَا فَلَا نُسَلِّمُ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لَهَا حِينَئِذٍ فَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ مُطْلَقٌ فِيمَا هُمْ فِيهِ أَوْلَى فَإِنَّ لَفْظَ أَوْلَى نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَذَلِكَ لَا عُمُومَ فِيهِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمُعَاوَضَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِنَصْرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَالْإِحْسَانِ إلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالنُّصْرَةِ إجْمَاعًا وَإِذَا أَجَمَعَ عَلَى إعْمَالِ الْمُطْلَقِ فِي صُورَةٍ وَأَنَّهَا مُرَادَةٌ مِنْ النَّصِّ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إجْمَاعًا إذْ لَوْ عُدِّيَ حُكْمُهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى لَكَانَ عَامًّا لَا مُطْلَقًا وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهَذَا خَلْفٌ وَكَمَا يَمْتَنِعُ جَعْلُ الْعَامِّ مُطْلَقًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَمْتَنِعُ جَعْلُ الْمُطْلَقِ عَامًّا بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ صِحَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا .

قَالَ ( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُمْ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ إلَى قَوْلِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَمُسْتَنَدِهَا وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ( وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوَّلًا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِهَا ) قُلْت لَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مُرَادِهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَمَا مَعَهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ إلَّا مَجَازًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِعَكْسِ دَعْوَاهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَيْنَ وَغَيْرَهُمْ لَكِنْ وَقَعَ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَلَى الْأَدْنَيْنَ فَيَحْتَاجُ إذْ ذَاكَ إلَى قَرِينَةٍ تَخُصُّهَا بِالْأَدْنَيْنَ أَوْ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَجَازَ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا .
قَالَ ( ثُمَّ اللَّازِمُ هُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَمْ لَا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَهُوَ فَرْقٌ جَلِيٌّ جِدًّا ) قُلْت مَا قَالَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى أَنَّ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِغَيْرِ الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ احْتِمَالُ عَكْسِ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَوْ سُلِّمَ لَهُ أَنْ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِغَيْرِ الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُسَلَّمٌ صَحِيحٌ قَالَ ( فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ صِحَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ

الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا ) قُلْت لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَوَقَعَ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَلَى الْأَدْنَيْنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ الْأَدْنَيْنَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُمْ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ ) لَا تَجِبُ لَهُمْ النَّفَقَةُ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِيجَابِهَا لِكُلٍّ مَنْ هُوَ بَعْضٌ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادُ وَإِنْ سَفَلُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا إذْ لَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ تَرْكُهُمَا بِالْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَمِنْ الْمَعْرُوفِ قِيَامٌ بِكِفَايَتِهِمَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْبُخَارِيِّ يَقُولُ لَك وَلَدُك إلَى مَنْ تَكِلُنِي الْحَدِيثَ وَأَبُ الْأَبِ أَبٌ وَأُمُّ الْأُمِّ أُمٌّ وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيس الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِهِ مِنْ الْمَتْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا وَنَفَقَةُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ فَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إكْمَالُ مَا عَجَزُوا عَنْ إكْمَالِهَا حَتَّى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا وَوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ حَلَالٍ إذَا كَانُوا أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فُقَرَاءَ ا هـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحْرَمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } وَأَجْمَعْنَا عَلَى تَخْصِيصِ مَنْ

لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } .
( وَسَبَبُ ) الِاخْتِلَافِ ( أَمَّا أَوَّلًا ) فَهُوَ أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ كَمَا حَكَاهُ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَكَذَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا كَسْبَ لَهُمْ وَلَا مَالَ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْأَبِ لِمَا سَبَقَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ هَلْ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَحِينَئِذٍ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَنْ الْأَدْنَيْنَ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَجَازَ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَوْ لَا تَتَنَاوَلُ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلَمْ تَسْتَحِقَّهُ الْجَدَّةُ وَحُجِبَ الْإِخْوَةُ بِالْأَبِ وَلَمْ يَحْجُبْهُمْ بِالْجَدِّ وَأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَهَا السُّدُسُ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ مَعَ أُخْتِهَا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ حَقِيقَةً لَزِمَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى السَّوَاءِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّوَائِفَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَيَلْزَمُهُ هُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَمْ لَا وَنَحْنُ فِي الْمَجَازِ الْمُجْمَعِ عَلَى جَوَازِهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا نَعْدِلُ بِاللَّفْظِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ قَطْعًا فَهَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا مِنْ

جِهَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ بِلُغَةٍ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِذَوِي الْقُرْبَى فَيَتَنَاوَلُهَا لَفْظُ الْحَقِّ فِي الْآيَةِ أَمْ لَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا ثَالِثًا فَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ أَوْلَى فِي الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ فِيمَا ذَوُو الْأَرْحَامِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِنْ الْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْإِحْسَانِ إلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالنُّصْرَةِ إجْمَاعًا فَهَلْ يَمْتَنِعُ جَعْلُهُ عَامًّا بِأَنْ يُعَدَّى حُكْمُهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ دَلِيلٍ كَمَا يَمْتَنِعُ جَعْلُ الْعَامِّ مُطْلَقًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ لَا يَمْتَنِعُ .
قَالَ الْأَصْلُ فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ أَيْ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ صِحَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ أَيْضًا بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ وَقَعَ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَلَى الْأَدْنَيْنَ فَيَحْتَاجُ هَذَا الْمَجَازُ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَمَا مَعَهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ إلَّا مَجَازًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا وَهُمَا زَوْجَانِ أَوْ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لِلْمَرْأَةِ بِمَا هُوَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَا هُوَ شَأْنُ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ فَيُقَدَّمُ لِأَجْلِ الْيَدِ وَوَافَقَ مَالِكًا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْفُقَهَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ كَسَائِرِ الْمُدَّعِينَ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ إذَا تَدَاعَيَا آلَةَ الْعِطْرِ أَوْ الصَّبْغِ فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ آلَةَ الْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ وَآلَةَ الصَّبْغِ لِلصَّبَّاغِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ يَحْلِفُ مَنْ قُضِيَ لَهُ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ مَا عُرِفَ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا كَانَ شَأْنُ الرِّجَالِ وَشَأْنُ النِّسَاءِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْيَدِ وَمَا وَلِيَ الرَّجُلُ شِرَاءَهُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَخَذَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا اشْتَرَاهُ إلَّا لَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْتِ نَفْسِهِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ وَلِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ نَحْوُ الْعِمَامَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ الْمَرْأَةُ إرْثَهُ فَيَحْلِفَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا

يَكْفِي أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ هَذَا لِي لِأَنَّهُ مَتَاعُ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ هَذَا مِلْكِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَوْ تَنَازَعَا فِي رِدَاءٍ فَقَالَ هُوَ لَهَا إلَّا الْكَتَّانَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته فَقَالَ أَصْبَغُ لَهُ بِقَدْرِ كِتَابِهِ وَلَهَا بِقَدْرِ عَمَلِهَا لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ هَذَا تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ فَنَقُولُ لَنَا قَوْله تَعَالَى { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } فَكُلُّ مَا شَهِدَ بِهِ الْعَادَةُ قُضِيَ بِهِ لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَادَةِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ الْتَزَمَ التَّسْوِيَةَ أَيْضًا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ وَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْقِيَاسُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ التَّسْوِيَةِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَعَذَّرُ لِأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَمَدَا ذَلِكَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُنَافَرَةِ وَعَدَمِ الْوِدَادِ بَيْنَهُمَا وَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الطَّلَاقِ وَالْقَطِيعَةِ فَهُمَا مَعْذُورَانِ فِي عَدَمِ الْإِشْهَادِ وَمُلْجَآنِ إلَيْهِ وَإِذَا أُلْجِئَ لِعَدَمِ إشْهَادٍ فَلَمْ يُقْضَ بَيْنَهُمَا بِالْعَادَةِ لَا نَسُدُّ الْبَابَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ إذَا كَانَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ لَا ضَرُورَةً تَدْعُوهُمَا لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ فَإِنَّهُمَا أَجْنَبِيَّانِ لَا يَتَأَلَّمَانِ مِنْ ضَبْطِ أَمْوَالِهِمَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَا فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ تَدَاعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَنَقُولُ الْفَرْقُ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِلْمُلَابَسَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ فَسَلَكَ بِهِمَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي إثْبَاتِ أَمْوَالِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِمُلَابَسَةِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَجَرَيَا عَلَى قَاعِدَةِ الدَّعْوَى وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى مِنْ الزَّوْجَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ .
وَجَوَابُهُ أَنَّ قَاعِدَةَ الْمُدَّعِي هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ فَالْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْمَطْلُوبُ الْمُنْكَرُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْمُدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةِ قَوْلِهِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ لَا يَرُدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعِي عَدَمَ قَبْضِهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا ضَابِطُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مُقْنِعَةً وَشَبَهَهَا كَانَ قَوْلُهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ .
وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مُدَّعَى عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْمُتَدَاعِيَانِ امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالصَّلَاحِيَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَيُؤَكِّدُ أَنَّ حُكْمَ الْيَدِ لَا يَسْقُطُ بِالصَّلَاحِيَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ خَلْخَالٌ فَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلْخَالُ لَا يَصْلُحُ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمَرْأَةِ سَيْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهَا لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا إذَا كَانَا فِي الدَّارِ وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ

لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ( وَالْجَوَابُ ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِخَلْخَالٍ وَأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ يَتَجَاذَبَانِهِ قَضَيْنَا بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَوْ تَجَاذَبَا سَيْفًا كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِيَدِ ثَالِثٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمُسْتَنَدَ عِنْدَنَا الْيَدُ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ فَإِنْ قَالُوا مَا ذَكَرْتُمُوهُ يَبْطُلُ بِأَنَّ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ مَعَ أَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ فَقَدْ نَقَضْتُمْ أَصْلَكُمْ وَرَجَّحْتُمْ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَإِنَّ الْيَدَ مُشْتَرَكَةٌ .
وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاحِيَةِ مَنْفِيٌّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُلْنَا بَلْ يَدُ الزَّوْجِ أَقْوَى وَهُوَ الْمُرَجَّحُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ حَوْزِهِ وَالدَّارَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا وَأَنْ يُجِيرَهَا وَأَنْ يَخْدُمَهَا فَالدَّارُ هِيَ مِنْ قِبَلِهِ كَحَوْزِ امْرَأَتِهِ فَلِذَلِكَ قُضِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُتَدَاعَيَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ وَالْآخَرُ لَا يَدَ لَهُ قَالُوا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الظَّاهِرِ إنَّمَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ فَإِنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالْحُلِيُّ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ النِّسَاءُ وَنِزَاعُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِعَارِضٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَصْدَقَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ وَقَدْ يَمْلِكُ الرِّجَالُ مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ قُلْنَا الظَّاهِرُ فِيمَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ أَنَّهُ

مِلْكُهُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَغَيْرُهُ نَادِرٌ وَإِذَا دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي دَارٍ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَظَاهِرِ الْيَدِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنَّهُ قَالَ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرِّجَالِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِهِ هُوَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ كَقَوْلِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَدَاعَيَاهُ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا مُشَاهَدَةً قُسِّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا إذَا كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ يَسْكُنَانِ مَعًا فَتَدَاعَيَا شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لَهُ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَطَّارُ وَالدَّبَّاغُ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَتَنَاقَضَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُوَافِقًا لَنَا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَطَرِيقَتُهُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَدَاعَيَا شَيْئًا فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فَهُوَ لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَا دَارًا وَاحِدَةً وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنَّ سُلْطَانَهُ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْمَوْتِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أَرْجَحَ فِيمَا تَدَّعِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَارِثَ شَأْنُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ لَهُ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ لَهُ بِدَلِيلِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ( تَفْرِيعٌ ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَيُقْضَى لَهَا بِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاحِيَةِ الْحُلِيُّ وَثِيَابُ النِّسَاءِ وَجَمِيعُ الْجِهَازِ مِنْ الطَّسْتِ وَالْمَنَارَةِ وَالثِّيَابِ وَالْقَبْقَابِ وَالْبُسُطِ

وَالْوَسَائِدِ وَالْمَرَافِقِ وَالْعُرُشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الَّذِي يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ السِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ الْفِضَّةُ وَثِيَابُ الرَّجُلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا كَالدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَالرَّقِيقِ وَأَمَّا أَصْنَافُ الْمَاشِيَةِ فَلِمَنْ حَازَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ مَا فِي الْمَرَابِطِ مِنْ خَيْلٍ أَوْ بِغَالٍ أَوْ حَمِيرٍ فَلِمَنْ حَازَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُصْرُ كَالدَّارِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ لِلزَّوْجَةِ وَقَالَ مَالِكٌ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَخْذُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ .
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ عَلَيْهِ يَدٌ مُشَاهَدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ فَالْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ أَنْ يَكُونَا قَابِضَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ فَيَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِهِ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ الْكُلُّ سَوَاءٌ وَهَذَا أَصْلٌ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ وَاخْتَلَفَ الْقَاضِي وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ وَكَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا أَوْ مُشَاهَدَةً أَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ

رُمْحًا وَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ دُمْلُجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَجَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ قَالَ فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ
قَالَ ( الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إلَى قَوْلِهِ هَذَا تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ ) قُلْت لَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ( وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ ) قُلْت فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَتَمَسُّكُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ ظَاهِرٌ وَجَوَابُ الْمَالِكِيَّةِ بِتَفْسِيرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فَسَرُّوا لَا بَأْسَ بِهِ وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ الْيَدَ لَهُمَا أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الرَّجُلَ جَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ دَرَكٌ لَا يَخْفَى وَبِالْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ مَحَلُّ نَظَرٍ

( الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ) عِنْدَ مَالِكٍ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ نَعَمْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِي بَعْضِ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا فَتَرَقَّبْ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ قَالَ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ كَسَائِرِ الْمُدَّعِينَ مُحْتَجًّا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى مِنْ الزَّوْجَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) الْقِيَاسُ عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَكَمَا أَنَّهُمَا إذَا تَدَاعَيَا آلَةَ الْعِطْرِ وَالصَّبْغِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ آلَةَ الْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ وَآلَةَ الصَّبْغِ لِلصَّبَّاغِ كَذَلِكَ هَاهُنَا ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) أَنَّ حُكْمَ الْيَدِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالصَّلَاحِيَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ خَلْخَالٌ فَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلْخَالُ لَا يَصْلُحُ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ كَانَ بِيَدِهَا سَيْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهَا لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهَا عَلَيْهِ فَالزَّوْجَانِ إذَا كَانَا فِي

الدَّارِ وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ .
وَوَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ إمَّا عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ خِلَافَ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ مَثَلًا الْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءُ الذِّمَّةِ وَالْمَطْلُوبُ الْمُنْكَرُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ لِمَا عَلِمْت وَالْمُدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ هُوَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ لَا يَرُدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعِي عَدِمَ قَبْضَهَا لِكَوْنِ قَوْلِهِ عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ مُقَنَّعَةً وَشِبْهَهَا كَانَ قَوْلُهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مُدَّعَى عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا تَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَتَمَسُّكُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ ظَاهِرٌ وَجَوَابُ الْمَالِكِيَّةِ بِتَفْسِيرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فَسَرُّوا بِهِ لَا بَأْسَ بِهِ .
ا هـ ( وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ ) عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْتِزَامِ مُسَاوَاةِ مَسْأَلَةِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ لِمَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ فِي تَقْدِيمِ مَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْعَادَةُ قُضِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنًا وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَادَةَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّسْوِيَةِ

بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْفَارِقِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إمَّا مَعَ كَوْنِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ تَدَاعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِلْمُلَابَسَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ فَسَلَكَ بِهِمَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي إثْبَاتِ أَمْوَالِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِمُلَابَسَةِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَجَرَيَا عَلَى قَاعِدَةِ الدَّعَاوَى وَأَمَّا مَعَ كَوْنِهِمَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَهُوَ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَعَذَّرُ لِأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَمَدَا ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُنَافَرَةِ وَعَدَمِ الْوِدَادِ بَيْنَهُمَا وَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الطَّلَاقِ وَالْقَطِيعَةِ فَهُمَا مَعْذُورَانِ فِي عَدَمِ الْإِشْهَادِ كَالْغِفَارَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُقْضَ بَيْنَهُمَا مَعَ ذَلِكَ الْإِلْجَاءِ بِالْعَادَةِ لَاسْتَدَّ الْبَابُ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ إذَا كَانَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُوهُمَا لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ لِكَوْنِهِمَا أَجْنَبِيَّيْنِ لَا يَتَأَلَّمَانِ مِنْ ضَبْطِ أَمْوَالِهِمَا بِذَلِكَ ( وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ ) عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ .
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ عِنْدَنَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَمْرَانِ : الْيَدُ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِخَلْخَالٍ وَأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا يَتَجَاذَبَانِهِ بِهِ قَضَيْنَا بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَوْ تَجَاذَبَا سَيْفًا كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْمُسْتَنَدُ فِيمَا إذَا كَانَ بِيَدِ ثَالِثٍ الصَّلَاحِيَةُ فَقَطْ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ عَلَيْهِ يَدٌ وَقَوْلُنَا مَا يَصْلُحُ لِلزَّوْجَيْنِ يَكُونُ لِلزَّوْجِ مَعَ أَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَيْهِ لَيْسَ

نَقْضًا لَا سَلْبًا وَلَا تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْيَدِ مُشْتَرَكَةً بَلْ هُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِنَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِمُرَجِّحٍ لِأَنَّ يَدَ الزَّوْجِ أَقْوَى وَهُوَ الْمُرَجَّحُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ حَوْزِهِ وَالدَّارَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا وَأَنْ يَجْبُرَهَا وَأَنْ يَخْدُمَهَا فَالدَّارُ هِيَ مِنْ قِبَلِهِ كَحَوْزِ امْرَأَتِهِ فَلِذَلِكَ قُضِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُدَاعِيَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ دُونَ الْآخَرِ وَكَوْنُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ إنَّمَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ فَإِنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ الرِّجَالُ ، وَالْحُلِيَّ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ النِّسَاءُ ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِعَارِضٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَنَكَحَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ وَقَدْ يَمْلِكُ الرِّجَالُ مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَيَنْدُرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَإِذَا دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْغَالِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي دَارٍ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَظَاهِرِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ الْيَدَ لَهُمَا أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الرَّجُلَ حَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ دَرَكٌ لَا يَخْفَى وَبِالْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ مَحَلُّ نَظَرٍ ا هـ بِلَفْظٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( وَصْلٌ ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا وَهُمَا زَوْجَانِ أَوْ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قُضِيَ

لِلْمَرْأَةِ بِمَا هُوَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَا هُوَ شَأْنُ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ فَيُقَدَّمُ لِأَجْلِ الْيَدِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ هَذَا لِي لِأَنَّهُ مَتَاعُ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ هَذَا مِلْكِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَوْ تَنَازَعَا فِي رِدَاءٍ فَقَالَ هُوَ لَهَا إلَّا الْكَتَّانَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته فَقَالَ أَصْبَغُ لَهُ بِقَدْرِ كَتَّانِهِ ، وَلَهَا لِأَنَّهُ بِقَدْرِ عَمَلِهَا لَوْ ادَّعَاهُ صَدَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ مَالِكٌ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَخَذَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ نَحْوُ الْعِمَامَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ تَدَّعِي الْمَرْأَةُ إرْثَهُ فَيَحْلِفُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ لَهَا عَلَيْهِ يَدٌ مُشَاهَدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ فَالْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ أَنْ يَكُونَا قَابِضَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ فَيَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ

وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ وَهَذَا الْأَصْلُ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ وَاخْتَلَفَ الْقَاضِي وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ وَكَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا أَوْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ رُمْحًا وَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ دُمْلُجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَحَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ قَالَ فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَيُقْضَى لَهَا بِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاحِيَةِ الْحُلِيُّ وَثِيَابُ النِّسَاءِ وَجَمِيعُ الْجِهَازِ مِنْ الطَّسْتِ وَالْمَنَارَةِ وَالثِّيَابِ وَالْقَبْقَابِ وَالْبُسُطِ وَالْوَسَائِدِ وَالْمَرَافِقِ وَالْفُرُشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ السِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ الْفِضِّيَّةُ وَثِيَابُ الرَّجُلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا كَالدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَالرَّقِيقِ .
وَأَمَّا أَصْنَافُ الْمَاشِيَةِ فَلِمَنْ حَازَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ مَا فِي الْمَرَابِطِ مِنْ خَيْلٍ أَوْ بِغَالٍ أَوْ حَمِيرٍ فَلِمَنْ حَازَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُصْرُ كَالدَّارِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لِلزَّوْجَةِ ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَنَاقَضَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُوَافِقًا لَنَا فَقَالَ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ إنْ كَانَ حَيًّا ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِهِ

هُوَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ كَقَوْلِنَا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَدَاعَيَاهُ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا مُشَاهَدٌ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا إذَا كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ يَسْكُنَانِ مَعًا فَتَدَاعَيَا شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لَهُ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَطَّارُ وَالدَّبَّاغُ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنَّ سُلْطَانَهُ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْمَوْتِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أَرْجَحَ فِيمَا تَدَعِّيهِ .
وَجَوَابُهُ : أَنَّ الْوَارِثَ شَأْنُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ لَهُ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ لَهُ بِدَلِيلِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَطَرِيقَتُهُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَدَاعَيَا شَيْئًا فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَهُوَ لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَا دَارًا وَاحِدَةً ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) قَالَ عبق الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَارَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلِلْمَرْأَةِ إلَخْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا كَوْنُ الشَّيْءِ لِأَحَدِهِمَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ وَرَثَةِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ أَوْ بَيْنَ وَرَثَّتَيْهِمَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَّى زَوْجَتَهُ تَزَيُّنًا بِحُلِيٍّ فِي مِلْكِهِ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ تُقِمْ هِيَ بَيِّنَةً عَلَى هِبَتِهِ لَهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالنِّسَاءِ لَمْ تَخْتَصَّ بِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ إذَا مَاتَ وَلَا تَأْخُذُهُ إذَا طَلَّقَهَا وَلَوْ طَالَ تَحَلِّيهَا بِهِ فِيهِمَا كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عج فِي بَابِ الْهِبَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ بِمِصْرَ وَإِنْ كَانَ الْمُشَاعُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَمَتَّعَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَهُوَ لَهَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْحُلِيِّ

لِلرَّجُلِ وَلَكِنْ حَلَّاهَا بِهِ كَمَا مَرَّ وَأَوْلَى مِنْ التَّحْلِيَةِ الْفُرُشُ وَنَحْوُهَا ثُمَّ لَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا لِأَنَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ أَنَّهُ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِصِيغَةٍ أَوْ مُفْهِمِهَا وَمَا هُنَا لَمْ يَقَعْ إلَّا التَّحْلِيَةُ أَوْ التَّمَتُّعُ بِالْفُرُشِ فَقَطْ .
ا هـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَمَا رَجَّحَهُ عج بِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَمَعْنًى أَمَّا نَقْلًا فَلِقَوْلِ صَاحِبِ الْفَائِقِ وَأَفْتَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَأَعْطَاهُ لِزَوْجَتِهِ تَلْبَسُهُ وَتَتَزَيَّنُ بِهِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَا هِبَةٌ وَتَمْلِيكٌ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ ا هـ .

وَفِي نَوَازِلِ النِّكَاحِ مِنْ الْمِعْيَارِ أَنَّ ابْنَ سِرَاجٍ أَجَابَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى لِزَوْجِهِ جُمْلَةَ حَوَائِجَ مِنْ قَصَبِ ذَهَبٍ وَثَوْبَيْ حَرِيرٍ وَعِقْدِ جَوْهَرٍ وَفَرْخَةِ شُرْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَدَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِزَوْجِهِ الْمَذْكُورَةِ وَأَلْبَسَهَا إيَّاهَا عَلَى وَجْهِ الْمُتْعَةِ لَا التَّمْلِيكِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَى قَطِيفَتَيْنِ وَمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ الزَّوْجَةُ تَلْبَسُ مَا سَاقَ لَهَا وَتَتَزَيَّنُ وَتَمْتَهِنُ الْقَطِيفَتَيْنِ وَالْمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مُدَّةً أَزْيَدَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْقَرِيبَةِ قَامَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ فِي جُمْلَةِ مَا ذُكِرَ وَيَدَّعِيهِ مِلْكًا لِمُوَرِّثِهِ فَهَلْ يَجِبُ لِذَلِكَ الطَّالِبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَسُكُوتِ الزَّوْجِ مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِهَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَدَفْعِهِ أَوَّلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِمَا نَصَّهُ إنْ يَثْبُتْ أَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَ زَوْجَهُ تِلْكَ الْحَوَائِجَ كَانَتْ لَهَا وَإِلَّا حَلَفَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهَا وَوَقَعَ فِيهَا الْمِيرَاثُ وَأَنَّ أَبَا عُثْمَانَ سَعِيدَ بْنَ ضُمَيْرٍ أَجَابَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا جِهَازٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَتَدْخُلُ عَلَى جِهَازِ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ وَيَشْتَرِي الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَيُقِيمُ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْتَاعَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِزَمَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ .
وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَتَتَزَيَّنُ بِهِ فَيَنْزِلُ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ أَوْ مَوْتٌ فَتَدَّعِي الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا نَصَّهُ لَيْسَ لَهَا مِمَّا ذَكَرَتْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِهِ مِنْ بَيْتِهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهَا وَأَفَادَتْ مَالًا وَعُرِفَ ذَلِكَ وَاسْتَبَانَ وَاتَّضَحَ وَأَنَّهُ يَكُونُ كَمَا

وَصَفَتْ وَمَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالٌ وَلَا تَصَدَّقَ عَلَيْهَا وَلَا أَفَادَتْ فَلَيْسَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ أَرَدْت جَمَالَ بَيْتِي وَجَمَالَ امْرَأَتِي وَزَيَّنْتهَا بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقِيلَ لِابْنِ ضُمَيْرٍ فَمَا تَرَى إنْ قَالَتْ إنِّي اكْتَسَبْته وَجَمَعْته فَقَالَ لَيْسَ يُعْرَفُ الْكَسْبُ لِلنِّسَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَيُعْرَفُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ مَا تَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا يُعْرَفُ لَهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ قَبْلِ دُخُولِهَا عَلَيْهِ وَأَجَابَ ابْنُ لُبَابَةَ أَمَّا مَا عُرِفَ مِمَّا ابْتَاعَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِامْرَأَتِهِ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ مَتَاعٍ يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ وَيُزَيِّنُ امْرَأَتَهُ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْهِدْ لَهَا عَلَى عَطِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَيْضًا وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِيَةِ فِيهِ وَالْوَرَثَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا .
ا هـ وَفِي نَوَازِلِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْمِعْيَارِ فِي جَوَابٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ مَا نَصُّهُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي الثِّيَابِ أَنَّ زَوْجَهَا سَاقَهَا لَهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ بِأَعْيَانِهَا مِنْ جُمْلَةِ السِّيَاقَةِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهَا عَلَى الْخُصُوصِ فَإِنْ لَمْ تُقِمْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ تِلْكَ الثِّيَابَ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ وَلَا مَتَاعِهَا إلَى آخِرِ نَصِّ الْيَمِينِ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا لَهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ كِسْوَةَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ فِرَاقِهَا إذَا كَانَتْ مُبْتَذَلَةً فَإِنْ لَمْ تُبْتَذَلْ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا فَهَذِهِ الثِّيَابُ

مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَدْ ابْتَذَلَتْهَا فَهِيَ لَهَا وَإِلَّا صَارَتْ مِيرَاثًا ا هـ .
وَأَمَّا مَعْنًى فَلِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ خُرُوجِ مِلْكِهِ مِنْ يَدِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَجِبُ أَنْ يُجَمِّلَ زَوْجَتَهُ لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَخْشَى أَنْ يُمَلِّكَهَا ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ أَوْ يَمُوتَ فَتَذْهَبَ بِمَالِهِ لِزَوْجٍ آخَرَ فَيَجْعَلُ ذَلِكَ بِيَدِهَا عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَا أَحَبَّ وَيَأْمَنُ مِمَّا يَخْشَاهُ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ فَفِي الْفَائِقِ مَا نَصُّهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَا اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ مِنْ الثِّيَابِ فَلَبِسَتْهَا فِي غَيْرِ الْبِذْلَةِ ثُمَّ نَزَلَ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ عَارِيَّةٌ وَأَنْكَرَتْهُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِثْلُهُ يَشْتَرِي الثِّيَابَ لِزَوْجِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي مُلَائِهِ وَشَرَفِهِ لَا يَشْتَرِي ذَلِكَ لِلْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ لِبَاسُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا .
ا هـ وَذَكَرَ ابْنُ عَاتٍ فِي طُرَرِهِ قَوْلَ الدَّاوُدِيِّ وَزَادَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ تُلَيْدٍ وَإِنْ ابْتَاعَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ كِسْوَةً مِثْلَ ثَوْبٍ أَوْ فَرْوٍ ثُمَّ تَمُوتُ فَيُرِيدُ أَخْذَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْبِذْلَةِ ا هـ وَجَرَيَانُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ شُرُوطًا مِنْهَا اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا إذْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِمَّنْ بَعْدَ صَاحِبِ الطِّرَازِ لَمْ يُعَرِّجُوا عَلَيْهِ وَأَفْتَوْا بِغَيْرِهِ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ فِي أَجْوِبَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلَدُهُ فِي نَظْمِ

الْعَمَلِ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ تَعَرَّضُوا لِعَدِّ مَا بِهِ الْعَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا إلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ الْإِمَامَانِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَسَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الَّتِي جَعَلَهَا أَصْلًا لِهَذِهِ مُبَايِنَةٌ لِهَذِهِ أَشَدَّ الْمُبَايَنَةِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ قَدْ سَلَّمَ هُوَ نَفْسُهُ أَنَّ دَفْعَ الزَّوْجِ لِمَا ذُكِرَ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَهَبَهَا مَثَلًا وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ وَلَا خَارِجَهُ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تُمْلَكُ بِطُولِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَلَا بِامْتِهَانِ الْمُعَارِ إيَّاهَا وَدَفْعُ الزَّوْجِ الْكِسْوَةَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَنْ قُرْبٍ فَتَرْجِعُ لَهُ أَوْ بُعْدٍ فَلَا وَحَدُّوا الْبُعْدَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ لَا الْكِسْوَةَ بَعْدَ أَشْهُرٍ فَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِهِ هَذَا أَنَّهَا مَهْمَا أَقَامَتْ بِيَدِهَا الْعَارِيَّةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ لَهَا وَالنُّصُوصُ مُصَرِّحَةٌ بِرَدِّ ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا مُتَأَمِّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ .
وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهَا وَهِيَ أَنْ تَكْسُوَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَفِي الْفَائِقِ مَا نَصُّهُ كَتَبَ إلَى الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا تَقُولُ فِيمَا تُخْرِجُهُ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا فِي شُورَتِهَا بِاسْمِ الزَّوْجِ كَالْغِفَارَةِ وَالْمَحْشُوِّ وَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَرُبَّمَا لَبِسَ ذَلِكَ

الزَّوْجُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ أَوْ الْكَثِيرَةِ وَرُبَّمَا لَمْ يَلْبَسْهَا ثُمَّ تَذْهَبُ الزَّوْجَةُ وَوَلِيُّهَا إلَى أَخْذِ الثِّيَابِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا كَانَتْ عَارِيَّةً وَأَنَّهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّزَيُّنِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْعَطِيَّةِ فَهَلْ تَرَى ذَلِكَ لِلزَّوْجِ أَمْ لَا فَأَجَابَ إنْ كَانَ فِي هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُخْرَجَةِ فِي الشُّورَةِ عُرْفُ الْبَلَدِ قَدْ جَرَى بِهِ الْأَمْرُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ حُكِمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ مَعْلُومٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيُّهَا فِيمَا يَدَّعِيَانِ مِنْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّزْيِينِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ .
ا هـ وَنَحْوُهُ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَنَسَبَهُ لِمُخْتَصَرِ الْخُدَيْرِيَّةِ وَنَحْوُهُ فِي الدُّرِّ النَّثِيرِ وَنَسَبَهُ لِمُخْتَصَرِ الْخُدَيْرِيَّةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلُ إلَّا أَنْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ فَيَلْزَمَ وَكُلُّهُمْ سَاقُوهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَحْكُوا غَيْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ كَلَامُ الرَّهُونِيِّ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ( خَاتِمَةٌ ) نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ هُنَا عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ تَارَةً وَعَدَمَ اعْتِبَارِهَا تَارَةً كَمَا عَلِمْت مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ الَّذِي فَاتَ الْأَصْلَ ذِكْرُهُ فِي فُرُوقِهِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَادَةِ الْمُحَكَّمَةِ وَالْعَادَةِ الْغَيْرِ الْمُحْكَمَةِ وَأَنَا أُحَرِّرُهُ لَك هُنَا لِيَتَّضِحَ لَك الْمَقَامُ بِحَوْلِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ فَأَقُولُ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْفِقْهِيَّةِ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الْعَادَةَ الْمُحَكَّمَةَ مَا تَحَقَّقَ فِيهَا شَرْطَانِ ( الشَّرْطُ الْأَوَّلُ ) الِاطِّرَادُ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُطَرِّبَةُ وَفِي اعْتِبَارِ مَا تَعَارَضَتْ فِي اعْتِبَارِهَا لِظُنُونٍ خِلَافٌ ( الشَّرْطُ الثَّانِي ) أَنْ لَا تَتَعَارَضَ مَعَ شَرْعٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَالْإِقْدَامُ

عَلَيْهَا قَطْعًا مَثَلًا إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَرَثَتُهُ عَمَلًا بِتَخْصِيصِ الشَّرْعِ إذْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ قَالَ وَأَصْلُهَا قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } قَالَ الْعَلَائِيُّ وَلَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلًا وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَكَثْرَةِ الْكَشْفِ وَالسُّؤَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَاعْتِبَارُ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ رَاجِعٌ إلَيْهِ مَسَائِلُ فِي الْفِقْهِ لَا تُعَدُّ كَثْرَةً قَالَ فَتُعْتَبَرُ وَتُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الشَّرْعِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَحْمًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ أَوْ فِي ضَوْءِ سِرَاجٍ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ بِسَاطًا وَلَا تَحْتَ السَّمَاءِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سَقْفًا وَلَا فِي الشَّمْسِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سِرَاجًا أَوْ لَا يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى وَتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ بِوَضْعِهَا عَلَى جَبَلٍ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ وَتَدًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ يُقَدَّمُ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الشَّرْعِ لِأَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ بِلَا تَعَلُّقِ حُكْمٍ وَتَكْلِيفٍ قَالَ وَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى اللُّغَةِ إذَا تَعَارَضَ مَعَهَا لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ سِيَّمَا الْأَيْمَانُ أَوْ تَقْدِيمُ اللُّغَةِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ فِي حَقِّ الْعَرَبِيِّ فَقَطْ أَمَّا الْعَجَمِيُّ فَيُعْتَبَرُ عُرْفُهُ قَطْعًا إذْ لَا وَضْعَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعُرْفُ الْخَاصُّ فَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا لَمْ تُؤَثِّرْ مُعَارَضَتُهُ لِلْعُرْفِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ اُعْتُبِرَ وَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ فِي الْأَصَحِّ فَافْهَمْ ا هـ .
وَمِنْهُ تَعْلَمُ

أَنَّ الْعَادَةَ الْغَيْرَ الْمُحْكَمَةَ مَا انْتَفَى عَنْهَا أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُطْرِبَةَ لَمْ تَتَقَرَّرْ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى تُعْتَبَرَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمُعَارَضَتِهَا لِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مُنْكَرًا مِنْ بَقَايَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي كُفْرِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُكُوفِهِمْ عَلَى عَوَائِدِهِمْ الَّتِي جَاءَ الشَّرْعُ بِإِبْطَالِهَا فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَارْتِدَادِهِ كَمَا فِي بُغْيَةِ الْمُسْتَرْشِدِينَ عَنْ أَحْكَامِ النَّوَازِلِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ فَتَاوَى بَامَخْرَمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الصَّرِيحِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لَبَنٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَنَسَبٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبُعْدِ فَهُوَ صَرِيحٌ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لِلْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ فِي الصَّرِيحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الصَّرِيحُ الطَّلَاقُ وَمَا اشْتَهَرَ مَعَهُ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ كَالطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وقَوْله تَعَالَى { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَالْفِرَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ } ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَبِمَاذَا يَلْزَمُ هَلْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ لِمَالِكٍ وَيُرِيدُ بِالنِّيَّةِ التَّطْلِيقَ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ ، وَقِيلَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ قَالَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا هَذَا فِي الْفُتْيَا .
وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ وَلَا يُصَدَّقُ اتِّفَاقًا وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ كَنَيْتَهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَأَنَّك أَخْفَيْت الِاسْمَ بِالْكُنْيَةِ تَعْظِيمًا لَهُ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ كَنَيْت وَكَنَوْتُ وَكُنْيَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَضَابِطُ مَشْهُورِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَهُوَ صَرِيحٌ .
وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ

وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ السِّجْنِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ ، وَقَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ أَوْ قَدْ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك وَالْكِنَايَةُ مَا لَيْسَ مَوْضُوعًا لَهُ لُغَةً لَكِنْ يَحْسُنُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مَجَازًا لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكِنَايَاتِ نَحْوَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْفِرَاقُ أَوْ السَّرَاحُ أَوْ اعْتَدِّي وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ فَالْخَلِيَّةُ الْفَارِغَةُ وَالْفَرَاغُ حَقِيقَةٌ فِي خُلُوِّ جِسْمٍ مِنْ جِسْمِ فَشَبَّهَ بِهِ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّلْبِ كَيْفَ كَانَ الْمَسْلُوبُ وَالْبَائِنُ مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْبُعْدُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَيُقَالُ فِي الْمَعَانِي بَوْنٌ لَا بَيْنٌ شَبَّهَ الْبُعْدَ مِنْ الْعِصْمَةِ بِالْبُعْدِ بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فِي جِسْمٍ شَبَّهَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلَةُ وَمِنْهُ فَاطِمَةُ الْبَتُولُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِانْقِطَاعِهَا فِي الشَّرَفِ عَنْ النِّسَاءِ ، وَقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْهُ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّعْيِ إذَا أَمْسَكَ صَاحِبُهَا حَبْلَهَا لَا تَتَهَنَّى فِي الرَّعْيِ لِتَوَهُّمِهَا أَنَّهُ يَجُرُّهَا بِهِ .
وَإِذَا أَرَادَ تَهْنِئَتَهَا بِالرَّعْيِ أَلْقَى حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا وَهُوَ غَارِبُهَا فَتَطْمَئِنُّ حِينَئِذٍ فَشَبَّهَ بِهِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُخْلَاةً لِنَفْسِهَا ، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي وَمَا لَيْسَ فِي عَلَاقَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا وَيُسَمَّى مَجَازَ التَّعْقِيدِ إذَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى

الْعَلَاقَةِ الْبَعِيدَةِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مَنْعِهِ كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت بِنْتَ الْأَمِيرِ وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ بِرُؤْيَتِهِ لِوَالِدِ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ مُبِيحُهُ ؛ وَالْعَقْدُ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَاقِدُ لِأَنَّهُ فَاعِلُهُ ؛ وَالْعَاقِدُ مِنْ لَوَازِمِهِ أَبُوهُ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَهَذَا الْقِسْمُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ عَلَاقَةُ الْبَتَّةِ لَا قَرِيبَةً وَلَا بَعِيدَةً هُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْمَشْهُورُ لُزُومُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ هُوَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ ، وَقِيلَ ، بَلْ بِاللَّفْظِ كَأَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ وَضَعَهُ الْآنَ لِلطَّلَاقِ وَهُوَ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْوَضْعِ لَا نَجِدُهُ يَخْطِرُ بِبَالِ النَّاسِ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّيَّةِ لَا يَلْزَمُ وَاللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْقِيفِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَضَعَ لَفْظًا لِمَعْنًى أَلْبَتَّةَ ، بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ لَفْظَ السَّقْيِ أَوْ الْأَكْلِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِلطَّلَاقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُقَ أَلْفًا وَيُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَلْفَيْنِ لِلتَّجَمُّلِ بَيْنَ النَّاسِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطِ قَالَ .
وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةٌ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمَ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ

جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يُعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ أَوْ أَيِّ لَفْظٍ كَانَ عَنْ الطَّلَاقِ إمَّا وَضْعًا لِلطَّلَاقِ وَإِمَّا تَعْبِيرًا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّعْبِيرُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا ، وَقَدْ نَصَّ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ فِي اسْتِعْمَالِهِ قَدْ يُعَرَّى عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَمَثَّلُوهُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْأَرْضِ بِالسَّمَاءِ وَبِالسَّمَاءِ عَنْ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا أَطْلَقَ الْمُسْتَعْمِلُ لَفْظَ الْأَكْلِ وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ عَرَبِيًّا أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقًا بِالنَّصْبِ أَوْ الْخَفْضِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا إذَا تَحَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا ، وَقَدْ يَكُونُ كِنَايَةً ، وَقَدْ يَعْرَى عَنْهُمَا إذَا فُقِدَتْ الْعَلَاقَةُ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلطَّلَاقِ ، ثُمَّ الْكِنَايَةُ تَنْقَسِمُ إلَى مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ فِي الطَّلَاقِ فَيُلْحِقُهُ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَجُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِهِ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ لِقِيَامِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَمْيِيزِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ عَنْ غَيْرِ الْمُرَادِ فِي اللَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ أَمَّا مَا هُوَ صَرِيحٌ بِوَضْعٍ لُغَوِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ فَيَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهِ لِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نِيَّةٍ وَمَا لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى أَصْلِهِ وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَمْ يَنْسَخْهَا عُرْفٌ .
وَاللَّفْظُ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِصَرَاحَةٍ ، ثُمَّ الْمَنْقُولُ مِنْ الْكِنَايَاتِ قَدْ يَنْتَقِلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيَصِيرُ فِي الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ

مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَيَلْزَمُ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُسَمَّاهُ الْعُرْفِيُّ ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ لِلطَّلَاقِ وَالْبَيْنُونَةِ مَعَ وَصْفِ الْعَدَدِ الثَّلَاثِ وَيَصِيرُ النُّطْقُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عُرْفًا كَالنُّطْقِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لُغَةً ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ غَالِبًا وَفِي الثَّلَاثِ نَادِرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ الِاحْتِيَاطَ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى الْغَالِبِ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَحَيْثُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ فَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّوَابِطِ هَلْ وُجِدَتْ أَمْ لَا وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ سَلَّمَ ضَابِطًا سُلِّمَ حُكْمُهُ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ مَنْ صَادَفَ الضَّابِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالضَّعِيفُ الْفِقْهِ مَنْ تَوَهَّمَ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعَلَى الْفَقِيهِ اسْتِيفَاءُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ فَمِنْ قَائِلٍ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا نَقْلٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ كَذِبٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِلطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصِّيَغِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ ( تَنْبِيهٌ ) الطَّلَاقُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمُطْلَقُ الْقَيْدِ أَعَمُّ مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى إزَالَةِ الْأَعَمِّ دَالٌّ عَلَى إزَالَةِ الْأَخَصِّ بِالِالْتِزَامِ لَا بِاللَّفْظِ ، فَلَيْسَ الطَّلَاقُ مَوْضُوعًا لِإِزَالَةِ خُصُوصِ قَيْدِ النِّكَاحِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ .
بَلْ التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الطَّلَاقَ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يَعْنِي أَيَّ قَيْدٍ كَانَ

؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ كُلِّ قَيْدٍ حَتَّى يَنْدَرِجَ فِيهِ قَيْدٌ النِّكَاحِ ، وَإِذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِأَيِّ قَيْدٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُمُومٍ فَيُصَدَّقُ أَنَّهَا طَالِقٌ بِاعْتِبَارِ قَيْدِ الْحَدِيدِ وَإِنْ بَقِيَتْ فِي الْعِصْمَةِ لِأَنَّ طَالِقٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَاسْمَ الْفَاعِلِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَمَّى الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ فَلَا يَدُلُّ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى إزَالَةِ الْعِصْمَةِ مُطَابَقَةً وَلَا الْتِزَامًا ، بَلْ لَا إشْعَارَ لَهُ بِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَلْبَتَّةَ وَوِزَانُ الطَّلَاقِ الْخُرُوجُ ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا انْتِقَالٌ مِنْ إحَاطَةٍ فَكَمَا أَنَّ الْخُرُوجَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا خَارِجَةٌ بِاعْتِبَارِ حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ بَقِيَتْ فِي غَيْرِهِ كَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ مُعَيَّنٍ .
وَإِنْ بَقِيَتْ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَ طَالِقٌ مُفِيدَ الْعُمُومِ لَحَصَلَ مَقْصُودُ الْأَصْحَابِ أَوْ يُفِيدُ إزَالَةَ الْقَيْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْقُيُودِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ كُلِّ قَيْدٍ حَصَلَ أَيْضًا ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا صَدَقَ عَلَى الْمُنْطَلِقَةِ مِنْ قَيْدِ الْحَدِيدِ أَوْ مِنْ طَلْقِ الْوَلَدِ أَنَّهَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَمْ يَحْصُلْ وَإِزَالَةُ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ كُلِّ قَيْدٍ لَمْ يَحْصُلْ لَكِنَّا نَجِدُ أَهْلَ اللُّغَةِ وَأَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ مَخْصُوصٍ وَإِنْ بَقِيَتْ جَمِيعُ الْقُيُودِ فَيُقَالُ لِمَنْ طَلِقَتْ مِنْ وَلَدٍ طَالِقٌ وَمِنْ قَيْدِ الْحَدِيدِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ ؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ سَمَاعِ طَالِقٌ لَا نَفْهَمُ انْتِفَاءَ كُلِّ قَيْدٍ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ قَيْدًا مَخْصُوصًا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ الْقَصَّارِ خُصُوصَ لَفْظِ الطَّلَاقِ ، بَلْ أَعْرَضَ عَنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَاعْتَبَرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ كَمَا يَرِدُ بِالْحَقَائِقِ وَالْمَجَازِ كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَيُعْتَمَدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْمُرَادِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ كَانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ عَلَى الصَّرَاحَةِ وَالْوَضْعِ نَعَمْ يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ .
أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا .
وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ وَفِيهِ مَعْنَى إزَالَةِ الْقَيْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَهِرَ هُوَ الطَّلَاقُ دُونَ الِانْطِلَاقِ ، وَكَذَلِكَ أَطْلَقْتُك وَانْطَلَقْت مِنْك وَانْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ ، وَقَدْ خَالَفْنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي أَنَا طَالِقٌ مِنْك ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ ، بَلْ هِيَ الْمَحْبُوسَةُ وَقِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَا طَالِقٌ فَلَوْ كَانَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَوَقَعَ كَالْمَرْأَةِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُوصَفُ بِهِ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ مُطَلَّقٌ وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنَّا ذَلِكَ وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ الشَّافِعِيُّ ( وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَنْ عَمَّتِهَا وَأُخْتِهَا وَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ لَازِمٌ فَيَخْرُجُ عَنْ لُزُومِهِ ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَنَّ وَصْفَهُ بِطَالِقٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ امْرَأَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِصْمَتِهِ لِتَعَذُّرِ تَعَدُّدِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الزَّوْجَاتِ ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَنَّ مُطَلَّقٌ اسْمُ

مَفْعُولٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْتِ الطَّلَاقُ كِنَايَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمَصْدَرِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ( وَجَوَابُهُ ) أَنَّهُ مَجَازٌ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةٍ تَعَذَّرَ أَنَّهَا عَيْنُ الطَّلَاقِ ، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِاسْمِ الْفَاعِلِ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مَانِعٌ مِنْ التَّرَدُّدِ ، وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَصْلُحُ حَالَةَ التَّرَدُّدِ ( تَنْبِيهٌ ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي طَلَاقَ الْمَرْأَةِ أَلْبَتَّةَ وَلَا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَذَا أَعْظَمُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ صَرِيحٌ لُغَةً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هَذَا لَا يُوجِبُ طَلَاقًا أَلْبَتَّةَ بِسَبَبِ أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا تَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَضَعَتْهَا الْعَرَبُ لِلْإِخْبَارِ ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْوَضْعِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَذِبًا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالطَّلَاقُ لَا يَلْزَمُ بِالْخَبَرِ الْكَذِبِ إجْمَاعًا وَمِنْ هَاهُنَا افْتَرَقَ النَّاسُ فَرِيقَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) الْحَنَفِيَّةُ قَالَتْ هِيَ بَاقِيَةٌ إخْبَارَاتٍ عَلَى حَالِهَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي صِيَغِ الْعِتْقِ وَجَمِيعِ صِيَغِ الْعُقُودِ مِنْ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ ) وَهُوَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ هَذِهِ الصِّيَغُ انْتَقَلَتْ فِي الْعُرْفِ عَنْ الْخَبَرِ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِالْإِنْشَاءِ وَمَتَى قُصِدَ الْخَبَرُ

وَعُدِلَ عَنْ الْإِنْشَاءِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَهَذِهِ هِيَ الْمَذَاهِبُ الْوَاقِعَةُ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ كُلِّهَا وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لُغَوِيَّةٌ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ النَّقْلِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ .
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيًا عَنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لُغَةً عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ إزَالَةِ قَيْدِ النِّكَاحِ بِخُصُوصِهِ ، بَلْ عَلَى إزَالَةِ قَيْدٍ كَيْفَ كَانَ قَيْدُ النِّكَاحِ أَوْ قَيْدُ الْحَدِيدِ أَوْ غَيْرُهُمَا فَلَا يَنْصَرِفُ لِقَيْدِ النِّكَاحِ إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إخْبَارًا عَنْهُ بِخُصُوصِهِ فَصَارَ كِنَايَةً وَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ بِجُمْلَتِهَا كِنَايَةً فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ قَيْدِ النِّكَاحِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّصْدِيقِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُ صِدْقِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِالْإِنْشَاءِ أَنْ يَكُونَ ضَابِطُ الصَّرِيحِ مَا نُقِلَ لِإِنْشَاءِ إزَالَةِ الْقَيْدِ وَصَارَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ النِّيَّةِ وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالنَّقْلِ كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ مَجَازًا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ كِنَايَةٌ وَمَا لَا عَلَاقَةَ فِيهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ يَكُونُ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيَكُونُ لَفْظُ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا اُدُّعِيَ فِيهِ النَّقْلُ صَرِيحًا فَلَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ كِنَايَةٌ أُلْحِقَتْ بِالصَّرِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا صَرِيحَ إلَّا بِالنَّقْلِ حِينَئِذٍ فَأَيُّ لَفْظٍ نُقِلَ كَانَ هُوَ الصَّرِيحُ مِنْ غَيْرِ امْتِيَازِ لَفْظٍ عَنْ لَفْظٍ فِي ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ

إفَادَةِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ لُغَةً .
وَفِي إفَادَةِ زَوَالِهَا بِالنَّقْلِ فَلَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَيْضًا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعُرْفِ فَإِذَا تَحَوَّلَ الْعُرْفُ إلَى الضِّدِّ فَصَارَ الْمُشْتَهِرُ خَفِيًّا وَالْخَفِيُّ مُشْتَهِرًا أَنْ يَكُونَ مَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ صَرِيحٌ يَصِيرُ كِنَايَةً وَمَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ يَصِيرُ صَرِيحًا بِحَسَبِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ .
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْعُرْفُ لِلضِّدِّ ، بَلْ بَطَلَ فَقَطْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِيرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحًا ، بَلْ تَحْتَاجُ جَمِيعُ الْأَلْفَاظِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَا إلَى النِّيَّةِ وَيَلْزَمُ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْعُرْفِ الَّذِي رُتِّبَتْ الْفُتْيَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْعُرْفُ أَفْتَاهُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ حَالِ عُرْفِ بَلَدِهِ مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ لَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا بَيْنَ الْبِلَادِ خُصُوصًا الْبَعِيدَةِ الْأَقْطَارِ وَيَكُونُ الْمُفْتِي فِي كُلِّ زَمَانٍ يَتَبَاعَدُ عَمَّا قَبْلَهُ يَتَفَقَّدُ الْعُرْفَ هَلْ هُوَ بَاقٍ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدَهُ بَاقِيًا أَفْتَى بِهِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَنْ الْفُتْيَا ، وَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَوَائِدِ كَالنُّقُودِ وَالسِّكَكِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَالنُّذُورِ فِي الْإِطْلَاقَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَوَجَدُوا الْأَئِمَّةَ الْأُوَلَ قَدْ أَفْتَوْا بِفَتَاوَى بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ لَهُمْ وَسَطَّرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدِهِمْ ، ثُمَّ الْمُتَأَخِّرُونَ وَجَدُوا تِلْكَ الْفَتَاوَى فَأَفْتَوْا بِهَا .
وَقَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ فَكَانُوا مُخْطِئِينَ خَارِقِينَ

لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْفُتْيَا بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرِكٍ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرِكِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ لَفْظُ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مَسْطُورٌ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ فَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ الْيَوْمَ يُفْتِي بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَنْ مَالِكٍ وَتِلْكَ الْعَوَائِدُ قَدْ زَالَتْ فَلَا نَجِدُ الْيَوْمَ أَحَدًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِالْخَلِيَّةِ وَلَا بِالْبَرِيَّةِ وَلَا بِحَبْلِك عَلَى غَارِبِك وَلَا بِوَهَبْتُكِ لِأَهْلِك ، وَلَوْ وَجَدْنَاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْلًا يُوجِبُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ مَنْقُولٌ إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ فِي ذَوَاتِ الْجَمَالِ وَالْبَحْرِ وَالْغَيْثِ وَالنَّدَى وَنَحْوِهَا فِي الْكِرَامِ الْبَاذِلِينَ لِلْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَنْقُولَةً لِهَذِهِ الْمَعَانِي ، بَلْ ضَابِطُ الْمَنْقُولِ أَنْ يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تُفْهَمُ مِنْهَا هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِالْقَرِينَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ مَنْقُولَةً فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَيَظْهَرُ لَك مَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْفَتَاوَى الْفَاسِدَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَيَظْهَرُ لَك بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّرِيحِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الصَّحِيحَةِ .

قَالَ ( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا ذِكْرُ اشْتِقَاقٍ وَحِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ( وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ ) ، قُلْت هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ وَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَهُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ثَالِثَ حُرُوفِهَا يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَالْكِنُّ ثَالِثُ حُرُوفِهِ نُونٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إبْدَالَ النُّونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً إلَى قَوْلِهِ مِنْ السِّجْنِ ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ ، بَلْ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ إشَارَةٌ إلَى الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ .
قَالَ ( قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك ) ، قُلْت مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ صَحِيحٌ وَهُوَ الصَّرِيحُ وَمَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ بَعْدُ صَحِيحٌ قَالَ ( وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَى قَوْلِهِ قَالَا وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةٌ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ ) ، قُلْت لَا أَدْرِي مَا دَلِيلُهُمَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ لَفْظِ اسْقِنِي الْمَاءَ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِاسْتِدْعَاءِ سَقْيِ الْمَاءِ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ( وَلَمَّا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمَ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يُعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ أَوْ

أَيِّ لَفْظٍ كَانَ عَنْ الطَّلَاقِ إمَّا وَضْعًا لِلطَّلَاقِ وَإِمَّا تَعْبِيرًا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ ) ، قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ كَوْنِ مَالِكٍ إنَّمَا جَوَّزَ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مَذْهَبُهُمْ عَدَمُ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ ، بَلْ اللَّائِقُ بِتَحَرِّي مَالِكٍ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ بِنَائِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَزْمِ أَنْ لَا يُجَوِّزَ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُتَوَقَّفَ ، وَأَمَّا أَنْ يُجَوِّزَ بِنَاءَهُ عَلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا أَرَاهُ صَحِيحًا .
وَالصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ إذْ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ وَضْعِنَا إيَّاهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مَا لَهُ وَضْعُهَا وَلَا مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ ، بَلْ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا لِمَعَانِيهَا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَنَا مِنْ وَضْعِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا لِغَيْرِ مَا وَضَعَهُ لَهُ أَوْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ النَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّعْبِيرُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلطَّلَاقِ ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا قَالَ ( تَنْبِيهٌ الطَّلَاقُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِهِ ؛ وَلِأَنَّا عِنْدَ سَمَاعِ طَالِقٍ لَا نَفْهَمُ انْتِفَاءَ كُلِّ قَيْدٍ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ قَيْدًا مَخْصُوصًا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا التَّنْبِيهِ فَاسِدٌ جِدًّا ، بَلْ لَفْظُ طَالِقٍ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ لُغَةً ،

وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا فِي مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَا اسْتَرْوَحَ مِنْ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ( قَالَ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ الْقَصَّارِ خُصُوصَ لَفْظِ الطَّلَاقِ إلَى قَوْلِهِ وَاعْتُبِرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ ) ، قُلْت لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ اعْتَبَرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى مَا زَعَمَ ، بَلْ إنَّمَا اعْتَبَرَ ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَذَلِكَ هُوَ الشَّأْنُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى وَكَانَ لَفْظٌ آخَرُ فِيهَا مَوْضُوعًا فِيهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ، ثُمَّ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْقُولًا لَهُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ كَالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَيَصِيرُ إذْ ذَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ الثَّانِي مَنْقُولًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّجَوُّزِ فَهَا هُنَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ يَكُونُ الْأَوَّلُ صَرِيحًا وَالثَّانِي كِنَايَةً فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ الْمُعَيِّنَةِ لَهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ ) ، قُلْت بَلْ إذَا وَرَدَ شَيْءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ .
قَالَ ( فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا ) ، قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ يَرِدُ

بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا أَوْ عُرْفًا ، بَلْ مَجَازًا حَتَّى لَا يُسْتَدَلَّ بِوُرُودِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا أَوْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ يَرِدُ أَيْضًا بِالْحَقَائِقِ وَهِيَ الْأَصْلُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ إلَى قَوْلِهِ انْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ ) ، قُلْت فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ الِاشْتِقَاقِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً صَحِيحٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الِانْطِلَاقَ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَا مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ( وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي أَنَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ الْأَوَّلِ ) لَيْسَ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَعْنَى الِانْطِلَاقِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا جَاوَبَ بِهِ ، بَلْ الطَّلَاقُ حِلُّ الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ يَصْدُرُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَقَعُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا قَالَ أَنَا طَالِقٌ مِنْك فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( وَعَنْ الثَّانِي إلَى آخِرِهِ ) ، قُلْت هُوَ جَوَابٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ قَالَ ( وَعَنْ الثَّالِثِ إلَى آخِرِهِ ) ، قُلْت وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَقِيقَةً ، فَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ مَجَازًا قَالَ ( وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ ) ، قُلْت هُوَ كَمَا قَالَ ، ثُمَّ قَالَ ( وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ ) ، قُلْت الْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ

الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ( تَنْبِيهٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ النَّقْلُ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ ) ، قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ وَقَعَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ إخْبَارَاتٌ وَوَقَعَتْ فِيهِ إنْشَاءَاتٌ وَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَلَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ أَوْ مَنْقُولَةً مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ وَكِلَاهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحًا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ ) ، قُلْت إنْ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ مِثْلَ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ لَزِمَهُمْ مَا أَلْزَمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا قَالَ ( وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِالْإِنْشَاءِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ ) ، قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ لَفْظَ طَالِقٍ يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ إمَّا لُغَةً عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ وَإِمَّا عُرْفًا عَلَى مَذْهَبِهِ ، وَلَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ يُفِيدُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا أَيْضًا وَلَفْظُ الْخَلِيَّةِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ عُرْفًا ، بَلْ مَجَازًا وَلَفْظُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ عُرْفًا فِي الْإِنْشَاءِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ خَلِيَّةٍ لَيْسَ عُرْفًا فِي الطَّلَاقِ لَا يُفِيدُ بِجُمْلَتِهِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا فَبَيْنَ لَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحًا ؛ لِأَنَّ لَفْظَ طَالِقٍ عَلَى انْفِرَادِهِ وَلَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ بِجُمْلَتِهِ كِلَاهُمَا مَنْقُولٌ عُرْفًا هَذَا لِزَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ وَالْآخَرُ لِإِنْشَاءِ زَوَالِ ذَلِكَ الْقَيْدِ وَلَفْظُ خَلِيَّةٍ عَلَى انْفِرَادِهِ لَمْ يَنْقُلْهُ الْعُرْفُ لِزَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ أَنْتِ قَدْ نَقَلَهُ الْعُرْفُ

لِلْإِنْشَاءِ ، فَيَكُونُ كِنَايَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ ) ( وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَيْضًا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعُرْفِ ) ( قُلْت ) مَا قَالَهُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ إلَّا مَا قَالَهُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فَفِيهِ نَظَرٌ

( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ ) .
وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرِيحَ لُغَةً كَمَا فِي الْمُخْتَارِ كُلُّ خَالِصٍ أَيْ لِقَوْلِ الْعَرَبِ لَبَنٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَنَسَبٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَاللَّفْظُ الصَّرِيحُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبُعْدِ وَشَرْعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الصَّرِيحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الصَّرِيحُ الطَّلَاقُ وَمَا اشْتَهَرَ مَعَهُ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ كَالطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْفِرَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وقَوْله تَعَالَى { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقَوْله تَعَالَى { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ } ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَبِمَاذَا يَلْزَمُ هَلْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ لِمَالِكٍ وَيُرِيدُ بِالنِّيَّةِ التَّطْلِيقَ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ ، وَقِيلَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ قَالَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا هَذَا فِي الْفُتْيَا ، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ وَلَا يُصَدَّقُ اتِّفَاقًا ا هـ ( وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الصَّرِيحِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ فَفِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَلَفْظَةُ طَلَّقْت وَأَنَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ لَا مُنْطَلِقَةٌ وَتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ ا هـ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَيْ لَفْظُ الصَّرِيحِ مَحْصُورٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا فِي ضج عَنْ الْقَرَافِيِّ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي

أَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ مَا كَانَ فِيهِ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِشُمُولِهِ نَحْوُ مُنْطَلِقَةٍ وَمَطْلُوقَةٍ فَلِذَا عَدَلَ هُنَا عَنْ ضَبْطِ الصَّرِيحِ بِمَا ذَكَرَ إلَى ضَبْطِهِ بِالْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ ا هـ بِلَفْظِهِ أَيْ وَنَحْوِ مُنْطَلِقَةٍ وَمَطْلُوقَةٍ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ لَا الظَّاهِرَةِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الصَّرِيحِ كَمَا سَيَأْتِي فَمِنْ هُنَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ ( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الصَّرِيحُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْخَرَشِيِّ قَوْلُهُ وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ خِلَافٌ يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ بِلِسَانِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ وَيُصَمِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ ، وَلَا أَنْ يَعْتَقِدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ بِلِسَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا ا هـ بِلَفْظِهِ .
وَالْكِنَايَةُ لُغَةً مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ كَنَيْتَهُ أَبَا عَبْد اللَّهِ كَأَنَّك أَخْفَيْت الِاسْمَ بِالْكُنْيَةِ تَعْظِيمًا لَهُ وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ كَنَيْت وَكَنَوْتُ وَكُنْيَتُهُ بِضَمِّ الْكَافِّ وَكَسْرِهَا وَاصْطِلَاحًا هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً وَسِرُّ الْفَرْقِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمَشْهُورِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الصَّرِيحِ فَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يَدُلَّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَإِمَّا أَنْ لَا يَدُلَّ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ صِيغَةُ الطَّلَاقِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ ، نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ ، وَقَدْ طَلَّقْتُك أَوْ

الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ قَدْ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ لِخَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فَهُوَ الصَّرِيحُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ فِي اللُّغَةِ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً عَلَى الصَّحِيحِ لَا لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ وَخَصَّهُ الْعُرْفُ بِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَكَوْنُ هَذِهِ الصِّيَغِ وَقَعَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ إخْبَارَاتٌ لَا يَضُرُّ إمَّا لِأَنَّ الشَّرْعَ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي صِيَغِ الْعِتْقِ وَجَمِيعِ صِيَغِ الْعُقُودِ مِنْ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا كَمَا وَقَعَتْ فِيهِ إخْبَارَاتٌ كَذَلِكَ وَقَعَتْ فِيهِ إنْشَاءَاتٌ كَمَا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ أَوْ مَنْقُولَةً مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ وَكِلَاهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَكِنَّهُ إمَّا أَنْ يُحْسِنَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ مَجَازًا لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، نَحْوُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْفِرَاقُ أَوْ السَّرَاحُ أَوْ اعْتَدِّي فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ فَالْخَلِيَّةُ الْفَارِغَةُ وَالْفَرَاغُ حَقِيقَةٌ فِي خُلُوِّ جِسْمٍ مِنْ جِسْمٍ فَشَبَّهَ بِهِ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّلْبِ كَيْفَ

كَانَ الْمَسْلُوبُ وَالْبَائِنُ مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْبُعْدُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَيُقَالُ فِي الْمَعَانِي بَوْنٌ لَا بَيْنٌ شَبَّهَ الْبُعْدَ مِنْ الْعِصْمَةِ بِالْبُعْدِ بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ ، وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فِي جِسْمٍ شَبَّهَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلَةُ وَمِنْهُ فَاطِمَةُ الْبَتُولُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِانْقِطَاعِهَا فِي الشَّرَفِ عَنْ النِّسَاءِ ، وَقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْهُ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّعْيِ إذَا أَمْسَكَ صَاحِبُهَا حَبْلَهَا لَا تَتَهَنَّى فِي الرَّعْيِ لِتَوَهُّمِهَا أَنَّهُ يَجُرُّهَا بِهِ ، وَإِذَا أَرَادَ تَهْنِئَتَهَا بِالرَّعْيِ أَلْقَى حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا وَهُوَ غَارِبُهَا فَتَطْمَئِنُّ حِينَئِذٍ فَشَبَّهَ بِهِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُخَلَّاةً لِنَفْسِهَا ، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُحْسِنَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ مَجَازًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ ، بَلْ إمَّا أَنْ تُوجَدَ بَيْنَهُمَا الْعَلَاقَةُ الْبَعِيدَةُ فَإِذَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَيْهَا سُمِّيَ مَجَازُ التَّعْقِيدِ .
وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مَنْعِهِ كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت بِنْتَ الْأَمِيرِ مُرِيدًا رَأَيْت وَالِدَ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَاقِدُ ؛ لِأَنَّهُ مُبِيحُهُ وَالْعَاقِدُ مِنْ لَوَازِمِهِ أَبُوهُ ؛ لِأَنَّهُ مُوَلِّدُهُ .
وَأَمَّا أَنْ لَا تُوجَدَ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ أَلْبَتَّةَ لَا قَرِيبَةٌ وَلَا بَعِيدَةٌ ، وَهَذَا الْقِسْمُ بِنَوْعَيْهِ هُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ أَيْ ظَاهِرَةٍ ، بَلْ هُوَ الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ لُزُومُهُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ هُوَ طَلَاقٌ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ ، وَقِيلَ بَلْ اللَّفْظُ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ وَضْعَهُ الْآنَ لِلطَّلَاقِ وَهُوَ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْوَضْعِ لَا تَجِدُهُ

يَخْطِرُ بِبَالِ النَّاسِ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ وَصَحَّحَ ابْنُ الشَّاطِّ تَعْلِيلَ الْأَصْلِ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِ نَحْوِ اسْقِنِي عَنْ الطَّلَاقِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ عَلَى حَدِّ التَّعْبِيرِ عَنْ الْأَرْضِ بِالسَّمَاءِ ، وَعَنْ السَّمَاءِ بِالْأَرْضِ وَنَحْوِهِ مِمَّا نَصَّ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا عُرِّيَ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ هَا هُنَا أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ نَحْوِ الْأَكْلِ أَوْ السَّقْيِ إذَا أَطْلَقَهُ الْمُسْتَعْمِلُ وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ عَرَبِيًّا أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقًا بِالنَّصْبِ أَوْ الْخَفْضِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ قَالَ الْخَطَّابُ أَيْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَهَازِلٌ وَهَزْلُهُ جَدٌّ أَفَادَهُ عَبَقٌ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّيَّةِ لَا يَلْزَمُ وَاللَّفْظُ لَا يَصْلُحُ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْقِيفِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ لَا يَجُوزُ أَيْ عَلَى التَّوْقِيفِ لِأَحَدٍ أَنْ يَضَعَ لَفْظًا لِمَعْنًى أَلْبَتَّةَ ، بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ فِي الْبَسِيطِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُقَ أَلْفًا أَيْ يُسَلِّمَهُ صَدَاقًا وَيُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَلْفَيْنِ لِلتَّجَمُّلِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَإِمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالِاصْطِلَاحِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ وَضَعَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عَدَمِ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَلِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلِاسْتِعْمَالِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الشِّقِّ الْأَخِيرِ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَصْلِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .

وَأَمَّا عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا أَدْرِي مَا دَلِيلُ أَيْ الْمَازِرِيِّ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ لَفْظِ اسْقِنِي الْمَاءَ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِاسْتِدْعَاءِ سَقْيِ الْمَاءِ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ وَالصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَيْ التَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَلَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ جَزْمٌ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَوْ جَزْمٌ بِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ لَهُ إذْ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ وَضْعِنَا إيَّاهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مَا لَهُ وَضَعَهَا وَلَا مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ ، بَلْ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا لِمَعَانِيهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَنَا مِنْ وَضْعِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا لِغَيْرِ مَا وَضَعَهُ لَهُ أَوْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ النَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ بِلَفْظِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَإِنْ كَانَ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَفْظُ الطَّلَاقِ أَوْ طَالِقٍ أَوْ مُطَلَّقَةٍ يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ إمَّا لُغَةً عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .
وَإِمَّا عُرْفًا عَلَى مَذْهَبِ الْأَصْلِ وَلَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي يُفِيدُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْخَبَرَ لُغَةً وَالشَّرْعُ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَأَمَّا لَفْظُ خَلِيَّةٍ عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا ، بَلْ مَجَازًا وَمِثْلُهُ

سَائِرُ الْأَلْفَاظِ وَالْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ وَلَفْظُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بِجُمْلَتِهِ عُرْفًا الْإِنْشَاءَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ خَلِيَّةٍ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِمُفْرَدِهِ يُفِيدُ عُرْفًا الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ لَمْ يَكُنْ بِجُمْلَتِهِ يُفِيدُ عُرْفًا إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَإِزَالَةَ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ ، وَكَذَا سَائِرُ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ .
وَإِنَّمَا غَلَبَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَإِزَالَةُ الْعِصْمَةِ فَأُلْحِقَ لِذَلِكَ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ لِقِيَامِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهِ لِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نِيَّةٍ إذْ النِّيَّةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي اللَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَغَيْرِهِ لِتَمْيِيزِ الْمُرَادِ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ الْمُرَادِ كَمَا فِي نَحْوِ اسْقِنِي الْمَاءَ مِمَّا لَمْ يَغْلِبْ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مَجَازًا وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي يَنْصَرِفُ إلَيْهَا اللَّفْظُ بِصَرَاحَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَمْ يَنْسَخْهَا عُرْفٌ فَكِنَايَةُ الطَّلَاقِ قِسْمَانِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ فِي الطَّلَاقِ فَأُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ وَخَفِيَّةٌ وَهِيَ مَا لَمْ يَغْلِبْ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ ، بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مَجَازًا فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَنْقُولٌ فِي الْعُرْفِ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ لِلطَّلَاقِ أَيْ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الطَّلَاقِ مَجَازًا وَالْمَنْقُولُ إمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيَصِيرُ فِي الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ

الْبَيْنُونَةِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُسَمَّاهُ الْعُرْفِيُّ وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِلطَّلَاقِ وَالْبَيْنُونَةِ مَعَ وَصْفِ الْعَدَدِ الثَّلَاثِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَيَصِيرُ النُّطْقُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عُرْفًا كَالنُّطْقِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لُغَةً إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ غَالِبًا وَفِي الثَّلَاثِ نَادِرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ الِاحْتِيَاطَ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْغَالِبِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ .
فَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ إنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّوَابِطِ هَلْ وُجِدَتْ أَمْ لَا وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ سَلَّمَ ضَابِطًا سُلِّمَ حُكْمُهُ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ مَنْ صَادَفَ الضَّابِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالضَّعِيفُ الْفِقْهِ مَنْ تَوَهَّمَ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَعَلَى الْفَقِيهِ اسْتِيفَاءُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ فَمِنْ قَائِلٍ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ نَقْلٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ كَذِبٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمِنْ قَائِلٍ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ .
وَمِنْ قَائِلٍ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِلطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَيَلْزَمُ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصُّوَرِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فَمِنْ هُنَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ وَشَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَالصَّاوِي عَلَيْهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ ( الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) مَا يَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ وَهُوَ لَفْظُ التَّصْرِيحِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوُ اعْتَدِّي مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ ( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مَا يَلْزَمُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا وَهُوَ نَحْوُ بَتَّةٍ وَحَبْلُك عَلَى

غَارِبِك ؛ لِأَنَّ الْبَتَّ هُوَ الْقَطْعُ فَكَأَنَّ الزَّوْجُ قَطَعَ الْعِصْمَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ وَلِأَنَّ الْحَبْلَ كِنَايَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ الَّتِي بِيَدِ الزَّوْجِ أَيْ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ وَكَوْنُهَا عَلَى غَارِبِهَا أَيْ كَتِفِهَا كِنَايَةٌ عَنْ مِلْكِهَا بِالطَّلَاقِ

( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ وَهُوَ نَحْوُ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ نَظَرًا لِبَائِنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ إنَّمَا تَكُونُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْظَرْ وَالْوَاحِدَةُ إمَّا لِكَوْنِهِ صِفَةً لِمَرَّةٍ مَحْذُوفًا أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ بَائِنَةٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهَا فَاعْتُبِرَ لَفْظُ بَائِنَةٍ وَأُلْغِيَ لَفْظُ وَاحِدَةٍ قَالَ الصَّاوِيُّ لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا كَانَ عُرْفُ التَّحَالُفِ أَنَّ مَعْنَى الْبَائِنَةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهَا الظَّاهِرَةَ الَّتِي لَا خَفَاءَ فِيهَا وَقَصَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَالظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَتَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ رَجْعِيَّةً ا هـ فَتَنَبَّهْ .
( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهُوَ نَحْوُ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَوْ خَلِيَّةٌ أَيْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ خَالِصَةٌ أَيْ مِنِّي أَوْ بَائِنَةٌ أَوْ أَنَا بَائِنٌ مِنْك أَوْ خَلِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ أَوْ خَالِصٌ ( الْقِسْمُ الْخَامِسُ ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهُوَ خَلَّيْت سَبِيلَك ( الْقِسْمُ السَّادِسُ ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا وَهُوَ نَحْوُ وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ أَوْ وَجْهِي عَلَى وَجْهِك حَرَامٌ أَوْ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ سَائِبَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَرَامٌ وَلَا حَلَالٌ ، أَوْ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ كَقَوْلِهِ يَا حَرَامُ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَكَقَوْلِهِ الْحَلَالُ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ وَقَصَدَ إدْخَالَ الزَّوْجَةِ ( الْقِسْمُ السَّابِعُ ) مَا

يَلْزَمُ فِيهِ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةٍ أَكْثَرَ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَهُوَ فَارَقْتُك قَالَ الدَّرْدِيرُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدُلَّ الْبِسَاطُ وَالْقَرَائِنُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِلَفْظٍ مِمَّا ذَكَرَ لَيْسَتْ فِي مَعْرِضِ الطَّلَاقِ بِحَالٍ وَإِلَّا صَدَقَ فِي نَفْيِ الطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّرِيحِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفْيِهِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرَائِنِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ عِنْدَ وِلَادَتِهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إعْلَامًا أَوْ اسْتِعْلَامًا أَوْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً فَقَالَتْ لَهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا أَطْلِقْنِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ أَيْ اسْتَطْلِقِي وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا فِي الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ قَالَ الدَّرْدِيرُ وَالضَّابِطُ فِي الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ عَلَى قَطْعِ الْعِصْمَةِ بِالْمَرَّةِ لَزِمَ فِيهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَلَا يَنْوِي وَذَلِكَ مِثْلُ بَتَّةٍ وَحَبْلِك عَلَى غَارِبِك مِنْ نَحْوِ قَطَعْت الْعِصْمَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَعِصْمَتُك عَلَى كَتِفِك أَوْ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ ، بَلْ دَلَّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَالْبَيْنُونَةُ لِغَيْرِ خُلْعٍ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَصَادِقَةٌ بِوَاحِدَةٍ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا رَاجِحًا فَثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا جَزْمًا كَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ الْأَقَلَّ كَحَرَامٍ وَمَيِّتَةٍ وَخَلِيَّةٍ وَبَرِيَّةٍ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مُسَاوِيًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا إلَّا لِنِيَّةٍ أَقَلَّ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَك وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مَرْجُوحًا بِأَنْ كَانَ ظُهُورُهُ فِي غَيْرِ الْبَيْنُونَةِ رَاجِحًا لَزِمَهُ الْوَاحِدَةُ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ كَفَارَقْتُكِ ( الْقِسْمُ الثَّامِنُ ) مَا يَنْوِي فِيهِ

وَفِي عَدَدِهِ وَهُوَ نَحْوُ اذْهَبِي وَانْصَرِفِي وَانْطَلِقِي أَوْ أَنْتِ مَطْلُوقَةٌ أَوْ مُنْطَلِقَةٌ مِمَّا لَيْسَ مِنْ صَرِيحِهِ وَلَا مِنْ كِنَايَاتِهِ الظَّاهِرَةِ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْعُرْفِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ ، بَلْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إنْ قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
فَالِانْطِلَاقُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَا مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ قِيلَ وَإِنْ كَانَا فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ السِّجْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَهِرَ عُرْفًا فِي إزَالَةِ خُصُوصِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ هُوَ الطَّلَاقُ دُونَ الِانْطِلَاقِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ نَحْوُ أَطْلَقْتُك وَانْطَلَقْت مِنْك وَانْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الطَّلَاقَ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً كَمَا عَلِمْت ( وَثَانِيهِمَا ) الْقَوْلُ بِصِحَّةِ مَا يُسَمِّيهِ النُّحَاةُ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ أَيْ بِصِحَّةِ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى أَوْ تَنَاسُبِهِ كَالْحَمْدِ وَالْمَدْحِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ لِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالتَّرْتِيبِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ لِلْمَادَّةِ كَالضَّارِبِ وَالضَّرْبِ لِاخْتِصَاصِ هَذَا بِالْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ قَلَّتْ أَفْرَادُ الْكَبِيرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ فَقَطْ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى أَوْ

تَنَاسُبِهِ كَالْفَلْقِ وَالْفَلْجِ بِالْجِيمِ وَهُمَا الشِّقُّ وَزْنًا وَمَعْنًى وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ ضَعِيفٌ ، ا هـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْأَبْيَارِيِّ عَلَى حَوَاشِي الْمُغْنِي .
قُلْت وَمِنْ الْأَكْبَرِ لَا مِنْ الْكَبِيرِ قَوْلُ الْأَصْلِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الَّتِي أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ لَكِنْ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ فَسَقَطَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ وَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَ الِاشْتِقَاقَ الْكَبِيرَ مِنْ النُّحَاةِ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ثَالِثُ حُرُوفِهَا يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَلَكِنَّ ثَالِثَ حُرُوفِهِ نُونٌ إلَّا أَنْ يُدَّعَى إبْدَالُ النُّونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِالْقَافِ فَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّهُونِيُّ إنْ قَصَدَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مُرِيدًا بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ فَيَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ قَالِقٌ بِإِبْدَالِ الطَّاءِ قَافًا أَوْ مُثَنَّاةً فَوْقِيَّةً حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ عج وَتَبِعَهُ عبق وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ تَامًّا ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ النُّطْقَ بِالْقَافِ كَانَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابُ عَنْ الرَّمَّاحِ وَسَلَّمَهُ مِنْ الْجَرَيَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ أَيْ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ ا هـ بِتَوْضِيحٍ وَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنَا طَالِقٌ مِنْك أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ هَلْ هُوَ مِنْ الصَّرِيحِ أَوْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ ( الْأَوَّلُ ) فِي الصِّيغَتَيْنِ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ فِي الْأُولَى مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَمَّا مَا فِي الثَّانِيَةِ فَمَذْهَبُهُ الثَّانِي قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمَصْدَرِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَأَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةٍ تَعَذَّرَ أَنَّهَا عَيْنُ الطَّلَاقِ ، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِاسْمِ الْفَاعِلِ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ

النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ مَانِعٌ مِنْ التَّرَدُّدِ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهَا حَالَةَ التَّرَدُّدِ ا هـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْأُولَى ( الثَّانِي ) تَمَسُّكًا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْأَمْرُ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ ، بَلْ هِيَ الْمَحْبُوسَةُ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَا طَالِقٌ فَلَوْ كَانَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَوَقَعَ كَالْمَرْأَةِ ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُوصَفُ بِهِ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ مُطَلَّقٌ وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْهُ وَأَجَابَ الْأَصْلُ عَنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَنْ عَمَّتِهَا وَأُخْتِهَا وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ لَازِمٌ بِالنِّكَاحِ فَيَخْرُجُ عَنْ لُزُومِهِ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ وَصْفَهُ بِطَالِقٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ امْرَأَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِصْمَتِهِ لِتَعَذُّرِ تَعَوُّدِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الزَّوْجَاتِ أَيْ فَثَبَتَ الْفَارِقُ فَلَا قِيَاسَ وَبَطَلَتْ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّرْطِيَّةِ فَافْهَمْ ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ مُطَلَّقَ اسْمُ مَفْعُولٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ ا هـ .
وَتَعَقَّبَ ابْنُ الشَّاطِّ جَوَابَهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَعْنَى الِانْطِلَاقِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الطَّلَاقُ حَلُّ الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ يَصْدُرُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَقَعُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا قَالَ أَنَا طَالِقٌ مِنْك فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى أَيْ جَعَلَ صُدُورَ حَلِّ الْعِصْمَةِ مِنْهَا وَاقِعًا بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا أَيْ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَجَوَابُهُ الثَّانِي بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ أَيْ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهُ بِطَالِقٍ عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ يُعَيِّنْهَا

اللَّفْظُ حَتَّى يَثْبُتَ الْفَارِقُ وَتَبْطُلَ الْمُلَازَمَةُ الْمَذْكُورَةُ فَافْهَمْ وَجَوَابُهُ الثَّالِثُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَقِيقَةً ، فَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ مَجَازًا ا هـ .
( قَالَ الْأَصْلُ ) وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِأَنَّ أَلْفَاظَ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ الظَّاهِرَةِ بِجُمْلَتِهَا كَلَفْظِ صَرِيحِهِ بِجُمْلَتِهِ نُقِلَتْ مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ كِنَايَاتِهِ الْخَفِيَّةِ وَالنَّقْلُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْعُرْفِ أَمْرَانِ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ الْعُرْفَ إذَا تَحَوَّلَ إلَى الضِّدِّ تَحَوَّلَتْ تِلْكَ إلَى الْأَلْفَاظِ بِتَحَوُّلِهِ فَصَارَ الْمُشْتَهِرُ الظَّاهِرُ خَفِيًّا وَالْخَفِيُّ مُشْتَهِرًا ظَاهِرًا وَمَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ صَرِيحٌ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ صَرِيحًا بِحَسَبِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْعُرْفُ فَقَطْ وَلَمْ يُنْقَلْ لِلضِّدِّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِيرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحًا ، بَلْ وَلَا كِنَايَةً ظَاهِرَة ، بَلْ تَحْتَاجُ جَمِيعُ الْأَلْفَاظِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَا إلَى النِّيَّةِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْعُرْفِ الَّذِي رُتِّبَتْ الْفُتْيَا عَلَيْهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْعُرْفُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ حَالِ عُرْفِ بَلَدِهِ مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ لَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي فِي كُلِّ زَمَانٍ يَتَبَاعَدُ عَمَّا قَبْلَهُ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْعُرْفَ هَلْ هُوَ بَاقٍ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدَهُ بَاقِيًا أَفْتَى بِهِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَنْ الْفُتْيَا ، وَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَوَائِدِ كَالنُّقُودِ وَالسِّكَكِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَاتِ

وَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَالنُّذُورِ فِي الْإِطْلَاقَاتِ ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَظْهَرْ لَك أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا وَجَدُوا الْأَئِمَّةَ الْأُوَلَ قَدْ أَفْتَوْا بِفَتَاوَى وَسَطَرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ لَهُمْ قَدْ زَالَتْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُفْتُوا بِتِلْكَ الْفَتَاوَى فَإِنَّ فَتْوَاهُمْ بِهَا وَقَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ خَطَأٌ ضَرُورَةَ أَنَّهَا فُتْيَا بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرَكٍ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرَكِهِ وَالْفُتْيَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ فَتْوَى أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ الْيَوْمَ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي لَفْظِ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَنَحْوِهَا بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتِلْكَ الْعَادَةُ قَدْ زَالَتْ فَإِنَّا لَا نَجِدُ الْيَوْمَ أَحَدًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِالْخَلِيَّةِ وَلَا بِالْبَرِيَّةِ وَلَا بِحَبْلِك عَلَى غَارِبِك وَلَا بِوَهَبْتُكِ لِأَهْلِك ، وَلَوْ وَجَدْنَاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْلًا عُرْفِيًّا يُوجِبُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَفْظَ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي ذَوَاتِ الْجَمَالِ وَلَفْظَ الْبَحْرِ وَالْغَيْثِ وَالنَّدَى كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْكِرَامِ الْبَاذِلِينَ الْمَالَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَنْقُولَةً لِهَذِهِ الْمَعَانِي إذْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهَا ضَابِطُ الْمَنْقُولِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ قَرِينَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي لَا تُفْهَمُ مِنْهَا هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِالْقَرِينَةِ ا هـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ ا هـ .
( وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ ) وَالثَّانِي الْمُقَابِلَيْنِ لِلْمَشْهُورِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ هُوَ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ الْقَائِلَ بِالثَّانِي

وَالشَّافِعِيَّ الْقَائِلَ بِالثَّالِثِ قَدْ أَعْرَضَا عَنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَاعْتَبَرَا مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّأْنَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى وَكَانَ لَفْظٌ آخَرُ مَوْضُوعًا فِيهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ، ثُمَّ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْقُولًا لَهُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ كَالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَيَصِيرُ إذْ ذَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ الثَّانِي مَنْقُولًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ فَهَا هُنَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ وَأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ وَالثَّانِيَ كِنَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ الْمُعَيِّنَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِيرَادُ الْأَصْلِ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْحَقَائِقِ كَذَلِكَ يَرِدُ بِالْمَجَازَاتِ وَبِالْكِنَايَاتِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ كَثِيرًا جِدًّا وَيَعْتَمِدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالتَّصْرِيحِ بِالْمُرَادِ فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مَا وَرَدَ فِيهِ كَيْفَ كَانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ عَلَى الصَّرَاحَةِ وَالْوَضْعِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ ا هـ .
رَدَّهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِهِ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا أَوْ عُرْفًا ، بَلْ مَجَازًا حَتَّى لَا يُسْتَدَلَّ بِوُرُودِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا أَوْ عُرْفِ

الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ يَرِدُ أَيْضًا بِالْحَقَائِقِ وَهِيَ الْأَصْلُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .

( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ ) اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ إجْمَاعًا وَفِي اشْتِرَاطِهَا قَوْلَانِ ، وَهَذَا هُوَ مُتَحَصِّلُ الْكَلَامِ الَّذِي فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ فَحَيْثُ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ فَيُرِيدُونَ الْقَصْدَ لِإِنْشَاءِ الصِّيغَةِ احْتِرَازًا مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ لِمَا لَمْ يَقْصِدْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا طَارِقًا فَيُنَادِيهَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ فَيَقُولُ لَهَا يَا طَالِقُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ وَحَيْثُ قَالُوا النِّيَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّرِيحِ فَمُرَادُهُمْ الْقَصْدُ لِاسْتِعْمَالِ الصِّيغَةِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْكِنَايَاتِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ .
وَأَمَّا الصَّرِيحُ فَلَا وَحَيْثُ قَالُوا فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الصَّرِيحِ قَوْلَانِ فَيُرِيدُونَ بِالنِّيَّةِ هَاهُنَا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ النِّيَّةَ وَيُرِيدُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَإِلَّا فَمَنْ قَصَدَ وَعَزَمَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْجَلَّابِ بِاعْتِقَادٍ بِقَلْبِهِ فَقَالَ ، وَمَنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ فَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ قَوْلَانِ وَالِاعْتِقَادُ لَا يَلْزَمُ بِهِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا فَلَوْ اعْتَقَدَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ .
ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بُطْلَانُ اعْتِقَادِهِ بَقِيَتْ لَهُ زَوْجَةً إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَنَّهُ إذَا

طَلَّقَ بِلِسَانِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَ أَيْضًا بِقَلْبِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَفِي الْفَرْقِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ أَرَادَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ اشْرَبِي أَوْ نَحْوَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِيَ طَلَاقَهَا بِمَا تَلَفَّظَ بِهِ فَيَجْتَمِعُ اللَّفْظُ وَالنِّيَّةُ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَنِيَّتُهُ وَاحِدَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ قَالَ سَحْنُونٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْوِهِ يُرِيدُ أَنَّ اللَّفْظَ وَحْدَهُ لَا يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةٌ مَعَ لَفْظِ الثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ فِي الْفُتْيَا وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31