كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ ) وَقِيلَ إلَى أَرْبَعٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقِيلَ إلَى سَبْعِ سِنِينَ وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْحَمْلَ الْآتِي بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ مِنْ الزَّوْجِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَى وَوُقُوعُ الزِّنَى فِي الْوُجُودِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحَمْلِ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ هَا هُنَا النَّادِرَ عَلَى الْغَالِبِ وَكَانَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُجْعَلَ زِنًى لَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَّعَ لُحُوقَهُ بِالزَّوْجِ لُطْفًا بِعِبَادِهِ وَسِتْرًا عَلَيْهِمْ وَحِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَسَدًّا لِبَابِ ثُبُوتِ الزِّنَى كَمَا اشْتَرَطَ تَعَالَى فِي ثُبُوتِهِ أَرْبَعَةً مُجْتَمِعِينَ سَدًّا لِبَابِهِ حَتَّى يَبْعُدَ ثُبُوتُهُ وَأُمِرْنَا أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَبِهِ ، وَإِذَا تَحَمَّلْنَاهَا أُمِرْنَا بِأَنْ لَا نُؤَدِّيَ بِهَا وَأَنْ نُبَالِغَ فِي السِّتْرِ عَلَى الزَّانِي مَا اسْتَطَعْنَا بِخِلَافِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ كُلُّ ذَلِكَ شُرِعَ طَلَبًا لِلسِّتْرِ عَلَى الْعِبَادِ وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْإِلْحَاقِ بِالْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاعْلَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ طَلَبُ السَّتْرِ وَمَا تَقَدَّمَ مَعَهُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبُ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ ) وَقِيلَ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقِيلَ إلَى تِسْعِ سِنِينَ وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْ سَنَتَيْنِ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ هَاهُنَا قَدَّمَ النَّادِرَ عَلَى الْغَالِبِ دُونَ الْعَكْسِ وَإِلَّا لَمَّا لَحِقَ هَذَا الْحَمْلُ الْآتِي بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ بِالْأَزْوَاجِ وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا وَوُقُوعُ الزِّنَى فِي الْوُجُودِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحَمْلِ هَذِهِ الْمُدَّةَ ، بَلْ كَانَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُجْعَلَ زِنًى عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ لُحُوقَهُ بِالزَّوْجِ لُطْفًا بِعِبَادِهِ وَسِتْرًا عَلَيْهِمْ وَحِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَسَدِّ الْبَابِ ثُبُوتُ الزِّنَى كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ مَعَ ثُبُوتِهِ أَرْبَعَةٌ مُجْتَمِعِينَ سَدًّا لِبَابِهِ حَتَّى يَبْعُدَ ثُبُوتُهُ وَأُمِرْنَا أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَأُمِرْنَا إذَا تَحَمَّلْنَاهَا أَنْ لَا نُؤَدِّيَهَا وَأَنْ نُبَالِغَ فِي السِّتْرِ عَلَى الزَّانِي مَا اسْتَطَعْنَا فَإِنَّهُ تَعَالَى كَمَا شُرِعَ كُلُّ ذَلِكَ طَلَبًا لِلسَّتْرِ عَلَى الْعِبَادِ وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ شُرِعَ لُحُوقُ الْحَمْلِ الْآتِي بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ بِالْأَزْوَاجِ وَهُوَ نَادِرٌ لِذَلِكَ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ فَطَلَبُ السِّتْرِ وَمَا تَقَدَّمَ مَعَهُ هُوَ سَبَبُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ قَاعِدَةِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَجَعْلِهَا عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْإِلْحَاقِ بِالْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَدَدِ وَقَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ ) إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ وَإِنْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ كَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا غَائِبًا عَنْهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ ، وَكَذَلِكَ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجْرِي الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ وَدِيعَةً وَسَيِّدُهَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَسَكَنِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْغَيْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ أَوْ خَرَجَتْ حَائِضًا أَوْ الشَّرِيكُ يَشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا اُسْتُبْرِئَتْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهَا مَعَ جَوَازِ الْحَمْلِ فَقَوْلَانِ كَالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ تُسْتَبْرَآنِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالْوَخْشِ مِنْ الرَّقِيقِ ، وَمَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ إيجَابُهُ وَأَشْهَبُ يَنْفِيهِ وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَهَذِهِ فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَجُوزُ فِي الْعِدَدِ مِثْلُهَا فَلَوْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الْمُعْتَدَّةِ قَبْلَ الْإِطْلَاقِ أَوْ الْوَفَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْعِدَّةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ فِي الْوَفَاةِ عَلَى بِنْتِ الْمَهْدِ وَتَجِبُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ بَرَاءَتُهَا بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ

وَغَيْرِهَا هَذِهِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعِدَّةِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ وَجَبَ فِعْلُهَا بَعْدَ سَبَبِهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَوْفِيَةً لِشَائِبَةِ التَّعَبُّدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ الشَّائِبَةُ ، بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَلِذَلِكَ حَيْثُ حَصَلَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَرَاءَةُ سَقَطَتْ الْوَسِيلَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الِاسْتِبْرَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الصُّوَرِ عَنْ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِثْلُهَا فِي قَاعِدَةِ الْعِدَدِ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعِدَدِ وَقَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ وَإِنْ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ لِلرَّحِمِ كَبِنْتِ الْمَهْدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَكَمَنْ طَلَّقَهَا أَوْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا الْغَائِبُ عَنْهَا بَعْدَ عَشَرِ سِنِينَ وَالِاسْتِبْرَاءُ لَا يَجِبُ حَيْثُ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ لِلرَّحِمِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجْرِي الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ وَدِيعَةً وَسَيِّدُهَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَسَكَنِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْغَيْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ أَوْ أَخْرَجَتْ حَائِضًا أَوْ الشَّرِيكَ يَشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا اسْتَبْرَأَتْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهَا مَعَ جَوَازِ الْحَمْلِ فَقَوْلَانِ كَالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ تُسْتَبْرَآنِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالْوَحْشِ مِنْ الرَّقِيقِ ، وَمَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ إيجَابُهُ وَأَشْهَبُ يَنْفِيهِ وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ا هـ .
وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ الْعِدَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ هِيَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى إلَّا إنَّهَا لَمَّا كَانَ فِيهَا شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْوَفَاةِ عَلَى بِنْتِ الْمَهْدِ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ بَرَاءَتُهَا بِسَبَبٍ وَغَيْرِهَا وَجَبَ فِعْلُهَا بَعْدَ سَبَبِهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَوْفِيَةً لِشَائِبَةِ التَّعَبُّدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ لِمَا لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ

الشَّائِبَةُ ، بَلْ إنَّمَا شُرِعَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَعْقُولُ الْمَعْنَى لَمْ يَجِبْ حَيْثُ حَصَلَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَرَاءَةُ ضَرُورَةً أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فَتَسْقُطُ حَيْثُ حَصَلَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبِدُونِهَا هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الصُّوَرِ عَنْ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَعَدَمِ خُرُوجِ مِثْلِهَا فِي قَاعِدَةِ الْعِدَدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ لَا يَكْفِي شَهْرٌ ) مَعَ أَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحْصُلُ لَهُنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ كَأَنْ يُكْتَفَى بِشَهْرٍ كَمَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْقُرْءَ الْوَاحِدَ وَهُوَ الْحَيْضُ دَالٌّ عَادَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَمْلِ غَالِبًا فَكَانَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيْضِ دَالًّا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ الْحَمْلِ ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ قُرْءًا وَاحِدًا فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ مَنِيًّا فِي الرَّحِمِ نَحْوَ الشَّهْرِ ، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَقَةً فَلَا يَظْهَرُ الْحَمْلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتُكْبِرُ الْجَوْفَ وَتَحْصُلُ مَبَادِئُ الْحَرَكَةِ أَمَّا الشَّهْرُ الْوَاحِدُ فَجَوْفُ الْحَامِلِ فِيهِ مُسَاوٍ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَاعْتُبِرَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ

الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ ) لَا يَكْفِي شَهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّهْرَ الْوَاحِدَ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ قُرْءٌ وَاحِدٌ فِي حَقِّ مَنْ يَحِيضُ فَيَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِ كَمَا اكْتَفَى بِقُرْءٍ وَاحِدٍ نَظَرًا لِكَوْنِ غَالِبِ النِّسَاءِ ذَوَاتَ حَيْضٍ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَعَدَمُ الْحَمْلِ ، بَلْ جَوْفُ الْحَامِلِ فِيهِ مُسَاوٍ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ مَنِيًّا فِي الرَّحِمِ نَحْوَ الشَّهْر ، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَقَةً فَلَا يَظْهَرُ الْحَمْلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتَكْبُرُ الْجَوْفُ وَتَحْصُلُ مَبَادِئُ الْحَرَكَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَاعْتُبِرَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ الْحَمْلِ عَادَةً إذْ لَا يَجْتَمِعُ الْحَيْضُ مَعَ الْحَمْلِ غَالِبًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ ) فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدٍ ابْنِ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا الَّذِي أَوْلَدَهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَهَا السُّكْنَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ قَوْمٌ عِدَّتُهَا نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَقَالَ قَوْمٌ عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَا مُطَلَّقَةً فَتَعْتَدُّ ثَلَاثَ حَيْض فَلَمْ تَبْقَ إلَّا اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا وَذَلِكَ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ تَشْبِيهًا بِالْأَمَةِ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَذَلِكَ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ ، وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَا بِأَمَةٍ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَبْرَأَ رَحِمُهَا بِعِدَّةِ الْأَحْرَارِ .
وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوا لَهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ لَا تُلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ وَضَعَّفَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ ، وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فَشَبَّهَهَا بِالزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فَسَبَبُ الْخِلَافِ إنَّهَا مَسْكُوتٌ عَنْهَا وَهِيَ مُتَرَدِّدَةُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ ، وَأَمَّا مَنْ شَبَّهَهَا بِالزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فَضَعِيفٌ وَأَضْعَفُ مِنْهُ مَنْ شَبَّهَهَا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبُو حَنِيفَةَ ا هـ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ ) وَهُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَكُلِّ وِلَايَةِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا فَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحُرُوبِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَمَكَائِدِ الْعَدُوِّ وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَوُجُوهِ الْخُدَعِ مِنْ النَّاسِ وَيُقَدَّمُ فِي الْفَتْوَى مَنْ هُوَ أَنْقَلُ لِلْأَحْكَامِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى إرْشَادِهَا لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَيُقَدَّمُ فِي سِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ وَجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنَصْبِ الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ اخْتِلَاطِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَضَمِّ أَجْنَاسِهَا وَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَأَهْلِيَّاتِ الْكَفَالَاتِ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْهُمْ ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْوِلَايَاتِ وَيُقَدَّمُ فِي الْخِلَافَةِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَافِرُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ قَوِيُّ النَّفْسِ شَدِيدُ الشَّجَاعَةِ عَارِفٌ بِأَهْلِيَّاتِ الْوِلَايَاتِ حَرِيصٌ عَلَى مَصَالِحِ الْأُمَّةِ قُرَشِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ النُّبُوَّةِ الْمُعَظَّمَةِ كَامِلُ الْحُرْمَةِ وَالْهَيْبَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحَضَانَةُ تَفْتَقِرُ إلَى وُفُورِ الصَّبْرِ عَلَى الْأَطْفَالِ فِي كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالتَّضَجُّرِ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لِلصِّبْيَانِ وَمَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ ، وَكَانَتْ النِّسْوَةُ أَتَمَّ مِنْ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ أَنَفَاتِ الرِّجَالِ وَإِبَاءَةَ نُفُوسِهِمْ وَعُلُوَّ هِمَمِهِمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْسِلَاكِ فِي أَطْوَارِ الصِّبْيَانِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ

اللُّطْفِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ وَتَحَمُّلِ الدَّنَاءَاتِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوَاعِدِ الْوِلَايَاتِ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ ) وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ التَّامَّةُ الْبَالِغَةُ كَثْرَةَ بُكَاءِ الْأَطْفَالِ مَنْفَعَةً لَهُمْ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِي أَدْمِغَتِهِمْ رُطُوبَاتٍ لَوْ بَقِيَتْ فِيهَا لَأَحْدَثَتْ أَحْدَاثًا عَظِيمَةً وَالْبُكَاءُ يُسِيلُ ذَلِكَ وَيَحْدُرُهُ مِنْ أَدْمِغَتِهِمْ فَتَقْوَى أَدْمِغَتُهُمْ وَتَصِحُّ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْبُكَاءَ وَالْعِيَاطَ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ مَجَارِي النَّفَسِ وَيَفْتَحُ الْعُرُوقَ وَيُصَلِّبُهَا وَيُقَوِّي الْأَعْصَابَ وَاقْتَضَتْ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّارُ الدُّنْيَا مَمْزُوجَةً عَافِيَتُهَا بِبَلَائِهَا وَرَاحَتُهَا بِعَنَائِهَا وَلَذَّتُهَا بِآلَامِهَا وَصِحَّتُهَا بِسَقَمِهَا وَفَرَحُهَا بِغَمِّهَا وَأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ تَدْفَعُ بَعْضَ آفَاتِهَا بِبَعْضٍ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ : أَصْبَحَتْ فِي دَارِ بَلِيَّاتٍ أَدْفَعُ آفَاتٍ بِآفَاتِ حَتَّى صَارَتْ آلَامُ الْأَطْفَالِ كَآلَامِ الْبَالِغِينَ مِنْ لَوَازِمِ النَّشْأَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا الْإِنْسَانُ وَلَا الْحَيَوَانُ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالتَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ بِحَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ إنْسَانًا ، بَلْ كَانَ مَلَكًا أَوْ خَلْقًا آخَرَ إلَّا أَنَّ الْبَالِغِينَ لَمَّا صَارَتْ لَهُمْ عَادَةٌ سَهُلَ مَوْقِعُهَا عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْأَطْفَالِ كَمَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ لِابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ افْتَقَرَتْ حَضَانَتُهُمْ إلَى وُفُورِ الصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي كَثْرَةِ بُكَائِهِمْ وَتَضَجُّرِهِمْ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لَهُمْ وَإِلَى مَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَلَمَّا كَانَتْ النِّسْوَةُ أَتَمَّ مِنْ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَنَفَاتِ الرِّجَالِ وَإِبَايَةَ نُفُوسِهِمْ وَعُلُوِّ

هِمَمِهِمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْسِلَاكِ فِي أَطْوَارِ الصِّبْيَانِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ اللُّطْفِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ وَتَحَمُّلِ الدَّنَاءَاتِ وَقَاعِدَةُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَكُلِّ وِلَايَةٍ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا قَدَّمَهُنَّ الشَّرْعُ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْحَضَانَةِ كَمَا قَدَّمَ الرِّجَالَ عَلَيْهِنَّ فِي غَيْرِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِهِمْ الْمُنَاسِبَةِ لِأَيِّ وِلَايَةٍ مِنْ الْوِلَايَاتِ فَقَدَّمَ فِي الْخِلَافَةِ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَافِرُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ قَوِيُّ النَّفْسِ شَدِيدُ الشُّجَاعَةِ عَارِفٌ بِأَهْلِيَّاتِ الْوِلَايَاتِ حَرِيصٌ عَلَى مَصَالِحِ الْأُمَّةِ قُرَشِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ النُّبُوءَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَامِلُ الْحُرْمَةِ وَالْهَيْبَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحُرُوبِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَمُكَائَدَةِ الْعَدُوِّ ، وَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَوُجُودِ الْخُدَعِ مِنْ النَّاسِ وَقَدَّمَ فِي الْفَتْوَى مَنْ هُوَ أَنْقَلُ لِلْأَحْكَامِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى إرْشَادِهَا لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَقَدَّمَ فِي سِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ وَجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنُصُبِ الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ اخْتِلَاطِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَضَمِّ أَجْنَاسِهَا وَقَدَّمَ فِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَأَهْلِيَّاتِ الْكَفَّارَاتِ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْهُمْ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الْوِلَايَاتِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَاتِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ ) أَمَّا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَرَجَّحَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَالَ أَكْرَهُ الصَّيْرَفِيَّ مِنْ صَيَارِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا ، وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } .
وَقَالَ وَأَكْرَهُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ لِلْحَرْبِيِّ بِالرِّبَا وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّبَا مَعَ الْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا رِبَا إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ } .
وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ؛ لِأَنَّ الرِّبَا مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْجَمِيعِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحَرَّمَ الرِّبَا } ، وَعُمُومُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَتَنَاوَلُ الْحَرْبِيَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَامَلَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذُوهُ بِالرِّبَا مُحَرَّمًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ مُخَاطَبٌ قَوْلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ مُعَامَلَتُهُ إذَا كَانَ يَتَعَاطَى الرِّبَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَذِّرٍ أَشَدَّ مِنْ الذِّمِّيِّ ( الثَّانِي ) أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بِالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ ، وَإِذَا تَابَ الْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ } وَمَا هُوَ بِصَدَدِ الثُّبُوتِ الْمُسْتَمِرِّ وَقَابِلٌ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِمَّا لَا يَقْبَلُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَوَرِّعِينَ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَكْثَرَ مُلَاحَظَةً لِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ

وَالْفَرِيقَيْنِ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَة مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ ) وَذَلِكَ إنَّ لِمُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ حَالَتَيْنِ ( الْحَالَةُ الْأُولَى ) مَا إذْ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبَا بَيْنَهُمْ ( وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ ) مَا إذَا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى رَجَّحَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ مُعَامَلَتَهُمْ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ الصَّيْرَفِيَّ مِنْ صَيَارِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا ، وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } .
وَقَالَ وَأَكْرَهُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ لِلْحَرْبِيِّ بِالرِّبَا أَيْ ؛ لِأَنَّ الرِّبَا مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْجَمِيعِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَعُمُومُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَتَنَاوَلُ الْحَرْبِيَّ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مُعَامَلَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذَهُ الرِّبَا مُحَرَّمًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفَرْعِ الشَّرِيعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ مُعَامَلَتُهُ إذَا كَانَ يَتَعَاطَى الرِّبَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَذِّرٍ أَشَدَّ مِنْ الذِّمِّيِّ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بِالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَإِذَا تَابَ الْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ } وَمَا هُوَ بِصَدَدِ الثُّبُوتِ الْمُسْتَمِرِّ وَقَابِلٌ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِمَّا لَا يَقْبَلُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَلِمُلَاحَظَةِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ اعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَوَرِّعِينَ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَكْثَرَ

وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّبَا مَعَ الْحَرْبِيِّ أَيْ مُطْلَقًا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا رِبَا إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ } وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْمِلْكَ أُشْكِلَ ضَبْطُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ التَّصَرُّفُ ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ التَّصَرُّفِ فَالتَّصَرُّفُ وَالْمِلْكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَقَدْ يُوجَدُ التَّصَرُّفُ بِدُونِ الْمِلْكِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ يَتَصَرَّفُونَ وَلَا مِلْكَ لَهُمْ وَيُوجَدُ الْمِلْكُ بِدُونِ التَّصَرُّفِ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِهِمْ يَمْلِكُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ وَيَجْتَمِعُ الْمِلْكُ وَالتَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ الرَّاشِدِينَ النَّافِذِينَ لِلْكَلِمَةِ الْكَامِلِينَ الْأَوْصَافِ ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ ، وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي يُمْكِنُ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمُلُوكِ وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ ، وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ لَيْسَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا ، بَلْ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ كَالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَاتِ وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِيَخْرُجَ التَّصَرُّفُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّفُ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ

فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْإِبَاحَاتُ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا ، وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا الِاخْتِصَاصَاتُ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ لَهُمْ الْمِلْكُ ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ ، لَكِنَّ تِلْكَ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهَا اقْتَضَتْ مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْمَنْعُ مِنْ أُمُورٍ خَارِجَةٍ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا وَهِيَ إمَّا وَاجِبَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا أَوْ مُسْتَحِيلَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَهَا ، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمِلْكِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ كَالْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ فَإِنْ ، قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنَّ الضِّيَافَةَ تُمْلَكُ وَهَلْ بِالْمَضْغِ أَوْ بِالْبَلْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ عِنْدَهُمْ ، فَهَذَا مِلْكٌ مَعَ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى مَا قُدِّمَ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ

مِنْ إطْعَامِهِ لِغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَ وَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَمَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ ، وَقَدْ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ كَبُيُوتِ الدَّارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ ( وَأَمَّا ) السُّؤَالُ الثَّانِي فَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ رَدِيئَةٌ جِدًّا وَأَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ النَّقْضِ بِهَا عَلَى الْحَدِّ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا ( وَأَمَّا ) السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَالِكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ ، فَتِلْكَ الْمَسَاكِنُ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ إلَّا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا

يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعَرْضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا ( فَإِنْ ، قُلْت ) إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْك فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ ( قُلْت ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةً فِي تَصَرُّفَاتٍ خَاصَّةٍ ، وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْإِبَاحَةِ .
وَالتَّعْلِيقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولَ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا ، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ ( فَإِنْ قُلْت ) الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ ، فَيَكُونُ سَبَبًا ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ قُلْت وَكَذَلِكَ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبَّبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَثُوبَاتٍ

وَتَعْزِيرَاتٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا أَوْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرَتُّبِ ، بَلْ نَقُولُ الزَّوَالُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ ، وَوُجُوبُ الظُّهْرِ سَبَبٌ لَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ سَبَبَ الثَّوَابِ وَتَرْكُهُ سَبَبَ الْعِقَابِ وَوُجُوبُهُ سَبَبٌ لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَرَتَّبَ عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَبَبًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ ، بَلْ الضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ أَنَّ الْخِطَابَ مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مُكَلَّفٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ خِطَابُ الْوَضْعِ ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ ( فَإِنْ قُلْت ) الْمِلْكُ حَيْثُ وُجِدَ هَلْ يُتَصَوَّرُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ أَمْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً .
( قُلْت ) قَالَ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ يَحْصُلُ فِي الْأَعْيَانِ وَفِي الْإِجَارَاتِ يَحْصُلُ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، بَلْ الْأَعْيَانُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْأَمَانَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ قَالَ وَتَحْقِيقُ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ الْعَيْنُ ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ

الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا يُتَوَهَّمُ الْتِبَاسُهُ بِهِ .

قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ إلَى قَوْلِهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ ( وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعَرْضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ ) قُلْت هَذَا الْحَدُّ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ ( ثَالِثُهَا ) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعَرْضِ ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا ( رَابِعُهَا ) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا زِدْنَا فِي الْحَدِّ فَقُلْنَا إنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ قَالَ ( أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ .
( وَأَمَّا أَنَّهُ مَقْدُورٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ

الشَّرْعِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ ) قُلْت قَوْلُهُ إنَّهُ عَدَمِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ .
قَالَ ( وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعُ كَالْإِجَارَاتِ ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ هُوَ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْمَازِرِيِّ قَالَ ( وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ ) قُلْت هَذَا التَّحَرُّزُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِّهِ .
قَالَ ( وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ) قُلْت جُعِلَ التَّصَرُّفُ بَدَلَ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ قَبْلَ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْحَاكِمِ حَيْثُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ هُنَا مِنْ ضَيْفٍ وَشَبَهِهِ لَيْسَ لَهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ ، بَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالِانْتِفَاعِ خَاصَّةً قَالَ ( وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ إلَى قَوْلِهِ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ ) قُلْت كَلَامُهُ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ هُوَ مُوجِبُ الْمِلْكِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ مُوجِبُهُ الِانْتِفَاعُ ، ثُمَّ الِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ ، ثُمَّ النَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ

بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ قَالَ ( وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ صَحِيحٍ قَالَ ( فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ ) ، قُلْت ذَلِكَ حِكَايَةُ سُؤَالَاتٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ( قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ ) قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ خَاصَّةً سَوَاءٌ أَوَقَعَ الْبِنَاءُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته أَوْ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَاهُ هُوَ أَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته فَلِأَنَّ مُقَدَّمَ الضِّيَافَةِ قَدْ مَكَّنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَكْلِهَا ، وَأَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَاهُ هُوَ فَلِأَنَّهُ قَالَ حُكْمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ عَنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِهِمَا فَيَبْقَى الِانْتِفَاعُ مُطْلَقًا .
قَالَ ( كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَكَ فِي الْمَاءِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ ) قُلْت هِيَ مَمْلُوكَةٌ بَعْدَ التَّنَاوُلِ وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ سَبَبُ مِلْكِهَا قَالَ ( كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ ) قُلْت إبَاحَةُ صَاحِبِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْكُلَ سَبَبُ مِلْكِهِ أَنْ يَأْكُلَ وَمِلْكُهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ ( وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ ) قُلْت مَا

قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْكِلٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ لَيْسَ كَمَا .
قَالَ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا التَّصَرُّفُ وَالسُّلْطَانُ هُوَ التَّمَكُّنُ بِعَيْنِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَ هُوَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ مَعَ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَكَيْفَ يَقُولُ لَا بُدَّ فِي الْمِلْكِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اسْتِبْعَادٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَمْلِكُ ، الْبَلْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّعَامَ بِالتَّنَاوُلِ حَتَّى إذَا تَنَاوَلَ لُقْمَةً لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ فَإِنْ قَالَ ابْتَلَعَهَا فَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهَا قَبْلَ الْبَلْعِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَلِعْهَا وَنَبَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَجَازَ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهَا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهَا إلَّا لِيَأْكُلَهَا ، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلْهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ تَنَاوَلَهَا عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَ مِنْ إنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلْ الْإِبَاحَاتُ هِيَ التَّمْلِيكَاتُ أَوْ أَسْبَابٌ لِلتَّمْلِيكَاتِ .
قَالَ ( وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ إلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ( وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ إلَى قَوْلِهِ لِمَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ ) قُلْت وَإِذَا كَانَتْ مَأْذُونًا فِيهَا فَمَنْ أَذِنَ فَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَالِكٌ لِلِانْتِفَاعِ قَالَ ( لَا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ ) قُلْت أَمَّا الِانْتِفَاعُ فَفِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِف وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ

فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ ، وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا مَالِكَ عَلَيْهِ لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا وَإِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً .
قَالَ ( بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ إلَى قَوْلِهِ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا ) قُلْت إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ إنْ كَانَ سُكْنَى الْمَوْضِعِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوَّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا .
قَالَ ( فَإِنْ ، قُلْت إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْكِ فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ إنَّهُ إبَاحَةٌ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( فَإِنْ ، قُلْت الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ إلَى قَوْلُهُ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا ) قُلْت لَمَّا فَسَّرَ الْمِلْكَ بِالْإِبَاحَةِ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ الْمِلْكُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالِانْتِفَاعُ مُتَعَلِّقُ الْمِلْكِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُتَعَلِّقِ أَنَّهُ سَبَبُ الْمُتَعَلِّقِ إلَّا

عَلَى وَجْهِ التَّوَسُّعِ فِي الْعِبَارَاتِ لَا عَلَى الْمُتَقَرِّرِ فِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ ( وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرَتُّبِ إلَى قَوْلِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا عَدَا قَوْلَهُ إنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ قَبْلَ هَذَا .

الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ ) الْمِلْكُ سَبَبٌ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ بِحَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ فَيَجْتَمِعَانِ فِي الْبَالِغَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ النَّافِذَيْنِ لِلْكَلِمَةِ الْكَامِلَيْنِ الْأَوْصَافِ وَيَنْفَرِدُ الْمِلْكُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ وَيَنْفَرِدُ التَّصَرُّفُ عَنْ الْمِلْكِ فِي الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ وَلَا مِلْكَ لَهُمْ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْمِلْكَ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ أَوْ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ وَفِي أَنَّهُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ أَوْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْأَصْلُ وَإِلَى الثَّانِي مِنْهُمَا ابْنُ الشَّاطِّ وَخُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمِلْكَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعِوَضُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَأَنَّ دَلِيلَ كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَمْرَانِ ( أَحَدُهُمَا ) الْإِجْمَاعُ ( وَثَانِيهِمَا ) أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ وَكُلُّ مَا يَتْبَعُهَا فَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ الْخَاصَّةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْأَيَّامِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى

تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ إنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا ، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بَعِيدٌ ضَرُورَةً أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبَّبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَثُوبَاتٍ وَتَعْزِيرَاتٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرْتِيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الظُّهْرِ مَعَ كَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَلَى الزَّوَالِ هُوَ سَبَبٌ لَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ سَبَبُ الثَّوَابِ وَتَرْكُهُ سَبَبُ الْعِقَابِ وَوُجُوبُهُ سَبَبًا لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُسَمَّى سَبَبًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ ، بَلْ الضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ أَنَّ الْخِطَابَ مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ وَإِنَّ

مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فِي مَنَافِعِ الْعَيْنِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ فِي الْمَنْفَعَةِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ لِمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ مِنْ أَنَّ تَحْقِيقَ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاتِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَتَاتِ ا هـ .
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَإِنْ قُيِّدَ يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِإِخْرَاجِ التَّصَرُّفِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّف الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَيْدٍ وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِإِخْرَاجِ الْإِبَاحَاتِ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا .
وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلِإِخْرَاجِ الِاخْتِصَاصَاتِ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَقُيِّدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ الْمِلْكُ ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا أَنَّ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهَا وَقَطْعُ النَّظَرِ عَمَّا عُرِضَ لَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا تَقْتَضِي مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ

الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا كَانَتْ وَاجِبَةً لِغَيْرِهَا وَإِنْ عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَهَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً لِغَيْرِهَا ، وَكَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْأَوْقَافِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ كَالْحَجْرِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُمْ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ الْمَانِعِ يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمِلْكِ وَمُنِعَ غَيْرُهَا وَالْحَقُّ أَنَّ الضِّيَافَاتِ لَيْسَتْ بِتَمْلِيكَاتٍ لَا بِالْمَضْغِ وَلَا بِالْبَلْعِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ .
بَلْ هِيَ إبَاحَاتٌ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ فَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ الضِّيَافَاتِ مَمْلُوكَةٌ لِلضُّيُوفِ وَإِنَّمَا الضَّيْفُ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ لَا سِيَّمَا بَعْدَ الْبَلْعِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ وَقَوْل الْمَالِكِيَّةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا عِبَارَةٌ رَدِيئَةٌ جِدًّا أَوْ أَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ النَّقْضِ بِهَا عَلَى الْحَدِّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ تَصْرِيحُهُمْ بِحَقِيقَةِ مِلْكِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ

مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا وَالْمِلْكُ فِي قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ بُيُوتَ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافَ وَالرُّبُط وَنَحْوَهَا يَمْلِكُ مَنْ قَامَ بِهِ شَرْطٌ وَاقِفِيهَا الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَيَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ فَتِلْكَ الْمَسَاكِنُ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ لَا إنَّهَا فِيهَا لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا ا هـ .
وَخُلَاصَةُ كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ حَدَّ الْأَصْلِ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ الْإِبَاحَةُ الَّتِي هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ كَمَا هُوَ مَعْنَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالِانْتِفَاعُ مُتَعَلِّقُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ ( وَثَالِثُهَا ) إنَّ فِي قَوْلِهِ مُقَدَّرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ إلَخْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ وَهِيَ مَا عَدَا الْجَوْهَرَ وَالْكَمَّ وَالْكَيْفَ مِنْ الْمَقُولَاتِ الْعَشَرِ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ نَظَرًا

يُرِيدُ أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ مَسَائِلَ التَّعَارِيفِ اصْطِلَاحٌ لِلْفَلَاسِفَةِ لَا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْوَاجِبُ بِنَاؤُهَا عَلَى قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ الْمَذْكُورَةَ أَعْرَاضٌ مَوْجُودَةٌ فَافْهَمْ ( وَرَابِعُهَا ) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ ( وَخَامِسُهَا ) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا ( وَسَادِسُهَا ) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ أَيْ ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَمَعْرِفَةُ الْمُشْتَقِّ فَرْعُ مَعْرِفَةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ وَهُوَ الْمَصْدَرُ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَيْ تَوَقُّفُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَمْلُوكِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ تَعْرِيفِهِ وَبِالْعَكْسِ لِمَا ذُكِرَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ الذَّاتُ فَافْهَمْ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ فِي الْفَلَاةِ وَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَكُلِّ مَا فِيهِ الْإِذْنُ بِالِانْتِفَاعِ فَقَطْ لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ .
وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالتَّنَاوُلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّنَاوُلِ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ التَّنَاوُلِ فَهُوَ سَبَبُ مِلْكِهَا إذْ الْمِلْكُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا التَّصَرُّفِ وَالسُّلْطَانُ هُوَ التَّمَكُّنُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا تَنَاوَلَ الضَّيْفَ مَثَلًا لُقْمَةً مِنْ الضِّيَافَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ فَإِنْ ابْتَلَعَهَا فَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهَا قَبْلَ الْبَلْعِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَلِعْهَا وَنَبَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَجَازَ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهَا

لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهَا إلَّا لِيَأْكُلَهَا ، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلْهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَالِانْتِفَاعُ الْمَوْقُوفُ فِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ .
وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَلَا مِلْكَ عَلَيْهِ إلَّا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ نَعَمْ إنَّ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً مَنْ كَانَ مُقْتَضَى الْوَقْفِ سُكْنَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَوْضِعَ الْمَوْقُوفَ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوِّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَافْهَمْ فَإِنَّا حِينَئِذٍ نَزِيدُ فِي الْحَدِّ وَنَقُولُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَلَا تَغْفُلْ وَبِالْجُمْلَةِ فَمُوجِبُ الْمِلْكِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ وَالنَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ وَالِانْتِفَاعُ إمَّا مَعَ

أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَإِمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ ا هـ وَالسَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ جَعَلَ الْمِلْكَ صِفَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ فَقَالَ فِي تَعْرِيفَاتِهِ وَالْمِلْكُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اتِّصَالٌ شَرْعِيٌّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ شَيْءٍ يَكُونُ مُطْلَقًا لِيَتَصَرَّفَهُ فِيهِ وَحَاجِزًا عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ ا هـ .
وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يَكُونُ جَامِعًا إلَّا بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ النَّعِيمُ فِي قَوْلِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِالِانْتِفَاعِ أَمَّا مَعَ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَأَمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَالثَّانِي التَّقْيِيدُ فِي قَوْلِهِ عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِدُونِ اسْتِنَابَتِهِ فَتَأَمَّلْ ، وَقَالَ عَقِبَ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فَالشَّيْءُ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَلَا يَكُونُ مَرْفُوقًا ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مَرْفُوقًا إلَّا وَيَكُونُ مَمْلُوكًا ا هـ يُرِيدُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمَرْفُوقِ ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ الْحَدُّ وَالْمِلْكُ فِي إصْلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلشَّيْءِ بِسَبَبِ مَا يُحِيطُ بِهِ وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ كَالتَّعْمِيمِ وَالتَّقَمُّصِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَالَةٌ لِشَيْءٍ بِسَبَبِ إحَاطَةِ الْعِمَامَةِ بِرَأْسِهِ وَالْقَمِيصِ بِبَدَنِهِ ا هـ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ ) قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ مُسَبِّبُ هَذَا الْقِسْمِ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ تَشْبِيهًا لِلْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا .
وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّاتُ إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجِبَ حِينَئِذٍ حُكْمًا ، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ الْقُدْرَةُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إلَّا عَقِيبَ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً نَحْوُ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ اسْتِلْزَامًا كَالْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْمِلْكُ قَبْلَ النُّطْقِ

بِالصِّيغَةِ بِالزَّمَنِ مِنْ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الْمُعْتَقِ عَنْهَا وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ عِتْقِهِ الْتِزَامًا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرِ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْمُشْتَرِي نَحْوُ قَوْلُهُ قَبِلْت أَوْ اخْتَرْت الْإِمْضَاءَ فَهَذِهِ مُطَابَقَةٌ أَوْ يُعْتِقُ أَوْ يَطَأُ الْأَمَةَ أَوْ نَحْوُهُ بِمَا يَقْتَضِي الْتِزَامَ الْمِلْكِ وَنَقَلَهُ لَهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقَدَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالضَّرُورَةُ دَعَتْ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُقَارَنَةُ تَكْفِي فِي دَفْعِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُضَادٌّ لِلْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَبِيعُ ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ يَقْتَضِيَانِ إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ ، وَالْمِلْكُ الْمُرَتَّبُ فِي الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُحَصِّلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ فَبَطَلَ الشَّبَهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ يَحْصُلُ

الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا .

قَالَ ( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ) قُلْت هُوَ فَرْقٌ لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي الدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ قَالَ ( وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً إلَى قَوْلِهِ وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُعْتَقِ عَنْهَا ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ ، ثُمَّ إنَّ الْعِتْقَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَقْصِدْ إلَى ذَلِكَ الْمُقَدَّرَ ، وَلَوْ قَصَدَ إلَيْهِ لَمَا صَحَّ عِتْقُهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُعْتِقًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَقَدُّمِ تَوْكِيلِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِذْنِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يُتَّجَهُ وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ بِتِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَصِحُّ .
قَالَ ( وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إلَى قَوْلِهِ مِمَّا يَقْتَضِي الْتِزَامَ الْمِلْكِ وَنَقْلَهُ لَهُ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِلْزَامِ الْعِتْقِ وَالْوَطْءِ إمْضَاءُ الْبَيْعِ الْمُحَصِّلِ لِلْمِلْكِ صَحِيحٌ وَحُصُولُ الْمِلْكِ هُنَا مُحَقَّقٌ لَا مُقَدَّرٌ قَالَ ( فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقَدَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ) قُلْت إنْ أَرَادُوا بِالْعِتْقِ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ حُصُولِ الْعِتْقِ فَقَوْلُهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ حُصُولَ الْعِتْقِ بِنَفْسِهِ فَقَوْلُهُمْ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِمْضَاءِ

الْبَيْعِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُصُولِهِ قَالَ ( وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ إلَى قَوْلِهِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ ) قُلْت مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ صَحِيحٌ ، وَقَوْلُهُ هُوَ أَنَّ الْعِتْقَ مُضَادُّ الْمِلْكِ إنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعَبْدِ فَلِذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ حُصُولِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَيْفَ ، وَقَدْ قَالَ هُوَ قُبَيْلَ هَذَا حَاكِيًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَصَوَّبَ هُوَ قَوْلَهُمْ فِي اللَّهِ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ .
قَالَ ( وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَبِمَا سَلَفَ مِنْ الْقَوْلِ يَتَبَيَّنُ أَيُّ مَذْهَبَيْ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَعِيَّةِ أَوْ الْقَبْلِيَّةِ أَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ إبْطَالِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ بِخِلَافِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا ، وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ .
وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ حُصُولِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجَدَ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ حُكْمًا إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا ، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَرْقٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي الدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ نَعَمْ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ

تَنْقَسِمُ أَوَّلًا إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبَّبُهُ إنْشَاءً نَحْوَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ اسْتِلْزَامًا كَالْعِتْقِ أَوْ الْوَطْءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ عِتْقِهِ أَوْ وَطْئِهِ الْأَمَةَ الْتِزَامًا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرُ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِنَحْوِ قَوْلِهِ قَبِلْت أَوْ اخْتَرْت الْإِمْضَاءَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ مُطَابَقَةً أَوْ يُعْتِقُ أَوْ يَطَأُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ الْتِزَامًا وَفِي كَوْنِ الْمِلْكِ فِي هَذَا يُقَدَّرُ ثُبُوتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَثْبُتُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ خِلَافٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ .
وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ دُخُولُ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ لَا إنْشَاءُ الصِّيغَةِ ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُصُولِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَلَى الثَّانِي نَفْسَ إنْشَاءِ الصِّيغَةِ لَا دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ ؛ لِأَنَّهُ مُضَادُّ الْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ فَعَلَيْك بِتَأَمُّلِ الْمُنَصَّفِ وَثَانِيًا إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَكَالطَّلَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَكَالْعَتَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْمِلْكِ الْمُتَرَتِّبِ فِي

الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعِلَلُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَنْقَسِمُ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ ) اعْلَمْ أَنَّ أَزْمِنَةَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ ، مَا يَتَقَدَّمُ وَمَا يَتَأَخَّرُ وَمَا يُقَارِنُ وَمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَأَمَّا مَا يُقَارِنُ فَكَالْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأْيِنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَمِنْ ذَلِكَ التَّعَالِيقُ اللُّغَوِيَّةُ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا مَا يَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّك تُقَدِّرُ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلِانْفِسَاخِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ الصَّرْفُ لَا يَقْبَلُ انْقِلَابَهُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ وَكَمِثْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالزُّهُوقِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِلْكُ الْمَيِّتِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ مِلْكُهُ لَهَا حَالَةَ حَيَاتِهِ فِي حَالَةٍ تَقْبَلُ الْمِلْكَ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ ، وَثَانِيهِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّيَةِ وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعِدَدِ فَإِنَّهَا تُقَارِنُ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُهَا لِلْمِلْكِ فِي

الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ وَالْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ ، وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَهَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا مَذْهَبُهُ فِي الْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ

قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ إلَى آخِرِ هَذَا الْقِسْمِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ قَالَ ( وَأَمَّا مَا تَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ ) قُلْت لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهِ فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَسْبَابِ الْمُطَّرِدِ فِيهَا أَنَّ تَعَقُّبَهَا مُسَبَّبَاتُهَا أَوْ تُقَارِنُهَا .
وَأَمَّا عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلِأَنَّ انْقِلَابَ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى ادِّعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى انْقِلَابِهِ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ وَكَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهُ عَلَى مِلْكِهِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ بِدُونِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُعْتَدِي وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ .
قَالَ ( وَكَقَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ إحْدَاهُمَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزَّهُوقِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا ) قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ ، بَلْ تَجِبُ بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ الَّذِي يَئُولُ إلَى الزُّهُوقِ قَالَ ( وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ إلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ ) قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ ، بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِنْفَاذُ لَا الزَّهُوق قَالَ ( وَثَانِيهمَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّيَةِ ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا قَالَ ( وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ

الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ ) قُلْت إنَّمَا تَأَخَّرَ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ .
قَالَ ( وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَى قَوْلِهِ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ ) قُلْت جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ أَسْبَابٌ لَمْ تَتِمَّ فَلَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا حَتَّى تَمُتْ وَاسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِمِثَالٍ صَحِيحٍ لِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْ سَبَبِهِ قَالَ ( وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ ) قُلْت الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْخِلَافِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ .

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ وُقُوعِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَمْثِيلُهُ بِمِثَالَيْنِ ( الْمِثَالُ الْأَوَّلُ ) إتْلَافُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ قَبْلَهُ بِأَنْ تُقَدِّرَ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلِانْفِسَاخِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ الصَّرْفُ لَا يَقْبَلُ انْقِلَابَهُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ ( وَالْمِثَالُ الثَّانِي ) الْقَتْلُ خَطَأً بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ لَا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالزُّهُوقِ لَا بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ وَأَنَّ الزُّهُوقَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَوْرُوثَةً وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِلْكُ الْمَيِّتِ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى أَنْ يُقَدِّرَ تَقْدِيرَ مِلْكِهِ لَهَا فِي حَالَةٍ تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَهِيَ حَالَةُ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِتَقْدِيمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَأَنَّ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تَامٌّ فَيُقَارِنُهُ مُسَبَّبُهُ كَالْأَسْبَابِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأَيْنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَكَالتَّعَالِيقِ اللُّغَوِيَّةِ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ قَارَنَ لُزُومُ الْمُعَلَّقِ وُقُوعَ ذَلِكَ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ

أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ لَكِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُشْكِلُ جِدًّا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَاعِدَتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقَبَضْتنِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَانَ تَمْلِيكًا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ فَيُعَضِّدُ الْمَالِكِيَّةُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ .
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلَتْ أَيْ مَلَّكَتْهُ الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ .
وَأَمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ غَيْرُ تَامٍّ فَيَتَأَخَّرُ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ كَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ إلَى خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَالسَّلَمِ وَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِوَجْهِ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ .
وَأَمَّا سَبَبٌ قَوْلِيٌّ تَامٌّ كَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعَدَدِ فِي الطَّلَاقِ وَكَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَيَجْرِي فِيهِ

الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسْفِرايِينِي وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ هَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ وَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ مَعَ تَنْقِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُطَّرِدِ فِيهَا أَنْ تَعْقُبَهَا مُسَبَّبَاتُهَا أَوْ تُقَارِنَهَا فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا تَقْدِيرَ مِلْكِ الدِّيَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ ؛ لِأَنَّ انْقِلَابَ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا حَاجَةَ ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى ادِّعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى انْقِلَابِهِ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ وَكَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَلَى مِلْكِهِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ بِدُونِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُتَعَدِّي .
وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ وَلَا إلَى تَقْدِيمِ مِلْكِ الدِّيَةِ ، بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِنْفَاذُ لَا الزُّهُوقُ فَلَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا كَمَا لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَالَ وَالْأَمْرُ فِي الْخِلَافِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

تَنْبِيهٌ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ جِدًّا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتنِي وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْلِيكُ عَلَى أَصْلِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ ، وَقَاعِدَتُهُ أَنَّ الْمُعَاطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَعْضُدُ الْمَالِكِيَّةَ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ
قَالَ ( تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ ) قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ وَأَلْزَمَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلْت أَيْ مَلَّكْته الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ ) اعْلَمْ أَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ أُشْكِلَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ فَإِذَا قُلْنَا زَيْدٌ لَهُ ذِمَّةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَهْلٌ لَأَنْ يُعَامَلَ وَهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَتَانِ وَتَحْقِيقُ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ يُوجَدُ بِدُونِ الذِّمَّةِ ، وَالذِّمَّةُ تُوجَدُ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ يُوجَدُ الْحَيَوَانُ وَلَا أَبْيَضُ كَالْأَسْوَدَانِ وَالْأَبْيَضِ وَلَا حَيَوَانَ كَالْجِيرِ وَالثَّلْجِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالصَّقَالِبَةِ وَالطُّيُورِ الْبِيضِ ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ فَالصِّبْيَانُ عِنْدَنَا الْمُمَيِّزُونَ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ وَيَقِفُ اللُّزُومُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إنْ عَقَدَهُ بِإِذْنٍ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى عَدَمِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّهِ فَهَذَا الْقِسْمُ حَصَلَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ مِنْ غَيْرِ ذِمَّةٍ لَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَتُوجَدُ الذِّمَّةُ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ كَالْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ لِحَقِّ السَّادَاتِ .
وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ السَّادَاتِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ إفْسَادِ مَا لَهُمْ وَحَقُّ السَّادَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، وَلَوْ جَنَوْا جِنَايَةً وَلَمْ يَقَعْ الْحَدِيثُ فِيهَا وَلَا الْحُكْمُ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ إذَا عَتَقَ طُولِبَ

بِهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ لَا يُطَالَبُ بِمَا تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَكِنْ بِمَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَيُطَالَبُ بِهِ الْآنَ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ يُطَالَبُ بِمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ ، فَيَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ السَّبَبُ وَالْمَلْزُومُ وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ السَّبَبُ دُونَ اللُّزُومِ ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفُسِخَ نِكَاحُهُ بَقِيَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَاللُّزُومُ سَابِقٌ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ وَكِلَاهُمَا مُتَأَخِّرٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَوُجُودُهَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَتُوجَدُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ مَعًا فِي حَقِّ الْحُرِّ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ فَإِنَّ لَهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلَهُ ذِمَّةٌ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الذِّمَّةَ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْلِسَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ الَّذِي حَازَهُ الْحَاكِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالٍ يَسْتَدِينُهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ أَوْ يَرِثُهُ أَوْ يُوهَبُ لَهُ فَقَدْ اخْتَصَّتْ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ بِبَعْضِ الْأَمْوَالِ ، وَأَمَّا ذِمَّتُهُ فَثَابِتَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ فِي الْمَالَيْنِ فَقَدْ صَارَتْ الذِّمَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَعَمَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ أَخَصُّ مِنْ الذِّمَّةِ لِحُصُولِهَا فِي الْبَعْضِ مِنْ الْأَمْوَالِ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنْ قُلْت الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهِ مَعْقُولًا وَمَعْنَى الذِّمَّةِ تَعَبُّدٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَكَيْفَ يُقْضَى عَلَيْهَا بِالْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْحَقِيقَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَصَّلُ مِنْ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ وَالْخُصُوصَاتِ مَقْصُودٌ قُلْت الْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ الذِّمَّةِ أَنَّهَا مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي

الْمُكَلَّفِ قَابِلٌ لِلِالْتِزَامِ وَاللُّزُومِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُسَبَّبًا عَلَى أَشْيَاءَ خَاصَّةٍ مِنْهَا الْبُلُوغُ وَمِنْهَا الرُّشْدُ فَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا لَا ذِمَّةَ لَهُ ، وَمِنْهَا تَرْكُ الْحَجْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْلِسِ فَمَنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا تَقْدِيرَ مَعْنًى فِيهِ يَقْبَلُ إلْزَامَهُ أَرْشَ الْجِنَايَاتِ وَأَجْرَ الْإِجَارَاتِ وَأَثْمَانَ الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَيَقْبَلُ الْتِزَامَهُ إذَا الْتَزَمَ أَشْيَاءَ اخْتِيَارًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَزِمَهُ ، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَمْ يُقَدِّرْ الشَّرْعُ هَذَا الْمَعْنَى الْقَابِلَ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُقَدَّرُ هُوَ الَّذِي تُقَدَّرُ فِيهِ الْأَجْنَاسُ الْمُسَلَّمُ فِيهَا مُسْتَقِرَّةً حَتَّى يَصِحَّ مُقَابَلَتُهَا بِالْأَعْوَاضِ الْمَقْبُوضَةِ نَاجِزًا فِي ثَمَنِهَا ، وَفِيهِ تُقَدَّرُ أَثْمَانُ الْبِيَاعَاتِ بِثَمَنٍ إلَى آجَالٍ بَعِيدَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ وَصَدَقَاتِ الْأَنْكِحَةِ وَالدُّيُونِ فِي الْحَوَالَاتِ وَالْحُقُوقِ فِي الضَّمَانَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا جَرَمَ مَنْ لَا يَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى مُقَدَّرًا فِي حَقِّهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّهِ سَلَمٌ وَلَا ثَمَنٌ إلَى أَجَلٍ وَلَا حَوَالَةٌ وَلَا حَمَالَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الذِّمَّةِ وَبَسَطَهَا وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْهَا وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُقَدِّرُ الشَّرْعُ عِنْدَهُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ ، وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فَحَقِيقَتُهَا عِنْدَنَا قَبُولٌ يُقَدِّرُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ وَسَبَبُ هَذَا الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ التَّمْيِيزُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّمَيُّزُ مَعَ التَّكْلِيفِ .
وَهَذَا الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِنْدَنَا الْإِبَاحَةُ فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَنَا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَتَصَرُّفُهُ حَرَامٌ وَلِلْمَالِكِ عِنْدَنَا إمْضَاءُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ

غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ قَابِلٌ لِلِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، ثُمَّ إنَّ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ قَدْ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ كَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمُوَلَّيَاتِ لَهُ وَتُوجَدُ فِي الْأَحْكَامِ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ ، وَأَنْوَاعُ التَّصَرُّفَاتِ كَثِيرٌ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفَاتِ أَهْلِيَّةٌ وَقَبُولٌ خَاصٌّ كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا الْتِزَامٌ وَالذِّمَّةُ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ قَابِلٌ لَهُمَا فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي هُوَ وَضْعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ كَمَا ، قُلْته فِي الْمِلْكِ إنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ وَإِبَاحَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي ذَلِكَ .
قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَأَجْزِمُ بِهِ أَنَّ الذِّمَّةَ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ دُونَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالتَّقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ وَالذِّمَّةُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَحَلِّ مِنْ الصِّفَاتِ

الْمَوْجُودَةِ كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنَّمَا هُوَ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ يُقَدِّرُهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عِنْدَ سَبَبِهَا مَوْجُودَةً وَهِيَ لَا وُجُودَ لَهَا ، بَلْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّقْدِيرِ فَقَطْ كَمَا يُقَدَّرُ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَكَذَلِكَ هَذِهِ التَّقَادِيرُ تَذْهَبُ عِنْدَ ذَهَابِ أَسْبَابِهَا وَتَثْبُتُ عِنْدَ تَثْبِيتِ أَسْبَابِهَا كَمُتَعَلِّقَاتِ الْخِطَابِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالتَّعَلُّقَاتُ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ تُقَدَّرُ فِي الْمَحَالِّ مَوْجُودَةً فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ مَعْنَى الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْهُ .

قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَقَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ إلَى قَوْلِهِ ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ مِنْ حِكَايَةِ أَقْوَالٍ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا ذِمَّةَ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا شَرْعًا فَالصَّبِيُّ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَهُ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا فَالصَّبِيُّ لَهُ ذِمَّةٌ لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَم الْمُتْلَفَاتِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ( فَإِنْ قُلْت الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهِ مَعْقُولًا وَمَعْنَى الذِّمَّةِ غَيْرُ تَعَبُّدٍ مَعْقُولٌ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الذِّمَّةِ وَبَسَطَهَا وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْهَا وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُقَدِّرُ الشَّرْعُ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ ) قُلْت الْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إنَّ الذِّمَّةَ قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا وَعَلَى هَذَا تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ أَوْ يُقَالُ قَبُولِي الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ قَالَ ( وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ قَالَ ( وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وُضِعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ) قُلْت إذَا صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَدُّ الذِّمَّةِ أَوْ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ (

فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُمَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ هُوَ الظَّاهِرُ ، وَكَذَلِكَ الْمِلْكُ عِنْدِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ سَلْبِيَّةٌ فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّرَ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ إنْ كَانَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ ) وَهُوَ أَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي جِهَتَيْنِ جِهَةِ كَوْنِهِمَا تَعَلَّقَا وَنِسْبَةٍ خَاصَّةٍ فِي الْمَحَلِّ وَجِهَة كَوْنِهِمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ فِي شَيْءٍ كَمَا سَيُفْتَحُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا تَعَلُّقٌ وَنِسْبَةٌ خَاصَّةٌ وَالتَّعَلُّقَاتُ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ فَيُقَدِّرُهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ سَبَبِهَا مَوْجُودَةً وَتَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْضًا ( إحْدَاهُمَا ) أَنَّ الذِّمَّةَ أَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا شَرْعًا ، فَيَكُونُ الصَّبِيُّ لَازِمَةً لَهُ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَابِلًا شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا ، فَيَكُونُ الصَّبِيُّ لَهُ ذِمَّةً لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ قَبُولٌ خَاصٌّ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا الْتِزَامٌ ( وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ الذِّمَّةَ قَالَ الْأَصْلُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا أَيْضًا التَّمْيِيزَ وَالتَّكْلِيفَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ التَّمْيِيزَ فَقَطْ وَابْنُ حَنْبَلٍ التَّمْيِيزَ مَعَ إذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ تَصَرُّفُهُ بِدُونِ إذْنِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إذَا صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَدُّ الذِّمَّةِ أَوْ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا ا هـ .
أَيْ حَتَّى تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَهُ كَمَا عَلِمْت فَبَيْنَ الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ

التَّصَرُّفِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ يَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي حَقِّ الْحُرِّ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ فَإِنَّ لَهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلَهُ ذِمَّةٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَتَنْفَرِدُ الذِّمَّةُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ لِحَقِّ السَّادَاتِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ إفْسَادِ مَا لَهُمْ وَحَقُّ السَّادَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً وَلَمْ يَقَعْ الْحَدِيثُ فِيهَا وَلَا الْحُكْمُ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ إذَا عَتَقَ طُولِبَ بِهَا ، فَيَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَقِّهِ السَّبَبُ وَاللُّزُومُ وَتَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ .
وَإِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفُسِخَ نِكَاحُهُ بَقِيَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَاللُّزُومُ سَابِقٌ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ فِي حَقِّهِ وَتَنْفَرِدُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عَنْ الذِّمَّةِ فِي الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ فَإِنَّ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ ذِمَّةٍ لَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، قُلْت وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ السَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ الذِّمَّةُ لُغَةً الْعَهْدُ ؛ لِأَنَّ نَقْضَهُ يُوجِبُ الذَّمَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا وَصْفًا فَعَرَّفَهَا بِأَنَّهَا وَصْفٌ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا ذَاتًا فَعَرَّفَهَا بِأَنَّهَا نَفْسٌ لَهَا عَهْدٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ا هـ .
بِلَفْظٍ كَمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ .
وَقَوْلُهُ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا مِنْ الطَّبَائِعِ الْمُلَازِمَةِ لِلْإِنْسَانِ كَالنَّاطِقِيَّةِ بِمَعْنَى مَبْدَئِيَّةِ النُّطْقِ وَالْإِدْرَاكِ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ تَحَقُّقِهَا فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَانِعٌ

كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَسَبَبُ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ عِنْدَ الْجَمِيعِ التَّمْيِيزُ مَعَ التَّكْلِيفِ وَسَبَبُ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّمْيِيزُ دُونَ الْإِجَازَةِ وَالتَّكْلِيفِ وَدُونَ الْإِبَاحَةِ أَيْضًا عِنْدَنَا فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَنَا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَتَصَرُّفُهُ حَرَامٌ وَلِلْمَالِكِ عِنْدَنَا إمْضَاءُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ قَابِلٌ لِلِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ آدَمِيٌّ كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ التَّمْيِيزُ مَعَ الْإِجَازَةِ دُونَ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّمْيِيزُ مَعَ التَّكْلِيفِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَصْلًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ مِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ إمَّا لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَالْخُشَاشِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالْخَمْرِ وَالْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسَاجِدِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمِلْكَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي غَيْرِ مُنْتَفَعٍ بِهِ عَبَثٌ وَفِي الْمُحَرَّمِ مُتَنَاقِضٌ وَفِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْغَيْرِ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ فَيَمْتَنِعُ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَيَقْبَلُ الْمَالِكُ لِأَجْلِ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ قِسْمَانِ مَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ إمَّا صَوْنًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ الْفَسَادِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا لَا يُؤَجَّرُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ } فَإِنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَادِيٌّ وَإِمَّا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ كَأُمِّ الْوَلَدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالْعِتْقِ وَالْحُرِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَالْوَقْفِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِهِ .
وَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ الْقَابِلُ لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهِمَا فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى تُلَاحَظُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهِيَ إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ كَانَ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ الْعُقُودِ كَالتَّعْزِيرَاتِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ

لَا يُشْرَعُ وَيَبْطُلُ إنْ وَقَعَ ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ بَيْعُ الْحُرِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَنِكَاحِ الْمَحْرَمِ وَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ مَقَاصِدَ هَذِهِ الْعُقُودِ لَا تَحْصُلُ بِهَا .
وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَتَعْزِيرُ مَنْ يَعْقِلُ الزَّجْرَ كَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الزَّجْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَدِيمَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُحَرَّمًا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَيْضًا تُحَصِّلُ فَرْقًا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ .
قَالَ ( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمَالِكُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا سَبَقَ

الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُمَا ) يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَمْرَانِ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ وَأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَنَافِعِهَا فَمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ كَالْخُشَاشِ وَمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ وَالْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْحُرِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَكَأُمِّ الْوَلَدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالْعِتْقِ وَكَالْوَقْفِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَقْبَلُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمِلْكَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ عَبَثٌ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ مُتَنَاقِضٌ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ وَبَقِيَ النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَلَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ فَيَقْبَلُ الْمِلْكَ لِأَجْلِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا أَنَّهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَمْتَنِعُ صَوْنًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ الْفَسَادِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا بِإِنَّهَا لَا تُؤَجَّرُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ } فَإِنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَادِيٌّ وَقِسْمٌ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ الْقَابِلُ لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفُ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ عَنْ اخْتِلَافِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهِمَا ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) قَاعِدَةُ إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ كَانَ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ الْعُقُودِ كَالتَّعْزِيرَاتِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَيَبْطُلُ إنْ وَقَعَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ

انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَدِيمَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُحَرَّمَهَا أَوْ تَعَلَّقَ بِمَنْفَعَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَالْمُعَارَضَةُ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ نِكَاحُ ذَوَاتِ الْمَحْرَم ؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ عَقْدِهِ لَا تَحْصُلُ بِهَا وَيَمْتَنِعُ تَعْزِيرُ مَنْ لَا يَعْقِلُ الزَّجْرَ كَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ) فَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا فُقِدَ مِنْهُ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ فَالشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ هِيَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَهِيَ ( الطَّهَارَةُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } ( الشَّرْطُ الثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ لِيَصِحَّ مُقَابَلَةُ الثَّمَنِ لَهُ ( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ حَذَرًا مِنْ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهَا لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ( الشَّرْطُ الرَّابِعُ ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ( الشَّرْطُ الْخَامِسُ ) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ مَمْلُوكَيْنِ لِلْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ فَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ دُونَ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِ وَشِرَاءَهُ مُحَرَّمٌ وَفِي الشُّرُوطِ مَسْأَلَتَانِ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَكْفِي أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَلَّتْ قِيمَتُهُمَا فَيَصِحُّ بَيْعُ التُّرَابِ وَالْمَاءِ وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْغَنَمِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ : لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَجَوَابُهُ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ وَفَرَّقَ هُوَ بِشَرَفِ الْآدَمِيِّ

وَإِبَاحَةِ لَبَنِهِ هُوَ أَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ الرَّضَاعُ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) بَيْعُ الْفُضُولِ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مُقْتَضَى مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ شَرْطٌ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ وَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ تَحْصِيلَ ثَمَنِهَا ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا إمْضَاءُ الْبَيْعِ كَمَنْ غَصَبَ سِلْعَةً وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ وَمَنَعَ أَشْهَبُ ذَلِكَ فِي الْغَاصِبِ لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ وَالْغَرَرِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قُلْت فَظَاهِرُ هَذَا النَّقْلِ يَقْتَضِي أَنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ الْإِمْضَاءَ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ احْتَجَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا بَيْعَ وَلَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } ؛ وَلِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ بِكَمَالِهِ بِدُونِ آثَارِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وَقِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ وَالْفَرْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ فَيَفْتَقِرُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَى عَقْدٍ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلسِّلْعَةِ لَا جَالِبٌ

لَهَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ فِي الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { دَفَعَ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّتَيْنِ ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك فَكَانَ إذَا اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ } خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ ، وَعَنْ الثَّالِثِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلَانِ الْخِيَارَ فَكَذَلِكَ لَا يَقْبَلَانِ الْإِيقَافَ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَقْبَلُ الْإِيقَافَ ( فَرْعٌ مُرَتَّبٌ ) إذْ قُلْنَا إنَّ بَيْعَ الْفُضُولِ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَهَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ ابْتِدَاءً قَالَ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ لِعَدِّهِ إيَّاهُ مَعَ مَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ .
وَقَالَ ذَلِكَ كَبَيْعِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَبَيْعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ قَالَ مَالِكٌ يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلَعِ أَيَّامَ الْخِيَارِ حَتَّى يَخْتَارَ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا قَالَ وَمَعْنَى نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ بَيْعَ الْإِنْسَانِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَبْهَرِيِّ بِالتَّحْرِيمِ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ بِأَنَّ حَالَةَ الصُّحْبَةِ أَوْجَبَتْ

الْإِذْنَ بِلِسَانِ الْحَالِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ التَّوْكِيلِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ الْمُوجِبِ لِنَفْيِ الْإِثْمِ وَالْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا .
قَالَ ( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الشُّرُوطِ مَسْأَلَتَانِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى آخِرِهَا ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ فَرْقَ الْحَنَفِيَّةِ يَنْدَفِعُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ لِجَعْلِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ لِقَصْدِ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ دَاخِلًا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ وَمَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَوْجِيهٌ وَتَرْجِيحٌ لَا كَلَامَ فِيهِ مَعَهُ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ) وَهُوَ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِبَارَةً عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ وَلُزُومِهِ مَعًا ( الْأَوَّلُ ) الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } الشَّرْطُ ( الثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا حَالًا أَوْ مَآلًا لِيَصِحَّ مُقَابَلَةُ الثَّمَنِ لَهُ ( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ حَذَرًا مِنْ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ( الشَّرْطُ الرَّابِعُ ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ( وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ مَمْلُوكَيْنِ لِلْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ وَاللُّزُومِ مَعًا دُونَ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَشِرَاءَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ فُضُولِيٌّ أَمْ لَا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَغَيْرُ لَازِمٍ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَبَقِيَ شَرْطٌ سَادِسٌ أَخَذَهُ عبق مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَوَقْفُ مَرْهُونٍ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ ا هـ .
وَعَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ حَقٌّ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيُّ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ

بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الصُّحْبَةِ ، وَكَذَا دُونَ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَيْ خَلِيلًا لِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ مَا قَبْلَهُ فَلَمْ يُدْرِجْهُ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ ا هـ .
يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فَافْهَمْ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِبَارَةٌ عَمَّا فُقِدَ مِنْهُ أَحَدُ شُرُوطِ الْجَوَازِ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَتَحَقُّقُ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( وَصْلٌ ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ النَّجَاسَاتُ عَلَى ضَرْبَيْنِ الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مَا لَا تَدْعُوا الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَهِيَ أَنْوَاعٌ ( الْأَوَّلُ ) الْخَمْرُ وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا نَجِسَةٌ إلَّا خِلَافًا شَاذًّا ( الثَّانِي ) الْمَيْتَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ ( الثَّالِثُ ) الْخِنْزِيرُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ وَاخْتُلِفَ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ ( الضَّرْبُ الثَّانِي ) مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَالتَّرْجِيعِ وَالزِّبْلِ الَّذِي يُتَّخَذُ فِي الْبَسَاتِينِ فَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ فِي الْمَذْهَبِ فَقِيلَ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ أَعْنِي إبَاحَةَ الزِّبْلِ ، وَمَنْعِ الْعَذِرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيلِ لِاخْتِلَافِهِمْ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَمْ لَا فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ نَابٌ جَعَلَهُ مَيْتَةً ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ قَرْنٌ مَعْكُوسٌ جَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْقَرْنِ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ ا هـ بِتَصَرُّفٍ .
قَالَ الْبُنَانِيُّ : وَقَدْ حَصَّلَ الْحَطَّابُ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِمَالِكٍ عَلَى فَهْمِ الْأَكْثَرِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ

وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ لَهَا وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ لَهَا فَيَجُوزُ وَعَدَمُهُ فَيُمْنَعُ لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ .
وَأَمَّا الزِّبْلُ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قِيَاسُهُ عَلَى الْعَذِرَةِ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ وَتُزَادُ الْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَذِرَةِ وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي التُّحْفَةِ : وَنَجِسُ صَفْقَتِهِ مَحْظُورَةٌ وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى بَيْعِ الزِّبْلِ دُونَ الْعَذِرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ لُبٍّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْيَارِ أَوَّلَ نَوَازِلِ الْمُعَاوَضَاتِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا لِلضَّرُورَةِ ا هـ .
مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَفِي حَاشِيَةِ كنون قَالَ الْحَطَّابُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ النَّجِسِ نَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِ أَصْلًا أَوْ حُكْمًا وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ { إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ } الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ { إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَّلُوهَا ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ } وَمَعْنَى أَجْمَلُوهُ أَذَابُوهُ ، وَقَوْلُهُ حَرَّمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ بِإِسْنَادِهِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ تَأَدُّبًا مِنْهُ عَلَيْهِ

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ اللَّهِ فِي ضَمِيرِ الِاثْنَيْنِ كَمَا رَدَّ عَلَى الْخَطِيبِ قَوْلَهُ ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ لَهُ بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ قُلْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
وَفِي الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ .
وَأَمَّا شَحْمُ الْمَيْتَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ ؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَلِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَيْتَةِ إلَّا مَا خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ مِنْ الْجِلْدِ وَأَجَازَ عَطَاءٌ الِاسْتِصْبَاحَ بِشَحْمِهَا وَأَنْ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ ا هـ .
وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْجَهْمِ وَالْأَبْهَرِيِّ لَا بَأْسَ بِوَقِيدِهِ إذَا تُحُفِّظَ مِنْهُ ا هـ .
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ رَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ إلَخْ وَمِنْ شَحْمِ الْمَيْتَةِ مَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ مِنْ الصَّابُونِ وَالشَّمْعِ الْمَصْنُوعَيْنِ مِنْ شَحْمِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ الْبَحْرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَكْفِي أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَلَّتْ قِيمَتُهَا فَيَصِحُّ بَيْعُ التُّرَابِ وَالْمَاءِ ا هـ .
أَيْ بِمَكَانِهَا الْمُعَدِّ لَهُمَا وَهُوَ التَّلُّ وَالْبَحْرُ وَقَيَّدَ الْمَحَلِّيُّ وَالرَّمْلِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ صِحَّةَ بَيْعِهِمَا فِيهِ بِأَنْ يَجُوزَ الْمَاءُ فِي قِرْبَةٍ مَثَلًا أَوْ يُكَوَّمَ التُّرَابُ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ بَاعَ قِرْبَةَ مَاءٍ مَثَلًا عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبُجَيْرَمِيِّ عَلَى شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ إمْكَانُ تَحْصِيلِ مِثْلِهِمَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَأْرَةٍ وَخُنْفُسَاءَ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا بَيْعُهُ إذْ لَا نَفْعَ فِي الْحَشَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ يُقَابِلُ بِالْمَالِ وَإِنْ

ذَكَرَ لَهَا مَنَافِعَ فِي الْخَوَاصِّ بِخِلَافِ مَا يَنْفَعُ كَضَبٍّ لِمَنْفَعَةِ أَكْلِهِ وَعَلَّقَ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا إنَّ مِثْلَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ كَالدَّمِ أَوْ جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْهَا مُحَرَّمٌ كَالزَّيْتِ النَّجِسِ بِخِلَافِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا مُحَلَّلَةٌ كَالزَّبِيبِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مُحَلَّلٌ وَمِنْهَا مُحَرَّمٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ أُشْكِلَ الْأَمْرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَمْنُوعِ ا هـ .
وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي خَلِيلًا رَحِمَهُ اللَّهُ لِإِشْكَالِ هَذَا لَمْ يَقْنَعْ بِأَخْذِهِ مِنْ شَرْطِ الِانْتِفَاعِ لِخَفَائِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ ا هـ .
أَيْ فَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَةِ شَرْطِ الْإِبَاحَةِ لِكَوْنِ أَخْذِهِ مِنْهُ ظَاهِرًا لَا خَفَاءَ فِيهِ وَفِي حَاشِيَةِ كنون وَقَوْلِ الْبُنَانِيِّ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَمِثْلُهُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَآلَةِ اللَّهْوِ ، وَقَالَ الْحَطَّابُ مَثَّلَهُ الْقَرَافِيُّ بِالْخَمْرِ وَالْمُطْرِبَاتِ ، وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ ، وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ شَيْئًا كَبُوقٍ وَغَيْرِهِ فُسِخَ بَيْعُهُ وَأُدِّبَ أَهْلُهُ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَشْيَاءَ مِنْهَا الصُّوَرُ وَالْقِرْدُ وَآلَةُ الْمَلَاهِي ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ مَا نَصُّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَجُوزُ فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَآلَاتِ اللَّهْوِ ا هـ .
وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَمِنْ مَسَائِلِهِمْ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ إذَا حُلِبَ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزَانِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُهُ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ أَقْيِسَةِ الشَّبَهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمْدَةَ الْمُجِيزِ أَنَّهُ لَبَنٌ أُبِيحَ شُرْبُهُ فَأُبِيحَ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ سَائِرِ

الْأَنْعَامِ وَعُمْدَةُ الْمَانِعِ أَنَّ الْإِنْسَانَ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِهِ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَتَانِ وَإِنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ شُرْبُهُ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ الطِّفْلِ إلَيْهِ ا هـ مُلَخَّصًا .
وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ أَوْ يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ أَيْ فِي مَذْهَبِنَا ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْغَنَمِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَبَنِ الْغَنَمِ بِشَرَفِ الْآدَمِيِّ أَيْ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يُرَدُّ إبَاحَةُ لَبَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ تَشْرِيفًا لَهُ نَعَمْ يَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ ا هـ .
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ لِجَعْلِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ لِقَصْدِ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ دَاخِلًا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مُقْتَضَى مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ أَيْ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ شَرْطٌ فِي الشِّرَاءِ فِي صِحَّتِهِ دُونَ الْبَيْعِ ا هـ .
وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ صِحَّةَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَشِرَائِهِ وَالْأَصْلُ بَعْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً

لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ وَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ تَحْصِيلَ ثَمَنِهَا ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا إمْضَاءُ الْبَيْعِ كَمَنْ غَصَبَ سِلْعَةً وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ وَمَنَعَ أَشْهَبُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ وَالْغَرَرِ ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَيْ الْمَنْعُ الْقِيَاسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْفُضُولِيِّ وَالْغَصْبِ ا هـ .
قَالَ ظَاهِرٌ ، وَهَذَا النَّقْلُ يَقْتَضِي أَنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ الْإِمْضَاءَ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَيْ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْ ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِمْضَاءُ ا هـ .
وَفِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَمِلْكُ غَيْرِ عَلَى رِضَاهُ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي قَالَ عبق مَا حَاصِلُهُ أَيْ وَتَصَرُّفُ مِلْكِ غَيْرٍ أَيْ فِيهِ أَوَّلُهُ فَيَشْمَلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ قَالَهُ التَّتَّائِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّهُ الْمَشْهُورُ لَا جَوَازُهُ وَلَا بُدَّ بِهِ كَمَا لِلطَّرَّازِ قَالَهُ الْحَطَّابُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَالِكِ إنَّهُ الْأَصْلَحُ لَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرٍ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَلَهُ إجَازَتُهُ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَيَطْلُبُ الْفُضُولِيَّ فَقَطْ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ صَارَ وَكِيلًا وَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ وَطُولِبَ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ رَدُّهُ لَكِنْ بِالْقُرْبِ فَإِنْ سَكَتَ مَعَ الْعِلْمِ عَامًا فَلَا رَدَّ لَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا طَلَبُ الثَّمَنِ فَإِنْ سَكَتَ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ ( أَحَدُهَا ) أَنْ لَا يَكُونَ الْمَالِكُ حَاضِرًا بَيْعَ الْفُضُولِيِّ فَإِنْ

حَضَرَهُ وَسَكَتَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ الْحَاضِرِ لَهُ حَتَّى مَضَى عَامٌ وَنَحْوُهُ وَلَمْ يُطَالِبْ بِالثَّمَنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ ( ثَانِيهَا ) فِي غَيْرِ الصَّرْفِ ، وَأَمَّا فِيهِ فَيُفْسَخُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُخْبِرْ الْمُصْطَرِفُ ( ثَالِثُهَا ) فِي غَيْرِ الْوَقْفِ .
وَأَمَّا فِيهِ فَبَاطِلٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا وَاقِفِهِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ وَلِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيد إصْلَاحَهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ لِمِلْكِ غَيْرٍ أَيْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ لَزِمَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَشْهَدَ أَنَّ الشِّرَاءَ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ صَدَقَ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي لَهُ فَإِنْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي لَهُ مَالَهُ وَلَمْ يُجِزْ الشِّرَاءَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا صُدِّقَ الْبَائِعُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْبَائِعَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْتَقَضْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُشْتَرِي لَهُ ، بَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ ا هـ .
وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَالتَّاوُدِيُّ وَالرَّهُونِيُّ وكنون فَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَصْلُ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إلَخْ قَوْلُ الْأَصْلِ ظَاهِرُ كَلَامِ الطِّرَازِ الْجَوَازُ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ الْآتِي وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النَّدْبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } لَكِنَّ قَوْلَ الْقَاضِي أَيْ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ مَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ كَبَيْعِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَبَيْعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ا هـ .
يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ ،

بَلْ قَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَبْهَرِيِّ فِي قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ قَالَ مَالِكٌ يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلَعِ أَيَّامَ الْخِيَارِ حَتَّى يَخْتَارَ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا قَالَ وَمَعْنَى نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ بَيْعَ الْإِنْسَانِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ ا هـ .
وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ بِأَنَّ حَالَةَ الصُّحْبَةِ أَوْجَبَتْ الْإِذْنَ بِلِسَانِ الْحَالِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ التَّوْكِيلِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ الْمُوجِبِ لِلْإِبَاحَةِ وَنَفْيِ الْإِثْمِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا ا هـ .
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا بَيْعَ وَلَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) قَاعِدَةُ أَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ بِكَمَالِهِ بِدُونِ آثَارِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) الْقِيَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَفْتَقِرُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَى عَقْدٍ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلسِّلْعَةِ لَا جَالِبٌ لَهَا وَأَجَابَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ ( الْحَدِيثِ ) بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ لَا شَيْءَ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَازِمٌ فِيمَا إلَخْ قُلْنَا بِمُوجِبِهِ وَإِنْ أُرِيدَ لَا شَيْءَ مِنْهَا صَحِيحٌ فِيمَا إلَخْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ فِي الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { دَفَعَ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّتَيْنِ ، ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك فَكَانَ إذَا اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ } فِيهِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } ، وَعَنْ الْقَاعِدَةِ بِأَنَّهَا تُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ ، وَعَنْ الْقِيَاسِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلَانِ الْخِيَارَ فَكَذَلِكَ لَا يَقْبَلَانِ الْإِيقَافَ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَقْبَلُ الْإِيقَافَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا ) فَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرَائِطُ سِتَّةٌ أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا لِلْحِسِّ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ .
( الشَّرْطُ الثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ جَاهِلَيْنِ بِالْكَيْلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُمَا عَنْ الْكَيْلِ يُشْعِرُ بِطَلَبِ الْمُغَابَنَةِ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ عَلِمَ كَيْلَ طَعَامٍ فَلَا يَبِعْهُ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَهُ } ( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) أَنْ يَكُونَا اعْتَادَا الْحَزْرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَعْتَادَا أَوْ اعْتَادَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي اكْتِفَائِهِ بِالرُّؤْيَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْفِي الْغَرَرَ فِي الْمِقْدَارِ ( الشَّرْطُ الرَّابِعُ ) قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ صِغَارِ الْحِيتَانِ وَالْعَصَافِيرِ جُزَافًا إذَا ذُبِحَتْ ؛ لِأَنَّ الْحَيَّةَ يَدْخُلُ بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يُقْصَدُ كَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ وَالْمُحَصِّلُ لَهُمَا الْحَزْرُ وَمَا يُقْصَدُ آحَادُ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالثِّيَابِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِثَوْبٍ دُونَ ثَوْبٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِقَمْحَةٍ دُونَ قَمْحَةٍ ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ دُونَ الْآحَادِ بِخُصُوصِيَّاتِهَا ( الشَّرْطُ الْخَامِسُ ) نَفْيُ مَا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الرِّبَا فَلَا يُبَاعُ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ جُزَافًا وَلَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ جُزَافًا ( الشَّرْطُ السَّادِسُ ) عَدَمُ الْمُزَابَنَةِ كَبَيْعِ صُبْرَةِ جِيرٍ أَوْ جِبْسٍ بِمَكِيلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُزَابَنَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ

الشُّرُوطُ جَازَ الْبَيْعُ جُزَافًا وَمَتَى فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ جُزَافًا

( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا ) فِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْجُزَافُ مُثَلَّثٌ الْجِيمُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ ا هـ .
وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعَ الْجُزَافِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخُفِّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ ا هـ .
فَقَوْلُهُ شَقَّ عِلْمُهُ يُرِيدُ فِي الْمَعْدُودِ وَقَلَّ جَهْلُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذْ لَا تُشْتَرَطُ الْمَشَقَّةُ فِيهِمَا كَمَا يَأْتِي ا هـ .
مِنْهَا بِلَفْظِهَا وَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا عِبَارَةٌ عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطُ جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ كَانَ مِمَّا يُعَدُّ فَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ كَوْنُهُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ حَيْثُ عَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ .
وَقَالَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ صِغَارِ الْحِيتَانِ وَالْعَصَافِيرِ جُزَافًا إذَا ذُبِحَتْ ؛ لِأَنَّ الْحَيَّةَ يَدْخُلُ بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يُقْصَدُ كَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ وَالْمُحَصِّلُ لَهُمَا الْحَزْرُ وَمَا يُقْصَدُ آحَادُ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالثِّيَابِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِثَوْبٍ دُونَ ثَوْبٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِقَمْحَةٍ دُونَ قَمْحَةٍ ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ دُونَ الْآحَادِ بِخُصُوصِيَّاتِهَا ا هـ .
وَإِنْ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ عَلَى كَلَامِهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ جَوَازُ بَيْعِ الْمَعْدُودِ ، وَكَذَا صِحَّتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ عبق وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِشَرْطَيْنِ ذَكَرَهُمَا خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ تَقْصِدْ إفْرَادَهُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ ا هـ .
قَالَ عبق مَنْطُوقُ قَوْلِهِ وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ أَنْ يُعَدَّ بِمَشَقَّةٍ ا هـ .

قَالَ الْبُنَانِيُّ جَرَى عَلَى قَوْلِهِمْ : قَاعِدَةُ النَّفِيَّيْنِ إنْ تَكَرَّرَا حَذَفَهُمَا مَنْطُوقُ قَوْلٍ قَدْ جَرَى وَحَذْفُ وَاحِدٍ فَقَطْ مَفْهُومٌ فَافْهَمْ فَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْلُومُ لَكِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَيْسَتْ عَلَى إطْلَاقِهَا ، بَلْ هِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى سَلْبِ السَّلْبِ نَحْوِ لَيْسَ زَيْدٌ لَيْسَ هُوَ بِعَالِمٍ ، وَلَيْسَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ إلَّا مِنْ قَبِيلِ السَّالِبَةِ الْمَعْدُولَةِ وَهِيَ الَّتِي جُعِلَ فِيهَا السَّلْبُ جُزْأَهُ مِنْ مَدْخُولِهَا ، وَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي وُجُودًا لِمَوْضُوعٍ فَمَنْطُوقُهَا أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ لِصِدْقِهِ بِهِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُعَدُّ أَصْلًا وَهُوَ صَحِيحٌ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ بُيُوعِ ابْنِ جَمَاعَةَ مَا نَصُّهُ قَيَّدُوا الْجَوَازَ فِي الْمَعْدُودِ بِمَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِي عَدِّهِ لِكَثْرَتِهِ وَتَسَاوِي أَفْرَادِهِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ أَوْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مَبْلَغَهُ لَا آحَادَهُ كَالْبِطِّيخِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجُزَافُ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ وَالنُّصُوصُ بِذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ ا هـ .
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا نَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبَاعُ الْجَوْزُ جُزَافًا إذَا بَاعَهُ ، وَقَدْ عَرَفَ عَدَدَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ الْقِثَّاءُ جُزَافًا ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَيَكُونُ الْعَدْلُ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ أَكْبَرَ مِنْ الْعَدْلِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا ا هـ .
ابْنُ رُشْدٍ مَعْرِفَةُ عَدَدِ الْقِثَّاءِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ جُزَافًا إذْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ وَزْنِهِ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِ لِاخْتِلَافِهِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ بِخِلَافِ الْجَوْزِ الَّذِي يَقْرُبُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَهَذَا أَهْوَنُ .
قَالَ : وَعَلَى ظَاهِرِ ابْنِ بَشِيرٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ فَلَهُ جُمْلَةُ ثَمَنِهِ لَا قِلَّةُ ثَمَنِ تَفَاوُتِ الْأَفْرَادِ فِيمَا بَيْنَهَا وَنَصُّهُ الْمَعْدُودَاتُ إنْ قَلَّتْ جَازَ بَيْعُهَا جُزَافًا ا هـ .
وَهُوَ

أَيْضًا ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِعَدَدِهِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُ هَذَا النَّوْعِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ جُزَافًا ا هـ .
قُلْت ، بَلْ مَآلُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ إلَخْ يَرْجِعُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ جَوَابِ بَيْعِ الْمَعْدُودِ جُزَافًا بِزِيَادَةِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا يُبَاعُ جُزَافًا مِنْ الْمَعْدُودِ إمَّا أَنْ يُعَدَّ بِمَشَقَّةٍ أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ أَفْرَادُهُ أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهَا أَمْ لَا فَمَتَى عُدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ جُزَافًا قُصِدَتْ أَفْرَادُهُ أَمْ لَا قَلَّ ثَمَنُهَا أَمْ لَا وَمَتَى عُدَّ بِمَشَقَّةٍ فَإِنْ لَمْ نَقْصِدْ أَفْرَادَهُ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا قَلَّ ثَمَنُهَا أَمْ لَا وَإِنْ قُصِدَتْ جَازَ جُزَافًا إنْ قَلَّ ثَمَنُهَا وَمُنِعَ إنْ لَمْ يَقِلَّ فَالْمَنْعُ فِي خَمْسَةٍ وَالْجَوَازُ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا فِي عبق وَشُرُوطُ الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ مَعًا فِي الْمَبِيعِ جُزَافًا مُطْلَقًا مَعْدُودًا كَانَ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا سَبْعَةٌ وَافَقَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَصْلُ فِي ثَلَاثَةٍ وَوَافَقَهُ عبق فِي الرَّابِعِ وَزَادَ الْأَصْلُ عَلَيْهِمَا الْخَامِسَ وَزَادَ خَلِيلٌ عَلَى الْأَصْلِ السَّادِسَ وَالسَّابِعَ ( الشَّرْطُ الْأَوَّلُ ) الرُّؤْيَةُ لِمَبِيعِ الْجُزْءِ فِي حِينِ الْعَقْدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ .
وَاعْتَمَدَهُ الْحَطَّابُ وَحُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ خَلِيلٍ إنْ رَأَى فَقَالَ مُرَادُهُمْ الْمَرْئِيُّ الْحَاضِرُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ضَيْح وَيَلْزَمُ مِنْ حُضُورِهِ رُؤْيَتُهُ أَوْ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالصِّفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا لِعُسْرِ الرُّؤْيَةِ كَقِلَالِ الْخَلِّ الْمَخْتُومَةِ إذَا كَانَ فِي فَتْحِهَا مَشَقَّةٌ وَفَسَادٌ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا دُونَ فَتْحٍ ا هـ .
وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مُعِينًا لِلْحِسِّ حَتَّى

يُسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ لَا مُطْلَقُ الرُّؤْيَةِ فَلَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ عَلَى الْعَقْدِ خِلَافًا لِمَا لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْوَاضِحَةِ نَعَمْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَالثِّمَارِ فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ لَا عَلَى الْكَيْلِ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَوْلَ مَالِكٍ ، وَكَذَلِكَ حَوَائِطُ الثَّمَرِ الْغَائِبَةِ يُبَاعُ ثَمَرُهَا كَيْلًا أَوْ جُزَافًا وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ ا هـ .
الْمُقْتَضِي جَوَازُ بَيْعِهَا غَائِبَةً جُزَافًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ الْغَائِبِ هَلْ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي شَرَطَ لَهُ أَئِمَّتُنَا الشُّرُوطَ الْمَعْرُوفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ أَوْ هُوَ أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ خَارِجٌ عَنْ الْجُزَافِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّة وَالْمَجَازِ الْعُرْفِيِّ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَهُوَ كَبَيْعِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ الرَّهُونِيُّ لِوَجْهَيْنِ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّهُ يَتَّضِحُ بِهِ مَا .
رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَدِينَةِ وَسَلَّمَهُ وَيَظْهَرُ وَجْهُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَوَّلًا اعْتِرَاضُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْإِمَامِ بِأَنَّ تَفْرِقَتَهُ بَيْنَ حَوَائِطِ الثَّمَرِ الْغَائِبَةِ يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرِهَا جُزَافًا .
وَكَذَا الزَّرْعُ الْغَائِبُ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا بِشَرْطِ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ تَفْرِقَةً لَا حَظَّ لَهَا مِنْ النَّظَرِ وَثَانِيًا اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِهِمْ الرُّؤْيَةَ لِلْجُزَافِ حِينَ الْعَقْدِ مَعَ قَبُولِهِمْ قَوْلَ الْإِمَامِ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَالثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَذَلِكَ غَائِبٌ تَنَافِيًا قَالَ الرَّهُونِيُّ وَجَوَابُ الْحَطَّابِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ

كَلَامِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ عَدَمُ حُضُورِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ حَالَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا جُزَافًا لِظُهُورِ التَّغَيُّرِ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ سَلَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ عِنْدَ مَنْ اشْتَرَطَهَا حُصُولُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَبِيعِ وَانْتِفَاءُ الْجَهَالَةِ عَنْهُ حِينَ حُصُولِ الْعَقْدِ وَانْبِرَامِهِ ، وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الصُّبْرَةُ وَالزَّرْعُ الْقَائِمُ وَالثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ وَكَوْنُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ إذَا أُخِذَ مِنْهُمَا شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُدْرَكُ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ شَيْءٌ آخَرُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِ النَّقْصِ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ وَقَعَ فِيهِمَا مَعْرِفَةُ قَدْرِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَغَايَةُ مَا يُدْرَكُ إذْ ذَاكَ إنَّ هَذَا الْمَبِيعَ الْآنَ نَقَصَ عَنْ حَالِهِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْعَقْدِ وَهَلْ الْأَخْذُ مِنْهُمَا وَقَعَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَلْ نَقَصَ مِنْهُمَا قَدْرُ وَسْقٍ مَثَلًا أَوْ مَا أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا أَنَّهُ يُدْرِكُ بِذَلِكَ قَدْ كَانَا رَمَّا عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ مَعْرِفَةً حَادِثَةً مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْعَقْدِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ قَطْعًا وَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْفَسَادُ لِلْجَهَالَةِ الْوَاقِعَةِ حِينَ الْعَقْدِ ، وَهَذَا أَمْرٌ بَدِيهِيٌّ عِنْدَ مَنْ لَهُ فِي الْإِنْصَافِ أَدْنَى نَصِيبٍ ا هـ قَالَ كنون وَفِي نَظَرِهِ نَظَرٌ تَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الرَّهُونِيُّ وَجَوَابُ مَنْ كَتَبَ عَلَى طُرَّةِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِمَا نَصُّهُ لَا مُنَافَاةَ ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ عَلَى رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ آخِرَ الْجُعْلِ مِنْ تَنْبِيهَاتِهِ ا هـ .
وَجَوَابُ شَيْخِنَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ فِي التَّحْصِيلِ وَالْبَيَانِ

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَاعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ مَدْفُوعٌ ا هـ .
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ وَنَصُّهُ اُنْظُرْ إنْ كَانَ حَبًّا فَيَجُوزُ عَلَى الْكَيْلِ إذَا كَانَ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَإِنْ كَانَ جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ اُنْظُرْ تَمَامَهُ ا هـ .
كُلُّهَا تَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَمَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْوَاضِحَةِ مِنْ أَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ عَلَى الْعَقْدِ كَافِيَةٌ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ وَبَحْثُ ابْنُ عَرَفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُخْتَارِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ لِأَنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الْحَطَّابُ وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَشَيْخُنَا ج وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْبَحْثَ الْمَبْنِيَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْوَاقِعَةِ حِينَ الْعَقْدِ لَا يَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الرُّؤْيَةُ مُطْلَقًا فَالْمُنَافَاةُ حَاصِلَةٌ قَطْعًا لَا تَنْدَفِعُ بِهَا فَكَيْفَ يُحْمَلُ بِمَنْ سَلَّمَ مَا لِلْحَطَّابِ تَبَعًا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنْ يُقْبَلَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ ا هـ .
وَسَلَّمَهُ كنون ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّ حَدَّهُ لِلْجُزَافِ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِقَوْلِهِ فِي حَدِّهِ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ إلَخْ إذْ لَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِ مَا ذُكِرَ حِينَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي ثَانِي حَالٍ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي نَقْلِ التَّوْضِيحِ فَأَمَّا الْمُدَوَّنَةُ فَفِيهَا إلَخْ ، وَأَمَّا كَلَامُ غَيْرِهِمَا فَفِي ضَيْح إلَخْ وَسَاقَ النُّصُوصَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَانْظُرْهُ ( الشَّرْطُ الثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعُ جَاهِلَيْنِ بِقَدْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ إذْ عُدُولُهُمَا عَنْ الْكَيْلِ أَيْ مَعَ عِلْمِهَا بِهِ

يُشْعِرُ بِطَلَبِ الْمُغَابَنَةِ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ عَلِمَ كَيْلَ طَعَامٍ فَلَا يَبِعْهُ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَهُ قَالَ الرَّهُونِيُّ إنَّمَا اُحْتُرِزَ بِهَذَا الشَّرْطِ عَنْ عِلْمِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِقَرِينَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَعْنَوِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ عِلْمِهَا مَعًا بِهِ حِينَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ فِيهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ حَتَّى عَلَى حَدِّ غَيْرِ ابْنِ عَرَفَةَ لِلْجُزَافِ وَثَانِيهِمَا لَفْظِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُ خَلِيلٍ فِي مُحْتَرَزِهِ فَإِنْ عُلِمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ بِعِلْمِ الْآخَرِ بِقُدْرَةٍ خُيِّرَ وَإِنْ أَعْلَمَهُ أَوَّلًا فَسَدَ كَالْمُغْنِيَةِ ا هـ .
( الشَّرْطُ الثَّالِثُ ) أَنْ يُعْتَادَ الْحَزْرُ فِي ذَلِكَ وَأَنْ يَحْذَرَا بِالْفِعْلِ فَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ أَوْ اعْتَادَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي اكْتِفَائِهِ بِالرُّؤْيَةِ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْفِي الْغَرَرَ فِي الْمِقْدَارِ نَعَمْ قَالَ عبق إنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُمَا فِي حَزْرِ قَدْرِ كَيْلِهِ وَوَكَّلَا مَنْ يَحْزِرُهُ بِالْفِعْلِ جَازَ كَذَا يَظْهَرُ ا هـ .
وَسَلَّمَهُ مَحْشُوَّهُ ( الشَّرْطُ الرَّابِعُ ) عَدَمُ الْمُزَابَنَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَهِيَ بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ كَبَيْعِ صُبْرَةٍ جِيرٍ أَوْ جِبْسٍ بِمَكِيلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ ( الشَّرْطُ الْخَامِسُ ) نَفْيُ مَا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الرِّبَا فَلَا يُبَاعُ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ جُزَافًا وَلَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ جُزَافًا ( الشَّرْطُ السَّادِسُ ) أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا لَا جِدًّا فَإِنْ كَثُرَ جِدًّا بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ حَزْرُهُ أَوْ قَلَّ جِدًّا بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَدَدُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ جُزَافًا ، وَأَمَّا مَا قَلَّ جِدًّا بِحَيْثُ يَسْهُلُ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ فَيَجُوزُ جُزَافًا ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جُزَافًا كَمَا تَقَدَّمَ ( الشَّرْطُ السَّابِعُ ) أَنْ تَسْتَوِيَ أَرْضُهُ فَإِذَا عَلِمَا أَوَّلًا

عَدَمَ الِاسْتِوَاءِ فَسَدَ ، وَإِذَا دَخَلَا عَلَى الِاسْتِوَاءِ فَظَهَرَ عَدَمُهُ فَالْخِيَارُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَالْمَوَّاقِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا عِبَارَةٌ عَمَّا فَقَدَ وَاحِدًا مِنْ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَمِنْ الشُّرُوطِ التِّسْعَةِ مِنْ الْمَعْدُودِ فَتَحَقُّقُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ ) فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَالَ الْبُنَانِيّ أَحْوَالُ الزَّرْعِ خَمْسَةٌ قَائِمٌ وَغَيْرُ قَائِمٍ وَغَيْرُ الْقَائِمِ إمَّا قَتٌّ وَإِمَّا مَنْفُوشٌ وَإِمَّا فِي تِبْنٍ وَإِمَّا مُخَلَّصٌ وَالْمَبِيعُ إمَّا الْحَبُّ وَحْدَهُ وَإِمَّا السُّنْبُلُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَبِّ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ لِحَبٍّ وَحْدَهُ جَازَ جُزَافًا فِي الْمُخَلَّصِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لِلْحِسِّ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ فَيُمْكِنُ حَزْرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ السُّنْبُلَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَبِّ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا فِي الْقَتِّ وَالْقَائِمِ دُونَ الْمَنْفُوشِ وَمَا فِي تِبْنِهِ الْبَاجِيَّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرِد الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا بِالشِّرَاءِ دُونَ السُّنْبُلِ ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَ قِشْرِهِ عَلَى الْجُزَافِ مَا دَامَ فِيهِ .
وَأَمَّا شِرَاءُ السُّنْبُلِ إذَا يَبِسَ وَلَمْ يَنْقَعْهُ الْمَاءَ فَجَائِزٌ ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَّا ا هـ .
نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي التَّدَاخُلِ وَصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ وَنَحْوِهِ بَعْدَ إصْلَاحِهِ أَهُوَ فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ وَالْمَنْفُوشُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ هُوَ الْمَخْلُوطُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى سُنْبُلُهُ لِنَاحِيَةٍ كَمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ ، وَمَنْ خَدَمَ الزَّرْعَ وَمَارَسَ خِدْمَتَهُ عُلِمَ أَنَّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَقٌّ لَا مَرِيَّةَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ

الزَّرْعَ إذَا خُلِطَ فِي الْأَنْدَرِ وَهُوَ الْقَاعَةُ فِي لُغَتِنَا لَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ وَالْقَتُّ فِي لُغَتِنَا إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ فَإِذَا جُمِعَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي مَحَلِّهِ سُمِّيَ مَطًّا فَإِذَا جُعِلَ فِي الْقَاعَةِ سُمِّيَ نَادِرًا وَالْحَزْرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَتِّ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْهُ ا هـ مِنْهُ مُلَخَّصًا بِلَفْظِهِ وَهُوَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ فَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الصَّوَابَ جَوَازُ بَيْعِ الْقَمْحِ فِي أَنْدَرِهِ قَبْلَ دَرْسِهِ لِأَنَّهُ يُحْزَرُ وَيُرَى سُنْبُلُهُ وَيُعْرَفُ قَدْرُهُ قَالَ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ ا هـ .
إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُرَى سُنْبُلُهُ وَهُوَ مَا كَانَ فُرْشَةً وَاحِدَةً أَوْ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْزَرُ إلَخْ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ أَيْضًا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ عِيَاضٍ وَنَصُّهُ وَالْحَبُّ إذَا اخْتَلَطَ فِي أَنْدَرِهِ وَكَدَسِّ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ قَالَ عِيَاضٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا يَأْخُذُهَا الْحَزْرُ فَقَوْلَانِ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُبَاعُ الْقَمْحُ فِي أَنْدَرِهِ بَعْدَ مَا يُحْصَدُ فِي تِبْنِهِ وَهُوَ غَرَرٌ ابْنِ رُشْدٍ يُرِيدُ فِي تِبْنِهِ بَعْدَ دَرْسِهِ ، وَأَمَّا قَبْلَ دَرْسِهِ فَجَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يُحْزَرُ وَيُرَى سُنْبُلُهُ وَيُعْرَفُ قَدْرُهُ ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَهُ التُّونُسِيُّ وَحَمْلُ غَيْرِ السَّمَاعِ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ ا هـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
فَإِنَّ قَوْلَهُ : وَأَمَّا قَبْلَ دَرْسِهِ فَجَائِزٌ إلَخْ ، وَقَوْلُهُ ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَهُ التُّونُسِيُّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمَا الْقَوْلَانِ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ فِيمَا كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا يَأْخُذُهَا الْحَزْرُ وَلِنِسْبَةِ مُقَابِلِ الْجَوَازِ لِلتُّونُسِيِّ وَهُوَ يَقُولُ بِالْمَنْعِ فِيمَا كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا كَمَا فِي ضَيْح عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبِخِلَافِ الزَّرْعِ قَائِمًا ، وَكَذَا مَحْصُودًا عَلَى الْأَشْهَرِ وَنَصُّهُ وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَحْصُودِ

الْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى الْقَائِمِ ، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ حَالَ الدَّرْسِ وَهُوَ قَوْلُ التُّونُسِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَوَازَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُزَمًا أَمْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ حُزَمًا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا خُلِطَ فِي الْأَنْدَرِ ا هـ .
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ حُزَمًا وَنَحْوَهَا مِمَّا يَأْخُذُهُ الْحَزْرُ بِدَلِيلِ عَزْوِهِ لِلْجَلَّابِ وَنَصَّ الْجَلَّابُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزَّرْعِ إذَا يَبِسَ وَاشْتَدَّ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ بَعْدَ جِزَازِهِ إذَا كَانَ حُزَمًا ا هـ .
مِنْهُ بِلَفْظِهِ ا هـ .
كَلَامُ الرَّهُونِيِّ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ ) فَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْيَقِينِ إلَى تَوَقُّعِ الْغَرَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ شُرُوطُ التَّسْلِيمِ لِيَكُونَ مَقْصُودُ الْمَالِيَّةِ حَاصِلًا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَإِنْ ذَكَرَ الْجِنْسَ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ ، فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَمَنَعَ بَيْعَ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ ، وَالرَّابِعُ إذَا انْضَافَ إلَيْهَا غَرَرٌ ضَرُورَةً ، وَكَذَلِكَ أَجَازَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ مَنْعُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْجِنْسِ فَقَطْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبُعْدِ الْعَقْدِ عَنْ اللُّزُومِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مُخَالَفَةِ الْغَرَضِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَإِنْ أَضَافَ لِلْجِنْسِ صِفَاتِ السَّلَمِ جَوَّزَهُ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَوَافَقَاهُ عَلَى الْجَوَازِ وَأَلْزَمَا الْبَيْعَ إذْ رَآهُ مُوَافِقًا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الصِّحَّةَ لِلْغَرَرِ وَأَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ أَبُو حَنِيفَةَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ وَافَقَ الصِّفَةَ وَمَنَعَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ عَلَى الصِّفَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِالصِّفَةِ وَهِيَ سَبَبُ نَفَاسَتِهِ وَخَسَاسَتِهِ فَالصِّفَةُ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ تُوجِبُ الصِّحَّةَ دُونَ اللُّزُومِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ

لَا تُوجِبُهُمَا ، وَعِنْدَنَا تُوجِبُهُمَا حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ ، وَنَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَتْ ذَاتُهُ ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالذَّوَاتِ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَبَعٌ لِلذَّاتِ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّفَةُ كَالنِّكَاحِ وَبَاطِنِ الصُّبْرَةِ وَالْفَوَاكِهِ فِي قِشْرِهَا وَقِيَاسًا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَوْصَافِهِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تَفَاوُتَ الْمَالِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِتَفَاوُتِ الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ حِفْظُ الْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ ، وَعَنْ الثَّانِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ مَوْضُوعٌ ، وَعَنْ الثَّالِثِ إنَّا نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ فَنَقُولُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِانْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الصِّفَةِ فَتُشْتَرَطُ ، ثُمَّ الْفَرْقُ سُتْرَةُ الْمُخَدَّرَاتِ عَنْ الْكَشْفِ لِكُلِّ خَاطِبٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِنَّ السُّفَهَاءُ وَبَاطِنُ الصُّبْرَةِ مُسَاوٍ لِظَاهِرِهَا ، وَلَيْسَتْ صِفَاتُ الْمَبِيعِ مُسَاوِيَةً لِجِنْسِهِ وَالْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عِلْمٌ بِالْآخَرِ ( وَعَنْ الرَّابِعِ ) أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَفْعٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ وُصِفَ وَنَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ ( وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ) الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ لَوْ رَآهُ وَأَسْلَمَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَنَّ الصِّفَةَ تَنْفِي الْجَهَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى

الْكَافِرِينَ } فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ وَقِيَاسًا عَلَى السَّلَمِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ فَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ ( تَنْبِيهٌ ) حَيْثُ اشْتَرَطْنَا الصِّفَاتِ فِي الْغَائِبِ أَوْ السَّلَمِ فَيُنَزَّلُ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى أَدْنَى رُتْبَةٍ وَصِدْقِ مُسَمَّاهُ لُغَةً لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرَاتِبِ الْأَوْصَافِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِلْخِصَامِ وَالْقِتَالِ وَالْجَهَالَةِ بِالْمَبِيعِ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ ) وَهُوَ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ قَالَ إلَّا الْأَصْلُ عِبَارَةً عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ ( شُرُوطٍ الْأَوَّلُ ) أَنْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا تُمْكِنُ الرُّؤْيَةُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ كَأَنْ يَكُونَ بِبَلَدِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْيَقِينِ إلَى تَوَقُّعِ الْغَرَرِ ( الشَّرْطُ الثَّانِي ) أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ شُرُوطُ التَّسْلِيمِ لِيَكُونَ مَقْصُودُ الْمَالِيَّةِ حَاصِلًا ا هـ .
وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ لَكِنْ الَّذِي يُفِيدُهُ قَوْلُ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ إنْ لَمْ يَعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ ا هـ .
أَنَّ شُرُوطَ الْجَوَازِ الْمُعْتَمَدَةَ اثْنَانِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ وَإِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ لَهُ غَيْرَ بَائِعِهِ ضَعِيفٌ فَقَدْ قَالَ عبق وَالرَّهُونِيُّ فِي حَلِّهِ قَوْلُهُ أَوْ وَصْفُهُ غَيْرَ بَائِعه هُوَ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَصْدَرِ قَبْلَهُ فَهُوَ مَدْخُولٌ لِلنَّفْيِ أَيْ وَجَازَ بَيْعُ غَائِبٍ ، وَلَوْ بِلَا وَصْفِهِ غَيْرِ بَائِعِهِ بِأَنْ وَصَفَهُ بَائِعُهُ وَمَا ذَهَبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي ضَيْح هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْعَطَّارِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُوثَقُ بِصِفَتِهِ إذْ قَدْ يُقْصَدُ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ لِتُنْفَقَ سِلْعَتُهُ ا هـ .
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ ا هـ .
فَالْمُصَنِّفُ رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَاوَزُ فِي وَصْفِهِ لِنِفَاقِ سِلْعَتِهِ ا هـ .
وَتَعَقَّبَهُ عبق وَالرَّهُونِيُّ فِي

قَوْلِهِ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ فَقَالَ الرَّهُونِيُّ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَعَ قَبُولِهِ فِي ضَيْح قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَالْأَشْهَرُ الْجَوَازُ أَيْ جَوَازُ بَيْعِ غَيْرِ حَاضِرٍ مَجْلِسَ الْعَقْدِ بِالصِّفَةِ ، وَلَوْ بِالْبَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إحْضَارِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ا هـ .
وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ وَكُلُّهَا تُقَيِّدُ مَا قَالُوهُ إلَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا فِي كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَفِي آخِرِ السَّلَمِ الثَّالِثِ وَإِنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ رِطْلَ حَدِيدٍ بِعَيْنِهِ فِي بَيْتِك ، ثُمَّ افْتَرَقْتُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ وَزِنَتِهِ جَازَ ذَلِكَ ا هـ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ وَقَعَ عَلَى رِطْلٍ مُعَيَّنٍ سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَتَأَمَّلْهُ ا هـ .
كَلَامُ الرَّهُونِيِّ بِتَوْضِيحٍ .
وَأَمَّا حَاضِرُ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ إلَّا مَا فِي فَتْحِهِ ضَرَرًا وَفَسَادًا كَمَا مَرَّ ا هـ .
عبق ، وَأَمَّا شَرْطُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا فَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ كَمَا فَعَلَ الْأَصْلُ ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَصْفُهُ بِمَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّلَمِ الْمَقِيسِ هَذَا عَلَيْهِ ا هـ .
كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَنْ الرَّمَاصِيِّ .
وَقَدْ قَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي السَّلَمِ يَكُونُ بِالْوَزْنِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَزْنُ وَبِالْكَيْلِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ وَبِالذَّرْعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ وَبِالْعَدَدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ أَحَدُ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ انْضَبَطَ بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْجِنْسِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ إنْ كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً أَوْ مَعَ

تَرْكِهِ إنْ كَانَ وَاحِدًا ا هـ .
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْجَوَازِ فَافْهَمْ ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ أَيْ مَعَ صِفَاتِ الْمَقْصُودَةِ فِيمَا كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلَّةً بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ، وَمَنْعُ بَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ وَالرَّابِعُ إذَا انْضَافَ إلَيْهَا غَرَرٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَكَذَلِكَ أَجَازَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ وَمَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَطْ لِبُعْدِ الْعَقْدِ عَنْ اللُّزُومِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مُخَالَفَةِ الْغَرَضِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَوَافَقَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى الْجَوَازِ إذَا أَضَافَ لِلْجِنْسِ صِفَاتِ السَّلَمِ إلَّا أَنَّهُمَا أَلْزَمَا الْبَيْعَ إذَا رَآهُ مُوَافِقًا وَأَثْبَتَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ وَافَقَ الصِّفَةَ وَمُنِعَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ عَلَى الصِّفَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِالصِّفَةِ وَهِيَ سَبَبُ نَفَاسَتِهِ وَخَسَاسَتِهِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِحَّةَ بَيْعِ الْغَائِبِ بِالصِّفَةِ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالصِّفَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ تُوجِبُ الصِّحَّةَ دُونَ اللُّزُومِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُوجِبُهَا مُطْلَقًا ، وَعِنْدَنَا تُوجِبُهُمَا مُطْلَقًا ا هـ ، وَقَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَبِيعٍ غَائِبٍ أَوْ مُتَعَذِّرِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ بَيْعُ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا وُصِفَ وَلَا لَمْ يُوصَفْ ، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلَيْ

الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِمَّا يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ صِفَتِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ ، ثُمَّ لَهُ إذَا رَآهَا الْخِيَارُ فَإِنْ شَاءَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَعَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ ، وَقَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِنَا ا هـ .
لَكِنْ قَالَ عبق أَوْ أَبَاعَهُ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ وَلَا تَقَدُّمُ رُؤْيَةٍ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَوْ بَعُدَ جِدًّا اُنْظُرْ الْحَطَّابَ ا هـ .
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ قَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وضيح مَا نَصُّهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمَا إنَّ ذَلِكَ مَعَ الصِّفَةِ .
وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ا هـ .
وَتَبِعَهُ أَبُو عَلِيٍّ قَائِلًا مَا نَصُّهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ا هـ .
وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ وَبَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بَعْدَهُ ا هـ .
وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا ا هـ .
كَلَامُ أَبِي عَلِيٍّ بِلَفْظِهِ فَانْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الْبُعْدِ جِدًّا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطًا فِي بَيْعِ

الْخِيَارِ الْحَقِيقِيِّ مَعَ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ فَكَيْفَ بِهَذَا الْخِيَارِ الَّذِي مَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَدْ عَلِمْت مِنْ ظُهُورِ وَجْهِ مَنْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ مَحَالِّهَا وَعَبَثٌ وَأَفْعَالُ الْعُقَلَاءِ تُصَانُ عَنْهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ الْحَاضِرِ بِخِيَارٍ لَهُمَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ أَشَارَ إلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ الْمَجْعُولِ لَهُمَا مَعًا لَيْسَ فِيهَا غَرَرٌ وَالتَّأْخِيرُ فِيهَا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِاخْتِيَارِهِمَا فَعَلَاهُ لِمَصْلَحَةِ التَّرَوِّي وَهُمَا حِينَ الْعَقْدِ قَادِرَانِ عَلَى بَتِّهِ وَإِمْضَائِهِ وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ تَمْضِي بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا وَهُمَا قَادِرَانِ فِيهَا عَلَى إبْرَامِهِ وَإِمْضَائِهِ فَالتَّأْخِيرُ حَقٌّ لَهُمَا لَا حَقٌّ لِلَّهِ فِيهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَهُمَا مَمْنُوعَانِ لِحَقِّ اللَّهِ مِنْ إمْضَائِهِ حَالَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ فَافْتَرَقَا فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
فَظَهَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبُعْدِ جِدًّا وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الْجَوَازِ فَتَنَبَّهْ قَالَ الْأَصْلُ وَحُجَّةُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) إنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ وَنَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَتْ ذَاتُهُ ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالذَّاتِ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَبَعٌ لِلذَّاتِ ( وَجَوَابُهُ ) إنَّ تَفَاوُتَ الْمَالِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِتَفَاوُتِ الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ حِفْظُ الْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ

السَّلَامُ { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } ( وَجَوَابُهُ ) الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ مَوْضُوعٌ ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) إنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّفَةُ كَالنِّكَاحِ وَبَاطِنِ الصُّبْرَةِ وَالْفَوَاكِهِ فِي قِشْرِهَا ( وَجَوَابُهُ ) إنَّا نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ فَنَقُولُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِانْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الصِّفَةِ فَنَشْتَرِطُ ، ثُمَّ الْفَرْقُ سُتْرَةُ الْمُخَدَّرَاتِ عَنْ الْكَشْفِ لِكُلِّ خَاطِبٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِنَّ السُّفَهَاءُ وَبَاطِنُ الصُّبْرَةِ مُسَاوٍ لِظَاهِرِهَا وَالْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عِلْمٌ بِالْآخَرِ ، وَلَيْسَتْ صِفَاتُ الْمَبِيعِ مُسَاوِيَةً لِجِنْسِهِ ( الْأَمْرُ الرَّابِعُ ) الْقِيَاسُ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَوْصَافِهِ ( وَجَوَابُهُ ) أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَفْعٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمْرَانِ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ وُصِفَ ( وَجَوَابُهُ ) الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ وَأَسْلَمَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْعَ الْمَجْهُولِ ( وَجَوَابُهُ ) بِوَجْهَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ الصِّفَةَ تَنْفِي الْجَهَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ ا هـ .
أَيْ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّلَمِ فِيهِ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمُ ، وَقَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ

وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَيْ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ هَلْ نُقْصَانُ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالصِّفَةِ عَنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحِسِّ هُوَ جَهْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ ، فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ أَمْ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ وَأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ وَمَالِكٌ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ .
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ لَا غَرَرَ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُؤْيَةٌ ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْجَهْلَ الْمُقْتَرِنَ بِعَدَمِ الصِّفَةِ مُؤَثِّرٌ فِي انْعِقَادِ الْمَبِيعِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لِمَكَانِ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي فِي نَشْرِهِ وَمَا يُخَافُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِتَكْرَارِ النَّشْرِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي جِرَابِهِ وَلَا الثَّوْبُ الْمَطْوِيُّ فِي طَيِّهِ حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي جِرَابِهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَبَايَعَا حَتَّى نَعْلَمَ أَيَّهُمَا أَعْظَمَ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَفِيهِ بَيْعُ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَلَا بُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجِنْسِ وَيَدْخُلُ الْبَيْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَائِبٌ غَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومٌ وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا كَالْعَقَارِ وَمِنْ هَاهُنَا أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ

مُتَقَدِّمَةٍ أَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ فَأَعْلَمَهُ ا هـ .
وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا فَقَدَ وَاحِدًا مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَعَمَّا فَقَدَ شَرْطًا أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ عَلَى مَا حَقَّقْته وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي قَدَّمْته فَتَحَقَّقَ الثَّلَاثَةُ الشُّرُوطُ الَّتِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ أَوْ هَذَا الشَّرْطُ فَقَطْ وَعَدَمُ تَحَقُّقِ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْأَصْلُ حَيْثُ اشْتَرَطْنَا الصِّفَاتِ فِي الْغَائِبِ وَالسَّلَمِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُنَزَّلَ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى أَدْنَى رُتْبَةٍ يَصْدُقُ مُسَمَّاهُ لُغَةً عَلَيْهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرَاتِبِ الْأَوْصَافِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِلْخِصَامِ وَالْقِتَالِ وَالْجَهَالَةِ بِالْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ ) مَتَى اتَّحَدَ جِنْسُ الرِّبَوِيِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَكَانَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا جِنْسٌ آخَرُ امْتَنَعَ الْبَيْعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَشَنَّعَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ فِي قِرْطَاسٍ لِاحْتِمَالِ مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ الزَّائِدِ بِالْقِرْطَاسِ وَهُوَ قَدْ جَوَّزَهُ وَهُوَ شَنِيعٌ لَنَا أَنَّ الْمُضَافَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَابِلَهُ مِنْ الْآخَرِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ مُسَاوِي الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَالْجَهْلُ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْجَهْلَ بِالْمَشْرُوطِ فَلَا يَقْضِي بِالصِّحَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلتَّفَاضُلِ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى الْمَنْعِ إذَا كَانَ الرِّبَوِيَّانِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا عَيْنٌ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهَا تُقَابِلُ مِنْ أَحَدِهِمَا جُزْءًا فَيَبْقَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَيَذْهَبُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أُتِيَ بِقِلَادَةٍ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَمَنَعَ بَيْعَهَا حَتَّى تُفْصَلَ } وَهُوَ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ مُضَافًا إلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ قَضِيَّةَ الْقِلَادَةِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَنْعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، بَلْ لِأَنَّ الْحُلِيَّ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مَجْهُولَ الزِّنَةِ وَنَحْنُ لَا نُجِيزُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِالزِّنَةِ فَإِذَا فُصِلَتْ الْقِلَادَةُ وَوُزِنَتْ عُلِمَ وَزْنُهَا فَجَازَ بَيْعُهَا فَلِمَ ، قُلْتُمْ إنَّ الْمَنْعَ مَا كَانَ لِذَلِكَ

وَالْعُمْدَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ } فَجَعَلَ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَنْعِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا مِنْ الْمَنْعِ ( فَإِنْ قُلْت ) ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي الظَّنَّ بِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَالظَّنُّ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَالطَّهَارَاتِ وَغَيْرِهَا ( قُلْت ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي بَابِ الرِّبَا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِشَهَادَةِ الْمِيزَانِ وَالْمِكْيَالِ وَبَابُ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ بَابِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ ) وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ إذَا كَانَ الرِّبَوِيَّانِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا وَلَا مَعَ أَحَدِهِمَا عَيْنٌ أُخْرَى وَلَا جِنْسٌ آخَرُ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى الْمَنْعِ إذَا كَانَ الرِّبَوِيَّانِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا عَيْنٌ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهَا تُقَابِلُ مِنْ أَحَدِهِمَا جُزْءًا فَيَبْقَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَيَذْهَبُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الرِّبَوِيِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَكَانَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا جِنْسٌ آخَرُ يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ أَوْ يَجُوزُ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّ الْمُضَافَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَابِلَهُ مِنْ الْآخَرِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ مُسَاوِي الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْمُمَاثَلَةِ إلَيْهِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَالْجَهْلُ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْجَهْلَ بِالْمَشْرُوطِ فَلَا يَقْضِي بِالصِّحَّةِ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى التَّفَاضُلِ فَيَجِبُ سَدُّهَا لَا سِيَّمَا ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ } فَجَعَلَ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَنْعِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا عَلَى الْمَنْعِ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) فِي مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أُتِيَ بِقِلَادَةٍ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَمَنَعَ بَيْعَهَا حَتَّى تُفْصَلَ } وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَمْرَيْنِ

( الْأَوَّلُ ) أَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي الظَّنَّ بِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَالظَّنُّ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَالطَّهَارَاتِ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِلَادَةِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَنْعُ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُضَافَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَابِلَهُ مِنْ الْآخَرِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ مُسَاوِي الْمُضَافِ إلَيْهِ إلَخْ ، بَلْ ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مَجْهُولَ الزِّنَةِ وَنَحْنُ لَا نُجِيزُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِالزِّنَةِ فَإِذَا فُصِلَتْ الْقِلَادَةُ وَوُزِنَتْ عُلِمَ وَزْنُهَا فَجَازَ بَيْعُهَا فَلِمَ ، قُلْتُمْ أَنَّ الْمَنْعَ مَا كَانَ لِذَلِكَ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ الْأَوَّلِ إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي بَابِ الرِّبَا ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِشَهَادَةِ الْمِيزَانِ وَالْمِكْيَالِ وَبَابُ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ بَابِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ( وَعَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي ) بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ إنَّ الْمَنْعَ فِي قَضِيَّةِ الْقِلَادَةِ كَانَ ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مَجْهُولَ الزِّنَةِ ، بَلْ قُلْنَا إنَّ الْمَنْعَ فِيهَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيثِ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ } إلَخْ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمُمَاثَلَةِ الَّذِي مُفَادُ الْحَدِيثِ اشْتِرَاطُهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا عَلَى الْمَنْعِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ دِينَارٍ فِي قِرْطَاسٍ بِدِينَارَيْنِ لِاحْتِمَالِ مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ الزَّائِدِ بِالْقِرْطَاسِ وَهُوَ قَدْ جَوَّزَهُ وَهُوَ شَنِيعٌ فَتَأَمَّلْ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُسَمَّى بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ حَفِيدُ بْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالْفِضَّةِ وَفِيهِ حِلْيَةٌ فِضَّةٌ أَوْ بِالذَّهَبِ وَفِيهِ حِلْيَةٌ

ذَهَبٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِجَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ ، وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ قِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ جَازَ بَيْعُهُ أَعْنِي بِالْفِضَّةِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ فِضَّةً أَوْ بِالذَّهَبِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ ذَهَبًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ قَلِيلَةً لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً فِي الْبَيْعِ وَصَارَتْ كُلُّهَا هِبَةً .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي السَّيْفِ ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي بَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْفِضَّةَ فِيهِ أَوْ الذَّهَبَ يُقَابِلُ مِثْلَهُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الْمُشْتَرَاةِ بِهِ وَيَبْقَى الْفَضْلُ قِيمَةُ السَّيْفِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ عُمُومُ الْأَحَادِيثِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ { أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ يُنْزَعُ وَحْدَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ } خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ ا هـ .
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُقُودَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ( الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) يُرَدُّ عَلَى الذِّمَمِ ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْأَجْنَاسَ الْكُلِّيَّةَ دُونَ أَشْخَاصِهَا فَيَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَإِنْ دَفَعَ فَرْدًا مِنْهُ فَظَهَرَ مُخَالَفَتُهُ لِلْعَقْدِ رَجَعَ بِفَرْدٍ غَيْرِهِ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى الْآنَ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَرْدٌ مُطَابِقٌ لِلْعَقْدِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ فَهَذَا مُعَيَّنٌ وَخَاصَّتُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ ذَلِكَ الْمُشَخَّصُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ اتِّفَاقًا وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْمُشَخَّصَاتِ صُورَتَانِ ( الصُّورَةُ الْأُولَى ) النُّقُودُ إذَا شُخِّصَتْ وَتَعَيَّنَتْ لِلْجِنْسِ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ( أَحَدُهُمَا ) تَتَعَيَّنُ بِالشَّخْصِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُشَخَّصَاتِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ( وَثَالِثُهَا ) تَتَعَيَّنُ إنْ شَاءَ بَائِعُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا وَلَا مَشِيئَةَ لِقَابِضِهَا فَإِنْ اخْتَصَّ النَّقْدُ بِصِفَةٍ نَحْوِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ وَنَحْوِهِمَا تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأُمُورٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ غَرَضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا عِنْدَ الْفَلَسِ ، وَالنَّقْدُ الْمُعَيَّنُ آكَدُ مِنْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَشَخُّصِهِ فَإِذَا تَعَيَّنَ النَّقْدَانِ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَا إذَا شُخِّصَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ النَّقْدَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدَّيْنِ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ كَأَرْطَالِ

الزَّيْتِ مِنْ خَابِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَقْفِزَةِ الْقَمْحِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهَا غَرَضٌ ، بَلْ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ أَقْفِزَةٍ كِيلَتْ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ زَيْتٍ مِنْ جَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَهُ مَوْرِدَ الْعَقْدِ وَعَيَّنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ عَدَمِ الْغَرَضِ فَكَذَلِكَ النَّقْدَانِ ( وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَنَّ الْفَلْسَ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ بِاللَّدَدِ وَقُرْبِ الْإِعْسَارِ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ الدَّيْنُ ، وَلَوْ حَصَلَ فِي النَّقْدَيْنِ اخْتِلَافٌ لَتَعَيَّنَتْ أَيْضًا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَنَّ السِّلَعَ وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتَ أَمْثَالٍ فَإِنَّهَا مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَانِ وَسِيلَتَانِ لِتَحْصِيلِ الْمُثَمَّنَاتِ ، وَالْمَقَاصِدُ أَشْرَفُ مِنْ الْوَسَائِلِ إجْمَاعًا فَلِشَرَفِهَا اُعْتُبِرَ تَشْخِيصُهَا وَعَيْنُ النَّقْدِ وَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَأَثَّرَ بِشَرَفِهِ فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهِ بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ ضَعِيفَةٌ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا إذَا قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَعْنًى فِيهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا يُمْلَكَانِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ خُصُوصِيَّاتِ الْمِثْلِيَّاتِ فَإِذَا غَصَبَ غَاصِبٌ مِنْ شَخْصٍ دِينَارًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ طَلَبِ خُصُوصِهِ ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الزِّنَةَ وَالْجِنْسَ دُونَ الْخُصُوصِ فَالْغَاصِبُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا غَيْرَهُ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّهُ إذَا كَانَ الدِّينَارُ وَاَلَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا لِلسِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي

الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ هَذِهِ السِّلْعَةَ فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِهِ لَهُ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهِ وَيُعْطِيهِ غَيْرَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ فِي أَفْرَادِ النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِلْكٌ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدٌ ، بَلْ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ فَقَطْ دُونَ خُصُوصِ ذَلِكَ الْفَرْدِ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا تَكُونُ الْعُقُودُ فِي النَّقْدَيْنِ تَتَنَاوَلُ إلَّا الذِّمَمَ خَاصَّةً وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْنِي بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ وَيُعَيِّنُهُ وَالْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الذِّمَّةِ دُونَ مَا عُيِّنَ وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ تَتَقَاضَى ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَصْحَابِ غَيْرَ أَنَّهُمْ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ فِي الشَّخْصِ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنَّ خُصُوصَ كُلِّ دِينَارٍ لَا يُمْلَكُ قَدْ يُسْتَشْنَعُ ذَلِكَ وَيُنْكَرُ وَهُوَ لَازِمٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْخُصُوصِيَّاتُ لَا تُمْلَكُ كَانَتْ الْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْجِنْسِ وَالْمِقْدَارِ فَقَطْ فَاعْلَمْ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ الْعَبْدَلِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ النَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ تَعَيَّنَتْ بِالْقَبْضِ وَبِالْمُفَارَقَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ الرِّضَى بِالزَّائِفِ فِي الصَّرْفِ .
وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ النَّقْدَانِ فَالْعَقْدُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّسْلِيمَ فَإِذَا قُبِضَ فِي الصَّرْفِ رَدِيئًا ، وَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ وَتَعَيَّنَ صَحَّ الْعَقْدُ وَالطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقٌ أَوْ عَيْبٌ أَوْ حُكْمٌ مُتَجَدِّدٌ لِنَفْيِ الظُّلَامَةِ كَعَقْدِ

النِّكَاحِ مُبْرَمٌ مُفِيدٌ لِلْمِيرَاثِ وَحِلِّ الْوَطْءِ ، وَإِذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَيْبٌ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُوجِبُ الرَّدَّ فَإِذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ وَإِنْ أَرَادَ الْبَدَلَ مَنَعَهُ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُدَلِّسَ بَائِعُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُحْوِجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَسَائِلِ أَمَّا الصَّرْفُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَالَ فِيهِ مَالِكٌ بِالتَّعْيِينِ فَلِضِيقِ بَابِهِ وَأَمَرَ الشَّرْعُ بِسُرْعَةِ الْقَبْضِ نَاجِزًا لِلتَّعْيِينِ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلتَّضْيِيقِ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْقَبْضِ نَاجِزًا بِخِلَافِ إذَا قُلْنَا إنَّ الصَّرْفَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَبْضُ مُبْرِئًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ إنْ كَانَ مُوَافِقًا وَأَنْ لَا يَكُونَ فَبِالتَّعْيِينِ يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِالْقَبْضِ وَالتَّنَاجُزِ .
وَأَمَّا الْكِرَاءُ فَيَصْعُبُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ الْكِرَاءَ يَرِدُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ فَلَوْ كَانَ النَّقْدَانِ لَا يَتَعَيَّنَانِ لَكَانَ الْكِرَاءُ أَيْضًا فِي الذِّمَّةِ فَيُشْبِهُ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُشْكِلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْكِرَاءُ عَلَى الذِّمَّةِ تَصْرِيحًا وَيُعَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ لَهُ فَرْقٌ يَلِيقُ بِهِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) إذَا جَرَى غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مَجْرَاهُمَا فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْفُلُوسِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ سَنَدٌ مَنْ أَجْرَى الْفُلُوسَ مَجْرَى النَّقْدَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا جَعَلَهَا كَالنَّقْدَيْنِ وَمُنِعَ الْبَدَلُ فِي الصَّرْفِ إذَا وُجِدَ بَعْضُهَا رَدِيئًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَوُجِدَتْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَعْضُ الْفُلُوسِ رَدِيئًا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ لِلْخِلَافِ فِيهَا ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ

الْفُلُوسَ يُكْرَهُ الرِّبَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ الْمُشَخَّصَاتُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ فِيهِ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةَ عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةً يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا وَإِنْ عَيَّنْت جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَجْرَاهُ مَجْرَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ صُورَةِ التَّأَخُّرِ فِي الْقَبْضِ وَإِنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْمُعَاوَضَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّعْيِينِ ، وَالتَّعَيُّنُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ دَيْنًا ، فَلَيْسَ هَا هُنَا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَوْجَهُ ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مِنْ التَّقْسِيمِ لَا هُوَ مُعَيَّنٌ مُطْلَقًا وَلَا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مُطْلَقًا ، بَلْ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَشْبَهَ مَا فِي الذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى جِنْسٍ ، بَلْ عَلَى مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَبِيعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ سَلَمٌ فِي الذِّمَّةِ وَغَائِبٌ عَلَى الصِّفَةِ وَحَاضِرٌ مُعَيَّنٌ فَهَذِهِ أَقْسَامُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَبْسُوطٌ .

قَالَ ( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَى آخِرِ الْقِسْمِ ) مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلُهُ ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْأَجْنَاسَ الْكُلِّيَّةَ دُونَ أَشْخَاصِهَا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلْ مُتَعَلِّقُهُ أَشْخَاصٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكُلِّيِّ وَلِذَلِكَ صَحَّ الْوَفَاءُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ إذَا وَافَقَ الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةَ قَالَ ( الْقِسْمُ الثَّانِي مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ ) قُلْت الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَقْوَى حُجَجِهِ قِيَاسُ النَّقْدَيْنِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَيْنِ وَسَائِلُ لَيْسَ بِفَرْقٍ يَقْدَحُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ الدِّينَارُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا فِي السِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ وَالْمَغْصُوبِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ لُزُومُ رَدِّ الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا أَمَّا إذَا فَاتَ فَلَهُ رَدُّ غَيْرِهِ قَالَ ( وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي فِي يَدِ الْإِنْسَانِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِأَخْذِهِ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ مِلْكَهُ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ مِنْ أَشْنَعِ قَوْلٍ يُسْمَعُ وَأَفْحَشِ مَذْهَبٍ بِبُطْلَانِهِ يُقْطَعُ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إلَى آخِرِهَا ) قُلْت الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ فَلِذَلِكَ أُشْكِلَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ (

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إلَى آخِرِهَا ) قُلْت قَوْلُ أَشْهَبَ فِي سُكْنَى الدَّارِ الْمَأْخُوذَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْجُهٌ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ وَمَا قَالَهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ أَنَّهُ أَخَذَ شَبَهًا مِمَّا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ ، بَلْ هُوَ مُعَيَّنٌ ، وَأَمَّا كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَلِأُمُورٍ غَيْرِ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السِّتَّةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ كُلُّهُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ) ( قَالَ ) الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَبِيعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ سَلَمٌ فِي الذِّمَّةِ وَغَائِبٌ عَلَى الصِّفَةِ وَحَاضِرٌ مُعَيَّنٌ ا هـ .
أَيْ مُتَعَلِّقُ الْعُقُودِ بَيْعَهَا أَوْ نَحْوَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمُعَيَّنُ وَغَيْرُهُ وَاَلَّذِي فِيهِ شَبَهٌ مِنْهُمَا ( فَالسَّلَمُ فِي الذِّمَّةِ ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنِ إذْ هُوَ أَشْخَاصٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكُلِّيِّ وَلِذَلِكَ صَحَّ الْوَفَاءُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ إذَا وَافَقَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْعَقْدِ وَالْأَرْجَحُ بِفَرْدِ غَيْرِهِ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى الْآنَ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَرْدٌ مُطَابِقٌ لِلصِّفَاتِ فِي الْعَقْدِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَالْغَائِبُ عَلَى الصِّفَةِ ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الَّذِي فِيهِ شَبَهٌ بِالْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَشْبَهَ مَا فِي الذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى جِنْسٍ ، بَلْ عَلَى مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَهُ الْأَصْلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ ، وَأَمَّا كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَلِأُمُورٍ غَيْرِ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ ( وَالْحَاضِرُ الْمُعَيَّنُ ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الْمُعَيَّنُ أَيْ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ وَخَاصَّتُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ ذَلِكَ الْمُشَخَّصُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ اتِّفَاقًا لَكِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي صُورَتَيْنِ اُسْتُثْنِيَتَا مِنْ قَاعِدَةِ الْمُشَخَّصَاتِ ( الصُّورَةُ الْأُولَى ) أَنْ يَكُونَ لَك دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ فَتَأْخُذُ فِيهِ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ

قَبْضُهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ مُعَيَّنًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَوْ مَنَافِعُ مُعَيَّنٌ وَأَجْرَاهُ مَجْرَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ صُورَةِ التَّأْخِيرِ فِي الْقَبْضِ أَيْ إمَّا فِي الْكُلِّ وَإِمَّا فِي الْأَجْزَاءِ وَإِنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْمُعَاوَضَةِ أَيْ ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ .
وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ مُعَيَّنًا أَوْ مَنَافِعُ مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ ، فَلَيْسَ هَاهُنَا فَسْخُ الدَّيْنِ وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قَالَ عبق ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ إذَا أُسْنِدَتْ لِمُعَيَّنٍ أَشْبَهَتْ الْمُعَيَّنَاتِ الْمَقْبُوضَةَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَالدَّيْنِ يَمْنَعُ فَسْخَ الدَّيْنِ فِيهَا لَامْتَنَعَ اكْتِرَاؤُهَا بِدَيْنٍ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ ، وَكَذَا شِرَاؤُهَا بِهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ ا هـ .
قَالَ الدُّسُوقِيُّ ، وَقَدْ كَانَ عج يَعْمَلُ بِهِ فَكَانَتْ لَهُ حَانُوتٌ سَاكِنٌ فِيهَا مُجَلِّدٌ يُجَلِّدَ الْكُتُب فَكَانَ إذَا تَرَتَّبَ لَهُ جَرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ يَسْتَأْجِرُهُ بِهَا عَلَى تَسْفِيرِ كُتُبٍ وَكَانَ يَقُولُ هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ ا هـ .
عَلَى أَنَّ الْبُنَانِيَّ قَالَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا يَمْنَعُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَسْخَ الدَّيْنِ فِي مَنَافِعِ الْمُعَيَّنِ فِي الِاخْتِيَارِ ، وَأَمَّا فِي الضَّرُورَةِ فَهُوَ عِنْدَهُ جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي صَحْرَاءَ وَلَا يَجِدُ كِرَاءً وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَنَافِعِ دَابَّةٍ عَنْ دَيْنِهِ قَالَهُ فِي رَسْمِ السَّلَمِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبُيُوعِ ا هـ .
مِنْهُ بِلَفْظِهِ قَالَ عبق وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ كَوْنِ الدَّيْنِ حَالًا أَوْ مُؤَجَّلًا وَإِذْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَنَافِعِ تُسْتَوْفَى مِنْ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ

حُلُولِهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِقُرْبِ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ ، بَلْ فِي الْمَوَّاقِ إنَّ ابْنَ سِرَاجٍ قَالَ لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ أَجَلًا فَيَجُوزُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي خِدْمَةِ الْمُعَيَّنِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ ، وَقَدْ رَشَّحَهُ أَيْ رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَمِنْهُ يُسْتَفَادُ جَوَازُ مَنْ لَهُ عِنْدَ شَخْصٍ دَيْنٌ فَيَقُولُ لَهُ اُحْرُثْ مَعِي الْيَوْمَ أَوْ تَنْسِجُ مَعِي الْيَوْمَ وَأُعْطِيك مِمَّا عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ فِي نَظِيرِ هَذَا دِرْهَمًا ، وَكَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي زَمَنٍ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَنْ يَقْتَطِعَ لَهُ أُجْرَةً مِمَّا عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُقَاصَّهُ مِمَّا تَرَتَّبَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَى ابْنِ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَمَا خَالَفَهُ إلَّا لِظُهُورِهِ أَيْ قَوْلُ أَشْهَبَ عِنْدَهُ ا هـ بِاخْتِصَارٍ وَبَعْضِ إيضَاحٍ قُلْت وَبِهَذَا يَخْرُجُ عَنْ حُرْمَةِ تَقْلِيدِ الضَّعِيفِ لِمَا رَجَّحَهُ الْأَشْيَاخُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ وَلَعَلَّ وَجْهَ ظُهُورِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ الْمُقَاصَّةُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ يُقَاصُّهُ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا عُرْفَ وَلَا نَوَى الِاقْتِطَاعَ وَلَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ جَوَازُهُ مَعَ نِيَّةِ الِاقْتِطَاعِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ ا هـ كَلَامُ عبق بِتَصَرُّفٍ مَا .
وَتَعَقَّبَ الْبُنَانِيُّ قَوْلَهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمَوَّاقِ ، بَلْ هُوَ تَحْرِيفٌ لِكَلَامِهِ وَنَصُّهُ وَكَانَ ابْنُ سِرَاجٍ يَقُولُ إذْ خَدَمَ مَعَك مَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تُقَاصَّهُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ قَالَ وَبِهَذَا

أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُ إذْ مَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ يَخْفَى عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ا هـ .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ تَأَمَّلْهُ ا هـ .
وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون وَلَمْ يُسَلِّمَا تَعَقَّبَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ مِنْ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَدِينِ فِي الْيَسِيرِ وَالدَّيْنِ لَمْ يَحِلَّ جَائِزٌ وَإِنْ حَلَّ فَلَا يَجُوزُ فِي يَسِيرٍ وَلَا كَثِيرٍ ا هـ .
بَلْ قَالَا لَيْسَ فِي نَقْلِ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَلَا فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مَا ذَكَرَهُ الْبُنَانِيُّ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
قَالَ عبق وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى مَنْعِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي مَنَافِعَ مَضْمُونَةٍ كَرُكُوبِ دَابَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَسُكْنَى دَارٍ كَذَلِكَ قَالَهُ الشَّارِحُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ لَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِهَا فِي الْكِرَاءِ ، وَلَوْ اكْتَرَيَا بِالنَّقْدِ ا هـ .
مِنْ عج تَبَعًا لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَيْ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً ، وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ قَوْلِهِ فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ ا هـ .
لَكِنْ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ وَمَا سَيَأْتِي كِلَاهُمَا فِي غَيْرِ الرُّبَاعِ وَسَيَقُولُ وَعَيْنُ مُتَعَلِّمٍ وَرَضِيعٍ وَدَارٍ وَحَانُوتٍ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ ، وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ إلَخْ ا هـ .
وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون ( الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ ) النُّقُودُ إذَا شُخِّصَتْ وَتَعَيَّنَتْ لِلْحِسِّ بِدُونِ أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَفِي تَعَيُّنِهَا وَعَدَمِ تَعَيُّنِهَا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إنْ شَاءَ بَائِعُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا لِقَابِضِهَا الْأَوَّلِ نَسَبَهُ الْأَصْلُ لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَالثَّانِي نَسَبَهُ لِمَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَالثَّالِثُ لَمْ يَنْسُبْهُ لِأَحَدٍ قَالَ ، وَأَمَّا إذَا اخْتَصَّ النَّقْدُ بِصِفَةِ نَحْوِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ اتِّفَاقًا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ ( الْأَمْرُ الْأَوَّلُ ) إنَّ غَرَضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا عِنْدَ الْفَلْسِ وَالنَّقْدِ الْمُعَيَّنِ آكَدُ مِنْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَشَخُّصِهِ فَإِذَا تَعَيَّنَ النَّقْدَانِ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَا إذَا شُخِّصَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ .
( الْأَمْرُ الثَّانِي ) أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ النَّقْدَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدَّيْنِ ( وَجَوَابُهُ ) أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ بِاللَّدَدِ وَقُرْبِ الْإِعْسَارِ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ الدَّيْنُ ، وَلَوْ حَصَلَ فِي النَّقْدِ اخْتِلَافٌ لَتَعَيَّنَتْ أَيْضًا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ أَيْ فَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَصِحُّ ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ كَأَرْطَالِ الزَّيْتِ مِنْ خَابِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَقْفِزَةِ الْقَمْحِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهَا غَرَضٌ ، بَلْ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ أَقْفِزَةٍ كِيلَتْ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ زَيْتٍ وُزِنَتْ مِنْ جَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَهُ مَوْرِدَ الْعَقْدِ وَعَيَّنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ عَدَمِ الْغَرَضِ فَكَذَلِكَ النَّقْدَانِ ( وَجَوَابُهُ ) أَنَّ السِّلَعَ وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتَ أَمْثَالٍ فَإِنَّهَا مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَانِ وَسِيلَتَانِ لِتَحْصِيلِ الْمُثَمَّنَاتِ وَالْمَقَاصِدُ أَشْرَفُ مِنْ الْوَسَائِلِ إجْمَاعًا فَلِشَرَفِهَا اُعْتُبِرَ تَشْخِيصُهَا

فَأَثَّرَتْ بِشَرَفِهَا فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ فَإِنَّهَا لِضَعْفِهَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَشْخِيصُهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ بِضَعْفِهَا فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا إذَا قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَعْنًى فِيهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ السِّلَعِ وَبَيْنَ النَّقْدَيْنِ وَلَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا يُمْلَكُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدٌ وَإِنَّمَا الْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْجِنْسِ وَالْمِقْدَارِ فَقَطْ بِخِلَافِ خُصُوصِيَّاتِ الْمِثْلِيَّاتِ ، وَقَدْ انْبَنَى عَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ .
( مِنْهَا ) أَنَّهُ إذَا غَصَبَ غَاصِبٌ دِينَارًا لَا يَتَمَكَّنُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ طَلَبِ خُصُوصِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الزِّنَةَ وَالْجِنْسَ دُونَ الْخُصُوصِ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا غَيْرَهُ وَإِنْ كَرِهَ رَبَّهُ إذَا كَانَ الدِّينَارُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا لِلسِّكَّةِ وَلِلْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ ( وَمِنْهَا ) أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ هَذِهِ السِّلْعَةَ فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ وَيُعْطِيَهُ غَيْرَهُ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ الْعُقُودَ فِي النَّقْدَيْنِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الذِّمَّةَ خَاصَّةً عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْنِي بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ وَيُعَيِّنُهُ إذْ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الذِّمَّةِ دُونَ مَا عُيِّنَ نَعَمْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَإِنْ كَانَتْ نُصُوصُهُمْ تَقْتَضِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنَّ خُصُوصَ كُلِّ دِينَارٍ لَا يَمْلِكُ قَدْ يَسْتَشْنِعُونَ ذَلِكَ وَيُنْكِرُونَهُ وَهُوَ لَازِمُ مَذْهَبِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَازِمَ

الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ النَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْيَقِينِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ تَعَيَّنَتْ بِالْقَبْضِ وَبِالْمُفَارَقَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ الرِّضَى بِالزَّائِفِ بِالصَّرْفِ ا هـ .
وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ النَّقْدَانِ فَالْعَقْدُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ ، وَإِذَا صَرَفَ رَدِيئًا ، وَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ وَتَعَيَّنَ صَحَّ الْعَقْدُ وَالطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ عَيْبٍ فَهُوَ حُكْمٌ مُتَجَدِّدٌ لِنَفْيِ الظُّلَامَةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ مُبْرِمٌ لِلْمِيرَاثِ وَحِلِّ الْوَطْءِ .
وَإِذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَيْبٌ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُوجِبُ الرَّدَّ فَإِذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ وَإِنْ أَرَادَ الْبَدَلَ مَنَعَهُ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُدَلِّسَ بَائِعُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ .
وَقَالَ الْعَبْدَلِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ ا هـ وَاسْتِثْنَاءُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يَحُوجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ أَنْ يَصْعُبَ فِي الصَّرْفِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَالَ فِيهِ مَالِكٌ بِالتَّعْيِينِ لِضِيقِ بَابِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِسُرْعَةِ الْقَبْضِ نَاجِزًا وَالتَّعْيِينُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِالْقَبْضِ وَالتَّنَاجُزِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْقَبْضِ نَاجِزًا يُنَاسِبُ الضِّيقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا إنَّ الصَّرْفَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا ، فَيَكُونُ هَذَا الْقَبْضُ مُبَرِّئً لِمَا فِي الذِّمَّةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُوَافِقًا فَلَا يَكُونُ مُبَرِّئً لَكِنَّ الْفَرْقَ يَصْعُبُ فِي الْكِرَاءِ إذْ غَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهِ إنَّ الْكِرَاءَ

يَرِدُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدَانِ مُعَيَّنَيْنِ فِيهِ ، بَلْ كَانَا فِي الذِّمَّةِ وَالْكِرَاءِ أَيْضًا فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ يُشْبِهُ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَجُوزُ عَلَى الذِّمَّةِ تَصْرِيحًا وَيُعَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيُطْلَبْ لَهُ فَرْقٌ يَلِيقُ بِهِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) إذَا جَرَى غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْعُرُوضِ مَجْرَاهُمَا فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْفُلُوسِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَالنَّوْطِ قَالَ سَنَدٌ مَنْ أَجْرَى الْفُلُوسَ مَجْرَى النَّقْدَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا جَعَلَهَا كَالنَّقْدَيْنِ وَمَنَعَ الْبَدَلَ فِي الصَّرْفِ إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا رَدِيئًا وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَوَجَدْت بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَعْضَ الْفُلُوسِ رَدِيئًا اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ لِلْخِلَافِ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفُلُوسَ يُكْرَهُ الرِّبَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ ا هـ .
كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَصَرُّفٍ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَرْضٍ جَرَى مَجْرَى النَّقْدَيْنِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْفُلُوسِ النُّحَاسِ وَوَرَقِ النَّوْطِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَجْهَانِ وَجْهُ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فَقَطْ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ رِبَوِيٍّ قَالَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى الدَّرْدِيرِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ .
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ يُقَالُ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ السَّحَاتِيتِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا بِالْفُلُوسِ الدِّيوَانِيَّةِ إنْ تَمَاثَلَا عَدَدًا فَأَجِزْ وَإِنْ جُهِلَ عَدَدُ كُلٍّ فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً تَنْفِي الْمُزَابَنَةَ فَأَجِزْ وَإِلَّا فَلَا ا هـ الْمُحْتَاجُ مِنْهُ بِتَصَرُّفٍ وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ .
وَالْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ، وَمَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ قِيمَتِهِ عَلَى التَّاجِرِ

مُطْلَقًا ، وَلَوْ مُحْتَكِرًا .
وَأَمَّا عِنْدَنَا فَقَالَ الشَّيْخُ عُلَيْش فِي فَتَاوِيهِ إنَّ وَرَقَ النَّوْطِ وَالْفُلُوسَ النُّحَاسَ الْمَخْتُومَةَ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ الْمُتَعَامَلَ بِهَا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهَا لِخُرُوجِهَا عَمَّا وَجَبَتْ فِي عَيْنِهِ مِنْ النِّعَمِ وَالْأَصْنَافِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِنْهُمَا قِيمَةُ عَرْضِ الْمُدِيرِ وَثَمَنُ عَرْضِ الْمُحْتَكِرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَمَنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى فُلُوسٍ عِنْدَهُ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدِيرًا فَيُقَوِّمَهَا كَالْعُرُوضِ ا هـ وَفِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهَا وَاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَعَلُّقِهَا بِقِيمَتِهَا ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي إخْرَاجِ عَيْنِهَا أَيْ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ عَيْنِ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ الَّتِي مِنْهَا الْفُلُوسُ .
وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ عَدَمُ جَوَازِ خَرَاجِ عَيْنِهَا وَهُوَ أَصْلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا يُعْتَبَرُ وَزْنُهَا وَلَا عَدَدُهَا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فَلَوْ وَجَبَتْ فِي عَيْنِهَا لَاعْتُبِرَ النِّصَابُ مِنْ عَيْنِهَا وَمَبْلَغِهَا لَا مِنْ قِيمَتِهَا كَمَا فِي عَيْنِ الْوَرَقِ وَالذَّهَبِ وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ ، فَلَمَّا انْقَطَعَ تَعَلُّقُهَا بِعَيْنِهَا جَرَتْ عَلَى حُكْمِ جِنْسِهَا مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَشَبَهِهِ ا هـ .
( وَالْقَوْلُ ) بِالتَّحْرِيمِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ جِهَةِ كَوْنِهِ كَالنَّقْدِ قُوَّةً فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا قَالَ الدُّسُوقِيُّ وَعَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ رِبَوِيَّةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفُلُوسِ السَّحَاتِيتِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا بِالْفُلُوسِ الدِّيوَانِيَّةِ إلَّا إذَا تَمَاثَلَا وَزْنًا أَوْ عَدَدًا ا هـ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَفِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالصِّغَرِ وَالنُّحَاسِ عَرْضُ مَا لَمْ يُضْرَبْ فُلُوسًا فَإِذَا ضُرِبَ

فُلُوسًا جَرَى مَجْرَى الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ مَجْرَاهُمَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَفِي الصَّرْفِ مِنْهَا ، وَمَنْ لَك عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ، ثُمَّ قَالَ ، وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ ا هـ .
نَقَلَهُ الرَّهُونِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق وَنُقِلَ قَبْلَهُ قَوْلُ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ اُخْتُلِفَ لَفْظُهُ أَيْ مَالِكٍ فِي الْفُلُوسِ فِي مَسَائِلِهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ رَأْيِهِ فِي أَصْلِيًّا هِيَ كَالْعَرْضِ أَوْ كَالْعَيْنِ فَلَهُ هُنَا التَّشْدِيدُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا النَّظْرَةُ وَلَا تَجُوزُ وَشَبَّهَهَا بِالْعَيْنِ وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ جُمْلَةً كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ا هـ .
وَقَالَ قَبْلُ وَجَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ بَيْعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْفُلُوسِ صَرْفٌ حَيْثُ قَالَ الصَّرْفُ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ لِقَوْلِهَا أَيْ الْمُدَوَّنَةِ مَتَى صَرَفَ دَرَاهِمَ بِفُلُوسٍ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ ا هـ يُقَيِّدُ حُرْمَةَ التَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ جَزْمًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ وَفِي كَوْنِ الْفُلُوسِ رِبَوِيَّةً كَالْعَيْنِ ثَالِثُ الرِّوَايَاتِ يُكْرَهُ فِيهَا ا هـ .
وَقَالَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْفُلُوسِ وَالتَّمَائِمِ مِنْ الرَّصَاصِ تُبَاعُ بِعَيْنٍ لِأَجَلٍ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْرِيمُهُ عَنْ أَحَدٍ ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ اتَّهَبَ بِفَسْخٍ إنْ نَزَلَ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الْفُلُوسُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ تَبْطُلَ ا هـ كَلَامُ الرَّهُونِيِّ وَمَفْهُومُ قَوْلِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا أَيْ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا إلَخْ أَنَّهَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا عَلَى مُقَابِلِ الْمَذْهَبِ الْمَبْنِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ جِهَةٍ أَنَّ نَحْوَ الْفُلُوسِ كَالْعَيْنِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى ( وَالْقَوْلُ ) بِالْكَرَاهَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ مَرْتَبَةً وُسْطَى بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ الْمُتَحَقِّقَتَيْنِ فِيهِ فَتُرَاعَى فِيهِ جِهَةُ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ فِي نَحْوِ الصَّرْفِ وَالرِّبَا وَيُرَاعَ فِيهِ جِهَةُ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَنَا فَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا

نَصُّهُ رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْفُلُوسِ وَالتَّمَائِمِ مِنْ الرَّصَاصِ تُبَاعُ بِعَيْنٍ لِأَجَلٍ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْرِيمُهُ عَنْ أَحَدٍ ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْإِرْشَادِ الْمَنْصُوصُ كَرَاهَةُ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي الْفُلُوسِ ا هـ .
وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ وَالتَّفْرِيعِ وَالْمُدَوَّنَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَسَاقَ نُصُوصَ الْجَمِيعِ فَانْظُرْهُ ، وَقَالَ قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ لَيْسَتْ الْفُلُوسُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ .
وَلَيْسَتْ كَالدَّرَاهِمِ الْعَيْنُ وَأَجَازَ بَدَلَهَا إذَا أَصَابَهَا رَدِيئَةً ، وَقَالَ فِي ثَانِي السَّلَمِ إنْ بَاعَ بِهَا وَكِيلٌ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهَا كَالْعَرْضِ إلَّا فِي سِلْعَةٍ يَسِيرَةِ الثَّمَنِ وَفِي الزَّكَاةِ لَا تُزَكَّى إلَّا فِي الْإِدَارَةِ كَالْعَرْضِ وَفِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مُنِعَ بَيْعُهَا جُزَافًا كَالْعَيْنِ وَفِي الْأَوَّلِ يُسْلَمُ فِيهَا الطَّعَامُ وَالْعَرْضُ لَا غَيْرُ وَفِي الْقَرْضِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ جَوَازُ بَيْعِهَا بِالْعَيْنِ نَظْرَةٌ وَفِي الْعَارِيَّةِ إنْ أَعَارَهَا فَهُوَ قَرْضٌ كَالْعَيْنِ وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ وَكَانَتْ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ أَتَى بِمِثْلِهَا كَالْعَيْنِ وَفِي الرُّهُونِ إنْ رَهَنَتْ طَبَعَ عَلَيْهَا كَالْعَيْنِ ا هـ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الرَّهُونِيِّ .
وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُرَاعِي وَجْهَ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ فَقَطْ فَتُوجِبُ زَكَاةَ قِيمَتِهِ عَلَى الْمُدِيرِ وَزَكَاةَ ثَمَنِهِ عَلَى الْمُحْتَكِرِ وَتُرَاعِي وَجْهَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ وَالنَّقْدِ فِي الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّرْفُ فَتُكْرَهُ فِيهِ تَنْزِيهًا الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ ، وَتُسْتَحَبُّ فِيهِ شُرُوطُ الصَّرْفِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الرِّبَوِيِّ لَا رِبَوِيًّا صَرْفًا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَإِنْ كَانَا فِيهِمَا مُرَاعَاةُ الْجِهَتَيْنِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْأَحْنَافَ رَاعُوا فِي الزَّكَاةِ جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ فَأَوْجَبُوا فِي قِيمَتِهِ الزَّكَاةَ فِي الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّرْفُ جِهَةُ كَوْنِهِ

كَالْعَرْضِ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ شُرُوطَ الصَّرْفِ وَأَجَازُوا فِيهِ الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رَاعَى جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَرِبَا الْفَضْلِ فَأَوْجَبَ زَكَاتَهُ عَلَى التَّاجِرِ مُطْلَقًا وَأَجَازَ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ وَرَاعَى جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ وَالنَّقْدِ فِي الصَّرْفِ وَرِبَا النَّسَاءِ فَشُرِطَ فِي صَرْفِهِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ شُرُوطُ الصَّرْفِ وَمُنِعَ فِيهِ رِبَا النَّسَاءِ اُنْظُرْ رِسَالَتَيْ شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ هَذَا ، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ الَّذِي يُقَوِّي عِنْدِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَيْ بِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالشَّخْصِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُشَخَّصَاتِ وَأَقْوَى حُجَجِهِ قِيَاسُ النَّقْدَيْنِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَيْنِ وَسَائِلُ لَيْسَ بِفَرْقٍ يَقْدَحُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَالَ وَمَا .
قَالَهُ الشِّهَابُ فِي فَرْعِ الْغَاصِبِ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ لُزُومُ رَدِّ الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا أَمَّا إذَا فَاتَ فَلَهُ رَدُّ غَيْرِهِ وَكُلُّ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَهُ فَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي فِي يَدِ الْإِنْسَانِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِأَخْذِهِ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ مِلْكُهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ مِنْ أَشْنَعِ قَوْلٍ يُسْمَعُ وَأَفْحَشِ مَذْهَبٍ بِبُطْلَانِهِ يُقْطَعُ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ أُشْكِلَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .

( الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ ) وَالضَّابِطُ عِنْدَنَا لَهُ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَصَرَهُ أَرْبَابُ الظَّاهِرِ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } فَقَالُوا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ، وَجَوَابُهُمْ قَوْله تَعَالَى { وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } وَهَذِهِ صِيغَةُ حَصْرٍ تَقْتَضِي انْحِصَارَ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي النَّسِيئَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ وَجَوَابُهُمْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { سُئِلَ عَنْ مُبَادَلَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَقَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَحْرُمُ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ } فَسَمِعَ الْجَوَابَ دُونَ السُّؤَالِ ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ ، وَهَذَا النَّصُّ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا مُطْلَقٌ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي

صُورَةٍ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا عَدَا .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ هُوَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِذِكْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجْنَاسًا لَا تَجْمَعُهَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ تَبْقَ إلَّا الْجِنْسِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُقَابَلَةَ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَكُونُ الزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْعَقْدِ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ يَبْطُلُ وَجَوَابُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إلَيْهِ عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ مِنْ سَيِّدِهِ } وَلِقَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسِيَّةَ لَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا جِنْسًا وَاحِدًا بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفَصَاحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُعَاوَضَةُ تَتْبَعُ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَدْ يُقْصَدُ جَعْلُ الْجُمْلَةِ قُبَالَةَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ ، وَقَالَ رَبِيعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الضَّابِطُ لِرِبَا الْفَضْلِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُبَاعُ بَعِيرٌ بِبَعِيرٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وُرُودُ النَّصِّ فِي الْمِلْحِ ، وَلَيْسَ بِزَكَوِيٍّ وَخَصَّصَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ .
وَالْحُكْمُ الْمُشْتَرَكُ تَكُونُ عِلَّتُهُ مُشْتَرَكَةً وَرَجَعَ إلَى الْعِلَّةِ الطَّعْمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إنْ كَانَ قُوتًا وَإِدَامًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ دَوَاءَ الْآدَمِيِّينَ دُونَ مَا تَأْكُلُهُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ رُوعِيَ الْأَغْلَبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا لِلْآدَمِيِّينَ كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ وَنَوَى التَّمْرِ لَمْ يَدْخُلْهُ الرِّبَا لِقَوْلِهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } رَتَّبَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ عَلَى اسْمِ الطَّعَامِ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ ، يَقْتَضِي عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ { : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا } { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا } وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ وَخَصَّصَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، وَلَوْ كَانَ تُرَابًا ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ الْأَطْعِمَةُ مَكِيلَاتٌ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَجَمَاعَةٌ الْعِلَّةُ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا فَيَمْتَنِعُ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَالْبَيْضِ دُونَ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَاتُ وَهُوَ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الِادِّخَارُ مَعَ الِاقْتِيَاتِ فَلَا رِبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَلَا فِي الْبَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ قَالَ : وَقَالَ الْبَاجِيَّ هُوَ أُجْرِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَعَلَى هَذِهِ يَخْتَلِفُ فِيمَا يَقِلُّ ادِّخَارُهُ كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ فَأَجْرَى ابْنُ نَافِعٍ فِيهِ الرِّبَا نَظَرًا لِجِنْسِهِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَعَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثِ فَلَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِي التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخِ الرَّطْبِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي يَابِسِهَا وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَصَلَاحِ الْقُوتِ فَأَلْحَقُوا بِهِ التَّوَابِلَ .
وَقِيلَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ ، وَقِيلَ بِكَوْنِهِ إدَامًا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْفِلْفِلُ وَنَحْوُهُ ، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّعْلِيلُ بِالْمَالِيَّةِ ، وَقِيلَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ مَعَ كَوْنِهِ

غَالِبَ الْعَيْشِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَعْلُولُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ مَجْمُوعُ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَأَلْزَمَنَا الشَّافِعِيَّةَ عَلَى تَعْلِيلِ الْمِلْحِ بِإِصْلَاحِ الْأَقْوَاتِ جَرَيَانُ الرِّبَا فِي الْأَقَاوِيَّةِ ، وَالْأَحْطَابِ وَالنِّيرَانِ ؛ لِأَنَّهَا مُصْلِحَةٌ لِلْأَقْوَاتِ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَقْتَصِرُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصْلَاحِ ، بَلْ نَقُولُ هُوَ قُوتٌ مُصْلِحٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ قُوتًا وَنَلْزَمُ الرِّبَا فِي الْأَقَاوِيَّةِ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ مَذْهَبًا مِنْهَا عَشَرَةٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا مَنْعُ الرِّبَا مُطْلَقًا إلَّا فِي النَّسَاءِ مَنَعَهُ فِي النَّسَاءِ مَعَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَهَذَانِ مَذْهَبَانِ لَا تَعْلِيلَ فِيهِمَا وَالْعَشَرَةُ فِي التَّعْلِيلِ هِيَ تَعْلِيلُهُ بِالْجِنْسِ تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ زَكَوِيًّا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَطْعُومًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا تَعْلِيلُهُ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ تَعْلِيلُهُ بِالْمَالِيَّةِ تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ الْغَلَبَةِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ الْبُرَّ بِالْقُوتِ غَالِبًا وَالشَّعِيرَ بِالْقُوتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالتَّمْرَ بِالتَّفَكُّهِ غَالِبًا وَالْمِلْحَ بِإِصْلَاحِ الْقُوتِ فَيَحْصُلُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ هَلْ الْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ أَوْ مُتَعَدِّدَةٌ ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا هَلْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ جُزْءُ عِلَّةٍ لِلتَّوَقُّفِ عَلَيْهِ أَوْ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ لِعُرُوِّهِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ حُجَّتُنَا عَلَى الْفِرَقِ كُلِّهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ التَّحْرِيمَ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْجِنْسِ لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ فَتَعَيَّنَ الْمِقْدَارُ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ أَقْوَاتُهُمْ بِالْحِجَازِ فَالْبُرُّ لِلرَّفَاهِيَةِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَقِيلَ الْمُرَادُ قُوتُ الرَّفَاهِيَةِ فَذَكَرَ

الشَّعِيرَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى قُوتِ الشِّدَّةِ ، وَذَكَرَ التَّمْرَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى الْمُقْتَاتِ مِنْ الْحَلَاوَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ ، وَذَكَرَ الْمِلْحَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى مُصْلِحِ الْأَقْوَاتِ وَاشْتَرَكَتْ كُلُّهَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَالطَّعْمِ وَهِيَ صِفَاتُ شَرَفٍ يُنَاسِبُ أَنْ لَا يُبَدَّلَ الْكَثِيرُ مِنْ مَوْصُوفِهَا بِالْقَلِيلِ مِنْهُ صَوْنًا لِلشَّرِيفِ عَنْ الْغَبْنِ فَيَذْهَبُ الزَّائِدُ هَدَرًا ؛ وَلِأَنَّ الشَّرَفَ يَقْتَضِي كَثْرَةَ الشُّرُوطِ وَتَمْيِيزَهُ عَنْ الْخَسِيسِ كَتَمْيِيزِ النِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالشُّرُوطِ كَالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالصَّدَاقِ وَالْإِعْلَانِ ، وَكَذَلِكَ الْمُلُوكُ لَا تَكْثُرُ الْحُرَّاسُ إلَّا عَلَى الْخَزَائِنِ النَّفِيسَةِ فَكُلَّمَا عَظُمَ شَرَفُ الشَّيْءِ عَظُمَ خَطَرُهُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً وَجَازَ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسَيْنِ وَإِهْدَارُ الزَّائِدِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَفْقُودِ وَامْتَنَعَ النَّسَاءُ إظْهَارًا لِشَرَفِ الطَّعَامِ ، فَيَكُونُ لِلطَّعَامِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلِلْمُقْتَاتِ مِنْهُ شَرَفٌ عَلَى غَيْرِ الْمُقْتَاتِ لِعِظَمِ مَصْلَحَتِهِ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَبْنِيَةِ الشَّرِيفَةِ لِطَاعَةِ اللَّهِ مَعَ طُولِ الْأَزْمَانِ فَنَاسَبَ جَمِيعُ ذَلِكَ الصَّوْنَ عَنْ الضَّيَاعِ بِأَنْ لَا يُبَدِّلَ كَثِيرُهَا تَقْلِيلَهَا فَيَضِيعُ الزَّائِدُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ .
وَهَذَا أَيْضًا سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ ، وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ شَرَفًا بِذَلِكَ عَنْ بَذْلِ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ فَشَدَّدَ فِيهِمَا فَشُرِطَ التَّسَاوِي وَالْحُضُورُ وَالتَّنَاجُزُ فِي الْقَبْضِ ، وَتَعْلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْكَيْلِ طَرْدِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمُنَاسِبُ وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ بِالطَّعْمِ دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ مُهْمَلٌ لِبَعْضِ الْمُنَاسِبِ بِخِلَافِنَا ، بَلْ أَهْمَلَ أَفْضَلَ الْأَوْصَافِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ إلَّا

مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا وَرَدَ مَقْرُونًا بِأَوْصَافٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً كَانَ الْجَمِيعُ عِلَّةً أَوْ بَعْضُهَا كَانَ عِلَّةً وَاحِدَةً فَأَسْعَدُ النَّاسِ أَرْجَحُهُمْ تَخْرِيجًا ، وَعِلَّةُ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ ، أَحَدُهَا أَنَّهَا صِفَةٌ ثَابِتَةٌ وَالْكَيْلُ عَارِضٌ وَأَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ وَالْكَيْلُ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ وَأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ عَادَةً مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسِبَةِ كُلِّهَا وَأَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ ، وَالْكَيْلُ لَاحِقٌ مُخَلِّصٌ مِنْ الرِّبَا كَالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ وَأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ ، وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي التَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا ابْتِدَاءً وَرَمَادًا انْتِهَاءً ، وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ .

( الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يَجُوزُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسَاءُ بِإِجْمَاعِهِمْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ مَا ذُكِرَ مُتَفَاضِلًا وَمَنَعُوهُ نَسِيئَةً فَقَطْ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ مَا .
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ } وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ظَاهِرُهُ حَصْرُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي النَّسِيئَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ .
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِيمَا قَالُوهُ كَحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ الشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَإِلَّا هَاءَ } فَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُبَادَةَ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَإِبَاحَتِهِ فِي الصِّنْفَيْنِ ، وَمَنْعُ النَّسَاءِ فِي الصِّنْفَيْنِ وَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُمَرَ مَنْعَ النَّسِيئَةِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31