كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي

قَالَ : ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ نَحْوَ مَتَى وَأَيْنَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ) قُلْتُ : زَعْمُهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ أَوْ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ طَلْقَةً وَاحِدَةً مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ مِنْ أَبْلَغِ صِيَغِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ كُلَّ إذَا أُضِيفَتْ إلَى الْمُعَرَّفِ لَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي مَعْنَى جَمِيعٍ وَجَمِيعٌ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمُعَرَّفِ فَلَا يُقَالُ جَمِيعُ رَجُلٍ فِي مَعْنَى كُلُّ رَجُلٍ فَجَمِيعُ الْأَيَّامِ وَكُلُّ الْأَيَّامِ لَيْسَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا لَفْظُ الْعُمُومُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ أَنْتِ فِيهِ طَالِقٌ ، ثُمَّ إنَّهُ أَرَادَ تَمْثِيلَ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ فَلَمْ يَأْتِ بِعَامٍّ وَلَا مُطْلَقٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ كَمَا تَبَيَّنَ .
وَقَوْلُهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ طَلْقَةً ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً .
قَالَ : ( وَكَمَا نَقُولُ الْحَجُّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ الْعُمُرِ مَرَّةً إلَى قَوْلِهِ يَبْقَى بَقِيَّةَ عُمُرِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا حَجٌّ ) قُلْتُ : جَمِيعُ مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ لَفْظَ كُلِّ الْعُمُرِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَلَفْظُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِطْلَاقِ .
قَالَ : ( كَذَلِكَ إذَا لَزِمَهُ بِزَمَانٍ وَاحِدٍ فِي مَتَى وَأَيْنَ أَوْ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَيْثُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ) قُلْتُ : مَسَاقُ أَيْنَ مَعَ مَتَى يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُ لِلزَّمَانِ وَهَذَا غَايَةُ الْخَطَأِ وَقَوْلُهُ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ ، وَمَا أَرَاهُ

فَهِمَ كَلَامَهُمْ وَلَا عَرَفَ مَرَامَهُمْ أَلْبَتَّةَ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتُ : إلَى آخِرِ مَا جَعَلَهُ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ ) قُلْتُ : السُّؤَالُ وَارِدٌ لَازِمٌ وَمَا جَعَلَهُ جَوَابًا لَيْسَ بِجَوَابٍ وَلَكِنَّهُ احْتِجَاجٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَمَا جَعَلَهُ جَوَابًا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَاضِدٌ لِلسُّؤَالِ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتَ : ذَلِكَ يَبْطُلُ بِإِذَا وَإِذْ وَعِنْدَ وَوَرَاءَ وَقُدَّامَ وَبَقِيَّةِ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِ وَسِوَى وَشِبْهِ وَمِثْلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَعَدَّى الْعُمُومُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ ) قُلْتُ : الْتِزَامُهُ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْعُمُومِ فِيهِ نَظَرٌ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا الْتَزَمَ وَمَا جَعَلَهُ تَقْرِيرًا لِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ إنَّمَا تَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى مَرَامِهِ بِوَجْهٍ .
قَالَ : ( إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ الْقَائِلُ : إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي زَمَنِ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ ) قُلْتُ : بَلْ لَا مُوجِبَ لِلْقَوْلِ بِالْعُمُومِ .
قَالَ : ( وَكَذَلِكَ إذَا قُلْتَ : آتِيك إذَا جَاءَ زَيْدٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ زَمَانِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك مَالٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ حَوْزَتِك ) قُلْتُ : قَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْعُمُومِ دَعْوَى بِغَيْرِ حُجَّةٍ .
قَالَ : ( وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ } عَامٌّ فِي جَمِيعِ بِقَاعِنَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَمْوَالِنَا ) قُلْتُ : الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ مَا .
قَالَ : ( وَكَذَلِكَ وَرَاءَك وَأَمَامَك إلَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِهَاتِ السِّتِّ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ مُسَمَّيَاتِهَا ) قُلْتُ : كُلُّ مَا قَالَهُ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ وَجَمِيعُ مَا ادَّعَاهُ عُمُومًا إنَّمَا هُوَ عُمُومُ الْحَقِيقَةِ لَا عُمُومُ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْحُكْمُ

لَا يَلْزَمُ شُمُولُهُ لِلْأَفْرَادِ إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ كَمَا إذَا قُلْتُ : كُلُّ رَجُلٍ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ يَسْتَحِقُّ دِرْهَمًا وَأَمَّا إذَا قُلْتُ : الرَّجُلُ لَهُ دِرْهَمٌ وَأَرَدْت بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ وَلَمْ تُرِدْ بِهَا الْعَهْدَ فِي الشَّخْصِ وَلَا الْعُمُومَ الْاسْتِغْرَاقِيَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ دِرْهَمًا وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْجِنْسَ كُلَّهُ دِرْهَمًا خَاصَّةً .
قَالَ : ( وَأَمَّا غَيْرُ وَسِوَى وَشِبْهُ وَمِثْلُ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ أَيْنَ وَحَيْثُ ) قُلْتُ : قَوْلُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ إمَّا أَنْ يُرِيدَ فَلِكَوْنِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا أَوْ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ أَوْ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَكْرِمْ حِسَانَ الْوُجُوهِ يَعُمُّ مَعَ أَنَّ إضَافَتَهُ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ كُلُّ رَجُلٍ لَهُ دِرْهَمٌ يَعُمُّ مَعَ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لَا يَتَعَرَّفُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَإِنْ أَرَادَ الثَّالِثَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَجْمُوعِ إلَّا كَوْنُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا وَالْمُرَادُ بِأَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا كَوْنُ الْمُضَافِ لَا يَتَعَرَّفُ بِهَا فَآلَ الْأَمْرُ إلَى الثَّانِي وَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتَ : لَمْ نَجِدْ أَحَدًا عَدَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَكُتُبِ النَّحْوِ قُلْتُ : كَفَاهُمْ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا قَوْلُهُمْ اسْمُ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ ) قُلْتُ : لَعَلَّ مُرَادَهُمْ إذَا أُضِيفَ لِغَيْرِ الْجُمَلِ وَكَانَ مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مُسَمَّاهُ كَالْمَالِ وَنَحْوِهِ لَا كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَعُمُّ مِثْلَ قَوْلِ

الْقَائِلِ عَبْدِي حُرٌّ لَا يَصِحُّ فِيهِ دَعْوَى الْعُمُومِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي إضَافَةِ الْجَمْعِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : عَبِيدِي أَحْرَارٌ فَلَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ أُضِيفَ وَإِنَّمَا كَانَ الْعُمُومُ لِأَنَّهُ جَمْعٌ أُضِيفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَتَنَافَى ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاقَضُ ) قُلْتُ : لَمْ يَتَقَرَّرْ ذَلِكَ وَلَوْ تَقَرَّرَ لَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ حَيْثُ جَلَسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ مَكَان جَلَسْت فِيهِ فَإِذَا جَلَسْت فِي أَمَاكِنَ عِدَّةٍ اقْتَضَى اللَّفْظُ لُزُومَ الطَّلَاقِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ أَيَّ عَدَدٍ كَانَتْ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ الطَّلَاقَ عَلَى الثَّلَاثِ وَقَطَعَ الْعِصْمَةَ بِهَا فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا لَغْوٌ .
وَإِذَا لَمْ يَتَقَرَّرْ ذَلِكَ فَكَوْنُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَتَنَافَ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ لَيْسَ لِمَا ذَكَرَ بَلْ لِكَوْنِ تِلْكَ الصِّيَغِ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ التَّقْسِيمِ فِي الْقَاعِدَةِ تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ ) قُلْتُ : قَوْلُهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَا يَقْتَضِي زَمَنًا فَرْدًا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْفَرْدُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمُمْكِنِ لَا لِأَنَّ لَفْظَ الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ أَقَلَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ .
( قَالَ : فَهَذَا الْقِسْمُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ الثَّلَاثِ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ : لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْعَدَدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَى قَوْلِهِ كَمَا هُوَ فِي كُلَّمَا ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .
قَالَ : ( وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ

كُلَّمَا وَمَتَى وَمَا وَأَيْنَمَا وَحَيْثُمَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى مَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَقِيضٌ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنَّ مَتَى لِلْعُمُومِ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ مَا لِلزَّمَانِ أَنَّهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْمٌ وَمَا أَرَى ذَلِكَ قَوْلًا لِأَحَدٍ مِنْ النُّحَاةِ ، ثُمَّ بَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حَيْثُمَا مَعْنَاهَا مَكَانٌ وَزَمَانٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ أَنَّ بَحْثَهُ ذَلِكَ هُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ لَيْسَ كَمَا قَالَ : بَلْ هُوَ الْمُخَلِّطُ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ وَقَوْلُهُ فَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ بِذَلِكَ يُشْكِلُ الْفِقْهُ فِيهَا أَمَّا يَتَّضِحُ فَلَا .

( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) أَدَوَاتُ الشَّرْطِ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ : مَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمُعَلِّقِ بِتَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَمَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ يَقْتَصِرُ مِنْ الْمُعَلِّقِ عَلَى فَرْدٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمَنَاطِقَةَ اقْتَصَرُوا فِيمَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ عَلَى لَوْ وَإِنْ وَإِذَا وَجَعَلُوا مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يُفْهِمُ الْعُمُومَ وَالْفُقَهَاءُ اقْتَصَرُوا فِيمَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ عَلَى كُلَّمَا وَمَهْمَا وَجَعَلُوا مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ فَفِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق .
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً وَمَتَى مَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلَ إنْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا مَعْنَى كُلَّمَا وَأَمَّا مَهْمَا فَتَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِمَنْزِلَةِ كُلَّمَا اُنْظُرْ " ق " ا هـ .
وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَفِي وَاحِدَةٍ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ بِمَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَتَى مَا وَإِذَا مَا لَا كُلَّمَا وَكَرَّرَ وَاحِدَةً وَهَلْ كَذَلِكَ طَالِقٌ أَبَدًا أَوْ ثَلَاثًا خِلَافٌ ا هـ .
وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُهُ كَمَتَى مَا تَمْثِيلٌ بِالْمُتَوَهِّمِ إلَّا خَفِيَ فَإِنَّ الْمَنَاطِقَةَ جَعَلُوهَا سُورًا كُلِّيًّا فِي الشَّرْطِيَّاتِ مِثْلَ كُلَّمَا وَلَكِنْ رُوعِيَ هُنَا الْعُرْفُ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ فَمَعْنَى مَتَى مَا دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهَا فَلَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ فَعَدَمُ اقْتِضَائِهَا التَّكْرَارَ ظَاهِرٌ ا هـ .
هَذَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرَ طَلَاقٍ كَالدُّخُولِ فِي الْمِثَالِ أَمَّا إذَا كَانَ طَلَاقًا كَمَتَى مَا وَإِذَا مَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَفِي كَوْنِ مَتَى مَا وَإِذَا مَا مِنْ أَدَوَاتِ التَّكْرَارِ كَكُلَّمَا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ

فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِي صُورَتَيْ كُلَّمَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَزِمَتْهُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْأُولَى الَّتِي هِيَ فَعْلَةٌ حَقِيقَةً فَصَارَتْ الثَّانِيَةُ فَعْلَةً الْتِزَامًا لِأَنَّ فَاعِلَ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَوْلَى فَاعِلُ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الثَّانِيَةُ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَيْ فَتَقَعُ الثَّالِثَةُ بِمُقْتَضَى إرَادَةِ التَّكْرَارِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْ أَدَوَاتِ التَّكْرَارِ كَانَ فَيَلْزَمُهُ فِيهِمَا طَلْقَتَانِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا تَلْزَمُهُ كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ لِأَنَّهُ لَا تَكْرَارَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ا هـ .
وَالثَّانِي اعْتَمَدَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْخَرَشِيِّ ثُمَّ قَالَ : وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ هُنَا طَلَاقٌ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَتَى مَا فَعَلْت وَكَرَّرَ فَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرُ طَلَاقٍ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَالُوهُ أَيْ مِنْ أَنَّ مَتَى وَمَتَى مَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلَ إنْ مَعَ أَنَّ الْمَنْطِقِيِّينَ عَلَى أَنَّ إنْ وَلَوْ وَإِذَا لِلْإِهْمَالِ وَمَتَى مِنْ أَسْوَارِ الْكُلِّيِّ ا هـ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ عِنْدَ فُقَهَائِنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : .
الْأَوَّلُ مَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ مُطْلَقًا كَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كُلَّمَا وَمَهْمَا الثَّانِي مَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ مُطْلَقًا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ إنْ وَإِذَا وَلَوْ الثَّالِثُ مَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ مُرَاعَاةً لِلْعُرْفِ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ لَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ إرَادَةِ الْعُمُومِ وَيُفْهَمُ الْعُمُومُ

مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ الْإِطْلَاقُ مُرَاعَاةً لِلْعُرْفِ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا وَهُوَ الْبَاقِي كَمَتَى وَمَتَى مَا قُلْتُ : وَعَلَى هَذَا لَا يُتَّجَهُ عَلَى نَصِّ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ ا هـ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى نَصِّهِمْ عَلَى الْعُمُومِ التَّكْرِيرُ فَيَلْزَمُ إذَا قَالَ لَهَا : حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا طَلُقَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا تَحْقِيقًا لِلْعُمُومِ وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ التَّكْرَارِ وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُ قَائِلَ ذَلِكَ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ أَوْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَحَقُّقِهِ بِأَنَّ ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ دَالَّةٌ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْأَمْرُ بِقَتْلِهِمْ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ وقَوْله تَعَالَى { حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ } مَعْنَاهُ عِلْمُهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كَانُوا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ .
وَإِذَا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ إلَّا الْعُمُومُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وَضْعِهَا لَهُ وَنَحْنُ لَا نَقْضِي بِالشَّيْءِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ : كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنَّمَا قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ ظُهُورِ أَثَرِهِ مِنْ تَكَرُّرِ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا فِي عِدَّتِهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَكَذَا إنَّمَا قَضَيْنَا بِهِ فِي قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ عِنْدَ ظُهُورِ أَثَرِهِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ يَسْتَحِقُّ وَمَنْ حُرِمَ اسْتَحَقَّ مَانِعُهُ الذَّمَّ فَلَوْ

قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ أَثَرِهِ كَمَا هُنَا لَلَزِمَ اتِّحَادُ أَحْكَامِ الْمُطْلَقَاتِ وَالْعُمُومَاتِ وَكَانَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ فِي أَحَدِهَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمًا مَحْضًا وَالتَّحَكُّمُ الْمَحْضُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالْعُلَمَاءُ بَرَاءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَيْثُ وَأَيْنَ مِثْلُ الْعُمُومِ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا لِلظَّرْفِ لَا لِلْمَظْرُوفِ فَكَمَا أَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا أَنْتِ طَالِقٌ .
فِي كُلٍّ أَوْ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ كَذَلِكَ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ أَوْ أَيْنَ جَلَسْت أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلٍّ أَوْ جَمِيعِ الْبِقَاعِ لِأَمْرَيْنِ : الْأَوَّلُ أَنَّ أَيْنَ وَحَيْثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُ جِنْسٍ لِلْمَكَانِ مُلَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ .
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ الثَّانِي أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ إنَّمَا تَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ خَاصَّةً وَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ بَلْ يُفِيدُ أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى نَصِّهِ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ أَوْ أَيْنَ جَلَسْت يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَصَحَّ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّ اللَّازِمَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَتَنَافَى ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاقَضُ عَلَى أَنَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرًا مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا وَإِنْ سَلِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعٍ أَوْ كُلِّ الْأَزْمِنَةِ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعٍ أَوْ كُلِّ الْأَيَّامِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَإِنَّ كُلَّ إذَا أُضِيفَتْ إلَى الْمُعَرَّفِ لَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي مَعْنَى جَمِيعٍ وَجَمِيعُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمُعَرَّفِ فَلَا يُقَالُ : جَمِيعُ رَجُلٍ فِي مَعْنَى كُلُّ رَجُلٍ فَجَمِيعُ الْأَيَّامِ وَكُلُّ الْأَيَّامِ لَيْسَا مِنْ

أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا لَفْظُ الْعُمُومِ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ أَنْتِ فِيهِ طَالِقٌ فَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } قَوْلُهُ أَبَدًا ظَرْفُ زَمَانٍ مُبْهَمٌ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَكِنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِالنَّهْيِ أَفَادَ الْعُمُومَ فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا تَقُمْ فِيهِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ : لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً ا هـ .
نَقَلَهُ الرَّهُونِيُّ عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى حَوَاشِي عبق نَعَمْ فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ تَنْظِيرَ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَلَى عَدِّ جَمِيعٍ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي كَيْفَ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعٍ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمَعْرِفَةِ تَقُولُ جَمِيعُ الْقَوْمِ وَجَمِيعُ قَوْمِك وَلَا تَقُولُ جَمِيعُ قَوْمٍ وَمَعَ التَّعْرِيفِ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ يَكُونُ التَّعْمِيمُ مُسْتَفَادًا مِنْهُمَا لَا مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعِ ا هـ قَالَ مَا نَصُّهُ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ جَمِيعٍ إذَا قُدِّرَتْ اللَّامُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْجِنْسِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ نَحْوَ جَمِيعُ غُلَامِ زَيْدٍ إذْ عُمُومُ أَجْزَائِهِ مِنْ جَمِيعِ لَا مِنْ تَعْرِيفِ غُلَامٍ بِالْإِضَافَةِ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ مَنْقُوضٌ بِنَحْوِ جَمِيعِ زَيْدٍ حَسَنٌ إذْ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةٌ وَلَا عُمُومَ فِيهِ ا هـ فَتَأَمَّلْ .
ثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ وَإِنَّمَا الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْجَمْعَ إذَا أُضِيفَ عَمَّ فَقَوْلُ الْقَائِلِ : عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ أُضِيفَ وَإِنَّمَا كَانَ الْعُمُومُ لِأَنَّهُ جَمْعٌ أُضِيفَ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَاعِدَةَ مَا ذَكَرَ لَا نُسَلِّمُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ

بَلْ مُرَادُهُمْ إذَا أُضِيفَ لِغَيْرِ الْجُمَلِ وَكَانَ مِمَّا يَنْطَلِقُ مُسَمَّاهُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْمَاءِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } ثَالِثُهَا أَنَّ كَوْنَ صِيَغِ الْعُمُومِ إنَّمَا تَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ عَلَى مَرَامِهِ بِوَجْهٍ بَلْ رُبَّمَا اقْتَضَى خِلَافَهُ وَذَلِكَ أَنَّ مَرَامَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ أَوْ أَيْنَ جَلَسْت وَأَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فِي كَوْنِ الْعُمُومِ فِيهِمَا ثَابِتًا لِلظَّرْفِ الَّذِي هُوَ الْبِقَاعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَهَا وَأَنَّ الْعُمُومَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْمَظْرُوفِ وَهُوَ الْجُلُوسُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا فِي الظَّرْفِ كَمَا هُوَ فِي الثَّانِي فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا : إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَنَّ الْقَائِلَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ بِزَوَاجِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعُمُومِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي التَّهْذِيبِ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَإِنَّكُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ وَمَنْ دَخَلْت مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكَذَلِكَ أَيَّتُكُنَّ كَلَّمْتُهَا فَهَذِهِ الْفُرُوعُ مُشْتَرَكَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فَيَحْتَاجُ إلَى سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهَا بِاعْتِبَارِ الْقَوَاعِدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يَثْبُتُ لِأَفْرَادِ الْعُمُومِ كَثُبُوتِ الْقَتْلِ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالْحِلُّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ .
وَأَمَّا الظِّهَارُ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ لِلنُّطْقِ بِالْكَلَامِ الزُّورِ عُقُوبَةً لِقَائِلِهِ فَإِذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ كَذَبَ كَذْبَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا نَظْهَرُ إلَى الْعُمُومِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ الْكَذِبِ كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ جَمَادٌ فَإِنَّهَا كَذْبَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومٍ أَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ إخْوَتِك فَوَجَدَ الْجَمِيعَ فِيهَا فَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَظَرًا لِاتِّحَادِ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَأَمَّا تَكَرُّرُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلَّمَا وَقَوْلُهُ مِنْكُنَّ وَأَيَّتُكُنَّ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ .
وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اُشْتُهِرَ لَفْظُ الظِّهَارِ فِي

مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ لُوحِظَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَقْصِدِ الْمُظَاهِرِ كَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَكَرُّرُهَا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا وَأَشَارَ بِمِنْ إلَى التَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : عَلَيَّ الْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْكُنَّ وَأَيُّ الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ فِي كُلِّ فَرْدٍ وَأَمَّا كُلٌّ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ وَالْكُلُّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفْيَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَانَ مَعْنَاهَا الْكُلَّ فَلَوْ قُلْت : مَا قَبَضْت كُلَّ الْمَالِ لَكَانَ مَعْنَى كَلَامِك أَنَّك لَمْ تَقْبِضْ الْجَمِيعَ بَلْ بَعْضَهُ وَكَذَلِكَ مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ وَمَا كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّك نَافٍ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَيْ فَإِنَّهَا لِلْحُكْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَكَلُّفَاتٌ وَالْفِقْهُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْمُوجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي فَرْقِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِخْبَارِ .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَنَظَرٍ وَمَا ذَكَرَهُ فَارِقًا بَيْنَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَقْوَى وَفِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا نَظَرٌ .

( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) السِّرُّ فِي فَرْقِ أَصْحَابِنَا بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الطَّلَاقِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِلضِّيقِ بِالتَّعْمِيمِ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا : إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الظِّهَارِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالُوا : لَا يُلْغَى التَّعْمِيمُ هُنَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعُمُومِ فِي الْبَابَيْنِ هُوَ كَمَا فِي عبق وَالْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الظِّهَارَ لَهُ فِيهِ مَخْرَجٌ بِالْكَفَّارَةِ أَيْ خُرُوجٌ بِالْكَفَّارَةِ أَوْ مَخْرَجٌ مُصَوَّرٌ بِالْكَفَّارَةِ يَنْفِي عَنْهُ ضِيقَ التَّعْمِيمِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الظِّهَارَ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ الْمُتَعَدِّدَةِ ضِمْنًا لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ فِي قُوَّةِ فُلَانَةُ كَظَهْرِ أُمِّي فُلَانَةَ كَظَهْرِ أُمِّي وَهَكَذَا فَلَا تُعْطَى حُكْمُ الصَّرِيحَةِ كَمَا أَنَّ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ كَفَّارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ فَافْهَمْ وَقِيلَ : سِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يَثْبُتُ لِأَفْرَادِ الْعُمُومِ كَثُبُوتِ الْقَتْلِ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالْحِلُّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ وَأَمَّا الظِّهَارُ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ لِلنُّطْقِ بِالْكَلَامِ الزُّورِ عُقُوبَةٌ لِقَائِلِهِ فَإِذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ كَذَبَ كَذْبَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَلَا نَظَرَ لِلْعُمُومِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ الْكَذِبِ فَكَمَا لَا تَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ جَمَادٌ فَإِنَّهَا كِذْبَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومٍ أَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ أُخْوَتِك فَوَجَدَ الْجَمِيعَ فِيهَا لِاتِّحَادِ الْيَمِينِ

وَالْحِنْثِ كَذَلِكَ هَا هُنَا ا هـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَنَظَرٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالسِّرُّ فِي تَفْرِقَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ النِّسَاءِ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَكَذَا أَيْ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلٍّ ، وَبِتَعَدُّدِهَا فِي مِنْ ، وَكَذَا أَيْ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى هُوَ مَا فِي الْبُنَانِيِّ .
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ : قَالَ عِيَاضٌ الْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ مَنْ وَأَيِّ لِلْآحَادِ فَعَرَضَ لَهُمَا الْعُمُومُ فَعَمَّتْ الْآحَادَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آحَادٌ وَأَصْلُ وَضْعِ كُلٍّ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَكَانَتْ كَالْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ أَشْيَاءَ يَحْنَثُ بِفِعْلِ أَحَدِهَا فَحَاصِلُ كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّ مَنْ وَأَيِّ لِكُلِّ فَرْدٍ لَا بِقَيْدِ الْجَمْعِيَّةِ ، وَمَدْلُولُ كُلٍّ كَذَلِكَ بِقَيْدِ الْجَمْعِيَّةِ مُنْضَمًّا إلَى التَّحْنِيثِ بِالْأَقَلِّ ا هـ .
فَلَا دَلَالَةَ لِمَنْ وَأَيُّ إلَّا عَلَى مَعْنَى الْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْكُلِّيَّةِ وَمَعْنَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي فَلِذَا وَقَعَ خِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي قَوْلِهِ لِنِسَائِهِ : كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَقَوْلُهُ لِنِسَاءٍ أَجْنَبِيَّاتٍ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي هَلْ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرًا لِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ أَوْ لَا تَتَعَدَّدُ نَظَرًا لِمَعْنَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي .
قَالَ الْبُنَانِيُّ : وَمَا ذَكَرَهُ خَلِيلٌ مِنْ عَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعَدُّدِ فِي : كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ .
قَالَ الْبَاجِيَّ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ نَعَمْ قَدْ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِثْلُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى

فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَحْكِيَ الْخِلَافَ فِي الْفَرْعَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى التَّعَدُّدِ فِيهِمَا أَوْ عَدَمِهِ وَإِلَّا فَكَلَامُهُ مُشْكِلٌ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ ا هـ .
وَقَالَ عبق وَمَا نَقَلَهُ عج عَنْ ق حَيْثُ قَالَ : لَا تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَلِذَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَزَوُّجِ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُفِيدُهُ ق ا هـ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْجَلَّابِ وَأَبِي الْحَسَنِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْت فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا كَفَّارَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ا هـ وَقَدْ .
قَالَ عبق إذَا قَالَ لِنِسَاءٍ أَجْنَبِيَّاتٍ : إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً لَزِمَتْهُ وَلَا يُقِرُّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْبَوَاقِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حِنْثَ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ : إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ الْجَمِيعُ إلَّا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ جَمِيعُهُنَّ .
قَالَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ : يَحْنَثُ بِوَاحِدَةٍ عَلَى قَاعِدَةِ التَّحْنِيثِ بِالْبَعْضِ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَلَعَلَّ وَجْهَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَقَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتُمَا فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا ا هـ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَجْنَبِيَّاتٌ وَفِي الثَّانِيَةِ نِسَاؤُهُ وَلَيْسَ قَوْلُهُ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ مِثْلَ

قَوْلِهِ مَنْ تَزَوَّجْتُهَا مِنْكُنَّ بَلْ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ لِكُلٍّ مَنْ تَزَوَّجَهَا مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ لِإِيهَامِ يَمِينِهِ وَخِطَابِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَدْ أَوْقَعَ الظِّهَارَ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ فَأَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ا هـ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَأَصْلُ مَذْهَبِنَا إلْحَاقُ الظِّهَارِ بِالْيَمِينِ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ أَصْلَهُ إلْحَاقُهُ بِالطَّلَاقِ فَفِي الرَّهُونِيِّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ : وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ مَا نَصُّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ : لَهُنَّ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ الشَّيْخِ فَهُوَ عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ ، الطَّلَاقُ طَرَفٌ وَالْيَمِينُ طَرَفٌ وَالظِّهَارُ وَهُوَ الْوَاسِطَةُ فِيهِ شَائِبَةٌ لِشَبَهِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الظِّهَارِ وَشَائِبَةٌ لِشَبَهِ الطَّلَاقِ وَهُوَ تَعَدُّدُ الْمُظَاهَرِ مِنْهُمَا ابْنُ يُونُسَ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } الْآيَةَ فَجَمِيعُ النِّسَاءِ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ الرَّجُلُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ يُكَفَّرُ كَالْإِيلَاءِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك } فَدَلَّ أَنَّهُ يَمِينٌ كَالْإِيلَاءِ الشَّيْخُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَاعَى قَوْلُ الْقَائِلِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ا هـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ ا هـ .
وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَالْفِقْهِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّكْرَارِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْمُوجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي فَرْقِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِخْبَارِ لَكِنْ لَمَّا اشْتَهَرَ لَفْظُ الظِّهَارِ فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ لُوحِظَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَقْصِدِ الْمُظَاهِرِ كَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَكْرَارَهَا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا وَأَيِّ فَإِنَّهُمَا لِلْحُكْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَأَشَارَ بِمَنْ فِيمَنْ دَخَلَتْ

مِنْكُنَّ إلَى التَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ .
الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْكُنَّ وَأَيُّ الْأَفْرَادِ وَأَمَّا كُلٌّ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ وَالْكُلُّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفْيَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَانَ مَعْنَاهَا الْكُلَّ فَمَعْنَى مَا قَبَضَتْ كُلَّ الْمَالِ أَنَّك لَمْ تَقْبِضْ الْجَمِيعَ بَلْ الْبَعْضَ ا هـ بِتَلْخِيصٍ هُوَ مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَلَا يَقْوَى فَرْقٌ بَيْنَ كُلَّمَا وَكُلٌّ وَفِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ ) إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَنْحَلُّ يَمِينُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إشْكَالَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَثَانِيهمَا : أَنَّهُ خَصَّصَ الْمُعَلَّقَ بِالطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَتَقَاضَ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا جَعَلَ لِلْمُكَلَّفِ التَّعْلِيقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ جَعَلَ لَهُ حَلَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ خَاصَّةً فَإِذَا نُجِّزَ بَطَلَتْ شَرْطِيَّةٌ الدُّخُولِ لِلطَّلَاقِ فَبَقِيَ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فَمَا وُجِدَ الْمَشْرُوطُ دُونَ شَرْطِهِ قَطُّ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ يَتَقَاضَى التَّصَرُّفَ فِي الْمَمْلُوكِ فَقَطْ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِيهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِي عِصْمَتِهِ الْحَاضِرَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَكَانَ الطَّلَاقُ خَاصًّا بِهَذِهِ الْعِصْمَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ التَّعْلِيقُ غَيْرَهَا إلَّا بِدَلِيلٍ الْأَصْلُ عَدَمُهُ ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِمَا يَرِدُ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِسِتِّ طَلْقَاتٍ ثَلَاثٍ مُنَجَّزَاتٍ وَثَلَاثٍ مُعَلَّقَاتٍ وَاَلَّذِي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لِلزَّائِدِ فَإِذَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ تَعَيَّنَ إبْطَالُ التَّعْلِيقِ فِي الْمُعَلَّقِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْمُعَلَّقِ بَعْدَ شَرْطٍ .

قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ : مَالِكٌ : تَنْحَلُّ يَمِينُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إشْكَالَانِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ وَمَا اخْتَارَهُ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ ) إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ نَظَرًا لِأَمْرَيْنِ .
: الْأَوَّلُ أَنَّ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمُعَلَّقِ بِالطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَةِ مَالِكٍ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بَلْ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ نَظَرًا لِأَمْرَيْنِ أَيْضًا : الْأَوَّلُ قَاعِدَةُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا جَعَلَ لِلْمُكَلَّفِ التَّعْلِيقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا جَعَلَ لَهُ حِلَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ خَاصَّةً فَإِذَا نَجَّزَ بَطَلَتْ شَرْطِيَّةُ الدُّخُولِ لِلطَّلَاقِ فَمَا وُجِدَ الْمَشْرُوطُ دُونَ شَرْطِهِ قَطُّ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي الْمَمْلُوكِ فَقَطْ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِيهِ وَلَيْسَتْ هِيَ مَوْثُوقَةٌ إلَّا فِي عِصْمَتِهِ الْحَاضِرَةِ دُونَ غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلِ الْأَصْلِ عَدَمُهُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِسِتِّ طَلْقَاتٍ ثَلَاثٍ مُنَجَّزَاتٍ وَثَلَاثٍ مُعَلَّقَاتٍ وَاَلَّذِي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لِلزَّائِدِ فَإِذَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ تَعَيَّنَ إبْطَالُ التَّعْلِيقِ فِي الْمُعَلَّقِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْمُعَلَّقِ بَعْدَ شَرْطٍ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ ) الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَإِلَى مَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَإِعْطَاءِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ .
قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِهِ الْمَحْصُولِ : فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ اُعْتُبِرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ اجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ وَوُجُودُهَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ وَاعْتُبِرَ مِنْ الثَّانِي وُجُودُ آخِرِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِيهِ أَمَّا وُجُودُ الْحَقِيقَةِ بِجُمْلَةِ أَجْزَائِهَا فَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ اعْتَبَرَهُ مِنْ الْجَمِيعِ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْعَدَمِ لِصِدْقِ الْعَدَمِ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَمِيعِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ : الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَائِلَ إنْ أَعْطَيْتَنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا فَرْقَ فِي الْعُرْفِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَجْمُوعَةً أَوْ دِرْهَمًا بَعْدَ دِرْهَمٍ وَالْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَاشْتِرَاطُهُ اجْتِمَاعُ الْجَمِيعِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ يَعُدُّ أَهْلُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَأَعْطَى عَشَرَةً فِي عَشَرَةِ أَيَّامًا أَنَّهُ مُعْطٍ لِعَشَرَةٍ وَيَصْدُقُ ذَلِكَ أَيْضًا لُغَةً فَإِنَّ مُسَمَّى إعْطَائِهِ الْعَشَرَةَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ الثَّانِي أَنَّ جَعْلَ عَدَمِهَا شَرْطًا تَارَةً يَكُونُ بِلَمْ وَتَارَةً يَكُونُ بِلَمَّا الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمَاضِي أَوْ بِمَا وَلَيْسَ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْحَالِ أَوْ بِلَا وَلَنْ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ فَنُسَلِّمُ لَهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مُسَمَّى الْعَدَمِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ أَمَّا لَا وَلَنْ فَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ لِعُمُومِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَنَّ لَنْ أَبْلَغُ فِي عُمُومِ النَّفْيِ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَإِذَا قُلْنَا { : لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى } وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { لَنْ

تَرَانِي } عَامٌّ فِي سَلْبِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَالرُّؤْيَةِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّ جَعْلَ الْمُعَلِّقِ لِلشَّرْطِ عَدَمَهَا بِصِيغَةِ لَنْ أَوْ لَا كَانَ الشَّرْطُ اسْتِغْرَاقَ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْعُمُرِ أَوْ الزَّمَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعَلِّقُ لَا مُطْلَقَ الْعَدَمِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ خِلَافًا لَهُ فَتَخْرُجُ لَا وَلَنْ عَنْ دَعْوَاهُ مَعَ أَنَّ لَمْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ لِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ : إنْ لَمْ تَقْرَأْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَنْتَ مَذْمُومٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اسْتِيعَابُ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ السَّنَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِي آخِرِ السَّنَةِ صَدَقَ حُصُولُ قِرَاءَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَإِلَى مَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَلَفْظِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : ذَكَرَ قَوْلَ فَخْرِ الدِّينِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالَيْنِ وَهُمَا وَارِدَانِ كَمَا قَالَ : وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ ) الشَّرْطُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَالنِّيَّةِ وَمَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَمَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ وُجُودَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْأَوَّلِ اجْتِمَاعَ أَجْزَائِهِ وَوُجُودَهَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ وَمِنْ الثَّانِي وُجُودُ آخِرِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّ الْمُمْكِنُ فِيهِ أَمَّا وُجُودُ الْحَقِيقَةِ بِجُمْلَةِ أَجْزَائِهَا فَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ وَمِنْ الثَّالِثِ كُلٌّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ أَوْ الِافْتِرَاقِ لَا خُصُوصُ اجْتِمَاعِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ إذْ لَا فَرْقَ عُرْفًا فِي قَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتَنِي عَشَرَةَ .
دَرَاهِمَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَجْمُوعَةً أَوْ دِرْهَمًا بَعْدَ دِرْهَمٍ بَلْ يَعُدُّ أَهْلُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَأَعْطَى عَشْرَةً فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ مُعْطٍ لِعَشَرَةٍ وَالْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ بَلْ يَصْدُقُ أَيْضًا لُغَةً عَلَى مُعْطِي الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ مُعْطٍ لِعَشَرَةٍ فَإِنَّ مُسَمَّى إعْطَائِهِ الْعَشَرَةَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ عَدَمَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ فَإِنْ جَعَلَ الْمُعَلِّقَ لِلشَّرْطِ عَدَمَهَا بِلَمْ أَوْ بِلَمَّا الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمَاضِي أَوْ بِمَا وَبِلَيْسَ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْحَالِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ مُطْلَقُ الْعَدَمِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ كَمَا قَالَ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ حَتَّى عِنْدَ اسْتِعْمَالِ لَمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عُرْفًا كَمَا إذَا قَالَ : إنْ لَمْ تَقْرَأْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اسْتِيعَابُهُ الْعَدَمَ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ السَّنَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِي آخِرِ السَّنَةِ صَدَقَ حُصُولُ قِرَاءَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا وَإِنْ جَعَلَ عَدَمَهَا بِلَا

أَوْ بِلَنْ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْجَمِيعِ اسْتِغْرَاقَ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْعُمْرِ أَوْ الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعَلِّقُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَدَمِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَنِ خِلَافًا لِلرَّازِيِّ فِي الْمَحْصُولِ فَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَنْ مَوْضُوعَانِ لِعُمُومِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَنَّ لَنْ أَبْلُغَ فِي عُمُومِ النَّفْيِ لِلْمُسْتَقْبَلِ .

( الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ ) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّ الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ فَمَا بَقِيَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ لَا يَدُلُّ مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا وَطُولُ الْأَيَّامِ يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا يَكَادُ يُتَفَطَّنُ لِوَجْهِ الدَّلِيلِ مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا اسْتِثْنَاءٌ وَأَنَّ هِيَ النَّاصِبَةَ لَا الشَّرْطِيَّةَ وَلَا يُتَفَطَّنُ أَيْضًا لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ وَمَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ .
وَالْجَوَابُ أَنْ تَقُولَ : هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَالَةٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ قَبْلَ أَنَّ النَّاصِبَةَ وَعَامِلَةٌ فِيهَا أَعْنِي الْحَالُ عَامِلَةٌ فِي أَنَّ النَّاصِبَةَ وَتَقْدِيرُهُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ثُمَّ حُذِفَتْ مُعَلَّقًا وَالْبَاءُ مِنْ أَنَّ وَهِيَ تُحْذَفُ مَعَهَا كَثِيرًا فَيَكُونُ النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرِ قَدْ حَصَرْت الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّحْرِيمِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ الْحَالَ فَتَكُونُ وَاجِبَةً فَهَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ وَأَمَّا مُدْرَكُ التَّعْلِيقِ فَهُوَ قَوْلُنَا مُعَلَّقًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ : لَا تَخْرُجْ إلَّا ضَاحِكًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَانْتَظَمَ مُعَلَّقًا مَعَ أَنَّ

بِالْبَاءِ الْمَحْذُوفَةِ وَاتُّجِهَ الْأَمْرُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْأَفْعَالِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْعَسِيرَةِ الْفَهْمِ وَالتَّقْدِيرُ فَرْعٌ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى دُخُولِ الدَّارِ طَلُقَتْ بِدُخُولِ الدَّارِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَلَوْ قَالَ لَهَا : جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك لَمْ تَطْلُقْ بِدُخُولِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْجَعْلِ التَّعْلِيقَ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ خَاصَّةً فَإِنْ أَرَادَ نَصْبَهُ بِغَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْهِلَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَ : فِيهَا مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ بِهِ يَصِحُّ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْعِ كَذَلِكَ .

( الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ ) وَجْهُ اسْتِدْلَالِ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا فَإِنَّ إلَّا لِلِاسْتِثْنَاءِ لَا لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّ هِيَ النَّاصِبَةُ لَا الشَّرْطِيَّةُ هُوَ أَنَّ فِي الْآيَةِ حَذْفًا وَالْمَحْذُوفُ هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى الَّذِي هُوَ حَالٌ مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ عَامِلَةٌ فِي أَنَّ بَعْدَ حَذْفِ الْجَارِ الَّذِي هُوَ الْبَاءُ لِحَذْفِهِ مَعَهَا كَثِيرًا ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلِّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيَكُون النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ قَدْ حَصَرَا الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّحْرِيمِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ الْحَالَ فَتَكُونُ وَاجِبَةً فَهَذَا مُدْرِكُ الْوُجُوبِ وَأَمَّا مُدْرِكُ التَّعْلِيقِ فَهُوَ قَوْلُنَا مُعَلَّقًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْأَفْعَالِ كَمَا أَنَّ قَوْلَك لَا تَخْرُجُ إلَّا ضَاحِكًا يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ : عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى دُخُولِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فِي كَوْنِهَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الدَّارِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهَا جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك فَإِنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ بِدُخُولِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْجَعْلِ التَّعْلِيقَ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ

خَاصَّةً فَإِنْ أَرَادَ نَصْبَهُ بِغَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْهِلَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ .

( الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ ) قَدْ يُذْكَرُ الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ وَضَابِطُهُ أَمْرَانِ : الْمُنَاسَبَةُ وَعَدَمُ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى { وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ مَعَ الْعِبَادَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَوْصُوفُونَ بِصِفَةٍ تَحُثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَتَبْعَثُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ وَالتَّذَلُّلُ فَافْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّرٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَكُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ } مَعْنَاهُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ حَاثٌّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيُؤْمَرُونَ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ مَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُك : أَطِعْنِي إنْ كُنْت ابْنِي لَسْت تَشُكُّ فِي بُنُوَّتِهِ بَلْ تُنَبِّهُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الطَّاعَةِ .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ قَدْ يُذْكَرُ الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ قَالَ : وَضَابِطُهُ أَمْرَانِ الْمُنَاسَبَةُ وَعَدَمُ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى { وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } إلَى آخِرِهَا ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ .

( الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ ) الْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ أَنْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيقِ أَيْ جَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا فِي الْمُعَلَّقِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لِذَاتِهِ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ وَقَدْ يَأْتِي لِلتَّعْلِيلِ أَيْ جَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عِلَّةً غَائِيَّةً لِلْمُعَلِّقِ بِحَيْثُ يُوجَدُ الْمُعَلِّقُ لِأَجْلِهِ وَلَا يَنْتَفِي الْمُعَلِّقُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطَ فِي التَّعْلِيقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَوْصُوفُونَ بِصِفَةٍ تَحُثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَتَبْعَثُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ وَالتَّذَلُّلُ فَافْعَلُوا الشُّكْرَ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّرٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَكُمْ وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ مَعَ الْعِبَادَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا وَكَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ حَاثٌّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْكُفَّارُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مَأْمُورُونَ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ مَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُك : أَطِعْنِي إنْ كُنْت ابْنِي إذْ لَا تَشُكُّ فِي بُنُوَّتِهِ بَلْ تُنَبِّهُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الطَّاعَةِ .

( الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ ) قَوْله تَعَالَى { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْبَيَانِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَ قَوْلِهِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ وَيَبْدَأُ بِالشَّرْطِ وَيَكُونُ جَوَابُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ بَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَفْضِيلِهِنَّ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ وَيَكُونُ جَوَابُ الشَّرْطِ مَا بَعْدَهُ وَيَسْتَقِيمُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ قَوْله تَعَالَى { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } إلَى آخِرِهَا ) قُلْتُ : مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ } مُحْتَمَلٌ وَلَيْسَ بِاللَّازِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلَهُنَّ بِشَرْطِ التَّقْوَى وَيَكُونُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إرْشَادًا إلَى مَا كَانَ إلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِ التَّقْوَى وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ أَهْلُ الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ صَحِيحٌ لَوْ أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ لِلْمَدْحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَرِدْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ ) قَوْله تَعَالَى { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } يَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلَهُنَّ بِشَرْطِ التَّقْوَى وَالْمَعْنَى إنْ اتَّقَيْتُنَّ اللَّهَ فَلَا تَقِسْنَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّكُنَّ أَعْظَمُ فَإِنْ اتَّقَيْتُنَّ شَرْطٌ حُذِفَ جَوَابُهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلْإِرْشَادِ وَالتَّهْيِيجِ بِجَعْلِ طَلَبِ الدُّنْيَا وَالْمَيْلِ إلَى مَا تَمِيلُ إلَيْهِ النِّسَاءُ لِبُعْدِهِ عَنْ مَقَامِهِنَّ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ .
التَّقْوَى وَيَحْتَمِلُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْبَيَانِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلُهُنَّ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ وَيَبْدَأُ بِالشَّرْطِ وَيَكُونُ جَوَابُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ قِيلَ : وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ مُتَّقِيَاتٌ وَهُوَ صَحِيحٌ لَوْ أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ لِلْمَدْحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَرِدْ لِذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهَا دَاوَمُهُنَّ عَلَى التَّقْوَى .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ ) يَجُوزُ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ الدَّلِيلُ نَفْسَ الْجَوَابِ وَلَيْسَ هُوَ الْجَوَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك } فَإِنَّ تَكْذِيبَ مَنْ قَبْلَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بَلْ سَبَقَ وَتَقَدَّمَ وَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَتَسَلَّ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك فَتَكْذِيبُ مَنْ قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَسْلِيَتِهِ وَسَبَبُ تَسْلِيَتِهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَإِلَّا فَالْمَاضِي لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ يَجُوزُ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهَا ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ مِنْ جَوَازِ حَذْفِ جَوَابِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَإِنَّ الْحَذْفَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ لَا يُدَّعَى إلَّا لِضَرُورَةٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَاضِيَ لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِتَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ ) إذَا لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْطُوقِ بِهِ جَوَابًا لِكَوْنِهِ مَاضِيًا مَثَلًا وَالْمَاضِي لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا وَالْمَذْكُورُ دَلِيلُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك } أَيْ وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَتَسَلَّ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك فَتَكْذِيبُ مَنْ قَبْلَهُ سَبَبٌ لِتَسْلِيَتِهِ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ ) جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عِ مُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ السَّبَبِ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ : يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا نَحْوَ قَوْلِهِ { إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } فَالْأَوَّابُونَ عَامٌّ فِي كُلِّ أَوَّابٍ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَجِبُ فِي هَذَا الْعُمُومِ أَنْ يَتَخَصَّصَ بِنَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ صَلَاحَنَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِنَا مِنْ الْأُمَمِ وَمَنْ تَأَمَّلَ الْقَوَاعِدَ قَطَعَ بِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ مِنْكُمْ غَفُورًا .
قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ السَّبَبِ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا إلَى آخِرِهَا ) قُلْتُ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَمَا مَثَّلَ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ بَلْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا نَحْوَ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا وَكَانَ هُنَا لِلِاسْتِمْرَارِ فَإِنَّهُ أَمْدَحُ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَمَدُّحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ ) الْعِبْرَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ سَبَبِهِ فَفِي الْعَزِيزِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي السُّنَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ { ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ } مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الْقُرْآنِ فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ الِابْتِدَاءُ فِي السَّعْيِ بِالصَّفَا وَذَا وَإِنْ وَرَدَ عَنْ سَبَبٍ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ا هـ .
قَالَ الْحَنَفِيُّ : قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَهُ فِي السَّعْيِ أَنَبْدَأُ بِالصَّفَا أَوْ بِالْمَرْوَةِ ؟ وَفِي رِوَايَةٍ أَبْدَأُ وَفِي أُخْرَى نَبْدَأُ ا هـ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِالْبَسْمَلَةِ ثُمَّ بِالْحَمْدِ لَهُ فِي الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ وَإِلَّا كَانَ لَفْظُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَوْ فِيمَا يَعُمُّهُمَا فَافْهَمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا خِلَافًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ الْوُجُوبِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْأَوَّابِينَ فِي قَوْله تَعَالَى { إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي كُلِّ أَوَّابٍ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَخَصَّصَ بِنَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ صَلَاحَنَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِنَا مِنْ الْأُمَمِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ مِنْكُمْ غَفُورًا إذْ لَا دَلِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ مَا حُذِفَ جَوَابُهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَالتَّقْدِيرُ إنْ تَكُونُوا .
صَالِحِينَ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا وَكَانَ هُنَا لِلِاسْتِمْرَارِ فَإِنَّهُ أَمْدَحُ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَمَدُّحٍ .

( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ ) جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنْ يَقُولُوا إذَا وَرَدَ النَّصُّ بِصِيغَةِ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَلَا تَكَادُ تَجِدُ فَقِيهًا يُنَازِعُ فِي هَذَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الرَّجُلَيْنِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ وُجُودِ الرَّجُلَيْنِ وَأَنَّ عَدَمَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا فَنَسْتَفِيدُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَيْنِ عَظِيمَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَثَانِيهمَا أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ هَا هُنَا كَذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا فَهُوَ فَرْدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَهُوَ زَوْجٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْعَدَدُ الزَّوْجُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْدِ وَلَا الْفَرْدِ عَلَى عَدَمِ الزَّوْجِ بَلْ هُوَ وَاجِبُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهِ وُجِدَ الْآخَرُ أَمْ لَا وَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ وَهُوَ قَوْلُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا كَانَتْ الْخَمْسَةُ فَرْدًا قَطْعًا فَإِنَّ وُجُودَ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْعَدَدِ لَا يُنَافِي الْفَرْدِيَّةَ فِيهِ وَوُجُودُ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ لَا يُنَافِي الزَّوْجِيَّةَ فِيهِ فَعَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ لَا أَثَرَ لَهُ أَلْبَتَّةَ فِي عَدَمِ هَذَا الْمَشْرُوطِ وَكَقَوْلِنَا إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَمَادًا فَهُوَ إمَّا نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا

الْحَيَوَانُ نَاطِقًا فَهُوَ بَهِيمٌ مَعَ أَنَّ الْبَهِيمَ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ النَّاطِقِ بَلْ إذَا فُرِضَ النَّاطِقُ نَاطِقًا كَانَ الْبَهِيمُ بَهِيمًا بِالضَّرُورَةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ نَظَائِرَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَا تَرْتِيبَ فِيهَا وَلَمْ يَلْزَمْ فِيهَا مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ بَلْ الْمَشْرُوطُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ وَوَقَعَ سَوَاءً وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتَ : عَدَمُ الزَّوْجِيَّةِ عَنْ الْعَدَدِ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهُ فَلَوْ كَانَ زَوْجًا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْفَرْدِيَّةُ فَقَدْ لَزِمَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ قُلْتُ : لَيْسَ مُرَادُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ إثْبَاتَ شَرْطِيَّةِ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْفَرْدِيَّةِ بَلْ الزَّوْجُ زَوْجٌ فِي نَفْسِهِ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَكَذَلِكَ الْفَرْدُ وَلَا نَقُولُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْعَشَرَةِ زَوْجًا عَدَمُ الْفَرْدِيَّةِ عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْفَرْدِيَّةَ أَيْضًا فَكَيْفَ تُتَوَهَّمُ الشَّرْطِيَّةُ وَالْمُعْتَرَضُ فِي مَوْطِنِ الْعَقْلِ قَاطِعٌ وَجَازِمٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِهِ وُجُوبًا ذَاتِيًّا وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْعُقَلَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ الَّذِي يَقْبَلُ النَّقِيضَ بَلْ مَقْصُودُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ وَالْمَوَارِدِ بَيَانُ انْحِصَارِ تِلْكَ الْمَادَّةِ فِي الْمَذْكُورِ فَأَنْتَ تَقُولُ : إذَا انْتَفَى الْفَرْدُ بَقِيَ الْعَدَدُ مَحْصُورًا فِي الزَّوْجِ .
وَإِذَا انْتَفَى الزَّوْجُ بِمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ مِنْ الْعَدَدِ مَا هُوَ زَوْجٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ مَا هُوَ فَرْدٌ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الْحَصْرُ فَلَا يَقُولُونَ : إنْ لَمْ يَكُنْ إنْسَانًا فَهُوَ فَرَسٌ لِعَدَمِ انْحِصَارِ الْبَاقِي مِنْ الْحَيَوَانِ بَعْدَ الْإِنْسَانِ فِي الْفَرَسِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الشَّرْطِيَّةِ لَكَانَ الْكَلَامُ صَحِيحًا فَإِنَّ عَدَمَ الْإِنْسَانِيَّةِ شَرْطٌ فِي الْفَرَسِيَّةِ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا

بَلْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ الْحَصْرِ بَطَلَ الْكَلَامُ لِعَدَمِ الْحَصْرِ فِي الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَهُوَ صَعْبٌ دَقِيقٌ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ انْحِصَارَ الْحُجَّةِ التَّامَّةِ مِنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الرَّجُلَيْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ تَامَّةَ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ وَحْدَهُمَا فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ كَالْوِلَادَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْحَصْرِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْآيَةَ إنَّمَا سِيقَتْ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ وَالْأَمْوَالِ لَا الْأَبْدَانِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ فَالْحَصْرُ حَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ وَلَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُجَّةُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَلْ لَا شَهَادَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ كَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ أَوْ بَعْضُهُ شَهَادَةٌ فَقَطْ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ حُجَّةٌ تَامَّةً مُجْمَعٌ عَلَيْهَا إلَّا بِتِينِكَ الْحُجَّتَيْنِ فَإِذَا فُرِضَ عَدَمُ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْحَصْرُ فِي الْأُخْرَى وَإِذَا وَضَحَ لَك أَنَّ الشَّرْطَ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّرْتِيبِ فَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي إثْبَاتِ الْحَصْرِ .
وَالْكُلُّ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فَيَكُونُ التَّعْلِيقُ أَعَمُّ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ كَالْحَيَوَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ عَلَى التَّرْتِيبِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرَائِنَ أُخْرَى وَضَمَائِمَ تُضَافُ لِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ حَتَّى تُفِيدَ

التَّرْتِيبَ وَأَنَّ ضَابِطَ مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ الْمَشْرُوطُ عَلَى الشَّرْطِ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُرَادُ بِهِ الْحَصْرُ أَمَّا مَتَى أُرِيدَ بِهِ الْحَصْرُ فَلَا فَافْهَمْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَهُوَ مِنْ نَفَائِسِ الْعِلْمِ وَجَوْهَرِهِ وَدَقِيقِ الْمَبَاحِثِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَأَنَّ اسْتِدْلَالَ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا يَصِحُّ كَمَا وَضَحَ لَك بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ عَشَرَ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنْ يَقُولُوا إذَا وَرَدَ النَّصُّ بِصِيغَةٍ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَلَا تَجِدُ فَقِيهًا يُنَازِعُ فِي هَذَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) .
قُلْتُ : مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَأْتِي لِغَيْرِ قَصْدِ التَّرْتِيبِ كَمَا مَثَّلَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ إنْ أَرَادَ الشَّرْطَ الْمَعْنَوِيَّ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي يَعْنِي الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ وَإِنْ أَرَادَ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ فَهُوَ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ أَيْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ سُمِّيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ شَرْطًا لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ بَلْ يَأْتِي الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ ) الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَصْرُ فَيَكُونُ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ بَلْ سَبَبًا مَعْنَوِيًّا كَمَا مَرَّ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ كَمَا فِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ كَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي إثْبَاتِ الْحَصْرِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ مَتَى أُرِيدَ بِهِ الْحَصْرُ فَلَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ وَلَا يَكُونُ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ بَلْ لَا يَتَوَقَّفُ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَصْلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الرَّجُلَيْنِ وَأَنَّ عَدَمَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا وَكَمَا فِي قَوْلِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا فَهُوَ فَرْدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَهُوَ زَوْجٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَمَادًا فَهُوَ إمَّا نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَيَوَانُ نَاطِقًا فَهُوَ بَهِيمٌ فَإِنَّ عَدَمَ الزَّوْجِيَّةِ عَنْ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ شَرْطِيَّةِ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْفَرْدِيَّةِ وَعَدَمِ الْفَرْدِيَّةِ فِي الزَّوْجِيَّةِ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ لَيْسَ هُوَ مُرَادَ النَّاسِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ زَوْجٌ وَفَرْدٌ فِي نَفْسِهِ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَإِنَّمَا مُرَادُ النَّاسِ هُنَا بَيَانُ انْحِصَارِ تِلْكَ الْمَادَّةِ فِي الْمَذْكُورِ بِمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ مِنْ الْعَدَدِ مَا هُوَ زَوْجٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ مَا هُوَ فَرْدٌ وَبِالْعَكْسِ وَلِذَا لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْحَصْرُ لَا فِيمَا لَا يَصِحُّ فَلَا يَقُولُونَ : إنْ لَمْ يَكُنْ إنْسَانًا فَهُوَ فَرَسٌ لِعَدَمِ انْحِصَارِ الْبَاقِي مِنْ الْحَيَوَانِ بَعْدَ

الْإِنْسَانِ فِي الْفَرَسِ وَلَا يَقْصِدُ النَّاسُ الشَّرْطِيَّةَ إلَّا فِي الْمَوْطِنِ الَّذِي يَقْبَلُ النَّقِيضَ وَلَا يَجْزِمُ الْعَقْلُ بِوُجُوبِ ثُبُوتِ مَعْنَاهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ وُجُوبًا ذَاتِيًّا كَمَا هُنَا وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ فِي آيَةِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ انْحِصَارُ الْحُجَّةِ التَّامَّةِ مِنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الرَّجُلَيْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ تَامَّةً مِنْ الشَّهَادَةِ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا الرَّجُلَانِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ هَذَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ وَحْدَهُمَا فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ كَالْوِلَادَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا سِيقَتْ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ وَالْأَمْوَالِ لَا الْأَبْدَانِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ فَالْحَصْرُ حَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ .
أَحَدٌ وَلَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُجَّةُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَلْ إمَّا لَا شَهَادَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ كَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ أَوْ بَعْضِهِ شَهَادَةٌ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ حُجَّةٌ تَامَّةٌ إلَّا بِتِينِك الْحُجَّتَيْنِ فَإِذَا فُرِضَ عَدَمُ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الْحَصْرُ فِي الْأُخْرَى إذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت أَنَّ صِيغَةَ التَّعْلِيقِ دَالَّةٌ عَلَى مَا يَعُمُّ التَّرْتِيبَ وَغَيْرَهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ إذْ الدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ كَالْحَيَوَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ كَالْإِنْسَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ إذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا بِصِيغَةِ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَإِذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا

بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلَ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } نَعَمْ قَدْ يُقَالُ : مُرَادُهُمْ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ دَالَّةٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ لَا مُطْلَقُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ ) فِي أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِهِ فِي الزَّمَانِ وَيَجُوزُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجُوزُ فِي الشَّرِيعَةِ .
وَلَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يَرْفَعَ جَمِيعَ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ نَحْوَ لَهُ عِنْدِي عَشْرَةٌ إلَّا عَشْرَةً بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُنَّ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ أَوْ إنْ جَاءُوك فَلَا يَجِيءُ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الْأَمْرِ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْلَا هَذَا الشَّرْطُ لَعَمَّ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ فَقَدْ بَايَنَ الشَّرْطُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَيَعُمُّ جَمِيعَ الْجُمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى قَوْلٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى قَوْلٍ نَحْوَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْرِمْ الْقَوْمَ وَاخْلَعْ عَلَيْهِمْ فَقَدْ بَايَنَ الشَّرْطُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ وَيَتِمُّ الْكَلَامُ دُونَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ إبْطَالُ جُمْلَةِ الْحُكْمِ فِيهِمَا تَحْقِيقًا لِمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَوْ يَجُوزُ فِيهِمَا تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ عَمَّا هُوَ مُرَادٌ فَهْمُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُرَادِ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ الْمُرَادِ لَمْ يَخْتَلَّ الْحُكْمُ وَأَمَّا الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ فَهِيَ أَسْبَابٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِّبَ شَرْطًا وَجُعِلَ عَدَمُهُ مُؤَثِّرًا فِي الْعَدَمِ فَإِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمَقَاصِدُ شَأْنُهَا تَعْجِيلُ النُّطْقِ

وَشَأْنُهَا أَنْ تَعُمَّ جَمِيعَ الْجُمَلَ تَكْثِيرًا لِمَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا لَمْ يُعَجَّلْ بِهِ لَمْ يُفْتِ بِهِ مَقْصِدٌ بَلْ حَصَلَ مَا لَيْسَ بِمَقْصِدٍ وَذَلِكَ فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَمَّا إبْطَالُ جَمِيعِ الْكَلَامِ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّ الْإِبْطَالَ حَالَةَ النُّطْقِ بِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَسْتَتْبِعُ الشَّرْطَ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَقَدْ يَفُوتُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَيَبْطُلُ الْجَمِيعُ وَقَدْ يَفُوتُ فِي الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ حَالَةَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهَا الْإِبْطَالُ لَا لِلْكُلِّ وَلَا لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ يُعَدُّ النَّاطِقُ بِهِ نَادِمًا مُقَدَّمًا عَلَى الْهَذْرِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَهُمَا فِي الْإِبْطَالِ وَعَدَمِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَحْكَامِ الْجَائِزَةِ فِي الشَّرْطِ الْمُمْتَنِعَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَشَرْعًا .

قَالَ : شِهَابُ الدِّينِ ( الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ فِي أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِهِ فِي الزَّمَانِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى قَوْلٍ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ جَمِيعُ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ نَحْوَ لَهُ عِنْدِي عَشْرَةٌ إلَّا عَشْرَةً بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ هَذَا الْفَرْقُ ) قُلْتُ : إنَّمَا نَظِيرُ عَدَمِ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَدَمُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَاتَ مَقْصِدٌ وَإِذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّرْطِ فَاتَ مَقْصِدٌ وَقَوْلُهُ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَيْسَ كَوْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةً يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُمَا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ يَقَعْ بَطَلَ جَمِيعُ الْمَشْرُوطِ هِيَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ وَالسَّبَبُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ تَعْجِيلُ النُّطْقِ بِهِ يُقَالُ لَهُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ التَّعْجِيلَ ، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ : أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إنْ أَطَاعُوا ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يُفْتِ بِذَلِكَ مَقْصِدٌ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إلَّا زَيْدًا ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ لَمْ يُفْتِ مَقْصِدٌ وَتَكُونُ صُورَةُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ إنَّمَا ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يُطِيعُوا وَصُورَةُ النُّطْقِ

بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا : مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَدَعَ مِنْهُمْ زَيْدًا وَبِالْجُمْلَةِ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ ) وَقَعَ بِالْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُمَا فِي ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ طَرَفَيْ فِي الْإِسْنَادِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ فِي الزَّمَانِ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ إرَادَتَهَا وَإِنْ تَأَخَّرَتْ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْعَطَّارُ عَنْ الْقَرَافِيِّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الزَّمَانِ عَلَى قَوْلٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إجَازَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ عَامٍّ لِقَوْلِ الرَّهُونِيِّ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ اُنْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي أَوَّلِ مَبْحَثِ الْمُخَصِّصِ نَعَمْ اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ ا هـ بِتَصَرُّفٍ .
( قُلْتُ : ) بَلْ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيُّ مَا نَصُّهُ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ ا هـ وَلَفْظُ التَّحْرِيرِ لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يُعَيِّنْ .
تَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ الضِّغْثَ وَلَمْ يَقُلْ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِيُكَفِّرْ مُقْتَصِرًا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مُخْلِصًا مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ دَائِمًا بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ

الْبَيْعَةِ ا هـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ : وَالْوَجْهُ تَكْذِيبُ النَّاقِلِ فَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ ا هـ .
وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ تَقْلِيدُ رِوَايَاتِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّعَالِيقِ وَغَيْرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيمُهَا لِلْعَوَامِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهَا .
قَالَ الْعَطَّارُ : مِمَّا لَا يَنْبَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ خُصُوصًا فِي الطَّلَاقِ لِمَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَاضْطِرَابِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يَقْضِي بِعَدَمِ تَحْرِيرِ النَّقْلِ وَإِنْ فُرِضَ صِحَّتُهُ فَتَأَمَّلْ ا هـ .
وَقِيلَ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ أَسْبَابًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ شَرْطًا وَجُعِلَ عَدَمُهُ مُؤَثِّرًا فِي الْعَدَمِ كَانَ الشَّأْنُ فِيهِ تَعْجِيلَ النُّطْقِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَضَمَّنْ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ عَمَّا الْمُرَادُ فَهْمُهُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ الْمُرَادِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَخْتَلَّ الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ الشَّأْنُ فِيهِ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفَوِّتُ مَقْصِدًا بِخِلَافِ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَاتَ مَقْصِدٌ فَعَدَمُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَظِيرُ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْإِسْنَادِ يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُمَا ، الْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا قَالَ .
إنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ وَالسَّبَبُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ تَعْجِيلُ النُّطْقِ بِهِ كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ التَّعْجِيلَ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ

مَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا عَلِمْت ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ : أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إنْ أَطَاعُوا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ مَقْصِدٌ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إلَّا زَيْدًا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ لَمْ يَفُتْ مَقْصِدٌ وَتَكُونُ صُورَةُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا : مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ إنَّمَا ذَلِكَ .
بِشَرْطِ أَنْ يُطِيعُوا وَصُورَةُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا : مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَدَعَ مِنْهُمْ زَيْدًا وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ الْحُكْمُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ فَفِي نَحْوِ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ .
قَالَ الْعَطَّارُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ : إنَّ الْقَرَافِيَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْرَبَ : أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ نَعَمْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ فَافْهَمْ ا هـ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوك فَلَا يَجِيءُ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الْأَمْرِ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْلَا هَذَا

الشَّرْطُ لَعَمَّ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الْإِبْطَالَ حَالَةَ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَقَدْ يَقَعُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَقَدْ يَفُوتُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَيَبْطُلُ الْجَمِيعُ وَقَدْ يَفُوتُ فِي الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ حَالَةَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهَا الْإِبْطَالُ لَا لِلْكُلِّ وَلَا لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ يُعَدُّ النَّاطِقُ بِهِ نَادِمًا مُقَدَّمًا عَلَى الْهَذْرِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ الْحُكْمُ الثَّالِثُ يَعُمُّ الشَّرْطُ جَمِيعَ الْجَمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا قِيلَ اتِّفَاقًا وَقِيلَ : عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَصَحُّ هُوَ أَوْلَى بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ ا هـ أَيْ كُلُّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ .
قَالَ الْعَطَّارُ : وَأَمَّا الْمُفْرَدَاتُ فَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِيهَا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَيُعْرَفُ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ فَرْقِ الْمَحَلِّيِّ الْآتِي ا هـ وَلَا يَعُمُّ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْجُمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى قَوْلِ نَحْوِ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْرِمْ الْقَوْمَ وَاخْلَعْ عَلَيْهِمْ .
إلَّا زَيْدًا نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَوْ عَادَ لِجَمِيعِ الْجُمَلِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَلَزِمَ تَوَارُدُ عَوَامِلَ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ نَعَمْ وَجْهُ الشَّافِعِيَّةِ عَوْدُ الْمُسْتَثْنَى الْمُتَأَخِّرِ لِلْجُمَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ مَا قَبْلَ إلَّا لَا إلَّا بِتَقْدِيرِ اسْتِثْنَاءٍ عَقِبَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ وَيَكُونُ حُذِفَ مِنْ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ

الْجَوَامِعِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ قِيلَ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْجُمَلِ تَكْثِيرًا لِمَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَضَمِّنًا لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعُمَّ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَقَالَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرًا لِتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى تَحَقُّقِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِي التَّقْدِيرِ أَيْضًا لِتَوَقُّفِ الْإِخْرَاجِ عَلَى وُجُودِ الْمَخْرَجِ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَوْدِ الشَّرْطِ إلَى الْجَمِيعِ لِتَقَدُّمِهِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِ مَعَ تَأَخُّرِهِ لِأَنَّ لِلتَّقَدُّمِ أَثَرًا فِي عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا يَكُونُ مَا عَدَا الْأُولَى مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ تَقَرَّرَ لَهَا الْجَزَائِيَّةِ وَالْعَطْفُ لِلْمُشَارَكَةِ فَيُنَاسِبُ أَنْ تُشَارِكَهَا فِيمَا ثَبَتَ لَهَا بِخِلَافِ الْأَخِيرَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهَا لَمْ تُعْطَفْ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُذْكَرُ بَعْدَهَا فَلَوْ عَادَ إلَى الْكُلِّ لَصَارَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُشَارِكًا لِلْمَعْطُوفِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَضُعِّفَ بِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ فَقَطْ أَيْ الَّذِي قُصِدَ تَقْيِيدُهُ بِهِ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ قَيْدًا لِبَعْضِ الْجُمَلِ لَا لِكُلِّهَا ا هـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْعَطَّارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ ) فَنَقُولُ : الْحُكْمُ إذَا وَرَدَ مَعَ وَصْفَيْنِ وَمَنَعَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ الْحُكْمِ بِدُونِهِمَا بِأَيِّ طَرِيقٍ يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَبَبٌ وَالْأُخَرُ شَرْطٌ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّوَقُّفِ عَلَيْهِمَا وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ وَالْحَوْلَ شَرْطٌ وَلِمَ لَا عَكَسْتُمْ أَوْ سَوَّيْتُمْ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا يُعْلِمُ بِأَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ وَالسَّبَبُ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ فَإِنَّ النِّصَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغِنَى وَنِعْمَةِ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ وَالْحَوْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُكَمِّلٌ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ وَنَبْسُطُ ذَلِكَ بِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ إذَا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً فِي ذَاتِهَا قُلْنَا : الْجَمِيعُ عِلَّةٌ وَلَا نَجْعَلُ بَعْضَهَا شَرْطًا كَوُرُودِ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ، الْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ .
قُلْنَا : الْمُنَاسِبُ فِي ذَاتِهِ هُوَ السَّبَبُ وَالْمُنَاسِبُ فِي غَيْرِهِ هُوَ الشَّرْطُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ فَهَذَا ضَابِطُ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَحْرِيرِهِ .
قَالَ : ( الْفَرْقُ السَّادِسُ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ صَحِيحٌ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ ) كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ قَالُوا : النِّصَابُ سَبَبُ الزَّكَاةِ وَالْحَوْلُ شَرْطُهَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي تَوَقُّفِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمَا وَانْتِفَائِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَظَرًا لِكَوْنِ السَّبَبِ كَالنِّصَابِ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْغِنَى وَنِعْمَةِ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ وَالشَّرْطُ كَالْحَوْلِ لَيْسَ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُكَمِّلًا لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ يُوَضِّحُ ذَلِكَ قَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ تَارَةً يُرَتِّبُ الْحُكْمَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ تَكُونُ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً فِي ذَاتِهَا كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ رَتَّبَ الشَّارِعُ الْقِصَاصَ عَقِيبَهُمَا فَيُجْعَلُ مَجْمُوعُهُمَا عِلَّةً وَسَبَبًا .
لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَتَارَةً يُرَتِّبُهُ عَقِيبَ أَوْصَافٍ يَكُونُ بَعْضُهَا مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ كَالنِّصَابِ وَالْحَوْلِ رَتَّبَ الشَّارِعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَقِيبَهُمَا فَيُجْعَلُ الْمُنَاسِبُ مِنْهُمَا فِي ذَاتِهِ كَالنِّصَابِ هُوَ السَّبَبُ وَالْمُنَاسِبُ مِنْهُمَا فِي غَيْرِهِ كَالْحَوْلِ هُوَ الشَّرْطُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ ) إذَا وَرَدَ الْحُكْمُ عَقِيبَ أَوْصَافٍ بِمَ يُعْلَمُ أَنَّهَا أَجْزَاءُ عِلَّةٍ أَوْ أَنَّهَا عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَتَّبَ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَصْفٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ قُلْنَا : هِيَ عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ بَالَ وَلَامَسَ وَأَمْذَى فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ اسْتَقَلَّ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ وَكَإِجْبَارِ الْأَبِ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ مُعَلَّلٌ بِالصِّغَرِ وَالْبَكَارَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِجْبَارُ وَإِنْ انْفَرَدَ الصِّغَرُ وَحْدَهُ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ وَأُجْبِرَتْ الصَّغِيرَةُ الثَّيِّبُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَتُجْبَرُ الْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ الْمُعَنَّسَةِ عَلَى الْخِلَافِ .
وَإِنْ وَجَدْنَا صَاحِبَ الشَّرْعِ لَا يُرَتِّبُ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا : هِيَ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَبِهَذَا يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ ضَابِطُهُمَا وَتَحْرِيرُهُمَا .

( الْفَرْقُ السَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ ) وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ وُجُودُ الْمَعْلُولِ كَالْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا هُوَ جُمْلَةٌ أَوْ تَمَامُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ شَيْءٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى عِلَّةً تَامَّةً هُوَ الْعِلَلُ الْمُجْتَمِعَةُ وَمَا لَا يَجِبُ وُجُودُ الْمَعْلُولِ كَالْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ وَرَاءَهُ شَيْءٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى عِلَّةً نَاقِصَةً هِيَ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَاعِدَةُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ فَإِنْ رَتَّبَ صَاحِبُ الشَّرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَصْفٍ مِنْهَا فَهِيَ عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ بَالَ لَامَسَ وَأَمْذَى فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ اسْتَقَلَّ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ وَكَإِجْبَارِ الْأَبِ لِابْنَتِهِ مُعَلِّلًا بِالصِّغَرِ وَالْبَكَارَةِ عَلَى الْخِلَافِ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِجْبَارُ فَتُجْبَرُ الصَّغِيرَةُ الثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ الْمُعَنَّسَةُ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَهِيَ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ .

( الْفَرْقُ الثَّامِنُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عَدَمُهُ فَتَلْتَبِسُ قَاعِدَةُ جُزْءِ الْعِلَّةِ بِقَاعِدَةِ الشَّرْطِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسَبَتُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَجُزْءُ الْعِلَّةِ مُنَاسَبَتُهُ فِي نَفْسِهِ كَجُزْءِ النِّصَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُزْءِ الْغِنَى فِي ذَاتِهِ وَكَأَحَدِ أَوْصَافِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنَاسَبَةِ الْعُقُوبَةِ فِي ذَاتِهِ فَبِهَذَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ ) مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عَدَمُهُ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسَبَتُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَجُزْءِ الْعِلَّةِ مُنَاسَبَتُهُ فِي نَفْسِهِ كَأَحَدِ وَصْفَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنَاسَبَتِهِ الْعُقُوبَةَ فِي ذَاتِهِ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ ) أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَعَدَمُهُ يُوجِبُ الْعَدَمَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا شَرْطٌ وَأَمَّا الْمَانِعُ فَهُوَ قَدْرٌ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْحُكْمَ وَانْتِهَاءَهُ كَالرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ وَيَقْطَعُ اسْتِمْرَارَهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْمَهْدِ وَتَرْضِعَ مِنْ أُمِّهِ فَتَصِيرُ أُخْتُهُ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمُ الثَّانِي يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْحُكْمَ دُونَ اسْتِمْرَارِهِ كَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْعَقْدَ عَلَى الْمُسْتَبْرَأَةِ فَإِنْ طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ بِأَنْ تُكْرَهَ عَلَى الزِّنَى يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الزَّوْجِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الزِّنَى وَلِأَنَّهُ يُلَاعِنُ حِينَئِذٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَى وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةُ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ فَهَذَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ فَقَطْ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ فَيَمْتَنِعُ فِيهِمَا أَوْ بِالثَّانِي فَلَا يَمْتَنِعُ التَّمَادِي بِخِلَافِ الْمُبَادِي وَلَهُ صُوَرٌ : الصُّورَةُ الْأُولَى وُجِدَ أَنَّ الْمَاءَ يَمْنَعُ مِنْ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ .
فَإِنْ طَرَأَ الْمَاءُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يُبْطِلُهَا أَمْ لَا فِيهِ ؟ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الطَّوْلُ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ طَرَأَ الطَّوْلُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِلْأَمَةِ فَهَلْ يُبْطِلُهُ أَمْ لَا ؟ خِلَافٌ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ ابْتِدَاءً فَإِنْ تَقَدَّمَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي زَمَنِ الْحِلِّ ثُمَّ طَرَأَ الْإِحْرَامُ الْمَانِعُ فَهَلْ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِمْرَارِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ؟ خِلَافٌ فَقِيلَ : يَجِبُ إرْسَالُهُ وَقِيلَ : لَا يَجِبُ .

( الْفَرْقُ التَّاسِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ ) وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْحُكْمِ وَعَدَمُهُ يُوجِبُ عَدَمَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا شَرْطٌ وَالْمَانِعُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : مَا يَمْنَعُ وُجُودُهُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالرَّضَاعِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ وَيَقْطَعُ اسْتِمْرَارَهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْمَهْدِ وَتَرْضِعَ مِنْ أُمِّهِ فَتَصِيرُ أُخْتُهُ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَمَا يَمْنَعُ وُجُودُهُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً .
فَقَطْ كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَى الْمُسْتَبْرَأَةِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُكْرَهُ الزَّوْجَةُ عَلَى الزِّنَا فَيَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الزَّوْجِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الزِّنَا وَلِأَنَّهُ يُلَاعِنُ حِينَئِذٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ وُجُودِهِ يَمْنَعُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالْأَوَّلِ أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَالثَّانِي وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ : أَحَدُهَا الْمَاءُ يَمْنَعُ وُجُودَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ إذْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهَا أَمْ لَا فَلَا يُبْطِلُهَا خِلَافٌ ، الثَّانِيَةُ الطَّوْلُ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهُ أَوْ لَا فَلَا يُبْطِلُهُ خِلَافٌ ، الثَّالِثَةُ الْإِحْرَامُ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ إذَا طَرَأَ عَلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي زَمَنِ الْحِلِّ فَيَجِبُ إرْسَالُهُ أَمْ لَا فَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ خِلَافٌ .

( الْفَرْقُ الْعَاشِرُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ ) فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ يُعْتَبَرُ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ وَوُجُودُ الشَّرْطِ أَيْضًا مُعْتَبَرٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ الْحُكْمُ فَقَدْ يُعْدَمُ الْحَيْضُ وَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَيُعْدَمُ الدَّيْنُ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَجْلِ الْإِغْمَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ النِّصَابِ فِي الثَّانِي وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُهُ مِنْ فَقْدِهِ أَنَّهُ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَهُمَا فِي غَايَةِ الِالْتِبَاسِ وَلِذَلِكَ لَمْ أَجِدْ فَقِيهًا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَظْهَرُ بِتَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مَلْغِيٌّ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ حُكْمًا أَوْ فِي الشَّرْطِ لَمْ نُرَتِّبْ الْحُكْمَ أَيْضًا أَوْ فِي الْمَانِعِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا بَقِيَتْ الْعِصْمَةُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ هُوَ سَبَبُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ وَقَدْ شَكَكْنَا فِيهِ فَتُسْتَصْحَبُ الْحَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَإِذَا شَكَكْنَا هَلْ زَالَتْ الشَّمْسُ أَمْ لَا لَا تَجِبُ الظُّهْرُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا الشَّرْطُ فَكَمَا إذَا شَكَكْنَا فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّا لَا نُقْدِمُ عَلَى الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمَانِعُ فَكَمَا إذَا شَكَكْنَا فِي أَنَّ زَيْدًا قَبْلَ وَفَاتِهِ ارْتَدَّ أَمْ لَا فَإِنَّا نُوَرِّثُ مِنْهُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ وَقَدْ شَكَكْنَا فِيهِ فَنُوَرِّثُ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ الَّذِي يُجْزَمُ بِعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْت : كَيْفَ تَدَّعِي الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَذْهَبُك أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الطَّهَارَةِ أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ فَلِمَ يُجْعَلُ مِلْكُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ

الْعَدَمِ بَلْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِي اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
قُلْت : الْقَاعِدَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ هُنَا عَلَى مُخَالَفَتِهَا لِأَجْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِهَا وَبَيَانُ هَذَا الْكَلَام مَعَ أَنَّهُ مُسْتَغْلِقٌ مُتَنَاقِضُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَاءَةُ لِلذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ إجْمَاعًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ ضَرُورَةً فَالشَّكُّ فِي الطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ سَبَبًا مُبَرِّئًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ سَبَبًا مُبَرِّئًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَدَثَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا مَشْكُوكًا فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَزْمُ بِمُخَالَفَتِهَا وَأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا يُسَاعِدُ عَلَى إعْمَالِهَا وَاعْتِبَارِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَمَالِكٌ خَالَفَهَا فِي الْحَدَثِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ .
لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ وَالصَّلَاةَ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ فَكَانَتْ الْعِنَايَةُ بِالصَّلَاةِ وَإِلْغَاءُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُبَرِّئُ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِلْغَاءِ الْحَدَثِ الْوَاقِعِ لَهَا فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَزْمًا فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى

مُخَالَفَتِهَا لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا مِنْ أَيِّ الْوُجُوهِ أَوْلَى وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ فِي مُخَالَفَتِهَا فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْقَاعِدَةَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ لِمُخَالَفَتِهَا فِي هَذَا الْفَرْعِ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاعَاتُهَا فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ لَوْ كَانَ عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطًا لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِيمَا إذَا شَكَكْنَا فِي طَرَيَان الْمَانِعِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَمَنْ شَكَّ فِي وُجُودِ زَيْدٍ فِي الدَّارِ فَقَدْ شَكَّ فِي عَدَمِهِ مِنْ الدَّارِ بِالضَّرُورَةِ فَالشَّكُّ فِي أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ فَقَدْ شَكَكْنَا فِي عَدَمِهِ بِالضَّرُورَةِ وَعَدَمُهُ شَرْطٌ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ .
فَنَقُولُ : قَدْ شَكَكْنَا فِي الشَّرْطِ أَيْضًا فَإِذَا اجْتَمَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ وَالشَّرْطُ اقْتَضَى شَكُّنَا فِي الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمَانِعِ أَنْ لَا نُرَتِّبَ الْحُكْمَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاقْتَضَى شَكُّنَا فِي الْمَانِعِ أَنْ نُرَتِّبَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاعِدَةِ فَنُرَتِّبُ الْحُكْمَ وَلَا نُرَتِّبُهُ وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَإِنَّمَا جَاءَنَا هَذَا الْمُحَالُ مِنْ اعْتِقَادِنَا أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطٌ فَيَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِذَا كَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .

( الْفَرْقُ الْعَاشِرُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ ) مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ مُعْتَبَرٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِعَدَمِهِ لَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْإِغْمَاءِ وَأَنَّ عَدَمَ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا تَجِبُ بِهِ لِعَدَمِ النِّصَابِ فَكُلٌّ مِنْ عَدَمِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ الْحَيْضِ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ فِقْدَانِهِ الْعَدَمُ فَهُمَا فِي غَايَةِ الِالْتِبَاسِ حَتَّى أَنَّك لَا تَجِدُ فَقِيهًا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ : عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضِينَ فِيمَا إذَا شَكَكْنَا فِي طُرُوءِ الْمَانِعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ النَّقِيضِينَ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ فَقَدْ شَكَكْنَا فِي عَدَمِهِ بِالضَّرُورَةِ وَعَدَمُهُ شَرْطٌ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ فَيَجْتَمِعُ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ وَالشَّرْطُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مُلْغًى فِي الشَّرِيعَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي الشَّرْطِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ حُكْمًا أَوْ فِي الْمَانِعِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ فَإِذَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ زَوَالَهَا بَلْ نَسْتَصْحِبُ الْحَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَكَذَا الشَّكُّ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الظُّهْرِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَإِذَا شَكَكْنَنَا فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَمْ نُقَدِّمْ عَلَى الصَّلَاةِ .
وَإِذَا شَكَكْنَا فِي رِدَّةِ زَيْدٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ فَإِنَّا نُلْغِي مَنْعَ الْكُفْرِ مِنْ الْإِرْثِ وَنُوَرِّثُ مِنْهُ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ أَنْ نُرَتِّبَ الْحُكْمَ وَلَا نُرَتِّبَهُ .
وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ

النَّقِيضَيْنِ فَبَطَلَ اعْتِقَادُ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَوَجَبَ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ مَحَلُّ مُرَاعَاةِ قَاعِدَةِ إلْغَاءِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ إجْمَاعًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ إذَا لَمْ تَتَعَذَّرْ مُرَاعَاتُهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَذَلِكَ كَمَا فِي فَرْعِ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الطَّهَارَةِ أَوْجَبَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ كَالطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ ضَرُورَةً كَالصَّلَاةِ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَاءَةُ لِلذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ إجْمَاعًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا بِسَبَبِ الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ وَجَعَلْنَاهَا سَبَبًا مُبَرِّئًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ إلْغَاءِ كُلِّ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَدَثَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا مَشْكُوكًا فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَيْضًا فَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَزْمُ بِمُخَالَفَتِهَا وَأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا يُسَاعِدُ عَلَى إعْمَالِهَا وَاعْتِبَارِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَمَالِكٌ خَالَفَهَا فِي الْحَدَثِ الرَّافِعِ لِلطَّهَارَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ لَمَّا

تَعَيَّنَتْ الْمُخَالَفَةُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ .
وَكَانَتْ الطَّهَارَةُ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ وَالصَّلَاةُ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ كَانَتْ الْعِنَايَةُ بِالصَّلَاةِ وَإِلْغَاءُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُبَرِّئُ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِلْغَاءِ الْحَدَثِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ الرَّافِعِ لَهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ لِمُخَالَفَتِهَا فِي هَذَا الْفَرْعِ لِتَعَذُّرِ مُرَاعَاتِهَا فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي أَيِّ الْوُجُوهِ أَوْلَى وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ فِي مُخَالَفَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ ) بِنَصْبِ الْمِثَالِ وَتَحْقِيقِ الْبَحْثِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ وَحَرُمْت عَلَيْهِ بِهِ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ أَيْضًا فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَإِذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظُهْرِ أُمِّي لَمْ يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ تَحْرِيمُهَا بِالطَّلَاقِ فَهُوَ صَادِقٌ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِكَذِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ تَقَدَّمَ التَّحْرِيمُ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَرْتِيبِ الْمَشْرُوطَاتِ مَعَ الشُّرُوطِ وَتَرْتِيبِ الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَدَخَلَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَا الْعِتْقُ قَبْلَ الطَّلَاقِ بَلْ وَقَعَا مُرَتَّبَيْنِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ دُخُولُ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لَجَزَمْنَا أَنَّهُ طَلَّقَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَنَّ الْعِتْقَ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ تَقْدِيمَ سَبَبِ الْعِتْقِ هُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ اقْتَضَى تَقَدُّمَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ مُسَبِّبُهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا نَقُولُ إنَّ الطَّلَاقَ تَقَدَّمَ عَلَى الظِّهَارِ حَتَّى نَمْنَعَهُ بَلْ الشَّرْطُ اقْتَضَاهُمَا اقْتِضَاءً وَاحِدًا فَلَا تَرْتِيبَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ

عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَقَدَّمَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَقَضَيْنَا بِتَقَدُّمِهِ عَلَى الظِّهَارِ فَمَنَعَهُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَرَتُّبِ أَجْزَاءِ الشَّرْطِ وَمُسَبِّبَاتِ الْأَسْبَابِ وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْمَشْرُوطَاتِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ الْمُسَبِّبَاتُ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ لَا الْمُسَبِّبَاتُ لِأَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ كَمَا نَقُولُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَذَا اللَّفْظُ سَبَبُ تَحْرِيمِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَسَبَبٌ لِإِبَاحَةِ أُخْتِهَا وَلَا نَقُولُ إنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بَعْدَهُ .
قَالَ ( الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ ) قُلْت : جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ تَحْرِيمُهَا بِالطَّلَاقِ فَهُوَ صَادِقٌ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِكَذِبِهِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ .
مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِيهِ نَظَرٌ .

( الْفَرْقُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ ) وَهُوَ أَنَّ الْمَشْرُوطَاتِ الْمُتَعَدِّدَةَ لِشَرْطٍ وَاحِدٍ إنَّمَا يَقْتَضِيهَا اقْتِضَاءً وَاحِدًا بِحَيْثُ لَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بَيْنَهَا فَهِيَ نَظِيرُ الْمُسَبِّبَاتِ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَكَمَا تَقُولُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنَّ هَذَا اللَّفْظَ سَبَبُ تَحْرِيمِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَسَبَبٌ لِإِبَاحَةِ أُخْتِهَا وَلَا نَقُولُ : إنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ نَقُولُ إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِهِ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ أَيْضًا فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلَا نَقُولُ : إنَّ الطَّلَاقَ تَقَدَّمَ عَلَى الظِّهَارِ حَتَّى نَمْنَعَهُ بِخِلَافِ الْمُسَبِّبَاتِ لِأَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّا نَقُولُ فِيهِ : إنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَمَّا تَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِ الْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ الظِّهَارُ اقْتَضَى أَنْ نَقْضِيَ بِعَدَمِ لُزُومِ الظِّهَارِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ تَحْرِيمُهَا بِالطَّلَاقِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إمَّا لِأَنَّ الظِّهَارَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا بِنَاءً عَلَى مَا لِلْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ صِيغَتَهُ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ أَنَّ صِيغَتَهُ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ ) قَدْ الْتَبَسَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَوَقَعَتْ مَبَاحِثُ رَدِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى اللَّبْسِ بَيْنَهُمَا وَتَقْرِيرُ الْفَرْقِ أَنَّ الزَّمَانَ أَجْزَاؤُهُ سَيَّالَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ بِذَاتِهَا عَقْلًا مُسْتَحِيلَةُ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ أَمْسُ الدَّابِرُ مَعَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ وَلَا أَوَّلُ النَّهَارِ مَعَ آخِرِهِ وَلَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ الزَّمَانِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ مُرَتَّبُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَفْعَالُ وَالْأَقْوَالُ وَاقِعَةٌ فِي الزَّمَانِ وَمُنْقَسِمَةٌ عَلَى أَجْزَائِهِ فَالْوَاقِعُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي الْحَاضِرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَاضِي وَمُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ أَنَّهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَظَهَرَ أَنَّ تَرْتِيبَ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ يَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا وَأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمُرَتَّبِ مُرَتَّبٌ عَقْلًا لَا بِوَضْعٍ لُغَوِيٍّ اقْتَضَى ذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ الصِّرْفِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَهُوَ بِالْفَاءِ وَثُمَّ وَحَتَّى وَالسِّينِ وَسَوْفَ وَلَمْ وَلَا وَلَنْ وَمَا وَنَحْوِهَا .
فَإِذَا قُلْت : قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى قِيَامِ عَمْرٍو أَوْ ثُمَّ عَمْرٌو فَكَذَلِكَ مَعَ تَرَاخٍ أَوْ قَامَ الْقَوْمُ حَتَّى عَمْرٌو يَقْتَضِي أَيْضًا تَأَخُّرَ قِيَامِ عَمْرٍو بِسَبَبِ أَنَّ حَتَّى حَرْفُ غَايَةٍ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ ثُمَّ يَصِلَ

إلَيْهَا كَقَوْلِك سِرْت حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَالسَّيْرُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَكَرِّرٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ شَأْنُ جَمِيعِ الْغَايَاتِ وَإِذَا كَانَ قِيَامُ عَمْرٍو غَايَةً وَغَايَةُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً وَإِذَا قُلْت سَيَقُومُ زَيْدٌ وَسَوْفَ يَقُومُ عَمْرٌو وَكَانَ قِيَامُ زَيْدٍ قَبْلَ قِيَامِ عَمْرٍو وَعَمْرٌو بَعْدَهُ لِأَنَّ سَوْفَ أَكْثَرُ تَنْفِيسًا مِنْ السِّينِ وَإِذَا قُلْت : لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا يَقُومُ عَمْرٌو وَلَنْ يَقُومَ كَانَ عَدَمُ قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْمَاضِي وَعَدَمُ قِيَامِ عَمْرٍو فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ تَرَتَّبَ الْعَدَمانِ بِسَبَبِ أَنَّ لَنْ وَلَا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ وَلَمَّا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمَاضِي وَمَا وَلَيْسَ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْحَالِ وَلَمَّا كَانَ الْمَاضِي وَالْحَالُ وَالْمُسْتَقْبَلُ مُتَرَتِّبَةً كَانَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِ الْعَدَمِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا دَالًّا عَلَى التَّرْتِيبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِهِ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَرُبَّمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ اللُّغَاتُ وَرُبَّمَا تَبَدَّلَتْ بِالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَالْعَقْلُ لَا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَلَا التَّبَدُّلَ إذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَأَذْكُرُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ دَالَّةً عَلَى هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَأُوَجِّهُ الصَّوَابَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَمَنْ وَافَقَ الْقَوَاعِدَ وَمَنْ خَالَفَهَا .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَاتَّفَقَ الْإِمَامَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ

وَاحِدَةٌ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَفِي النَّسَقِ بِالْوَاوِ إشْكَالٌ فَحَصَلَ لَهُ فِيهَا تَوَقُّفٌ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ أَلْزَمَ فِي الْوَاوِ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الْحَقُّ بِسَبَبِ أَنَّ الزَّمَانَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَقَدْ بَانَتْ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى قَبْلَ نُطْقِهِ بِالطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَلْزَمُ لِأَجْلِ الْبَيْنُونَةِ كَمَا لَوْ قَالَ : فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ فِي الْوَاوِ حِينَئِذٍ إشْكَالٌ أَصْلًا بَلْ نَجْزِمُ بِتَقَدُّمِ مَا نَطَقَ بِهِ قَبْلَهَا عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ بَعْدَهَا فَتَبِينُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الْأُولَى الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ دُونَ الْمَعْطُوفَةِ بِالْوَاوِ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ الَّذِي لَا تَسَعُ مُخَالَفَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ طَلَّقَ بِالْأُولَى ثَلَاثًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بَعْدَهُ ذَلِكَ أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الثَّلَاثَ تُعْتَبَرُ بِاتِّفَاقٍ وَيَلْزَمُكُمْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ تَبِينَ فَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا شَيْءٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُمْ نَوَى ثُمَّ فَسَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ إنْ نَوَى انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ عَلَى لُزُومِ مَا نَوَاهُ فَهَذَا الْمُدْرَكُ بَاطِلٌ قَطْعًا .
وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ مَعَ عَدَمِ نِيَّتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَبَاطِلٌ أَيْضًا بِسَبَبِ فَرْقٍ عَظِيمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لُغَوِيَّةٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إذَا لَحِقَ لَفْظًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَارَ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَشَرَةُ مُثُلٍ : ( الْمِثَالُ الْأَوَّلُ ) إذَا قَالَ : لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَانِيَةٌ مَعَ أَنَّ

الْأَقَارِيرَ عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي غَايَةِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا النِّيَّاتُ وَلَا الْمَجَازَاتُ وَمَا سَبَّبَهُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَحِقَهُ قَوْلُهُ إلَّا اثْنَيْنِ وَهُوَ كَلَامٌ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ إقْرَارًا بِالثَّمَانِيَةِ فَقَطْ وَلَغَا اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ .
( الْمِثَالُ الثَّانِي ) قَوْلُ الْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا عَامٌّ فِي ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ كَتَّانًا وَصَفَ الْعُمُومَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْصِيصِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ اخْتَصَّ الْحِنْثُ بِثِيَابِ الْكَتَّانِ وَحْدَهَا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَحِقَهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَصَارَ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ لَا يُفِيدُ إلَّا ثِيَابَ الْكَتَّانِ وَغَيْرُ ثِيَابِ الْكَتَّانِ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا ( الْمِثَالُ الثَّالِثُ ) قَوْلُ الْقَائِلِ : وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي حَقِّي فَأَعْطَاهُ حَقَّهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا كَلَّمْتُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْأَزْمَانِ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ فَقَدْ لَحِقَهُ قَوْلُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي حَقِّي وَهُوَ لَفْظٌ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فَلَمَّا لَحِقَ مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَلَامِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَقَطْ وَمَا عَدَاهَا لَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ أَلْبَتَّةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
( الْمِثَالُ الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ وَاَللَّهِ : لَا كَلَّمْتُك إنْ جِئْتِنِي فِي الدَّارِ

أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلدَّارِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ كَلَامًا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ .
( الْمِثَالُ الْخَامِسُ ) لَوْ قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَاخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِرَمَضَانَ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَيُقَيِّدْ بِهِ لَقُتِلُوا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَجْرُورَ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَخَصَّصَهُ .
( الْمِثَالُ السَّادِسُ ) لَوْ قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أَمَامَ زَيْدٍ لَاخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِتِلْكَ الْجِهَةِ وَمَنْ وُجِدَ فِي غَيْرِهَا لَا يُقْتَلُ أَلْبَتَّةَ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ .
( الْمِثَالُ السَّابِعُ ) لَوْ قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً لَاخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِحَالَةِ الْعُرْيِ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لَقُتِلُوا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ .
( الْمِثَالُ الثَّامِنُ ) لِيُقْتَلْ الْمُشْرِكُونَ وَزَيْدٌ أَيْ مَعَ زَيْدٍ فَلَا يُقْتَلُونَ إلَّا إذَا وُجِدُوا مَعَهُ وَاللَّفْظُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي قَتْلَهُمْ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ .
( الْمِثَالُ التَّاسِعُ ) اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إذْهَابًا لِغَيْظِكُمْ فَلَا يُقْتَلُونَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا بِدُونِهَا وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يُقْتَلُونَ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ .
( الْمِثَالُ الْعَاشِرُ ) اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَيَمْتَنِعُ قَتْلُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الظَّرْفِ وَكَانُوا يُقْتَلُونَ قَبْلَ هَذَا الْقَيْدِ فِي جَمِيعِ الظُّرُوفِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ

الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْبَدَلُ وَالتَّمْيِيزُ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ الشَّرْطُ وَالْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالصِّفَةُ وَظَرْفُ الزَّمَانِ وَظَرْفُ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورُ وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ وَالْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ وَالْحَالُ وَالْبَدَلُ وَالتَّمْيِيزُ فَإِذَا وَضَحَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِمِثْلِهَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَبِينُ قَبْلَ النُّطْقِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ الثَّانِي مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا يُكَرُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْإِيقَافِ وَالْإِبْطَالِ فَتَبِينُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَثْبُتُ الْقِيَاسُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي لَوْ قَضَى بِهَا قَاضٍ لَنُقِضَ قَضَاؤُهُ وَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِوُضُوحِ بُطْلَانِهَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) مَا يُرْوَى { أَنَّ خَطِيبًا قَالَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمِنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ } اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَتِّبَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَأَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ اللَّهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَانِيًا فَيَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِالتَّقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ فَاتَ بِسَبَبِ جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالْوَاوِ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ { إنَّ الصَّفَّا

وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } قَالَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ صَرَّحَتْ بِالتَّقْدِيمِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلِمَ قَالَ هَذَا الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ مُضَافَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَاوِ .
قَالَ : ( الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مِثْلِ قَاعِدَةِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ لَهُ عَشَرَةَ مِثْلٍ فَذَكَرَهَا لَكِنَّهُ زَادَ عِنْدَ تَعْدَادِهَا التَّمْيِيزَ وَالْبَدَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالَيْهِمَا .

( الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ ) وَهُوَ أَنَّ التَّرْتِيبَ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ كَالْفَاءِ وَثُمَّ وَحَتَّى وَالسِّينِ وَسَوْفَ وَلَمْ وَلَا وَلَنْ وَمَا وَنَحْوِهَا لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِهِ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ فِيهِ اللُّغَاتُ وَرُبَّمَا تَبَدَّلَتْ بِالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ فَإِنَّهُ بِالْعَقْلِ الصِّرْفِ فَيَقْتَضِي تَرْتِيبُ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا تَرْتِيبًا لَا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَلَا التَّبَدُّلَ لِأَنَّ الزَّمَانَ أَجْزَاؤُهُ سَيَّالَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ بِذَاتِهَا عَقْلًا مُسْتَحِيلَةُ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ أَمْسُ الدَّابِرُ مَعَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ وَلَا أَوَّلُ النَّهَارِ مَعَ آخِرِهِ وَلَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَفْعَالُ وَالْأَقْوَالُ وَاقِعَةٌ فِي الزَّمَانِ وَمُنْقَسِمَةٌ عَلَى أَجْزَائِهِ .
فَإِذَا اشْتَمَلَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيَقْتَضِي التَّرْتِيبُ الْمُسْتَفَادُ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا تَرْتِيبًا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَالتَّبَدُّلَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَتَبَدُّلِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ فَإِذَا قُلْت : قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى قِيَامِ عَمْرٍو أَوْ ثُمَّ عَمْرٌو فَكَذَلِكَ مَعَ تَرَاخٍ أَوْ قَامَ الْقَوْمُ حَتَّى عَمْرٍو اقْتَضَى أَيْضًا تَأَخُّرَ قِيَامِ عَمْرٍو بِسَبَبِ أَنَّ حَتَّى حَرْفُ غَايَةٍ بِمَعْنَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا غَايَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ ثُمَّ يَصِلُ إلَيْهَا مَثَلًا

السَّيْرُ فِي قَوْلِك سِرْت حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَكَرِّرٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِذَا كَانَ قِيَامُ عَمْرٍو غَايَةً وَغَايَةُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً وَإِذَا قُلْت : سَيَقُومُ زَيْدٌ وَسَوْفَ يَقُومُ عَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ قَبْلَ قِيَامِ عَمْرٍو لِأَنَّ سَوْفَ أَكْثَرُ تَنْفِيسًا مِنْ السِّينِ وَإِذَا قُلْت : لَمْ أَوْ لَمَّا يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا يَقُومُ عَمْرٌو أَوْ لَنْ يَقُومَ كَانَ عَدَمُ قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْمَاضِي وَعَدَمُ قِيَامِ عَمْرٍو فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ أَنَّ لَمْ وَلَمَّا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمَاضِي وَلَا وَلَنْ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا وَلَيْسَ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْحَالِ وَالْمَاضِي وَالْحَالُ وَالْمُسْتَقْبَلُ مُتَرَتِّبَةٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِ الْعَدَمِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا دَالًّا عَلَى التَّرْتِيبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ ( وَصْلٌ ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ يَتَّضِحُ بِهَا هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي لُزُومِ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَ النَّسَقِ بِالْوَاوِ أَيْضًا وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي لُزُومِ الْوَاحِدَةِ أَوْ التَّعَدُّدِ مَعَ الْوَاوِ كَمَا أَنَّهُ قَالَ : بِلُزُومِ الثَّلَاثِ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا عَطْفٍ أَصْلًا وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ قَائِلًا : لَا يَلْزَمُهُ إذًا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ بِسَبَبِ أَنَّ الزَّمَانَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَتَبِينُ بِالْأُولَى وَلَا يَلْزَمُ بِمَا بَعْدَهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا لِأَجْلِ الْبَيْنُونَةِ سَوَاءً كَانَ مَا بَعْدَهَا بِلَا عَطْفٍ أَوْ مَعْطُوفًا بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ أَوْ الْوَاوِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِي

الْوَاوِ أَصْلًا بَلْ نَجْزِمُ بِتَقَدُّمِ مَا نَطَقَ بِهِ أَوَّلًا وَلُزُومِ الْبَيْنُونَةِ بِهِ وَإِلْغَاءِ مَا بَعْدُ مُطْلَقًا وَتَوْجِيهُ الْأَصْحَابِ قَوْلُ إمَامِنَا بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ بِالْأُولَى ثَلَاثًا ثُمَّ فَسَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الثَّلَاثَ تُعْتَبَرُ بِاتِّفَاقٍ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا شَيْءٌ مَدْفُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُمْ نَوَى ثُمَّ فَسَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ إنْ نَوَى انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ عَلَى لُزُومِ مَا نَوَاهُ مِنْ تَأْسِيسٍ أَوْ تَأْكِيدٍ أَمَّا الثَّانِي فَقِيَاسٌ بَاطِلٌ بِسَبَبِ فَرْقٍ عَظِيمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لُغَوِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ كَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ وَظَرْفِ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورِ وَالْمَفْعُولِ مَعَهُ وَالْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ وَالْحَالِ وَالْبَدَلِ وَالتَّمْيِيزِ إذَا لَحِقَ لَفْظًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَارَ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلدَّارِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
وَإِنْ كَانَ كَلَامًا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي حَقِّي وَهُوَ لَفْظٌ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فَلَمَّا لَحِقَ مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَلَامِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَقَطْ وَمَا عَدَاهَا لَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ أَلْبَتَّةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ

وَإِذَا قَالَ : لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَانِيَةٌ مَعَ أَنَّ الْأَقَارِيرَ عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي غَايَةِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا النِّيَّاتُ وَلَا الْمَجَازَاتُ وَمَا سَبَبُ عَدَمِ لُزُومِ غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَهُ مَا لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا اثْنَيْنِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ إقْرَارًا بِالثَّمَانِيَةِ فَقَطْ وَلِغَايَةِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَإِذَا قَالَ : لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا عَامٌّ فِي ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ كَتَّانًا بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ اخْتَصَّ الْحِنْثُ بِثِيَابِ الْكَتَّانِ وَحْدَهَا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَحِقَهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ لَا يُفِيدُ إلَّا ثِيَابَ الْكَتَّانِ وَغَيْرَ ثِيَابِ الْكَتَّانِ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا .
وَإِذَا قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ طُلُوعَ الْفَجْرِ امْتَنَعَ قَتْلُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ وَإِنْ كَانُوا قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِهِ يُقْتَلُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أَمَامَ زَيْدٍ اخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِتِلْكَ الْجِهَةِ فَلَا يُقْتَلُ مَنْ وُجِدَ فِي غَيْرِهَا أَلْبَتَّةَ نَظَرًا لِكَوْنِ مَا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسٍ وَهُوَ ظَرْفُ الْمَكَانِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ اخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِرَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَجْرُورَ وَهُوَ غَيْرُ

مُسْتَقِلٍّ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَخَصَّصَهُ وَإِذَا قَالَ : لِيُقْتَلْ الْمُشْرِكُونَ وَزَيْدًا أَيْ مَعَ زَيْدٍ فَلَا يُقْتَلُونَ إلَّا إذَا وُجِدُوا مَعَهُ وَاللَّفْظُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي قَتْلَهُمْ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إذْهَابًا لِغَيْظِكُمْ فَلَا يُقْتَلُونَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُقْتَلُونَ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً اخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِحَالَةِ الْعُرْيِ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لَقُتِلُوا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ : اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةَ النَّارِ اخْتَصَّ الْقَتْلُ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ لَمَّا لَحِقَهُ الْبَدَلُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ .
وَإِذَا قَالَ : لَهُ عِنْدِي عِشْرُونَ رُمَّانَةً لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ الرُّمَّانِ بَلْ مِنْ الرُّمَّانِ خَاصَّةً بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ لَمَّا لَحِقَهُ التَّمْيِيزُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ فِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ الْمُبَيِّنَ لِلنَّوْعِ أَوْ لِلْعَدَدِ فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا مَفْعُولًا مُطْلَقًا مُبَيِّنًا لِعَدَدِ طَالِقٍ وَهُوَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَصَيَّرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَبِينُ بِهِ قَبْلَ النُّطْقِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الثَّانِيَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا

يَكِرُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْإِبْطَالِ فَتَبِينُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَثْبُتُ الْقِيَاسُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي لَوْ قَضَى بِهَا قَاضٍ لَنُقِضَ قَضَاؤُهُ وَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِوُضُوحِ بُطْلَانِهَا .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا دَلِيلَ لِمَنْ يَقُولُ : الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ فِيمَا يُرْوَى أَنَّ { خَطِيبًا قَالَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ } لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَتِّبَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَأَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ اللَّهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثَانِيًا فَيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ بِالتَّقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ فَاتَ بِسَبَبِ جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا كَمَا نَطَقَ بِهَا فِي قَوْلِهِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ فَافْهَمْ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْمُقْرِي : سَمِعْت الْأَيْلِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ يَقُولُ إنَّ خَطِيبًا بِتِلْمِسَانَ يَقُولُ فِي خُطَبِهِ : مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشِدَ بِالْكَسْرِ وَكَانَ الطَّلَبَةُ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ فَلَمَّا قَفَلْت مِنْ رِحْلَتِي تِلْكَ دَخَلْت عَلَى الْأُسْتَاذِ ابْنِ أَبِي الرَّبِيعِ بِسِبْتَةَ فَهَنَّأَنِي بِالْقُدُومِ وَقَالَ لِي فِيمَا قَالَ : رَشَدْت يَا ابْنَ رَشِيدٍ وَرَشِدْت لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ حَكَاهُمَا يَعْقُوبُ فِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ : الْمُقْرِي وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِلرَّجُلَيْنِ أَوْ

الثَّلَاثَةِ ا هـ نَقَلَهُ التَّنْبَكْتِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الدِّيبَاجِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) لَا حُجَّةَ لِمَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ فِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ { إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ صَرَّحَتْ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلِمَ قَالَ هَذَا الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْبَدَاءَةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَاوِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْقِيقُهُ بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ ) فَنَقُولُ : الْأَفْعَالُ قِسْمَانِ : مِنْهَا مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَالْمُثُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَالنَّازِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَا يُحَصِّلُ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ وَكَذَلِكَ كِسْوَةُ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامُ الْجِيعَانِ وَنَحْوُهُمَا فَهَذَا ضَابِطُ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبِهِ تُعْرَفَانِ وَأَذْكُرُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) أَنَّ الْكِفَايَةَ وَالْأَعْيَانَ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ فَهَذِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ لَا وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا .
فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ تِلْكَ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْأُخْرَى سَقَطَ الْفِعْلُ عَنْهُمَا سُؤَالٌ إذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَرِّرًا

عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَكَيْفَ سَقَطَ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَقَعُ فِي الْفِعْلِ الْبَدَنِيِّ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ جَوَابُهُ أَنَّ السُّقُوطَ هُنَا لَيْسَ بِنِيَابَةِ الْغَيْرِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِي الْقَاعِدَةِ بَلْ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا شَالَ زَيْدٌ الْغَرِيقَ سَقَطَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَحِكْمَةٍ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حِفْظُ حَيَاةِ الْغَرِيقِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَمْ تَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ حِكْمَةٌ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَهَذَا هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ لَا النِّيَابَةُ وَالتَّسْوِيَةُ فَسَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ الْفَاعِلِ فِعْلُهُ وَعَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَغَيْرِ الْفَاعِلِ فَمَا ذَلِكَ إلَّا فِي مَعْنَى السُّقُوطِ لَا فِي الثَّوَابِ بَلْ الْفَاعِلُ يُثَابُ وَغَيْرُ الْفَاعِلِ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ أَلْبَتَّةَ نَعَمْ إنْ كَانَ نَوَى الْفِعْلَ فَلَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) نَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ وَقَدْ كَانَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ يَقَعُ فِعْلُهُ فَرْضًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَطَرَدَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ كَمَنْ يَلْحَقُ بِمُجَهِّزِ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَبِالسَّاعِينَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْ الطُّلَّابِ فَإِنَّ ذَلِكَ الطَّالِبَ يَقَعُ فِعْلُهُ وَاجِبًا وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوبِ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدُ وَمَا وَقَعَتْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَيَخْتَلِفُ

ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ مَسَاعِيهمْ .
( سُؤَالٌ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقْضٌ كَبِيرٌ عَلَى حَدِّ الْوَاجِبِ بِأَيِّ حَدٍّ حَدَّدْتُمُوهُ فَإِنَّ هَذَا اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ إجْمَاعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَلَا لَوْمٍ وَلَا اسْتِحْقَاقِ عِقَابٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَصَفْتُمْ فِعْلَهُ بِالْوُجُوبِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِهِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ حُدُودَ الْوَاجِبِ كُلَّهَا وَهَذَا سُؤَالٌ صَعْبٌ فَيَلْزَمُ إمَّا بُطْلَانُ تِلْكَ الْحُدُودِ أَوْ بُطْلَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَالْكُلُّ صَعْبٌ جِدًّا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ نَقُولَ : الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَشْرُوطٌ بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ فَلَا جَرَمَ إنْ تَرَكَ مَعَ الِاجْتِمَاعِ أَثِمَ وَالتَّرْكُ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ وَالْعِقَابُ حِينَئِذٍ مُتَحَقِّقٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمَشْرُوطَ بِشَرْطٍ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا .
عَنْهُمْ يَكُونُ شَرْطُ الْوُجُوبِ مَفْقُودًا فَيَذْهَبُ الْوُجُوبُ وَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مَشْرُوطًا بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَمَفْقُودًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ كَمَا تَقُولُ لِزَيْدٍ : إنْ اتَّصَلَتْ بِعِصْمَةِ امْرَأَتِك أَوْ بِقَرَابَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْك النَّفَقَةُ .
وَإِنْ انْفَصَلْت مِنْهَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فَإِنْ عَاوَدْتَهَا وَجَبَتْ وَإِنْ فَارَقْتَهَا سَقَطَتْ كَذَلِكَ أَيْضًا هَاهُنَا مَتَى اجْتَمَعَ مَعَ الْقَوْمِ الْخَارِجِينَ لِلْجِهَادِ تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُمْ قُلْنَا لَك ذَلِكَ فَإِذَا فَارَقَهُمْ بَطَلَ الْوُجُوبُ كَذَلِكَ أَبَدًا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَالسُّؤَالُ جَيِّدٌ وَالْجَوَابُ جَيِّدٌ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) مُقْتَضَى مَا قَرَرْتُمْ مِنْ ضَابِطِ قَاعِدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَاعِدَةِ فَرْضِ الْأَعْيَانِ أَنْ لَا تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَأَنْ تُشْرَعَ إعَادَتُهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْمَغْفِرَةُ

لِلْمَيِّتِ وَلَمْ تَحْصُلْ بِالْقَطْعِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَصْلَحَةَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إمَّا الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا أَوْ قَطْعًا وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِتَعَذُّرِهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ فَانْدَرَجَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ وَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ مُعْتَمَدُ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ : مَالِكٌ وَلَمْ تَبْقَ إلَّا مَصْلَحَةُ تَكْثِيرِ الدُّعَاءِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ نَدْبِيَّةٌ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسَاعِدُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً وَلَا تَقَعُ مَنْدُوبَةً أَصْلًا فَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ تَعَذُّرُ النَّدْبِ فِيهَا حُجَّةً عَلَيْهِ .
قَالَ : ( الْفَرْقُ الثَّالِثُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ : فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ : يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ إمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدَّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ وَغَيْرَ إطْلَاقِهِ لَفْظَ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ اللَّفْظَ مَجَازًا فَهُوَ صَحِيحٌ .

( الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَتَحْقِيقُهُ بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ ) وَذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٍ أَيْ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ أَيْ يُقْصَدُ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ إلَّا بِالتَّبَعِ لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ فَاعِلٍ سَوَاءً كَانَ دِينِيًّا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ دُنْيَوِيًّا كَالصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ : وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَيْنِيَّ أَفْضَلُ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ فِيهِ .
ا هـ .
وَضَابِطُهَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَالْمُثُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَكُلُّ فِعْلٍ لَا تُكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ جَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَإِنَّ النَّازِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَمَّا لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْإِنْقَاذِ مِنْ حِفْظِ حَيَاةِ الْغَرِيقِ لِأَنَّهَا قَدْ حَصَلَتْ لَمْ يُخَاطَبْ بِالْوُجُوبِ إذْ لَوْ خُوطِبَ حِينَئِذٍ لَكَانَ بِلَا مَصْلَحَةٍ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ عَبَثًا وَكَذَلِكَ يُقَالُ

فِي كِسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامِ الْجَوْعَانِ وَنَحْوِهِمَا .
قُلْت : وَلِهَذَا الضَّابِطِ يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالِدِ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْجُمْهُورِ .
وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْكُلِّ لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ لِقَوْلِ السَّعْدِ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ إنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّسْخِ فَيَفْتَقِرُ إلَى خِطَابٍ جَدِيدٍ وَلَا خِطَابَ فَلَا نَسْخَ فَلَا سُقُوطَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرَضِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ كَمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ كَانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَاحْتِرَامِ الْمَيِّتِ مَثَلًا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَلِهَذَا يُنْسَبُ السُّقُوطُ إلَى فِعْلِ الْبَعْضِ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَنْصِبَ الشَّارِعُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَفَرَّقَ سَمِّ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِسُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ الْجَمِيعِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَالْكَمَالِ بِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يُقْصَدُ فِيهِ عَيْنُ الْفَاعِلِ ابْتِلَاءً لَهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يُقْصَدُ فِيهِ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَاعِلِ إلَّا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ فَاعِلٍ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ .
( وَصْلٌ ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ : الْأُولَى الْأَعْيَانُ وَالْكِفَايَةُ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ كَذَلِكَ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ فَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ

كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ وَاَلَّتِي عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي عَدِّهِ التَّسْلِيمَ وَالتَّشْمِيتَ مِنْ الْمَنْدُوبِ كِفَايَةً مُخَالَفَةٌ لِعَدِّ الْأَمِيرِ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ بَعْدَ سَمَاعِ حَمْدِهِ وَلَوْ بِمُعَالَجَةٍ وَبِرَدِّ السَّلَامِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا نَحْوُ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك وَإِنْ بِكِتَابَةٍ وَتَعَيَّنَ عَلَى مَقْصُودٍ مِنْ جَمَاعَةٍ ا هـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ ضَوْءِ الشُّمُوعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالتَّسْلِيمِ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ لَا رَدَّهُ وَبِالتَّشْمِيتِ قَبْلَ سَمَاعِ الْحَمْدِ لَا بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالتَّسْمِيَةِ لِلْأَكْلِ مِنْ جِهَةِ جَمَاعَةٍ فِي الثَّلَاثِ مَثَلًا ا هـ فَانْظُرْهُ وَحَرِّرْ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَعَلَيْهِ فَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ الْكُلَّ إلَّا فُرَادَى نَظَرًا لِكَوْنِ سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْ الْبَاقِينَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّسْخِ بَلْ قَدْ يَكُونُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ هُنَا فَيَكُونُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لِانْتِفَاءِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَرَاخِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ أَوْ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ نَظَرًا لِكَوْنِهِ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَكَانَ إسْقَاطُهُ عَنْ الْبَاقِينَ رَفْعًا لِلطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِيجَابِ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَكُونُ

التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرَضِ .
وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ خِلَافٌ وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ أَيْ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَعْضِ وَعَلَيْهِ فَالْمُخْتَارُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَيُّ بَعْضٍ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ : مَنْ قَامَ بِهِ لِسُقُوطِهِ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ : مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ النَّاسِ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ اُنْظُرْ التَّحْرِيرَ وَشَرْحَهُ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَيَكْفِي فِي سُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ ظَنُّ أَنَّ الْغَيْرَ فَعَلَهُ لَا وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ تِلْكَ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْأُخْرَى سَقَطَ الْفِعْلُ عَنْهُمَا وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ مِنْهُمَا أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بَلْ يَجِبُ وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْمَحَلِّيِّ قَالَ : وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ فَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ وَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْقَرَافِيُّ ا هـ .
وَالسُّقُوطُ هُنَا عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِظَنِّهِ فِعْلَ غَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ لِقَاعِدَةِ سُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ عَنْ السَّعْدِ

وَالتَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرُدَّ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَانْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَجَازًا ا هـ أَيْ إمَّا بِالِاسْتِعَارَةِ لِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ وَإِمَّا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ التَّقْيِيدِ ثُمَّ الْإِطْلَاقِ فَافْهَمْ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ : وَيُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يُقَالَ : لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ أَمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ ذِكْرِي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ : وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَسُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ إذَا أَرَادَ فَاعِلُهَا إسْقَاطَ الْحَرَجِ عَنْ حَاضِرِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ كَانَتْ لَهُ أُجُورُهُمْ .
وَإِنْ بَلَغَتْ أَعْدَادُهُمْ مَا بَلَغَتْ ا هـ نَقَلَهُ كَنُونِ عَلَى حَوَاشِي عبق وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَهَلْ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ ثَوَابٌ كَعِقَابِ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ أَوَّلًا لِعَدَمِ الْعَمَلِ أَوْ إنْ كَانَ جَازِمًا فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالثَّانِي ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) الْوُجُوبُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ لَمَّا كَانَ مَشْرُوطًا بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ وَمَفْقُودًا عِنْدَ

الِانْفِصَالِ وَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ لِقَاعِدَةِ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ اللَّاحِقَ بِالْفَاعِلِينَ وَقَدْ كَانَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ كَمَنْ يَلْحَقُ بِالْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْمُتَطَوِّعِينَ وَبِمُجَهِّزِ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَبِالسَّاعِينَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْ الطُّلَّابِ يَقَعُ فِعْلُهُ فَرْضًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوبِ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدُ وَمَا وَقَعَتْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَيَخْتَلِفُ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ مَسَاعِيهمْ لَيْسَتْ بِنَاقِضَةٍ لِأَيِّ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ هَذَا اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ إجْمَاعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَلَا لَوْمٍ وَلَا اسْتِحْقَاقِ عِقَابٍ إلَّا أَنَّ فِعْلَهُ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ إلَّا بِشَرْطِ الِاجْتِمَاعِ وَوَصْفُهُ بِهِ مَعَ شَرْطِ الِاجْتِمَاعِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْكَ لَا يُوصَفُ بِالْإِثْمِ إلَّا مَعَ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّرْكِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ وَالْعِقَابُ حِينَئِذٍ مُتَحَقِّقٌ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي هَذَا اللَّاحِقِ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِهِ حَتَّى يَكُونَ مُنَاقِضًا لِحُدُودِ الْوَاجِبِ كُلِّهَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) مَصْلَحَةُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ إلَّا الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا لَا قَطْعًا لِتَعَذُّرِ الْقَطْعِ وَالْمَغْفِرَةُ ظَنًّا حَاصِلَةٌ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ فَانْدَرَجَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ بِلَا شُبْهَةٍ وَامْتَنَعَتْ إعَادَتُهَا لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ مُعْتَمَدُ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ إعَادَتَهَا مَشْرُوعَةٌ لَا مَمْنُوعَةٌ وَالْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَهَا مَصْلَحَةٌ هِيَ تَكْثِيرُ

الدُّعَاءِ إلَّا أَنَّهَا مَصْلَحَةٌ نَدْبِيَّةٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُسَاعِدُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً .
وَلَا تَقَعُ مَنْدُوبَةً أَصْلًا فَتَحَقَّقَ امْتِنَاعُ الْإِعَادَةِ بِتَحَقُّقِ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ النَّدْبِ فِيهَا وَصَارَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا ) وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَشَاقَّ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادَةُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الطَّوِيلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُوجِبُ تَخْفِيفًا فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ قُرِّرَ مَعَهَا وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : نَوْعٌ فِي الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ التَّخْفِيفَ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ لِثَوَابِهَا لَذَهَبَ أَمْثَالُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَنَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ فَتَحْصِيلُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَرْءِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَخِفَّةِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ النَّوْعُ الثَّالِثُ مَشَقَّةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَمَا قَرُبَ مِنْ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ وَمَا قَرُبَ مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبْهُ وَمَا تَوَسَّطَ يُخْتَلَفُ فِيهِ لِتَجَاذُبِ الطَّرَفَيْنِ لَهُ فَعَلَى تَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ .
فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : تَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافِ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ فَمَا كَانَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَهَمُّ يُشْتَرَطُ فِي إسْقَاطِهِ أَشَدُّ الْمَشَاقِّ أَوْ أَعُمُّهَا فَإِنَّ الْعُمُومَ بِكَثْرَتِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِظَمِ كَمَا يَسْقُطُ التَّطَهُّرُ مِنْ الْخَبَثِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَهَمُّ الْعِبَادَاتِ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ كَثَوْبِ الْمُرْضِعِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَكَمَا سَقَطَ الْوُضُوءُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ لِكَثْرَةِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ أَوْ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَمَا لَمْ تَعْظُمْ مَرْتَبَتُهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ تُؤَثِّرُ فِيهِ الْمَشَاقُّ الْخَفِيفَةُ

وَتَحْرِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَطَّرِدُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَأَبْوَابِ الْفِقْهِ فَكَمَا وُجِدَتْ الْمَشَاقُّ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَمُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَكَذَلِكَ تَجِدُهُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَوَقَانِ الْجَائِعِ لِلطَّعَامِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَالتَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ وَغَضَبِ الْحُكَّامِ وَجُوعِهِمْ الْمَانِعَيْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ .

قَالَ : ( الْفَرْقُ الرَّابِعُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا إلَى آخِرِ مَا قَالَ : فِي هَذَا الْقِسْمِ ) قُلْتُ : التَّكْلِيفُ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ يَخْتَصُّ غَيْرُهَا بِمَشَاقَّ بَدَنِيَّةٍ وَبَعْضُ تِلْكَ الْمَشَاقِّ هُوَ أَعْظَمُ الْمَشَاقِّ كَمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ بَذْلُ النَّفْسِ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ انْقَسَمَتْ الْمَشَاقُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّكْلِيفِ قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ عَادَةً أَوْ فِي الْغَالِبِ أَوْ فِي النَّادِرِ وَقِسْمٌ لَمْ يَقَعْ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ لَا بِإِسْقَاطٍ وَلَا بِتَخْفِيفٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْضَ التَّكْلِيفِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ التَّكْلِيفَ .
قَالَ : ( وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِ النَّوْعِ الثَّانِي ) .
قُلْتُ : مَا قَالَهُ : فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ : ( النَّوْعُ الثَّالِثُ مَشَقَّةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَمَا قَرُبَ مِنْ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ وَمَا قَرُبَ مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبْهُ وَمَا تَوَسَّطَ يُخْتَلَفُ فِيهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِيهِ ) قُلْتُ : هَذَا كَلَامٌ لَيْسَ بِالْمُسْتَقِيمِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى التَّقْسِيمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ثُمَّ أَدَّاهُ كَلَامُهُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ قِسْمَانِ أَوَّلَانِ وَقِسْمَانِ لَاحِقَانِ بِهِمَا ثُمَّ قِسْمٌ هُوَ الْأَخِيرُ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ التَّقْسِيمُ الَّذِي هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُفِيدُ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَوْ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْإِسْقَاطِ أَوْ التَّخْفِيفِ وَمُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ .
قَالَ

: ( فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : تَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافِ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ فَمَا كَانَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَهَمُّ يُشْتَرَطُ فِي إسْقَاطِهِ أَشَدُّ الْمَشَاقِّ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا ) قُلْتُ : لَمْ يُجَوِّدْ مَسَاقَ هَذِهِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ الْمَشَاقِّ الَّتِي لَا تَسْتَلْزِمُهَا الْعِبَادَاتُ أَشَدَّهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ مِنْ تِلْكَ الْمَشَاقِّ أَشَدَّهَا وَأَخَفَّهَا وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ أَدَّى مَحْصُولُهَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ قَالَ بِالتَّفْصِيلِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْأَشَدِّ مِنْ الْمَشَاقِّ دُونَ الْأَخَفِّ فِيمَا عَظُمَتْ رُتْبَتُهُ وَاعْتِبَارُ الْأَشَدِّ وَالْأَخَفِّ فِيمَا لَمْ تَعْظُمْ رُتْبَتُهُ قَالَ : ( وَتَحْرِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَطَّرِدُ فِي الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .

( الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا ) اعْلَمْ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ الْكُلْفَةِ عَلَى الْمُخَاطَبِ بِمَنْعِهِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ يَخْتَصُّ غَيْرُ الْإِبَاحَةِ بِمَشَاقَّ بَدَنِيَّةٍ بَعْضُهَا أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ إنْ وَقَعَ مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ عَادَةً أَوْ فِي الْغَالِبِ أَوْ فِي النَّادِرِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الطَّوِيلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْعِبَادَةِ لَا بِإِسْقَاطٍ وَلَا بِتَخْفِيفٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْصَ التَّكْلِيفِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ كَانَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْإِسْقَاطِ أَوْ التَّخْفِيفِ كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِثَوَابِهَا لَأَدَّى لِذَهَابِ أَمْثَالِهَا وَالثَّانِي مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي ذَلِكَ كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ لِأَنَّ تَحْصِيلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَرْءِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَخِفَّةِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ مَا اشْتَدَّتْ مَشَقَّتُهُ .
وَإِنْ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ لَا مَا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَيَسْقُطُ التَّطْهِيرُ مِنْ الْخُبْثِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ ثَوْبِ الْمُرْضَعِ وَكُلُّ مَا يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَيَسْقُطُ الْوُضُوءُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ لِكَثْرَةِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ شَدِيدَ الْمَشَقَّةِ وَخَفِيفَهَا

وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَكَمَا وَجَدْت الْمَشَاقَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْوُضُوءِ كَذَلِكَ تَجِدُهَا فِي الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَوَقَانِ الْجَائِعِ لِلطَّعَامِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَالتَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ وَغَصْبِ الْحُكَّامِ وَجُوعِهِمْ الْمَانِعَيْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ .

( سُؤَالٌ ) مَا ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّا إذَا سَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ فَيُحِيلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ : لَا نَجِدُ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْعَوَامُّ وَهُمْ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُمْ فِي الدِّينِ ثُمَّ إنَّ الْفُقَهَاءَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْعُرْفِ فَلَوْ كَانَ فِي الْعُرْفِ شَيْءٌ لَوَجَدُوهُ مَعْلُومًا لَهُمْ أَوْ مَعْرُوفًا .
( جَوَابُهُ ) هَذَا السُّؤَالُ لَهُ وَقْعٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ سَهْلًا فِي بَادِي الرَّأْيِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الشَّرْعُ بِتَحْدِيدٍ يَتَعَيَّنُ تَقْرِيبُهُ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لِأَنَّ التَّقْرِيبَ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ فِيمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فَنَقُولُ : يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَدْنَى مَشَاقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيُحَقِّقَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِدْلَالٍ ثُمَّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاقِّ مِثْلُ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا جَعَلَهُ مُسْقِطًا وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مِنْهَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْقِطًا مِثَالُهُ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ فِي الْحَجِّ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَيُّ مَرَضٍ آذَى مِثْلَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَبَاحَ وَإِلَّا فَلَا وَالسَّفَرُ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ .
قَالَ : ( سُؤَالٌ مَا ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا إلَى آخِرِ جَوَابِهِ ) .
قُلْتُ : وَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا صَحِيحٌ .

وَضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَوَّلًا أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَدْنَى مَشَاقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيُحَقِّقَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِدْلَالٍ ثُمَّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاقِّ يَنْظُرُ فِيهِ ثَانِيًا فَإِنْ كَانَ مِثْلَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا جَعَلَهُ مُسْقِطًا وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مِنْهَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْقِطًا مِثَالُ ذَلِكَ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ فِي الْحَجِّ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَيُّ مَرَضٍ آذَى مِثْلُهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَبَاحَ وَإِلَّا فَلَا وَالسَّفَرُ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ .

( سُؤَالٌ ) آخَرُ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ اُقْتُصِرَ فِيهِ عَلَى أَقَلَّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ فَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ كَاتِبٌ يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ مُسَمَّى الْكِتَابَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَهَارَةِ فِيهَا فِي تَحْقِيقِ هَذَا الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ شُرُوطُ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ يُقْتَصَرُ عَلَى مُسَمَّاهَا دُونَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا وَالْقِسْمُ الْآخَرُ مَا وَقَعَ مُسْقِطًا لِلْعِبَادَاتِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِهَا بِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَشَاقِّ بَلْ لِكُلِّ عِبَادَةٍ مُرَتَّبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤَثِّرَةِ فِي إسْقَاطِهَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ .
( جَوَابُهُ ) الْعِبَادَاتُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَوَاهِبِ ذِي الْجَلَالِ وَسَعَادَةِ الْأَبَدِ فَلَا يَلِيقُ تَفْوِيتُهَا بِمُسَمَّى الْمَشَقَّةِ مَعَ يَسَارَةِ احْتِمَالِهَا وَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُ التَّرَخُّصِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَلِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَبْلُغُ فِي إظْهَارِ الطَّوَاعِيَةِ وَأَبْلُغُ فِي التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ قَالَ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحَزُّهَا } أَيْ أَشَقُّهَا وَقَالَ : { أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك } وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَتَحْصُلُ مَصَالِحُهَا الَّتِي بُذِلَتْ الْأَعْوَاضُ فِيهَا بِمُسَمَّى حَقَائِقِ الشَّرْعِ وَالشُّرُوطِ بَلْ الْتِزَامُ غَيْرِ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْخِصَامِ وَنَشْرِ الْفَسَادِ وَإِظْهَارِ الْعِنَادِ .
قَالَ : ( سُؤَالٌ آخَرُ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ ) قُلْتُ : وَمَا قَالَهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِهَا بِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَشَاقِّ بَلْ لِكُلِّ عِبَادَةٍ مُرَتَّبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤَثِّرَةِ فِي إسْقَاطِهَا كَمَا عَلِمْت وَبَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ اكْتَفَى الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِ الْمَسْئُولِيَّةِ فِيهَا عَلَى أَقِلَّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ حَقِيقَتُهَا إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَطَ أَنَّهُ كَاتَبَ يَكْفِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الشَّرْطِ مُسَمَّى الْكِتَابَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَهَارَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ شُرُوطُ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ يُقْتَصَرُ عَلَى مُسَمَّاهَا دُونَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا هُوَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَمَّا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَوَاهِبِ ذِي الْجَلَالِ وَسَعَادَةِ الْأَبَدِ كَانَ تَفْوِيتُهَا بِمُسَمَّى الْمَشَقَّةِ مَعَ يَسَارَةِ احْتِمَالِهَا غَيْرَ لَائِقٍ وَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُ التَّرْخِيصِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَكَانَ تَعَاطِي الْعِبَادَةِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَبْلَغَ فِي إظْهَارِ الطَّوْعِيَّةِ وَأَبْلَغَ فِي التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ قَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْزَمُهَا } أَيْ أَشَقُّهَا وَقَالَ : { أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك } وَالْمُعَامَلَاتُ لَمَّا كَانَتْ مَصَالِحُهَا الَّتِي بُذِلَتْ الْأَعْوَاضُ فِيهَا تَحْصُلُ بِمُسَمَّى حَقَائِقِ الشَّرْعِ وَالشُّرُوطِ كَانَ الْتِزَامُ غَيْرِ ذَلِكَ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْخِصَامِ وَنَشْرِ الْفَسَادِ وَإِظْهَارِ الْعِنَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَيَلْحَقُ بِتَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّغَائِرِ وَقَاعِدَةِ الْكَبَائِرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَبَائِرِ وَقَاعِدَةِ الْكُفْرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ شَاقَّةُ الضَّبْطِ عَسِيرَةُ التَّحْرِيرِ وَفِيهَا غَوَامِضُ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي عِنْدَ حُلُولِ النَّوَازِلِ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَاعْتِبَارِ حَالِ الشُّهُودِ فِي التَّجْرِيحِ وَعَدَمِهِ وَأَنَا أَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ وَمَا لَا أَعْرِفُهُ وَعَجَزَتْ قُدْرَتِي عَنْهُ فَحَظِّي مِنْهُ مَعْرِفَةُ إشْكَالِهِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِشْكَالِ عِلْمٌ فِي نَفْسِهِ وَفَتْحٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَأَقُولُ : إنَّ الْكَبِيرَةَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي أَمْ لَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ : إنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٌ نَظَرًا إلَى مَنْ عُصِيَ بِهَا وَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ تُسَمَّى مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ مَعَ أَنَّهُمْ وَافَقُوا فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ وَأَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا يَكُونُ قَادِحًا فِي الْعَدَالَةِ وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ قَادِحًا هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَكَرَّهَ إلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } فَجَعَلَ الْكُفْرَ رُتْبَةً وَالْفُسُوقَ رُتْبَةً ثَانِيَةً وَالْعِصْيَانَ يَلِي الْفُسُوقَ وَهُوَ الصَّغَائِرُ فَجَمَعَتْ الْآيَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَتُسَمَّى بَعْضُ الْمَعَاصِي فِسْقًا دُونَ الْبَعْضِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْكَبَائِرُ سَبْعٌ } وَعَدَّهَا إلَى آخِرِهَا فَخَصَّ الْكَبَائِرَ

بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً تَخْصِيصًا لَهُ بِاسْمٍ يَخُصُّهُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيُلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { قِيلَ لَهُ : مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت : ثُمَّ أَيْ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَوْفَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قُلْت : ثُمَّ أَيْ ؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ : وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ } وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَاسْتِحْلَالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ الْقُبْلَةَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً } فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ .

قَالَ : ( وَيَلْحَقُ بِتَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ ) قُلْتُ : لَيْسَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ قَالَ : كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرٌ إنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةُ اللَّهِ وَمُخَالَفَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْرٌ كَبِيرٌ وَمَا أَرَاهُ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ وَالْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ قَالَ : إنَّ مِنْ الذُّنُوبِ صَغَائِرُ وَمِنْهَا كَبَائِرُ إنَّمَا هُوَ مِنْهَا مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ .
بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَشَدُّ وَمِنْهَا مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَخَفُّ وَمَا أَرَاهُ يُخَالِفُ فِي هَذَا أَيْضًا أَحَدٌ فَلَا خِلَافَ إذًا فَإِنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَغَايِرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا فِي اللَّفْظِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ تَسْمِيَةِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى مَنْعِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إلَّا فِي مَحَلِّ تَبَيُّنِ تَفَاوُتِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ وَإِلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ .
قَالَ : ( وَقَالَ : بَعْضُهُمْ بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ تَخْصِيصُ الْكَبَائِرِ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ ) قُلْتُ : مَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَوَاهِرُ وَلَعَلَّ الْمَرَامَ الْقَطْعُ فِي الْمَسْأَلَةِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى وَهُوَ تَفَاوُتُ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ .
قَالَ : ( وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً إلَى قَوْلِهِ وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا ) قُلْتُ : الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّنُوبِ فِي الذَّمِّ

وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ .
قَالَ : ( فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ .
قَالَ : ( فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِيلَ لَهُ : مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ ) قُلْتُ : أَمَّا الْحَدِيثَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا حَصْرُ الْكَبَائِرِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَمَرَ فِي الثَّانِي بِاجْتِنَابِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الشِّرْكَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ كَبَائِرُ لِذِكْرِهَا مَعَ الشِّرْكِ وَتَشْرِيكِهَا مَعَهُ فِي كَوْنِهَا مُوبِقَةً وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ فَهُوَ رَأْيٌ رَآهُ وَإِنَّهُ لَيَظْهَرُ صَوَابُهُ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ النِّزَاعُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ .
قَالَ : ( وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { جَعَلَ الْقُبْلَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً } فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا ) قُلْتُ : إذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَالْوَجْهُ مَا قَالَ : فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدْلِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ .

( وَصْلٌ ) فِي تَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْكَبَائِرِ وَالْكُفْرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ شَاقَّةُ الضَّبْطِ عَسِيرَةُ التَّحْرِيرِ وَفِيهَا غَوَامِضُ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي عِنْدَ حُلُولِ النَّوَازِلِ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَاعْتِبَارِ حَالِ الشُّهُودِ فِي التَّجْرِيحِ وَعَدَمِهِ أَمَّا بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَبِيرَةٌ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْرٌ كَبِيرٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي أَنَّ مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَشَدُّ فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَخَفُّ فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ إذْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُمَا وَهِيَ أَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَمَا لَا فَلَا تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّنُوبِ فِي الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ وَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى { وَكَرَّهَ إلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } فَجَعَلَهَا رُتَبًا ثَلَاثَةً الْكُفْرُ رُتْبَةٌ أُولَى وَالْفُسُوقُ ثَانِيَةٌ وَالْعِصْيَانُ ثَالِثَةٌ يَلِي الْفُسُوقَ وَهُوَ الصَّغَائِرُ فَجَمَعَتْ الْآيَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ .
وَسُمِّيَ بَعْضُ الْمَعَاصِي فُسُوقًا دُونَ بَعْضٍ وقَوْله تَعَالَى { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلَّا اللَّمَمَ } الْآيَةُ وقَوْله تَعَالَى { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهُونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } فَإِنَّ فِيهَا صَرَاحَةً فِي انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ .

وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا { الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ } زَادَ الْبُخَارِيُّ { وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ } وَمُسْلِمٌ بَدَلَهَا { وَقَوْلُ الزُّورِ } .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا وَمِنْ كَذَا إلَى كَذَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ فَخَصَّ الْكَبَائِرَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَلَوْ كَانَتْ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ لَمْ يَسُغْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ أَحَقُّ بِاسْمِ الْكَبِيرَةِ تَخْصِيصًا لَهُ بِاسْمٍ يَخُصُّهُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَلِيقُ إنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَقَدْ عُرِفَا مِنْ مَدَارِكِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ صَغِيرَةٍ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يَمْنَعُ إجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ إلَّا فِي مَحَلِّ تَبْيِينِ تَفَاوُتِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ أَوْ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَثَانِيًا فِي أَنَّ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا هَلْ تُعْرَفُ وَتَنْحَصِرُ أَوْ لَا الثَّانِي لِبَعْضِهِمْ قَالُوا : لِأَنَّهُ وَرَدَ وَصْفُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَعَاصِي بِأَنَّهَا كَبَائِرُ وَأَنْوَاعٍ بِأَنَّهَا صَغَائِرُ وَأَنْوَاعٍ لَمْ تُوصَفْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ لِلْأَكْثَرِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ لَا تَنْضَبِطُ إلَّا بِالْعَدِّ فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ .
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا أَرْبَعٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا سَبْعٌ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَعَطَاءٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَقِيلَ : أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ

أَنَّهَا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إلَى قَوْلِهِ { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهُونَ عَنْهُ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى السَّبْعِ وَقَالَ أَكْبَرُ تَلَامِذَتِهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْسِهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : كَمْ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ هِيَ .
قَالَ : هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى سَبْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ أَيْ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَقَالَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَدْ ذَكَرْنَا عَدَدَهَا فِي تَأْلِيفٍ لَنَا بِاجْتِهَادِنَا فَزَادَتْ عَلَى أَرْبَعِينَ كَبِيرَةٍ فَيَئُولُ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا تُضْبَطُ بِالْحَدِّ وَالضَّابِطِ وَعَلَيْهِ فَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحُدُودِ وَالضَّوَابِطِ إنَّمَا قَصَدُوا بِهِ التَّقْرِيبَ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ لَيْسَتْ بِحُدُودٍ جَامِعَةٍ وَكَيْفَ يُمْكِنُ ضَبْطُ مَا لَا طَمَعَ فِي ضَبْطِهِ بِالْحَصْرِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِالسَّمْعِ وَلَمْ يَرِدْ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ : بَعْضُهُ لِلْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبَعْضُهُ لِمَا عَدَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبَعْضُهُ لِمَا يَشْمَلُهُمَا وَبَعْضُهُ لِمَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ الْمَعَاصِي الشَّامِلَةِ لِصَغَائِرِ الْخِسَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهَا مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ .
وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ الْغَزَالِيِّ كُلُّ مَعْصِيَةٍ يُقْدِمُ الْمَرْءُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِشْعَارِ خَوْفٍ وَوُجْدَانِ نَدَمٍ تَهَاوُنًا

وَاسْتِجْرَاءً عَلَيْهَا فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَمَا يُحْمَلُ عَلَى فَلَتَاتِ النَّفْسِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْ نَدَمٍ يَمْتَزِجُ بِهَا وَيُنَغِّصُ التَّلَذُّذَ بِهَا فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوْلَى ضَبْطُ الْكَبِيرَةِ بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا قَالَ : وَإِذَا أَرَدْت الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَاعْرِضْ مَفْسَدَةَ الذَّنْبِ عَلَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلِّ الْكَبَائِرِ فَهِيَ صَغِيرَةٌ وَإِلَّا فَكَبِيرَةٌ .
ا هـ .
وَمِنْ الثَّالِثِ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبَارِزِيِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ كُلُّ ذَنْبٍ قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ عُلِمَ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ كَمَفْسَدَةِ مَا قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَتِهِ أَوْ أَشْعَرَ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهِ فِي دِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ مَعْصُومًا فَظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِدَمِهِ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَانًّا أَنَّهُ زَانٍ بِهَا فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ ا هـ وَمِنْ الرَّابِعِ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي الْمُرْشِدِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ كُلُّ جَرِيمَةٍ أَوْ كُلُّ جَرِيرَةٍ تُؤْذِنُ أَيْ تُعْلِمُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ أَيْ اعْتِنَاءِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدَّيَّانَةِ مُبْطِلَةٌ لِلْعَدَالَةِ وَكُلُّ جَرِيمَةٍ أَوْ جَرِيرَةٍ لَا تُؤْذِنُ بِذَلِكَ بَلْ يَبْقَى حُسْنُ الظَّنِّ ظَاهِرًا بِصَاحِبِهَا لَا تُحْبِطُ الْعَدَالَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَكَذَا مِنْ الرَّابِعِ قَوْلُ الْأَصْلِ .
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَارِّ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ ا هـ لَكِنَّ

الْأَوَّلَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ وَالثَّانِي بِعَدَمِ الْإِصْرَارِ فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ أَيْ تَوْبَةٍ بِشُرُوطِهَا وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ .

( سُؤَالٌ ) مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً وَمَا عَدَدُ التَّكْرَارِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ تَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ الْمُخِلَّةِ بِالشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ جَوَابُهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِفَاعِلِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الصَّغِيرَةِ فَمَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِهِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ .
وَمَتَى تَكَرَّرَتْ الصَّغِيرَةُ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ إذَا تَحَرَّرَ بِالتَّقْرِيبِ الْكَبَائِرُ مِنْ الصَّغَائِرِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فَنَرْجِعُ إلَى تَحْرِيرِ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْكُفْرُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَنَقُولُ : أَصْلُ الْكُفْرِ اهْتِضَامُ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَقَدْ يَكُونُ الِاهْتِضَامُ بِالْكَبِيرَةِ أَوْ بِالصَّغِيرَةِ وَلَيْسَتَا كُفْرًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى رُتْبَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْرِيرُهَا أَنَّ الْكُفْرَ قِسْمَانِ : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَمْ لَا فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ نَحْوُ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَجَحْدُ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَجَحْدِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَالْكُفْرِ الْفِعْلِيِّ نَحْوِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَجَحْدِ الْبَعْثِ أَوْ النُّبُوَّاتِ أَوْ وَصْفِهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ أَوْ لَا يُرِيدُ أَوْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَكَالتَّجْسِيمِ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ .
بِوَاجِبَةِ النُّفُوذِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ

وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزِّهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادَاتِ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ فَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِيهِمْ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ .
وَفِي التَّكْفِيرِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ قَالَ : مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ كُفْرًا وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ كُفْرٌ وَقَالَ : الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَنْ كَفَّرَ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ تَكْفِيرَهُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ أَصْلُهَا وَعَنْهُمْ أُخِذَتْ وَقَالَ : الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إرَادَةُ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَبِنَاءُ كَنِيسَةٍ يَكْفُرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ لِأَنَّهُ إرَادَةُ الْكُفْرِ وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا بِقَصْدِ إمَاتَةِ شَرِيعَتِهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْت قَضِيَّةُ إبْلِيسَ وَأَنَّهُ كَفَرَ بِهَا وَلَيْسَ الْكُفْرُ بِسَبَبِ تَرْكِ السُّجُودِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَإِلَّا كَانَ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ عَاصٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا كُفْرُ إبْلِيسَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْجَوْرِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالسُّجُودِ لِمَنْ هُوَ أَوْلَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَدْلًا لِقَوْلِهِ { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } فَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى التَّجْوِيرِ وَالتَّسْفِيهِ وَمَنْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى إلَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهَذِهِ الْجَرَاءَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى هِيَ سَبَبُ كُفْرِهِ وَلَا يُقَالُ : إنَّمَا كَفَرَ بِسَبَبِ الْكِبْرِ عَلَى آدَمَ لِقَوْلِهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مُتَكَبِّرٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ أَنَّ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ فِي أَوَامِرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَسْتَقْرِئَ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا

وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْفُقَهَاءِ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ .
فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ تِلْكَ الرُّتْبَةَ أَدْنَى رُتْبَةِ التَّكْفِيرِ وَأَنَّ مَا دُونَهَا أَعْلَى رُتْبَةً لِلْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَقْرَأَ رُتَبَ الْكَبَائِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقَلِّهَا مَفْسَدَةً جَعَلَهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَأُكْمِلُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ .

قَالَ : ( سُؤَالٌ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ : صَحِيحٌ .
قَالَ : ( وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ ) قُلْتُ : قَوْلُهُ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ مَتَى تَكَرَّرَتْ أَوْجَبَتْ عَدَمَ الْوُثُوقِ مِمَّنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ قُلْتُ : وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَا لَا يُبِيحُ الشَّرْعُ فِعْلَهُ بِمَحْضَرِ النَّاسِ فَفِعْلُ هَذَا مَعْصِيَةٌ لَاحِقَةٌ بِسَائِرِ .
الْمَعَاصِي وَمِنْهَا مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ مُشْعِرَةٌ بِخَلَلٍ حَدَثَ لَهُ فِي عَقْلِهِ وَخَلَلُ الْعَقْلِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ قِلَّةُ الضَّبْطِ فَلَيْسَ قَدَحُ فِعْلِ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّتِي تَقْدَحُ فِيهَا فِعْلُ الْمُخَالَفَاتِ فَإِنَّ فِعْلَ الْمُخَالَفَاتِ قَادِحٌ فِي الْعَدَالَةِ وَفِعْلَ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ قَادِحٌ فِي الضَّبْطِ .
قَالَ : ( وَمَتَى تَكَرَّرَتْ الصَّغِيرَةُ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ ) قُلْتُ : أَمَّا قَوْلُهُ مَتَى تَكَرَّرَتْ الصَّغِيرَةُ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَكَرُّرَ الصَّغَائِرِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِدِينِ فَاعِلهَا مِثْلُ مَا يُوجِبُ تَكَرُّرَهَا إذَا اتَّفَقَتْ مَعَ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ لَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ التَّعَبُّدُ فِي الْأُمُورِ الظَّوَاهِرِ بِمَا فِي الْبَوَاطِنِ وَالْعَدَالَةُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ لَا مِنْ بَوَاطِنِهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمُفْتَقِرِ فِيهَا إلَى الْحُكَّامِ .
قَالَ : ( إذَا تَحَرَّرَ بِالتَّقْرِيبِ الْكَبَائِرُ مِنْ

الصَّغَائِرِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فَنَرْجِعُ إلَى تَحْرِيرِ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْكُفْرُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَنَقُولُ : أَصْلُ الْكُفْرِ اهْتِضَامُ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ) قُلْتُ : لَيْسَ الْكُفْرُ اهْتِضَامَ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَمَا أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يَدِينُ بِالرُّبُوبِيَّةِ يَهْتَضِمُ جَانِبَهَا وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَهْتَضِمُ جَانِبَهَا فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِمَّنْ يَدِينُ بِهَا وَلَكِنَّ أَصْلَ الْكُفْرِ الْجَهْلُ بِالرُّبُوبِيَّةِ .
قَالَ : ( فَقَدْ يَكُونُ الِاهْتِضَامُ بِالْكَبِيرَةِ أَوْ بِالصَّغِيرَةِ وَلَيْسَتَا كُفْرًا ) قُلْتُ : لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ فَاعِلَ الْكَبِيرَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ لَا يَفْعَلُهَا اهْتِضَامًا لِلرُّبُوبِيَّةِ وَلَا تَهَاوُنًا بِهَا وَإِنَّمَا يَفْعَلُهَا جَرَاءَةً عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ .
قَالَ : ( بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى رُتْبَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْكُفْرَ قِسْمَانِ : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَنَحْوِهِ ) قُلْتُ : مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهَا كُفْرٌ هُوَ كَمَا ذَكَرَ .
قَالَ : ( وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَكَالتَّجْسِيمِ إلَى قَوْلِهِ .
وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ) قُلْتُ : ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ .
قَالَ : ( وَمِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْتُهُ قَضِيَّةُ إبْلِيسَ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ فِي أَوَامِرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ : مِنْ أَنَّ كُفْرَ إبْلِيسَ إنَّمَا هُوَ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ الْجَوْرَ وَتَكَبُّرِهِ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاعْتِقَادِهِ كَوْنِهِ خَيْرًا مِنْهُ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ .
قَالَ : ( وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَى

الْفَقِيهِ أَنْ يَسْتَقْرِئَ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ ) قُلْتُ : إنْ أَرَادَ كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ بَقِيَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ وَيَكُونُ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْهُ رُتَبٌ مِنْ الْكُفْرِ وَإِنْ أَرَادَ كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ إلَّا حَفِظَهُ وَلَا مِنْ جُمْلَةِ وُجُوهِ التَّكْفِيرِ شَيْءٌ إلَّا تَضَمَّنَتْهُ أَقْوَالُ مَنْ حَفِظَ أَقْوَالَهُمْ فَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَمَا الدَّلِيلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ .
قَالَ : ( فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْفُقَهَاء لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ ) .
قُلْتُ : إنْ أَرَادَ بِالْفُقَهَاءِ مَنْ حَصَّلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَكُلُّهُمْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا تَصِحُّ لَهُ رُتْبَةٌ حَتَّى يُحَصِّلَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الِاجْتِهَادِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ أَرَادَ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَقِيهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ أَوْ الْمَجَازِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمْ .
قَالَ : ( فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ تِلْكَ الرُّتْبَةَ أَدْنَى رُتَبِ التَّكْفِيرِ وَأَنَّ مَا دُونَهَا أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ ) قُلْتُ : جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ عَلَى مُسْتَحِيلٍ عَادَةً وَهُوَ كَمَالُ اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : لَا بُدَّ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَشَارَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ بِفَارِقٍ يَفْرُقُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى

رُتَبِ الْكَبَائِرِ فَمَا الْمَانِعُ لِهَذَا الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَأْتِ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْإِبَاحَةُ عَلَى جَهَالَةٍ .

وَضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً هُوَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِمَّا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِالْفَاعِلِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا كَمَا إذَا حَصَلَ مِنْ تَكَرُّرِهَا ذَلِكَ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَمِنْهَا مَا لَا يُبِيحُ الشَّرْعُ فِعْلَهُ بِمَحْضَرِ النَّاسِ فَيَكُونُ تَكَرُّرُ فِعْلِهَا بِمَحْضَرِهِمْ كَذَلِكَ قَادِحًا فِي الشَّهَادَةِ لِكَوْنِ فِعْلِهَا حِينَئِذٍ مَعْصِيَةً لَاحِقَةً بِسَائِرِ الْمَعَاصِي وَمِنْهَا مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَتَكُونُ مُشْعِرَةً بِخَلَلٍ حَدَثَ فِي عَقْلِ فَاعِلِهَا فَتَقْدَحُ فِي الضَّبْطِ لَا فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ خَلَلَ الْعَقْلِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ قِلَّةُ الضَّبْطِ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ الشَّيْخُ الْمُقْرِي : شَهِدْت الشَّمْسُ ابْنَ الْقَيِّمِ مُقَيِّمَ الْحَنَابِلَةِ بِدِمَشْقَ وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ { مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ } كَيْفَ إنْ أَتَى بَعْدَهَا بِكَبِيرَةٍ فَقَالَ : مَوْتُ الْوَلَدِ حِجَابٌ وَالْكَبِيرَةُ خَرْقٌ لِذَلِكَ الْحِجَابِ .
وَإِنَّمَا يَحْجُبُ الْحِجَابُ إذْ لَمْ يُخْرَقْ فَإِذَا خُرِقَ لَمْ يَكُنْ حِجَابًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا ا هـ نَقَلَهُ التَّنْبَكْتِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الدِّيبَاجِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ فَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْكُفْرِ الْجَهْلُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَصْلَ الْكَبَائِرِ الْجُرْأَةُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَعَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْ الْمَعَاصِي مُقْتَضِيًا الْجَهْلَ بِالرُّبُوبِيَّةِ نَصًّا مِنْ نَحْوِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَجَحْدِ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَجَحْدِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَنَحْوِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَجَحْدِ

الْبَعْثِ أَوْ النُّبُوَّاتِ أَوْ وَصْفِهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ أَوْ لَا يُرِيدُ أَوْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَنَحْوِهِ فَهُوَ الْكُفْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَضِيَّةُ إبْلِيسَ فَإِنَّ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الشَّرْعِ هُوَ أَنَّ كُفْرَهُ إنَّمَا هُوَ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْجَوْرَ وَتَكَبُّرِهِ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاعْتِقَادِهِ كَوْنِهِ خَيْرًا مِنْهُ وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنَّ كُلَّ عَاصٍ وَكُلَّ مُتَكَبِّرٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مُقْتَضِيًا ذَلِكَ احْتِمَالًا لَا نَصًّا فَهُوَ الْكُفْرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالتَّجْسِيمِ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ النُّفُوذِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزِّهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادَاتِ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ فَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِيهِمْ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ وَالتَّكْفِيرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَعَدَمُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : مَنْ كَفَّرَ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ تَكْفِيرَهُمْ يُلْزِمُ إبْطَالَ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ أَصْلُهَا وَعَنْهُمْ أُخِذَتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إرَادَةُ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ يُكْفَرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا بِقَصْدِ إمَاتَةِ شَرِيعَتِهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ .
وَمَا كَانَ مِنْهَا لَيْسَ مُقْتَضِيًا ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ إنَّمَا يَقْتَضِي الْجُرْأَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَعَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْكَبِيرَةُ كَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ

إلَّا بِالْحَقِّ وَيُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ مَسْأَلَتَانِ .

( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ كُفْرٌ وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَذَلُّلًا أَوْ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَالْفَرْقُ عَسِيرٌ فَإِنْ قُلْت السُّجُودُ لِلْوَالِدِ وَالْعَالَمِ يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا قُلْت : وَكَذَلِكَ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } فَقَدْ صَرَّحُوا بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ السُّجُودِ فَإِنْ قُلْت اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِتَعْظِيمِ الْآبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَعْظِيمِ الْأَصْنَامِ بَلْ نَهَى عَنْهُ فَلِذَلِكَ كَانَ كُفْرًا قُلْت إنْ كَانَ السُّجُودَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَفْسَدَةِ اسْتَحَالَ فِي عَادَةِ اللَّهِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } أَيْ لَا يَشْرَعُهُ دِينًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى فَسَادِ الْكُفْرِ لَا يُؤْذَنُ فِيهِ وَلَا يُشْرَعُ فَلَا يُقَالُ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ دُونَ الْأَصْنَامِ .
وَحَقِيقَةُ الْكُفْرِ فِي نَفْسِهِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ الشَّرْعِ وَلَا تَبْطُلُ حَقِيقَتُهَا بِالشَّرِيعَةِ وَلَا تَصِيرُ غَيْرَ كُفْرٍ فَحِينَئِذٍ الْفَرْقُ مُشْكِلٌ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَسْتَشْكِلُ هَذَا الْمَقَامَ وَيُعَظِّمُ الْإِشْكَالَ فِيهِ .

قَالَ : ( وَأُكْمِلُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ : الْأُولَى اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ لَهُ وَالتَّعْظِيمِ كُفْرٌ وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَذَلُّلًا أَوْ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَالْفَرْقُ عَسِيرٌ ) قُلْتُ : أَغْفَلَ الْوَصْفَ الْمُفَرِّقَ فَعَسُرَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ وَالْوَصْفُ الْمُفَرِّقُ أَنَّ سُجُودَ مَنْ سَجَدَ لِلْأَصْنَامِ لَمْ يَسْجُدْ لَهَا لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ بَلْ لِذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا آلِهَةٌ وَأَنَّهَا شُرَكَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ الْوَالِدِ أَوْ الْعَالِمِ أَوْ الْوَلِيِّ لَكَانَ ذَلِكَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مَعَ الْوَالِدِ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُ إلَهٌ وَشَرِيكٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ .
قَالَ : ( فَإِنْ قُلْتُ : السُّجُودُ لِلْوَالِدِ وَالْعَالِمِ إلَى قَوْلِهِ .
فَحِينَئِذٍ الْفَرْقُ مُشْكِلٌ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَشْكِلُ هَذَا الْمَقَامَ وَيُعَظِّمُ الْإِشْكَالَ فِيهِ ) قُلْتُ : إغْفَالُهُ مَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَوْقَعَهُ فِي هَذَا الْخَبَالِ وَعَظُمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ شَيْخِهِ أَمْرُ الْإِشْكَالِ وَقَدْ تَبَيَّنَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاقِي مِنْ الضَّلَالِ .

( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) الْفَرْقُ بَيْنَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ وَبَيْنَ السُّجُودِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ تَعْظِيمًا وَتَذَلُّلًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ هُوَ أَنَّ السُّجُودَ لِلْأَصْنَامِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ بَلْ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ آلِهَةٌ وَأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى اقْتَضَى بِذَلِكَ الْجَهْلَ بِالرُّبُوبِيَّةِ بِخِلَافِهِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ وَشُرَكَاءُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ نَعَمْ لَوْ وَقَعَ مَعَ الْوَالِدِ أَوْ الْعَالَمِ أَوْ الْوَلِيِّ عَلَى وَجْهِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ إلَهٌ وَشَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَكَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا أَقْسَامٌ : أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا مُدَبِّرَةُ الْعَالَمِ وَمُوجِدَةٌ لِمَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ وَرَاءَهَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ وَثَانِيهَا أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا فَتَكُونُ نِسْبَتُهَا إلَى أَفْعَالِهَا كَنِسْبَةِ الْحَيَوَانِ إلَى أَفْعَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ : إنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يُوجِدُ أَفْعَالَهُ بِقُدْرَتِهِ مُسْتَقِلًّا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَعَلَّقُ بِمَقْدُورِهِ فَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ كَذَلِكَ فَهَلْ لَا نُكَفِّرُهُ كَمَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ أَهْلَ الْقِبْلَةِ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهَذَا الْقَوْلُ كَانَ يَخْتَارُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ يَقُولُ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَالْحَيَوَانَاتِ فَلَا يُكَفَّرُ مُعْتَقِدُ أَنَّ الْإِنْسَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ لِأَنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرُ اهْتِضَامٍ لِجَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَيُكَفَّرُ مُعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فَعَّالَةٌ فِعْلًا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهَا فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَأَحْوَالَهَا غَائِبَةٌ عَنْ الْبَشَرِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهَا وَفَتْحِ أَبْوَابِ الْكُفْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالضَّلَالِ وَهَذَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَثَالِثُهَا أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًّا لَا حَقِيقِيًّا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا وَتَكُونَ فِي أَحْوَالِهَا وَرَبَطَ الْأَسْبَابَ بِهَا كَحَالِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ .

بِاعْتِبَارِ الرَّبْطِ الْعَادِي لَا الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ أَرَ أَحَدًا كَفَرَ بِهِ بَلْ أَثِمَ وَأَخْطَأَ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ مَعَهَا أَكْثَرِيًّا غَالِبًا كَالْأَدْوِيَةِ أَمْكَنَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَجَوَازُهُ شَرْعًا لَكِنْ وَجَدْنَا الْعَادَةَ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ فَكَانَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ خَطَأً كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ عَقَارًا مُعَيَّنًا يُبْرِئُهُ مِنْ الْحُمَّى وَلَمْ تَدُلَّ التَّجْرِبَةُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً .

قَالَ : ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهِ أَقْسَامٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قُلْتُ : مَا قَالَ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ .
قَالَ : ( وَثَانِيهَا أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ ) قُلْتُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِلْكَوَاكِبِ فِعْلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ خَطَأٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِعْلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ قَطُّ فَرْقًا مَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ لَكِنَّهُ مَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ إلَى الْكَوَاكِبِ فَذَلِكَ كُفْرٌ وَمَنْ نَسَبَهُ إلَى الْإِنْسَانِ فَفِيهِ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالَةٌ .
قَالَ : ( وَثَالِثُهَا أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًّا لَا حَقِيقِيًّا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا إلَى قَوْلِهِ .
فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً ) قُلْتُ : هَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَلَا صَوَابًا فَلَيْسَ بِخَطَأٍ فَقَطْ بَلْ خَطَأٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِارْتِبَاطِ وَمَمْنُوعٌ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا مُدَبِّرَةٌ لِلْعَالَمِ وَمُوجِدَةٌ لِمَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ وَرَاءَهَا وَهَذَا كُفْرٌ بِلَا خَفَاءٍ ، الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا فَتَكُونُ نِسْبَتُهَا إلَى أَفْعَالِهَا كَنِسْبَةِ الْحَيَوَانِ إلَى أَفْعَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لِلْكَوَاكِبِ أَوْ لِلْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِعْلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ خَطَأٌ وَأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ قَطُّ فَرْقًا مَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ قَالَ : تَعَالَى وَمَا رَمَيْت أَيْ حَقِيقَةً إذْ رَمَيْت أَيْ كَسْبًا { وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } أَيْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ مَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ إلَى الْكَوَاكِبِ فَذَلِكَ كُفْرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ نَسَبَهُ إلَى الْإِنْسَانِ فَفِيهِ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَأَحْوَالَهَا غَائِبَةٌ عَنْ السَّفَرِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهَا وَفَتْحِ أَبْوَابِ الْكُفْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهِ إلَخْ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًا حَقِيقِيًّا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَحْوَالِهَا وَرَبَطَ الْأَسْبَابَ بِهَا كَحَالِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِاعْتِبَارِ الرَّبْطِ الْعَادِيِّ لَا الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا الْقِسْمُ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِارْتِبَاطِ فَإِنَّا وَجَدْنَا الْعَادَةَ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ غَالِبَةٌ كَالْأَدْوِيَةِ حَتَّى يَكُونَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَجَائِزًا بَلْ هُوَ كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ عَقَارًا مُعَيَّنًا يُبْرِئُهُ مِنْ الْحُمَّى .
وَلَمْ تَدُلَّ التَّجْرِبَةُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ فَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بِاسْتِقْرَاءِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا اسْتِقْرَاءً كَامِلًا وَاسْتِقْرَاءِ رُتَبِ الْكَبَائِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَذَلِكَ لِيُنْظَرَ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتْبَةَ التَّكْفِيرِ وَمَا دُونَهَا أَدْنَى رُتْبَةَ الْكَبَائِرِ وَيُنْظَرُ فِي رُتَبِ الْكَبَائِرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إلَى أَقَلِّهَا مَفْسَدَةً فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَفِيهِ أَنَّ كَمَالَ اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَلْزَمُنَا اسْتِقْرَاءُ أَقْوَالِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ بِفَارِقٍ يُفَرِّقُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ فَمَا الْمَانِعُ لِهَذَا الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَأْتِ فِي هَذَا الْفَرْقِ إلَّا بِإِحَالَةٍ عَلَى جَهَالَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَكَذَلِكَ الْحَرَجِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْحَرَجِ وَالْعِلْمِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْعِلْمِ وَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْقَاعِدَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ ) وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ : إذَا قُلْنَا : الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ فَقَدْ أَدْخَلْنَا الْأَلْفَ وَاللَّامَ عَلَى الْبَيْعِ فَحَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْعٌ إلَّا دَخَلَ فِيهِ ثُمَّ وَصَفْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِطْلَاقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِقَيْدٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَاحِقِ لِلْعُمُومِ مِمَّا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مَعَ عُمُومٍ فِي نَفْسِهِ أَمَّا إذَا قُلْنَا : مُطْلَقُ الْبَيْعِ فَقَدْ أَشَرْنَا بِقَوْلِنَا مُطْلَقُ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَنْوَاعِ جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ وَهُوَ مُسَمَّى الْبَيْعِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ثُمَّ أُضِيفَ هَذَا الْمُطْلَقُ الْمُشَارُ إلَيْهِ إلَى الْبَيْعِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَمُطْلَقِ غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ فَأَضَفْنَاهُ لِلتَّمْيِيزِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ خَاصَّةً الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا إنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَيَصْدُقُ أَنَّ زَيْدًا حَصَلَ لَهُ مُطْلَقُ الْمَالِ وَلَوْ بِفَلْسٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَالُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يُتَمَوَّلُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ مُطْلَقُ النَّعِيمِ وَالنَّعِيمُ الْمُطْلَقُ فَالْأَوَّلُ حَاصِلٌ دُونَ

الثَّانِي وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ .

قَالَ : ( الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ إلَى قَوْلِهِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مَعَ عُمُومِهِ فِي نَفْسِهِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ : فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَتَيْنِ عَلَى أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُفَصِّلَ فَيَقُولَ : إذَا قَالَ الْقَائِلُ : الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ أَوْ يُرِيدَ بِهِمَا الْعُمُومَ وَالشُّمُولَ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهُ فَلَيْسَا سَوَاءً بَلْ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْعُمُومِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الْأَمْرِ الْمَوْصُوفِ بِالْمُطْلَقِ لِلْعُمُومِ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا فِي الْأَمْرِ الْمُضَافِ إلَى الْمُطْلَقِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ يَسُوغُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَيَسُوغُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَيَقَعُ الْفَرْقُ بِالْقَرَائِنِ الْمَقَالِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ .
قَالَ : ( أَمَّا إذَا قُلْنَا : مُطْلَقُ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ ) قُلْتُ : ذَكَرَ أَحَدَ الْمَقْصِدَيْنِ هُنَا وَذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ نَقِيضَهُ لَا نَظِيرَهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي النَّظِيرَيْنِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَرْقًا .
قَالَ : ( فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا أَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا إلَى قَوْلِهِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ ) قُلْتُ

لَمَّا ذَكَرَ النَّقِيضَ مَعَ نَقِيضِهِ اسْتَمَرَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ ذَكَرَ النَّظِيرَ مَعَ نَظِيرِهِ لَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَلَمْ يَسْتَمِرَّ لَهُ التَّغَايُرُ فِي الْأَحْكَامِ .

( الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَكَذَلِكَ الْحَرَجِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْحَرَجِ وَالْعِلْمِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْعِلْمِ وَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْقَاعِدَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ كَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَمْرِ الْمَوْصُوفِ بِالْمُطْلَقِ لِلْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهُ أَوْ لِلْعَهْدِ فِي الْجِنْسِ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا فِي الْأَمْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُطْلَقِ فَكَمَا يَسُوغُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعُمُومِ كَذَلِكَ يَسُوغُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعُمُومِ فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ سَوَاءٌ وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْقَرَائِنِ الْمَقَالِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ فَمَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ لِلْعُمُومِ كَانَ لِلْعُمُومِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعُمُومِ بَلْ لِلْعَهْدِ فِي الْجِنْسِ لَمْ يَكُنْ لِلْعُمُومِ هَذَا بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ أَمَّا بِحَسَبِ مَا جَرَى بِهِ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّاوِيِّ عَلَى أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِطْلَاقِ أَيْ مَا صَدَقَ اسْمُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بِلَا قَيْدٍ لَازِمٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْمَاهِيَّةِ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ أَيْ الْمَاهِيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْعَوَارِضِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ عِبَارَةٌ عَنْ جِنْسِ الْأَمْرِ الصَّادِقِ بِكُلِّ أَمْرٍ وَلَوْ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ لَازِمٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْمَاهِيَّةِ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ أَيْ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ أَيْ الْمَاهِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَاصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ خَصَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ بِالْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى قَرِينَةٍ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً .
وَخُصَّ

مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِغَيْرِ الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنْ الْجِنْسِ الْمُتَمَيِّزِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى قَرِينَةٍ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فَمِنْ هُنَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ عَامًّا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِقَيْدٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَاحِقِ لِلْعُمُومِ مِمَّا يُوجِبُ تَخْصِيصُهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْعٌ إلَّا دَخَلَ فِيهِ وَكَانَ مُطْلَقُ الْبَيْعِ عِبَارَةً عَنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِيَاعَاتِ وَهُوَ مُسَمَّى الْبَيْعِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ فَجَعَلُوا لَفْظَ مُطْلَقٍ إشَارَةً إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً الصَّادِقِ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ وَأَضَافُوهُ إلَى الْبَيْعِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَمُطْلَقِ غَيْرِهِ مِنْ مُطْلَقَاتِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ النَّظَائِرِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا إنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَقَوْلُنَا حَصَلَ لِزَيْدٍ مُطْلَقُ الْمَالِ وَلَوْ بِفَلْسٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَالُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يَتَحَوَّلُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَقَوْلُنَا مُطْلَقُ النَّعِيمِ حَاصِلٌ دُونَ النَّعِيمِ الْمُطْلَقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ ) فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ مَحْصُورَةٌ شَرْعًا تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّارِعِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ وَأَدِلَّةُ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ هِيَ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُقُوعِ الْأَحْكَامِ أَيْ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى رَأْيٍ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْعِصْمَةُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ وَإِجْمَاعٌ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِيهِ وَقِيَاسٌ لَا فَارِقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ يَتَوَقَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ وُقُوعِهَا فَهِيَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فَالزَّوَالُ مَثَلًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ قَوْله تَعَالَى { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } وَدَلِيلُ وُقُوعِ الزَّوَالِ وَحُصُولِهِ فِي الْعَالَمِ الْآلَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْآلَاتِ كَالْأَسْطُرْلَابِ وَالْمِيزَانِ وَرُبُعِ الدَّائِرَةِ وَالشَّكَّارِيَّةِ والزرقالية وَالْبُنْكَامِ وَالرُّخَامَةِ الْبَسِيطَةِ وَالْعِيدَانِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْأَرْضِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الظِّلَالِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الْمِيَاهِ وَآلَاتِ الطِّلَابِ كَالطِّنْجَهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْمَاءِ وَآلَاتِ الزَّمَانِ وَعِدَدِ تَنَفُّسِ الْحَيَوَانِ إذَا قُدِّرَ بِقَدْرِ السَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَلْ

الْمُتَوَقَّفُ سَبَبِيَّةُ السَّبَبِ وَشَرْطِيَّةُ الشَّرْطِ وَمَانِعِيَّةُ الْمَانِعِ أَمَّا وُقُوعُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَا تَنْحَصِرُ تِلْكَ الْأَدِلَّةُ فِي عَدَدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاهِي .
قَالَ : ( الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ ) قُلْتُ : مَا قَالَهُ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ السَّابِعَ عَشَرَ صَحِيحٌ .

( الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ ) وَهُوَ أَنَّ أَدِلَّةَ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ مَحْصُورَةٌ شَرْعًا فِي نَحْوِ الْعِشْرِينَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى رَأْيٍ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْعِصْمَةُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ وَإِجْمَاعٌ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِيهِ وَقِيَاسٌ لَا فَارِقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُقُوعِ الْأَحْكَامِ أَيْ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا فَهِيَ لَا تُحْصَرُ فِي عَدَدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاهِي وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَالزَّوَالُ مَثَلًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدَلْوِك الشَّمْسِ } وَدَلِيلُ وُقُوعِ الزَّوَالِ وَحُصُولِهِ فِي الْعَالَمِ الْآلَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ كَالْأَسْطُرْلَابِ وَالْمِيزَانِ وَرُبْعِ الدَّائِرَةِ وَالشَّكَّارِيَّةِ والزرقالية وَالْبُنْكَامِ وَالرُّخَامَةِ الْبَسِيطَةِ وَالْعِيدَانِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْأَرْضِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الظِّلَالِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الْمِيَاهِ وَآلَاتِ الطُّلَّابِ كَالطِّنْجَهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْمَاءِ وَآلَاتِ الزَّمَانِ وَغَيْرِ الْآلَاتِ كَعَدَدِ تَنَفُّسِ الْحَيَوَانِ إذَا قُدِّرَ بِقَدْرِ السَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَلْ الْمُتَوَقَّفُ

سَبَبِيَّةُ السَّبَبِ وَشَرْطِيَّةُ الشَّرْطِ وَمَانِعِيَّةُ الْمَانِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ ) أَمَّا الْأَدِلَّةُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ انْقِسَامُهَا إلَى أَدِلَّةِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَدِلَّةِ الْوُقُوعِ وَأَمَّا الْحِجَاجُ فَهِيَ مَا يَقْضِي بِهِ الْحُكَّامُ وَلِذَلِكَ قَالَ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ } فَالْحِجَاجُ تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَمُجَرَّدُ التَّحَالُفِ عِنْدَ مَالِكٍ فَيَقْتَسِمَانِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ فَذَلِكَ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْحِجَاجِ هِيَ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ فَالْحِجَاجُ أَقَلُّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَدِلَّةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ أَقَلُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْوُقُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَائِدَةٌ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَنْوَاعُ مُوَزَّعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَوَائِفَ فَالْأَدِلَّةُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُجْتَهِدُونَ وَالْحِجَاجُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْحُكَّامُ وَالْأَسْبَابُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُكَلَّفُونَ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِمَا .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31