كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ بِالْأَحْكَامِ ، وَفَسَّرَ الْمُحَرَّرُ التَّجْرِبَةَ بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى كَذَلِكَ فِي نِسْوَةٍ فِيهِنَّ أُمُّهُ ، فَإِنْ أَصَابَ فِي الْكُلِّ فَهُوَ مُجَرَّبٌ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا مَعَ أَنَّ فِيهِ حُكْمَيْنِ أَحَدَهُمَا : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّجْرِبَةِ ثَلَاثًا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ مَعَ أُمِّهِ ، وَقَدْ تَعْجَبُ مِنْ حَذْفِهِ لِذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مُنَازَعٌ فِيهِ ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ : لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الثَّلَاثِ ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ خِبْرَةٍ لَا عَنْ اتِّفَاقٍ ، وَهَذَا قَدْ يَحْصُلُ بِدُونِ الثَّلَاثِ ا هـ .
وَهَذَا نَظِيرُ مَا رَجَّحُوهُ فِي تَعْلِيمِ جَارِحَةِ الصَّيْدِ .
وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي فَإِنَّ ذِكْرَ الْأُمِّ مَعَ النِّسْوَةِ لَيْسَ لِلتَّقَيُّدِ بَلْ ، لِلْأَوْلَوِيَّةِ إذْ الْأَبُ مَعَ الرِّجَالِ كَذَلِكَ ، وَكَذَا سَائِرُ الْعَصَبَةِ وَالْأَقَارِبِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا .
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا : كَيْفِيَّةُ التَّجْرِبَةِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَدٌ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ هِيَ فِيهِنَّ فَيُصِيبُ فِي الْكُلِّ ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ الْمُجَرَّبَ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَا تَبْقَى فَائِدَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ، وَقَدْ يُصِيبُ فِي الرَّابِعَةِ اتِّفَاقًا فَلَا يُؤَثِّرُ بِالتَّجْرِبَةِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرَضَ مَعَ صِنْفِ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَصْنَافِ وَلَا يَخُصُّ بِهِ الرَّابِعَةَ ، فَإِذَا أَصَابَ فِي الْكُلِّ قُبِلَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ ا هـ .
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِمَامَ يَعْتَبِرُ غَلَبَةَ الظَّنِّ ، فَمَتَى حَصَلَتْ عُمِلَ بِمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْ بِمَا قَالَهُ الْبَارِزِيُّ ( وَالْأَصَحُّ ) وَفِي الرَّوْضَةِ
الصَّحِيحُ ( اشْتِرَاطُ حُرٍّ ذَكَرٍ ) كَالْقَاضِي .
وَالثَّانِي لَا كَالْمُفْتِي ( لَا ) اشْتِرَاطُ ( عَدَدٍ ) فَيَكْفِي قَوْلُ الْوَاحِدِ كَالْقَاضِي وَالْقَاسِمِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ كَالْمُزَكِّي وَالْمُقَوِّمِ ( وَلَا كَوْنِهِ مُدْلِجِيًّا ) أَيْ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ ، وَهُمْ رَهْطُ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ ، بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ فَمَنْ تَعَلَّمَهُ عَمِلَ بِهِ .
وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ قَائِفًا يَقُوفُ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ لِرُجُوعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلَى بَنِي مُدْلِجٍ فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَقَدْ يَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى جَمَاعَةً بِنَوْعٍ مِنْ الْمَنَاصِبِ وَالْفَضَائِلِ كَمَا خَصَّ قُرَيْشًا بِالْإِمَامَةِ .
ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَتَيْنِ يُعْرَضُ الْوَلَدُ فِيهِمَا عَلَى الْقَائِفِ بِقَوْلِهِ ( فَإِذَا ) ( تَدَاعَيَا ) أَيْ شَخْصَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَا وَلَدًا ( مَجْهُولًا ) صَغِيرًا لَقِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يُدْفَنْ ( عُرِضَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَائِفِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ كِتَابِ اللَّقِيطِ ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَذَا لَوْ كَانَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا أَوْ سَكْرَانَ سُكْرًا يُعْذَرُ فِيهِ ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَعْذُورِ لَمْ يُعْرَضْ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّاحِي وَلَوْ انْتَسَبَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ عُمِلَ بِهِ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ أَوْ لَا ، وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي اللَّقِيطِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ الْتِقَاطٍ لَمْ يُؤَثِّرْ ، وَإِلَّا قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ إنْ تَقَدَّمَ اسْتِلْحَاقُهُ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَصَحُّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ( وَكَذَا لَوْ ) (
اشْتَرَكَا ) أَيْ رَجُلَانِ ( فِي وَطْءٍ ) لِامْرَأَةٍ ( فَوَلَدَتْ وَلَدًا مُمْكِنًا ) أَيْ مِنْ كُلٍّ ( مِنْهُمَا وَتَنَازَعَاهُ ) أَيْ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا ، وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَطْئَيْنِ حَيْضَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا مُكَلَّفًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، ثُمَّ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْوَطْءِ فِي صُوَرٍ بِقَوْلِهِ ( بِأَنْ ) ( وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ ) كَأَنْ وَجَدَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا فِي فِرَاشِهِ فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ( أَوْ ) بِأَنْ وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَةً ( مُشْتَرَكَةً لَهُمَا ، أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، أَوْ ) وَطِئَ ( أَمَتَهُ فَبَاعَهَا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ) فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ بِمَا تَقَدَّمَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ لَكَانَ لَهُ قَلْبٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَبِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْعَقِدُ مِنْ مَاءِ شَخْصَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّعَاقُبِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَاءُ الْمَرَّةِ وَانْعَقَدَ الْوَلَدُ مِنْهُ حَصَلَتْ عَلَيْهِ غِشَاوَةٌ تَمْنَعُ مِنْ اخْتِلَاطِ مَاءِ الثَّانِي بِمَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا نُقِلَ عَنْ إجْمَاعٍ الْأَطِبَّاءِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي وَطْءٍ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَكَانِ ، بَلْ لَوْ لَمْ تَدْخُلْ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا وَأَنْزَلَ دَاخِلَ الْفَرْجِ كَانَ كَالْوَطْءِ ، وَكَذَا الْإِنْزَالُ خَارِجَ الْفَرْجِ بِحَيْثُ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْفَرْجِ وَاسْتِدْخَالُ الْمَاءِ ، وَقَوْلُهُ بِأَنْ وَطِئَا بِشُبْهَةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً لَهُمَا هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ شُبْهَةٌ ، وَيُشْتَرَطُ
فِيهَا أَنْ يَقَعَ الْوَطْآنِ فِي طُهْرٍ ، فَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا حَيْضَةٌ فَهُوَ لِلثَّانِي ، وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ ذِكْرُهُ لَهُ بَعْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا ( وَكَذَا لَوْ ) ( وَطِئَ ) بِشُبْهَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( مَنْكُوحَةً ) لِغَيْرِهِ نِكَاحًا صَحِيحًا وَوَلَدَتْ مُمْكِنًا مِنْهُ وَمِنْ زَوْجِهَا يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ( فِي الْأَصَحِّ ) فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ الزَّوْجُ لِلْإِلْحَاقِ ، بَلْ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ .
وَالثَّانِي : يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ لِقُوَّةِ فِرَاشِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْوَطْءِ ، وَلَا يَكْفِي اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَطْءِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلُودِ حَقًّا فِي النَّسَبِ وَاتِّفَاقُهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَيُعْرَضُ بِتَصْدِيقِهِ إنْ بَلَغَ ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمَتْنِ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةِ الْوَطْءِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَلَدِ الْمُكَلَّفِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَلْقَتْ سَقْطًا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ .
قَالَ الْفُورَانِيُّ : إذَا ظَهَرَ فِيهِ التَّخْطِيطُ دُونَ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَمَةً وَبَاعَهَا أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ هَلْ يَصِحُّ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ عَمَّنْ تَثْبُتُ ؟ ، وَفِي الْحُرَّةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ عَمَّنْ كَانَ مُتَّهَمًا ( فَإِذَا وَلَدَتْ ) تِلْكَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ ( لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ ) وَكَذَا ( مِنْ وَطْأَيْهِمَا وَادَّعَيَاهُ ) أَيْ الْوَلَدَ ( عُرِضَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَادَّعَيَاهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، بَلْ لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ نَكَلَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَطْأَيْهِمَا حَيْضَةٌ
فَلِلثَّانِي ) مِنْ الْوَاطِئَيْنِ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي حُصُولِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ عَنْهُ ، وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدَ وُجُودِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا اللَّهُمَّ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) ( الْأَوَّلُ ) مِنْهُمَا ( زَوْجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ) وَالثَّانِي مِنْهُمَا وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْوَطْءِ مَعَ فِرَاشِ النِّكَاحِ قَائِمٌ مَقَامَ نَفْسِ الْوَطْءِ ، وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ بَعْدَ الْحَيْضَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ ( وَسَوَاءٌ فِيهِمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ ( اتَّفَقَا إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً ) بِكَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ ( أَمْ لَا ) كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَخْتَلِفُ ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، فَلَوْ ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَأَقَامَ الذِّمِّيُّ بَيِّنَةً تَبِعَهُ نَسَبًا وَدِينًا ، كَمَا لَوْ أَقَامَهَا الْمُسْلِمُ أَوْ لَحِقَهُ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا تَبِعَهُ نَسَبًا لَا دِينًا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ ، فَلَا يَحْضُنُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِحَضَانَتِهِ ، أَوْ ادَّعَاهُ حُرٌّ وَعَبْدٌ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْعَبْدِ ، أَوْ لَحِقَ بِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا لَحِقَهُ فِي النَّسَبِ وَكَانَ حُرًّا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عُدِمَ الْقَائِفُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِأَنْ تَحَيَّرَ ، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا ، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا وَيَخْتَارَ الِانْتِسَابَ إلَى أَحَدِهِمَا بِحَسَبِ الْمَيْلِ الَّذِي يَجِدُهُ وَيُحْبَسُ لِيَخْتَارَ إنْ
امْتَنَعَ مِنْ الِانْتِسَابِ إلَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مَيْلًا إلَى أَحَدِهِمَا فَيُوقَفُ الْأَمْرُ ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُ قَائِفِ إلَّا قَبْلِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَكَذَا لَا يُصَدَّقُ لِغَيْرِ الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ مَعَ امْتِحَانٍ لَهُ بِذَلِكَ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ اسْتَلْحَقَ مَجْهُولًا نَسَبَهُ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَأَنْكَرَتْهُ زَوْجَتُهُ لَحِقَهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ دُونَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زَوْجَةٍ أُخْرَى وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَأَنْكَرَهُ زَوْجُهَا وَأَقَامَ زَوْجُ الْمُنْكِرَةِ بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فَيَسْقُطَانِ وَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهَا لَحِقَهَا ، وَكَذَا زَوْجُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، أَوْ بِالرَّجُلِ لَحِقَهُ وَزَوْجَتَهُ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً ، فَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ وَلَدَ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا ، وَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ قَائِفٍ بِقَوْلِ قَائِفٍ آخَرَ ، وَلَوْ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ بِالْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ ، وَآخَرُ بِالْأَشْبَاهِ الْخَفِيَّةِ كَالْخَلْقِ وَتَشَاكُلِ الْأَعْضَاءِ فَالثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ حِذْقٍ وَبَصِيرَةٍ ، وَلَوْ أَلْحَقَ الْقَائِفُ التَّوْأَمَيْنِ بِاثْنَيْنِ بِأَنْ أَلْحَقَ أَحَدَهُمَا بِأَحَدِهِمَا ، وَالْآخَرَ بِالْآخَرِ بَطَلَ قَوْلُهُ حَتَّى يُمْتَحَنَ وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَيُعْمَلَ بِقَوْلِهِ ، كَمَا لَوْ أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِاثْنَيْنِ ، وَيَبْطُلُ أَيْضًا قَوْلُ قَائِفَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْإِلْحَاقِ حَتَّى يُمْتَحَنَا وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُمَا ، وَيَلْغُو انْتِسَابُ بَالِغٍ أَوْ تَوْأَمَيْنِ إلَى اثْنَيْنِ ، فَإِنْ رَجَّعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ إلَى الْآخَرِ قُبِلَ ، وَيُؤْمَرُ الْبَالِغُ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا ، وَمَتَى أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ
أَوْ أَنْكَرَاهُ ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا فِي النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِهِ وَيُنْفِقَانِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْقَائِفِ أَوْ يُنْتَسَبَ ، وَيَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ مَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ عَلَى مَنْ لَحِقَهُ إنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ ، وَيَقْبَلَانِ لَهُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَى لَهُ بِهَا فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ ، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ عَلَى الْمُطْلِقِ فَيُعْطِيهَا لَهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآخَرِ إنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَيِّتًا ، لَا إنْ تَغَيَّرَ أَوْ دُفِنَ ، وَإِنْ مَاتَ مُدَّعِيهِ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ مَعَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَةِ .
إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَ إضَافَتُهُ إلَى جُزْءٍ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ .
كِتَابُ الْعِتْقِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ ، وَهُوَ لُغَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : عَتَقَ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَ ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا طَارَ وَاسْتَقَلَّ ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا فُكَّ مِنْ الرِّقِّ خَلَصَ وَاسْتَقَلَّ .
وَشَرْعًا : إزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الْآدَمِيِّ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى : { فَكُّ رَقَبَةٍ } وقَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ } - أَيْ بِالْإِسْلَامِ - { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } أَيْ بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : { مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ } وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ فِدَاءَهُ مِنْ النَّارِ } وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ ، فَهُوَ مُحْتَبَسٌ بِهِ كَمَا تُحْبَسُ الدَّابَّةُ بِالْحَبْلِ فِي عُنُقِهَا ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ ذَلِكَ الْغُلِّ الَّذِي كَانَ فِي رَقَبَتِهِ .
فَائِدَةٌ : أَعْتَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً ، وَنَحَرَ بِيَدِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً ، وَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ تِسْعًا وَسِتِّينَ ، وَعَاشَتْ كَذَلِكَ ، وَأَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا ، وَأَعْتَقَ الْعَبَّاسُ سَبْعِينَ ، وَأَعْتَقَ عُثْمَانُ وَهُوَ مُحَاصَرٌ عِشْرِينَ ، وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا ، وَاعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ ، وَحَجَّ سِتِّينَ حَجَّةً ، وَحَبَسَ أَلْفَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَعْتَقَ ذُو الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا .
وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَلِ الْجَنَّةِ } رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ آمِينَ .
وَالْعِتْقُ الْمُنْجَزُ مِنْ الْمُسْلِمِ قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْمُعَلَّقُ ، فَفِي الصَّدَاقِ مِنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ عَقْدَ قُرْبَةٍ ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَيْ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَعْلِيقَهُ الْعَارِي عَنْ قَصْدِ مَا ذُكِرَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ .
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ : مُعْتِقٌ ، وَعَتِيقٌ ، وَصِيغَةٌ .
وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ ( إنَّمَا ) ( يَصِحُّ مِنْ ) مَالِكٍ ( مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ) أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالْوَلَاءِ مُخْتَارًا ، وَمِنْ وَكِيلٍ أَوْلَى فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ مُوَلِّيهِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ ، وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ ، وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُكْرَهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ، وَيَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ ، وَمِنْ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا ، وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ ، وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ ( وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ) بِصِفَةٍ مُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَغَيْرِهَا كَالتَّدْبِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِعِوَضٍ أَيْضًا ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
قَالَ فِي الْبَسِيطِ : وَكَذَا وَقْتُهُ نَفَذَ وَلَغَا التَّوْقِيتُ ا هـ .
وَإِذَا عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى
صِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ وَيَمْلِكُهُ بِالتَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، وَإِذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ( عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ ) لَمْ تَعُدْ الصِّفَةُ ، وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ فِي تَعْلِيقِ الْإِعْتَاقِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ الْفَكِّ ، أَوْ يُحْتَمَلُ وُجُودُهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ، وَكَذَا مِنْ مَالِكِ الْعَبْدِ الْجَانِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ ، وَمِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ رِدَّةٍ ( وَ ) تَصِحُّ ( إضَافَتُهُ إلَى جُزْءٍ ) مُعَيَّنٍ مِنْ الرَّقِيقِ كَيَدِهِ أَوْ شَائِعٍ مِنْهُ كَرُبُعِهِ ( فَيَعْتِقُ كُلُّهُ ) سِرَايَةً كَنَظِيرِهِ فِي إطْلَاقٍ وَسَوَاءٌ الْمُوسِرُ وَغَيْرُهُ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ غُلَامٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَ عِتْقَهُ وَقَالَ : لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ } هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ لَهُ .
فَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلَى الْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ ، وَلِذَا حَمَلَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَصَحُّهُمَا يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ .
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِبْهَامُكِ حُرٌّ ، فَقَطَعَ إبْهَامَهُ ثُمَّ دَخَلَ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُعْتِقُ
رَقِيقًا فَأَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا .
تَنْبِيهٌ : أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي إعْتَاقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ نِصْفَهُ فَقَطْ مَثَلًا فَالْأَصَحُّ عِتْقُ ذَلِكَ النِّصْفِ فَقَطْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، لَكِنْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْقَطْعَ بِعِتْقِ الْكُلِّ ، وَاسْتُشْكِلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمُ السِّرَايَةِ بِأَنَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ النِّصْفَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُوَكَّلِ .
قَالَ : فَإِذَا حُكِمَ بِالسِّرَايَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فِي الْعِتْقِ الصَّادِرِ مِنْ الْوَكِيلِ ، فَلَأَنْ يَسْرِيَ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْلَى ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ فِيمَا مَرَّ وَكَانَ الْقِيَاسُ عَدَمُ النُّفُوذِ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الشَّارِعُ مُتَشَوِّفًا إلَى الْعِتْقِ نَفَّذْنَاهُ فِيمَا أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ وَلَمْ تَتَرَتَّبْ السِّرَايَةُ عَلَى مَا يَثْبُتُ عِتْقُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ السِّرَايَةِ قَدْ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَفُوتُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُهُ فِي عِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، فَلَوْ نَفَّذْنَا عِتْقَ بَعْضِهِ بِالسِّرَايَةِ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَكَانَ الْمَالِكُ يَحْتَاجُ إلَى نِصْفِ رَقَبَةٍ أُخْرَى ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا يُعْتِقَ النِّصْفَ فَقَطْ ، فَإِنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يُمْكِنُ عِتْقُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ .
وَأَمَّا الْمُسْتَشْكَلُ بِهِ فَقَدْ وَافَقَ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَهُوَ إذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِنَفْسِهِ سَرَى الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ .
وَالرُّكْنُ الثَّانِي الْعَتِيقُ ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ .
أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ وَمُؤَجَّرٍ ، بِخِلَافِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَوَقْفٍ كَمَا مَرَّ وَكَرَهْنٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ بَيَانُهُ .
وَصَرِيحُهُ تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ ، وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا كِنَايَتُهُ ، وَهِيَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ ، لَا سُلْطَانَ ، لَا سَبِيلَ ، لَا خِدْمَةَ ، أَنْتَ سَائِبَةٌ ، أَنْتَ مَوْلَايَ ، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ ، وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ : أَنْتِ حُرَّةٌ ، وَلِأَمَةٍ أَنْتَ حُرٌّ صَرِيحٌ ، وَلَوْ قَالَ عِتْقُكَ إلَيْك أَوْ خَيَّرْتُك وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ ، أَوْ أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَهُ عَتَقَ فِي الْحَالِ ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ .
وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ : الصِّيغَةُ وَهِيَ .
إمَّا لَفْظٌ صَرِيحٌ ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ .
فَقَالَ ( وَصَرِيحُهُ تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا كَأَنْتَ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُكَ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُنَكَّرَيْنِ ، وَيَسْتَوِي فِي أَلْفَاظِهِمَا الْهَازِلُ وَاللَّاعِبُ ؛ لِأَنَّ هَزْلَهُمَا جِدٌّ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ صَرِيحٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ ، وَالثَّانِي : هُوَ كِنَايَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ ، فَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى : { فَكُّ رَقَبَةٍ } أَيْ مِنْ الْأَسْرِ ، وَقِيلَ بِاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ { فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا } .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : وَمَا اُشْتُقَّ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْفَكِّ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتَ تَحْرِيرٌ أَوْ إعْتَاقٌ أَوْ فَكٌّ كَانَ كِنَايَةً كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَلَاقٌ .
فُرُوعٌ : لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ قَبْلَ إرْقَاقِهَا حُرَّةَ فَسُمِّيَتْ بِغَيْرِهِ ، فَقَالَ لَهَا : يَا حُرَّةُ عَتَقَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ لَهَا بِاسْمِهَا الْقَدِيمِ ، فَإِنْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْحَالِ حُرَّةَ لَمْ تُعْتَقْ إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَكْسِ عَنْهُ إذَا طَالَبَهُ الْمُكَّاسُ بِهِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ لَمْ يُعْتَقْ بَاطِنًا ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَا ظَاهِرًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَهُوَ يَحِلُّهَا مِنْ وَثَاقٍ .
ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَهَا مِنْ الْوِثَاقِ مَرْدُودٌ ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ إخْبَارٌ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوِثَاقِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يُقَالَ لَهُ أَمَتُك قَحْبَةٌ ، فَيَقُولُ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الصِّفَةِ لَا الْعِتْقِ ،
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَاحَمَتْهُ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتُهُ لَمْ تُعْتَقْ ، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَتَهُ بِذَلِكَ تَوَرُّعًا ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : اُفْرُغْ مِنْ عَمَلِكَ وَأَنْتَ حُرٌّ ، وَقَالَ أَرَدْتُ حُرًّا مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ ، وَلَوْ قَالَ : اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا ، وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ الْإِنْشَاءِ وَالدُّعَاءِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ مِثْلُ هَذَا الْعَبْدِ ، وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُعْتَقْ ذَلِكَ الْعَبْدُ كَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّمَا يُعْتَقُ الْأَوَّلُ فَقَطْ ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ : أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لَا إنْ قَالَ لَهُ : أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى ، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِضَارِبِ عَبْدِهِ : عَبْدُ غَيْرِكَ حُرٌّ مِثْلُك لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ ( وَلَا يَحْتَاجُ ) الصَّرِيحُ ( إلَى نِيَّةٍ ) لِإِيقَاعِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْوِيَتِهِ بِالنِّيَّةِ وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جَدٌّ كَمَا مَرَّ فَيَقَعُ الْعِتْقُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ .
أَمَّا قَصْدُ لَفْظِ الصَّرِيحِ لِمَعْنَاهُ ، فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ أَعْجَمِيٌّ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ احْتِيَاجِ الصَّرِيحِ لِنِيَّةِ مَعْلُومٍ مِنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ ( وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا ) أَيْ النِّيَّةِ ( كِنَايَتُهُ ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ الْعِتْقِ ، وَإِنْ احْتَفَتْ بِهَا قَرِينَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الْعِتْقِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْكِنَايَةُ ( لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ ، لَا سُلْطَانَ ) لِي عَلَيْكَ ، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ ، وَهِيَ ( لَا سَبِيلَ
، لَا خِدْمَةَ ) لَا يَدَ لَا أَسْرَ وَنَحْوُهَا ( أَنْتَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ ( سَائِبَةٌ ، أَنْتَ مَوْلَايَ ) وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَزَلْت مِلْكِي أَوْ حُكْمِي عَنْكَ لِإِشْعَارِ مَا ذُكِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : يَا سَيِّدِي هَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : رَجَّحَ الْإِمَامُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَغْوٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤْدُدِ وَتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ أَوْ خِطَابٌ بِلَفْظٍ وَلَا إشْعَارَ لَهُ بِالْعِتْقِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هِيَ كَقَوْلِهِ كَمَا فَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهَمَ الْحَصْرُ .
قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : وَضَابِطُ الْكِنَايَةِ هُنَا كُلُّ لَفْظٍ يَتَضَمَّنُ زَوَالَ الْمِلْكِ أَوْ يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ( وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ ) لِإِشْعَارِهَا بِإِزَالَةِ قَيْدِ الْمِلْكِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ : أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنَوَى إعْتَاقَهُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً لَمْ يُعْتَقْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَشْمَلُ الزَّوْجَيْنِ ، وَالرِّقَّ خَاصٌّ بِالْعَبْدِ ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمِكَ وَنَوَى الْعِتْقَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَوَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْعِتْقُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ لِلطَّلَاقِ يُخْرِجُ صَرَائِحَ وَكِنَايَاتٍ غَيْرَهُ ، لَكِنْ الظَّاهِرُ صَرَائِحُهُ وَكِنَايَاتُهُ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ ، وَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : يَا خَوَاجَا لَمْ يُعْتَقْ .
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ : وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ مَنْ قَالَ : لِعَبْدِهِ جَزَاهُ اللَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ
ا هـ .
وَلَعَلَّ هَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ ، وَفِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ يس : إذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي قَدِيمٍ حُرٌّ أَوْ كَتَبَ ذَلِكَ فِي وَصِيَّةٍ عَتَقَ مِنْهُمْ مَنْ مَضَى لَهُ حَوْلٌ وَأَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ الْمَحْمُولُ ا هـ .
( وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ ) لَهُ ( أَنْتِ ) بِكَسْرِ التَّاءِ بِخَطِّهِ ( حُرَّةٌ وَلِأَمَةٍ ) لَهُ ( أَنْتَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ أَيْضًا ( حُرٌّ ) ( صَرِيحٌ ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ عَلَى الْعِبَارَةِ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي مُشَابَهَةِ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ فِي التَّعْوِيضِ وَالتَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ ) ( قَالَ ) شَخْصٌ لِرَقِيقِهِ ( عِتْقُكَ إلَيْك ) أَيْ جَعَلْتُهُ ( أَوْ خَيَّرْتُك ) فِي إعْتَاقِك بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ التَّخْيِيرِ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ : حَرَّرْتُكَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنْ التَّحْرِيرِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ صَرِيحَةٌ ، وَصَوَابُهُ حُرِّيَّتكَ مَصْدَرًا مُضَافًا كَاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ ( وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ ) كَمَا فِي الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَتَقَارَبَانِ ، فَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ يَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ : وَجَعَلْتُ عِتْقَكَ إلَيْكَ ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ الْعَامِلَ يُوهِمُ عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ مُحْتَمَلٌ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ .
وَلِهَذَا قَيَّدْتُ الْعَامِلَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَتَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ مَعَ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ ، لَكِنْ صَرَّحَا فِي الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي التَّفْوِيضِ بِالْكِنَايَةِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ : وَنَوَى قَيْدًا فِي الْأَخِيرَةِ خَاصَّةٌ ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ ، لَكِنْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ اشْتِرَاطُهُ حَيْثُ قَالَا :
فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْحَالِ عَتَقَ وَاعْتُذِرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مُرَادَهُ ، مَجْلِسُ التَّخَاطُبِ لَا الْحُضُورِ ( أَوْ ) قَالَ لِعَبْدِهِ فِي الْإِيجَابِ ( أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ ) مَثَلًا فِي ذِمَّتِك ( أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ ) فِي الْحَالِ ( أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ ) فِي الِاسْتِيجَابِ ( أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ ) مَثَلًا ( فَأَجَابَهُ ) فِي الْحَالِ ( عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَالْخُلْعِ بَلْ أَوْلَى لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى تَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْفِرَاقِ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةٌ نَازِعَةٌ إلَى الْجَعَالَةِ ، وَلَا يَقْدَحُ كَوْنُهُ تَمْلِيكًا ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ فِي الْحَالِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَاهُ بَعْدَ هَذِهِ الصُّورَةِ فِيمَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُك عَلَى كَذَا إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَالْعِوَضُ مُؤَجَّلٌ ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إذَا كَانَ فِي يَدِ عَبْدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ اكْتَسَبَهَا ، فَقَالَ السَّيِّدُ أَعْتَقْتُكَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : يُعْتَقُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْأَلْفُ مِلْكُ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهَا كَسْبُ عَبْدِهِ .
وَثَانِيهَا : يُعْتَقُ وَيَتَرَاجَعَانِ بِالْقِيمَةِ كَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ .
وَثَالِثُهَا : يُعْتَقُ وَالْأَلْفُ مِلْكُ السَّيِّدِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ( وَلَوْ ) ( قَالَ ) لِرَقِيقِهِ ( بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ ) فِي ذِمَّتِك حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً تَرُدُّهَا بَعْدَ حُرِّيَّتِك ( فَقَالَ : اشْتَرَيْت ) ( فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ )
كَالْكِتَابَةِ وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَثْبَتُ وَالْعِتْقَ فِيهِ أَسْرَعُ ( وَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ ) عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ عَقْدُ عَتَاقَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ لَا بَيْعٍ ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَثَبَتَ فِيهِ .
وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ .
( وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ ) لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَهَذَا عِتْقٌ غَلَبَ فِيهِ شَائِبَةُ الْعِتْقِ ، وَقِيلَ : لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ .
هَذَا إذَا بَاعَهُ نَفْسَهُ جَمِيعًا ، فَلَوْ بَاعَهُ بَعْضَ نَفْسِهِ سَرَى عَلَى الْبَائِعِ إنْ قُلْنَا الْوَلَاءُ لَهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ، فَإِنْ قُلْنَا : لَا وَلَاءَ لَهُ لَمْ يَسْرِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ .
قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا عَنْ حَطِّ شَيْءٍ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْإِعْتَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَلَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ : وَهَبْتُكَ نَفْسَكَ وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ ، أَوْ التَّمْلِيكَ فَكَذَلِكَ إنْ قَبِلَ فَوْرًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ .
وَلَوْ قَالَ لِحَامِلٍ أَعْتَقْتُكِ أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكَ عَتَقَا ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ دُونَهَا ، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَالْحَمْلُ لِآخَرَ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ .
( وَلَوْ ) ( قَالَ لِحَامِلٍ : ) أَيْ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ بِمَمْلُوكٍ لَهُ ( أَعْتَقْتُكِ ) وَأَطْلَقَ ( أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكَ ) ( عَتَقَا ) أَيْ عَتَقَتْ وَتَبِعَهَا فِي الْعِتْقِ حَمْلُهَا ، وَلَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَانِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَعِتْقُهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لَا بِالسِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِي الْأَشْقَاصِ لَا فِي الْأَشْخَاصِ ، وَلِقُوَّةِ الْعِتْقِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَخِيرَةِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِيهَا كَمَا مَرَّ ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُمَا يَعْتِقَانِ مَعًا لَا مُرَتَّبًا وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِيهِ ، لَكِنْ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ وَالثُّلُثُ يَفِي بِهَا دُونَ الْحَمْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْتَقُ دُونَهُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُ سَالِمًا ، ثُمَّ غَانِمًا ، وَكَانَ الْأَوَّلُ ثُلُثُ مَالِهِ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرَتِّبَ هُوَ الْعِتْقَ أَوْ يُرَتِّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ .
وَهُوَ الظَّاهِرُ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي وَفِيهَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يُعْتَقُ الْحَمْلُ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَيِّتِ لَا يَسْرِي وَأَصَحُّهُمَا يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْهَا ( وَلَوْ أَعْتَقَهُ ) أَيْ الْحَمْلَ الْمَمْلُوكَ لَهُ ( عَتَقَ دُونَهَا ) حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ .
وَقِيلَ : تُعْتَقُ بِعِتْقِهِ كَعَكْسِهِ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَيْهَا بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا عِتْقًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ وَحْدَهُ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ ، فَإِنْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ كَمُضْغَةٍ كَأَنْ قَالَ : أَعْتَقْت مُضْغَتَك فَهُوَ لَغْوٌ كَمَا حَكَاهُ قُبَيْلَ التَّدْبِيرِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي وَأَقَرَّاهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ تَجُوزُ
الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ كَمَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ ، ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَنْفَصِلَ لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ، وَأَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُشَبَّهِ لَا يُعْطِي حُكْمَ الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَبِالْمَعْدُومِ وَبِالنَّجَسِ تَوَسَّعُوا فِيهَا فَلَمْ يَشْرِطُوا فِي الْحَمْلِ نَفْخَ الرُّوحِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ، وَلَوْ قَالَ : مُضْغَةُ هَذِهِ الْأَمَةِ حُرَّةٌ ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِانْعِقَادِ الْوَلَدِ حُرًّا وَتَصِيرُ الْأُمُّ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِيرَ حَتَّى يُقِرَّ بِوَطْئِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ وَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ بِشُبْهَةٍ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ وَصَوَابُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِوَطْئِهَا ، وَبِأَنَّ هَذِهِ الْمُضْغَةَ مِنْهُ .
قَالَ : وَقَوْلُهُ : مُضْغَةُ أَمَتِي لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِقْرَارِ فَقَدْ تَكُونُ لِلْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ : أَعْتَقْتُ مُضْغَتَهَا أَيْ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّ ، وَمَا صَوَّبَهُ غَيْرُ كَافٍ أَيْضًا ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ : عَلَقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ نَحْوَهُ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ ( وَلَوْ كَانَتْ ) تِلْكَ الْأَمَةُ الْحَامِلُ ( لِرَجُلٍ ، وَالْحَمْلُ لِآخَرَ ) كَأَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ( لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ ) وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِتْبَاعٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَالِكَيْنِ .
فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ : إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ حَيًّا عَتَقَ ، وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ، ثُمَّ حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ حَيًّا لَمْ يُعْتَقْ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِحَائِلٍ فَحَمَلَتْ وَوَضَعَتْ حَيًّا عَتَقَ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ وَلَدْت أَوَّلًا ذَكَرًا فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ وَلَدْت أَوَّلًا أُنْثَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا ، ثُمَّ أُنْثَى أَعْتَقَ الذَّكَرَ فَقَطْ ، أَوْ بِالْعَكْسِ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالذَّكَرُ ؛ لِأَنَّهُ حَالُ عِتْقِ الْأُمِّ كَانَ جَنِينًا فَتَبِعَهَا ، وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ ذَكَرَيْنِ أَوْ
أُنْثَيَيْنِ مَعًا فَلَا عِتْقَ ، وَلَوْ قَالَ : مَنْ دَخَلَ الدَّارَ أَوَّلًا مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَدَخَلَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَتَقَ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ ، وَلَوْ دَخَلَ اثْنَانِ ثُمَّ ثَالِثٌ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إذْ لَا يُوصَفُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ أَوَّلٌ .
وَأُجِيبَ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْمُسَابَقَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ مِنْ الْإِطْلَاقِ ثَمَّ ، إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُخْرِجَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِهِ هُنَا إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ عِتْقٍ لَمْ يَلْتَزِمْهَا ، فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي هَذِهِ : أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ وَحْدَهُ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ ، وَلَوْ قَالَ : آخِرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ فَيَتَبَيَّنَ الْآخَرُ .
وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ الْبَاقِي لِشَرِيكِهِ ، وَإِلَّا سَرَى إلَيْهِ ، أَوْ إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ ، وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ ، وَفِي قَوْلٍ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ، وَقَوْلٍ إنْ دَفَعَهَا بَانَ أَنَّهَا بِالْإِعْتَاقِ ، وَاسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ يَسْرِي ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ ، وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ ، وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ ، وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ أَمْ مُخْتَلِفَيْنِ ( عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ ) أَوْ بَعْضَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ ( عَتَقَ نَصِيبُهُ ) وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا ( فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ) عِنْدَ الْإِعْتَاقِ ( بَقِيَ الْبَاقِي ) مِنْ الْعَبْدِ ( لِشَرِيكِهِ ) وَلَا يَسْرِي لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْآتِي ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا ( سَرَى ) الْعِتْقُ عَلَيْهِ ( إلَيْهِ ) أَيْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمُعْسِرِ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا ذَلِكَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ وَدَسْتُ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَسُكْنَى يَوْمٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْفَلَسِ وَيُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُبَاعُ ، وَيُصْرَفُ فِي الدُّيُونِ ( أَوْ ) سَرَى ( إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ ) مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَأَعْتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عَتَقَ } ، وَفِي رِوَايَةٍ { إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ } وَأَمَّا رِوَايَةُ { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ ، ثُمَّ يُسْتَسْعَى لِصَاحِبِهِ فِي قِيمَتِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ } فَمُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَرِ كَمَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ ، أَوْ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَسْعَى لِشَرِيكِ الْمُعْتِقِ أَيْ يَخْدُمُهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِخْدَامُهُ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مُسْتَوْلَدًا بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ ، فَلَا سِرَايَةَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ ، ثُمَّ
اسْتَوْلَدَهَا الْآخَرُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ كَانَتْ حِصَّةُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ مَوْقُوفَةً لَمْ يُسْرِ الْمُعْسِرُ الْعِتْقَ قَوْلًا وَاحِدًا .
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : وَبِهِ شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ نَصِيبَهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ جَمِيعُ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ عَلَى هَذَا الْمُوسِرِ كَمَا جَزَمَا بِهِ وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، فَإِنْ خَرَجَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَعَتَقَ جَمِيعُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا نَصِيبُهُ عَتَقَ بِلَا سِرَايَةٍ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمُوسِرِ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ ( قِيمَةُ ذَلِكَ ) الْقَدْرِ الَّذِي أَيْسَرَ لَهُ ( يَوْمَ ) أَيْ وَقْتَ ( الْإِعْتَاقِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ أَوْ وَقْتُ سَبَبِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إذَا سَرَتْ لِنَفْسِهِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ .
تَنْبِيهٌ : لِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَإِجْبَارِهِ عَلَيْهَا ، فَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الشَّرِيكُ فَلِلْعَبْدِ الْمُطَالَبَةُ ، فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ طَالَبَهُ الْقَاضِي ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْعِتْقِ وَرَجَعَ أَهْلُ التَّقْوِيمِ أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ أَوْ طَالَ الْعَهْدُ صَدَقَ الْمُعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ ( وَتَقَعُ السِّرَايَةُ ) الْمَذْكُورَةُ ( بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ ) فَتَنْتَقِلُ الْحِصَّةُ إلَى مِلْكِ الْمُعْتِقِ ، ثُمَّ تَقَعُ السِّرَايَةُ بِهِ ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ " نَفْسِ " كَمَا حَذَفَهَا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ إنْ قُلْنَا السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ كَانَ أَوْلَى .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَاتَبَهُ الشَّرِيكَانِ ، ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، فَإِنَّ
فِي التَّعْجِيلِ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ بِفَوَاتِ الْوَلَاءِ ( وَفِي قَوْلٍ ) قَدِيمٍ تَقَعُ السِّرَايَةُ ( بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ) أَوْ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ فِي إزَالَةِ مِلْكِ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ الْعِوَضُ إضْرَارًا بِهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ لِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ ، فَلَا يَكْفِي الْإِبْرَاءُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَ ) فِي ( قَوْلٍ ) السِّرَايَةُ مَوْقُوفَةٌ ( إنْ دَفَعَهَا ) أَيْ الْقِيمَةَ ( بَانَ أَنَّهَا ) أَيْ السِّرَايَةَ ( بِالْإِعْتَاقِ ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ يَضُرُّ السَّيِّدَ ، وَالتَّأْخِيرَ إلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ يَضُرُّ بِالْعَبْدِ وَالتَّوَقُّفُ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَرِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَا تُخَصُّ السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( اسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ ) الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا ( يَسْرِي ) إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْعِتْقِ ، بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِالنُّفُوذِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ ، وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ عِتْقِهِمَا .
وَإِيلَادُ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِعْتَاقُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَخَرَجَ بِالْمُوسِرِ الْمُعْسِرُ فَلَا يَسْرِ اسْتِيلَادُهُ كَالْعِتْقِ ، نَعَمْ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَوْلِدُ أَصْلًا لِشَرِيكِهِ سَرَى كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُلُّهَا لَهَا ( وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ) لِلْإِتْلَافِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ ( وَ ) عَلَيْهِ أَيْضًا ( حِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ ) لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا ، وَهَلْ يُفْرَدُ أَوْ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ ؟ خِلَافٌ اضْطَرَبَ التَّرْجِيحُ فِي نَظَائِرِهِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الدُّخُولِ ، وَهَذَا إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَهْرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ الْآتِي ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ
.
نَعَمْ إنْ أَنْزَلَ مَعَ الْحَشَفَةِ وَقُلْنَا بِمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ مَعَ الْعُلُوقِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ الْوُجُوبُ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُوسِرِ عَمَّا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا ، فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَسْرِي كَالْعِتْقِ ، فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي مُسْتَوْلَدَتِهِمَا لِمُصَادَفَةِ مِلْكِهِ الْمُسْتَقَرُّ ، وَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ مَهْرِهَا لِلْآخَرِ وَيَأْتِي فِيهِ أَقْوَالُ التَّقَاصِّ ( وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ ) السَّابِقَةُ ( فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ ) وَالْعُلُوقُ هُنَا كَالْإِعْتَاقِ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ ) الْأَظْهَرُ ، وَهُوَ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ ( وَ ) عَلَى ( الثَّانِي ) وَهُوَ التَّبَيُّنُ ( لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ ) ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا أُمَّهُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ ، فَلَا تَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ .
أَمَّا عَلَى الثَّانِي الْقَائِلِ بِحُصُولِ السِّرَايَةِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ فَتَجِبُ ، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَزْمِ الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ التَّدْبِيرِ ( وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ ) فَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ لَمْ يَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ ، فَلَا يَقْتَضِي السِّرَايَةَ وَلَا يَسْرِي أَيْضًا إذَا مَاتَ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ ، وَلَا يَسْرِي أَيْضًا مِنْ بَعْضِهِ إلَى بَاقِيهِ فِيمَنْ مَلَكَهُ كُلَّهُ ( وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ) ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ .
وَالثَّانِي تَمْنَعُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُوسِرٍ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا كَانَ مَنْ يَسْرِي عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ، فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ بَعْدَ أَنْ عَلَّقَ عِتْقَ حِصَّتِهِ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ وُجِدَتْ حَالَ الْحَجْرِ فَلَا سِرَايَةَ ، وَفِي نَظِيرِهِ فِي حَجْرِ السَّفَهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ نَفَّذْنَا
عِتْقَهُ أَضْرَرْنَا بِالْغُرَمَاءِ ، بِخِلَافِ السَّفِيهِ .
وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ : أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إنْ قُلْنَا يَسْرِي بِالْإِعْتَاقِ ، وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ ، وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ : إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِك فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا : السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، وَلَوْ قَالَ فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ ، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ عَنْهُ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ .
( وَلَوْ ) ( قَالَ ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ : أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ ) الشَّرِيكُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي ( صُدِّقَ ) الْمُنْكِرُ ( بِيَمِينِهِ ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ ( فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ ) إنْ حَلَفَ ( وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إنْ قُلْنَا ) بِالرَّاجِحِ مِنْ أَنَّهُ ( يَسْرِي بِالْإِعْتَاقِ ) فِي الْحَالِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ( وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ ) وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ عِتْقًا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِرَجُلٍ : إنَّك اشْتَرَيْتَ نَصِيبِي فَأَعْتَقْتَهُ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبَ الْمُدَّعِي وَلَا يَسْرِي وَلَا يَعْتِقُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ الْمُنْكِرِ أَيْضًا بِهَذَا الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ ، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا مَا تَوَجَّهَتْ الدَّعْوَى نَحْوَهُ ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلدَّعْوَى عَلَى إنْسَانٍ أَنَّكَ أَعْتَقْتَ عَبْدَكَ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَبْدِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : الْمُوسِرِ عَنْ الْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ إذَا أَنْكَرَ وَحَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ ، فَلَوْ اشْتَرَى الْمُدَّعِي نَصِيبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا سِرَايَةَ فِي الْبَاقِي ( وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ : ) وَلَوْ مُعْسِرًا ( إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِك ، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ ) الْمَنْقُولُ لَهُ نَصِيبُهُ ( وَهُوَ مُوسِرٌ ) ( سَرَى إلَى نَصِيبِ ) الشَّرِيكِ ( الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا : السِّرَايَةُ ) تَحْصُلُ ( بِالْإِعْتَاقِ ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ ( وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ) أَيْ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمُعَلِّقِ وَلَا يُعْتَقُ بِالتَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى النِّصْفِ تَعْلِيقٌ وَسِرَايَةٌ وَالسِّرَايَةُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهَا قَهْرِيَّةٌ لَا مَدْفَعَ لَهَا ، وَمُوجِبُ التَّعْلِيقِ قَابِلٌ لِلدَّفْعِ بِالْبَيْعِ
وَنَحْوِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بَعْدَ نَصِيبِكَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ قَوْلَهُ : فَنَصِيبِي حُرٌّ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ أَنْ لَوْ قَالَ قَبْلَهُ ، وَقَوْلُهُ : إنْ قُلْنَا السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالتَّبْيِينِ وَأُدِّيَتْ الْقِيمَةُ ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُوسِرِ عَنْ الْمُعْسِرِ فَلَا سِرَايَةَ عَلَيْهِ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمُعَلِّقِ نَصِيبُهُ ( وَلَوْ ) ( قَالَ ) لِشَرِيكِهِ : إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ ( فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ عِتْقِ نَصِيبِكَ ( فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ ) الْمَقُولُ لَهُ نَصِيبَهُ ( فَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( عَنْهُ ) الْمُنْجَزُ فِي الْحَالِ ، وَالْمُعَلِّقِ قَبْلَهُ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ وَلَا سِرَايَةَ ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْمُعَلِّقَ بِالْمُعْسِرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْآخَرِ بَيْنَ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ ( وَالْوَلَاءُ لَهُمَا ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ ( وَكَذَا إنْ كَانَ ) الْمُعَلِّقُ ( مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ صَحَّحْنَا الدَّوْرَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ ( فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ ) عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ إعْتَاقُ الْمَقُولِ لَهُ فِي نَصِيبِهِ لَعَتَقَ نَصِيبُ الْقَائِلِ .
قَبْلَهُ ، وَلَوْ عَتَقَ لَسَرَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى تَرْتِيبِ السِّرَايَةِ عَلَى الْعِتْقِ ، وَلَوْ سَرَى لَبَطَلَ عِتْقُهُ ، فَيَلْزَمُ مِنْ نُفُوذِهِ عَدَمُ نُفُوذِهِ ، وَفِيمَا ذُكِرَ دَوْرٌ ، وَهُوَ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْ وُجُودًا وَعَدَمًا ، وَهُوَ دَوْرٌ لَفْظِيٌّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ : نَصِيبِي حُرٌّ مَعَ عِتْقِ نَصِيبِك ، أَوْ فِي حَالِ عِتْقِ نَصِيبِكَ فَأَعْتَقَهُ وَقُلْنَا : السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ فَفِي الْأَصَحِّ يَعْتِقُ عَلَى كُلٍّ نَصِيبُهُ نَظَرًا لِاعْتِبَارِ الْمَعِيَّةِ الْمَانِعِ لِلسِّرَايَةِ .
حَادِثَةٌ : سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَتْ
زَوْجَتُهُ أَنَّهُ عَوَّضَهَا إيَّاهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَأَنَّهَا أَعْتَقَتْهُ فَهَلْ يَعْتِقُ وَيَسْرِي إلَى بَاقِيهِ أَوْ لَا ؟ فَقَالَ : يَعْتِقُ وَلَا يَسْرِي ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِإِعْتَاقِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ .
وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي الْمُؤَاخَذَةَ فِي نَصِيبِهَا وَعَدَمَ السِّرَايَةِ وَالثَّانِي : يَقْتَضِي السِّرَايَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ عَدَمُهَا ، وَتُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا فِي إسْقَاطِ صَدَاقِهَا .
وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ نِصْفُهُ ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ ، وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الْآخَرَانِ نَصِيبَيْهِمَا مَعًا عِتْقًا ، فَالْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ .
وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُعْتِقُ ( وَلَوْ ) مَعَ التَّفَاوُتِ كَأَنْ ( كَانَ عَبْدٌ ) مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ ( لِرَجُلٍ ) مِنْهُمْ ( نِصْفُهُ وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الْآخَرَانِ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ بِخَطِّهِ ( نَصِيبَهُمَا ) بِالتَّثْنِيَةِ كَانَ تَلَفُّظًا بِالْعِتْقِ ( مَعًا ) بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا بِالْفَرَاغِ مِنْهُ ، أَوْ وَكَّلَا وَكِيلًا فَأَعْتَقَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، أَوْ عَلَّقَاهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كَدُخُولِ الدَّارِ وَهُمَا مُوسِرَانِ ( عِتْقًا ) بِقَدْرِ الْوَاجِبِ ( فَالْقِيمَةُ ) لِلنِّصْفِ الَّذِي سَرَى الْعِتْقُ ( عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ ) عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمَا لَا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ التَّلَفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ : كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَاتِهِمَا الْمُخْتَلِفَةِ ، وَكَمَا لَوْ وَضَعَ رَجُلَانِ فِي مَاءٍ لِغَيْرِهِمَا نَجَاسَةً فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ وَضَعَ فِيهِ جَرْوًا وَالْآخَرُ جَرْوَيْنِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الشُّفْعَةِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ فَوَائِدِ الْمِلْكِ وَمَرَافِقِهِ كَالثَّمَرَةِ ، وَهَذَا سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَقَطْ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الثَّالِثِ قَطْعًا ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ بِدُونِ الْوَاجِبِ سَرَى إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ بِحَسَبِ يَسَارِهِمَا ، فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْيَسَارِ سَرَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا يَجِدُ ، وَإِنَّمَا ضَبَطَ الْمُصَنِّفُ الْآخِرَانِ بِكَسْرِ الْخَاءِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْمُحَرَّرِ فَأَعْتَقَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ : فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ .
وَشَرْطُ السِّرَايَةِ إعْتَاقُهُ بِاخْتِيَارِهِ ، فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ لَمْ يَسْرِ ، وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ ، وَالْمَيِّتُ مُعْسِرٌ ، فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبِهِ لَمْ يَسْرِ .
( وَشَرْطُ السِّرَايَةِ ) أَيْ شُرُوطِهَا أَرْبَعَةٌ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهَمَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهَا كَمَا سَتَرَاهُ .
أَحَدُهَا ( إعْتَاقُهُ ) أَيْ الْمَالِكِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ ( بِاخْتِيَارِهِ ) كَشِرَاءِ حُرٍّ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ وَقَبُولِ هِبَتِهِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ مُقَابِلَ الْإِكْرَاهِ ، بَلْ الْمُرَادُ السَّبَبُ فِي الْإِعْتَاقِ ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِالِاخْتِيَارِ عَنْ الْإِكْرَاهِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يُعْتَقُ فِيهِ الشِّقْصُ وَالْإِكْرَاهُ لَا عِتْقَ فِيهِ أَصْلًا ، وَخَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ ) وَإِنْ سَفَلَ ، أَوْ بَعْضَ أَصْلِهِ ، وَإِنْ عَلَا ( لَمْ يَسْرِ ) عَلَيْهِ عِتْقُهُ إلَى بَاقِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ ، وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الِاخْتِيَارِ لَا صُنْعَ مِنْهُ يُعَدُّ إتْلَافًا ، وَمَا لَوْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى جُزْءَ بَعْضِ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ سَوَاءٌ أَعَجَزَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ أَمْ بِتَعْجِيزِ سَيِّدِهِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ .
فَإِنْ قِيلَ : هُوَ مُخْتَارٌ فِي الثَّانِيَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا ، وَمَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ اتَّهَبَ الْمُكَاتَبُ بَعْضَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ وَعَتَقَ بِعِتْقِهِ لَمْ يَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِاخْتِيَارِهِ ، بَلْ ضِمْنًا ، وَمَا لَوْ مَلَكَ شَخْصٌ بَعْضَ ابْنِ أَخِيهِ وَبَاعَهُ بِثَوْبٍ مَثَلًا وَمَاتَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ وَرَدَّ الْأَخُ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ وَجَدَهُ فِيهِ وَاسْتَرَدَّ الْبَعْضَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَالرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الْخَاصَّةِ الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ رَدُّ الثَّوْبِ لَا اسْتِرْدَادُ الْبَعْضِ ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَكِنْ الْمُصَحَّحُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا السِّرَايَةُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي مِلْكِهِ
بِالْفَسْخِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي تَعْجِيزِ السَّيِّدِ مُكَاتَبَهُ بِأَنَّ الرَّدَّ يَسْتَدْعِي حُدُوثَ مِلْكٍ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ ، وَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ وَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَبِلَهُ الْأَخُ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَلَمْ يَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَبُولِهِ يَدْخُلُ الْبَعْضُ فِي مِلْكِ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ .
ثَانِي شُرُوطِ السِّرَايَةِ : أَنْ يَكُونَ لَهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ ، وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مَدْيُونًا وَاسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يُضَارِبَ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ ، فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْمُضَارَبَةِ مَا بَقِيَ بِقِيمَةِ جَمِيعِ نَصِيبِهِ فَذَاكَ ، وَإِلَّا أَخَذَ حِصَّتَهُ وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى حُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَسْرِي عَلَى مُعْسِرٍ ( وَالْمَرِيضُ ) أَيْضًا ( مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ ) فَإِنَّهُ إذَا عَتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ نَصِيبُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ غَيْرُهُ فَلَا سِرَايَةَ ، فَإِنْ خَرَجَ نَصِيبُهُ وَبَعْضُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا سِرَايَةَ فِي الْبَاقِي ( وَالْمَيِّتُ ) أَيْضًا ( مُعْسِرٌ ) مُطْلَقًا ( فَلَوْ ) ( أَوْصَى ) أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي رَقِيقٍ ( بِعِتْقِ نَصِيبِهِ ) مِنْهُ فَأَعْتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ( لَمْ يَسْرِ ) إلَى بَاقِيهِ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ لِانْتِقَالِ الْمَالِ غَيْرِ الْمُوصَى بِهِ إلَى الْوَارِثِ .
ثَالِثُ شُرُوطِ السِّرَايَةِ : أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهَا قَابِلًا لِلنَّقْلِ ، فَلَا سِرَايَةَ فِي نَصِيبِ حُكْمٍ بِالِاسْتِيلَادِ فِيهِ ، وَلَا إلَى الْحِصَّةِ الْمَوْقُوفَةِ ، وَلَا إلَى الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَزِمَ إعْتَاقُهُ بِمَوْتِ
الْمَرِيضِ ، أَوْ الْمُعَلِّقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ أَعْتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مُعْسِرًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَا يَسْرِي إلَيْهِ بِعَكْسِهِ مَمْنُوعٌ ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَعْضٍ مَرْهُونٍ ، وَإِلَى بَعْضٍ مُدَبَّرٍ ، وَإِلَى بَعْضٍ مُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ .
رَابِعُ شُرُوطِ السِّرَايَةِ : أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبُهُ أَوَّلًا لِيَعْتِقَ ثُمَّ يَسْرِيَ الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، فَلَوْ أُعْتِقَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لَغَا ، إذْ لَا مِلْكَ وَلَا تَبَعِيَّةَ ، فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَرَى إلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْمُشْتَرَكِ وَأَطْلَقَ فَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّهُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مِلْكِهِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعْتِقُ مَا يَمْلِكُهُ ؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَعْتِقُ جَمِيعُهُ إلَّا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ إلَّا فِي تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ .
تَتِمَّةٌ : أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْ زَوْجٍ اشْتَرَاهَا ابْنُهَا الْحُرُّ وَزَوْجُهَا مَعًا وَهُمَا مُوسِرَانِ ، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ أَوْصَى سَيِّدُهَا بِهَا لَهُمَا وَقَبِلَا الْوَصِيَّةَ مَعًا فَتُعْتَقُ الْأَمَةُ عَلَى الِابْنِ ، وَالْحَمْلُ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا وَلَا يُقَوَّمُ .
إذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ عَتَقَ .
فَصْلٌ ] فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ ( إذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ ) الثَّابِتَ النَّسَبِ ( عَتَقَ ) عَلَيْهِ .
أَمَّا الْأُصُولُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ } وَلَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ ، وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } أَيْ فَيُعْتِقَهُ الشِّرَاءُ لَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ كَمَا فَهِمَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ قَوْلُهُ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ الذُّكُورَ مِنْهُمَا وَالْإِنَاثَ ، عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا ، مَلَكُوا اخْتِيَارًا أَوْ لَا ، اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ ، وَخَرَجَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُونَ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ عَنْهُ وَأَمَّا خَبَرُ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ } فَضَعِيفٌ ، بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ : إنَّهُ مُنْكَرٌ ، وَالتِّرْمِذِيُّ : إنَّهُ خَطَأٌ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ : يُعْتَقُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ : يُعْتَقُ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يُعْتَقُ كُلُّ قَرِيبٍ مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الثَّابِتَ النَّسَبِ مَا لَوْ وَلَدَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا وَلَدًا ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّانِي لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ مِنْ الرَّضَاعِ
فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَهْلِ التَّبَرُّعِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، فَإِنَّهُمَا إذَا مَلَكَا ذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي ، وَوَقَعَ هُنَا التَّقْيِيدُ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ : اُحْتُرِزَ عَنْ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ .
قِيلَ : كَأَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ .
وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يُقْصَدْ لِذَلِكَ مَفْهُومٌ مَمْنُوعٌ بَلْ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ صُوَرٍ : مِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَلَكَ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ، وَكَانَ الْقَرِيبُ كَسُوبًا بِمَا يَقُومُ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ ، وَإِذَا قَبِلَهُ مَلَكَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَلْ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ إذْ لَوْ عَتَقَ لَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَاءُ لِرَقِيقٍ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرَّ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِرْثَ وَالْوَلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِمَا ، وَإِنَّمَا عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ الْمُبَعَّضِ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ مَلَكَ شَخْصٌ ابْنَ أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَوَرِثَهُ أَخُوهُ فَقَطْ ، وَقُلْنَا : الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ ابْنَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يَرِدُ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْحُرُّ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ الْحَمْلُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ انْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَرِثْ أَيْ لِأَنَّ عِتْقَهُ حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ ، وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ صُوَرٌ : مِنْهَا مَسَائِلُ الْمَرِيضِ الْأَتِيَّةُ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَكَانَ مَعِيبًا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ رِضَاهُ
بِعَيْبِهِ .
وَلَا يَشْتَرِي لِطِفْلٍ قَرِيبَهُ ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ فَإِنْ كَانَ كَاسِبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُ ، وَيَعْتِقُ وَيُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا وَجَبَ الْقَبُولُ ، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، أَوْ مُوسِرًا حَرُمَ .
( وَلَا يَشْتَرِي ) الْوَلِيُّ ( لِطِفْلٍ ) أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ ( قَرِيبَهُ ) الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ ، وَلَوْ قَالَ : لِمَحْجُورِهِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ بِالْغِبْطَةِ وَلَا غِبْطَةَ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُطَالَبُ بِنَفَقَتِهِ ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) ( وَهَبَ لَهُ ) أَيْ لِمَنْ ذُكِرَ ( أَوْ ) وَ ( وَصَّى لَهُ ) بِهِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ ( كَاسِبًا ) بِمَا يَفِي بِمُؤْنَتِهِ ( فَعَلَى الْوَلِيِّ ) وَلَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا ( قَبُولُهُ ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ مَعَ تَحْصِيلِ الْكَمَالِ لِأَصْلِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ تَوَقُّعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِعَجْزٍ يَطْرَأُ ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَالْمَنْفَعَةُ مُحَقَّقَةٌ ( وَيَعْتِقُ ) عَلَى الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ ( وَيُنْفِقُ ) عَلَيْهِ ( مِنْ كَسْبِهِ ) لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْقَرِيبِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الْقَبُولِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ مُوسِرًا ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ مَنْ لَا يَكْتَسِبُ مِنْ الْأُصُولِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِمُوجِبِ النَّفَقَةِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَا بِالْكَسْبِ وَعَدَمِهِ لَكَانَ أَوْلَى ، وَلَوْ أَوْصَى لِطِفْلٍ مَثَلًا بِجَدِّهِ وَعَمِّهِ الَّذِي هُوَ ابْنُ هَذَا الْجَدِّ حَيٌّ مُوسِرٌ لَزِمَ الْوَلِيَّ قَبُولُهُ ، وَلَوْ كَانَ الْجَدُّ غَيْرَ كَاسِبٍ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ، وَمِنْ صُوَرِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدٌ بِحُرَّةٍ وَيُوَلِّدُهَا وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ يُوصِي سَيِّدُ الْعَبْدِ بِهِ لِابْنِهِ ، وَمِنْ صُوَرِ الْوَصِيَّةِ بِالِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَةً فَيُولِدُهَا فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِمَالِكِ الْأَمَةِ ثُمَّ يُوصِي سَيِّدُ الْوَلَدِ بِهِ لِأَبِيهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْقَرِيبُ كَاسِبًا نُظِرَ ( فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ ) أَوْ نَحْوُهُ ( مُعْسِرًا وَجَبَ ) عَلَى وَلِيِّهِ ( الْقَبُولُ )
إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ حِينَئِذٍ ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قَدْ يُوسِرُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ ، فَإِنْ أَبَى قَبِلَ هُوَ الْوَصِيَّةَ إذَا كَمُلَ إلَّا الْهِبَةَ لِفَوَاتِهَا بِالتَّأْخِيرِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يُشْبِهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ أَبَى عَنْ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَكَانَ رَأَى أَنَّ الْقَرِيبَ يَعْجِزُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ أَنَّ حِرْفَتَهُ كَثِيرَةُ الْكَسَادِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ كَمَالِهِ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَبَاهُ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا إذَا سَكَتَ ( وَنَفَقَتُهُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ قَرَابَةِ غَيْرِ الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ ( فِي بَيْتِ الْمَالِ ) إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ .
أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلِهَذَا يُقْطَعُ لِسَرِقَتِهِ ، لَكِنْ الْإِمَامُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ ، وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ نَفْيَ الضَّمَانِ عَلَى اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ ( أَوْ ) كَانَ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ ( مُوسِرًا حَرُمَ ) عَلَى وَلِيِّهِ الْقَبُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا وُهِبَ لَهُ جَمِيعُ الْقَرِيبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ ؛ فَلَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْضُهُ وَهُوَ كَسُوبٌ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مُوسِرٌ لَمْ يَقْبَلْهُ الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَهُ مَلَكَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْرِي عَلَى الْمَحْجُورِ فَتَجِبُ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ رُجِّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَيَعْتِقُ وَلَا يَسْرِي ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لِلسِّرَايَةِ بِالِاخْتِيَارِ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ ، وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ كَالْمُعْسِرِ .
وَلَوْ مَلَكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ بِلَا عِوَضٍ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَقِيلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ فَمِنْ ثُلُثِهِ ، وَلَا يَرِثُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ، وَلَا يَعْتِقُ بَلْ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ ، أَوْ بِمُحَابَاةٍ فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ ، وَالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ .
( وَلَوْ ) ( مَلَكَ ) شَخْصٌ ( فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ ) الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ ( بِلَا عِوَضٍ ) كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ ( عَتَقَ ) عَلَيْهِ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا ثُلُثُهُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَخَرَجَ بِلَا مُقَابِلٍ فَأَشْبَهَ الْمُتَبَرِّعَ بِهِ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَقِيلَ ) يُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ ( مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا ، وَفِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْأَصَحُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهَا بِفَلَسٍ لَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا عَتَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ ، قَالَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى ( أَوْ ) مَلَكَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ( بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ ) بَلْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ( فَمِنْ ثُلُثِهِ ) فَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالتَّفْرِيقِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضُهُ ، وَقَوْلُهُ ( وَلَا يَرِثُ ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِرْثِ فَالْأَبْعَدُ نَقْلُهُمَا ، هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَكَأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ .
فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، فَيُحْتَمَلُ تَوَقُّفُ الْأَمْرِ إلَيْهَا ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى إرْثِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى عِتْقِهِ
الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا ، فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ إجَازَتِهِ وَإِرْثِهِ عَلَى الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ ، وَهَذَا خِلَافُ الَّذِي عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَرِثُ ، أَمَّا إذَا اعْتَبَرْنَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا مَرَّ وَرِثَ عَلَى الْأَصَحِّ ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ ( فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ) مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ( فَقِيلَ : لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ ) ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُ يُؤَدِّي إلَى مِلْكِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ ( وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ) إذْ لَا خَلَلَ فِيهِ ( وَلَا يَعْتِقُ ) مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْهُ ( بَلْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ) وَيُلْغَزُ بِهَذَا ، فَيُقَالُ : حُرٌّ مُوسِرٌ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَقُ ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِإِذْنِهِ وَقَدْ رَكِبَهُ دَيْنُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْقِرَاضِ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِالدُّيُونِ ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَغْرِقِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِي الْأُولَى أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ فِيهِمَا وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ ذَلِكَ ( أَوْ ) مَلَكَ فِيهِ بِعِوَضٍ ( بِمُحَابَاةٍ ) مِنْ الْبَائِعِ كَأَنْ اشْتَرَى بِخَمْسِينَ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً ( فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ ) فَيَكُونُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ وَهُوَ خَمْسُونَ فِي هَذَا الْمِثَالِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ هَلْ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؟ ( وَالْبَاقِي ) بَعْدَ قَدْرِهَا يُعْتَبَرُ ( مِنْ الثُّلُثِ ) جَزْمًا ، وَخَرَجَ
بِالْمُحَابَاةِ مِنْ الْبَائِعِ الْمُحَابَاةُ مِنْ الْمَرِيضِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسِينَ فَقَدْرُهَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ ، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ لَمْ يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِلَّا قُدِّمَتْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ فِي أَحَدِ أَوْجُهٍ اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدٍ بَعْضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ فَقَبِلَ وَقُلْنَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَتَقَ وَسَرَى ، وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ .
( وَلَوْ ) ( وَهَبَ لِعَبْدٍ بَعْضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ ) الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ ( فَقَبِلَ وَقُلْنَا يَسْتَقِلُّ ) الْعَبْدُ ( بِهِ ) أَيْ الْقَبُولِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( عَتَقَ ) الْقَرِيبُ عَلَى السَّيِّدِ ( وَسَرَى ) عَلَيْهِ ( وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ ) ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ هِبَةٌ لِسَيِّدِهِ وَقَبُولَهُ كَقَبُولِ سَيِّدِهِ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ؛ وَلِهَذَا صَحَّحُوا أَنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْيِ فِعْلِ عَبْدِهِ ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ : يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَسْرِي ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْإِرْثِ ، وَفِيهَا كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ تَصْحِيحُهُ ، اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا ، فَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي نَوْبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا عِتْقَ ، أَوْ فِي نَوْبَةِ الرِّقِّ فَكَالْقِنِّ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّقِّ فِيهِ مَا مَرَّ ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لَمْ يُعْتَقْ مِنْ مَوْهُوبِهِ شَيْءٌ مَا دَامَتْ الْكِتَابَةُ قَائِمَةً ، فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ ذَلِكَ الْجُزْءَ وَلَمْ يَسْرِ ، وَإِنْ عَجَّزَهُ السَّيِّدُ فَالْأَصَحُّ لَا سِرَايَةَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ .
[ فَصْلٌ ] أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، عَتَقَ ثُلُثُهُ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ .
[ فَصْلٌ ] فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَبَيَانِ الْقُرْعَةِ .
إذَا ( أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ) عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ( عَتَقَ ثُلُثُهُ ) وَرَقَّ ثُلُثَاهُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَصَايَا .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إنْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، فَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ فَهَلْ يَمُوتُ كُلُّهُ رَقِيقًا أَوْ كُلُّهُ حُرًّا أَوْ ثُلُثُهُ حُرًّا وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ ؟ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : هُنَا فِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الصَّيْدَلَانِيِّ الْأَوَّلُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يُعْتَقُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ هُنَا شَيْءٌ ، وَنَقَلَا فِي الْوَصَايَا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ تَصْحِيحَ الثَّانِي وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّالِثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ : وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ .
قَالَ الْبَغَوِيّ : وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَخَصَّ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ ، فَإِنْ كَانَ مَاتَ عَنْ كَسْبٍ وَهُوَ مَثَلًا قِيمَتُهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لِلتَّرِكَةِ مَثَلًا قِيمَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ وَهَبَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَقْبَضَهُ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ السَّيِّدِ ، فَإِنْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ رَقِيقًا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَوْتِهِ حُرًّا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ
وُزِّعَتْ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا ( فَإِنْ ) ( كَانَ عَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ( دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ) ( لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حِينَئِذٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا .
تَنْبِيهٌ : أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَدَمَ النُّفُوذِ لَكِنْ يُحْكَمُ بِإِعْتَاقِهِ فِي الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاءِ الْمُسْتَحِقِّ نَفَذَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا : مِنْهَا مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبِ كَفَّارَةٍ .
قِيلَ : فَالْأَرْجَحُ نُفُوذُهُ وَلَوْ أَمْكَنَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ بِبَعْضِ قِيمَتِهِ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى الدَّيْنِ .
وَمِنْهَا الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالَةِ مَرَضِ الْمَوْتِ نَفَذَ مَعَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَمِنْهَا مَا إذَا أَبْرَأَ أَصْحَابَ الدَّيْنِ مِنْ دَيْنِهِمْ نَفَذَ الْعِتْقُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَغْرِقِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُ بَاقِيهِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ ، وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ ، أَوْ ثُلُثُكُمْ حُرٌّ ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ أُقْرِعَ وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثَهُ .
( وَلَوْ ) ( أَعْتَقَ ) شَخْصٌ ( ثَلَاثَةً ) مِنْ الْأَرِقَّاءِ مَعًا كَأَعْتَقْتُكُمْ ( لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ ) عِنْدَ مَوْتِهِ ( وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ ( عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فَتَعَيَّنَتْ طَرِيقًا ، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ : { أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَقَّ أَرْبَعَةً } وَالظَّاهِرُ تَسَاوِي الْأَثْلَاثِ فِي الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ عَبِيدَ الْحِجَازِ غَالِبًا لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُمْ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَيِّتُ فِي الْقُرْعَةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ رَقَّ الْآخَرَانِ وَبَانَ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا فَيُورَثُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ الْقُرْعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ طَارَ غُرَابٌ فَفُلَانٌ حُرٌّ أَوْ مَنْ وَضَعَ صَبِيٌّ يَدَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَكْفِ ( وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ ، أَوْ ) قَالَ ( ثُلُثُكُمْ حُرٌّ ) فَيُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِقُرْعَةٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي هَاتَيْنِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ كَإِعْتَاقِ كُلِّهِ ( وَلَوْ ) ( قَالَ : أَعْتَقْت ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ ) مِنْكُمْ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ ، وَيُعْتَقُ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ كَمَا مَرَّ ( وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثَهُ ) وَلَا إقْرَاعَ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّبْعِيضِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ، لَكِنْ تَشَوَّفَ الشَّارِعُ إلَى تَكْمِيلِ الْعِتْقِ يُوجِبُ اتِّبَاعَ الْخَبَرِ فِي إيقَاعِ الْقُرْعَةِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمَوْتِ ، فَإِنْ قَالَ : ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَلَا يُقْرَعُ عَلَى
الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَسْرِي ، وَفُهِمَ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّصْوِيرِ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الْأَبْعَاضَ مَعًا فَخَرَجَ مَا إذَا رَتَّبَهَا فَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ فَقَالَ : نِصْفُ غَانِمٍ حُرٌّ وَثُلُثُ سَالِمٍ حُرٌّ عَتَقَ ثُلُثَا غَانِمٍ وَلَا قُرْعَةَ ، ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ .
وَالْقُرْعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٌ يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ رِقٌّ وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ ، وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ كَمَا سَبَقَ ، وَتَخْرُجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ أَحَدِهِمْ ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ ، أَوْ الرِّقُّ رَقَّ وَأُخْرِجَتْ أُخْرَى بِاسْمٍ آخَرَ ، يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ تُخْرَجُ رُقْعَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقَّا ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً قِيمَةَ وَاحِدٍ مِائَةٌ ، وَآخَرُ مِائَتَانِ ، وَآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ أُقْرِعَ بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ وَرَقَّا ، أَوْ لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ ، أَوْ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ ، فَمَنْ خَرَجَ تُمِّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ ، وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ، أَوْ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ ، وَثَلَاثَةٍ مِائَةٌ جُعِلَ الْأَوَّلُ جُزْءًا ، وَالِاثْنَانِ جُزْءًا ، وَالثَّلَاثَةُ جُزْءًا ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِالْقِيمَةِ كَأَرْبَعَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ ، فَفِي قَوْلٍ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ : وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ ، وَاثْنَانِ ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ ، أَوْ لِلِاثْنَيْنِ رَقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الْآخَرِ ، وَفِي قَوْلٍ يُكْتَبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الثَّانِي قُلْتُ : أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ ، وَقِيلَ إيجَابٍ ، وَإِذَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ فَظَهَرَ مَالٌ وَخَرَجَ كُلُّهُمْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا ، وَلَهُمْ كَسْبُهُمْ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ خَرَجَ بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ أُقْرِعَ ، وَمَنْ عَتَقَ بِقُرْعَةٍ حُكِمَ
بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ ، وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ ، وَمَنْ بَقِيَ رَقِيقًا قُوِّمَ يَوْمَ الْمَوْتِ وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ الْمَوْتِ ، لَا الْحَادِثُ بَعْدَهُ ، فَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَةَ كُلٍّ مِائَةٌ ، وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً أُقْرِعَ ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ الْمِائَةُ ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَإِنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ رُبُعُهُ ، وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ وَالتَّجْزِئَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا فَقَالَ ( وَالْقُرْعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٌ ) إذَا كَانَ الْعَبِيدُ ثَلَاثَةً كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ ( يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ ) مِنْهَا ( رِقٌّ وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ ضِعْفُ الْحُرِّيَّةِ ، فَتَكُونُ الرِّقَاعُ عَلَى نِسْبَةِ الْمَطْلُوبِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ ( وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ ) مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ ( كَمَا سَبَقَ ) فِي بَابِ الْقِسْمَةِ ( وَتَخْرُجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ أَحَدِهِمْ ، فَإِنْ خَرَجَ ) لَهُ ( الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ( أَوْ الرِّقُّ ) لِوَاحِدٍ ( رَقَّ وَأُخْرِجَتْ ) رُقْعَةٌ ( أُخْرَى بِاسْمٍ آخَرَ ) فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الثَّالِثُ ، وَإِنْ خَرَجَ لَهُ الرِّقُّ رَقَّ وَعَتَقَ الثَّالِثُ ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْقُرْعَةِ ذَلِكَ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ طَرِيقًا آخَرَ لِلْقُرْعَةِ وَعَبَّرَ فِيهَا بِالْجَوَازِ فَقَالَ ( يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ ) فِي الرِّقَاعِ ( ثُمَّ تُخْرَجُ رُقْعَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقَّا ) أَيْ الْبَاقِيَانِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُولَى أَوْلَى لِتَعْبِيرِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالْجَوَازِ ، لَكِنْ صَوَّبَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِيهَا يُمْكِنُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْأُولَى ، فَإِنَّهُ قَدْ يُحْوَجُ إلَى إعَادَتِهِ كَمَا مَرَّ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى رُقْعَتَيْنِ ، فِي إحْدَاهُمَا عِتْقٌ ، وَفِي الْأُخْرَى رِقٌّ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي الرَّوْضَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ احْتِيَاطٌ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْأَصَحُّ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّا إذَا أَخْرَجْنَا رُقْعَةً عَلَى عَبْدٍ فَخَرَجَ فِيهَا رِقٌّ يُحْتَاجُ إلَى إدْرَاجِهَا فِي بُنْدُقِهَا مَرَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ ثَلَاثٌ أَرْجَحَ مِنْ رُقْعَتَيْنِ لَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ ا هـ .
وَقَدْ مَرَّتْ
الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ ( وَإِنْ ) اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ كَأَنْ ( كَانُوا ثَلَاثَةً قِيمَةَ وَاحِدٍ ) مِنْهُمْ ( مِائَةٌ ، وَآخَرُ مِائَتَانِ ، وَآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ ) ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمْ ( بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ ) بِأَنْ يُكْتَبَ فِي رُقْعَتَيْنِ رِقٌّ ، وَفِي أُخْرَى عِتْقٌ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ ( فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ وَرَقَّا ) أَيْ الْبَاقِيَانِ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ الثُّلُثُ ( أَوْ لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ ) وَرَقَّ بَاقِيهِ وَالْآخَرَانِ ( أَوْ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ ) فِي رُقْعَتَيْنِ ( فَمَنْ خَرَجَ ) الْعِتْقُ عَلَى اسْمِهِ مِنْهُمَا ( تُمِّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ ) وَإِنْ كَانَ ذَا الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ نِصْفُهُ أَوْ ذَا الثَّلَاثِمِائَةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَرَقَّ الْبَاقِي الْآخَرُ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُهُ يُوهِمُ تَعْيِينَ هَذَا الطَّرِيقِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجُوزُ الطَّرِيقُ الْآخَرُ وَإِنْ كَتَبَ فِي الرِّقَاعِ أَسْمَاءَهُمْ ، فَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ اسْمُ ذِي الْمِائَةِ عَتَقَ وَتُمِّمَ الثُّلُثُ مِمَّنْ خَرَجَ اسْمُهُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ ( وَإِنْ كَانُوا ) أَيْ الْأَرِقَّاءُ ( فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ ) مَعًا فِي الْأَجْزَاءِ الثَّلَاثِ ( كَسِتَّةٍ ) أَوْ تِسْعَةٍ ( قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا ) فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ ( اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ) وَفِي الْمِثَالِ الثَّانِي ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً وَفُعِلَ كَمَا سَبَقَ فِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سِتَّةٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ فَيُضَمُّ إلَى كُلِّ نَفِيسٍ خَسِيسٌ فَتَسْتَوِي الْأَجْزَاءُ عَدَدًا وَقِيمَةً ( أَوْ ) أَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ ( بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ ) مِنْهُمْ ( مِائَةٌ ، وَ ) قِيمَةُ ( ثَلَاثَةٍ ) مِنْهُمْ ( مِائَةٌ جُعِلَ الْأَوَّلُ جُزْءًا وَالِاثْنَانِ
جُزْءًا وَالثَّلَاثَةُ جُزْءًا ) وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : تَابَعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي هَذَا الْمِثَالِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَإِنَّ السِّتَّةَ لَهَا ثُلُثٌ صَحِيحٌ ، وَإِنَّمَا مِثَالُهُ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خَمْسَةٌ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَحِينَئِذٍ فَالْعِبَارَةُ مَعْكُوسَةٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ ، وَبِهِ صَرَّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ ا هـ .
وَاعْتَذَرَ الشُّرَّاحُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ : وَفِي عِتْقِ الِاثْنَيْنِ إنْ خَرَجَ وَافَقَ ثُلُثُ الْعَدَدِ ثُلُثَ الْقِيمَةِ ، فَقَوْلُهُ : دُونَ الْعَدَدِ صَادِقٌ بِبَعْضِ الْأَجْزَاءِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِلْمُثْبِتِ قَبْلَهُ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ .
قَالَ : وَلَا يَتَأَتَّى التَّوْزِيعُ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ ( وَإِنْ تَعَذَّرَ ) تَوْزِيعُهُمْ ( بِالْقِيمَةِ ) مَعَ الْعَدَدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَا لَقِيمَتِهِمْ ثُلُثٌ صَحِيحٌ ( كَأَرْبَعَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ ، فَفِي قَوْلٍ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ : وَاحِدٌ ) جُزْءٌ ( وَوَاحِدٌ ) جُزْءٌ ( وَاثْنَانِ ) جُزْءٌ ؛ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ ) كُلُّهُ ( ثُمَّ أُقْرِعَ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ ) بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَيُحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ ، فَإِنَّهُ إنْ خَرَجَ لِلْوَاحِدِ فَعَتَقَ ثُلُثُهُ فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ خَرَجَ لِاثْنَيْنِ فَكَيْفَ يُفْعَلُ ؟ هَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُهُ أَوْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ثَانِيًا ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ا هـ .
وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ لِلتَّعَرُّضِ لَهُ ، فَإِنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقُرْعَةَ تُعَادُ بَيْنَ
الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ ، وَأَنَّهُمْ يُجَزَّءُونَ أَثْلَاثًا كَمَا مَرَّ ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ ( أَوْ ) خَرَجَ الْعِتْقُ ( لِلِاثْنَيْنِ ) الْمَجْمُوعَيْنِ جُزْءًا ( رَقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ اللَّذَيْنِ خَرَجَ لَهُمَا رُقْعَةُ الْعِتْقِ ( فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتِمُّ الثُّلُثُ ( وَفِي قَوْلٍ يُكْتَبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الثَّانِي ) وَهُوَ الْقَارِعُ .
ثَانِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى فَصْلِ الْأَمْرِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَثُلُثُ الْبَاقِي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ ، وَفِي بَعْضِهَا الثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْقُرْعَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي أَرْبَعِ رِقَاعٍ وَيُخْرِجَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ إلَى أَنْ يَتِمَّ الثُّلُثُ ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ أَوَّلًا رُقْعَةٌ بِالْحُرِّيَّةِ عَتَقَ وَتُعَادُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْبَاقِينَ ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ ثَانِيًا عَتَقَ ثُلُثُهُ ( قُلْتُ ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ ) وَهُوَ أَنَّهُمْ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ بِحَيْثُ يَقْرَبُ مِنْ الثُّلُثِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ( وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ مِنْ ذَلِكَ ( وَقِيلَ ) فِي ( إيجَابٍ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وِفَاقًا لِلْقَاضِي وَلِلْإِمَامِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ ( وَ )
حِينَئِذٍ ( إذَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ فَظَهَرَ ) بَعْدَهَا ( مَالٌ ) آخَرُ لِلْمَيِّتِ جَهِلْنَاهُ وَقْتَ الْقُرْعَةِ ( وَخَرَجَ ) الْأَرِقَّاءُ ( كُلُّهُمْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا ) أَيْ تَبَيَّنَ عِتْقُهُمْ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ ، وَلِهَذَا قَالَ ( وَلَهُمْ كَسْبُهُمْ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ ) وَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ كَوَلَدٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ وَجُلِدَ خَمْسِينَ كُمِّلَ حَدُّهُ إنْ كَانَ بِكْرًا ، وَرُجِمَ إنْ كَانَ ثَيِّبًا ، أَوْ لَوْ كَانَتْ أَمَةً زَوَّجَهَا الْوَارِثُ بِالْمِلْكِ بَطَلَ نِكَاحُهَا ، وَلَوْ وَطِئَهَا الْوَارِثُ بِالْمِلْكِ لَزِمَهُ مَهْرُهَا ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَاعَ أَحَدَهُمْ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَطَلَ تَصَرُّفُهُ وَرَجَعَ الْمُؤَجَّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ( وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَهُوَ كَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا عَلَى ظَنِّ الصِّحَّةِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ ( وَإِنْ ) ( خَرَجَ ) مِنْ الثُّلُثِ ( بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ ) فِيمَا إذَا أُعْتِقَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْعَبِيدِ ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ مَعَ الْأَوَّلِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ خَرَجَ بَعْضُ عَبْدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ .
ثُمَّ أَشَارَ إلَى قَاعِدَةٍ ( وَ ) هِيَ كُلُّ ( مَنْ عَتَقَ ) مِنْ الْأَرِقَّاءِ ( بِقُرْعَةٍ ) ( حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ ) لَا مِنْ يَوْمِ الْقُرْعَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِلْعِتْقِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ ( وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَهَا ، بِخِلَافِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ حِينَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ ( وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ ) سَوَاءٌ كَسَبَهُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ
أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ ( وَ ) كُلُّ ( مَنْ بَقِيَ ) أَيْ اسْتَمَرَّ ( رَقِيقًا ) مِنْ الْأَرِقَّاءِ ( قُوِّمَ يَوْمَ الْمَوْتِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْوَارِثِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ يَوْمِ الْمَوْتِ أَقَلَّ أَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِأَقَلِّ الْقِيَمِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إلَى وَقْتِ قَبْضِ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِمْ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِمْ ، فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ كَاَلَّذِي يُغْصَبُ أَوْ يَضِيعُ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهُ ( وَحُسِبَ ) عَلَى الْوَارِثِ ( مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ الْمَوْتِ ) لِلْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْوَارِثِ ( لَا الْحَادِثُ بَعْدَهُ ) أَيْ مَوْتِ الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ وَالْكَسْبِ لِلْوَارِثِ لَا يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْهُ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ .
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا سَبَقَ قَوْلَهُ : ( فَلَوْ ) ( أَعْتَقَ ) فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ( ثَلَاثَةً ) مَعًا ( لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَةَ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( مِائَةٌ وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ ) قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ ( مِائَةً ) ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمْ ( فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ الْمِائَةُ ) الَّتِي اكْتَسَبَهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ عَتَقَ فَلَهُ كَسْبٌ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ وَرَقَّ الْآخَرَانِ ( وَإِنْ خَرَجَ ) الْعِتْقُ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْكَاسِبِ ( عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ ) ثَانِيًا بَيْنَ الْكَاسِبِ ، وَالْآخَرِ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ ( فَإِنْ خَرَجَتْ ) أَيْ الْقُرْعَةُ ( لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ ) وَبَقِيَ ثُلُثَاهُ مَعَ الْكَاسِبِ وَكَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ ، وَهُوَ مَثَلًا قِيمَةُ الْأَوَّلِ وَمَا عَتَقَ مِنْ الثَّانِي ( وَإِنْ خَرَجَتْ ) أَيْ الْقُرْعَةُ ( لَهُ )
أَيْ الْكَاسِبِ ( عَتَقَ رُبُعُهُ وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ مَا عَتَقَ ، وَلَا يَبْقَى ذَلِكَ إلَّا بِمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَتَبِعَهُ مَنْ كَسْبُهُ قَدْرُهَا وَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ ، فَيَبْقَى مِنْ كَسْبِهِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، وَبَقِيَ مِنْهُ مَا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، وَبَقِيَ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، فَجُمْلَةُ التَّرِكَةِ الْمَحْسُوبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، مِنْهَا قِيمَةُ الْعَبِيدِ ثَلَاثُمِائَةٍ .
وَمِنْهَا كَسْبُ أَحَدِهِمْ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، فَجُمْلَةُ مَا عَتَقَ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَجُمْلَةُ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَأَمَّا رُبُعُ كَسْبِهِ فَغَيْرُ مَحْسُوبٍ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا عَتَقَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتَقَسَّطُ عَلَى مَا فِي الْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، فَمَا قَابَلَ مِائَةً مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَانَ لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ ، وَمَا قَابَلَ مِائَةً مِنْ الرِّقِّ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ فَتَزْدَادُ تَرِكَتُهُ بِذَلِكَ ، وَبِازْدِيَادِهَا يَزْدَادُ اسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ فِي الْكَسْبِ فَتَنْقُصُ حِصَّةُ التَّرِكَةِ ، فَدَارَتْ الْمَسْأَلَةُ ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَا يَعْتِقُ مِنْهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا يَعْتِقُ مِنْهُ ، وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُحَرَّرُ ، فَقَالَ : وَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ بِأَنْ يُقَالَ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ الثَّانِي شَيْءٌ ، وَتَبِعَهُ مَنْ كَسْبُهُ مِثْلُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ ، فَيَبْقَى لِلْوَارِثِ ثَلَاثُمِائَةٍ سِوَى شَيْئَيْنِ يَعْدِلُ مِثْلَيْ مَا أَعْتَقَا وَهُوَ مِائَةٌ وَشَيْءٌ ، فَمِثْلَاهُ مِائَتَانِ وَشَيْئَانِ ، وَذَلِكَ مُقَابِلُ ثَلَاثِمِائَةٍ سِوَى شَيْئَيْنِ فَتُجْبَرُ وَتُقَابَلُ ، فَمِائَتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ مُقَابِلُ ثَلَاثِمِائَةٍ يُسْقِطُ الْمِائَتَيْنِ بِالْمِائَتَيْنِ فَتَبْقَى أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ فِي مُقَابَلَةِ مِائَةٍ ، فَالشَّيْءُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ
الَّذِي عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ رُبُعُهُ ، وَتَبِعَهُ مِنْ الْكَسْبِ رُبُعُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ ا هـ كَلَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ، ثُمَّ حَيًّا لَمْ يُعْتَقْ الْحَيُّ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْمَجْهُولِ نَسَبُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُلَاطَفَةِ : أَنْتَ ابْنِي وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ بِمَا يَتَأَتَّى مَعَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ نَسَبُهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَصَدَّقَهُ وَيَعْتِقُ فَقَطْ إنْ كَذَّبَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ لَغَا قَوْلُهُ ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَكَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ .
مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ بِإِعْتَاقٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ وَسِرَايَةٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُ .
( فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ ) ( فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ لُغَةً الْقَرَابَةُ ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُقَارَبَةُ ، وَشَرْعًا عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَهِيَ مُتَرَاخِيَةٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ ، فَيَرِثُ بِهَا الْمُعْتَقُ ، وَيَلِي أَمْرَ النِّكَاحِ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَيَعْقِلُ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } إلَى قَوْلِهِ : { وَمَوَالِيكُمْ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ : { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ } ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ ، وَاللُّحْمَةُ بِضَمِّ اللَّامِ الْقَرَابَةُ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا ، وَلَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُرِثَ لَاشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَلَاخْتَصَّ الِابْنُ الْمُسْلِمُ بِالْإِرْثِ بِهِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ الْمُسْلِمُ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ ، فَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ عَنْهُمَا ( مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ ) أَوْ مُبَعَّضٌ ( بِإِعْتَاقٍ ) مُنْجَزٍ إمَّا اسْتِقْلَالًا أَوْ بِعِوَضٍ كَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ ضِمْنًا كَقَوْلِهِ : اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي .
فَأَجَابَهُ ، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ وُجِدَتْ ( أَوْ كِتَابَةٍ ) بِأَدَاءِ نُجُومٍ ( وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ ) كَأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ( وَسِرَايَةٍ ) كَمَا مَرَّ فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ نَصِيبَهُ ، أَوْ بِإِعْتَاقِ غَيْرِهِ رَقِيقَهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ ( فَوَلَاؤُهُ لَهُ ) إمَّا بِالْإِعْتَاقِ فَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ .
أَمَّا إذَا أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَبْدَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ
خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ لَا لِلْمَالِكِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ سَائِبَةً أَوْ عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَلَاؤُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ كَنَسَبِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ ، إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ ، لِأَنَّ الْمِلْكَ بِزَعْمِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ، وَإِنَّمَا عَتَقَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ .
وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ كَافِرًا فَلَحِقَ الْعَتِيقُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِلثَّانِي .
وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْإِمَامُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِلْمُعْتِقِ .
تَنْبِيهٌ : يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَعَكْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا كَمَا ثَبَتَ عَلَقَةُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا .
ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ ، وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا وَأَوْلَادِهِ وَعُتَقَائِهِ ، فَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ فَمَالُهُ لِلْبِنْتِ ، وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ .
وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِعْتَاقِ كَإِسْلَامِ شَخْصٍ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَحَدِيثُ { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ } قَالَ الْبُخَارِيُّ : اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ ، وَكَالْتِقَاطٍ ، وَحَدِيثُ { تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ : عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ } ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَكَالْحَلِفِ وَالْمُوَالَاةِ ( ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ ) الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَمَنْ يَعْصِبُهُمْ الْعَاصِبُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَمَا مَرَّ ، فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ لَكَانَ مَوْرُوثًا .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَاصِبِ مَعَ وُجُودِ الْمُعْتِقِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ .
فِيمَا إذَا مَاتَ الْعَتِيقُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَالْمُعْتِقُ حُرٌّ كَافِرٌ ، وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ الْمُسْلِمُ ، وَلَوْ قُلْنَا : لَا يَثْبُتُ لَكَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ ، بَلْ الْمُتَأَخَّرُ لَهُمْ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فَوَائِدُهُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْعَصَبَةَ بِمَا زِدْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : ( وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ ) فَلَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَرِثَ الذَّكَرُ دُونَهَا .
ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ : ( إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَأَوْلَادِهِ ) وَإِنْ نَزَلُوا ( وَعُتَقَائِهِ ) وَإِنْ بَعُدُوا .
تَنْبِيهٌ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إلَّا مِنْ مُعْتِقِهَا أَوْ مُنْتَمٍ إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ وَلَدُ الْعَتِيقَةِ الَّذِي عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ حُرٍّ أَصْلِيٍّ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي عِبَارَتِهِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْفَرَائِضِ ، وَذَكَرهَا هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ : ( فَإِنْ ) ( عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا )
كَأَنْ اشْتَرَتْهُ ( ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ ) مِنْ النَّسَبِ لِلْأَبِ وَالْعَبْدِ ( فَمَالُهُ ) أَيْ الْعَتِيقِ ( لِلْبِنْتِ ) لَا لِكَوْنِهَا بِنْتَ مُعْتِقِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا لَا تَرِثُ بَلْ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ مِيرَاثِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ ، فَإِنْ كَانَ كَأَخٍ وَابْنِ عَمٍّ ، فَمِيرَاثُ الْعَتِيقِ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا ؛ لِأَنَّ مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ : سَمِعْت بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ : أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ ، فَقَالُوا : إنَّ الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهَا أَقْرَبَ وَهِيَ عَصَبَةٌ لَهُ بِوَلَائِهَا عَلَيْهِ ، وَوَجْهُ الْغَفْلَةِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ الْمُعْتِقُ .
ثُمَّ عَصَبَتُهُ .
ثُمَّ مُعْتِقُهُ .
ثُمَّ عَصَبَاتُهُ ، وَهَكَذَا ، وَوَارِثُ الْعَبْدِ هَهُنَا عَصَبَةٌ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ ، وَنِسْبَةُ غَلَطِ الْقُضَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَكَاهُ الشَّيْخَانِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ غَلَطِهِمْ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَخٌ وَأُخْتٌ أَبَاهُمَا ، فَأَعْتَقَ الْأَبُ عَبْدًا وَمَاتَ .
ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ ، فَقَالُوا : مِيرَاثُهُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَا مُعْتِقِهِ وَهُوَ غَلَطٌ ، وَإِنَّمَا الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ وَحْدَهُ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : بِلَا وَارِثٍ يَرْجِعُ لِلْأَبِ وَالْعَبْدِ كَمَا مَرَّ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ ( وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ ) وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَكْبَرُ الْجَمَاعَةِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ دُونَ السِّنِّ ، مِثَالُهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ مَعَ ابْنِ ابْنِهِ ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَمَاتَ
أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا ، فَالْوَلَاءُ لِعَمِّهِ دُونَهُ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ لِأَبِيهِ ، فَلَوْ مَاتَ الْآخَرُ وَخَلَفَ تِسْعَةَ بَنِينَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْعَشَرَةِ بِالسَّوِيَّةِ .
وَمَنْ مَسَّهُ رِقٌّ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إلَّا لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتِهِ .
( وَمَنْ مَسَّهُ رِقٌّ ) فَعَتَقَ ( فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ) لِأَحَدٍ ( إلَّا لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتِهِ ) فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِ أَحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ مَنْ أَعْتَقَهُ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ أُصُولِهِ ، فَاخْتَصَّ بِالْوَلَاءِ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَلِدَ رَقِيقُهُ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقٍ أَوْ حُرٍّ فَأُعْتِقَ الْوَلَدُ وَأُعْتِقَ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ اسْتِرْسَالِ الْوَلَاءِ عَلَى أَوْلَادِ الْمُعْتِقِ وَأَحْفَادِهِ ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ صُورَةً أُخْرَى وَهِيَ مَنْ أَبُوهُ حُرٌّ أَصْلِيٌّ ، فَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ لِلْأَبِ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ، فَكَذَا الْفَرْعُ ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ حُرِّيَّةِ الْأَبِ تُبْطِلُ دَوَامَ الْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كَمَا سَيَأْتِي فَدَوَامُهَا أَوْلَى بِأَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتُهَا لَهُمْ ، أَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ مُعْتَقٌ تَزَوَّجَ بِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ ، فَفِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْوَلَدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلنَّسَبِ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ ، فَحُرِّيَّتُهَا تَمْنَعُ الْوَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ كَالْأَبِ ، وَلَا وَلَاءَ عَلَى ابْنِ حُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ مَاتَ أَبُوهُ رَقِيقًا ، فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ ، فَهَلْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ أَمْ لَا ؟ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ابْتِدَاءً ، فَكَذَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ ، وَمَنْ وُلِدَ بَيْنَ حُرَّيْنِ ، ثُمَّ رَقَّ أَبَوَاهُ ، ثُمَّ زَالَ رِقُّهُمَا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَشْمَلْهُ لِحُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي .
وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمّ ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ ، وَقِيلَ يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الْأَبُ فَيَنْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ ، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ أَبَاهُ جُرَّ وَلَاءُ إخْوَتِهِ إلَيْهِ ، وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ أَشَارَ لِوَلَاءِ الِانْجِرَارِ بِقَوْلِهِ : ( وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ أُمِّهِ ( فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ ) الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ ( إلَى مَوَالِيهِ ) أَيْ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعُ النَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِعَدَمِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ، فَإِذَا أَمْكَنَ عَادَ إلَى مَوْضِعِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَعْنَى الِانْجِرَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْ وَقْتِ عِتْقِ الْأَبِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ ، فَإِذَا انْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ ، بَلْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَلَوْ لَحِقَ مَوَالِي الْأَبِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبُوا هَلْ يَعُودُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ ؟ حَكَى ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ، وَمَحِلُّ الِانْجِرَارِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتِقُ الْأَبِ هُوَ الِابْنَ نَفْسَهُ ، فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَاءَ الِابْنِ بَاقٍ لِمَوَالِي أُمِّهِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ ) الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ ( إلَى مَوَالِيهِ ) أَيْ الْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فِي النَّسَبِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ انْجِرَارٌ ( فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ ) الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ أَيْضًا لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ ) أَيْ الْجَدِّ ( انْجَرَّ ) مِنْ مَوَالِي الْجَدِّ ( إلَى مَوَالِيهِ ) أَيْ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا جَرَّهُ لِكَوْنِ الْأَبِ كَانَ رَقِيقًا ، فَإِذَا عَتَقَ كَانَ أَوْلَى بِالْجَرِّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ ، وَإِذَا انْقَرَضَ مَوَالِي الْأَبِ لَا يَعُودُ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ ، وَلَا إلَى مَوَالِي الْأُمِّ بَلْ يَبْقَى لِبَيْتِ الْمَالِ (
وَقِيلَ ) لَا يَنْجَرُّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ بَلْ ( يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الْأَبُ فَيَنْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَنْجَرَّ لِبَقَاءِ الْأَبِ رَقِيقًا ، فَإِذَا مَاتَ زَالَ الْمَانِعُ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْجَرُّ مِنْ مُعْتَقِي الْأُمِّ إلَى مُعْتَقِ أَبِي الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ ( وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ ) الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أَبِيهِ بِسَبَبِ رِقِّ أُمِّهِ ( أَبَاهُ ) وَعَتَقَ عَلَيْهِ ( جُرَّ وَلَاءُ إخْوَتِهِ ) لِأَبِيهِ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِمْ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْوَلَدِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أُمِّهِ أَمْ مِنْ مُعْتَقَةٍ أُخْرَى ( وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ ) جُرَّ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) فِي الْمُحَرَّرِ كَإِخْوَتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْأَبَ غَيْرُهُ ، ثُمَّ يَسْقُطُ وَيَصِيرُ كَحُرٍّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ( قُلْت ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ : ( الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ ) أَيْ وَلَاءَ نَفْسِهِ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَيْهِ ، بَلْ يَسْتَمِرُّ الْوَلَاءُ لَهُمْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَرَّهُ لَثَبَتَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَاءٌ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ أَوْ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ وَأَخَذَ النُّجُومَ يَعْتِقُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ سَهْوٌ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ أَعْتَقَ عَتِيقٌ أَبَا مُعْتِقِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ أَجْنَبِيٌّ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَاشْتَرَيَا أَبَاهُمَا فَلَا وَلَاءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى .
وَلَوْ خُلِقَ حُرٌّ مِنْ حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ وَأَجْدَادُهُ أَرِقَّاءُ ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَغْرُورِ ، وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَنَحْوِهِمَا .
فَإِذَا عَتَقَتْ أُمُّ أُمِّهِ فَالْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِهَا ، فَإِنْ عَتَقَ أَبُو أُمِّهِ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُبُوَّةِ أَقْوَى وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مَنْ انْجَرَّ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ .
وَلَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ وَابْنٌ كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَ مَوْتِ مُعْتِقِهِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِ فَقَطْ ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُمَا ، وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ مُعْتِقِهِ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ .
صَرِيحُهُ أَنْتَ حُرُّ بَعَدَ مَوْتِي ، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا دَبَّرْتُكَ وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي .
كِتَابُ التَّدْبِيرِ هُوَ لُغَةً : النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَشَرْعًا : تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دُبُرُ الْحَيَاةِ فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ ، وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّبُرِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تَدْبِيرَهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ حَيَاتِهِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِعِتْقِهِ ، وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ ، وَقِيلَ : إنَّهُ مُبْتَدَأٌ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ التَّدْبِيرُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ مِنْ الْوَصَايَا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } فَتَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ ، وَاسْمُ الْغُلَامِ يَعْقُوبُ ، وَمُدَبِّرُهُ مَذْكُورٌ الْأَنْصَارِيُّ ، وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ } وَنَسَبَهُ إلَى الْخَطَإِ .
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ : صِيغَةٌ وَمَالِكٌ ، وَمَحِلٌّ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ ، وَهُوَ إمَّا صَرِيحٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَقَالَ ( صَرِيحُهُ ) الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ التَّدْبِيرِ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ ( أَنْتَ حُرٌّ ) أَوْ حَرَّرْتُكَ ( بَعْدَ مَوْتِي ، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ) أَوْ عَتِيقٌ ( أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي ) وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَنْتَ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ مَوْتِي ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَهُوَ شَأْنُ الصَّرِيحِ ( وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَاهُ ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ مِنْ الْكِنَايَةِ وَهُوَ كِنَايَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ
لَفْظِ الْعَتِيقِ وَالْحُرِّيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْتُهُ ، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ كَذَا كَانَ أَوْلَى .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ : ( وَيَصِحُّ بِكِنَايَةٍ عِتْقٌ مَعَ نِيَّةٍ ك خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي ) نَاوِيًا الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعِتْقِ فَدَخَلَتْهُ كِنَايَتُهُ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حَرَامٌ أَوْ مُسَيَّبٌ أَوْ مَالِكٌ نَفْسَكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ ، وَيَصِحُّ أَيْضًا بِلَفْظِ التَّحْبِيسِ الَّذِي هُوَ مِنْ صَرَائِحِ الْوَقْفِ كَمَا نَقَلَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ عَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ دَبَّرَ بَعْضَهُ نُظِرَ إنْ كَانَ مُبْهَمًا كَرُبُعِهِ صَحَّ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَلَا يَسْرِي كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ مُعَيَّنًا كَيَدِهِ لَغَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَسْت بِحُرٍّ لَا يَصِحُّ كَمِثْلِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فِيمَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ جُهِلَتْ إرَادَتُهُ .
فَإِنْ قَالَهُ فِي مَعْرِضِ الْإِنْشَاءِ عَتَقَ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ فَلَا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْإِقْرَارِ .
وَيَجُوزُ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى ، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا ، وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، فَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لَا بَيْعُهُ .
( وَيَجُوزُ ) التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَ ( مُقَيَّدًا ) بِشَرْطٍ فِي الْمَوْتِ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُ بَقَاءُ السَّيِّدِ إلَيْهَا ( كَإِنْ ) أَوْ مَتَى ( مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ ) فِي ذَا ( الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ ) قِيَاسًا عَلَى الْمُطْلَقِ ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ ، كَإِنْ مِتُّ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ ( وَ ) يَجُوزُ التَّدْبِيرُ أَيْضًا ( مُعَلَّقًا ) عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ ( كَإِنْ ) أَوْ إذَا أَوْ مَتَى ( دَخَلْتُ ) الدَّارَ ( فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى ) ؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ تَعْلِيقَ عِتْقٍ بِصِفَةٍ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ( فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ ، وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَدْخُلَ .
تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ الْمُعَلَّقَ قَسِيمُ الْمُقَيَّدِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَسِيمُهُ مَا قَبْلَهُ ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ ( الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ ) كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا تَدْبِيرَ وَيَلْغُو التَّعْلِيقُ ( فَإِنْ قَالَ ) : إذَا دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي ، أَوْ ( إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ ) الدَّارَ ( فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ ( دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ) عَمَلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ ، فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ ، وَهَهُنَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَدُخُولِ الدَّارِ بَعْدَهُ ، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ تَرْتِيبَ الدُّخُولِ ، لَكِنْ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيِّ الِاشْتِرَاطُ أَيْضًا
.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا قُبَيْلَ الْخُلْعِ مَا يُوَافِقُهُ وَخَالَفَ فِي الطَّلَاقِ ، فَجَزَمَ فِيمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ وَتَأَخُّرِهِ .
ثُمَّ قَالَ : وَأَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ إلَى وَجْهٍ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَوَّلِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الصَّوَابُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ هُنَا كَمَا هُنَاكَ ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ ؟ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ( وَهُوَ ) أَيْ الدُّخُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ ( عَلَى التَّرَاخِي ) لِاقْتِضَاءِ ثَمَّ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى ذَلِكَ تَرْكُ الْعَبْدِ عَلَى اخْتِيَارِهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَارِثِ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَحِلَّهُ قَبْلَ عَرْضِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَبَى لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَشِيئَةِ الْآتِيَةِ ( وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ ) وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَ ( قَبْلَ الدُّخُولِ ) إذْ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُبْطِلَهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُبْطِلَهُ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي إبْطَالُهُ ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ وَلَهُ كَسْبُهُ قَبْلَهُ ( وَلَوْ قَالَ ) أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا ، أَوْ ( إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ ) بَعْدَ مَوْتِي ( فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ ) كَسْبُهُ ، وَ ( اسْتِخْدَامُهُ ) وَإِجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ ( فِي الشَّهْرِ ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ ( لَا بَيْعُهُ ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمُوَرِّثِ ، وَهَذَا أَيْضًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ ، وَهَكَذَا كُلُّ تَعْلِيقٍ بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ كَقَوْلِهِ : إذَا شِئْتَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ شَاءَ فُلَانٌ ، ثُمَّ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةً ، وَإِنْ قَالَ : مَتَى شِئْتَ فَلِلتَّرَاخِي .
( وَلَوْ ) ( قَالَ ) لِعَبْدِهِ ( إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ ) ( اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ ) لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ فِي الصُّورَتَيْنِ ، حَالَ كَوْنِهَا ( مُتَّصِلَةً ) اتِّصَالًا لَفْظِيًّا ، بِأَنْ يُوجَدَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَقِبَ اللَّفْظِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْحَالِ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّهُ كَالتَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْحَالِ ( وَإِنْ ) ( قَالَ : مَتَى ) أَوْ مَتَى مَا أَوْ مَهْمَا ( شِئْتَ ) بَدَلَ إنْ شِئْتَ ( فَلِلتَّرَاخِي ) ؛ لِأَنَّ مَتَى مَوْضُوعَةٌ لِلزَّمَانِ فَاسْتَوَى فِيهَا جَمِيعُ الْأَزْمَانِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَالِ الْمَشِيئَةُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ بِهَا إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ نَوَاهَا فَيُشْتَرَطُ بَعْدَهُ ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ حِينَئِذٍ تَفْصِيلٌ ، وَهُوَ إذَا قَالَ : فَإِذَا مِتُّ فَشِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ فَوْرُ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْأَصَحِّ ، كَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْفَاءِ ، فَإِنْ قَالَ فَإِذَا مِتُّ فَمَتَى شِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا ، وَقَوْلُهُ : إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْت أَوْ إذَا شِئْت ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَشِيئَةَ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حُمِلَ عَلَى الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَكَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الَّتِي تَوَسَّطَ فِيهَا الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ : إنْ أَوْ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا حُمِلَ تَأْخِيرُ الشَّرْطِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ ، وَتُشْتَرَطُ الْمَشِيئَةُ هُنَا فَوْرًا بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَمَتَى لَمْ يَعْتَبِرْ الْفَوْرَ فِي الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ
عُرِضَتْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِلْوَارِثِ بَيْعُهُ كَمَا مَرَّ .
وَ لَوْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا : إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ .
وَشَرْطُ التَّدْبِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَوْ ) ( قَالَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ ( لِعَبْدِهِمَا إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ ) ( لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ( فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ ) وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ كَاسْتِخْدَامٍ أَوْ إجَارَةٍ ، وَفِي كَسْبِهِ بَيْنَ مَوْتِ الشَّرِيكَيْنِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ فَاكْتَسَبَ مَالًا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ حَالَةَ الِاكْتِسَابِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، ثُمَّ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِمَا مَعًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا عِتْقٌ بِتَدْبِيرٍ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ يُعَلِّقُهُ بِمَوْتِهِ ، بَلْ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ ، وَفِي مَوْتِهِمَا مُرَتَّبًا يَصِيرُ نَصِيبُ الْمُتَأَخِّرِ مَوْتًا مُدَبَّرًا دُونَ نَصِيبِ الْمُتَقَدِّمِ .
وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ ، وَكَذَا مُمَيِّزٌ فِي الْأَظْهَرِ ، وَيَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ ، وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ ، وَلَوْ دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ لَمْ يَبْطُلْ ، وَلِحَرْبِيٍّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ إلَى دَارِهِمْ .
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ ( وَ ) لَا تَدْبِيرُ ( صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلتَّبَرُّعِ .
أَمَّا إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُ وَدَبَّرَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ جُنِنْتَ فَجُنَّ هَلْ يَعْتِقُ ؟ .
قَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : نَعَمْ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ حَصَلَ فِي الصِّحَّةِ ، وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ لِلْجُنُونِ كَالْمُبْتَدَأِ فِيهِ ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ( وَكَذَا مُمَيِّزٍ ) لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) كَإِعْتَاقِهِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ إذْ لَا تَضْيِيعَ فِيهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّدْبِيرِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ ) وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَلِوَلِيِّهِ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ بِالْبَيْعِ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَمِنْ مُفْلِسٍ وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، وَمِنْ مُبَعَّضٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا إسْلَامٌ ( وَ ) حِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنْ ( كَافِرٍ أَصْلِيٍّ ) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَتَعْلِيقُهُ الْعِتْقَ عَلَى صِفَةٍ ، وَمِنْ سَكْرَانَ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ حُكْمًا ( وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ ) فَعَلَى الْأَظْهَرِ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ صِحَّتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَقَدْ سَبَقَتْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ .
( وَلَوْ ) ( دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ ) تَدْبِيرُهُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) صِيَانَةً لِحَقِّ الْعَبْدِ عَنْ الضَّيَاعِ ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَقْبَلَةِ دُونَ الْمَاضِيَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ السَّابِقَيْنِ عَلَيْهَا ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ ، وَالثَّالِثُ الْبِنَاءُ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ ( وَلَوْ ارْتَدَّ ) الْعَبْدُ ( الْمُدَبَّرُ ) أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ ( لَمْ يَبْطُلْ )
تَدْبِيرُهُ وَإِنْ صَارَ دَمُهُ يُهْدَرُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِيهِ ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ وَالْكِتَابَةُ بِهَا .
ثُمَّ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ ، وَلَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَيِّدُهُ حَيًّا فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ مَاتَ فَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ مَيِّتًا ، فَفِي جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ عَتِيقِهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي مَحِلِّهِ ، وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى مُدَبَّرٍ مُسْلِمٍ ، ثُمَّ عَادَ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ كَمَا كَانَ ( وَلِحَرْبِيٍّ ) دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ( حَمْلُ مُدَبَّرِهِ ) الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ دَارِنَا ( إلَى دَارِهِمْ ) وَلَوْ جَرَى التَّدْبِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُدَبَّرُ بِالرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ بَاقِيَةٌ فِيهِ ، وَيَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ مَا أَثْبَتَهُ لَهُ .
تَنْبِيهٌ : حُكْمُ مُسْتَوْلَدَةِ الْحَرْبِيِّ كَمُدَبَّرِهِ فِيمَا مَرَّ ، بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ عَنْهُ ، وَبِخِلَافِ مُدَبَّرِهِ الْمُرْتَدِّ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ شِرَائِهِ .
وَلَوْ كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ .
( وَلَوْ ) ( كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ ) مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صُوَرِ مِلْكِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ( فَدَبَّرَهُ ) ( نُقِضَ ) أَيْ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ( وَبِيعَ عَلَيْهِ ) لِمَا فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِذْلَالِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ فِي تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ ، وَمَعْنَاهُ بِيعَ عَلَيْهِ وَنُقِضَ تَدْبِيرُهُ بِالْبَيْعِ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَقَوْلُهُ نُقِضَ هَلْ مَعْنَاهُ إبْطَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ إبْطَالِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ ، أَوْ مَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ أَمْ لَا ؟ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
وَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ تَدْبِيرِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ بِهِ .
وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ نُزِعَ مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ ، وَصُرِفَ كَسْبُهُ إلَيْهِ ، وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ .
( وَلَوْ ) ( دَبَّرَ كَافِرٌ ) عَبْدًا ( كَافِرًا فَأَسْلَمَ ) الْعَبْدُ ( وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ ) بِالْقَوْلِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ الْآتِي ( نُزِعَ ) الْعَبْدُ ( مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ ) وَجُعِلَ عِنْدَ عَدْلٍ دَفْعًا لِلذُّلِّ عَنْهُ وَلَا يُبَاعُ بَلْ يَبْقَى مُدَبَّرًا لِتَوَقُّعِ الْحُرِّيَّةِ ( وَصُرِفَ كَسْبُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( إلَيْهِ ) أَيْ سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَتُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ ( وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ ) عَلَيْهِ وَيُنْقَضُ التَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لَا يَبْقَى فِي يَدِ الْكَافِرِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَحِقَ سَيِّدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَبُعِثَ بِالْفَاضِلِ لَهُ .
وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ ، وَالتَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ ، وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الْكَافِرِ لَمْ يُبَعْ ، فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ ( وَلَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( بَيْعُ الْمُدَبَّرِ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ ، وَيُسْتَثْنَى السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهُ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ بَيْعَهُ لِأَجْلِ إبْطَالِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ جَزْمًا ( وَالتَّدْبِيرُ ) مُقَيَّدًا كَانَ أَوْ مُطْلَقًا ( تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِينَ ( وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ ) لِلْعَبْدِ بِعِتْقِهِ نَظَرًا إلَى اعْتِبَارِ إعْتَاقِهِ مِنْ الثُّلُثِ ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ ، وَكَذَا الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ فَوْقَ الثَّلَاثِينَ نَصًّا ، ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ .
فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ كَأَبْطَلْته فَسَخْتُهُ نَقَضْتُهُ رَجَعْتُ فِيهِ صَحَّ إنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَا .
( فَلَوْ ) ( بَاعَهُ ) أَيْ السَّيِّدُ مُدَبَّرَهُ ( ثُمَّ مَلَكَهُ ) ( لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ ) أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ الْحِنْثِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ ، وَقِيلَ : يَعُودُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَوْدِ الْحِنْثِ ( وَلَوْ ) ( رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ك أَبْطَلْته ) أَوْ ( فَسَخْتُهُ ) أَوْ ( نَقَضْتُهُ ) أَوْ ( رَجَعْتُ فِيهِ ) ( صَحَّ إنْ قُلْنَا ) بِالرُّجُوعِ وَهُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ ( وَصِيَّةٌ ) كَمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قُلْنَا هُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ ( فَلَا ) يَصِحُّ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ .
تَنْبِيهٌ : مُرَادُهُ بِالْقَوْلِ اللَّفْظُ أَوْ الْمُنْزَلُ مَنْزِلَتَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِيُدْخِلَ الْأَخْرَسَ الْمَفْهُومَ الْإِشَارَةِ ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ حَرْفَ الْعَطْفِ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِمْ : أَكَلْت سَمَكًا تَمْرًا لَحْمًا شَحْمًا .
وَلَوْ عُلِّقَ مُدَبَّرٌ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ .
( وَلَوْ ) ( عُلِّقَ مُدَبَّرٌ ) أَيْ عُلِّقَ عِتْقُهُ ( بِصِفَةٍ ) كَأَنْ قَالَ سَيِّدُهُ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ الْمُطْلَقِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ( صَحَّ ) وَبَقِيَ التَّدْبِيرُ بِحَالِهِ كَمَا لَوْ دُبِّرَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ( وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ ) تَعْجِيلًا لِلْعِتْقِ ، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَتَقَ بِهَا ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ .
وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَةٍ ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ .
( وَلَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( وَطْءُ ) أَمَةٍ ( مُدَبَّرَةٍ ) لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا كَالْمُسْتَوْلَدَةِ ، وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ أَمَتَهُ وَكَانَ يَطَؤُهَا ( وَلَا يَكُونُ ) وَطْؤُهُ لَهَا ( رُجُوعًا ) عَنْ التَّدْبِيرِ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَمْ لَا ، هَذَا إنْ لَمْ يُولِدْهَا ( فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الدِّينُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَرَفَعَهُ بِالْأَقْوَى كَمَا رَفَعَ مِلْكُ الْيَمِينِ النِّكَاحَ ( وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ بِجِهَةٍ هِيَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ لَنَا مَا يَمْتَنِعُ التَّدْبِيرُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ .
وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ
( وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ ) كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا فَيَعْتِقُ بِالْأَسْبَقِ مِنْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ ، فَإِنْ أَدَّى الْمَالَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ ، وَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَيَبْقَى التَّدْبِيرُ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : عِنْدِي لَا تَبْطُلُ ، وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، فَكَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ بِالْإِعْتَاقِ فَكَذَا بِالتَّدْبِيرِ .
قَالَ أَعْنِي ابْنَ الصَّبَّاغِ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْبُطْلَانِ زَوَالَ الْعَقْدِ دُونَ سُقُوطِ أَحْكَامِهِ ا هـ .
وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَوَّلَ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِحْبَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ بِالْإِحْبَالِ حَتَّى يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا وَكَسْبُهَا مَعَ كَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَبْقَى مَا زَادَ مُكَاتَبًا وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ النُّجُومِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ إنْ عَتَقَ نِصْفُهُ فَنِصْفُ النُّجُومِ ، أَوْ رُبُعُهُ فَرُبُعُهَا .
وَكِتَابَةُ مُدَبَّرٍ .
( وَ ) تَصِحُّ ( كِتَابَةُ مُدَبَّرٍ ) كَعَكْسِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا كَمَا مَرَّ ، وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ مِنْ الْمَوْتِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ .
قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي : وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَخْذًا مِنْ مُقَابِلِهِ فِيهَا الَّذِي جَرَى هُوَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ هُنَا لَاحِقَةٌ وَفِيمَا مَرَّ سَابِقَةٌ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ عُلِّقَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ وُجُودِ الصِّفَةِ وَالْأَدَاءِ .
تَتِمَّةٌ : تُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ الْعَبْدِ بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ عَلَى السَّيِّدِ فِي حَيَاتِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَيَحْلِفُ السَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ وَالْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الدَّعَاوَى ، وَيُقْبَلُ عَلَى الرُّجُوعِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَلَا بُدَّ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَهُوَ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا .
[ فَصْلٌ ] وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الْأَظْهَرِ .
[ فَصْلٌ ] فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ .
إذَا ( وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ ) وَلَدًا ( مِنْ نِكَاحٍ أَوْ ) مِنْ ( زِنًا ) أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ بِأَمَةٍ حَدَثَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَانْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ ( لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْبَلُ الرَّفْعَ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالرَّهْنِ .
وَالثَّانِي : يَثْبُتُ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ الْعِتْقِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَإِنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُهَا قَطْعًا ، وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ قَطْعًا .
وَلَوْ دَبَّرَ حَامِلًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا دَامَ تَدْبِيرُهُ ، وَقِيلَ : إنْ رَجَعَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ فَلَا ، وَلَوْ دَبَّرَ حَمْلًا صَحَّ ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَ دُونَ الْأُمِّ ، وَإِنْ بَاعَهَا صَحَّ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ .
( وَلَوْ ) ( دَبَّرَ حَامِلًا ) وَأَطْلَقَ ( ثَبَتَ لَهُ ) أَيْ الْحَمْلُ ( حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ) تَبَعًا لَهَا ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي الْمَبْنِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ لَا يَثْبُتُ ، وَيُعْرَفُ وُجُودُ الْحَمْلِ بِوَضْعِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ التَّدْبِيرِ ، وَإِنْ وَضَعْتُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينَئِذٍ لَمْ يَتْبَعْهَا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ لَهَا زَوْجُهَا يَفْتَرِشُهَا فَلَا يَتْبَعُهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَيَتْبَعُهَا ، وَإِنْ انْفَصَلَ فِيهَا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهَا ( فَإِنْ ) ( مَاتَتْ ) أَيْ الْأُمُّ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ بَعْدَ انْفِصَالِ الْحَمْلِ ( أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا ) بِالْقَوْلِ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ ( دَامَ تَدْبِيرُهُ ) أَيْ الْحَمْلِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَالرُّجُوعِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ( وَقِيلَ : إنْ رَجَعَ ) وَأَطْلَقَ ( وَهُوَ ) أَيْ الْحَمْلُ ( مُتَّصِلٌ ) بِهَا ( فَلَا ) يَدُومُ تَدْبِيرُهُ بَلْ يَتْبَعُهَا فِي الرُّجُوعِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِ مَعْنَى الْعِتْقِ ، وَالْعِتْقُ لَهُ قُوَّةٌ .
أَمَّا لَوْ قَالَ : رَجَعْتُ عَنْ تَدْبِيرِهَا دُونَ تَدْبِيرِهِ فَإِنَّهُ يَدُومُ فِيهِ قَطْعًا ( وَلَوْ ) ( دَبَّرَ ) الْأُمَّ دُونَ حَمْلِهَا بِأَنْ اسْتَثْنَاهُ صَحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَشَرَطَا أَنْ تَلِدَهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بَطَلَ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَلِدُ إلَّا حُرًّا وَإِنْ دَبَّرَ ( حَمْلًا ) بِمُفْرَدِهِ ( صَحَّ ) أَيْضًا كَمَا يَصِحُّ إعْتَاقُهَا دُونَهَا وَلَا تَتْبَعُهُ الْأُمُّ ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ فَلَا يَكُونُ مَتْبُوعًا ( فَإِنْ مَاتَ ) السَّيِّدُ ( عَتَقَ ) الْحَمْلُ ( دُونَ الْأُمِّ ) لِمَا مَرَّ ( وَإِنْ
بَاعَهَا ) مَثَلًا حَامِلًا ( صَحَّ ) الْبَيْعُ ( وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ تَدْبِيرِ الْحَمْلِ قَصَدَ الرُّجُوعَ أَمْ لَا ، لِدُخُولِ الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ ، وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ : دَبَّرَنِي حَامِلًا فَالْوَلَدُ حُرٌّ ، أَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْأُولَى : بَلْ دَبَرَكَ حَائِلًا فَهُوَ قِنٌّ وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ : بَلْ وَلَدْته قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ قِنٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ .
وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ هَلْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَبَّرَةِ التَّدْبِيرَ لِوَلَدِهَا حِسْبَةً لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِنَّةً وَادَّعَتْ عَلَى السَّيِّدِ ذَلِكَ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا .
وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ ، وَفِي قَوْلٍ إنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ عَتَقَ .
( وَلَوْ ) ( وَلَدَتْ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا ) بِصِفَةٍ وَلَدًا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا وَانْفَصَلَ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ ( لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ ) بِعِتْقِهَا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْوَلَدِ كَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ ( وَفِي قَوْلٍ إنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ عَتَقَ ) الْوَلَدُ ، وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ عَتَقَ الْحَمْلُ قَطْعًا ، وَالْحَامِلُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ كَالْحَامِلِ عِنْدَ التَّدْبِيرِ فَيَتْبَعُهَا الْحَمْلُ .
وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ ، وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ قِنٍّ .
( وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ ) الْمَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَا أَبَاهُ ، فَكَذَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ ( وَجِنَايَتُهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرِ مِنْهُ ، وَعَلَيْهِ ( كَجِنَايَةِ قِنٍّ ) كَذَلِكَ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَتَلَ بِجِنَايَةٍ فَاتَ التَّدْبِيرُ أَوْ بِيعَ فِيهَا بَطَلَ التَّدْبِيرُ ، فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ بَقِيَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ قَتَلَ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ عَبْدًا يُدَبِّرُهُ ، وَلَوْ بِيعَ بَعْضُهُ فِي الْجِنَايَةِ بَقِيَ الْبَاقِي مُدَبَّرًا ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَقَدْ جَنَى الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَخْتَرْ فِدَاءَهُ فَمَوْتُهُ كَإِعْتَاقِ الْقِنِّ الْجَانِي .
فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا عَتَقَ وَفُدِيَ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَيَفْدِيه بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ .
وَالْأَرْشُ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ إنْ اسْتَغْرَقَتْهُ الْجِنَايَةُ ، وَإِلَّا فَيَعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثُ الْبَاقِي ، وَلَوْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ مَالِ الْجِنَايَةِ فَفَدَاهُ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ فَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَارِثِ إجَازَةٌ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُتِمُّ بِهِ قَصْدَ الْمُورَثِ .
وَيَعْتِقُ بِالْمَوْتِ مِنْ الثُّلُثِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ كَإِنْ دَخَلْت فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ احْتَمَلَتْ الصِّحَّةَ فَوُجِدَتْ فِي الْمَرَضِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَيَعْتِقُ ) الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ( بِالْمَوْتِ ) لِسَيِّدِهِ ، لَكِنَّهُ مَحْسُوبٌ ( مِنْ الثُّلُثِ كُلِّهِ ) أَيْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ( أَوْ ) يَعْتِقُ ( بَعْضُهُ ) إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ ( بَعْدَ الدَّيْنِ ) وَبَعْدَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ فِي الْمَرَضِ ، وَإِنْ وَقَعَ التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ ، أَوْ نِصْفَهَا وَالتَّرِكَةُ نَفْسَ الْمُدَبَّرِ فَقَطْ بِيعَ نِصْفُهُ فِي الدَّيْنِ وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالٌ سِوَاهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَالْحِيلَةُ فِي عِتْقِ جَمِيعِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنْ يَقُولَ : أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَرَضِ مَوْتِي بِيَوْمٍ ، وَإِنْ مِتُّ فَجْأَةً فَقَبْلَ مَوْتِي بِيَوْمٍ ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَسْأَلَةٌ سَبَقَتْ فِي الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ : وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ ، وَذَكَرْتُ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ ( وَلَوْ ) ( عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ ) أَيْ مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِيهِ ( كَإِنْ دَخَلْت ) الدَّارَ ( فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ ) ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ ( عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ ) عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ كَمَا لَوْ نَجَزَ عِتْقَهُ ( وَإِنْ احْتَمَلَتْ ) الصِّفَةُ ( الصِّحَّةَ ) وَالْمَرَضَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ ( فَوُجِدَتْ ) تِلْكَ الصِّفَةُ ( فِي الْمَرَضِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) يَكُونُ الْعِتْقُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا بِإِبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ .
وَالثَّانِي : يَكُونُ الْعِتْقُ مِنْ الثُّلُثِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَنُزُولِ الْمَطَرِ
، فَإِنْ وُجِدَتْ بِاخْتِيَارِهِ كَدُخُولِ الدَّارِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ جَزْمًا ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْعِتْقَ فِي مَرَضِهِ .
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ .
فَرْعٌ : لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ فَمَرِضَ وَعَاشَ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ فَمِنْ الثُّلُثِ ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فَوُجِدَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ عَتَقَ اعْتِبَارًا بِحَالِ التَّعْلِيقِ أَوْ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا ، وَلَوْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَتَقَ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ وَالْفَلَسِ لِحَقِّ الْغَيْرِ ، وَهُوَ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ ، بِخِلَافِ السَّفَهِ وَالْجُنُونِ .
وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَمَالُهُ غَائِبٌ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ لَمْ يَحْكُمْ بِعِتْقِ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْغَائِبِ مِثْلَاهُ فَيُتَبَيَّنُ عِتْقُهُ مِنْ الْمَوْتِ وَيُوقَفُ كَسْبُهُ ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ دَيْنٌ وَثُلُثُهَا يَحْتَمِلُ الْمُدَبَّرَ فَأُبْرِئَ مِنْ الدَّيْنِ تُبُيِّنَ عِتْقُهُ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ .
وَلَوْ ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ يَحْلِفُ .
( وَلَوْ ) ( ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَهُ ) سَيِّدُهُ ( فَلَيْسَ ) إنْكَارُهُ لَهُ ( بِرُجُوعٍ ) عَنْ التَّدْبِيرِ ، وَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ بِالْقَوْلِ كَمَا أَنَّ جُحُودَ الرِّدَّةِ لَا يَكُونُ إسْلَامًا وَجُحُودَ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ رَجْعَةً ( بَلْ يَحْلِفُ ) السَّيِّدُ أَنَّهُ مَا دَبَّرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْيَمِينُ ، بَلْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ الْيَمِينَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ : إنْ كُنْتُ دَبَّرْتُهُ فَقَدْ رَجَعْتُ إنْ جَوَّزْنَا الرُّجُوعَ بِالْقَوْلِ ، فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَ الْعَبْدُ ، وَثَبَتَ تَدْبِيرُهُ ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِتَدْبِيرِهِ .
وَلَوْ وُجِدَ مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ فَقَالَ : كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، وَقَالَ الْوَارِثُ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ .
( وَلَوْ ) ( وُجِدَ ) بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ( مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ ) أَوْ نَحْوُهُ فِي يَدِهِ فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِيهِ ( فَقَالَ ) الْمُدَبَّرُ ( كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ .
وَقَالَ الْوَارِثُ ) بَلْ كَسَبْته ( قَبْلَهُ ) ( صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ فَتَرَجَّحَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ إذَا قَالَتْ وَلَدْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْوَارِثُ : بَلْ قَبْلَهُ فَهُوَ قِنٌّ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ حُرِّيَّتَهُ ، وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ ( وَإِنْ أَقَامَا ) أَيْ الْمُدَبَّرُ وَالْوَارِثُ ( بَيِّنَتَيْنِ ) بِمَا قَالَاهُ ( قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرِ عَلَى النَّصِّ ، وَقُطِعَ بِهِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ ، وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ ، فَقَالَ كَانَ فِي يَدِي وَدِيعَةً لِرَجُلٍ وَمَلَكْتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْضًا .
وَلَوْ دَبَّرَ رَجُلَانِ أَمَتَهُمَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَحِقَهُ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ مَهْرِهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِهَا كَمَا مَرَّ ، وَمَا فِي الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ ، وَهُوَ أَنَّ السِّرَايَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ وَيَلْغُو رَدُّ الْمُدَبَّرِ التَّدْبِيرَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ دَبَّرَ السَّيِّدُ عَبْدًا ، ثُمَّ مَلَّكَهُ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مَلَكَهُ السَّيِّدُ سَوَاءٌ أَقُلْنَا : إنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ أَمْ لَا ، وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ ، .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا لَمْ تَعْتِقْ إلَّا بِمُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ ، وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي حُكْمِ الصِّفَةِ إلَّا إنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، وَلَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَتْبَعُهَا فِي ذَلِكَ فَيَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهَا ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقِيَاسِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا عُلِّقَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ وَمُتّ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ عَتَقَ بِمَوْتِهِ ، وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَهُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَإِنْ قَالَ : إنْ قَرَأْتَ قُرْآنًا وَمُتّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَرَأَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَمَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ : وَالصَّوَابُ مَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ } : وَهَذَا الْخِطَابُ كَانَ بِمَكَّةَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ بِالْهَمْزِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْقُرْآنَ بِغَيْرِ هَمْزٍ عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ كَمَا أَفَادَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَلُغَةُ الشَّافِعِيِّ بِغَيْرِ هَمْزٍ ، وَالْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ يَظُنُّهُ مَهْمُوزًا ، وَإِنَّمَا يَنْطِقُ فِي ذَلِكَ بِلُغَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ لَا بِغَيْرِهَا ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْإِشْكَالُ .
وَأُجِيبَ عَنْ السُّؤَالِ .
كِتَابُ الْكِتَابَةِ
كِتَابُ الْكِتَابَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى الْأَشْهَرِ ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا كَالْعَتَاقَةِ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ ، وَالنَّجْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ مَالُ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِكِتَابَةِ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ ، وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ مَعْدُولَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّ السَّيِّدَ بَاعَ مَالَهُ بِمَالِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ وَالْكَسْبَ لَهُ .
الثَّانِي : يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ مَالٌ ابْتِدَاءً .
الثَّالِثُ : يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ ، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْمِلْكِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الرِّقِّ ، لَكِنْ جَوَّزَهَا الشَّارِعُ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَالسَّيِّدُ قَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ مَجَّانًا ، وَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ يَفْدِي بِهِ نَفْسَهُ ، فَإِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْكِتَابَةِ اسْتَفْرَغَ الْوُسْعَ وَتَنَاهَى فِي تَحْصِيلِ الِاكْتِسَابِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ، فَاحْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهَا كَمَا احْتَمَلَ الْجَهَالَةَ فِي رِبْحِ الْقِرَاضِ وَعَمَلِ الْجِعَالَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، قِيلَ : أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ عَبْدٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَيَّةَ .
هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ ، قِيلَ أَوْ غَيْرُ قَوِيٍّ ، وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ .
( هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ ) لَا وَاجِبَةٌ ، وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قِيَاسًا عَلَى التَّدْبِيرِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ ، وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْمِلْكُ وَتَتَحَكَّمَ الْمَمَالِيكُ عَلَى الْمَالِكِينَ ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ ( إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا سَيَأْتِي ( أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ ) وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ ، وَاعْتُبِرَتْ الْأَمَانَةُ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَا يُحَصِّلُهُ فَلَا يُعْتَقُ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ لِيُوثَقَ بِتَحْصِيلِ النُّجُومِ ، وَيُفَارِقُ الْإِيتَاءَ حَيْثُ أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ وَأَحْوَالُ الشَّرْعِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا كَالزَّكَاةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ عَلَى كَسْبٍ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ أَيَّ كَسْبٍ كَانَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ يُوفِي مَا الْتَزَمَهُ مِنْ النُّجُومِ ( قِيلَ أَوْ ) طَلَبَهَا ( غَيْرُ قَوِيٍّ ) إذَا كَانَ أَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُرِفَتْ أَمَانَتُهُ أُعِينَ بِالصَّدَقَاتِ لِيُعْتَقَ .
وَالْأَوَّلُ قَالَ : لَا يُوثَقُ بِذَلِكَ ( وَلَا تُكْرَهُ ) الْكِتَابَةُ ( بِحَالٍ ) وَإِنْ انْتَفَى الْوَصْفَانِ ، بَلْ هِيَ مُبَاحَةٌ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ ، وَيُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ فَاسِقًا بِسَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَعَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ لَاكْتَسَبَ بِطَرِيقِ الْفِسْقِ فَإِنَّهَا تُكْرَهُ ، بَلْ يَنْبَغِي تَحْرِيمُهَا لِتَضَمُّنِهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْفَسَادِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّقِيقُ مِنْهَا وَقَدْ طَلَبَهَا سَيِّدُهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا كَعَكْسِهِ .
وَصِيغَتُهَا كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا مُنَجَّمًا إذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَيُبَيِّنُ عَدَدَ النُّجُومِ وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ ، وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ التَّعْلِيقِ وَنَوَاهُ جَازَ ، وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ ، وَلَا نِيَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ قَبِلْتُ .
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ : صِيغَةٌ ، وَرَقِيقٌ ، وَسَيِّدٌ ، وَعِوَضٌ ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ ( وَصِيغَتُهَا ) أَيْ صِيغَةُ إيجَابِهَا الصَّرِيحِ مِنْ جَانِبِ السَّيِّدِ النَّاطِقِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ ( كَاتَبْتُكَ ) أَوْ أَنْتَ مُكَاتَبٌ ( عَلَى كَذَا ) كَأَلْفٍ ( مُنَجَّمًا ) مَعَ قَوْلِهِ ( إذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابَةِ يَصْلُحُ لِهَذَا وَلِلْمُخَارَجَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهَا ، فَإِذَا قَالَ : فَإِذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ تَعَيَّنَ لِلْكِتَابَةِ ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ بِذَلِكَ ( وَيُبَيِّنُ ) وُجُوبًا قَدْرَ الْعِوَضِ وَصِفَتَهُ ، وَ ( عَدَدَ النُّجُومِ ) وَقَدْرَهَا ( وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ ) وَالنَّقْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَقْدٌ غَالِبٌ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي النُّجُومِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ابْتِدَاءِ النُّجُومِ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ .
تَنْبِيهٌ : النَّجْمُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَيُطْلَقُ عَلَى ، الْمَالِ الْمُؤَدَّى فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَكْفِي ذِكْرُ نَجْمَيْنِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كِتَابَةِ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ التَّنْجِيمُ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَا يُؤَدِّيهِ فَلِاتِّبَاعِ السَّلَفِ ( وَلَوْ تَرَكَ ) فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ( لَفْظَ التَّعْلِيقِ ) لِلْحُرِّيَّةِ عَلَى الْأَدَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُ : إذَا أَدَّيْتُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ ( وَنَوَاهُ ) بِقَوْلِهِ : كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا إلَخْ ( جَازَ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعِتْقُ وَهُوَ يَقَعُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ جَزْمًا لِاسْتِقْلَالِ الْمُخَاطَبِ بِهِ .
أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ : فَإِذَا أَدَّيْتُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ ( وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ وَلَا نِيَّةٍ ) لَهُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ ، وَفِي قَوْلٍ
مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ يَكْفِي كَالتَّدْبِيرِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ كَانَ مَعْلُومًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ، وَالْكِتَابَةُ تَقَعُ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ وَعَلَى الْمُخَارَجَةِ كَمَا مَرَّ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزٍ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَا ذَكَرَ بَلْ مِثْلُهُ قَوْلُهُ : فَإِذَا بَرِئَتْ مِنْهُ أَوْ فَرَغَتْ ذِمَّتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَا يَكْفِي عَلَى الصَّحِيحِ التَّمْيِيزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ : وَتُعَامِلُنِي أَوْ أَضْمَنُ لَك أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ تَسْتَحِقُّ مِنِّي الْإِيتَاءَ أَوْ مِنْ النَّاسِ سَهْمَ الرِّقَابِ ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ : إنَّهَا تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إنْ نَوَاهَا بِهِ فَتَكُونُ كِنَايَةً فَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ ) فَوْرًا فِي صِيغَةِ الْقَبُولِ ( قَبِلْتُ ) وَبِهِ تَتِمُّ الصِّيغَةُ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَلَا يُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ التَّعْلِيقُ بِالْأَدَاءِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ قَوْلِهِ : وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ : قَبِلْت أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ أَجْنَبِيٌّ الْكِتَابَةَ مِنْ السَّيِّدِ لِيُؤَدِّيَ عَنْ الْعَبْدِ النُّجُومَ ، فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِمُخَالَفَةِ مَوْضُوعِ الْبَابِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَدَّى عِتْقَ الْعَبْدِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِالْقِيمَةِ وَرَدَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَتَنْعَقِدُ الْكِتَابَةُ بِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَ الْأَلْفُ ذِمَّتَهُ ، وَقَوْلُ الْمُحَرَّرِ : وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ : لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا بَعْدَ الْقَبُولِ .
وَشَرْطُهُمَا تَكْلِيفٌ وَإِطْلَاقٌ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهُمَا الرَّقِيقُ وَالسَّيِّدُ فَقَالَ : ( وَشَرْطُهُمَا تَكْلِيفٌ ) فِيهِمَا بِكَوْنِهِمَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ ، فَلَا يَصِحُّ تَكَاتُبُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَسْلُوبَا الْعِبَارَةِ ، وَلَا يُكَاتِبَانِ أَيْضًا ، وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ فِي ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الْعَبْدِ إنْ صَدَرَتْ الْكِتَابَةُ مَعَهُ ، فَإِنْ صَدَرَتْ عَلَيْهِ تَبَعًا فَلَا ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبٌ ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّكْرَانَ الْعَاصِيَ بِسُكْرِهِ لَا تَصِحُّ كِتَابَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ تَكْلِيفِهِ ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ( وَإِطْلَاقٌ ) فِي التَّصَرُّفِ فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ ، وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ عَبْدٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ، وَلَا مِنْ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَنْهُ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ .
تَنْبِيهٌ : اشْتِرَاطُ الْإِطْلَاقِ فِي الْعَبْدِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ اعْتِبَارُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لَا غَيْرُ ، فَلَا يَضُرُّ سَفَهُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ الْأَدَاءُ مِنْ كَسْبِهِ ، فَقَدْ يُؤَدَّى مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ التَّكْلِيفُ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ كَمَا مَرَّ فِي الْعِتْقِ وَتَرَكَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ ، فَإِنْ أُكْرِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ السَّيِّدِ أَعْمَى كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْإِبَانَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّيِّدِ حُرَّ الْكُلِّ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُبَعَّضٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ .
وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلَاهُ صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ مِائَتَيْنِ ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ عَتَقَ ، وَإِنْ أَدَّى مِائَةً عَتَقَ ثُلُثَاهُ .
( وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ ) مَرَضَ الْمَوْتِ تُحْسَبُ ( مِنْ الثُّلُثِ ) وَإِنْ كَاتَبَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ ( فَإِنْ كَانَ لَهُ ) عِنْدَ الْمَوْتِ ( مِثْلَاهُ ) أَيْ الْعَبْدِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَ تَرِكَتِهِ ( صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ ) لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا خَلَفَهُ مِمَّا أَدَّاهُ الْعَبْدُ أَمْ لَا ، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ ( فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ) ذَلِكَ الْمَرِيضُ شَيْئًا ( غَيْرَهُ وَأَدَّى ) الْمُكَاتَبُ ( فِي حَيَاتِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( مِائَتَيْنِ ) وَكَانَ كَاتَبَهُ عَلَيْهِمَا ( وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ عَتَقَ ) كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ وَهُمَا الْمِائَتَانِ ( وَإِنْ أَدَّى مِائَةً ) وَكَانَ كَاتَبَهُ عَلَيْهَا ( عَتَقَ ثُلُثَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ ، فَالْجُمْلَةُ مِائَتَانِ فَيَنْفُذُ التَّبَرُّعُ فِي ثُلُثِ الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ ثُلُثَا الْمِائَةِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ عَمَّا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ فَثُلُثُهُ مُكَاتَبٌ ، فَإِنَّهُ أَدَّى حِصَّتَهُ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ ، وَلَا يَزِيدُ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ لِبُطْلَانِهَا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا تَعُودُ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ الْكِتَابَةَ فِي جَمِيعِهِ ، فَإِنْ أَجَازَ فِي جَمِيعِهَا عَتَقَ كُلُّهُ أَوْ فِي بَعْضِهَا عَتَقَ مَا أَجَازَ وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، فَكَاتَبَ فِي الْمَرَضِ أَحَدَهُمَا وَبَاعَ الْآخَرَ نَسِيئَةً وَمَاتَ وَلَمْ يَحْصُلْ بِيَدِهِ ثَمَنٌ وَلَا نُجُومٌ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِ هَذَا ، وَالْبَيْعُ فِي ثُلُثِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ ، وَلَا يُزَادُ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَالنُّجُومِ .
وَلَوْ كَاتَبَ مُرْتَدٌّ بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ ، فَإِنْ وَقَفْنَاهُ بَطَلَتْ عَلَى الْجَدِيدِ .
( وَلَوْ ) ( كَاتَبَ ) كَافِرٌ أَصْلِيٌّ رَقِيقَهُ صَحَّ ، وَإِنْ كَاتَبَ ( مُرْتَدٌّ ) رَقِيقَهُ ( بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ فَإِنْ وَقَفْنَاهُ ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ ( بَطَلَتْ عَلَى الْجَدِيدِ ) الْقَائِلِ بِإِبْطَالِ وَقْفِ الْعُقُودِ فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ النُّجُومِ ، وَعَلَى الْقَدِيمِ لَا تَبْطُلُ بَلْ تُوقَفُ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهَا وَإِلَّا بُطْلَانَهَا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الرِّدَّةِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يُبْطِلُ طُرُوءُ رِدَّةِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا طُرُوءُ رِدَّةِ السَّيِّدِ بَعْدَهَا ، وَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ اعْتَدَّ بِمَا أَخَذَهُ حَالَ رِدَّتِهِ وَتَصِحُّ كِتَابَةُ عَبْدٍ مُرْتَدٍّ وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَلَوْ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ ، وَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَمَا فِي يَدِهِ لِلسَّيِّدِ ، وَلَوْ الْتَحَقَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَوَقَفَ مَالَهُ تَأَدَّى الْحَاكِمُ نُجُومَ مُكَاتَبِهِ وَعَتَقَ ، وَإِنْ عَجَزَ أَوْ عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ رَقَّ ، فَإِنْ جَاءَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَ التَّعْجِيزُ .
وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ مَرْهُونٍ ، وَمُكْرًى .
( وَلَا تَصِحُّ ) ( كِتَابَة مَرْهُونٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْبَيْعِ ، وَالْكِتَابَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ فَتَنَافَيَا ( وَ ) لَا ( مُكْرًى ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلِاكْتِسَابِ لِنَفْسِهِ وَلَا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ، وَلَا كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِطْلَاقُ الْعُمْرَانِيِّ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا .
وَشَرْطُ الْعِوَضِ كَوْنُهُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا ، وَلَوْ مَنْفَعَةً ، وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَقِيلَ : إنْ مَلَكَ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى خِدْمَة شَهْرٍ وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ صَحَّتْ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا فَسَدَتْ ، وَلَوْ قَالَ كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ وَنَجَّمَ الْأَلْفَ وَعَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِأَدَائِهِ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبِيدًا عَلَى عِوَضٍ مُنَجَّمٍ وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ فَالنَّصُّ صِحَّتُهَا ، وَيُوَزِّعُ عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْكِتَابَةِ فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ ، وَمَنْ عَجَزَ رَقَّ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ فَقَالَ : ( وَشَرْطُ الْعِوَضِ ) فِي الْكِتَابَةِ ( كَوْنُهُ دَيْنًا ) نَقْدًا كَانَ أَوْ عِوَضًا مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يُورَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ( مُؤَجَّلًا ) لِيُحَصِّلَهُ وَيُؤَدِّيَهُ فَلَا تَصِحُّ بِالْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ خَالَفَ الْقِيَاسَ فِي وَصْفِهِ وَاتُّبِعَ فِيهِ سُنَنُ السَّلَفِ ، وَالْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا إنَّمَا هُوَ التَّأْجِيلُ وَلَمْ يَعْقِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ حَالَةً ، وَلَوْ جَازَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَرْكِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ خُصُوصًا وَفِيهِ تَعْجِيلُ عِتْقِهِ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ جَوَازَ الْحُلُولِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامَيْنِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَجَلِ لَأَغْنَى عَنْ الدَّيْنِيَّةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ بِهَذَا عَلَى الْوَجِيزِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّرِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ لَا يُكْتَفَى بِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ ، وَهَذَانِ وَصْفَانِ مَقْصُودَانِ ، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ إنْ كَانَ عَرْضًا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْعِوَضُ ( مَنْفَعَةً ) كَبِنَاءِ دَارَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَنَافِعُ ثَمَنًا وَاحِدًا ، وَالْمُرَادُ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهَا ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَنْفَعَةِ وَحْدَهَا ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ حَالَّةً نَحْوَ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ تَخِيطَ لِي ثَوْبًا بِنَفْسِكَ فَلَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ ضَمِيمَةِ مَالٍ كَقَوْلِهِ : وَتُعْطِيَنِي دِينَارًا بَعْدَ انْقِضَائِهِ ؛ لِأَنَّ الضَّمِيمَةَ
شَرْطٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ فَقَطْ ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرَيْنِ ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ نَجْمٌ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُمَا نَجْمٌ وَاحِدٌ وَلَا ضَمِيمَةَ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ ، إذْ يُشْتَرَطُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ أَنْ تَتَّصِلَ بِالْعَقْدِ ( وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَلَوْ جَازَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ لَفَعَلُوهُ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَادِرُونَ إلَى الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ مَا أَمْكَنَ ، وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ ضَمَّ النُّجُومَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّمُّ نَجْمَانِ ، وَقِيلَ يَكْفِي نَجْمٌ وَاحِدٌ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ : مُسْلِمٍ إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ ا هـ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِنَجْمَيْنِ قَصِيرَيْنِ وَلَوْ فِي مَالٍ كَثِيرٍ ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالسَّلَمِ إلَى مُعْسِرٍ فِي مَالٍ كَثِيرٍ إلَى أَجَلٍ قَصِيرٍ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَى الْمُكَاتَبِ عَقِبَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ صَحَّ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ وَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ بِقُدْرَتِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي السَّلَمِ الْحَالِّ .
أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَيَصِحُّ فِيهِ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ ( وَقِيلَ : إنْ ) ( مَلَكَ ) السَّيِّدُ ( بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ ) ( لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ ) فِي كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَا يُؤَدِّيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الْحَالِّ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَبَّدَ وَلَوْ جَعَلَا مَالَ الْكِتَابَةِ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي مَلَكَهَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَيُشْبِهُ
الْقَطْعَ بِالصِّحَّةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الصِّحَّةِ .
تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْعِوَضِ وَصِفَتِهِ وَأَقْدَارِ الْآجَالِ وَمَا يُؤَدِّي عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ نَجْمٍ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى نَقْدٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ مُفْرَدٌ أَوْ غَالِبٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ التَّبْيِينُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَرْضٍ وَصَفَهُ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِي السَّلَمِ كَمَا مَرَّ ( وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى ) مَنْفَعَةِ عَيْنٍ مَعَ غَيْرِهَا مُؤَجَّلًا نَحْوَ ( خِدْمَة شَهْرٍ ) مِنْ الْآنَ ( وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ ) أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ ( صَحَّتْ ) أَيْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ فِي الْحَالِّ وَالْمُدَّةِ لِتَقْرِيرِهَا وَالتَّوْفِيَةِ فِيهَا وَالدِّينَارُ وَالْخِيَاطَةُ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الِاسْتِحْقَاقُ حَصَلَ تَعَدُّدُ النُّجُومِ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ حَالَّةً ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْخِدْمَةِ فِي الْحَالِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى دِينَارَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ أَطْلَقُوا اشْتِرَاطَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَى الشُّرُوعِ فِيهَا فِي الْحَالِّ ، وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ أَنْ تَتَّصِلَ الْخِدْمَةُ وَالْمَنَافِعُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ بِالْعَقْدِ ، فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ آخِرَ الشَّهْرِ ، وَخِدْمَةِ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْخِدْمَةِ بِالْعَقْدِ كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ الْمُلْتَزَمَةِ فِي الذِّمَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ انْقِضَائِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ مَثَلًا أَنَّهُ صَحَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ وَجْهٌ
بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ فِي أَثْنَائِهِ كَقَوْلِهِ : وَدِينَارٍ بَعْدَ الْعَقْدِ بِيَوْمٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْخِدْمَةِ بَلْ يَتْبَعُ فِيهَا الْعُرْفَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ ، وَلَا يَكْفِي إطْلَاقُ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ يَقُولَ : كَاتَبْتُكَ عَلَى مَنْفَعَةِ شَهْرٍ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ مَثَلًا فَمَرِضَ فِي الشَّهْرِ وَفَاتَتْ الْخِدْمَةُ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي قَدْرِ الْخِدْمَةِ وَفُسِخَتْ فِي الْبَاقِي ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي السَّلَمِ ، فَلَوْ خَرِبَ الْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ أَدَّى فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ عَلَى قِيَاسِ مَا فِي السَّلَمِ ( أَوْ ) كَاتَبَهُ ( عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا ) أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ كَذَا كَثَوْبٍ بِأَلْفٍ ( فَسَدَتْ ) أَيْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْتِيَاعِ كَذَا لَشَمِلَ صُورَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ( وَلَوْ قَالَ : كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ ) مَثَلًا ( بِأَلْفٍ وَنَجَّمَ الْأَلْفَ ) بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا كَأَنْ قَالَ لَهُ : يُؤَدِّي مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّانِي ( وَعَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِأَدَائِهِ ) وَقَبِلَ الْعَبْدُ الْعَقْدَيْنِ إمَّا مَعًا كَقَبِلْتهُمَا أَوْ مُرَتَّبًا كَقَبِلْتُ الْكِتَابَةَ وَالْبَيْعَ أَوْ الْبَيْعَ وَالْكِتَابَةَ كَذَا قَالَا ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ تَقَدَّمَ خِطَابَ الْبَيْعِ عَلَى خِلَافِ الرَّهْنِ ( فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ ) فَيَبْطُلُ لِتَقَدُّمِ أَحَدِ شِقَّيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُتَابَعَةِ سَيِّدِهِ ، وَفِي قَوْلٍ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ أَيْضًا وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُمَا قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الرَّاجِحَةُ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهَا قَوْلٌ ، وَقَوْلٌ بِالْبُطْلَانِ ، وَهُمَا
قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ ، وَعَلَى صِحَّةِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ تَوَزَّعَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتَيْ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ ، فَمَا خَصَّ الْعَبْدَ يُؤَدِّيه فِي النَّجْمَيْنِ مَثَلًا ، فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ ، وَلَوْ قَالَ : كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ مَثَلًا ، وَبِعْتُكَ الثَّوْبَ بِأَلْفٍ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ قَطْعًا ، لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنْ قَدَّمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى لَفْظِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ بَدَأَ بِطَلَبِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ إجَابَةِ السَّيِّدِ صَحَّ الْبَيْعُ ، وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
وَهَذَا مَمْنُوعٌ ، لِتَقَدُّمِ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَيْعِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُبَايَعَةِ سَيِّدِهِ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ : مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَا إذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ مُبَعَّضًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَوْبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِفَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِبْطَالِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَدُ شِقَّيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُعَامَلَةِ السَّيِّدِ .
قَالَ : وَيَجُوزُ مُعَامَلَةُ الْمُبَعَّضِ مَعَ السَّيِّدِ فِي الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا ، وَفِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ .
قَالَ : وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَهُوَ دَقِيقُ الْفِقْهِ ( وَلَوْ ) ( كَاتَبَ عَبِيدًا ) كَثَلَاثَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً ( عَلَى عِوَضٍ ) وَاحِدٍ كَأَلْفٍ ( مُنَجَّمٍ ) بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا ( وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ ) كَمَا إذَا قَالَ : كَاتَبْتُكُمْ عَلَى أَلْفٍ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِذَا أَدَّيْتُمْ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ ( فَالنَّصُّ صِحَّتُهَا ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْعِوَضَيْنِ وَاحِدٌ وَالصَّادِرُ مِنْهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ ( وَيُوَزِّعُ ) الْمُسَمَّى ( عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْكِتَابَةِ ) فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةً وَالْآخَرِ مِائَتَيْنِ وَالْآخَرِ ثَلَاثَمِائَةٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدْسُ الْمُسَمَّى ، وَعَلَى الثَّانِي
ثُلُثُهُ ، وَعَلَى الثَّالِثِ نِصْفُهُ ( فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ ) لِوُجُودِ الْأَدَاءِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الْبَاقِي ( وَمَنْ عَجَزَ ) أَوْ مَاتَ ( رَقَّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَهُمْ ، وَمُقَابِلُ النَّصِّ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ بِبُطْلَانِ كِتَابَتِهِمْ .
وَتَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ كَاتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَسَدَتْ إنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَتَصِحُّ ) ( كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ ( فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ ) أَيْ جَمِيعَ الْعَبْدِ الَّذِي بَعْضُهُ حُرٌّ ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِحُرِّيَّةِ بَعْضِهِ أَمْ مُعْتَقِدًا رَقَّ كُلُّهُ فَبَانَ حُرَّ الْبَعْضِ ( صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الْأَظْهَرِ ) مِنْ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى قِسْطَ الرَّقِيقِ مِنْ الْمُسَمَّى .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْكِتَابَةِ لِمَنْ كُلُّهُ رَقِيقٌ اسْتِيعَابُ الْكِتَابَةِ لَهُ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَوْ كَاتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَسَدَتْ ) هَذِهِ الْكِتَابَةُ ( إنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ ) فِي كِتَابَتِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَنْقُصُ بِذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ الشَّرِيكُ ( وَكَذَا إنْ أَذِنَ ) الْغَيْرُ لَهُ فِيهَا ( أَوْ كَانَ ) ذَلِكَ الْبَعْضُ ( لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَدُّدِ حَضَرًا وَسَفَرًا لِاكْتِسَابِ النُّجُومِ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْضُهُ رَقِيقًا فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ ، وَأَيْضًا لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضُهُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْبَاقِي فَإِنَّهُ مِنْ أَكْسَابِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ حُرًّا ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الثَّانِيَةِ .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْفَسَادِ فِي كِتَابَةِ الْبَعْضِ صُوَرٌ : مِنْهَا مَا لَوْ كَاتَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بَعْضَ عَبْدِهِ ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثُ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا .
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ : .
وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْعَبْدِ مَوْقُوفًا عَلَى خِدْمَةِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ فَكَاتَبَهُ مَالِكُ بَعْضِهِ قَالَ .
الْأَذْرَعِيُّ : فَيُشْبِهُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِنَا فِي الْوَقْفِ إنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ مِلْكٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُقِفَ بَعْضُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُهُ لِمُنَافَاتِهِ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ .
وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَاتِبُ ذَلِكَ الْبَعْضَ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَخَلَّفَ عَبْدًا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَانَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا قَالَهُ فِي الْخِصَالِ ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُمَا كَاتَبَاهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ .
وَلَوْ كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ وَجُعِلَ الْمَالُ عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا ، فَلَوْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ فَكَابْتِدَاءِ عَقْدٍ ، وَقِيلَ يَجُوزُ ، وَلَوْ أَبْرَأَ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ ، وَقُوِّمَ الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا .
( وَلَوْ ) تَعَدَّدَ السَّيِّدُ كَشَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ ( كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا ) مَنْ كَاتَبَهُ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ( صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ ) جِنْسًا وَصِفَةً وَعَدَدًا وَأَجَلًا ، وَفِي هَذَا إطْلَاقُ النَّجْمِ عَلَى الْمُؤَدَّى لِقَوْلِهِ ( وَجُعِلَ الْمَالُ ) الْمُكَاتَبُ عَلَيْهِ ( عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا ) سَوَاءٌ صَرَّحَا بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَمْ لَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى انْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ نِسْبَةُ مِلْكَيْهِمَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الشَّرِيكَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ الَّذِي يُكَاتِبَانِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَفَتْ النُّجُومُ أَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي النُّجُومِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمِلْكِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( فَلَوْ ) ( عَجَزَ ) الْعَبْدُ ( فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا ) وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ ( وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ ) الْعَقْدِ ( فَكَابْتِدَاءِ عَقْدٍ ) فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَا بِإِذْنِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِمَا مَرَّ ( وَقِيلَ يَجُوزُ ) بِالْإِذْنِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِقِيلَ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ : يَتَوَسَّعُونَ فِي جَعْلِ طُرُقِ الْأَصْحَابِ أَوْجُهًا ( وَلَوْ ) ( أَبْرَأَ ) وَاحِدٌ مِمَّنْ كَاتَبَا الْعَبْدَ مَعًا ( مِنْ نَصِيبِهِ ) مِنْ النُّجُومِ ( أَوْ أَعْتَقَهُ ) أَيْ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ ( عَتَقَ نَصِيبُهُ ) مِنْهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الِابْتِدَاءِ ( وَقُوِّمَ ) عَلَيْهِ ( الْبَاقِي ) مِنْهُ وَسَرَى الْعِتْقُ عَلَيْهِ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ( إنْ كَانَ مُوسِرًا ) أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَلِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ، وَأَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ فَلِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَاتَبَ جَمِيعَهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ النُّجُومِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّ التَّقْوِيمَ وَالسِّرَايَةَ فِي الْحَالِ وَهُوَ قَوْلٌ ،
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَدَّى نَصِيبَ الْآخَرِ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ عَنْهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ عَجَزَ وَعَادَ إلَى الرِّقِّ فَحِينَئِذٍ يَسْرِي وَيُقَوَّمُ وَيَكُونُ كُلُّ الْوَلَاءِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِالْإِبْرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ مَا لَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَلَا يَعْتِقُ وَإِنْ رَضِيَ الْأُخَرُ بِتَقْدِيمِهِ ، إذْ لَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالْقَبْضِ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْجِيزِ وَالْأَدَاءِ مَاتَ مُبَعَّضًا ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَفَّاهُمَا وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُصَدِّقِ وَلَمْ يَسِرْ ، وَلِلْمُكَذِّبِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ نَصِيبِهِ أَوْ بِالنِّصْفِ مِنْهُ وَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا بِيَدِ الْمُصَدِّقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُصَدِّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَى الْمُكَذِّبِ ، وَإِنْ ادَّعَى دَفْعَ الْجَمِيعِ لِأَحَدِهِمَا فَقَالَ لَهُ : بَلْ أَعْطَيْتَ كُلًّا مِنَّا نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْآخَرِ وَصُدِّقَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ نَصِيبَ الْآخَرِ بِحَلِفِهِ .
ثُمَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتِهِ مِنْ الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُقِرِّ نِصْفَ مَا أَخَذَ وَيَأْخُذَ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ
[ فَصْلٌ ] يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ ، أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ .
[ فَصْلٌ ] فِيمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمَا يُسَنُّ لَهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَبَيَانِ حُكْمِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
( يَلْزَمُ السَّيِّدَ ) بَعْدَ صِحَّةِ كِتَابَةِ رَقِيقِهِ ( أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ ) الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ ( أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ ) بَعْدَ أَخْذِ النُّجُومِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } فُسِّرَ الْإِيتَاءُ بِمَا ذَكَرَ ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا عَنْهُ فِي الْكِتَابَةِ لِدَلِيلٍ ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى حَمْلِ الْإِيتَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، فَيُعْمَلُ بِمَا اقْتَضَاهُ الظَّاهِرُ .
تَنْبِيهٌ : الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ : أَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ يَحُطُّ عَنْهُ جُزْءًا آخَرَ مِنْ الْمَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، أَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ جُزْءًا مِنْهُ بَعْدَ قَبْضِهِ ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُؤْتِهِ لَزِمَ الْوَارِثَ أَوْ وَلِيَّهُ الْإِيتَاءُ ، فَإِنْ كَانَ النَّجْمُ بَاقِيًا تَعَيَّنَ مِنْهُ وَقُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ ، وَإِنْ تَلِفَ النَّجْمُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَصَايَا ، وَإِنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فَالزَّائِدُ مِنْ الْوَصَايَا ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَبْرَأَ الرَّقِيقَ عَنْ جَمِيعِ النُّجُومِ لَا يَجِبُ الْإِيتَاءُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي الصَّدَاقِ لِزَوَالِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهَا لَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ : وَاسْتَثْنَى الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ صُورَتَيْنِ لَا يَلْزَمُ الْإِيتَاءُ فِيهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ ، أَوْ يُكَاتِبَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ
أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّجُومِ إلَّا الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِي الْإِيتَاءِ لَا يَسْقُطُ وَلَا يَحْصُلُ التَّعَارُضُ ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَطَّ أَصْلٌ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ ، لَكِنْ يَرْفَعُهُ الْمُكَاتَبُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَرَى رَأْيَهُ وَيَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا .
وَالْحَطُّ أَوْلَى ، وَفِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَلْيَقُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَالِ ، وَأَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ ، وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ ، وَإِلَّا فَالسُّبُعُ .
( وَالْحَطُّ ) عَنْ الْمُكَاتَبِ ( أَوْلَى ) مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إعَانَتُهُ لِيَعْتِقَ ، وَالْإِعَانَةُ فِي الْحَطِّ مُحَقَّقَةٌ ، وَفِي الدَّفْعِ مَوْهُومَةٌ ، فَإِنَّهُ قَدْ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْحَطَّ أَصْلٌ وَالْإِيتَاءَ بَدَلٌ عَنْهُ ( وَ ) الْحَطُّ أَوْ الدَّفْعُ ( فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَلْيَقُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِتْقِ ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلَافٍ ، وَذَلِكَ مِنْ آخِرِ نَجْمِهِ ( وَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ) مِنْ الْمَالِ ( وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَالِ ) قِلَّةً وَكَثْرَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّ هَذَا مِنْ الْمُعْضِلَاتِ ، فَإِنَّ إتْيَانَ فِلْسٍ لِمَنْ كُوتِبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ تُبْعِدُ إرَادَتَهُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : أَجْمَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } أَنَّهَا رُبُعُ الْكِتَابَةِ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى النَّدْبِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَالثَّانِي لَا يَكْفِي مَا ذَكَرَ وَيَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْمَالِ فَيَجِبُ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ قَدَّرَهُ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادٍ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَاتَبَ شَرِيكَانِ مَثَلًا عَبْدًا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ بِالْكِتَابَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ )
أَيْ الْحَطِّ أَوْ الدَّفْعِ ( قَبْلَ الْعِتْقِ ) لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ مُعَانٌ بِمَالَيْنِ زَكَاةٍ وَإِيتَاءٍ ، فَلَمَّا كَانَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ الْإِيتَاءُ .
وَالثَّانِي بَعْدَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ ، وَيَجُوزُ مِنْ أَوَّلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ كَمَا نَقُولُ : الْفِطْرَةُ تَجِبُ بِغُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْعِيدِ ، وَوَقْتُ الْجَوَازِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوُجُوبِ هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقِيلَ : يَجِبُ بِالْعِتْقِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْعِتْقِ ، وَبِهَذَا صَرَّحَ فِي التَّهْذِيبِ .
وَقِيلَ : إنَّهُ يَتَضَيَّقُ إذَا بَقِيَ مِنْ النَّجْمِ الْأَخِيرِ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَوْ يُؤْتِيهِ إيَّاهُ ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ صَادِقَةٌ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ ، وَعَلَى كُلٍّ لَوْ أَخَّرَ عَنْ الْعِتْقِ أَثِمَ وَكَانَ قَضَاءً ، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَالْعِتْقِ لَكِنْ يَكُونُ قَضَاءً فِيهِ تَسَمُّحٌ ( وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ ) أَيْ حَطُّ قَدْرِ رُبُعِ مَالٍ الْكِتَابَةِ إنْ سَمَحَ بِهِ السَّيِّدُ ( وَإِلَّا فَالسُّبُعُ ) رَوَى حَطَّ الرُّبُعِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَرَوَى عَنْهُ رَفْعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى حَطَّ السُّبُعِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : بَقِيَ بَيْنَهُمَا حَطُّ السُّدُسِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ .
وَيَحْرُمُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ ، وَلَا حَدَّ فِيهِ ، وَيَجِبُ مَهْرٌ ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ ، وَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً فَإِنْ عَجَزَتْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ .
( وَيَحْرُمُ ) عَلَى السَّيِّدِ ( وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً لِاخْتِلَالِ مِلْكِهِ فِيهَا بِدَلِيلِ خُرُوجِ اكْتِسَابِهَا عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ مِلْكَهُ عَنْهَا كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَطَأَهَا فَسَدَ الْعَقْدُ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ ( وَلَا حَدَّ ) عَلَى السَّيِّدِ ( فِيهِ ) أَيْ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ ، لَكِنْ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَكَذَا هِيَ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْوَطْءِ قَدْ يُفْهِمُ جَوَازَ مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ قَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إنَّهُ يَحْرُمُ مِنْهَا كُلُّ اسْتِمْتَاعٍ قَالَ : وَكَذَا الْمُبَعَّضَةُ .
وَأَمَّا النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَنَظَرُ الْمُكَاتَبِ أَيْ الْمُبَعَّضِ إلَى سَيِّدَتِهِ فَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ( وَيَجِبُ ) عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا ( مَهْرٌ ) وَإِنْ طَاوَعَتْهُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ وُجُوبُ مَهْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الصَّدَاقِ هَذَا حَيْثُ لَمْ تَقْبِضْ الصَّدَاقَ ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ثَانِيًا بَعْدَ قَبْضِهَا الْمَهْرَ وَجَبَ لَهَا مَهْرٌ ثَانٍ ( وَالْوَلَدُ ) الْحَاصِلُ مِنْ وَطْءِ السَّيِّدِ ( حُرٌّ ) نَسِيبٌ ؛ لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ ( وَلَا تَجِبُ ) عَلَيْهِ ( قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِانْعِقَادِهِ حُرًّا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمَتِهِ ، وَفِي قَوْلٍ لَهَا قِيمَتُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلٍ يَأْتِي أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِهِ الْأَظْهَرِ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ مَعَ قَوْلٍ آخَرَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ ( وَصَارَتْ ) بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ ( مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً ) فَيَكُونُ لِعِتْقِهَا سَبَبَانِ ، وَلَا يُبْطِلُ الِاسْتِيلَادُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْعِتْقُ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً أَنَّهَا
مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى كِتَابَتِهَا ، وَإِلَّا فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ : وَهِيَ مُسْتَوْلَدَةٌ مُكَاتَبَةٌ كَانَ أَوْلَى ، فَإِنْ أَدَّتْ النُّجُومَ عَتَقَتْ عَنْ الْكِتَابَةِ وَتَبِعَهَا كَسْبُهَا وَوَلَدُهَا ( فَإِنْ عَجَزَتْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ عَنْ الِاسْتِيلَادِ وَعَتَقَ مَعَهَا أَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ عَجْزِهَا عَتَقَتْ أَيْضًا ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَعْتِقُ عَنْ الْكِتَابَةِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ مُنْجِزًا أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، وَيَتْبَعُهَا كَسْبُهَا وَأَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ .
تَنْبِيهٌ : وَطْءُ أَمَةِ الْمُكَاتَبِ حَرَامٌ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِوَطْئِهَا جَزْمًا ، فَإِنْ أَحْبَلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا .
وَوَلَدُهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ فِي الْأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَالْحَقُّ فِيهِ لِلسَّيِّدِ ، وَفِي قَوْلٍ لَهَا ، فَلَوْ قَتَلَ فَقِيمَتُهُ لِذِي الْحَقِّ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ ، وَكَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهَا عَلَيْهِ ، وَمَا فَضَلَ وُقِفَ ، فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ ، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ .
وَمَنْ كَاتَبَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْءُ بِنْتِهَا الَّتِي تَكَاتَبَتْ عَلَيْهَا ، وَيَلْزَمُهُ بِهِ الْمَهْرُ ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَمِنْ بَاقِي كَسْبِهَا وَيُوقَفُ الْبَاقِي ، فَإِنْ عَتَقَتْ مَعَ الْأُمِّ فَهُوَ لَهَا ، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ ، فَإِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِلْمُكَاتَبِ ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لَا تَجِبُ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْأُمَّ ، وَلَا قِيمَةُ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهَا ، وَتَعْتِقُ إمَّا بِعِتْقِ أُمِّهَا أَوْ مَوْتِ سَيِّدِهَا ( وَوَلَدُهَا ) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ الْحَادِثُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ ( مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ ) ( فِي الْأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهَا فَيُوقَفُ أَمْرُهُ عَلَى رِقِّهَا وَحُرِّيَّتِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ ( وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ) لِلسَّيِّدِ ، إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْتِزَامٌ .
وَالثَّانِي هُوَ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مُكَاتَبٌ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا ، وَلِهَذَا قَالَ عَقِبَهُ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا ، وَالْمُرَادُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ إذَا عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ .
أَمَّا إذَا رَقَّتْ ثُمَّ عَتَقَتْ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْكِتَابَةِ الْأُولَى لَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ إرَادَةَ مَا سَبَقَ فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ هَذَا فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِنَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلِهَذَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ صُوَرٌ إحْدَاهَا : أَنَّ لِلسَّيِّدِ مُكَاتَبَتَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَهُ كِتَابَتُهُ تَبَعِيَّةً .
الثَّانِيَةُ :
أَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ .
الثَّالِثَةُ : لَوْ كَانَتْ أُنْثَى فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْحَقُّ فِيهِ ) أَيْ الْوَلَدِ ( لِلسَّيِّدِ ) كَمَا أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ لَهُ ( وَفِي قَوْلٍ لَهَا ) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ لَهَا .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ هَذَا التَّرْجِيحِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مِنْ عَبْدِهَا ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ جَارِيَتِهِ يَعْنِي فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْأُمِّ قَطْعًا .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَعِنْدِي أَنَّهُ وَهْمٌ ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ جَارِيَتَهُ ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إنَّمَا جَاءَهُ الرِّقُّ مِنْ أُمِّهِ لَا مِنْ رِقِّ أَبِيهِ الَّذِي هُوَ عَبْدُهَا انْتَهَى وَهَذَا أَوْجَهُ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلَ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ قَتَلَ ) الْوَلَدَ ( فَقِيمَتُهُ لِذِي الْحَقِّ ) مِنْهُمَا ، فَإِنْ قُلْنَا : لِلسَّيِّدِ فَقِيمَتُهُ لَهُ كَقِيمَةِ الْأُمِّ ، أَوْ لِلْأُمِّ فَلَهَا تَسْتَعِينُ بِهَا فِي أَدَاءِ النُّجُومِ ( وَالْمَذْهَبُ ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ ( أَنَّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ ) أَيْ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ فِيمَا دُونَ نَفْسِهِ ( وَ ) أَنَّ ( كَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَمَا فَضَلَ ) عَنْ ذَلِكَ ( وُقِفَ ، فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ ) كَمَا أَنَّ كَسْبَ الْأُمِّ إذَا عَتَقَتْ يَكُونُ لَهَا ، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ ، وَفِي وَجْهٍ لَا يُوقَفُ بَلْ يُصْرَفُ إلَى سَيِّدِهَا .
هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِيهِ لِسَيِّدِهَا ، وَعَلَى قَوْلِ أَنَّهُ لَهَا فَيَكُونُ لَهَا مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَغَيْرِهِ لَهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَوْ لَمْ يَفِ بِمُؤْنَتِهِ فَعَلَى السَّيِّدِ مُؤْنَتُهُ فِي الْأُولَى وَبَقِيَّتُهَا فِي
الثَّانِيَةِ وَيُصَدَّقُ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَكُونَ رَقِيقًا لَهُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَقْتِ الْكِتَابَةِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ كَأَصْلِهَا ، وَلِأَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ مِلْكِهِ وَهِيَ تَدَّعِي حُدُوثَ مَانِعٍ مِنْهُ ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قَالَ الدَّارِمِيُّ : قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى .
يَبْلُغَ الْوَلَدُ وَيَحْلِفَ وَقِيلَ : إنَّ الْأُمَّ تَحْلِفُ ، فَإِنْ شَهِدَ لِلسَّيِّدِ بِدَعْوَاهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ قُبِلْنَ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا .
وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْجَمِيعَ .
( وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ ) لِلسَّيِّدِ ( الْجَمِيعَ ) مِنْ النُّجُومِ لِحَدِيثِ { الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } وَفِي مَعْنَى أَدَائِهِ حَطُّ الْبَاقِي عَنْهُ الْوَاجِبِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ ، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَاتَبَهُ مُطْلَقًا وَأَدَّى بَعْضَ الْمَالِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْعِتْقِ صَحَّ ، وَلَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ أَنَّهُ إذَا أَدَّى النَّجْمَ الْأَوَّلَ عَتَقَ وَبَقِيَ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ الْعِتْقِ صَحَّ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ .
وَلَوْ أَتَى بِمَالٍ فَقَالَ السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ تَأْخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْهُ ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ حَلَفَ السَّيِّدُ .
( وَلَوْ ) ( أَتَى ) الْمُكَاتَبُ ( بِمَالٍ فَقَالَ ) لَهُ ( السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ ) أَيْ لَا تَمْلِكُهُ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لَهُ بِذَلِكَ ( حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ ) مَمْلُوكٌ لَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْيَدِ ( وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ ) حِينَئِذٍ ( تَأْخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ قَدْرِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ نَأْمُرُ السَّيِّدَ بِأَخْذِهِ وَهُوَ يُقِرُّ بِكَوْنِهِ حَرَامًا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّا لَمْ نَأْمُرْهُ بِالْقَبْضِ عَيْنًا ، بَلْ خَيَّرْنَاهُ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِبْرَاءَ فَذَاكَ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْقَبْضَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَالَ : هُوَ لِلْمُكَاتَبِ قُبِلَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ صَدَّقَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَالِكًا أَوْ عَيَّنَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أُقِرَّ فِي يَدِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ( فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي ) وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ إنْ أَدَّى الْكُلَّ ( فَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ ) عَنْ الْحَلِفِ ( حَلَفَ السَّيِّدُ ) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكُهُ لِغَرَضِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْحَرَامِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ ، فَإِنْ كَانَ كَمَا إذَا أَتَى إلَيْهِ بِلَحْمٍ فَقَالَ : هَذَا حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُذَكًّى فَقَالَ بَلْ مُذَكًّى صُدِّقَ السَّيِّدُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : وَلَا بَيِّنَةَ عَمَّا لَوْ أَقَامَ السَّيِّدُ بَيِّنَةً عَلَى مَا يَقُولُهُ فَلَا يُجْبَرُ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا ، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَرَامِ ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَا وَلَا بِيَمِينِهِ مِلْكٌ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ ، وَلَا يَسْقُطُ بِحَلِفِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ مَنْ عَيَّنَهُ .
وَلَوْ خَرَجَ الْمُؤَدَّى مُسْتَحَقًّا رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ .
( وَلَوْ خَرَجَ ) أَيْ ظَهَرَ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ كَوْنُ ( الْمُؤَدَّى ) مِنْ النُّجُومِ أَوْ بَعْضِهَا ( مُسْتَحَقًّا ) بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَإِلْزَامِ الْحَاكِمِ لَا بِإِقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ ( رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ أَنْ يَرْجِعَ بِمُسْتَحَقِّهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى ( فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ ) لِبُطْلَانِ الْأَدَاءِ ، فَإِنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ بَانَ أَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا وَأَنَّ مَا تَرَكَ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْوَرَثَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالنَّجْمِ الْأَخِيرِ ، فَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِ وَدَفَعَ الْأَخِيرَ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ تُبُيِّنَ بِخُرُوجِ غَيْرِهِ مُسْتَحَقًّا كَوْنُهُ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِبَعْضِ النُّجُومِ .
وَإِنْ كَانَ قَالَ عِنْدَ أَخْذِهِ أَنْتَ حُرٌّ .
( وَإِنْ كَانَ ) السَّيِّدُ ( قَالَ عِنْدَ أَخْذِهِ ) لِلْمُكَاتَبِ ( أَنْتَ حُرٌّ ) أَوْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَهُوَ صِحَّةُ الْأَدَاءِ ، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَلَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ عِنْدَ أَخْذِهِ يُوهِمُ التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا قَالَهُ مُتَّصِلًا بِقَبْضِ النُّجُومِ ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ : وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إشْعَارٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَنْتَ حُرٌّ إنَّمَا يَقْبَلُ تَنْزِيلَهُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِمُوجِبِ الْقَبْضِ إذَا رَتَّبَ عَلَى الْقَبْضِ ، فَلَوْ انْفَصَلَ عَنْ الْقَرَائِنِ لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ قَالَا : وَهَذَا تَفْصِيلٌ قَوِيمٌ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ بِهِ ، لَكِنْ فِي الْوَسِيطِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ حُرِّيَّتِهِ أَوْ ابْتِدَاءً ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَبْضِ النُّجُومِ أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ ا هـ .
وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ أَدَاءِ النُّجُومِ .
قَالَ : فَإِنْ قَصَدَ إنْشَاءَ الْعِتْقِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ وَعَتَقَ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحِلُّ عَدَمِ عِتْقِهِ إذَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِمَا جَرَى ، فَلَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِخُرُوجِ الْمَدْفُوعِ مُسْتَحَقًّا بَلْ يَعْتِقُ عَنْ جِهَةِ الْكِتَابَةِ وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَأَوْلَادُهُ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ أَبْرَأْتنِي طَلَّقْتُكِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَجْهُولٍ فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ مَجْهُولٍ ، وَلَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ : أَعْتَقْتَنِي بِقَوْلِكَ أَنْتَ حُرٌّ ، وَقَالَ السَّيِّدُ إنَّمَا أَرَدْتُ بِمَا أَدَّيْت صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ .
قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ : وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ طَلَّقْتَ امْرَأَتَك .
فَقَالَ : نَعَمْ طَلَّقْتُهَا .
ثُمَّ قَالَ : إنَّمَا قُلْتُهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّ اللَّفْظَ
الَّذِي جَرَى طَلَاقٌ ، وَقَدْ أَفْتَى الْفُقَهَاءُ بِخِلَافِهِ وَلَوْ نَازَعَتْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ .
وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ .
( وَإِنْ خَرَجَ ) الْمُؤَدَّى مِنْ النُّجُومِ ( مَعِيبًا ) وَلَمْ يَرْضَ السَّيِّدُ بِهِ ( فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ السَّلِيمَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُ الْمَعِيبِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ حُصُولَ الْعِتْقِ بِالْأَخْذِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَخْذِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَكَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ نَفَذَ الْعِتْقُ ، وَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَثَبَتَ حُصُولُهُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : مِنْ وَقْتِ الرِّضَا .
وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، وَلَا يَتَسَرَّى بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَلَا يَتَزَوَّجُ ) الْمُكَاتَبُ ( إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ كَمَا مَرَّ ( وَلَا يَتَسَرَّى بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَخَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ فِي الطَّلْقِ فَمَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ كَمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَزَوَائِدِهَا فِي مُعَامَلَاتِهِ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِهِ بِالْإِذْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ وَهُوَ مَنْعُ مِلْكِهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّ تَسَرِّيَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَمْلِيكِ الْعَبْدِ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ .
فَإِذًا لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْأَبْوَابِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْوَطْءِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ أَخَصُّ مِنْ الْوَطْءِ لِاشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَالْحَجْبِ فِيهِ .
وَلَهُ شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ ، وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا ، وَلَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَطَؤُهَا فَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ .
( وَلَهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ ( شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ ) تَوَسُّعًا فِي طُرُقِ الِاكْتِسَابِ ( فَإِنْ وَطِئَهَا ) أَيْ جَارِيَتَهُ عَلَى خِلَافِ مَنْعِهِ مِنْهُ ( فَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ ، وَكَذَا لَا مَهْرَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ ( وَالْوَلَدُ ) الْحَاصِلُ مِنْ وَطْئِهِ ( نَسِيبٌ ) لَاحِقٌ بِهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ ( فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ ) أَيْ قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ أَوْ مَعَهُ ( أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ ) لَكِنْ ( لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) مِنْ وَطْئِهِ ( تَبِعَهُ ) الْوَلَدُ ( رِقًّا وَعِتْقًا ) وَلَا يَعْتِقُ فِي الْحَالِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِضَعْفِ مِلْكِهِ ، بَلْ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ جَارِيَتِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى عِتْقِ أَبِيهِ ، فَإِنْ عَتَقَ عَتَقَ وَإِلَّا رَقَّ وَصَارَ لِلسَّيِّدِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ وَلَدَهُ مُكَاتَبٌ عَلَيْهِ ( وَلَا تَصِيرُ ) أُمُّهُ ( مُسْتَوْلَدَةً ) لِلْمُكَاتَبِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِمَمْلُوكٍ فَأَشْبَهَتْ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ ، وَالثَّانِي : تَصِيرُ ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِكِتَابَتِهِ عَلَى أَبِيهِ وَامْتِنَاعِ بَيْعِهِ فَثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ الِاسْتِيلَادِ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ ( وَ ) أَمَّا ( إنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ) فَيُنْظَرُ إنْ وَلَدَتْهُ ( لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) مِنْ الْوَطْءِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعِدَدِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِمَا فَوْقَ السِّتَّةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، فَكُلٌّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ صَحِيحٌ ( وَكَانَ يَطَؤُهَا ) وَوَقَعَ الْوَطْءُ مَعَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي صُورَةِ الْأَكْثَرِ وَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْوَطْءِ ( فَهُوَ حُرٌّ ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ ) لِظُهُورِ الْعُلُوقِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي الرِّقِّ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا مَعَ الْعِتْقِ وَلَا
بَعْدَهُ ، أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ .
وَلَوْ عَجَّلَ النُّجُومَ لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ إنْ كَانَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ غَرَضٌ كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَيُجْبَرُ فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي .
( وَلَوْ ) ( عَجَّلَ ) الْمُكَاتَبُ ( النُّجُومَ ) قَبْلَ مَحِلِّهَا ( لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ ) لِمَا عَجَّلَ ( إنْ كَانَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ ) مِنْ قَبْضِهَا ( غَرَضٌ ) صَحِيحٌ ( كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ ) أَيْ مَالِ النُّجُومِ إلَى مَحِلِّهِ كَالطَّعَامِ الْكَثِيرِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَطْلَقَ الْمُؤْنَةَ كَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِدُخُولِ مُؤْنَةِ الْعَلْفِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ ( أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ ) بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهُ بِأَنْ كَانَ زَمَنَ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ لِمَا فِي الْإِجْبَارِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْكِتَابَةَ فِي زَمَنِ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ وَعَجَّلَ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَزُولُ عِنْدَ الْمَحِلِّ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَوْفُ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَجْهًا وَاحِدًا ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُهُ بِالنُّجُومِ لَيْسَ بِقَيْدٍ ، فَلَوْ أَحْضَرَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْهِيدِ سَبَبِ الْعِتْقِ ، وَمِنْ الْأَغْرَاضِ مَا إذَا كَانَ طَعَامًا يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ رَطْبًا ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مِنْ الْأَغْرَاضِ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ لَا زَكَاةَ فِيهِ .
فَإِذَا جَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحِلِّ كَانَ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَهُ لِئَلَّا تَتَعَلَّقَ بِهِ الزَّكَاةُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ ، وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبْضِ النُّجُومِ ( فَيُجْبَرُ ) عَلَى قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ غَرَضًا ظَاهِرًا وَهُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ أَوْ تَقْرِيبُهُ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ .
تَنْبِيهٌ : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِجْبَارَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَتَى الْمُكَاتَبُ بِمَالٍ .
فَقَالَ السَّيِّدُ : هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ
أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا الْإِبْرَاءَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بِحُلُولِ الْحَقِّ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ : ( فَإِنْ أَبَى ) قَبُولَهُ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ عَلَى مَا مَرَّ أَوْ كَانَ غَائِبًا ( قَبَضَهُ الْقَاضِي ) عَنْهُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ إنْ أَدَّى الْكُلَّ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُمْتَنِعِينَ وَالْغَائِبِينَ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي قَبْضُ دَيْنِ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ إلَّا سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْهُ ، وَالنَّظَرُ لِلْغَائِبِ أَنْ يَبْقَى الْمَالَ فِي ذِمَّةِ الْمَلِيءِ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَصِيرَ أَمَانَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ .
وَلَوْ عَجَّلَ بَعْضَهَا لِيُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَأَبْرَأَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلَا الْإِبْرَاءُ .
( وَلَوْ ) ( عَجَّلَ ) الْمُكَاتَبُ ( بَعْضَهَا ) أَيْ النُّجُومِ ( لِيُبْرِئَهُ ) السَّيِّدُ ( مِنْ الْبَاقِي ) مِنْهَا ( فَأَبْرَأَ ) مَعَ الْأَخْذِ ( لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلَا الْإِبْرَاءُ ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الِالْتِمَاسُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُجْمَعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ لِمَدِينِهِ اقْضِ أَوْ زِدْ ، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي الدَّيْنِ وَفِي الْأَجَلِ ، وَعَلَى السَّيِّدِ رَدُّ الْمَأْخُوذِ وَلَا عِتْقَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَبْضِ وَالْبَرَاءَةِ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفِ لَا يَخْتَصُّ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ بَلْ سَائِرُ الدُّيُونِ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ ، وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا ، فَلَوْ بَاعَ وَأَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَظْهَرِ ، وَيُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ فِي الْجَدِيدِ ، فَلَوْ بَاعَ فَأَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي فَفِي عِتْقِهِ الْقَوْلَانِ ، وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ .
( وَلَا يَصِحُّ ) ( بَيْعُ النُّجُومِ ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ ، وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ لُزُومِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِتَطَرُّقِ السُّقُوطِ إلَيْهِ ، فَالنُّجُومُ بِذَلِكَ أَوْلَى ، وَهَذَا يُسْقِطُ مَا قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ ، وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ بَيْعِ النُّجُومِ ( وَلَا الِاعْتِيَاضُ ) أَيْ الِاسْتِبْدَالُ ( عَنْهَا ) مِنْ الْمُكَاتَبِ كَأَنْ تَكُونَ النُّجُومُ دَنَانِيرَ فَيُعْطَى بَدَلَهَا دَرَاهِمُ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَاهُ هُنَا تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ الْجَوَازِ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ مَا هُنَاكَ وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا هُنَا فِي مَنْهَجِهِ ( فَلَوْ ) ( بَاعَ ) السَّيِّدُ النُّجُومَ ( وَأَدَّى ) الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ ( إلَى الْمُشْتَرِي ) ( لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَظْهَرِ ) وَإِنْ تَضَمَّنَ الْبَيْعُ الْإِذْنَ فِي قَبْضِهَا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي مُقَابَلَةِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ فَلَمْ تُسَلَّمْ فَلَمْ يَبْقَ الْإِذْنُ ، وَلَوْ سُلِّمَ بَقَاؤُهُ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي كَالْوَكِيلِ ، وَبِهِ عُلِّلَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْبِضُ النُّجُومَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ .
نَعَمْ لَوْ بَاعَهَا وَأَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِهَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَتَقَ بِقَبْضِهِ ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( يُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ ) وَعَلَى الثَّانِي مَا أَخَذَهُ يَقْبِضُهُ السَّيِّدُ ؛ لِأَنَّهُ كَوَكِيلِهِ ( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً ( فِي الْجَدِيدِ ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَرْفَعُ الْكِتَابَةَ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَيَبْقَى مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ
كَالْعِتْقِ بِصِفَةٍ ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ وَكَانَ رِضَاهُ فَسْخًا ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِبْطَالِهِ ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا صُوَرٌ : مِنْهَا مَا إذَا بِيعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إعْتَاقُهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْرِيجًا ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَطْلَقَ جَوَازَ بَيْعِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ وَالْحَالُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً ، وَمِنْهَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ إذَا قَالَ : أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَقَالَ : إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْبُطْلَانُ ، وَإِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ فِي هَذِهِ الْبُطْلَانَ فَالْبُطْلَانُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ ، وَمَعْنَى الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَعْتِقُ عَنْ السَّائِلِ ، وَلَكِنْ يَقَعُ عَنْ الْمُعْتِقِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ كَمَا سَيَأْتِي ، وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا : إنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَلَا وَلَدُهُ ، وَمِنْهَا إذَا جَنَى وَمِنْهَا إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ ، فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأُمِّ صِحَّةُ الْبَيْعِ فِيهَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِفَسَادِهَا لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ .
وَكَذَا إنْ جَهِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ ( فَلَوْ ) ( بَاعَ ) السَّيِّدُ رَقَبَةَ مُكَاتَبِهِ ( فَأَدَّى ) الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ ( إلَى الْمُشْتَرِي ) فَقَبَضَهَا ( فَفِي
عِتْقِهِ الْقَوْلَانِ ) السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا بَاعَ نُجُومَهُ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ ( وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ ) فِيمَا ذَكَرَ ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَإِنْ نَجَزَهَا فَكَبَيْعِهِ ، وَإِلَّا فَتَصِحُّ إنْ عَلَّقَهَا عَلَى عَجْزِهِ .
وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( بَيْعُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ وَ ) لَا ( إعْتَاقُ عَبْدِهِ ، وَ ) لَا ( تَزْوِيجُ أَمَتِهِ ) وَلَا التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ .
تَنْبِيهٌ : مَسْأَلَةُ النِّكَاحِ مُكَرَّرَةٌ سَبَقَتْ فِي النِّكَاحِ ( وَلَوْ ) ( قَالَ لَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( رَجُلٌ ) مَثَلًا : ( أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا ) كَمِائَةٍ ( فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ ) كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَكَ عَلَى كَذَا ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِدَاءِ الْأَسِيرِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ ذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ وَأَطْلَقَ .
أَمَّا إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا ، فَقَالَ : أَعْتَقْتُهُ عَنْكَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ عَنْ السَّائِلِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمُعْتِقِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ .
تَتِمَّةٌ : لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ عَتَقَ .
وَيَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ عَنْ النُّجُومِ حَتَّى تَتْبَعَهُ أَكْسَابُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَاءَ لَكَانَ عِتْقُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَنْهَا فَلَا تَتْبَعُهُ الْأَكْسَابُ .
قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ .
قَالَ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ قَصْدًا وَيَقْبَلُهُ ضِمْنًا .
[ فَصْلٌ ] الْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ ، وَجَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ ، فَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ ، فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ وَ الْفَسْخُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ شَاءَ بِالْحَاكِمِ ، وَلِلْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ فِي الْأَصَحِّ .
[ فَصْلٌ ] فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ وَبَيَانِ حُكْمِ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهَا .
( الْكِتَابَةُ ) الصَّحِيحَةُ ( لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ ) أَيْ جَانِبِ ( السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِحَظِّ مُكَاتَبِهِ لَا لِحَظِّهِ فَكَانَ فِيهَا كَالرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ .
أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ ذِكْرِ اللُّزُومِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ ( إلَّا أَنْ يَعْجِزَ ) الْمُكَاتَبُ ( عَنْ الْأَدَاءِ ) عِنْدَ الْمَحِلِّ لِنَجْمٍ أَوْ بَعْضِهِ غَيْرِ الْوَاجِبِ فِي الْإِيتَاءِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ : قَدْ عَجَزْتُ عَنْ الْأَدَاءِ أَوْ يَقُولَ السَّيِّدُ فَسَخْتُ الْكِتَابَةَ ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى حَاكِمٍ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ .
تَنْبِيهٌ : يَرِدُ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا : مَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا حَلَّ النَّجْمُ وَالْمُكَاتَبُ غَائِبٌ وَلَمْ يَبْعَثْ الْمَالَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُحَطُّ عَنْهُ أَوْ يُبْذَلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ وَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ .
لَكِنْ يَرْفَعُ الْمُكَاتَبُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُلْزِمَ السَّيِّدَ بِالْإِيتَاءِ وَالْمُكَاتَبَ بِالْأَدَاءِ ( وَ ) الْكِتَابَةُ ( جَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ ، فَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ ) أَيْ مَا يَفِي
بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهَا لَهُ فَأَشْبَهَ الْمُرْتَهِنَ كَذَا قَالُوهُ ، وَاعْتُرِضَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ السَّيِّدِ مِنْ النُّجُومِ ، بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتِقِ كَالْمُضْمَحِلِّ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ ( فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ ) أَيْ قَالَ : أَنَا عَاجِزٌ عَنْ كِتَابَتِي مَعَ تَرْكِ الْأَدَاءِ ( فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ ) عَلَيْهِ ( وَ ) لَهُ ( الْفَسْخُ ) لِلْكِتَابَةِ عَلَى التَّرَاخِي إنْ شَاءَ ( بِنَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا لِاجْتِهَادٍ فِيهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْحَاكِمُ ( وَإِنْ شَاءَ بِالْحَاكِمِ ) إنْ ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُ ، وَحُلُولُ النُّجُومِ وَالْعَجْزُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ ، وَمَتَى فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ فَازَ السَّيِّدُ بِمَا أَخَذَهُ ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يَتَمَلَّكَ لُقَطَتَهُ ، كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا ، خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ ( وَلِلْمُكَاتَبِ ) أَيْضًا ( الْفَسْخُ ) لَهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ ، كَمَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْسَخَ الرَّهْنَ .
وَالثَّانِي : الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي بَقَائِهَا .
وَلَوْ اسْتَمْهَلَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ اُسْتُحِبَّ إمْهَالُهُ ، فَإِنْ أَمْهَلَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عُرُوضٌ أَمْهَلَهُ لِيَبِيعَهَا ، فَإِنْ عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَمْهَلَهُ إلَى إحْضَارِهِ إنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا .
( وَلَوْ ) ( اسْتَمْهَلَ الْمُكَاتَبُ ) سَيِّدَهُ ( عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ ) لِعَجْزٍ ( اُسْتُحِبَّ ) لَهُ ( إمْهَالُهُ ) إعَانَةً لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ ( فَإِنْ ) ( أَمْهَلَ ) السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ ( ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ ) لِسَبَبٍ مِمَّا مَرَّ ( فَلَهُ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَقَدْ غَلِطَ مَنْ فَهِمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلْعَبْدِ ( وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ ( عُرُوضٌ ) وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ غَيْرَهَا ، وَاسْتَمْهَلَ لِبَيْعِهَا ( أَمْهَلَهُ ) وُجُوبًا ( لِيَبِيعَهَا ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ ، وَلَوْ لَمْ يُمْهِلْهَا لَفَاتَ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ ( فَإِنْ ) لَمْ يَكُنْ بَيْعُهَا فَوْرًا كَأَنْ ( عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِمْهَالِ ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا جَوَازُ الْفَسْخِ وَصَحَّحَاهُ ( وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا ) وَاسْتَمْهَلَ لِإِحْضَارِهِ ( أَمْهَلَهُ ) السَّيِّدُ وُجُوبًا ( إلَى إحْضَارِهِ إنْ كَانَ ) غَائِبًا فِيمَا ( دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ ( فَلَا ) يَجِبُ الْإِمْهَالُ لِطُولِ الْمُدَّةِ .
تَنْبِيهٌ : يُمْهَلُ لِإِحْضَارِ دَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَإِحْضَارِ مَالٍ مُودَعٍ .
وَلَوْ حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ مِنْهُ .
( وَلَوْ ) ( حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ ) أَيْ الْمُكَاتَبُ ( غَائِبٌ ) وَلَوْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ غَابَ بَعْدَ حُلُولِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ ( فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ ) لِلْكِتَابَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِالْغَيْبَةِ بَعْدَ الْمَحِلِّ ، وَالْإِذْنُ قَبْلَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ لَهُ فِي اسْتِمْرَارِهَا إلَى مَا بَعْدَهُ ، وَيَفْسَخُ بِنَفْسِهِ وَيُشْهِدُ ، لِئَلَّا يُكَذِّبَهُ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ الْفَسْخُ بِالْحَاكِمِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ لَكِنْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْكِتَابَةِ بِحُلُولِ النَّجْمِ وَالتَّعَذُّرِ لِتَحْصِيلِ النَّجْمِ ، وَحَلِفِ السَّيِّدِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ وَكِيلِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا أَنْظَرَهُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ وَالتَّحْلِيفُ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ غَرِيبٌ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَمْ أَرَ لَهُمْ تَعَرُّضًا لِحَدِّ هَذِهِ الْغَيْبَةِ ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ ، وَقَيَّدَهَا فِي الْكِفَايَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ قِيَاسُ تَنْزِيلِ غَيْبَتِهِ كَغَيْبَةِ الْمَالِ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : وَالْقِيَاسُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ ( فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ ) لِلنَّجْمِ ( مِنْهُ ) وَيُمَكِّنُ الْقَاضِي السَّيِّدَ مِنْ الْفَسْخِ ، وَإِنْ عَاقَ الْمُكَاتَبَ عَنْ حُضُورِهِ مَرَضٌ أَوْ خَوْفٌ فِي الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَّزَ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ ، وَرُبَّمَا فَسَخَ الْكِتَابَةَ فِي غَيْبَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْلِيفِهِ لَا يَجْتَمِعَانِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ يُمَكِّنُ الْقَاضِي السَّيِّدَ : أَيْ لَا يَعْتَرِضُهُ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّحْلِيفِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ
إذَا وَفَّى أَوْ أَذِنَ فِيهِ يَحْتَاطُ كَمَا قَالُوا فِي الْحَاضِنَةِ يَكْفِي فِيهَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ ، فَإِنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ ، وَلَوْ أَنْظَرَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ وَسَافَرَ بِإِذْنِهِ ، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى إنْظَارِهِ لَمْ يُفْسَخْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ ، وَرُبَّمَا اكْتَسَبَ فِي السَّفَرِ مَا يَفِي بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، فَلَا يَفْسَخُ سَيِّدُهُ حَتَّى يُعْلِمَهُ بِالْحَالِ .
بَلْ بِكِتَابٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ سَيِّدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ ، فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ كَتَبَ بِهِ قَاضِي بَلَدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ السَّيِّدِ لِيَفْسَخَ إنْ شَاءَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ السَّيِّدِ قَاضٍ وَبَعَثَ السَّيِّدُ إلَى الْمُكَاتَبِ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ وَيَقْبِضُ مِنْهُ النُّجُومَ فَهَلْ هُوَ كَكِتَابِ الْقَاضِي فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ .
وَلَا تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ ، وَيُؤَدِّي الْقَاضِي إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَلَا بِالْحَجَرِ .
( وَلَا تَنْفَسِخُ ) الْكِتَابَةُ ( بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لَازِمًا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِجُنُونِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالرَّهْنِ ، وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَكَالَةِ وَالْقِرَاضِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ فَسْخَهَا حَالَ جُنُونِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَفْسَخْ بِنَفْسِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِجَمِيعِ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ عَلَى الْغَائِبِ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( يُؤَدِّي الْقَاضِي إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا ) لِيُعْتَقَ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَنَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الْغَائِبِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ تَأْدِيَةِ الْقَاضِي عَنْهُ إذَا رَأَى لَهُ مَصْلَحَةً فِي الْحُرِّيَّةِ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَضِيعُ بِهَا لَمْ يُؤَدِّ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَهَذَا حَسَنٌ ، لَكِنَّهُ قَلِيلُ النَّفْعِ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ السَّيِّدَ إذَا وَجَدَ مَالَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَاكِمَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْأَخْذِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَيْ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ الْقَاضِي مَالًا فَسَخَ السَّيِّدُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَعَادَ بِالْفَسْخِ قِنًّا لَهُ ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ كَأَنْ حَصَّلَهُ مِنْ قَبْلِ الْفَسْخِ دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ ، وَنَقَضَ التَّعْجِيزَ وَعَتَقَ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : كَذَا أَطْلَقُوهُ ، وَأَحْسَنَ الْإِمَامُ إذْ خَصَّ نَقْضَ التَّعْجِيزِ بِمَا إذَا ظَهَرَ الْمَالُ بِيَدِ السَّيِّدِ وَإِلَّا فَهُوَ مَاضٍ ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ حِينَ تَعَذُّرِ حَقِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا فَحَضَرَ بَعْدَ الْفَسْخِ ا هـ .
قَالَ فِي الْخَادِمِ : وَهَذَا مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِإِطْلَاقِهِمْ مُصَادِمٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِ ثُمَّ حُضُورِهِ ، بِخِلَافِ وُجُودِهِ بِالْبَلَدِ ، وَإِذَا قُلْنَا يَعْتِقُ