كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
الْهِبَةُ لَهُمْ .
أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُكْرَهُ بَذْلُهُ لَهُمْ .
وَالْأَوْلَى قِتَالُ الْكُفَّارِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِيَجْمَعُوا بَيْنَ الْجِهَادِ وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَإِتْمَامِ النُّسُكِ .
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَجِبْ إذَا كَانُوا مِثْلَيْنَا فَأَقَلَّ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الثَّبَاتُ لَهُمْ فِي غَيْرِ الصَّفِّ كَمَا قَالُوهُ فِي السِّيَرِ .
وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ إذَا أَرَادَ الْقِتَالَ لُبْسُ الدِّرْعِ وَنَحْوِهِ وَيَفْدِي وُجُوبًا كَمَا لَوْ لَبِسَهُ الْمُحْرِمُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ .
وَالْأَوْلَى لِلْمُحْصَرِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ التَّحَلُّلِ وَكَذَا لِلْحَاجِّ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ .
وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّعَجُّلُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْحَجِّ وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ بَعْدَهَا أَوْ فِي الْعُمْرَةِ وَتَيَقَّنَ قُرْبَ زَوَالِهِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ امْتَنَعَ تَحَلُّلُهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ هُنَا الظَّنُّ الْغَالِبُ ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِنَصٍّ فِي الْبُوَيْطِيِّ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَةُ التَّحَلُّلِ فِيمَا إذَا أَحَاطَ بِهِمْ الْعَدُوُّ مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ يَسْتَفِيدُونَ بِهِ الْأَمْنَ مِنْ الْعَدُوِّ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَانِعُونَ فِرَقًا مُتَمَيِّزَةً لَا تَعْضُدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ الْأُخْرَى ، فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُونَ لِجَمِيعِ الْجَوَانِبِ فِرْقَةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ فَتَفَطَّنْ لَهُ ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لِمَا فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ مِنْ الْمَشَقَّةِ كَمَا مَرَّ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ الْوُقُوعِ دُونَ الْبَيْتِ وَعَكْسَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، لَكِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ ، فَفِي الْأُولَى يَدْخُلُ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ ،
وَفِي الثَّانِيَةُ يَقِفُ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَأَقَرَّهُ ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ لَا قَضَاءَ ، وَخَرَجَ بِالْأَرْكَانِ مَا لَوْ مُنِعَ مِنْ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ نُسُكِهِ ، وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ ، وَاسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْإِحْصَارِ عَنْ الطَّوَافِ ، أَنَّ الْحَائِضَ إذَا لَمْ تَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ حَتَّى تَطْهُرَ وَجَاءَتْ بَلَدَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَعَدِمَتْ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ أَنَّهَا كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ وَالذَّبْحِ وَالتَّقْصِيرِ ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِيمَنْ صُدَّ عَنْ طَرِيقٍ وَوَجَدَ آخَرَ أَطْوَلَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ ، وَذَكَرَ الْبَارِزِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ ، وَقَدْ قَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنَّمَا أَعَدْتُهَا لِئَلَّا يُغْفَلَ عَنْهَا فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَيُتَفَطَّنُ لَهَا ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ .
يُمْكِنُهُ سُلُوكُهُ وَوَجَدَ شَرَائِطَ الِاسْتِطَاعَةِ فِيهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَلْزَمُهُ سُلُوكُ ذَلِكَ الطَّرِيقِ ، سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْفَوْتَ ، وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، فَلَوْ فَاتَهُمْ الْحَجُّ لِطُولِ الطَّرِيقِ الْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ .
وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ حَصْرِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَلَوْ وَاحِدًا .
وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ .
( وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ ) بِمُعْجَمَةٍ ، وَهِيَ طَائِفَةٌ أُحْصِرَتْ مِنْ بَيْنِ الرُّفْقَةِ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَمْ يَعُمَّ الْكُلَّ ، فَأَشْبَهَ الْمَرَضَ وَخَطَأَ الطَّرِيقِ ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ لِأَنَّ مَشَقَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا أَوْ لَا يَتَحَمَّلُ .
وَأَمَّا الْحَصْرُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْمَانِعُ الثَّانِي بِأَنْ حُبِسَ ظُلْمًا : كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ لِمَا مَرَّ .
فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ : إنَّ الْمُفْلِسَ الْمَحْبُوسَ ظُلْمًا يَتَحَلَّلُ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ كَمَا فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُبِسَ تَعَدِّيًا لَمْ يَسْتَفِدْ بِالتَّحَلُّلِ الْخَلَاصَ مِمَّا فِيهِ كَالْمَرِيضِ وَلُحُوقُ الْمَشَقَّةِ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، إذْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَرِيضِ ، بَلْ حَالُ الْمَرِيضِ آكَدُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّحَلُّلِ بِالْحَبْسِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ ، فَالْمَرِيضُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ مَعَهُ فَلَمْ يُبَحْ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا .
أَمَّا إذَا حُبِسَ بِحَقٍّ ، كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ مُتَمَكِّنٍ مِنْ أَدَائِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَيَمْضِيَ فِي نُسُكِهِ ، فَلَوْ تَحَلَّلَ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ ، فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ بَعْدَ إتْيَانِهِ مَكَّةَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ .
وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ ، فَإِنْ شَرَطَهُ تَحَلَّلَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَمَنْ تَحَلَّلَ ذَبَحَ شَاةً حَيْثُ أُحْصِرَ .
( وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ ) وَنَحْوِهِ كَضَلَالِ طَرِيقٍ ، وَفَقْدِ نَفَقَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ ، بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا ، أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلُّلٌ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ هَذَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ التَّحَلُّلُ بِهِ ( فَإِنْ شَرَطَهُ ) بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فِي إحْرَامِهِ : أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ مَثَلًا ( تَحَلَّلَ ) جَوَازًا ( بِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ ( عَلَى الْمَشْهُورِ ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ " بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ " بِنْتِ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ لَهَا : { أَرَدْتِ الْحَجَّ ؟ فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً ، فَقَالَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي ، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي } وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ .
وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ بِالشَّرْطِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبْسِ الْمَوْتُ أَوْ خَاصٌّ بِضُبَاعَةَ ، ثُمَّ إنَّهُ إنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ أَوْ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَلِظَاهِرِ خَبَرِ ضُبَاعَةَ ، فَالتَّحَلُّلُ يَكُونُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ أَوْ نَحْوِهِ فَقَطْ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ مَرِضْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ فَأَنَا حَلَالٌ فَوَجَدَ الْعُذْرَ صَارَ حَلَالًا بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمْلُ خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ } وَإِنْ شَرَطَ قَلْبَ الْحَجِّ عُمْرَةً بِذَلِكَ جَازَ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ بَلْ أَوْلَى ، فَلَهُ إذَا وَجَدَ الْعُذْرَ
أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً وَ تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ .
وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَنْقَلِبَ حَجُّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْعُذْرِ فَوَجَدَ الْعُذْرَ انْقَلَبَ عُمْرَةً وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ لَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عُمْرَةً ، وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ ( وَمَنْ تَحَلَّلَ ) أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَكُونُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ كَمَا سَيَأْتِي : أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ النُّسُكِ بِالْإِحْصَارِ ( ذَبَحَ ) حَتْمًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ( شَاةً ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ سُبُعِ أَحَدِهِمَا ( حَيْثُ أُحْصِرَ ) فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْمَرَضِ ، لِأَنَّ حَصْرَ الْعَدُوِّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطٍ ، فَالشَّرْطُ فِيهِ لَاغٍ .
وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ مِنْ الْحِلِّ ، وَكَذَلِكَ يَذْبَحُ هُنَاكَ مَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَمَا مَعَهُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ ، وَلَهُ ذَبْحُهُ عَنْ إحْصَارِهِ وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الذَّبْحِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْحِلِّ إذَا أُحْصِرَ فِيهِ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ بَعْضِ الْحَرَمِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ .
تَنْبِيهٌ : يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ : حَيْثُ أُحْصِرَ أَنَّهُ لَوْ أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ وَأَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ قَدْ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْعِ الْمُتَنَفِّلِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ التَّحَوُّلِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى ، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ إيصَالِهِ الْحَرَمَ لَكِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يُعْلَمَ بِنَحْرِهِ ، وَلَوْ أَحُصِرَ فِي الْحَرَمِ جَازَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ .
قُلْت : إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا ، فَإِنْ فُقِدَ الدَّمُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا وَأَنَّهُ طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ، وَلَهُ التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قُلْت ) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ( إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } ( وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ ) الْمُقَارِنَةِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّحَلُّلِ .
وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدٍ صَارِفٍ ، وَكَيْفِيَّتُهَا : أَنْ يَنْوِيَ خُرُوجَهُ عَنْ الْإِحْرَامِ ( وَكَذَا الْحَلْقُ ) أَوْ نَحْوُهُ ( إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا ) وَسَبَقَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لَهُ كَمَا فِي الذَّبْحِ وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُهُ عَنْ الذَّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ( فَإِنْ فُقِدَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ ( الدَّمُ ) حِسًّا كَأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهُ .
أَوْ شَرْعًا كَأَنْ احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ أَوْ وَجَدَهُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ( فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا ) قِيَاسًا عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَغَيْرِهِ .
وَالثَّانِي : لَا ، لِعَدَمِ النَّصِّ فَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ ( وَ ) الْأَظْهَرُ عَلَى الْأَوَّلِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْبَدَلَ ( طَعَامٌ ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَيَوَانِ مِنْ الصِّيَامِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ ، فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْفَقْدِ أَوْلَى ، وَعَلَيْهِ قِيلَ : يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ .
وَالْأَصَحُّ ( بِقِيمَةِ الشَّاةِ ) مُرَاعَاةً لِلْقُرْبِ فَيُقَوِّمُ الشَّاةَ بِدَرَاهِمَ وَيُخْرِجُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ الطَّعَامِ ( صَامَ ) حَيْثُ شَاءَ ( عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ) قِيَاسًا عَلَى الدَّمِ الْوَاجِبِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَدَلُهُ الصَّوْمُ ، وَهُوَ كَصَوْمِ التَّمَتُّعِ ، أَوْ الْحَلْقِ أَوْ التَّعْدِيلِ أَقْوَالٌ لَمْ يُصَحِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا مِنْهَا ، وَصَحَّحَ الْفَارِقِيُّ آخِرَهَا بِأَنْ يَعْرِفَ مَا يَتَأَتَّى بِقِيمَتِهِ طَعَامًا فَيَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ( وَلَهُ ) إذَا انْتَقَلَ إلَيَّ الصَّوْمِ ( التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ ) عِنْدَهُ ( فِي
الْأَظْهَرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ ، فَلَوْ وَقَفْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ لَحِقَهُ الْمَشَقَّةُ لِتَضَرُّرِهِ بِالْمُقَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ .
وَالثَّانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّوْمِ كَالْإِطْعَامِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ .
وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ فَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَانِعِ الثَّالِثِ وَهُوَ الرِّقُّ فَقَالَ ( وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ ) وَفِي مَعْنَاهُ الْأَمَةُ وَلَوْ مُبَعَّضًا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ ، أَوْ مُدَبَّرًا ، أَوْ مُكَاتَبًا ، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ، أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ فِيمَا أَحْرَمَ بِهِ ( فَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ ) بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ لَا نُسُكَ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى إحْرَامِهِ يُعَطِّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُرِيدُ مِنْهُ مَا لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ وَإِصْلَاحِ الطِّيبِ وَقُرْبَانِ الْأَمَةِ ، وَكَذَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ تَحْلِيلُهُ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ عِنْدَ جَهْلِهِ بِإِحْرَامِهِ لَكِنْ الْأَوْلَى لَهُمَا أَنْ يَأْذَنَا لَهُ فِي إتْمَامِ نُسُكِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّيِّدِ وَمِثْلُهُ الْمُشْتَرِي ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْمُضِيِّ فِيهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ فِيمَا بَعْدُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ حَرْبِيٌّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا تَحْلِيلُهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَالِغِ فَإِنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ صَحَّحْنَا إحْرَامَ الْغَيْرِ الْحُرِّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ا هـ .
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ ، وَلِلرَّقِيقِ أَنْ يَتَحَلَّلَ قَبْلَ أَمْرِ سَيِّدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ فِي الزَّوْجَةِ لَكِنْ قِيَاسُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ مَمْنُوعٌ لِمَا سَيَأْتِي ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ سَيِّدُهُ ، بَلْ إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَعَلَيْهِ
التَّحَلُّلُ حِينَئِذٍ فَيَحْلِقُ وَيَنْوِي التَّحَلُّلَ ، فَعُلِمَ أَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ فَلَهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِهِ مِنْهُ وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرْتَفِعُ إحْرَامُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ بَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْعَصْرِيِّينَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَلَبَّسَ بِعِبَادَةٍ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ جَوَازِ رِضَا السَّيِّدِ بِدَوَامِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ أَيْضًا وَلَا لِمَنْ اشْتَرَاهُ ، لَكِنْ يَتَخَيَّرُ إنْ جَهِلَ ، وَلِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، فَلَوْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِرُجُوعِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ ، وَلَوْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ الْإِذْنَ صُدِّقَ .
قَالَ فِي الْعُبَابِ : وَفِي تَصْدِيقِ السَّيِّدِ فِي تَقْدِيمِ رُجُوعِهِ تَرَدُّدٌ ا هـ .
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَصْدِيقُهُ : أَيْ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتَ الرُّجُوعِ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الرَّجْعَةِ .
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ جَازَ لَهُ تَحْلِيلُهُ ، لَا إنْ أَذِنَ فِي الْحَجِّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا دُونَهُ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ، وَلَوْ قَرَنَ بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ فِي الْحَجِّ أَوْ فِي الْإِفْرَادِ لَمْ يُحْلِلْهُ ؛ لِأَنَّ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ مُسَاوٍ لِلْقِرَانِ أَوْ فَوْقَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : هُوَ مُشْكِلٌ فِي صُورَةِ التَّمَتُّعِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ : لِأَنَّهُ يَقُولُ كَانَ غَرَضِي مِنْ التَّمَتُّعِ أَنِّي كُنْت أَمْنَعُك مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ
مُتَلَبِّسٌ بِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ تَحَلُّلُهُ ، وَلَوْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي وَقْتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْوَقْتُ .
قَالَ فِي الْعُبَابِ : وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا وَأَرَادَ السَّيِّدُ صَرْفَهُ إلَى نُسُكٍ وَالرَّقِيقُ صَرْفَهُ إلَى غَيْرِهِ فَفِيمَنْ يُجَابُ ؟ قَوْلَانِ ا هـ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُجَابُ إنْ كَانَ مَا طَلَبَهُ أَدْوَنَ .
فَرْعٌ : يَصِحُّ نَذْرُ الرَّقِيقِ الْحَجَّ وَيُجْزِئُهُ فِي رِقِّهِ ، فَإِنْ أَحْرَمَ الْمُبَعَّضُ فِي نَوْبَتِهِ وَوَسِعَتْ النُّسُكُ فَكَالْحُرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتُوُقِّفَ فِيهِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ ، فَإِطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ كَالرَّقِيقِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، وَقَيَّدَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَحْلِيلَ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ أَنْ يَحْتَاجَ الْمُكَاتَبُ فِي أَدَاءِ نُسُكِهِ إلَى سَفَرٍ : أَيْ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ النَّجْمُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَمَعَ هَذَا هُوَ مُشْكِلٌ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ السَّفَرِ لَا أَنَّهُ يُحَلِّلُهُ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ مُطْلَقًا حَيْثُ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ، وَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ تَبَرُّعِهِ ، وَلَوْ أَفْسَدَ الرَّقِيقُ نُسُكَهُ بِالْجِمَاعِ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدُ الْإِذْنَ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِفْسَادِ ، وَمَا لَزِمَهُ مِنْ دَمٍ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَاللِّبَاسِ أَوْ بِالْفَوَاتِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ إذَا ذَبَحَ عَنْهُ إذْ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَوَاجِبُهُ الصَّوْمُ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي مُوجَبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لِإِذْنِهِ فِي مُوجَبِهِ ، وَلَوْ ذَبَحَ عِنْدَ السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ لَهُ لِحُصُولِ الْيَأْسِ مِنْ تَكْفِيرِهِ ، وَلَوْ عَتَقَ قَبْلَ صَوْمِهِ وَقَدَرَ عَلَى الدَّمِ لَزِمَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْأَدَاءِ .
وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُهَا مِنْ حَجِّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ، وَكَذَا مِنْ الْفَرْضِ فِي الْأَظْهَرِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَانِعِ الرَّابِعِ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ فَقَالَ ( وَلِلزَّوْجِ ) الْحَلَالُ أَوْ الْمُحْرِمُ ( تَحْلِيلُهَا ) أَيْ زَوْجَتِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُهَا ابْتِدَاءً ( مِنْ حَجٍّ ) أَوْ عُمْرَةِ ( تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ حَقُّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا لَمْ يَجُزْ لِرِضَاهُ بِالضَّرَرِ .
وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحُجَّ بِزَوْجَتِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَيُسَنُّ لِلْحُرَّةِ أَنْ لَا تُحْرِمَ بِنُسُكِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَازِمٌ لِلْحُرَّةِ فَتَعَارَضَ فِي حَقِّهَا وَاجِبَانِ : الْحَجُّ وَطَاعَةُ زَوْجِهَا فَجَازَ لَهَا الْإِحْرَامُ ، وَنُدِبَ لَهَا الِاسْتِئْذَانُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ ؛ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الشُّرُوعُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْفَرْضِ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إحْرَامُهَا بِالنَّفْلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً تَوَقَّفَ إحْرَامُهَا عَلَى إذْنِهِ مَعَ إذْنِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا ، فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمَنْعُ ، فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا فَلَهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيلُهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَكَذَا ) لَهُ تَحْلِيلُهَا أَيْضًا ( مِنْ الْفَرْضِ ) أَيْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالنُّسُكَ عَلَى التَّرَاخِي .
وَالثَّانِي : لَا ، قِيَاسًا عَلَى الْمَفْرُوضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا لَا تَطُولُ فَلَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ كَبِيرُ ضَرَرٍ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ : إنْ لَمْ تَحُجِّي فِي هَذَا الْعَامِ عَضَبْتِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ
عَلَيْهِ تَحْلِيلُهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قِيلَ كُلٌّ مِنْ الْوَاجِبَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ فَمَا وَجْهُ تَقْدِيمِ الْحَجِّ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ .
وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَأَحْرَمَتْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ كَبِيرَةً وَسَافَرَتْ مَعَهُ وَأَحْرَمَتْ حَالَ إحْرَامِهِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفَوِّتْ عَلَيْهِ اسْتِمْتَاعًا ، كَمَا أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْنَعُ عَبْدَهُ مِنْ صَوْمِ تَطَوُّعٍ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ بِهِ أَمْرَ الْخِدْمَةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ ، وَحُكْمُ حَجَّةِ النَّذْرِ حُكْمُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَيُسْتَثْنَى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ نُكِحَتْ بَعْدَ تَحَلُّلِهَا مِنْ الْفَائِتِ فَلَا مَنْعَ وَلَا تَحَلُّلَ مِنْهُ لِلتَّضْيِيقِ ، وَكَذَا لَوْ حَجَّتْ خَلِيَّةٌ فَأَفْسَدَتْهُ ثُمَّ نُكِحَتْ ، وَالْحَابِسَةُ نَفْسَهَا لِتَقْبِضَ الْمَهْرَ فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَحْرَمَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهَا ، وَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِهِ إيَّاهَا أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّحَلُّلِ ، وَتَحَلُّلُهَا كَتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحَلُّلُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتُفَارِقُ الرَّقِيقَ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ مُحَرَّمٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهَا .
وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ هَذَا فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ فَلَوْ لَمْ تَتَحَلَّلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي جَوَازِهِ ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الرَّجْعِيَّةِ بَلْ يَحْبِسُهَا لِلْعِدَّةِ ، وَكَذَا الْبَائِنُ أَيْضًا وَإِنْ فَاتَ الْحَجُّ ، هَذَا إنْ طَلُقَتْ
الزَّوْجَةُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، لِأَنَّ لُزُومَهَا سَبَقَ الْإِحْرَامَ ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا أَوْ حَجَّهَا إنْ بَقِيَ الْوَقْتُ وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ ، فَإِنْ طَلُقَتْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مُعْتَدَّةً إنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ الْفَوَاتَ جَازَ الْخُرُوجُ إلَى ذَلِكَ لِمَا فِي تَعَيُّنِ الصَّبْرِ مِنْ مَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ ، نَعَمْ لَوْ رَاجَعَ الرَّجْعِيَّةَ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَحَكَى الْمُتَوَلِّي كَالْبَغَوِيِّ فِي الْقَضَاءِ وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى الْفَوْرِ فِي الْقَضَاءِ ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ مَنْعِهَا .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ أَجْنَبِيُّ قَبْلَ النِّكَاحِ ، فَإِنْ وَطِئَهَا الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَهُ فِي نُسُكٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ فَلَهُ الْمَنْعُ كَمَا فِي الْأَدَاءِ ، وَإِنْ أَذِنَ فَفِي الْمَنْعِ نَظَرٌ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ إحْرَامِ الرَّقِيقِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إذَا أَفْسَدَ نُسُكَهُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ هُنَا مَنْعَهَا ، وَالْقَضَاءُ إذَا كَانَ سَبَبُهُ الْفَوَاتَ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيُؤْخَذُ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ بِإِذْنِ زَوْجِهَا : أَيْ اسْتِحْبَابًا كَمَا مَرَّ ، وَأَنَّ الْحَصْرَ الْخَاصَّ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ أَنَّ إذْنَهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهَا بَلْ الْحَجُّ وَجَبَ ، وَإِذَا أَحْرَمَتْ فَمَنَعَهَا الزَّوْجُ وَمَاتَتْ وَقَضَى مِنْ تَرِكَتِهَا مَعَ كَوْنِهَا لَا تَعْصِي لِكَوْنِهِ مَنَعَهَا إلَّا إذَا تَمَكَّنَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ .
.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبَيْعِ أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظَ الْبَيْعِ ، وَلَمْ يُعَبِّرْ كَغَيْرِهِ بِالْبُيُوعِ تَأَسِّيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَيُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَسِيمُ الشِّرَاءِ ، وَهُوَ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْهُ لِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ لَفْظُ الْبَيْعِ .
وَحَدُّهُ : نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ، وَالشِّرَاءُ قَبُولُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ .
تَقُولُ الْعَرَبُ : بِعْت بِمَعْنَى شَرَيْتُ وَبِالْعَكْسِ .
قَالَ تَعَالَى { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أَيْ بَاعُوهُ ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَائِعٌ وَبَيْعٌ وَمُشْتَرٍ وَشَارٍ .
الثَّانِي : الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجَمَةِ ، وَهُوَ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ : مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَّا بِوَصْلِكُمْ وَلَا أُسَلِّمُهَا إلَّا يَدًا بِيَدِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، كَذَا قَالُوهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لِيَخْرُجَ رَدُّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْعًا ا هـ .
وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .
فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ الْقَرْضُ كَمَا لَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا بِمِثْلِهِ ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَإِنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَا بِبَيْعٍ ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ .
فَإِنْ أُجِيبَ عَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَالَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ ، رُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْحَدِّ غَيْرَ جَامِعٍ لِجَوَازِ جَعْلِ الثَّمَنِ مَنْفَعَةً .
وَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ بِدُخُولِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمَالِ ، فَقَالَ : الْأَمْوَالُ تَنْقَسِمُ إلَى أَعْيَانٍ وَمَنَافِعَ ، وَأَيْضًا الْمُقَابَلَةُ الْمُطْلَقَةُ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا فِي عَقْدٍ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ
يَقْتَضِي انْتِقَالَ الْمِلْكِ ، وَلِهَذَا زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ تَمْلِيكًا .
أُجِيبَ عَنْ الْقَرْضِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ حَالَةَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْمُقَابَلَةِ مُفَاعَلَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْجَانِبَيْنِ وَالْقَرْضُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الدَّفْعُ وَتَسْمِيَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ خَاصَّةً ، حَتَّى لَوْ قَالَ : أَقْرَضْتُك هَذَا ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الْعِوَضَيْنِ لِتَحَقُّقِ الْمُفَاعَلَةِ ، وَعَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ وَالْمَجَازِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهَا .
وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ، فَقَدْ مَنَعَ جَمَاعَةٌ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَنَافِعُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَنْفَعَةٍ لَمْ يُقْبَلْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا ، وَقَوْلُهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّ الْمَنْفَعَةَ تُحْسَبُ قِيمَتُهَا مِنْ الثُّلُثِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَالْمَالِ الْمُفَوَّتِ لَا أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَالٌ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَأَيْضًا الْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ لَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُسَمَّى مَالًا حَقِيقَةً لَمْ تَرِدْ عَلَى الْحَدِّ ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِ الِاصْطِلَامِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ صِحَّةِ
الْعَقْدِ وَمَا دَخَلَهُ التَّقْدِيرُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا يُقَدَّرُ الْمَيِّتُ حَيًّا لِيَمْلِكَ الدِّيَةَ وَتُورَثُ عَنْهُ ، وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ يُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَدَخَلَ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوِهِ ، وَخَرَجَتْ الْإِجَارَةُ بِقَيْدِ التَّأْقِيتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا .
وَلِهَذَا لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِهِ كَمَا مَرَّ ، وَالْقَرْضُ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ بِقَيْدِ الْمِلْكِ ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ ، وَالزَّوْجَةُ وَالْجَانِي لَا يَمْلِكَانِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدَانِ رَفْعَ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ خَرَجَ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا ، وَهَذَا الْحَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِمَا لَا يَخْفَى .
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } وقَوْله تَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ بَيْعٍ إلَّا مَا خُصَّ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بُيُوعٍ ، وَالثَّانِي : أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لَهَا ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَدَلُّ بِهَا ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُسْتَدَلُّ وَأَحَادِيثُ كَحَدِيثِ سُئِلَ النَّبِيُّ : أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ ؟ فَقَالَ : { عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ } أَيْ لَا غِشَّ فِيهِ وَلَا خِيَانَةَ ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، وَحَدِيثِ { إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ } .
شَرْطُهُ الْإِيجَابُ : كَبِعْتُك وَمَلَّكْتُك ، وَالْقَبُولُ : كَاشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت .
وَأَرْكَانُهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثَلَاثَةٌ ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ : عَاقِدٌ وَهُوَ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ ، وَصِيغَةٌ وَهِيَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْعَاقِدِ .
ثُمَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ الصِّيغَةِ ، لَكِنَّهُ بَدَأَ بِهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : لِأَنَّ الْعَاقِدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَالْغَزَالِيِّ بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ وَالتَّعْبِيرُ بِالرُّكْنِ أَوْلَى .
نَعَمْ قَدْ يُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيُسَاوِي التَّعْبِيرَ بِالرُّكْنِ ، فَقَالَ : ( شَرْطُهُ ) أَيْ الْبَيْعِ صِيغَةٌ ، وَهِيَ ( الْإِيجَابُ ) مِنْ الْبَائِعِ ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ دَلَالَةً ظَاهِرَةً ( كَبِعْتُك ) بِكَذَا ( وَمَلَّكْتُك ) بِكَذَا ، وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا ، أَوْ أَنَا بَائِعُهُ لَك بِكَذَا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ ، وَكَهَذَا لَك بِكَذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَبِعْتُك أَوْ مَلَّكْتُك ، وَهِيَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَالْقَبُولُ ) مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً ( كَاشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت ) وَرَضِيت كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ ، وَنَعَمْ فِي الْجَوَابِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَوَلَّيْت وَنَحْوِهَا ، وَبِعْت عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ حَتَّى أَنَّهُمَا يُشْتَرَطَانِ فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ لِمَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ وَعَكْسُهُ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا ، إذْ مَعْنَى التَّحْصِيلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِزَالَةِ ، وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَكَذَا السَّفِيهُ إذَا بَلَغَ سَفِيهًا ، وَإِلَّا
فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ الْأَبِ ، فَلَوْ وَكَّلَ الْحَاكِمُ الْأَبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَتَوَلَّ الطَّرَفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ .
وَهَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ أَحَدِ ابْنَيْهِ مِنْ الْآخَرِ ، وَهُمَا تَحْتَ حَجْرِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِي الْبَيْعِ إلَى الصِّيغَةِ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ } صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الصِّيغَةُ ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ إذْ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ ، فَالْمَقْبُوضُ بِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ ، فَيُطَالِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ ، وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ : لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ إنْ سَاوَى قِيمَةَ مَا دَفَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ ظَفِرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ .
هَذَا فِي الدُّنْيَا .
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِطِيبِ النَّفْسِ بِهَا ، وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَقَرَّهُ قَالَ : وَخِلَافُ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا .
قَالَ فِي الذَّخَائِرِ : وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ ، وَيُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ ، وَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ الِانْعِقَادَ بِهَا فِي كُلِّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ فَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ ، وَبَعْضُهُمْ كَابْنِ
سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ خَصَّصَ جَوَازَ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ ، وَهِيَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ : كَرِطْلِ خُبْزٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُلُّ مَنْ وَسَمَ بِالْبَيْعِ اكْتَفَى مِنْهُ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْعَامِّيِّ وَالتَّاجِرِ ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بِاللَّفْظِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَأَمَّا إذَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْبَيَّاعِ وَيُحَاسِبُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَيُعْطِيهِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ .
فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ وَلْيَحْذَرْ مِنْهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا ، وَمِنْ كَلَامِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْإِحْيَاءِ مُسَامِحٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : وَأَخْذُ الْحَاجَاتِ مِنْ الْبَيَّاعِ يَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ : أَعْطِنِي بِكَذَا لَحْمًا أَوْ خُبْزًا مَثَلًا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ ، فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَطْلُوبَهُ فَيَقْبِضُهُ وَيَرْضَى بِهِ ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُؤَدِّي مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ ، فَهَذَا مَجْزُومٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا أَرَاهُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَلْتَمِسَ مَطْلُوبَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِثَمَنٍ كَأَعْطِنِي رِطْلَ خُبْزٍ أَوْ لَحْمٍ مَثَلًا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ ، وَهَذَا مَا رَأَى الْغَزَالِيُّ إبَاحَتَهُ وَمَنَعَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ : " إنَّهُ لَا يُعَدُّ مُعَاطَاةً " وَلَا بَيْعًا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا ، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ ثَمَنِ الْحَاجَةِ مَعْلُومًا لَهُمَا عِنْدَ الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ لَفْظًا ا هـ .
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِيَغِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِيهِ ، فَيَكْفِي غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ ، وَمِنْ أَلْفَاظِ صِيَغِ الْإِيجَابِ
صَارَفْتُكَ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ ، وَقَرَّرْتُك بَعْدَ الِانْفِسَاخِ بِأَنْ يَقُولُ الْبَائِعُ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ قَرَّرْتُك عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْقِرَاضِ وَوَلَّيْتُك وَأَشْرَكْتُك ، وَمِنْ أَلْفَاظِ الْقَبُولِ صَارَفْتُ وَتَقَرَّرَتْ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ فِي جَوَابِ قَرَّرْتُك وَتَعَوَّضْت فِي جَوَابِ عَوَّضْتُك ، وَقَدْ فَعَلْت فِي جَوَابِ اشْتَرِ مِنِّي ذَا بِكَذَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي النِّكَاحِ ، وَفِي جَوَابِ بِعْتُك كَمَا فِي زِيَادَاتِ الْعَبَّادِيِّ .
نَقَلَهُ عَنْهَا الْإِسْنَوِيُّ ، وَبِكَافِ الْخِطَابِ فِي الْإِيجَابِ إلَى أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ إسْنَادَ الْبَيْعِ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُسْنَدْ إلَى أَحَدٍ كَمَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ : بِعْت هَذَا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا ، فَيَقُولُ : بِعْتُ فَيَقْبَلُهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى غَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَبِعْت مُوَكِّلَك بِخِلَافِ النِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ ثَمَّ سَفِيرٌ مَحْضٌ ، وَقَدْ لَا يُعْتَبَرُ الْخِطَابُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِلْبَائِعِ : بِعْت هَذَا بِكَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَوْ بِعْت ، وَيَقُولُ لِلْآخَرِ اشْتَرَيْت ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَوْ اشْتَرَيْت ، فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَاوِي الصِّحَّةُ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخِي عَدَمُ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُخَاطَبَةِ وَلَمْ يُوجَدْ .
نَعَمْ إنْ أَجَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ نَعَمْ دُونَ بِعْت ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَسِّطِ التَّكْلِيفُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت مِنْكَ هَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ : نَعَمْ أَوْ
قَالَ : بِعْتُك فَقَالَ الْمُشْتَرِي : نَعَمْ صَحَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ اسْتِطْرَادًا ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ شَيْخَنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا الْتِمَاسَ فَلَا جَوَابَ ، وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ الْقَبُولِ بِنَعَمْ مُتَأَخِّرَةً عِبَارَةُ ابْن قَاضِي عَجْلُونٍ فِي تَصْحِيحِهِ ، وَهِيَ : وَيَمْتَنِعُ الِابْتِدَاءُ بِنَعَمْ ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَبُولِ بِهَا مُتَأَخِّرَةً وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
الْأَمْرُ الثَّانِي : لَا بُدَّ مِنْ إسْنَادِهِ إلَى جُمْلَتِهِ فَلَا يَصِحُّ بِعْته لِيَدِك ، أَوْ لِنِصْفِك .
وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الرُّكْن الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ ضَابِطَ مَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَى الْجُزْءِ وَمَا لَا يَصِحُّ فَقَالَ : قَالَ الْأَصْحَابُ : مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَمَا لَا يَقْبَلُهُ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : الْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَتَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى جُزْءٍ لَا يَبْقَى الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَرَأْسِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى أَيِّ جُزْءٍ كَانَ ، وَهَذَا إلَى جُزْءٍ مَخْصُوصٍ .
تَنْبِيهٌ : اعْتِبَارُ الصِّيغَةِ جَارٍ حَتَّى فِي الْبَيْعِ الضِّمْنِيِّ ، لَكِنْ تَقْدِيرًا كَأَنْ يُقَالَ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَيَفْعَلُ ، فَإِنَّهُ يُعْتِقُ عَنْ الطَّالِبِ وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي .
وَقَدْ أَجَابَهُ ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ صِيغَةِ الثَّمَنِ لِوُضُوحِ اشْتِرَاطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ ، وَلَهُ صِيَغٌ : مِنْهَا أَنْ يَقُولَ بِكَذَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الْأَصْلُ .
وَمِنْهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَنِي كَذَا .
وَمِنْهَا وَلِي عَلَيْك كَذَا أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي : وَلَك عَلَيَّ كَذَا .
وَمِنْهَا : بِعْتُك عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي فَقَالَ : بِعْتُك انْعَقَدَ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي ) عَلَى لَفْظِ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ ، وَمَنَعَ الْإِمَامُ وَالْقَفَّالُ تَقَدُّمَ قَبِلْت ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ هُنَا .
لَكِنْ ذَكَرَا فِي التَّوْكِيلِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوَّلًا : قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْكَ لِفُلَانٍ فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ : زَوَّجْتهَا فُلَانًا جَازَ ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : قَبِلْت بَيْعَ هَذَا مِنْكَ بِكَذَا لِمُوَكِّلِي أَوْ لِنَفْسِي ، فَقَالَ : بِعْتُك أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي الْبَيْعِ ( وَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ لِآخَرَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ : ( بِعْنِي ) كَذَا بِكَذَا ( فَقَالَ : بِعْتُك انْعَقَدَ ) الْبَيْعُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِدَلَالَةِ بِعْنِي عَلَى الرِّضَا .
وَالثَّانِي : لَا يَنْعَقِدُ إلَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ : اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ : بِعْنِي لِاسْتِبَانَةِ الرَّغْبَةِ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ : اشْتَرَيْت ، فَكَمَا لَوْ قَالَ : بِعْنِي ، فَقَالَ : بِعْتُك قَالَهُ الْبَغَوِيّ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَإِنْ لَمْ تُفْهِمْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت هَذَا مِنْكَ بِكَذَا ، فَقَالَ : بِعْتُك انْعَقَدَ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ ، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِأَنْ أَتَى بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ الْمُضَارِعِ كَقَوْلِهِ : بِعْتنِي أَوْ تَبِيعُنِي ، فَقَالَ : بِعْتُك لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمُضَارِعِ الْمَقْرُونِ فَاللَّامُ الْأَمْرِ ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، فَلَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت مِنْكَ كَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ : مَلَّكْتُك .
أَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ : مَلَّكْتُك فَقَالَ : اشْتَرَيْت صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِفَعَلْت فِي جَوَابِ بِعْنِي ، وَكَذَا بِنَعَمْ
فِي جَوَابِ بِعْت وَاشْتَرَيْت كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ .
ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحٌ .
وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا فِي الْأَصَحِّ .
وَاسْتَغْنَى عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ بِقَوْلِهِ ( وَيَنْعَقِدُ ) أَيْ الْبَيْعُ ( بِالْكِنَايَةِ ) وَهِيَ مَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مَعَ النِّيَّةِ ( كَجَعَلْتُهُ لَك ) أَوْ خُذْهُ أَوْ تَسَلَّمْهُ أَوْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ ( بِكَذَا ) نَاوِيًا الْبَيْعَ فَيَنْعَقِدُ بِذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) فَفِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى الِانْعِقَادِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ لَا إلَى كَوْنِ جَعَلْته مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، فَلَوْ قَالَ : وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ فِي الْأَصَحِّ كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَحْسَنَ .
وَالثَّانِي : لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْرِي أَخُوطِبَ بِبَيْعٍ أَمْ بِغَيْرِهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْبَيْعِ ، وَمِنْ الْكِنَايَةِ بَاعَكَهُ اللَّهُ بِكَذَا كَأَقَالَكَ اللَّهُ مِنْهُ بِكَذَا أَوْ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْك فِي الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ أَبْرَأَك اللَّهُ ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ كَطَلَّقَكِ اللَّهُ ، وَضَابِطُ ذَلِكَ : أَنَّ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الشَّخْصُ وَحْدَهُ كَالْبَرَاءَةِ كَانَ صَرِيحًا وَمَا لَا كَالْبَيْعِ فَكِنَايَةٌ ، وَلَيْسَ مِنْ كِنَايَةِ الْبَيْعِ أَبَحْتُكَ إيَّاهُ بِكَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ مَجَّانًا فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهَا ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ ، وَاسْتُثْنِيَ فِي الْمَطْلَبِ صِحَّةُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ بِالْكِنَايَةِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَقِيَاسُهُ مَنْعُ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِهَا ا هـ .
وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ سَائِرُ الْعُقُودِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَجَبَ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ ، وَالنِّكَاحُ وَبَيْعُ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْإِشْهَادُ لَا يَنْعَقِدَانِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ .
نَعَمْ إنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : فَالظَّاهِرُ
انْعِقَادُهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ ، وَصُورَةُ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ : بِعْ هَذَا عَلَى أَنْ تُشْهِدَ .
فَإِنْ قَالَ : بِعْ وَأَشْهِدْ لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ شَرْطًا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَرْعَشِيُّ ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَالْكِتَابَةُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ عَلَى نَحْوِ لَوْحٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ أَرْضٍ كِنَايَةٌ فِي ذَلِكَ ، فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَائِعِ وَنَحْوِهِ كَالْهَوَاءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَالَ الِاطِّلَاعِ لِيَقْتَرِنَ بِالْإِيجَابِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
فَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ قَبُولِهِ ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْكَاتِبِ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ : أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ لِحَاضِرٍ صَحَّ أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ ، رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالسُّبْكِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَائِبٍ كَأَنْ قَالَ : بِعْت دَارًا لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَقَبِلَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ صَحَّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ بَلْ أَوْلَى .
.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا .
فَرْعٌ : يَصِحُّ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ بِالْعَجَمِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ قَطْعًا ، وَفِي النِّكَاحِ خِلَافُ التَّعَبُّدِ ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ الصِّحَّةُ ( وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ ) بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ ، وَقَوْلُهُ ( بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا ) مِثَالٌ .
وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى ، فَإِنْ طَالَ ضَرَّ ؛ لِأَنَّ طُولَ الْفَصْلِ يُخْرِجُ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ الْأَوَّلِ ، وَالطَّوِيلُ كَمَا قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ : هُوَ مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْيَسِيرِ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقَبُولِ ، وَيَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْعَقْدِ وَلَوْ يَسِيرًا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ، لِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فِي الْخُلْعِ ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ شَائِبَةَ التَّعْلِيقِ ، وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ شَائِبَةَ جَعَالَةٍ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَسَّعٌ فِيهِ مُحْتَمِلٌ لِلْجَهَالَةِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ الْعَقْدَ أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ .
كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ، وَمِنْ عَدِّهِمْ فِي بَابِ الْخُلْعِ الرِّدَّةَ مِنْ الْمُوجِبِ كَلَامًا يَسِيرًا : أَيْ أَجْنَبِيًّا ، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ تَعَلُّقُهُ بِالْعَقْدِ بَاقٍ مَا لَمْ يَقَعْ الْقَبُولُ فَإِنَّهُ لَوْ جُنَّ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْقَابِلِ .
وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ مَا يَشْمَلُ الْكَلِمَ وَالْكَلِمَةَ لَا الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ النُّحَاةِ ، وَخَرَجَ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُهُ فَلَا يَضُرُّ ، وَفُسِّرَ فِي الْأَنْوَارِ الْأَجْنَبِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَا مِنْ (
مُسْتَحَبَّاتِهِ ) .
قَالَ : فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَبِلْت صَحَّ ا هـ .
وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ أَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ ، لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي النِّكَاحِ .
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مِمَّنْ صَدَرَ مَعَهُ الْخِطَابُ ، فَلَوْ مَاتَ الْمُخَاطَبُ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ فَقَبِلَ وَارِثُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ ، وَكَذَا لَوْ قَبِلَ وَكِيلُهُ أَوْ مُوَكِّلُهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ خِلَافًا لِلنَّاشِرِيِّ الْقَائِلِ بِالصِّحَّةِ فِي الْمُوَكِّلِ ، وَأَنْ يَصِرَّ الْبَادِي عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْإِيجَابِ إلَى الْقَبُولِ ، وَأَنْ تَبْقَى أَهْلِيَّتُهُ كَذَلِكَ ، فَلَوْ أَوْجَبَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ أَوْ الْخِيَارَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِضَعْفِ الْإِيجَابِ وَحْدَهُ ، وَأَنْ يَتَلَفَّظَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ صَاحِبُهُ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَهُ بِكَذَا شَهْرًا مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُعَلَّقًا بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ، فَلَوْ قَالَ : إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ بِعْتُك كَذَا لَمْ يَصِحَّ ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَقَوْلِهِ : بِعْتُك هَذَا بِكَذَا إنْ شِئْت ، فَقَالَ : اشْتَرَيْت أَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت مِنْكَ هَذَا بِكَذَا إنْ شِئْت فَقَالَ : بِعْتُك صَحَّ ، وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ هَذَا مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ بِكَذَا ، وَلَوْ قَالَ الْجَوَابَ : شِئْت ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : أَنَّ إنْ رَضِيت أَوْ إنْ أَجَبْت أَوْ إنْ اخْتَرْت أَوْ إنْ أَرَدْت كَأَنْ شِئْت ، وَلَوْ قَالَ :
بِعْتُك إنْ قَبِلْت ، فَقَبِلَ صَحَّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت مِنْكَ بِكَذَا فَقَالَ : بِعْتُك إنْ شِئْت لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِاقْتِضَاءِ التَّعْلِيقِ وُجُودَ شَيْءٍ بَعْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ : اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا ، إذْ يَبْعُدُ حَمْلُ الْمَشِيئَةِ عَلَى اسْتِدْعَاءِ الْقَبُولِ ، وَقَدْ سَبَقَ فَيَتَعَيَّنُ إرَادَتُهَا نَفْسَهَا فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مَحْضًا وَهُوَ مُبْطِلٌ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ شِئْت بِعْتُكَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا لِأَصْلِ الْعَقْدِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّعْلِيقِ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ : إنْ كُنْت أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ قَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا ، وَمَا لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ مَرَّتْ فِي الْوُضُوءِ وَالْقِيَاسُ مَجِيئُهَا هُنَا ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ عَنْ تَمَامِ الْإِيجَابِ وَمَصَالِحِهِ ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ بِشَرْطِ خِيَارِ الثَّلَاثِ فَقَبِلَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْبَائِعُ مِنْهُ بَطَلَ كَمَا لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ .
وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُك بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ ، قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَصِحَّ .
( وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ ) فِي الْمَعْنَى كَالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ ( فَلَوْ قَالَ : بِعْتُك ) هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا ( بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ : قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ ) أَوْ عَكْسُهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى أَوْ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ أَوْ قَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ ، كَأَنْ قَالَا : بِعْنَاك عَبْدَنَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا ( لَمْ يَصِحَّ ) لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى ، وَلَوْ قَالَ الْمُخَاطَبُ فِيمَا لَوْ قِيلَ لَهُ : بِعْتُك بِأَلْفٍ قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ مَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى الْبُطْلَانِ ، إذْ لَا مُخَالَفَةَ بِذِكْرِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ ، وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ : أَيْ مِنْ الْإِشْكَالِ ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ : أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ الصِّحَّةُ .
أَمَّا الْمُوَافَقَةُ لَفْظًا فَلَا تُشْتَرَطُ ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُك فَقَالَ : اشْتَرَيْت أَوْ نَحْوَهُ صَحَّ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهَا صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا نِصْفَهَا ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي بِمَعْنَى الْهِبَةِ : كَأَعْمَرْتُك أَوْ أَرْقَبْتُك كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّعْلِيقَةِ تَبَعًا لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِلنَّصِّ ، وَلَوْ قَالَ : أَسْلَمْت إلَيْكَ كَذَا فِي هَذَا الثَّوْبِ مَثَلًا فَقَبِلَ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعٌ وَلَا سَلَمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ مَعْنَى الْبَيْعِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ ،
فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ أَوْ قَصَدَهُ لَا لِمَعْنَاهُ ، كَمَنْ لَقَّنَ أَعْجَمِيًّا مَا لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ .
نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْبَيْعَ أَوْ غَيْرَهُ هَازِلًا صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ .
وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ .
( وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ ) وَكِتَابَتُهُ ( بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ ) لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا فِي فُؤَادِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ النُّطْقُ مِنْ النَّاطِقِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ : مِنْ زِيَادَتِهِ بِالْعَقْدِ ، بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهَا مَضَرَّةٌ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَالدَّعَاوَى وَالْأَقَارِيرَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَلَكِنْ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ إشَارَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِالشَّهَادَةِ .
وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ النُّطْقِ ، وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الطَّلَاقِ وَضَمَّ الْحِلَّ إلَى الْعَقْدِ ، وَسَيَأْتِي فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ إشَارَتَهُ إنْ فَهِمَهَا الْفَطِنُ وَغَيْرُهُ فَصَرِيحَةٌ أَوْ الْفَطِنُ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَيَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ ، فَيَقُولَ كَالنُّطْقِ فِيهِ وَإِلَّا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْأَخْرَسِ الْبَيْعَ فِي الصَّلَاةِ كَقَبُولِ النُّطْقِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ .
.
وَشَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْعَاقِدُ ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ طَبْعًا ، فَقَالَ : ( وَشَرْطُ الْعَاقِدِ ) بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا ( الرُّشْدُ ) وَهُوَ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْبُلُوغِ وَالصَّلَاحِ لِدِينِهِ وَمَالِهِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَإِنْ قَصَدَ اخْتِبَارَهُ وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ ، وَإِنَّمَا صَحَّ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ : إنَّ عِبَارَتَهُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ يُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالسَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ .
وَالثَّالِثُ : الْمُكْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ .
قَالَ : وَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى الْمِنْهَاجِ ا هـ .
بَلْ وَلَا عَلَى الْمُحَرَّرِ .
أَمَّا السَّكْرَانُ فَفِي كَوْنِهِ مُكَلَّفًا خِلَافٌ ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ ، فَقَالَ وَهَذَا : أَيْ السَّكْرَانُ آثِمٌ مَضْرُوبٌ عَلَى السُّكْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ ا هـ .
وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالْمُكْرَهُ فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَكْسُهُ ، وَهُوَ اعْتِبَارُ بَيْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ ، وَلَكِنَّ التَّعَرُّضَ لَهُمَا أَحْسَنُ لَكِنْ لَا يَرُدَّانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ .
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ كَمَا يَدِينُ الشَّخْصُ يُدَانُ : أَحَدُهَا : أَنَّ تَعْبِيرَهُ يُخْرِجُ السَّكْرَانَ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ قَيْدُ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ ، إلَّا
أَنْ يَفْرِضَ فِي سُكْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرُّشْدِ لِجَهْلٍ أَوْ إكْرَاهٍ وَهُوَ نَادِرٌ .
ثَانِيهَا : أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ فَإِنَّ بَيْعَهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِرَشِيدٍ ، إذْ الرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا بَاعَ قَبْلَ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحَّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ عِبَارَتَهُ تَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ وَصَفَهُ بِالرُّشْدِ فِي قَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ : أَوْ صِبْيَانٌ رُشَدَاءُ .
وَخَامِسُهَا : الْأَعْمَى لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَعَ أَنَّهُ رَشِيدٌ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ .
قُلْت : وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
( قُلْت : وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ) ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا لِفِعْلِهِ إلَّا فِي الرَّضَاعِ وَالْحَدَثِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَكَذَا الْقَتْلُ وَنَحْوُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَكُلُّ هَذَا يَأْتِي فِي بَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَيَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ أَوْ بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ أَكْلِهِ أَوْ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ فَذَبَحَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى غُسْلِ مَيِّتٍ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ غُسْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَأَحْبَلَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَقِرُّ لِلزَّوْجَةِ بِهِ الْمَهْرُ وَلِلْأَمَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ وَحَلَّتْ الزَّوْجَةُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا ، وَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُحْرِمُ عَرَفَةَ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُهُ .
أَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ إقَامَةً لِرِضَا الشَّرْعِ مَقَامَ رِضَاهُ ، وَصَوَّرَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ ، فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ عَزَّرَهُ وَحَبَسَهُ إلَى أَنْ يَبِيعَهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُصَوِّرُهُ بِمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِالْبَيْعِ فَامْتَنَعَ فَأَكْرَهَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْوَاجِبِ ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الْوَلِيَّ عَلَى
بَيْعِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمِنْ صُوَرِهِ : مَا إذَا أَذِنَ شَخْصٌ لِعَبْدِ غَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَالِهِ ، قَالَ : فَلِلسَّيِّدِ إكْرَاهُهُ عَلَى بَيْعِهِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْ جِهَةِ ظَالِمٍ : بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ لِدَفْعِ الْأَذَى الَّذِي نَالَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهِ ، إذْ مَقْصُودُ مَنْ صَادَرَ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ .
فُرُوعٌ : لَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ أَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ مَا ابْتَاعَ أَوْ مَا اقْتَرَضَ مِنْ رَشِيدٍ وَأَقْبَضَهُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ الْمُقْبِضَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ ، هَذَا فِي الظَّاهِرِ .
أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَغْرَمُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَوْ مِنْ صَبِيٍّ مِثْلِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ الْوَلِيَّانِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا قَبَضَ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَقَطْ لِوُجُودِ التَّسْلِيطِ مِنْهُمَا وَعَلَى الْبَائِعِ لِلصَّبِيِّ رَدُّ الثَّمَنِ إلَى وَلِيِّهِ فَلَوْ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَهُوَ مِلْكُ الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ أَوْ لِلْوَلِيِّ بَرِئَ مِنْهُ ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ بِالدَّفْعِ لِلصَّبِيِّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا بَرِئَ ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ : سَلِّمْ وَدِيعَتِي إلَى الصَّبِيِّ أَوْ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ بَرِئَ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُتَعَيَّنِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ، وَلَوْ أَعْطَى صَبِيٌّ دِينَارًا لِنَقَّادٍ يَنْقُدُهُ أَوْ مَتَاعًا لِمُقَوِّمٍ يُقَوِّمُهُ ضَمِنَ مَنْ أَخَذَهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ لِوَلِيِّهِ إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ أَوْصَلَ صَبِيٌّ هَدِيَّةً إلَى غَيْرِهِ وَقَالَ : هِيَ مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عُمِلَ بِخَبَرِهِ مَعَ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ مِنْ قَرِينَةٍ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ لِاعْتِمَادِ السَّلَفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْفَاسِقُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ .
( وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ ) وَلَوْ مُرْتَدًّا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمِثْلِهِ ( الْمُصْحَفَ ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَا يَتَمَلَّكُهُ بِسَلَمٍ وَلَا بِهِبَةٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا كُتُبَ حَدِيثٍ وَلَا آثَارَ سَلَفٍ وَلَا كُتُبَ فِقْهٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ لَهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ : وَالْمُرَادُ بِآثَارِ السَّلَفِ حِكَايَاتُ الصَّالِحِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : كُتُبَ عِلْمٍ ، وَإِنْ خَلَتْ عَنْ الْآثَارِ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ ا هـ .
وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ .
قَالَ ابْنُهُ : وَتَعْلِيلُهُ يُفِيدُ جَوَازَ تَمَلُّكِهِ كُتُبَ عُلُومٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ ، وَيَنْبَغِي مَنْعُهُ مِنْ تَمَلُّكِ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالشَّرْعِ كَكُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ .
قَالَ شَيْخُنَا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ : أَيْ بَلْ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَلَوْ نَسَخَ الْكَافِرُ مُصْحَفًا : أَيْ أَوْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ مِنْ كُتُبِ حَدِيثٍ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَلَا يُمَكَّنُ الْكَافِرُ مِنْ تَجْلِيدِ الْمُصْحَفِ ا هـ .
وَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ وَلَوْ رُجِيَ إسْلَامُهُ بِخِلَافِ تَمْكِينِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْإِهَانَةِ ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِتَمَلُّكِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَعَلَيْهَا الْآيَاتُ مِنْ الْقُرْآنِ .
وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَا مِنْ الْخَلَفِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَكَأَنَّهُ سُومِحَ فِي ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ .
وَالْمُسْلِمُ فِي الْأَظْهَرِ ، إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ .
( وَ ) لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ ( الْمُسْلِمَ ) لِنَفْسِهِ وَلَا لِمِثْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَقَوْلُهُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي شِرَاءِ الْمُسْلِمِ .
وَأَمَّا فِي الْمُصْحَفِ فَلَا بَلْ الْأَصَحُّ فِيهِ وَفِيمَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالتَّهْذِيبِ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِرَجَاءِ الْعِتْقِ وَالرَّافِعِيُّ ، بِأَنَّ الْعَبْدَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِغَاثَةُ وَدَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَمُقَابِلُهُ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ .
أَمَّا لَوْ اشْتَرَى مَا ذُكِرَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ ، وَيُفَارِقُ مَنْعَ إنَابَةِ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ بِاخْتِصَاصِ النِّكَاحِ بِالتَّعَبُّدِ لِحُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ ، وَبِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُهُ لِمُسْلِمَةٍ ، بِخِلَافِ مِلْكِهِ لِمُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَا يَتَمَلَّكُ الْكَافِرُ مُرْتَدًّا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَام ، وَلَا شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِالْوَكَالَةِ لِكَافِرٍ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَالْمُصْحَفُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ ( إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ ) وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ : الْأُولَى : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا لِلْمُشْتَرِي .
الثَّانِيَةُ : إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَأَجَابَهُ .
الثَّالِثَةُ : إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، لَكِنْ الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ افْتِدَاءٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لَا شِرَاءٌ ( فَيَصِحُّ ) بِالرَّفْعِ : أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَيَمْلِكُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ فَلَا إذْلَالَ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ
بِالرَّفْعِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِيَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ، إذْ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَكَانَ مِنْ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَقِيضِهِ : أَيْ يَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الصِّحَّةِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ فَاسِدٌ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ إذْلَالٍ ، .
وَلِلْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إجَارَةَ عَيْنٍ ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُ مُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا تَسَلُّطٌ تَامٌّ ، وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهُ بِعِوَضٍ ، وَقَدْ أَجَّرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَفْسَهُ لِكَافِرٍ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ الْأَعْمَالِ الْمُمْتَهَنَةِ .
أَمَّا فِيهَا كَإِزَالَةِ قَاذُورَاتِهِ فَتَمْتَنِعُ قَطْعًا ، وَيُؤْمَرُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ بِإِجَارَتِهِ لِمُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِيُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَمَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الرَّقَبَةِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ ، وَلَهُ ارْتِهَانُهُ وَارْتِهَانُ الْمُصْحَفِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ اسْتِيثَاقٍ .
قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي : وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْهُمَا فَيُوضَعَانِ عِنْدَ عَدْلٍ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُهُمَا أَوَّلًا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يُسَلَّمُ أَوَّلًا لِلْعَدْلِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ الرَّقِيقُ ثُمَّ يُنْزَعُ حَالًا إذْ لَا مَحْذُورَ كَمَا فِي إيدَاعِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ ، فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ مُكَلَّفٌ فَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مُتَّجَهٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُصْحَفِ مِمَّا أُلْحِقَ بِهِ كَالْعَبْدِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ ، وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ رَقِيقًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ ، وَلَوْ أَسْلَمَ رَقِيقُ الْكَافِرِ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دَفْعًا لِلْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ وَقَطْعًا لِسَلْطَنَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ ، الزَّوْجَةُ تَحْتَ كَافِرٍ إذْ مِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَلَا يَكْفِي رَهْنُهُ وَلَا
إجَارَتُهُ وَلَا تَزْوِيجُهُ وَلَا تَدْبِيرُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَوْ يَصِحُّ ؟ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِي .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ، وَلَا يَكْفِي وَقْفُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ عَلَى الْمُتَّجَهِ ، وَيَكْفِي كِتَابَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ بِهَا الْمِلْكُ لِإِفَادَتِهَا الِاسْتِقْلَالَ .
.
مُهِمَّةٌ : يَدْخُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً فِي أَرْبَعِينَ صُورَةً ، وَهَا أَنَا أَسْرُدُهَا لَك تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ : الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ : مِنْ صُوَرِ اسْتِعْقَابِ الْعِتْقِ الْمَذْكُورَاتِ .
الثَّالِثَةُ : الْإِرْثُ كَأَنْ يَمُوتَ كَافِرٌ عَنْ ابْنٍ كَافِرٍ وَيُخَلِّفَ فِي تَرِكَتِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا .
الرَّابِعَةُ : الرَّدُّ بِالْعَيْبِ .
الْخَامِسَةُ : الْإِفْلَاسُ .
السَّادِسَةُ : الْإِقَالَةُ .
السَّابِعَةُ : أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِتَلَفِ مُقَابِلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ ، فَإِنَّا نُخَيِّرُ الْبَائِعَ فَإِذَا اخْتَارَ الْفَسْخَ عَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ .
الثَّامِنَةُ : أَنْ يَبِيعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ يَجِدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ .
التَّاسِعَةُ : إذَا تَبَايَعَ كَافِرَانِ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَسَخَ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ .
الْعَاشِرَةُ : إذَا بَاعَ كَافِرٌ مُسْلِمًا لِمُسْلِمٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَفَسَخَ .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : تَبَايَعَ كَافِرَانِ كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِانْقِضَاءِ خِيَارِ الْبَائِعِ .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : أَنْ يَرُدَّهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ كَالْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : اشْتَرَى ثَمَرَةً بِعَبْدٍ كَافِرٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ اخْتَلَطَتْ وَفَسَخَ .
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : بَاعَ كَافِرٌ عَبْدًا مَغْصُوبًا لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَعَجَزَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ فَغُصِبَ قَبْلَ الْقَبْضِ .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : إذَا بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْفَسْخُ .
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ مَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلِلْكَافِرِ الْفَسْخُ .
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : بَاعَهُ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ فَظَهَرَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ فَلَهَا الْفَسْخُ .
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : جَعَلَهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فَانْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَهُ الْفَسْخُ .
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : أَقْرَضَهُ فَأَسْلَمَ فِي يَدِ
الْمُقْتَرِضِ جَازَ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ .
الْمُتَمِّمَةُ عِشْرِينَ : وَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ بَاعَهُ فَظَهَرَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ وَلَمْ يَقْضِ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَعُودُ إلَى مِلْكِهِ مُتَعَلِّقًا بِهِ الدَّيْنُ .
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : وَكَّلَ كَافِرًا فِي شِرَاءِ كَافِرٍ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَعِيبٌ وَأَخَّرَ الْوَكِيلُ الرَّدَّ ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ .
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : اشْتَرَى عَامِلُ الْقِرَاضِ الْكَافِرُ عَبْدًا لِلْقِرَاضِ ، ثُمَّ اقْتَسَمَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ .
الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنْ يَجْعَلَهُ أُجْرَةً أَوْ جُعْلًا ثُمَّ يَقْتَضِي الْحَالُ الْفَسْخَ .
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ .
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنْ يُصْدِقَ الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ عَبْدًا كَافِرًا فَيُسْلِمَ ثُمَّ يَرْجِعَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ إلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ .
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنْ يَلْتَقِطَ الْمُلْتَقِطُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ بِشَرْطِهِ إمَّا لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ ، أَوْ وَقْتَ نَهْبٍ وَغَارَةٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَثْبَتَ كَافِرٌ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ ، لِأَنَّ تَمَلُّكَ الِالْتِقَاطِ كَالتَّمَلُّكِ بِالْقَرْضِ .
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنْ يَقِفَ عَلَى كَافِرٍ أَمَةً كَافِرَةً فَتُسْلِمَ ثُمَّ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ .
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنْ يُوصَى لِكَافِرٍ بِمَا تَحْمِلُهُ أَمَتُهُ مِنْ زَوْجِهَا الْكَافِرِ فَيَقْبَلَ ثُمَّ تُسْلِمَ الْجَارِيَةُ وَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ .
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنْ يُخَالِعَ الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ الْكَافِرَةَ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ فَيُسْلِمَ ، ثُمَّ يَقْتَضِيَ الْحَالُ فَسْخَ الْخُلْعِ بِعَيْبٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ .
الْمُتَمِّمَةُ ثَلَاثِينَ : أَنْ يُزَوِّجَ كِتَابِيٌّ أَمَةً كَافِرَةً لِكِتَابِيٍّ ، ثُمَّ تُسْلِمَ وَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهَا .
الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ : إذَا أَوْلَدَ كَافِرٌ أَمَةً مُسْلِمَةً لِوَلَدِهِ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا
انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ .
الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ : إذَا وَطِئَ مُسْلِمٌ أَمَةَ كَافِرٍ ظَانًّا أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ ، فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ مَمْلُوكٌ لِلْكَافِرِ .
الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ : إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ بَعْدَ أَنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَبَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَتَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْفِدَاءِ ، أَوْ تَأَخَّرَ لِإِفْلَاسِهِ ، أَوْ غَيْبَتِهِ ، أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَيَعُودُ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ يُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ .
الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : أَنْ يُكَاتِبَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَيُسْلِمَ ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا مُسْلِمًا ، أَوْ تَأْتِيَ أَمَتُهُ الْمُسْلِمَةُ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا ، ثُمَّ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ ، فَيَدْخُلُ الْوَلَدُ أَوْ الْعَبْدُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ .
الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : إذَا حَضَرَ الْكُفَّارُ الْجِهَادَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، وَكَانَتْ الْغَنِيمَةُ أَطْفَالًا وَنِسَاءً وَعَبِيدًا وَأَسْلَمُوا بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ التَّبَعِيَّةِ ، ثُمَّ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ التَّمَلُّكَ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْضَخَ لِلْكَافِرِ مِمَّا وَجَدَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ .
السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ : أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَوْ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ عَبِيدٌ مُسْلِمُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ وَاقْتَسَمُوا .
السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : أَنْ يَعْتِقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْبَيْعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ .
الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ : إذَا وَهَبَهُ لِفَرْعِهِ فَأَسْلَمَ فِي يَدِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ .
التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَمَا ذُكِرَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ افْتِدَاءً الْمُتَمِّمَةُ أَرْبَعِينَ : أَنْ تُسْلِمَ مُسْتَوْلَدَةُ الْكَافِرِ ثُمَّ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا
فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مَمْلُوكًا لَهُ وَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أُمِّهِ .
وَالشَّامِلُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ : الْأَوَّلُ الْمِلْكُ الْقَهْرِيُّ .
الثَّانِي مَا يُفِيدُ الْفَسْخَ .
الثَّالِثُ : مَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ ، فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ ضَابِطٌ مُهِمٌّ .
وَلَا الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَا ) يَصِحُّ شِرَاءُ ( الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا ) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَتُرْسٍ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ، لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى قِتَالِنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا ، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِنَا ، وَبِخِلَافِ عُدَّةِ غَيْرِ الْحَرْبِ ، وَلَوْ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُ كَالْحَدِيدِ ، إذْ لَا يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ عِدَّةَ حَرْبٍ ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ سِلَاحًا كَانَ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَنَاهِي .
أَمَّا الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ .
تَنْبِيهٌ : صَرَّحُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِأَنَّ التُّرْسَ وَالدِّرْعَ لَيْسَا مِنْ السِّلَاحِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِي السَّلَبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ ، وَلِذَا قُلْت أَوْ غَيْرِهِ وَمَثَّلْت بِذَلِكَ ، لَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى بَيْعِ السِّلَاحِ وَرَهْنِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ ، بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى سِلَاحًا ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَمَّاهُ سِلَاحًا ، لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى قِتَالِنَا كَمَا مَرَّ ، وَيَمْتَنِعُ شِرَاءُ الْحَرْبِيِّ الْخَيْلَ أَيْضًا كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَغَيْرِهِ .
وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ : طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ ، وَكَذَا الدُّهْنُ فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَبِيعُ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا ذَاكِرًا لِشُرُوطِهِ فَقَالَ : ( وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ ) خَمْسَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ ، وَزَادَ الْبَارِزِيُّ عَلَى ذَلِكَ الرُّؤْيَةَ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الرُّؤْيَةِ دَاخِلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ رُؤْيَةٍ ، وَلَوْ وُصِفَ فَوَرَاءَ الْوَصْفِ أُمُورٌ تَضِيقُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ .
فَإِنْ قِيلَ : يُشْتَرَطُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ شُرُوطٌ أُخَرُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ لَهَا بَابٌ يَخُصُّهَا .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ حَرِيمُ الْمِلْكِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُ حَرِيمٍ لِلْمِلْكِ ، فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ وَإِلَّا فَالْمَنْعُ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ قُدْرَةِ تَسْلِيمِهِ كَبَيْعِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمِلْكُ وَالْمَنْفَعَةُ ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ غَيْرُهُمَا .
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ النَّجَسَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ .
وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالْعِلْمِ بِهِ فَشَرْطٌ فِي الْعَاقِدِ ، وَكَذَا كَوْنُ الْمِلْكِ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ .
ثُمَّ شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَيَانِ الْخَمْسَةِ فَقَالَ : أَحَدُهَا ( طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ) نَجِسِ الْعَيْنِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا كَالسِّرْجِينِ وَ ( الْكَلْبِ ) وَلَوْ مُعَلَّمًا ( وَالْخَمْرِ ) وَلَوْ مُحْتَرَمَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ } .
وَقِيسَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا ( وَ ) لَا بَيْعُ ( الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ ) وَالصِّبْغِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى
نَجَسِ الْعَيْنِ .
أَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِمَائِعٍ نَجِسٍ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ ( وَكَذَا الدُّهْنُ ) كَالزَّيْتِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ } ، وَالثَّانِي يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِغَسْلِهِ بِأَنْ يُوضَعَ عَلَى قُلَّتَيْنِ مَاءٌ أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يُغْمَرُهُ ثُمَّ يُحَرَّكُ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ بَيْعِهِ إذَا قُلْنَا : إنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِخَبَرِ الْفَأْرَةِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَيُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ ( وَبَيْنَ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ حَيْثُ صَحَّ بَيْعُهُ ) قَطْعًا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ وَمُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْآجُرِّ فَسَادُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ بِهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا يَدْخُلُ تَبَعًا فِي بَيْعِ الدَّارِ لِلطَّاهِرِ مِنْهَا كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالْحَيَوَانِ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ ، وَيَنْزِلُ كَلَامُهُمْ عَلَى بَيْعِ الْآجُرِّ مُنْفَرِدًا ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : صَحَّ بَيْعُهَا لِلْحَاجَةِ ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمُسَمَّدَةِ بِالنَّجَاسَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا إلَّا بِإِزَالَةِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ السَّمَادُ ، وَالطَّاهِرُ مِنْهَا غَيْرُ مَرْئِيٍّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَى صِحَّةِ
بَيْعِهَا ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ نَجِسٍ لِنَحْوِ اسْتِصْبَاحٍ بِهِ عَلَى إرَادَةِ نَقْلِ الْيَدِ جَازَ ، وَكَالتَّصَدُّقِ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا ، وَكَالدُّهْنِ السِّرْجِينُ وَالْكَلْبُ وَنَحْوُهُمَا .
فَائِدَةٌ : سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْوَشْمِ النَّجِسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ مِنْ الْبَدَنِ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا ؟ فَقَالَ : الَّذِي أَرَاهُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ، وَأَنَّ الْوَشْمَ النَّجِسَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِ مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْعَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَاوِي : طَاهِرٌ أَوْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ طَهَارَةُ عَيْنِهِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسًا نَجَاسَةً لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ .
فُرُوعٌ : يَصِحُّ بَيْعُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَبَيْعُ الْقَزِّ وَفِيهِ الدُّودُ وَلَوْ مَيِّتًا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَالْحَيَوَانِ بِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ ، وَيُبَاعُ جُزَافًا وَوَزْنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا ، وَالدُّودُ فِيهِ كَنَوَى التَّمْرِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّتِهِ بِالْوَزْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَالَفَ فِي الْكِفَايَةِ ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ بِهِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِمَنْ يَصِيدُ بِهِ ، أَوْ يَحْفَظُ بِهِ نَحْوَ مَاشِيَةٍ كَزَرْعٍ وَدَرْبٍ ، وَتَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ تَعْلِيمُهُ لِذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ مَالِكِ مَاشِيَةٍ لِيَحْفَظَهَا بِهِ إذَا مَلَكَهَا ، وَلَا لِغَيْرِ صَيَّادٍ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْفَهْدِ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا .
.
الثَّانِي : النَّفْعُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ ، وَكُلِّ سَبُعٍ لَا يَنْفَعُ ، وَلَا حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا ، وَآلَةِ اللَّهْوِ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ فِي الْآلَةِ إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا مَالًا .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ ( النَّفْعُ ) أَيْ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا وَلَوْ فِي الْمَآلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ ( فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ) مَا لَا نَفْعَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا ، فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ مُمْتَنِعٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ، وَعَدَمُ مَنْفَعَتِهِ إمَّا لِخِسَّتِهِ كَ ( الْحَشَرَاتِ ) الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا جَمْعُ حَشَرَةٍ بِفَتْحِ الشِّينِ ، وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مَنَافِعِهَا فِي الْخَوَاصِّ ( وَ ) لَا بَيْعُ ( كُلِّ سَبُعٍ ) أَوْ طَيْرٍ ( لَا يَنْفَعُ ) كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ ، وَلَا نَظَرَ لِمَنْفَعَةِ الْجِلْدِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَا لِمَنْفَعَةِ الرِّيشِ فِي النَّبْلِ ، وَلَا لِاقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لِبَعْضِهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ .
أَمَّا مَا يَنْفَعُ مِنْ ذَلِكَ كَالْفَهْدِ لِلصَّيْدِ ، وَالْفِيلِ لِلْقِتَالِ ، وَالْقِرْدِ لِلْحِرَاسَةِ ، وَالنَّحْلِ لِلْعَسَلِ ، وَالْعَنْدَلِيبِ لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ ، وَالطَّاوُوسِ لِلْأُنْسِ بِلَوْنِهِ ، وَالْعَلَقِ لِامْتِصَاصِ الدَّمِ فَيَصِحُّ ، وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ الرَّقِيقِ الزَّمِنِ ؛ لِأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ بِعِتْقِهِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ الزَّمِنِ وَلَا أَثَرَ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ إذَا مَاتَ ، وَأَمَّا لِقِلَّتِهِ كَمَا قَالَ ( وَلَا ) بَيْعُ ( حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا ) كَحَبَّةِ الشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ ، وَلَا أَثَرَ لِضَمِّ ذَلِكَ إلَى أَمْثَالِهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي فَخٍّ ، وَمَعَ هَذَا يَحْرُمُ غَصْبُهُ ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ إنْ تَلِفَ إذْ لَا مَالِيَّةَ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْخِلَالِ وَالْخِلَالَيْنِ مِنْ خَشَبِ الْغَيْرِ يُحْمَلُ عَلَى عِلْمِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ السُّمِّ إنْ قَتَلَ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ ، فَإِنْ نَفَعَ قَلِيلُهُ وَقَتَلَ كَثِيرُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ جَازَ بَيْعُهُ ( وَ ) لَا بَيْعُ ( آلَةِ اللَّهْوِ )
لِلْحُرْمَةِ كَالطَّنْبُورِ وَالصَّنْجِ وَالْمِزْمَارِ وَالرَّبَابِ وَالْعُودِ .
وَكَذَا الْأَصْنَامُ وَالصُّوَرُ وَإِنْ اُتُّخِذَتْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ نَقْدٍ إذْ لَا نَفْعَ بِهَا شَرْعًا ( وَقِيلَ يَصِحُّ ) الْبَيْعُ ( فِي الْآلَةِ ) أَيْ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا ( إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا ) وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ مُكَسَّرُهَا ( مَالًا ) لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُتَوَقَّعًا كَالْجَحْشِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا لَا يُقْصَدُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّرْدِ إلَّا إنْ صَلَحَ بَيَادِقَ فَيَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَبَيْعِ الشِّطْرَنْجِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ ، وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ آنِيَتَهُمَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ تِلْكَ ، وَالصَّلِيبِ مِنْ النَّقْدِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَانِي أَوْ بِالصَّنَمِ وَنَحْوِهِ ؟ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّنَمِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ جَارِيَةِ الْغِنَاءِ وَكَبْشِ النِّطَاحِ ، وَدِيكِ الْهِرَاشِ وَلَوْ زَادَ الثَّمَنُ لِذَلِكَ قُصِدَ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَصَالَةً الْحَيَوَانُ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَطْبَاقِ وَالثِّيَابِ وَالْفُرُشِ الْمُصَوَّرَةِ بِصُوَرِ الْحَيَوَانِ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَسْكَنٍ بِلَا مَمَرٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمَرٌّ ، أَوْ لَهُ مَمَرٌّ وَنَفَاهُ فِي بَيْعِهِ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَسَوَاءٌ أَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ اتِّخَاذِ مَمَرٍّ إلَى شَارِعٍ ، أَوْ مَلَكَهُ أَمْ لَا كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَإِنْ شَرَطَ الْبَغَوِيّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى بَيْتًا مِنْهَا وَنَفَى الْمَمَرَّ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ أَمْكَنَهُ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ وَإِلَّا فَلَا فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ ، وَهُوَ هُنَا دَوَامُ الْمِلْكِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الِابْتِدَاءِ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالتَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ .
قَالَ : بَلْ يَجِبُ إتْلَافُهَا لِتَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِهَا .
وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ ، وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ ) وَالْحَجَرِ عِنْدَ الْجَبَلِ ( وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ ) مِمَّنْ حَازَهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِظُهُورِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الثَّانِي مِنْ إمْكَانِ تَحْصِيلِ مِثْلِهَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ .
تَنْبِيهٌ : الشَّطُّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَهُوَ جَانِبُ الْوَادِي وَالنَّهْرِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الشِّيَاهِ ، وَمِثْلُهُ لَبَنُ الْآدَمِيِّينَ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ دَارٍ شَائِعٍ بِنِصْفِهَا الْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ ، وَعَدَمُ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي عَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي .
الثَّالِثُ إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ ( إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ ) فِي بَيْعٍ غَيْرِ ضِمْنِيٍّ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِيُوثَقَ بِحُصُولِ الْعِوَضِ وَلِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا .
وَقِيلَ : مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ الْيَأْسُ مِنْ التَّسْلِيمِ ، بَلْ ظُهُورُ التَّعَذُّرِ كَافٍ ، وَقَدْ يَصِحُّ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى التَّسَلُّمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغْصُوبِ ، وَكَكَوْنِ الْبَيْعِ ضِمْنِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمِثْلُهُ مَنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي .
تَنْبِيهٌ : قَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَذْكُرَ أَوَّلًا مَحَلَّ الِاتِّفَاقِ ثُمَّ يَذْكُرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ ، فَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِمْكَانُ تَسَلُّمِهِ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ ، فَإِذَنْ لَا اعْتِرَاضَ لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْقُدْرَةِ بَدَلَ الْإِمْكَانِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ إمْكَانِهِ وَنَفْيِ الِاسْتِحَالَةِ عَنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، ثُمَّ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إنْ وُجِدَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُسْتَبْدَلُ ، وَإِذَا عُلِمَ اعْتِبَارُ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ ( فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ) مَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَإِنْ تَعَوَّدَ الْعَوْدَ إلَى مَحَلِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ ، وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةُ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةٍ .
نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ النَّحْلِ الْمُوثَقَةِ أُمِّهِ ، وَهِيَ يَعْسُوبُهُ وَهُوَ أَمِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْكُوَّارَةِ ، وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا
مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ فِيهِمَا وَمَعَ تَخْفِيفِهَا فِي الْأُولَى الْخَلِيَّةُ ، وَهِيَ بَيْتٌ يُعْمَلُ لِلنَّحْلِ مِنْ عِيدَانٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ .
وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ : هُوَ الْعَسَلُ فِي شَمْعِهِ ، وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا ، وَحُكِيَ أَيْضًا كَسْرُ الْكَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الْوَاوِ ، وَفَارَقَ بَقِيَّةَ الطُّيُورِ بِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْجَوَارِحِ ، وَبِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ عَادَةً إلَّا مِمَّا يَرْعَاهُ فَلَوْ تَوَقَّفَ صِحَّةُ بَيْعِهِ عَلَى حَبْسِهِ لَرُبَّمَا أَضَرَّ بِهِ ، أَوْ تَعَذَّرَ بِهِ بَيْعُهُ .
بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الطُّيُورِ وَالنَّادِّ ، وَ ( الضَّالِّ ) وَالرَّقِيقِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ ( وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ ) مِنْ غَيْرِ غَاصِبِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ حَالًّا .
فَائِدَةٌ : الضَّالُّ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ إنْسَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ .
وَأَمَّا الْآبِقُ فَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ : لَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ آبِقٌ إلَّا إذَا كَانَ ذَهَابُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدٍّ فِي الْعَمَلِ وَإِلَّا فَهُوَ هَارِبٌ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا .
فَإِنْ بَاعَهُ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ .
( فَإِنْ بَاعَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ ) دُونَهُ أَوْ الْآبِقَ لِقَادِرٍ عَلَى رَدِّهِ دُونَهُ ( صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ ) نَظَرًا إلَى وُصُولِهِ إلَيْهِمَا إلَّا إنْ احْتَاجَتْ قُدْرَتُهُ إلَى مُؤْنَةٍ ، فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ .
أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ أَوْ رَدِّهِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَعَبٌ شَدِيدٌ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْبِرْكَةِ : أَيْ وَشَقَّ تَحْصِيلُهُ فِيهَا ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَنْعُ بَيْعِ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُمْ جَائِزٌ ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شِرَائِهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا حُصُولُ الثَّوَابِ بِالْعِتْقِ كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ صَحَّ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحِيحٌ ، وَيَكُونُ قَبْضًا فَلِمَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ هَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا زُمَنَاءَ ، بَلْ مُطْلَقًا لِوُجُودِ مَنْفَعَةٍ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي يَصِحُّ لَهَا الشِّرَاءُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّمِنَ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ قَدْ حِيلَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْفَعَةٌ سِوَى الْعِتْقِ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا .
وَقَوْلُ الْكَافِي : يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ التَّائِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِإِعْتَاقِهِ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْحِمَارِ التَّائِهِ مَمْنُوعٌ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ سَمَكٍ فِي مَاءٍ ، وَلَوْ فِي بِرْكَةٍ إنْ شَقَّ تَحْصِيلُهُ مِنْهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، فَإِنْ سَهُلَ تَحْصِيلُهُ وَلَمْ يَمْنَعْ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ صَحَّ ، وَبُرْجُ الطَّائِرِ كَالْبِرْكَةِ لِلسَّمَكِ ، وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الْآبِقِ وَكَذَا الْمَغْصُوبُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا
يَصِحُّ تَزْوِيجُهُمَا وَعِتْقُهُمَا وَإِنْ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا ، وَيَصِحُّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ ) مَثَلًا ( مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا ) كَثَوْبٍ نَفِيسٍ تَنْقُصُ بِقَطْعِهِ قِيمَتُهُ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ شَرْعًا ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْكَسْرِ أَوْ الْقَطْعِ وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ وَهُوَ حَرَامٌ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ فِيهَا يَحْصُلُ بِنَصْبِ عَلَامَةٍ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ بِلَا ضَرَرٍ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَتَضَيَّقُ مَرَافِقُ الْأَرْضِ بِالْعَلَامَةِ وَتَنْقُصُ الْقِيمَةُ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهَا بِالثَّوْبِ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْصَ فِيهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِهِ فِي الثَّوْبِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ ثَوْبٍ نَفِيسٍ أَنْ يُوَاطِئَ صَاحِبَهُ عَلَى شِرَائِهِ ثُمَّ يَقْطَعَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْقَطْعُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَلٌّ لِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَاحْتُمِلَ لِلْحَاجَةِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِهِ عَنْ الْبَيْعِ ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشَاعًا ثُمَّ يَقْطَعَهُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ مُشْتَرَكًا ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ جِذْعٍ مُعَيَّنٍ فِي بِنَاءٍ ، لِأَنَّ الْهَدْمَ يُوجِبُ النَّقْصَ ، وَلَا بَيْعُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِدَارٍ إذَا كَانَ فَوْقَهُ شَيْءٌ أَوْ كَانَ الْجِدَارُ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ نَحْوِ طِينٍ كَخَشَبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ فِي الْأُولَى وَهَدْمِ شَيْءٍ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْجِدَارُ مِنْ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ وَلَا شَيْءَ فَوْقَهُ وَجُعِلَتْ النِّهَايَةُ نِصْفَ سُمْكِ اللَّبِنِ أَوْ الْآجُرِّ ، فَإِنْ جُعِلَتْ النِّهَايَةُ صَفًّا مِنْ صُفُوفِهِمَا صَحَّ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الشِّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ رَفْعَ بَعْضِ الْجِدَارِ يُنْقِصُ قِيمَةَ الْبَاقِي فَيَفْسُدُ
الْبَيْعُ كَبَيْعِ جِذْعٍ فِي بِنَاءٍ .
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطِّينَ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنَاتِ لَا قِيمَةَ لَهُ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ مِنْ جِهَةِ انْفِرَادِهِ فَقَطْ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ ، بِخِلَافِ الْجِذْعِ ، فَإِنَّ إخْرَاجَهُ يُؤَثِّرُ ضَعْفًا فِي الْجِدَارِ ( وَيَصِحُّ ) الْبَيْعُ ( فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ ) كَغَلِيظِ كِرْبَاسٍ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَخْلُو عَنْ تَغْيِيرِ الْمَبِيعِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ مِصْرَاعَيْ بَابٍ وَأَحَدِ زَوْجَيْ خُفٍّ ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا بِتَفْرِيقِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تَذْهَبْ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ تَلَافِيهِمَا بِشِرَاءِ الْبَائِعِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِشِرَاءِ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِخِلَافِ مَالِيَّةِ الثَّوْبِ أَوْ نَحْوِهِ الَّذِي يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فَإِنَّهَا ذَهَبَتْ بِالْكُلِّيَّةِ لَا تَدَارُكَ لَهَا ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ فَصٍّ فِي خَاتَمٍ ؛ لِأَنَّ فَصْلَهُ يُوجِبُ النَّقْصَ وَلَا بَيْعُ ثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَجَمْدٍ وَهُمَا يَسِيلَانِ قَبْلَ وَزْنِهِمَا ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ عِنْدَ السَّيَلَانِ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَإِنْ زَالَ الِاسْمُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بَيْضًا فَفَرَّخَ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَالْجَمْدُ بِسُكُونِ الْمِيمِ هُوَ الْمَاءُ الْجَامِدُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ .
وَلَا الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ .
( وَلَا ) يَصِحُّ بَيْعُ ( الْمَرْهُونِ ) بَعْدَ قَبْضِهِ ( بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا .
أَمَّا قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِإِذْنِ مُرْتَهِنِهِ فَيَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ ، وَيَلْتَحِقُ بِالْمَرْهُونِ كُلُّ عَيْنٍ اُسْتُحِقَّ حَبْسُهَا كَمَا لَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ أَوْ صَبَغَهُ .
وَقُلْنَا الْقِصَارَةُ عَيْنٌ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ إلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَصَّارًا عَلَى قَصْرِ ثَوْبٍ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَقْصِرْهُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَبَيْعُ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ فَكِّهِ صَحِيحٌ كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ .
وَلَا الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ ، وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ فِي الْأَظْهَرِ
( وَلَا ) بَيْعُ ( الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ الْفِدَاءَ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ كَالْمَرْهُونِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الرَّهْنِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَرْشُ مُسْتَغْرِقًا لِقِيمَةِ الرَّقَبَةِ أَمْ لَا ، وَسَوَاءٌ أَوْجَبَ الْمَالَ بِإِتْلَافِ مَالٍ أَمْ لَا كَقَتْلٍ خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ أَوْ فِيهِ قِصَاصٌ وَعَفَا مُسْتَحِقُّهُ عَلَى مَالٍ .
وَالثَّانِي يَصِحُّ فِي الْمُوسِرِ ، وَقِيلَ : وَالْمُعْسِرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ ، بِخِلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّيِّدُ الْمُوسِرُ بِبَيْعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ ، وَقِيلَ : لَا بَلْ هُوَ عَلَى خِيَرَتِهِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِلَّا فَسَخَ ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ صَحَّ جَزْمًا ، وَالْفِدَاءُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ ، وَلَا يُشْكِلُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِصِحَّةِ رُجُوعِهِ عَنْ الِاخْتِيَارِ ؛ لِأَنَّ مَانِعَ الصِّحَّةِ زَالَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ لِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ ، فَإِذَا بَاعَ لَزِمَهُ الْمَالُ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ فَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ قَتَلَهُ ، فَإِنْ أَدَّاهُ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِنْ تَعَذَّرَ وَلَوْ لِإِفْلَاسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ أَوْ مَوْتِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبَقَ حَقَّ الْمُشْتَرِي .
نَعَمْ إنْ أَسْقَطَ الْفَسْخُ حَقَّهُ كَأَنْ كَانَ وَارِثَ الْبَائِعِ فَلَا فَسْخَ ، إذْ بِهِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ فَيَسْقُطُ الْأَرْشُ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَخَرَجَ بِبَيْعِهِ عِتْقُهُ فَيَصِحُّ مِنْ الْمُوسِرِ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّتِهِ مَعَ وُجُودِ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ ، بِخِلَافِ
الْمُعْسِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ ، إذْ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ سِوَى الرَّقَبَةِ ، وَفِي اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِوَلَدِهَا ؛ إذْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ ( وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ ) أَيْ الْأَرْشِ بِكَسْبِهِ : كَأَنْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ ، وَلَا ( بِذِمَّتِهِ ) كَأَنْ اشْتَرَى فِيهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ أَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ وَلَا بَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ ، وَلَا حَجْرَ لِلسَّيِّدِ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ ( وَكَذَا ) لَا يَضُرُّ ( تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ ) بِرَقَبَتِهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَرْجُوُّ السَّلَامَةِ بِالْعَفْوِ وَيُخَافُ تَلَفُهُ بِالْقِصَاصِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُرْتَدِّ .
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ مَانِعٌ وَطَرِيقَةَ الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفَةٌ ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ ، وَهُوَ مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْلَى ، وَلَوْ عَفَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى مَالٍ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْبُطْلَانَ ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ قَطْعًا ، وَلَوْ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَقُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ صَحَّ بَيْعُهُ كَالْمُرْتَدِّ ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ .
.
الرَّابِعُ : الْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ ( الْمِلْكُ ) فِيهِ ( لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ ) لِحَدِيثِ { لَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ حَسَنٌ .
وَهَذَا الضَّابِطُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَقُولُوا لِلْعَاقِدِ لِيَدْخُلَ الْمَالِكُ وَالْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَالْمُلْتَقِطُ وَالظَّافِرُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ لَكِنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَارِدٌ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمَالِكِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَالْمَقْصُودُ إخْرَاجُهُ ، وَلِهَذَا فَرَّعَ بُطْلَانَهُ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ ، وَأَرَادَ الشَّارِحُ دَفْعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ، وَهُوَ أَنَّ الصِّحَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ ، وَالرَّأْيُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي .
قَالَ شَيْخِي وَقَدْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ جَامِعًا مَانِعًا .
تَنْبِيهٌ : كَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمِلْكِ بِالتَّامِّ لِيَخْرُجَ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي .
فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ ، وَفِي الْقَدِيمِ مَوْقُوفٌ إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ نَفَذَ ، وَإِلَّا فَلَا .
( فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ ) ، وَهُوَ الْبَائِعُ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ ( بَاطِلٌ ) لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ الْقَابِلَةِ لِلنِّيَابَةِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ وَقَفَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا وَكِيلٍ ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ بَدَلَ الْبَيْعِ لَشَمِلَ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرْتهَا ( وَفِي الْقَدِيمِ ) تَصَرُّفُهُ الْمَذْكُورُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا مَرَّ ( مَوْقُوفٌ ) وَقِيلَ لِتَصَرُّفٍ صَحِيحٍ ، وَالْمَوْقُوفُ الْمِلْكُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ عَلَى الْإِجَازَةِ ( إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ ) أَوْ وَلِيُّهُ ( نَفَذَ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُعْجَمَةِ : أَيْ مَضَى ( وَإِلَّا فَلَا ) يَنْفُذُ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُرْسَلًا وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " أَنَّ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ قَالَ : دَفَعَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَيْتُ بِهِ شَاتَيْنِ ، فَبِعْتُ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ وَذَكَرْتُ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي ، فَقَالَ { بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْجَدِيدِ .
وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : إنَّهُ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ .
وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ ، بِأَنَّ حَدِيثَ عُرْوَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مُطْلَقًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ وَسَلَّمَهَا ، وَعِنْدَ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ ، وَالْمُعْتَبَرُ إجَازَةُ
مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ فَبَلَغَ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ ، فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : إنْ أَجَازَ مُتَوَلِّيهِ بَدَلَ مَالِكِهِ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْتُهُ .
وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيِّتًا صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ) أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ( ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيْتًا ) بِسُكُونِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَوْ بَاعَ عَبْدَ نَفْسِهِ ظَانًّا إبَاقَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ ، فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ مِنْ إبَاقِهِ أَوْ فَسَخَ كِتَابَتَهُ ( صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ ) لِتَبَيُّنِ وِلَايَتِهِ عَلَى ذَلِكَ ، فَالْعِبْرَةُ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ ، وَالْوَقْفُ فِيهِ وَقْفُ تَبَيُّنٍ لَا وَقْفُ صِحَّةٍ ، وَيُخَالِفُ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْمَالِ شَرْطُ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا وَلَمْ يَبْنِهَا عَلَى أَصْلٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ صَحَّ النِّكَاحُ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُهُ أَمْ لَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ ثَمَّ فِي حِلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَهُنَا فِي وِلَايَةِ الْعَاقِدِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الرُّكْنِيَّةِ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِظَنِّهِ عَدَمَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا ظَنَّهُ لِغَيْرِهِ ، فَبَانَ لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ بِالصِّحَّةِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ زَوَّجْتُكَ أَمَتَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : إنْ قَدِمَ زَيْدٌ زَوَّجْتُكَ أَمَتِي .
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَجَمِيعِ نَظَائِرِهَا كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنْ لَا يَعْلَمَا حَالَ التَّعْلِيقِ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ ظَانًّا حَيَاتَهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَانًّا مَوْتَهُ يَصِحُّ جَزْمًا إذَا بَانَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ بَانَ مَوْتُ الْأَبِ صَحَّ قَطْعًا كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ مُحْتَمَلٌ
، وَلَوْ بَاعَ هَازِلًا صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ ، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ كَظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ لِخَطَإِ ظَنِّهِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَمَانَةً ، بِأَنْ يَبِيعَ مَالَهُ لِصَدِيقِهِ خَوْفَ غَصْبٍ أَوْ إكْرَاهٍ ، وَقَدْ تَوَافَقَا قَبْلَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ لِيَرُدَّهُ إذَا أَمِنَ ، وَهَذَا كَمَا يُسَمَّى بَيْعَ الْأَمَانَةِ يُسَمَّى بَيْعَ التَّلْجِئَةِ .
الْخَامِسُ : الْعِلْمُ بِهِ ، فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بَاطِلٌ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا ، وَكَذَا إنْ جُهِلَتْ فِي الْأَصَحِّ .
الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ : ( الْعِلْمُ بِهِ ) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ عَيْنًا فِي الْمُعَيَّنِ وَقَدْرًا وَصِفَةً فِيمَا فِي الذِّمَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ كَمَا مَرَّ ( فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ ) وَنَحْوِهِمَا كَالْعَبْدَيْنِ ( بَاطِلٌ ) لِلْغَرَرِ ( وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ ) وَهِيَ الْكَوْمَةُ مِنْ الطَّعَامِ ( تُعْلَمُ صِيعَانُهَا ) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ كَعَشْرٍ لِعَدَمِ الْغَرَرِ ، وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي عُشْرَهَا ، فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ ( وَكَذَا ) يَصِحُّ ( إنْ جُهِلَتْ ) أَيْ صِيعَانُهَا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا ، وَتُغْتَفَرُ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ هُنَا ، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى صَاعٍ مُبْهَمٍ لِتَعَذُّرِ الْإِشَاعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ صَاعٍ تَعَيَّنَ ، وَلِلْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ مِنْ أَسْفَلِ الصُّبْرَةِ وَوَسَطِهَا ، إذْ رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا ، بِخِلَافِ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ مَجْهُولِ الذِّرَاعَانِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ لِتَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ كَبَيْعِ شَاةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّيَاهِ ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ فَرَّقَ الصِّيعَانَ وَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا .
قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفَاوَتَتْ فِي الْكَيْلِ فَيَخْتَلِفُ الْغَرَضُ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ فَرَّقَ صِيعَانَهَا ، وَقَالَ : بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ ، وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ أَيْضًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمُسَامَحَةِ : مِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُ الْبُرْجَيْنِ ، وَبَاعَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ بَعْدَ الْوُجُوبِ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْبُطْلَانُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالصِّحَّةُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ ، وَمِنْهَا شِرَاءُ كُوزِ الْفُقَّاعِ وَمَا
الْمَقْصُودُ لُبُّهُ كَالْخُشْكَنَانِ ، وَمِنْهَا بَيْعُ الْقَزِّ فِي بَاطِنِهِ الدُّودُ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ حَيًّا أَمْ مَيِّتًا ، وَسَوَاءٌ أَبَاعَهُ وَزْنًا أَمْ جُزَافًا ، فَإِذَا بَاعَهُ وَزْنًا كَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولَ الْقَدْرِ ، وَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا وَصِيعَانُهَا مَعْلُومَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنْ تُعْلَمَ ، وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ بَيْعِ صَاعٍ مِنْهَا كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ جَمِيعِ الصُّبْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ يُحِيطُ بِظَاهِرِ الْمَبِيعِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ فَكَانَ أَقْدَرَ عَلَى تَخْمِينِ مِقْدَارِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَالَطَهُ أَعْيَانٌ أُخَرُ ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّخْمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إحَاطَةِ الْعِيَانِ بِجَمِيعِ جَوَانِبِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك نِصْفَهَا وَصَاعًا مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ صَحَّ ، بِخِلَافِ إلَّا صَاعًا مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك كُلَّ صَاعٍ مِنْ نِصْفِهَا بِدِرْهَمٍ ، وَكُلَّ صَاعٍ مِنْ نِصْفِهَا الْآخَرِ بِدِرْهَمَيْنِ صَحَّ .
وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً ، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا ، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ ، أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِير لَمْ يَصِحَّ .
( وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ ) مَثَلًا : أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ الْمِقْدَارَ ( أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ) أَوْ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ ( لَمْ يَصِحَّ ) الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِأَصْلِ الْمِقْدَارِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَبِمِقْدَارِ الذَّهَبِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فِي الرَّابِعَةِ ، فَإِنْ عَلِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ مِقْدَارَ الْبَيْتِ وَالْحَصَاةِ وَثَمَنِ الْفَرَسِ وَقَالَ فِيهِ بِمِثْلٍ كَمَا مَرَّ صَحَّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ ، وَكَذَا إنْ قَصَدَهُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِمِثْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْهُ صَحَّ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لَفَلَانِ بِنَصِيبِ ابْنِي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِهِ .
أَمَّا لَوْ كَانَ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ قَدْ صَارَ لِلْمُشْتَرِي بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ بَاقٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مِثْلِهِ إذَا قَصَدَهُ الْبَائِعُ ، وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا ، كَأَنْ قَالَ : بِعْتُك بِمِلْءِ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ صَحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي السَّلَمِ ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِإِمْكَانِ الْأَخْذِ قَبْلَ تَلَفِ الْبَيْتِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بِمِلْءِ كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ مَجْرُورٌ بِالْحَرْفِ فَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ الثَّمَنِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَة وَأَصْلِهَا مِلْءَ مَنْصُوبٌ وَلَا حَرْفَ مَعَهُ فَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ أَحْسَنُ .
وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ ، وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ تَعَيَّنَ ، أَوْ نَقْدَانِ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ .
( وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ ) دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَأَطْلَقَ ( وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ ) مِنْهَا ( غَالِبٌ ) وَغَيْرُ غَالِبٍ ( تَعَيَّنَ ) الْغَالِبُ وَلَوْ كَانَ دَرَاهِمَ عَدَدِيَّةً زَائِدَةَ الْوَزْنِ أَوْ نَاقِصَتَهُ أَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُمَا لَهُ ، وَلَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ انْصَرَفَ الْعَقْدُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْبَلَدِ نَوْعٌ مِنْهَا ، وَلَوْ غَلَبَتْ الْفُلُوسُ حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هَذَا إذَا سَمَّى الْفُلُوسَ .
أَمَّا إذَا سَمَّى الدَّرَاهِمَ فَلَا ا هـ .
تَنْبِيهٌ : لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ وَلَا الَّتِي قَبْلَهَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ مِنْ النَّقْدِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهَا مِنْهُ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالثَّمَنِ لَكَانَ أَوْلَى وَلَا يُحْتَاجُ فِي الْفُلُوسِ إلَى الْوَزْنِ بَلْ يَجُوزُ بِالْعَدِّ وَإِنْ كَانَتْ ، فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ النَّقْدُ مَغْشُوشًا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهِ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ الْفِضَّةِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ قِلَّةُ فِضَّةِ الْمَغْشُوشِ جِدًّا ثَبَتَ الرَّدُّ إنْ اجْتَمَعَ مِنْهَا مَالِيَّةٌ لَوْ مُيِّزَتْ ، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ ، الْبَيْعُ كَمَا لَوْ ظَهَرَتْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ، وَلَوْ بَاعَ بِوَزْنِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ فِضَّةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا مَضْرُوبَةٌ أَوْ تِبْرٌ لَمْ يَصِحَّ لِتَرَدُّدِهِ ( أَوْ ) فِي الْبَلَدِ ( نَقْدَانِ ) فَأَكْثَرُ وَلَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً وَ ( لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا ) أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ ( اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ ) لَفْظًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِمَا فَلَا يَكْفِي التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ هُنَا .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ فِيهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ هُنَا وَاجِبٌ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ بِاللَّفْظِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ ، فَاكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِيمَا لَا يَجِبُ ذِكْرُهُ .
أَمَّا إذَا اتَّفَقَتْ النُّقُودُ وَلَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً بِأَنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ قِيمَةً وَغَلَبَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِيَ أَيَّهَا شَاءَ ، وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مَعْدُومٍ أَصْلًا وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ مَعْدُومٍ فِي الْبَلَدِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ نَقْلُهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَةً لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، أَوْ إلَى أَجَلٍ يُمْكِنُ فِيهِ النَّقْلُ عَادَةً بِسُهُولَةٍ لِلْمُعَامَلَةِ صَحَّ ، فَلَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ اُسْتُبْدِلَ عَنْهُ لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ، وَكَذَا يُسْتَبْدَلُ لَوْ بَاعَ بِمَوْجُودٍ عَزِيزٍ فَلَمْ يَجِدْهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيمَا إذَا عَقَدَ بِنَقْدٍ إلَّا النَّقْدَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ وَإِنْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَرَخُصَتْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا ، وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ فِيهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ ، وَلَوْ بَاعَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ مِائَةً ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ .
( وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ ) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ ( كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ ) قَالَ الشَّارِحُ : بِنَصَبِ كُلَّ : أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ بِعْتُك الصُّبْرَةَ ، وَيَصِحُّ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الصُّبْرَةِ ، وَإِنَّمَا صَحَّ هَذَا الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُشَاهَدٌ ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيلِ وَالْغَرَرُ مُرْتَفِعٌ بِهِ كَمَا إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَبْلَغَ الثَّمَنِ فِي حَالِ الْعَقْدِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَارَقَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِمَا رُقِمَ : أَيْ كُتِبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَجْهُولَةِ الْقَدْرِ ، بِأَنَّ الْغَرَرَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ صَاعٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ وَمِثْلُ الصُّبْرَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ أَوْ الْعَبِيدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ الْجُمْلَةَ بَلْ بَعْضَهَا الْمُحْتَمِلَ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ الْمَبِيعِ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا .
وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ فِي صَاعٍ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْلُومُ أَوْ بِعْتُكَهَا وَهِيَ عَشَرَةُ آصُعٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الْعَشَرَةِ فَقَطْ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ مَا زَادَ بِحِسَابِهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ ( وَلَوْ ) قَابَلَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ أَوْ نَحْوِهَا كَأَرْضٍ وَثَوْبٍ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَبَعْضِهَا بِتَفْصِيلِهِ كَأَنْ ( بَاعَهَا ) أَيْ الصُّبْرَةَ أَوْ الْأَرْضَ أَوْ الثَّوْبَ ( بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ ) أَوْ ذِرَاعٍ ( بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ مِائَةً ) لِتَوَافُقِ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ (
وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِائَةً ، بِأَنْ خَرَجَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ( فَلَا ) يَصِحُّ الْبَيْعُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ وَالثَّانِي يَصِحُّ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ .
فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ صَاعًا بِصَاعٍ فَزَادَتْ إحْدَاهُمَا وَرَضِيَ صَاحِبُهَا بِتَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْآخَرَ قَبُولُهَا أَوْ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِقَدْرِهَا أَقَرَّ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا عُيِّنَتْ كَمِّيَّتُهُ .
فَإِذَا اخْتَلَّ عَنْهَا صَارَ مُبْهَمًا فَأُبْطِلَ بِخِلَافِهِ ثَمَّةَ لَمْ تُعَيَّنْ كَمِّيَّةُ صِيعَانِهِ ، وَالصُّبْرَةُ النَّاقِصَةُ قَدْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى جَمِيعِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ صُبْرَةً صَغِيرَةً بِقَدْرِهَا مِنْ كَبِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ .
أَمَّا إذَا قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَلَمْ يُقَابِلْ الْأَجْزَاءَ بِالْأَجْزَاءِ كَأَنْ قَالَ بِعْتُكهَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ خَرَجَتْ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَا تَفْسَخْ وَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ أَوْ أَنَا أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ وَإِذَا أَجَازَ فَبِالْمُسَمَّى فَقَطْ ، أَوْ قَابَلَ الْأَجْزَاءَ بِالْأَجْزَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ كَأَنْ قَالَ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ صَاعٍ ، فَهِيَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَرِيبَةٌ مِنْ الْأُولَى ، وَإِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ النُّقْصَانِ ، وَخَرَّجَ الزَّائِدَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ( وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ ) أَوْ الْمُعَوَّضُ ( مُعَيَّنًا ) قَالَ الشَّارِحُ : أَيْ مُشَاهَدًا ، لِأَنَّ الْمُعَيِّنَ صَادِقٌ بِمَا عَيَّنَ
بِوَصْفِهِ وَبِمَا هُوَ مُشَاهَدٌ : أَيْ مُعَايَنٌ فَالْأَوَّلُ مِنْ التَّعْيِينِ وَالثَّانِي مِنْ الْمُعَايَنَةِ : أَيْ الْمُشَاهَدَةِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ : ( كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ ) عَنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى التَّخْمِينِ الْمَصْحُوبِ بِهَا ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ، وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ صَحَّ الْبَيْعُ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوقِعُ فِي النَّدَمِ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ بِأَنَّ مَجْهُولَ الذَّرْعِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّبْرَةَ لَا تُعْرَفُ تَخْمِينًا غَالِبًا لِتَرَاكُمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِخِلَافِ الْمَذْرُوعِ ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّ تَحْتَهَا دَكَّةً أَوْ مَوْضِعًا مُنْخَفِضًا أَوْ اخْتِلَافَ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ الَّذِي فِيهِ الْعِوَضُ أَوْ الْمُعَوَّضُ مِنْ نَحْوِ ظَرْفِ عَسَلٍ وَسَمْنٍ رِقَّةً وَغِلَظًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِمَنْعِهَا تَخْمِينَ الْقَدْرِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ .
قَالَ شَيْخِي : لِأَنَّ التَّخْمِينَ يَضْعُفُ عِنْدَ الْعِلْمِ .
نَعَمْ إنْ رَأَى ذَلِكَ قَبْلَ الْوَضْعِ فِيهِ صَحَّ الْبَيْعُ لِحُصُولِ التَّخْمِينِ ، وَإِنْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَوٍ فَظَهَرَ خِلَافُهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَخُيِّرَ مَنْ لَحِقَهُ النَّقْصُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ إلْحَاقًا لِمَا ظَهَرَ بِالْعَيْبِ ، فَالْخِيَارُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّكَّةِ لِلْمُشْتَرِي ، وَفِي الْحُفْرَةِ لِلْبَائِعِ ، وَقِيلَ إنَّ مَا فِي الْحُفْرَةِ لِلْبَائِعِ وَلَا خِيَارَ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي التَّهْذِيبِ .
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ ، وَالثَّانِي يَصِحُّ ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ ، دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا .
تَنْبِيهٌ الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَوْ لِمَنْ عَمِيَ وَقْتُهُ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ ) وَهُوَ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ( وَالثَّانِي يَصِحُّ ) إذَا وُصِفَ بِذِكْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْوَصْفِ ، فَيَقُولُ بِعْتُك عَبْدِي التُّرْكِيَّ أَوْ فَرَسِي الْعَرَبِيَّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى هَذَا ، وَقِيلَ : لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى لَوْ قَالَ : بِعْتُك مَا فِي كَفِّي أَوْ مِيرَاثِي مِنْ أَبِي صَحَّ ( وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ ) لِلْمُشْتَرِي ( عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ) ، وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لِحَدِيثِ { لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ } ، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ خِلَافًا لِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ وَإِنْ قَوَّاهُ الْإِسْنَوِيُّ نَعَمْ إنْ وَجَدَهُ زَائِدًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : إنَّهُ بَاطِلٌ وَيَنْفُذُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ الْفَسْخُ دُونَ الْإِجَازَةِ .
وَيَمْتَدُّ الْخِيَارُ امْتِدَادَ مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ ، وَقِيلَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي رَهْنِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ وَعَلَى صِحَّتِهِمَا لَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ صِحَّتُهُ ، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ مِنْ الْجَزْمِ بِالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الصَّلَاحِ فِي وَقْفِ مَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ
وَلَمْ يَرَهُ كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ ، وَكَلَامُ الْقَفَّالِ فِيمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ ( وَ ) عَلَى الْأَظْهَرِ فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ ( تَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ ) وَلَوْ لِمَنْ عَمِيَ وَقْتُهُ ( فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ ) كَالْأَرْضِ وَنَحْوِ الْحَدِيدِ وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَهُ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ ، وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا شَاهَدَهُ عَلَيْهِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِنَّمَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ إذَا كَانَ حَالَ الْعَقْدِ ذَاكِرًا لِلْأَوْصَافِ ، فَإِنْ نَسِيَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي نُكَتِهِ : إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ، وَقِيلَ : يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ حُدُوثَ عَيْبٍ فِيهِ .
فَإِنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ التَّغَيُّرُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَالصِّفَةُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ كَالشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، فَإِذَا بَانَ فَوْتُ شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ بِمَثَابَةِ الْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَقَالَ الْبَائِعُ : هُوَ بِحَالِهِ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ تَغَيَّرَ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَدَعْوَى عِلْمِهِ بِالْغَيْبِ ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ بِمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ .
قُلْت : أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا ثَمَّ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا يُفْهِمُ الصِّحَّةَ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ
كَالْحَيَوَانِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ ( دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا ) كَالْأَطْعِمَةِ بَلْ يُوَافِقُهُ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ إنَّ مَفْهُومَ الْمِنْهَاجِ مُتَدَافِعٌ ، فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَوَّلُ كَلَامِهِ الْبُطْلَانَ وَمَفْهُومُ آخِرِهِ الصِّحَّةَ ، وَإِنَّمَا بَطَلَ فِيمَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ لَمْ تُفِدْ مَعْرِفَةَ حَالِ الْعَقْدِ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْبُطْلَانُ فِيمَا تَحَقَّقَ تَغَيُّرُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ ، وَأُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ ، أَوْ كَانَ صِوَانًا لِلْبَاقِي خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ ، وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ .
( وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيه كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ ) مِنْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا وَجَوْزٍ وَنَحْوِهِ وَأَدِقَّةٍ ، وَكَأَعَالِي الْمَائِعَاتِ فِي أَوْعِيَتِهَا كَالدُّهْنِ ، وَأَعْلَى التَّمْرِ فِي قَوْصَرَتِهِ وَالطَّعَامِ فِي آنِيَتِهِ ، وَكَذَا الْقُطْنُ الْمُجَرَّدُ عَنْ جَوْزِهِ وَلَوْ فِي عِدْلِهِ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى الْبَاطِنَ إلَّا إذَا خَالَفَ الظَّاهِرَ بِنَقْصٍ بِخِلَافِ صُبْرَةِ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى بَاقِيهَا بَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ، حَتَّى لَوْ رَأَى أَحَدَ جَانِبَيْ الْبِطِّيخَةِ كَانَ كَبَيْعِ الْغَائِبِ ، وَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ كَالثَّوْبِ الصَّفِيقِ يُرَى أَحَدُ وَجْهَيْهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَلَا يَكْفِي فِي مَسْأَلَةِ الْعِنَبِ وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِمَا رُؤْيَةُ أَعْلَاهَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُبُوبِ ( وَ ) مِثْلُ ( أُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ ) أَيْ الْمُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ كَالْحُبُوبِ ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ تَكْفِي عَنْ رُؤْيَةِ بَاقِي الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْمَبِيعِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ خَلْطُهُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَهُ ، فَإِذَا قَالَ : بِعْتُك حِنْطَةَ هَذَا الْبَيْتِ مَعَ الْأُنْمُوذَجِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ : إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَلْطِهِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الْبَغَوِيَّ إنَّمَا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ خُلِطَ بِهَا كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا رَأَى بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ .
أَمَّا إذَا بَاعَهَا دُونَهُ كَأَنْ قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَذَا ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ وَأُنْمُوذَجٍ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَبِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِقْدَارٌ تُسَمِّيهِ السَّمَاسِرَةُ عَيْنًا مَعْطُوفٌ عَلَى ظَاهِرٍ مِنْ قَوْلِهِ : كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ
التَّقْدِيرِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا : أَعْنِي مِنْ ظَاهِرٍ وَأُنْمُوذَجٍ مِثَالًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ الدَّالِّ عَلَى بَاقِيهِ ، لَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضِ الْمَبِيعِ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ رُؤْيَةِ الْبَعْضِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْبَيْعِ ( أَوْ ) لَمْ يَدُلَّ عَلَى بَاقِيهِ بَلْ ( كَانَ صِوَانًا ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا ، وَيُقَالُ صِيَانٌ ( لِلْبَاقِي ) لِبَقَائِهِ ( خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبِيضِ وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ ) فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ ، لِأَنَّ صَلَاحَ بَاطِنِهِ فِي بَقَائِهِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ هُوَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ : أَوْ كَانَ إلَخْ قَسِيمُ قَوْلِهِ : إنْ دَلَّ كَمَا قَدَّرْته .
وَقَوْلُهُ : كَالْمُحَرَّرِ خِلْقَةً مَزِيدٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَهُوَ صِفَةٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ جِلْدِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ لَا تَكْفِي ، وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ الدُّرُّ فِي صَدَفِهِ وَالْمِسْكُ فِي فَأْرَتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ الصِّوَانَ خِلْقِيٌّ ، وَعَلَى عَكْسِهِ الْخُشْكِنَانُ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْقُطْنِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُمَا مَعَ أَنَّ صِوَانَهُمَا غَيْرُ خِلْقِيٍّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَلْ يَلْتَحِقُ الْفُرُشُ وَاللُّحُفُ بِهِمَا ؟ فِيهِ وَقْفَةٌ ، وَالظَّاهِرَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ فِيهَا مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْجُبَّةِ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَيْعُ كُوزِ الْفِقَاعِ كَمَا أَوْرَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الْكُوزَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْخُشْكِنَانِ وَنَحْوِهِ ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ كَمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا صَحَّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَشُقُّ رُؤْيَتُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ يَفُوتُ بِهِ
مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ ، وَاحْتُرِزَ بِوَصْفِ الْقِشْرَةِ بِالسُّفْلَى لِمَا ذُكِرَ ، وَهِيَ الَّتِي تُكْسَرُ حَالَةَ الْأَكْلِ عَنْ الْعُلْيَا ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ قَبْلَ إزَالَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ .
نَعَمْ إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ السُّفْلَى كَفَتْ رُؤْيَةُ الْعُلْيَا ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللُّبِّ مِنْ نَحْوِ الْجَوْزِ وَحْدَهُ فِي قِشْرِهِ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِكَسْرِ الْقِشْرِ فَيَنْقُصُ عَيْنُ الْمَبِيعِ ، وَلَا بَيْعُ مَا رُئِيَ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ لِانْتِفَاءِ تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ وَصَلَاحِ إبْقَائِهِ فِيهَا بِخِلَافِ رُؤْيَةِ السَّمَكِ وَالْأَرْضِ تَحْتَ الْمَاءِ الصَّافِي إذْ بِهِ صَلَاحُهُمَا .
أَمَّا الْكَدِرُ ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ ، وَيَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكْرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى ؛ لِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ .
فَائِدَةٌ : رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَقَطَتْ مِنْهُ حَبَّةُ رُمَّانَةٍ أَكَلَهَا ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَيْسَ فِي الْأَرْضِ رُمَّانَةٌ تُلَقَّحُ إلَّا بِحَبَّةٍ مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ فَلَعَلَّهَا هَذِهِ } وَقِيلَ : إذَا أَخَذْتَ رُمَّانَةً مِنْ شَجَرَةٍ وَعَدَدْت حَبَّاتِهَا فَتَكُونُ حَبَّاتُ رُمَّانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ كَذَلِكَ ، وَإِذَا عَدَدْت شُرَّافَاتِ قُمْعِ الرُّمَّانَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ زَوْجًا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا زَوْجٌ ، أَوْ فَرَدًّا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا فَرْدٌ .
وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ .
( وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ ( عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ) فَيُعْتَبَرُ فِي الدَّارِ رُؤْيَةُ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ ، وَكَذَا رُؤْيَةُ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَفِي الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ أَشْجَارِهِ وَمَجْرَى مَائِهِ ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَدُورُ بِهِ الرَّحَى خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَسَاسِ جُدْرَانِ الْبُسْتَانِ ، وَلَا رُؤْيَةُ عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِهِمَا ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ ، وَلَوْ رَأَى آلَةَ بِنَاءِ الْحَمَّامِ وَأَرْضِهَا قَبْلَ بِنَائِهَا لَمْ يَكْفِ عَنْ رُؤْيَتِهَا كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّمْرِ رُؤْيَتُهُ رَطْبًا وَلَوْ رَأَى سَخْلَةً أَوْ ظَبْيًا فَكَمُلَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا إلَّا بِرُؤْيَةٍ أُخْرَى ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ رُؤْيَةُ مَا سِوَى الْعَوْرَةِ لَا اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ مُقْدَمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا وَقَوَائِمِهَا وَظَهْرِهَا حَتَّى شَعْرِهَا ، فَيَجِبُ رَفْعُ الْجِلِّ وَالسَّرْجِ وَالْإِكَافِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ إجْرَاؤُهَا لِيَعْرِفَ سَيْرَهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ نَشْرُهُ لِيَرَى الْجَمِيعَ ، وَلَوْ لَمْ يُنْشَرْ مِثْلُهُ إلَّا عِنْدَ الْقَطْعِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ مَا يَخْتَلِفُ مِنْهُ كَأَنْ يَكُونُ صَفِيقًا كَدِيبَاجٍ مُنَقَّشٍ وَبُسُطٍ ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ وَجْهَاهُ كَكِرْبَاسٍ فَتَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا ، وَيُشْتَرَطُ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الْأَوْرَاقِ ، وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ .
وَإِنْ حُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَرُئِيَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ تَيَقُّنِ وُجُودِ قَدْرِ اللَّبَنِ الْمَبِيعِ وَلِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ ، وَلَا بَيْعُ الصُّوفِ قَبْلَ الْجَزِّ أَوْ التَّذْكِيَةِ
لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ ؛ وَلِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إنَّمَا يُمْكِنُ بِاسْتِئْصَالِهِ وَهُوَ مُؤْلِمٌ لِلْحَيَوَانِ ، فَإِنْ قَبَضَ قَبْضَةً وَقَالَ : بِعْتُك هَذِهِ صَحَّ قَطْعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَا بَيْعُ الْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ قَبْلَ الْإِبَانَةِ وَلَا الْمَذْبُوحِ أَوْ جِلْدِهِ أَوْ لَحْمِهِ قَبْلَ السَّلْخِ أَوْ السَّمْطِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَذَا مَسْلُوخٌ لَمْ يُنَقَّ جَوْفُهُ وَبِيعَ وَزْنًا ، فَإِنْ بِيعَ جُزَافًا صَحَّ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا لِقِلَّةِ مَا فِي جَوْفِهِ ، وَلَا بَيْعُ مِسْكٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ لِجَهْلِ الْمَقْصُودِ كَنَحْوِ لَبَنٍ مَخْلُوطٍ بِنَحْوِ مَاءٍ .
نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْجُونًا بِغَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيْعُهُمَا لَا الْمِسْكِ وَحْدَهُ ، وَلَوْ بَاعَ الْمِسْكَ فِي فَأْرَتِهِ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ ، فَإِنْ رَآهَا فَارِغَةً ثُمَّ مُلِئَتْ مِسْكًا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَأَى أَعْلَاهُ مِنْ رَأْسِهَا أَوْ رَآهُ خَارِجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ رَدِّهِ إلَيْهَا جَازَ ، وَلَوْ بَاعَهُ السَّمْنَ وَظَرْفَهُ أَوْ الْمِسْكَ وَفَأْرَتَهُ كُلَّ قِيرَاطٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا صَحَّ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا إنْ عَرَفَا وَزْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَانَ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ، وَيَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِشَعِيرٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَا تُرَابِ صَاغَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ عَادَةً كَبَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى مِنْسَجٍ قَدْ نُسِجَ بَعْضُهُ فَبَاعَهُ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ الْبَائِعُ الْبَاقِيَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا نَصَّ عَلَيْهِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ بِصِفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي ، وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى وَقِيلَ : إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ فَلَا .
( وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي يُرَادُ بَيْعُهُ ( بِصِفَةِ السَّلَمِ ) أَوْ سَمَاعِ وَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ ( لَا يَكْفِي ) عَنْ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ أُمُورًا تَقْصُرُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ ، وَفِي الْخَبَرِ " لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ " وَالثَّانِي : يَكْفِي ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الرُّؤْيَةِ الْمَعْرِفَةُ وَالْوَصْفُ يُفِيدُهَا ، فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِوَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ مَعَ قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّهُ يُفِيدُ الْقَطْعَ مُشْكِلٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ يَتَفَاوَتُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِيَانَ أَقْوَى ، وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تُفِيدُ أُمُورًا تَقْصُرُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ ( وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى ) أَيْ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُسْلَمَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الصِّفَاتِ بِالسَّمَاعِ ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ وَيُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ أَوْ يَقْبِضُ لَهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَعْتَمِدُ الْوَصْفَ لَا الرُّؤْيَةَ ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِهِ عَيْنًا ( وَقِيلَ إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ ) بَيْنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ خُلِقَ أَعْمَى ( فَلَا ) يَصِحُّ سَلَمُهُ لِانْتِفَاءِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَشْيَاءِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ ، بِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا بِالسَّمَاعِ وَيَتَخَيَّلُ فَرْقًا بَيْنَهَا كَبَصِيرٍ يُسْلِمُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ رَآهُ كَأَهْلِ خُرَاسَانَ فِي الرُّطَبِ ، وَأَهْلِ بَغْدَادَ فِي الْمَوْزِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى مِنْ الْعُقُودِ غَيْرُ السَّلَمِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَيُؤْجِرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُهَا ، وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : صِحَّةُ شِرَائِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَبَيْعُهُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَنَحْوَهَا .
وَأَمَّا
مَا يُعْتَمَدُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ شَيْئًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا عَدَمَ الْبُطْلَانِ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى : أَيْ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ بَيْعِ النَّصِيبِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِيَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَنَاةَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ الْقَرَارَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَإِنْ اشْتَرَى الْقَرَارَ مَعَ الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا لِلْجَهَالَةِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الذَّوْقُ وَالشَّمُّ فِي مِثْلِ الْخَلِّ وَالْمِسْكِ وَلَا لَمْسُ الثِّيَابِ ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهَا ، وَلَوْ اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فِي ظَرْفِهِ كُلُّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيَسْقُطُ أَرْطَالٌ مُعَيَّنَةٌ بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَلَا يُوزَنُ الظَّرْفُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ظَاهِرٌ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ .
وَلَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ قِيمَةً وَوَصْفًا وَقَدْرًا كَنِصْفَيْ كِرْبَاسٍ فَسُرِقَ أَحَدُهُمَا وَاشْتَرَى الْآخَرَ غَائِبًا عَنْهُ ، وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا الْمَسْرُوقُ صَحَّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ ، لَا إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ .
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ
عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ ، وَهُوَ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مِنْ تَصْدِيقِ مُدَّعِيهَا .
بَابُ الرِّبَا بِالْقَصْرِ ، وَأَلِفُهُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ وَيُكْتَبُ بِهِمَا وَبِالْيَاءِ ، وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ : لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحَرَّةِ وَلُغَتُهُمْ الرَّبْوُ ، فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ ، وَيُقَالُ فِيهِ الرِّمَاءُ بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ ، وَهُوَ لُغَةً : الزِّيَادَةُ .
قَالَ تَعَالَى : { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } أَيْ زَادَتْ وَنَمَتْ ، وَشَرْعًا : عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ، وَرِبَا الْيَدِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا ، وَرِبَا النَّسَا وَهُوَ الْبَيْعُ لِأَجَلٍ ، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُمْكِنُ رَدُّهُ لِرِبَا الْفَضْلِ .
وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَآيَةِ { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ } وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ { دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ ابْنُ آدَمَ أَشَدُّ عِنْدَ اللَّهِ إثْمًا مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً } وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لِلرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ } وَقَالَ : إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : حَتَّى قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ .
فَائِدَةٌ : رَوَى السُّبْكِيُّ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَجُلًا
أَتَى إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُ رَجُلًا سَكْرَانَ يَتَفَاقَزُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَمَرَ بِيَدِهِ فَقُلْتُ : امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ يَدْخُلُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ أَشَرُّ مِنْ الْخَمْرِ ، فَقَالَ : ارْجِعْ حَتَّى أَتَفَكَّرَ فِي مَسْأَلَتِكَ فَأَتَاهُ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ : امْرَأَتُكَ طَالِقٌ ، إنِّي تَصَفَّحْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَشَرَّ مِنْ الرِّبَا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِيهِ بِالْحَرْبِ : أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى : { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ فَقِهَ أَكْلَ الرِّبَا .
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ أَيْ وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشَبَ ، .
إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا جِنْسًا اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ ، أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ ، وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا
وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْبَابِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ ( إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا ) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ كَانَ ( جِنْسًا ) وَاحِدًا كَبُرٍّ وَبُرٍّ ( اُشْتُرِطَ ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ ( الْحُلُولُ ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ ) لَهُمَا ( قَبْلَ التَّفَرُّقِ ) وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( أَوْ ) كَانَا ( جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ ) أَمْرَانِ ( الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ ) لَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } أَيْ مُقَابَضَةً .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُلُولُ : أَيْ غَالِبًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ وَإِنْ حَصَلَ الْقَبْضُ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَيَكْفِي قَبْضُ الْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَكَذَا قَبْضُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَقَبَضَ سَيِّدُهُ أَوْ وَكِيلًا فَقَبَضَ مُوَكِّلُهُ لَا يَكْفِي .
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : الطُّعْمُ مَعَ التَّقْدِيرِ فِي الْجِنْسِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا رِبَا فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ ، وَفِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْعِلَّةُ الطُّعْمِيَّةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الطُّعْمُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ
عَلَى الطَّعَامِ وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ بِمَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ ( وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ ) بِضَمِّ الطَّاءِ مَصْدَرُ طَعِمَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ أَكَلَ غَالِبًا .
وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطُّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ ، وَهُوَ نَبْتٌ يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ كَمَا مَرَّ ( اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا ) كَمَا تُؤْخَذُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَعَلَى التَّمْرِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ وَعَلَى الْمِلْحِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَالسَّقَمُونْيَا وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَالزَّنْجَبِيلِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ أَوْ يُصْلِحُ الْبَدَنَ ، فَإِنَّ الْأَغْذِيَةَ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالْأَدْوِيَةَ لِرَدِّ الصِّحَّةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاءَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الطَّعَامُ فِي الْأَيْمَانِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهُ فِي الْعُرْفِ الْمَبْنِيَّةُ هِيَ عَلَيْهِ ، وَلَا رِبَا فِي حَبِّ الْكَتَّانِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَدُهْنِهِ وَدُهْنِ السَّمَكِ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لِلطُّعْمِ ، وَلَا فِي الطِّينِ غَيْرِ الْأَرْمَنِيِّ كَالْخُرَاسَانِيِّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ سَفَهًا وَلَا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ الْجِنُّ كَالْعَظْمِ أَوْ الْبَهَائِمِ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَالنَّوَى أَوْ غَلَبَ تَنَاوُلُهَا لَهُ وَإِنْ قَصَدَ لِلْآدَمِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
أَمَّا إذَا كَانَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ ، فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الرِّبَا فِيهِ ، وَلَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَجَازَ بَلْعُهُ
كَصِغَارِ السَّمَكِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهِ .
وَقَدْ اشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ قَصَدَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا يَجُوزُ أَكْلُهُ ، وَلَكِنَّهُ لَا يُقْصَدُ كَالْعَظْمِ الرَّخْوِ وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ الْعِنَبِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا الْجُلُودُ كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : أَيْ الَّتِي لَمْ تُؤْكَلْ غَالِبًا بِأَنْ خَشُنَتْ وَغَلُظَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَدَاوِيًا الْمَاءُ الْعَذْبُ ، فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ مُطْعَمٌ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ .
قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمِلْحِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْحَلْوَى .
قَالَ فِي الْغُنْيَةِ : وَهُوَ غَلَطٌ صَدَرَ عَنْ ظَنٍّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَفَكُّهًا الْفَاكِهَةُ الَّتِي هِيَ الثَّمَرُ ، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ الْأُدْمَ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ ، وَاسْتَشْكَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ ، لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى اللُّغَةِ اتَّحَدَ الْمَوْضِعَانِ ، أَوْ إلَى الْعُرْفِ ، فَأَهْلُهُ لَا يُسَمُّونَ الْفَاكِهَةَ وَالْحَلْوَى طَعَامًا ، وَيُمْكِنُ دُخُولُ الْأُدْمِ فِي التَّفَكُّهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهِمَا فِي الرِّبَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ كَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنْ التَّمْرِ مَعْرُوفٌ بِالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْبَرْنِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : هُوَ ضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ وَاحِدَتُهُ بَرْنِيَّةُ وَهُوَ أَجْوَدُ التَّمْرِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَأَنْوَاعُ التَّمْرِ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
قَالَ الْجُوَيْنِيُّ : كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلَ بَعْضُ
أَصْدِقَائِي فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ الْأَمِيرِ فَتَذَاكَرُوا أَنْوَاعَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ فَبَلَغَتْ أَنْوَاعُ الْأَسْوَدِ سِتِّينَ نَوْعًا ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَهُمَا جِنْسَانِ ، وَاحْتُرِزَ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ كَالْحَبِّ ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ الْحُبُوبِ وَبِأَوَّلِ دُخُولِهِمَا فِي الرِّبَا عَنْ الْأَدِقَّةُ ، فَإِنَّهَا اشْتَرَكَتْ فِي اسْمٍ خَاصٍّ ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِضَافَةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ أَجْنَاسٌ ، لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الرِّبَا قَبْلَ اشْتِرَاكِهَا فِي هَذَا الِاسْمِ الْخَاصِّ وَبِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ عَنْ الْبِطِّيخِ الْهِنْدِيِّ مَعَ الْأَصْفَرِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ الْهِنْدِيَّانِ مَعَ التَّمْرِ وَالْجَوْزِ الْمَعْرُوفَيْنِ ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا لَيْسَ لِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا : أَيْ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ لِحَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ، وَهَذَا الضَّابِطُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَوْلَى مَا قِيلَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ .
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَأُصُولِهَا ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِأَنَّهَا جِنْسٌ لَا نَقْضٌ ، وَحَيْثُ اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ فَتَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ تَفَرُّقَهُمَا حِينَئِذٍ كَلَا تَفَرُّقٍ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُخْتَارِ وَالْمُكْرَهِ .
وَالتَّخَايُرُ وَهُوَ إلْزَامُ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَالتَّفَرُّقِ قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ الرِّبَوِيَّ سَوَاءٌ أَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَمْ لَا ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَبْطُلْ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي ، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرَى أَنَّ التَّخَايُرَ
بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْمُبَعَّضَ فَفِيمَا قَبَضَ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَبَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ صَحَّ وَيُسَلِّمُهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ لِيَقْبِضَ النِّصْفَ ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الثَّانِي فِي يَدِهِ أَمَانَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةً فَوُجِدَتْ زَائِدَةُ الْوَزْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّائِدَ لِلْمُعْطِي ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ أَقْرَضَهُ الْبَائِعُ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ تِلْكَ الْخَمْسَةَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ فَاشْتَرَى بِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الدِّينَارِ جَازَ كَغَيْرِهَا ، وَإِنْ اشْتَرَى كُلَّ الدِّينَارِ مِنْ غَيْرِهِ بِعَشْرَةٍ وَسَلَّمَهُ مِنْهَا خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ عَنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَعَ الْعَاقِدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إجَازَةٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَالتَّفَرُّقِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ ، وَلَا يُقَالُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيمَا قَبَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ .
أَمَّا مَعَ الْعَاقِدِ فَصَحِيحٌ .
وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ ، وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا أَجْنَاسٌ .
( وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أَدِقَّةُ ( أَجْنَاسٌ ) ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ أُصُولِهَا ، فَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ ، وَخَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلَيْنِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِيهِمَا ، وَاتَّحَدَ جِنْسُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّمَاثُلُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَكُلَّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا مَاءٌ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَقُلْنَا الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا وَهُمَا جِنْسَانِ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ ، وَالْخُلُولُ تُتَّخَذُ غَالِبًا مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ هَذِهِ الْخُلُولِ عَشْرُ مَسَائِلَ .
وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ ، ثُمَّ تَأْخُذَهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ ، وَلَا تَأْخُذَهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ ، لِأَنَّكَ قَدْ عَدَدْتَهُ قَبْلَ هَذَا فَلَا تَعُدَّهُ مَرَّةً أُخْرَى .
الْأُولَى : بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِمِثْلِهِ .
الثَّانِيَةُ : بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ .
الثَّالِثَةُ : بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِمِثْلِهِ .
الرَّابِعَةُ : بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ .
الْخَامِسَةُ : بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ .
السَّادِسَةُ : بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ .
السَّابِعَةُ : بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ .
الثَّامِنَةُ : بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ .
التَّاسِعَةُ : بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ .
الْعَاشِرَةُ : بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ ، فَفِي خَمْسَةٌ مِنْهَا يُجْزَمُ بِالْجَوَازِ ، وَفِي خَمْسَةٍ بِالْمَنْعِ ، الْخَمْسَةُ الْأُولَى : خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ عِنَبٍ ، خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ ، خَلُّ عِنَبٍ
بِخَلِّ تَمْرٍ ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ .
وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ : خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ ، خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ ، خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ ، خَلُّ تَمْرٍ بِخَلِّ تَمْرٍ ، خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُخْتَلِفَةِ عَنْ الْمُتَّحِدَةِ كَأَدِقَّةِ الْقَمْحِ فَإِنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ قَطْعًا .
وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجْنَاسٌ ( كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَجْنَاسِ ، فَأَشْبَهَتْ الْأَدِقَّةَ فَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الضَّأْنِ وَلَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الضَّأْنِ مُتَفَاضِلًا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ الَّذِي لَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ بَعْدَهُ إلَّا بِالْإِضَافَةِ فَأَشْبَهَتْ أَنْوَاعَ التَّمْرِ كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لُحُومُ الْبَقَرِ جَوَامِيسُهَا وَعِرَابُهَا جِنْسٌ ، وَلَيْسَ مِنْ الْبَقَرِ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ ؛ لِأَنَّ الْوَحْشِيَّ وَالْإِنْسِيَّ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسَانِ ، وَلُحُومُ الْغَنَمِ ضَأْنُهَا وَمَعْزُهَا جِنْسٌ ، وَالظِّبَاءُ وَالْأُيَّلُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَهُوَ الْوَعِلُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ تَيْسُ الْجَبَلِ ، وَيُقَالُ شَاتُهُ جِنْسٌ ، وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ وَالسُّمُوكُ الْمَعْرُوفَةُ جِنْسٌ ، وَبَقَرُ الْمَاءِ وَغَنَمُهُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَيَوَانَاتِ الْمَاءِ أَجْنَاسٌ .
وَأَمَّا الطُّيُورُ : فَالْعَصَافِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ ، وَالْبَطُّوطُ جِنْسٌ ، وَكَذَا أَنْوَاعُ الْحَمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَبُيُوضُ الطُّيُورِ أَجْنَاسٌ ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْقَلْبُ وَالْكِرْشُ وَالرِّئَةُ وَالْمُخُّ أَجْنَاسٌ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا ، وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَاللِّسَانِ وَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ أَجْنَاسٌ ، وَالْجَرَادُ لَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ ، وَالْبِطِّيخِ الْأَخْضَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ أَجْنَاسٌ .
وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا ، وَالْمَوْزُونِ وَزْنًا ، وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ ، وَقِيلَ : الْكَيْلُ ، وَقِيلَ : الْوَزْنُ ، وَقِيلَ : يَتَخَيَّرُ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اُعْتُبِرَ .
( وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا ) ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْوَزْنِ ( وَ ) فِي ( الْمَوْزُونِ وَزْنًا ) ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْكَيْلِ ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَكِيلِ بِبَعْضٍ وَزْنًا ، وَلَا بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْزُونِ بِبَعْضٍ كَيْلًا ( وَالْمُعْتَبَرُ ) فِي كَوْنِ الشَّيْءِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ( غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ ، فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ( وَمَا ) لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ أَوْ كَانَ وَ ( جُهِلَ ) حَالُهُ وَلَوْ لِنِسْيَانٍ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِ سَوَاءٌ أَوْ لَمْ يُسْتَعْمَلَا فِيهِ أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَكَانَ ذَلِكَ أَكْبَرَ جُرْمًا مِنْ التَّمْرِ كَالْجَوْزِ فَالْوَزْنُ ، إذْ لَمْ يُعْهَدْ الْكَيْلُ بِالْحِجَازِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ جُرْمًا أَوْ كَانَ مِثْلَهُ كَاللَّوْزِ أَوْ دُونَهُ كَالْفُسْتُقِ ( يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ ) حَالَةَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ كَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى عَادَةِ النَّاسِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ ( وَقِيلَ الْكَيْلُ ) ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مَكِيلٌ ( وَقِيلَ الْوَزْنُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَأَقَلُّ تَفَاوُتًا ( وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ ) لِلتَّسَاوِي ( وَقِيلَ : إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ ) مَعْلُومُ الْمِعْيَارِ ( اُعْتُبِرَ ) أَصْلُهُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ .
قَالَ الشَّارِحُ : فَعَلَى هَذَا دُهْنُ السِّمْسِمِ مَكِيلٌ وَدُهْنُ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ ا هـ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّوْزَ مَكِيلٌ فَدُهْنُهُ كَذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمِكْيَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا أَمْ لَا كَالْقَصْعَةِ ، فَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ قَلِيلُ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ إنْ كَانَ مَكِيلًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ ضُرٌّ .
وَأَمَّا
الْمَوْزُونُ فَيَضُرُّ مُطْلَقًا لِظُهُورِ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ فِي الْوَزْنِ ، وَيَكْفِي الْوَزْنُ بِالْقَبَّانِ وَالتَّسَاوِي بِكِفَّتَيْ الْمِيزَانِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ مَا فِي كُلِّ كِفَّةٍ .
وَقَدْ يَتَأَتَّى الْوَزْنُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الشَّيْءُ فِي ظَرْفٍ وَيُلْقَى فِي الْمَاءِ وَيُنْظَرُ قَدْرُ غَوْصِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا ، فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا وَإِنْ كَفَى فِي الزَّكَاةِ ، وَأَدَاءُ الْمُسْلِمِ فِيهِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْقَصْعَةِ .
وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ .
( وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ ) وَالْمُرَادُ بِهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ ( كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ ) فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحْكَامِ ، فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ اُشْتُرِطَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالتَّخَايُرِ وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ جَازَ التَّفَاضُلُ أَوْ اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ .
فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمَ النَّقْدِ عَلَى الطَّعَامِ مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّعَامِ أَكْثَرُ فَقُدِّمَ لِذَلِكَ .
وَلَا يُقَالُ : إنْ تَقَدَّمَ مَا الْكَلَامُ فِيهِ أَقَلُّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ ، وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسِيَّةُ الْأَثْمَانِ غَالِبًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْفُلُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ لَا أَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا كَمَا مَرَّ ، وَلَيْسَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا ، وَاحْتُرِزَ بِغَالِبًا عَنْ الْفُلُوسِ إذَا رَاجَتْ فَإِنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَا أَثَرَ لِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ ذَهَبًا مَصُوغًا قِيمَتُهُ أَضْعَافُ الدَّنَانِيرِ اُعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ .
تَنْبِيهٌ : بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِهِ يُسَمَّى صَرْفًا ، وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ كَبِعْتُك أَوْ صَارَفْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ ، وَعَلَى مَوْصُوفَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ : كَقَوْلِهِ : بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُك دِينَارًا صِفَتُهُ كَذَا فِي ذِمَّتِي بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ الضَّرْبِ الْفُلَانِيِّ فِي ذِمَّتُك ، وَلَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ صَارَفْتك عَلَى دِينَارٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَكَانَ هُنَاكَ نَقْدٌ وَاحِدٌ لَا
يَخْتَلِفُ أَوْ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَغْلَبُ صَحَّ وَنَزَلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُعَيِّنَانِ وَيَتَقَابَضَانِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ ، وَيَصِحُّ أَيْضًا عَلَى مُعَيَّنٍ بِمَوْصُوفٍ كَبِعْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتُك ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى دَيْنَيْنِ كَبِعْتُك الدِّينَارَ الَّذِي فِي ذِمَّتُك بِالْعَشَرَةِ الَّتِي لَك فِي ذِمَّتِي لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ، وَالْحِيلَةُ فِي تَمْلِيكِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ وَيَشْتَرِي مِنْهُ بِهَا أَوْ بِهِ الذَّهَبَ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَخَايَرَا لِتَضَمُّنِ الْبَيْعِ الثَّانِي إجَازَةَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ يُقْرِضُ كُلٌّ صَاحِبَهُ وَيُبْرِئُهُ أَوْ يَتَوَاهَبَا الْفَاضِلَ لِصَاحِبِهِ ، وَهَذَا جَائِزٌ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي بَيْعِهِ وَإِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ كُرِهَ قَصْدُهُ .
وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا
( وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا ) بِكَسْرِ الْجِيمِ طَعَامًا أَوْ نَقْدًا بِجِنْسِهِ ( تَخْمِينًا ) أَيْ حَزْرًا لِلتَّسَاوِي ( لَمْ يَصِحَّ ) الْبَيْعُ ( وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ ) لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقِيسَ النَّقْدُ عَلَى الْمَطْعُومِ وَلِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ : الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ ، وَيُؤْخَذُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ عَدَمِ التَّخْمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلَوْ عَلِمَا تَمَاثُلَ الصُّبْرَتَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي ، وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى كَيْلٍ وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا مِقْدَارَهُمَا وَأَخْبَرَ الْآخَرَ بِهِ فَصَدَّقَهُ فَكَمَا لَوْ عَلِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ نَحْوَ بُرٍّ بِأُخْرَى كَيْلًا بِكَيْلٍ أَوْ صُبْرَةَ نَحْوَ دَرَاهِمَ بِأُخْرَى وَزْنًا بِوَزْنٍ صَحَّ إنْ تَسَاوَيَا لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَانِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ بِكَيْلِهَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ وَزْنِهَا فِيمَا يُوزَنُ مِنْ صُبْرَةٍ أَكْبَرَ مِنْهَا لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ ، وَلَوْ تَفَرَّقَا فِي هَذِهِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ قَبْضِ الْجُمْلَتَيْنِ ، وَقَبْلَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ جَازَ لِحُصُولِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَمَا فَضَلَ مِنْ الْكَبِيرَةِ بَعْدَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ لِصَاحِبِهَا ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَبْضِ هُنَا مَا يَنْقُلُ الضَّمَانَ فَقَطْ لَا مَا يُفِيدُ التَّصَرُّفَ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ قَبْضَ مَا بِيعَ مُقَدَّرًا إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّقْدِيرِ ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ بُرٍّ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ جِزَافًا جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ ، فَإِنْ بَاعَهَا بِهَا مُكَايَلَةً فَإِنْ خَرَجَتَا سَوَاءٌ صَحَّ وَإِنْ تَفَاضَلَتَا وَسَمَحَ رَبُّ الْمَالِ بِإِعْطَائِهِ الزَّائِدَ أَوْ رَضِيَ رَبُّ النَّاقِصِ بِقَدْرِهِ مِنْ الزَّائِدِ أُقِرَّ الْبَيْعُ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ ، وَتَقَدَّمَ
مَا فِي هَذِهِ مَعَ جَوَابِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ ( وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ ) لِلرِّبَوِيِّ حَالَ الْكَمَالِ ، فَيُعْتَبَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ ( وَقْتَ الْجَفَافِ ) وَتَنْقِيَتُهَا شَرْطٌ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا لِلْكَمَالِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : أَيَنْقُصُ إلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ ، وَإِلَّا فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا إبْقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يَتَأَتَّى ادِّخَارُهُ عَلَيْهَا كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ ، لِأَنَّهُ إذَا نُزِعَ بَطَلَ كَمَالُهُ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ كَمَالَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَزْعِ نَوَاهُ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي تَجْفِيفِهَا : أَيْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ نَزْعُ نَوَاهُ كَمَا أَنَّ اللَّحْمَ الْمُقَدَّدَ لَا يَبْطُلُ كَمَالُهُ بِنَزْعِ الْعَظْمِ مِنْهُ .
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي فَهْمِ قَوْلِهِ ( وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا ) فَإِنَّهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْكِتَابِ ، فَقَالَ الشَّارِحُ : وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا الْآتِيَةِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ ا هـ .
وَهَذَا أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَقَالَ : إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْحَمْلِ ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ إدْخَالَ الْعَصِيرِ وَالْخَلِّ مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا مَرَّ لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ إلَّا تَمْرًا وَلَا الْعِنَبُ إلَّا زَبِيبًا فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْكَمَالِ الْأَوَّلِ ، وَجَرَى عَلَى هَذَا السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ مِنْ الْأَوَّلِ ، إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْأَوَّلِ اخْتِلَافُ مَفْهُومِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ
يُفْهَمُ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ آخِرًا إلَّا فِي الْعَرَايَا وَلَيْسَ مُرَادًا .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : وَقَوْلُهُ أَوَّلًا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْكَمَالَ يُكْتَفَى بِالْكَمَالِ الْأَوَّلِ كَالْعَصِيرِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْآخَرُ كَالْخَلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ : يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ وَلَوْ أَوَّلًا .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَاسِدٌ .
أَمَّا الْأَوَّلُ ؛ فَلِأَنَّهُ لَا كَمَالَ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ ، وَلَكِنَّهُ رُخِّصَ فِي بَيْعِهِ بِمِثْلِهِ جَافًّا بِشُرُوطِهِ .
وَأَمَّا الثَّانِي ؛ فَلِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ لَيْسَتْ أَوَّلَ أَحْوَالِهِ .
قَالَ : وَمَعْنَى كَلَامِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ تُعْتَبَرُ وَقْتَ كَمَالِ ذَلِكَ الرِّبَوِيِّ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ الْحَلِيبُ فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ ذَلِكَ الْوَقْتَ ا هـ .
وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ أَوَّلَ أَحْوَالِ الْكَمَالِ مَمْنُوعٌ ، إذْ لَيْسَ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ قَبْلَ الْعَصِيرِ .
فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ ، وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ أَصْلًا ، وَفِي قَوْلٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا .
تَنْبِيهٌ : قَالَ السُّبْكِيُّ : وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَقِيلَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ ، وَالصَّوَابُ وَقَدْ ، وَهَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُبَاعُ رَطْبُ الْمَطْعُومَاتِ بِرَطْبِهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَلَا بِجَافِّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا ، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَمَا قَالَ ( فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ ) بِضَمِّ الرَّاءِ فِيهِمَا ( وَلَا ) رَطْبُهَا بِجَافِّهَا كَرُطَبٍ ( بِتَمْرٍ ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا ) عِنَبٌ ( بِزَبِيبٍ ) وَلَا تِينٌ رَطْبٌ بِتِينٍ رَطْبٍ ، وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ، وَأُلْحِقَ بِالرَّطْبِ فِيمَا ذُكِرَ طَرِيُّ اللَّحْمِ فَلَا يُبَاعُ بِطَرِيِّهِ وَلَا بِقَدِيدِهِ مِنْ جِنْسِهِ .
وَيُبَاعُ قَدِيدُهُ بِقَدِيدِهِ بِلَا عَظْمٍ وَلَا مِلْحٍ يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ ، وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ وَإِنْ جَفَّتْ .
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمْرِ وَالْحَبِّ تَنَاهِي الْجَفَافِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَكِيلَانِ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ الرُّطُوبَةِ فِي الْكَيْلِ ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ ، فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْوَزْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَمَا قَالَ ( وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ ( وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ ) وَالرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ ( لَا يُبَاعُ ) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ( أَصْلًا ) قِيَاسًا عَلَى الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ جَفَّ عَلَى نُدُورٍ لَا يُبَاعُ جَافًّا ، وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْجَوَازُ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ الْأَقْيَسُ ( وَفِي قَوْلٍ ) مَخْرَجٌ ( تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا ) بِفَتْحِ الرَّاءِ ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ فِي رُطُوبَتِهِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى الزَّيْتُونُ فَإِنَّهُ لَا جَفَافَ لَهُ ، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ
.
وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيق وَالْخُبْزِ ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ حَبًّا ، وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ حَبًّا أَوْ دُهْنًا ، وَفِي الْعِنَبِ زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ ، وَكَذَا الْعَصِيرُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيق ) أَيْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ ( وَالْخُبْزِ ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَبِّ كَالْعَجِينِ وَالنِّشَاءِ ، وَلَا مُمَاثَلَةَ لِمَا فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا اُتُّخِذَ مِنْهَا كَالْفَالُوذَجِ فَإِنَّ فِيهِ النِّشَاءَ فَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِالْحَبِّ الَّذِي اُتُّخِذَ مِنْهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ ، فَإِنَّ الدَّقِيقَ وَنَحْوَهُ يَتَفَاوَتُ فِي النُّعُومَةِ ، وَالْخُبْزَ وَنَحْوَهُ يَتَفَاوَتُ فِي تَأْثِيرِ النَّارِ ، وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ مَقْلِيَّةٌ بِحِنْطَةٍ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِ النَّارِ فِيهَا وَلَا حِنْطَةٌ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا وَلَا بِمَا فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهَا ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَبِّ بِالنُّخَالَةِ وَالْحَبِّ الْمُسَوَّسِ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ لِبٌّ أَصْلًا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِرِبَوِيَّيْنِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ التَّمْرِ بِطَلْعِ الذُّكُورِ دُونَ طَلْعِ الْإِنَاثِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ .
وَأَمَّا طَلْعُ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ ( بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ ) الَّتِي لَا دُهْنَ فِيهَا ( حَبًّا ) لِتَحَقُّقِهَا فِيهِمَا وَقْتَ الْجَفَافِ ( وَ ) تُعْتَبَرُ ( فِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ ) بِكَسْرِ السِّينَيْنِ ( حَبًّا أَوْ دُهْنًا ) أَوْ كُسْبًا خَالِصًا مِنْ دُهْنِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِمِثْلِهِ وَالشَّيْرَجِ بِمِثْلِهِ وَالْكُسْبِ بِمِثْلِهِ .
وَأَمَّا كُسْبُ غَيْرِ السِّمْسِمِ وَاللَّوْزِ الَّذِي لَا يَأْكُلُهُ إلَّا الْبَهَائِمُ : كَكُسْبِ الْقُرْطُمِ أَوْ أَكْلُ الْبَهَائِمِ لَهُ أَكْثَرُ فَلَيْسَ بِرِبَوِيٍّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَلَيْسَ لِلطَّحِينَةِ قَبْلَ اسْتِخْرَاجِ الدُّهْنِ حَالَةُ كَمَالٍ ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِ كُسْبٍ وَدُهْنٍ بِدُهْنٍ ، وَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ ، وَالْكُسْبُ الْخَالِصُ وَالشَّيْرَجُ جِنْسَانِ ، وَالْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَاللِّينُوفَرِ كُلُّهَا
مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ السِّمْسِمِ فَيُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إنْ رُبِّيَ بِالطِّيبِ سِمْسِمُ الدُّهْنِ بِأَنْ طُرِحَ فِي الطِّيبِ ثُمَّ اُسْتُخْرِجَ دُهْنُهُ فَإِنْ اُسْتُخْرِجَ دُهْنُهُ ثُمَّ طُرِحَ فِيهِ أَوْرَاقُهَا فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهَا بِهَا يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ ( وَ ) تُعْتَبَرُ ( فِي الْعِنَبِ ) وَالرُّطَبِ ( زَبِيبًا ) وَتَمْرًا ( أَوْ خَلَّ عِنَبٍ ) وَرُطَبٍ ( وَكَذَا الْعَصِيرُ ) أَيْ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ ، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِمِثْلِهِ ، وَكَذَا بَيْعُ عَصِيرِهِ بِخَلِّهِ مُتَمَاثِلًا عَلَى الْأَصَحِّ .
وَأَمَّا بَيْعُ الْخَلِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ، فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ حَالَتَا كَمَالٍ فَأَكْثَرُ .
وَالثَّانِي : لَيْسَ لِلْعَصِيرِ حَالَةُ كَمَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ ، وَمِثْلُ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ عَصِيرُ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ الثِّمَارِ ، وَكَذَا عَصِيرُ قَصَبِ السُّكَّرِ ، وَالْمِعْيَارُ فِي الدُّهْنِ وَالْخَلِّ وَالْعَصِيرِ الْكَيْلُ .
وَفِي اللَّبَنِ لَبَنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا ، وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ .
( وَ ) تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ ( فِي اللَّبَنِ لَبَنًا ) خَالِصًا غَيْرَ مَشُوبٍ بِمَاءٍ أَوْ إنْفَحَةٍ أَوْ مِلْحٍ وَغَيْرَ مَغْلِيٍّ بِالنَّارِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ، فَيُبَاعُ الْحَلِيبُ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ بَعْدَ سُكُونِ رَغْوَتِهِ وَالرَّائِبُ بِمِثْلِهِ وَالرَّائِبُ بِالْحَلِيبِ كَيْلًا ، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِ مَا يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ الْخَاثِرِ أَكْثَرُ وَزْنًا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ بِالْكَيْلِ كَالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ ( أَوْ سَمْنًا ) خَالِصًا مُصَفًّى بِشَمْسٍ أَوْ نَارٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّارِ تَأْثِيرَ انْعِقَادٍ وَنُقْصَانٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا عَلَى النَّصِّ ، وَقِيلَ كَيْلًا ، وَقِيلَ وَزْنًا إنْ كَانَ جَامِدًا وَكَيْلًا إنْ كَانَ مَائِعًا قَالَهُ الْبَغَوِيّ .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ : وَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ ا هـ .
وَاسْتُحْسِنَ التَّوَسُّطُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَالَ شَيْخُنَا : وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّبَنَ يُكَالُ مَعَ أَنَّهُ مَائِعٌ ا هـ .
وَلَا تَأْيِيدَ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ أَصْلُهُ مَائِعٌ فَأُجْرِيَ فِيهِ الْكَيْلُ ، وَالسَّمْنَ أَصْلُهُ جَامِدٌ فَأُجْرِيَ فِيهِ الْوَزْنُ ، وَإِنَّمَا يُؤَيِّدُهُ لَوْ فَرَّقَ فِي اللَّبَنِ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْخَاثِرِ بَلْ قَالُوا بِالْكَيْلِ مُطْلَقًا لِمَا قُلْنَاهُ ، وَلَا يُبَاعُ زُبْدٌ بِزُبْدٍ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ اللَّبَنِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ ، فَإِنْ قِيلَ بَيْعُ اللَّبَنِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زُبْدٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّفَةَ مُمْتَزِجَةٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا ، وَخَالَفَهُ الْعَسَلُ بِشَمْعِهِ لِامْتِيَازِ الْعَسَلِ عَنْ الشَّمْعِ ، وَلَا يُبَاعُ زُبْدٌ بِسَمْنٍ وَالْأَسْمَانُ أَجْنَاسٌ كَالْأَلْبَانِ ( أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا ) أَيْ خَالِصًا عَنْ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ كَامِلَةٌ ، وَالْمَخِيضُ مَا نُزِعَ زُبْدُهُ وَيُبَاعُ بِمِثْلِهِ وَبِالثَّمَنِ وَبِالزُّبْدِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَسِيرٌ لَا يَكُونُ
كَامِلًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
قَالَ : وَهَكَذَا الْحَلِيبُ وَسَائِرُ الْأَلْبَانِ ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَخِيضِ الصَّرْفُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ زُبْدٌ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ لَمْ يُبَعْ بِمِثْلِهِ وَلَا بِزُبْدٍ وَلَا بِسَمْنٍ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ ، فَإِنْ قِيلَ اللَّبَنُ جِنْسٌ يَنْقَسِمُ إلَى مَخِيضٍ وَحَلِيبٍ وَرَائِبٍ فَلَا يَحْسُنُ جَعْلُ الْمَخِيضِ قَسِيمًا لِلَّبَنِ بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ خَلْطَ الْمَخِيضِ بِالْمَاءِ عَطَفَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قِسْمًا مِنْهُ ، وَقَيَّدَهُ بِالْخَالِصِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مُقَيَّدًا بِهِ أَيْضًا كَمَا قَدَّرْتُهُ ( وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ ) أَيْ بَاقِيهَا ( كَالْجُبْنِ ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبِضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ وَبِدُونِهِ ( وَالْأَقِطِ ) وَالْمَصْلُ وَالزُّبْدُ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مُخَالَطَةِ شَيْءٍ فَالْجُبْنُ يُخَالِطُهُ الْإِنْفَحَةُ ، وَالْأَقِطُ يُخَالِطُهُ الْمِلْحُ ، وَالْمَصْلُ يُخَالِطُهُ الدَّقِيقُ ، وَالزُّبْدُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَخِيضٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بِبَعْضٍ ، وَلَا يُبَاعُ الزُّبْدُ بِالسَّمْنِ وَلَا اللَّبَنُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالسَّمْنِ الْمَخِيضِ .
وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ ، وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ .
( وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ ) ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ لَا غَايَةَ لَهُ فَيُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ حَبًّا كَانَ كَالسِّمْسِمِ أَوْ غَيْرِهِ كَاللَّحْمِ وَفِيمَا أَثَّرَتْ فِيهِ بِالْعَقْدِ كَالدِّبْسِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ ، وَهُوَ عَسَلُ الْقَصَبِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِمَا ذُكِرَ ، وَالثَّانِي يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ قِيَاسًا عَلَى صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضِيقِ بَابِ الرِّبَا ، وَاحْتُرِزَ بِكَوْنِ التَّأْثِيرِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الْحَرَارَةِ كَالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَعَنْ تَأْثِيرِ التَّمْيِيزِ كَمَا قَالَ : ( وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ ) وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَإِنَّ النَّارَ فِي الْعَسَلِ لِتَمْيِيزِ الشَّمْعِ وَفِي السَّمْنِ لِتَمْيِيزِ اللَّبَنِ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِتَمْيِيزِ الْغِشِّ ، وَهِيَ لَطِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهَا عَقَدَتْهُ امْتَنَعَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ .
أَمَّا قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَسَلِ بِشَمْعِهِ بِمِثْلِهِ وَلَا بِصَافٍ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا جَازَ كَبَيْعِ التَّمْرِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَفِيهِ النَّوَى .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّوَى غَيْرُ مَقْصُودِ بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ ( وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ ) أَيْ الْبَيْعَةُ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُصَفِّقُ يَدَهُ عَلَى يَدِ الْآخَرِ فِي عَادَةِ الْعَرَبِ جِنْسًا ( رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) ، وَلَيْسَ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ ( وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ ) أَيْ جِنْسُ الْمَبِيعِ ( مِنْهُمَا ) جَمِيعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِنْسَيْنِ
رِبَوِيَّيْنِ اشْتَمَلَ الْآخِرُ عَلَيْهِمَا ( كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ ) مِنْ عَجْوَةٍ ( وَدِرْهَمٍ ، وَ ) كَذَا لَوْ اشْتَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ ( كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ ) أَوْ اشْتَمَلَا جَمِيعُهُمَا عَلَى جِنْسٍ رِبَوِيٍّ وَانْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فِيهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ .
أَوْ النَّوْعُ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَبَاطِلَةٌ .
( أَوْ ) اخْتَلَفَ ( النَّوْعُ ) أَيْ نَوْعُ الْمَبِيعِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَصْفَ ، بِأَنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ الْحَقِيقِيُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا ، بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ عَلَى نَوْعَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا كَمُدِّ تَمْرٍ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ بِمُدِّ تَمْرٍ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمُدٍّ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ بِمُدَّيْ صَيْحَانِيٍّ أَوْ بَرْنِيِّ ، أَوْ اخْتَلَفَ الْوَصْفُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ عَلَى وَصْفَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا ( كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ ) تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ ( بِهِمَا ) أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ أَوْ جَيِّدَةٍ وَرَدِيئَةٍ بِجَيِّدَةٍ وَرَدِيئَةٍ ( أَوْ بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ أَوْ بِجَيِّدَةٍ فَقَطْ أَوْ رَدِيئَةٍ فَقَطْ ( فَبَاطِلَةٌ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ .
وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ { أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ } ، وَفِي رِوَايَةٍ { لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ } وَاسْتُدِلَّ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ، بِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ مَا فِي الْآخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي بَيْعِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ وَسَيْفٍ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَالسَّيْفِ خَمْسُونَ ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ ، وَالتَّوْزِيعُ هُنَا يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ
مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلُهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فَالْمُدُّ ثُلُثَا طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ أَوْ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَالْمُدُّ ثُلُثُ طَرَفِهِ ، فَيُقَابِلُهُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ فَتَلْزَمُ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلُهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ وَهُوَ تَخْمِينٌ قَدْ يَخْطَأُ .
فَإِنْ قِيلَ : يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الصُّلْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِينَارًا ذَهَبًا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا فِي الصُّلْحِ ، وَتَعَدُّدُ الْعَقْدِ هُنَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَاتِّحَادِهِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِهِ بِتَفْصِيلِ الْعَقْدِ ، بِأَنْ جَعَلَ فِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهِمَا الْمُدَّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ أَوْ الدِّرْهَمِ ، وَالدِّرْهَمَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ أَوْ الْمُدِّ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِي جِنْسًا مَا لَوْ لَمْ يَشْتَمِلْ أَحَدُ جَانِبَيْ الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَبَيْعِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ بِصَاعِ بُرٍّ وَصَاعِ شَعِيرٍ أَوْ بِصَاعَيْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ ، وَبَيْعِ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَآخَرَ مُكَسَّرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ بَرْنِيِّ وَصَاعٍ مَعْقِلِيٍّ أَوْ بِصَاعَيْنِ بَرْنِيِّ أَوْ مَعْقِلِيٍّ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَقَوْلُهُ رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ : أَيْ وَلَوْ كَانَ الرِّبَوِيُّ ضِمْنًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَبَيْعِ سِمْسِمٍ بِدُهْنِهِ فَيَبْطُلُ لِوُجُودِ الدُّهْنِ فِي جَانِبٍ حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ضِمْنًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبَيْعِ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ فَيَصِحُّ ، وَبِلَيْسَ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ مَا إذَا كَانَ تَابِعًا كَبَيْعِ حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ يَسِيرَةٌ بِحَيْثُ لَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهَا لِتُسْتَعْمَلَ وَحْدَهَا ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ صَاعَ بُرٍّ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ مُخْتَلِطًا بِمِثْلِهِ ،
فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ ، إذْ الْمُتَوَزِّعُ شَرْطُهُ التَّمْيِيزُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَثُرَتْ حَبَّاتُ الْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ أَنَّ الْحَبَّاتِ إذَا كَثُرَتْ فِي الْجِنْسِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ بِخِلَافِ النَّوْعِ .
وَكَبَيْعِ دَارٍ فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ عَذْبٍ بِمِثْلِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ عِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْقَصْدِ إلَيْهِ غَالِبًا .
وَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ كَوْنَهُ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ اُغْتُفِرَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ ، وَبِنَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ مَا لَوْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهَا فَلَا بُطْلَانَ .
وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَقَدْ ظَهَرَ بِهَا مَعْدِنُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لَمْ يَصِحَّ لَلرِّبَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مَقْصُودٌ بِالْمُقَابَلَةِ ، فَلَوْ ظَهَرَ بِهَا الْمَعْدِنُ بَعْدَ الشِّرَاءِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالدَّارِ خَاصَّةٌ .
فَإِنْ قِيلَ لَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْمُفْسِدِ فِي بَابِ الرِّبَا .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي غَيْرِ التَّابِعِ .
وَأَمَّا فِي التَّابِعِ فَقَدْ يُتَسَامَحُ بِجَهْلِهِ .
وَالْمَعْدِنُ مِنْ تَوَابِعِ الْأَرْضِ كَالْحَمْلِ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَنَعُوا بَيْعَ ذَاتِ لَبَنٍ بِذَاتِ لَبَنٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ كَهُوَ فِي الْإِنَاءِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ ، وَبِأَنَّ ذَاتَ اللَّبَنِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا اللَّبَنُ ، وَالْأَرْضُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَعْدِنَ .
وَإِذَا
عَرَفْتَ هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أُمُورٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا تَشْحِينًا لِلذِّهْنِ .
أَحَدُهَا قَوْلُهُ وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ ، خَرَجَ بِهَا مَا إذَا تَعَدَّدَتْ ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ دُونَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ .
ثَانِيهَا : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ جِنْسًا قَبْلَ قَوْلِهِ رِبَوِيًّا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ .
لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ ذَهَبًا وَفِضَّةً بِحِنْطَةٍ فَقَطْ أَوْ بِشَعِيرٍ فَقَطْ أَوْ بِهِمَا .
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ دُخُولِهِ فِي الضَّابِطِ .
ثَالِثُهَا : قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا لَيْسَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ الرِّبَوِيَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَّحِدٌ كَمَا مَرَّ .
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَبِيعِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الرِّبَوِيِّ جِنْسٌ آخَرُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ مِثَالِهِ .
فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَبِيعُ جِنْسًا لَاسْتَقَامَ .
رَابِعُهَا : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ مِنْهُمَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِالْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدَّيْنِ .
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوْعِ وَلَا فَرْقَ فَحَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ .
خَامِسُهَا : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ الْآخَرُ مَقْصُودًا لِيَخْرُجَ التَّابِعُ لِلْمَقْصُودِ كَمَا مَرَّ .
سَادِسُهَا : تَمْثِيلُهُ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ رِبَوِيًّا ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا فَرْقَ فِي الْجِنْسِ الْمَضْمُومِ إلَى الرِّبَوِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا أَيْضًا أَمْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ .
سَابِعُهَا : تَمْثِيلُهُ لِاخْتِلَافِ النَّوْعِ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فِيهِ تَجَوُّزٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ صِفَةٍ لَا اخْتِلَافُ نَوْعٍ فَمُرَادُهُ بِالنَّوْعِ
مَا لَيْسَ بِجِنْسٍ لِيَشْمَلَ النَّوْعَ وَالصِّفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَصِحَّ الْمِثَالُ .
ثَامِنُهَا : أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ .
وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْمُكَسَّرِ عَنْ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ .
تَاسِعُهَا : لَا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ ، فَلَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ رَدِيءٍ وَجَيِّدٍ مُخْتَلِطَيْنِ بِمِثْلِهِ أَوْ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ جَازَ كَمَا مَرَّ ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَلَطَ الصِّحَاحَ بِالْمُكَسَّرَةِ .
فُرُوعٌ : يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ وَزْنًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قِشْرُهُمَا ، وَسَيَأْتِي فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَيَجُوزُ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ وَلُبِّ اللَّوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَنَعُوا بَيْعَ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِ كَمَالِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَنْزُوعَ النَّوَى أَسْرَعُ فَسَادًا مِنْ لُبِّهِمَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ مَعَ قِشْرِهِ بِالْبَيْضِ كَذَلِكَ وَزْنًا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا جَازَ جُزَافًا .
وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ ، وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالشَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالْكُلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْأَلْيَةِ ( بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ ) كَبَيْعِ لَحْمِ ضَأْنٍ بِضَأْنٍ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ ) كَبَيْعِ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالضَّأْنِ وَلَحْمِ السَّمَكِ بِالشَّاةِ وَلَحْمِ الشَّاةِ بِالْبَعِيرِ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَأْكُولٍ كَبَيْعِ لَحْمِ ضَأْنٍ بِحِمَارٍ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ الشَّاةُ بِاللَّحْمِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ : إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، .
وَنَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا ، وَأَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَمَةَ السَّاعِدِيِّ ، وَمُقَابِل الْأَظْهَرِ الْجَوَازُ .
أَمَّا فِي الْمَأْكُولِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ ، فَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ .
وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَوُجِّهَ بِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا .
أَمَّا بَيْعُ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ فَيَصِحُّ بَعْدَ دَبْغِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ .
خَاتِمَةٌ : يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ حُلِبَ لَبَنُهَا فَإِنْ بَقِيَ فِيهَا لَبَنٌ بِقَصْدِ حَلْبِهِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ بَاعَ ذَاتَ لَبَنٍ مَأْكُولَةٍ بِذَاتِ لَبَنٍ كَذَلِكَ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّمْرُ فِي مُقَابَلَتِهِ فِي الْمُصَرَّاةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيَّاتِ ذَوَاتِ اللَّبَنِ .
فَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّاشِيِّ الْجَوَازُ فِيهَا ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةَ فِي الضَّرْعِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ .
وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ ، فَإِنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ .
وَلِهَذَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ بَاعَ لَبَنَ بَقَرَةٍ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا مَرَّ .
أَمَّا بَيْعُ ذَاتِ
لَبَنٍ بِغَيْرِ ذَاتِ لَبَنٍ فَصَحِيحٌ وَبَيْعُ بَيْضٍ بِدَجَاجَةٍ كَبَيْعِ لَبَنٍ بِشَاةٍ .
فَإِنْ كَانَ فِي الدَّجَاجَةِ بَيْضٌ وَالْبَيْضُ الْمَبِيعُ بَيْضُ دَجَاجَةٍ لَمْ يَصِحَّ .
وَالْأَصَحُّ ، وَبَيْعُ دَجَاجَةٍ فِيهَا بَيْضٌ بِدَجَاجَةٍ كَذَلِكَ بَاطِلٌ كَبَيْعِ ذَاتِ لَبَنٍ بِمِثْلِهَا .
بَابُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ ، وَهُوَ ضِرَابُهُ ، وَيُقَالُ : مَاؤُهُ ، وَيُقَالُ : أُجْرَةُ ضِرَابِهِ ، فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ ، وَكَذَا أُجْرَتُهُ فِي الْأَصَحِّ .
بَابٌ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا ، وَالْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا قِسْمَانِ : فَاسِدٌ لِاخْتِلَالِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ وَهُوَ الْمُصَدَّرُ بِهِ ، وَغَيْرُ فَاسِدٍ لِكَوْنِ النَّهْيِ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي ، وَتَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ فِي الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ الْمَعْرُوفَةِ ، وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ يَبِعْهُ مَالِكُ الطَّعَامِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ شِرَاءً فَاسِدًا إنْ أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدٍ مِنْهَا ، فَقَالَ ( { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ ) } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَهُوَ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ( ضِرَابُهُ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ طُرُوقُ الْفَحْلِ لِلْأُنْثَى .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ( وَيُقَالُ مَاؤُهُ ) وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَعَلَيْهِمَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ فِي الْحَدِيثِ لِيَصِحَّ النَّهْيُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَسْبِ وَهُوَ الضِّرَابُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّهْيُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْإِعَارَةُ لَهُ مَحْبُوبَةٌ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ أُجْرَةُ عَسْبِ الْفَحْلِ ، وَعَلَى الثَّانِي ثَمَنُ مَائِهِ ( وَيُقَالُ أُجْرَةُ ضِرَابِهِ ) وَرَجَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي : أَيْ إنَّهُ نَهَى عَنْ بَذْلِ ذَلِكَ وَأَخْذِهِ .
فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ مُقَدَّرَةٌ ، وَعَلَى الثَّالِثِ ظَاهِرَةٌ .
وَهَذَا كَافٍ فِي الْفَرْقِ ( فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي النَّهْيِ مِنْ التَّحْرِيمِ ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورِ
التَّسْلِيمِ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( أُجْرَتُهُ فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا ذُكِرَ ، وَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الضِّرَابِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ الْفَحْلِ ، وَالثَّانِي يَجُوزُ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَجِيرَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَيْنٌ حَتَّى لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ ، وَهَهُنَا الْمَقْصُودُ الْمَاءُ وَالْمُؤَجِّرُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِمَالِكِ الْأُنْثَى أَنْ يُعْطِيَ مَالِكَ الْفَحْلِ شَيْئًا هَدِيَّةً ، وَإِعَارَتُهُ لِلضِّرَابِ مَحْبُوبَةٌ كَمَا مَرَّ .
وَعَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ ، وَهُوَ نَتَاجُ النَّتَاجِ بِأَنْ يَبِيعَ نَتَاجَ النَّتَاجِ أَوْ بِثَمَنٍ إلَى نَتَاجِ النَّتَاجِ .
( وَ ) الثَّانِي مِنْهَا النَّهْيُ ( عَنْ ) بَيْعِ ( حَبَلِ الْحَبَلَةِ ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَهُوَ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَغَلِطَ مَنْ سَكَّنَهَا ( نَتَاجُ النَّتَاجِ بِأَنْ يَبِيعَ نَتَاجَ النَّتَاجِ ) هَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ ( أَوْ ) يَبِيعَ شَيْئًا ( بِثَمَنٍ إلَى نَتَاجِ النَّتَاجِ ) وَهَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ جَهَالَةُ الْأَجَلِ .
تَنْبِيهٌ : الْحَبَلَةُ جَمْعُ حَابِلٍ ، وَقِيلَ هُوَ مُفْرَدٌ وَهَاؤُهُ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ إطْلَاقُ الْحَبَلِ عَلَى الْبَهَائِمِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى قِيلَ : إنَّهُ لَا يُقَالُ لِغَيْرِهِنَّ إلَّا فِي الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ الْحَمْلُ بِالْمِيمِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَصْدَرٌ ، وَالْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَحْبُولُ بِهِ ، وَالنَّتَاجُ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الَّذِي يَتَلَفَّظُ بِهِ الْفُقَهَاءُ .
يُقَالُ : نُتِجَتْ النَّاقَةُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ .
وَعَنْ الْمَلَاقِيحِ وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ .
( وَ ) الثَّالِثُ مِنْهَا النَّهْيُ ( عَنْ ) بَيْعِ ( الْمَلَاقِيحِ ) جَمْعُ مَلْقُوحٍ ، وَهُوَ لُغَةً جَنِينُ النَّاقَةِ خَاصَّةً ، وَشَرْعًا : أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ ) مِنْ الْأَجِنَّةِ .
وَالْمَضَامِينِ وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ .
( وَ ) الرَّابِعُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ ( الْمَضَامِينِ ) جَمْعُ مَضْمُونٍ كَمَجَانِينَ جَمْعُ مَجْنُونٍ أَوْ مِضْمَانٍ كَمَفَاتِيحَ جَمْعُ مِفْتَاحٍ ( وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ ) مِنْ الْمَاءِ .
رَوَى النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهِمَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا وَالْبَزَّارُ مُسْنَدًا ، وَبُطْلَانُ بَيْعِهِمَا لِانْتِفَاءِ الشُّرُوطِ .
وَالْمُلَامَسَةِ بِأَنْ يَلْمَسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ أَوْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ .
( وَ ) الْخَامِسُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ ( الْمُلَامَسَةِ ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( بِأَنْ يَلْمَسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ) أَوْ فِي ظُلْمَةٍ ( ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ ) اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ ( أَوْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ ) اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ عَنْ الصِّيغَةِ ، وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَعَدَمُ الصِّيغَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي .
وَالْمُنَابَذَةِ بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا .
( وَ ) السَّادِسُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ ( الْمُنَابَذَةِ ) بِالْمُعْجَمَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَالنَّبْذُ الطَّرْحُ وَالْإِلْقَاءُ .
قَالَ تَعَالَى : { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } ( بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا ) اكْتِفَاءً بِهِ عَنْ الصِّيغَةِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : أَنْبِذُ إلَيْكَ ثَوْبِي بِعَشْرَةٍ فَيَأْخُذُهُ الْآخَرُ ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فَقْدُ الصِّيغَةِ ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَاطَاةِ ، فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قَرِينَةِ الْبَيْعِ هِيَ الْمُعَاطَاةُ بِعَيْنِهَا .
هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قِيلَ : إنَّ النَّصَّ عَلَى الْمَنْعِ هُنَا نَصٌّ عَلَى إبْطَالِ الْمُعَاطَاةِ .
وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ قَالَ : لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ فِعْلٌ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْبَيْعِ حَتَّى كَأَنَّهُ وُضِعَ عُرْفًا لِذَلِكَ ، وَهَذَا مَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِقَوْلِهِ : إذَا نَبَذْت فَقَدْ بِعْت ، وَحَالَةَ النَّبْذِ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ وَلَا قَرِينَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْمُعَاطَاةِ ا هـ .
أَوْ يَقُولُ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي إذَا نَبَذْته إلَيْكَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي ذَلِكَ وُجُودُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ .
وَبَيْعِ الْحَصَاةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ أَوْ يَجْعَلَا الرَّمْيَ بَيْعًا ، أَوْ بِعْتُكَ وَلَك الْخِيَارُ إلَى رَمْيِهَا .
( وَ ) السَّابِعُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ ( بَيْعِ الْحَصَاةِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ ) أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إلَى مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ ( أَوْ يَجْعَلَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ ( الرَّمْيَ ) لَهَا ( بَيْعًا ) بِأَنْ يَقُولَ إذَا رَمَيْتَ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَقَدْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا ( أَوْ ) يَجْعَلَاهُ قَاطِعًا لِلْخِيَارِ بِأَنْ يَقُولَ ( بِعْتُكَ وَلَك ) أَوْ لِي أَوْ لِغَيْرِهِمَا ( الْخِيَارُ إلَى رَمْيِهَا ) وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي الْأَوَّلِ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَفِي الثَّانِي فِقْدَانُ الصِّيغَةِ ، وَفِي الثَّالِثِ الْجَهْلُ بِمُدَّةِ الْخِيَارِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَجُوزُ عَطْفُ الثَّالِثِ عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمَا مَعْمُولَانِ لِقَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى الثَّانِي أَوْ يَزِيدَ لَفْظَةً يَقُولُ كَمَا قَدَّرْتُهَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ .
وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا ، وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ .
( وَ ) الثَّامِنُ مِنْهَا النَّهْيُ ( عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ ) هَذَا ( بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ ) فَخُذْ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ أَنْتَ أَوْ شِئْتُ أَنَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِلْجَهَالَةِ ( أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا ) أَوْ تَشْتَرِيَ دَارِي مِنِّي بِكَذَا ( وَ ) عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلنَّهْيِ ( عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ) رَوَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَذَلِكَ ( كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ ) كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) بِشَرْطِ ( قَرْضٍ ) كَأَنْ يَبِيعَهُ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ وَرَفَقَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ ثَمَنًا .
وَاشْتِرَاطُ الْعَقْدِ الثَّانِي فَاسِدٌ فَبَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى يَفْرِضَ التَّوْزِيعَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَاقِي فَبَطَلَ الْعَقْدُ ، وَلَوْ عَقَدَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَمْ يَصِحَّ إنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا بُطْلَانَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَاهُ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، فَإِنْ عَلِمَا فَسَادَ الْأَوَّلِ صَحَّ ، وَسَبَبُ فَسَادِ الشَّرْطِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إنَّ انْضِمَامَ الشَّرْطِ إلَى الْبَيْعِ يَبْقَى عَلَقَةً بَعْدَ الْبَيْعِ يَثُورُ بِسَبَبِهَا مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَبَطَلَ : أَعْنِي الشَّرْطَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ لِمَعْنًى كَمَا سَيَأْتِي .
وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ أَوْ ثَوْبًا وَيَخِيطَهُ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ ، وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ بِشَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرِ أَوْ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيِّنَاتِ لِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ
تَنْبِيهٌ قَالَ : اشْتَرَيْتُهُ بِعَشْرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَصْدِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَ وَآجَرْتُك ( وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ ) بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا أَوْ وَيَحْصُدُهُ الْبَائِعُ ( أَوْ ثَوْبًا ) بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ أَوْ ( وَيَخِيطَهُ ) الْبَائِعُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ( فَالْأَصَحُّ ) مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثَةٍ ( بُطْلَانُهُ ) أَيْ الشِّرَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ عَمَلٍ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي الْآنَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ يَبْطُلُ ، وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِلَفْظِ الشَّرْطِ فِي الْمِثَالَيْنِ ، فَقَالَ : أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَعَدَلَ إلَى مَا ذَكَرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى فَائِدَةٍ نَفِيسَةٍ ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالشَّرْطِ أَوْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى صُورَةِ الْإِخْبَارِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، فَقَالَ : وَسَوَاءٌ قَالَ : بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ أَوْ وَتَحْصُدُهُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي الطَّرِيقَانِ ا هـ .
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ إلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ قَالَ : اشْتَرَيْته بِعَشْرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُك لِحَصْدِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ ، بِأَنْ قَالَ : بِعْتُكَ وَآجَرْتُك صَحَّ الْبَيْعُ دُونَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ الْمَالِكِ لِمَحَلِّ الْعَمَلِ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِالْعَشَرَةِ فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْبَيْعِ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَوْ اشْتَرَى حَطَبًا مَثَلًا عَلَى دَابَّةٍ بِشَرْطِ إيصَالِهِ مَنْزِلَهُ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ عَرَفَ
مَنْزِلَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ صَحَّ ، وَلَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَنْزِلَهُ وَإِنْ اُعْتِيدَ بَلْ يُسَلِّمُهُ لَهُ فِي مَوْضِعِهِ ( وَيُسْتَثْنَى ) مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ( صُوَرٌ ) تَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي ( كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ بِشَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرِ ) وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا ( أَوْ ) بِشَرْطِ ( الْأَجَلِ ) فِي عَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ كَالرِّبَوِيَّاتِ ( وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيِّنَاتِ لِثَمَنٍ ) أَوْ مَبِيعٍ ( فِي الذِّمَّةِ ) أَمَّا الْأَجَلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أَيْ مُعَيَّنٍ .
نَعَمْ التَّأْجِيلُ بِمَا يُسْتَبْعَدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ فَاسِدٌ كَمَا قَالَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَأَمَّا الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ فَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ لَا يَرْضَى إلَّا بِهِمَا وَالتَّعْيِينُ فِي الرَّهْنِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ بِصِفَاتِ السَّلَمِ ، وَفِي الْكَفِيلِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَمُوسِرٍ ثِقَةٍ ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِهِ وَقَالَ : إنَّهُ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحْرَارَ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُمْ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ ، فَإِنَّهُ مَالٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ، وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الضَّامِنُ رَقِيقًا .
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ غَيْرَ الْمَبِيعِ ، فَإِنْ شَرَطَا رَهْنَهُ لَمْ يَصِحَّ ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ أَمْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الشَّرْطِ ، فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ صَحَّ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : الْمُعَيَّنَاتُ إلَى تَعْيِينِ الثَّلَاثَةِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : الْمُعَيَّنَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْعَاقِلِ ، وَهُوَ
الْكَفِيلُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ : بِعِوَضٍ حَتَّى يَشْمَلَ الْمَبِيعَ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت مِنْك صَاعًا فِي ذِمَّتُك بِصِفَةِ كَذَا فَيَصِحُّ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ ، وَخَرَجَ بِقَيْدٍ فِي الذِّمَّةِ الْمُعَيَّنُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَهَا إلَيَّ وَقْتَ كَذَا أَوْ تَرْهَنَ بِهَا كَذَا أَوْ يَضْمَنُك بِهَا فُلَانٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ رِفْقٌ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَقِّ وَالْمُعَيَّنُ حَاصِلٌ ، فَشَرْطُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَعَهُ وَاقِعٌ فِي غَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ ، وَأَمَّا صِحَّةُ ضَمَانِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ فَمَشْرُوطٌ بِقَبْضِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَبِالثَّمَنِ ، وَالْمَبِيعُ مَا لَوْ شُرِطَ رَهْنًا أَوْ ضَامِنًا بِدَيْنٍ آخَرَ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَقْصُودٌ لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ ، وَلَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْكَفِيلَ مَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَنْ يَتَضَامَنَا ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْوَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ شُرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَصْلَحَةِ عَقْدِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ .
وَالْإِشْهَادِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الْمُعَيَّنُ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ .
( وَ ) بِشَرْطِ ( الْإِشْهَادِ ) عَلَى الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ سَوَاءٌ الْمُعَيَّنُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثُبُوتُ الْحَقِّ ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِأَيِّ عُدُولٍ كَانُوا .
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَيَّنَهُمْ لَمْ يَتَعَيَّنُوا ، وَلَا خِيَارَ لِمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ إذَا امْتَنَعُوا فَيَجُوزُ إبْدَالُهُمْ بِمِثْلِهِمْ أَوْ فَوْقَهُمْ فِي الصِّفَاتِ ( فَإِنْ لَمْ ) يَشْهَدْ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ لَمْ ( يَرْهَنْ ) مَا شُرِطَ رَهْنُهُ كَأَنْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ أَوْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ بَانَ مَعِيبًا قَبْلَ الْقَبْضِ ( أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الْمُعَيَّنُ ) كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ ( فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ ) إنْ شُرِطَ لَهُ ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ إذَا فَاتَ الْمَشْرُوطُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ لِفَوَاتِ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ نَقْصٍ ، وَلَا يُجْبَرُ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا شَرَطَ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ إذَا تَلِفَ وَلَا خِيَارَ لَهُ إنْ تَعَيَّبَ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا إنْ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ جَهِلَهُ ، كَرِدَّةٍ وَسَرِقَةٍ سَابِقَيْنِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ بِمَرَضٍ سَابِقٍ ، وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْكَفِيلِ بِإِعْسَارٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَفَّلَ ، أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَهُ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالرَّهْنِ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَرْهُونِ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أَمْكَنَهُ رَدُّ الْمَرْهُونِ كَمَا أَخَذَهُ .
نَعَمْ إنْ كَانَ الْهَلَاكُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَأَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ ، فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ .
( وَلَوْ بَاعَ ) رَقِيقًا ( عَبْدًا ) أَوْ أَمَةً ( بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ ) مُطْلَقًا أَوْ عَنْ الْمُشْتَرِي ( فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ ) لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَ مَوَالِيهَا أَنْ تَعْتِقَهَا وَيَكُونَ وَلَاؤُهَا لَهُمْ ، فَلَمْ يُنْكِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا شَرْطَ الْوَلَاءِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ } .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحَّانِ كَمَا لَوْ شُرِطَ بَيْعُهُ أَوْ هِبَتُهُ .
وَالثَّالِثُ : يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا فِي النِّكَاحِ .
أَمَّا إذَا شَرَطَ إعْتَاقَهُ عَنْ الْبَائِعِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ ، وَخَرَجَ بِإِعْتَاقِ الْمَبِيعِ شَرْطُ إعْتَاقِ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ وَشُرِطَ إعْتَاقُ بَعْضِهِ .
نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْمِقْدَارَ الْمَشْرُوطَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الصِّحَّةُ ، وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِشَرْطِ إعْتَاقِ ذَلِكَ الْبَعْضِ صَحَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَهْجَةِ كَالْحَاوِي .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ إعْتَاقَهُ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ إعْتَاقِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَيَكُونُ شَرْطُهُ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ شِرَاءَ مَنْ أُقِرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ا هـ .
وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ( وَالْأَصَحُّ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ ) ، وَإِنْ قُلْنَا
الْحَقُّ فِيهِ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَالْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ ؛ لِأَنَّهُ لُزِمَ بِاشْتِرَاطِهِ ، وَيُثَابُ عَلَى شَرْطِهِ فَلَهُ غَرَضٌ فِي تَحْصِيلِهِ ، وَلِذَلِكَ قَدْ يُتَسَامَحُ فِي الثَّمَنِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلِمَ لَا يُقَالُ لِلْآحَادِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ حِسْبَةً ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ أَوْ جُنُونِهِ .
وَالثَّانِي : لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
فَإِنْ قُلْنَا : الْعِتْقُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ ، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ قَطْعًا وَلَوْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّهُ سَقَطَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْإِعْتَاقِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي ، وَقِيلَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْتِقَهُ .
أَمَّا إذَا قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبِرْهُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْحَاكِمُ عَنْهُ فَالْوَلَاءُ لَهُ ، وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ ، وَلِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْعِتْقِ اسْتِخْدَامُهُ وَأَكْسَابُهُ وَقِيمَتُهُ إنْ قُتِلَ وَلَا يُكَلَّفُ صَرْفَهَا إلَى عِتْقِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الْأَصَحِّ ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْإِعْتَاقِ بَلْ عَلَيْهِ إعْتَاقُهَا وَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ وَلَوْ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ ، وَلَا الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَوْ جَنَى قَبْلَ إعْتَاقِهِ لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْبَائِعُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ بِجِهَةِ الشَّرْطِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِهَا كَمَا لَا يُعْتَقُ الْمَنْذُورُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ فَوْرًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا
طَلَبَهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ أَوْ الْبَائِعُ أَوْ ظَنَّ فَوَاتَهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ، فَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ ، هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ مَنْ اسْتَوْلَدَهَا .
أَمَّا مَنْ اسْتَوْلَدَهَا فَيَنْبَغِي أَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ : إنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ ، إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُ الْعِتْقِ ، لَا أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ مَا أَمْكَنَ ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَعِتْقُهَا بِمَوْتِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ نَأْمُرَ الْوَارِثَ لِيُعْتِقَهَا ، وَلَوْ شَرَطَ عِتْقَ حَامِلٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْوِلَادَةِ .
وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ .
( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ ) أَيْ الْبَائِعُ ( أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ ) أَوْ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ ( أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ ) مَثَلًا ( لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِمُخَالَفَتِهِ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ .
وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ " بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وَشَرْطُ الْوَلَاءِ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ .
وَأَمَّا فِي الْبَاقِي : فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ مَا تَشَوَّفَ إلَيْهِ الشَّارِعُ مِنْ الْعِتْقِ النَّاجِزِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَاشْتِرَاطُ الْوَقْفِ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : مَعَ الْعِتْقِ عَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَلَاءَ فَقَطْ بِأَنْ قَالَ : إنْ أَعْتَقْتُهُ فَوَلَاؤُهُ لِي فَإِنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ ، وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِطْ الْأَصْلَ ، وَلَوْ بَاعَ رَقِيقًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَقِفَهَا أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ .
وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا صَحَّ
( وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ ) شَرَطَ ( مَا لَا غَرَضَ فِيهِ ، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا ) كَهَرِيسَةٍ أَوْ لَا يَلْبَسُهُ إلَّا كَذَا كَحَرِيرٍ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ فِيهِمَا .
أَمَّا فِي الْأُولَى ؛ فَلِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ تَأْكِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّ ذِكْرَهُ لَا يُوَرِّثُ تَنَازُعًا فِي الْغَالِبِ فَذِكْرُهُ فِيهَا لَغْوٌ ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ : لَكِنْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ إلْزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ ، أَوْ يَصُومَ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ ، أَوْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا فَسَدَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ .
قَالَ : وَقَضِيَّتُهُ فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَالْحَرِيرِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ تَصْرِيحًا بِالْبُطْلَانِ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّتِمَّةِ ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ، فَقَالَ : وَإِذَا بَاعَهُ الْعَبْدُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ إلَّا عَلَى كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَعْدُودِينَ فِي الْمُصَنِّفِينَ لَا فِي أَصْحَابِ الْوُجُوهِ .
قَالَ وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ : فِي لَا يَأْكُلُ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَنْ يُقْرَأَ بِتَاءِ الْخِطَابِ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِيهِ الْإِفْسَادُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ الْعَبْدَ كَالْإِعْتَاقِ ، وَمَا قَالَاهُ بَعِيدٌ عَنْ السِّيَاقِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ نَقْلًا
كَمَا بَيَّنْتُهُ .
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا فِي التَّتِمَّةِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَصْلًا ، وَمَسْأَلَتُنَا مَحَلُّهَا فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْجُمْلَةِ ؛ إذْ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ ، وَقَدْ شُرِطَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَتَأَدَّى هِيَ بِبَعْضِهَا فَيَصِحُّ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهَا ، فَأَشْبَهَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهَا بِالتَّعْيِينِ .
قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْدِيرِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَإِلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ أُدْمَيْنِ أَوْ نَوْعَيْنِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فَإِذَا شَرَطَ فَقَدْ شَرَطَ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ .
قَالَ وَفِي التَّمْثِيلِ بِلِبْسِ الْحَرِيرِ نَظَرٌ إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَالِغًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ سَيْفًا بِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ .
وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخِي بِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمَنْظَرِ بِهِ .
قَالَ الْبَغَوِيّ : وَلَوْ بَاعَهُ إنَاءً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِيهِ مُحَرَّمًا أَوْ سَيْفًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ أَوْ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَاقِبَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ صَحَّ الْبَيْعُ ، وَيُقَاسُ بِهِ مَا يُشَابِهُهُ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ الدَّارَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَهَا بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهَا .
وَلَوْ شَرَطَ
( وَلَوْ شَرَطَ ) الْبَائِعِ بِمُوَافَقَةِ الْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الزَّمَنَ الْحَالَّ لَا الْمُؤَجَّلَ وَخَافَ فَوْتَ الثَّمَنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْبُدَاءَةِ بِالْبَائِعِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ حِينَئِذٍ بِالتَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ .
وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ : كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا ، أَوْ الدَّابَّةِ حَامِلًا ، أَوْ لَبُونًا صَحَّ ، وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ أَخْلَفَ ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ .
( وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ الدَّابَّةِ ) أَوْ الْأَمَةِ ( حَامِلًا أَوْ ) الدَّابَّةِ ( لَبُونًا ) أَيْ ذَاتَ لَبَنٍ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ مَعَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْتِزَامُهُ عَلَى إنْشَاءِ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَإِنْ سُمِّيَ شَرْطًا تَجَوُّزًا فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقْبَلًا ، وَيَكْفِي فِي الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا الِاسْمُ .
نَعَمْ لَوْ شَرَطَ حُسْنَ الْخَطِّ ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحْسَنٍ فِي الْعُرْفِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَلَوْ شَرَطَ وَضْعَ الْحَمْلِ لِشَهْرٍ مَثَلًا أَوْ أَنَّهَا تَدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَغَيْرُ مُنْضَبِطٍ فِي الثَّانِيَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكْتُبَ الْعَبْدُ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ مَثَلًا .
تَنْبِيهٌ : قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ : وَلَوْ أَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الدَّابَّةِ بِالْحَيَوَانِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ الْأَمَةَ ، فَإِنَّ حُكْمَهَا كَذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ ، وَلَعَلَّ هَذَا حَمْلُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعُرْفِ ، فَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى اللُّغَةِ فَهُوَ كَالتَّعْبِيرِ بِالْحَيَوَانِ ( وَلَهُ الْخِيَارُ ) فَوْرًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ( إنْ أَخْلَفَ ) الْمَشْرُوطَ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ ( وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ ) بِصُورَتَيْهَا بِالشَّرْطِ لَا بِالْخُلْفِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَعَهَا شَيْئًا مَجْهُولًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَصْفُ بِهِ لَا إدْخَالُهُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَخَرَجَ بِيُقْصَدُ مَا لَا يُقْصَدُ بَلْ هُوَ مِنْ الْعُيُوبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ بِفَوَاتِهِ ، بَلْ إنْ كَانَ مِنْ
الْبَائِعِ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْعَيْبِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي حُكْمِ الرِّضَا بِالْعَيْبِ ، وَلَوْ شَرَطَ ثُيُوبَتَهَا فَخَرَجَتْ بِكْرًا فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْحَاوِي الصَّغِيرِ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فَبَانَ فَحْلًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ، قَالُوا : لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُرُمِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَمْسُوحُ ، وَإِلَّا فَبَاقِي الذَّكَرِ كَالْفَحْلِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ مِنْهُ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَهَا ) أَيْ الدَّابَّةَ وَمِثْلُهَا الْأَمَةُ ( وَحَمْلَهَا ) أَوْ بِعْتُكَهَا وَلَبَنَ ضَرْعِهَا ( بَطَلَ ) الْبَيْعُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِجَعْلِهِ الْحَمْلَ أَوْ اللَّبَنَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَامِلًا أَوْ لَبُونًا كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ وَصْفًا تَابِعًا ، وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَالْحَمْلِ .
وَالثَّانِي يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَضُرُّ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَ هَذَا الْجِدَارَ بِأَسَاسِهِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ ، بِأَنَّ الْأَسَاسَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجِدَارِ فَذِكْرُهُ ذِكْرٌ لِمَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَضُرُّ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ ، وَالْحَمْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُسَمَّى الْبَهِيمَةِ ، فَإِذَا ذَكَرَ فَقَدْ ذَكَرَ شَيْئًا مَجْهُولًا وَبَاعَهُ مَعَ الْمَعْلُومِ ، وَدُخُولُهُ تَبَعًا لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي مُسَمَّى اللَّفْظِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْجُبَّةِ بِحَشْوِهَا لِدُخُولِ الْحَشْوِ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْأَسَاسِ ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ أَوْ مَعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي أَثْنَاءِ الْأَمْثِلَةِ ، وَإِنْ فَرَّقَ السُّبْكِيُّ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْبَاءِ فَقَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي الْوَاوِ وَبِالصِّحَّةِ مَعَ الْبَاءِ .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ ، وَلَا الْحَامِلِ دُونَهُ وَلَا الْحَامِلِ بِحُرٍّ .
( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ ) لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ ، وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ ، فَإِنَّهُ عَيَّنَ بَيْعَ الْمَلَاقِيحِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ ( وَلَا ) بَيْعُ ( الْحَامِلِ دُونَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يُسْتَثْنَى كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ ( لَا ) بَيْعُ ( الْحَامِلِ بِحُرٍّ ) إلْحَاقًا لِلِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْحِسِّيِّ ، وَلَا بَيْعُ الْحَامِلِ بِرَقِيقٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ ، فَلَوْ وَكَّلَ مَالِكُ الْحَمْلِ مَالِكَ الْأُمِّ فَبَاعَهُمَا دُفْعَةً لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَشْكُلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ أَوْ بِرَقِيقٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ صِحَّةُ بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَدْخُلُ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ أَشْدُ اتِّصَالًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِهِ ، وَبِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ قَدْ وَرَدَ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ لِمَا بَاعَ جَمَلَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ .