كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا مُطْلَقًا دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ .
( وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا ) حَمْلُهَا لَهُ ( مُطْلَقًا ) مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِدُخُولٍ أَوْ عَدَمِهِ ( دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ ) تَبَعًا لَهَا بِالْإِجْمَاعِ .
أَمَّا إذَا كَانَ حَمْلُهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ بَاعَهَا مَالِكُهَا فَوَضَعَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَدًا آخَرَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَفِي أَوَاخِرِ النِّهَايَةِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ فِي مِلْكِهِ ، وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مُسْتَدِلَّيْنِ بِهِ عَلَى نَظَائِرِهَا مِنْ الْكِتَابَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ : إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَنْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ وَهِمَ .
فَصْلٌ وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يُبْطِلُ لِرُجُوعِهِ : إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ بِأَنْ يَقْدُمَ غَرِيبٌ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ بَلَدِيٌّ : اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى .
فَصْلٌ : فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْبُيُوعِ نَهْيًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا ، وَفِيهِ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ ( وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يُبْطِلُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ : أَيْ مَعَ كَسْرِ الطَّاءِ : أَيْ النَّهْيُ فِيهِ الْبَيْعَ وَيَجُوزُ فَتْحُ الطَّاءِ مَعَ ضَمِّ الْيَاءِ أَيْضًا وَعَكْسُهُ وَالضَّمِيرُ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالضَّمِيرُ فِي ( لِرُجُوعِهِ ) يَعُودُ إلَى النَّهْيِ لِدَلَالَةِ الْمَنْهِيِّ عَلَيْهِ ( إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ ) لَا إلَى ذَاتِهِ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلْبَيْعِ بِخُصُوصِهِ ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ ، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي ، فَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنْ الصُّوَرِ يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ وَيَحْرُمُ إلَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ آخِرَ الْفَصْلِ وَلَوْ قَدَّمَهُمَا عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَالَ ( كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ بِأَنْ يَقْدُمَ ) شَخْصٌ ( غَرِيبٌ ) أَوْ غَيْرُهُ ( بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ ) أَيْ حَاجَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ ( إلَيْهِ ) كَالطَّعَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِبَيْعِهِ سَعَةٌ فِي الْبَلَدِ لِقِلَّتِهِ ، أَوْ لِعُمُومِ وُجُودِهِ وَرُخْصِ السِّعْرِ ، أَوْ لِكِبَرِ الْبَلَدِ ( لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ ) أَيْ حَالًّا ( فَيَقُولُ ) لَهُ شَخْصٌ ( بَلَدِيٌّ ) أَوْ غَيْرُهُ ( اُتْرُكْهُ عِنْدِي ) أَوْ عِنْدَ غَيْرِي ( لِأَبِيعَهُ ) لَكَ ( عَلَى التَّدْرِيجِ ) أَيْ شَيْئًا فَشَيْئًا ( بِأَغْلَى ) مِنْ بَيْعِهِ حَالًّا ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ } زَادَ مُسْلِمٌ { دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ } وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : زَادَ مُسْلِمٌ { دَعُوا النَّاسَ فِي غَفَلَاتِهِمْ } إلَخْ وَالْمَعْنَى فِي التَّحْرِيمِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ الْتَمَسَهُ الْبَادِي مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ ابْتِدَاءً : أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ لِتَبِيعَهُ بِالتَّدْرِيجِ أَوْ انْتَفَى عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَأَنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ
أَصْلًا أَوْ إلَّا نَادِرًا أَوْ عَمَّتْ وَقَصَدَ الْبَدْوِيُّ بَيْعَهُ بِالتَّدْرِيجِ فَسَأَلَهُ الْحَضَرِيُّ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهِ ، أَوْ قَصَدَ بَيْعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ ، وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِالْإِثْمِ الْحَضَرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّهُ .
فَإِنْ قِيلَ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَمْكِينُ الْمُحْرِمِ مِنْ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلَهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِرْشَادِ إلَى التَّأْخِيرِ فَقَطْ وَقَدْ انْقَضَتْ لَا الْإِرْشَادِ مَعَ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ الصَّادِرُ مِنْهُ .
وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا تَضْيِيقَ فِيهِ لَا سِيَّمَا إذَا صَمَّمَ الْمَالِكُ عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُبَاشِرْهُ الْمُشِيرُ عَلَيْهِ بَاشَرَهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ الْحَلَالَ الْمُحْرِمَ مِنْ الْوَطْءِ ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ بِنَفْسِ الْوَطْءِ ، وَلَوْ اسْتَشَارَهُ الْبَدَوِيُّ فِيمَا فِيهِ حَظُّهُ فَفِي وُجُوبِ إرْشَادِهِ إلَى الِادِّخَارِ وَالْبَيْعِ بِالتَّدْرِيجِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا يَجِبُ إرْشَادُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَمِيلُ إلَيْهِ .
وَالثَّانِي لَا تَوْسِيعًا عَلَى النَّاسِ ، وَلَوْ قَدِمَ الْبَادِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَتَعَرَّضَ لَهُ حَاضِرٌ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رَخِيصًا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالسِّمْسَارِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ تَرَدُّدٌ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ : هُوَ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمُ بِهِ ، وَالْحَاضِرُ : سَاكِنُ الْحَاضِرَةِ ، وَهِيَ الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ ، وَهِيَ أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخَصْبٌ ، وَالْبَادِي : سَاكِنُ الْبَادِيَةِ ، وَهِيَ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحَاضِرِ وَالْبَادِي جَرَى عَلَى
الْغَالِبِ ، وَالْمُرَادُ أَيُّ شَخْصٍ كَانَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ .
وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ : بِأَنْ يَتَلَقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا إلَى الْبَلَدِ فَيَشْتَرِيَهُ قَبْلَ قُدُومِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ ، وَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا عَرَفُوا الْغَبْنَ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ ( وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ بِأَنْ يَتَلَقَّى ) شَخْصٌ ( طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا ) طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ ( إلَى الْبَلَدِ ) مَثَلًا ( فَيَشْتَرِيَهُ ) مِنْهُمْ ( قَبْلَ قُدُومِهِمْ ) الْبَلَدَ ( وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ ) فَيَعْصِي بِالشِّرَاءِ وَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّلَقِّيَ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ احْتِمَالُ غَبْنِهِمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَهُمْ الْمُشْتَرِي كَاذِبًا أَمْ لَمْ يُخْبِرْ ( وَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا ) غُبِنُوا ، وَ ( عَرَفُوا الْغَبْنَ ) وَلَوْ قَبْلَ قُدُومِهِمْ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { لَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إلَى السُّوقِ ، فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ } وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنْ الْتَمَسُوا الْبَيْعَ مِنْهُ وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِمْ بِالسِّعْرِ ، أَوْ لَمْ يَغْبِنُوا كَأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَهُمْ عَالِمُونَ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى السَّابِقِ ، وَكَذَا لَا خِيَارَ لَهُمْ إذَا كَانَ التَّلَقِّي بَعْدَ دُخُولِ الْبَلَدِ وَلَوْ خَارِجَ السُّوقِ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِمْ الْأَسْعَارَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَلَقِّينَ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ، وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَعْرِفُوا الْغَبْنَ حَتَّى رَخُصَ السِّعْرُ وَعَادَ إلَى مَا بَاعُوا بِهِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ ثُبُوتِهِ كَمَا فِي زَوَالِ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَإِنْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ لِلْبَيْعِ مِنْهُمْ كَالتَّلَقِّي لِلشِّرَاءِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنْ رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مُقَابِلَهُ ، وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ لِلْأَذْرَعِيِّ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ ، وَالرُّكْبَانِ جَمْعُ رَاكِبٍ ، وَالتَّعْبِيرُ بِهِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، وَالْمُرَادُ
الْقَادِمُ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مَاشِيًا .
.
وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ ( وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ ) لِخَبَرِ { لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ } وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيذَاءُ ، وَذِكْرُ الرَّجُلِ وَالْأَخِ لَيْسَ لِلتَّقَيُّدِ بَلْ الْأَوَّلُ : لِأَنَّهُ الْغَالِبُ .
وَالثَّانِي : لِلرَّأْفَةِ وَالْعَطْفِ ، فَغَيْرُهُمَا مِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ ( وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ ) بِالتَّرَاضِي صَرِيحًا وَقَبْلَ الْعَقْدِ ، كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَ شَيْءٍ بِكَذَا : لَا تَأْخُذْهُ وَأَنَا أَبِيعُكَ خَيْرًا مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ بِأَقَلَّ أَوْ يَقُولَ لِمَالِكِهِ : لَا تَبِعْهُ ، وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ الْمَالِكُ بِالْإِجَابَةِ ، بِأَنْ عَرَضَ بِهَا أَوْ سَكَتَ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ إذْ ذَاكَ يُنَادِي عَلَيْهِ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ لَكِنْ يُكْرَهُ فِيمَا إذَا عَرَضَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ .
وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ ، فَقَالَ : ( وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ ) أَيْ الْبَيْعِ بِأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ .
أَمَّا بَعْدَ لُزُومِهِ فَلَا مَعْنَى لَهُ ، نَعَمْ لَوْ اطَّلَعَ بَعْدَ اللُّزُومِ عَلَى عَيْبٍ وَلَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ مُضِرًّا ، كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ التَّحْرِيمُ لِمَا ذُكِرَ ( بِأَنْ ) أَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ ( يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ ) أَيْ الْمَبِيعِ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ .
وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ ، فَقَالَ ( وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ ) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ كَمَا مَرَّ ( بِأَنْ ) أَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ ( يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ ) بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَكِلَا الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ ، وَلَوْ رَأَى الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى وَالْبَائِعُ فِي الثَّانِيَةِ مَغْبُونًا لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، } زَادَ النَّسَائِيُّ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ ، وَفِي مَعْنَاهُ الشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا الْإِيذَاءُ ، وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ نَهْيِ الرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ سِلْعَةً مِثْلَ الَّتِي اشْتَرَاهَا خَشْيَةَ أَنْ يَرُدَّ الْأُولَى وَمِثْلُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي ذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ ، وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ طَلَبَ السِّلْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِزِيَادَةِ رِبْحٍ وَالْبَائِعُ حَاضِرٌ لِأَدَائِهِ إلَى الْفَسْخِ أَوْ النَّدَمِ ثُمَّ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ ، فَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ لَمْ يَحْرُمْ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَقَدْ أَسْقَطَاهُ ، وَلِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ ، هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ كَانَ الْآذِنُ مَالِكًا ، فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَالِكِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحْرِيمِ تَحَقُّقُ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ لِوُجُودِ الْإِيذَاءِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ خِلَافًا لِابْنِ النَّقِيبِ فِي اشْتِرَاطِهِ .
تَنْبِيهٌ : الْأَمْرُ بِالْفَسْخِ وَقَعَ فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَيْسَ الْأَمْرُ شَرْطًا ، وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ سِلْعَةً مِثْلَهَا بِأَرْخَصَ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ ا هـ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، .
وَالنَّجْشُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ السَّادِسَةِ ، فَقَالَ ( وَالنَّجْشُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ ) لِلسِّلْعَةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلْبَيْعِ ( لَا لِرَغْبَةٍ ) فِي شِرَائِهَا ( بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ ) فَيَشْتَرِيهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيذَاءُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ ) لِلْمُشْتَرِي لِتَفْرِيطِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَأَمَّلْ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ .
وَالثَّانِي : لَهُ الْخِيَارُ لِلتَّدْلِيسِ كَالتَّصْرِيَةِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ مُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ لِلنَّاجِشِ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ جَزْمًا ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَعْطَيْتُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ كَذَا فَبَانَ خِلَافُهُ ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَارِفٌ بِأَنَّ هَذَا عَقِيقٌ أَوْ فَيْرُوزَجُ بِمُوَاطَأَةٍ فَاشْتَرَاهُ ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ زَادَ لِيُسَاوِي قِيمَةَ السِّلْعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَالْمُتَّجَهُ التَّحْرِيمُ لِإِيذَاءِ الْمُشْتَرِي ، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ } .
وَبَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ السَّابِعَةِ ، فَقَالَ : ( وَبَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ ) وَنَحْوِهِمَا كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ ( لِعَاصِرِ الْخَمْرِ ) وَالنَّبِيذِ : أَيْ لِمُتَّخِذِهَا لِذَلِكَ بِأَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بَيْعُ الْغِلْمَانِ الْمُرْدِ مِمَّنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ بِالْغِلْمَانِ وَبَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ بَاغٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي إلَى مَعْصِيَةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ .
أَمَّا إذَا شَكَّ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ تَوَهَّمَهُ فَالْبَيْعُ مَكْرُوهٌ ، وَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ لِلتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ : وَهُوَ إمْسَاكُ مَا اشْتَرَاهُ وَقْتَ الْغَلَاءِ لِيَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ إمْسَاكِ مَا اشْتَرَاهُ وَقْتَ الرُّخْصِ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَا إمْسَاكِ غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ ، وَلَا مَا اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ لِيَبِيعَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ ، وَفِي كَرَاهَةِ إمْسَاكِ مَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ سَنَةً وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ ، لَكِنَّ الْأَوْلَى بَيْعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَيَخْتَصُّ تَحْرِيمُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ ، وَمِنْهَا الذُّرَةُ وَالْأُرْزُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ ، وَيَحْرُمُ التَّسْعِيرُ وَلَوْ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْوَالِي السُّوقَةَ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إلَّا بِكَذَا لِلتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَطْعِمَةِ : وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَلَوْ سَعَّرَ الْإِمَامُ عُزِّرَ مُخَالِفُهُ بِأَنْ بَاعَ بِأَزْيَدَ مِمَّا سَعَّرَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاهَرَةِ الْإِمَامِ بِالْمُخَالَفَةِ ، وَصَحَّ الْبَيْعُ إذْ لَمْ يَعْهَدْ الْحَجْرَ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَرَّعٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ
الْمُقْرِي لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ .
وَقَالُوا : إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى جَوَازِهِ وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ فِي جَمِيعِ الْمَنَاهِي عِلْمُ النَّهْيِ بِهَا حَتَّى فِي النَّجْشِ كَمَا نَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِبَحْثِ الرَّافِعِيِّ .
وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ ، وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَإِذَا فَرَّقَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَا فِي الْأَظْهَرِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، فَقَالَ ( وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ ) الرَّقِيقَةِ ( وَالْوَلَدِ ) الرَّقِيقِ الصَّغِيرِ الْمَمْلُوكَيْنِ لِوَاحِدٍ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ فَسْخٍ بِإِقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا بِعِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ ( حَتَّى يُمَيِّزَ ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَحَسَّنَهُ ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَسَوَاءٌ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَا لِمَالِكَيْنِ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ .
وَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّقِيقِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَمَا إذَا فَرَّقَ بِعِتْقٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مُحْسِنٌ ، وَكَذَا الْوَاقِفُ ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تَقْتَضِي التَّفْرِيقَ بِوَضْعِهَا فَلَعَلَّ الْمَوْتَ يَكُونُ بَعْدَ زَمَانِ التَّحْرِيمِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْمُتَّجَهُ مَنْعُ التَّفْرِيقِ بِرُجُوعِ الْمُقْرِضِ ، وَمَالِكُ اللُّقَطَةِ دُونَ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْقَرْضِ وَاللُّقَطَةِ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ رَجَعَ فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ فِيهَا الرُّجُوعَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ بِشَيْءٍ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِي لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمْيِيزِ الْوَلَدِ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ الْقَبُولُ وَحِينَئِذٍ ، أَمَّا بَعْدَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَحْرُمُ ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّعَهُّدِ وَالْحَضَانَةِ ، وَخَبَرُ " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا ، قِيلَ إلَى مَتَى ؟ قَالَ : حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ ، وَتَحِيضَ
الْجَارِيَةُ " ضَعِيفٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنْ حَصَلَ قَبْلَ السَّبْعِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ ، وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ إلَى سَبْعِ سِنِينَ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُمْ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي الْحَضَانَةِ وَغَيْرِهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ هُنَا مَنْعُ التَّمْيِيزِ قَبْلَهَا لِيَحْصُلَ لَهُ قُوَّةٌ وَاسْتِبْدَادٌ عَلَى الِانْفِرَادِ ا هـ .
هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ حَتَّى يُمَيِّزَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ الْمَجْنُونِ الْبَالِغِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَتْبَاعُهُ ، لَكِنَّ قَوْلَهُ ( وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْبُلُوغِ ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ هَذَا الْقَوْلُ الْبُلُوغَ لِنُقْصَانِ تَمْيِيزِهِ قَبْلَهُ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَفْهَمَ جَوَازَ التَّفْرِيقِ بَعْدَهُ جَزْمًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ وَكَذَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالتَّمْيِيزِ أَنَّ غَيْرَ الْآدَمِيِّ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ ، لَكِنْ يُكْرَهُ ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَيَجُوزُ بِالذَّبْحِ قَطْعًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : وَمُرَادُهُ ذَبْحُ الْوَلَدِ .
أَمَّا ذَبْحُهَا مَعَ بَقَائِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَغَيْرِ الذَّبْحِ ، وَظَاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَبْحُ الْمَأْكُولِ إذْ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا بَيْعُهُ لِذَبْحِهِ بِحَالٍ ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي حَدِّ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الطِّفْلُ ؛ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ ، وَقِيلَ : أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَوْ اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالْأُمُّ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا وَحَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ أَوْ اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِ الْأُمِّ فَهُمَا سَوَاءٌ فَيُبَاعُ مَعَ أَيِّهِمَا كَانَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ كَالْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِهَا لَا عِنْدَ وُجُودِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفِي الْجَدَّاتِ وَالْأَجْدَادِ لِلْأَبِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبَوَيْنِ وَأُمِّ الْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الشَّيْخَانِ فِي بَابِ السِّيَرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ ، ثَالِثُهَا : جَوَازُ التَّفْرِيقِ فِي الْأَجْدَادِ دُونَ الْجَدَّاتِ ؛ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلتَّرْبِيَةِ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : وَيَظْهَرُ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ ، وَأَمَّا الْجَدُّ لِلْأُمِّ ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي : إنَّهُ كَالْجَدِّ لِلْأَبِ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّهُ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلُ ، وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَإِنْ قَوَّى السُّبْكِيُّ التَّحْرِيمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ( وَإِذَا فَرَّقَ ) بَيْنَ الْوَلَدِ بَعْدَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ وَبَيْنَ مَنْ يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ( بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَا فِي الْأَظْهَرِ ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْعًا .
وَالثَّانِي لَا ، لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْإِضْرَارِ لَا لِلْخَلَلِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ، وَعَلَى هَذَا لَا نُقِرُّهُمَا عَلَى التَّفْرِيقِ ، بَلْ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ اسْتَمَرَّ الْعَقْدُ وَإِلَّا فُسِخَ كَمَا قَالَاهُ .
وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّمْلِيكِ ، وَأَمَّا قَبْلَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ فَيَبْطُلُ جَزْمًا .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي .
فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَصِحَّةُ الْبَيْعِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْحُرِّيَّةِ .
وَلِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْإِعْتَاقِ ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَبَيْعُ
أَحَدِهِمَا مَعَ بَعْضِ الْآخَرِ وَبَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ عَدَمِ التَّسَاوِي .
فَإِنْ تَسَاوَى الْبَعْضَانِ كَأَنْ بَاعَ نِصْفَهُمَا مَعًا جَازَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي السِّيَرِ .
وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ التَّفْرِيقَ بِالسَّفَرِ بِالتَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ وَطَرَدَهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ لَا يَحْرُمُ لِإِمْكَانِ صُحْبَتِهَا لَهُ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ مَلَكَ كَافِرٌ صَغِيرًا وَأَبَوَيْهِ وَهُمَا كَافِرَانِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبُ وَتَخَلَّفَتْ الْأُمُّ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُهُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُمَا دُونَهَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ .
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَبُ أَنْ يُبَاعَ الْوَلَدُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمِثْلُهُ لَوْ تَبِعَ الطِّفْلُ السَّابِي فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَلَكَ أُمَّهُ الْكَافِرَةَ فَلَهُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِيمَا يَظْهَرُ ا هـ .
وَهَذَا مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ ، وَالتَّفْرِيقُ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلضَّرُورَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ بَطَلَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَانَ الْأَحْسَنُ إسْقَاطَ الْأَلِفِ مِنْهُ .
فَإِنَّ الْأَفْصَحَ فِي الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ أَوْ أَنْ يُؤْتَى بِهِ مُفْرَدًا تَقُولُ إذَا لَقِيتَ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَأَكْرِمْهُ .
وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : وَالصَّوَابُ حَذْفُ الْأَلِفِ ا هـ .
وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ ؛ لِأَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى : { إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا } .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ ، وَإِلَّا فَهِبَةً .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ، فَقَالَ ( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ ) وَهُوَ ( بِأَنْ يَشْتَرِيَ ) سِلْعَةً ( وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ ) مَثَلًا ( لِتَكُونَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ وَإِلَّا فَهِبَةً ) بِالنَّصْبِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ شَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ أَحَدُهُمَا : شَرْطُ الْهِبَةِ .
وَالثَّانِي : شَرْطُ الرَّدِّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَرْضَى .
تَنْبِيهٌ : فِي الْعُرْبُونِ سِتُّ لُغَاتٍ : فَتْحُ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ : وَهِيَ الْفَصِيحَةُ ، وَضَمُّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانُ الرَّاءِ ، وَعُرْبَانٌ بِالضَّمِّ وَالْإِسْكَانِ وَإِبْدَالِ الْعَيْنِ هَمْزَةً مَعَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ التَّسْلِيفُ وَالتَّقْدِيمُ .
فَائِدَةٌ : الْبَيْعُ يَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ : وَهِيَ الْوَاجِبُ وَالْحَرَامُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ ، فَالْوَاجِبُ كَبَيْعِ الْوَلِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ إذَا تَعَيَّنَ بَيْعُهُ ، وَبَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْمُفْلِسِ بِشُرُوطِهِ .
وَأَمَّا بَيْعُ الْمَاءِ لِمُحْتَاجِهِ وَالطَّعَامِ مِنْ الْمُضْطَرِّ ، فَالْوَاجِبُ فِيهِمَا التَّمْلِيكُ لَا الْبَيْعُ نَفْسُهُ ، وَبَعْضُهُمْ أَدْرَجَهُمَا فِي الْبَيْعِ الْوَاجِبِ .
وَأَمَّا الْحَرَامُ فَغَالِبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ .
وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَكَالْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ زَمَنَ الْغَلَاءِ وَنَحْوِهِ .
وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَكَبَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَالْبَيْعِ مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ أَوْ فِيهِ حَرَامٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَرَامِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ ، وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ ، قِيلَ وَثَمَنُهُ يُقَابِلُ الدَّفَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ ، وَقِيلَ : إنَّهُ بَدَلُ أُجْرَةِ نَسْخِهِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ : وَبَيْعُ الْعِينَةِ ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالنُّونِ أَنْ يَبِيعَهُ عَيْنًا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ مُؤَجَّلٍ وَيُسَلِّمَهَا لَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِنَقْدٍ يَسِيرٍ لِيَبْقَى
الْكَثِيرُ فِي ذِمَّتِهِ .
وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَغَالِبُ الْبُيُوعِ .
فَرْعٌ : الْمَقْبُوضُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كُلَّ لَحْظَةٍ ، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَأَقْصَى قِيمَةٍ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَلَا يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ كَالرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَ وَلَوْ جَهِلَ الْفَسَادَ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ ، وَإِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ إلَّا إذَا عَلِمَهُ ، وَالثَّمَنُ مَيْتَةٌ أَوْ دَمٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَمْلِكُ بِهِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَحْوَ خَمْرٍ كَخِنْزِيرٍ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِهِ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَيْثُ لَا حَدَّ يَجِبُ الْمَهْرُ ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَمَهْرُ بِكْرٍ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَأَرْشُ بَكَارَةٍ لِإِتْلَافِهَا بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ فِي صَحِيحِ الْبَيْعِ دُونَ صَحِيحِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ زَوَالِ بَكَارَتِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِكْرًا مَغْصُوبَةً وَوَطِئَهَا جَاهِلًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَهْرُ ثَيِّبٍ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ هُنَا كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ ، وَلَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْحَقَا شَرْطًا فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ كَالْعَقْدِ
.
فَصْلٌ بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ صَحَّ فِي مِلْكِهِ فِي الْأَظْهَرِ ، فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ فَإِنْ : أَجَازَ فَبِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا ، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ .
فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا ، وَتَفْرِيقُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ فِي الدَّوَامِ أَوْ فِي اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ .
وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا ، فَقَالَ لَوْ ( بَاعَ ) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ حِلًّا وَحُرْمًا كَأَنْ بَاعَ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ ( خَلًّا وَخَمْرًا ) أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا ( أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ ) عَبْدَهُ ( وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ ) الشَّرِيكِ ( الْآخَرِ صَحَّ ) الْبَيْعُ ( فِي مِلْكِهِ ) مِنْ الْخَلِّ وَالْمُذَكَّاةِ وَالشَّاةِ وَعَبْدِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَبَطَلَ فِي غَيْرِهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) أَعْطَاهُ حُكْمَهُ .
وَالثَّانِي : يَبْطُلُ فِيهِمَا وَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَا اجْتَمَعَ حَرَامٌ وَحَلَالٌ إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ " وَالثَّانِي : جَهَالَةُ الْعِوَضِ الَّذِي يُقَابِلُ الْحَلَالَ ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَمْثِيلِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُشْتَرَكِ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْحِصَّةَ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ ، فَإِنْ قِيلَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ ، وَعَلِمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا كَانَ الْأَوَّلُ مَرْجُوعًا عَنْهُ فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ هُوَ الثَّانِي ، وَقَدْ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ ، وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ : إنَّ الْبُطْلَانَ هُوَ آخِرُ قَوْلَيْهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهِيَ دَقِيقَةٌ غَفَلُوا عَنْهَا .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إذَا كَانَ رَاوِي الْمَذْهَبِ قَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ فَفِي النَّفْسِ حَزَازَةٌ مِنْ تَرْجِيحِ الصِّحَّةِ مَعَ ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّبِيعِ إنَّ الْبُطْلَانَ آخِرُ قَوْلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمَا فِي الذِّكْرِ لَا فِي الْفَتْوَى ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُتَأَخِّرُ مَذْهَبَ
الشَّافِعِيِّ إذَا أَفْتَى بِهِ .
أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ : وَهِيَ آخِرُ قَوْلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ أَحَدَ قَوْلَيْهِ بِالدَّالِ فَقُصِرَتْ فَقُرِئَتْ بِالرَّاءِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرَكِ ، فَإِنَّهُ مَعَ الْإِذْنِ يَصِحُّ جَزْمًا ، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَيْهِ وَإِلَى عَبْدِ الْغَيْرِ مَعًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ وَبَاعَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ الثَّمَنَ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ ، وَإِنْ فَصَلَهُ صَحَّ جَزْمًا لَكِنْ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ وَتِلْكَ صَفْقَتَانِ ، وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : الظَّاهِرُ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ كَانَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَمَحَلُّ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ إذَا كَانَ كُلُّ مَنْ مَلَكَهُ وَغَيْرُهُ مَعْلُومًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ، وَلَوْ كَانَ الْجَهْلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ التَّقْسِيطِ ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ ( فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ ) الْحَالَ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ ( فَإِنْ أَجَازَ ) الْبَيْعَ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ ( فَبِحِصَّتِهِ ) أَيْ الْمَمْلُوكِ لَهُ ( مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْقَعَا الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا قِسْطَهُ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّا نَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُمَا قِيمَةً ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ ، وَالصَّوَابُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّا نُقَدِّرُ الْخَمْرَ خَلًّا وَالْمَيْتَةَ مُذَكَّاةً وَالْخِنْزِيرَ شَاةً وَالْحُرَّ رَقِيقًا ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا ثَلَاثَمِائَةٍ ،
وَالْمُسَمَّى مِائَةً وَخَمْسِينَ ، وَقِيمَةُ الْمَمْلُوكِ مِائَةً فَحِصَّتُهُ مِنْ الْمُسَمَّى خَمْسُونَ ( وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا إلَى مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَانَ الْآخَرُ كَالْمَعْدُومِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَرَامُ مَقْصُودًا كَالدَّمِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْإِجَازَةَ بِكُلِّ الثَّمَنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَابِلًا لِلْعَقْدِ ، لَكِنْ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ كَنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ ، وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ ، وَيَجْرِي فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ .
مِنْهَا إذَا أَجَرَّ الرَّاهِنُ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مَحَلِّ الدَّيْنِ ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ .
وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ فَزَادَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى شَيْئَيْنِ مَوْجُودَيْنِ أَحَدُهُمَا حِلٌّ وَالْآخَرُ حَرَامٌ ، وَالْمَنْفَعَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَا وَجْهَ فِيهَا إلَّا الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْبُطْلَانِ ، وَالصِّحَّةُ مُتَعَذِّرَةٌ لِعَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَبَطَلَ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغَيْرِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا فَاضَلَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ ، وَمِنْهَا مَا إذَا زَادَ فِي الْعَرَايَا عَلَى الْقَدْرِ الْجَائِزِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ زَادَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ جَزْمًا أَوْ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ يَبْطُلُ قَطْعًا ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ قَطْعًا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمِنْهَا مَا لَوْ قَدَّمَ الْبَاطِلَ كَأَنْ قَالَ : بِعْتُكَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي لَا تَطْلُقْ لِعَطْفِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ ا هـ .
وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي قِيَاسَهُ ، وَإِنَّمَا قِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْحُرُّ مَبِيعٌ مِنْكَ وَعَبْدِي .
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْأَوَّلِ عَامِلٌ فِي الثَّانِي ، وَقِيَاسُهُ فِي الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ طَلَّقْتُ نِسَاءَ الْعَالَمِينَ وَزَوْجَتِي فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ( وَ ) إذَا لَمْ يَجِبْ إلَّا الْحِصَّةَ ( لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ حَيْثُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَطَمِعَ فِي ثَمَنِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ ، .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْآخَرُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، بَلْ يَتَخَيَّرُ ، فَإِنْ أَجَازَ فَبِالْحِصَّةِ قَطْعًا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا ، فَقَالَ ( وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ ) مَثَلًا ( فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ ) انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ وَ ( لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ) وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ ( بَلْ يَتَخَيَّرُ ) الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ( فَإِنْ أَجَازَ فَبِالْحِصَّةِ ) مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ تَوَزَّعَ عَلَيْهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالْقَسْمُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا ، وَقَوْلُهُ ( قَطْعًا ) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ .
أَحَدُهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَضَعُفَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ وَبَيْنَ مَا حَدَثَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَيْهِمَا ابْتِدَاءً ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَكِنَّهُ مُشْكِلٌ .
لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ التَّفْرِيطُ ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَنْفَسِخُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ .
وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ وَغَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِقَبْضِهِ ، وَفِي مَعْنَى مَا فِي الْمَتْنِ مَا لَوْ بَاعَ عَصِيرًا صَارَ بَعْضُهُ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ ، .
وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ صَحَّا فِي الْأَظْهَرِ ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ صَحَّ النِّكَاحُ ، وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ ، وَتَتَعَدَّدُ الصِّفَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا ، وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ : ( وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ ) كَأَنْ يَقُولَ أَجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا وَبِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا بِدِينَارٍ ( أَوْ ) إجَارَةٍ وَ ( سَلَمٍ ) كَأَنْ يَقُولَ أَجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا وَبِعْتُكَ صَاعَ قَمْحٍ فِي ذِمَّتِي سَلَمًا بِكَذَا ( صَحَّا فِي الْأَظْهَرِ ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا ) أَيْ قِيمَةِ الْمُؤَجَّرِ مِنْ حَيْثُ الْأُجْرَةُ وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ اشْتِرَاطُ التَّأْقِيتِ فِيهَا ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةُ تَنْفَسِخُ بِالتَّلَفِ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَهُ ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ فِي السَّلَمِ دُونَهَا ، وَالثَّانِي يَبْطُلَانِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ ، وَالِانْفِسَاخُ مَا يَقْتَضِي فَسْخَ أَحَدِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْزِيعِ ، وَيَلْزَمُ الْجَهْلُ عِنْدَ الْعَقْدِ بِمَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعِوَضِ ، وَذَلِكَ مَحْذُورٌ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ وَشِقْصٍ مِنْ دَارٍ فِي صَفْقَةٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُكْمِ الشُّفْعَةِ وَاحْتِيجَ إلَى التَّوْزِيعِ بِسَبَبِهَا ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مُثِّلَ بِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدَانِ لَازِمَيْنِ ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ لَازِمٍ وَجَائِزٍ كَبَيْعٍ وَجَعَالَةٍ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُسَابَقَةِ أَوْ كَانَ الْعَقْدَانِ جَائِزَيْنِ كَشَرِكَةٍ وَقِرَاضٍ صَحَّ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ بَابُهَا وَاسِعٌ ، وَإِنَّمَا قَالَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَلَمْ يَقُلْ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِيَشْمَلَ بَيْعَ عَبْدَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ ، فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ وَالْعَقْدَ وَاحِدٌ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْإِجَارَةِ مَعَ
السَّلَمِ إجَارَةُ الْعَيْنِ ، فَإِنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ كَالسَّلَمِ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ كَصَاعِ بُرٍّ وَثَوْبٍ بِصَاعِ شَعِيرٍ ( أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ ) وَمُسْتَحَقِّ الثَّمَنِ وَالْمَهْرُ وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ عَبْدَهَا وَهِيَ فِي حِجْرِهِ ، أَوْ زَوَّجْتُكَ أَمَتِي وَبِعْتُكَ ثَوْبِي ( صَحَّ النِّكَاحُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الصَّدَاقِ ( وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ ) السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا صِحَّتُهُمَا ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالثَّانِي بُطْلَانُهُمَا ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَ الْمُصَنِّفُ أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ بِأَبْسَطَ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَا .
أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ كَقَوْلِهِ : زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ عَبْدِي بِكَذَا .
فَإِنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا الصَّدَاقَ كَمَا لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ فَبَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَخُلْعٍ صَحَّ الْخُلْعُ وَفِي الْبَيْعِ وَالْمُسَمَّى الْقَوْلَانِ .
تَنْبِيهٌ : شَرْطُ التَّوْزِيعِ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ حِصَّةُ النِّكَاحِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا إنْ أَذِنَتْ الرَّشِيدَةُ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى فَيُعْتَبَرُ التَّوْزِيعُ مُطْلَقًا ( وَتَتَعَدَّدُ الصِّفَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ ) مِنْ الْبَائِعِ ( كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا ) فَيُقْبَلُ فِيهِمَا سَوَاءٌ أَفَصَلَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبُولِ أَمْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ وَجَارِيَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي : الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ ( وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ ) كَبِعْنَاكَ هَذَا بِكَذَا ، وَالْمَبِيعُ
مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيُقْبَلُ فِيهِمَا وَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ ، فَلَوْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي جَوَابَهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي الصِّحَّةَ ( وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي ) كَبِعْتُكُمَا هَذَا بِكَذَا ( فِي الْأَظْهَرِ ) قِيَاسًا عَلَى الْبَائِعِ ، وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِي يَبْنِي عَلَى الْإِيجَابِ السَّابِقِ ، وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ إنْ قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ الصِّحَّةَ كَمَا مَرَّ ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا وَالشُّفْعَةِ .
أَوْ فِيهِمَا فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا ، وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فِي الْأَظْهَرِ عَكْسُ مَا هُنَا ( وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ ) لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ ، وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ مِنْ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ تَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَالثَّانِي اعْتِبَارُ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ فَأَصْلَحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ فِي الدَّقَائِقِ ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ ، وَمَعْنَاهُ لَوْ وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا أَوْ وَكَّلَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ ، وَمَحَلُّ مَا قَالَهُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ وَالشُّفْعَةِ .
أَمَّا فِيهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْمُوَكِّلِ لَا الْوَكِيلِ اعْتِبَارًا بِاتِّحَادِ الدَّيْنِ وَالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ ، فَلَوْ وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا فِي رَهْنِ عَبْدِهِمَا عِنْدَ زَيْدٍ بِمَا لَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ انْفَكَّ نَصِيبُهُ .
خَاتِمَةٌ : قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ : يَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ حَرَامًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ :
وَهَذَا شَاذٌّ لَيْسَ مَذْهَبًا بَلْ الْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ ا هـ .
أَيْ بَلْ الْمَمْنُوعُ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْحَرَامِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ مُبَايَعَةُ مَنْ فِي يَدِهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ كَالظَّلَمَةِ وَالْمَكَّاسِينَ وَالْمُنَجِّمِينَ وَاَلَّذِي يَضْرِبُ بِالنَّفِيرِ وَالْحَصَى وَالرَّمْلِ فَكُلُّ مَا يَأْخُذُهُ هَؤُلَاءِ بِهَذَا الْفِعْلِ حَرَامٌ ، وَلَوْ نُهِبَ مَتَاعٌ مَخْصُوصٌ وَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْئًا يُبَاعُ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَنْهُوبُ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ ، وَالْوَرَعُ لِمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي .
بَابُ الْخِيَارِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ : كَالصَّرْفِ وَالطَّعَامِ بِطَعَامٍ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٍ فَلَهُمَا الْخِيَارُ ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ .
بَابُ الْخِيَارِ لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ شَرَعَ فِي لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ ، وَالْخِيَارُ هُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إمْضَاءِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ نَقْلُ الْمِلْكِ ، وَقَضِيَّةُ الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ ، وَكِلَاهُمَا فَرْعُ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ فِيهِ الْخِيَارَ رِفْقًا بِالْمُتَعَاقِدِينَ ، وَهُوَ نَوْعَانِ : خِيَارُ تَشَهٍّ ، وَخِيَارُ نَقِيصَةٍ ، فَخِيَارُ التَّشَهِّي مَا يَتَعَاطَاهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا وَشَهْوَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فَوَاتِ أَمْرٍ فِي الْمَبِيعِ ، وَسَبَبُهُ الْمَجْلِسُ أَوْ الشَّرْطُ ، وَخِيَارُ النَّقِيصَةِ سَبَبُهُ خُلْفٌ لَفْظِيٌّ أَوْ تَغْرِيرٌ فِعْلِيٌّ أَوْ قَضَاءٌ عُرْفِيٌّ ، فَمِنْهُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ وَالْحَلِفِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَدْ شَرَعَ فِي سَبَبِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ ( يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَقَوْلُهُ أَوْ يَقُولَ مَنْصُوبٌ بِأَوْ بِتَقْدِيرِ إلَّا أَنْ أَوْ إلَى أَنْ ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ فَقَالَ أَوْ يَقُلْ ، وَبَيَّنَ أَنْوَاعَ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ ( كَالصَّرْفِ وَ ) بَيْعِ ( الطَّعَامِ بِطَعَامٍ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَشْمَلُ الْكُلَّ ، وَخَرَجَ بِصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى دَيْنٍ فَإِبْرَاءٌ أَوْ عَلَى عَيْنٍ فَهِبَةٌ ، ( وَلَا خِيَارَ فِيهِمَا ، لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصُّلْحَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ ) ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهَا ، وَيَتَنَاوَلُ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ كَمَا
قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَمْ أَرَ مَا يُخَالِفُهُ ، وَيُثْبِتُ أَيْضًا فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ طَرَفَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ ، فَكَذَا فِي الْخِيَارِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ وَرَدَ عَلَى الْغَالِبِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ صُوَرٌ لَا خِيَارَ فِيهَا : مِنْهَا الْحَوَالَةُ فَإِنَّهَا وَإِنْ جُعِلَتْ مُعَاوَضَةً لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاوَضَاتِ وَرُبَّمَا يُقَالُ : إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ فَلَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ بِدَيْنٍ ، وَمِنْهَا شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ كَالْكِتَابَةِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَالْمَجْمُوعِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ بَيْعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ يُشْبِهُ الْفِدَاءَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ .
وَمِنْهَا قِسْمَتَا الْإِفْرَازِ وَالتَّعْدِيلِ سَوَاءٌ أُجْرِيَا بِإِجْبَارٍ أَمْ بِتَرَاضٍ إذَا قُلْنَا : إنَّهُمَا فِي حَالَةِ التَّرَاضِي بَيْعٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا الشَّرِيكُ أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا ؛ وَالْإِجْبَارُ يُنَافِي الْخِيَارَ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ .
أَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ فَفِيهَا الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ لَا إجْبَارَ فِيهَا ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي شِرَاءِ الْجَمْدِ وَلَوْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِحَيْثُ يَنْمَاعُ بِهَا .
وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ تَرَوِّي الْعَاقِدِ فِي اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ لَهُ ، وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي الرِّبَوِيِّ ، فَالْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَانِ ، فَإِذَا قَطَعَ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَيْفَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ، وَمَا قَالَهُ لَا يَتَأَتَّى فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَلْ فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ .
وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ بَلْ الْخِيَارُ لَيْسَ مَحْصُورًا فِيمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِخُلْفٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ) مِنْ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ بَنَى الْخِيَارَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْمِلْكِ ( فَإِنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ ) عَلَى مَرْجُوحٍ ( أَوْ مَوْقُوفٍ ) عَلَى الْأَظْهَرِ ( فَلَهُمَا الْخِيَارُ ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى بِلَا مَانِعٍ ( وَإِنْ قُلْنَا ) : الْمِلْكُ ( لِلْمُشْتَرِي ) عَلَى مَرْجُوحٍ ( تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ ) أَمَّا تَخَيُّرُ الْبَائِعِ فَلِمَا مَرَّ ، وَأَمَّا عَدَمُ تَخَيُّرِ الْمُشْتَرِي ، فَلِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِهِ لَهُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ ، وَلَا يُحْكَمَ بِعِتْقِهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْعَقْدُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ ، وَلَوْ شَرَطَ نَفْيَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ مَثَلًا : إذَا بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَعْتِقْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ نَافِذٌ .
وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ .
( وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ ) وَهِيَ الَّتِي صَرَّحَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ عَنْهَا أَوْ أَطْلَقَ ، وَقُلْنَا : لَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ ، لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ لَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَا خِيَارَ أَيْضًا فِي الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ ، وَكَذَا الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْقِرَاضِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ .
وَكَذَا ذَاتُ الثَّوَابِ
( وَكَذَا ) الْهِبَةُ ( ذَاتُ الثَّوَابِ ) لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا كَذَا قَالَاهُ هُنَا ، وَقَالَا فِي بَابِ الْهِبَةِ : الْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعٌ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ ، وَعَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا هِبَةٌ ، وَإِنْ قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقَيَّدَةَ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ بَيْعٌ ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ هُنَا بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا ، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : مَا هُنَاكَ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُنَا ، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمْ .
وَالشُّفْعَةُ
( وَ ) كَذَا ( الشُّفْعَةُ ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ فِيمَا أُخِذَ بِالْقَهْرِ وَالْإِجْبَارِ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ ثُبُوتُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُلْحَقٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ بِدَلِيلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَصَحَّحَ هَذَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَاسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ .
وَالْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالصَّدَاقُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَ ) كَذَا ( الْإِجَارَةُ ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ ، إذْ هُوَ عَقْدٌ عَلَى مَعْدُومٍ ، وَالْخِيَارُ غَرَرٌ فَلَا يُضَمَّ غَرَرٌ إلَى غَرَرٍ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ .
قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ : وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ .
أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ قَطْعًا كَالسَّلَمِ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّلَمِ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْخِيَارِ اسْمُ الْبَيْعِ وَبِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ أَقْوَى .
وَقِيلَ يَثْبُتُ أَيْضًا فِي الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِمُدَّةٍ ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ ( وَ ) كَذَا ( الْمُسَاقَاةُ ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ كَالْإِجَارَةِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا ( وَ ) كَذَا ( الصَّدَاقُ ) لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الْخَمْسِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَوَجْهُ عَدَمِ إثْبَاتِهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ فِي النِّكَاحِ لَا مَقْصُودٌ ، وَوَجْهُ إثْبَاتِهِ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ ، وَمِثْلُ الصَّدَاقِ عِوَضُ الْخُلْعِ .
وَيَنْقَطِعُ بِالتَّخَايُرِ بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ لِلْآخَرِ .
( وَيَنْقَطِعُ ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ ( بِالتَّخَايُرِ ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ ( بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ بِهَذَا اللَّفْظِ كَقَوْلِهِمَا : تَخَايَرْنَا أَوْ اخْتَرْنَا أَوْ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِمَا : أَمْضَيْنَا الْعَقْدَ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَبْطَلْنَا الْخِيَارَ أَوْ أَفْسَدْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمَا كَخِيَارِ الشَّرْطِ ( فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا ) لُزُومَهُ ( سَقَطَ حَقُّهُ ) مِنْ الْخِيَارِ ( وَبَقِيَ ) الْحَقُّ فِيهِ ( لِلْآخَرِ ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ ، وَقِيلَ : لَا يَبْقَى لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الثُّبُوتِ فَلَا يَتَبَعَّضُ فِي السُّقُوطِ .
لَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاخْتَارَ الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِلْحُكْمِ بِعِتْقِ الْمَبِيعِ قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ بَهْجَتِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : اخْتَرْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْقَائِلِ ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَرْ صَاحِبُهُ لِتَضَمُّنِهِ الرِّضَا بِاللُّزُومِ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا اللُّزُومَ عَنْ اخْتِيَارِهِ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْآخَرُ اللُّزُومَ ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ الْإِجَازَةِ لِأَصَالَتِهَا وَتَبَايُعِهِمَا فِي الْعِوَضَيْنِ ، وَلَوْ رِبَوِيَّيْنِ بَعْدَ قَبْضِهِمَا بَيْعًا ثَانِيًا إجَارَةً لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ رِضًا بِلُزُومِهِ وَيَصِحُّ الثَّانِي وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ ، وَلَوْ أَجَازَا فِي الرِّبَوِيِّ قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ ، وَإِنْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ .
وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا ، فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا ، وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ .
( وَ ) يَبْطُلُ أَيْضًا خِيَارُ الْمَجْلِسِ ( بِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا ) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا ) ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَوْ تَبَايَعَ شَخْصَانِ مُلْتَصِقَانِ دَامَ خِيَارُهُمَا مَا لَمْ يَخْتَارَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا بَاعَ لِابْنِهِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَفَارَقَ الْمَجْلِسَ انْقَطَعَ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ شَخْصٌ وَاحِدٌ .
لَكِنْ أُقِيمَ مَقَامَ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الْمُلْتَصِقَيْنِ فَإِنَّهُمَا شَخْصَانِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مِنْ الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْآخَرُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ لَا يَتَبَعَّضُ بِخِلَافِ التَّخَايُرِ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ " إذَا ابْتَاعَ شَيْئًا فَارَقَ صَاحِبَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ " قَامَ يَمْشِي هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ " .
فَإِنْ قِيلَ : قَضِيَّةُ ذَلِكَ حِلُّ الْفِرَاقِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلُهُ صَاحِبُهُ .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ } .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ ، وَلَوْ حُمِلَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فَأُخْرِجَ مِنْ الْمَجْلِسِ مُكْرَهًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَكَذَا لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ ، وَلَوْ لَمْ يَسُدَّ فَمَهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ كَلَا فِعْلٍ وَالسُّكُوتَ عَنْ الْفَسْخِ لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْمَجْلِسِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّ النَّاسِيَ وَالْجَاهِلَ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا مَعَ تَسْوِيَتِهِمَا
لِلْمُكْرَهِ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ .
أُجِيبَ بِنِسْبَتِهِمَا لِلتَّقْصِيرِ هُنَا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ ، فَإِنْ فَارَقَهُ الْإِكْرَاهُ فِي مَجْلِسٍ فَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ أَوْ مَارًّا فَحَتَّى يُفَارِقَ مَكَانَهُ الَّذِي انْقَطَعَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ .
وَأَمَّا صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ إلَّا إنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ ، وَلَوْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَخِيَارِ الْهَارِبِ ، وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَنْ يَتْبَعَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ ، وَلِأَنَّ الْهَارِبَ فَارَقَ مُخْتَارًا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ بَقِيَ خِيَارُهُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ فَفَارَقَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا مَنُوطٌ بِالتَّفَرُّقِ ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَاكَ مَنُوطٌ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ الْحَالِفِ .
نَعَمْ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا نَفْتَرِقُ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا هُنَا .
أَمَّا إذَا تَبِعَهُ فَالْخِيَارُ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَبَاعَدَا كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ ، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّبَاعُدَ قَوْلُ الْبَسِيطِ : إنْ لَحِقَهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى مَسَافَةٍ يَحْصُلُ بِمِثْلِهَا الْمُفَارَقَةُ عَادَةً فَالْخِيَارُ بَاقٍ وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِلُحُوقِهِ ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا أَيْضًا مَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي مَنْ ضَبَطَهُ بِفَوْقَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ، فَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَاحِدٌ ( وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ ) فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا لَا فَلَا ، لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلَا لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، فَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ فَبِالْخُرُوجِ مِنْ
الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى الصُّفَّةِ أَوْ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مُتَفَاحِشِ السَّعَةِ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ سَمَاعِ خِطَابِهِ ، وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ صَغِيرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ صَغِيرٍ فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ أَوْ صُعُودِهِ السَّطْحَ ، وَلَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِإِقَامَةِ سِتْرٍ وَلَوْ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ بَاقٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَاهُ أَوْ يُبْنَى بِأَمْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِالْحُصُولِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ : وَلَوْ تَنَادَيَا بِالْبَيْعِ مِنْ بَعْدُ ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ وَامْتَدَّ مَا لَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ ، فَإِنْ فَارَقَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا بَطَلَ خِيَارُهُمَا ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ : هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ جِهَةَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِدَوَامِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ حُكْمُ مَا لَوْ تَبَايَعَا بِالْمُكَاتَبَةِ .
وَلَوْ مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ .
( وَلَوْ مَاتَ ) أَحَدُهُمَا ( فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ( فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ ) أَيْ الْخِيَارِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ( إلَى الْوَارِثِ ) وَلَوْ عَامًّا ( وَ ) فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى ( الْوَلِيِّ ) مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ وَإِلَى السَّيِّدِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْمَأْذُونِ لَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ سَوَاءٌ فِيهِ عَقْدُ الرِّبَا وَغَيْرُهُ ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَفْعَلُ عَنْهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ ، وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ إنْ كَانَ مَنْ ذُكِرَ فِي الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لَهُ مَعَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ الْخِيَارُ وَامْتَدَّ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَوَصَلَهُ الْخَبَرُ امْتَدَّ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَ الْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْحَيَاةِ أَوْلَى بِهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ وَفِي مَعْنَاهَا مُفَارَقَةُ الْعَقْلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ وَرِثَهُ جَمَاعَةٌ حُضُورٌ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُمْ بِفِرَاقِ بَعْضِهِمْ لَهُ بَلْ يَمْتَدُّ حَتَّى يُفَارِقُوهُ كُلُّهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْمُوَرِّثِ وَهُوَ لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ إلَّا بِمُفَارَقَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ غَائِبُونَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لَهُمْ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضِ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَفِي بَعْضِهَا إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ .
وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَارِثُ الْغَائِبُ وَاحِدًا أَمْ مُتَعَدِّدًا ، وَلَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ الْآخَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِ بَعْضِهِمْ فِي نَصِيبِهِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ ، وَلَوْ أَجَازَ الْبَاقُونَ كَمَا لَوْ
فَسَخَ الْمُوَرِّثُ فِي الْبَعْضِ وَأَجَازَ فِي الْبَعْضِ وَلَا يَتَبَعَّضُ الْفَسْخُ لِلْإِضْرَارِ بِالْحَيِّ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُمْ ثُمَّ اطَّلَعُوا عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَفَسَخَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْفَسِخُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ ، وَهُوَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْبَعْضِ فَهَلَّا كَانَ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ لِلضَّرَرِ ثَمَّ جَابِرًا وَهُوَ الْأَرْشُ وَلَا جَابِرَ لَهُ هُنَا ، وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ أَوْ فَسَخَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ نَفَذَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ : الْوَجْهُ نُفُوذُ فَسْخِهِ دُونَ إجَازَتِهِ ، وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ وَلَا كِتَابَةَ لَهُ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ : كَمَا لَوْ جُنَّ وَإِنْ أَمْكَنَتْ الْإِجَازَةُ مِنْهُ بِالتَّفَرُّقِ ، وَلَيْسَ هُوَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ نَابَ عَنْهُ فِيمَا تَعَذَّرَ مِنْهُ بِالْقَوْلِ .
أَمَّا إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ أَوْ كَانَ لَهُ كِتَابَةٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِطِفْلِهِ شَيْئًا فَبَلَغَ رَشِيدًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْخِيَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيَبْقَى لِلْوَلِيِّ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ ، وَأَجْرَاهُمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ .
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ أَوْ الْفَسْخِ قَبْلَهُ صُدِّقَ النَّافِي .
( وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ ) بِأَنْ جَاءَا مَعًا وَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَأَرَادَ الْفَسْخَ ( أَوْ ) فِي ( الْفَسْخِ قَبْلَهُ ) أَيْ التَّفَرُّقِ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى حُصُولِ التَّفَرُّقِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا : فَسَخْتُهُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ( صُدِّقَ النَّافِي ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الِاجْتِمَاعِ وَعَدَمُ الْفَسْخِ ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ .
فَصْلٌ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَتُحْسَبُ مِنْ الْعَقْدِ ، وَقِيلَ مِنْ التَّفَرُّقِ ، وَالْأَظْهَرُ
ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ ، فَقَالَ : فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ( لَهُمَا ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ ) عَلَى الْآخَرِ الْمُدَّةَ الْآتِيَةَ مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ بِالْإِجْمَاعِ .
نَعَمْ إنْ اسْتَعْقَبَ الْمِلْكَ الْعِتْقُ : كَأَنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ ، فَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ : كَأَنْ يَشْرِطَ لِأَحَدِهِمَا خِيَارَ يَوْمٍ وَلِلْآخَرِ خِيَارَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ يَوْمٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي أَثْنَائِهِ فَزَادَ وَارِثُهُ مَعَ الْآخَرِ خِيَارَ يَوْمٍ آخَرَ جَازَ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَيَجُوزُ لِلْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِالْمَبِيعِ ، وَلَا يَثْبُتُ مَعَ شَرْطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لِلشَّارِطِ اقْتِصَارًا عَلَى الشَّرْطِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ بُلُوغِ الْأَجْنَبِيِّ لَا رُشْدِهِ ، وَإِذَا مَاتَ الْأَجْنَبِيُّ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلشَّارِطِ ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُوَكِّلَهُ ، وَلَيْسَ لِوَكِيلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يَشْرِطَهُ لِلْآخَرِ ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَهُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ ، وَلَا يَتَجَاوَزُ الْخِيَارُ مَنْ شُرِطَ لَهُ ، فَلَوْ شُرِطَ لِلْوَكِيلِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَكِّلِ وَبِالْعَكْسِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ مُوَكِّلُهُ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لَكَ فَاشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ وَأَطْلَقَ ثَبَتَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَحْدَهُ ، وَلَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَنُوطٌ بِرِضَا وَكِيلِهِ ، وَلَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ عَبْدًا مُسْلِمًا لِمُسْلِمٍ وَجَعَلَ
الْخِيَارَ لِكَافِرٍ أَوْ بَاعَ حَلَالٌ لِحَلَالٍ صَيْدًا وَجَعَلَ الْخِيَارَ لِمُحْرِمٍ صَحَّ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ خِلَافًا لِوَالِدِهِ ، إذْ لَا مِلْكَ وَلَا وِلَايَةَ ، وَحَيْثُ ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ الْخِيَارُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ حَظُّ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْحَظِّ ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَا بِمَوْتِ الْوَكِيلِ وَلَا الْمُوَكِّلِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ يُوهِمُ جَوَازَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالشَّرْطِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ ، وَلِذَلِكَ قُلْتُ مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ الشَّارِطِ لِوُضُوحِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ الْمَشْرُوطِ لَهُ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُوفِي بِمَقْصُودِهِ ، فَلَوْ قَالَ : يَجُوزُ شَرْطُهُمَا الْخِيَارَ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا لَأَفَادَ مَقْصُودَهُ ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ رَدُّ عِبَارَتِهِ إلَى الصَّوَابِ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ قَوْلَهُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخِيَارِ ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ ( فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ ) أَيْ شَرْطُ الْخِيَارِ الْكَائِنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا ثَابِتٌ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَتُوهِمُ جَوَازَ اشْتِرَاطِ وَكِيلِ الْبَائِعِ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَجَوَازَ اشْتِرَاطِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِي غَيْرِهِ كَالْفُسُوخِ وَالْعِتْقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ( إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ )
فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ لِأَحَدٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ ، وَالْخِيَارُ أَعْظَمُ غَرَرًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ مِنْ لُزُومِهِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِثَالَيْنِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالرِّبَوِيِّ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَالسَّلَمِ ، وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ مَسَائِلَ : مِنْهَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ ، وَمِنْهَا الْحَوَالَةُ إذَا جَعَلْنَاهَا بَيْعًا ، وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ ، وَمِنْهَا الْمُصَرَّاةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ فِيهَا لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْحَلْبِ وَتَرْكُ الْحَلْبِ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ حَلُوبٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةً ، إذْ تَرْكُهَا ثَلَاثًا بِلَا حَلْبٍ يَضُرُّهَا بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ أَشَدَّ ضَرَرًا .
فَإِنْ قِيلَ لَكَ أَنْ تَقُولَ : مَا الْمَانِعُ مِنْ حَلْبِ الْبَائِعِ لَهَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حِينَئِذٍ وَاللَّبَنُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّبَنَ الْمَوْجُودَ حَالَ الْبَيْعِ مَبِيعٌ فَهُوَ كَالْحَمْلِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْبَائِعِ الْحَلْبُ لِذَلِكَ ، وَالْبَائِعُ إنَّمَا يَمْلِكُ لَوْ تَمَّ الْبَيْعُ لِلَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ ، وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ ثُمَّ بَاعَهُ وَشَرَطَ الْخِيَارَ وَفَسَخَ وَهَكَذَا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا بَاتًّا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْخِيَارِ لِلْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَقَرَّهُ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ : كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ لَنَا غَيْرَهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي
الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُوجَدْ .
أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْأُجْرَةِ فِيهَا فِي الْمَجْلِسِ ( وَإِنَّمَا يَجُوزُ ) شَرْطُ الْخِيَارِ ( فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ) مُتَّصِلَةٍ بِالْعَقْدِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ مُتَوَالِيَةٍ ( لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ امْتِنَاعُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِوَضْعِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ أَوْ لُزُومَهُ ثَبَتَ فِي الثَّلَاثِ بِمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا { أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَشَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ } وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ { وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ } ، وَالْخِلَابَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَمَعْنَاهُ لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ ، فَثَبَتَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِالنَّصِّ ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَائِعُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ مَا زَادَ عَلَى الْأَصْلِ ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا ، فَإِذَا كَانَا عَالِمَيْنِ بِمَدْلُولِهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ بِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ ، وَقَالَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ؛ } وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهَا غَالِبًا ، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَضَمَّنُ غَالِبًا زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ مُحَابَاةً ، فَإِذَا سَقَطَتْ انْجَرَّتْ الْجَهَالَةُ إلَى الثَّمَنِ بِسَبَبِ مَا يُقَابِلُ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ ،
فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي الثَّلَاثِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، فَإِنْ شَرَطَ الثَّلَاثَ مِنْ الْغَدِ أَوْ فَرَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا لَزِمَ لَا يَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ جَائِزًا ، وَيَدْخُلُ فِي الْأَيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيَالِي لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ عُقِدَ وَقْتَ الْفَجْرِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ النَّهَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَوْمًا ثَبَتَ إلَى نِصْفِ الْيَوْمِ الثَّانِي ، وَيَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي حُكْمِ النَّهَارِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ( وَتُحْسَبُ ) الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ ( مِنْ ) حِينِ ( الْعَقْدِ ) الْوَاقِعِ فِيهِ الشَّرْطُ كَالْأَجَلِ ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا مِنْ التَّفَرُّقِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مِنْ التَّفَرُّقِ لَصَارَ أَوَّلُ مُدَّةٍ الْخِيَارِ مَجْهُولَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَتَى يَفْتَرِقَانِ ( وَقِيلَ ) تُحْسَبُ ( مِنْ التَّفَرُّقِ ) أَوْ التَّخَايُرِ ، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّارِطَ يَقْصِدُ بِالشَّرْطِ زِيَادَةً عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمَجْلِسُ ، وَعُورِضَ بِأَنَّ التَّفَرُّقَ مَجْهُولٌ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَاعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ .
وَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ وَقُلْنَا بِثُبُوتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، فَالْحُكْمُ عَلَى الثَّانِي لَا يَخْتَلِفُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُحْسَبُ مِنْ الشَّرْطِ لَا مِنْ الْعَقْدِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشَّرْطِ بَدَلًا عَنْ الْعَقْدِ لَدَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ ، وَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ خِيَارُهُ فَقَطْ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَبِالْعَكْسِ ، وَيَجُوزُ إسْقَاطُ الْخِيَارَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ، فَإِنْ
أَطْلَقَا الْإِسْقَاطَ سَقَطَا ، وَلِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَبِلَا إذْنِ حَاكِمٍ ، لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ .
وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ : أَنْ يُشْهِدَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى النِّزَاعِ ( وَالْأَظْهَرُ ) فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ .
أَنَّهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ .
( لَوْ كَانَ الْخِيَارُ ) الْمَشْرُوطُ ( لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ ) مَعَ تَوَابِعِهِ كَلَبَنٍ وَمَهْرٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَنُفُوذِ عِتْقٍ وَحِلِّ وَطْءٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ( لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ ) أَيْ الْمِلْكُ ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ هُوَ وَحْدَهُ مُتَصَرِّفًا فِي الْمَبِيعِ ، وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْخِيَارُ ( لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ ) أَيْ الْمِلْكُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَوَقَّفْنَا ( فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ ) أَيْ الْمِلْكَ فِيمَا ذُكِرَ ( لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ ) ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ .
وَالثَّانِي الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا لِتَمَامِ الْبَيْعِ لَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ .
وَالثَّالِثُ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ ، وَكَوْنُهُ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَخْتَارَ الْآخَرُ لُزُومَ الْعَقْدِ ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ لِأَحَدِهِمَا حُكِمَ بِمِلْكِ الثَّمَنِ لِلْآخَرِ ، وَحَيْثُ وَقَفَ وَقَفَ مِلْكُ الثَّمَنِ وَلَوْ شَرْطُ الْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ .
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِمَنْ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا ، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَمَوْقُوفٌ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا فَهَلْ يَغْلِبُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا أَوْ الثَّانِي فَيَكُونُ لِذَلِكَ الْأَحَدِ ؟ ، الظَّاهِرُ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَرُ غَالِبًا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ : الظَّاهِرُ الثَّانِي مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ
لِوَاحِدٍ بِأَنْ أُلْزِمَ الْبَيْعُ مِنْ الْآخَرِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ الْآخَرِ وَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ مَبِيعٌ كَالْأُمِّ فَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَا كَالزَّوَائِدِ الْحَاصِلَةِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ مِنْ الزَّوَائِدِ ، وَمَتَى وَطِئَ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ حَلَّ لَهُ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا .
فَإِنْ قِيلَ : حِلُّ وَطْءِ الْمُشْتَرِي مُتَوَقِّفٌ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ عَلَى الْأَصَحِّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحِلِّ الْوَطْءِ حِلُّهُ الْمُسْتَنِدُ لِلْمِلْكِ لَا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ كَحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ زَوْجَتَهُ فَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي زَمَنِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَقَعَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ ، وَكَذَا يَقَعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ لَا إنْ تَمَّ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَإِنْ فَسَخَ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ فَلَا يَقَعُ ، وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لَهُ وَحْدَهُ لِجَهَالَةِ جِهَةِ الْمُبِيحِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي : أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ .
أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَيَجُوزُ الْوَطْءُ بِالزَّوْجِيَّةِ لِبَقَائِهَا .
وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا : كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَرَفَعْتُهُ وَاسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ ، وَفِي الْإِجَازَةِ : أَجَزْتُهُ وَأَمْضَيْتُهُ
( وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ ) لِلْعَقْدِ ( وَالْإِجَازَةُ ) لَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ( بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا ) فَفِي الْفَسْخِ ( كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَرَفَعْتُهُ وَاسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ ) وَرَدَدْتُ الثَّمَنَ ( وَفِي الْإِجَازَةِ : أَجَزْتُهُ ) أَيْ الْبَيْعَ ( وَأَمْضَيْتُهُ ) وَأَلْزَمْتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرَائِحٌ ، وَيَحْصُلَانِ بِالْكِنَايَةِ أَيْضًا .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : .
وَوَطْءُ الْبَائِعِ وَإِعْتَاقُهُ فَسْخٌ ، وَكَذَا بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَزْوِيجُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ ، وَأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلَ فِيهِ لَيْسَ فَسْخًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَسْخُ بِالْخِيَارِ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ الثَّانِي وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ( وَوَطْءُ الْبَائِعُ ) الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ ( وَإِعْتَاقُهُ ) الرَّقِيقَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ( فَسْخٌ ) لِلْبَيْعِ : أَيْ مُتَضَمِّنٌ لَهُ .
أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلِتَضَمُّنِهِ الْفَسْخَ .
وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلِإِشْعَارِهِ بِاخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ .
فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْعَةَ لِتَدَارُكِ النِّكَاحِ ، وَابْتِدَاؤُهُ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ ، وَالْفَسْخُ هُنَا لِتَدَارُكِ الْمِلْكِ ، وَابْتِدَاؤُهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَالسَّبْيِ وَالِاحْتِطَابِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ ، وَمُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ وَالْقُبْلَةِ لَيْسَتْ فَسْخًا كَاسْتِخْدَامِهِ الرَّقِيقَ وَرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : الْأَشْبَهُ أَنَّهَا فَسْخٌ ، وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ مِنْهُمَا مُطْلَقًا ، وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا ، فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنٍ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِأَنْ فَسَخَ لَا إنْ تَمَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ فِيهِمَا ، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ حُرٌّ نَسِيبٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِلشُّبْهَةِ وَحَيْثُ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لَا يَثْبُتُ اسْتِيلَادُهُ وَإِنْ مَلَكَ الْأَمَةَ بَعْدَ الْوَطْءِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ لَهَا حِينَ الْعُلُوقِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَهُ فَكَمَا لَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ فِي الْمَهْرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْقِيمَةِ ، وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ
لِلْمُشْتَرِي لَا أَبِيعُ حَتَّى تَزِيدَ فِي الثَّمَنِ أَوْ تُعَجِّلَهُ وَقَدْ عَقَدَ بِمُؤَجَّلٍ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي فُسِخَ وَكَذَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي : لَا أَشْتَرِي حَتَّى تُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ تُؤَجِّلَهُ وَقَدْ عَقَدَ بِحَالٍّ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ ( وَكَذَا بَيْعُهُ ) الْمَبِيعَ ( وَإِجَارَتُهُ ) وَوَقْفُهُ ( وَتَزْوِيجُهُ ) وَرَهْنُهُ الْمَقْبُوضَ وَهِبَتُهُ الْمَقْبُوضَةَ فَسْخٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ ، وَصَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْضًا ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ إلَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ .
وَالثَّانِي لَا يَكْتَفِي فِي الْفَسْخِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَقْدِ فَيُسْتَصْحَبُ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْفَسْخُ صَرِيحًا ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْعِتْقُ فَسْخًا لِقُوَّتِهِ ( وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ) الْوَطْءَ وَمَا بَعْدَهُ ( مِنْ الْمُشْتَرِي ) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ( إجَازَةٌ ) لِلشِّرَاءِ لِإِشْعَارِهَا بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : لَا يَكْتَفِي فِي الْإِجَازَةِ بِذَلِكَ ، وَعُلِمَ بِمَا مَرَّ أَنَّ وَطْأَهُ حَلَالٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ : إنَّهُ حَلَالٌ إنْ أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ إجَازَةٌ ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ .
وَيُسْتَثْنَى الْوَطْءُ مِنْ الْخُنْثَى وَالْوَطْءُ لَهُ فَلَيْسَ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْطُوءُ فِي الثَّانِيَةِ الْأُنُوثَةَ بَعْدَ الْوَطْءِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقِيَاسُهُ : أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الْوَاطِئُ فِي الْأُولَى الذُّكُورَةَ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْوَطْءِ فَسْخًا أَوْ إجَازَةً إذَا عَلِمَ الْوَاطِئُ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ هِيَ الْمَبِيعَةُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِوَطْئِهِ الزِّنَا لِاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْتَاقُ نَافِذٌ مِنْهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ ، فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ
الْبَائِعُ نَفَذَ وَكَانَ إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَمَوْقُوفٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُمَا ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا ، وَغَيْرُ نَافِذٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ ، وَالْبَقِيَّةُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَأَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ أَوْ بَاعَ لِلْبَائِعِ نَفْسَهُ وَإِلَّا فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ إنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ الْعَرْضَ ) لِلْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ( عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ ) وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا قَبْضٌ ( لَيْسَ فَسْخًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْمُشْتَرِي ) لِعَدَمِ إشْعَارِهَا مِنْ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُشْتَرِي بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ أَنْ يَسْتَبِينَ مَا يَدْفَعُ فِيهِ لِيَعْلَمَ أَرَبِحَ أَمْ خَسِرَ ؟ .
وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فَسْخٌ وَإِجَازَةٌ .
فَإِنْ قِيلَ : إنْ ذَلِكَ رُجُوعٌ فِي الْوَصِيَّةِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا ؟ .
أُجِيبَ بِضَعْفِ الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي إلَّا أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ .
فَصْلٌ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ كَخِصَاءِ رَقِيقٍ وَزِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ وَبَوْلِهِ فِي الْفِرَاشِ وَبَخَرِهِ وَصُنَانِهِ وَجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَعَضِّهَا وَكُلِّ مَا يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوْ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ
ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ ، فَقَالَ فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِفَوَاتِ مَقْصُودٍ مَظْنُونٍ ، نَشَأَ الظَّنُّ فِيهِ مِنْ قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ أَوْ الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ أَوْ تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالْعُرْفِ ، وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ ، فَقَالَ ( لِلْمُشْتَرِي ) الْجَاهِلِ بِمَا يَأْتِي ( الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ ) وَالْمُرَادُ بِقِدَمِهِ كَوْنُهُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي .
أَمَّا الْمُقَارِنُ فَبِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي ، لِأَنَّ حُصُولَ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ هُوَ الْغَالِبُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَرْدِهِ مَسَائِلُ : مِنْهَا مَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي .
وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا أَوْ وَلِيَّ مَحْجُورٍ أَوْ عَامِلَ قِرَاضٍ وَكَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الْإِمْسَاكِ .
وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَرَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْدِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى إزَالَةِ الْعَيْبِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ .
نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ كَالْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَقْصُودِ كَالْعَيْبِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ ، فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ مُتَّصِفًا بِصِفَةٍ تَزِيدُ عَلَى ثَمَنِهِ ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا قَبْلَ وُجُودِهَا ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( كَخِصَاءِ ) حَيَوَانٍ بِالْمَدِّ ( رَقِيقٍ )
أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْخَصِيُّ ، وَالْجَبُّ كَالْخِصَاءِ ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَتُهُ تُفْهِمُ بِغَيْرِ مَا قَدَّرْتُهُ أَنَّ الْخِصَاءَ فِي الْبَهَائِمِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَيْبٌ فِيهَا ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالرَّقِيقِ .
وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ الثِّيرَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْخِصَاءُ ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارٌ لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِمْ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي الضَّأْنِ الْمَقْصُودُ لَحْمُهُ تَوَقُّفٌ لِغَلَبَةِ ذَلِكَ فِيهِ ، وَكَذَا فِي الْبَرَاذِينِ وَالْبِغَالِ ، بَلْ الْفُحُولَةُ نَقْصٌ فِيهَا ( وَزِنَاهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ ) أَيْ كُلٍّ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَوْ تَابَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الزِّنَا لَا تَزُولُ ، وَلِهَذَا لَا يَعُودُ إحْصَانُ الْحُرِّ الزَّانِي بِالتَّوْبَةِ ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السَّرِقَةَ أَوْ الْإِبَاقَ مَعَ التَّوْبَةِ عَيْبٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْإِبَاقِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ السَّرِقَةِ مَا إذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ وَمَعَهُ عَبْدُهُ فَسَرَقَ الْعَبْدُ مَالَ حَرْبِيٍّ .
قَالَ : وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنْ لَا يُجْعَلَ ذَلِكَ عَيْبًا مُثْبِتًا لِلرَّدِّ ابْتِدَاءً ا هـ .
وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ ؛ لِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ إبَاقِ الْعَبْدِ مَا لَوْ خَرَجَ عَبْدٌ مِنْ بِلَادِ الْهُدْنَةِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَجَاءَ إلَيْنَا فَلِلْإِمَامِ بَيْعُهُ ، وَلَا يُجْعَلُ بِذَلِكَ آبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِبَاقَ مَطْلُوبٌ ، وَحَيْثُ قِيلَ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِبَاقِ فَمَحَلُّهُ فِي حَالِ عَوْدِهِ .
أَمَّا حَالَ إبَاقِهِ فَلَا رَدَّ قَطْعًا وَلَا أَرْشَ فِي
الْأَصَحِّ ( وَبَوْلِهِ فِي الْفِرَاشِ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إنْ خَالَفَ الْعَادَةَ بِأَنْ اعْتَادَهُ لِسَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ تَقْرِيبًا ؛ لِأَنَّهُ يَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ كِبَرِ الْعَبْدِ لَمْ يَرُدَّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ ، لِأَنَّ عِلَاجَهُ فِي الْكِبَرِ صَعْبٌ فَصَارَ كِبَرُهُ عَيْبًا حَدَثَ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَمَحَلُّ الرَّدِّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا كَانَ يَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَظَهَرَ أَمْرُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي .
أَمَّا لَوْ كَانَ يَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ لَمْ يَبُلْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَيْبَ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْبَيْعِ ( وَبَخَرِهِ ) وَهُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ مِنْ قَلَحِ الْأَسْنَانِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِ الْفَمِ ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْقَلَحِ لَا يُسَمَّى بَخَرًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ ( وَصُنَانِهِ ) الْمُسْتَحْكِمِ دُونَ مَا يَكُونُ لِعَارِضِ عَرَقٍ أَوْ حَرَكَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ ، فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ نَمَّامًا ، أَوْ كَذَّابًا ، أَوْ سَاحِرًا ، أَوْ قَاذِفًا لِلْمُحْصَنَاتِ ، أَوْ مُقَامِرًا ، أَوْ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَرْكِ مَا يُقْتَلُ بِهِ مِنْهَا أَوْ شَارِبًا مَا يُسْكِرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ بِشُرْبِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ دُونَ مَنْ يَعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ غَالِبٌ فِيهِمْ ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا ، أَوْ وَاضِحًا ، أَوْ مُخَنَّثًا ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا الَّذِي تُشْبِهُ حَرَكَاتُهُ حَرَكَاتِ النِّسَاءِ خَلْقًا وَخُلُقًا ، أَوْ مُمَكِّنًا مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مُرْتَدًّا ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِنْ تَابَ أَوْ مُحْرِمًا بِإِذْنٍ مِنْ الْبَائِعِ ، أَوْ كَافِرًا لَمْ يُجَاوِرْهُ كُفَّارٌ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ ، فَإِنْ جَاوَرَهُ كُفَّارٌ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ ، أَوْ كَوْنُ الْأَمَةِ
رَتْقَاءَ ، أَوْ قَرْنَاءَ ، أَوْ مُسْتَحَاضَةً ، أَوْ يَتَطَاوَلُ طُهْرُهَا فَوْقَ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ ، أَوْ لَا تَحِيضُ وَهِيَ فِي سِنِّ الْحَيْضِ غَالِبًا بِأَنْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ سَنَةً ، قَالَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ أَوْ حَامِلًا ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ هَلَاكِهَا بِالْوَضْعِ لَا فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلَامَةُ ، أَوْ مُعْتَدَّةً وَلَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَحْوِ نَسَبٍ خِلَافًا لِلْجِيلِيِّ فِي الْمُحَرَّمَةِ أَوْ كَافِرَةً كُفْرًا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ كَوَثَنِيَّةٍ ، وَاصْطِكَاكِ الْكَعْبَيْنِ ، وَسَوَادُ الْأَسْنَانِ أَوْ حُمْرَتُهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ ، أَوْ خُضْرَتُهَا ، أَوْ زُرْقَتُهَا ، أَوْ تَرَاكُمُ الْوَسَخِ الْفَاحِشِ فِي أُصُولِهَا ، وَذَهَابُ الْأَشْفَارِ مِنْ الْأَمَةِ ، وَكِبَرُ أَحَدِ ثَدْيَيْهَا ، وَالْخِيلَانُ الْكَثِيرَةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعُ خَالٍ ، وَهُوَ الشَّامَةُ ، وَآثَارُ الشِّجَاجِ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : أَوْ كَوْنُهُ أَعْسَرَ ، وَفَصَّلَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ : إنْ كَانَ أَضْبَطَ وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ مَعًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ ، وَلَعَلَّ الرُّويَانِيَّ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ، أَوْ أَشَلَّ ، أَوْ أَقْرَعَ ، وَهُوَ مَنْ ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ بِآفَةٍ ، أَوْ أَصَمَّ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ ، أَوْ أَخْفَشَ وَهُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ ضَعِيفُ الْبَصَرِ خِلْقَةً ، وَيُقَالُ : هُوَ مَنْ يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ ، وَفِي الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ ، وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، أَوْ أَجْهَرَ وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ ، أَوْ أَعْشَى وَهُوَ مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ ، وَفِي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ ، وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ ، أَوْ أَخْشَمَ وَأَبْكَمَ : أَيْ أَخْرَسَ ، أَوْ أَرَتَّ لَا يَفْهَمُ كَلَامَهُ غَيْرُهُ ، أَوْ فَاقِدَ الذَّوْقِ ، أَوْ أُنْمُلَةٍ ، أَوْ الظُّفْرِ ، أَوْ الشَّعْرِ وَلَوْ عَانَةً ، أَوْ فِي رَقَبَتِهِ لَا فِي ذِمَّتِهِ فَقَطْ دَيْنٌ .
فَإِنْ قِيلَ : مَنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَا يَصِحُّ
بَيْعُهُ فَكَيْفَ يُعَدُّ مِنْ الْعُيُوبِ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَجْنِي جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، أَوْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ ، أَوْ سِنٌّ شَاغِيَةٌ ، وَهِيَ بِشِينٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَتَيْنِ ، الزَّائِدَةُ الَّتِي تُخَالِفُ نَبْتَتُهَا نَبْتَةَ بَقِيَّةِ الْأَسْنَانِ ، أَوْ سِنٌّ مَقْلُوعَةٌ لَا لِكِبَرٍ ، أَوْ بِهِ قُرُوحٌ أَوْ أَبْهَقَ ، وَالْبَهَقُ بَيَاضٌ يَعْتَرِي الْجِلْدَ يُخَالِفُ لَوْنَهُ وَلَيْسَ مِنْ الْبَرَصِ ، فَالْبَرَصُ وَالْجُذَامُ أَوْلَى ، أَوْ أَبْيَضَ الشَّعْرِ فِي غَيْرِ سِنِّهِ ، وَلَا تَضُرُّ حُمْرَتُهُ ، أَوْ مُخَبَّلًا بِالْمُوَحَّدَةِ ، وَهُوَ مَنْ فِي عَقْلِهِ خَبَلٌ أَوْ فَسَادٌ ، أَوْ أَبْلَهَ ، وَهُوَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ .
رُوِيَ " إنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ " أَيْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا ، وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَبْلَهَ عَلَى مَعْنًى لَطِيفٍ ، وَهُوَ مَنْ يَعْمَلُ لِأَجْلِ النَّعِيمِ ، وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ ، وَلَكِنَّ الْقِسْمَ الثَّانِي أَعْلَى ( وَجِمَاحُ الدَّابَّةِ ) بِالْكَسْرِ : أَيْ امْتِنَاعُهَا عَلَى رَاكِبِهَا ( وَعَضُّهَا ) أَوْ رَمْحُهَا لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ ، وَكَوْنُهَا تَشْرَبُ لَبَنَهَا أَوْ لَبَنَ غَيْرِهَا ، أَوْ تَكُونُ بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْ رُكُوبِهَا السُّقُوطُ لِخُشُونَةِ مَشْيِهَا ، أَوْ سَاقِطَةُ الْأَسْنَانِ لَا لِكِبَرٍ أَوْ قَلِيلَةُ الْأَكْلِ بِخِلَافِ قِلَّةِ الْأَكْلِ فِي الْآدَمِيِّ ، وَالْحُمُوضَةُ فِي الْبِطِّيخِ لَا الرُّمَّانِ عَيْبٌ ، وَلَا رَدَّ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ رَطْبَ الْكَلَامِ وَلَا بِكَوْنِهِ عَقِيمًا ، وَلَا بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِنِّينًا ، وَلَيْسَ عَدَمُ الْخِتَانِ عَيْبًا إلَّا فِي عَبْدٍ كَبِيرٍ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْخِتَانِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ ؛ لِأَنَّ خِتَانَهَا سَلِيمٌ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ ، وَضَبَطَ بَعْضُهُمْ الصَّغِيرَ بِعَدَمِ
الْبُلُوغِ .
وَمِنْ الْعُيُوبِ ظُهُورُ مَكْتُوبٍ بِوَقْفِيَّةِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَثْبُتْ ، وَكَذَا شُيُوعُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَشَقُّ أُذُنِ الشَّاةِ مَثَلًا إنْ مَنَعَ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ .
وَلَمَّا كَانَ لَا مَطْمَعَ فِي اسْتِيفَاءِ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلرَّدِّ ذَكَرَ ضَابِطًا جَامِعًا لَهَا شَامِلًا لِمَا ذَكَرَهُ وَلِمَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَقَالَ ( وَكُلِّ مَا ) بِالْجَرِّ ( يَنْقُصُ الْعَيْنَ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّةِ .
قَالَ تَعَالَى : { ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا } ( أَوْ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ ) إذْ الْغَالِبُ فِي الْأَعْيَانِ السَّلَامَةُ ، فَبَدَلُ الْمَالِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ ، فَإِذَا بَانَ الْعَيْبُ وَجَبَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّدَارُكِ ، فَقَوْلُهُ : يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ قَيْدٌ فِي نَقْصِ الْعَيْنِ خَاصَّةً لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الْفَخِذِ أَوْ السَّاقِ لَا يُوَرِّثُ شَيْئًا وَلَا يُفَوِّتُ غَرَضًا ، فَلَا رَدَّ بِهِ ، فَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ إمَّا بِأَنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ الْقِيمَةِ ، أَوْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَيْدَ عَقِبَ نَقْصِ الْعَيْنِ قَبْلَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ لَكَانَ أَوْلَى .
وَقَوْلُهُ : إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَالْعَيْنِ .
فَأَمَّا الْقِيمَةُ فَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الثُّيُوبَةِ فِي الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ السِّنِّ .
قَالَ شَيْخِي : وَكَذَا الْخِصَاءُ فِي الثِّيرَانِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرِقَّاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الرَّدَّ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْجُلَبِ ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِمْ .
وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَلْعِ الْأَسْنَانِ فِي الْكَبِيرِ ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ : وَقَدْ جَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِبَيَاضِ الشَّعْرِ فِي الْكَبِيرِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا نَحْنُ
فِيهِ .
سَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَمْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَطْعِهِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ فَيَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْأَصَحِّ ، بِخِلَافِ مَوْتِهِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ فِي الْأَصَحِّ .
فَائِدَةٌ : الْعَيْبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ : فِي الْبَيْعِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالْغُرَّةِ ، وَالصَّدَاقِ إذَا لَمْ يُفَارِقْ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا مَرَّ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَا ضَرَّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ مَا نَقَّصَ اللَّحْمَ ، وَفِي النِّكَاحِ مَا نَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ ، وَفِي الصَّدَاقِ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا فَاتَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَالِبُ فِي أَمْثَالِهِ عَدَمَهُ أَمْ لَا ، وَفِي الْإِجَارَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتٌ فِي الْأُجْرَةِ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَيْبُ الْمَرْهُونِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ فَقَطْ ( سَوَاءٌ ) فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ ( قَارَنَ ) الْعَيْبُ ( الْعَقْدَ ) بِأَنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ ( أَمْ حَدَثَ ) بَعْدَهُ وَ ( قَبْلَ الْقَبْضِ ) لِلْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، فَكَذَا جُزْؤُهُ وَلَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِكْرًا مُزَوَّجَةً عَالِمًا فَأَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا .
قَالَ السُّبْكِيُّ : لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا ، وَالْأَقْرَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّ هَذِهِ سَتَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي يَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَاَلَّذِي قَالَهُ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ لَوْ حَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى كَلَامِ السُّبْكِيّ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( وَلَوْ حَدَثَ ) الْعَيْبُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْقَبْضِ ( فَلَا خِيَارَ ) فِي الرَّدِّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ صَارَ مِنْ ضَمَانِهِ ، فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَمَحَلُّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ .
أَمَّا قَبْلَهُ فَيُبْنَى عَلَى مَا إذَا تَلِفَ
حِينَئِذٍ هَلْ يَنْفَسِخُ ، وَالْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِنْ قُلْنَا : يَنْفَسِخُ : أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَحُدُوثُهُ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ ) عَلَى الْقَبْضِ أَوْ الْعَقْدِ وَيَجْهَلُهُ الْمُشْتَرِي ( كَقَطْعِهِ ) أَيْ : الْمَبِيعِ ، الْعَبْدِ ، أَوْ الْأَمَةِ ( بِجِنَايَةٍ ) أَوْ سَرِقَةٍ ( سَابِقَةٍ ) عَلَى الْقَبْضِ ( فَيَثْبُتُ الرَّدُّ ) بِذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ ، وَفِي مَعْنَى الْقَطْعِ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ .
وَالثَّانِي لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَسَلَّطَ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْقَبْضِ فَيَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِهِ ، وَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَطْعِ وَغَيْرَ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ جَزْمًا وَلَا أَرْشَ لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ ( بِخِلَافِ مَوْتِهِ ) أَيْ : الْمَبِيعِ ( بِمَرَضٍ سَابِقٍ ) عَلَى الْقَبْضِ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَثْبُتُ بِهِ لَازِمُ الرَّدِّ الْمُتَعَذِّرِ مِنْ اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَقْطُوعِ بِهِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يَحْصُلْ بِالسَّابِقِ .
وَالثَّانِي : يَثْبُتُ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ أَفْضَى إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ سَبَقَ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُشْتَرِي أَرْشُ الْمَرَضِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ صَحِيحًا وَمَرِيضًا مِنْ الثَّمَنِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ كَمَا فِي التَّذْنِيبِ وَغَيْرِهِ .
أَمَّا غَيْرُهُ كَالْحُمَّى الْيَسِيرَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ زَادَتْ فِي يَدِهِ وَمَاتَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ قَطْعًا لِمَوْتِهِ بِمَا حَدَثَ فِي يَدِهِ ، وَالْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ كَالْمَرَضِ ، وَكَذَا الْحَامِلُ إذَا مَاتَتْ مِنْ
الطَّلْقِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ لَهُ جَزْمًا .
وَلَوْ قُتِلَ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قُتِلَ ) الْمَبِيعُ ( بِرِدَّةٍ ) أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ قِصَاصًا ( سَابِقَةٍ ) عَلَى الْقَبْضِ جَهِلَهَا الْمُشْتَرِي ( ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ ) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ قُبَيْلَ الْقَتْلِ .
وَالثَّانِي : لَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ ، وَلَكِنَّ تَعَلُّقَ الْقَتْلِ بِهِ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ وَغَيْرَ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ ، فَهِيَ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَوْلَى وَعَلَى الْبَائِعِ وُجُوبًا فِي الثَّانِيَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ جَزْمًا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : قُتِلَ بِمُوجِبٍ سَابِقٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ ، وَالْقَتْلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : تَارِكُ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ بِمُوجِبٍ سَابِقٍ ، بَلْ بِتَصْمِيمِهِ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ ، وَالتَّصْمِيمُ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ مُوجِبٌ لِلِاسْتِيفَاءِ كَمَا فِي الرِّدَّةِ ، فَإِنَّهَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْقَتْلِ وَبَقَاؤُهُ عَلَيْهَا مُوجِبٌ لِلِاسْتِيفَاءِ .
قَالَ الشَّارِحُ : وَلَوْ أَخَّرَ عِبَارَتَهُ الْأُولَى ، وَهِيَ قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَوْتِهِ إلَخْ عَنْ الثَّانِيَةِ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ : أَيْ : وَهُوَ قَوْلُنَا تَبَعًا لَهُ لَازِمُ الرَّدِّ ، إذْ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ بَيْعِ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَكَذَا الْمُتَحَتِّمُ قَتْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْقَتْلَ ، وَالثَّانِيَةُ : نَقَلَهَا الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَفَّالِ ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهَا عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي قَتْلِ الْمُحَارِبِ مَعْنَى الْحَدِّ ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَعْنَى
الْقِصَاصِ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَزِمَهُ دِيَتُهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ قَاتِلَ الْعَبْدِ الْمُحَارِبِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ وَفِي الْمُرْتَدِّ بَلْ يَجْرِي فِي غَيْرِهِمَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالصَّائِلِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَيَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِمْ .
وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ ، وَلَهُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِشَرْطٍ فَقَالَ : ( وَلَوْ بَاعَ ) حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ ( بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ ) فِي الْمَبِيعِ أَوْ قَالَ : بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا تَرُدَّ بِعَيْبٍ ( فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ ) الْبَائِعُ ( دُونَ غَيْرِهِ ) أَيْ : الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ مُطْلَقًا ، وَلَا عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ أَمْ لَا ، وَلَا عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ كَمَا قَالَ شَيْخِي مَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا .
وَالثَّانِي : يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ .
وَالثَّالِثُ : لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ فَالْجَهْلُ بِالْمُبَرَّأِ مِنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ صُورَةٌ مِنْ الْحَيَوَانِ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بَاعَ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ ، فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي ، فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ " وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَمَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ : تَرَكْتُ الْيَمِينَ لِلَّهِ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ عَنْهَا ، دَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي صُورَةِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةِ ، وَقَدْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ فِيهَا اجْتِهَادَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَقَالَ : الْحَيَوَانُ يَغْتَذِي فِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طِبَاعُهُ فَقَدْ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ خَفِيٍّ أَوْ ظَاهِرٍ : أَيْ فَيَحْتَاجُ الْبَائِعُ
فِيهِ إلَى شَرْطِ الْبَرَاءَةِ لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْخَفِيِّ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ مُطْلَقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَلْبِيسِهِ فِيهِ .
وَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الظَّاهِرِ فِيهِمَا لِنُدْرَةِ خَفَائِهِ عَلَيْهِ ، أَوْ مِنْ الْخَفِيِّ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذْ الْغَالِبُ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ .
تَنْبِيهٌ : لَا فَرْقَ فِي الْحَيَوَانِ بَيْنَ الْعَبْدِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ : لَفْظَةُ بَاطِنٍ سَاقِطَةٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : وَقَدْ رَأَيْتُ لَفْظَةَ بَاطِنٍ مُخَرَّجَةً عَلَى حَاشِيَةِ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ لَا أَدْرِي هَلْ هِيَ بِخَطِّهِ أَمْ لَا ؟ وَلَيْسَتْ فِي الْمُحَرَّرِ ا هـ .
وَفِي الدَّقَائِقِ لَفْظَةُ بَاطِنٍ مِمَّا زَادَهُ الْمِنْهَاجُ وَلَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي ( مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ ) بَعْدَ الْعَقْدِ وَ ( قَبْلَ الْقَبْضِ ) لِانْصِرَافِ الشَّرْطِ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقِدَمِ فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُصَدَّقُ .
وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ ) مِنْ الْعُيُوبِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ مَعَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا ( لَمْ يَصِحَّ ) الشَّرْطُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ لَهُ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ بِطَرِيقِ التَّبَعِ ، فَإِنْ انْفَرَدَ الْحَادِثُ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ عَيْبٍ عَيَّنَهُ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعَايَنُ كَالْبَرَصِ فَإِنْ أَرَاهُ قَدْرَهُ وَمَوْضِعَهُ بَرِئَ مِنْهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ وَمَوْضِعِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَايَنُ كَالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الْإِبَاقِ بَرِئَ مِنْهُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهَا إعْلَامٌ بِهَا .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَبَعْضُ الْوَرَّاقِينَ فِي زَمَانِنَا يَجْعَلُ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ : أَعْلَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّ بِالْمَبِيعِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ وَرَضِيَ بِهِ ، وَهَذَا جَهْلٌ ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَكْفِي فِيمَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ حَتَّى يُرِيَهُ إيَّاهُ .
وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ فَذِكْرُهُ مُجْمَلًا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذِكْرِ مَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلَا يُفِيدُ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى هَذَا الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ وَبُطْلَانِهِ ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَكُونُ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الْأَمَةَ بِكْرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَبَانَ خِلَافُ ذَلِكَ فَلَهُ الرَّدُّ لِخُلْفِ الشَّرْطِ ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَ الرَّقِيقِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ مَا شَرَطَهُ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا لَمْ تُرَدَّ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ مِمَّا شَرَطَ ، وَقِيلَ :
تُرَدُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ كَضَعْفِ آلَتِهِ أَوْ كِبَرِ سِنِّهِ ، وَقَدْ فَاتَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الرَّقِيقَ كَافِرٌ أَوْ فَحْلٌ أَوْ مَخْتُونٌ أَوْ خَصِيٌّ فَخَرَجَ مُسْلِمًا فِي الْأُولَى أَوْ خَصِيًّا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَقْلَفَ فِي الثَّالِثَةِ ، أَوْ فَحْلًا فِي الرَّابِعَةِ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ ، إذْ فِي الْكَافِرِ مَثَلًا فَوَاتُ كَثْرَةِ الرَّاغِبِينَ إذْ يَشْتَرِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ ، وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ مَنْ قُطِعَ أُنْثَيَاهُ أَوْ سُلَّتَا وَبَقِيَ ذَكَرُهُ ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَقْلَفَ فَبَانَ مَخْتُونًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ إذْ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ إلَّا إنْ كَانَ الْأَقْلَفُ مَجُوسِيًّا بَيْنَ مَجُوسٍ يَرْغَبُونَ فِيهِ بِزِيَادَةٍ فَيَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ فَاسِقًا أَوْ خَائِنًا أَوْ أُمِّيًّا أَوْ أَحْمَقَ أَوْ نَاقِصَ الْخِلْقَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا شَرَطَ ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْأَمَةِ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَبَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِفَوَاتِ حِلِّ الْوَطْءِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ كَوْنُهَا يَهُودِيَّةً فَبَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ قُطْنٌ فَبَانَ كَتَّانًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ .
وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالْأَرْشِ ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إلَى الْقَبْضِ .
( وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ) غَيْرُ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعُ بِجِنْسِهِ ( عِنْدَ الْمُشْتَرِي ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا كَأَنْ أَكَلَ الطَّعَامَ ( أَوْ ) خَرَجَ عَنْ قَبُولِ النَّقْلِ كَأَنْ ( أَعْتَقَهُ ) وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ ، أَوْ وَقَفَهُ وَلَوْ كَافِرًا ، أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ ، أَوْ جَعَلَ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً ( ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ ) بِهِ ( رَجَعَ بِالْأَرْشِ ) لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِفَوَاتِ الْمَبِيعِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَدِّهِ لِإِمْكَانِ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُسْتَرَقُّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ .
قَالَ : وَيَجِبُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَى هَذَا .
ا هـ .
وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ كَافِرًا أَيْضًا ، إذْ عَتِيقُ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَرَقُّ ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ بَعِيدٌ ، فَيَنْبَغِي إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَلَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا جَاهِلًا بِعَيْبِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، أَوْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَأَعْتَقَهُ رَجَعَ بِأَرْشِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ قُرْبَةً فَبَذَلَ الثَّمَنَ وَإِنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ مَا ظَنَّهُ مِنْ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ جُزْءٌ صَارَ مَا قَصَدَ عِتْقَهُ مُقَابَلًا بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَرَجَعَ فِي الْبَاقِي ، وَمَسْأَلَةُ الْقَرِيبِ ، أَوْ مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ إنَّمَا هُوَ الْعِتْقُ لَا الْإِعْتَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ ثُمَّ ظَهَرَ مَعِيبًا وَجَبَ الْأَرْشُ وَاسْتَمَرَّ الْعِتْقُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْكَفَّارَةِ .
قَالَ : وَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْعَيْبُ الْإِجْزَاءَ .
أَمَّا الرِّبَوِيُّ الْمَذْكُورُ كَذَهَبٍ بِيعَ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا فَبَانَ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ فَلَا أَرْشَ فِيهِ ، بَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ ، وَيَغْرَمُ الْبَدَلَ ، وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ .
وَإِلَّا لَنَقَصَ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابَلًا بِأَكْثَرَ مِنْهُ ،
وَذَلِكَ رِبًا إنْ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ ، فَإِنْ وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ غَرِمَ بَدَلَ التَّالِفِ ، وَاسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ وَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ ، وَهَلْ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِ الصَّيْدِ إذَا أَحْرَمَ ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ إتْلَافٌ عَلَيْهِ ؟ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ .
ا هـ .
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مَنْسُوبٌ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ .
وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ عِنْدَهُ .
فَإِنْ كَانَ مَعِيبًا نَقَصَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِ نَقْصِ الْعَيْبِ مِنْ قِيمَةِ رَأْسِ الْمَالِ ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَعُيِّنَ غَرِمَ بَدَلَ التَّالِفِ وَاسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ ، وَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَرْشُ ( جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( نِسْبَتُهُ إلَيْهِ ) أَيْ نِسْبَةُ الْجُزْءِ إلَى الثَّمَنِ ( نِسْبَةُ ) أَيْ مِثْلُ نِسْبَةِ ( مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ ) الْمَبِيعُ ( سَلِيمًا ) إلَيْهَا وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ ، وَقَالَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ السَّلِيمِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مَنْسُوبٍ وَمَنْسُوبٍ إلَيْهِ ، وَالنِّسْبَةُ هُنَا مَذْكُورَةٌ مَرَّتَيْنِ .
فَالْأُولَى : وَهِيَ النِّسْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْأَرْشُ .
وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا الْأَمْرَيْنِ .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَذَكَرَ مَعَهَا الْمَنْسُوبَ خَاصَّةً : وَهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَيُقَالُ : نَأْخُذُ نِسْبَةَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ تَمَامِ الْقِيمَةِ ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِلَا عَيْبٍ مِائَةً وَبِهِ تِسْعِينَ فَنِسْبَةُ النَّقْصِ إلَى قِيمَةٍ عُشْرٌ ، فَالْأَرْشُ عُشْرُ الثَّمَنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الرُّجُوعُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ، فَيَكُونُ جُزْؤُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِجُزْءِ الثَّمَنِ ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ رَدَّ
جُزْءَهُ ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِطَلَبِهِ ، وَقِيلَ بِلَا طَلَبٍ ( وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ ) أَيْ الْمَبِيعِ ( مِنْ يَوْمِ ) أَيْ وَقْتِ ( الْبَيْعِ إلَى ) وَقْتِ ( الْقَبْضِ ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ وَقْتَ الْبَيْعِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّقْوِيمِ وَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ الْقَبْضِ أَوْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّانِيَةِ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّقْوِيمِ .
وَالثَّانِي : اعْتِبَارُ قِيمَةِ وَقْتِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ بِالْمَبِيعِ .
وَالثَّالِثُ : قِيمَةُ وَقْتِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَقَلَّ قِيَمِهِ .
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ : وَهُوَ جَمْعُ قِيمَةٍ ، وَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ ، وَبِذَلِكَ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِهِ .
وَقَالَ : إنَّهُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ : أَقَلُّ قِيمَتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ لِاعْتِبَارِهِ الْوَسَطَ : أَيْ بَيْنَ قِيمَتَيْ الْيَوْمَيْنِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمَا فِي الْكِتَابِ غَرِيبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْكِيًّا فِي أُصُولِهِ الْمَبْسُوطَةِ وَجْهًا فَضْلًا عَنْ اخْتِيَارِهِ ؛ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا زَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ ؟ .
ا هـ .
وَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ دُونَ الْأَظْهَرِ لِيُوَافِقَ الطَّرِيقَةَ الرَّاجِحَةَ وَإِنْ لَمْ يُشْعِرْ بِهَا .
وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَقْوَالٌ مَحْكِيَّةٌ فِي طَرِيقَةٍ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ ، وَالطَّرِيقَةُ الرَّاجِحَةُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ قِيمَتَيْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ ، وَإِذَا اُعْتُبِرَتْ قِيَمُ الْمَبِيعِ .
فَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ قِيمَتَاهُ سَلِيمًا مِائَةً وَقِيمَتُهُ مَعِيبًا وَقْتَ الْعَقْدِ ثَمَانِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ ثَمَانِينَ فَالتَّفَاوُتُ
بَيْنَ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ مَعِيبًا عِشْرُونَ : وَهِيَ خُمْسُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتَاهُ مَعِيبًا ثَمَانِينَ وَسَلِيمًا وَقْتَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ مِائَةً أَوْ وَقْتَ الْعَقْدِ مِائَةً وَوَقْتَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهِ مَعِيبًا ، وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ : وَهِيَ تُسْعُ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِتُسْعِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا مِائَةً وَمَعِيبًا ثَمَانِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ سَلِيمًا مِائَةً وَعِشْرِينَ وَمَعِيبًا تِسْعِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا مِائَةً وَمَعِيبًا تِسْعِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ سَلِيمًا مِائَةً وَعِشْرِينَ وَمَعِيبًا ثَمَانِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ مَعِيبًا عِشْرُونَ : وَهِيَ خُمْسُ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ ، وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى قِيمَتِهِ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ أَيْضًا زَادَتْ الْأَقْسَامُ .
وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ دُونَ الْمَبِيعِ رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتَهُ .
( وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ ) الْمَقْبُوضُ حِسًّا كَأَنْ تَلِفَ أَوْ شَرْعًا كَأَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ ، أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَرَهْنٍ ( دُونَ الْمَبِيعِ ) الْمَقْبُوضِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَأَرَادَ رَدَّهُ بِهِ ( رَدَّهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ الْمُشْتَرِي لِوُجُودِهِ خَالِيًا عَنْ الْمَوَانِعِ ( وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ( أَوْ قِيمَتَهُ ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَاسْتَحَقَّهُ ، فَإِذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ بِذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ ، وَيُعْتَبَرُ أَقَلُّ قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا فِي الْأَرْشُ ، لَكِنَّهُ يُوَافِقُ مَا فِي الْكِتَابِ هُنَاكَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ ا هـ .
وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا ، وَيُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ فَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّا نَعْتَبِرُ الْوَسَطَ هُنَا وَهُنَاكَ ، وَلَوْ صَالَحَهُ الْبَائِعُ بِالْأَرْشِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ الرَّدِّ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ فَأَشْبَهَ خِيَارَ التَّرَوِّي فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ وَلَمْ يَسْقُطْ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُسْلَمْ إلَّا إنْ عَلِمَ بُطْلَانَ الْمُصَالَحَةِ فَيَسْقُطُ الرَّدُّ لِتَقْصِيرِهِ ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ الرَّدُّ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ وَطَلَبُ الْأَرْشِ وَلَا لِلْبَائِعِ مَنْعُهُ مِنْ الرَّدِّ وَدَفْعِ الْأَرْشِ .
وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ فَلَهُ الرَّدُّ ، وَقِيلَ إنْ عَادَ بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ فَلَا رَدَّ ، وَالرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ ، فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي أَوْ يَأْكُلُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ أَوْ لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ آكَدُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ .
تَنْبِيهٌ أَجَّرَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْعَيْنِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ ( وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ ) بِالْمَبِيعِ ( بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ ) عَنْهُ ( إلَى غَيْرِهِ ) بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ ، وَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ فِي يَدِ الثَّانِي ( فَلَا أَرْشَ ) لَهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ فَقَدْ يَعُودُ إلَيْهِ فَيَرُدُّهُ ، وَقِيلَ عِلَّتُهُ أَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَخَرَّجُوا عَلَى هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ زَوَالَهُ بِلَا عِوَضٍ ، فَعَلَى الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ لَا أَرْشَ .
وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ كَمَا لَوْ تَلِفَ ( فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ ) إلَيْهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ انْفَكَّ رَهْنُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( فَلَهُ الرَّدُّ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ ( وَ ) عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ ( قِيلَ إنْ عَادَ ) الْمَبِيعُ إلَيْهِ ( بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ فَلَا رَدَّ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَغَبَنَ غَيْرَهُ كَمَا غُبِنَ هُوَ وَلَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ تَعَذَّرَ الْعَوْدُ لِتَلَفٍ أَوْ إعْتَاقٍ رَجَعَ بِالْأَرْشِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ .
وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُرْمِ لِلثَّانِي وَمَعَ إبْرَائِهِ مِنْهُ .
وَقِيلَ لَا فِيهِمَا بِنَاءً عَلَى التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةَ ( وَالرَّدُّ ) بِالْعَيْبِ ( عَلَى الْفَوْرِ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْجَوَازُ عَارِضٌ .
وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ فَكَانَ فَوْرِيًّا كَالشُّفْعَةِ فَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ .
وَهَذَا فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ .
أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ إذَا قُبِضَ فَوُجِدَ مَعِيبًا .
فَقَالَ الْإِمَامُ : إنْ قُلْنَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالرِّضَا : أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ إذْ
الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرِّضَا .
وَكَذَا إنْ قُلْنَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ .
وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْفَوْرُ فِيمَا يُؤَدِّي رَدُّهُ إلَى رَفْعِ الْعَقْدِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ صُوَرٌ : مِنْهَا لَوْ أَجَّرَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْعَيْنِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ .
وَمِنْهَا قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ .
وَمَنْ يَنْشَأُ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ إذَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ .
وَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ قُبِلَ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ مَالًا زَكَوِيًّا قَبْلَ الْحَوْلِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا .
وَقَدْ مَضَى حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يُخْرِجْ الزَّكَاةَ بَعْدُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ حَتَّى يُخْرِجَهَا سَوَاءٌ أَقُلْنَا : الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ عَيْنِهَا لَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي .
وَذَلِكَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَلَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ .
لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ قَبْلَهُ .
وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِالشِّقْصِ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فَأَمْسَكَ عَنْ رَدِّهِ انْتِظَارًا لِلشَّفِيعِ .
فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا بَطَلَ حَقُّهُ بِالِانْتِظَارِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَا .
وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالرَّدِّ بِعَيْبٍ وَأَخَذَ فِي تَثْبِيتِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَيُعْذَرُ فِيهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّدِّ بِعَيْبٍ غَيْرِهِ ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ اشْتَرَى جَارِيَةً ، ثُمَّ ادَّعَى جُنُونَهَا وَطَلَبَ رَدَّهَا وَلَمْ يَثْبُتْ جُنُونُهَا فَادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْبٍ ثَانٍ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا ثَبَتَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ جُنُونٍ
مُتَقَدِّمٍ وَلَا تَأْخِيرِ إثْبَاتِهِ إذَا كَانَ لِعَجْزِهِ .
وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ : أَنَا أُزِيلُ مَا بِهِ مِنْ عَيْبٍ وَأَمْكَنَ فِي مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا كَنَقْلِ الْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي ( فَلْيُبَادِرْ ) مُرِيدُ الرَّدِّ ( عَلَى الْعَادَةِ ) وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْوِ وَالرَّكْضِ لِيَرُدَّ ( فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ( أَوْ يَأْكُلُ ) أَوْ يَقْضِي حَاجَتَهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَوْ وَهُوَ فِي حَمَّامٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشُّفْعَةِ ( فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ وَالِاقْتِصَارُ فِيهَا عَلَى مَا يُجْزِئُ وَلَا يَزِيدُ فِيهَا عَلَى مَا يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا فَرْقَ ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَهُ أَوْ غَلَّقَ بَابَهُ فَلَا بَأْسَ ، وَلَا يَضُرُّ فِي الرَّدِّ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ بِخِلَافِ الِاشْتِغَالِ بِمُحَادَثَتِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعُدْ الْعَبْدُ إلَيْهِ ( أَوْ ) عَلِمَهُ ( لَيْلًا ) وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِكُلْفَةِ السَّيْرِ فِيهِ ، وَنَقَلَ نَحْوَهُ عَنْ التَّتِمَّةِ ( فَحَتَّى يُصْبِحَ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كُلْفَةٌ فِي السَّيْرِ : كَأَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ ) الْمَالِكُ ( بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ ) إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالتَّوْكِيلِ تَأْخِيرٌ ( أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ ) بِالْبَلَدِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ ، أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ رَدَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ : أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ،
فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ عَلَيْهِ فَفَاتَهُ النَّصُّ عَلَى التَّخْيِيرِ عِنْدَ الرَّدِّ إلَى الْوَكِيلِ ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ رَدَّهُ عَلَى وَارِثِهِ أَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ ( وَلَوْ تَرَكَهُ ) أَيْ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ ( وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ آكَدُ ) ، لِأَنَّ الْخَصْمَ رُبَّمَا أَحْوَجَهُ فِي آخَرِ الْأَمْرِ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ فَاصِلًا لِلْأَمْرِ جَزْمًا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاطِّلَاعُ بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ أَمْ فِي غَيْبَةِ الْكُلِّ ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إذَا عُلِمَ بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ فَالتَّأْخِيرُ لِغَيْرِهِ تَقْصِيرٌ ، وَإِذَا جَاءَ إلَى الْحَاكِمِ لَا يَدَّعِي ؛ لِأَنَّ غَرِيمَهُ غَائِبٌ عَنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُ مُتَوَارٍ وَلَا مُتَعَزِّزٍ ، وَإِنَّمَا يَفْسَخُ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يَطْلُبُ غَرِيمَهُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : إذَا قُلْنَا : الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَمَا فَائِدَةُ ذَلِكَ ، فَلَعَلَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ شُهُودٍ أَوْ يَصِيرُ الْحَاكِمُ شَاهِدًا لَهُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْبَائِعُ ( غَائِبًا ) عَنْ الْبَلَدِ وَلَا وَكِيلَ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَسَافَةُ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً ( رَفَعَ ) الْأَمْرَ ( إلَى الْحَاكِمِ ) وَلَا يُؤَخَّرُ لِقُدُومِهِ ، وَطَرِيقُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَنْ يَدَّعِيَ شِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قَبَضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ ، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَيُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ أَنَّ الْأَمْرَ جَرَى كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ وَيُحْكَمُ بِالرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ وَيَضَعُهُ عِنْدَ عَدْلٍ ثُمَّ يُعْطِيهِ الْقَاضِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ فِيهِ
، فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ فَسْخِهِ بِالْعَيْبِ حَبْسَ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِرْجَاعِ ثَمَنِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَيُؤْتَمَنُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ ، فَإِنْ قِيلَ إطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ الْغَيْبَةَ يَشْمَلُ قَصِيرَ الْمَسَافَةِ كَمَا تَقَرَّرَ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ فِيهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْبَلَدِ مَشَقَّةً ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ لِيَفْسَخَ عِنْدَهُ أَوْ لِيَطْلُبَ الرَّدَّ بِفَسْخِهِ قَبْلَ الْحُضُورِ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ .
أَمَّا الْقَضَاءُ بِهِ وَفَصْلُ الْأَمْرِ وَبَيْعُ مَالِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شُرُوطِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ ) وَلَوْ فِي حَالِ عُذْرِهِ كَمَرَضٍ وَغَيْبَةٍ وَخَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ يَحْتَمِلُ الْإِعْرَاضَ ، وَأَصْلُ الْبَيْعِ اللُّزُومُ فَتَعَيَّنَ الْإِشْهَادُ بِعَدْلَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ أَوْ عَدْلٍ لِيَحْلِفَ مَعَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الشُّفْعَةِ : إنَّهُ إنْ أَشْهَدَ وَاحِدًا لِيَحْلِفَ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحُكَّامِ مَنْ لَا يَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْثِقًا لِنَفْسِهِ بِالْإِشْهَادِ ، وَقَوْلُهُ ( حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ ) يَقْتَضِي بَقَاءَ وُجُوبِ الذَّهَابِ ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّهُ يَنْفُذُ الْفَسْخُ وَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ إلَّا لِلتَّسْلِيمِ وَفَصْلِ الْخُصُومَةِ .
وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ طَالِبًا لِلْمَالِكِ أَوْ الْحَاكِمِ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا .
أَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْفَسْخِ فَلَا يَكْفِي عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بِخِلَافِهِ فِي الشُّفْعَةِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الْفَسْخِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ ، وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِأُمُورٍ مَقْصُودَةٍ فَلَيْسَ الْمَقْدُورُ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ ( فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ ) عَلَى الْفَسْخِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ ) إذْ يَبْعُدُ إيجَابُهُ مِنْ غَيْرِ سَامِعٍ أَوْ سَامِعٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ ثُبُوتُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِالْمَنْعِ .
وَالثَّانِي : يَجِبُ لِيُبَادِرَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ .
وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إكَافَهَا بَطَلَ حَقُّهُ ، وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا ، وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ فَلَا أَرْشَ ، وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا ، ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي أَوْ قَنَعَ بِهِ ، وَإِلَّا فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمَ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ ، وَلَا يَرُدُّ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ .
( وَيُشْتَرَطُ ) فِي الرَّدِّ ( تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ فَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ ) وَلَوْ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ كَقَوْلِهِ : اسْقِنِي وَلَوْ لَمْ يَسْقِهِ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ الصَّحِيحَةِ ( أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إكَافَهَا ) وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ ، أَوْ ابْتَاعَهُ مَعَهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالنَّزْعِ ضَرَرٌ أَوْ رَكِبَهَا ( بَطَلَ حَقُّهُ ) مِنْ الرَّدِّ لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالرِّضَا ، وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّرْكَ انْتِفَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى الدَّابَّةِ لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلِهِ أَوْ تَحْمِيلِهِ ، وَقِيلَ لَا يَضُرُّ الِاسْتِعْمَالُ الْخَفِيفُ كَقَوْلِهِ : أَغْلِقْ الْبَابَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَضُرُّ تَرْكُ اللِّجَامِ وَالْعِذَارِ لِخِفَّتِهِمَا فَلَا يُعَدُّ تَرْكُهُمَا وَلَا تَعْلِيقُهُمَا انْتِفَاعًا ، وَلِأَنَّ سَوْقَ الدَّابَّةِ يَعْسُرُ بِدُونِهِمَا .
فَائِدَةٌ : الْعِذَارُ مَا عَلَى خَدِّ الدَّابَّةِ مِنْ اللِّجَامِ أَوْ الْمِقْوَدِ ، وَالْإِكَافُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا ، وَيُقَالُ أَيْضًا : الْوِكَافُ بِكَسْرِ الْوَاوِ ، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ ، وَقِيلَ : نَفْسُهَا ، وَقِيلَ : مَا فَوْقَهَا ، وَلَا يَضُرُّ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا أَوْ حَلْبُهَا فِي الطَّرِيقِ إذَا حَلَبَهَا وَهِيَ سَائِرَةٌ ، فَإِنْ حَلَبَهَا وَاقِفَةً بَطَلَ حَقُّهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّقِيقَ لَوْ خَدَمَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يُؤَثِّرْ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ طَلَبُ الْعَمَلِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ جَاءَهُ الْعَبْدُ بِكُوزٍ فَأَخَذَ الْكُوزَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ فِي يَدِهِ كَوَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ، فَإِنْ شَرِبَ وَرَدَّ الْكُوزَ إلَيْهِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ يُؤَثِّرُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْعَمَلُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِدَلَالَةِ الطَّلَبِ عَلَى الرِّضَا
سَوَاءٌ أَعَمِلَ أَمْ لَمْ يَعْمَلْ ( وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا ) بِسُكُونِ الْوَاوِ لِلْحَاجَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْسُرْ لَمْ يُعْذَرْ فِي الرُّكُوبِ ، وَإِنْعَالُ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ يُسْقِطُ الرَّدَّ إلَّا إنْ عَجَزَتْ عَنْ الْمَشْيِ لِلْعُذْرِ ، وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْنَهُ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُكَلَّفْ نَزْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ بِخِلَافِ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ .
وَيَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْوِيرُ عَدَمِ النَّزْعِ فِي ذَوِي الْهَيْئَاتِ ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الْمُحْتَرِفَةِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْتِي نَحْوُهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ ( وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ ) مِنْهُ ( فَلَا أَرْشَ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَوِّتُ بِتَقْصِيرِهِ ( وَلَوْ حَدَثَ ) بِالْمَبِيعِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( عَيْبٌ ) بِآفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ ( سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا ) أَيْ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَيْبٍ فَلَا يَرُدُّهُ بِعَيْبَيْنِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَالْحِرْفَةِ بِمَثَابَةِ الْعَيْبِ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الرَّدِّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَادِثِ ، وَمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ هُوَ التَّزْوِيجُ .
وَقَالَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ : إنْ رَدَّكِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ الرَّدُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ( ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِهِ ) أَيْ : الْمَبِيعِ ( الْبَائِعُ ) مَعِيبًا ( رَدَّهُ ) عَلَيْهِ ( الْمُشْتَرِي ) بِلَا أَرْشٍ لِلْحَادِثِ ( أَوْ قَنَعَ بِهِ ) بِلَا أَرْشٍ عَنْ الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ وَهُوَ ضَرَرُ الْبَائِعِ قَدْ زَالَ بِرِضَاهُ بِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِهِ مَعِيبًا ( فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمَ
الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَلَا يَرُدُّ ) الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَرِعَايَةٌ لِلْجَانِبَيْنِ ( فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا ) فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعِ بِجِنْسِهِ ( فَذَاكَ ) ظَاهِرٌ .
لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا .
أَمَّا الرِّبَوِيُّ الْمَذْكُورُ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْفَسْخُ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ لِمَا مَرَّ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى هَلَاكِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ أَخْذَ أَرْشِ الْقَدِيمِ بِالتَّرَاضِي مُمْتَنِعٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ يَتَخَيَّلُ أَنَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ سَلْطَنَةِ الرَّدِّ وَهِيَ لَا تُقَابِلُ بِخِلَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِهِ .
فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ تَكُونُ عَمَّا فَاتَ مِنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ .
وَلَوْ زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ بِ أَخْذِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِهِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الْأَرْشِ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ .
فَإِنْ زَالَ قَبْلَ أَخْذِهِ لَهُ أَوْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ لِلْمُشْتَرِي فُسِخَ وَلَوْ بَعْدَ التَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ ، وَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ أَوْ بَعْدَهُ وَجَبَ رَدُّهُ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِأَخْذِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ بَقِيَ الْعَيْبَانِ وَتَنَازَعَا بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ ( فَالْأَصَحُّ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ ) مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْبَائِعُ أَمْ الْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ .
وَالثَّانِي : يُجَابُ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا لِتَلْبِيسِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ .
وَالثَّالِثُ : يُجَابُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ إمَّا غَارِمٌ أَوْ أَخَذَ مَا لَمْ يَرُدَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ .
أَمَّا مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ الْأَحَظَّ لَهُ .
وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ لِيَخْتَارَ ، فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ .
فَرْعٌ : لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا ثُمَّ صَبَغَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ وَقَالَ الْبَائِعُ : رُدَّ الثَّوْبَ لِأَغْرَمَ لَك قِيمَةَ الصِّبْغِ .
.
أُجِيبَ الْبَائِعُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْعَيْبِ عَنْ الْمُشْتَرِي .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا أُجِيبَ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ كَمَا فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ وَقِيمَةَ الصِّبْغِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا وَهُنَاكَ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ الرَّدَّ وَأَرْشَ الْحَادِثِ غَرِمْنَاهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ ، فَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ بِلَا أَرْشِ الْحَادِثِ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
فَإِنْ قِيلَ كَلَامُهُ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَالصِّبْغُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ فِي الْمَبِيعِ لَا عَيْبٌ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَفَّالَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الصِّبْغَ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مِنْ الْعُيُوبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ .
هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ فَصْلُ الصِّبْغِ بِغَيْرِ نَقْصٍ فِي الثَّوْبِ ، فَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَصَلَهُ وَرَدَّ الثَّوْبَ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ ) مَعَ الْقَدِيمِ ( لِيَخْتَارَ ) شَيْئًا مِمَّا مَرَّ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَتَرْكِهِ وَإِعْطَاءِ الْأَرْشِ ( فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ ) بِذَلِكَ عَنْ فَوْرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْقَدِيمِ ( بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ ) لَهُ بِهِ ( وَلَا أَرْشَ ) عَنْهُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ ، فَلَوْ أَخَّرَ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّةِ الْإِعْلَامِ بِالْحَادِثِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ بَلْ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْفُقَهَاءُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ كَانَ الْحَادِثُ قَرِيبَ الزَّوَالِ غَالِبًا كَرَمَدٍ وَحُمَّى عُذِرَ فِي انْتِظَارِ زَوَالِهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ يَظْهَرُ
تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ لِيَرُدَّ الْمَبِيعَ سَالِمًا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحُ مَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ مِنْ الْمَنْعِ ، وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ مِثْلُ الْقَدِيمِ كَبَيَاضٍ قَدِيمٍ وَحَادِثٍ فِي عَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ أَحَدُهُمَا وَأَشْكَلَ الْحَالُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعَاقِدَانِ ، فَقَالَ الْبَائِعُ الزَّائِلُ الْقَدِيمُ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ الْحَادِثُ فَلِي الرَّدُّ ، وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ سَقَطَ الرَّدُّ بِحَلِفِ الْبَائِعِ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ بِحَلِفِهِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَجَبَ الْأَقَلُّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا عَنْ الْيَمِينِ قَضَى عَلَيْهِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ .
قَاعِدَةٌ : كُلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ ، إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ ، إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَتَحْرِيمُ الْأَمَةِ الثَّيِّبِ بِوَطْئِهَا عَلَى الْبَائِعِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا لَا يُثْبِتُهُ ، وَكَذَا لَا يَمْنَعُهُ إرْضَاعٌ يُحَرِّمُ الصَّغِيرَةَ عَلَى الْبَائِعِ كَأَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ ابْنَتِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي .
ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ يَمْتَنِعُ فِيهَا الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا الرَّدُّ .
مِنْهَا الثُّيُوبَةُ فِي الْأَمَةِ فِي أَوَانِهَا فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِكْرًا فَوَطِئَهَا امْتَنَعَ الرَّدُّ .
وَمِنْهَا وُجُودُ الْعَبْدِ غَيْرَ قَارِئٍ أَوْ عَارِفٍ لِصَنْعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ قَارِئًا أَوْ عَارِفًا لِصَنْعَةٍ فَنَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ الصَّنْعَةَ امْتَنَعَ الرَّدُّ ، وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ ، وَيَمْنَعُهُ الْإِقْرَارُ بِدَيْنِ الْإِتْلَافِ إنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي
فِيهِ وَإِلَّا فَلَا ، وَعَفْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّصْدِيقِ كَزَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ .
وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضٍ وَرَانِجٍ وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ مُدَوِّدٍ رُدَّ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ ، فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ .
( وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضِ ) نَعَامٍ وَقَدْ يُعْرَفُ بِاللَّقْلَقَةِ ( وَ ) ثَقْبُ ( رَانِجٍ ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ ( وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا ، وَيُقَالُ فِيهِ : طِبِّيخٍ بِتَقْدِيمِ الطَّاءِ ( مُدَوِّدٍ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ بَعْضُهُ ( رُدَّ ) مَا ذُكِرَ قَهْرًا ( وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ ) لِلْحَادِثِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ لِعُذْرِهِ فِي تَعَاطِيهِ لِاسْتِكْشَافِ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْمُصَرَّاةِ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ لِذَلِكَ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : يَرُدُّ وَلَكِنْ يَرُدُّ مَعَهُ الْأَرْشُ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ، وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا مَعِيبًا وَمَكْسُورًا مَعِيبًا ، وَلَا نَظَرَ إلَى الثَّمَنِ .
وَالثَّالِثُ : لَا يُرَدُّ أَصْلًا كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْقَدِيمِ أَوْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ .
أَمَّا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ وَالْبِطِّيخِ الْمُدَوِّدِ كُلِّهِ أَوْ الْمُعَفَّنِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ فَسَادُ الْبَيْعِ لِوُرُودِهِ عَلَى غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ تَنْظِيفُ الْمَكَانِ مِنْهُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَرَانِجٍ يُوهِمُ عَطْفَهُ عَلَى كَسْرٍ مَعَ أَنَّهُ إذَا كُسِرَ امْتَنَعَ الرَّدُّ ، فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَثَقْبُ رَانِجٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، وَخَرَجَ بِبَيْضِ النَّعَامِ بَيْضُ الدَّجَاجِ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمَذَرِهِ بَعْدَ كَسْرِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَرْشُ ( فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ ) الْمُشْتَرِي كَالتَّقْوِيرِ الْكَبِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالصَّغِيرِ ، وَكَشَقِّ الرُّمَّانِ الْمَشْرُوطِ حَلَاوَتُهُ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ حُمُوضَتِهِ بِالْغَرْزِ ، وَكَتَقْوِيرِ الْبِطِّيخِ الْحَامِضِ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ حُمُوضَتِهِ بِغَرْزِ شَيْءٍ فِيهِ ( فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ
الْحَادِثَةِ ) فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهَا ، وَلَوْ أَطْلَقَ بَيْعَ الرُّمَّانِ لَمْ يَقْتَضِ حُمُوضَةً وَلَا حَلَاوَةً فَلَا تَكُونُ حُمُوضَتُهُ عَيْبًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ .
فَرْعٌ : لَوْ بَانَ الْعَيْبُ وَقَدْ أَنَعْلَ الدَّابَّةَ وَنَزَعَ النَّعْلَ يَعِيبُهَا فَبِنَزْعِهِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ لِقَطْعِهِ الْخِيَارَ بِتَعْيِيبِهِ بِالِاخْتِيَارِ ، وَإِنْ سَلَّمَهَا بِنَعْلِهَا أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ النَّعْلِ إذْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا حَقِيرَةٌ فِي مَعْرَضِ رَدِّ الدَّابَّةِ ، فَلَوْ سَقَطَتْ اسْتَرَدَّهَا الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّبْهَا نَزْعُهَا لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهَا بِخِلَافِ الصُّوفِ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ تُشْبِهُ زِيَادَةَ السِّمَنِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَيَنْزِعُهَا .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِنْعَالَ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ أَوْ الْحَاكِمِ يَضُرُّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اشْتِغَالٌ يُشْبِهُ الْحَمْلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِجَزِّ الصُّوفِ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الرَّدِّ بَلْ يَرُدُّ ثُمَّ يَجُزُّ .
فَرْعٌ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً رَدَّهُمَا ، وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا رَدَّهُمَا لَا الْمَعِيبَ وَحْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدٌ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ فِي الْأَظْهَرِ .
فَرْعٌ : لَا يُرَدُّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فِي صَفْقَةٍ بِالْعَيْبِ قَهْرًا ، وَإِنْ زَالَ الْبَاقِي عَنْ مِلْكِهِ لِلْبَائِعِ وِفَاقًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالسُّبْكِيُّ وَالْبَغَوِيُّ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ خِلَافًا لِمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضٌ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ وَلَوْ ( اشْتَرَى عَبْدَيْنِ ) أَوْ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ كُلِّ شَيْئَيْنِ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ( مَعِيبَيْنِ ) مِنْ وَاحِدٍ ( صَفْقَةً ) وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُمَا ( رَدَّهُمَا ) بَعْدَ ظُهُورِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِرَدِّهِمَا ، وَيَجْرِي فِي رَدِّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ ( وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا ) دُونَ الْآخَرِ ( رَدَّهُمَا لَا الْمَعِيبَ وَحْدَهُ ) قَهْرًا ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ جَازَ وَسَبِيلُ التَّوْزِيعِ بِتَقْدِيرِهِمَا سَلِيمَيْنِ وَتَقْوِيمِهِمَا : أَيْ سَلِيمَيْنِ ، وَيُقَسَّطُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا .
وَالثَّانِي لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعَيْبِ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَبْدَيْنِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي شَيْئَيْنِ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمَا مَرَّ أَمَّا مَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ فَلَا يُرَدُّ الْمَعِيبُ مِنْهُمَا وَحْدَهُ قَهْرًا قَطْعًا ( وَلَوْ ) تَعَدَّدَتْ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ ، كَأَنْ ( اشْتَرَى عَبْدٌ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا ) أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ ، كَأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِمِائَةٍ ( فَلَهُ ) فِي الْأُولَى ( رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ) وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ رَدُّ أَحَدِهِمَا أَوْ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي ، كَمَا قَالَ (
وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ ) أَيْ اثْنَانِ عَبْدٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ ) لِنَصِيبِهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَهُ مِنْ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي اشْتَرَيَاهُ يَعُودُ عَلَى عَبْدِ الرَّجُلَيْنِ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ فِي حُكْمِ أَرْبَعِ عُقُودٍ ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا لِلرُّبْعِ مِنْ هَذَا وَالرُّبْعِ مِنْ ذَاكَ حَتَّى يَرُدَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا الرُّبْعَ ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ إعَادَةُ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَبِيعِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَاحِدٌ مِنْ وَكِيلِ اثْنَيْنِ أَوْ مِنْ وَكِيلَيْ وَاحِدٍ جَاءَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ مَرَّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَكُلُّ مُشْتَرٍ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ ؛ وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ عَدَدَ الْبَائِعِينَ فِي عَدَدِ الْمُشْتَرِينَ عِنْدَ التَّعَدُّدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ ، فَمَا حَصَلَ فَهُوَ عَدَدُ الْعُقُودِ ، وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَ عَبْدٍ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَمَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ : كَأَنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ رَهَنَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ الْبَعْضُ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ رَدُّهُ دُونَ الثَّانِي : لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ .
( وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ ) وَحُدُوثِهِ ، كَأَنْ قَالَ كُلٌّ لِلْآخَرِ حَدَثَ عِنْدَك وَدَعْوَاهُمَا فِيهِ مُمْكِنَةٌ بِأَنْ اُحْتُمِلَ قِدَمُهُ وَحُدُوثُهُ كَبَرَصٍ ( صُدِّقَ الْبَائِعُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ ( بِيَمِينِهِ ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي ، فَالْبَائِعُ يَدَّعِي الْحُدُوثَ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَدَّعِي قِدَمَهُ ، وَهُوَ فِيمَا إذَا بَاعَ الْحَيَوَانَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْأَوَّلِ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَقِيلَ الْمُصَدَّقُ فِي هَذِهِ الْمُشْتَرِي ، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْبَائِعَ بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى لَا يَثْبُتُ بِيَمِينِهِ حُدُوثُ الْعَيْبِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا صَلُحَتْ لِلدَّفْعِ عَنْهُ ، فَلَا تَصْلُحُ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ مَثَلًا بِتَحَالُفٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْلِفَ الْآنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَمَّا مَا لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ وَشَيْنِ شَجَّةٍ مُنْدَمِلَةٍ ، وَقَدْ جَرَى الْبَيْعُ أَمْسِ أَوْ لَا يُحْتَمَلُ قِدَمُهُ كَشَجَّةٍ طَرِيَّةٍ وَقَدْ جَرَى الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا يَمِينٍ فِيهِمَا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ بَاعَهُ عَصِيرًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَوُجِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي خَمْرًا فَقَالَ الْبَائِعُ : عِنْدَك صَارَ خَمْرًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ عِنْدَك كَانَ خَمْرًا وَأَمْكَنَ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْعَقْدِ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَسْأَلَتَانِ : الْأُولَى : مَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي وُجُودَ عَيْبَيْنِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَاعْتَرَفَ بِأَحَدِهِمَا ، وَادَّعَى حُدُوثَ الْآخَرِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ
النَّصِّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تُرَدَّ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَدُّ إذَا كَانَتْ تُثْبِتُ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ حَقًّا وَلَا حَقَّ لَهُ هُنَا ، وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ .
الثَّانِيَةِ : لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا غَائِبًا وَكَانَ قَدْ رَآهُ وَأَبْرَأَ الْبَائِعَ مِنْ عَيْبٍ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ زَادَ الْعَيْبُ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ كَادِّعَائِهِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ ذَكَرَاهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْعَيْبِ أَوْ صِفَتِهِ هَلْ هِيَ عَيْبٌ أَوْ لَا ؟ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ وَدَوَامُ الْعَقْدِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْحَالَ مِنْ غَيْرِهِمَا ، فَإِنْ عَرَفَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِ عَدْلَيْنِ عَارِفَيْنِ بِذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْمُقْرِي وَقِيلَ يَكْفِي كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ يَحْلِفُ ( عَلَى حَسَبِ ) بِفَتْحِ السِّينِ : أَيْ مِثْلِ ( جَوَابِهِ ) فَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ : لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْعَيْبِ وَقْتَ الْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ : مَا أَقْبَضْتُهُ إلَّا سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ حَلَفَ كَذَلِكَ ، وَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ وَالْحَلِفِ مَا عَلِمْتُ بِهِ هَذَا الْعَيْبِ عِنْدِي ، وَيَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ السَّلَامَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ خِلَافَهُ ، وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عِلْمَ الْمُشْتَرِي
بِالْعَيْبِ أَوْ تَقْصِيرَهُ فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
قَالَ الدَّارِمِيُّ : هَذَا إذَا كَانَ مِثْلُ الْعَيْبِ يَخْفَى عَلَى الْمُشْتَرِي : أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى كَقَطْعِ أَنْفِهِ أَوْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ .
وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ تَتْبَعُ الْأَصْلَ ، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ ) بِالْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ( كَالسِّمَنِ ) وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ وَالْقُرْآنِ ( تَتْبَعُ الْأَصْلَ ) فِي الرَّدِّ لِعَدَمِ إمْكَانِ إفْرَادِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَجَدَّدَ بِالْفَسْخِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ فِيهِ تَابِعَةً لِلْأَصْلِ كَالْعَقْدِ ( وَالْمُنْفَصِلَةُ ) عَيْنًا وَمَنْفَعَةً ( كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةِ ) وَكَسْبِ الرَّقِيقِ وَالرِّكَازِ الَّذِي يَجِدُهُ وَمَا وُهِبَ لَهُ فَقَبِلَهُ وَقَبَضَهُ وَمَا وُصِّيَ لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ وَمَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ( لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ ) بِالْعَيْبِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْعَيْبِ .
نَعَمْ وَلَدُ الْأَمَةِ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ يَمْنَعُ الرَّدَّ لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمَنَاهِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ( وَهِيَ ) أَيْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ مِنْ الْبَيْعِ ( لِلْمُشْتَرِي ) وَمِنْ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ ( إنْ رَدَّ ) الْمَبِيعَ فِي الْأُولَى وَالثَّمَنَ فِي الثَّانِيَةِ ( بَعْدَ الْقَبْضِ ) سَوَاءٌ أَحَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمْ قَبْلَهُ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ مِنْ آخَرَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي ، فَقَالَ : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ ، وَقِيسَ عَلَى الْمَبِيعِ الثَّمَنُ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمَغْصُوبُ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَوْ تَلِفَ تَحْتَ ذِي الْيَدِ ضَمِنَهُ وَلَيْسَ لَهُ خَرَاجُهُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ الضَّمَانُ الْمَعْهُودُ فِي الْخَبَرِ ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ ، بَلْ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ
بِطَرِيقٍ مُضَمَّنٍ ( وَكَذَا ) إنْ رَدَّهُ ( قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَمُقَابِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّمْثِيلِ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَالْوَلَدِ لِيُعَرِّفكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ أَمْ لَا كَالْأُجْرَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ ، وَإِنَّمَا مَثَّلَ لِلْمُتَوَلِّدِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا لِيُعَرِّفكَ أَنَّهَا تَبْقَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ : وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ كَلَامِهِ .
وَلَوْ بَاعَهَا حَامِلًا فَانْفَصَلَ رَدَّهُ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ .
( وَلَوْ بَاعَهَا ) أَيْ الْجَارِيَةَ أَوْ الْبَهِيمَةَ ( حَامِلًا ) وَهِيَ مَعِيبَةٌ مَثَلًا ( فَانْفَصَلَ ) الْحَمْلُ ( رَدَّهُ مَعَهَا ) إنْ لَمْ تَنْقُصْ بِالْوِلَادَةِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَيُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ .
وَالثَّانِي : لَا بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ .
أَمَّا إذَا نَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَهْرًا كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ .
نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْحَمْلَ وَاسْتَمَرَّ إلَى الْوَضْعِ فَلَهُ الرَّدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَادِثَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَالْمُتَقَدِّمِ وَلَوْ انْفَصَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَأُمِّهِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : فَانْفَصَلَ عَمَّا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا كَذَلِكَ ، وَلَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَتْبَعْ فِي الرَّدِّ بَلْ هُوَ لَهُ يَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَغَيْرُهُ : وَلَهُ حَبْسُ أَمَتِهِ حَتَّى تَضَعَ ا هـ .
وَحُدُوثُ حَمْلِ الْأَمَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرَّدَّ قَهْرًا إنْ نَقَصَتْ بِهِ ، وَالطَّلْعُ كَالْحَمْلِ ، وَالتَّأْبِيرُ كَالْوَضْعِ ، فَإِذَا اشْتَرَى نَخْلَةً عَلَيْهَا طَلْعٌ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ وَعَلِمَ عَيْبَهَا بَعْدَ التَّأْبِيرِ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَالصُّوفُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ يُرَدُّ مَعَ الْأَصْلِ ، وَإِنْ جَزَّهُ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ ، وَيَرُدُّ أَيْضًا الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا لَمْ يُجَزَّ ، فَإِنْ جُزَّ لَمْ يُرَدَّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ ، وَهَذَا مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَلَكِنْ كَانَ قِيَاسُ الْحَمْلِ أَنَّ مَا لَمْ يُجَزَّ لَا يُرَدُّ أَيْضًا ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ اللَّبَنَ الْحَادِثَ ، وَالْأَوَّلُ وَإِنْ وُجِّهَ بِأَنَّهُ كَالسَّمْنِ فَالثَّانِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْأَصْوَبُ
وَالْحَادِثُ مِنْ أُصُولِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ التَّابِعَةِ لِلْأَرْضِ فِي بَيْعِهَا لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ : أَلَا تَرَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ .
وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ الِاسْتِخْدَامَ وَوَطْءَ الثَّيِّبِ ، وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
( وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ الِاسْتِخْدَامَ ) إجْمَاعًا ( وَ ) لَا ( وَطْءَ الثَّيِّبِ ) أَوْ الْعَوَرُ مَعَ بَقَاءِ بَكَارَتِهَا مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ حُرِّمَتْ بِالْوَطْءِ عَلَى الْبَائِعِ كَوَطْءِ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إلْمَامٌ مِنْ غَيْرِ إيلَامٍ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ كَالِاسْتِخْدَامِ .
هَذَا إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً .
أَمَّا إذَا كَانَتْ زَانِيَةً فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ( وَاقْتِضَاضُ الْبِكْرِ ) بِالْقَافِ : أَيْ زَوَالُ بَكَارَتِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِوَثْبَةٍ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَ ( بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ ) فَيَمْنَعُ الرَّدَّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ ، إلَّا إنْ كَانَ بِزَوَاجٍ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ ( وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ) فَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ بِالْعَيْبِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا ، فَإِنْ قَبَضَهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا لَزِمَهُ قَدْرُ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ ، أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ هُوَ الْبَيْعَ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ .
ثُمَّ إنْ كَانَ زَوَالُهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ أَوْ بِزَوَاجٍ سَابِقٍ فَهَدَرٌ ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ إنْ زَالَتْ بِلَا وَطْءٍ أَوْ بِوَطْءِ زِنًا مِنْهَا ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَهْرُ بِكْرٍ مِثْلِهَا بِلَا إفْرَادِ أَرْشٍ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي .
لَكِنَّهُ إنْ رَدَّ بِالْعَيْبِ سَقَطَ مِنْهُ قَدْرُ الْأَرْشِ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْغَصْبِ وَالدِّيَاتِ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ ثَيِّبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ هُنَا ضَعِيفٌ فَلَا يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ .
وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقُوا ثَمَّ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَلَا مَا فِي آخِرِ
الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْمَبِيعَةِ بَيْعًا فَاسِدًا مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ وَأَرْشٍ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ ثَمَّ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ فِيمَا ذُكِرَ : أَيْ فَإِنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ فِي صَحِيحِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا يَجِبُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا لَا يَجِبُ فِي صَحِيحِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ ، وَلَوْ أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، فَالتَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ لَا أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ فِيهِ أَرْشُ بَكَارَةٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ .
تَتِمَّةٌ : مَنْ عَلِمَ فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَهُ حَذَرًا مِنْ الْغِشِّ ، لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } وَلِحَدِيثِ { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا يَعْلَمُ بِهِ عَيْبًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ } أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَيْبِ ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ ، بَلْ وَعَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النُّصْحِ ، وَكَالْعَيْبِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا يَكُونُ تَدْلِيسًا .
فَصْلٌ : التَّصْرِيَةِ حَرَامٌ تُثْبِتُ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَقِيلَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ رَدَّ بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ ، وَقِيلَ يَكْفِي صَاعُ قُوتٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّ خِيَارَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ وَالْجَارِيَةَ وَالْأَتَانَ ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا ، وَفِي الْجَارِيَةِ وَجْهٌ ، وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ ، وَالرَّحَى الْمُرْسَلِ عِنْدَ الْبَيْعِ ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ ، وَتَسْوِيدُ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدُهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، لَا لَطْخُ ثَوْبِهِ تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثَ وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالتَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ مُصَرِّحًا بِحُكْمِهِ فَقَالَ : فَصْلٌ : التَّصْرِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ حَلْبُ النَّاقَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَمْدًا مُدَّةِ قَبْلَ بَيْعِهَا لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ ( حَرَامٌ ) لِلتَّدْلِيسِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ : أَيْ النَّهْيِ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ } وَقِيسَ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ غَيْرُهُمَا بِجَامِعِ التَّدْلِيسِ وَتُصَرُّوا بِوَزْنِ تُزَكُّوا مِنْ صَرَّ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ جَمَعَهُ ، وَتُسَمَّى الْمُصَرَّاةُ الْمُحَفَّلَةَ أَيْضًا بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مِنْ الْحَفْلِ وَهُوَ الْجَمْعُ .
وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَمْعِ مَحْفَلٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّحْرِيمِ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْبَيْعَ أَمْ لَا ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُضِرٌّ لِلْحَيَوَانِ ، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ بِالتَّدْلِيسِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَا إذَا أَرَادَ الْبَيْعَ ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ ضَرَرٌ ( تُثْبِتُ الْخِيَارَ ) لِلْجَاهِلِ بِهَا إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَهُوَ ( عَلَى الْفَوْرِ ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ ( وَقِيلَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) مِنْ الْعَقْدِ وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمْلَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُدَّةِ : إنَّهُ الصَّوَابُ .
وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ، إذْ التَّصْرِيَةُ لَا تَظْهَرُ غَالِبًا فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ
لِإِحَالَةِ نَقْصِ اللَّبَنِ قَبْلَ تَمَامِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْعَلَفِ أَوْ الْمَأْوَى أَوْ تَبَدُّلِ الْأَيْدِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا تَرَكَ حَلْبَهَا نَاسِيًا أَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ لِعَدَمِ التَّدْلِيسِ ، وَالْمُعْتَمَدُ ثُبُوتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي لِحُصُولِ الضَّرَرِ ، وَلَوْ زَادَ اللَّبَنُ بِقَدْرِ مَا أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ وَاسْتَمَرَّ فَلَا خِيَارَ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لَهُ ، وَإِذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ بَعْدَ الْحَلْبِ وَأَرَادَ رَدَّهَا ( فَإِنْ رَدَّ ) هَا ( بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ ) أَوْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى رَدِّهِ ( رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ ) وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَتِهَا بَدَلَ اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْعَقْدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَالْعِبْرَةُ بِغَالِبِ تَمْرِ الْبَلَدِ كَالْفِطْرَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ الصَّاعِ بَعْدَ الْحَلْبِ وَقَبْلَ التَّلَفِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ مَوْجُودًا وَطَلَبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ مِنْهُ بَعْدَ الْبَيْعِ مِلْكٌ لَهُ ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يُكَلَّفْ الْبَائِعُ قَبُولَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْحَلْبِ كَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، فَإِنْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ الْحَلْبِ رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَقِيلَ يَكْفِي صَاعُ قُوتٍ ) ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ ذِكْرُ التَّمْرِ كَمَا مَرَّ وَفِي رِوَايَةٍ ذِكْرُ الطَّعَامِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ ذِكْرُ الْقَمْحَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُوتِ مُطْلَقًا ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ أَوْ يَتَعَيَّنُ ؟ الْغَالِبُ ، كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي ، وَعَلَى تَعَيُّنِ
التَّمْرِ لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ صَاعِ تَمْرٍ مِنْ مِثْلِيٍّ أَوْ مُتَقَوِّمٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ بِغَيْرِ شَيْءٍ جَازَ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ تَعَيَّنَ التَّمْرُ هُنَا وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضًا وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْقِيمَةِ وَالِاقْتِيَاتِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا قَطْعُ النِّزَاعِ مَعَ ضَرْبِ تَعَبُّدٍ وَالْمَقْصُودَ فِي الْفِطْرَةِ سَدُّ الْخَلَّةِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّمْرُ فَقِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ لَهُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَلَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ إنْ شَاءَ وَاسْتَرَدَّ صَاعَهُ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : لِأَنَّ الرِّبَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُسُوخِ ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُصَرَّاةُ فِي عَقْدٍ تَعَدَّدَ الصَّاعُ بِعَدَدِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْبَعْضِ بِعَيْبٍ هَلْ يَتَعَدَّدُ الصَّاعُ ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَعَدُّدُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَته ، وَلَوْ رَضِيَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الْحَلْبِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ بَدَلِ اللَّبَنِ ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ غَيْرَ الْمُصَرَّاةِ بَعْدَ حَلْبِهَا بِعَيْبٍ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ بَدَلَ اللَّبَنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّ ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ غَيْرُ مُعْتَنًى بِجَمْعِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُصَرَّاةِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ ) وَقِلَّتِهِ لِظَاهِرِ
الْخَبَرِ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا تَخْتَلِفُ غُرَّةُ الْجَنِينِ بِاخْتِلَافِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ وَلَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ .
وَالثَّانِي : يَخْتَلِفُ فَيُقَدَّرُ التَّمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بِقَدْرِ اللَّبَنِ فَقَدْ يَزِيدُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ عَنْهُ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ خِيَارَهَا ) أَيْ : الْمُصَرَّاةِ ( لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ( بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ ) مِنْ الْحَيَوَانِ ( وَالْجَارِيَةِ وَالْأَتَانِ ) بِالْمُثَنَّاةِ ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً " ؛ وَلِأَنَّ لَبَنَهَا مَقْصُودٌ لِلتَّرْبِيَةِ .
وَالثَّانِي : مُخْتَصٌّ بِالنَّعَمِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يُقْصَدُ لَبَنُهُ إلَّا عَلَى نُذُورٍ ( وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا ) بَدَلَ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْجَارِيَةِ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ غَالِبًا ، وَلَبَنَ الْأَتَانِ نَجِسٌ لَا عِوَضَ لَهُ ( وَفِي الْجَارِيَةِ وَجْهٌ ) أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا بَدَلَ لَبَنِهَا ؛ لِأَنَّهُ كَلَبَنِ النَّعَمِ فِي صِحَّةِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُ ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَرُدُّ بَدَلَهُ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قُوتٍ آخَرَ : وَجْهَانِ فِي النِّهَايَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ الْأَوَّلُ وَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَجْرِي فِي الْأَتَانِ ، وَطَرَدَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ مَشْرُوبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ رَدَّ الصَّاعِ جَازَ فِي كُلِّ مَأْكُولٍ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأَرْنَبِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَنَحْوِهَا ( وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ وَ ) مَاءِ ( الرَّحَى ) الَّذِي يُدِيرُهَا لِلطَّحْنِ ( الْمُرْسَلِ ) مَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا ( عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ ) وَإِرْسَالُ الزُّنْبُورِ عَلَيْهِ لِيَظُنَّ بِالْجَارِيَةِ السِّمَنَ ( وَتَسْوِيدُ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدُهُ ) الدَّالُّ عَلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ ،
وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْتِوَاءٌ وَانْقِبَاضٌ لَا الْمُفَلْفَلُ كَشَعْرِ السُّودَانِ ( يُثْبِتُ الْخِيَارَ ) قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ بِجَامِعِ التَّدْلِيسِ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إنَّمَا ذَكَرَاهُ فِي الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجُعُودَةَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ - تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ ، وَالسُّبُوطَةُ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالْحَبْسِ وَالتَّحْمِيرِ وَالتَّجْعِيدِ أَنَّ ذَلِكَ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِمُوَاطَأَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، فَلَوْ تَجَعَّدَ الشَّعْرُ بِنَفْسِهِ فَكَمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَتَجْعِيدُ الشَّعْرِ مِنْ زِيَادَاتِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُحَرَّرِ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَإِلَّا فَهِيَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِهِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ ( لَا لَطْخُ ثَوْبِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ بِمِدَادٍ ( تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ ) فَظَهَرَ كَوْنُهُ غَيْرَ كَاتِبٍ فَلَا رَدَّ لَهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) إذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ غَرَرٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَبِسَ ثَوْبَ غَيْرِهِ أَوْ أَصَابَهُ ذَلِكَ مِنْ حَمْلِ دَوَاةٍ وَلِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ امْتِحَانِهِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ .
وَالثَّانِي : يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ نَظَرًا لِمُطْلَقِ التَّدْلِيسِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إلْبَاسِهِ ثَوْبًا مُخْتَصًّا بِحِرْفَةٍ كَثِيَابِ الْخَبَّازِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى زُجَاجَةً يَظُنُّهَا جَوْهَرَةً بِثَمَنٍ كَثِيرٍ أَوْ بَاعَ جَوْهَرَةً يَظُنُّهَا زُجَاجَةً بِمَالٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْأُولَى لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ بِخِلَافِ التَّصْرِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ قِيلَ بِحُرْمَتِهِ لَمْ
يَبْعُدْ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ بِالتَّصْرِيَةِ يَرْتَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ هَذَا .
خَاتِمَةٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْفَسْخِ بِالْإِقَالَةِ وَهُوَ جَائِزٌ ، وَيُسَنُّ إقَالَةُ النَّادِمِ ، لِخَبَرِ { مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَصِيغَتُهَا تَقَايَلْنَا أَوْ تَفَاسَخْنَا ، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا : أَقَلْتُكَ فَيَقُولُ الْآخَرُ : قَبِلْتُ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ : وَهِيَ فَسْخٌ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَالْفَسْخُ مِنْ الْآنِ ، وَقِيلَ مِنْ أَصْلِهِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ وَتَجُوزُ فِي السَّلَمِ وَفِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِلْوَرَثَةِ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَتَجُوزُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَفِي بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ صُدِّقَ الْبَائِعُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْإِقَالَةِ صُدِّقَ مُنْكِرُهَا ، وَذَكَرْتُ بَقِيَّةَ أَحْكَامِهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ ، وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ قَبْضِهِ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ .
أَحَدُهُمَا لَا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ الظَّاهِرُ ، نَعَمْ وَفَائِدَتُهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِبَدَلِ الثَّمَنِ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّدَاقِ ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي ثَمَّ .
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وَسَلَّمَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَدِيمًا فَرَدَّهُ فَوَجَدَ الثَّمَنَ مَعِيبًا نَاقِصَ الصِّفَةِ بِأَمْرٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْبَائِعِ أَخَذَهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ بِسَبَبِ النَّقْصِ ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا سَيَأْتِي أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسْخِ ، كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ : سَبْعَةٌ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ، وَالشَّرْطُ وَالْخُلْفُ لِلشَّرْطِ الْمَقْصُودِ وَالْعَيْبُ وَالْإِقَالَةُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا وَالتَّخَالُفُ
وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَبَقِيَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسْخِ أَشْيَاءُ وَإِنْ عُلِمْتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَأَمْكَنَ رُجُوعُ بَعْضِهَا إلَى السَّبْعَةِ ، فَمِنْهَا إفْلَاسُ الْمُشْتَرِي وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَغَيْبَةُ مَالِ الْمُشْتَرِي إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَبَيْعُ الْمَرِيضِ مُحَابَاةً لِوَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ .
بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ .
بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَأَحْكَامِ الْقَبْضِ وَالتَّنَازُعِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ) بِمَعْنَى انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِتَلَفِهِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ بِتَعْيِينِهِ وَبِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ لِبَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَرَضَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَمْ لَا ، نَعَمْ إنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ بَرِئَ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَبْضِ ، لَكِنْ لَوْ خَرَجَ مُسْتَحِقًّا وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَتُهُ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ فَنَقَلَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي قَبْضًا فِي الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ ، وَكَذَا تَخْلِيَةُ الدَّارِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا تَكُونُ قَبْضًا فِي الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ .
تَنْبِيهٌ : احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَبِيعِ عَنْ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ : كَثَمَرَةٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ وَصُوفٍ وَرِكَازٍ يَجِدُهُ الرَّقِيقُ وَهُوَ مَوْهُوبٌ وَمُوصًى بِهِ فَإِنَّهَا لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ ، وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَصْلِ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ فِي الزَّوَائِدِ وَلَمْ تَحْتَوِ يَدُهُ عَلَيْهَا لِتَمَلُّكِهَا كَالْمُسْتَامِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ كَالْغَاصِبِ حَتَّى يَضْمَنَ ، وَسَبَبُ ضَمَانِ الْيَدِ عِنْدَهُمْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ لَهُ كَذَلِكَ .
فَإِنْ تَلِفَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الضَّمَانِ لَمْ يَبْرَأْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ .
( فَإِنْ تَلِفَ ) الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ( انْفَسَخَ الْبَيْعُ ) لِتَعَذُّرِ قَبْضِهِ الْمُسْتَحَقَّ كَالتَّفْرِيقِ قَبْلَهُ فِي الصَّرْفِ ( وَسَقَطَ الثَّمَنُ ) إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَجَبَ رَدُّهُ أَوْ كَانَ دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ عَادَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ ، وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ قُبَيْلَ التَّلَفِ فَتَجْهِيزُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : اسْتَثْنَى مِنْ طَرْدِهِ مَا لَوْ وَضَعَ الْمَبِيعَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ قَبْضِهَا كَمَا مَرَّ ، وَمِنْ عَكْسِهِ مَا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَدِيعَةً مِنْ الْبَائِعِ .
وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْحَبْسِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَمَا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ وَتَلِفَ فَهُوَ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَيَنْفَسِخُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ وَلِلْبَائِعِ بَدَلُهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ كَالْمُسْتَعَارِ ، وَفِي مَعْنَى التَّلَفِ وُقُوعُ الدِّرَّةِ وَنَحْوِهَا فِي الْبَحْرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا مِنْهُ وَانْفِلَاتُ الصَّيْدِ الْمُتَوَحِّشِ وَالطَّيْرِ إذَا لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ وَاخْتِلَاطُ مُتَقَوِّمٍ كَثَوْبٍ أَوْ شَاةٍ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ وَانْقِلَابُ الْعَصِيرِ خَمْرًا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ عَادَ خَلًّا كَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا خِلَافَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الرَّهْنِ .
وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضِ : مِنْ أَنَّهُ مَتَى عَادَ عَادَ حُكْمُهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ دُونَ الْعَصِيرِ ، وَلَوْ أَبِقَ الرَّقِيقُ أَوْ ضَلَّ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ لِرَجَاءِ الْعَوْدِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَطُلْ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ قَبْلَ الْعَوْدِ ، فَإِنْ سَلَّمَهُ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مَا لَمْ يَفْسَخْ ، وَلَوْ
غَرِقَتْ الْأَرْضُ بِالْمَاءِ أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهَا صَخْرَةٌ أَوْ رَكِبَهَا رَمْلٌ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ لَا تَلَفٌ .
فَإِنْ قِيلَ يُنَاقِضُهُ مَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ تَغْرِيقَ الْأَرْضِ تَلَفٌ لَا عَيْبٌ حَتَّى لَوْ حَصَلَ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ إلَّا بِالْحِصَّةِ ، وَمَا فِي الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ فَيَكُونُ تَلَفًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَتْلَفْ ، وَالْحَيْلُولَةُ لَا تَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تَالِفَةً فِيمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُتَمَلِّكٌ ، وَالتَّالِفُ مِنْهَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْمُسْتَأْجِرُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ لِحَيْلُولَةِ الْمَاءِ وَلَا يُمْكِنُ تَرَقُّبُ زَوَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَتْلَفُ وَلَا تُضْمَنُ ( وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الضَّمَانِ لَمْ يَبْرَأْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ ) الْمَذْكُورُ لِلتَّلَفِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ .
وَالثَّانِي : يَبْرَأُ لِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الثَّمَنُ .
تَنْبِيهٌ : الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَرَاءَةِ وَتَغَيُّرِ الْحُكْمِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ التَّأْكِيدِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَائِدَتُهُ نَفْيُ تَوَهُّمِ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ إذَا تَلِفَ وَأَنَّ الْإِبْرَاءِ كَمَا لَا يَرْفَعُ الضَّمَانَ لَا يَرْفَعُ الْفَسْخَ بِالتَّلَفِ وَكَذَلِكَ بَقَاءَ الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ .
وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ إنْ عَلِمَ ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ : كَأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ الْمَغْصُوبَ ضَيْفًا ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ كَتَلَفِهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ ، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيَغْرَمُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ يَفْسَخَ فَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الْأَجْنَبِيُّ .
( وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي ) الْمَبِيعَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا ( قَبْضٌ ) لَهُ ( إنْ عَلِمَ ) أَنَّهُ الْمَبِيعَ حَالَةَ إتْلَافِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ، وَفِي مَعْنَى إتْلَافِهِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَأَحْبَلَهَا أَبُوهُ ، وَمَا لَوْ اشْتَرَى السَّيِّدُ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَوْ الْوَارِثُ مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ جَوَازَ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَيَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِ الْآخَرِ حَتَّى يَقْبِضَهُ ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا قَتَلَهُ الْمُشْتَرِي دَفْعًا لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ .
وَكَذَا الْقَوَدُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَوْ لِرِدَّةٍ وَالْمُشْتَرِي الْإِمَامُ وَقَصَدَ قَتْلَهُ عَنْهَا فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ صَارَ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ كَانَ قَابِضًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ .
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى عَبْدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِقَتْلِهِ كَالْإِمَامِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاتِلًا إلَّا بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، فَالْمِلْكُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَوْ قُلْنَا : يَنْفَسِخُ وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَتَبَيَّنَ بِالْآخِرَةِ أَنَّهُ قَتَلَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلِذَلِكَ جَعَلْنَا قَتْلَهُ إيَّاهُ قَبْضًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيُقَاسُ بِالْمُرْتَدِّ : تَارِكُ الصَّلَاةِ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالزَّانِي وَالْمُحْصَنُ بِأَنْ زَنَى كَافِرٌ حُرٌّ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ أَوْ بِمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى قَاتِلِهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ
قَتَلَ مِلْكَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ تَفَقُّهًا مَا لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي فِي الصَّلَاةِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ : أَيْ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ فِي دَفْعِ الْمَارِّ ، وَمَا لَوْ قَاتَلَ مَعَ الْبُغَاةِ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَتَلَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ الْمَبِيعُ قَالَ الشَّارِحُ : وَقَدْ أَضَافَهُ بِهِ الْبَائِعُ ( فَقَوْلَانِ ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَجْهَانِ ( كَأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ الْمَغْصُوبَ ضَيْفًا ) لِلْغَاصِبِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ طَعَامُهُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ ، وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ تَصْيِيرَهُ قَابِضًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا تَقَدَّمَ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَدَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ أَحَدٌ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْأُولَى أَيْضًا .
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَهْلًا لِلْقَبْضِ وَاشْتَرَى لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا كَأَنْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ جُنُونِهِ ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ إتْلَافَهُ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ ، وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَرَدُّ بَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ كَانَ وَكِيلًا فَكَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي الْقَبْضِ أَمْ لَا ( وَالْمَذْهَبُ أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ ) الْمَبِيعَ ( كَتَلَفِهِ ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ سَقَطَ الثَّمَنُ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ فَسَخَ سَقَطَ الثَّمَنُ ، وَإِنْ أَجَازَ غَرِمَ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ وَأَدَّى لَهُ الثَّمَنَ وَقَدْ يَتَقَاصَّانِ ، وَلَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ حَيْثُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ
فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ ، فَلَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْبَدَلُ ؟ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِاسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ أَوْ يُجْعَلُ مُسْتَرِدًّا بِالْإِتْلَافِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَابِضٌ بِهِ ، فِيهِ قَوْلَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِيَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ أَتْلَفَاهُ مَعًا .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ .
وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَيَنْفَسِخُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ مَا قَدْ لَزِمَهُ بِجِنَايَةٍ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَلَوْ تَعَدَّى بِحَبْسِهِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ كَمَا مَرَّ وَإِتْلَافُ الْأَعْجَمِيِّ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِأَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ كَإِتْلَافِهِ عَنْ أَمْرِهِ فَلَوْ أَمَرَهُ الثَّلَاثَةُ ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْقَبْضُ فِي الثُّلُثِ وَالتَّخْيِيرُ فِي الثُّلُثِ وَالْفَسْخُ فِي الثُّلُثِ .
أَمَّا إتْلَافُ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ بِلَا أَمْرٍ ، وَإِذْنُ الْمُشْتَرِي لِلْأَجْنَبِيِّ أَوْ لِلْبَائِعِ فِي إتْلَافِهِ لَغْوٌ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِي إتْلَافِهِ لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ ثَمَّ ، وَإِتْلَافُ عَبْدِ الْبَائِعِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَكَذَا عَبْدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ جُعِلَ قَابِضًا كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَإِنْ فَسَخَ أَتْبَعَ الْبَائِعُ الْجَانِيَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ عَبْدُ الْبَائِعِ بِعَبْدِ الْمُشْتَرِي فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ لِشِدَّةِ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى بَقَاءِ الْعُقُودِ ، وَلَوْ أَتْلَفَتْهُ دَابَّةُ
الْمُشْتَرِي نَهَارًا انْفَسَخَ الْبَيْعُ أَوْ لَيْلًا فَلَهُ الْخِيَارُ ، فَإِنْ فُسِخَ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِبَدَلِ مَا أَتْلَفَهُ وَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ أَوْ دَابَّةُ الْبَائِعِ فَكَإِتْلَافِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَدَابَّةِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ فَآفَةٌ ، وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ بِخِلَافِ إتْلَافِ دَابَّةِ الْمُشْتَرِي ، فَنَزَلَ إتْلَافُهَا بِالنَّهَارِ مَنْزِلَةَ إتْلَافِ الْبَائِعِ لِتَفْرِيطِهِ بِخِلَافِهِ لَيْلًا .
فَإِنْ قِيلَ : إتْلَافُهَا لَيْلًا إمَّا بِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ قَبْضًا أَوْ لَا فَيَكُونُ كَالْآفَةِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ فَلَا وَجْهَ لِتَخْيِيرِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهَا أَمْ لَا .
وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إتْلَافُهَا صَالِحًا لِلْقَبْضِ خُيِّرَ ، فَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ أَوْ فَسَخَ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْبَدَلِ كَمَا تَقَرَّرَ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ ) الْبَيْعَ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمَبِيعِ ( بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ) بِهِ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَفَّالِ ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْقَاضِي ( بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ ) الْبَيْعَ ( وَيَغْرَمَ الْأَجْنَبِيُّ ) الْبَدَلَ ( أَوْ يَفْسَخَ فَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الْأَجْنَبِيُّ ) الْبَدَلَ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي حِكَايَةِ الطَّرِيقَيْنِ ، فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ " الْأَظْهَرُ " لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ، وَهَذَا الْخِيَارُ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَجْنَبِيُّ حَرْبِيًّا وَلَمْ يَكُنْ إتْلَافُهُ بِحَقٍّ وَإِلَّا فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ .
فَإِنْ قِيلَ إذَا غَصَبَ أَجْنَبِيٌّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يُخَيَّرْ الْمُسْتَأْجِرُ كَمَا هُنَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَذَا الْمَالُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَانِي
فَتَعَدَّى الْعَقْدُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى بَدَلِهَا بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى مُتْلِفِهَا فَلَمْ يَتَعَدَّ الْعَقْدُ مِنْهَا إلَى بَدَلِهَا .
وَلَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَرَضِيَهُ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ ، وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ فَالْخِيَارُ ، فَإِنْ أَجَازَ غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَرْشَ ، وَلَوْ عَيَّبَهُ الْبَائِعُ فَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَا التَّغْرِيمِ .
( وَلَوْ تَعَيَّبَ ) الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ( قَبْلَ الْقَبْضِ فَرَضِيَهُ ) بِأَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ ( أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ ) كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مُقَارَنًا وَلَا أَرْشَ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْفَسْخِ ( وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ ) لَهُ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ بِالْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ وَيَكُونُ قَابِضًا لِمَا أَتْلَفَهُ ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ مَثَلًا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا ، هَذَا إذَا مَاتَ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ ، فَإِنْ سَرَى وَجَبَ الثَّمَنُ لِمَا مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ قَبْضٌ ، وَبِهَذَا فَارَقَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا لَوْ عَيَّبَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ وَمَا لَوْ جَبَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ زَوْجِهَا ، إذْ لَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْضٌ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمَرْأَةَ لَمْ يَتَصَرَّفَا فِي مِلْكِهِمَا ، بَلْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمَا فَلَا يَكُونَانِ بِذَلِكَ مُسْتَوْفِيَيْنِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ( أَوْ ) عَيَّبَهُ ( الْأَجْنَبِيُّ ) غَيْرُ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ ( فَالْخِيَارُ ) بِتَعْيِيبِهِ ثَابِتٌ لِلْمُشْتَرِي قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِتْلَافِ ( فَإِنْ أَجَازَ ) الْبَيْعَ ( غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَرْشَ ) ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي وَلَكِنْ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ .
أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا لِجَوَازِ تَلَفِهِ فَيَنْفَسِخُ الْمَبِيعُ ؛ وَالْمُرَادُ بِالْأَرْشِ فِي الرَّقِيقِ مَا يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَا مَا نَقَصَ مِنْهُ ، وَفِي غَيْرِهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ( وَلَوْ عَيَّبَهُ الْبَائِعُ فَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ ) لِلْمُشْتَرِي ( لَا التَّغْرِيمِ ) أَمَّا الْخِيَارُ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِهِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَائِعِ إمَّا كَالْآفَةِ وَإِمَّا كَفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَكِلَاهُمَا مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ قَطْعًا ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّغْرِيمِ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَإِتْلَافِهِ الَّذِي هُوَ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ عَلَى الرَّاجِحِ
الْمَقْطُوعِ بِهِ كَمَا مَرَّ ، وَمُقَابِلُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ مَعَ التَّغْرِيمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْبَائِعِ كَفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَصَحَّ تَعْبِيرُهُ هُنَا بِالْمَذْهَبِ كَمَا هُنَاكَ ، وَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَا التَّغْرِيمُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ حَتَّى قَبَضَ وَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ الْأَرْشُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيع قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيْعَهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ ، وَأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ وَالْهِبَةَ كَالْبَيْعِ ، وَأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِخِلَافِهِ ، وَالثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَبِيعُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ وَمَوْرُوثٍ وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيِّهِ بَعْدَ رُشْدِهِ ، وَكَذَا عَارِيَّةٌ وَمَأْخُوذٌ بِسَوْمٍ .
( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ) وَلَا الْإِشْرَاكُ فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا وَإِنْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ لِخَبَرِ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ { لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِالتَّلَفِ قَبْلَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : يَصِحُّ أَنْ يُؤْجِرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ مَا امْتَنَعَ كَمَا فِي الْبَيْعِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ وَالْقَبْضُ يَتَأَتَّى فِيهَا حَقِيقَةً وَالْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَبْضُ لَهَا حَقِيقَةً ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيْعَهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ ) فَلَا يَصِحُّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ كَبَيْعِ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْغَاصِبِ ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَفَاوُتِ صِفَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ إقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ فَيَصِحُّ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْقَوْلَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْمَعْنَى ، وَالْأَصْحَابُ تَارَةً يَعْتَبِرُونَ اللَّفْظَ وَهُوَ الْأَكْثَرُ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَ هَذَا بِلَا ثَمَنٍ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا وَلَا هِبَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَكَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِكَذَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا لَا سَلَمًا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَتَارَةً يَعْتَبِرُونَ الْمَعْنَى كَمَا لَوْ قَالَ : وَهَبْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ ، فَلَمْ يُطْلِقُوا الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ بَلْ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ كَالْإِبْرَاءِ فِي أَنَّهُ
إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ ، وَفِي أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَوْ الْجَائِزِ ، وَفِي أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ أَمْ لَا ، وَتَارَةً لَا يُرَاعُونَ اللَّفْظَ وَلَا الْمَعْنَى فِيمَا إذَا قَالَ : أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا وَلَا سَلَمًا ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَذْهَبِ ، فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ مُقَابِلَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْقَطْعِ بِالْبُطْلَانِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ الْإِجَارَةَ ) وَالْكِتَابَةَ ( وَالرَّهْنَ وَالْهِبَةَ ) وَالصَّدَاقَ وَالْإِقْرَاضَ وَجَعْلَهُ عِوَضًا فِي نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ( كَالْبَيْعِ ) فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْبَيْعِ ضَعْفُ الْمِلْكِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : لَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِ الرَّهْنِ مِنْ الْبَائِعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَهَنَ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِغَيْرِهِ ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ قَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ بِمَا إذَا رَهَنَ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ وَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ ، وَخَرَجَ بِالْمَبِيعِ زَوَائِدُهُ الْحَادِثَةُ ، فَلَوْ اشْتَرَى نَخْلًا مَثَلًا فَأَثْمَرَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى الْبَائِعِ قَالَهُ الْأَرْدَبِيلِيِّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهَا تَعُودُ لِلْبَائِعِ لَوْ عَرَضَ انْفِسَاخٌ أَوَّلًا ، فَإِنْ أَعَدْنَاهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا كَالْأَصْلِ وَإِلَّا تَصَرَّفَ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ يُفْهِمُ الْجَوَازَ بَعْدَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ ، فَإِنْ كَانَ امْتَنَعَ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
وَاسْتَثْنَى ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ صُورَتَيْنِ : الْأُولَى : إذَا اشْتَرَى مِنْ
مُوَرِّثِهِ شَيْئًا وَمَاتَ مُوَرِّثُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي يَدِهِ شَرْعًا ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا اشْتَرَى جُزْءًا شَائِعًا وَطَلَبَ قِسْمَتَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا : الْقِسْمَةُ بَيْعٌ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهَا ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الرِّضَا جَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْقَبْضُ كَالشُّفْعَةِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ ، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ صُورَةً أُخْرَى ، وَهِيَ مَا لَوْ اشْتَرَى رَقِيقًا وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَصِحُّ إنْ قُلْنَا : إنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذِهِ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ الْإِعْتَاقَ بِخِلَافِهِ ) فَيَصِحُّ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِ حَقِّ الْحَبْسِ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآبِقِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَرْهُونِ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ كَالْبَيْعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ .
وَالثَّالِثَ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ .
نَعَمْ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ إعْتَاقُهُ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ وَلَا إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ وَالِاسْتِيلَادُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْوَقْفُ ، سَوَاءٌ احْتَاجَ إلَى قَبُولٍ أَمْ لَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْقِيمَةِ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ إنْ شُرِطَ فِيهِ الْقَبُولُ كَانَ كَالْبَيْعِ وَإِلَّا فَكَالْإِعْتَاقِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -
فِي بَابِهِ كَالْعِتْقِ ، وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَإِبَاحَتُهُ لِلْفُقَرَاءِ طَعَامًا اشْتَرَاهُ جِزَافًا وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي بِإِعْتَاقِهِ وَإِيلَادِهِ وَإِيلَادِ أَبِيهِ وَإِبَاحَةِ مَا ذُكِرَ إنْ قَبَضُوهُ وَوَقْفِهِ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ لَا بِتَزْوِيجِهِ وَلَا بِوَطْءِ الزَّوْجِ .
أَمَّا إذَا اشْتَرَى الطَّعَامَ مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ إلَّا كَذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهُ جِزَافًا وَأَبَاحَهُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَقْبِضُوهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْبَائِعُ يَدَهُ بَعْدَ الْوَقْفِ وَالِاسْتِيلَادِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ ( وَالثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ ) نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( كَالْمَبِيعِ ) قَبْلَ قَبْضِهِ فِيمَا مَرَّ فَيَأْتِي فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْهُ ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِرِضَا الْبَائِعِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ ، فَقَوْلُهُ ( فَلَا يَبِيعُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ جَوَازَ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالتَّصَرُّفِ لِيَعُمَّ ( وَلَهُ بَيْعٌ ) وَأَوْلَى مِنْهُ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي ( مَالِهِ ) وَهُوَ ( فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةٌ ، كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ ) أَوْ قَبْلَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ الْمُرْتَهِنُ ( وَمَوْرُوثٍ ) كَانَ يَجُوزُ لِلْمُوَرِّثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ ( وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيِّهِ بَعْدَ رُشْدِهِ ) وَأَوْلَى مِنْهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ لِيَدْخُلَ الْمَجْنُونُ ، فَإِنَّ حَجْرَهُ يَنْفَكُّ بِنَفْسِ الْإِفَاقَةِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَى ذَلِكَ وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
نَعَمْ لَوْ أَكْرَى صَبَّاغًا أَوْ قَصَّارًا لِعَمَلٍ فِي ثَوْبٍ وَسَلَّمَهُ لَهُ ، فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ الْأُجْرَةَ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِلْعَمَلِ ثُمَّ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ صَوْغُ الذَّهَبِ
وَنَسْجُ الْغَزْلِ وَرِيَاضَةُ الدَّابَّةِ ، وَخَرَجَ : بِيَجُوزُ لِلْمُوَرِّثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَا مَاتَ عَنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلْ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا ؟ .
أُجِيبَ بِلَا ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي يَدِ بَائِعِهِ أَمَانَةً بَلْ هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ( وَكَذَا ) لَهُ بَيْعُ مَا لَهُ وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ ( عَارِيَّةٌ وَمَأْخُوذٌ بِسَوْمٍ ) وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ مَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيَتَأَمَّلَهُ أَيُعْجِبُهُ أَمْ لَا لِمَا ذُكِرَ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَةُ عَطْفِهِ بِكَذَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ قَسَّمَ الْأَمَانَةَ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ فَلَا يَنْحَصِرُ فِي الْأَمَانَةِ وَلَكِنْ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ ، بَلْ مَا رَجَعَ إلَيْهِ بِفَسْخِ عَقْدٍ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ رَدِّ الثَّمَنِ لَهُ وَمَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ وَرَأْسُ مَالٍ سَلَمٍ فُسِخَ لِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَغْصُوبٌ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : فَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَيْعِ الْعَارِيَّةِ ، فَقَالَ : إنْ أَمْكَنَ الرَّدُّ كَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْأَرْضِ غُرِسَتْ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ ، وَاسْتِرْجَاعُهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا بِبَذْلِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ أَوْ أَرْشِ النَّقْصِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي .
ا هـ .
وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ .
فَرْعٌ : لَوْ أَفْرَزَ السُّلْطَانُ لِشَخْصٍ عَطَاءً وَرَضِيَ بِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِلرِّفْقِ بِالْجُنْدِ ؛ وَلِأَنَّ يَدَ السُّلْطَانِ فِي الْحَظِّ لِلْمُفْرِزِ يَدُ الْمُفْرَزِ لَهُ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ الْغَانِمَيْنِ لِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مَلَكَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَائِعًا ، وَيَصِحُّ بَيْعُ مَوْهُوبٍ رَجَعَ فِيهِ الْوَالِدُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَهُ بَيْعُ مَقْسُومٍ قِسْمَةَ إفْرَازٍ قَبْلَ قَبْضِهِ ، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا صَارَ لَهُ فِيهَا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَلَا بَيْعُ شِقْصٍ أَخَذَهُ بِشُفْعَةٍ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُعَاوَضَةٌ ، وَلَهُ بَيْعُ ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ قَبْلَ أَخْذِهِ ، وَكَذَا سَائِرُ غَلَّاتِ وَقْفٍ حَصَلَتْ لِجَمَاعَةٍ وَعَرَفَ كُلٌّ قَدْرَ حِصَّتِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ، وَالْجَدِيدُ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ ، فَإِنْ اسْتَبْدَلَ مُوَافِقًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعَقْدِ وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ
( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ) قَبْلَ قَبْضِهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ ، وَالْمَبِيعُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ إذَا عُقِدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَمِ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَلَمٍ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَتَنَاقَضَ فِي ذَلِكَ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الصِّحَّةِ ( وَالْجَدِيدُ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ ) الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدًا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : { كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ إذَا تَفَرَّقْتُمْ وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ .
وَسَوَاءٌ أَقَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا ، فَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ " وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ " أَيْ : مِنْ عَقْدِ الِاسْتِبْدَالِ لَا مِنْ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ رِوَايَةٍ أُخْرَى تَدُلُّ لِذَلِكَ ، وَالْقَدِيمُ الْمَنْعُ لِعُمُومِ النَّهْيِ السَّابِقِ لِذَلِكَ ، وَلِلْمَضْمُونَاتِ ضَمَانُ الْعُقُودِ كَبَدَلِ خُلْعٍ وَصَدَاقٍ وَأُجْرَةٍ حُكْمُ الثَّمَنِ لِاسْتِقْرَارِهَا ، بِخِلَافِ دَيْنِ السَّلَمِ كَمَا مَرَّ ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ بِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ بِانْقِطَاعِهِ لِلِانْفِسَاخِ أَوْ الْفَسْخِ ، وَبِأَنَّ عَيْنَهُ تُقْصَدُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِيهِمَا ، وَيَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْحَالِّ عَنْ الْمُؤَجَّلِ وَكَانَ صَاحِبُهُ عَجَّلَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْأَجَلِ .
فَائِدَةٌ : الثَّمَنُ : النَّقْدُ إنْ قُوبِلَ بِغَيْرِهِ لِلْعُرْفِ ، فَإِنْ كَانَا نَقْدَيْنِ أَوْ عَرْضَيْنِ فَمَا الْتَصَقَتْ بِهِ الْبَاءُ الْمُسَمَّاةُ بِبَاءِ الثَّمَنِيَّةِ هُوَ الثَّمَنُ ، وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ ، فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِعَبْدٍ وَوَصَفَهُ فَالْعَبْدُ مَبِيعٌ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ
وَالدَّرَاهِمُ ثَمَنٌ ، أَوْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَبْدٍ وَوَصَفَهُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ لَا عَنْ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّهُ مُثَمَّنٌ .
فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ بِدَرَاهِمَ سَلَمًا كَانَتْ ثَمَنًا وَصَحَّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ دُخُولَ الْبَاءِ عَارَضَهُ كَوْنُهُ مُسْلَمًا فِيهِ فَلَا يَصِحُّ ، فَكَلَامُهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ الثَّمَنَ مَدْخَلُ الْبَاءِ وَلَكِنْ عَارَضَ مَانِعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا تُرَدُّ نَقْضًا ، وَقِيلَ : إنَّ قَوْلَهُمْ : يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الثَّمَنِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ حَتَّى لَا تُرَدُّ هَذِهِ الصُّورَةُ ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ ( فَإِنْ اسْتَبْدَلَ مُوَافِقًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ ) أَوْ عَكْسَهُ ( اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ السَّابِقُ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا فَلَا يَكْفِي التَّعْيِينُ عَنْهُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ ) لِلْبَدَلِ : أَيْ تَشْخِيصُهُ ( فِي الْعَقْدِ ) ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ( وَكَذَا ) لَا يُشْتَرَطُ ( الْقَبْضُ ) لِلْبَدَلِ ( فِي الْمَجْلِسِ ) فِي الْأَصَحِّ .
إنْ اسْتَبْدَلَ مَا لَا يُوَافِقُ فِي الْعِلَّةِ كَثَوْبٍ عَنْ دَرَاهِمَ ، وَلَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الْقَرْضِ
( إنْ اسْتَبْدَلَ مَا لَا يُوَافِقُ فِي الْعِلَّةِ ) لِلرِّبَا ( كَثَوْبٍ عَنْ دَرَاهِمَ ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ فِي الْمَجْلِسِ قَطْعًا ، وَفِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ الْوَجْهَانِ فِي اسْتِبْدَالِ الْمُوَافِقِ .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنٌ ، فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ .
فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَطَعَامٍ عَنْ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الثَّوْبَ لَا يُوَافِقُ الدَّرَاهِمَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ يَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ ، فَيَصْدُقُ بِأَنْ لَا رِبَا أَصْلًا ( وَلَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الْقَرْضِ ) بِمَعْنَى الْمَقْرُوضِ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَتْلَفْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَلَفِهِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِهِ .
وَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ جَازَ ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ مَا سَبَقَ .
( وَ ) لَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ ( قِيمَةِ الْمُتْلَفِ ) أَوْ مِثْلِهِ ، وَكَذَا عَنْ كُلِّ دَيْنٍ لَيْسَ بِثَمَنٍ وَلَا مُثَمَّنٍ كَالدَّيْنِ الْمُوصَى بِهِ أَوْ الْوَاجِبِ بِتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ فِي الْمُتْعَةِ أَوْ بِسَبَبِ الضَّمَانِ أَوْ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ إذَا كَانَ الْفُقَرَاءُ مَحْصُورِينَ ( جَازَ ) لِاسْتِقْرَارِ ذَلِكَ ( وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ ) أَيْ الْبَدَلِ ( فِي الْمَجْلِسِ ) وَتَعْيِينِهِ ( مَا سَبَقَ ) مِنْ كَوْنِهِ مُخَالِفًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوَّلًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَفِي الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْحَوَالَةِ نَظَرٌ ، وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ أَمْ لَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ بِهِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ .
ا هـ .
وَالثَّانِي : أَوْجَهُ .
وَبَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بَاطِلٌ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَ زَيْدٍ بِمِائَةٍ لَهُ عَلَى عَمْرٍو وَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرو دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ فَبَاعَ زَيْدٌ عَمْرًا دَيْنَهُ بِدَيْنِهِ بَطَلَ قَطْعًا ، وَقَبْضُ الْعَقَارِ تَخْلِيَتُهُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، بِشَرْطِ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعَاقِدَانِ الْمَبِيعَ اُعْتُبِرَ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ تَحْوِيلُهُ ، فَإِنْ جَرَى الْبَيْعُ بِمَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ كَفَى نَقْلَهُ إلَى حَيِّزٍ ، وَإِنْ جَرَى فِي دَارِ الْبَائِعِ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ مُعِيرًا لِلْبُقْعَةِ .
( وَبَيْعُ الدَّيْنِ ) بِعَيْنٍ ( لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بَاطِلٌ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَ زَيْدٍ ) مَثَلًا ( بِمِائَةٍ لَهُ عَلَى عَمْرٍو ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ هُنَا مُوَافِقًا لِلرَّافِعِيِّ فِي آخَرِ الْخُلْعِ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ لِاسْتِقْرَارِهِ ، كَبَيْعِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ مَلِيًّا مُقِرًّا ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا مُسْتَقِرًّا ، وَصَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ كَالْبَغَوِيِّ بِاشْتِرَاطِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ يُخَالِفُهُ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى الرِّبَوِيِّ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ؛ لِأَنَّ مِثَالَهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ مَثَّلَا ذَلِكَ بِعَبْدٍ .
تَنْبِيهٌ : الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ إنَّمَا يَجْرِي فِي غَيْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ وَمِمَّا مَرَّ ( وَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرو دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ فَبَاعَ زَيْدٌ عَمْرًا دَيْنَهُ بِدَيْنِهِ بَطَلَ قَطْعًا ) اتَّفَقَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ : إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ .
وَفُسِّرَ بِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَبْضِ وَالرُّجُوعِ فِي حَقِيقَتِهِ إلَى الْعُرْفِ فِيهِ لِعَدَمِ مَا يَضْبِطُهُ شَرْعًا أَوْ لُغَةً كَالْإِحْيَاءِ وَالْحَرْزِ فِي السَّرِقَةِ ، فَقَالَ ( وَقَبْضُ الْعَقَارِ ) أَيْ إقْبَاضُهُ ، وَهُوَ الْأَرْضُ وَالنَّخْلُ وَالضِّيَاعُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَأَرَادَ بِالضِّيَاعِ : الْأَبْنِيَةَ (
تَخْلِيَةً لِلْمُشْتَرِي ) أَيْ تَرَكَهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ الْبَائِعِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَطْلَبِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ ( وَتَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ) فِيهِ كَتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ ، وَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ : أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ حِسِّيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ الْقَبْضَ وَأَنَاطَ بِهِ أَحْكَامًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَلَا لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَمَا مَرَّ ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَفِي مَعْنَى الْعَقَارِ الْأَشْجَارُ الثَّابِتَةُ وَالثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ عَلَى الشَّجَرَةِ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ ، وَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ قَطْعِهَا يَلْحَقُ بِالْمَنْقُولِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْمُتَّجَهُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الشَّارِحُ : لَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْبَاءِ فِي التَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ كَانَ أَقْوَمَ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ الْقَبْضَ بِالْإِقْبَاضِ ا هـ .
أَيْ : لِأَنَّ الْقَبْضَ فِعْلُ الْمُشْتَرِي وَالتَّخْلِيَةَ فِعْلُ الْبَائِعِ ، فَلَوْلَا التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي عِبَارَتِهِ لَمَا صَحَّ الْحَمْلُ ( بِشَرْطِ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ ) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْعُرْفِ مَوْقُوفٌ عَلَى ذَلِكَ فَيُفَرِّغُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا يُكَلَّفُ تَفْرِيغَهَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ يَحْصُلُ تَسْلِيمُهَا بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّرْعِ لِتَأَتِّي التَّفْرِيغِ هُنَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ ، وَلَوْ جُمِعَتْ الْأَمْتِعَةُ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ وَخُلِّيَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا حَصَلَ الْقَبْضُ فِيمَا عَدَاهُ ، فَإِنْ نُقِلَتْ الْأَمْتِعَةُ مِنْهُ إلَى بَيْتٍ آخَرَ حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الْجَمِيعِ .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِأَمْتِعَةِ
الْبَائِعِ يَخْرُجُ بِهِ أَمْتِعَةُ الْمُشْتَرِي فَقَطْ .
أَمَّا أَمْتِعَةُ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ فَكَأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ فَاحْذَرْهُ ( فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعَاقِدَانِ الْمَبِيعَ ) وَحُضُورُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ ( اُعْتُبِرَ ) فِي حُصُولِ قَبْضِهِ ( مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا مَنْقُولًا كَانَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْحُضُورَ لِلْمَشَقَّةِ ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي مُضِيِّ الزَّمَانِ فَاعْتُبِرَ .
وَالثَّانِي : لَا يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ مَعَ عَدَمِ الْحُضُورِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُعْتَبَرُ نَفْسُ الْمُضِيِّ وَلَا يَفْتَقِرُ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْعَاقِدَيْنِ ، وَلَا فِي الْحَاضِرِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي إلَى إذْنِ الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِلَّا افْتَقَرَ ( وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ( تَحْوِيلُهُ ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ جِزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ } ، وَقِيسَ بِالطَّعَامِ غَيْرُهُ فَيَأْمُرُ الْعَبْدَ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَيَسُوقُ الدَّابَّةَ أَوْ يَقُودُهَا ، وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا وَاقِفَةً ، وَلَا اسْتِعْمَالُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ ، وَلَا وَطْءُ الْجَارِيَةِ " ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ : لَوْ رَكِبَ الْمُشْتَرِي الدَّابَّةَ أَوْ جَلَسَ عَلَى الْفِرَاشِ حَصَلَ الضَّمَانُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَلَا صَحِيحٌ فِي الضَّمَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي التَّصَرُّفِ ، وَيَكْفِي فِي قَبْضِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ ، وَمَرَّ أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَوَانِ الْجُدَادِ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ ، وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ فِي
الْأَرْضِ ، وَأَنَّ إتْلَافَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْضٌ لَهُ ، فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْقِسْمَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْوِيلِ الْمَقْسُومِ ، وَلَوْ جَعَلْنَا الْقِسْمَةَ بَيْعًا إذْ لَا ضَمَانَ فِيهَا حَتَّى يَسْقُطَ بِالْقَبْضِ .
تَنْبِيهٌ : يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالنَّقْلِ أَنَّ الدَّابَّةَ مَثَلًا لَوْ تَحَوَّلَتْ بِنَفْسِهَا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ وَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِإِذْنِهِ لِمَا مَرَّ أَنْ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ فِي الْغَصْبِ ضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا وَهُوَ حَاضِرٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ صَارَ مَقْبُوضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَفَى فِيهَا التَّخْلِيَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْأَمْتِعَةَ مَعَ الدَّارِ صَفْقَةً اشْتَرَطَ فِي قَبْضِهَا نَقْلَهَا كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ ، وَقِيلَ : لَا تَبَعًا لِقَبْضِ الدَّارِ ، وَلَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً ثُمَّ اشْتَرَى مَكَانَهَا لَمْ يَكْفِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي دَارِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَالسَّفِينَةُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْوِيلِهَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَاءٍ تَسِيرُ فِيهِ .
أَمَّا الْكَبِيرَةُ فِي الْبَرِّ فَكَالْعَقَارِ فَيَكْفِي فِيهَا التَّخْلِيَةُ لِعُسْرِ النَّقْلِ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَفْرِيغِهَا مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَنَحْوِهِ ، وَلَوْ بِيعَ ظَرْفٌ دُونَ مَظْرُوفِهِ اُشْتُرِطَ فِي تَسْلِيمِهِ تَفْرِيغُهُ كَالسَّفِينَةِ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْقُولٍ لَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيغِهِ ( فَإِنْ جَرَى الْبَيْعُ ) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَالْمَبِيعُ ( بِمَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ ) بِأَنْ اخْتَصَّ بِالْمُشْتَرِي
بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَتَحَجُّرٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْإِحْيَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، أَوْ لَمْ يَخْتَصَّ بِأَحَدٍ كَمَوَاتٍ وَشَارِعٍ وَمَسْجِدٍ ( كَفَى ) فِي قَبْضِهِ ( نَقْلَهُ ) مِنْ حَيِّزٍ ( إلَى حَيِّزٍ ) آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَغْصُوبَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ ، وَالْمَبِيعُ بِالْمِيمِ ، فَإِنَّ جَرَيَانَ الْبَيْعِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، لَكِنَّهُ تَبِعَ الْمُحَرَّرَ فِي ذَلِكَ ، وَلَعَلَّهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ ، وَقَوْلُهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : إنَّهُ مَقْلُوبٌ وَصَوَابُهُ لَا يَخْتَصُّ الْبَائِعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ الَّذِي لَا يَتَعَدَّى ا هـ .
وَفِي التَّعْبِيرِ بِالصَّوَابِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا عَلَى الْمَقْصُورِ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ ( وَإِنْ جَرَى ) الْبَيْعُ فِي أَيِّ مَكَان كَانَ كَمَا مَرَّ ، وَالْمَبِيعُ ( فِي دَارِ الْبَائِعِ ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ ، أَوْ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَتَحَجُّرٍ كَمَا مَرَّ ( لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ ) النَّقْلُ فِي قَبْضِهِ ( إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا فِيهَا .
نَعَمْ لَوْ جَعَلَهُ فِي أَمْتِعَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ مِنْ الْبَائِعِ كَفَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَقَرَّهُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا إذَا كَانَ الْمَنْقُولُ خَفِيفًا فَقَبَضَهُ بِتَنَاوُلِهِ بِالْيَدِ كَمَا مَرَّ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ أَوْ لَا ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَقْبُوضِ كَوْنُهُ مَرْئِيًّا لِلْقَابِضِ وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ ، نَبَّهَ
عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ ( فَيَكُونُ مُعِيرًا لِلْبُقْعَةِ ) الَّتِي أُذِنَ فِي النَّقْلِ إلَيْهَا كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهَا مِنْ غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ لَمْ يَكْفِ : أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّصَرُّفِ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَقْلِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَافِيًا لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي مُجَرَّدِ التَّحْوِيلِ .
هَذَا كُلُّهُ فِي مَنْقُولِ بَيْعٍ بِلَا تَقْدِيرٍ ، فَإِنْ بِيعَ بِتَقْدِيرٍ فَسَيَأْتِي .
فَرْعٌ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ سَلَّمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ ، وَلَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا كَثَوْبٍ وَأَرْضٍ ذَرْعًا وَحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا اُشْتُرِطَ مَعَ النَّقْلِ ذَرْعُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ : مِثَالُهُ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ : عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ مُقَدَّرٌ عَلَى زَيْدٍ وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَلْيَكْتَلْ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَكِيلُ لِعَمْرٍو ، فَلَوْ قَالَ اقْبِضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِي عَلَيْهِ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ .
فَرْعٌ : زَادَ التَّرْجَمَةَ بِهِ ( لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ الْمَبِيعِ ) اسْتِقْلَالًا ( إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا ) لِانْتِفَاءِ حَقِّ الْحَبْسِ ، وَكَذَا لَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ( أَوْ ) كَانَ حَالًّا وَ ( سَلَّمَهُ ) لِمُسْتَحِقِّهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ ( فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْبَائِعِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لَهُ ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ، لَكِنْ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْيَدِ الْحِسِّيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ لِيُطَالِبَ بِهِ إنْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا وَاسْتَقَرَّ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ ( وَلَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا كَثَوْبٍ وَأَرْضٍ ذَرْعًا ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ ( وَحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا اُشْتُرِطَ ) فِي قَبْضِهِ ( مَعَ النَّقْلِ ) فِي الْمَنْقُولِ ( ذَرْعُهُ ) إنْ بِيعَ ذَرْعًا بِأَنْ كَانَ يُذْرَعُ ( أَوْ كَيْلُهُ ) إنْ بِيعَ كَيْلًا بِأَنْ كَانَ يُكَالُ ( أَوْ وَزْنُهُ ) إنْ بِيعَ وَزْنًا بِأَنْ كَانَ يُوزَنُ ، أَوْ عَدُّهُ إنْ بِيعَ عَدًّا بِأَنْ كَانَ يُعَدُّ ، لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْكَيْلِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ } دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْقَبْضُ إلَّا بِالْكَيْلِ ، وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي بَيْعِ الْجِزَافِ إجْمَاعًا ، فَتَعَيَّنَ فِيمَا قُدِّرَ بِكَيْلٍ الْكَيْلُ ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكِيلَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ ، فَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ : اكْتَلْ حَقَّكَ مِنْ صُبْرَتِي لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْقَبْضِ ، وَقَدْ صَارَ نَائِبًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ مُتَأَصِّلًا لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ تَنَازَعَا فِيمَنْ يَكِيلُ نَصَبَ الْحَاكِمُ كَيَّالًا أَمِينًا يَتَوَلَّاهُ ، وَيُقَاسُ بِالْكَيْلِ غَيْرُهُ وَأُجْرَةُ كَيَّالِ الْمَبِيعِ أَوْ وَزَّانِهِ ، أَوْ مَنْ ذَرَعَهُ ، أَوْ عَدَّهُ وَمُؤْنَةُ إحْضَارِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا إلَى مَحِلِّ الْعَقْدِ : أَيْ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ عَلَى الْبَائِعِ ، وَأُجْرَةُ
كَيَّالِ الثَّمَنِ أَوْ وَزَّانِهِ ، أَوْ مَنْ ذَرَعَهُ أَوْ عَدَّهُ ، وَمُؤْنَةُ إحْضَارِ الثَّمَنِ الْغَائِبِ إلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَأُجْرَةُ النَّقْلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْمُشْتَرِي : أَيْ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ، وَأُجْرَةُ نَقَّادِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ : أَيْ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إظْهَارُ عَيْبٍ إنْ كَانَ لِيَرُدَّ بِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الثَّمَنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا كَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ وَإِنْ قَيَّدَهُ الْعُمْرَانِيُّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ بِمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا ، وَلَوْ أَخْطَأَ النَّقَّادُ فَظَهَرَ بِمَا نَقَدَهُ غِشٌّ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ كَمَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَإِنْ قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا إذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا لَكِنْ لَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلنَّسْخِ فَغَلِطَ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ يَغْرَمُ هُنَاكَ أَرْشَ الْوَرَقِ ، فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا ضَامِنًا وَهُوَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ مُقَصِّرٌ وَهُنَا مُجْتَهِدٌ ، وَالْمُجْتَهِدُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ .
ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَّنَ لَكَ الْقَدْرَ فِي الْمَكِيلِ بِمِثَالَيْنِ لِتَقِيسَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَقَالَ ( مِثَالُهُ بِعْتُكَهَا ) أَيْ الصُّبْرَةَ ( كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ ، أَوْ ) بِعْتُكَهَا بِخَمْسَةٍ مَثَلًا ( عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ ) لَكِنْ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ وَصْفًا كَالْكِتَابَةِ فِي الْعَبْدِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى الْكَيْلِ ، وَيُخَالِفُ مَا إذَا بَاعَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ ، فَلَوْ قَبَضَ مَا ذُكِرَ جِزَافًا لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ ، لَكِنْ يَدْخُلُ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ ( وَلَوْ كَانَ لَهُ ) أَيْ
لِبَكْرٍ ( طَعَامٌ ) مَثَلًا ( مُقَدَّرٌ ) كَعَشْرَةِ آصُعٍ ( عَلَى زَيْدٍ ، وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَلْيَكْتَلْ ) بَكْرٌ ( لِنَفْسِهِ ) مِنْ زَيْدٍ ( ثُمَّ يَكِيلُ لِعَمْرٍو ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ هُنَا مُتَعَدِّدٌ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ الْكَيْلُ فَلَزِمَ تَعَدُّدُ الْكَيْلِ ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ الصَّاعَانِ كَمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا يَعْنِي صَاعَ الْبَائِعِ وَصَاعَ الْمُشْتَرِي .
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ قَبْضَهُ بِالْكَيْلِ ، وَالْكَيْلَانِ قَدْ يَقَعُ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْكَيْلِ الْأَوَّلِ لِجَوَازِ أَنْ لَوْ حَدَّدَهُ لَظَهَرَ فِيهِ تَفَاوُتٌ ، فَإِذَا كَالَ لِنَفْسِهِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ كَالَهُ لِغَرِيمِهِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ بِقَدْرٍ يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لَهُ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ ، أَوْ بِمَا لَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ ، فَالْكَيْلُ الْأَوَّلُ غَلَطٌ فَيَرُدُّ بَكْرٌ الزِّيَادَةَ وَيَرْجِعُ بِالنَّقْصِ ، وَلَوْ قَبَضَهُ فِي الْمِكْيَالِ وَسَلَّمَهُ لِغَرِيمِهِ فِيهِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمِكْيَالِ كَابْتِدَائِهِ .
وَقَدْ يُقَالُ فِي الذَّرْعِ كَذَلِكَ ( فَلَوْ قَالَ ) بَكْرٌ لِعَمْرٍو ( اقْبَضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِي عَلَيْهِ لِنَفْسِكَ ) أَوْ احْضَرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ أَنَا لَكَ ( فَفَعَلَ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ ) لَهُ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ وَضَمِنَهُ الْقَابِضُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ لِغَرَضِهِ وَبَرِئَ زَيْدٌ مِنْ حَقِّ بَكْرٍ لِإِذْنِهِ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ فِي الْأُولَى وَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ قَالَ لَهُ اقْبِضْهُ لِي ثُمَّ لِنَفْسِكَ أَوْ احْضَرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ لِي ثُمَّ لَك فَفَعَلَ صَحَّ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ دُونَ الثَّانِي لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ وَضَمِنَهُ الْقَابِضُ وَبَرِئَ زَيْدٌ مِنْ حَقِّ بَكْرٍ .