كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
وَفِي الْعَسَلِ جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ صَيْفِيٌّ ، أَوْ خَرِيفِيٌّ أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالْحَدَاثَةُ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي الْعَسَلِ ) أَيْ عَسَلِ النَّحْلِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَذْكُرَ زَمَانَهُ وَمَكَانَهُ وَلَوْنَهُ فَيَقُولَ ( جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَبَلِيَّ أَطْيَبُ ( صَيْفِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ ) لِتَفَاوُتِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ ، وَيُبَيِّنُ مَرْعَاهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَإِنَّ النَّحْلَ يَقَعُ عَلَى الْكَمُّونِ وَالصَّعْتَرِ فَيَكُونُ دَوَاءً ، وَيَقَعُ عَلَى أَنْوَارِ الْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ دَاءً .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَأَنَّ هَذَا فِي مَوْضِعٍ يُتَصَوَّرُ فِيهِ رَعْيُ هَذَا بِمُفْرَدِهِ وَهَذَا بِمُفْرَدِهِ ، وَفِيهِ بُعْدٌ ( وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالْحَدَاثَةُ ) ، وَإِنْ شَرَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ لَا يَتَغَيَّرُ ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَدَمِ تَغَيُّرِهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُحْفَظُ بِهِ .
وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ .
( وَلَا يَصِحُّ ) السَّلَمُ ( فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ ) أَيْ : النَّاضِجِ بِالنَّارِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ فِيهِمَا لَا يَنْضَبِطُ ، وَيَصِحُّ فِي كُلِّ مَا دَخَلَتْهُ نَارٌ مَضْبُوطَةٌ كَالصَّابُونِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ وَاللِّبَإِ وَالدِّبْسِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فِي كُلِّ مَا دَخَلَتْهُ نَارٌ لَطِيفَةٌ وَمَثَّلَ بِبَعْضِ الْمَذْكُورَاتِ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ صِحَّةُ السَّلَمِ فِي الْآجُرِّ الْمَطْبُوخِ ، وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ بَابَيْ الرِّبَا وَالسَّلَمِ بِضِيقِ بَابِ الرِّبَا ، فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ : إنَّ نَارَ مَا ذُكِرَ لَطِيفَةٌ خِلَافُ الْمُشَاهَدِ ، وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ بِعَمَلِ السُّكَّرِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِاللَّطِيفَةِ الْمَضْبُوطَةُ كَمَا عَبَّرْتُ بِهِ ، وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ بِمِثْلِهِ ، فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَفِي مَاءِ الْوَرْدِ ؛ لِأَنَّ نَارَهُ لَطِيفَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفِي الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ ؛ لِأَنَّ تَصْفِيَتَهُ بِهَا لَا تُؤَثِّرُ ؛ لِأَنَّ نَارَهُ لَطِيفَةٌ لِلتَّمْيِيزِ ، وَإِنْ أَفْهَمَ قَوْلُهُ ( وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ ) فِي الْعَسَلِ وَغَيْرُهُ خِلَافُهُ لِعَدَمِ اخْتِلَافِهِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمُصَفَّى بِهِمَا ، وَيَصِحُّ فِي الشَّمْعِ وَالْقَنْدِ وَالْخَزَفِ وَالْفَحْمِ لِمَا مَرَّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ فِي الْمَسْمُوطِ ؛ لِأَنَّ النَّارَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا لَهُ تَأْثِيرٌ .
وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهُ فِي رُءُوسِ الْحَيَوَانِ ، وَلَا يَصِحُّ فِي مُخْتَلِفٍ كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ وَجِلْدٍ وَكُوزٍ وَطَسٍّ وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ وَطِنْجِيرٍ وَنَحْوِهَا .
( وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهُ ) أَيْ السَّلَمِ ( فِي رُءُوسِ الْحَيَوَانِ ) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَبْعَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْمَنَاخِرِ وَالْمَشَافِرِ وَغَيْرِهَا وَيَتَعَذَّرُ ضَبْطُهَا .
وَالثَّانِي : الْجَوَازُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُنَقَّاةً مِنْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ مَوْزُونَةً قِيَاسًا عَلَى اللَّحْمِ بِعَظْمِهِ ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عَظْمَهَا أَكْثَرُ مِنْ لَحْمِهَا عَكْسُ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ .
أَمَّا إذَا لَمْ تُنَقَّ مِنْ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا جَزْمًا ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ إلَى تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا نِيئَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ : وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَطْبُوخِ إلَخْ وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَكَارِعِ ، وَإِنْ كَانَتْ نِيئَةً مُنَقَّاةً لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَبْعَاضِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَيُقَالُ فِيهَا : كَوَارِعُ وَأَكْرُعٌ جَمْعُ كُرَاعٍ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ مِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ كُعُوبِهَا ، وَالْجَوْهَرِيُّ : مُسْتَدَقُّ السَّاقِ ، وَالشَّائِعُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا ( وَلَا يَصِحُّ ) السَّلَمُ ( فِي مُخْتَلِفٍ ) أَجْزَاؤُهُ ( كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ ) وَهِيَ الْقِدْرُ ( وَجِلْدٍ ) عَلَى هَيْئَتِهِ ( وَ ) مَعْمُولٍ نَحْوُ ( كُوزٍ وَطَسٍّ ) بِفَتْحِ الطَّاءِ ، وَيُقَالُ لَهُ طَشْتٌ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ( وَطِنْجِيرٍ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ : الدَّسْتُ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فَتْحُهَا مِنْ لَحْنِ النَّاسِ ( وَنَحْوِهَا ) كَالْأَبَارِيقِ ، وَالْحِبَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ حُبٍّ بِضَمِّهَا ، وَهِيَ الْخَابِيَةُ وَالْأَسْطَالُ الضَّيِّقَةُ الرَّأْسِ لِنُدْرَةِ اجْتِمَاعِ الْوَزْنِ مَعَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ وَلِتَعَذُّرِ ضَبْطِهَا إمَّا لِاخْتِلَافِ الْأَجْزَاءِ فِي الدِّقَّةِ وَالْغِلَظِ كَالْجِلْدِ ، أَوْ لِمُخَالَفَةِ أَعْلَاهَا أَوْ وَسَطِهَا لِأَسْفَلِهَا كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ .
أَمَّا قِطَعُ الْجِلْدِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَزْنًا لِانْضِبَاطِهَا ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهَا مَقْصُودَةٌ ، وَمَا فِيهَا مِنْ
التَّفَاوُتِ يُجْعَلُ عَفْوًا ، وَلَا يَصِحُّ فِي الزِّقِّ لِمَا ذُكِرَ .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُهُ الْبُرْمَةَ بِالْمَعْمُولَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَصْبُوبَةِ فِي الْقَالَبِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ ذَلِكَ قَيْدًا فِي كُلِّ مَا بَعْدَهُ إلَّا الْجِلْدَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ وَعَطْفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ أَوْ عَكْسُهُ لِمُغَايَرَتِهِ لَهَا .
قَالَ الْأُشْمُونِيُّ : وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْفَخَّارِ ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَا مَرَّ .
.
وَيَصِحُّ فِي الْأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ وَفِيمَا صُبَّ فِي قَالِبٍ
( وَيَصِحُّ ) السَّلَمُ ( فِي الْأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ ) لِعَدَمِ اخْتِلَافِهَا ، وَالْمُدَوَّرَةُ كَالْمُرَبَّعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الصَّوَابُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ، بَلْ صَحَّحَ فِي كُلِّ مَا لَا يَخْتَلِفُ مِنْ ذَلِكَ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ مَصْبُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ السَّطْلِ مِنْ نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ جَمِيعًا لَمْ يَصِحَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، قَالَ : لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُصَانِ فَيُعْرَفُ قَدْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَفِيمَا صُبَّ ) مِنْهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ : أَيْ مِنْ أَصْلِهَا الْمُذَابِ ( فِي قَالَبٍ ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا كَالْهَاوَنِ بِفَتْحِ الْوَاوِ مُرَبَّعًا كَانَ أَمْ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ .
، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ
فُرُوعٌ : يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَنَافِعِ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالْأَعْيَانِ ، وَيَصِحُّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ كَغَيْرِهِمَا لَا إسْلَامَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَلَوْ حَالًّا وَقَبَضَا فِي الْمَجْلِسِ لِتَضَادِّ أَحْكَامِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْآخَرِ ، وَالصَّرْفُ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ قَبْضِهِمَا فِيهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ سَائِرَ الْمَطْعُومَاتِ كَذَلِكَ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِيَا بِالسَّلَمِ عَقْدَ الصَّرْفِ وَإِلَّا صَحَّ إذَا كَانَ حَالًّا وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَيَصِحُّ فِي الْوَرِقِ ، وَيُبَيَّنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالنَّوْعُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَاللَّوْنُ وَالدِّقَّةُ أَوْ الْغِلَظُ وَالصِّفَةُ أَوْ الزَّمَانُ كَصَيْفِيٍّ أَوْ شَتْوِيٍّ ، وَيَصِحُّ فِي الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ .
وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِهَا وَنَوْعِهَا وَذُكُورَةِ الْحَدِيدِ وَأُنُوثَتِهِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالذَّكَرُ الْفُولَاذُ ، وَالْأُنْثَى اللَّيِّنُ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَوَانِي وَنَحْوُهَا ، ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِيمَا يُسْلَمُ فِيهِ ( ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ ) مِنْهُمَا ( عَلَى الْجَيِّدِ ) لِلْعُرْفِ ، وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِمَا ، فَيُفْضِي تَرْكُهُمَا إلَى النِّزَاعِ ، وَرُدَّ بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ ، فَلَوْ شَرَطَ الْأَجْوَدَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ أَقْصَاهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَإِنْ شَرَطَ الرَّدَاءَةَ فَإِنْ كَانَتْ رَدَاءَةَ النَّوْعِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ لِانْضِبَاطِ ذَلِكَ ، أَوْ رَدَاءَةَ الْعَيْبِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ إذْ مَا مِنْ رَدِيءٍ إلَّا وَيُوجَدُ رَدِيءٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَإِنْ شَرَطَ الْأَرْدَأَ صَحَّ عَلَى
الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ طَلَبَ أَرْدَأَ مِنْ الْمُحْضَرِ عِنَادٌ ( وَيُشْتَرَطُ ) مَعَ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْأَوْصَافِ مَعْرُوفَةً فِي نَفْسِهَا ( مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ ) فَلَوْ جَهِلَاهَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ ( وَكَذَا غَيْرُهُمَا ) أَيْ مَعْرِفَةُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِيُرْجَعَ إلَيْهِمَا عِنْدَ تَنَازُعِ الْعَاقِدَيْنِ ، وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ غَيْرِهِمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَجَلِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَعْرِفَةِ عَدْلَيْنِ فِي التَّأْجِيلِ بِنَحْوِ شُهُورِ الرُّومِ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ ثَمَّتَ بَيْنَهُمَا .
فَصْلٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَبْدَلَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ غَيْرُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِي نَوْعِهِ وَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ ، وَيَجُوزُ أَرْدَأَ مِنْ الْمَشْرُوطِ وَلَا يَجِبُ ، وَيَجُوزُ أَجْوَدُ أَوْ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ
فَصْلٌ : فِي بَيَانِ أَدَاءِ غَيْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَنْهُ وَوَقْتِ أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَكَانِهِ ( لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَبْدَلَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ غَيْرُ جِنْسِهِ ) كَالْبُرِّ عَنْ الشَّعِيرِ ( وَنَوْعِهِ ) كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ عَنْ الْمَعْقِلِيِّ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مَعَ تَعْلِيلِهِ ، وَالثَّانِي يُشْبِهُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ : الْحِيلَةُ فِي الِاعْتِيَاضِ أَنْ يَفْسَخَا السَّلَمَ ثُمَّ يُعْتَاضُ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، ( وَقِيلَ يَجُوزُ فِي نَوْعِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَجْمَعُهُمَا ، فَكَانَ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَاخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ ( وَ ) لَكِنْ ( لَا يَجِبُ قَبُولُهُ ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ ( وَيَجُوزُ ) إعْطَاءُ ( أَرْدَأَ مِنْ الْمَشْرُوطِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ( وَ ) لَكِنْ ( لَا يَجِبُ ) قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ ( وَيَجُوزُ ) إعْطَاءُ ( أَجْوَدَ ) مِنْ الْمَشْرُوطِ صِفَةً ( وَيَجِبُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ عِنَادٌ وَلِإِشْعَارِ بَاذِلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِغَيْرِهِ ، وَذَلِكَ يُهَوِّنُ أَمْرَ الْمِنَّةِ الَّتِي يُعَلَّلُ بِهَا الثَّانِي ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي خَشَبَةٍ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَجَاءَ بِهَا سِتَّةً فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْخَشَبَةِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ عَلَى الْمُسْلِمِ ضَرَرٌ فِي قَبُولِهِ كَأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ، فَجَاءَهُ بِفَرْعِهِ أَوْ أَصْلِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجِهَا لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ ، وَإِنْ جَاءَهُ بِأَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ فَوَجْهَانِ : وَجْهُ الْمَنْعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ مِنْ الْحُكَّامِ مَنْ يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ
الْمَاوَرْدِيُّ .
تَنْبِيهٌ : تَفَاوُتُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ تَفَاوُتُ نَوْعٍ لَا تَفَاوُتُ وَصْفٍ ، وَكَذَا مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَبِمَاءِ الْأَرْضِ ، وَالْعَبْدُ الْهِنْدِيُّ وَالْعَبْدُ التُّرْكِيُّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْآخَرِ ، وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبِضَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ كَيْلًا بِالْوَزْنِ وَلَا عَكَسَهُ ، وَلَا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ غَيْرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَأَنْ بَاعَ صَاعًا فَاكْتَالَهُ بِالْمُدِّ ، وَلَا يُزَلْزِلُ الْمِكْيَالَ ، وَلَا يَضَعُ الْكَفَّ عَلَى جَوَانِبِهِ بَلْ يَمْلَؤُهُ وَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ بِقَدْرِ مَا يَحْمِلُ ، وَيُسْلَمُ التَّمْرُ جَافًّا وَلَوْ فِي أَوَّلِ جَفَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ جَفَافِهِ لَا يُسَمَّى تَمْرًا وَلَا يُجْزِئُ مَا تَنَاهَى جَفَافُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ نَدَاوَةٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَيُسْلَمُ الرُّطَبُ غَيْرَ مُشَدَّخٍ ، وَهُوَ الْبُسْرُ يُعَالَجُ بِالْغَمْرِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَتَشَدَّخَ : أَيْ يَتَرَطَّبُ ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَعْمُولِ فِي بِلَادِ مِصْرَ ، وَتُسْلَمُ الْحِنْطَةُ وَنَحْوُهَا نَقِيَّةً مِنْ التُّرَابِ وَالْمَدَرِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَلِيلُ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ فِي الْكَيْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ لَا فِي الْوَزْنِ لِظُهُورِهِ فِيهِ وَمَعَ احْتِمَالِهِ فِي الْكَيْلِ إنْ كَانَ لِإِخْرَاجِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ كَمَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ .
وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ لَمْ يُجْبَرْ ، وَإِلَّا
وَأَقَرَّهُ .
( وَلَوْ أَحْضَرَهُ ) أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ الْمُؤَجَّلَ ( قَبْلَ مَحِلِّهِ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ : أَيْ وَقْتِ حُلُولِهِ ( فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا ) يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ لَهَا وَقْعٌ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِذَلِكَ ، فَلَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ ( أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ ) وَالْأَفْصَحُ إغَارَةٌ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْهُدْنَةِ أَوْ كَانَ تَمْرًا أَوْ لَحْمًا يُرِيدُ أَكْلَهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ طَرِيًّا أَوْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَكَان لَهُ مُؤْنَةٌ كَالْحِنْطَةِ الْكَثِيرَةِ ( لَمْ يُجْبَرْ ) عَلَى قَبُولِهِ لِتَضَرُّرِهِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي التَّعْجِيلِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ : كَأَنْ لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَنْ ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَلَكِنْ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْإِتْيَانُ بِأَنْ بَدَلَ كَأَنْ ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ : أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ تَقْدِيرُهُ أَوْ لِوَقْتٍ وَقْتَ غَارَةٍ فَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى خَبَرِ كَانَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِامْتِنَاعِ .
فَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كَفَكِّ رَهْنٍ أُجْبِرَ ، وَكَذَا لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ فِي الْأَظْهَرِ .
( فَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ ) فِي التَّعْجِيلِ ( كَفَكِّ رَهْنٍ ) أَوْ بَرَاءَةِ ضَامِنٍ ( أُجْبِرَ ) الْمُسْلِمُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ حِينَئِذٍ تَعَنُّتٌ ( وَكَذَا ) يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِخَوْفِ انْقِطَاعِ الْجِنْسِ عِنْدَ الْحُلُولِ أَوْ ( لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ ) أَيْ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ، وَكَذَا لَا لِغَرَضٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَدِينِ ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ فَامْتِنَاعُهُ مِنْ قَبُولِهِ مَحْضُ تَعَنُّتٍ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرُوا فِي بَابِ الْمَنَاهِي أَنَّ الْمَدِينَ إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَا يَسْقُطُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِسْقَاطَ هُنَا وَسِيلَةٌ إلَى الطَّلَبِ الْمُؤَدِّي لِلْبَرَاءَةِ وَالدَّفْعُ مُحَصِّلٌ لَهَا نَفْسِهَا فَكَانَ أَقْوَى مَعَ أَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يَسْقُطْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَالثَّانِي : لَا يُجْبَرُ لِلْمِنَّةِ ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ غَرَضَاهُمَا ، فَالْمَرْعِيُّ جَانِبُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى غَرَضِ الْمُؤَدِّي إلَّا عِنْدَ عَدَمِ غَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ ، وَيُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِ كُلِّ دَيْنٍ حَالٍّ إنْ كَانَ غَرَضُ الْمَدِينِ غَيْرَ الْبَرَاءَةِ ، وَعَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْإِبْرَاءِ إنْ كَانَ غَرَضُهُ الْبَرَاءَةَ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : هَذَا إذَا أَحْضَرَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ عَنْ حَيٍّ لَمْ يَجِبْ الْقَبُولُ لِلْمِنَّةِ ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ الْوَارِثَ وَجَبَ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ التَّرِكَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ تَرَدَّدَ جَوَابُ الْقَاضِي ا هـ .
وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الْإِجْبَارُ وَأَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ لَهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ أُحْضِرَ الْمُسْلَمُ فِيهِ الْحَالُّ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ لِغَرَضِ غَيْرِ الْبَرَاءَةِ أُجْبِرَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْ لِغَرَضِهَا أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ الْإِبْرَاءِ ، وَقَدْ يُقَالُ بِالتَّخْيِيرِ فِي الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ الْمُحْضَرِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَيْضًا ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فِي الثَّانِي ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ الْإِجْبَارُ فِيهِمَا عَلَى الْقَبُولِ فَقَطْ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي مَسْأَلَتِنَا اسْتَحَقَّ التَّسْلِيمَ فِيهَا لِوُجُودِ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ ، فَامْتِنَاعُهُ مِنْهُ مَحْضُ عِنَادٍ فَضُيِّقَ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ ذَيْنِكَ .
وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ هُنَاكَ لَمْ يُجْبَرْ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ .
( وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ ) بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَكَانُهُ الْمُتَعَيِّنُ بِالْعَقْدِ أَوْ الشَّرْطِ وَطَالَبَهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ ( الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ ) مِنْ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ إلَى مَحَلِّ الظَّفَرِ ( مُؤْنَةٌ ) وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا الْمُسْلِمُ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ لَهَا وَلِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَدَرَاهِمَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهَا أَوْ تَحَمَّلَهَا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ .
تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِنَفْيِ الْأَدَاءِ خَاصَّةً إلَى أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلْزَامَهُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَوْ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يُحْبَسُ ( وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ ) لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ ، لَكِنْ لَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ .
( وَإِنْ ) أَحْضَرَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ فَ ( امْتَنَعَ ) الْمُسْلِمُ ( مِنْ قَبُولِهِ هُنَاكَ لَمْ يُجْبَرْ ) عَلَى قَبُولِهِ ( إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ ) إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ ( مُؤْنَةٌ ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ ) الْمُحْضَرُ فِيهِ أَوْ الطَّرِيقُ ( مَخُوفًا ) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ لَمْ تَجِبْ لَهُ مُؤْنَةُ النَّقْلِ بَلْ لَوْ بَذَلَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا .
؛ لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَلَا كَانَ الْمَوْضِعُ أَوْ الطَّرِيقُ مَخُوفًا ( فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ ) عَلَى قَبُولِهِ لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْحُلُولِ لِغَرَضِ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ مَرَّ تَعْلِيلُهُمَا .
فَصْلٌ الْإِقْرَاضُ مَنْدُوبٌ .
فَصْلٌ : فِي الْقَرْضِ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَشْهُرُ مِنْ كَسْرِهَا وَمَعْنَاهُ الْقَطْعُ ، وَيُطْلَقُ اسْمًا بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُقْرَضِ وَمَصْدَرًا بِمَعْنَى الْإِقْرَاضِ ( الْإِقْرَاضُ ) وَهُوَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ عَلَى أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ .
وَسُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يَقْطَعُ لِلْمُقْتَرِضِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ ، وَتُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ سَلَفًا ( مَنْدُوبٌ ) إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرُ صَدَقَةٍ مَرَّةً " .
فَإِنْ قِيلَ : يُعَارِضُ هَذَا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ ؟ قَالَ : لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ } .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : الصَّدَقَةُ إنَّمَا يُكْتَبُ لَك أَجْرُهَا حِينَ تَتَصَدَّقُ بِهَا ، وَهَذَا يُكْتَبُ لَكَ أَجْرُهُ مَا كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ .
نَعَمْ قَدْ يَجِبُ لِعَارِضٍ كَالْمُضْطَرِّ ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَقَدْ يُكْرَهُ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَكْرُوهٍ ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوَفَاءِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرِضُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ
الْوَفَاءِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ الْغِنَى ، وَيُخْفِيَ الْفَاقَةَ عِنْدَ الْقَرْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ إخْفَاءُ الْغِنَى وَإِظْهَارُ الْفَاقَةِ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَكَذَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ .
لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ جَرُّهُ بِاللَّامِ تَقُولُ : نَدَبْتُهُ لِكَذَا فَانْتُدِبَ لَهُ ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ .
أَمَّا الْمَنْدُوبُ فَهُوَ الشَّخْصُ نَفْسُهُ .
وَصِيغَتُهُ أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ ، أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ .
وَأَرْكَانُهُ : صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ : ( وَصِيغَتُهُ ) أَيْ إيجَابُهُ ( أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ ) هَذَا ( أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ ) أَوْ خُذْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ وَرُدَّ بَدَلَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ " خُذْهُ بِكَذَا " أَوْ نَحْوَهُ كِنَايَةٌ فِيهِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا .
وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى " مَلَّكْتُكَ " فَهُوَ هِبَةٌ فِي الظَّاهِرِ .
وَالْقَوْلُ فِي ذِكْرِ الْبَدَلِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَوْلُ الْآخِذِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذِكْرِهِ ، وَالصِّيغَةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ادَّعَاهُ ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْعَقْدِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً حَيْثُ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ .
وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ ) أَيْ الْإِقْرَاضِ ( فِي الْأَصَحِّ ) كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَشَرْطُ الْقَبُولِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى كَالْبَيْعِ ، فَلَوْ قَالَ : أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا فَقَبِلَ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُقْرِضَ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يَضُرُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمُسَمَّى أَوْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ .
نَعَمْ الْقَرْضُ الْحُكْمِيُّ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ الْمُحْتَاجِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَكِسْوَةِ الْعَارِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ ، وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ ، لِأَنَّ الْقَرْضَ مَكْرُمَةٌ وَإِبَاحَةُ إتْلَافٍ بِشَرْطِ الضَّمَانِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الِالْتِمَاسَ مِنْ الْمُقْرِضِ كَاقْتَرِضْ مِنِّي يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ ، وَمِنْ الْمُقْتَرِضِ كَأَقْرِضْنِي يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِيجَابَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي : الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَا بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَالَ : " أَقْرِضْنِي كَذَا " فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ أَوْ بَعَثَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَعَثَ إلَيْهِ الْمَالَ صَحَّ الْقَرْضُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَقْوَى وَالْمُخْتَارُ ، وَمَنْ اخْتَارَ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْمُصَنِّفِ قِيَاسُهُ اخْتِيَارُ الْقَرْضِ بِهَا وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ .
قَالَ الْغَزِّيُّ : وَهُوَ سَهْوٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُعَاطَاةِ بَذْلُ الْعِوَضِ أَوْ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا .
وَفِي الْمُقْرِضِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي فَقَالَ : ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي الْمُقْرِضِ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ ( أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ ) فِيمَا يُقْرِضُهُ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِيهِ شَائِبَةُ تَبَرُّعٍ ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً مَحْضَةً لَجَازَ لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْقَاضِي قَرْضُ مَالِ مُوَلِّيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ .
وَأَمَّا الْقَاضِي فَيَجُوزُ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ مَنْعَهُ بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُقْتَرِضِ وَأَمَانَتِهِ ، وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إذَا رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِتَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ الْمَالُ كُلُّهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ لِشَرْطِ الْمُسْتَقْرِضِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَعْمَى يَصِحُّ قَرْضُهُ وَاقْتِرَاضُهُ إلَّا أَنَّ قَبْضَهُ لَا يَكْفِي ، وَأَوْرَدَهُ عَلَى الْمُصَنَّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ، فَإِنَّ تَدْبِيرَهُ تَبَرُّعٌ وَكَذَا وَصِيَّتُهُ وَتَبَرُّعُهُ بِمَنْفَعَةِ بَدَنِهِ الْخَفِيفَةِ ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَاضُهُ ، فَلَوْ قَالَ التَّبَرُّعُ النَّاجِزُ بِالْمَالِ أَوْ مَا قَدَّرْتُهُ لَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَفَادَتْ الْعُمُومَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَهْلِيَّةُ جَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ ، فَقَالَ : ( وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ ) لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَرَضَ بَكْرًا ، وَقِيسَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُ الْغِشِّ أَوْ لَا ، وَإِنْ قَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ بِمَا إذَا عُرِفَ ، وَمَنَعَهُ الرُّويَانِيُّ مُطْلَقًا ، وَالْمُرَادُ مَا
يَسْلَمُ فِي نَوْعِهِ ، وَإِلَّا فَالْمُعَيَّنُ لَا يُسْلَمُ فِيهِ ، وَالْمُقْرَضُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى إذَا قَالَ : أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا وَقَبِلَ الْمُقْتَرِضُ ثُمَّ تَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَ إلَيْهِ أَلْفًا صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَفَعَ الْأَلْفَ عَنْ الْقَرْضِ ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَعَلَّلَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ ، فَقَالَ : لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ .
أَمَّا لَوْ قَالَ : أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْأَلْفَ مَثَلًا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لَمْ يَضُرَّ .
إلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ .
، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ ( إلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ ) فَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُهَا لَهُ وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يُثْبِتُ الرَّدَّ وَالِاسْتِرْدَادَ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى إعَارَةِ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ جَارِيَةً يَحِلُّ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَطْؤُهَا وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جَارِيَةً أَيْضًا ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ جَارِيَةً يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ جَوَازِ اسْتِرْجَاعِ الْأَبِ لَهَا بَعْدَ وَطْءِ الْوَلَدِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُتَمَلِّكِ ، وَبِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ مَدْلُولُهُ إعْطَاءُ شَيْءٍ وَالرُّجُوعُ فِيهِ أَوْ فِي بَدَلِهِ فَكَانَ كَالْإِعَارَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ عَمَّا لَا تَحِلُّ لَهُ لِمَحْرَمِيَّةٍ أَوْ تَمَجُّسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرِضَهَا لَهُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ إقْرَاضِ الْمُلَاعَنَةِ لَلْمُلَاعَنِ ، إذْ عِلَّةُ الْمَنْعِ خَوْفُ الْوَطْءِ وَالرَّدِّ ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِر الْمَنْعُ لِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا ، وَأَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي الْحَالِ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا كَذَلِكَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ ، وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُشْعِرُ بِهِ ا هـ .
وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى حِلِّ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ بِخِلَافِ حِلِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا ، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا يَحِلُّ قَرْضُهَا مُطْلَقًا ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إقْرَاضُ الْخُنْثَى لِامْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيهِ
وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَمَا قِيلَ مِنْ جَوَازِ إقْرَاضِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ كَوْنُهُ جَارِيَةً لَمْ يَتَحَقَّقْ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : خَطَأٌ ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْأَمَةِ لِلْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ وَاضِحًا فَيَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ الْمُلْتَقَطَةِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ظُهُورَ الْمَالِكِ ثَمَّ بَعِيدٌ ا هـ .
وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَنَافِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ .
أَمَّا الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ إقْرَاضُهَا لِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ مَاءِ الْقَنَاةِ لِلْجَهْلِ بِهِ ( وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ ) كَالْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَالْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا ( لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْضَبِطُ أَوْ يَنْدُرُ وُجُودُهُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ كَالْبَيْعِ ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يَجُزْ ، وَإِلَّا جَازَ .
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ قَرْضِ الْخُبْزِ وَزْنًا لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ وَإِنْ صَحَّحَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ الْمَنْعَ ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا ، وَرَجَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْعَقَارِ كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ جَوَازِ إقْرَاضِ جُزْءٍ مِنْ دَارٍ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَزِدْ الْجُزْءُ عَلَى النِّصْفِ فَإِنَّ لَهُ
حِينَئِذٍ مِثْلًا فَيَجُوزُ إقْرَاضُهُ كَغَيْرِهِ .
وَلَا يَصِحُّ قَرْضُ الرُّوبَةِ لِاخْتِلَافِهَا بِالْحُمُوضَةِ ، وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ : خَمِيرَةٌ مِنْ اللَّبَنِ الْحَامِضِ تُلْقَى عَلَى الْحَلِيبِ لِيَرُوبَ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِي إقْرَاضِ الْخَمِيرِ الْحَامِضِ : أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْمَنْعِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالْعِبْرَةُ بِالْوَزْنِ كَالْخُبْزِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَرْضِ الرِّبَوِيِّ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا لَجَازَ فِي غَيْرِهِ شَرْطُ الْأَجْلِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ، وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْمُقْرَضِ فَلَوْ أَقْرَضَهُ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ .
نَعَمْ إنْ أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَبِينَ قَدْرَهُ وَيُرَدَّ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَوْزُونِ مَكِيلًا وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يَتَجَافَ الْمِكْيَالُ كَالسَّلَمِ .
وَيُرَدُّ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ ، وَفِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً ، وَقِيلَ الْقِيمَةُ
( وَيُرَدُّ ) فِي الْقَرْضِ ( الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ وَلَوْ فِي نَقْدٍ بَطَلَ التَّعَامُلُ بِهِ ( وَ ) يُرَدُّ ( فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً ) { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا وَقَالَ : إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَافْتَقَرَ إلَى الْعِلْمِ بِهَا ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : اعْتِبَارُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي كَحِرْفَةِ الرَّقِيقِ وَفَرَاهَةِ الدَّابَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ اُعْتُبِرَ مَعَ الصُّورَةِ مُرَاعَاةُ الْقِيمَةِ ( وَقِيلَ الْقِيمَةُ ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا ، وَعَلَيْهِ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ إنْ قُلْنَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ، وَبِالْأَكْثَرِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى التَّصَرُّفِ إنْ قُلْنَا : يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ ، وَالْقَوْلُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقِيمَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا قَوْلُ الْمُسْتَقْرِضِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَأَدَاءُ الْقَرْضِ فِي الصِّفَةِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا .
وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ .
( وَلَوْ ظَفِرَ ) الْمُقْرِضُ ( بِهِ ) أَيْ الْمُقْتَرَضِ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ ) مِنْ مَحَلِّهِ إلَى غَيْرِهِ ( مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّمَلُّكِ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ ، لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِهَا ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ كَمَا مَرَّ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَتَحَمَّلْ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُلْفَةِ ، وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِمِثْلِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَالْمَانِعُ مِنْ طَلَبِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَكَثِيرٍ : مُؤْنَةُ الْحَمْلِ ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ : مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ كَوْنُ قِيمَةِ بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ ، وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ شَيْخِي بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى الْمُؤْنَةِ يَنْظُرُ إلَى الْقِيمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ حُصُولُ الضَّرَرِ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ ، وَيَنْقَطِعُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ حَقُّ الْمُقْرِضِ ؛ لِأَنَّهَا لِلْفَيْصُولَةِ لَا لِلْحَيْلُولَةِ ، فَلَوْ اجْتَمَعَا بِبَلَدِ الْإِقْرَاضِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ رَدُّهَا وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَلَا لِلْمُقْتَرِضِ اسْتِرْدَادُهَا .
وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ ، وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ .
( وَلَا يَجُوزُ ) الْإِقْرَاضُ فِي النَّقْدِ وَغَيْرِهِ ( بِشَرْطِ ) جَرِّ نَفْعٍ لِلْمُقْرِضِ كَشَرْطِ ( رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ ، أَوْ ) رَدٍّ ( زِيَادَةٍ ) أَوْ رَدِّ جَيِّدٍ عَنْ رَدِيءٍ وَيَفْسُدُ بِذَلِكَ الْعَقْدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحَدِيثِ { كُلُّ قَرْضٍ يَجُرُّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا } وَهُوَ ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعَقْدِ الْإِرْفَاقُ ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ حَقًّا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَمَنَعَ صِحَّتَهُ ( وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا ) أَيْ زَائِدًا فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ ( بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ ) بَلْ مُسْتَحَبٌّ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ { إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً } وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُهُ وَلَا أَخْذُ هَدِيَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِغَيْرِ شَرْطٍ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى قَبْلَ رَدِّ الْبَدَلِ .
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ ، فَبَعْضُهُ شُرِطَ فِيهِ أَجَلٌ ، وَبَعْضُهُ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ فِي الْعَقْدِ ، وَفِي كَرَاهَةِ الْإِقْرَاضِ مِمَّنْ تَعَوَّدَ رَدَّ الزِّيَادَةِ وَجْهَانِ ، أَوْجُهُهُمَا الْكَرَاهَةُ .
وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ لَغَا الشَّرْطُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ .
( وَلَوْ شَرَطَ ) أَنْ يَرُدَّ ( مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ ) أَوْ رَدِيئًا عَنْ جَيِّدٍ ( أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ ) أَوْ شَيْئًا آخَرَ ( لَغَا الشَّرْطُ ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ ) ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ بِإِحْسَانٍ لَا جَرُّ مَنْفَعَةٍ لِلْمُقْرِضِ بَلْ لِلْمُقْتَرِضِ ، وَالْعَقْدُ عَقْدُ إرْفَاقٍ ، فَكَأَنَّهُ زَادَ فِي الْإِرْفَاقِ .
وَالثَّانِي : يَفْسُدُ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرَّهْنِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ .
أُجِيبَ بِقُوَّةِ دَاعِي الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ ، وَأَيْضًا وَضْعُ الْعَقْدِ عَلَى جَرِّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ ؟ ، فَكَيْفَ يَفْسُدُ الْقَرْضُ بِاشْتِرَاطِهِ .
وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ ،
( وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ ) لِارْتِفَاقِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْأَجَلِ ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَا يَلْزَمُ الْأَجَلُ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَامْتَنَعَ فِيهِ الْأَجَلُ كَالصَّرْفِ ، لَكِنْ يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِالْأَجَلِ لِأَنَّهُ وَعْدٌ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ الْحَالِّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَغَيْرُ الْأَجَلِ مِمَّا ذُكِرَ فِي مَعْنَاهُ .
نَعَمْ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ نَذَرَهُ لَزِمَ إنْفَاذُ وَصِيَّتِهِ وَالْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا بِتَأْجِيلٍ ، بَلْ تَأْخِيرُ طَلَبٍ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِي الزَّكَاةِ .
وَإِنْ كَانَ كَزَمَنِ نَهْبٍ فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ .
( وَإِنْ كَانَ ) لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ فِي الْأَجَلِ ( كَزَمَنِ نَهْبٍ ) وَالْمُسْتَقْرِضُ مَلِيءٌ كَمَا قَيْدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ( فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا فِيهِ مِنْ جَرِّ الْمَنْفَعَةِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ وَيَلْغُو الشَّرْطُ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ ( شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ ) وَإِشْهَادٍ وَإِقْرَارٍ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْثِقَةٌ لِلْعَقْدِ لَا زِيَادَةٌ فِيهِ ، فَلَهُ - إذَا لَمْ يُوَفِّ الْمُقْتَرِضُ بِهِ - الْفَسْخُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِلَا شَرْطٍ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى رُجُوعٌ بِلَا سَبَبٍ .
وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ بِالْقَبْضِ ، وَفِي قَوْلٍ بِالتَّصَرُّفِ .
( وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ ) أَيْ الْمُقْرِضُ ( بِالْقَبْضِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ كَالْمَوْهُوبِ ، وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّ لِلْعِوَضِ مَدْخَلًا فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَمْلِكُ ( بِالتَّصَرُّفِ ) الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَهُ ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَفِيمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ .
وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ ( الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا ) فِي مِلْكِ الْمُقْتَرِضِ ( بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ طَلَبَ بَدَلِهِ عِنْدَ فَقْدِهِ ، فَالْمُطَالَبَةُ بِعَيْنِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ ، وَيَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ رَدُّهُ .
وَالثَّانِي : لَا يَرْجِعُ فِيهِ ، بَلْ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَالْخِلَافُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَإِلَّا رَجَعَ فِيهِ جَزْمًا ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : بِحَالِهِ عَمَّا لَوْ وَجَدَهُ مَرْهُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ جَنَى فَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ ، وَلَوْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ قَطْعًا .
نَعَمْ إنْ نَقَصَ فَلَهُ قَبُولُهُ مَعَ الْأَرْشِ أَوْ مِثْلِهِ سَلِيمًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ زَادَ رَجَعَ فِي زِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ ، وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ : مَا لَوْ وَجَدَهُ مُؤَجَّرًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ مَعَ صِدْقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَالِهِ .
فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ : مَا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لَكَانَ أَوْلَى ، وَلَا أَرْشَ لَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ مُؤَجَّرًا بَلْ يَأْخُذُهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ عَادَ فَوَجْهَانِ ، وَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ الرُّجُوعُ .
وَبِهِ جَزَمَ الْعِمْرَانِيُّ ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) .
فَائِدَةٌ : رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ اسْتَقْرَضَ فِي حَاجَةٍ غَيْرِ مَكْرُوهَةٍ فَاَللَّهُ مَعَهُ } .
وَكَانَ رَاوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِوَكِيلِهِ : اقْتَرِضْ لِي شَيْئًا لِأَبِيتَ وَاَللَّهُ مَعِي .
خَاتِمَةٌ : لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : خُذْ مِنْ مَالِي الَّذِي لِي فِي جِهَةِ زَيْدٍ أَلْفًا قَرْضًا فَأَخَذَهَا مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مَا فِي جِهَةِ زَيْدٍ دَيْنًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ قَرْضُهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَرْضٍ جَدِيدٍ أَوْ عَيْنًا كَوَدِيعَةٍ صَحَّ قَرْضًا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَهُوَ جَعَالَةٌ ، فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ أَقْرَضَهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَشَرَةَ ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : ادْفَعْ مِائَةً قَرْضًا عَلَيَّ إلَى وَكِيلِي فُلَانٍ فَدَفَعَ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْآخِذِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْآمِرِ وَقَدْ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِمَوْتِهِ ، وَلَيْسَ لِلْآخِذِ الرَّدُّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَدَّ ضَمِنَهُ لِلْوَرَثَةِ ، وَحَقُّ الدَّافِعِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ عُمُومًا لَا بِمَا دَفَعَ خُصُوصًا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ لِلْغَيْرِ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : لَا يَمْتَنِعُ الْقَرْضُ لِلْإِعْرَاضِ لِقِصَّةِ أَبِي ضَمْضَمٍ ، وَهِيَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ { لَمَّا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ وَحَثَّ عَلَيْهَا قَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَتَصَدَّقُ بِعِرْضِي عَلَى مَنْ نَالَهُ مِنْ خَلْقِكَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى : أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ بِعِرْضِهِ فَقَامَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ قَبِلَ صَدَقَتَكَ } وَفِي الْحَدِيثِ { أَقْرِضْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ عَرْضِكَ } .
كِتَابُ الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ صَحَّ الْعَقْدُ .
( كِتَابُ الرَّهْنِ ) هُوَ لُغَةً : الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ ، وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ : أَيْ : الثَّابِتَةُ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : هُوَ الِاحْتِبَاسُ ، وَمِنْهُ { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } وَشَرْعًا : جَعْلُ عَيْنِ مَالٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ ، ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ } أَيْ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرِ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ ، وَفِي الْآخِرَةِ مَعُوقَةٌ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَفْتَكَّهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ { تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ } وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ ، أَوْ عَلَى مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً : أَيْ وَقَصَّرَ .
أَمَّا مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ مَاتَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفِي عَزْمِهِ الْوَفَاءُ فَلَا تُحْبَسُ نَفْسُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا اقْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ بَيَانًا لِجَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ مَيَاسِيرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ .
وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ : شَهَادَةٌ ، وَرَهْنٌ ، وَضَمَانٌ .
فَالْأُولَى لِخَوْفِ الْجَحْدِ ، وَالْأَخِيرَتَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ .
وَأَرْكَانُ الرَّهْنِ أَرْبَعَةٌ : صِيغَةٌ ، وَعَاقِدٌ ، وَمَرْهُونٌ ، وَمَرْهُونٌ بِهِ .
وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْأَوَّلِ فَقَالَ ( لَا
يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ فَافْتَقَرَ إلَيْهِمَا كَالْبَيْعِ ، وَالْقَوْلُ فِي الْمُعَاطَاةِ وَالِاسْتِيجَابِ مَعَ الْإِيجَابِ ، وَالِاسْتِقْبَالِ مَعَ الْقَبُولِ هُنَا كَالْبَيْعِ ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ ، وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ هُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَقْرِضْنِي عَشَرَةً لِأُعْطِيَكَ ثَوْبِي هَذَا رَهْنًا فَيُعْطِيَ الْعَشَرَةَ وَيُقَبِّضَهُ الثَّوْبَ ( فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ ، ( أَوْ ) شُرِطَ فِيهِ ( مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ ) بِهِ ( أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الرَّقِيقُ الْمَرْهُونَ كَذَا ( صَحَّ الْعَقْدُ ) فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَالْبَيْعِ وَلَغَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ .
وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ بَطَلَ الرَّهْنُ ، وَإِنْ نَفَعَ الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ ، وَكَذَا : الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ ) ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الرَّاهِنُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ يَكُونَ مَضْمُونًا أَوْ لَا يَقْدَمُ بِهِ ( بَطَلَ الرَّهْنُ ) أَيْ عَقْدُهُ لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ ( وَإِنْ نَفَعَ ) الشَّرْطُ ( الْمُرْتَهِنَ ، وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ ) زَوَائِدِ الْمَرْهُونِ ، أَوْ ( مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ ) لِحَدِيثِ { كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ } ( وَكَذَا ) يَبْطُلُ ( الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ ) لِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، كَالشَّرْطِ الَّذِي يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ ، وَالثَّانِي : لَا يَبْطُلُ بَلْ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ذَلِكَ : كَالْقَرْضِ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ فِي بَيْعٍ بَطَلَ الْبَيْعُ أَيْضًا لِفَسَادِ الشَّرْطِ ، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ : إذَا أَطْلَقَ الْمَنْفَعَةَ ، فَلَوْ قَدَّرَهَا وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ كَقَوْلِهِ : وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ لِي سَنَةً فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ .
وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ ، وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ فَسَدَ الْعَقْدُ .
( وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ ) أَيْ الْمَرْهُونِ كَصُوفِهِ وَثَمَرَتِهِ وَوَلَدِهِ ( مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ وَمَجْهُولَةٌ .
وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّ لِلزَّوَائِدِ لِضَعْفِهِ .
فَإِذَا قَوِيَ بِالشَّرْطِ سَرَى ، وَاحْتُرِزَ بِالزَّوَائِدِ عَنْ الْأَكْسَابِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهَا بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَرْهُونَةً بَطَلَ قَطْعًا ( وَ ) الْأَظْهَرُ ( أَنَّهُ مَتَى فَسَدَ ) الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ ( فَسَدَ الْعَقْدُ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ هُمَا الْقَوْلَانِ فِي فَسَادِ الرَّهْنِ بِفَسَادِ شَرْطِ الْمَنَافِعِ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَقَدْ مَرَّ تَوْجِيهُهُمَا ، فَلَوْ قَالَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ ، أَوْ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً إلَخْ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَاقِدُ فَقَالَ .
وَشَرْطُ الْعَاقِدِ كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ
: ( وَشَرْطُ الْعَاقِدِ ) مِنْ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ ( كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ مُخْتَارًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ .
فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ .
، ( فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ ) أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا ) .
أَمَّا الرَّاهِنُ ؛ فَلِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ ، فَهُوَ حَبْسٌ لِمَالِهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ .
وَأَمَّا الِارْتِهَانُ فَلِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ لَا يَبِيعُ إلَّا بِحَالٍّ مَقْبُوضٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا ارْتِهَانَ ، وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِيمَا ذُكِرَ ، فَلَوْ قَالَ : وَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ مَحْجُورِهِ لَشَمِلَهُ ، أَوْ يَقُولُ الْوَلِيُّ وَيُطْلِقُ ( إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ ) فَيَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِثَالُهُمَا لِلضَّرُورَةِ أَنْ يَرْهَنَ عَلَى مَا يَقْتَرِضُ لِحَاجَةِ الْمُؤْنَةِ لِيُوفِيَ مِمَّا يُنْتَظَرُ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ حُلُولِ دَيْنٍ ، أَوْ نَفَاقِ مَتَاعٍ كَاسِدٍ ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى مَا يُقْرِضُهُ أَوْ يَبِيعُهُ مُؤَجَّلًا لِضَرُورَةِ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ ، وَمِثَالُهُمَا لِلْغِبْطَةِ أَنْ يَرْهَنَ مَا يُسَاوِي مِائَةً عَلَى ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ نَسِيئَةً لِغِبْطَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِهِ مُؤَجَّلًا لِغِبْطَةٍ مِنْ أَمِينٍ غَنِيٍّ وَبِإِشْهَادٍ وَأَجَلٍ قَصِيرٍ فِي الْعُرْفِ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ وَافِيًا بِالثَّمَنِ ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ نَسِيئَةً أَوْ أَقْرَضَهُ لِنَهْبٍ ارْتَهَنَ جَوَازًا إنْ كَانَ قَاضِيًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا ، فَإِنْ خَافَ تَلَفَ الْمَرْهُونِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْتَهِنَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَيَرْفَعُهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ بِتَلَفِ الْمَرْهُونِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ الَّذِي فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ
لَا يَتَبَرَّعُ بِهِ ، وَحَيْثُ جَازَ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ جَازَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُعَامِلَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَيَتَوَلَّيَا الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمَا ذَلِكَ ، وَرَهْنُ الْمُكَاتَبِ وَارْتِهَانُهُ كَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ مَالًا ، وَإِلَّا فَإِنْ اتَّجَرَ بِجَاهِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ : اتَّجِرْ بِجَاهِكَ وَلَمْ يُعْطِهِ مَالًا فَكَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَرْبَحْ ، فَإِنْ رَبِحَ بِأَنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مَالٌ كَانَ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ مَالًا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْمُكَاتَبَ ، فَيُسْتَثْنَى رَهْنُهُ وَارْتِهَانُهُ مَعَ السَّيِّدِ ، وَمَا لَوْ رَهَنَ عَلَى مَا يُؤَدِّي بِهِ النَّجْمَ الْأَخِيرَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْعِتْقِ .
وَشَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الْأَصَحِّ .
ثَمّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الْمَرْهُونُ فَقَالَ : ( وَشَرْطُ الرَّهْنِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ( كَوْنُهُ عَيْنًا ) يَصِحُّ بَيْعُهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ رَهْنُهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ ، وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَنْفَعَةٍ جَزْمًا كَأَنْ يَرْهَنَ سُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَتْلَفُ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا اسْتِيثَاقٌ ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً بِلَا إنْشَاءٍ ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ فَبَدَّلَهُ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي : رُهِنَ عَلَى الْأَرْجَحِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ .
وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ
وَلَا رَهْنَ عَيْنٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا كَوَقْفٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ ( وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ ) كَرَهْنِ كَلِّهِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الشَّرِيكِ ، وَيُقْبَضُ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ ، وَبِالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ فِي الْقَبْضِ إلَّا فِيمَا يُنْقَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهُ إلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ ، فَإِنْ أَبَى الْإِذْنَ فَإِنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ جَازَ وَنَابَ عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ، وَإِنْ تَنَازَعَا نَصَّبَ الْحَاكِمُ عَدْلًا يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا وَيُؤَجِّرُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤَجَّرُ ، وَتَجْرِي الْمُهَايَأَةُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ كَجَرَيَانِهَا بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ .
وَالْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ ، وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ وَالْأَصَحُّ أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَحْدَهَا ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ .
( وَ ) يَصِحُّ رَهْنُ ( الْأُمِّ ) قَالَ الشَّارِحُ : مِنْ الْإِمَاءِ ( دُونَ وَلَدِهَا ) غَيْرِ الْمُمَيِّزِ ( وَعَكْسُهُ ) أَيْ رَهْنُهُ دُونَهَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا بَاقٍ فَلَا تَفْرِيقَ ، وَهُوَ فِي الْأُمِّ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ الْمُرْتَهِنُ كَوْنَهَا ذَاتَ وَلَدٍ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَةُ قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِمَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَتْنَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذْ كَلَامُهُمْ فِي الْأَمَةِ ، وَأَيْضًا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ إنَّمَا تَأْتِي فِيهَا ( وَعِنْدَ الْحَاجَةِ ) إلَى تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَرِ الْمَرْهُونِ ( يُبَاعَانِ ) مَعًا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ ) عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ ( وَالْأَصَحُّ أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَحْدَهَا ) إذَا كَانَتْ هِيَ الْمَرْهُونَةَ فَتُقَوَّمُ مَوْصُوفَةً بِكَوْنِهَا ذَاتَ وَلَدٍ حَاضِنَةً لَهُ .
فَإِذَا قِيلَ : قِيمَتُهَا مِائَةٌ مَثَلًا حُفِظَ ( ثُمَّ ) تُقَوَّمُ ( مَعَ الْوَلَدِ ) فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مَثَلًا ( فَالزَّائِدُ ) عَلَى قِيمَتِهَا وَهُوَ خَمْسُونَ ( قِيمَتُهُ ) فَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ ثُلُثَا الثَّمَنِ يَقْضِي مِنْهُ الدَّيْنَ وَلِلرَّهْنِ الثُّلُثُ لَا تَعَلُّقَ لَلْمُرْتَهِنِ بِهِ ، وَالْأَصَحُّ فِي صُورَةِ رَهْنِ الْوَلَدِ دُونَهَا أَنَّ التَّقْوِيمَ يَنْعَكِسُ فَيُقَوَّمُ الْوَلَدُ وَحْدَهُ مَحْضُونًا مَكْفُولًا ثُمَّ مَعَ أُمِّهِ .
فَالزَّائِدُ قِيمَةُ الْأُمِّ ، وَحُكْمُ الْوَلَدِ مَعَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَحُكْمِهِ مَعَ الْأُمِّ .
وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا .
( وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا ) وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا قَوَدٌ أَوْ بِذِمَّتِهِ مَالٌ ، وَفِي الْخِيَارِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ ، وَإِذَا صَحَّ رَهْنُ الْجَانِي لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ بَاقٍ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ ، وَرَهْنُ الْمُحَارِبِ صَحِيحٌ أَيْضًا كَبَيْعِهِ .
وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ
( وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ ) وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَمُوتُ فَجْأَةً فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ كَبَيْعِهِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جَازَ وَكَانَ رُجُوعًا أَوْ بِالثَّانِي فَلَا ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ .
وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَ ) رَهْنُ ( الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ) تَتَقَدَّمُ عَلَى حُلُولِ الدَّيْنِ بِأَنْ يُتَيَقَّنَ الْحُلُولُ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، وَكَذَا لَوْ اُحْتُمِلَ الْأَمْرَانِ أَوْ عُلِمَتْ الْمُقَارَنَةُ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ بَلْ كَانَ ( يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ) إذَا لَمْ يُشْرَطْ بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ ، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ : إنَّهُ يَجُوزُ ، وَهُوَ مُخْرِجٌ مِنْ رَهْنِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بَيْعُهُ إذَا خَشِيَ تَلَفَهُ وَجَعْلُ ثَمَنِهِ رَهْنَهُ ، وَالظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ لِغَرَضِهِ فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ ، فَإِنْ شَرَطَ بَيْعَهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، أَوْ تَيَقَّنَ حُلُولَهُ قَبْلَهَا بِأَنْ رَهَنَهُ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ وُجُودِهَا بِزَمَنٍ يَسَعُ الْبَيْعَ صَحَّ الرَّهْنُ جَزْمًا ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُدَبَّرُ لَا يُعْلَمُ فِيهِ ذَلِكَ ، فَسَقَطَ مَا قِيلَ : إنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، أَوْ يُمْنَعُ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، وَقَالَ : إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ النُّصُوصِ ا هـ .
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُدَبَّرِ آكَدُ مِنْهُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ دُونَ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ : أَيْ ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْمَذَاهِبِ يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ حَتَّى وُجِدَتْ عَتَقَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِحَالِ التَّعْلِيقِ لَا بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ إنْ
جَهِلَ التَّعْلِيقَ كَمَا فِي رَهْنِ الْجَانِي .
وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ فَعَلَ ، وَإِلَّا رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا صَحَّ ، وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا ، وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ .
( وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ ) بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ الْفَسَادِ أَوْ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ الْبَيْعَ ( فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ ) يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ عِنَبٌ يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ ، أَوْ لَحْمٌ طَرِيٌّ يُتَقَدَّدُ ( فَعَلَ ) حِفْظًا لِلرَّهْنِ ، وَالْمُجَفِّفُ لَهُ هُوَ الْمَالِكُ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ .
أَمَّا إذَا كَانَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَى حَالِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَا تُجَفَّفُ وَاللَّحْمِ الَّذِي لَا يُتَقَدَّدُ وَالْبُقُولُ يُنْظَرُ ( فَإِنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ ) بِزَمَنٍ يَسَعُ بَيْعُهُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ ( أَوْ ) يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ ، لَكِنْ ( شَرَطَ ) فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ( بَيْعَهُ ) عِنْدَ إشْرَافِهِ عَلَى الْفَاسِدِ ( وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا ) مَكَانَهُ ( صَحَّ ) الرَّهْنُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ .
فَإِنْ قِيلَ : شَرْطُ جَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ بِشَرْطِ جَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا لَا يَصِحُّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اُغْتُفِرَ هُنَا لِلْحَاجَةِ .
( وَيُبَاعُ ) الْمَرْهُونُ وُجُوبًا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ ( عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَحِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ ، وَكَذَا يُبَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ( وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا ) مَكَانَهُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بِلَا إنْشَاءِ عَقْدٍ .
( وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ ) قَبْلَ الْحُلُولِ ( لَمْ يَصِحَّ ) الرَّهْنُ لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ لِمَقْصُودِ التَّوَثُّقِ .
وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَدَ فِي الْأَظْهَرِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَإِنْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ( فَسَدَ ) الرَّهْنُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الرَّهْنِ ، وَهَذَا مَا عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ ، وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ ، وَيُبَاعُ عِنْدَ تَعَرُّضُهُ لِلْفَسَادِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إتْلَافَ مَالِهِ .
( وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ ) الْمَرْهُونُ ( قَبْلَ ) حُلُولِ ( الْأَجَلِ صَحَّ ) الرَّهْنُ الْمُطْلَقُ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ .
وَالثَّانِي : يَفْسُدُ لِجَهْلِنَا إمْكَانَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْمَحِلِّ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَا يُعْلَمُ تَتَقَدَّمُ أَوْ تَتَأَخَّرُ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسَادِ ثَمَّ وَهُوَ التَّعْلِيقُ مَوْجُودٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَبِأَنَّ عَلَامَةَ الْفَسَادِ هُنَا تَظْهَرُ دَائِمًا بِخِلَافِهَا ثَمَّ ، وَبِأَنَّ الشَّخْصَ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي إتْلَافِ مَالِهِ وَلَهُ غَرَضٌ فِي عِتْقِهِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ ، وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَفَرَّطَ بِأَنْ تَرَكَهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَتَرَكَ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَوَّاهُ الْمُصَنِّفُ : ضَمِنَ .
فَإِنْ قِيلَ : سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَهَنِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ فَيَنْبَغِي حَمْلُ الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَيْهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ بَيْعَهُ ثَمَّ إنَّمَا امْتَنَعَ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالِاسْتِعْجَالِ فِي تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ لِيَكُونَ وَثِيقَةً لَهُ ، وَلَوْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرِ صَحَّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ كَانَ الثَّمَرُ لَا
يَتَجَفَّفُ فَلَهُ حُكْمُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَيَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى ، وَيَصِحُّ فِي الشَّجَرِ مُطْلَقًا ، وَوَجْهُهُ عِنْدَ فَسَادِهِ فِي الثَّمَرَةِ الْبِنَاءُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَإِنْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مُفْرَدَةً فَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَجَفَّفُ فَهِيَ كَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَجَفَّفُ جَازَ رَهْنُهَا وَلَوْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبِغَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يُبْطِلُ بِاحْتِيَاجِهَا ، بِخِلَافِ الْبَيْعُ فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي يَبْطُلُ ، وَلَوْ رَهَنَهَا بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ الْجِدَادِ وَأَطْلَقَ الرَّهْنَ بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ الْقَطْعَ وَلَا عَدَمَهُ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثِّمَارِ الْإِبْقَاءُ إلَى الْجِدَادَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَهَنَ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى إصْلَاحِهَا مِنْ سَقْيٍ وَجِدَادٍ وَتَجْفِيفٍ وَنَحْوِهَا ، فَإِنْ تَرَكَ إصْلَاحَهَا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا وَهُمَا مُطْلَقَا التَّصَرُّفِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ قَطْعِهَا وَقْتَ الْجِدَادِ .
أَمَّا قَبْلَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمَنْعُ إنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ ، وَلَوْ رَهَنَ ثَمَرَةً يُخْشَى اخْتِلَاطُهَا بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا قَبْلَهُ صَحَّ إذْ لَا مَانِعَ ، وَإِنْ أُطْلِقَ الرَّهْنُ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ، فَإِنْ اخْتَلَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ صَحَّ الْعَقْدُ انْفَسَخَ لِعَدَمِ لُزُومِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا ، ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ رَهْنًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ ، وَرَهْنُ مَا اشْتَدَّ حَبُّهُ مِنْ الزَّرْعِ كَبَيْعِهِ ، فَإِنْ رَهَنَهُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ مُنْفَرِدًا وَهُوَ بَقْلٌ فَكَرَهْنِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ أَوْ مُنْفَرِدَةً قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ مَرَّ .
وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ .
( وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ ) قَبْلَ الْحُلُولِ ( كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ ) وَإِنْ تَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْآبِقَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ، وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ ، فَكَذَا هُنَا ، وَسَوَاءٌ طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ ، بَلْ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَجْفِيفِهِ عَلَى بَيْعِهِ وَجَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ ، وَهُوَ فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ
( وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ ) بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوَثَّقَ ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ بِدَلِيلِ الْإِشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ ، بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُثَمَّنَ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فَتَصِحُّ إعَارَتُهُمَا لِذَلِكَ ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إعَارَتُهُمَا لِغَيْرِ ذَلِكَ ، ( وَهُوَ ) أَيْ عَقْدُ الِاسْتِعَارَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ ( فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ ) أَيْ بَاقٍ عَلَيْهَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ إلَى ضَمَانِ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ ) مِنْ الْمُعِيرِ ( فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ) الْمَرْهُونِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنَ غَيْرِهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ إلْزَامَ ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّهِ وَتَصَرُّفِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلدَّيْنِ بِذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ .
فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ ، وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ
( فَيُشْتَرَطُ ) عَلَى هَذَا ( ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ ) كَكَوْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ( وَقَدْرِهِ ) كَعَشَرَةٍ أَوْ مِائَةٍ ( وَصِفَتِهِ ) مِنْ صِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَحُلُولٍ وَتَأْجِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الضَّمَانِ ( وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ ) فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ لِضَعْفِ الْغَرَضِ فِيهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ ، وَمَتَى خَالَفَ مَا عَيَّنَهُ لَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْمُخَالَفَةِ لَا إنْ رَهَنَ بِأَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَهُ لَهُ كَأَنْ عَيَّنَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ فَلَا يَبْطُلُ لِرِضَا الْمُعِيرِ بِهِ فِي ضِمْنِ رِضَاهُ بِالْأَكْثَرِ هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ، فَلَوْ قَالَ : ارْهَنْهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ ، وَلَوْ رَهَنَهُ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ لَا فِي الزَّائِدِ فَقَطْ لِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ وَاحِدٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ ، إذْ فِي الْأُولَى قَدْ يَبِيعُ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ الْمَرْهُونَ دُونَ الْآخَرِ ، فَيَتَشَقَّصُ الْمِلْكُ عَلَى الْمُعِيرِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ ، فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَرْهُونِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمَالِكُ : ضَمِنْتُ مَا لِفُلَانٍ عَلَيْكَ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَفَى وَكَانَ كَالْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ .
، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ
، ( فَلَوْ تَلِفَ ) الْمَرْهُونُ الْمُعَارُ بَعْدَ رَهْنِهِ أَوْ بِيعَ فِي جِنَايَتِهِ ( فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ، وَلَا عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى قَوْلِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَقَّ عَنْ ذِمَّتِهِ وَيَضْمَنُهُ عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ .
أَمَّا إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الضَّمَانِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ فَكَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ فَيَنْفُذُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أُقِيمَ بَدَلُهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ .
وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ .
( وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الرَّهْنِ مَعْنًى ، إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ .
وَأَفْهَمَ جَوَازُ الرُّجُوعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حِينَئِذٍ فَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ رَهْنُ ذَلِكَ إنْ جَهِلَ الْحَالَ ، وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْمُعَارَ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُ الرَّاهِنِ عَلَى فَكِّهِ ، ( فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا ) وَأَمْهَلَهُ الْمُرْتَهِنُ فَلِلْمَالِكِ ذَلِكَ ، فَإِنْ طَالَبَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ ( رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ ) فَقَدْ يُرِيدُ فِدَاءَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ رَهَنَ عَنْ دَيْنِ نَفْسِهِ لَوَجَبَتْ مُرَاجَعَتُهُ فَهُنَا أَوْلَى .
وَيُبَاعُ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِمَا بِيعَ بِهِ .
( وَ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( يُبَاعُ ) الْمُعَارُ ( إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ ) مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ أَوْ الرَّاهِنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمَالِكُ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا أَمْ مُوسِرًا كَمَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ يَسَارِ الْأَصِيلِ وَإِعْسَارِهِ ( ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ ) عَلَى الرَّاهِنِ ( بِمَا بِيعَ بِهِ ) الْمَرْهُونُ لِانْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِهِ فِي دَيْنِهِ ، سَوَاءٌ بِيعَ بِقِيمَتِهِ أَمْ بِأَكْثَرَ أَمْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ ، هَذَا عَلَى قَوْلِ الضَّمَانِ .
فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ إنْ بِيعَ بِهَا أَوْ بِأَقَلَّ ، وَكَذَا بِأَكْثَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بِهَا تُضْمَنُ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ : يَرْجِعُ بِمَا بِيعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مِلْكِهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا أَحْسَنُ ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ : هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ قَضَى مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ الْمَالِكُ فِي عَيْنِ مَالِهِ ، فَإِنْ قَضَاهُ الْمَالِكُ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ بِمَا دَفَعَهُ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ قَضَى بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ الرَّهْنُ بِالْإِذْنِ كَالضَّمَانِ بِهِ فَيَرْجِعُ وَإِنْ قَضَى بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ كَمَا مَرَّ .
أَمَّا إذَا قَضَى مِنْ غَيْرِهِ كَمَا هُنَا فَلَا .
وَحَاصِلُهُ قَصْرُ الرُّجُوعِ فِيهِمَا عَلَى مَحَلِّ الضَّمَانِ ، وَهُوَ هُنَا رَقَبَةُ الْمَرْهُونِ وَثَمَّ ذِمَّةُ الضَّامِنِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ الرَّاهِنُ الْإِذْنَ فَشَهِدَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لِلْمُعِيرِ قُبِلَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ .
وَلَوْ رَهَنَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ بِيعَ بِمَا بِيعَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَنَظِيرِهِ فِي الضَّمَانِ فِيهِمَا .
وَلَوْ قَالَ
الْمَدْيُونُ لِغَيْرِهِ : ارْهَنْ عَبْدَكَ مَثَلًا بِدَيْنِي مِنْ فُلَانٍ فَرَهَنَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ وَرَهَنَهُ .
.
فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا لَازِمًا فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا بِمَا سَيُقْرِضُهُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ مُتَرْجِمًا بِفَصْلٍ ، فَقَالَ فَصْلٌ : شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْعَيْنِ مَضْمُونَةً ، كَانَتْ كَالْمَغْصُوبِ كَمَا سَيَأْتِي ، أَوْ أَمَانَةً كَالْمَوْدُوعِ وَمَالِ الْقِرَاضِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ بُطْلَانُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كَوْنِهِ يَقِفُ كِتَابًا وَيَشْرِطُ أَنْ لَا يُعَارَ أَوْ لَا يَخْرُجَ مِنْ مَكَان يَحْبِسُهُ فِيهِ إلَّا بِرَهْنٍ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِخِلَافِهِ ، وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ بَحْثًا ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ عَنَى الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَصِحَّ أَوْ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ تَذْكِرَةً صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ إرَادَةٌ فَالْأَقْرَبُ صِحَّتُهُ ، وَيُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ ، وَاعْتَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلَهُ : إنَّ الْأَقْرَبَ صِحَّتُهُ ، وَحَمَلَهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَتْبَعُ اللُّغَةَ وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ شَرْعًا ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ ؟ ا هـ .
وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ : بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا ، إذْ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ ، وَهَذَا الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يُضْمَنْ ، وَعَلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِرَهْنٍ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا .
نَعَمْ إنْ تَعَسَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ فِيهِ وَوُثِقَ بِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنَّهُ يَرُدُّهُ إلَى مَحَلِّهِ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ جَازَ إخْرَاجُهُ كَمَا أَفْتَى
بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ : أَحَدُهَا - كَوْنُهُ ( ثَابِتًا ) فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ كَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فِي الْغَدِ أَمْ لَا : كَرَهْنِهِ عَلَى مَا سَيَقْتَرِضُهُ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ ، فَلَوْ ارْتَهَنَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَقَبْضِهِ كَانَ مَأْخُوذًا عَلَى جِهَةِ سَوْمِ الرَّهْنِ ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ الْمَنْفَعَةُ أَوْ اسْتَقْرَضَ لَمْ يَصِرْ رَهْنًا إلَّا بِقَبْضٍ جَدِيدٍ .
ثَانِيهَا كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ ، فَلَوْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الضَّمَانِ ، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ، وَنَصُّ الْأُمِّ يَشْهَدُ لَهُ .
ثَالِثُهَا : كَوْنُهُ ( لَازِمًا ) فَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَلَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْوَثِيقَةِ مَعَ تَمَكُّنِ الْمَدْيُونِ مِنْ إسْقَاطِ الدَّيْنِ .
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ مُحْتَرَزَاتِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَقَالَ ( فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ كَضَمَانِهَا لِتُرَدَّ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ ضَمَانَهَا لَا يَجُرَّ - لَوْ لَمْ تَتْلَفْ - إلَى ضَرَرٍ ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِهَا فَيَجُرُّ إلَى ضَرَرِ دَوَامِ الْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِتَنَاوُلِهِ الْمَأْخُوذَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ وَالْمَأْخُوذَ بِسَوْمٍ وَالْمَبِيعَ وَالصَّدَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَضْمُونِ كَالْمَوْدُوعِ كَمَا مَرَّ ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ خَرَجَتْ عَنْ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ : دَيْنًا ( وَلَا بِمَا سَيُقْرِضُهُ ) لِمَا مَرَّ ، وَعَنْ ذَلِكَ الدَّاخِلِ فِي الدَّيْنِ بِتَجَوُّزٍ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ثَابِتًا .
وَلَوْ قَالَ : أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ فَقَالَ اقْتَرَضْتُ وَرَهَنْتُ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَارْتَهَنْتُ الثَّوْبَ بِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَلَا بِجَعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ .
( وَلَوْ ) امْتَزَجَ الرَّهْنُ بِسَبَبِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ كَأَنْ ( قَالَ : أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ ، فَقَالَ : اقْتَرَضْتُ وَرَهَنْتُ ، أَوْ قَالَ : بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَارْتَهَنْتُ الثَّوْبَ بِهِ فَقَالَ : اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ ، فَمَزْجُهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ فِيهِ آكَدُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَفِي بِالشَّرْطِ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ الْعَقْدِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذَلِكَ اُغْتُفِرَ لِحَاجَةِ التَّوَثُّقِ ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا فِي صُورَةِ الْبَيْعِ إلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الثَّمَنِ وَانْعِقَادِ الرَّهْنِ عَقِبَهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِكَذَا وَأَعْتَقَهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ الْمِلْكُ لَهُ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطٌ ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْخِطَابُ بِالْقَرْضِ مَثَلًا عَلَى الْخِطَابِ بِالرَّهْنِ ، وَجَوَابُ الْقَرْضِ عَلَى جَوَابِ الرَّهْنِ ، وَقَالَ : بِعْتُكَ أَوْ زَوَّجْتُكَ أَوْ أَجَرْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي كَذَا ، فَقَالَ : اشْتَرَيْتُ أَوْ تَزَوَّجْتُ أَوْ اسْتَأْجَرْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ - كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي - وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْأَوَّلُ بَعْدُ : ارْتَهَنْتُ أَوْ قَبِلْتُ لِتَضَمُّنِ هَذَا الشَّرْطِ الِاسْتِيجَابَ .
وَمِنْ صُوَرِ مَزْجِ الرَّهْنِ : أَنْ يَقُولَ : بِعْنِي عَبْدَكَ بِكَذَا وَرَهَنْتُ بِهِ هَذَا الثَّوْبَ ، فَيَقُولُ : بِعْتُ وَارْتَهَنْتُ ( وَلَا يَصِحُّ ) الرَّهْنُ ( بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ ) لِمَا سَلَفَ ( وَلَا بِجَعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ ) مِنْ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فَسْخَهَا مَتَى شَاءَا .
فَإِنْ قِيلَ : الثَّمَنُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَ الثَّمَنِ الْبَيْعُ وَقَدْ تَمَّ ، بِخِلَافِ مُوجِبِ الْجُعَلِ وَهُوَ الْعَمَلُ ،
وَعَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لَازِمًا .
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ ، فَيَقُولُ شَخْصٌ : ائْتِنِي بِرَهْنٍ وَأَنَا أَرُدُّهُ ، وَمِثْلُهُ : إنْ رَدَدْتَهُ فَلَكَ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ بِهِ ، أَوْ مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ ( وَقِيلَ يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ ) فِي الْعَمَلِ لِانْتِهَاءِ الْأَمْرِ فِيهِ إلَى اللُّزُومِ .
أَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَيَصِحُّ قَطْعًا لِلُّزُومِ الْجُعْلِ بِهِ .
وَيَجُوزُ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ .
( وَيَجُوزُ ) الرَّهْنُ ( بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ) لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ ، وَالْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ اللُّزُومُ ، بِخِلَافِ جُعْلِ الْجَعَالَةِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ قُلْنَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ فِي الثَّمَنِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْخِيَارِ ، وَدَخَلَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي قَوْلِهِ لَازِمًا بِتَجَوُّزٍ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ : وَلَا يُغْنِي عَنْ الثَّابِتِ اللَّازِمُ ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ مَعْنَاهُ الْوُجُودُ فِي الْحَالِ وَاللُّزُومُ وَعَدَمُهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الدَّيْنِ ، كَمَا يُقَالُ : دَيْنُ الْقَرْضِ لَازِمٌ ، وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّيْنِ اللَّازِمِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا سَيُقْرِضُهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَلِأَنَّ الِالْتِزَامَاتِ لَا يُكْتَفَى بِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ ، وَهُمَا وَصْفَانِ مَقْصُودَانِ يُحْتَرَزُ بِهِمَا عَنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ الْمُسْتَقِرِّ : كَدِينِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ ، وَغَيْرِ الْمُسْتَقِرِّ : كَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
أَمَّا الْأُجْرَةُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا لِعَدَمِ لُزُومِهَا فِي الذِّمَّةِ ، إذْ يَلْزَمُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ قَبَلَ التَّفَرُّقِ ، فَهِيَ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ، وَيَصِحُّ بِالْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لَا بِهَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى دَيْنٌ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَيَصِحُّ بِمَالِ الْمُسَابَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عَقْدِهَا اللُّزُومُ لَا بِالذِّمَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِطُرُوِّ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ بِخِلَافِهَا بَعْدَ الْحُلُولِ لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا بِالزَّكَاةِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُلُولِ لِعَدَمِ
ثُبُوتِهَا قَبْلَهُ ، وَلِعَدَمِ الدَّيْنِ بَعْدَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ وَابْنِ الْمُقْرِي لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ شَرِكَةً ، وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَدَوَامًا بِأَنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبِتَقْدِيرِ بَقَائِهِ ، فَالتَّعَلُّقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ الْحَقِيقِيَّةِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَحِقِّينَ قَطْعًا فَصَارَتْ الذِّمَّةُ كَأَنَّهَا مَنْظُورٌ إلَيْهَا .
وَبِالدَّيْنِ رَهْنٌ بَعْدَ رَهْنٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمَرْهُونَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ فِي الْجَدِيدِ .
( وَ ) يَجُوزُ ( بِالدَّيْنِ ) الْوَاحِدِ ( رَهْنٌ بَعْدَ رَهْنٍ ) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْوَثِيقَةِ وَيَصِيرَانِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُمَا مَعًا ( وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمَرْهُونَ ) قَالَ الشَّارِحُ : بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ ( عِنْدَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ ) مَعَ بَقَاءِ رَهْنِهِ الْأَوَّلِ ( فِي الْجَدِيدِ ) وَإِنْ وَفَّى بِالدَّيْنَيْنِ وَكَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا كَمَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّهْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الدَّيْنَ يَشْغَلُ الرَّهْنَ وَلَا يَنْعَكِسُ ، وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ شَغْلُ فَارِغٍ فَيَصِحُّ ، وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ شَغْلُ مَشْغُولٍ فَلَا يَصِحُّ .
نَعَمْ لَوْ جَنَى الرَّقِيقُ الْمَرْهُونُ فَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَالْفِدَاءِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الرَّهْنِ لِتَضَمُّنِهِ اسْتِبْقَاءَهُ ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْمَرْهُونِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِعَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْبَتِهِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ ، وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ الَّتِي عَلَيْهَا الدَّيْنُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ لَهَا مِنْ غَرِيمِ الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَتَنْزِيلًا لِلرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ مَنْزِلَةَ الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ .
وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ وَتَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ الرَّاهِنَ وَلَا عَبْدَهُ ، وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهٌ ، وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ
( وَلَا يَلْزَمُ ) الرَّهْنُ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ ( إلَّا بِقَبْضِهِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } فَلَوْ لَزِمَ بِدُونِ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالْقَرْضِ ، وَلَا تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا فَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
أَمَّا الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِ بِحَالٍ ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ لِلرَّهْنِ بَعْدَ قَبْضِهِ كَأَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ وَيَقْبِضُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فَيَنْفَسِخُ الرَّهْنُ تَبَعًا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ : وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْقَبْضُ الْمَعْهُودُ فِي الْبَيْعِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ وَالْإِقْبَاضُ ( مِمَّنْ يَصِحُّ ) مِنْهُ ( عَقْدُهُ ) أَيْ عَقْدُ الرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِهِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ ( وَتَجْرِي فِيهِ ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ ( النِّيَابَةُ ) كَالْعَقْدِ ( لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ ) الْمُرْتَهِنُ فِي الْقَبْضِ ( الرَّاهِنَ ) وَلَا نَائِبَهُ فِي الْإِقْبَاضِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ ، خَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَقَطْ أَوْ وَلِيًّا فَرَشَدَ مُوَلِّيهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ فِي الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنَّفِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ ، فَلَوْ قَالَ : لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ مُقْبِضًا مِنْ رَاهِنٍ أَوْ نَائِبِهِ ، لَكَانَ أَوْلَى ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَا عَكْسُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ قَالَ لِلْمُرْتَهِنِ : وَكَّلْتُكَ فِي قَبْضِهِ لِنَفْسِكَ لَمْ يَصِحَّ .
فَإِنْ قِيلَ أَطْلَقُوا أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ صَحَّ وَهُوَ إنَابَةٌ فِي الْمَعْنَى .
أُجِيبَ بِأَنَّ إذْنَهُ إقْبَاضٌ
مِنْهُ لَا تَوْكِيلٌ ( وَلَا ) يَسْتَنِيبُ ( عَبْدَهُ ) أَيْ الرَّاهِنُ ، وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ مَوْلَاهُ ( وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهٌ ) أَنَّهُ يَصِحُّ لِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ السَّيِّدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ صَحَّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ مَوْلَاهُ ، فَلَيْسَتْ هُنَا يَدُ الْعَبْدِ كَيَدِ مَوْلَاهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ فَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهِ إلَى تَنْزِيلِ الْعَبْدِ مَنْزِلَةَ مَوْلَاهُ فِي ذَلِكَ ( وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَمِثْلُهُ الْمُبَعَّضُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ الْقَبْضُ فِي نَوْبَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْقَبْضَ فِي نَوْبَتِهِ .
وَلَوْ رَهَنَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُودِعٍ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ غَاصِبٍ لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ قَبْضِهِ ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِهِ فِي قَبْضِهِ
( وَلَوْ رَهَنَ ) مَالَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ مِنْهُ كَأَنْ رَهَنَ ( وَدِيعَةً عِنْدَ مُودِعٍ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ غَاصِبٍ ) أَوْ مُؤَجَّرًا عِنْدَ مُسْتَأْجَرٍ أَوْ مَقْبُوضًا بِسَوْمٍ عِنْدَ مُسْتَامٍ أَوْ مُعَارًا عِنْدَ مُسْتَعِيرٍ ( لَمْ يَلْزَمْ ) هُنَا الرَّهْنُ ( مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ قَبْضِهِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لَكَانَ اللُّزُومُ مُتَوَقِّفًا عَلَى هَذَا الزَّمَانِ ، وَابْتِدَاءُ زَمَنِ إمْكَانِ الْقَبْضِ مِنْ وَقْتِ الْإِذْنِ فِيهِ لَا الْعَقْدِ وَافْهَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَهَابُهُ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، ( وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِهِ ) أَيْ الرَّاهِنِ ( فِي قَبْضِهِ ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ وَلَمْ يَقَعْ تَعَرُّضٌ لِلْقَبْضِ عَنْهُ ، وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ صَاحِبِ الْيَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ .
وَلَا يُبَرِّئُهُ ارْتِهَانُهُ عَنْ الْغَصْبِ ، وَيُبَرِّئُهُ الْإِيدَاعُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَهُ عِنْدَ طِفْلِهِ أَوْ عَكْسُهُ اُشْتُرِطَ فِيهِ مُضِيُّ زَمَنِ الْإِمْكَانِ ، وَقَصْدُ الْأَبِ لِلْقَبْضِ كَالْإِذْنِ فِيهِ ( وَلَا يُبَرِّئُهُ ارْتِهَانُهُ عَنْ الْغَصْبِ ) وَإِنْ لَزِمَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَقْدَ أَمَانَةٍ فَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّوَثُّقُ وَهُوَ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَهَنَهُ شَيْئًا فَتَعَدَّى فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ ، وَكَذَا لَا يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ بِالرَّهْنِ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُعِيرُ الِانْتِفَاعَ لِمَا مَرَّ ، وَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمُعَارِ الَّذِي ارْتَهَنَهُ لِبَقَاءِ الْإِعَارَةِ ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ فِيهِ امْتَنَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَلِلْغَاصِبِ إجْبَارُ الرَّاهِنِ عَلَى إيقَاعِ يَدِهِ عَلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ ثُمَّ يَسْتَعِيرُهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّ الْمَرْهُونِ إلَيْهِ لِيُوقِعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَسْتَعِيرَهُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ إذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي بَرَاءَةِ الْمُرْتَهِنِ ( وَيُبَرِّئُهُ ) عَنْ الْغَصْبِ ( الْإِيدَاعُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ ائْتِمَانٌ ، وَهُوَ يُنَافِي الضَّمَانَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى فِي الْوَدِيعَةِ لَمْ يَبْقَ أَمِينًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ .
وَالثَّانِي لَا يُبَرِّئُهُ كَالرَّهْنِ ، وَرُدَّ بِمَا مَرَّ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ بَاقٍ لَمْ يَبْرَأْ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يُبْرَأُ مِنْهَا ، إذْ الْإِبْرَاءُ إسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ تَمْلِيكُهُ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِ مَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ تَلَفِهِ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ ، وَلَوْ أَجَّرَهُ الْمَغْصُوبَ أَوْ قَارَضَهُ فِيهِ أَوْ وَكَّلَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ أَوْ زَوَّجَهُ إيَّاهُ لَمْ يَبْرَأْ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي رَهْنِهِ مِنْهُ .
نَعَمْ إنْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ بَرِيءَ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ .
وَقَدْ عُلِمَ
مِمَّا تَتَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالِارْتِهَانِ وَلَا بِالْغَصْبِ .
وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَكِتَابَةٍ وَكَذَا تَدْبِيرُهُ فِي الْأَظْهَرِ وَبِإِحْبَالِهَا ، لَا الْوَطْءِ وَالتَّزْوِيجِ .
( وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ ) وَبَيْعٍ وَإِعْتَاقٍ لِزَوَالِ مَحَلِّ الرَّهْنِ ( وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَكِتَابَةٍ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُهُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ الْهِبَةَ وَالرَّهْنَ بِالْقَبْضِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ بِدُونِ قَبْضٍ لَا يَكُونُ رُجُوعًا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ وَتَنْظِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ : أَنَّهُ رُجُوعٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالصَّوَابُ عَلَى الْمَذْهَبِ حَذْفُ لَفْظِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُوهِمَةٌ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ الْكِتَابَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ فِي الْجَزْمِ بِهَا ، وَإِلْحَاقُ الْفَاسِدِ بِالتَّدْبِيرِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ أَشْبَهُ ؛ لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ ( وَكَذَا تَدْبِيرُهُ ) يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلرَّهْنِ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّدْبِيرِ مُمْكِنٌ ( وَبِإِحْبَالِهَا ) مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِهِ ( لَا الْوَطْءِ ) بِغَيْرِ إحْبَالٍ وَإِنْ أَنْزَلَ وَكَانَتْ مِمَّنْ تَحْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ ( وَ ) لَا ( التَّزْوِيجِ ) إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَوْرِدِ الرَّهْنِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُزَوَّجُ عَبْدًا أَمْ أَمَةً ، بَلْ رَهْنُ الْمُزَوَّجُ ابْتِدَاءً صَحِيحٌ وَلَا الْإِجَارَةِ ، وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا ؛ لِأَنَّ رَهْنَ الْمُؤَجَّرِ وَبَيْعَهُ صَحِيحَانِ .
وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ جُنَّ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ ، لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدُ ) الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ ( قَبْلَ الْقَبْضِ ) لِلْمَرْهُونِ ( أَوْ جُنَّ ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ( أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ ) قَبْلَ الْقَبْضِ فِيهِنَّ أَيْضًا ( لَمْ يُبْطِلْ الرَّهْنُ فِي الْأَصَحِّ ) أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ مَصِيرَ الرَّهْنِ إلَى اللُّزُومِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِمَوْتِهِ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْوَكَالَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقُومُ وَارِثُ الرَّاهِنِ مَقَامَهُ فِي الْإِقْبَاضِ وَوُرَّاثُ الْمُرْتَهِنِ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ .
وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَمُرَتَّبَانِ عَلَى الْمَوْتِ ، فَإِنْ قُلْنَا : لَا يَبْطُلُ ثَمَّ ، فَهُنَا أَوْلَى ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ يَقُومُ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ ، وَحَجْرُ الْفَلِسِ أَوْ السَّفَهِ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْجُنُونِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَأَمَّا فِي التَّخَمُّرِ وَالْإِبَاقِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِاغْتِفَارِ مَا يَقَعُ فِي الدَّوَامِ ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ اخْتِلَالُهُ فِي حَالِ ضَعْفِ الرَّهْنِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْطُلُ حُكْمُ الرَّهْنِ لِلْعَصِيرِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ مَا دَامَ مُتَخَمِّرًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ ، فَإِنْ تَخَلَّلَ عَادَ رَهْنًا كَمَا عَادَ مِلْكًا ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ سَوَاءٌ تَخَلَّلَ أَمْ لَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِنُقْصَانِ الْخَلِّ عَنْ الْعَصِيرِ فِي الْأَوَّلِ ، وَفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي الثَّانِي .
أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَخَمَّرَ فِي يَدِهِ فَلَوْ قَبَضَهُ خَمْرًا وَتَخَلَّلَ اسْتَأْنَفَ الْقَبْضَ لِفَسَادِ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ بِخُرُوجِ الْعَصِيرِ عَنْ الْمَالِيَّةِ لَا الْعَقْدِ لِوُقُوعِهِ حَالَ الْمَالِيَّةِ وَلَا بُطْلَانَ قَطْعًا فِي الْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِبَاقِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَدَبَغَ
الْمَالِكُ أَوْ غَيْرُهُ جِلْدَهَا عَادَ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ وَلَمْ يُعَدَّ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَدَثَتْ بِالْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ الْخَلِّ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَحْدُثُ بِهَا أَيْضًا كَنَقْلِهِ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ ، وَقَدْ يَقَعُ الْجِلْدُ فِي مَدْبَغَةٍ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ .
نَعَمْ إنْ أَعْرَضَ عَنْهُ الْمَالِكُ فَدَبَغَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لَهُ ، وَخَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ .
وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ ، لَكِنْ فِي إعْتَاقِهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ عِتْقِهِ رَهْنًا ، وَإِذَا لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ ) مَعَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( يُزِيلُ الْمِلْكَ ) كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَفَاتَتْ الْوَثِيقَةُ .
وَأَمَّا مَعَهُ أَوْ بِإِذْنِهِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ ( لَكِنْ ) إذَا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ ( فِي إعْتَاقِهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ ) بِالْمُعْجَمَةِ ( مِنْ الْمُوسِرِ ) بِقِيمَةِ الْمَرْهُونِ ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْيَسَارُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ وَمِنْ قَدْرِ الدَّيْنِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّحْقِيقُ دُونَ الْمُعْسِرِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ يُبْطِلُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ ، فَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ كَعِتْقِ الشَّرِيكَيْنِ ، فَإِنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِهَا عَتَقَ الْقَدْرُ الَّذِي أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِ ، وَإِقْدَامُ الْمُوسِرِ عَلَى الْعِتْقِ جَائِزٌ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ النَّذْرِ ، وَإِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ فِي بَحْثِ التَّنَازُعِ فِي جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إقْدَامُهُ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي يَنْفُذُ مُطْلَقًا وَيَغْرَمُ الْمُعْسِرُ إذَا أَيْسَرَ الْقِيمَةَ وَتَصِيرُ رَهْنًا .
وَالثَّالِثُ لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا ، وَإِنْ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي إعْتَاقِهِ عَنْ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِ لَا بِإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ بَلْ بِالسِّرَايَةِ كَمَا إذَا رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٌ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ إنْ نَفَّذْنَا إعْتَاقَهُ ، وَكَذَا إنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْأَصَحِّ .
لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْيَسَارُ عَلَى الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ الشَّرْعِ بِعِتْقِهِ لَا إعْتَاقُهُ ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ) جَبْرًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ ( يَوْمَ ) أَيْ وَقْتُ ( عِتْقِهِ ) وَتَصِيرُ ( رَهْنًا ) أَيْ : مَرْهُونَةً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى عَقْدٍ ، وَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ تَصَرَّفَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ إنْ حَلَّ ( وَإِذَا لَمْ نُنَفِّذْهُ ) لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا أَوْ عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا ( فَانْفَكَّ ) الرَّهْنُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ( لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إعْتَاقُهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ ثُمَّ زَالَ عَنْهُ الْحَجْرُ .
وَالثَّانِي : يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَتْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلَوْ اسْتَعَارَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِيَرْهَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ ثُمَّ وَرِثَهُ هَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ قَهْرِيٌّ مِنْ الشَّرْعِ أَوْ لَا لِتَعَلُّقِ الْوَثِيقَةِ بِهِ ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ رَهْنٌ فَكَالْإِعْتَاقِ ، أَوْ بَعْدَهُ نَفَذَ عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَلَوْ عَلَّقَهُ ) أَيْ عِتْقَ الْمَرْهُونِ فِي حَالِ الرَّهْنِ بِفَكَاكِ الرَّهْنِ وَانْفَكَّ عَتَقَ إذَا لَمْ يُوجَدْ حَالَ الرَّهْنِ إلَّا التَّعْلِيقُ ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ أَوْ عَلَّقَهُ ( بِصِفَةٍ ) أُخْرَى كَقُدُومِ زَيْدٍ ( فَوُجِدَتْ ) بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ بِأَنْ انْفَكَّ مَعَ وُجُودِهَا أَوْ قَبْلَهُ عَتَقَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ ، أَوْ وُجِدَتْ ( وَهُوَ رَهْنٌ فَكَالْإِعْتَاقِ ) فِيمَا مَرَّ فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ كَالتَّنْجِيزِ .
( أَوْ ) وُجِدَتْ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ فَكَاكِ الرَّهْنِ أَوْ مَعَهُ ( نَفَذَ ) الْعِتْقُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) وَالثَّانِي : يَقُولُ التَّعْلِيقُ بَاطِلٌ كَالتَّنْجِيزِ فِي قَوْلٍ ، وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدِهِ مَثَلًا ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهُ ، فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ الْمَرْهُونَ عَتَقَ مَعَ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَ الْمَرْهُونِ أَوْ أَطْلَقَ عِتْقَ غَيْرِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ ، وَيَسْرِي إلَى الْمَرْهُونِ عَلَى الْمُوسِرِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ ، وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُوسِرِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا عَنْ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ بِسُؤَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إنْ وَقَعَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا فَهِبَةٌ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَانْتَقَلَتْ الْعَيْنُ إلَى وَارِثِهِ فَأَعْتَقَهَا عَنْ مُوَرِّثِهِ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَرْهَنْهُ وَلَكِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مَرْهُونًا ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ مُوَرِّثِهِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ إعْتَاقَهُ كَإِعْتَاقِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ نَفْسَهُ ، وَفِي الرَّهْنَ الْجَعْلِيِّ لَا غَيْرِهِمَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ مِنْهُ .
وَلَا رَهْنُهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَا التَّزْوِيجُ .
وَلَا الْإِجَارَةُ
فَرْعٌ : الْمُبَعَّضُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ فَرَهَنَ عِنْدَهُ نِصْفَهُ صَحَّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا صَحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْمُرْتَهِنِ الْأَجْنَبِيِّ ( وَلَا ) يَصِحُّ ( رَهْنُهُ لِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَرْهُونِ عِنْدَهُ لِمُزَاحِمَتِهِ حَقَّ الْأَوَّلِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ .
وَأَمَّا الرَّهْنُ عِنْدَهُ فَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ ( وَلَا التَّزْوِيجُ ) مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقِلُّ الرَّغْبَةَ وَيُنْقِصُ الْقِيمَةَ ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ ، زَوَّجَ الْأَمَةَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَمْ لِغَيْرِهِ ، خَلِيَّةً كَانَتْ عِنْدَ الرَّاهِنِ أَمْ مُزَوَّجَةً .
فَإِنْ زَوَّجَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ ، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ مِنْهُ فَيَصِحُّ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَاحْتُرِزَ عَنْ الرَّجْعَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِبَقَاءِ حَقُّ الزَّوْجُ ( وَلَا الْإِجَارَةُ ) مِنْ غَيْرِهِ .
إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَحِلُّ قَبْلَهَا ، وَلَا الْوَطْءُ
( إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَحِلُّ قَبْلَهَا ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهَا تُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَتُقِلُّ الرَّغَبَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيْعِ ، فَإِنْ حَلَّ بَعْدَهَا أَوْ مَعَ انْقِضَائِهَا صَحَّتْ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ثِقَةً لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ حَالَةَ الْبَيْعِ وَيَصِحُّ أَيْضًا إذَا احْتَمَلَ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ وَالْمُقَارَنَةَ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فِيهِ نَظَرٍ .
أَمَّا الْإِجَارَةُ مِنْهُ فَتَصِحُّ وَيَسْتَمِرُّ الرَّهْنُ ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْإِعَارَةُ فَتَجُوزُ إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ثِقَةً ( وَلَا الْوَطْءُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ النَّقْصِ فِي الْبِكْرِ ، وَخَوْفِ الْإِحْبَالِ فِيمَنْ تَحْبَلُ ، وَحَسْمًا لِلْبَابِ فِي غَيْرِهَا .
نَعَمْ لَوْ خَافَ الزِّنَا لَوْ لَمْ يَطَأْ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَاحْتُرِزَ بِالْوَطْءِ عَنْ بَقِيَّةِ التَّمَتُّعَاتِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ فَيَجُوزُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِحُرْمَتِهَا خَوْفَ الْوَطْءِ .
قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ : وَقَدْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا خَافَ الْوَطْءَ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَمِنَهُ ا هـ .
وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ .
، فَإِنْ وَطِئَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ ، وَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ أَقْوَالُ الْإِعْتَاقِ ، فَإِنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ
، ( فَإِنْ وَطِئَ ) وَلَوْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ ، وَإِذَا أَحْبَلَ ( فَالْوَلَدُ حُرٌّ ) نَسِيبٌ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ .
وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ إنْ افْتَضَّهَا لِإِتْلَافِهِ جُزْءًا مِنْ الْمَرْهُونِ .
وَإِنْ شَاءَ قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ جَعَلَهُ رَهْنًا وَيُعَزَّرُ الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ ( وَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ أَقْوَالُ الْإِعْتَاقِ ) السَّابِقَةِ ، أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ وَيَفْعَلُ فِي قِيمَتِهَا مَا تَقَدَّمَ ، وَيُبَاعُ عَلَى الْمُعْسِرِ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَإِنْ نَقَصَتْ بِالتَّشْقِيصِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِيلَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ بَلْ يُبَاعُ كُلُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ ، لَكِنْ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الْمُسْتَوْلَدَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَضَعَ وَلَدَهَا ؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ وَبَعْدَ أَنْ تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ وَيُوجَدَ مُرْضِعَةً خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا الْمُشْتَرِي فَيُهْلِكَ وَلَدَهَا .
وَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ أَوْ عُدِمَ مَنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ بِيعَتْ كُلُّهَا بَعْدَ مَا ذُكِرَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْأُولَى وَلِلضَّرُورَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَهَبَهَا لِلْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ ( فَإِنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ ) الرَّهْنُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ ( نَفَذَ ) الِاسْتِيلَادُ ( فِي الْأَصَحِّ ) بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَقْتَضِي الْعِتْقَ فِي الْحَالِ فَإِذَا رَدَّ لَغَا ، وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْغَيْرِ .
فَإِذَا زَالَ حَقُّ الْغَيْرِ ثَبَتَ حُكْمُهُ ، أَمَّا إذَا انْفَكَّ بِبَيْعٍ فَإِنَّ الْإِيلَادَ لَا يَنْفَكُّ إلَّا إذَا مَلَكَ الْأَمَةَ ، وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا فَهَلْ يَسْرِي إلَى بَاقِيهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا ؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْرِي كَمَنْ مَلَكَ بَعْضَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِلَا شَكٍّ .
، فَلَوْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ غَرِمَ قِيمَتَهَا رَهْنًا فِي الْأَصَحِّ ، وَلَهُ كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُهُ
، ( فَلَوْ مَاتَتْ ) هَذِهِ الْأَمَةُ الَّتِي أَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ ( بِالْوِلَادَةِ ) أَوْ نَقَصَتْ بِهَا ، وَهُوَ مُعْسِرٌ حَالَ الْإِيلَادِ ثُمَّ أَيْسَرَ ( غَرِمَ قِيمَتَهَا ) وَقْتَ الْإِحْبَالِ فِي الْأُولَى تَكُونُ ( رَهْنًا ) مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ مَكَانِهَا ، وَالْأَرْشُ فِي الثَّانِيَةِ يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا كَذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي هَلَاكِهَا أَوْ نَقْصِهَا بِالْإِحْبَالِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ ، وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ ، وَالثَّانِي لَا يَغْرَمُ لِبُعْدِ إضَافَةِ الْهَلَاكِ أَوْ النَّقْصِ إلَى الْوَطْءِ ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ عِلَلٍ وَعَوَارِضَ وَمَوْتِ أَمَةِ الْغَيْرِ بِالْوِلَادَةِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ يُوجِبُ قِيمَتَهَا لِمَا مَرَّ لَا مِنْ وَطْءِ زِنًا وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَى وَطْئِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ نَسَبَ الْوَلَدِ عَنْهُ ؛ وَلَوْ وَطِئَ حُرَّةً بِشُبْهَةٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فِي الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِسَبَبِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَالْعُلُوقُ مِنْ آثَارِهِ فَأَدَمْنَا بِهِ الْيَدَ وَالِاسْتِيلَاءَ ، وَالْحُرَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَالِاسْتِيلَاءِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَوْتِ زَوْجَتِهِ أَمَةً كَانَتْ أَوْ حُرَّةً بِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ ( وَلَهُ ) أَيْ الرَّاهِنِ ( كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُهُ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ، وَالْأَفْصَحُ تَخْفِيفُ الْقَافِ .
قَالَ تَعَالَى { ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا } .
كَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى ، لَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقْلَعْ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ إنْ لَمْ تَفِ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِهِ .
وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا ( كَالرُّكُوبِ ) وَالِاسْتِخْدَامِ ( وَالسُّكْنَى ) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ { الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ } وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا } ، وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ كَلُبْسٍ وَإِنْزَاءِ فَحْلٍ عَلَى أُنْثَى يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلِهَا أَوْ تَلِدُ قَبْلَ حُلُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَحِلُّ قَبْلَ وِلَادَتِهَا أَوْ بَعْدَ ظُهُورِ حَمْلِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْإِنْزَاءُ عَلَيْهَا لِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا دُونَ حَمْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْهُونٍ ، وَإِذَا أَخَذَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ لِلِانْتِفَاعِ الْجَائِزِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ لَمْ يُضَمِّنْهُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ ( لَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ ) فِي الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ .
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَلْتَزِمْ قَلَعَهُمَا عِنْدَ فَرَاغِ الْأَجَلِ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ .
فَإِنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُحْدِثْ قَلْعُهُ نَقْصًا فِي الْأَرْضِ ، وَلَا تَطُولُ مُدَّتُهُ بِحَيْثُ تَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَهُ زِرَاعَةُ مَا يُدْرِكُهُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ أَوْ مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا إنْ لَمْ يُنْقِصْ الزَّرْعُ قِيمَةَ الْأَرْضِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ لِعَارِضٍ تُرِكَ إلَى الْإِدْرَاكِ ( فَإِنْ ) كَانَتْ قِيمَتُهَا تَنْقُصُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُدْرَكُ بَعْدَ الْحُلُولِ أَوْ ( فَعَلَ ) الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ ( لَمْ يَقْلَعْ ) مَا ذَكَرَ ( قَبْلَ ) حُلُولِ ( الْأَجَلِ ) لِاحْتِمَالِ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الْأَرْضِ ( وَبَعْدَهُ ) يُقْلَعُ ( إنْ لَمْ تَفِ الْأَرْضُ ) أَيْ قِيمَتُهَا ( بِالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِهِ ) أَيْ الْقَلْعِ وَلَمْ يَأْذَنْ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِهِ مَعَ الْأَرْضِ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِأَرْضٍ فَارِغَةٍ .
أَمَّا إذَا وَفَّتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ بِالدَّيْنِ أَوْ
لَمْ تَزِدْ بِالْقَلْعِ أَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَلَا يَقْلَعُ بَلْ يُبَاعُ مَعَ الْأَرْضِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا وَيُحْسَبُ النَّقْصُ فِي الثَّالِثَةِ عَلَى الزَّرْعِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ فِيهَا بَيْضَاءَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ السَّفَرُ بِالْمَرْهُونِ وَإِنْ قَصَرَ سَفَرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ بِلَا ضَرُورَةٍ .
فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى ذَلِكَ كَأَنْ جَلَا أَهْلُ بَلَدٍ لِخَوْفٍ أَوْ قَحْطٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ .
ثُمَّ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّ .
( ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ ) بِالْمَرْهُونِ بِمَا أَرَادَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ ( بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ ) لَهُ كَأَنْ يَرْهَنَ رَقِيقًا لَهُ صَنْعَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَهَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ( لَمْ يَسْتَرِدَّ ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِأَجْلِ عَمَلِهَا عِنْدَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ كَأَنْ يَكُونَ دَارًا يَسْكُنُهَا أَوْ دَابَّةً يَرْكَبُهَا أَوْ عَبْدًا يَخْدُمُهُ ( فَيَسْتَرِدُّ ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ .
نَعَمْ لَا يَسْتَرِدُّ الْجَارِيَةَ إلَّا إذَا أَمِنَ مِنْ غَشَيَانِهَا لِكَوْنِهِ مَحْرَمًا لَهَا أَوْ ثِقَةً وَلَهُ أَهْلٌ ، ثُمَّ مَا لَا يَدُومُ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِهِ عِنْدَ الرَّاهِنِ يَرُدُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَيَرُدُّ عَبْدَ الْخِدْمَةِ وَالدَّابَّةَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَيْلًا وَيُرَدُّ الْحَارِسَ نَهَارًا .
وَيُشْهِدُ إنْ اتَّهَمَهُ
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الرَّقِيقُ يُحْسِنُ الْخِيَاطَةَ وَأَرَادَ السَّيِّدُ الرَّاهِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِلْخِدْمَةِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَلَوْ زَادَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى ( وَيُشْهِدُ ) الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ فِي كُلِّ اسْتِرْدَادِهِ ( إنْ اتَّهَمَهُ ) شَاهِدَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَالِ ، وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ لِيَحْلِفَ مَعَهُ ، فَإِنْ وُثِقَ بِهِ لَمْ يُكَلَّفْ الْإِشْهَادَ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : لَا كُلَّ مَرَّةٍ : أَيْ لَا يَشْهَدُ أَصْلًا فَهُوَ نَفْيٌ لِلْمُقَيَّدِ بِقَيْدِهِ كَقَوْلِهِمْ : لَا ضَبَّ فِيهَا يَنْحَجِرُ : أَيْ لَا ضَبَّ وَلَا انْحِجَارَ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمَا الْإِشْهَادُ فِي بَعْضِ الْمَرَّاتِ ، وَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْحَاوِي : وَيَشْهَدُ لَهُمَا ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ .
وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ .
فَرْعٌ : لَا تُزَالُ يَدُ الْبَائِعِ عَنْ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ بَلْ يَتَكَسَّبُ فِي يَدِهِ لِلْمُشْتَرِي ( وَلَهُ ) أَيْ الرَّاهِنِ ( بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَالِانْتِفَاعَاتِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ زَالَ بِإِذْنِهِ فَيَحِلُّ الْوَطْءُ ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ ، وَإِنْ أَحْبَلَهَا أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ نَفَذَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ .
قَالَ فِي الذَّخَائِرِ : فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْوَطْءِ فَوَطِئَ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى الْوَطْءِ مُنِعَ ، لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ مَرَّةً إلَّا أَنْ تَحْبَلَ مِنْ تِلْكَ الْوَطْأَةِ فَلَا مَنْعَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ بَطَلَ ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ الْوَطْءَ فِيمَنْ لَمْ تَحْبَلْ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ .
، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ ، فَإِنْ تَصَرَّفَ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ .
، ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( الرُّجُوعُ ) عَنْ الْإِذْنِ ( قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ كَمَا لِلْمَالِكِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ ( فَإِنْ تَصَرَّفَ ) بَعْدَ رُجُوعِهِ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ وَإِيلَادٍ وَهُوَ مُوسِرٌ ( جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ ) مِنْ مُوَكِّلِهِ ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ النُّفُوذِ ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِرُجُوعِهِ فَلَا يَنْفُذُ قَطْعًا .
وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِحْبَالِ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَنَافِذٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ الرَّاهِنُ أَوْ رُهِنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ أَوْ الْمَرْهُونِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّزُومِ وَالْخِيَارُ دَخِيلٌ فِيهِ ، إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ، وَمَتَى تَصَرَّفَ بِإِعْتَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ الْمُرْتَهِنُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنَ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الرَّاهِنُ ، وَكَانَ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الرَّاهِنُ وَكَانَ التَّصَرُّفُ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِيلَادِ حَلَفَ الْعَتِيقُ وَالْمُسْتَوْلَدَة ، لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْحَقَّ لِأَنْفُسِهِمَا ، بِخِلَافِهِ فِي نُكُولِ الْمُفْلِسِ أَوْ وَارِثِهِ حَيْثُ لَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ ؛ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْحَقَّ لِلْمُفْلِسِ أَوَّلًا .
وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ لِيُعَجِّلَ الْمُؤَجِّلَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ .
( وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ ) أَيْ الْمَرْهُونُ فَبَاعَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ لِبُطْلَانِ الرَّهْنِ ، أَوْ حَالٌّ قُضِيَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَحُمِلَ إذْنُهُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ فِي غَرَضِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْإِعْتَاقِ ( لِيُعَجِّلَ الْمُؤَجِّلَ مِنْ ثَمَنِهِ ) أَوْ مِنْ غَيْرِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْإِعْتَاقِ بِأَنْ شَرَطَ ذَلِكَ ( لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ) لِفَسَادِ الْإِذْنِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي لَكَانَ أَوَّلًا ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الِاشْتِرَاطُ ، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ : الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ، وَيَصِحُّ الْإِذْنُ وَالْبَيْعُ .
قَالَ : فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِالشَّرْطِ كَمَا صَوَّرَهُ الْأَصْحَابُ .
قَالَ : وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَذِنْتُ لَكَ فِي بَيْعِهِ لِتَعَجُّلٍ وَنَوَى الِاشْتِرَاطَ كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إذَا أَطْلَقَ هَلْ نَقُولُ ظَاهِرُهُ الشَّرْطُ أَوْ لَا ؟ وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ .
وَكَذَا لَوْ شَرَطَ رَهْنَ الثَّمَنِ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَكَذَا لَوْ شَرَطَ ) فِي الْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ ( رَهْنَ الثَّمَنِ ) أَوْ الْقِيمَةِ : أَيْ جَعْلَهُ مَرْهُونًا مَكَانَهُ لَمْ يَصِحَّ ( فِي الْأَظْهَرِ ) وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا لَمَا ذُكِرَ ، وَفَسَادُ الشَّرْطِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْإِذْنِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ فِي الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ يَنْتَقِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْبَدَلِ شَرْعًا كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ شَرْطًا .
وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ اضْرِبْ الْمَرْهُونَ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ ، فَإِنْ قَالَ لَهُ : أَدِّبْهُ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ الضَّرْبِ بَلْ ضَرْبُ تَأْدِيبٍ وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ، كَمَا لَوْ أَدَّبَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ ، أَوْ الْإِمَامُ إنْسَانًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ .
فَصْلٌ إذَا لَزِمَ الرَّهْنُ فَالْيَدُ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا تُزَالُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ
فَصْلٌ : فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لُزُومِ الرَّهْنِ ( إذَا لَزِمَ الرَّهْنُ ) بِالْإِقْبَاضِ ( فَالْيَدُ فِيهِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ( لِلْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ فِي الْوُثُوقِ ( وَلَا تُزَالُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ ) وَهَذَا فِي الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ الْيَدُ ، كَمَا لَوْ رَهَنَ رَقِيقًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا مِنْ كَافِرٍ أَوْ سِلَاحًا مِنْ حَرْبِيٍّ فَيُوضَعُ عِنْدَ مَنْ لَهُ تَمَلُّكُهُ ، وَمَا لَوْ رَهَنَ أَمَةً فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مَحْرَمًا لَهَا ، أَوْ ثِقَةً مِنْ امْرَأَةٍ ، أَوْ مَمْسُوحٍ ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عِنْدَهُ حَلِيلَتُهُ أَوْ مَحْرَمُهُ ، أَوْ امْرَأَتَانِ ثِقَتَانِ وُضِعَتْ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَعِنْدَ مَحْرَمٍ لَهَا ، أَوْ ثِقَةٍ مِمَّنْ مَرَّ ، وَالْخُنْثَى كَالْأَمَةِ ، لَكِنْ لَا يُوضَعُ عِنْدَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ .
وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ جَازَ ، أَوْ عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوْ الِانْفِرَادِ بِهِ فَذَاكَ .
( وَلَوْ شَرَطَا ) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ( وَضْعَهُ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ( عِنْدَ عَدْلٍ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ لَا يَثِقُ بِصَاحِبِهِ ، وَكَمَا يَتَوَلَّى الْعَبْدُ الْحِفْظَ يَتَوَلَّى الْقَبْضَ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ ، وَخَرَجَ بِعَدْلِ الْفَاسِقُ فَلَا يُوضِعَانِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَا مُتَصَرِّفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْغَيْرِ كَوَلِيٍّ وَوَكِيلٍ وَقَيِّمٍ وَمَأْذُونٍ لَهُ ، وَعَامِلِ قِرَاضٍ ، وَمُكَاتَبٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ عِنْدَ ثَالِثٍ ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا فِيهِ تَفْصِيلٌ ، وَهُوَ لَا يُرَدُّ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ وَالرَّدِّ لِلْمُرْتَهِنِ ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ خَطَأً ، أَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ أُخِذَ مِنْهُ الْبَدَلُ وَحَفِظَهُ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ ، أَوْ أَتْلَفَهُ عَمْدًا أُخِذَ مِنْهُ الْبَدَلُ وَوُضِعَ عِنْدَ آخَرَ ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُكْرَهًا فَكَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ خَطَأً .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ بَعْدَ اللُّزُومِ عِنْدَ الرَّاهِنِ صَحَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ خِلَافَهُ ( أَوْ عِنْدَ اثْنَيْنِ ) مَثَلًا ( وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوْ الِانْفِرَادِ بِهِ فَذَاكَ ) ظَاهِرٌ أَنَّهُ يُتَّبَعُ الشَّرْطُ فِيهِ .
وَإِنْ أَطْلَقَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَإِنْ أَطْلَقَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ ) بِحِفْظِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) كَنَظِيرِهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ فَيَجْعَلَانِهِ فِي حِرْزٍ لَهُمَا كَمَا فِي النَّصِّ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا ، فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِحِفْظِهِ ضَمِنَ نِصْفَهُ .
قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ ضَمِنَا مَعًا النِّصْفَ .
وَالثَّانِي : لَهُ الِانْفِرَادُ لِمَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ ، وَلِلْمَوْضُوعِ عِنْدَهُ الْمَرْهُونُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِمَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنٍ ، فَإِنْ غَابَا وَلَا وَكِيلَ لَهُمَا رَدَّهُ إلَى الْحَاكِمِ ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنٍ مِنْ الْآخَرِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَابِضِ ، وَلَوْ غَصَبَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْعَدْلِ أَوْ غَصَبَ الْعَيْنَ شَخْصٌ مِنْ مُؤْتَمَنٍ كَمُودِعٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَنْ غَصَبَهَا مِنْهُ بَرِيءَ ، بِخِلَافِ مَنْ غَصَبَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ اللُّقَطَةَ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْمَنْهُ ، وَلَوْ غَصَبَ الْعَيْنَ مِنْ ضَامِنٍ مَأْذُونٍ لَهُ كَالْمُسْتَعِيرِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ بَرِيءَ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَلَا يُنْقَلُ الْمَرْهُونُ عِنْدَ آخَرَ إلَّا إنْ اتَّفَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَلَوْ بِلَا سَبَبٍ .
وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ أَوْ فَسَقَ جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ ، وَإِنْ تَشَاحَّا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ .
( وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ ) الْمَوْضُوعُ عِنْدَهُ ( أَوْ فَسَقَ ) أَوْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهِ أَوْ زَادَ فِسْقُ الْفَاسِقِ أَوْ حَدَثَتْ عَدَاوَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا وَطَلَبَا أَوْ أَحَدُهُمَا نَقْلَهُ نُقِلَ ، وَ ( جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ ) سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَمْ فَاسِقًا بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ ( وَإِنْ تَشَاحَّا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ ) يَرَاهُ ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَتَغَيَّرَ حَالُهُ فَكَتَغَيُّرِ حَالِ الْعَدْلِ .
فَإِنْ قِيلَ مَا صُورَةُ التَّشَاحُحِ ؟ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِجْبَارُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ فِي وَاجِبٍ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ نَزْعُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا كَمَا مَرَّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهَا فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ أَوْ وَضَعَاهُ عِنْدَ عَدْلٍ فَفَسَقَ أَوْ مَاتَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنْ تَشَاحَّا كَالرَّوْضَةِ لِيُشِيرَ إلَى التَّفْرِيعِ .
وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ تَأْذَنُ أَوْ تُبْرِئُ ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ ، فَإِنْ أَصَرَّ بَاعَهُ الْحَاكِمُ .
( وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ) لِوَفَاءِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُوفَ مِنْ غَيْرِهِ ( وَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ ) عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الرَّهْنِ ، وَكَذَا يَسْتَحِقُّ بَيْعَهُ فِي جِنَايَتِهِ وَعِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى التَّلَفِ قَبْلَ الْحُلُولِ .
وَاسْتَنْبَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ : إمَّا مِنْ الرَّهْنِ ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ أَسْرَعَ وَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلًا لِلْوَفَاءِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ( وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا ( فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ : تَأْذَنُ ) فِي بَيْعِهِ ( أَوْ تُبْرِئُ ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ : أَيْ ائْذَنْ أَوْ أَبْرِئْ دَفْعًا لِضَرَرِ الرَّاهِنِ ( وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ ) ذَلِكَ ( أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ ، فَإِنْ أَصَرَّ ) الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ حُجَّةً بِالدَّيْنِ الْحَالِّ فِي غِيبَةِ الرَّاهِنِ ( بَاعَهُ الْحَاكِمُ ) عَلَيْهِ وَوُفِيَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْآخَرِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَيْعُهُ فَقَدْ يَجِدُ لَهُ مَا يُوفِي بِهِ الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ شَخْصًا رَهَنَ دَارًا بِدَيْنٍ ثُمَّ غَابَ وَلَهُ دَارٌ أُخْرَى غَيْرُ مَرْهُونَةٍ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَأَثْبَتَ الرَّهْنَ وَالدَّيْنَ وَكَانَتْ كُلٌّ مِنْ الدَّارَيْنِ يُمْكِنُ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا فَتَرَكَ الْقَاضِي الدَّارَ الْمَرْهُونَةَ وَبَاعَ الدَّارَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمُفْتُونَ فِي ذَلِكَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِالْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْهُونِ وَغَيْرِهِ
كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ مُسْتَحَقٌّ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لِبَيْعِ غَيْرِهِ مَعَ إمْكَانِ بَيْعِهِ ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّ لِلْحَاكِمِ بِيعَ مَا يَرَى بَيْعَهُ مِنْ الْمَرْهُونِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً ، فَإِنْ كَانَ لِلْغَائِبِ نَقْدٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَطَلَبَهُ الْمُرْتَهِنُ وَفَّاهُ مِنْهُ وَأَخَذَ الْمَرْهُونَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ حَاضِرٌ وَكَانَ بَيْعُ الْمَرْهُونِ أَرْوَجَ وَطَلَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بَاعَهُ دُونَ غَيْرِهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمِ صَحَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ بَيِّنَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاكِمٌ فِي الْبَلَدِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِنَفْسِهِ كَالظَّافِرِ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ .
فَرْعٌ : شَخْصٌ رَهَنَ عَيْنًا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَغَابَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ فَأَحْضَرَ الرَّاهِنُ الْمَبْلَغَ إلَى الْحَاكِمِ وَطَلَبَ مِنْهُ قَبْضَهُ لَيَفُكَّ الرَّهْنَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟ .
أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَاعَ بِحَضْرَتِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا .
( وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَاعَهُ بِحَضْرَتِهِ صَحَّ ) الْبَيْعُ ( وَإِلَّا فَلَا ) يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَيُتَّهَمُ فِي الْغَيْبَةِ بِالِاسْتِعْجَالِ وَتَرْكِ التَّحَفُّظِ دُونَ الْحُضُورِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ .
وَالثَّالِثُ : لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِيهِ تَوْكِيلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ ، إذْ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَحِقٌّ لِلْبَيْعِ ، وَمَحَلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَلَمْ يُعَيَّنْ لَهُ الثَّمَنِ وَلَمْ يَقُلْ اسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا صَحَّ جَزْمًا ، أَوْ عَيَّنَ لَهُ الثَّمَنَ صَحَّ عَلَى غَيْرِ الثَّالِثِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، أَوْ قَالَ : بِعْهُ وَاسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى غَيْرِ الثَّانِي لِوُجُودِ التُّهْمَةِ وَإِذْنِ الْوَارِثِ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتَ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ ، وَالسَّيِّدِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ الْجَانِي كَإِذْنِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ .
وَلَوْ شُرِطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ جَازَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِذَا بَاعَ فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ .
( وَلَوْ شُرِطَ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( أَنْ يَبِيعَهُ ) أَيْ الْمَرْهُونَ ( الْعَدْلُ ) عِنْدَ الْمَحِلِّ ( جَازَ ) وَصَحَّ هَذَا الشَّرْطُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ ) فِي الْبَيْعِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ .
وَالثَّانِي : تُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي بَقَاءِ الْعَيْنِ وَقَضَاءِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهَا ، وَاحْتُرِزَ بِالرَّاهِنِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ ، فَيُشْتَرَطُ مُرَاجَعَتُهُ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَمْهَلَ أَوْ أَبْرَأَ ، وَقَالَ الْإِمَامُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُرَاجَعُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ ، وَيَنْعَزِلُ الْعَدْلُ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ وَمَوْتِهِ لَا الْمُرْتَهِنِ وَمَوْتِهِ ، لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْبَيْعِ ، وَإِذْنُ الْمُرْتَهِنِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ ، لَكِنْ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ ، فَإِنْ جَدَّدَهُ لَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ تَجْدِيدَ تَوْكِيلٍ الرَّاهِنِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ ، وَإِنْ جَدَّدَ الرَّاهِنُ إذْنًا لَهُ بَعْدَ عَزْلِهِ لَهُ اُشْتُرِطَ إذْنُ الْمُرْتَهِنِ لِانْعِزَالِ الْعَدْلِ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ ( فَإِذَا بَاعَ ) الْعَدْلُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ( فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْعَدْلُ أَمِينُهُ ، فَمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ ( حَتَّى يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ ) فَإِنْ ادَّعَى الْعَدْلُ تَلَفَ الثَّمَنِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ بَيَّنَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ ، وَإِذَا رَجَعَ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى الرَّاهِنِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ ، وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي التَّسْلِيمِ أَوْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ .
فَإِنْ
قَالَ لَهُ : أَشْهَدْتُ وَغَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا فَصَدَّقَهُ الرَّاهِنُ أَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ لَمْ يَرْجِعْ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ فِي الْأُولَتَيْنِ ، وَلِإِذْنِهِ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَلِتَقْصِيرِهِ فِي الرَّابِعَةِ .
وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَرْهُونُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ .
( وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَرْهُونُ ) الْمَبِيعَ ( فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ ) لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ شَاءَ ) رَجَعَ ( عَلَى الرَّاهِنِ ) لِإِلْجَائِهِ الْمُشْتَرِي شَرْعًا إلَى التَّسْلِيمِ لِلْعَدْلِ بِحُكْمِ تَوْكِيلِهِ ( وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّاهِنِ لِمَا ذُكِرَ فَيَرْجِعُ الْعَدْلُ بَعْدَ غُرْمِهِ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَلَفِهِ بِتَفْرِيطٍ وَغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ إذَا كَانَ بِتَقْصِيرٍ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ فِي الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ الْأَقْرَبُ .
نَعَمْ إنْ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ لِلْبَيْعِ لِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ حَيْثُ لَا تَقْصِيرَ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْحَاكِمِ ، وَالْحَاكِمُ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا هُوَ .
وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ ، فَإِنْ زَادَ رَاغِبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَلْيَفْسَخْ وَلْيَبِعْهُ .
( وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ ) الْمَرْهُونَ ( إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ ) كَالْوَكِيلِ ، فَإِنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ، لَكِنْ لَا يَضُرُّ النَّقْصُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِمَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِيهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِهِ ، وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا ، فَيَجُوزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَدْلِ ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا .
نَعَمْ مَحَلُّهُ فِي بَيْعِ الرَّاهِنِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْ الدَّيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ يُسَاوِي مِائَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً ، فَبَاعَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بِالْعَشَرَةِ صَحَّ ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ : لَا تَبِعْهُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَا تَبِعْهُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يَبِعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْإِذْنِ كَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ غَرَضٌ وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ وَنَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمُ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ : بِعْهُ بِالدَّرَاهِمِ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بِالدَّنَانِيرِ فَلَا يُرَاعَى خِلَافُهُ وَيُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَإِذَا امْتَنَعَ عَلَى الْعَدْلِ الْبَيْعُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَهُ الْحَاكِمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَأَخَذَ بِهِ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ، أَوْ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ إنْ رَأَى ذَلِكَ ( فَإِنْ زَادَ ) فِي الثَّمَنِ ( رَاغِبٌ ) يُوثَقُ بِهِ زِيَادَةً لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ لَمْ تُؤَثِّرْ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمُشْتَرِي لِيَبِيعَهُ بِالزِّيَادَةِ لِلرَّاغِبِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَوْ زَادَ
الرَّاغِبُ ( قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ ) لِلْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ ( فَلْيَفْسَخْ ) أَيْ الْعَدْلُ الْبَيْعَ ( وَلْيَبِعْهُ ) لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ ، وَلَوْ بَاعَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ صَحَّ وَكَانَ الْبَيْعُ فَسْخًا ، وَهُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْسَخُ فَيَرْجِعُ الرَّاغِبُ ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا ذُكِرَ انْفَسَخَ ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَهُنَاكَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ ، فَلَوْ رَجَعَ الرَّاغِبُ عَنْ الزِّيَادَةِ .
فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّمْكِينِ مِنْ بَيْعِهِ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ وَإِلَّا بَطَلَ وَاسْتُؤْنِفَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ جَدِيدٍ .
وَمُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَمُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ ) مِنْ نَفَقَةِ رَقِيقٍ وَكُسْوَتِهِ وَعَلَفِ دَابَّةٍ وَأُجْرَةِ سَقْيِ أَشْجَارٍ وَجِدَادِ ثِمَارٍ وَتَجْفِيفِهَا وَرَدِّ آبِقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( عَلَى الرَّاهِنِ ) الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : أَنَّهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ( وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ ) حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ ، وَالثَّانِي لَا يُجْبَرُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَلَكِنْ يَبِيعُ الْقَاضِي جُزْءًا مِنْهُ فِيهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَّا أَنْ تَسْتَغْرِقَ الْمُؤْنَةُ الرَّهْنَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ غَابَ الْمَالِكُ أَوْ أَعْسَرَ فَكَهَرَبِ الْجَمَّالِ ، وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَوْلُهُ : وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا إلَخْ حَشْوٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، بَلْ يُوهِمُ أَنَّ الْإِيجَابَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَصْوَبَ .
نَعَمْ لَوْ حَذَفَ الْوَاوَ مِنْ قَوْلِهِ وَيُجْبَرُ زَالَ الْإِيهَامُ خَاصَّةً ا هـ .
وَهَذَا مَمْنُوعٌ ، إذْ كَلَامُ الرَّوْضَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْإِجْبَارِ وَعَدَمِهِ فَقَطْ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ كَوْنَ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْمَالِكِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ .
فَإِنْ قِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِمْ الْمُؤَنُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُدَاوَاةِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَتَوْدِيجِ الدَّابَّةِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْدِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْمُعَالَجَةِ بِالْأَدْوِيَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى مُؤْنَةً فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا كَلَامُهُمْ ، وَلِهَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ .
وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنِ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ ، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدَ الْمُرْتَهِنَ ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ .
( وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنِ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ : كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ ) وَمُعَالَجَةٍ بِالْأَدْوِيَةِ وَالْمَرَاهِمِ حِفْظًا لِمِلْكِهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَلَهُ خِتَانُ الرَّقِيقِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَكَأَنْ يَنْدَمِلُ قَبْلَ الْحُلُولِ ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَالْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ ، وَلَهُ قَطْعُ السِّلْعَةِ وَالْيَدِ الْمُتَأَكِّلَةِ وَالْمُدَاوَاةُ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَلَهُ نَقْلُ الْمُزْدَحِمِ مِنْ النَّخْلِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ نَقْلُهَا أَنْفَعُ ، وَقَطْعُ الْبَعْضِ مِنْهَا لِإِصْلَاحِ الْأَكْثَرِ ، وَالْمَقْطُوعُ مِنْهَا مَرْهُونٌ بِحَالِهِ ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْ سَعَفٍ وَجَرِيدٍ وَلِيفٍ غَيْرٌ مَرْهُونٍ ، وَكَذَا مَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْهَا عِنْدَ الْعَقْدِ كَالصُّوفِ بِظَهْرِ الْغَنَمِ ، وَلَهُ رَعْيُ الْمَاشِيَةِ فِي الْأَمْنِ نَهَارًا وَيَرُدُّهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ لَيْلًا ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَجِعَ بِهَا إلَى الْكَلَأِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْكِفَايَةِ فِي مَكَانِهَا وَيَرُدُّهَا إلَى عَدْلٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ أَوْ يَنْصِبُهُ الْحَاكِمُ ، وَيَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِجَاعُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُ الْمَتَاعِ مِنْ بَيْتٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ إلَى مُحَرَّزٍ ، فَإِنْ انْتَجَعَا إلَى مَكَان وَاحِدٍ فَذَاكَ ، أَوْ إلَى مَكَانَيْنِ فَلْتَكُنْ مَعَ الرَّاهِنِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى عَدْلٍ يَبِيتُ عِنْدَهُ أَوْ يَنْصِبُهُ الْحَاكِمُ كَمَا مَرَّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَرْهُونُ ( أَمَانَةٌ فِي يَدَ الْمُرْتَهِنَ ) لِخَبَرِ { الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ } : أَيْ مِنْ ضَمَانِ رَاهِنِهِ { لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا أَفْصَحُ مَا قَالَهُ الْعَرَبُ الشَّيْءُ مِنْ فُلَانٍ : أَيْ مِنْ ضَمَانِهِ ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ مَضْمُونًا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ ( وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ ) كَمَوْتِ الْكَفِيلِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَلَا يَسْقُطُ بِالْوَاوِ أَحْسَنُ
مِنْ حَذْفِهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَمَانَةِ مُطْلَقًا ، وَيَتَسَبَّبُ عَدَمُ السُّقُوطِ عَنْهَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ بِمِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ إلَّا إنْ اسْتَعَارَ الرَّاهِنُ أَوْ تَعَدَّى فِيهِ أَوْ مَنَعَ مِنْ رَدِّهِ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ .
أَمَّا بَعْدَ سُقُوطِهِ وَقَبْلَ الْمُطَالَبَةِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَمَانَتِهِ .
وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ .
فُرُوعٌ : لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُرْتَهِنِ : أَحْضِرْ الْمَرْهُونَ وَأَنَا أَقْضِي دَيْنَك ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْضَارُ وَلَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّمْكِينُ كَالْمُودَعِ ، وَالْإِحْضَارُ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا الْكِيسَ وَاسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ : خُذْهُ بِدَرَاهِمِكَ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي فِيهِ مَجْهُولَةَ الْقَدْرِ أَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ دَرَاهِمِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً بِقَدْرِ حَقِّهِ مَلَكَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكِيسِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ .
( وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ ) الصَّادِرَةِ مِنْ رَشِيدٍ ( حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ ) وَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنْ اقْتَضَى صَحِيحُهُ الضَّمَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَالْبَيْعِ وَالْإِعَارَةِ فَفَاسِدُهُ أَوْلَى أَوْ عَدَمَهُ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَفَاسِدَةٌ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَثْبَتَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَلَمْ يَلْتَزِمْ بِالْعَقْدِ ضَمَانًا ، وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ التَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ لَا فِي الضَّامِنِ وَلَا فِي الْمِقْدَارِ فَإِنَّهُمَا قَدْ لَا يَسْتَوِيَانِ ، وَخَرَجَ بِزِيَادَةِ الصَّادِرِ مِنْ رَشِيدٍ مَا لَوْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَقْتَضِي صَحِيحُهُ الضَّمَانَ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ .
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ طَرْدِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمِنْ عَكْسِهَا مَسَائِلُ : فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا قَالَ : قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً ، وَمَا لَوْ قَالَ : سَاقَيْتُكَ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَقْتَضِي فَسَادُهُ ضَمَانَ الْعِوَضِ الْمَقْبُوضِ ، وَالْمَالِكُ هُنَا لَمْ يَقْبِضْ عِوَضًا فَاسِدًا وَالْعَامِلُ رَضِيَ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ وَبَاشَرَ إتْلَافَهَا .
وَمَا لَوْ صَدَرَ عَقْدُ الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا جِزْيَةَ فِيهِ عَلَى الذِّمِّيِّ .
قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ : وَهَذِهِ لَا تُسْتَثْنَى أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَا يَقُولُ بِفَسَادِهَا ، بَلْ يُجْعَلُ الصَّادِرُ لَغْوًا غَيْرَ عَقْدٍ صَحِيحٍ وَلَا فَاسِدٍ : أَيْ فَإِتْلَافُ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ ، كَمَا لَوْ دَخَلَ دَارَنَا وَأَقَامَ فِيهَا مُدَّةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْإِمَامُ .
وَمِنْ الثَّانِي الشَّرِكَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَمَلَ الْآخَرِ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَضْمَنُهُ مَعَ فَاسِدِهَا ، فَإِذَا خَلَطَا أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ وَعَمِلَا فَصَاحِبُ الْأَلْفَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفِ بِثُلُثِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ ، وَصَاحِبُ الْأَلْفِ يَرْجِعْ بِثُلُثَيْ أُجْرَتِهِ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ ، وَأَمَّا لَوْ صَدَرَ الرَّهْنُ أَوْ الْإِجَارَةُ مِنْ مُتَعَدٍّ كَغَاصِبٍ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْقَرَارُ عَلَى الْمُتَعَدِّي مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ ، وَلَوْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ : كُلُّ عَيْنٍ لَا تَعَدِّيَ فِيهَا وَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِعَقْدٍ صَحِيحٍ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِفَاسِدِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَمَا لَا فَلَا يُرَدُّ كَمَا قَالَ شَيْخِي وَغَيْرُهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ .
وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ .
وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ فَسَدَ ، وَهُوَ قَبْلَ الْمَحِلِّ أَمَانَةٌ .
( وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ فَسَدَ ) أَيْ الرَّهْنُ لِتَأْقِيتِهِ وَالْبَيْعُ لِتَعْلِيقِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَرْهُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( قَبْلَ الْمَحِلِّ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ وَقْتِ الْحُلُولِ ( أَمَانَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَبَعْدَهُ مَضْمُونٌ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا لَمْ يَمْضِ بَعْدَ زَمَنِ الْحُلُولِ زَمَنٌ يَتَأَتَّى فِيهِ الْقَبْضُ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَأَذِنَ لَهُ فِي غَرْسِهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَهِيَ قَبْلَ الْغَرْسِ أَمَانَةٌ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَبَعْدَهُ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ تَتَنَاوَلُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ فَقَالَ : رَهَنْتُكَ وَإِذَا لَمْ أَقْضِكَ عِنْدَ الْحُلُولِ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْكَ وَلَا شَكَّ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ .
وَأَمَّا الرَّهْنُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ صِحَّتُهُ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِيهِ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ رَهَنَهُ رَهْنًا صَحِيحًا وَأَقْبَضَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ : إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْك بِكَذَا فَقَبِلَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ بِحَالِهِ .
.
وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
( وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ ) إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ ، فَإِنْ ذَكَرَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَإِلَّا فَالْمُتَعَدِّي كَالْغَاصِبِ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ ( وَلَا يُصَدَّقُ فِي ) دَعْوَى ( الرَّدِّ ) عَلَى الرَّاهِنِ ( عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ لِذَلِكَ وَيُصَدَّقُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ بِيَمِينِهِ كَالْمُودِعِ .
ضَابِطٌ : كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ .
وَلَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ بِلَا شُبْهَةٍ فَزَانٍ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ
( وَلَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ ) مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ( بِلَا شُبْهَةٍ ) مِنْهُ ( فَزَانٍ ) فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْهُ ( وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ ) أَيْ الْوَطْءِ ( إلَّا أَنْ يَقْرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ ، أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ ) فَيُقْبَلَ قَوْلُهُ لِدَفْعِ الْحَدِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ .
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْهُونَةُ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَادَّعَى جَهْلَ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : بِلَا شُبْهَةٍ عَمَّا إذَا ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنْ أَرَادَ الْأَئِمَّةُ بِقُرْبِ الْإِسْلَامِ مَنْ قَدِمَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا فَذَاكَ .
وَأَمَّا مُخَالِطُونَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَا يَنْقَدِحُ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ عَوَامِّنَا ، فَإِمَّا أَنْ يُصَدَّقُوا أَوْ لَا ا هـ .
وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَالْمُرَادُ جَهْلُ تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ كَأَنْ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّ الِارْتِهَانَ يُبِيحُ الْوَطْءَ وَإِلَّا فَكَدَعْوَى جَهْلِ تَحْرِيمِ الزِّنَا .
قَالَ الشَّارِحُ : وَقَوْلُهُ فَزَانٍ : أَيْ فَهُوَ زَانٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ جَوَابُ " لَوْ " بِمَعْنَى إنْ مُجَرَّدَةٍ عَنْ زَمَانٍ انْتَهَى ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ " لَوْ " نَفْسُهَا لَا تُجَابُ بِالْفَاءِ أَجَابَ بِأَنَّهُمْ أَجْرَوْهَا مَجْرَى إنْ ، وَقَالَ : مُجَرَّدَةٌ عَنْ الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الِاسْتِقْبَالَ ، وَقَالَ : فَهُوَ زَانٍ ؛ لِأَنَّ جَوَابَهَا لَا يَكُونُ إلَّا جُمْلَةً .
.
وَإِنْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ فِي الْأَصَحِّ فَلَا حَدَّ ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ .
( وَإِنْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ) الْمَالِكِ لَهَا ( قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ ) لِلْوَطْءِ مُطْلَقًا ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بَعْدَ الْإِذْنِ لَمَّا خَفِيَ عَلَى عَطَاءٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ لَا يَبْعُدُ خَفَاؤُهُ عَلَى الْعَوَامّ ، وَالثَّانِي : لَا يُقْبَلُ لِبُعْدِ مَا يَدَّعِيهِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ يَنْشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ ، وَإِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ( فَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْجَهْلَ أَنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ كَذَلِكَ ( وَيَجِبُ الْمَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا ) أَوْ جَهِلَتْ التَّحْرِيمَ كَأَعْجَمِيَّةٍ لَا تَعْقِلُ ( وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي صُورَةِ انْتِفَاءِ الْحَدِّ السَّابِقَتَيْنِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ كَمَا تَدْرَأُ الْحَدَّ تُثْبِتُ النَّسَبَ وَالْحُرِّيَّةَ ( وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ ) لِتَفْوِيتِهِ الرِّقَّ عَلَيْهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ يُعْتَقُ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ ، وَإِذَا مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْأَمَةَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ أَبًا لِلرَّاهِنِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْإِيلَادِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي النِّكَاحِ ، وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْوَطْءِ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهَا فَنَكَلَ الرَّاهِنُ وَحَلَفَ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ كَأُمِّهِ ، فَإِنْ نَكَلَ الرَّاهِنُ فَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِإِقْرَارِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ .
.
وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ صَارَ رَهْنًا ، وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الرَّاهِنُ ، فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لَمْ يُخَاصِمْ الْمُرْتَهِنُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ ) أَوْ لَمْ يَقْبِضْ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ( صَارَ رَهْنًا ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي يَدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ رَهْنٍ ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْمَوْقُوفِ إذَا أُتْلِفَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْوَقْفِ فِيهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيمَةَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ رَهْنًا ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ وَقْفًا ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ دَيْنًا قَبْلَ قَبْضِهِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ شَرْطِ الْمَرْهُونِ كَوْنَهُ عَيْنًا ( وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ ) الْمَالِكُ ( الرَّاهِنُ ) أَوْ الْمُعِيرُ لِلْمَرْهُونِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ ( فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لَمْ يُخَاصِمْ الْمُرْتَهِنُ فِي الْأَصَحِّ ) وَإِنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَهُ إذَا خَاصَمَ الْمَالِكَ حُضُورُ خُصُومَتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْبَدَلِ ، وَالثَّانِي : يُخَاصِمُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا فِي الذِّمَّةِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَصَبَ الْمَرْهُونَ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ .
أَمَّا لَوْ بَاعَ الْمَالِكُ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ فَلِلْمُرْتَهِنِ الْمُخَاصَمَةُ جَزْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ شُهْبَةَ .
فَلَوْ وَجَبَ قِصَاصٌ اقْتَصَّ الرَّاهِنُ وَفَاتَ الرَّهْنُ ، فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَفْوِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ
( فَلَوْ ) جَنَى رَقِيقٌ عَلَى الرَّقِيقِ الْمَرْهُونِ ، وَ ( وَجَبَ قِصَاصٌ اقْتَصَّ الرَّاهِنُ ) مِنْهُ أَوْ عَفَا مَجَّانًا ( وَفَاتَ الرَّهْنُ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِلَا بَدَلٍ .
هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ ، فَإِذَا كَانَتْ فِي طَرَفٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ ، وَلَوْ أَعْرَضَ الرَّاهِنُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى ( فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَفْوِهِ ) عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ ( أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ ) أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ يُوجِبُ مَالًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ مَثَلًا صَارَ الْمَالُ مَرْهُونًا وَلَوْ لَمْ يُقْبَضْ كَمَا مَرَّ ( لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ ) أَيْ الرَّاهِنِ عَنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ : ثَمَّ مَحَلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ رَهْنًا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ مَرْهُونًا إلَّا بِالْغُرْمِ ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ مَمْنُوعٌ إذْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ : وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْجِنَايَةِ إذَا نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِهَا وَلَمْ يَزِدْ الْأَرْشُ فَلَوْ لَمْ تَنْقُصْ بِهَا كَأَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ أَوْ نَقَصَتْ بِهَا ، وَكَانَ الْأَرْشُ زَائِدًا عَلَى مَا نَقَصَ مِنْهَا فَازَ الْمَالِكُ بِالْأَرْشِ كُلِّهِ فِي الْأُولَى ، وَبِالزَّائِدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الثَّانِيَةِ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ زَادَ سِعْرُ الْمَرْهُونِ بَعْدَ رَهْنِهِ ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ : فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ وَجَبَ الْمَالُ ابْتِدَاءً بِجِنَايَةِ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهَا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ كَالْهَاشِمَةِ أَوْ لِكَوْنِ الْجَانِي أَصْلًا لَكَانَ أَوْلَى .
.
وَلَا إبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ الْجَانِي وَلَا يَسْرِي الرَّهْنُ إلَى زِيَادَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ
( وَلَا ) يَصِحُّ ( إبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ الْجَانِي ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَائِهِ حَقُّهُ مِنْ الْوَثِيقَةِ إلَّا إنْ أَسْقَطَهُ مِنْهَا ( وَلَا يَسْرِي الرَّهْنُ إلَى زِيَادَتِهِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ( الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ ) وَصُوفٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ وَمَهْرِ جَارِيَةٍ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ فَلَا يَسْرِي إلَيْهَا كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلَةِ كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَتَعْلِيمٍ فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا .
، فَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَحَلَّ الْأَجَلُ وَهِيَ حَامِلٌ بِيعَتْ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بِيعَ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ الرَّهْنِ فَالْوَلَدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ فِي الْأَظْهَرِ .
، ( فَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَحَلَّ الْأَجَلُ وَهِيَ حَامِلٌ بِيعَتْ ) كَذَلِكَ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْحَمْلُ يُعْلَمُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَكَأَنَّهُ رَهَنَهُمَا مَعًا ، وَإِلَّا فَقَدْ رَهَنَهَا وَالْحَمْلُ مَحْضُ صِفَةٍ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى الْبَيْعِ وَهِيَ حَامِلٌ بَعْدُ فَتُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ لِشُمُولِهَا الْبَيْعَ فِي جِنَايَةٍ مَثَلًا ( وَإِنْ وَلَدَتْهُ بِيعَ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ فَهُوَ رَهْنٌ .
وَالثَّانِي : لَا يُبَاعُ مَعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمَ فَهُوَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ ( وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ فَالْوَلَدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ فِي الْأَظْهَرِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْلَمُ ، وَالثَّانِي : نَعَمْ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ فَيَتْبَعُ كَالصِّفَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مَرْهُونًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ فَكَيْفَ يُرْهَنُ ؟ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُبَاعُ مَعَهَا كَالسَّمْنِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا حَتَّى تَضَعَ .
قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ : إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَجْرِ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ دُونَهُ كَالْجَانِيَةِ وَالْمُعَارَةِ لِلرَّهْنِ أَوْ نَحْوِهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ مُتَعَذَّرٌ وَتَوْزِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْأُمِّ ، وَالْحَمْلِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا تُعْرَفُ قِيمَتُهُ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ أَوْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الرَّاهِنَ يَلْزَمُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا .
ثُمَّ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنُ وَالدَّيْنُ فَذَاكَ ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْمَالِكُ ، وَإِنْ نَقَصَ طُولِبَ بِالْبَاقِي ،
وَلَوْ رَهَنَ نَخْلَةً ثُمَّ أَطْلَعَتْ اُسْتُثْنِيَ طَلْعُهَا عِنْدَ بَيْعِهَا وَلَا يُمْنَعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ .
فَصْلٌ جَنَى الْمَرْهُونُ قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ إذَا ( جَنَى الْمَرْهُونُ ) عَلَى أَجْنَبِيٍّ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ( قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ الرَّقَبَةِ ، فَلَوْ قُدِّمَ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ لَضَاعَ حَقُّهُ .
وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَبِالذِّمَّةِ فَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا ، وَلَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالْجِنَايَةِ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَلَا أَثَرَ لِإِذْنِهِ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي الْإِثْمِ ، أَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَوْ أَعْجَمِيٍّ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ سَيِّدِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ قِصَاصٌ وَلَا مَالٌ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّيِّدِ أَنَا أَمَرْتُهُ بِالْجِنَايَةِ فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَطْعَ حَقِّهِ عَنْ الرَّقَبَةِ ، بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لِتَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ لِإِقْرَارِهِ بِأَمْرِهِ بِالْجِنَايَةِ ، وَأَمْرُ غَيْرِ السَّيِّدِ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ كَالسَّيِّدِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِنَايَاتِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا .
فَإِنْ اقْتَصَّ أَوْ بِيعَ لَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ
( فَإِنْ اقْتَصَّ ) الْمُسْتَحِقُّ فِي النَّفْسِ أَوْ غَيْرِهَا بِأَنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قِصَاصًا ( أَوْ بِيعَ ) الْمَرْهُونُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ( لَهُ ) أَيْ لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ ( بَطَلَ الرَّهْنُ ) فِيمَا اقْتَصَّ أَوْ بِيعَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ، نَعَمْ إنْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَأَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِ غَاصِبٍ لَمْ يَفُتْ الرَّهْنُ بَلْ تَكُونُ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ فَلَوْ عَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عُلِمَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْقِصَاصِ وَالْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِعَفْوٍ أَوْ فِدَاءٍ لَمْ يُبْطِلْ .
، وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ بَطَلَ .
، ( وَإِنْ جَنَى ) الْمَرْهُونُ ( عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ بَطَلَ ) الرَّهْنُ فِي الْمُقْتَصِّ نَفْسًا كَانَ أَوْ طَرَفًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ .
تَنْبِيهٌ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : التَّاءُ فِي اقْتَصَّ مَفْتُوحَةٌ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَيَشْمَلُ السَّيِّدَ وَالْوَارِثَ وَالسُّلْطَانُ فِيمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ .
وَلَا يَصِحُّ ضَمُّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِمِنْ .
وَقَالَ الشَّارِحُ : بِضَمِّ التَّاءِ وَقَدَّرَ مِنْهُ وَالْأُولَى أَوْلَى لِسَلَامَتِهَا مِنْ التَّقْدِيرِ ، وَلَكِنْ يُؤَيِّدُ الشَّارِحَ مَا يَأْتِي فِي ضَبْطِ عُفِيَ مِنْ قَوْلِهِ .
وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَبْقَى رَهْنًا .
( وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ ابْتِدَاءً ( فَيَبْقَى رَهْنًا ) كَمَا كَانَ .
وَالثَّانِي : يَثْبُتُ الْمَالُ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى فَكِّ الرَّهْنِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْأَمَةِ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا السَّيِّدُ الْمُعْسِرُ .
أَمَّا هِيَ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَا تُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى السَّيِّدِ جَزْمًا ، لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ لَوْ جَنَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَا تُبَاعُ بَلْ يَفْدِيهَا السَّيِّدُ فَتَكُونُ جِنَايَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا فِي الرَّهْنِ كَالْعَدَمِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ عُفِيَ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا نُقِلَ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ لِيَشْمَلَ عَفْوَ السَّيِّدِ وَالْوَارِثِ لَكِنَّهُ مُعْتَرَضٌ مِنْ جِهَةِ اصْطِلَاحِهِ ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي عَفْوِ السَّيِّدِ وَجْهَانِ وَفِي عَفْوِ الْوَارِثِ قَوْلَانِ فَثُبُوتُ الْمَالِ فِي الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ .
وَالثَّانِي : قَوِيٌّ وَأَتَى بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ هُوَ رَهْنٌ أَيْضًا ، لَكِنْ يُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَلَوْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ خَطَأً كَانَ كَالْعَفْوِ ، فَلَوْ قَالَ : وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُ الْمَالِ لَكَانَ أَشْمَلَ .
.
وَإِنْ قَتَلَ مَرْهُونًا لِسَيِّدِهِ عِنْدَ آخَرَ فَاقْتَصَّ بَطَلَ الرَّهْنَانِ ، وَإِنْ وَجَبَ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ ، فَيُبَاعُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ ، وَقِيلَ يَصِيرُ رَهْنًا .
( وَإِنْ قَتَلَ ) الْمَرْهُونُ ( مَرْهُونًا لِسَيِّدِهِ عِنْدَ ) مُرْتَهِنٍ ( آخَرَ فَاقْتَصَّ ) السَّيِّدُ مِنْهُ ( بَطَلَ الرَّهْنَانِ ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِمَا ( وَإِنْ ) عُفِيَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ صَحَّ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ ) عُفِيَ عَلَى مَالٍ أَوْ ( وَجَبَ مَالٌ ) بِجِنَايَةِ خَطَإٍ أَوْ نَحْوِهِ ( تَعَلَّقَ بِهِ ) أَيْ الْمَالِ ( حَقُّ مُرْتَهَنِ الْقَتِيلِ ) وَالْمَالُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ ( فَيُبَاعُ ) إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى الْوَاجِبِ بِالْقَتْلِ ( وَثَمَنُهُ ) إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْوَاجِبِ ( رَهْنٌ ) وَإِلَّا فَقَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَفْسُهُ رَهْنًا ( وَقِيلَ يَصِيرُ رَهْنًا ) وَلَا يُبَاعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلَهَا وَدُفِعَ بِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي مَالِيَّتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بِزِيَادَةٍ فَيَتَوَثَّقُ مُرْتَهِنُ الْقَاتِلِ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَيَبْقَى الْبَاقِي رَهْنًا ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ أَوْ نَقَصَ بِهِ بَيْعُ الْكُلِّ وَصَارَ الزَّائِدُ رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ ، وَعَلَى الثَّانِي يَنْتَقِلُ مِنْ الْقَاتِلِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ إلَى مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ النَّقْلَ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ الْبَيْعَ فَأَيُّهُمَا يُجَابُ ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ : أَمَّا إذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ الْبَيْعَ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ النَّقْلَ ، فَالْمُجَابُ الرَّاهِنُ إذْ لَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِي عَيْنِهِ ، وَلَوْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنَانِ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ الْمَسْلُوكُ قَطْعًا أَوْ الرَّاهِنُ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ عَلَى نَقْلِ الْقَاتِلِ أَوْ بَعْضِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا فَلَيْسَ لِمُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ الْمُنَازَعَةُ وَطَلَبُ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ لَهُ فِي ذَلِكَ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِتَوَقُّعِ رَاغِبٍ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَا مَرْهُونَيْنِ عِنْدَ شَخْصٍ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ نَقَصَتْ الْوَثِيقَةُ ، أَوْ بِدَيْنَيْنِ
( فَإِنْ كَانَا ) أَيْ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ ( مَرْهُونَيْنِ عِنْدَ شَخْصٍ ) أَوْ أَكْثَرَ ( بِدَيْنٍ وَاحِدٍ نَقَصَتْ الْوَثِيقَةُ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ عِنْدَ مُسْتَحِقٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ ( أَوْ بِدَيْنَيْنِ ) عِنْدَ شَخْصٍ وَتَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ .
وَفِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ غَرَضٌ نُقِلَتْ .
، ( وَفِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ ) بِهِ إلَى دَيْنِ الْقَتِيلِ ( غَرَضٌ ) أَيْ فَائِدَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ ( نُقِلَتْ ) وَإِلَّا فَلَا ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَطْوَلَ أَجَلًا مِنْ الْآخَرِ فَلِلْمُرْتَهِنِ التَّوَثُّقُ بِثَمَنِ الْقَاتِلِ لِدَيْنِ الْقَتِيلِ ، فَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْفَائِدَةُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ثَمَنِ الْقَاتِلِ فِي الْحَالِّ أَوْ مُؤَجَّلًا فَقَدْ تَوَثَّقَ وَيُطَالِبُ بِالْحَالِّ وَإِنْ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ قَدْرًا وَحُلُولًا وَتَأْجِيلًا وَقِيمَةُ الْقَتِيلِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْقَاتِلِ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا لَمْ تُنْقَلْ الْوَثِيقَةُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ نُقِلَ مِنْهُ قَدْرُ قِيمَةِ الْقَتِيلِ ، وَحَيْثُ قِيلَ بِالنَّقْلِ لِلْقَاتِلِ أَوْ بَعْضِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَصِيرُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَ الْقَتِيلِ لَا رَقَبَتُهُ لِمَا مَرَّ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ : بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ وَاسْتَوَيَا فِي الْمَالِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ قُوِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ لَمْ يُؤَثِّرْ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ مِنْ تَأْثِيرِهِ ، فَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ : إنَّهُ مُخَالِفٍ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ ، وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ : كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عِوَضَ مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ صَدَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ ، وَلَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا ضَامِنٌ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ نَقْلَ الْوَثِيقَةِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِالضَّمَانِ إلَى الْآخَرِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ التَّوَثُّقُ فِيهِمَا .
أُجِيبَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ : بِيعُوهُ وَضَعُوا ثَمَنَهُ مَكَانَهُ فَإِنِّي لَا آمَنُ جِنَايَتَهُ مَرَّةً أُخْرَى ، فَتُؤْخَذُ رَقَبَتُهُ فِيهَا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ : أَنَّهُ يُجَابُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ ، وَفِي إجَابَتِهِ وَجْهَانِ بِلَا
تَرْجِيحٍ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْهُمَا الْمَنْعَ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَسَائِرِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَلَوْ اقْتَصَّ السَّيِّدُ مِنْ الْقَاتِلِ فَاتَتْ الْوَثِيقَةُ .
وَلَوْ تَلِفَ مَرْهُونٌ بِآفَةٍ بَطَلَ .
، ( وَلَوْ تَلِفَ مَرْهُونٌ بِآفَةٍ ) سَمَاوِيَّةٍ ( بَطَلَ ) الرَّهْنُ لِفَوَاتِهِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِالتَّلَفِ تَخَمُّرَ الْعَصِيرِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ خَلًا لَا يَعُودُ رَهْنًا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَوْدُهُ ، وَقَدْ يُرَدُّ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْآفَةِ مَا لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي ضَرْبِ الْمَرْهُونِ فَضَرَبَهُ وَتَلِفَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ .
.
وَيَنْفَكُّ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ .
( وَيَنْفَكُّ ) الرَّهْنُ ( بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ ) وَلَوْ بِدُونِ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَهُوَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ .
نَعَمْ التَّرِكَةُ إذَا قُلْنَا : إنَّهَا مَرْهُونَةٌ بِالدَّيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْفَسْخَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ فَالْفَكُّ يُفَوِّتُهَا ، وَخَرَجَ بِالْمُرْتَهِنِ الرَّاهِنُ فَلَا يَنْفَكُّ بِفَسْخِهِ لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَتِهِ ( وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ ) جَمِيعِ ( الدَّيْنِ ) بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ بِحَوَالَةِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَلَوْ اعْتَاضَ عَنْ الدَّيْنِ عَيْنًا انْفَكَّ الرَّهْنُ ، فَلَوْ تَلِفَتْ أَوْ تَقَايَلَا فِي الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا عَادَ الْمَرْهُونُ رَهْنًا ( فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ قَلَّ ( لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَكَحَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَعِتْقِ الْمُكَاتَبِ ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ ، فَلَوْ شَرَطَ كُلَّمَا قُضِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِهِ فَسَدَ الرَّهْنُ لِاشْتِرَاطِ مَا يُنَافِيه كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ ، وَلَوْ رَهَنَاهُ فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا انْفَكَّ نَصِيبُهُ .
( وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ ) فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى ( فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ ( وَلَوْ رَهَنَاهُ ) بِدَيْنٍ ( فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا ) مِمَّا عَلَيْهِ ( انْفَكَّ نَصِيبُهُ ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ وَلَوْ اتَّحَدَ وَكِيلُهُمَا .
قَالَ الْإِمَامُ : لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اتِّحَادِ الدَّيْنِ وَعَدَمِهِ ، وَمَتَى تَعَدَّدَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ تَعَدَّدَ الدَّيْنُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَاتِّحَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ فَنُظِرَ فِيهِ إلَى الْمُبَاشِرِ لَهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ، وَلَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ فَبَرِئَ مِنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ لِتَعَدُّدِ مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ مَا يَأْخُذْهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، فَكَيْفَ تَنْفَكُّ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَخْذِهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَتَّحِدْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا ، أَوْ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ لَا بِالْأَخْذِ ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا اسْتَعَارَهُ مِنْ اثْنَيْنِ لِيَرْهَنَهُ ثُمَّ أَدَّى نِصْفَ الدَّيْنِ وَقَصَدَ فِكَاكَ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عَنْهُ انْفَكَّ نِصْفُهُ نَظَرًا إلَى تَعَدُّدِ الْمَالِكِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الشُّيُوعَ أَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عَنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ .
( فُرُوعٌ ) : لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ آخَرُ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا لَهُ كَانَ مَرْهُونًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُمَا وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ عَنْ وَرَثَتِهِ فَفَدَى أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لَمْ يَنْفَكَّ كَمَا فِي الْمُوَرَّثِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ صَدَرَ ابْتِدَاءً مِنْ وَاحِدٍ ، وَقَضِيَّتُهُ حَبْسُ كُلِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ الدَّيْنِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَدَى نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ : إمَّا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ بِهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الرَّاهِنُ ، أَوْ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ فَأَدَّى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ يَنْقَطِعُ التَّعَلُّقُ عَنْهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ وَرَثَةٍ فَوَفَّى أَحَدُهُمْ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ نَصِيبُهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، كَمَا لَوْ وَفَّى مُوَرَّثُهُ بَعْضَ دَيْنِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
فَصْلٌ اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ ، وَإِنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا .
فَصْلٌ : فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( اخْتَلَفَا ) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ( فِي ) أَصْلِ ( الرَّهْنِ ) كَأَنْ قَالَ : رَهَنْتنِي كَذَا فَأَنْكَرَ ( أَوْ ) فِي ( قَدْرِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ كَأَنْ قَالَ رَهَنْتَنِي الْأَرْضَ بِأَشْجَارِهَا فَقَالَ : بَلْ الْأَرْضَ فَقَطْ ، أَوْ فِي عَيْنِهِ : كَهَذَا الْعَبْدِ ، فَقَالَ بَلْ الْجَارِيَةَ ، أَوْ قُدِّرَ الْمَرْهُونُ بِهِ كَمِائَتَيْنِ ، فَقَالَ بَلْ مِائَةٍ ( صُدِّقَ الرَّاهِنُ ) أَيْ الْمَالِكُ ( بِيَمِينِهِ ) وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ .
تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْمَالِكِ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يَكُونُ مُسْتَعِيرًا ، وَأَيْضًا هُوَ لَيْسَ بِرَاهِنٍ ، لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ : إطْلَاقُهُ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعِي ، وَقَوْلُهُ ( إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ ) أَيْ لَيْسَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ قَيْدٍ فِي التَّصْدِيقِ ( وَإِنْ شُرِطَ ) الرَّهْنُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِمَّا ذُكِرَ ( فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا ) كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَائِرِ كَيْفِيَّاتِ الْبَيْعِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَتْ عِبَارَتُهُ : مَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَفَاءِ كَأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ : رَهَنْتَ مِنِّي الْمَشْرُوطَ رَهْنُهُ وَهُوَ كَذَا فَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ مَعَ أَنَّهُ لَا تَحَالُفَ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِفَا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مَوْقِعُ التَّحَالُفِ بَلْ يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَرْهَنْ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَ حُكْمُهَا مِنْ قَوْلِهِ : فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا .
.
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ ، وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ : بِيَمِينِهِ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ .
( وَلَوْ ادَّعَى ) عَلَى اثْنَيْنِ ( أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ ) وَأَقْبَضَاهُ إيَّاهُ ( وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ( وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ : بِيَمِينِهِ ) : لِمَا سَلَفَ ( وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُكَذِّبِ لِخُلُوِّهَا عَنْ جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ، فَإِنْ شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ أَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَهُ ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ وَلَوْ زَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا رَهَنَ نَصِيبَهُ وَأَنَّ شَرِيكَهُ رَهَنَ أَوْ سَكَتَ عَنْ شَرِيكِهِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَرُبَّمَا نَسِيَ ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَالْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ ، وَلِهَذَا لَوْ تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَا فِي حَادِثَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فِي التَّخَاصُمِ فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ غَيْرُ مُفَسِّقَةٍ ، مَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ انْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا كَجَحْدِ حَقٍّ وَاجِبٍ وَهَذَا بِتَقْدِيرِ تَعَمُّدِهِ يَكُونُ جَاحِدًا لِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَيُفَسَّقُ بِذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْجَحْدِ مُفَسِّقًا أَنْ يُفَوِّتَ الْمَالِيَّةَ عَلَى الْغَيْرِ ، وَهُنَا لَمْ يُفَوِّتْ إلَّا حَقَّ الْوَثِيقَةِ .
فَإِنْ قِيلَ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْمُدَّعِي بِظُلْمِهَا بِالْإِنْكَارِ بِلَا تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَفْسِيقَهُمَا .
أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ بِذَلِكَ ظَهَرَ مِنْهُ هَذَا إذْ لَيْسَ كُلُّ ظُلْمٍ خَالٍ عَنْ تَأْوِيلٍ مُفَسِّقًا بِدَلِيلِ الْغَيْبَةِ وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا عَبْدَهُ وَأَقْبَضَهُ لَهُمَا وَصَدَقَ أَحَدَهُمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ لِلْمُكَذِّبِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكَهُ فِيهِ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطًا .
.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ غَصَبَتْهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ وَكَذَا إنْ قَالَ : أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ( فِي قَبْضِهِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ( فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ : غَصَبْتُهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ الرَّهْنِ وَعَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ ( وَكَذَا إنْ قَالَ : أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى ) كَإِجَارَةٍ أَوْ إيدَاعٍ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ .
وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى قَبْضِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَالرَّاهِنُ يُرِيدُ صَرْفَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِتَقَدُّمِ الْعَقْدِ الْمُحْوِجِ إلَى الْقَبْضِ ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَتَنَازَعَا فِي قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُصَدَّقُ مَنْ الْمَرْهُونُ فِي يَدِهِ .
.
وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ ، وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا جَنَى الْمَرْهُونُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ .
( وَلَوْ أَقَرَّ ) الرَّاهِنُ ( بِقَبْضِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ ( ثُمَّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَرْهُونَ ( وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ : أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ ) قَبْلَ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ ، وَالرَّسْمُ الْكِتَابَةُ ، وَالْقَبَالَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْوَرَقَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ : أَيْ أَشْهَدْتُ عَلَى الْكِتَابَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْوَثِيقَةِ لِكَيْ آخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَنْتُ حُصُولَ الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ أَوْ أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي أَنَّهُ أُقْبَضَ ثُمَّ خَرَجَ مُزَوِّرًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ تَأْوِيلًا يَكُونُ مُنَاقِضًا بِقَوْلِهِ لِإِقْرَارِهِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَثَائِقَ فِي الْغَالِبِ يُشْهَدُ عَلَيْهَا قَبْلَ تَحَقُّقِ مَا فِيهَا ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى تَلَفُّظِهِ بِذَلِكَ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ : وَلَوْ أَقَرَّ بِإِقْبَاضِهِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَلْزَمُ الرَّهْنُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَعْدَ الدَّعْوَى أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ : إنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الرَّاهِنِ بِالْإِقْبَاضِ إذَا أَمْكَنَ ، فَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ مَثَلًا فَقَالَ : رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي بِالشَّامِ وَأَقْبَضْتُهُ إيَّاهَا وَهُمَا بِمَكَّةَ فَهُوَ لَغْوٌ نَصَّ عَلَيْهِ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ : أَيْ : لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ ( وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ ( جَنَى الْمَرْهُونُ ) بَعْدَ الْقَبْضِ ( وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ
الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجِنَايَةِ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ ، وَإِذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ .
.
وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ ، فَإِذَا حَلَفَ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ .
( وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ ) بَعْدَ الْقَبْضِ ( جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ ) الْمَرْهُونُ ، سَوَاءٌ أَقَالَ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ أَمْ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ( فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ ) الْجِنَايَةَ صِيَانَةً لِحَقِّهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يُوَاطِئُ مُدَّعِي الْجِنَايَةِ لِغَرَضِ إبْطَالِ الرَّهْنِ ، وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّهُ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ إذَا عُيِّنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ وَادَّعَاهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ قَطْعًا ، وَدَعْوَى الرَّاهِنِ زَوَالَ الْمِلْكِ كَدَعْوَاهُ الْجِنَايَةَ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ ) الْمُرْتَهِنُ ( غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ، وَالثَّانِي : لَا يَغْرَمُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْأَظْهَرِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ ، وَهُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْغُرْمِ لِلْحَيْلُولَةِ ، وَقَوْلُهُ ( وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ) كَجِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ ، وَهُوَ طَرِيقَانِ : أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِذَلِكَ .
وَالثَّانِيَةُ : قَوْلَانِ كَمَا فِي فِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي ، أَظْهَرُهُمَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ .
وَثَانِيهِمَا : الْأَرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ ، وَقَوْلُهُ ( وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ( لَا عَلَى الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُمَا وَجْهَانِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا مَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : تُرَدُّ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ ، وَالْخُصُومَةُ تَجْرِي
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ( فَإِذَا حَلَفَ ) الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا ( بِيعَ ) الْعَبْدُ ( فِي الْجِنَايَةِ ) إنْ اسْتَغْرَقَتْ الْجِنَايَةُ قِيمَتَهُ ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا ، وَلَا يَكُونُ الْبَاقِي رَهْنًا لِثُبُوتِ الْجِنَايَةِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَهُ بِنُكُولِهِ .
.
وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ وَرَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ وَقَالَ رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ ، وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ ، وَقِيلَ يُقَسَّطُ .
( وَلَوْ أَذِنَ ) الْمُرْتَهِنُ ( فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ ) وَقَالَ رَجَعْتُ عَنْ الْإِذْنِ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ رُجُوعَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ ( وَ ) لَوْ ( رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ ) وَقَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ ( رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ ) : بَلْ ( بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ ، وَالرُّجُوعُ فِي الْوَقْتِ الْمُدَّعَى إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ ، فَيَتَعَارَضَانِ فِيهِ وَيَبْقَى الرَّهْنُ .
وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِوَقْتِ بَيْعِهِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ الْإِذْنَ ، وَالثَّالِثُ : قَوْلُ السَّابِقِ مِنْهُمَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرَّجْعَةِ ، وَفِي اخْتِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فِي أَنَّ الْعَزْلَ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ ( وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ ) مَثَلًا ( بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ ) أَوْ كَفِيلٌ أَوْ هُوَ ثَمَنُ مَبِيعٍ مَحْبُوسٍ بِهِ وَالْآخَرُ خَالٍ عَنْ ذَلِكَ ( فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا ذُكِرَ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ ، سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ أَمْ لَفْظِهِ فَالْعِبْرَةُ فِي جِهَةِ الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدَّى حَتَّى يَبْرَأَ بِقَصْدِهِ الْوَفَاءُ وَيَمْلِكَهُ الْمَدْيُونُ وَإِنْ ظَنَّ الدَّائِنُ إيدَاعَهُ ، وَكَمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِقَصْدِهِ فَكَذَا الْخِيَرَةُ فِيهِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ ، فَإِذَا أَرَادَ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالسَّيِّدُ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ ، فَيُجَابُ السَّيِّدُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْكِتَابَةِ ، وَتُفَارِقُ غَيْرَهَا مِمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ فِيهَا مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْجِهَةِ لِتَقْصِيرِ السَّيِّدِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ ابْتِدَاءً ( وَإِنْ لَمْ
يَنْوِ ) حَالَ الدَّفْعِ ( شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ ) مِنْهُمَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالَيْنِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ ( وَقِيلَ يُقَسَّطُ ) عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَالتَّقْسِيطُ قِيلَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنَيْنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ ، وَقِيلَ بِالتَّسْوِيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا كَفِيلٌ .
قَالَ : فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِذَا عُيِّنَ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ أَوْ التَّعْيِينِ ؟ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَلَوْ تَبَايَعَ مُشْرِكَانِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَسَلَّمَ مَنْ الْتَزَمَ الزِّيَادَةَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَسْلَمَا ، فَإِنْ قَصَدَ بِتَسْلِيمِهِ الزِّيَادَةَ لَزِمَهُ بَرِئَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا وُزِّعَ عَلَيْهِمَا وَسَقَطَ بَاقِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَصْلَ ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَصْلَ شَيْئًا عَيَّنَهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا .
فَصْلٌ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ ، وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي ، فَعَلَى الْأَظْهَرِ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ .
فَصْلٌ : فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ ( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ ) الْمُتَنَقِّلَةِ إلَى الْوَارِثِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي ( تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ ، إذْ يَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِيهِ جَزْمًا بِخِلَافِ إلْحَاقِهِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ .
وَاغْتُفِرَ هُنَا جَهَالَةُ الْمَرْهُونِ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ( وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ ، وَقِيلَ كَحَجْرِ الْفَلَسِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُورَانِيِّ وَالْإِمَامِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ } وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ التَّرِكَةُ مَرْهُونَةً رَهْنًا اخْتِيَارِيًّا فَإِنْ كَانَ لَمْ تَتَعَلَّقْ الدُّيُونُ الْمُرْسَلَةُ فِي الذِّمَّةِ بِالتَّرِكَةِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ التَّرِكَةِ فَوَفَّى الْوَارِثُ قَدْرَهَا فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الرَّهِينَةِ وَلَا سِيَّمَا قَوْلُهُ بَعْدُ : وَيَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَنْفَكُّ ( فَعَلَى ) الْأَوَّلِ ( الْأَظْهَرُ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ ) فِي رَهْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) كَالْمَرْهُونِ .
وَالثَّانِي : إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ تَعَلَّقَ بِقَدْرِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي مَالٍ كَثِيرٍ بِشَيْءٍ حَقِيرٍ بَعِيدٌ .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَالرَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ ، لَكِنْ حُكِيَ فِي الْمَطْلَبِ الْخِلَافُ عَلَيْهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ .
وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ رَجَّحُوا فِي تَعَلُّقِ
الزَّكَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ ، وَقِيلَ بِجَمِيعِهِ وَيَأْتِي تَرْجِيحُهُ هُنَا فَيُخَالِفُ الْمُرَجَّحَ عَلَى الْأَرْشِ لِلْمُرَجِّحِ عَلَى الرَّهْنِ ، فَقَوْلُهُ فَعَلَى الْأَظْهَرِ إلَخْ صَحِيحٌ انْتَهَى لَكِنَّ الزَّكَاةَ تُخَالِفُ مَا هُنَا ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ كَمَا قَالَ شَيْخِي بِأَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْأَوَّلِ أَقْوَى ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالرَّهْنِ مَا لَوْ أَدَّى وَارِثَهُ قِسْطَ مَا وَرِثَ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَنْفَكُّ إلَّا بِوَفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا .
.
وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ ظَاهِرٌ فَظَهَرَ دَيْنٌ بِرَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ لَكِنَّ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَسَخَ
( وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ ) لَا ( ظَاهِرٌ ) وَلَا خَفِيٌّ ( فَظَهَرَ دَيْنٌ ) أَيْ طَرَأَ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِالرَّدِّ الْآتِي فِي عِبَارَتِهِ لَمْ يَكُنْ خَفِيًّا ثُمَّ ظَهَرَ بَلْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، لَكِنَّ سَبَبَهُ مُتَقَدِّمٌ ، وَقَوْلُهُ ( بِرَدِّ ) أَوْلَى مِنْهُ كَرَدِّ ( مَبِيعٍ بِعَيْبٍ ) أَتْلَفَ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ ثُمَّ تَرَدَّى فِيهَا شَخْصٌ وَلَيْسَ لَهُ عَاقِلَةٌ ، وَقَوْلُهُ وَلَا دَيْنَ اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُقَارِنًا وَعُلِمَ بِهِ فَالتَّصَرُّفُ بَاطِلٌ ، وَكَذَا إنْ جَهِلَهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَائِغًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَالثَّانِي : يَتَبَيَّنُ فَسَادُهُ إلْحَاقًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمُقَارِنِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُوسِرًا وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ جَزْمًا ( لَكِنَّ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَسَخَ ) تَصَرُّفُهُ لِيَصِلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى حَقِّهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : " إنْ لَمْ يَقْضِ " .
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ بِضَمِّ الْيَاءِ لِيَعُمَّ قَضَاءَ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ ا هـ .
وَأَوْلَى مِنْهُ إنْ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءَ وَغَيْرَهُمَا .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ الْوَارِثَ الْمُوسِرَ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ التَّرِكَةِ وَلَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ أَنَّهُ يَفْسَخُ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ نُفُوذُهُ أَوْلَى مِنْ نُفُوذِ عِتْقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ هُنَا طَارِئٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ وَاسْتِيلَادُهُ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ .
، وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
، ( وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ الْمُوَرِّثِ ، وَالْمُوَرِّثُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، لَكِنْ لَوْ أَوْصَى بِدَفْعِ عَيْنٍ إلَيْهِ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ ، أَوْ عَلَى أَنْ تُبَاعَ وَيُوَفَّى دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِهَا عُمِلَ بِوَصِيَّتِهِ ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ قَدْ تَكُونُ أَطْيَبَ كَمَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَالَ الْوَارِثُ آخُذُهَا بِقِيمَتِهَا وَأَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهَا لِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رَاغِبٍ .
أُجِيبَ : الْوَارِثُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ ؛ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْقِيمَةِ ، وَلِلنَّاسِ غَرَضٌ فِي إخْفَاءِ تَرِكَاتِ مُوَرِّثِهِمْ عَنْ شُهْرَتِهَا لِلْبَيْعِ ، فَإِنْ طُلِبَتْ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَأْخُذْهَا الْوَارِثُ بِقِيمَتِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ كَوْنِ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ ، فَإِنْ تَعَلَّقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُ كُلِّ مَالِ الْقِرَاضِ وَإِلْزَامُ الْعَامِلِ أَخْذَ نَصِيبِهِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ ( وَالصَّحِيحُ ) وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ ( أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ ) ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِهَا لَا يَزِيدُ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْجَانِي ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا هَذَا .
وَالثَّانِي : يَمْنَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أَيْ مِنْ بَعْدِ إعْطَاءِ وَصِيَّةٍ أَوْ إيفَاءٍ دَيْنٍ إنْ كَانَ حَيْثُ قُدِّمَ الدَّيْنُ عَلَى الْمِيرَاثِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِ لِقِسْمَةٍ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْهُ ، وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ ( فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ ) ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ .
أَمَّا عَلَى الْمَنْعِ فَيَتَعَلَّقُ
بِهَا تَبَعًا لِأَصْلِهَا .
خَاتِمَةٌ : قَالَ السُّبْكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا فِي فَرْعٍ ، وَهُوَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ لِلْوَارِثِ فَظَنُّوا أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ حَتَّى إذَا كَانَ جَائِزًا سَقَطَ الْجَمِيعُ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْهُ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلتَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ ، وَمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَدَاؤُهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ .
وَيَسْتَقِرُّ لَهُ نَظِيرُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ أُعِيدَ إلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ ، وَهَذَا سَبَبُ سُقُوطِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ ، وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ .
كِتَابُ التَّفْلِيسِ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ ، وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ .
كِتَابُ التَّفْلِيسِ هُوَ لُغَةً النِّدَاءُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَشُهْرَتُهُ بِصِفَةِ الْإِفْلَاسِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَخَسُّ الْأَمْوَالِ .
وَشَرْعًا جَعْلُ الْحَاكِمِ الْمَدْيُونَ مُفْلِسًا بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ فِي دِينٍ كَانَ عَلَيْهِ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ، فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ } .
وَالْمُفْلِسُ فِي الْعُرْفِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ ، وَفِي الشَّرْعِ مَنْ لَا يَفِي مَالُهُ بِدَيْنِهِ كَمَا قَالَ ذَاكِرًا لِحُكْمِهِ ( مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ ) لِآدَمِيٍّ لَازِمَةٌ ( حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ ) وُجُوبًا فِي مَالِهِ إنْ اسْتَقَلَّ ، أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ ( بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ ) وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ كَأَوْلِيَائِهِمْ ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لَحِقَهُمْ .
وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْحَجْرَ كَانَ عَلَى مُعَاذٍ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ ، ( فَلَا حَجْرَ بِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا ) كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَلَا بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَنُجُومِ كِتَابَةٍ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ مِنْ إسْقَاطِهِ ( وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الدُّيُونِ لَا مَفْهُومَ لَهُ ، فَإِنَّ الدَّيْنَ الْوَاحِدَ إذَا زَادَ عَلَى الْمَالِ كَانَ كَذَلِكَ ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْغُرَمَاءِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الدَّيْنِ بِاللَّازِمِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيُخْرِجَ دَيْنَ الْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ الَّتِي عَلَى الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ : يَجُوزُ مَنْعًا لَهُ مِنْ
التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَى أَنْ يُحْدِثَ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ ، إذْ مَا يَحْدُثُ لَهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ ، وَمَا جَازَ تَبَعًا لَا يَجُوزُ قَصْدًا ، وَلَا يَحْجُرُ عَلَى الْمُفْلِسِ إلَّا الْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ .
وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ ، فَقَدْ يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِالْوَفَاءِ فَيَضُرُّ الْبَاقِينَ ، وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُضَيِّعُ حَقَّ الْجَمِيعِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهَلْ يَكْفِي فِي لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ ، أَوْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت بِالْفَلِسِ إذْ مَنْعُ التَّصَرُّفِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَوَّلُ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ : أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْمُفْلِسِ .
قَالَ : وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلِلْقَاضِي الْحَجْرُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ : أَيْ بَلْ إنَّهُ جَازَ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ .
وَقَوْلُ السُّبْكِيّ : هَذَا ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ حَالًّا ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِلَا فَائِدَةٍ مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ، بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ ، وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ الْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ .
أَمَّا مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ كَمَغْصُوبٍ وَغَائِبٍ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ .
وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَحْصِيلِ أُجْرَتِهَا اُعْتُبِرَتْ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِلَّا فَلَا .
وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ حَالًّا عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ أَيْ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ اُعْتُبِرَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَرْهُونًا لَمْ أَرَ فِيهِ
نَقْلًا ، وَالْفِقْهُ مَنَعَ الْحَجْرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَرُدَّ بِأَنَّ لَهُ فَوَائِدَ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ( وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْمَشْهُورُ ، لِأَنَّ الْأَجَلَ مَقْصُودٌ لَهُ فَلَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَالِ فَسَقَطَ الْأَجَلُ كَالْمَوْتِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ ، وَلَوْ جُنَّ الْمَدْيُونُ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْحُلُولِ بِهِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي مِنْهَا ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ ( وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بَلْ يُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ ، فَإِنْ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَإِنْ الْتَمَسَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ : أَيْ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ حُجِرَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ زَادَ مَالُهُ عَلَى دَيْنِهِ ا هـ .
وَهَذَا يُسَمَّى الْحَجْرُ الْغَرِيبُ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا ) لَا حَجْرَ عَلَيْهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِّ .
وَالثَّانِي : يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَيْ لَا يُضَيِّعَ مَالَهُ فِي النَّفَقَةِ وَدُفِعَ بِمَا ذُكِرَ ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ .
وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ حُجِرَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ ) مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ ، لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَهُمْ نَاظِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلْ وَلِيُّهُ فَلِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ ، لِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي مَصْلَحَتِهِ ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ .
تَنْبِيهٌ : اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحْجُرُ لِدَيْنِ الْغَائِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ اسْتِيفَاءُ مَالِ الْغِيَابِ مِنْ الذِّمَمِ وَإِنَّمَا لَهُ حِفْظُ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْفَارِقِيُّ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيئًا وَإِلَّا لَزِمَ الْحَاكِمَ قَبْضُهُ قَطْعًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ ( فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ ) الْحَجْرَ ( وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ ) بِأَنْ زَادَ عَلَى مَالِهِ ( حَجَرَ ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْحَجْرِ ، ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ أَثَرُ الْحَجْرِ بِالْمُلْتَمِسِ بَلْ يَعُمُّهُمْ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَزِدْ الدَّيْنُ عَلَى مَالِهِ ( فَلَا ) حَجْرَ ، لِأَنَّ دَيْنَهُ يُمْكِنُ وَفَاؤُهُ بِكَمَالِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى طَلَبِ الْحَجْرِ ، وَقِيلَ : الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَزِيدَ دَيْنُ الْجَمِيعِ عَلَى مَالِهِ لَا الْمُلْتَمِسِ فَقَطْ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : وَهُوَ قَوِيٌّ ( وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ ) وَلَوْ بِوَكِيلِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا وَهُوَ صَرْفُ مَالِهِ إلَى دُيُونِهِ .
وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى مُعَاذٍ كَانَ بِالْتِمَاسٍ مِنْهُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِدَعْوَى الْغُرَمَاءِ وَالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي ، وَطَلَبِ الْمَدْيُونِ الْحَجْرَ دُونَ الْغُرَمَاءِ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُهُ ، وَالثَّانِي : لَا يُحْجَرُ ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالْحَجْرُ يُنَافِي الْحُرِّيَّةَ وَالرُّشْدَ ، وَإِنَّمَا حَجَرَ بِطَلَبِ
الْغُرَمَاءِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمْ إلَّا بِالْحَجْرِ خَشْيَةَ الضَّيَاعِ ، بِخِلَافِهِ فَإِنَّ غَرَضَهُ الْوَفَاءُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِبَيْعِ أَمْوَالِهِ وَقَسْمِهَا عَلَى غُرَمَائِهِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجْرَ وَاجِبٌ بِسُؤَالِهِ كَسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ ، فَالْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي الْجَوَازِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
فَإِذَا حُجِرَ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ .
( فَإِذَا حُجِرَ ) عَلَيْهِ بِطَلَبٍ أَوْ بِدُونِهِ ( تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ ) كَالرَّهْنِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّهُمْ وَلَا تُزَاحِمُهُمْ فِيهِ الدُّيُونُ الْحَادِثَةُ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ حَتَّى لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الظَّاهِرُ خِلَافُهُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِمَا فَعَلَ مُوَرِّثُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَخَرَجَ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمُفْلِسِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا فِي الْأَيْمَانِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِفَوْرِيٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ يُقَوِّي مَا مَرَّ فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْأَصَحِّ .
وَأَشْهَدَ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحَذِّرَ .
( وَأَشْهَدَ ) الْحَاكِمُ نَدْبًا .
وَقِيلَ وُجُوبًا ( عَلَى حَجْرِهِ ) أَيْ الْمُفْلِسِ وَأَشْهَرَهُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ ( لِيُحَذِّرَ ) مِنْ مُعَامَلَتِهِ .
قَالَ الْعِمْرَانِيُّ : فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْحَاكِمَ حَجَرَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ .
وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ فَفِي قَوْلٍ يُوقِفُ تَصَرُّفَهُ ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ نَفَذَ وَإِلَّا لَغَا ، وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ .
( وَلَوْ ) تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُفَوِّتًا فِي الْحَيَاةِ بِالْإِنْشَاءِ مُبْتَدَأً كَأَنْ ( بَاعَ ) أَوْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ ( أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ ) أَوْ أَجَّرَ أَوْ وَقَفَ أَوْ كَاتَبَ ( فَفِي قَوْلٍ يُوقِفُ تَصَرُّفَهُ ) الْمَذْكُورَ ( فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ ) لِارْتِفَاعِ الْقِيمَةِ أَوْ إبْرَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ ( نَفَذَ ) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ نَافِذًا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ ( لَغَا ) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ لَاغِيًا ( وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ ) فِي الْحَالِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ كَالْمَرْهُونِ ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُرَاغَمَةِ مَقْصُودِ الْحَجْرِ كَالسَّفِيهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ مَا لَوْ دَفَعَ لَهُ الْحَاكِمُ كُلَّ يَوْمٍ نَفَقَةً لَهُ وَلِعِيَالِهِ ، فَاشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا فِيمَا يَظْهَرُ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَسَيَأْتِي مَا يَخْرُجُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ ( فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِغَرِيمِهِ بِدَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، أَوْ ( لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ ) مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي ( بَطَلَ ) الْبَيْعُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَثْبُتُ عَلَى الْعُمُومِ ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِمْ ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْقَوْلَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ لِأَجْنَبِيِّ السَّابِقِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ .
أَمَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فَيَصِحُّ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : بِدَيْنِهِمْ عَمَّا إذَا بَاعَهُ بِبَعْضِ دَيْنِهِمْ أَوْ بِعَيْنٍ فَإِنَّهُ كَالْبَيْعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ ارْتِفَاعَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ، وَلَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ ، وَخَرَجَ بِالتَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ التَّصَرُّفُ فِي الذِّمَّةِ
كَمَا قَالَ ( وَلَوْ ) تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ كَأَنْ ( بَاعَ سَلَمًا ) طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ ( أَوْ اشْتَرَى ) شَيْئًا بِثَمَنٍ ( فِي الذِّمَّةِ ) أَوْ بَاعَ فِيهَا لَا بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوْ اقْتَرَضَ أَوْ اسْتَأْجَرَ ( فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ ) الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ وَنَحْوُهُمَا ( فِي ذِمَّتِهِ ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِيهِ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ كَالسَّفِيهِ .
وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ ، أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ ، وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ لَكَانَ أَوْلَى ( وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ ) وَرَجْعَتُهُ ( وَاقْتِصَاصُهُ ) أَيْ اسْتِيفَاؤُهُ الْقِصَاصَ وَإِذَا طَلَبَهُ .
أُجِيبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ( وَإِسْقَاطُهُ ) أَيْ الْقِصَاصَ وَلَوْ مَجَّانًا ، وَهَذَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَالٌ ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَنَفْيُهُ بِاللِّعَانِ .
أَمَّا خُلْعُ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ الْمُفْلِسَيْنِ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا فِي الْعَيْنِ وَفِي الذِّمَّةِ الْخِلَافُ فِي السَّلَمِ ، وَفِي نُفُوذِ اسْتِيلَادِهِ خِلَافٌ .
قِيلَ : يَصِحُّ كَالْمَرِيضِ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ النُّفُوذِ .
قَالَ شَيْخِي : لِأَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الْمَرَضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ فَيَصِحُّ ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِنْشَاءِ الْإِقْرَارُ كَمَا قَالَ ( وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ ) بِمُعَامَلَةٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ) كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَكَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ يُزَاحِمُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ وَلِعَدَمِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ لَمْ يُفِدْ امْتِنَاعُهُ شَيْئًا إذْ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فَأُلْغِيَ إنْشَاؤُهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَالْحَجْرُ لَا يَسْلُبُ الْعِبَارَةَ عَنْهُ ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِنُكُولِهِ عَنْ الْحَلِفِ مَعَ حَلِفِ الْمُدَّعِي كَإِقْرَارِهِ ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِمْ لِئَلَّا تَضُرَّهُمْ الْمُزَاحَمَةُ ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ .
قَالَ
الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ : وَالِاخْتِيَارُ فِي زَمَانِنَا الْفَتْوَى بِهِ لِأَنَّا نَرَى مُفْلِسِينَ يُقِرُّونَ لِلظَّلَمَةِ حَتَّى يَمْنَعُوا أَصْحَابَ الْحُقُوقِ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ وَحَبْسِهِمْ ، وَهَذَا فِي زَمَانِهِ ، فَمَا بَالُك بِزَمَانِنَا .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ : وَجَبَ وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِيَدْخُلَ مَا وَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ لُزُومُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ ، وَقَوْلُهُ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ فَقَطْ ( وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ ) إسْنَادًا مُقَيَّدًا ( بِمُعَامَلَةٍ ، أَوْ ) إسْنَادًا ( مُطْلَقًا ) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُعَامَلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ( لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ ) فَلَا يُزَاحِمُهُمْ بَلْ يُطَالِبُ بِهِ بَعْدَ فَكَّ الْحَجْرِ .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَقْصِيرٍ مِنْ عَامِلِهِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِتَنْزِيلِ الْإِقْرَارِ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ وَهُوَ دَيْنُ الْمُعَامَلَةِ ، فَلَوْ لَمْ يُسْنِدْ وُجُوبَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَا إلَى مَا بَعْدَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ : فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَنْزِيلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ ، وَهُوَ جَعْلُهُ كَإِسْنَادِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ ، فَإِنْ كَانَ مَا أَطْلَقَهُ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ لُزُومِهِ ، أَوْ دَيْنَ جِنَايَةٍ قُبِلَ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَهُوَ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِهِ وَكَوْنِهِ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَهَذَا التَّنْزِيلُ ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْمُقِرِّ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَّفِقْ الْمُرَاجَعَةُ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَتْنِ ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ
لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَجَبَ بَعْدَ الْحَجْرِ ، وَاعْتَرَفَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفَائِهِ قُبِلَ وَبَطَلَ ثُبُوتُ إعْسَارِهِ : أَيْ : لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى وَفَائِهِ شَرْعًا يَسْتَلْزِمُ قُدْرَتَهُ عَلَى وَفَاءِ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ ( وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ ) بَعْدَ الْحَجْرِ ( قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ ) فَيُزَاحِمُهُمْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ عَنْ مُعَامَلَةٍ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَزِمَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إنْ كَانَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ ، أَوْ لَا بِرِضَاهُ قُبِلَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى ، فَإِنَّ أَصَحَّ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَسْنَدَ لُزُومَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ حَتَّى يُقْبَلَ فِي الْأَظْهَرِ .
وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ ، وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الْحَجْرَ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إنْ صَحَّحْنَاهُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ ، وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الْحَالَ ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّقُ بِهَا لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ .
( وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ ) أَوْ الْإِقَالَةِ ( مَا كَانَ اشْتَرَاهُ ) قَبْلَ الْحَجْرِ ( إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ ) وَلَيْسَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يَشْمَلْهُ الْحَجْرُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ رَدِّهِ حِينَئِذٍ دُونَ لُزُومِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي إذْ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْحَاصِلِ ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ الِاكْتِسَابِ .
فَإِنْ قِيلَ : نُقِلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فِي صِحَّتِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَرِضَ وَاطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ وَالْغِبْطَةُ فِي رَدِّهِ وَلَمْ يَرُدَّ حَسَبَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الثُّلُثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيتٌ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ الرَّدِّ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ لِلْغُرَمَاءِ بِتَرْكِ الرَّدِّ قَدْ يُجْبَرُ بِالْكَسْبِ بَعْدُ ، بِخِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِرَدِّ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ وَمَا اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدُ ، وَصُورَةُ الْغِبْطَةِ فِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْمُفْلِسِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِفَلَسِهِ ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَأْخُذُهُ بِالْمُضَارَبَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ .
أَمَّا الْعَالِمُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغِبْطَةُ لِعَدَمِ ضَرَرِ الْغُرَمَاءِ بِمُزَاحَمَتِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الْإِبْقَاءِ فَلَا رَدَّ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَالِ بِلَا غَرَضٍ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَيْضًا إذَا لَمْ تَكُنْ غِبْطَةٌ أَصْلًا لَا فِي الرَّدِّ ، وَلَا فِي الْإِبْقَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَلَا يُفَوَّتُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ غِبْطَةٍ ، وَلَوْ مَنَعَ مِنْ الرَّدِّ عَيْبٌ حَادِثٌ لَزِمَ الْأَرْشُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُفْلِسُ إسْقَاطَهُ ( وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الْحَجْرِ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ ) وَالْهِبَةِ ( وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ ) فِي الذِّمَّةِ ( إنْ صَحَّحْنَاهُ ) أَيْ : الشِّرَاءَ وَهُوَ الرَّاجِحُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ وُصُولُ الْحُقُوقِ
إلَى أَهْلِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ ، وَالثَّانِي : لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا ذُكِرَ كَمَا أَنَّ حَجْرَ الرَّاهِنِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : يُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اتَّهَبَ أَبَاهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ بَلْ يَعْتِقُ ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ تَعَلُّقٌ بِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَالَ : لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الشَّرْعُ قَضَى بِحُصُولِ الْعِتْقِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ مَالُهُ مَعَ الْحَادِثِ عَلَى الدُّيُونِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فِيهِ نَظَرٌ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ ) أَيْ الْمُفْلِسِ فِي الذِّمَّةِ ( أَنْ يَفْسَخَ وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الْحَالَ ) لِتَقْصِيرِهِ ( وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ كَالْعَيْبِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ ، وَالثَّانِي : لَهُ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ الثَّمَنِ ، وَالثَّالِثُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَهُوَ مُقَصِّرٌ فِي الْجَهْلِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ ، وَعَلَى التَّعَلُّقِ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ بِثَمَنِهِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّقُ بِهَا ) أَيْ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ ( لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ الْأَوَّلِينَ بَلْ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ دَيْنِهِمْ أَخَذَهُ وَإِلَّا انْتَظَرَ الْيَسَارَ ، وَالثَّانِي : يُزَاحِمُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكٍ جَدِيدٍ رَادٍّ بِهِ الْمَالَ .
تَنْبِيهٌ : يَجْرِي الْخِلَافُ فِي كُلِّ دَيْنٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ بِمُعَاوَضَةٍ .
أَمَّا الْإِتْلَافُ وَأَرْشُ
الْجِنَايَةِ فَيُزَاحِمُ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا يُكَلَّفُ الِانْتِظَارَ ، وَلَوْ حَدَثَ دَيْنٌ تَقَدَّمَ سَبَبُهُ عَلَى الْحَجْرِ كَانْهِدَامِ مَا أَجَّرَهُ الْمُفْلِسُ وَقَبَضَ أُجْرَتَهُ وَأَتْلَفَهَا ضَارَبَ بِهِ مُسْتَحِقَّهُ سَوَاءٌ أَحْدَثَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَمْ لَا ؟ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمِيمٍ بَعْدَ الْيَاءِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ، وَنُسِبَ لِنُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَيَقَعُ فِي بَعْضِهَا يَكُنْ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَقْصٌ : يَعْنِي : أَنَّ وَجْهَ النَّقْصِ فِي يَكُنْ لَفْظَةُ لَهُ وَفِي يُمْكِنُ لَفْظَةُ الْهَاءِ : أَيْ يُمْكِنُهُ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ لَهُ اخْتِصَارًا أَوْ الْتَبَسَ عَلَى بَعْضِ النُّسَّاخِ ، فَكَتَبَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ا هـ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : مَعْنَى يُمْكِنُ صَحِيحٌ هُنَا ، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ بِخَطِّهِ يَكُنْ ، فَغَيَّرَهَا ابْنُ جِعْوَانَ أَوْ غَيَّرَهُ بِيُمْكِنُ ؛ لِأَنَّهَا أَجْوَدُ مِنْ يَكُنْ بِمُفْرَدِهَا .
فَصْلٌ يُبَادِرُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحَجْرِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ، وَيُقَدِّمُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ ثُمَّ الْمَنْقُولَ ثُمَّ الْعَقَارَ :
فَصْلٌ : فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ مِنْ بَيْعٍ وَقِسْمَةٍ وَغَيْرِهِمَا ( يُبَادِرُ الْقَاضِي ) نَدْبًا كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْبَسِيطِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ الْوُجُوبَ ( بَعْدَ الْحَجْرِ ) عَلَى الْمُفْلِسِ ( بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ ) أَيْ قَسْمِ ثَمَنِهِ ( بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ) عَلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ لِئَلَّا يَطُولَ زَمَنُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَمُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ ، وَلَا يُفْرِطُ فِي الِاسْتِعْجَالِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ( وَيُقَدِّمُ ) فِي الْبَيْعِ ( مَا يَخَافُ فَسَادَهُ ) كَالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ كَالْمَرْهُونِ ( ثُمَّ الْحَيَوَانَ ) لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُدَبَّرُ ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتَعَذَّرَ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَنْ الْكُلِّ صِيَانَةً لِلتَّدْبِيرِ عَنْ الْإِبْطَالِ ( ثُمَّ الْمَنْقُولُ ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى ضَيَاعَهُ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَيُقَدِّمُ الْمَلْبُوسَ عَلَى النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( ثُمَّ الْعَقَارَ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا ، وَيُقَدِّمُ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَرْضِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْعَقَارَ ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ وَالسَّرِقَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ ، وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ : إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ التَّرْتِيبَ فِي غَيْرِ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ ، وَغَيْرُ الْحَيَوَانِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَقْدِيمَ بَيْعِ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالْأَحْسَنُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ ، وَعَلَيْهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِيمَا يَرَاهُ الْأَصْلَحَ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ مَا
ذُكِرَ مِنْ التَّرْتِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ كَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ ، فَإِنْ كَانَ قَدَّمَ بَيْعَهُ بَعْدَ مَا يَخْشَى فَسَادَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُسِّمَ أَوْ بَقِيَ شَيْءٌ ضَارَبَ بِهِ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ .
وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ : كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ .
( وَلْيَبِعْ ) نَدْبًا ( بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ ) بِتَثْلِيثِ الْحَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ أَوْ وَكِيلِهِ ( وَغُرَمَائِهِ ) أَوْ وَكِيلِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُبَيِّنُ مَا فِي مَالِهِ ، وَمِنْ عَيْبٍ فَلَا يُرَدُّ ، وَمِنْ صِفَةٍ مَطْلُوبَةٍ فَيُرْغَبُ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَمَنِ مَالِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ غَبْنٌ ؛ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ فِي السِّلْعَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ بَلْ لِلْحَاكِمِ تَمْلِيكُ الْغُرَمَاءِ أَعْيَانَ مَالِهِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ا هـ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي ، إذْ بَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْفَرَائِضِ قَسْمُ الْحَاكِمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ ، وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ ، وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ ، وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ .
قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
تَنْبِيهٌ : لَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالْمُفْلِسِ بَلْ كُلُّ مَدْيُونٍ مُمْتَنِعٌ بِبَيْعِ الْقَاضِي عَلَيْهِ .
لَكِنْ فِي غَيْرِ الْمُفْلِسِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْبَيْعُ بَلْ الْقَاضِي مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إكْرَاهِهِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُفْلِسِ لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ فِيهِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَخْيِيرَهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ ، فَإِنْ عَيَّنَهُ تَعَيَّنَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَعُزِيَ ذَلِكَ إلَى
الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ .
قَالَ ابْنُهُ فِي التَّوْشِيحِ : وَقَدْ يُقَالُ : لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ فِي إحْدَى الْخِصَالِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ بِتَعْيِينِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي خَلَاصِ حَقِّهِ ، فَلْيَعْتَمِدْ الْقَاضِي بِمَا شَاءَ مِنْ الطُّرُقِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : فَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ ، وَلْيَبِعْ نَدْبًا ( كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ ) ؛ لِأَنَّ طَالِبَهُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتُّهْمَةَ فِيهِ أَبْعَدُ ، وَيُشْهَرُ بَيْعُ الْعَقَارِ لِيَظْهَرَ الرَّاغِبُونَ فَلَوْ بَاعَ فِي غَيْرِ سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ جَازَ .
نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِالسُّوقِ عَرْضٌ مُعْتَبَرٌ لِلْمُفْلِسِ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ وَجَبَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَبِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ وَرَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي اسْتِدْعَاءِ أَهْلِ السُّوقِ فَعَلَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الزِّيَادَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهِ وَإِنَّمَا يَبِيعُ ( بِثَمَنِ مِثْلِهِ ) فَأَكْثَرَ ( حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ لِغَيْرِهِ فَوَجَبَ فِيهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ كَالْوَكِيلِ وَالْمَصْلَحَةُ مَا ذَكَرَهُ .
نَعَمْ إنْ رَضِيَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيُّ وَقَالَ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ ، وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ حُقُوقِهِمْ جَازَ وَلَوْ بَاعَ مَالَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ وَجَبَ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ وَفَسْخُ الْبَيْعِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَسَخَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ : وَقَدْ ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْسَخْ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ انْفَسَخَ بِنَفْسِهِ ، فَقِيَاسُهُ هُنَا
كَذَلِكَ .
ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ اشْتَرَى ، وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ .
وَلَوْ تَعَذَّرَ مَنْ يَشْتَرِي مَالَ الْمُفْلِسِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَجَبَ الصَّبْرُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيه بِلَا خِلَافٍ : فَإِنْ قِيلَ الْمَرْهُونُ يُبَاعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دُفِعَ فِيهِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَالِاشْتِهَارِ وَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ دُونَ ثَمَنِ مِثْلِهِ .
قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ الْتَزَمَ ذَلِكَ حَيْثُ عَرَضَ مِلْكَهُ لِلْبَيْعِ وَنَظِيرُ الرَّاهِنِ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ ( ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ ) مِنْ ( غَيْرِ جِنْسِ النَّقْدِ ) الَّذِي بِيعَ بِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ ( وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ ) أَوْ نَوْعِهِ ( اشْتَرَى ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُهُ ( وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْتَنِعُ الِاعْتِيَاضُ فِيهِ كَبَيْعٍ فِي الذِّمَّةِ وَكَمَنْفَعَةٍ وَاجِبَةٍ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِ وَإِنْ رَضِيَ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ ، وَأَوْرَدَ ابْنُ النَّقِيبِ عَلَى الْمُصَنِّفِ نُجُومَ الْكِتَابَةِ ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُرَدُّ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ لَا يُحْجَرُ لِأَجْلِهَا فَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا .
وَلَا يُسَلِّمُ مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ
( وَلَا يُسَلِّمُ ) الْحَاكِمُ أَوْ مَأْذُونُهُ ( مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ ) احْتِيَاطًا ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ كَالْوَكِيلِ وَالضَّمَانُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ ، وَقِيلَ بِالثَّمَنِ ، وَقِيلَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمُؤَجَّلٍ وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ أَوَانِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِمُؤَجَّلٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ضَمَانِ الْحَاكِمِ إذَا فَعَلَهُ جَاهِلًا أَوْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ خَطَأَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ، وَالْأَحْوَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ لَا أَخْذُهُ وَإِعَادَتُهُ إلَيْهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ جَاءَ التَّقَاصُّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ وَرَضِيَ بِهِ حَصَلَ الِاعْتِيَاضُ فَلَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمٌ مَعَ بَقَاءِ الثَّمَنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ .
وَمَا قَبَضَهُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخِّرُهُ لِيَجْتَمِعَ ، وَلَا يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ .
( وَمَا قَبَضَهُ ) الْحَاكِمُ مِنْ ثَمَنِ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ ( قَسَمَهُ ) نَدْبًا عَلَى التَّدْرِيجِ ( بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ) لِتَبْرَأَ مِنْهُ ذِمَّتُهُ وَيَصِلَ إلَيْهِ الْمُسْتَحَقُّ ، فَإِنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ وَجَبَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي ( إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ ) وَكُثْرِ الدُّيُونِ ( فَيُؤَخِّرُهُ ) أَيْ الْحَاكِمُ ذَلِكَ ( لِيَجْتَمِعَ ) مَا يَسْهُلُ قِسْمَتُهُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ فَيُقْرِضُهُ أَمِينًا مُوسِرًا .
قَالَ السُّبْكِيُّ : تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَغَيْرُهُ مُمَاطِلٌ ، فَإِنْ فُقِدَ أَوْدَعَهُ ثِقَةً تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ ، وَلَا يَضَعُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ لَمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْقِسْمَةِ ، وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ أَقْرَضَهُ ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَاضُهُ مِنْهُ أَنْ يُتْرَكَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى وَقْتِ الْقِسْمَةِ ، وَلَا وَجْهَ لِقَبْضِهِ مِنْهُ ثُمَّ السَّعْيِ فِي إقْرَاضِهِ وَقَدْ لَا يَجِدُ مُقْتَرِضًا أَهْلًا ا هـ .
وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْغُرَمَاءُ فِيمَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يُودَعُ عِنْدَهُ أَوْ عَيَّنُوا غَيْرَ ثِقَةٍ ، فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي مِنْ الْعُدُولِ أَوْلَى ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ الْمُودِعِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَمِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : فَإِنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ فَفِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُمْ ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : مَا أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ مِنْ حَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى خِلَافِهِ ، فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْلَى مِنْ إقْرَاضِهِ أَوْ إيدَاعِهِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِمْ الْمُكَاتَبُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نُجُومُ كِتَابَةٍ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ وَدَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ
الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ الْأَرْشِ ثُمَّ النُّجُومِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ لَهُمَا تَعَلُّقًا آخَرَ بِتَقْدِيرِ الْعَجْزِ عَنْهُمَا ، وَهُوَ الرَّقَبَةُ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَرْشَ عَلَى النُّجُومِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ وَالنُّجُومُ مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَجْرَ بِالنُّجُومِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ كَيْفَ شَاءَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُمْ إذَا اسْتَوَوْا وَطَالَبُوا وَحُقُوقُهُمْ عَلَى الْفَوْرِ أَنْ تَجِبَ التَّسْوِيَةُ ( وَلَا يُكَلَّفُونَ ) أَيْ الْغُرَمَاءُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ ( بَيِّنَةً ) أَوْ إخْبَارَ حَاكِمٍ ( بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَشْتَهِرُ ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ غَرِيمٌ لَظَهَرَ وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَضْبَطُ مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ يَعْسُرُ مُدْرِكُهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْأَضْبَطِ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِهِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ الْمَوْجُودَ تَيَقُّنًا اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا يَخُصُّهُ وَشَكَكْنَا فِي مُزَاحِمِهِ ، وَهُوَ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا يَتَحَتَّمُ مُزَاحِمَةُ الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ أَوْ أَعْرَضَ أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ .
وَالْوَارِثُ بِخِلَافِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَلَا يُكَلَّفُونَ الْإِثْبَاتَ بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ فِي كَلَامِهِ .
فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ شَارَكَ بِالْحِصَّةِ ، وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ ، وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ .
( فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ ) يَجِبُ إدْخَالُهُ فِي الْقِسْمَةِ : أَيْ انْكَشَفَ أَمْرُهُ ( شَارَكَ بِالْحِصَّةِ ) وَلَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ ، فَلَوْ قَسَمَ مَالَهُ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى غَرِيمَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةٌ ، فَأَخَذَ الْأَوَّلُ عَشَرَةً وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ ، فَإِنْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ وَكَانَ مُعْسِرًا جَعَلَ مَا أَخَذَهُ كَالْمَعْدُومِ وَشَارَكَ مَنْ ظَهَرَ الْآخَرُ وَكَانَ مَا أَخَذَهُ كَأَنَّهُ كُلُّ الْمَالِ ، فَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ آخِذًا الْخَمْسَةَ اسْتَرَدَّ الْحَاكِمُ مِنْ آخِذِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ ظَهَرَ ، ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُتْلِفُ أَخَذَ مِنْهُ الْآخَرَانِ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ وَقَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ دَيْنِهِمَا وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ظَهَرَ عَمَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يُضَارِبُ إلَّا إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا كَمَا إذَا أَجَّرَ دَارًا وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يُضَارِبُ عَلَى الصَّحِيحِ ( وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ ) كَمَا لَوْ اقْتَسَمَتْ الْوَرَثَةُ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي عَيْنِ الْمَالِ ، بِخِلَافِ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْمُشَارَكَةِ ، وَلَوْ ظَهَرَ الثَّالِثُ وَحَصَلَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ صُرِفَ مِنْهُ إلَيْهِ بِقِسْطِ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلَانِ ، وَالْفَاضِلُ يُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
نَعَمْ إنْ كَانَ دَيْنُهُ حَادِثًا فَلَا مُشَارَكَةَ لَهُ فِي الْمَالِ الْقَدِيمِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ فَكَالْقَدِيمِ ، وَلَوْ غَابَ غَرِيمٌ وَعُرِفَ قَدْرُ حَقِّهِ قُسِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ، فَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ وَلَا حُضُورُهُ رَجَعَ فِي قَدْرِهِ