كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
فُرُوعٌ : لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقَبْضِ مَنْ يَدُهُ يَدُ الْمَقْبُوضِ كَرَقِيقِهِ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ الْمُقَبِّضَ بِخِلَافِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَمُكَاتَبِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ : وَكِّلْ مَنْ يَقْبِضُ لِي مِنْك ، أَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : وَكِّلْ مَنْ يَشْتَرِي لِي مِنْك صَحَّ ، وَيَكُونُ وَكِيلًا لَهُ فِي التَّوْكِيلِ فِي الْقَبْضِ أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُ ، وَلَوْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا فِي الْإِقْبَاضِ وَوَكَّلَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ لَهُمَا مَعًا لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ ، وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ مِنْ مِثْلِ مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ وَاقْبِضْهُ لِي ثُمَّ لِنَفْسِكَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ ، أَوْ قَالَ : وَاقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَسَدَ الْقَبْضُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ لَا يَتَمَكَّنُ غَيْرُهُ مِنْ قَبْضِهِ لِنَفْسِهِ وَضَمِنَهُ الْغَرِيمُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الدَّافِعُ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ لِإِذْنِهِ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ ، أَوْ قَالَ : اشْتَرِ بِهَا ذَلِكَ لِنَفْسِكَ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ ، إذْ كَيْفَ يَشْتَرِي بِمَالِ الْغَرِيمِ لِنَفْسِهِ وَالدَّرَاهِمُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ ؟ فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهَا بَطَلَ أَوْ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ وَوَقَعَ عَنْهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ ، وَلِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ كَمَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ .
فَرْعٌ : قَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ مِثْلَهُ أُجْبِرَ الْبَائِعُ ، وَفِي قَوْلٍ الْمُشْتَرِي ، وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ ، وَفِي قَوْلٍ يُجْبَرَانِ .
قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا سَقَطَ الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ وَأُجْبِرَا فِي الْأَظْهَرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي إنْ حَضَرَ الثَّمَنُ وَإِلَّا
فَرْعٌ : زَادَ التَّرْجَمَةَ بِهِ أَيْضًا إذَا ( قَالَ الْبَائِعُ ) مَالَ نَفْسِهِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ : ( لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ مِثْلَهُ ) أَيْ : لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ ( أُجْبِرَ الْبَائِعُ ) عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَحَقَّ الْبَائِعِ فِي الذِّمَّةِ ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ ( وَفِي قَوْلٍ الْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَبِيعِ وَحَقَّ الْبَائِعِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الثَّمَنِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ لِيَتَسَاوَيَا فِي تَعْيِينِ الْحَقِّ ( وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ ) أَوَّلًا ، وَعَلَى هَذَا يَمْنَعُهُمَا الْحَاكِمُ مِنْ التَّخَاصُمِ ( فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ ) عَلَى التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَبَتَ لَهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِ الْإِيفَاءِ ، حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ رَدَّهُ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ النَّاسِ يَتَمَانَعُونَ الْحُقُوقَ ( وَفِي قَوْلٍ يُجْبَرَانِ ) ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ إلَيْهِ ، أَوْ إلَى عَدْلٍ ، فَإِذَا فَعَلَ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ( قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا سَقَطَ الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ ) سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَمْ عَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَصْوِيرَ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ سُقُوطَهُمَا فِي بَيْعِ عَرْضٍ بِعَرْضٍ .
قَالَ الشَّارِحُ : لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّقْدِ لَا يَنْفِيه ( وَأُجْبِرَا فِي الْأَظْهَرِ ، وَاَللَّهِ أَعْلَمُ ) لِاسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فِي تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ .
أَمَّا إذَا كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ
وَالْحَاكِمِ فِي بَيْعِ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَا يَأْتِي إلَّا إجْبَارُهُمَا أَوْ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَأْتِي قَوْلُ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَلَوْ تَبَايَعَ وَلِيَّانِ أَوْ وَكِيلَانِ لَمْ يَأْتِ سِوَى إجْبَارِهِمَا ( وَإِذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ ) بِإِجْبَارٍ أَوْ بِدُونِهِ ( أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي ) عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ ( إنْ حَضَرَ الثَّمَنُ ) فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ ، وَإِذَا أَصَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الِامْتِنَاعِ لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْفَلَسِ ، وَالْمُرَادُ بِحُضُورِ الثَّمَنِ حُضُورُ عَيْنِهِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا ، أَوْ نَوْعِهِ الَّذِي يُقْضَى مِنْهُ إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يُسَمَّى ثَمَنًا إلَّا مَجَازًا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ .
فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ ، أَوْ مُوسِرًا وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ أَوْ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يُكَلَّفْ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إلَى إحْضَارِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ فَإِنْ صَبَرَ فَالْحَجْرُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ إنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الِابْتِدَاءِ
( فَإِنْ كَانَ ) الْمُشْتَرِي ( مُعْسِرًا ) بِالثَّمَنِ فَهُوَ مُفْلِسٌ ( فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ ) وَأَخْذُ الْمَبِيعِ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ حَجْرُ الْقَاضِي وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حَجْرِ الْحَاكِمِ .
وَفِي افْتِقَارِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ : أَشْهَرُهُمَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ ( أَوْ مُوسِرًا وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ ، أَوْ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ ) وَهُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( حُجِرَ عَلَيْهِ فِي ) الْمَبِيعِ وَفِي جَمِيعِ ( أَمْوَالِهِ ) وَإِنْ كَانَتْ وَافِيَةً بِدَيْنِهِ ( حَتَّى يُسَلِّمَ ) الثَّمَنَ لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ ، وَهَذَا يُسَمَّى بِالْحَجْرِ الْغَرِيبِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَجْرِ الْفَلَسِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِيهِ نَقْصُ مَالِهِ مَعَ الْمَبِيعِ عَنْ الْوَفَاءِ أَنَّ الْمُفْلِسَ سَلَّطَهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمَبِيعِ بِاخْتِيَارِهِ وَرَضِيَ بِذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ ، وَإِلَّا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ أَيْضًا هَذَا الْحَجْرَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ ؛ لِأَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ بِشَرْطِهِ الْآتِي ، وَهَذَا الْحَجْرُ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ ، وَفِي كَوْنِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ضِيقِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَكِّ الْقَاضِي ، بَلْ يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَجَعَلَهُ كَحَجْرِ الْفَلَسِ ( فَإِنْ كَانَ ) مَالُهُ ( بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ) فَأَكْثَرَ ( لَمْ يُكَلَّفْ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إلَى إحْضَارِهِ ) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ ) وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى حَجْرٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ كَالْإِفْلَاسِ بِهِ .
وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَلْ يُبَاعُ
الْمَبِيعُ وَيُؤَدَّى حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ( فَإِنْ صَبَرَ ) الْبَائِعُ إلَى إحْضَارِ الْمَالِ ( فَالْحَجْرُ ) يُضْرَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( كَمَا ذَكَرْنَا ) فِي الْمَبِيعِ وَفِي جَمِيعِ أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ لِمَا مَرَّ ( وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ ) كُلَّهُ الْحَالَّ أَصَالَةً ( إنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلَا خِلَافٍ ) وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْمَبِيعِ بِلَا خِلَافٍ ( وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ ) السَّابِقَةُ ( إذَا لَمْ يَخَفْ ) أَيْ الْبَائِعُ ( فَوْتَهُ ) أَيْ الثَّمَنِ وَكَذَا الْمُشْتَرِي فَوْتَ الْمَبِيعِ ( وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الِابْتِدَاءِ ) بِالتَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ بِالْهَرَبِ أَوْ تَمْلِيكِ الْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ .
أَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا مَرَّ لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ : وَلِكُلٍّ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ حَبْسُ مَا بَذَلَهُ حَتَّى يَقْبِضَ عِوَضَهُ لِيَشْمَلَ الْمُشْتَرِي كَمَا قَدَّرْتُهُ .
وَلَكِنْ إنَّمَا صَرَّحَ بِالْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ تَصْحِيحَ إجْبَارِهِ فَذَكَرَ شَرْطَ وُجُوبِهِ ، وَلَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الثَّمَنِ ثَوْبًا مَثَلًا .
قَالَ الْقَفَّالُ : لَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْحَبْسِ بِنَقْلِهِ إلَى الْعَيْنِ إذْ حَقَّ الْحَبْسُ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ الثَّمَنِ وَهَذَا بَدَلُهُ .
لَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَالٍ فَلَهُ إدَامَةُ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ .
قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ : وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَبْدَلَ عَيْنًا ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا اسْتَبْدَلَ دَيْنًا ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ .
خَاتِمَةٌ : اخْتِلَافُ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ كَاخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ ،
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَذَلِكَ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اللُّزُومِ كَمَا مَرَّ ، وَالسَّلَمُ إنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ ، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَارِيَّةِ نَقْلُ الْيَدِ كَمَا قَالُوهُ فِي إعَارَةِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تَصِحُّ الْإِعَارَةُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ ، وَقَالَ غَيْرُهُ صُورَتُهَا أَنْ يُؤَجِّرَ عَيْنًا ثُمَّ يَبِيعَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا ثُمَّ يَسْتَأْجِرَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيُعِيرَهَا لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ لَهُ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ إذْ لَيْسَ لَهُ فِي الْإِيدَاعِ تَسْلِيطٌ بِخِلَافِهِ فِي الْإِعَارَةِ ، وَتَلَفُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيدَاعِ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الشُّفْعَةِ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا خَرَجَ الثَّمَنُ رِبَوِيًّا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئًا بِوَكَالَةِ اثْنَيْنِ وَفِي نِصْفِ الثَّمَنِ عَنْ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ الْحَبْسُ حَتَّى يَقْبِضَ الْكُلَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ ، أَوْ بَاعَ مِنْهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفٌ وَأَعْطَى أَحَدُهُمَا الْبَائِعَ النِّصْفَ مِنْ الثَّمَنِ سَلَّمَ إلَيْهِ الْبَائِعُ نِصْفَهُ مِنْ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي .
بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ فَقَبِلَ لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ ،
بَابُ التَّوْلِيَةِ أَصْلُهَا تَقْلِيدُ الْعَمَلِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا يَأْتِي ( وَالْإِشْرَاكُ ) مَصْدَرُ أَشْرَكَهُ : أَيْ صَيَّرَهُ شَرِيكًا ( وَالْمُرَابَحَةُ ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَفِيهِ أَيْضًا الْمُحَاطَّةُ مِنْ الْحَطِّ وَهُوَ النَّقْصُ وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : إمَّا لِإِدْخَالِهَا فِي الْمُرَابَحَةِ كَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ رِبْحُ الْمُشْتَرِي .
وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَرْجَمَ لِأَشْرَفِ الْقِسْمَيْنِ ، وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ } أَيْ وَالْبَرْدَ وَأَهْمَلَ الْمُسَاوَمَةَ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْجَمَةِ ، فَقَالَ : إذَا ( اشْتَرَى ) شَخْصٌ ( شَيْئًا ) بِمِثْلِيٍّ ( ثُمَّ قَالَ ) بَعْدَ قَبْضِهِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالثَّمَنِ ( لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ ) قَدْرًا وَصِفَةً بِإِعْلَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِجَاهِلٍ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ ) سَوَاءٌ قَالَ بِمَا اشْتَرَيْت أَمْ سَكَتَ ( فَقَبِلَ ) كَقَوْلِهِ : قَبِلْتُهُ أَوْ تَوَلَّيْتُهُ ( لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً .
أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِعِوَضٍ فَإِنَّ عَقْدَ التَّوْلِيَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا مِمَّنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعِوَضَ .
نَعَمْ ، لَوْ قَالَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَقَدْ أَوْلَيْتُك الْعَقْدَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ وَلَّتْ الْمَرْأَةُ فِي صَدَاقِهَا بِلَفْظِ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَهُ الرَّجُلُ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الْأَوَّلِ وَمِثْلُهَا الْبَقِيَّةَ .
وَهُوَ بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ ، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ .
( وَهُوَ ) أَيْ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ ( بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ ) أَيْ فِي سَائِرِ شُرُوطِهِ كَالتَّقَابُضِ فِي الرِّبَوِيِّ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ صَادِقٌ عَلَيْهِ ( وَتَرَتُّبِ ) جَمِيعِ ( أَحْكَامِهِ ) مِنْ تَجْدِيدِ شُفْعَةٍ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا عَفَا عَنْهُ الشَّفِيعُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا بَيْعًا أَنَّ لِلْمُوَلِّي مُطَالَبَةَ الْمُتَوَلِّي بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ يَنْقَدِحُ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ حَتَّى يُطَالِبَهُ بَائِعُهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَمِنْ بَقَاءِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ لِلْمُوَلِّي وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ ( لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ ) عَقْدُ التَّوْلِيَةِ ( إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ ) بَلْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِهِ عَنْ ذِكْرِهِ ؛ لِأَنَّ خَاصِّيَّتَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَزِمَهُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ .
وَلَوْ حُطَّ عَنْ الْمُوَلِّي بَعْضُ الثَّمَنِ انْحَطَّ عَنْ الْمُوَلَّى .
( وَلَوْ حُطَّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ ( عَنْ الْمُوَلِّي ) بِكَسْرِ اللَّامِ ( بَعْضُ الثَّمَنِ ) بَعْدَ التَّوْلِيَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( انْحَطَّ عَنْ الْمُوَلَّى ) بِفَتْحِهَا ؛ لِأَنَّ خَاصِّيَّةَ التَّوْلِيَةِ التَّنْزِيلُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ حَطَّ الْبَائِعِ وَوَارِثِهِ وَوَكِيلِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَطُّ لِلْبَعْضِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ لَمْ تَصِحَّ التَّوْلِيَةُ إلَّا بِالْبَاقِي ، وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ الْكُلَّ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ وَلَوْ بَعْدَ اللُّزُومِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ لُزُومِهَا لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ لُزُومِهَا صَحَّتْ وَانْحَطَّ الثَّمَنُ عَنْ الْمُتَوَلِّي ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فَخَاصِّيَّتُهَا التَّنْزِيلُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فَهِيَ فِي حَقِّ الثَّمَنِ كَالْبِنَاءِ وَفِي حَقِّ نَقْلِ الْمِلْكِ كَالِابْتِدَاءِ حَتَّى تَتَجَدَّدَ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ كَذَبَ الْمُوَلِّي فِي إخْبَارِهِ بِالثَّمَنِ فَكَالْكَذِبِ فِيهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَسَيَأْتِي .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّوْلِيَةِ بَيْنَ كَوْنِ الثَّمَنِ حَالًّا وَكَوْنُهُ مُؤَجَّلًا وَفِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَوَقَعَتْ بَعْدَ الْحُلُولِ نَظَرٌ ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَكُونُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الثَّانِي مِنْ وَقْتِهَا وَأَنْ يُقَالَ يَكُونُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ حَالًّا ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ صِفَاتِ الثَّمَنِ ، وَقَدْ شَرَطُوا الْمِثْلِيَّةَ فِي الصِّفَةِ .
وَالْإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ إنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ ، فَلَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَكَانَ مُنَاصَفَةً ، وَقِيلَ لَا .
ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ ( وَالْإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَى ( كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ تَوْلِيَةٌ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ ( إنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ ) بِأَنْ صَرَّحَ بِالْمُنَاصَفَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكُسُورِ لِتَعْيِينِهِ ، فَلَوْ قَالَ : أَشْرَكْتُك فِي النِّصْفِ كَانَ لَهُ الرُّبْعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنَ النِّصْفُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ لِمُقَابَلَتِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالرُّبْعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مُقَابَلَةٌ بِالثَّمَنِ فَنِصْفُهُ بِنِصْفِهِ .
تَنْبِيهٌ : اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي إدْخَالِهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى بَعْضٍ ، وَحُكِيَ مَنْعُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ ، فَإِنْ ذَكَرَ بَعْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ ( فَلَوْ أَطْلَقَ ) الْإِشْرَاكَ ( صَحَّ ) أَيْضًا ( وَكَانَ ) الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا ( مُنَاصَفَةً ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ( وَقِيلَ لَا ) يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ .
فَرْعٌ : لِلشَّرِيكِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ رَدَّ هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْعَقْدِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ : يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ بِأَنْ يَقُولَ : أَشْرَكْتُك فِي بَيْعِ هَذَا أَوْ فِي هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَا يَكْفِي أَشْرَكْتُكَ فِي هَذَا .
وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَأَقَرَّهُ وَعَلَيْهِ أَشْرَكْتُك فِي هَذَا كِنَايَةً .
.
وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَقُولُ بِعْتُك بِمَا اشْتَرَيْتُ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ رِبْحِ الإل عِوْدَانٌ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّالِثَ فَقَالَ ( وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ( بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ ) شَيْئًا ( بِمِائَةٍ ) مَثَلًا ( ثُمَّ يَقُولَ ) لِغَيْرِهِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِذَلِكَ ( بِعْتُك ) بِمِائَتَيْنِ أَوْ ( بِمَا اشْتَرَيْتُ ) أَيْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ ) أَوْ فِي أَوْ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ ( أَوْ رِبْحِ دِهْ يازده ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ فَكَانَ كَبِعْتُكَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسَا بازده زده دوزاده ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ حَرَامٌ ، وَعَنْ إِسْحَاقَ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ ، وده بِالْفَارِسِيَّةِ عَشَرَةٌ ، ويازده أَحَدَ عَشَرَ : أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمٌ ، وده دوزاده كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمَانِ ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً غَيْرَ مَوْزُونَةٍ أَوْ حِنْطَةً مَثَلًا مُعَيَّنَةً غَيْرَ مَكِيلَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً .
فَرْعٌ : لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الثَّمَنِ شَيْئًا وَيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَأَنْ يَقُولَ : اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ وَبِعْتُك بِمِائَتَيْنِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ رِبْحُ دِهْ يازده ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : بِعْتُكَهُ بِمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ ، قِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : مَا سَبَبُ كَثْرَةِ مَالِكَ ؟ .
قَالَ : مَا كَتَمْتُ عَيْبًا وَلَا رَدَدْتُ رِبْحًا .
وَالْمُحَاطَّةِ كَبِعْت بِمَا اشْتَرَيْتُ وَحَطِّ الإل عِوْدَانٌ وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ ، وَقِيلَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ ، وَإِذَا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتَرَيْت لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الرَّابِعَ الَّذِي لَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ فَقَالَ ( وَ ) يَصِحُّ بَيْعُ ( الْمُحَاطَّةِ ) وَيُقَالُ لَهَا الْمُوَاضَعَةُ وَالْمُخَاسَرَةُ ( كَبِعْت ) أَيْ كَقَوْلِ مَنْ ذَكَرَ لِغَيْرِهِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِالثَّمَنِ بِعْتُكَهُ ( بِمَا اشْتَرَيْتُ ) أَيْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( وَحَطِّ دِهْ يازده ) أَوْ وَحَطِّ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ فِي أَوْ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ فَيَقْبَلُ ( وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ ) كَمَا أَنَّ الرِّبْحَ فِي مُرَابَحَةِ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَالثَّمَنُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ فَالثَّمَنُ مِائَةٌ ( وَقِيلَ ) يُحَطُّ ( مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ ) وَاحِدٌ كَمَا زِيدَ فِي الْمُرَابَحَةِ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدٌ ، وَلَوْ قَالَ : يُحَطُّ دِرْهَمٌ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ فَالْمَحْطُوطُ الْعَاشِرُ ؛ لِأَنَّ مِنْ تَقْتَضِي إخْرَاجَ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ بِخِلَافِ اللَّامِ وَفِي وَعَلَى ، وَالظَّاهِرُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي الصِّحَّةُ مَعَ الرِّبْحِ وَتُحْمَلُ مِنْ عَلَى فِي أَوْ عَلَى تَجَوُّزًا ، وَقَرِينَةُ التَّجَوُّزِ قَوْلُهُ : وَرِبْحِ دِرْهَمٍ إلَخْ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( وَإِذَا قَالَ بِعْت ) لَك ( بِمَا اشْتَرَيْت ) أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ ( لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ لُزُومِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا فِيهِ حَطٌّ عَمَّا عَقَدَ بِهِ الْعَقْدَ أَوْ زِيَادَةً عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَلَوْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ قَالَهُ الشَّيْخَانِ قُبَيْلَ الْكَلَامِ عَلَى الِاحْتِكَارِ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : حَادِثَةٌ : وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ رَجُلًا بَاعَ وَلَدَهُ دَارًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ أَسْقَطَ عَنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ .
.
فَأُجِيبَ فِيهَا
بِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَسْتَمِرُّ الدَّارُ عَلَى مِلْكِ الْوَالِدِ ا هـ .
وَمَا قَالُوهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَمَّا إذَا وَقَعَ الْحَطُّ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمُرَابَحَةِ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْحَطُّ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا ، فَإِنْ حَطَّ الْكُلَّ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِقَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ ، وَيَجُوزُ بِلَفْظِ اشْتَرَيْتُ ، وَإِنْ حَطَّ الْبَعْضَ أُجِيزَ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ إلَّا بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَحْطُوطِ .
وَلَوْ قَالَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةُ الصِّبْغِ وَسَائِرُ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ .
( وَلَوْ قَالَ ) : بِعْتُك ( بِمَا قَامَ عَلَيَّ دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ ) لِلثَّمَنِ الْمَكِيلِ ( وَالدَّلَّالِ ) لِلثَّمَنِ الْمُنَادَى عَلَيْهِ : أَيْ إنْ اشْتَرَى بِهِ الْمَبِيعَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَطْلَبِ ( وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ ) بِالْمَدِّ مِنْ رَفَأْتُ الثَّوْبَ بِالْهَمْزِ ، وَرُبَّمَا قِيلَ بِالْوَاوِ ( وَالصَّبَّاغِ ) لِلْمَبِيعِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ ( وَقِيمَةُ الصِّبْغِ ) لَهُ ( وَسَائِرُ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ ) كَأُجْرَةِ الْمَكَانِ ، وَأُجْرَةِ الْخِتَانِ فِي الرَّقِيقِ ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إذَا اشْتَرَاهُ مَرِيضًا ، وَأُجْرَةِ تَطْيِينِ الدَّارِ ، وَعَلَفِ تَسْمِينٍ ، وَكَذَا الْمَكْسُ الْمَأْخُوذُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ التِّجَارَةِ .
أَمَّا الْمُؤَنُ الْمَقْصُودَةُ لِلْبَقَاءِ كَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتِهِ ، وَعَلَفِ الدَّابَّةِ غَيْرِ الزَّائِدِ لِلتَّسْمِينِ ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إذَا حَدَثَ الْمَرَضُ فَلَا تُحْسَبُ ، وَيَقَعُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْمَبِيعِ ، وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ فَفَدَاهُ أَوْ غُصِبَ فَبَذَلَ مُؤْنَةً فِي اسْتِرْدَادِهِ لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
تَنْبِيهٌ : لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ : دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ .
.
إلَخْ أَنَّ مُطْلَقَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ ، وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ ثَبَتَ عَلَيَّ بِكَذَا ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ تَصْوِيرَ أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ ، فَإِنَّهُمَا عَلَى الْبَائِعِ ، وَصَوَّرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا تَقَدَّمَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَصُورَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ بِأَنْ يَتَرَدَّدَ فِي صِحَّةِ مَا اكْتَالَهُ الْبَائِعُ فَيَسْتَأْجِرُ مَنْ يَكْتَالُهُ ثَانِيًا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ نَقْصٌ ، وَصَوَّرَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جِزَافًا ثُمَّ كَالَهُ بِأُجْرَةٍ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ تَوَقُّفٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَعَ غَيْرِهِ صُبْرَةً ثُمَّ يَقْتَسِمَاهَا كَيْلًا ، فَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ عَلَيْهِمَا .
وَلَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ ، وَلْيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ
( وَلَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ ) أَوْ طَيَّنَ ( أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ ) مَعَ الثَّمَنِ فِي قَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَمَا تَطَوَّعَ بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَامَ عَلَيْهِ مَا بَذَلَهُ ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا أَوْ أُجْرَةُ عَمَلِي أَوْ عَمَلِ الْمُتَطَوِّعِ عَنِّي وَهِيَ كَذَا أَوْ رِبْحُ كَذَا ، وَفِي مَعْنَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ أُجْرَةٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِمِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمُكْتَرًى ، وَعَمَلُ غُلَامِهِ كَعَمَلِهِ ، وَلَوْ صَبَغَهُ بِنَفْسِهِ حُسِبَتْ قِيمَةُ الصِّبْغِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ ، وَمِثْلُهُ ثَمَنُ الصَّابُونِ فِي الْقِصَارَةِ ( وَلْيُعْلِمَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ ( ثَمَنَهُ ) أَيْ الْمَبِيعِ وُجُوبًا فِي نَحْوِ بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ ( أَوْ مَا قَامَ بِهِ ) فِي نَحْوِ بِعْتُ بِمَا قَامَ عَلَيَّ ( فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ .
وَالثَّانِي : يَصِحُّ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ .
وَالثَّالِثُ : إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي قَدْرَ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا .
وَلْيُصَدَّقْ الْبَائِعَ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ، وَالْأَجَلِ
( وَلْيُصَدَّقْ الْبَائِعَ ) وُجُوبًا ( فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، وَفِي صِفَتِهِ كَصِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَخُلُوصٍ وَغِشٍّ ( وَ ) فِي ( الْأَجَلِ ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَمَانَةِ لِاعْتِمَادِ الْمُشْتَرِي نَظَرَ الْبَائِعِ وَرِضَاهُ لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ مَعَ زِيَادَةٍ أَوْ حَطٍّ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ " قَدْرَ " لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ قَدْرِ الْأَجَلِ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا إنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ ، وَلَوْ وَاطَأَ صَاحِبَهُ فَبَاعَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعِشْرِينَ لِيُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ كُرِهَ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَالْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الْقَائِلُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَمْ يَقُلْ بِالْكَرَاهَةِ بَلْ بِالتَّحْرِيمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ مَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ يَجِبُ إظْهَارُهُ كَالْعَيْبِ .
قَالَ وَعَلَيْهِ فَفِي جَزْمِ النَّوَوِيِّ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ تَقْوِيَةِ الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ نَظَرٌ ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمِائَةٍ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَاشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ وَجَبَ الْإِخْبَارُ بِالْخَمْسِينَ .
وَالشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ
( وَ ) يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي ( الشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ ) فَيَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ كَذَا ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْعَرْضِ يُشَدِّدُ فَوْقُ مَا يُشَدِّدُ الْبَائِعُ بِالنَّقْدِ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَمْ بِلَفْظِ الْقِيَامِ كَمَا قَالَاهُ ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : إنَّهُ غَلَطٌ ، وَإِنَّ الصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِلَفْظِ الْقِيَامِ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ .
وَبَيَانُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ .
( وَ ) فِي ( بَيَانِ الْعَيْبِ ) الْقَدِيمِ ( الْحَادِثِ عِنْدَهُ ) بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ ، لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَادِثَ يَنْقُصُ بِهِ الْمَبِيعُ ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ تَبْيِينُ الْعَيْبِ فَقَطْ لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ كَذَلِكَ وَأَنَّ الثَّمَنَ الْمَبْذُولَ كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَعَ الْعَيْبِ ، وَلَوْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ بَيَانُهُ أَيْضًا وَبَيَانُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ طِفْلِهِ أَوْ بِدَيْنِ مُمَاطِلٍ أَوْ مُعْسِرٍ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْبٍ وَبَاعَ بِلَفْظِ قَامَ عَلَيَّ حَطَّ الْأَرْشَ أَوْ بِلَفْظِ مَا اشْتَرَيْت ذَكَرَ صُورَةَ مَا جَرَى بِهِ الْعَقْدُ مَعَ الْعَيْبِ وَأَخْذِ الْأَرْشَ ، لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ أَخَذَ الْأَرْشَ عَنْ جِنَايَةٍ : كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ الرَّقِيقِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَنَقَصَ ثَلَاثِينَ مَثَلًا وَأَخَذَ مِنْ الْجَانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ خَمْسِينَ ، فَالْمَحْطُوطُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ إنْ بَاعَ بِلَفْظِ قَامَ عَلَيَّ ، فَإِنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ كَسِتِّينَ حَطَّ مَا أَخَذَ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ أَخْبَرَ مَعَ إخْبَارِهِ بِقِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ بَاعَ بِلَفْظِ مَا اشْتَرَيْتُ ذَكَرَ الثَّمَنَ وَالْجِنَايَةَ .
فَلَوْ قَالَ بِمِائَةٍ فَبَانَ بِتِسْعِينَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا ، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي .
( فَلَوْ قَالَ ) اشْتَرَيْته ( بِمِائَةٍ ) وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً ( فَبَانَ ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ ( بِتِسْعِينَ ) بِإِقْرَارِهِ أَوْ حُجَّةٍ ( فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِاعْتِمَادِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَتَحُطُّ الزِّيَادَةَ عَنْهُ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ إذَا أَخَذْت بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِي وَكَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا بِمَا بَقِيَ .
وَالثَّانِي : لَا يُحَطُّ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سُمِّيَ عِوَضًا وَعَقَدَ بِهِ ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَالتَّغْرِيرُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَمَا لَوْ رَوَّجَ عَلَيْهِ مَعِيبًا ( وَ ) الْأَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى الْحَطِّ ( أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ) وَلَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَمْ تَالِفًا ، فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الْمُشْتَرِي لَشَمِلَهُمَا .
أَمَّا الْمُشْتَرِي ؛ فَلِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالْأَكْثَرِ فَبِالْأَقَلِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى .
وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِتَدْلِيسِهِ .
وَالثَّانِي يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْبَائِعِ ، وَقِيلَ : قَوْلٌ .
أَمَّا الْمُشْتَرِي ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِإِبْرَارِ قَسَمٍ أَوْ إنْفَاذِ وَصِيَّةٍ .
وَأَمَّا الْبَائِعُ ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا سَمَّاهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْأَجَلَ أَوْ الْعَيْبَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَدْلِيسِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا سُقُوطَ فِي غَيْرِ الْكَذِبِ ، وَيَنْدَفِعُ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِالسُّقُوطِ وَهُوَ حَطُّ التَّفَاوُتِ .
وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مِائَةٌ وَعَشَرَةً وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحّ .
قُلْت : الْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَوْ ) غَلِطَ الْبَائِعُ فَنَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ كَأَنْ قَالَ : اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً ثُمَّ ( زَعَمَ أَنَّهُ ) أَيْ : الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ ( مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ ) مَثَلًا ( وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ) فِي ذَلِكَ ( لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ) الْوَاقِعُ بَيْنَهُمَا مُرَابَحَةً ( فِي الْأَصَحِّ ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ مَزِيدًا فِيهِ الْعَشَرَةُ الْمَتْبُوعَةُ بِرِبْحِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ .
وَأَمَّا النَّقْصُ فَهُوَ مَعْهُودٌ بِدَلِيلِ الْأَرْشِ ( قُلْت : الْأَصَحُّ صِحَّتُهُ ) كَمَا لَوْ غَلِطَ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ ، وَلَا تَثْبُتُ الْعَشَرَةُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) .
وَإِنْ كَذَّبَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْغَلَطِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ بَيَّنَ فَلَهُ التَّحْلِيفُ ، وَالْأَصَحُّ سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ .
وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ .
فَإِنْ قِيلَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ مُشْكِلَةٌ حَيْثُ رَاعَى هُنَا الْمُسَمَّى وَهُنَاكَ الْعَقْدَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ هُنَاكَ نَقَصَ حَقُّهُ ، فَنَزَلَ الثَّمَنُ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَهُنَا يَزِيدُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ( وَإِنْ كَذَّبَهُ ) أَيْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي ( وَلَمْ يُبَيِّنْ ) أَيْ الْبَائِعُ ( لِلْغَلَطِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ( لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ ( وَلَا بَيِّنَتُهُ ) إنْ أَقَامَهَا عَلَيْهِ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِقَوْلِهِ : الْأَوَّلُ ( وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ عِنْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : لَا كَمَا لَا تُسْمِعُ بَيِّنَتُهُ ، وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ حَلَفَ أَمْضَى الْعَقْدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ ، فَيَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ ثَمَنَهُ الْمِائَةُ وَالْعَشَرَةُ .
قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ الْخِيَارُ : أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِثُبُوتِ الزِّيَادَةِ ، وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَقَالَ الشَّيْخَانِ : كَذَا أَطْلَقُوهُ ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِنَا أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَنْ يَعُودَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا حَالَةَ التَّصْدِيقِ : أَيْ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : إنَّهُ هُوَ الْحَقُّ ، قَالَ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ غَيْرَ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيَّ أَوْرَدُوا أَنَّهُ كَالتَّصْدِيقِ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ كَذَا أَطْلَقُوهُ إلَخْ مَا فَائِدَتُهُ مَعَ أَنَّا وَلَوْ قُلْنَا : إنَّهَا كَالْبَيِّنَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا حُكْمَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيُحِيلَا عَلَيْهِ ،
فَظَهَرَ أَنَّ مَا بَحَثَاهُ جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَهَذَا لَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَّا فِيمَا إذَا بَيَّنَ لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ( وَإِنْ بَيَّنَ ) لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا ، كَقَوْلِهِ جَاءَنِي كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِكَذَا فَبَانَ كَذِبًا عَلَيْهِ أَوْ تَبَيَّنَ لِي بِمُرَاجَعَةِ جَرِيدَتِي أَنِّي غَلِطْت مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ إلَى غَيْرِهِ ( فَلَهُ التَّحْلِيفُ ) كَمَا سَبَقَ ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يُحَرِّكُ ظَنَّ صِدْقِهِ ( وَالْأَصَحُّ ) عَلَى التَّحْلِيفِ ( سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ ) الَّتِي يُقِيمُهَا بِأَنَّ الثَّمَنَ مَا ذَكَرَهُ ، وَالثَّانِي : لَا لِتَكْذِيبِهِ لَهَا .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ اتَّهَبَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ ذَكَرَهُ وَبَاعَ بِهِ مُرَابَحَةً أَوْ اتَّهَبَهُ بِلَا عِوَضٍ أَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَ الْقِيمَةَ وَبَاعَ بِهَا مُرَابَحَةً ، وَلَا يَبِيعُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ وَلَا الشِّرَاءِ وَلَا رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي عَبْدٍ هُوَ أُجْرَةٌ أَوْ عِوَضُ خُلْعٍ أَوْ نِكَاحٌ أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ بِذِكْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَهْرِهِ فِي الْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالدِّيَةِ فِي الصُّلْحِ ، وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْتُ وَلَا رَأْسَ الْمَالِ كَذَا ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ ، وَالدَّرَاهِمُ فِي قَوْلِهِ : اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا أَوْ بِعْتُكَهُ بِهِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ يَكُونُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَمْ لَا ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِنْ عَيَّنَّا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عُمِلَ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ .
بَابُ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ السَّاحَةَ أَوْ الْبُقْعَةَ وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ .
بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ : الْأُصُولُ وَالشَّجَرُ وَالْأَرْضُ وَالثِّمَارُ جَمْعُ ثَمَرٍ ، وَهُوَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : أَخَذَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مِنْ التَّنْبِيهِ وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : ذَكَرَهَا مَنْصُورٌ التَّمِيمِيُّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ تَرْجَمَتَيْ بَابَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ : أَحَدُهُمَا بَابُ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ ، وَالْآخَرُ بَابُ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُتَنَاوَلَ غَيْرُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ سَبْعَةٌ : الْأَوَّلُ : الْأَرْضُ أَوْ نَحْوُهَا ، فَإِذَا ( قَالَ بِعْتُك ) أَوْ رَهَنْتُك ( هَذِهِ الْأَرْضَ ) أَوْ الْعَرْصَةَ ( أَوْ السَّاحَةَ ) وَهِيَ الْفَضَاءُ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ ( أَوْ الْبُقْعَةَ ، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ ) فَإِنْ بَاعَهَا أَوْ رَهَنَهَا بِمَا فِيهَا مِنْ أَشْجَارٍ وَأَبْنِيَةٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا ، وَلَوْ بِقَوْلِهِ : بِعْتُك أَوْ رَهَنْتُك الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا أَوْ عَلَيْهَا أَوْ بِهَا أَوْ بِحُقُوقِهَا ، وَفِي قَوْلِهِ : بِحُقُوقِهَا وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الرَّهْنِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ حُقُوقَ الْأَرْضِ إنَّمَا تَقَعُ عَلَى الْمَمَرِّ وَمَجْرَى الْمَاءِ إلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِنْ اسْتَثْنَاهَا : كَبِعْتُكَ أَوْ رَهَنْتُكَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا ، وَإِنْ أَطْلَقَ ( فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ ) الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ الرَّطْبُ ( فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ ) لِأَنَّ الْبَيْعَ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِيهِمَا ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : الْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِمَا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ مُسَمَّى الْأَرْضِ ، وَحَمَلَ نَصَّهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا ، وَالثَّالِثُ : فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّصِّ وَالتَّخْرِيجِ : أَحَدُهُمَا عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا مَرَّ ، وَالثَّانِي : يَدْخُلَانِ ؛
لِأَنَّهُمَا لِلدَّوَامِ فَأَشْبَهَا أَجْزَاءَ الْأَرْضِ ، وَلِهَذَا يُلْحَقَانِ بِهَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ نَحْوِ هِبَةٍ : كَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ كَالْبَيْعِ ، وَمَا لَا يَنْقُلُهُ مِنْ نَحْوِ عَارِيَّةٍ : كَإِقْرَارٍ كَالرَّهْنِ .
أَمَّا الشَّجَرُ الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَتَنَاوَلُ غُصْنَهُ الْيَابِسَ .
فَإِنْ قِيلَ : بَيْعُ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ وَتِدٍ وَنَحْوَهُ فَيَكُونُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ فِيهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مُثْبَتًا فَصَارَ كَجُزْئِهَا بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ عُرِّشَ عَلَيْهَا عَرِيشٌ نَحْوَ عِنَبٍ أَوْ جُعِلَتْ دِعَامَةً لِجِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ صَارَتْ كَالْوَتِدِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ، وَعَدَّ الْبَغَوِيّ شَجَرَ الْمَوْزِ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْبَيْعِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَشِرْبُهَا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ نَصِيبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حَتَّى يَشْرُطَهُ ، كَأَنْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا ، وَهَذَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَرْضِ .
أَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعٍ أَوْ غِرَاسٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ .
تَنْبِيهٌ : دُخُولُ الْفَاءِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْمَذْهَبُ مُعْتَرَضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ شَرْطٌ وَلَا مَا يَقْتَضِي الرَّبْطَ ، وَلِذَا قُدِّرَتْ فِي كَلَامِهِ فَإِذَا ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِهِ .
وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى سَنَتَيْنِ كَالْقَتِّ وَالْهُنْدَبَا كَالشَّجَرِ ، وَلَا يَدْخُلُ مَا يُؤْخَذُ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ .
( وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى ) فِي الْأَرْضِ ( سَنَتَيْنِ ) أَوْ أَكْثَرَ بَلْ أَوْ أَقَلَّ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ : مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَيُجَزُّ مَا ذُكِرَ مِرَارًا ( كَالْقَتِّ ) وَهُوَ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ عَلَفُ الْبَهَائِمِ ، وَيُسَمَّى الْقُرْطُ وَالرَّطْبَةُ وَالْفِصْفِصَةُ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ ( وَالْهُنْدَبَا ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْقَضْبِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَالْكُرَّاثِ وَالْكُرْفُسِ وَالنَّعْنَاعِ أَوْ تُؤْخَذُ ثَمَرَتُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالنَّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْقُطْنِ الْحِجَازِيِّ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ ( كَالشَّجَرِ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِلثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَالثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَكَذَا الْجِزَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَا يُجَزُّ مِرَارًا لِلْبَائِعِ ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْكَامِنَةِ لِكَوْنِهَا كَالْجُزْءِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالْجِزَّةِ غَيْرِ الْمَوْجُودَةِ فَيَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ ، وَعَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْجِزَّةِ يُشْتَرَطُ عَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ أَوَانَ الْجَزِّ لِئَلَّا تَزِيدَ فَيُشْتَبَهَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ .
وَأَمَّا غَيْرُهَا فَكَالْجِزَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَاعْتِبَارُ كَثِيرِينَ وُجُوبَ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَرْطٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ فِي التَّتِمَّةِ : إلَّا الْقَصَبَ : أَيْ الْفَارِسِيَّ فَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِمَا ضَبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ فَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ حَتَّى يَكُونَ قَدْرًا يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَشَجَرَ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ كَالْقَصَبِ فِي
ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ الْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِانْتِفَاعُ فِي الْكُلِّ أَوْ لَا يُعْتَبَرَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْبَائِعِ قَطْعَ مَا اسْتَثْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُرَادُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَلَا بُعْدَ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْقَطْعِ حَالًا لِمَعْنًى بَلْ قَدْ عَهِدَ تَخَلُّفَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَا يَدْخُلُ ) فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، أَوْ قَالَ بِحُقُوقِهَا كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ ( مَا يُؤْخَذُ ) بِقَلْعٍ أَوْ قَطْعٍ ( دَفْعَةً ) وَاحِدَةً ( كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ ) أَيْ بَاقِي ( الزُّرُوعِ ) كَالْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَقُطْنِ خُرَاسَانَ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلدَّوَامِ ، فَأَشْبَهَ مَنْقُولَاتِ الدَّارِ .
تَنْبِيهٌ : عَدَّ الشَّيْخَانِ مِمَّا يُؤْخَذُ دَفْعَةً السِّلْقَ بِكَسْرِ السِّينِ وَاعْتَرَضَهُمَا جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا .
وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَهُوَ مَا أَرَادَهُ الشَّيْخَانِ ، وَنَوْعٌ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ وَأَكْثَرِ بِلَادِ الشَّامِ .
وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ ، وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْبَذْرُ كَالزَّرْعِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرَيْ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ .
( وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ ) قَالَ الشَّارِحُ : هَذَا الزَّرْعُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ، تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي : أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ حَائِلَةٌ .
أَمَّا الزَّرْعُ الَّذِي يَدْخُلُ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِلَا خِلَافٍ ، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ ( وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ ) أَيْ الزَّرْعَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ بِأَنْ كَانَ قَدْ رَآهَا قَبْلَهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : أَوْ لَمْ يَسْتُرْهَا الزَّرْعُ : أَيْ كَأَنْ رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ .
فَإِنْ قِيلَ إذَا رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ لَا خِيَارَ لَهُ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ جَهِلَ كَوْنَهُ بَاقِيًا إلَى الشِّرَاءِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ رَأَى الزَّرْعَ وَلَهُ الْخِيَارُ ؟ .
نَعَمْ إنْ تَرَكَهُ لَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِتَمْلِيكٍ أَوْ قَصُرَ زَمَنُ التَّفْرِيغِ سَقَطَ خِيَارُهُ .
أَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ .
نَعَمْ إنْ ظَهَرَ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْحَصَادِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَلَهُ الْخِيَارُ ( وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ ) الْمَذْكُورُ ( دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ ) لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ .
وَالثَّانِي : يُمْنَعُ كَمَا تُمْنَعُ الْأَمْتِعَةُ الْمَشْحُونِ بِهَا الدَّارُ مِنْ قَبْضِهَا ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ ( وَالْبَذْرُ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ( كَالزَّرْعِ ) فَالْبَذْرُ الَّذِي لَا ثَبَاتَ لِنَبَاتِهِ ، وَيُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ ، وَمِثْلُهُ الْقَلْعُ فِيمَا يُقْلَعُ ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ وَتَضَرَّرَ بِهِ وَصَحَّ قَبْضُهَا مَشْغُولَةً بِهِ ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ ، فَإِنْ تَرَكَهُ
لَهُ الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ ، وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفْرِغُ الْأَرْضَ وَأَمْكَنَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَضُرَّ سَقَطَ خِيَارُهُ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ كَنَوَى النَّخْلِ وَبَزْرِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَالشَّجَرِ ( وَالْأَصَحُّ ) وَفِي الرَّوْضَةِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ( أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ ) قَالَ الشَّارِحُ : الَّذِي جَهِلَهُ وَأَجَازَ كَمَا لَا أَرْشَ فِي الْإِجَازَةِ بِالْعَيْبِ ا هـ .
وَلِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ رَضِيَ بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ ، وَالثَّانِي : لَهُ الْأُجْرَةُ .
قَالَ فِي الْبَسِيطِ : لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَعْقُودِ لَهُ : أَيْ فَلَيْسَتْ كَالْعَيْبِ .
أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ جَزْمًا ، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ .
وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ ، وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ .
( وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ ) بِهَا ( لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ ) عَنْهَا : أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَبُرٍّ لَمْ يُرَ : كَأَنْ يَكُونَ فِي سُنْبُلِهِ أَوْ كَانَ مَسْتُورًا بِالْأَرْضِ كَالْفُجْلِ وَالْبَذْرِ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ هُوَ مَا لَمْ يَرَهُ أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ ( بَطَلَ ) الْبَيْعُ ( فِي الْجَمِيعِ ) جَزْمًا لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذَّرَ التَّوْزِيعُ .
نَعَمْ إنْ دَخَلَ فِيهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ كَانَ دَائِمَ الثَّبَاتِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ فَرَضُوهُ فِي الْبَذْرِ .
فَإِنْ قِيلَ : يُشْكِلُ إذَا لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ حَمْلِهَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَحَقَّقِ الْوُجُودِ بِخِلَافٍ مَا هُنَا ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَمْلِ ( وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ ) أَحَدُهُمَا كَالْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي : الصِّحَّةُ فِيهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
تَنْبِيهٌ : ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ الْبَذْرَ بَعْدَ صِفَةِ الزَّرْعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكِتَابِ .
قِيلَ : لِتَعُودَ الصِّفَةُ إلَيْهِ أَيْضًا فَيَخْرُجَ بِهَا مَا رُئِيَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ ، وَلَمْ يُنَبِّهْ فِي الدَّقَائِقِ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْبَذْرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ لَا يُفْرَدَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ إفْرَادُ الضَّمِيرِ وَالزَّرْعُ الَّذِي يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَالْقَصِيلِ الَّذِي لَمْ يُسَنْبِلْ أَوْ سَنْبَلَ وَثَمَرَتُهُ ظَاهِرَةٌ كَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ .
وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا ، دُونَ الْمَدْفُونَةِ ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا ، وَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الْخِيَارُ ، فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ .
( وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ ) أَوْ الْمُثْبَتَةُ ( فِيهَا ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُقْصَدُ لِذَلِكَ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ ( دُونَ الْمَدْفُونَةِ ) فِيهَا كَالْكُنُوزِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهَا كَبَيْعِ دَارٍ فِيهَا أَمْتِعَةٌ ( وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ ) الْحَالَ وَلَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا .
نَعَمْ إنْ جَهِلَ ضَرَرَهَا وَكَانَ لَا يَزُولُ بِالْقَلْعِ أَوْ تَتَعَطَّلُ بِهِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ( وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ ) الْقَلْعُ وَ ( النَّقْلُ ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ ، وَلِلْبَائِعِ التَّفْرِيغُ أَيْضًا وَإِنْ ضَرَّ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ حُفَرِ الْأَرْضِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : بِأَنْ يُعِيدَ التُّرَابَ الْمُزَالَ بِالْقَلْعِ مِنْ فَوْقِ الْحِجَارَةِ مَكَانَهُ : أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَوِّ ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُسَوِّيهَا بِتُرَابٍ آخَرَ مِنْ مَكَان خَارِجٍ أَوْ مِمَّا فِيهَا ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ إيجَابَ عَيْنٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ ، وَفِي الثَّانِي تَغْيِيرُ الْمَبِيعِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَتْ ( وَكَذَا ) لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ( إنْ جَهِلَ ) الْحَالَ ( وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا ) بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِهِ وَلَمْ يُحْوِج النَّقْلُ وَالتَّسْوِيَةُ إلَى مُدَّةِ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ ضَرَّ ) قَلْعُهَا بِأَنْ نَقَصَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ أَحْوَجَ التَّفْرِيغُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ( فَلَهُ الْخِيَارُ ) ضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَغْرَمُ لَكَ الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ لِلْمِنَّةِ ، فَلَوْ تَرَكَ لَهُ الْحِجَارَةَ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ الْمُشْتَرِي سَقَطَ خِيَارُهُ .
فَإِنْ قِيلَ فِي
ذَلِكَ مِنَّةٌ أَيْضًا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِنَّةِ الَّتِي فِيهَا حَصَلَتْ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٍ بِالْمَبِيعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ بِخِلَافِهَا فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَيَعُودُ بِرُجُوعِهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي .
نَعَمْ لَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَاجْتَمَعَتْ شُرُوطُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ فِيهَا ، فَإِنْ فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ فَهُوَ إعْرَاضٌ كَالتَّرْكِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ بَقِيَ الْعُمُومُ ( فَإِنْ أَجَازَ ) حَيْثُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ( لَزِمَ الْبَائِعَ ) الْقَلْعُ وَ ( النَّقْلُ ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي ( وَ ) لَزِمَهُ ( تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ ) كَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ أَنَقَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ ، فَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَفِيهِ مَا سَبَقَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ ضَرَرَ التَّرْكِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ ، وَاسْتَدْرَكَ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا ثُبُوتُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْمَعُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَتْرُكُهَا لَهُ ، وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بِأَنَّ طَمَعَهُ فِي تَرْكِهَا لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَلَا يُقَاسُ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ فِيمَا لَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا دُونَ تَرْكِهَا كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ جَاهِلٌ بِهَا وَهُنَا عَالِمٌ بِهَا .
وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ أَوْجُهٌ .
أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ .
( وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ ) إذَا نَقَلَ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ( أَوْجُهٌ : أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ ) حَيْثُ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ الْمُفَوِّتَ لِلْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ جِنَايَةٍ مِنْ الْبَائِعِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ [ كَالْآفَةِ .
وَالثَّانِي : تَجِبُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ] .
وَالثَّالِثَ : لَا تَجِبُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ الْمُشْتَرِي رِضًا بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ النَّقْلِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا قَالَا فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ فِيمَا لَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ عَيْبٌ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فَلَوْ بَاعَ الْبَائِعُ الْأَحْجَارَ بِطَرِيقِهِ فَهَلْ يَحِلُّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّ الْبَائِعِ أَوْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْبَائِعِ ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُخَيِّرْ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّفْرِيغِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ .
تَنْبِيهٌ : هَلْ تَجِبُ أُجْرَةُ مُدَّةِ تَفْرِيغِ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ كَمُدَّةِ تَفْرِيغِهَا مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ كَمَا مَرَّ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : نَعَمْ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي : عَدَمُ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْأَرْضِ غَرْسًا وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ عَلِمَ بِهَا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ ، وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ نَقْصًا حَدَثَ بِالْقَلْعِ فِي الْغِرَاسِ ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ اخْتَصَّ النَّقْصُ الْمَذْكُورُ بِالْغِرَاسِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْمَبِيعِ ؛ وَلِأَنَّ الْغِرَاسَ عَيْبٌ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَقَدْ حَدَثَ عِنْدَهُ ، فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ قَلْعُ الْغِرَاسِ وَالْفَسْخُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْغَرْسِ وَقَلْعِ الْمَغْرُوسِ نَقْصٌ فِي الْأَرْضِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ الْأَرْشَ ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْغَرْسُ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ أَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِأَحَدِهِمَا تُرِكَ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ ، وَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ ، وَإِذَا قَلَعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ الْحَصَادِ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ .
.
وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ ، وَكَذَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّانِي وَهُوَ الْبُسْتَانُ ، فَقَالَ : ( وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ ) وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَجَمْعُهُ بَسَاتِينُ .
وَالْبَاغُ ، وَهُوَ الْبُسْتَانُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَالْكَرْمُ وَالْحَدِيقَةُ وَالْجُنَيْنَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ ) الْمُحِيطَةُ بِهَا لِدُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الْبُسْتَانِ ، بَلْ لَا يُسَمَّى بُسْتَانًا بِدُونِ حَائِطٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَكَذَا ) يَدْخُلُ ( الْبِنَاءُ ) الَّذِي فِيهِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ ، وَقِيلَ فِي دُخُولِهِ قَوْلَانِ ، وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي دُخُولِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ ، وَيُدْخَلُ عَرِيشٌ تُوضَعُ عَلَيْهِ قُضْبَانُ الْعِنَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَزَارِعُ الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ الْبُسْتَانَ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جَمِيعًا ، أَوْ هَذِهِ الْحَائِطَ الْبُسْتَانَ ، أَوْ هَذِهِ الْمَحُوطَةُ دَخَلَ الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وَمَا فِيهِ مِنْ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ .
وَفِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّورُ ، لَا الْمَزَارِعُ عَلَى الصَّحِيحِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّالِثَ وَهُوَ الْقَرْيَةُ وَنَحْوُهَا ، فَقَالَ ( وَ ) يَدْخُلُ ( فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( الْأَبْنِيَةُ ) مِنْ سُورٍ وَغَيْرِهِ ( وَسَاحَاتٍ ) وَأَشْجَارٍ ( يُحِيطُ بِهَا السُّورُ ) بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْهُ ( لَا الْمَزَارِعُ ) وَالْأَشْجَارُ الَّتِي حَوْلَهَا فَلَا تَدْخُلُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْقَرْيَةَ بِدُخُولِهَا ، وَالثَّانِي : تَدْخُلُ ، وَالثَّالِثُ : إنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَتْ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ دَخَلَ مَا اخْتَلَطَ بِبِنَائِهَا مِنْ الْمَسَاكِنِ وَالْأَبْنِيَةِ ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَبْنِيَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ السُّورِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ، وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَرِيمِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِدُخُولِ حَرِيمِ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دُخُولِ السُّورِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَا بُدَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ اسْمِهَا وَحَيْثُ دَخَلَ السُّورُ دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ الَّتِي مِنْ دَاخِلِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَمِثْلُ الْقَرْيَةِ فِيمَا مَرَّ الدَّسْكَرَةُ ، وَتُقَالُ لِقَصْرٍ حَوْلَهُ بُيُوتٌ ، وَلِلْقَرْيَةِ وَالْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ وَالصَّوْمَعَةِ وَلِبُيُوتِ الْأَعَاجِمِ يَكُونُ فِيهَا الشَّرَابُ وَالْمَلَاهِي .
وَفِي بَيْعِ الدَّارِ الْأَرْضُ ، وَكُلُّ بِنَاءٍ حَتَّى حَمَّامُهَا ، لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ وَالسَّرِيرِ ، وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا وَالْإِجَّانَاتُ وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ الْمُسَمَّرَانِ ، وَكَذَا الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ ، وَالْأَعْلَى وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الرَّابِعَ وَهُوَ الدَّارُ فَقَالَ ( وَ ) يَدْخُلُ ( فِي بَيْعِ الدَّارِ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( الْأَرْضُ ) إجْمَاعًا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً أَوْ مُحْتَكَرَةً لَمْ تَدْخُلْ ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ ( وَكُلُّ بِنَاءٍ ) مِنْ عُلْوٍ وَسُفْلٍ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَتَدْخُلُ الْأَجْنِحَةُ وَالرَّوَاشِنُ وَالدَّرَجُ وَالْمَرَاقِي الْمَعْقُودَةُ وَالسَّقْفُ وَالْآجُرُّ وَالْبَلَاطُ الْمَفْرُوشُ الثَّابِتُ فِي الْأَرْضِ ( حَتَّى حَمَّامُهَا ) الْمُثْبَتُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا .
وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ حَمَّامَهَا لَا يَدْخُلُ ، وَحَمَلَهُ الرَّبِيعُ عَلَى حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ ، وَهِيَ بُيُوتٌ مِنْ خَشَبٍ تُنْقَلُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ حَمَّامُهَا مَرْفُوعٌ ، قِيلَ : لِأَنَّ حَتَّى عَاطِفَةٌ كَالْوَاوِ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ ذَكَرَ أَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ يَخْتَصُّ بِالْوَاوِ ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَائِيَّةً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ : أَيْ يَدْخُلُ ، وَيَدْخُلُ شَجَرٌ رَطْبٌ مَغْرُوسٌ فِيهَا أَمَّا الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ ، وَتَدْخُلُ حَرِيمُهَا بِشَجَرِهِ الرَّطْبِ إنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ فَلَا حَرِيمَ لَهَا ( لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ ) بِإِسْكَانِ الْكَافِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا ( وَالسَّرِيرِ ) غَيْرِ الْمُسَمَّرِ وَالدَّفِينِ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ ( وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَغَلَقُهَا الْمُثْبَتُ وَالْخَوَابِي وَمَعَاجِنُ الْخَبَّازِينَ وَخَشَبُ الْقَصَّارِينَ ( وَالْإِجَّانَاتُ ) الْمُثْبَتَةُ ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مَا يُغْسَلُ فِيهَا ( وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( الْمُسَمَّرَانِ ) وَمِثْلُ التَّسْمِيرِ التَّطْيِينُ ( وَكَذَا ) يَدْخُلُ ( الْأَسْفَلُ مِنْ
حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ ) لِثَبَاتِهِ .
وَالثَّانِي : لَا يَدْخُلُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَإِنَّمَا أُثْبِتَ لِسُهُولَةِ الِارْتِفَاقِ بِهِ كَيْ لَا يَتَزَحْزَحَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ ( وَ ) يَدْخُلُ ( الْأَعْلَى ) أَيْضًا مِنْ الْحَجَرَيْنِ ( وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ : مَا يُغْلَقُ بِهِ الْبَابُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِشَيْءٍ مُثْبَتٍ بِخِلَافِ مِفْتَاحِ الْقُفْلِ ، فَإِنَّ الْقُفْلَ لَا يَدْخُلُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُثْبَتٍ .
وَالثَّانِي : لَا يَدْخُلَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ الْأَسْفَلِ ، صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَالْمِنْهَاجِ ، وَأَسْقَطَ مِنْهُ تَقْيِيدَ الْإِجَّانَاتِ بِالْمُثْبَتَةِ وَحِكَايَةُ وَجْهٍ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا وَلَفْظُ الْمُحَرَّرِ ، وَكَذَا الْإِجَّانَاتُ وَالرُّفُوفُ الْمُثْبَتَةُ وَالسَّلَالِمُ الْمُسَمَّرَةُ وَالتَّحْتَانِيُّ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّقْيِيدَ وَحِكَايَةَ الْخِلَافِ لِمَا وَلِيَاهُ فَقَطْ ، وَتَدْخُلُ أَلْوَاحُ الدَّكَاكِينِ وَكُلُّ مُنْفَصِلٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ نَفْعٌ مُتَّصِلٌ كَرَأْسِ التَّنُّورِ وَصُنْدُوقِ الْبِئْرِ وَالطَّاحُونِ وَآلَاتِ السَّفِينَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يُقَيِّدُوا أَلْوَاحَ الدَّكَاكِينِ بِالْمَنْصُوبَةِ كَمَا فَعَلُوا فِي بَابِ الدَّارِ لِمَاذَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي انْفِصَالِ أَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ بِخِلَافِ بَابِ الدَّارِ .
فَرْعٌ : لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا إذَا كَانَ بِهَا بِئْرُ مَاءٍ مَاءُ الْبِئْرِ الْحَاصِلُ حَالَةَ الْبَيْعِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَمَاءُ الصِّهْرِيجِ ، فَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ دُخُولَهُ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ دُخُولِهِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَاءِ الصِّهْرِيجِ ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا الظَّاهِرَةُ كَالْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَالْكِبْرِيتِ ،
فَحُكْمُ الظَّاهِرِ كَالْمَاءِ الْحَاصِلِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا ذُكِرَ وَلَا تَدْخُلُ هِيَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهَا .
وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا ، وَكَذَا ثِيَابُ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ قُلْت : الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الْخَامِسِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ فَقَالَ ( وَ ) يَدْخُلُ ( فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا ) وَبَرَّتُهَا ، وَهِيَ حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِهَا إنْ لَمْ يَكُونَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلَانِ لِلْعُرْفِ فِيهِمَا وَلِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهَا حِينَئِذٍ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْعَذَارُ وَالْمِقْوَدُ وَاللِّجَامُ وَالسَّرْجُ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ ( وَكَذَا ) تَدْخُلُ ( ثِيَابُ الْعَبْدِ ) الَّتِي عَلَيْهِ ( فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ ) لِلْعُرْفِ ( قُلْت : الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ ) فِي بَيْعِهِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَلَوْ كَانَتْ سَاتِرَةَ الْعَوْرَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى ، وَلَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ الَّذِي فِي أُذُنِ الرَّقِيقِ ، وَلَا الْخَاتَمُ الَّذِي فِي يَدِهِ بِلَا خِلَافٍ ، وَجَعَلُوا الْمَدَاسَ كَذَلِكَ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالثِّيَابِ .
فَرْعٌ : بَاعَ شَجَرَةً دَخَلَ عُرُوقُهَا وَوَرَقُهَا وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَجْهٌ ، وَأَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ ، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعُ ، وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَغْرِسِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ .
وَلَوْ كَانَتْ يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْقَلْعُ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّادِسِ وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَرْعٍ فَقَالَ : فَرْعٌ : إذَا ( بَاعَ شَجَرَةً ) رَطْبَةً وَأَطْلَقَ وَلَوْ مَعَ الْأَرْضِ تَبَعًا أَوْ بِالتَّصْرِيحِ ( دَخَلَ عُرُوقُهَا ) إنْ لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهَا ( وَوَرَقُهَا ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُسَمَّاهَا ، وَلَا فَرْقَ فِي دُخُولِ الْوَرَقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِرْصَادٍ وَسِدْرٍ وَحِنَّاءٍ وَتُوتٍ أَبْيَضَ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذُكِرَ ( وَفِي وَرَقِ التُّوتِ ) الْأَبْيَضِ الْأُنْثَى الْمَبِيعِ شَجَرَتُهُ فِي الرَّبِيعِ ، وَقَدْ خَرَجَ ( وَجْهٌ ) أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ ، وَكَذَا فِي وَرَقِ النَّبِقِ ، وَصَحَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ وَرَقَ الْحِنَّاءِ لَا يَدْخُلُ .
وَعَلَّلَ عَدَمَ الدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ كَثَمَرِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ ، وَالتُّوتُ بِتَاءَيْنِ عَلَى الْفَصِيحِ ، وَفِي لُغَةٍ أَنَّهُ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ ( وَ ) دَخَلَ ( أَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ ) فَلَا يَدْخُلُ ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ تُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْقَطْعُ كَالثَّمَرَةِ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ كَلَامُهُ أَغْصَانَ شَجَرِ الْخِلَافِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ ، فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ بِالدُّخُولِ وَفِي آخَرَ بِعَدَمِهِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي : إنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ : مَا يُقْطَعُ مِنْ أَصْلِهِ فَتَدْخُلُ أَغْصَانُهُ ، وَمَا يُتْرَكُ سَاقُهُ وَتُؤْخَذُ أَغْصَانُهُ فَلَا تَدْخُلُ وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْكِمَامُ ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ ثَمَرُهَا مُؤَبَّرًا ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بِبَقَاءِ الْأَغْصَانِ ، وَمِثْلُهَا الْعُرْجُونُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ لِمَنْ لَهُ الثَّمَرَةُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعُرُوقِ وَالْأَوْرَاقِ بَيْنَ الْيَابِسَةِ وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ ، لَكِنْ فِي الْعُرُوقِ خَاصَّةً .
ا هـ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ عَلَى
الْعُرُوقِ أَنَّ الْأَوْرَاقَ الْيَابِسَةَ لَا تَدْخُلُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي ؛ لِأَنَّ الْوَرَقَ أَوْلَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ مِنْ الْغُصْنِ الْيَابِسِ ( وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ ) وَتَدْخُلُ الْعُرُوقُ ( أَوْ الْقَطْعُ ) وَلَا تَدْخُلُ كَمَا مَرَّ بَلْ تُقْطَعُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ ( وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ ) وَيُتْبَعُ الشَّرْطُ ( وَالْإِطْلَاقُ ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ قَلْعًا وَلَا قَطْعًا وَلَا إبْقَاءً ( يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ ) فِي الشَّجَرَةِ الرَّطْبَةِ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) أَيْ الشَّأْنَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا ( الْمَغْرِسِ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعِ غَرْسِهَا حَيْثُ أُبْقِيَتْ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ ، وَلَا أَنْ يَغْرِسَ بَدَلَهَا إذَا قُلِعَتْ ( لَكِنْ يَسْتَحِقُّ ) الْمُشْتَرِي ( مَنْفَعَتَهُ ) فَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ أَوْ مُسْتَحَقِّ مَنْفَعَتِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ ( مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ ) تَبَعًا لَهَا ، وَلَوْ بَذَلَ مَالِكُهُ أَرْشَ الْقَلْعِ لِمَالِكِهَا وَأَرَادَ قَلْعَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهَا ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَلْعُهَا ، وَلَوْ تَفَرَّخَتْ مِنْهَا شَجَرَةٌ أُخْرَى فَهَلْ يَسْتَحِقُّ إبْقَاءَهَا إلْحَاقًا لَهَا بِمَا يَتَجَدَّدُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْعُرُوقِ وَالْغِلَظِ أَوْ يُؤْمَرُ بِقَطْعِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ حَالَةَ الْعَقْدِ ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي اسْتِخْلَافِهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : فِيهِ احْتِمَالَاتٌ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : يُحْتَمَلُ أَنْ تَبْقَى مُدَّةَ الْأَصْلِ ، فَإِنْ زَالَ أُزِيلَتْ ا هـ .
وَهَذَا أَظْهَرُ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَمَا يُعْلَمُ اسْتِخْلَافُهُ كَشَجَرِ الْمَوْزِ ، فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ بَقَائِهِ ا هـ .
وَالثَّانِي : يَدْخُلُ لِاسْتِحْقَاقِهِ مَنْفَعَتَهُ لَا إلَى غَايَةٍ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا يُسَامِتُ الشَّجَرَةَ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ مَا يَمْتَدُّ
إلَيْهِ أَغْصَانُهَا أَمْ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ ؟ ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لِلْمُشْتَرِي كُلُّ وَقْتِ مِلْكٌ لَمْ يَكُنْ ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ : وَهُوَ مَا يُسَامِتُ أَصْلَ الشَّجَرَةِ خَاصَّةً وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَشِرُ فِيهِ عُرُوقُ الشَّجَرَةِ حَرِيمٌ لِلْمُغْرِسِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَغْرِسَ إلَى جَانِبِهَا مَا يَضُرُّ بِهَا ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ شَجَرَةً هَلْ يَبْقَى لَهَا مَغْرِسُهَا أَوْ لَا ، وَفِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا مَيِّتٌ مَدْفُونٌ هَلْ يَبْقَى لَهُ مَكَانُ الدَّفْنِ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الدَّفْنِ .
( وَلَوْ كَانَتْ ) الشَّجَرَةُ الْمَبِيعَةُ مَعَ الْإِطْلَاقِ ( يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِي الْقَلْعَ ) لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَلْعِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَدْخُلُ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَإِنْ شَرَطَ قَطْعَهَا أَوْ قَلْعَهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ أَوْ إبْقَاءَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً وَشَرَطَ عَدَمَ قَطْعِهَا عِنْدَ الْجُذَاذِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ فِي إبْقَائِهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ كَأَنْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِأَرْضِهِ وَقَصَدَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا جُذُوعًا أَوْ بِنَاءً أَوْ نَحْوَهُ كَعَرِيشٍ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ ، وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ : كَتِينٍ وَعِنَبٍ إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ فَلِلْبَائِعِ ، وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي ، وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ كَمِشْمِشٍ وَتُفَّاحٍ فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ ، وَكَذَا إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ ، وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ وَبَعْضُهَا مُؤَبَّرٌ فَلِلْبَائِعِ ، فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ كَانَتْ فِي بَسَاتِينَ فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ ، وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى الْجِدَادِ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ .
وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ ، وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا ، وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا وَتَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ ، وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ أَنْ يَسْقِيَ .
وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ أَوْ يَسْقِيَ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَمَرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَلَوْ مَشْمُومًا كَالْوَرْدِ فَقَالَ ( وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْلَ التَّأْبِيرِ أَمْ بَعْدَهُ وَفَاءً بِالشَّرْطِ ، وَلَوْ شَرَطَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي كَانَ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَشَرْطِ الْحَمْلِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُشْرَطْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ ( فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ ) كُلُّهَا ( لِلْمُشْتَرِي ، وَإِلَّا ) بِأَنْ تَأَبَّرَ مِنْهَا شَيْءٌ ( فَلِلْبَائِعِ ) أَيْ فَهِيَ كُلُّهَا لَهُ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ } مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْرُطَهَا الْبَائِعُ ، وَكَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ لِلْبَائِعِ صَادِقٌ بِأَنْ يَشْرُطَ لَهُ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ ، وَكَوْنُهَا فِي الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي صَادِقٌ بِذَلِكَ ، وَأُلْحِقَ بِالنَّخْلِ سَائِرُ الثِّمَارِ وَبِتَأْبِيرِ كُلِّهَا تَأْبِيرُ بَعْضِهَا بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُؤَبَّرِ لِمَا فِي تَتَبُّعِ ذَلِكَ مِنْ الْعُسْرِ ، وَالتَّأْبِيرُ تَشْقِيقُ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَذَرِّ طَلْعِ الذُّكُورِ فِيهِ لِيَجِيءَ رُطَبُهَا أَجْوَدَ مِمَّا لَمْ يُؤَبَّرُ ، وَالْعَادَةُ الِاكْتِفَاءُ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ وَالْبَاقِي يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ وَيَنْبَثُّ رِيحُ الذُّكُورِ إلَيْهِ ، وَقَدْ لَا يُؤَبَّرُ بِشَيْءٍ وَيَتَشَقَّقُ الْكُلُّ ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمُؤَبَّرِ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ الْمَقْصُودِ ، وَلِذَلِكَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ : لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً إلَى مَا قَالَهُ ، وَشَمِلَ طَلْعُ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ ، وَلَا يُشَقَّقُ غَالِبًا ، وَفِيمَا لَمْ يَتَشَقَّقْ مِنْهُ وَجْهٌ : أَنَّهُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَمَرَ لَهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ ظُهُورُهَا بِخِلَافِ طَلْعِ الْإِنَاثِ ،
وَتُسَمَّى ذُكُورُ النَّخْلِ فُحَّالَةٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ طَلْعِهَا الْكَشِّيُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهُوَ مَا يُلَقَّحُ بِهِ الْإِنَاثُ ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ حَتَّى يَتَشَقَّقَ ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلَ ( وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ ) بِفَتْحِ النُّونِ : أَيْ زَهْرٍ ( كَتِينٍ وَعِنَبٍ ) وَفُسْتُقٍ بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا ، وَجَوْزٍ ( إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ ) أَيْ ظَهَرَ ( فَلِلْبَائِعِ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَبْرُزْ ( فَلِلْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّ الْبُرُوزَ هُنَا كَالتَّشَقُّقِ فِي الطَّلْعِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَشَقُّقُ الْقِشْرِ الْأَعْلَى مِنْ نَحْوِ جَوْزٍ بَلْ هُوَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا لِاسْتِتَارِهِ بِمَا هُوَ مِنْ صَلَاحِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ تَشَقُّقُ الْأَعْلَى مِنْهُ ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ التِّينِ أَوْ الْعِنَبِ فَمَا ظَهَرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَلِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْمُهَذَّبِ ، وَالتَّهْذِيبِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ ، وَجَزَمَ بِالتَّوَقُّفِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَفَرَّقَ الْأَئِمَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْعِ النَّخْلِ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً ، وَالتِّينُ وَنَحْوُهُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، فَكَانَتْ الْأُولَى لِلْبَائِعِ وَالثَّانِيَةُ لِلْمُشْتَرِي ، وَكَالتِّينِ فِيمَا ذُكِرَ الْجُمَّيْزُ وَنَحْوُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا ؛ لِأَنَّهَا بُطُونٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا ( وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ ) نَوْرُهُ ( كَمِشْمِشٍ ) بِكَسْرِ مِيمَيْهِ ، وَحُكِيَ فَتْحُهُمَا ، وَرُمَّانٍ ( وَتُفَّاحٍ ) وَلَوْزٍ ( فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَعْدُومَةِ ( وَكَذَا ) هِيَ لَهُ أَيْضًا ( إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ ) إلْحَاقًا لَهَا بِالطَّلْعِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَهَا بِالنَّوْرِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِتَارِ
ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِكِمَامِهِ ، وَالثَّانِي : يُلْحِقُهَا بِهِ بَعْدَ تَشَقُّقِهِ لِاسْتِتَارِهِ بِالْقِشْرِ الْأَبْيَضِ فَتَكُونُ لِلْبَائِعِ ( وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ ) قَطْعًا لِظُهُورِهَا ، وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنْ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ تَابِعٌ لِمَا ظَهَرَ .
تَنْبِيهٌ : عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ يَخْرُجُ الْمُنَاسِبُ لِلتَّقْسِيمِ بَعْدَهُ .
قَالَ الشَّارِحُ : كَأَنَّهُ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ ضَرْبَانِ : مَا يَخْرُجُ مِنْ كِمَامٍ ثُمَّ يَنْفَتِحُ كَالْوَرْدِ الْأَحْمَرِ إنْ بِيعَ أَصْلُهُ بَعْدَ تَفَتُّحِهِ فَلِلْبَائِعِ كَالطَّلْعِ الْمُتَشَقِّقِ أَوْ قَبْلَهُ فَلِلْمُشْتَرِي ، وَمَا يَخْرُجُ ظَاهِرًا كَالْيَاسَمِينِ ، فَإِنْ خَرَجَ وَرْدُهُ فَلِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي ، وَتَشَقُّقُ جَوْزِ قُطْنٍ يَبْقَى أَصْلُهُ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَتَأْبِيرِ النَّخْلِ فَيَتْبَعُ الْمُسْتَتِرَ غَيْرُهُ ، وَمَا لَا يَبْقَى أَصْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إنْ بِيعَ قَبْلَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالزَّرْعِ سَوَاءٌ أَخَرَجَ الْجَوْزُ أَمْ لَا .
ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْطَعْ حَتَّى خَرَجَ الْجَوْزُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ ، وَإِنْ بِيعَ بَعْدَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ وَتَشَقُّقِ جَوْزِهِ صَحَّ الْعَقْدُ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ وَدَخَلَ الْقُطْنُ فِي الْبَيْعِ .
فَإِنْ قِيلَ إذَا تَشَقَّقَ يَكُونُ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ مَقْصُودَةٌ كَثِمَارِ سَائِرِ الْأَعْوَامِ ، وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ جَوْزُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِاسْتِتَارِ قُطْنِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ ( وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ ) بِكَسْرِ اللَّامِ : أَيْ خَرَجَ طَلْعُهَا ( وَبَعْضُهَا ) قَالَ الشَّارِحُ : أَيْ مِنْ حَيْثُ الطَّلْعُ ( مُؤَبَّرٌ ) دُونَ بَعْضٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْعَقْدُ ( فَلِلْبَائِعِ ) طَلْعُهَا جَمِيعُهُ الْمُؤَبَّرُ وَغَيْرُهُ لِمَا مَرَّ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ
حَيْثُ الطَّلْعُ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُتْبَعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي : لَا يُتْبَعُ جَزْمًا ( فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ ) بِالْبَيْعِ وَاتَّحَدَ النَّوْعُ ( فَلِلْمُشْتَرِي ) طَلْعُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا مَرَّ ، وَالثَّانِي : هُوَ لِلْبَائِعِ اكْتِفَاءً بِدُخُولِ وَقْتِ التَّأْبِيرِ عَنْهُ ، وَأَمَّا الْمُؤَبَّرُ فَلِلْبَائِعِ ، وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ خَرَجَ طَلْعٌ آخَرَ كَانَ لَهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَا بِهِ .
قَالَا : لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ .
قَالَ شَيْخُنَا قُلْت : وَإِلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ( وَلَوْ كَانَتْ ) أَيْ النَّخَلَاتُ الْمَذْكُورَةُ ( فِي بَسَاتِينَ ) أَيْ الْمُؤَبَّرَةِ فِي بُسْتَانٍ وَغَيْرِهَا فِي بُسْتَانٍ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ وَالْجِنْسُ وَالْمَالِكُ ( فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ ) سَوَاءٌ أَتَبَاعَدَا أَمْ تَلَاصَقَا ، وَالثَّانِي : هُمَا كَالْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ .
أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ أَوْ تَعَدَّدَ الْمَالِكُ أُفْرِدَ كُلٌّ بِحُكْمِهِ جَزْمًا ( وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ ) بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ ) وَفَاءً بِالشَّرْطِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ الْإِبْقَاءَ وَهُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ( فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى ) زَمَنِ ( الْجِدَادِ ) تَحْكِيمًا لِلْعَادَةِ كَمَا يَجِبُ تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَإِبْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي السَّفِينَةِ فِي اللُّجَّةِ إلَى الْوُصُولِ إلَى الشَّطِّ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ ، وَحُكِيَ إعْجَامُهُمَا .
ثُمَّ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْجِدَادِ لَيْسَ لَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَأْخُذَهَا عَلَى التَّدْرِيجِ وَلَا تَأْخِيرُهَا إلَى تَنَاهِي نُضْجِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ نَوْعٍ يُعْتَادُ قَطْعُهُ قَبْلَ النُّضْجِ كَالْمَوْزِ الْأَخْضَرِ فِي بِلَادٍ لَا يَنْتَهِي فِيهَا كُلِّفَ الْبَائِعُ قَطْعَهَا عَلَى الْعَادَةِ ،
وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّبْقِيَةِ صُورَتَانِ : الْأُولَى إذَا تَعَذَّرَ سَقْيُ الثَّمَرَةِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَعِظَمِ ضَرَرِ الشَّجَرِ بِإِبْقَائِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا .
الثَّانِيَةُ إذَا أَصَابَتْهَا آفَةٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا ( وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْإِبْقَاءِ ( السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ ) أَوْ أَحَدُهُمَا ( وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ ) مِنْهُ لِعَدَمِ ضَرَرِهِ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْآخَرُ ، وَيُؤْخَذَ مِنْهَا عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ إذْ لَا غَرَضَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَمْكِينَهُ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي ( وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا ) مَعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّقْيُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ عَلَيْهِ ضَرَرًا ، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ جَازَ .
فَإِنْ قِيلَ إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ فَفِيهِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَهُوَ حَرَامٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِفْسَادَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ ، وَقِيلَ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُمَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ( وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا ) أَيْ ضَرَّ الشَّجَرَ وَنَفَعَ الثَّمَرَ أَوْ الْعَكْسَ ( وَتَنَازَعَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ فِي السَّقْيِ ( فُسِخَ الْعَقْدُ ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ إلَّا بِإِضْرَارِ أَحَدِهِمَا وَالْفَاسِخُ لَهُ الْمُتَضَرِّرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غُضُونِ كَلَامِهِمْ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي ، وَقِيلَ : الْحَاكِمُ ، وَجَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ، وَقِيلَ : كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
تَنْبِيهٌ : شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ ضَرَّ السَّقْيُ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَ تَرْكُهُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِ مَنْعِ حُصُولِهَا لَهُ انْتِفَاعًا بِالسَّقْيِ ، وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ ( إلَّا أَنْ يُسَامِحَ
الْمُتَضَرِّرُ ) فَلَا فَسْخَ حِينَئِذٍ لِزَوَالِ النِّزَاعِ ، فَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْسَانًا وَمُسَامَحَةً .
نَعَمْ ، الْكَلَامُ فِي الْمَالِكَيْنِ الْمُطْلَقَيْ التَّصَرُّفِ لَا مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ( وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ ) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ ( أَنْ يَسْقِيَ ) وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ قَدِمَ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ فَلَا فَسْخَ عَلَى هَذَا أَيْضًا ، وَحَيْثُ احْتَاجَ الْبَائِعُ إلَى سَقْيِ ثَمَرَتِهِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَسْقِي مِنْهُ فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ الْمَاءُ الْمُعَدُّ لِسَقْيِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا ( وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ ) وَالسَّقْيُ مُمْكِنٌ بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لَهُ ( لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ ) ثَمَرَتَهُ ( أَوْ يَسْقِيَ ) الشَّجَرَ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي ، لَوْ تَعَذَّرَ السَّقْيُ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ تَعَيَّنَ الْقَطْعُ .
فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُطْلَقًا ، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ ، وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ ، وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ ، لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا كَكُمَّثْرَى ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي جَازَ بِلَا شَرْطٍ .
قُلْت : فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ جَازَ بِلَا شَرْطٍ ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّابِعِ وَهُوَ الثِّمَارُ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ نَوَاهَا وَقِمْعَهَا فِي ضِمْنِ فَصْلٍ فَقَالَ : فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا ( يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ ) أَيْ ظُهُورِ ( صَلَاحِهِ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ( مُطْلَقًا ) مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَلَا تَبْقِيَةٍ ( وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأُصُولُ لِأَحَدِهِمَا أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، فَيَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَعْنَى الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَهُ غَالِبًا لِغِلَظِهَا وَكِبَرِ نَوَاهَا وَقَبْلَهُ تُسْرِعُ إلَيْهِ لِضَعْفِهِ فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِقُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ } ( وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَيَحْرُمُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ( إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ ) فِي الْحَالِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي مُنْجَزًا ( وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ ) كَلَوْزٍ وَحِصْرِمٍ وَبَلَحٍ ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصَّصِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، فَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبَيْعٌ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَيْعٌ بِشَرْطِهِ مُعَلَّقًا ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ تَضَمُّنُ التَّعْلِيقِ التَّبْقِيَةَ ، وَمَا ( لَا ) يُنْتَفَعُ بِهِ ( كَكُمَّثْرَى ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَبِالْمُثَلَّثَةِ ، الْوَاحِدَةُ كُمَّثْرَاةٌ ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَعْلُومَ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ قَالَ الشَّارِحُ : لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ .
فُرُوعٌ : لَوْ بَاعَ عَلَى شَجَرَةٍ مَقْطُوعَةٍ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى عَلَيْهَا فَيَصِيرُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو ، وَلَا يُغْنِي
اعْتِيَادُ الْقَطْعِ عَنْ شَرْطِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِإِبْقَائِهِ جَازَ ، وَلَوْ أَبْقَاهَا مُدَّةً ثُمَّ قَطَعَهَا لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ طَالَبَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ ، وَالشَّجَرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الثَّمَرَةِ بِدُونِهَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى نَحْوَ سَمْنٍ وَقَبَضَهُ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّسْلِيمِ فِي غَيْرِهِ ( وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي ) وَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كَأَنْ وَهَبَ الثَّمَرَةَ لِإِنْسَانٍ أَوْ بَاعَهَا لَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِنْسَانٍ فَبَاعَهَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ ( جَازَ ) بَيْعُ الثَّمَرَةِ لَهُ ( بِلَا شَرْطٍ ) لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا ، وَصُحِّحَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ ، وَلَيْسَ فِي الرَّافِعِيِّ هُنَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ ، وَنَقَلَا هُنَا عَنْ الْجُمْهُورِ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ لِعُمُومِ النَّهْيِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ ( قُلْت : فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ ) كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ ( لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثَمَرِهِ عَنْ شَجَرِهِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ ، وَيَصِيرُ كُلُّ الثَّمَرِ لَهُ وَكُلُّ الشَّجَرِ لِلْآخَرِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ جَمِيعِ الثَّمَرِ ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِذَلِكَ قَطْعَ مَا اشْتَرَاهُ وَتَفْرِيغَ الشَّجَرِ لِصَاحِبِهِ ، وَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ بِغَيْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لِتَكْلِيفِ الْمُشْتَرِي قَطْعَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ الْمُسْتَقَرِّ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ ( وَإِنْ بِيعَ )
الثَّمَرُ ( مَعَ الشَّجَرِ ) وَلَمْ يُفْصَلْ الثَّمَنُ ( جَازَ بِلَا شَرْطٍ ) لِقَطْعِهِ ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ ، وَبِهَذَا فَارَقَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ ( وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ ) لِأَنَّ فِيهِ حَجْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ .
أَمَّا إذَا فَصَلَ الثَّمَنَ : كَأَنْ قَالَ بِعْتُك الشَّجَرَةَ بِدِينَارٍ وَالثَّمَرَةَ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدَامَةٌ لِمِلْكِهَا فَلَهُ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْجِدَادِ ، وَلَوْ صَرَّحَ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ جَازَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ أَحَدُ نَصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا النَّصِّ ، فَزَعَمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافَهُ ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ مُشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ إنْ قُلْنَا لِلْقِسْمَةِ إفْرَازٌ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ قَطْعِ النِّصْفِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ .
فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهَا بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ لَازِمٌ لَهُ ، وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِ غَيْرِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ إذَا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ ، وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَشْرُطْ الْقَطْعَ ، فَإِنْ شَرَطَهُ فَفِيهِ مَا تَقَرَّرَ .
وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَيَكُونُ الثَّمَرُ تَابِعًا .
وَيَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ ، فَإِنْ بَيْعَ مَعَهَا أَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ جَازَ بِلَا شَرْطٍ .
( وَيَحْرُمُ ) وَلَا يَصِحُّ ( بَيْعُ الزَّرْعِ ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِشَجَرِ ( الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ ) إذَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ ، وَلَوْ كَانَ بَقْلًا وَكَانَ الْبَقْلُ يُجَزُّ مِرَارًا ( إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ ) كَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ قَلْعِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِشَرْطِ إبْقَائِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ( فَإِنْ بِيعَ ) الزَّرْعُ الْمَذْكُورُ ( مَعَهَا ) أَيْ الْأَرْضِ ( أَوْ ) وَحْدَهُ ( بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ ) أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِ الْبُقُولِ ( جَازَ بِلَا شَرْطٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَبَيْعِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ .
وَالثَّانِي كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ اعْتِبَارَ اشْتِدَادِ جَمِيعِ الْحَبِّ وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الثِّمَارِ ، وَقَدْ اكْتَفَوْا فِي التَّأْبِيرِ بِطَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِحَبَّةٍ وَاحِدَةٍ ، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِاشْتِدَادِ سُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ شَيْءٌ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : كُلُّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ ، وَإِنْ بِيعَ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ لِمَا مَرَّ ، وَلَوْ بَاعَهُ أُصُولَهُ فَكَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وُجُوبَ شَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَرُّضِ أَصْلِهِ لِلْعَاهَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّجَرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ ، وَجَزَمَ الْحَاوِي بِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهُ الْمَنْقُولُ وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ تَفَقُّهِهِ ا هـ ، فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ دُونَ أُصُولِهِ
أَوْ بَاعَ أُصُولَهُ دُونَهُ وَغَلَبَ اخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ ، فَإِنْ أُمِنَ الِاخْتِلَاطُ جَازَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ كَذَلِكَ بِأَنْ نَدَرَ أَوْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ .
وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ : كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ ، وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ ، وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فَلَا يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا .
( وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ ) أَيْ الزَّرْعِ ( وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ ) مِنْ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعَ غَائِبٍ ( كَتِينٍ وَعِنَبٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كِمَامَ لَهُ ( وَشَعِيرٍ ) لِظُهُورِهِ فِي سُنْبُلِهِ ( وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ ، وَالسِّمْسِمِ ( فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ ) لِاسْتِتَارِهِ ( وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ كَالْحِنْطَةِ فِي تِبْنِهَا بَعْدَ الدِّيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا ، وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ } أَيْ يَشْتَدَّ فَيَجُوزَ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حَبٍّ وَحَبٍّ .
وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ، وَالْأُرْزُ كَالشَّعِيرِ ، وَقِيلَ كَالْحِنْطَةِ ، وَالذُّرَةُ نَوْعَانِ : بَارِزُ الْحَبَّاتِ كَالشَّعِيرِ ، وَفِي كِمَامٍ كَالْحِنْطَةِ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِمَا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِ مَقْصُودِهَا وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ السِّلْقَ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ .
أَمَّا مَا يَظْهَرُ مَقْصُودُهُ عَلَى وَجْهِهَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَكْثَرِ بِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْبَقْلِ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ وَرَقِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالْبُقُولِ ( وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ ( لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ ) كَالرُّمَّانِ وَالْعَلْسِ وَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ فِي سُنْبُلِهِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْعَلْسِ وَالْأُرْزِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ
السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْأَوْصَافَ ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْقِشْرِ خِفَّةً وَرَزَانَةً ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنَّفِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْأُرْزِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَقْشُورِ ( وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا ) وَهِيَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَقْصُورًا : الْفُولُ ( يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ( وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى ) لَا عَلَى الشَّجَرِ وَلَا عَلَى الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ .
نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ كَالرُّمَّانِ ؛ وَلِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَعْلَى لَا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ بِبَغْدَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الْبَاقِلَّا الرَّطْبَ .
رُدَّ بِأَنَّ هَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَنَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ ، وَبِأَنَّ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ تَوَقُّفًا ؛ لِأَنَّ الرَّبِيعَ إنَّمَا صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ لَا بِبَغْدَادَ لَكِنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ كَثِيرُونَ ( وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا ) لِتَعَلُّقِ الصَّلَاحِ بِهِ حَيْثُ إنَّهُ يَصُونُ الْأَسْفَلَ وَيَحْفَظُ رُطُوبَةَ اللُّبِّ .
وَاللُّوبِيَا كَالْفُولِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالرَّطْبِ امْتِنَاعُهُ إذَا جَفَّ قَطْعًا ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إذَا لَمْ نُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّوْزِ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى قَبْلَ انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَاسَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ .
تَنْبِيهٌ :
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كِمَامَانِ مُعْتَرَضٌ ؛ لِأَنَّ الْكِمَامَ جَمْعُ كِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكِمَامَةٌ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قِشْرَانِ أَوْ كِمَّانِ أَوْ كِمَامَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ ، لِأَنَّ مُرَادَهُ فَرْدَانِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكِمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَالْكَتَّانُ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَالسَّاسُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى ا هـ .
وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ مَعَ بَزْرِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا .
وَبُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ ، وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ ، وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ .
( وَبُدُوُّ صَلَاحِ ) الْأَشْيَاءِ صَيْرُورَتُهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا فَفِي ( الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا ( وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ ) مِنْهُ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ الشَّارِحُ : وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَأَى فِي إسْقَاطِهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ .
وَفِي تَكْمِلَةِ الصِّحَاحِ لِلصَّغَانِيِّ تَمَوَّهَ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ : إذَا امْتَلَأَ مَاءً وَتَهَيَّأَ لِلنُّضْجِ ، وَقَوْلُهُ فِيمَا إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِظُهُورٍ وَبُدُوٍّ ( وَفِي غَيْرِهِ ) وَهُوَ مَا يَتَلَوَّنُ : أَيْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ ( بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ ) أَوْ الصُّفْرَةِ كَالْبَلَحِ وَالْعُنَّابِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ ، وَفِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ بِأَنْ يُجْبَى مِثْلُهُ غَالِبًا لِلْأَكْلِ ، وَفِي الْحُبُوبِ اشْتِدَادُهَا ، وَفِي نَحْوِ وَرَقِ التُّوتِ تَنَاهِيهِ ، وَفِي نَحْوِ الْوَرْدِ انْفِتَاحُهُ .
فَائِدَةٌ : جَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ .
أَحَدُهَا : بِاللَّوْنِ كَصُفْرَةِ الْمِشْمِشِ وَحُمْرَةِ الْعُنَّابِ وَسَوَادِ الْإِجَّاصِ وَبَيَاضِ التُّفَّاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
ثَانِيهَا : الطَّعْمُ كَحَلَاوَةِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَحُمُوضَةِ الرُّمَّانِ إذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ .
ثَالِثُهَا : النُّضْجُ فِي التِّينِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِمَا .
وَذَلِكَ بِأَنْ تَلِينَ صَلَابَتُهُ .
رَابِعُهَا : بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ .
خَامِسُهَا : بِالطُّولِ وَالِامْتِلَاءِ كَالْعَلَفِ وَالْبُقُولِ .
سَادِسُهَا : بِالْكِبَرِ كَالْقِثَّاءِ .
سَابِعُهَا : بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ .
ثَامِنُهَا : بِانْفِتَاحِهِ كَالْوَرْدِ وَوَرَقِ التُّوتِ ( وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ ) لِصِحَّةِ بَيْعِ كُلِّهِ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ أَشْجَارٍ مُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ وَلَوْ حَبَّةً وَاحِدَةً مِنْ عِنَبٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ نَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا فَجَعَلَ الثِّمَارَ لَا
تَطِيبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً إطَالَةً لِزَمَنِ التَّفَكُّهِ .
فَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي الْمَبِيعِ طِيبُ جَمِيعِهِ لَأَدَّى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ يَتْلَفُ أَوْ تُبَاعَ الْحَبَّةُ بَعْدَ الْحَبَّةِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَرَجٌ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْآخَرِ .
وَأَمَّا النَّوْعُ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ كَالْبَرْنِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ فِي التَّأْبِيرِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَضُرُّ .
وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بَسَاتِينَ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ .
( وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بُسْتَانَيْنِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ ) وَاتَّحَدَ جِنْسُهُ ( فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ ) فَيُتْبَعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الْبُسْتَانِ أَوْ كُلٍّ مِنْ الْبَسَاتِينِ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَتْبَعُ جِنْسٌ غَيْرَهُ ، وَلَوْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا تَبَعِيَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي ثَمَرِ الْآخَرِ .
وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا ، وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه بَعْدَهَا .
( وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ ) مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَأَبْقَى ( لَزِمَهُ سَقْيُهُ ) إنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى ( قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا ) قَدْرَ مَا يَنْمُو بِهِ وَيَسْلَمُ مِنْ التَّلَفِ وَالْفَسَادِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّقْيُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ ، وَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ سَقْيٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَوْ كَبُرَتْ وَكَانَ لَا يَتَأَتَّى قَطْعُهَا إلَّا فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّقْيِ أَنَّا نُكَلِّفُهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ، وَيَسْتَمِرُّ اللُّزُومُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ ( وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه ) أَيْ الثَّمَنِ ( بَعْدَهَا ) أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، هَذَا إنْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ .
أَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَبْضِ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ هُنَاكَ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ قَبْضِهَا عَلَى النَّقْلِ .
وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا كَبَرْدٍ فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي .
( وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا ) أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةِ ( كَبَرْدٍ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ أَوْ حَرٍّ أَوْ جَرَادٍ أَوْ حَرِيقٍ ( فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ كَافِيَةٌ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ ، فَكَانَتْ كَافِيَةً فِي جَوَازِ نَقْلِ الضَّمَانِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ ، وَالْقَدِيمُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ } .
وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ .
تَنْبِيهٌ : تَمْثِيلُهُ بِالْبَرَدِ يُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُهْلِكُ سَمَاوِيًّا ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، فَإِنْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا لِإِمْكَانِ الْحِفْظِ مِنْهُ وَالتَّغْرِيمِ ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ تَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ ، وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ دُونَ الشَّجَرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا ، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِ قَطْعًا لِانْقِطَاعِ الْعَلَائِقِ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ عَرَضَ الْمُهْلِكُ بَعْدَ إمْكَانِ الْجُذَاذِ فَكَذَا فِي أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِالْجَائِحَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْجَدِيدِ .
أَمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْمُشْتَرِي ، وَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَنَظَائِرِهِ .
فَلَوْ تَعَيَّبَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ فَلَهُ الْخِيَارُ ، وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي .
( فَلَوْ تَعَيَّبَ ) الثَّمَرُ الْمَبِيعُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرَةِ ( بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ ، فَلَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْخِيَارُ ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَ الْبَائِعَ التَّنْمِيَةَ بِالسَّقْيِ وَالتَّعْيِيبُ بِتَرْكِهِ كَالتَّعْيِيبِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ بِذَلِكَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَيْضًا ، هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ السَّقْيُ وَإِلَّا بِأَنْ غَارَتْ الْعَيْنُ أَوْ انْقَطَعَ النَّهْرُ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ ، وَلَا يُكَلَّفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِيلَ مَاءٍ آخَرَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ ، وَكَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ فِي السِّلْسِلَةِ ، فَإِنْ آلَ التَّعْيِيبُ إلَى التَّلَفِ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ الْبَائِعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( وَلَوْ بِيعَ ) ثَمَرٌ ( قَبْلَ ) بُدُوِّ ( صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ ) بِجَائِحَةٍ ( فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ) مِمَّا لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْقَطْعِ الْمَشْرُوطِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ مَذْكُورَةٌ فِي أَصْلِهَا .
تَنْبِيهٌ : فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ فِيمَا قَبْلَ الصَّلَاحِ وَكَذَا فِي الشَّرْحَيْنِ ، وَفَرَضَ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّهِ ، وَحُكْمُهَا عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاحِدٌ ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّقْيِيدِ ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِيَشْمَلَ الْحَالَيْنِ .
وَلَوْ بِيعَ ثَمَّ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ ، وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ بِيعَ ) ثَمَرٌ أَوْ زَرْعٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ ( يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ ) وَبِطِّيخٍ ( وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ ) الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ ( إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ ) أَوْ زَرْعِهِ خَوْفًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ ، وَاحْتَرَزَ : بِيَغْلِبُ عَمَّا إذَا نَدَرَ الِاخْتِلَاطُ ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ عَدَمَ الِاخْتِلَاطِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ الْحَالُ ، وَلَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالنَّادِرِ ( وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ ) قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فِيمَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّلَاحُقُ وَالِاخْتِلَاطُ ، أَوْ ( فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ ، وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالطَّرِيقِ الْآتِي ( بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
وَالثَّانِي : يَنْفَسِخُ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، وَنُقِلَ هَذَا عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ( فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ ) لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ ، وَيَمْلِكُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالْإِعْرَاضِ كَمَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ السَّنَابِلِ .
فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ عَوْدَ النَّعْلِ إلَى الْمُشْتَرِي مُتَوَقَّعٌ ، وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمْيِيزِ حَقِّ الْمُشْتَرِي .
وَالثَّانِي : لَا يَسْقُطُ لِمَا فِي قَبُولِهِ مِنْ الْمِنَّةِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَوَّلًا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفَسْخِ ، فَإِنْ بَادَرَ الْبَائِعُ أَوَّلًا فَسَامَحَ
سَقَطَ خِيَارُهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ خَيَّرُوا الْبَائِعَ أَوَّلًا ، فَإِنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَإِلَّا فُسِخَ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ نُقِلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ ، وَخَرَجَ بِقَبْلِ التَّخْلِيَةِ الَّتِي قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَهَا فَلَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَلْ إنْ تَوَافَقَا عَلَى قَدْرٍ فَذَاكَ وَإِلَّا صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ ، وَهَلْ الْيَدُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا فِيهِ أَوْجُهٌ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَ الثَّانِي ، وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُمَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِ الْبَائِعِ ثَمَرَتَهُ ، فَإِنْ شَرَطَ فَلَمْ يَقْطَعْ أَوْ كَانَتْ مِمَّا قُدِّرَ تَلَاحُقُهَا وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كَمَا سَبَقَ فِي ثِمَارِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفَسِخْ ، بَلْ مَنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ لِصَاحِبِهِ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى الْقَبُولِ ، وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ بَاعَ جِزَّةً مِنْ الْقَتِّ مَثَلًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى طَالَتْ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ جَرَى الْقَوْلَانِ وَيَجْرِيَانِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فَانْصَبَّ عَلَيْهَا مِثْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا فِي الْمَائِعَاتِ ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الثَّوْبُ بِأَمْثَالِهِ أَوْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ بِأَمْثَالِهَا فَالصَّحِيحُ الِانْفِسَاخُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الِاشْتِبَاهَ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءً ، وَفِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ الْإِشَاعَةُ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ .
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ ، وَلَا الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ .
( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ ) مِنْ التِّبْنِ ( وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ ، وَلَا ) بَيْعُ ( الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ : وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةٍ فَرَقٍ مِنْ التَّمْرِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : إنْ كَانَ هَذَا التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّاوِي فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَفْسِيرِ مَا رَوَاهُ ، وَلِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمُحَاقَلَةِ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ حِنْطَةٌ وَتِبْنٌ بِحِنْطَةٍ فَبَطَلَ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ ، فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَرْئِيٌّ وَالْمُمَاثَلَةُ بِشَرْطٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، أَوْ بَاعَ زَرْعًا قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبِّ بِحَبٍّ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَشِيشَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ رِبَوِيًّا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ كَالْحُلْبَةِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِحَبِّهِ ، وَبِهِ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالْمُحَاقَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقْلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ جَمْعُ حَقْلَةٍ ، وَهِيَ السَّاحَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي لَا بِنَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِزَرْعٍ فِي حَقْلِهِ ، وَالْمُزَابَنَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّبْنِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْبَاءِ ، وَهُوَ الدَّفْعُ لِكَثْرَةِ الْغَبْنِ فِيهَا فَيُرِيدُ الْمَغْبُونُ دَفْعَهُ وَالْغَابِنُ إمْضَاءَهُ فَيَتَدَافَعَانِ .
تَنْبِيهٌ : فَائِدَةٌ ذِكْرُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ تَسْمِيَتُهَا بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَا مِمَّا مَرَّ .
وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا ، وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ، وَلَوْ زَادَ فِي صَفْقَتَيْنِ جَازَ .
( وَيُرَخَّصُ فِي ) بَيْعِ ( الْعَرَايَا ) جَمْعُ عَرِيَّةٍ ، وَهِيَ مَا يُفْرِدُهَا مَالِكُهَا لِلْأَكْلِ ؛ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ ( وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ ) خَرْصًا ( بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ ) كَيْلًا ( أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ ) خَرْصًا ( بِزَبِيبٍ ) فِي الْأَرْضِ كَيْلًا ، هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ : بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بِالتَّمْرِ } بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ { وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا } وَقِيسَ بِهِ الْعِنَبُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ يَابِسُهُ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا ، وَكَالرُّطَبِ الْبُسْرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
قِيلَ وَمِثْلُهُ الْحِصْرِمُ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ بِهِ صَلَاحُ الْعِنَبِ وَبِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ كِبَرُهُ بِخِلَافِ الْبُسْرِ فِيهِمَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْجَوَازِ فِي الْعَرَايَا مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالثَّمَرِ زَكَاةٌ كَأَنْ خُرِصَتْ عَلَيْهِ وَضَمِنَ أَوْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ أَوْ لِنَقْصِهَا عَنْ النِّصَابِ أَوْ لِكُفْرِ صَاحِبِهَا ، وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ ( فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ) تَحْدِيدًا بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا
دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ } شَكَّ دَاوُد بْنُ حُصَيْنٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ ، وَيَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا قَطْعًا ، وَحَيْثُ زَادَ عَلَى مَا دُونَهَا يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي فَصْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالزِّيَادَةِ رِبًا فَبَطَلَ جَمِيعُهُ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : يَكْفِي نَقْصُ رُبُعِ مُدٍّ ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى تَفَاوُتِ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ ، فَإِنَّ رُبُعَ الْمُدِّ وَالْمُدَّ يَقَعُ التَّفَاوُتُ بِهِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا فِي الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسَةِ أَوْ مَا دُونَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَافِّ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ الْآنَ أَكْثَرَ ، فَإِنْ تَلِفَ الرُّطَبُ أَوْ الْعِنَبُ فَذَاكَ ، وَإِنْ جُفِّفَ وَظَهَرَ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ ( وَلَوْ زَادَ ) عَلَى مَا دُونَهَا ( فِي صَفْقَتَيْنِ ) كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَهَا ( جَازَ ) قِيَاسًا عَلَى الصَّفْقَةِ الْأُولَى ، وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا هُنَا إلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ حَيْثُ قَطَعُوا فِيهِ بِالتَّعَدُّدِ دُونَ جَانِبِ الْبَائِعِ عَكْسَ مَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّمْرُ تَابِعٌ ، فَلَوْ بَاعَ رَجُلَانِ مَثَلًا لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً جَازَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ لَا فِيمَا فَوْقَهُ ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِيمَا دُونَ عَشَرَةٍ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ : وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا فَرَّعَهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ ، وَهُوَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ .
وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ كَيْلًا ، وَالتَّخْلِيَةُ فِي النَّخْلِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ .
( وَيُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا ( التَّقَابُضُ ) فِي الْمَجْلِسِ ( بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ ) أَوْ الزَّبِيبِ إلَى الْبَائِعِ ( كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي ) رُطَبِ ( النَّخْلِ ) أَوْ عِنَبِ الْكَرْمِ ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ بِمَطْعُومٍ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ : بِتَسْلِيمِ الْجَافِّ كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ كَانَ أَوْلَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ) بَيْعُ مِثْلِ الْعَرَايَا ( فِي سَائِرِ الثِّمَارِ ) أَيْ بَاقِيهَا كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَاللَّوْزِ مِمَّا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ ؛ لِأَنَّهَا مُتَفَرِّقَةٌ مَسْتُورَةٌ بِالْأَوْرَاقِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخَرْصُ فِيهَا .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ كَمَا جَازَ فِي الْعِنَبِ بِالْقِيَاسِ ( وَ ) الْأَظْهَرُ ( أَنَّهُ ) أَيْ بَيْعَ الْعَرَايَا ( لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ ) بَلْ يَجْرِي فِي الْأَغْنِيَاءِ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ فِيهِ .
وَالثَّانِي : يَخْتَصُّ بِهِمْ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { أَنَّ رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فَضْلُ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ } وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهَذِهِ حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ ، ثُمَّ قَدْ يَعُمُّ الْحُكْمُ كَمَا فِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي .
أَمَّا حَاجَةُ الْبَائِعِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَطْعًا .
وَقَالَ مَالِكٌ : تُعْتَبَرُ حَاجَةُ الْبَائِعِ .
خَاتِمَةٌ : قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي : ضَابِطُ الْغَنِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ عِنْدَهُ نَقْدٌ ، فَمَنْ لَا نَقْدَ عِنْدَهُ فَقِيرٌ وَإِنْ مَلَكَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَرِيَّةَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا جَازَ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : يَبْطُلُ الْعَقْدُ ؛
لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَهْلُهَا رُطَبًا .
بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ ، أَوْ صِفَتِهِ أَوْ الْأَجَلِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا .
بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ ( إذَا اتَّفَقَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ ( عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ ) وَمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ أَكْثَرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ ، كَأَنْ يَدَّعِيَ عَشَرَةً وَالْمُشْتَرِي تِسْعَةً ( أَوْ صِفَتِهِ ) كَأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِصِحَاحٍ وَالْمُشْتَرِي بِمُكَسَّرَةٍ أَوْ جِنْسِهِ : كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِذَهَبٍ وَالْمُشْتَرِي بِفِضَّةٍ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ( أَوْ الْأَجَلِ ) بِأَنْ أَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي وَنَفَاهُ الْبَائِعُ ( أَوْ قَدْرَهُ ) كَشَهْرٍ وَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ ، أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ رَهْنٍ ، أَوْ كَفِيلٍ فَيُنْكِرُ الْمُشْتَرِي ( أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ ) كَقَوْلِ الْبَائِعِ : بِعْتُك صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي : بَلْ صَاعَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا مَثَلًا ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا بِأَنْ لَمْ يُؤَرِّخَا بِتَارِيخَيْنِ ( تَحَالَفَا ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ مُدَّعٍ وَتَخْصِيصُهُ الْبَيْعَ بِالذِّكْرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى الْقِرَاضِ وَالْجَعَالَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ طَرْدًا لِلْمَعْنَى ، وَلَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى الْفَسْخِ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِلَا تَحَالُفٍ ، وَلَا لِعَدَمِ رُجُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ فِي الثَّالِثَ .
وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ .
وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْأَصْحَابُ بِالتَّحَالُفِ فِي الْكِتَابَةِ مَعَ جَوَازِهَا مِنْ جَانِبِ الرَّقِيقِ ، وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِ التَّحَالُفِ فِي زَمَنِ
الْخِيَارِ بِإِمْكَانِ الْفَسْخِ فِي زَمَنِهِ .
أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحَالُفَ لَمْ يُوضَعْ لِلْفَسْخِ بَلْ عَرَضَتْ الْيَمِينُ رَجَاءَ أَنْ يَنْكُلَ الْكَاذِبُ فَيَتَقَرَّرَ الْعَقْدُ بِيَمِينِ الصَّادِقِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : وَاتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الصِّحَّةِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا فِي عَقْدٍ ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَا هَلْ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ فَلَا تَحَالُفَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الصِّحَّةِ وُجُودُهَا ، فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا : لَوْ قَالَ : بِعْتُك بِأَلْفٍ ، فَقَالَ : بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِقِّ خَمْرٍ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى نَفْيِ سَبَبِ الْفَسَادِ ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ ، وَبِقَوْلِهِ : وَلَا بَيِّنَةَ : أَيْ أَوْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا مَرَّ عَمَّا إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ مَالِكَيْنِ أَوْ وَكِيلَيْنِ أَوْ مَالِكًا وَوَكِيلًا ، وَفِي تَحَالُفِ الْوَكِيلَيْنِ وَجْهَانِ : رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا التَّحَالُفَ ، وَفَائِدَتُهُ الْفَسْخُ أَوْ أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا فَيَحْلِفَ الْآخَرُ وَيَقْضِيَ لَهُ ، وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يَحْلِفُ فِيهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْأَصَحِّ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ بِيَمِينِهِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْحَالُ بَعْدَ التَّحَالُفِ إلَى الْفَسْخِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ التَّحَالُفِ مَسَائِلُ : مِنْهَا مَا لَوْ تَقَايَلَا فِي الْعَقْدِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ ، بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ .
، وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا ، كَأَنْ يَقُولَ : بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَيَقُولُ : بَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلَا تَحَالُفَ جَزْمًا إذَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى بَيْعٍ صَحِيحٍ وَاخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ ، بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ عَلَى الْأَصْلِ .
، وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَ وَلِيُّ مَحْجُورٍ مَعَ مُسْتَقِلٍّ وَكَانَ الْمَبِيعُ تَالِفًا وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي يَرْجِعُ إلَيْهَا عِنْدَ الْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ أَكْثَرَ مِنْ الشَّيْءَ الَّذِي سَمَّاهُ فَإِنَّهُ لَا تَحَالُفَ وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْفَسْخُ رَجَعَ الْحَالُ إلَى غُرْمِ الْقِيمَةِ ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا ذُكِرَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الصَّدَاقِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ فَقَطْ وَاتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا تَرْجِيحَهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ مِنْ عَدَمِ التَّحَالُفِ .
وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَبِيعَ هَذَا الْعَبْدُ ، وَالْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْجَارِيَةُ وَلَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ سُلِّمَتْ لِلْمُشْتَرِي وَيُقَرُّ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ وَإِلَّا فَيُتْرَكُ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يَدَّعِيَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَقِيلَ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ ، فَإِنْ أُرِّخَتَا قَضَى بِمُقَدَّمَةِ التَّارِيخِ ، وَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ ، وَإِذَا أَخَذَهُ الْقَاضِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ إنْ كَانَ كَسُوبًا وَإِلَّا بَاعَهُ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهِ وَحُفِظَ ثَمَنُهُ ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ .
فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ ، وَيَبْدَأُ بِالْبَائِعِ وَفِي قَوْلٍ بِالْمُشْتَرِي ، وَفِي قَوْلٍ يَتَسَاوَيَانِ فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ ، وَقِيلَ يُقْرَعُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَيُقَدَّمُ النَّفْيُ فَيَقُولُ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا ، وَإِذَا تَحَالَفَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ ، بَلْ إنْ تَرَاضَيَا وَإِلَّا فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ ، ثُمَّ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ مَاتَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَهِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ .
وَإِذَا وَقَعَ التَّحَالُفُ ( فَيَحْلِفُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ ) لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ : مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ ، فَيَنْفِي مَا يُنْكِرُهُ وَيَثْبُتُ مَا يَدَّعِيهِ .
نَعَمْ إنَّمَا يَحْلِفُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ ، فَيُنْكِرُ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ ( وَيَبْدَأُ ) فِي الْيَمِينِ ( بِالْبَائِعِ ) نَدْبًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ مَعَ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا ، وَقِيلَ وُجُوبًا وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، وَإِنَّمَا بُدِئَ بِهِ ، لِأَنَّ جَانِبَهُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ الْفَسْخِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى التَّحَالُفِ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَى الثَّمَنِ قَدْ تَمَّ بِالْعَقْدِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَبْدَأُ ( بِالْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ثَمَنٍ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي مِلْكِهِ فَيَقْوَى جَانِبُهُ ( وَفِي قَوْلٍ يَتَسَاوَيَانِ ) ؛ لِأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَا تَرْجِيحَ وَعَلَى هَذَا ( فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ ) فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ مِنْهُمَا ( وَقِيلَ يُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ حَضَرَا مَعًا لِلدَّعْوَى فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَتَقْدِيمُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا بَاعَ عَرْضًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ .
أَمَّا إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَّجِهُ إلَّا التَّسْوِيَةَ ، وَالزَّوْجُ فِي الصَّدَاقِ كَالْبَائِعِ فَيَبْدَأُ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِبَقَاءِ التَّمَتُّعِ لَهُ كَمَا قَوِيَ جَانِبُ الْبَائِعِ بِعَوْدِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ يَظْهَرُ فِي الصَّدَاقِ لَا فِي الْبُضْعِ وَهُوَ بَاذِلُهُ فَكَانَ كَبَائِعِهِ ( وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا ) لِقَوْلِ صَاحِبِهِ ( وَإِثْبَاتًا ) لِقَوْلِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ وَمَنْفِيَّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي ضِمْنِ مُثْبِتِهِ فَجَازَ
التَّعَرُّضُ فِي الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ؛ وَلِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفْرِدُ النَّفْيَ بِيَمِينٍ وَالْإِثْبَاتَ بِأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْلَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْصُوصٌ مَقْطُوعٌ بِهِ ، وَقَوْلُهُ : وَيَكْفِي فِيهِ إشْعَارٌ بِجَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْيَمِينِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافَهُ ( وَيُقَدَّمُ ) فِي الْيَمِينِ ( النَّفْيُ ) نَدْبًا لَا وُجُوبًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( فَيَقُولُ ) الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَثَلًا : وَاَللَّهِ ( مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا ) وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي : وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا ، وَلَقَدْ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ : يَقُولُ الْبَائِعُ : مَا بِعْتُ إلَّا بِكَذَا ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي : مَا اشْتَرَيْتُ إلَّا بِكَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ ، وَيَلْزَمُهُ الِاكْتِفَاءُ أَيْضًا بِإِنَّمَا بِعْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَكْتَفُونَ فِي ذَلِكَ بِالتَّصْرِيحِ .
تَنْبِيهٌ : يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى صِيغَةِ حَصْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي الْبَائِعِ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعْتُ بِكَذَا ، وَفِي الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى الْحَصْرِ بَعْدَ النَّفْيِ ( وَإِذَا تَحَالَفَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ ) بِنَفْسِ التَّحَالُفِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً لَمْ يَنْفَسِخْ فَبِالتَّحَالُفِ أَوْلَى ( بَلْ إنْ تَرَاضَيَا ) عَلَى مَا قَالَهُ أَحَدُهُمَا أُقِرَّ الْعَقْدُ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ وَإِنْ سَمَحَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِمَا ادَّعَاهُ أُجْبِرَ الْآخَرُ وَإِنْ
أَعْرَضَا عَنْ الْخُصُومَةِ أَعْرَضَ عَنْهُمَا كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي ، وَيُفْهِمُهُ كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَإِنْ فَهِمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ خِلَافَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اسْتَمَرَّ نِزَاعُهُمَا ( فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ( أَوْ الْحَاكِمُ ) لِقَطْعِ النِّزَاعِ وَحَقُّ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَالُفِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَوْ لَمْ يَفْسَخَا فِي الْحَالِ كَانَ لَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ لِبَقَاءِ الضَّرَرِ الْمُحْوِجِ لِلْفَسْخِ ( وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَفْسَخُ أَحَدُهُمَا وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّحَالُفُ عِنْدَ حَاكِمٍ ، فَلَوْ تَحَالَفَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِأَيْمَانِهِمَا تَأْثِيرٌ فِي فَسْخٍ وَلَا لُزُومٍ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَإِذَا فَسَخَا انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَالْإِقَالَةِ ، وَكَذَا إنْ فَسَخَ الْقَاضِي أَوْ الصَّادِقُ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِمَا إلَى حَقِّهِمَا كَمَا فِي الْفَسْخِ بِالْإِفْلَاسِ ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ ، وَإِنْ فَسَخَ الْكَاذِبُ لَمْ يَنْفَسِخْ بَاطِنًا لِتَرَتُّبِهِ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ ، وَطَرِيقُ الصَّادِقِ إنْشَاءُ الْفَسْخِ إنْ أَرَادَ الْمِلْكَ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَإِنْ أَنْشَأَ الْفَسْخَ أَيْضًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ ظَفِرَ بِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُ فَيَتَمَلَّكُهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِلَّا فَيَبِيعُهُ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَلِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ حَالَ النِّزَاعِ وَقَبْلَ التَّحَالُفِ عَلَى الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَفِي جَوَازِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا جَوَازُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ .
( ثُمَّ ) بَعْدَ الْفَسْخِ ( عَلَى
الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ ) إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِثَالِثٍ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ ، وَكَذَا عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الرَّادِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِرَدِّ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَيْنِ كَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ ( فَإِنْ ) تَلِفَ شَرْعًا ( كَأَنْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ ) تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَأَنْ ( كَاتَبَهُ أَوْ ) تَلِفَ حِسًّا كَأَنْ ( مَاتَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ زَادَتْ عَلَى ثَمَنِهِ وَمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ خِلَافًا لِمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي ( وَهِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا ( فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ ) إذْ مَوْرِدُ الْفَسْخِ الْعَيْنُ ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلْتُعْتَبَرْ عِنْدَ فَوَاتِ أَصْلِهَا وَفَارَقَ اعْتِبَارُهَا بِمَا ذَكَرَ اعْتِبَارَهَا لِمَعْرِفَةِ الْأَرْشِ بِأَقَلَّ قِيمَتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا ثَمَّ لَا لِيَغْرَمَ بَلْ لِيَعْرِفَ مِنْهَا الْأَرْشَ ، وَهُنَا الْقِيمَةُ فَكَانَ اعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِتْلَافِ أَلْيَقَ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَالثَّانِي : قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ يَوْمِ دُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ .
وَالرَّابِعُ : أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ فَتُعْتَبَرُ أَعْلَى الْقِيَمِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي عِنْدَ بَقَاءِ الْعِوَضِ وَتَلَفِهِ ، وَاعْتَرَضَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي بَعْدَ التَّلَفِ .
.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ يَعْتَمِدُ الْمَرْدُودَ ، وَالْفَسْخَ يَعْتَمِدُ
الْعَقْدَ ، وَبِأَنَّ الرَّدَّ يَلْحَقُهُ الْأَرْشُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ .
وَإِنَّ تَعَيَّبَ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ .
وَاخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا كَهُمَا .
( وَإِنْ تَعَيَّبَ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ ) وَهُوَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ فَكَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا بِبَعْضِهَا ، وَوَطْءُ الثَّيِّبِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَلَا أَرْشَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَهَنَهُ ، فَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَخَذَ الْقِيمَةَ أَوْ انْتَظَرَ الْفِكَاكَ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ ذَكَرُوا فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَكَانَ الصَّدَاقُ مَرْهُونًا وَقَالَ : انْتَظِرْ الْفِكَاكَ لِلرُّجُوعِ فَلَهَا إجْبَارُهُ عَلَى قَبُولِ نِصْفِ الْقِيمَةِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَطَرِ الضَّمَانِ ، فَالْقِيَاسُ هُنَا إجْبَارُهُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَدْ حَصَلَ لَهَا كَسْرٌ بِالطَّلَاقِ فَنَاسَبَ جَبْرُهَا بِإِجَابَتِهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَجَّرَهُ رَجَعَ فِيهِ مُؤَجَّرًا وَلَا يَنْتَزِعُهُ مِنْ يَدِ الْمُكْتَرِي حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمُسَمَّى لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ لِلْبَائِعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ إلَى انْقِضَائِهَا ( وَاخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا ) أَوْ وَارِثِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ ( كَهُمَا ) أَيْ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ فِي مَالٍ ، فَقَامَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَالْيَمِينِ فِي دَعْوَى الْمَالِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً ، أَوْ بَيْنَ الْمُوَرِّثِينَ ثُمَّ يَمُوتَانِ قَبْلَ التَّحَالُفِ ، وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى الْبَتِّ وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي النَّفْيِ ، وَيَجُوزُ لِلْوَارِثِ الْحَلِفُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ مُوَرِّثِهِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ وَهَبْتَنِيهِ فَلَا تَحَالُفَ بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ مُدَّعِي الْهِبَةِ بِزَوَائِدِهِ .
( وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ : بَلْ وَهَبْتَنِيهِ ) أَوْ رَهَنْتَنِيهِ ( فَلَا تَحَالُفَ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ ( بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ ) كَسَائِرِ الدَّعَاوَى ( فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ ) لُزُومًا ( مُدَّعِي الْهِبَةِ ) أَوْ الرَّهْنِ ( بِزَوَائِدِهِ ) مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَرُدُّ الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُدُوثِهَا فِي مِلْكِ الرَّادِّ بِدَعْوَاهُ الْهِبَةَ وَإِقْرَارِ الْبَائِعِ لَهُ بِالْبَيْعِ ، فَهُوَ كَمَنْ وَافَقَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ وَخَالَفَ فِي الْجِهَةِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَبِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ نَفْيَ دَعْوَى الْآخَرِ فَتَسَاقَطَتَا وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ تَسَاقُطِهِمَا فَمُدَّعِي الْهِبَةِ لَمْ يُوَافِقْ الْمَالِكَ عَلَى مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا .
فَالْعِبْرَةُ بِالتَّوَافُقِ عَلَى نَفْسِ الْإِقْرَارِ لَا عَلَى لَازِمِهِ .
وَلَوْ ادَّعَى صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ .
( وَلَوْ ادَّعَى ) أَحَدُهُمَا ( صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ ) كَأَنْ ادَّعَى اشْتِمَالَهُ عَلَى شَرْطٍ ( فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ ، وَالظَّاهِرُ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ .
وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ مُدَّعِي الْفَسَادِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، وَإِنَّمَا رَجَحَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ لِاعْتِضَادِهِ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْتِزَامِ الْعُقُودِ ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ : مِنْهَا مَا إذَا بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ أَرْضٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَهَا فَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ ذِرَاعًا مُعَيَّنًا مُبْهَمًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْإِشَاعَةَ ، فَالْمُصَدَّقُ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ : كَاتَبْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ وَعَرَّفَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا يَكُونُ وُجُودُهُ شَرْطًا كَبُلُوغِ الْبَائِعِ كَأَنْ بَاعَهُ ثُمَّ قَالَ : لَمْ أَكُنْ بَالِغًا حِينَ الْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَاحْتَمَلَ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ السَّيِّدُ : كَاتَبْتُك عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ الرَّقِيقُ : بَلْ عَلَى نَجْمَيْنِ ؛ فَإِنَّ الرَّقِيقَ هُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ مُشْتَرِي الْمَغْصُوبِ : كُنْتُ أَظُنُّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَأَنَا الْآنَ لَا أَقْدِرُ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ لَاعْتِضَادِهِ بِقِيَامِ الْغَصْبِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَفَا هَلْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ أَوْ اعْتِرَافٍ فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي وُقُوعِهِ عَلَى إنْكَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ، وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ : أَذِنْت فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ رَهْنِ الثَّمَنِ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ : بَلْ مُطْلَقًا فَالْمُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ هَكَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَلَيْسَ مِمَّا
نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقَعْ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ ، وَلَا مِنْ نَائِبِهِمَا ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : رَأَيْتُ الْمَبِيعَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ اخْتَلَفَا هَلْ شَرَطَ الْقَطْعَ أَوْ لَا ، أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ، فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا الِاخْتِلَافُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَجْرِي فِي غَيْرِ الْبَيْعِ كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَلَوْ ادَّعَى صِحَّةَ الْعَقْدِ لَكَانَ أَوْلَى .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ) مَثَلًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ ( فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ : لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ وَبَقَاءِ الْعَقْدِ ( وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ ) بِأَنْ يَقْبِضَ الْمُسْلِمُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ثُمَّ يَأْتِي بِمَعِيبٍ فَيَقُولُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَيْسَ هَذَا الْمَقْبُوضُ ( يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ ) بِيَمِينِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْبُوضُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَالثَّانِيَ : يُصَدَّقُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَالْبَيْعِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُنْكِرِ ، وَهُنَاكَ اعْتَرَفَ بِقَبْضِهِ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْفَسْخِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَقَيَّدْتُ الْعَبْدَ فِي كَلَامِهِ بِالْمُعَيَّنِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَبِيعِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ قُبِضَ الْبَيْعُ مَثَلًا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا ، فَإِنْ كَانَ قَدْرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِهِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ ؛ وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْقَبْضِ ، وَالْقَابِضُ يَدَّعِي الْخَطَأَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا لَوْ اقْتَسَمَا ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْخَطَأَ فِيهِ تَلْزَمُهُ الْبَيِّنَةُ ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَوَجَدَهُ خَمْرًا أَوْ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً ، وَقَالَ : هَكَذَا قَبْضَتُهُ مِنْك وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْدَقَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ شَيْئًا فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ لِابْنِهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ فَوَقَعَ
اخْتِلَافٌ كَأَنْ قَالَ الِابْنُ : بَاعَ أَبِي مَالِي فِي الصِّغَرِ لِنَفْسِهِ مُتَعَدِّيًا ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَاعَ وَكِيلِي مَالِي مُتَعَدِّيًا ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَتَعَدَّ الْوَلِيُّ وَلَا الْوَكِيلُ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْوَكِيلِ أَمِينٌ فَلَا يُتَّهَمُ إلَّا بِحُجَّةٍ .
بَابٌ الْعَبْدُ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدِهِ .
بَابٌ : فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ هَذَا الْبَابَ عَقِبَ الْقِرَاضِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُنَا وَتَرْجَمَ لَهُ بِمُدَايَنَةِ الْعَبْدِ ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ تَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ .
قَالَ الْإِمَامُ : تَصَرُّفَاتُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : مَا لَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ كَالْوِلَايَاتِ ، وَمَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْعِبَادَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ ( الْعَبْدُ ) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : لَفْظُ الْعَبْدِ يَشْمَلُ الْأَمَةَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ الثَّمَنِ بِالذِّمَّةِ وَلَا حَجْرَ لِسَيِّدِهِ فِيهَا ، وَنَسَبَ هَذَا الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدٌ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ الْآخَرُ ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( يَسْتَرِدُّهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ ( الْبَائِعُ ) أَيْ لَهُ طَلَبُ رَدِّهِ ( سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ ) يَدِ ( سَيِّدِهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ السَّيِّدُ إذَا أَدَّاهُ الرَّقِيقُ مِنْ مَالِهِ لِمَا ذُكِرَ ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَمْ سَيِّدِهِ ، فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ ، وَالْإِتْيَانُ بِأَوْ لُغَةٌ
قَلِيلَةٌ .
فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ ، أَوْ فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَاقْتِرَاضُهُ كَشِرَائِهِ .
( فَإِنْ تَلِفَ ) الْمَبِيعُ ( فِي يَدِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ ) فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِثُبُوتِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ وَالضَّابِطُ فِيمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ أَوْ يَتْلَفُ تَحْتَ يَدِهِ إنْ لَزِمَ بِغَيْرِ رِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَإِتْلَافٍ أَوْ تَلِفَ بِغَصْبٍ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ وَإِنْ لَزِمَ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ سَوَاءٌ رَآهُ السَّيِّدُ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَتَرَكَهُ أَمْ لَا أَوْ بِإِذْنِهِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ وَكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ ( أَوْ ) تَلِفَ ( فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ ) أَيْ السَّيِّدُ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ ( مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ ) أَيْضًا ( بَعْدَ الْعِتْقِ ) لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ لَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ ، وَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ وَتَلِفَ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا ( وَاقْتِرَاضُهُ ) وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مَا عَدَا النِّكَاحَ ( كَشِرَائِهِ ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ .
أَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَصِحُّ جَزْمًا ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مَعَ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ إذْنٍ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَظْهَرِ فِي النِّهَايَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ : أَيْ : لِأَنَّ عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونٌ لَهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ إذْنِهِ فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَعَهُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ الْمَأْذُونَ حَجْرٌ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي ، وَسُكُوتُ السَّيِّدِ لَا يَكْفِي كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا .
وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الْإِذْنِ ، فَإِنْ أَذِنَ فِي نَوْعٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ .
( وَإِنْ أَذِنَ لَهُ ) سَيِّدُهُ ( فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ زَالَ ، قَالَ : وَشَرَطَ فِي التَّنْبِيهِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَالِغًا رَشِيدًا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُتَقَدِّمِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ لَمْ أَجِدْهُ فِي الْحَاوِي فِي مَظَانِّهِ ، وَقَوْلُهُ : وَالْعَقْلُ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَصِحَّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْفَاسِقِ ، وَالْمُبَذِّرُ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَزِيدُ بِالْإِذْنِ عَلَى تَصَرُّفِ الْحُرِّ ( بِحَسَبِ الْإِذْنِ ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْإِذْنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الرَّقِيقِ ( فَإِنْ أَذِنَ ) لَهُ ( فِي نَوْعٍ ) كَالثِّيَابِ أَوْ فِي وَقْتٍ كَشَهْرِ كَذَا أَوْ فِي بَلَدٍ ( لَمْ يَتَجَاوَزْهُ ) كَالْوَكِيلِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَفُهِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِإِنْ الشَّرْطِيَّةِ أَنَّ تَعْيِينَ النَّوْعِ لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذَا قَالَ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ ا هـ .
وَيَسْتَفِيدُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ كُلُّ مَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اسْمِهَا وَمَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَتَوَابِعِهَا كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ إلَى الْحَانُوتِ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَمُخَاصَمَةٍ فِي عُهْدَةٍ ، وَالْمُرَادُ الْمُخَاصَمَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْمُعَامَلَةِ .
أَمَّا مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ ، وَهَذَا مِثْلُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ ، وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وَقَالَ لَهُ : اتَّجِرْ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ الْأَلْفِ وَبِقَدْرِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَزِيدُ .
فَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْأَلْفُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفَسِخْ عَقْدُهُ بَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يُوفِهِ السَّيِّدُ ، وَإِنْ اشْتَرَى
بِعَيْنِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : اجْعَلْهُ رَأْسَ مَالِكَ وَتَصَرَّفْ وَاتَّجَرَ ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ مَالٍ فَيَشْتَرِيَ بِالْإِذْنِ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ كَالْوَكِيلِ ، وَلَا يَحْتَاجُ الْإِذْنُ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ إلَى تَقْيِيدٍ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ .
وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحٌ وَلَا يُؤْجِرُ نَفْسَهُ ، وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي تِجَارَةٍ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ .
( وَلَيْسَ لَهُ ) بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ ( نِكَاحٌ ) لِنَفْسِهِ وَلَا لِرَقِيقِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ ( وَلَا يُؤْجِرُ نَفْسَهُ ) بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهِ ، فَكَذَا فِي مَنْفَعَتِهِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ وَلَهُ أَنْ يُؤْجِرَ مَالَ التِّجَارَةِ ثِيَابَهَا وَرَقِيقَهَا وَدَوَابَّهَا ( وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ ) أَيْ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ ( فِي تِجَارَةٍ ) بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ ، وَيَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ السَّيِّدِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ وَإِضَافَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ إلَيْهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ ، وَهَذَا فِي التَّصَرُّفِ الْعَامِّ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَصَرُّفٍ خَاصٍّ كَشِرَاءِ ثَوْبٍ جَازَ كَمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعَ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا غِنًى لَهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَفِي مَنْعِهِ مِنْهُ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ ( وَلَا يَتَصَدَّقُ ) وَلَوْ عَبَّرَ بِيَتَبَرَّعُ كَانَ أَعَمَّ لِيَشْمَلَ الْهِبَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يَتَّخِذُ دَعْوَةً ، وَهِيَ بِتَثْلِيثِ الدَّالِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ ، وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ : الطَّعَامُ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ لَوْ غَابَ السَّيِّدُ فَالْوَجْهُ الْجَوَازُ لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ وُجْدَانِ حَاكِمٍ يُرَاجِعُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُسَافِرُ بِمَالِ التِّجَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، وَلَا يَبِيعُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا نَسِيئَةً .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ بِلَا إذْنٍ ( وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ ) وَلَا رَقِيقَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ تَصَرَّفَهُ لِلسَّيِّدِ ، وَيَدُ رَقِيقِ السَّيِّدِ كَالسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا
يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَلَا يَشْتَرِي مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَحَّ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّقِيقُ مَدْيُونًا وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ ( وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ ) قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَجْرَ ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَبَقَ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إنْ خَصَّ السَّيِّدُ الْإِذْنَ بِبَلَدِهِ .
فَإِنْ عَادَ إلَى الطَّاعَةِ تَصَرَّفَ جَزْمًا ، وَلَوْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ تَنْعَزِلْ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ مَنَافِعِهَا ( وَلَا يَصِيرُ ) الرَّقِيقُ ( مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ ) ؛ لِأَنَّ مَا الْإِذْنُ فِيهِ شَرْطٌ لَا يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ كَبَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ .
وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ .
( وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ ) وَلَوْ لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعَادَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ أَنْسَبُ ، وَلَوْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ أَنَّهُ اسْتَعَارَهُ قُبِلَ مِنْهُ ، وَقِيلَ لَا ، ذَكَرَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضِهِ .
فَرْعٌ : لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ اسْتِخْدَامٌ لَا تَوْكِيلٌ ، وَقَدْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ ، وَفِي كِتَابَتِهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهَا حَجْرٌ وَإِجَارَتُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا كَذَلِكَ ، وَتَحِلُّ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ كَمَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَى الْحُرِّ بِمَوْتِهِ وَتُؤَدَّى مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ
وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ .
( وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ ) أَيْ لَمْ تَجُزْ لَهُ مُعَامَلَتُهُ حِفْظًا لِمَالِهِ ( حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ ) لَهُ ( بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ غَلَبَةُ الظَّنِّ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالشُّيُوعَ لَا يُفِيدَانِ إلَّا الظَّنَّ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَكَمَا يَكْفِي سَمَاعُهُ مِنْ السَّيِّدِ وَالشُّيُوعِ ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قَالَ : وَيَكْفِي خَبَرُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ ، بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ شُيُوعٍ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
قَالَ : وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ مَا يُقَامُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ إخْبَارُ عَدْلَيْنِ لَهُ ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي .
وَهَذِهِ الْأَبْحَاثُ كُلُّهَا ظَاهِرَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ إذْنُ السَّيِّدِ ( وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ ) أَنَّهُ لَا يَكْفِي ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مُحَقَّقٌ وَالزَّوَالُ مَشْكُوكٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَأُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رِقَّهُ وَلَا حُرِّيَّتَهُ جَازَ لَهُ مُعَامَلَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ ( وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ ) أَنَا مَأْذُونٌ لِي ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ ، فَلَوْ عَامَلَهُ فَبَانَ مَأْذُونًا لَهُ صَحَّ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا ، وَمِثْلُهُ لَوْ عَامَلَ مَنْ أُنْكِرَتْ وَكَالَتُهُ أَوْ عُرِفَ سَفَهُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى وَكِيلٌ وَفِي الثَّانِي رَشِيدٌ ، وَلَوْ قَالَ الْمَأْذُونُ لَهُ حَجْرٌ عَلَى سَيِّدِي لَمْ تَصِحَّ مُعَامَلَتُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ بِزَعْمِ الْعَاقِدِ فَلَا يُعَامَلُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ ، وَتَكْذِيبُ الْآذِنِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً : لَا أَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ مِنْ
الْإِذْنِ .
نَعَمْ ، لَوْ قَالَ : كُنْتُ أَذِنْتُ لَهُ وَأَنَا بَاقٍ عَلَيْهِ جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّقِيقُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ مُعَامَلَتِهِ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ السَّيِّدُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَامِلُ لَهُ سَمِعَ الْإِذْنَ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ قَالَ شَيْخُنَا : بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ ظَنَّ كَذِبَ الْعَبْدِ جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ ، ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ حَسَنٌ وَلِمَنْ عَلِمَهُ مَأْذُونًا لَهُ وَعَامَلَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْعِوَضَ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْإِذْنِ خَوْفًا مِنْ خَطِّ إنْكَارِ السَّيِّدِ ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَصْوِيرُهَا بِمَا إذَا عَلِمَ الْإِذْنَ بِغَيْرِ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ ، وَالْأَصْلُ دَوَامُ الْإِذْنِ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ شَخْصٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الرِّقِّ .
فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ لَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهَا عَلَى الْعَبْدِ ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا ، وَقِيلَ لَا ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ فَلَا ، وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ ، وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ، وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ بِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَصَحِّ .
( فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ لَهُ ) شَيْئًا ( وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهَا ) أَيْ بَدَلِ ثَمَنِهَا فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فَلَيْسَ بِسَهْوٍ كَمَا قِيلَ ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ بِبَدَلِهِ : أَيْ الثَّمَنِ ، وَهُوَ أَوْضَحُ ( عَلَى الْعَبْدِ ) وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُهْدَةُ كَعَامِلِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكِيلِ فَإِنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَتُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ سَوَاءٌ أَدَفَعَ لَهُمَا رَبُّ الْمَالِ الثَّمَنَ أَمْ لَا ، وَإِذَا غَرِمَا رَجَعَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا غَرِمَ بَعْدَ عِتْقِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ مَا غَرِمَهُ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّصَرُّفِ السَّابِقِ عَلَى عِتْقِهِ وَتَقَدُّمِ السَّبَبِ كَتَقَدُّمِ الْمُسَبَّبِ ، فَالْمَغْرُومُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْمَغْرُومِ قَبْلَهُ ، وَهَكَذَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي أَجَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْعِتْقِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( مُطَالَبَةُ ) السَّيِّدِ بِهِ ( أَيْضًا ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ الْبَائِعُ وَالْقَابِضُ لِلثَّمَنِ ( وَقِيلَ لَا ) يُطَالِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ قَدْ أَعْطَاهُ اسْتِقْلَالًا وَقَصُرَ طَمَعُ الَّذِي يُعَامِلُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَذِمَّتِهِ ( وَقِيلَ : إنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ فَلَا ) يُطَالِبُهُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِمَا فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَيُطَالِبُ ( وَلَوْ اشْتَرَى ) الْمَأْذُونُ ( سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ ) بِتَعْلِيلِهِ ( وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَالصَّدَاقِ وَلَا بِمَهْرِ الْأَمَةِ الْمَأْذُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا وَهُوَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدُّيُونُ فَكَذَا بَدَلُهُ ، وَلَا تَتَعَلَّق أَيْضًا بِسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ كَأَوْلَادِ الْمَأْذُونِ ( وَلَا
بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ ) وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِمُعَاوَضَةٍ مَقْصُودَةٍ أَذِنَ فِيهَا السَّيِّدُ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَسْبِ كَالنَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ .
فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ سَطْرَانِ لِسَيِّدٍ يُطَالِبُ بِبَدَلِ الثَّمَنِ التَّالِفِ فِي يَدِ الْعَبْدِ ، وَبِثَمَنِ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَيْضًا وَقَدْ وَقَعَ الْمَوْضِعَانِ كَذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ سَبَبُ هَذَا التَّنَاقُضِ أَنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا هُوَ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ .
وَقَالَ فِي الْبَسِيطِ إنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَأَشَارَ فِي الْمَطْلَبِ إلَى تَضْعِيفِهَا .
وَثَانِيًا : هُوَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ ، وَنَصُّ الْأُمِّ يَشْهَدُ لَهُ ، فَجَمَعَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ عَلَى ذَلِكَ : أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ مُطَالَبَةِ الْقَرِيبِ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ وَالْمُوسِرِ بِنَفَقَةِ الْمُضْطَرِّ وَاللَّقِيطِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُطَالَبُ لِيُؤَدِّيَ مِمَّا فِي يَدِ الْعَبْدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِمَّا كَسَبَهُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، وَصَارَ كَالْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ يُطَالِبُ بِالْوَفَاءِ بِقَدْرِهَا فَقَطْ ، وَفَائِدَةُ مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ احْتِمَالُ أَنَّهُ يُؤَدِّيه ؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ عَلَقَةً فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذِمَّتَهُ ، فَإِنْ أَدَّاهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَلَا ( بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ) أَصْلًا وَرِبْحًا لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ وَالْإِذْنِ ذَلِكَ ( وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ ) الْحَاصِلِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ( بِالِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ ) كَالِاحْتِطَابِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِتَعَلُّقِهِ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَهْرُ وَمُؤَنُ النِّكَاحِ .
وَالثَّانِي : لَا كَسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ
بَقِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الرَّقِيقِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ فَيُطَالَبَ بِهِ ، أَمَّا كَسْبُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ التِّجَارَةِ بِالْحَجْرِ .
وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ ) الْجَدِيدَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ الْقَدِيمُ يَمْلِكُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ دَلَّ إضَافَةُ الْمَالِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إضَافَتَهُ فِيهِ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلْمِلْكِ إذْ لَوْ كَانَتْ لِلْمِلْكِ لَنَافَاهُ جَعْلُهُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ هُوَ مِلْكٌ ضَعِيفٌ يَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِهِ جَزْمًا .
قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَقْفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، وَفِي الظِّهَارِ ، وَفِي تَكْفِيرِ الْعَبْدِ بِالصَّوْمِ ، وَأَجْرَى فِيهِ الْخِلَافَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي .
وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ فَلَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمُبَعَّضِ وَالْمُكَاتَبِ ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً مَلَكَهَا وَلَمْ يَجُرْ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَمْلُوكٌ ، وَالْوَطْءُ يَقَعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ لَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ فَقَطْ ، وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَطْءُ أَمَتِهِ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِضَعْفٍ مَلَكَهُ وَلِلْخَوْفِ مِنْ هَلَاكِ الْأَمَةِ بِالطَّلْقِ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ قَبِلَ الرَّقِيقُ وَلَوْ سَفِيهًا هِبَةً أَوْ وَصِيَّةً بِلَا إذْنٍ صَحَّ ، وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لَا يَعْقُبُ عِوَضًا كَالِاحْتِطَابِ وَدَخَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ قَهْرًا ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ أَصْلًا لِلسَّيِّدِ أَوْ فَرْعًا لَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَالَ الْقَبُولِ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ أَوْ صِغَرٍ لَمْ يَصِحَّ
الْقَبُولُ ، وَنَظِيرُهُ قَبُولُ الْوَلِيِّ لِمُوَلِّيهِ ذَلِكَ .
.
كِتَابُ السَّلَمِ هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ : أَحَدُهَا تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ .
( كِتَابُ السَّلَمِ ) وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ ، يُقَالُ : أَسْلَمَ وَسَلَّمَ ، وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ ، وَالسَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَالسَّلَفُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ .
وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } ( هُوَ بَيْعُ ) شَيْءٍ ( مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ ) ، قَالَ الشَّارِحُ : هَذِهِ خَاصَّتُهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا : أَيْ وَأَمَّا لَفْظُ السَّلَمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ إلَّا هَذَا وَالنِّكَاحُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْلَامُ الْكَافِرِ فِي الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ صِحَّتَهُ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ ، وَمِثْلُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ ( يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ ) الْمُتَوَقِّفِ صِحَّتُهُ عَلَيْهَا غَيْرُ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ سَلَمَ الْأَعْمَى يَصِحُّ كَمَا مَرَّ لِيَصِحَّ هُوَ أَيْضًا ( أُمُورٌ ) سِتَّةٌ : ( أَحَدُهَا - تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ ) وَهُوَ الثَّمَنُ ( فِي الْمَجْلِسِ ) أَيْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ لُزُومِهِ ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ كَالتَّفَرُّقِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْخِيَارِ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ ؛ وَلِأَنَّ فِي السَّلَمِ غَرَرًا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ تَأْخِيرِ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَالصَّرْفِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ
شَرْطُ تَسْلِيمِهِ فِي الْمَجْلِسِ ، فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَلْزَمَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ ، أَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ بَعْضِهِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ ، وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَصَحَّ فِي الْبَاقِي بِقِسْطِهِ قَالَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فَيَتْلَفُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ جَزَمَ السُّبْكِيُّ بِخِلَافِهِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ : أَقَبَضْتُكَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ : قَبْلَهُ ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مَعَ مُوَافَقَتِهَا الظَّاهِرَ نَاقِلَةٌ ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ وَلَا يَكْفِي قَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الْحَالِّ فِي الْمَجْلِسِ عَنْ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فِيهِ تَبَرُّعٌ ، وَأَحْكَامُ الْبَيْعِ لَا تُبْنَى عَلَى التَّبَرُّعَاتِ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَسْلَمْت إلَيْك الْمِائَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتُك مَثَلًا فِي كَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( فَلَوْ أَطْلَقَ ) كَأَسْلَمْتُ إلَيْكَ دِينَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ( ثُمَّ عَيَّنَ ) الدِّينَارَ ( وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ ) قَبْلَ التَّخَايُرِ ( جَازَ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ فَلَهُ حُكْمُهُ ، فَإِنْ تَفَرَّقَا أَوْ تَخَايَرَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ .
وَلَوْ أَحَالَ بِهِ وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا .
( وَلَوْ أَحَالَ ) الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ ( بِهِ ) أَيْ رَأْسِ الْمَالِ ( وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ ) وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ( فِي الْمَجْلِسِ فَلَا ) يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَذِنَ فِي قَبْضِهِ الْمُحِيلُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَهُوَ يُؤَدِّيهِ عَنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لَا عَنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِ ، نَعَمْ إنْ قَبَضَهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ بِإِذْنِهِ وَسُلِّمَ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ ، وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُسْلِمُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَفَعَلَ لَمْ يَكْفِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ ، لَكِنْ يَصِيرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَكِيلًا لِلْمُسْلِمِ فِي قَبْضِهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ السَّلَمُ يَقْتَضِي قَبْضًا آخَرَ ، وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ جَرَتْ الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِنْ جَعَلْنَا الْحَوَالَةَ قَبْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ ، وَلِهَذَا لَا يَكْفِي عَنْهُ الْإِبْرَاءُ ، نَعَمْ إنْ أَمَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُحْتَالِ فَفَعَلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْقَبْضُ وَكَانَ الْمُحْتَالُ وَكِيلًا فِيهِ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ فِي إحَالَةِ الْمُسْلِمِ ، وَالْفَرْقُ مَا وَجَّهُوا بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ يُقْبَضُ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ السَّلَمِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَالْحَوَالَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ فَاسِدَةٌ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهَا عَنْ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ؛ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ السَّلَمِ بِغَيْرِ قَبْضٍ حَقِيقِيٍّ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ غَايَةً ، فَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ ، فَلَوْ قَالَ : وَإِنْ قَبَضَ كَانَ أَوْلَى ، وَلَوْ صَالَحَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ
لِعَدَمِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ .
وَلَوْ قَبَضَهُ وَأُودَعَهُ الْمُسْلِمُ جَازَ ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً ، وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ رَقِيقًا فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا ، ثُمَّ إنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَانَ صِحَّةُ الْعَقْدِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَنَفَذَ الْعِتْقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ صَحَّحَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِهَا ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ ، وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ يَعْتِقُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، فَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ الصِّحَّةُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِلَّا فَلَا ( وَلَوْ قَبَضَهُ ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ ( وَأُودَعَهُ الْمُسْلِمُ ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ ، وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا وَصَحَّحَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَا كَالْبَغَوِيِّ خِلَافًا لِمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ هُنَا وَأَقَرَّاهُ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْآخَرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَقْتَضِي إسْقَاطَ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ ، أَمَّا مَعَهُ فَيَصِحُّ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُمَا ( وَيَجُوزُ كَوْنُهُ ) أَيْ رَأْسِ الْمَالِ ( مَنْفَعَةً ) مَعْلُومَةً كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهَا ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً وَصَدَاقًا ( وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ اكْتَفَى بِهَذَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِي قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ رَأْسُ الْمَالِ عَقَارًا غَائِبًا وَمَضَى فِي الْمَجْلِسِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَالتَّخْلِيَةُ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُتَعَلِّقَةً بِبَدَنِهِ كَتَعْلِيمِ سُورَةٍ وَخِدْمَةِ شَهْرٍ صَحَّ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فَبَحَثَهُ ، لَكِنْ
اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ .
ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَا اسْتَثْنَاهُ مَرْدُودٌ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ .
وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ ، وَقِيلَ : لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ ، وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ ) بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِهِ ( وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ ) لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ ثَالِثٍ ( اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ ) وَلَيْسَ لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ إبْدَالُهُ ، سَوَاءٌ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الذِّمَّةِ ثُمَّ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ ( وَقِيلَ : لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ عَيْنَهُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ بِمَثَابَةِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ .
أَمَّا إذَا كَانَ تَالِفًا فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ ، وَلَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ حُمِلَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ بَيَّنَ النَّقْدَ الْمُرَادَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ أَسْلَمَ عَرْضًا فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ ذِكْرُ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ ( وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ ) الْمِثْلِيِّ ( تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ ) كَالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ ، فَإِنْ اتَّفَقَ فُسِخَ وَتَنَازَعَا فِي الْقَدْرِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ ، وَالثَّانِي : لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ بِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ أَوْ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ : وَالذَّرْعُ فِي الْمَذْرُوعِ مَرْجُوحٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَيَنْفَسِخُ السَّلَمُ فَلَا يَدْرِي بِمَ يَرْجِعُ ، وَاعْتُرِضَ بِإِتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ .
أَمَّا رَأْسُ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ قَطْعًا ، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ ، وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَمِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ .
الثَّانِي كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ .
وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا وَقِيلَ سَلَمًا .
( الثَّانِي ) مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوطَةِ ( كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ مَوْضُوعٌ لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ الدَّيْنِيَّةِ دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ السَّلَمِ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُهَا شَرْطًا ؟ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُرِيدُونَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَيَتَنَاوَلُ حِينَئِذٍ جُزْءَ الشَّيْءِ ( فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ ) فَقَبِلَ ( فَلَيْسَ بِسَلَمٍ ) قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الدَّيْنِيَّةِ ( وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ ) لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ ، فَإِنَّ اسْمَ السَّلَمِ يَقْتَضِي الدَّيْنِيَّةَ ، وَالدَّيْنِيَّةُ مَعَ التَّعْيِينِ يَتَنَاقَضَانِ ، وَالثَّانِي : يَنْعَقِدُ بَيْعًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى ( وَلَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ : بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا ) اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الشَّرْحَيْنِ هُنَا بِتَرْجِيحٍ ( وَقِيلَ سَلَمًا ) اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى ، وَاللَّفْظُ لَا يُعَارِضُهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَلَمٍ بَيْعٌ كَمَا أَنَّ كُلَّ صَرْفٍ بَيْعٌ ، فَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ عَلَى السَّلَمِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ ، وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ وَجْهٌ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : الْفَتْوَى عَلَيْهِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهُ لَفْظُ السَّلَمِ ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ سَلَمًا أَوْ اشْتَرَيْته سَلَمًا فَسَلَمٌ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا .
الثَّالِثُ : الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَلَا .
( الثَّالِثُ ) ، مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوطَةِ : مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ : ( الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ( مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ : أَيْ : مَكَانِ ( التَّسْلِيمِ ) لَلْمُسْلَمِ فِيهِ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا يُرَادُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ فِي ذَلِكَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ صَلَحَ التَّسْلِيمُ وَلَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ ( فَلَا ) يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ لِلْعُرْفِ ، وَيَكْفِي فِي تَعْيِينِهِ أَنْ يَقُولَ : تُسَلِّمْ لِي فِي بَلْدَةِ كَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ ، وَيَكْفِي إحْضَارُهُ فِي أَوَّلِهَا ، وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ إلَى مَنْزِلِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَيُّ الْبِلَادِ شِئْتَ فَسَدَ أَوْ فِي أَيِّ مَكَان شِئْتَ مِنْ بَلَدِ كَذَا ، فَإِنْ اتَّسَعَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ ، أَوْ بِبَلَدِ كَذَا وَبَلَدِ كَذَا فَهَلْ يَفْسُدُ أَوْ يَصِحُّ ، وَيُنَزَّلُ عَلَى تَسْلِيمِ النِّصْفِ بِكُلِّ بَلَدٍ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاشِيُّ الْأَوَّلُ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي بَلَدِ كَذَا وَتَسْلِيمِهِ فِي شَهْرِ كَذَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ اخْتِلَافُ الْغَرَضِ فِي الزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ سِتَّةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ ، فَلْيَنْظُرْهَا فِي شَرْحِهِ مَنْ أَرَادَ ، وَمَتَى شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فَتَرَكَهُ بَطَلَ ، وَحَيْثُ لَمْ نَشْرِطْهُ فَذِكْرُهُ تَعَيَّنَ ، فَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَخَرِبَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخَرَجَ عَنْ صَلَاحِيَةِ التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهُ إلَيْهِ عَلَى الْأَقْيَسِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ .
أَمَّا الْحَالُّ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ اُشْتُرِطَ الْبَيَانُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، فَإِنْ عَيَّنَا غَيْرَهُ تَعَيَّنَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ
فَقَبِلَ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لَا نَفْسُ مَوْضِعِ الْعَقْدِ ، وَالثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْبَيْعِ الْمُعَيَّنِ ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ : كُلُّ عِوَضٍ مُلْتَزَمٍ فِي الذِّمَّةِ : أَيْ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ مِنْ نَحْوِ أُجْرَةٍ وَصَدَاقٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ لَهُ حُكْمُ السَّلَمِ الْحَالِّ ، إنْ عُيِّنَ لِتَسْلِيمِهِ مَكَانٌ تَعَيَّنَ ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلْتَزَمٌ فِي الذِّمَّةِ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَقْبَلُ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ كَمَا مَرَّ .
وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا فَإِنْ أَطْلَقَ انْعَقَدَ حَالًّا ، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ .
( وَيَصِحُّ ) السَّلَمُ ( حَالًّا وَمُؤَجَّلًا ) بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهِمَا .
أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَبِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا الْحَالُّ فَبِالْأَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنْ الْغَرَرِ ، فَإِنْ قِيلَ : الْكِتَابَةُ لَا تَصِحُّ بِالْحَالِّ وَتَصِحُّ بِالْمُؤَجَّلِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا إنَّمَا وَجَبَ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الرَّقِيقِ ، وَالْحُلُولُ يُنَافِي ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ ، لَا الْأَجَلُ كَمَا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِدَلِيلِ الْجَوَازِ بِالذَّرْعِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ حَالًّا إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ كَالْكِتَابَةِ ، وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَجَلُ غَيْرُهُمَا .
فَإِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَةُ الْعُدُولِ مِنْ الْبَيْعِ إلَى السَّلَمِ الْحَالِّ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ جَوَازُ الْعَقْدِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ قَدْ لَا يَكُونُ حَاضِرًا مَرْئِيًّا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لِإِحْضَارِهِ رُبَّمَا فَاتَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْفِسَاخِ إذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ ، ( فَإِنْ أَطْلَقَ ) عَنْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا ( انْعَقَدَ حَالًّا ) كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْأُجْرَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا لَمْ يَصِحَّ ( وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّلَمِ التَّأْجِيلُ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ أَجَلًا مَجْهُولًا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَلْحَقَا بِهِ أَجَلًا فِي الْمَجْلِسِ لَحِقَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَجُوزُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ ، وَلَوْ صَرَّحَا بِالْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ أَسْقَطَاهُ فِي الْمَجْلِسِ سَقَطَ وَصَارَ الْعَقْدُ حَالًّا ، وَلَوْ حَذَفَا فِيهِ الْمُفْسِدَ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ صَحِيحًا .
وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ .
( وَيُشْتَرَطُ ) فِي الْمُؤَجَّلِ ( الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ ) بِأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مَضْبُوطًا فَلَا يَجُوزُ بِمَا يَخْتَلِفُ كَالْحَصَادِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَالْمَيْسَرَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَلَا يَصِحُّ التَّأْقِيتُ بِالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْعَطَاءِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعَاقِدَانِ وَقْتَهَا الْمُعَيَّنَ فَيَصِحُّ .
فَإِنْ عَيَّنَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ .
( فَإِنْ عَيَّنَ ) الْعَاقِدَانِ ( شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مَضْبُوطَةٌ وَيَصِحُّ التَّأْقِيتُ بِالنَّيْرُوزِ وَهُوَ نُزُولُ الشَّمْسِ بُرْجَ الْمِيزَانِ ، وَبِالْمِهْرَجَانِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقْتُ نُزُولِهَا بُرْجَ الْحَمَلِ ، وَبِعِيدِ الْكُفَّارِ كَفَصْحِ النَّصَارَى وَفَطِيرِ الْيَهُودِ إنْ عَرَفَهَا الْمُسْلِمُونَ ، وَلَوْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ الْمُتَعَاقِدَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَصَّ الْكُفَّارُ بِمَعْرِفَتِهَا إذْ لَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُمْ .
نَعَمْ إنْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَازَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِمْ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ اكْتَفَى هُنَا بِمَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ الْأَجَلَ أَوْ مَعْرِفَةِ عَدْلَيْنِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي ؟ .
أُجِيبَ : الْجَهَالَةُ هُنَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأَجَلِ وَهُنَاكَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَجَازَ أَنْ يُحْتَمَلَ هُنَا مَا لَا يُحْتَمَلُ هُنَاكَ .
وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ ، فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ حَسِبَ الْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ ، وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَأْجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ .
( وَإِنْ أَطْلَقَ ) الشَّهْرَ ( حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عُرْفُ الشَّرْعِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ أَوَّلَ الشَّهْرِ ( فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ ) بِأَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي أَثْنَائِهِ ، وَالتَّأْجِيلُ بِأَشْهُرٍ ( حُسِبَ الْبَاقِي ) بَعْدَ الْأَوَّلِ الْمُنْكَسِرِ ( بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ ) مِمَّا بَعْدَهَا ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْهِلَالِيُّ فِي الْمُنْكَسِرِ رَجَعْنَا إلَى الْعَدَدِ وَلَا يَكْفِي الْمُنْكَسِرُ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ .
نَعَمْ لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ اكْتَفَى بِالْأَشْهُرِ بَعْدَهُ بِالْأَهِلَّةِ تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً وَلَا يُكْمَلُ الْيَوْمُ مِمَّا بَعْدَهَا إنْ نَقَصَ آخِرُهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهَا مَضَتْ عَرَبِيَّةً كَوَامِلَ ، وَالسَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا عُرْفُ الشَّرْعِ .
قَالَ تَعَالَى { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } فَإِنْ عُقِدَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ وَفِي مَعْنَاهُ لَيْلَتُهُ ، فَكُلُّ السَّنَةِ هِلَالِيَّةٌ إنْ نَقَصَ الشَّهْرُ الْأَخِيرُ ، وَإِنْ كَمُلَ انْكَسَرَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ ، فَيُكْمَلُ مِنْهُ الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْهِلَالِ فِيهِ دُونَ الْبَقِيَّةِ وَإِنْ عَقَدَا بَعْدَ لَحْظَةٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَأَجَّلَا بِسَنَةٍ مَثَلًا فَهُوَ مُنْكَسِرٌ وَحْدَهُ ، فَيُكْمَلُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ أَجَّلَا بِسَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ أَوَّلُهَا الْحَمَلُ ، وَرُبَّمَا جُعِلَ النَّيْرُوزُ .
أَوْ رُومِيَّةٍ ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ .
أَوْ فَارِسِيَّةٍ : وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ، وَيُزَادُ فِي الْآخَرِ خَمْسَةٌ صَحَّ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ
مَضْبُوطَةٌ ، وَلَوْ قَالَا إلَى يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا حَلَّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَا فِي يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ قَالَا إلَى أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ آخِرِهِ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ( وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَأْجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى ) وَرَبِيعٍ وَنَفْرِ الْحَجِّ ( وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ ) مِنْ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِهِ ، وَالثَّانِي لَا ، بَلْ يَفْسُدُ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ عِيدِ الْفِطْرِ إلَى الْعِيدِ حُمِلَ عَلَى الْأَضْحَى لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ ، فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ صَحَّ إنْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ لِلْبَيْعِ ، وَإِلَّا فَلَا .
فَصْلٌ ( يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْفُرُوعَ الْآتِيَةَ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ مَحَلِّ الْقُدْرَةِ ، وَهُوَ حَالَةُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ ، وَهِيَ تَارَةً تَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِ السَّلَمِ حَالًّا ، وَتَارَةً تَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ اقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ فِيهِ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا ، فَإِذَا أَسْلَمَ فِي مُنْقَطِعٍ عِنْدَ الْحُلُولِ كَالرُّطَبِ فِي الشِّتَاءِ لَمْ يَصِحَّ ، وَكَذَا لَوْ ظُنَّ تَحْصِيلُهُ بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ كَقَدْرٍ كَثِيرٍ مِنْ الْبَاكُورَةِ ، وَهِيَ أَوَّلُ الْفَاكِهَةِ ( فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ صَحَّ ) السَّلَمُ فِيهِ ( إنْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ ) غَالِبًا مِنْهُ ( لِلْبَيْعِ ) وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُعْتَدْ نَقْلُهُ لِنَحْوِ الْبَيْعِ مِنْهُ غَالِبًا بِأَنْ نُقِلَ لَهُ نَادِرًا أَوْ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهُ لِغَيْرِ الْمُعَامَلَةِ كَالْهَدِيَّةِ ( فَلَا ) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : سَيَأْتِي أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ إذَا انْقَطَعَ إنْ وُجِدَ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَعْتَبِرُوا هُنَا قُرْبَ الْمَسَافَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ هُنَا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، فَحَيْثُ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ غَالِبًا لِلْمُعَامَلَةِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ صَحَّ ، وَإِنْ تَبَاعَدَا بِخِلَافِهَا فِيمَا يَأْتِي فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ ، فَاعْتُبِرَ قُرْبُ الْمَسَافَةِ لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ ، وَاعْتِبَارُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَحَلِّ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْأَظْهَرِ ، فَيُتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ ، وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ .
( وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ ) وُجُودُهُ ( فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ : أَيْ وَقْتِ حُلُولِهِ ( لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَأَشْبَهَ إفْلَاسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَالثَّانِي يَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ ، وَالْمُرَادُ بِانْقِطَاعِهِ أَنْ لَا يُوجَدَ أَصْلًا أَوْ يُوجَدَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ بِبَلَدٍ آخَرَ ، وَلَوْ نُقِلَ لَفَسَدَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عِنْدَ قَوْمٍ لَا يَبِيعُونَهُ أَوْ يَبِيعُونَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَا سِعْرُهُ فَإِنَّهُ يُحَصِّلهُ ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ : وَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ ، وَإِنْ غَلَا سِعْرُهُ ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْمَوْجُودَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْمَعْدُومِ كَمَا فِي الرَّقَبَةِ وَمَاءِ الطَّهَارَةِ وَأَيْضًا الْغَاصِبُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْغَصْبِ ، وَهَذَا بِمَا لَا يُجْدِي ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَّرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الدَّفْعِ حَتَّى انْقَطَعَ أَوْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ تَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ لِغَيْبَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ ( فَيَتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ ) فَيُطَالَبُ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ .
تَنْبِيهٌ : قَدْ يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ الْخِيَارَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ أَجَازَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ مُكِّنَ مِنْهُ وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْفَسْخِ لَمْ يَسْقُطْ .
وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ ( انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ .
وَالثَّانِي نَعَمْ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ .
تَنْبِيهٌ : قَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ عَلَى الْخِيَارِ وَهُوَ جَارٍ فِي الِانْفِسَاخِ أَيْضًا ، فَلَوْ قَالَ كَالرَّوْضَةِ لَمْ يُتَنَجَّزْ حُكْمُ الِانْقِطَاعِ فِي الْأَصَحِّ لَكَانَ أَحْسَنَ .
وَكَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا ، وَيَصِحُّ الْمَكِيلُ وَزْنًا وَعَكْسُهُ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ( مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلًا ) فِيمَا يُكَالُ ( أَوْ وَزْنًا ) فِيمَا يُوزَنُ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْبَابِ ( أَوْ عَدًّا ) فِيمَا يُعَدُّ ( أَوْ ذَرْعًا ) فِيمَا يُذْرَعُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُمَا .
فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَصَّ فِي الْحَدِيثِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِغَلَبَتِهِمَا وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَيْرِهِمَا ( وَيَصِحُّ الْمَكِيلُ ) أَيْ سَلَمُهُ ( وَزْنًا وَعَكْسُهُ ) أَيْ الْمَوْزُونِ الَّذِي يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَيْلًا ، وَحَمَلَ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ جَوَازَ كَيْلِ الْمَوْزُونِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ فُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ ؛ لِأَنَّ لِلْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْهُ مَالِيَّةً كَثِيرَةً ، وَالْكَيْلُ لَا يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ ، نَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّآلِئِ الصِّغَارِ إذَا عَمَّ وُجُودُهَا كَيْلًا وَوَزْنًا .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ ، فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ هُنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ .
وَأَجَابَ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لَهُ ؛ لِأَنَّ فُتَاتَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِيهِ ضَابِطًا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ بِالثِّقَلِ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَرَاكُمِهِ وَفِي اللُّؤْلُؤِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَفَاوُتٌ كَالْفُولِ وَالْقَمْحِ فَيَصِحُّ فِيهِ بِالْكَيْلِ فَلَا مُخَالَفَةَ ، فَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُ الْإِمَامِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ ، وَاسْتَثْنَى الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ النَّقْدَيْنِ أَيْضًا ، فَلَا يُسْلَمُ فِيهِمَا إلَّا بِالْوَزْنِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا فِيهِ خَطَرٌ فِي التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ .
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَتَعَيَّنُ هُنَا فِي الْمَكِيلِ الْكَيْلُ وَفِي الْمَوْزُونِ الْوَزْنُ كَمَا فِي بَابِ الرِّبَا ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ ، وَثَمَّ
الْمُمَاثَلَةُ بِعَادَةِ عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا لَمْ يَصِحَّ ، وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ .
( وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةً ) مَثَلًا ( عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا ) أَوْ فِي ثَوْبٍ مَثَلًا صِفَتُهُ كَذَا ، وَوَزْنُهُ كَذَا ، وَذَرْعُهُ كَذَا ( لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَعِزُّ وُجُودُهُ بِخِلَافِ الْخَشَبِ ؛ لِأَنَّ زَائِدَهُ يُنْحَتُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَقَرَّاهُ .
فَإِنْ قِيلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ الْعَرْضِ وَالطُّولِ وَالثَّخَانَةِ ، وَبِالنَّحْتِ تَزُولُ إحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ وَزْنَهُ عَلَى التَّقْرِيبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي اللَّبَنِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : مِائَةُ صَاعٍ كَيْلًا كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ اسْمٌ لِلْوَزْنِ ( وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ ( وَالْبَاذِنْجَانِ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا ( وَالْقِثَّاءِ ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ ( وَالسَّفَرْجَلِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( وَالرُّمَّانِ ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضْبِطُهُ الْكَيْلُ لِتَجَافِيهِ فِي الْمِكْيَالِ كَالرَّانِجِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَالْبُقُولِ ، وَلَا يَكْفِي فِيهَا الْعَدُّ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ فِيهَا ، وَالْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْوَزْنِ وَالْعَدِّ مُفْسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ذِكْرِ الْجُرْمِ فَيُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ ، وَقَوْلُ السُّبْكِيّ : وَلَوْ أَسْلَمَ فِي عَدَدٍ مِنْ الْبِطِّيخِ مَثَلًا كَمِائَةٍ بِالْوَزْنِ فِي الْجَمِيعِ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ جَازَ اتِّفَاقًا مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَ شَيْخِي لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ حَجْمِ كُلِّ وَاحِدٍ ، فَيُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبِطِّيخَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسَّفَرْجَلَةِ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ حَجْمِهَا وَوَزْنِهَا ، وَذَلِكَ يُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ .
وَيَصِحُّ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ ، وَكَذَا كَيْلًا فِي الْأَصَحِّ .
( وَيَصِحُّ ) السَّلَمُ ( فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ ) لَا بِالْعَدِّ ( فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ ) بِغِلَظِ قُشُورِهَا وَرِقَّتِهَا بِخِلَافِ مَا لَا يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ بِذَلِكَ ، فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ اسْتَدْرَكَهُ الْإِمَامُ عَلَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازَ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُحَرَّرُ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ .
لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَهُ : وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ مَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالصَّوَابُ التَّمَسُّكُ بِمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّسَعٌ لَا مُخْتَصَرٌ ا هـ .
وَهَذَا الْمُعْتَمَدُ ، وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ فِي بَابِ الرِّبَا جَوَازَ بَيْعِ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا ، وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ كَيْلًا مَعَ قِشْرِهِمَا ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا فِيهِ هَذَا الشَّرْطَ مَعَ أَنَّ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ السَّلَمِ .
( وَكَذَا ) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيمَا ذُكِرَ ( كَيْلًا فِي الْأَصَحِّ ) قِيَاسًا عَلَى الْحُبُوبِ وَالتَّمْرِ .
وَالثَّانِي : لَا ، لِتَجَافِيهِمَا فِي الْمِكْيَالِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ .
أَمَّا هُوَ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَزْنُ جَزْمًا وَلَا يَصِحُّ بِالْعَدِّ ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَظْهَرِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ لَا وَجْهَانِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَيَجُوزُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِي الْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ قَالَ : وَلَا أَظُنُّ فِيهِمَا خِلَافًا ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مُوهِمَةٌ لِلْخِلَافِ فِيهِمَا ا هـ .
وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ فَقَطْ .
نَعَمْ لَوْ أَسْلَمَ فِي اللَّوْزِ الْأَخْضَرِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْقِشْرَةِ السُّفْلَى جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالْخِيَارِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ يُخْرِجُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا قِشْرَ لَهُ
أَسْفَلَ ، وَيَجُوزُ فِي الْمِشْمِشِ كَيْلًا وَوَزْنًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَ نَوَاهُ كِبَرًا وَصِغَرًا .
.
وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ ، وَلَوْ عَيَّنَ مِكْيَالًا فَسَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ .
( وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ ( بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ ) نَدْبًا فَيَقُولُ مَثَلًا : عَشْرُ لَبِنَاتٍ زِنَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَذَا لِأَنَّهَا تُضْرَبُ عَنْ اخْتِيَارٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْعَدُّ وَالْأَمْرُ فِي وَزْنِهِ عَلَى التَّقْرِيبِ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالثَّخَانَةَ لِكُلِّ لَبِنَةٍ وَأَنَّهُ مِنْ طِينٍ مَعْرُوفٍ ، ( وَلَوْ عَيَّنَ مِكْيَالًا فَسَدَ ) السَّلَمُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ الْكَيْلُ ( مُعْتَادًا ) كَكُوزٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ مَا يَسَعُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ قَبْلَ قَبْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ ، فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْئِهِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْغَرَرِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ الْكَيْلُ مُعْتَادًا بِأَنْ عُرِفَ قَدْرُ مَا يَسَعُ ( فَلَا ) يَفْسُدُ السَّلَمُ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَيَلْغُو تَعْيِينُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا ، وَيَقُومُ مِثْلُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ ، فَلَوْ شَرَطَا أَنْ لَا يُبَدَّلَ بَطَلَ الْعَقْدُ ، وَتَعَيَّنَ الْمِيزَانُ وَالذِّرَاعُ وَالصَّنْجَةُ فِي مَعْنَى تَعْيِينِ الْمِكْيَالِ ، فَلَوْ شَرَطَ الذَّرْعَ بِذِرَاعِ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالثَّانِي يَفْسُدُ لِتَعَرُّضِ الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ لِلتَّلَفِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَكَايِيلُ وَالْمَوَازِينُ وَالذُّرْعَانُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ نَوْعٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ نَوْعٌ فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ كَمَا فِي أَوْصَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ .
وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ يَصِحَّ ، أَوْ عَظِيمَةٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ .
فَرْعٌ : لَوْ قَالَ : أَسْلَمْت إلَيْك فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي صَاعِ بُرٍّ مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ الْبُرِّ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ قَدْ يَتْلَفُ كَمَا فِي مَسْأَلَةَ الْكُوزِ ، وَإِنْ قَالَ : أَسْلَمْتُ إلَيْكَ فِي ثَوْبٍ مِثْلِ ثَوْبٍ قَدْ وُصِفَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْسَيَا وَصْفَهُ صَحَّ ، وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْمُعَيَّنِ لَمْ تَعْتَمِدْ الصِّفَةَ ( وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ ) أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ ضَيْعَةٍ : أَيْ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ ( لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ بِجَائِحَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَذَلِكَ غَرَرٌ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّلَمِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ أَوْ ثَمَرِ نَاحِيَةٍ ( أَوْ ) قَرْيَةٍ ( عَظِيمَةٍ ) أَيْ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ ( صَحَّ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ غَالِبًا ، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَوْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَتَعْيِينِ الْمِكْيَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا يُؤْمَنُ فِيهَا الِانْقِطَاعُ وَالصَّغِيرَةُ بِخِلَافِهِ ، فَالْعِبْرَةُ بِكَثْرَةِ الثِّمَارِ وَقِلَّتِهَا ، وَالثَّمَرَةُ مِثَالٌ فَغَيْرُهَا مِثْلُهَا .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْطِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ عُسْرًا إلَّا فِي شَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ فِي شَيْءٍ .
وَمَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا ، وَذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ ( مَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا ) وَيَنْضَبِطُ بِهَا الْمُسْلَمُ فِيهِ ، وَلَيْسَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا لِتَقْرِيبِهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِسَبَبِهَا ، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ شَرْطَ كَوْنِهِ مَوْصُوفًا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ ، ثُمَّ الْعِلْمَ بِهَا فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ جَهْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَيْنٌ ؛ فَلَأَنْ لَا يَحْتَمِلَ وَهُوَ دَيْنٌ أَوْلَى ، وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا يُتَسَامَحُ بِإِهْمَالِ ذِكْرِهِ كَالْكُحْلِ وَالسِّمَنِ فِي الرَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَبِالثَّانِي مَا لَا يَنْضَبِطُ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا ، وَبِالثَّالِثِ كَوْنُ الرَّقِيقِ قَوِيًّا عَلَى الْعَمَلِ أَوْ ضَعِيفًا أَوْ كَاتِبًا أَوْ أُمِّيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( ذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ ) مُقْتَرِنَةً بِهِ لِيَتَمَيَّزَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي ذِكْرُهَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ .
نَعَمْ إنْ تَوَافَقَا قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَقَالَا : أَرَدْنَا فِي حَالَةِ الْعَقْدِ مَا كُنَّا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ وَقَالَ لِآخَرَ : زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ( عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ ) ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ غَرَرٌ كَمَا مَرَّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا يُوثَقُ بِتَسْلِيمِهِ ، وَالْعِزَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْقِلَّةِ ، يُقَالُ شَيْءٌ عَزِيزٌ : أَيْ قَلِيلٌ .
فَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الْأَرْكَانِ كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ وَتِرْيَاقٍ مَخْلُوطٍ ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ فِي الْمُخْتَلِطِ الْمُنْضَبِطِ كَعَتَّابِيٍّ وَخَزٍّ وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ وَشَهْدٍ وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ ، لَا الْخُبْزِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
( فَلَا يَصِحُّ ) السَّلَمُ ( فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الْأَرْكَانِ ) الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ ( كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ ) وَنَعْلٍ ( وَتِرْيَاقٍ مَخْلُوطٍ ) لِعَدَمِ انْضِبَاطِ أَجْزَائِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَالِيَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ وَكَافُورٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَفِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ دُهْنٍ وَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ ، وَمِثْلُ الْغَالِيَةِ النَّدُّ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ : مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَعُودٌ خُلِطَ بِغَيْرِ دُهْنٍ ، وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ظِهَارَةٍ وَبِطَانَةٍ وَحَشْوٍ ، وَالْعِبَارَةُ لَا تَفِي بِذِكْرِ أَقْدَارِهَا وَأَوْضَاعِهَا .
أَمَّا الْخِفَافُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهَا النِّعَالُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا إنْ كَانَتْ جَدِيدَةً وَاُتُّخِذَتْ مِنْ غَيْرِ جِلْدٍ كَالثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ وَالْأَمْتِعَةِ ، وَاحْتُرِزَ بِالتِّرْيَاقِ الْمُخْتَلِطِ عَمَّا هُوَ نَبَاتٌ وَاحِدٌ أَوْ حَجَرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَهُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ أَوْ دَالٍ مُهْمَلَةٍ أَوْ طَاءٍ كَذَلِكَ مَكْسُورَاتٍ وَمَضْمُومَاتٍ ، فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ ، وَيُقَالُ أَيْضًا : دِرَاقٌ وَطِرَاقٌ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِسِيُّ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالسِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ قَوْسٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَقْوَاسٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ خَشَبٍ وَعَظْمٍ وَعَصَبٍ ، وَالنَّبْلُ الْمَرِيشُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ بِوَزْنِ كَرِيمٍ لِاخْتِلَافِ وَسَطِهِ وَطَرَفَيْهِ دِقَّةً وَغِلْظَةً وَتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ .
أَمَّا النَّبْلُ قَبْلَ خَرْطِهِ وَعَمَلِ الرِّيشِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهِ ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ وَلَا فِي الْأَدْهَانِ الْمُطَيَّبَةِ بِطِيبٍ مِنْ نَحْوِ بَنَفْسَجٍ وَبَانٍ وَوَرْدٍ بِأَنْ خَالَطَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
أَمَّا إذَا رُوِّحَ سِمْسِمُهَا بِالطِّيبِ الْمَذْكُورِ وَاعْتُصِرَ ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ( ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ فِي الْمُخْتَلِطِ الْمُنْضَبِطِ )
الْأَجْزَاءِ ( كَعَتَّابِيٍّ ) وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ قُطْنٍ وَحَرِيرٍ ( وَخَزٍّ ) وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ إبْرَيْسَمٍ وَوَبَرٍ أَوْ صُوفٍ لِسُهُولَةِ ضَبْطِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ .
تَنْبِيهٌ : مَا الْمُرَادُ بِالِانْضِبَاطِ ؟ ؟ قِيلَ : أَنْ يَعْرِفَ الْعَاقِدَانِ أَنَّ اللُّحْمَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالسَّدَى مِنْ الْآخَرِ وَقِيلَ مَعْرِفَةُ الْوَزْنِ ، رَجَّحَ الْأَوَّلَ السُّبْكِيُّ ، وَالثَّانِي الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ وَالْأَغْرَاضَ تَتَفَاوَتُ بِذَلِكَ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا ، وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَةِ اخْتِلَاطِهَا وَأَقْدَارِهَا ( وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ ) كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ مَعَ اللَّبَنِ ، الْمَقْصُودُ الْمِلْحُ وَالْإِنْفَحَةُ مِنْ مَصَالِحِهِ ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، كَرِشُ الْخَرُوفِ وَالْجَدْيِ مَا لَمْ يَأْكُلْ غَيْرَ اللَّبَنِ ، فَإِنْ أَكَلَ فَكَرِشٌ ، وَجَمْعُهَا أَنَافِحُ ، وَيَجُوزُ فِي بَاءِ الْجُبْنِ السُّكُونُ وَالضَّمُّ مَعَ تَخْفِيفِ النُّونِ وَتَشْدِيدِهَا وَالْجِيمُ مَضْمُومَةٌ فِي الْجَمِيعِ ، وَأَشْهَرُ هَذِهِ اللُّغَاتِ إسْكَانُ الْبَاءِ وَتَخْفِيفُ النُّونِ ( وَشَهْدٍ ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّهَا مُرَكَّبٌ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ وَشَمْعِهِ خِلْقَةً ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِالتَّمْرِ وَفِيهِ النَّوَى ( وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ ) هُوَ يَحْصُلُ مِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ قِوَامُهُ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي السَّبْعَةِ يَنْفِي الِانْضِبَاطَ فِيهَا قَائِلًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَرِيرِ وَالْمِلْحِ وَالشَّمْعِ وَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ ، وَالسَّمَكُ الْمُمَلَّحُ كَالْجُبْنِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ الْمَقْصُودُ الْأَرْكَانِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ مِنْ أَمْثِلَةِ النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُخْتَلِطَاتِ ، وَهُوَ أَنْ يُقْصَدَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ وَالْآخَرُ لِلْإِصْلَاحِ كَمَا هُوَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ،
وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْجُبْنُ فَقَطَعَهُمَا عَمَّا قَبْلَهُمَا ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا تَكُونَ مَجْرُورَةً بِالْكَافِ عَطْفًا عَلَى الْعَتَّابِيِّ بَلْ مَجْرُورَةً بِفِي عَطْفًا عَلَى الْمُخْتَلِطِ ، وَإِدْخَالُهُ الشَّهْدَ فِي هَذَا النَّوْعِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَيْسَ مِنْهُ بَلْ هُوَ نَوْعٌ رَابِعٌ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ خِلْقَةً ، فَلَوْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى ، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ وَالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ .
وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ حَيَوَانِهِ وَنَوْعِهِ وَمَأْكُولِهِ مِنْ مَرْعًى أَوْ عَلَفٍ مُعَيَّنٍ بِنَوْعِهِ وَيُذْكَرُ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ جَدِيدٌ أَوْ عَتِيقٌ وَلَا يَصِحُّ فِي حَامِضِ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّ حُمُوضَتَهُ عَيْبٌ إلَّا فِي مَخِيضٍ لَا مَاءَ فِيهِ فَيَصِحُّ فِيهِ ، وَلَا يَضُرُّ وَصْفُهُ بِالْحُمُوضَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فِيهِ وَاللَّبَنُ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْحُلْوِ ، وَإِنْ جَفَّ وَيَذْكُرُ طَرَاوَةَ الزُّبْدِ وَضِدَّهَا ، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَيُوزَنُ بِرَغْوَتِهِ وَلَا يُكَالُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمِيزَانِ وَيَذْكُرُ نَوْعَ الْجُبْنِ وَبَلَدَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَيُبْسَهُ الَّذِي لَا تَغَيُّرَ فِيهِ .
أَمَّا مَا فِيهِ تَغَيُّرٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَنْعُ الشَّافِعِيِّ السَّلَمَ فِي الْجُبْنِ الْقَدِيمِ ، وَالسَّمْنُ يُوزَنُ وَيُكَالُ وَجَامِدُهُ الَّذِي يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُوزَنُ كَالزُّبْدِ وَاللِّبَإِ الْمُجَفَّفِ .
أَمَّا غَيْرُ الْمُجَفَّفِ فَكَاللَّبَنِ ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الزُّبْدِ كَيْلًا وَوَزْنًا يُحْمَلُ عَلَى زُبْدٍ لَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْكَشْكِ وَكَافُهُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ لِعَدَمِ ضَبْطِ حُمُوضَتِهِ ( لَا الْخُبْزِ ) أَيْ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ ( فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ) لِتَأْثِيرِ النَّارِ فِيهِ تَأْثِيرًا لَا يَنْضَبِطُ ؛ وَلِأَنَّ مِلْحَهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ .
وَالثَّانِي :
وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَحَكَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْ النَّصِّ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّ نَارَهُ مَضْبُوطَةٌ ، وَالْمِلْحُ غَيْرُ مَقْصُودٍ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْكَلَامِ عَلَى مَنْعِ السَّلَمِ فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ ؛ لِأَنَّ مَنْعَ السَّلَمِ فِيهِ لِعَدَمِ ضَبْطِ تَأْثِيرِ نَارِهِ فِيهِ ، لَا لِأَجْلِ الْخَلِيطِ وَهُوَ الْمِلْحُ لِمَا مَرَّ فِي الْجُبْنِ وَالْأَقِطِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : أَنَّ النَّبِيذَ كَالْخُبْزِ .
.
وَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ ، وَلَا فِيمَا لَوْ اُسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا .
( وَلَا يَصِحُّ ) السَّلَمُ ( فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ ) أَيْ مَحَلٍّ يَعِزُّ وُجُودُهُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْوُثُوقِ بِتَسْلِيمِهِ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ صَحَّ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ ( وَلَا فِيمَا لَوْ اُسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ ) الْوَاجِبُ ذِكْرُهُ فِي السَّلَمِ ( عَزَّ وُجُودُهُ ) لِمَا مَرَّ ( كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَجْمِ وَالْوَزْنِ وَالشَّكْلِ وَالصَّفَاءِ ، وَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأُمُورِ نَادِرٌ ، وَخَرَجَ بِاللَّآلِئِ الْكِبَارِ ، وَهِيَ مَا تُطْلَبُ لِلزِّينَةِ الصِّغَارُ ، وَهِيَ مَا تُطْلَبُ لِلتَّدَاوِي ، وَضَبَطَهَا الْجُوَيْنِيُّ بِسُدُسِ دِينَارٍ : أَيْ تَقْرِيبًا كَمَا قَالَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْعَقِيقِ لِشِدَّةِ اخْتِلَافِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، بِخِلَافِ الْبِلَّوْرِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ ، وَمِعْيَارُهُ الْوَزْنُ ( وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا ) أَوْ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا ( أَوْ وَلَدِهَا ) أَوْ شَاةٍ وَسَخْلَتِهَا ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهِمَا نَادِرٌ .
فَإِنْ قِيلَ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ كَوْنُ الرَّقِيقِ كَاتِبًا أَوْ الْجَارِيَةِ مَاشِطَةً فَإِنَّهُ يَنْدُرُ ذَلِكَ مَعَ اجْتِمَاعِ الصِّفَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ يَسْهُلُ تَحْصِيلُهُ بِالِاكْتِسَابِ ، بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ ، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَأْتِي فِي السَّلَمِ الْحَالِّ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّأْخِيرِ لِلتَّعْلِيمِ .
تَنْبِيهٌ : إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمَنْعَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأَمَةِ بَيْنَ الزِّنْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَنْ تَكْثُرُ صِفَاتُهَا بِخِلَافِ الزِّنْجِيَّةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ .
يَصِحُّ فِي الْحَيَوَانِ
فَرْعٌ : ( يَصِحُّ ) السَّلَمُ ( فِي الْحَيَوَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ ، فَفِيهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَرَضَ بَكْرًا } فَقِيسَ عَلَى الْقَرْضِ السَّلَمُ ، وَعَلَى الْبَكْرِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : أَنْ يَأْخُذَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ } وَهَذَا سَلَمٌ لَا قَرْضٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ وَالْأَجَلِ ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الِاصْطِلَامِ : غَيْرُ ثَابِتٍ ، وَإِنْ خَرَّجَهُ الْحَاكِمُ .
فَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ وَلَوْنِهِ كَأَبْيَضَ ، وَيَصِفُ بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ ، وَذُكُورَتَهُ وَأُنُوثَتَهُ ، وَسِنَّهُ وَقَدَّهُ طُولًا وَقِصَرًا ، وَكُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ وَالسِّمَنِ وَنَحْوُهُمَا فِي الْأَصَحِّ
( فَيُشْتَرَطُ ) فِي السَّلَمِ ( فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ ) وَرُومِيٍّ وَحَبَشِيٍّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ صِنْفُ النَّوْعِ وَجَبَ ذِكْرُهُ كَخَطَّابِيٍّ أَوْ رُومِيٍّ ( وَ ) ذِكْرُ ( لَوْنِهِ ) إنْ اخْتَلَفَ ( كَأَبْيَضَ ) وَأَسْوَدَ ( وَيَصِفُ ) سَوَادَهُ بِصَفَاءٍ أَوْ كُدُورَةٍ ، وَ ( بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ ) فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ لَوْنُ الصِّنْفِ كَزِنْجِيٍّ لَمْ يَجِبْ ذِكْرُهُ ( وَ ) ذِكْرُ ( ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ ) أَيْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَصِحُّ فِي الْخُنْثَى ( وَسِنِّهِ ) كَابْنِ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ مُحْتَلِمٍ كَذَا قَالَاهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَّلُ عَامِ الِاحْتِلَامِ أَوْ وَقْتُهُ وَإِلَّا فَابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً مُحْتَلِمٌ ، وَيُعْتَمَدُ قَوْلُ الرَّقِيقِ فِي الِاحْتِلَامِ وَفِي السِّنِّ إنْ كَانَ بَالِغًا وَإِلَّا فَقَوْلُ سَيِّدِهِ إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَقَوْلُ النَّخَّاسِينَ : أَيْ الدَّلَّالِينَ بِظُنُونِهِمْ ( وَقَدِّهِ ) أَيْ قَامَتِهِ ( طُولًا وَقِصَرًا ) أَوْ رَبْعَةً فَيَذْكُرُ أَحَدًا مِنْ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا ( وَكُلُّهُ ) أَيْ : الْوَصْفُ وَالسِّنُّ وَالْقَدُّ ( عَلَى التَّقْرِيبِ ) حَتَّى لَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ ابْنَ عَشْرٍ مَثَلًا بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لَمْ يَصِحَّ لِنُدْرَتِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُحَرَّرِ التَّقْرِيبَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى السِّنِّ ، وَكَذَا هُوَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ .
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَسَنٌ إنْ سَاعَدَهُ عَلَيْهِ نَقْلٌ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَتُهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ ، وَإِنَّمَا خَصُّوا السِّنَّ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ التَّحْدِيدِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ عَلَى التَّقْرِيبِ ، لَكِنْ إنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي اللَّوْنِ وَالْقَدِّ لَا فِي النَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا عَلَى التَّقْرِيبِ فَفِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ ا هـ .
، وَلِذَلِكَ حُمِلَتْ
عِبَارَتُهُ عَلَى الْمُرَادِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ التَّقْرِيبُ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الثُّيُوبَةِ أَوْ الْبَكَارَةِ وَالْأَصَحُّ الِاشْتِرَاطُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْحَاءِ ، وَهُوَ سَوَادٌ يَعْلُو جُفُونَ الْعَيْنِ ، كَالْكُحْلِ مِنْ غَيْرِ اكْتِحَالٍ ( وَ ) لَا ( السِّمَنِ ) فِي الْأَمَةِ ( وَنَحْوِهِمَا ) كَالدَّعَجِ ، وَهُوَ شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ مَعَ سِعَتِهَا وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ ، وَهُوَ اسْتِدَارَتُهُ وَثِقَلِ الْأَرْدَافِ وَدِقَّةِ الْخَصْرِ وَالْمَلَاحَةِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِإِهْمَالِهَا .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لَا تُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ ، وَتَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِسَبَبِهَا وَيَنْزِلُ فِي الْمَلَاحَةِ عَلَى أَقَلِّ دَرَجَاتِهَا ، وَمَعَ ظُهُورِ هَذَا وَقُوَّتِهِ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ، وَسُنَّ ذِكْرُ مُفَلَّجِ الْأَسْنَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَجَعْدِ الشَّعْرِ أَوْ سَبْطِهِ وَصِفَةِ الْحَاجِبَيْنِ لَا سَائِرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ ، كَأَنْ يَصِفَ كُلَّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ بِأَوْصَافِهِ الْمَقْصُودَةِ ، وَإِنْ تَفَاوَتَ بِهِ الْغَرَضُ وَالْقِيمَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعِزَّةَ ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الرَّقِيقِ يَهُودِيًّا أَوْ كَاتِبًا أَوْ مُزَوَّجًا صَحَّ ، بِخِلَافِ كَوْنِهِ شَاعِرًا ؛ لِأَنَّ الشِّعْرَ طَبْعٌ لَا يُمْكِنُ تَعَلُّمُهُ فَيَعِزُّ وُجُودُهُ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ ، وَبِخِلَافِ خِفَّةِ الرُّوحِ وَعُذُوبَةِ الْكَلَامِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ لِلْجَهَالَةِ ، وَلَوْ شُرِطَ كَوْنُهُ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ قَاذِفًا صَحَّ ، لَا كَوْنُهَا مُغَنِّيَةً أَوْ عَوَّادَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَفَرَّقَ بِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَتِلْكَ أُمُورٌ تَحْدُثُ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا فَرْقٌ لَا يَقْبَلُهُ ذِهْنُكَ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْفَرْقُ صَحِيحٌ ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ وَالضَّرْبَ بِالْعُودِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّعْلِيمِ وَهُوَ مَحْظُورٌ ، وَمَا أَدَّى إلَى مَحْظُورٍ مَحْظُورٌ ، بِخِلَافِ
الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا عُيُوبٌ تَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ ، وَفُرِّقَ بِوَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ الْغِنَاءَ وَنَحْوَهُ لَا بُدَّ فِيهِ مَعَ التَّعَلُّمِ مِنْ الطَّبْعِ الْقَابِلِ لِذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ فَلَمْ يَصِحَّ ، وَهَذَا أَوْلَى ، إذْ يُعْتَبَرُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْغِنَاءُ مَحْظُورًا بِآلَةٍ مُحَرَّمَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ مُحَرَّمًا مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ إذَا كَانَ بِآلَةٍ فِي الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ .
.
وَلَوْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي كَبِيرَةٍ صَحَّ كَإِسْلَامِ صَغِيرِ الْإِبِلِ فِي كَبِيرِهَا ، فَإِنْ كَبِرَتْ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَجْزَأَتْ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَإِنَّ وَطْأَهَا كَوَطْءِ الثَّيِّبِ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ .
، وَفِي الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ ، وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ .
، ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي الْإِبِلِ ) وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ( وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ : الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ وَالْقِيمَةِ بِذَلِكَ ، فَيَقُولُ فِي الْإِبِلِ : بَخَاتِيٌّ أَوْ عِرَابٌ أَوْ مِنْ نِتَاجِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ بَلَدِ بَنِي فُلَانٍ ، وَفِي بَيَانِ الصِّنْفِ الْمُخْتَلِفِ أَرْحَبِيَّةً أَوْ مَهْرِيَّةً لِاخْتِلَافِ الْغَرَض بِذَلِكَ ، وَفِي الْخَيْلِ عَرَبِيٌّ أَوْ تُرْكِيٌّ ، أَوْ مِنْ خَيْلِ بَنِي فُلَانٍ لِطَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ .
قَالَ الْجُرْجَانِيِّ : وَيُنْسَبُ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ إلَى بَلَدٍ ، فَيَقُولُ : مِصْرِيٌّ أَوْ رُومِيٌّ ، وَكَذَا الْغَنَمُ ، فَيَقُولُ : تُرْكِيٌّ أَوْ كُرْدِيٌّ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ صِنْفُ النَّوْعِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي الرَّقِيقِ ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ اللَّوْنِ الْأَبْلَقَ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ ، وَلَا فِي الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَا فِي الْبَطْنِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقَدْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ لِلْإِخْلَالِ بِهِ وَجْهٌ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ وَجْهًا يُعْرَفُ مِمَّا وَجَّهَ بِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الدَّعَجِ وَنَحْوِهِ ، وَيُنْدَبُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ ذِكْرُ أَلْوَانِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمُعْظَمِ لَوْنِهِ : كَالْأَغَرِّ وَالْمُحَجَّلِ ، وَاللَّطِيمِ بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَهُوَ مِنْ الْخَيْلِ : مَا سَالَتْ غُرَّتُهُ فِي أَحَدِ شِقَّيْ وَجْهِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ .
وَفِي الطَّيْرِ النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الْجُثَّةِ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي الطَّيْرِ : النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الْجُثَّةِ ) أَيْ أَحَدُهُمَا وَالسِّنُّ إنْ عُرِفَ وَيُرْجَعُ فِيهِ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي الرَّقِيقِ ، وَالذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ إنْ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ وَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ .
فَرْعٌ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي النَّحْلِ ، وَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ بِعَدَدٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا كَيْلٍ ، أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي إوَزَّةٍ وَفِرَاخِهَا وَدَجَاجَةٍ وَفِرَاخِهَا إذَا سَمَّى عَدَدَهَا وَمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : مَرْدُودٌ ؛ إذْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ : حُكْمُ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا حُكْمُ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا .
وَفِي اللَّحْمِ لَحْمُ بَقَرٍ ، أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ أَوْ ضِدِّهَا مِنْ فَخِذٍ أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ ، وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي اللَّحْمِ لَحْمُ بَقَرٍ ) عِرَابٍ أَوْ جَوَامِيسَ ( أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ أَوْ ضِدِّهَا ) أَيْ ضِدِّ مَا ذُكِرَ وَالرَّضِيعِ وَالْفَطِيمِ مِنْ الصَّغِيرِ .
أَمَّا الْكَبِيرُ فَمِنْهُ الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ فَيَذْكُرُ أَحَدَهُمَا ، وَلَا يَكْفِي فِي الْمَعْلُوفَةِ الْعَلْفُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَبْلَغٍ يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ الرَّاعِيَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَايَةِ السِّمَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : الظَّاهِرُ وُجُوبُ قَبُولِهَا .
قِيلَ : لِأَنَّ الرَّاعِيَةَ بِسِمَنِهَا أَطْيَبُ مِنْ الْمَعْلُوفَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَةَ تَتَرَدَّدُ فِي الْمَرْعَى ، وَالْمَعْلُوفَةَ مُقِيمَةٌ فَيَكُونُ سِمَنُهَا أَغَثَّ ، وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ بَيْنَ جَدِيدِهِ وَقَدِيدِهِ وَلَوْ مُمَلَّحًا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَيْنُ الْمِلْحِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي الشَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَالْأَلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيَذْكُرُ جِنْسَ حَيَوَانِهَا وَنَوْعَهُ وَصِفَتَهُ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ ، وَفِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ حَيًّا وَمَيِّتًا حَيْثُ عَمَّ .
وَيَذْكُرُ فِي الْحَيِّ الْعَدَّ وَفِي الْمَيِّتِ الْوَزْنَ وَيُبَيِّنُ كَوْنَ اللَّحْمِ ( مِنْ فَخِذٍ ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ ( أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ سَمِينٍ أَوْ هَزِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ ، وَكُلُّ مَا قَرُبَ مِنْ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى كَانَ أَطْيَبَ ، فَلَحْمُ الرَّقَبَةِ أَطْيَبُ لِقُرْبِهِ ، وَلَحْمُ الْفَخِذِ أَدْوَنُ لِبُعْدِهِ ( وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّوَى مِنْ التَّمْرِ ، فَإِنْ شَرَطَ نَزْعَهُ جَازَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلِ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا الذَّنَبِ الَّذِي لَا لَحْمَ عَلَيْهِ مِنْ السَّمَكِ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ رَأْسِ السَّمَكِ ، لَكِنْ نَصَّ فِي
الْبُوَيْطِيِّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ جِلْدٍ يُؤْكَلُ عَادَةً مَعَ اللَّحْمِ كَجِلْدِ الْخَرُوفِ وَالْجَدْيِ الصَّغِيرَيْنِ وَالطَّيْرِ وَالسَّمَكِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْخِصَاءِ وَالْعَلَفِ وَضِدِّهِمَا فِي لَحْمِ الصَّيْدِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يُصَادُ بِهِ مِنْ أُحْبُولَةٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ جَارِحَةٍ وَأَنَّهَا كَلْبٌ أَوْ فَهْدٌ ، فَإِنَّ صَيْدَ الْكَلْبِ أَطْيَبُ لِطِيبِ نَكْهَتِهِ .
وَفِي الثِّيَابِ الْجِنْسُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ وَالنُّعُومَةُ وَالْخُشُونَةُ ، وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ ، وَيَجُوزُ فِي الْمَقْصُورِ ، وَفِيمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ ، وَالْأَقْيَسُ صِحَّتُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ .
قُلْتُ : الْأَصَحُّ مَنْعُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي الثِّيَابِ الْجِنْسُ ) كَقُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ ، وَالنَّوْعُ وَالْبَلَدُ الَّذِي يُنْسَجُ فِيهِ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ ، وَقَدْ يُغْنِي ذِكْرُ النَّوْعِ عَنْهُ وَعَنْ الْجِنْسِ ( وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَزْلِ ( وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ ) بِالرَّاءِ هُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسْجِ ، وَالْأُولَى : انْضِمَامُ بَعْضِ الْخُيُوطِ إلَى بَعْضٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الصَّفْقِ ، وَهُوَ الضَّرْبُ وَالثَّانِيَةُ : عَدَمُ ذَلِكَ ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الدَّقِيقُ مَوْضِعَ الرَّقِيقِ وَبِالْعَكْسِ ( وَالنُّعُومَةُ وَالْخُشُونَةُ ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ ذِكْرُ أَحَدِ كُلِّ مُتَقَابِلَيْنِ بَعْدَ الْأَوَّلَيْنِ مَعَهُمَا .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ عَنْ ذِكْرِ اللَّوْنِ ، وَذَكَرَ فِي الْبَسِيطِ اشْتِرَاطَهُ فِي الثِّيَابِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي بَعْضِ الثِّيَابِ كَالْحَرِيرِ وَالْقَزِّ وَالْوَبَرِ ، وَكَذَا الْقُطْنُ بِبَعْضِ الْبِلَادِ مِنْهُ أَبْيَضُ ، وَمِنْهُ أَشْقَرُ خِلْقَةً وَهُوَ عَزِيزٌ ، وَتَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ وَالْقِيَمُ بِذَلِكَ ا هـ .
، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي الدَّعَجِ وَنَحْوِهِ ( وَمُطْلَقُهُ ) أَيْ الثَّوْبِ عَنْ الْقُصُورِ وَعَدَمِهِ ( يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ ) دُونَ الْمَقْصُورِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَقْصُورَ كَانَ أَوْلَى ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْغَرَضُ بِهِ فَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَهَذَا أَوْجَهُ ( وَيَجُوزُ فِي الْمَقْصُورِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ وَصْفٌ مَقْصُودٌ مَضْبُوطٌ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَلْبُوسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ وَيَجُوزُ فِي الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ جَدِيدًا وَلَوْ مَغْسُولًا إنْ ضَبَطَهُ طُولًا وَعَرْضًا وَسَعَةً وَضِيقًا ( وَ ) يَجُوزُ ( فِيمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ ) إذَا بَيَّنَ مَا صُبِغَ بِهِ وَكَوْنَهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ الصَّيْفِ وَاللَّوْنَ وَبَلَدَ
الصَّبْغِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَالْأَقْيَسُ صِحَّتُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ ) أَيْ النَّسْجِ كَمَا فِي الْغَزْلِ الْمَصْبُوغِ ( قُلْتُ : الْأَصَحُّ مَنْعُهُ ) ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ بَعْدَهُ يَسُدُّ الْفُرَجَ فَلَا تَظْهَرُ مَعَهُ الصَّفَاقَةُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ ( وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ) ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) .
وَفَرَّقَ فِي الْأُمِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ بِأَنَّ الْغَزْلَ إذَا صُبِغَ ثُمَّ نُسِجَ يَكُونُ السَّلَمُ فِي الثَّوْبِ ، وَإِذَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ مَعًا وَالصَّبْغُ مَجْهُولٌ .
فُرُوعٌ : يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْبُقُولِ كَالْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ وَالنُّعْنُعِ وَالْهُنْدَبَا وَزْنًا فَيَذْكُرُ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا وَلَوْنَهَا وَكِبَرَهَا وَصِغَرَهَا وَبَلَدَهَا ، وَلَا يَصِحُّ فِي السَّلْجَمِ وَالْجَزَرِ إلَّا بَعْدَ قَطْعِ الْوَرَقِ ؛ لِأَنَّ وَرَقَهُمَا غَيْرُ مَقْصُودٍ ، وَيَصِحُّ فِي الْأَشْعَارِ وَالْأَصْوَافِ وَالْأَوْبَارِ ، فَيَذْكُرُ نَوْعَ أَصْلِهِ وَذُكُورَتَهُ أَوْ أُنُوثَتَهُ ؛ لِأَنَّ صُوفَ الْإِنَاثِ أَنْعَمُ وَاسْتَغْنَوْا بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللِّينِ وَالْخُشُونَةِ وَبَلَدِهِ وَاللَّوْنِ وَالْوَقْتِ كَخَرِيفِيٍّ أَوْ رَبِيعِيٍّ وَالطُّولِ أَوْ الْقِصَرِ وَالْوَزْنِ ، وَلَا يُقْبَلُ إلَّا مُنَقًّى مِنْ بَعْرٍ وَنَحْوِهِ كَشَوْكٍ ، وَيَجُوزُ شَرْطُ غَسْلِهِ ، وَيَصِحُّ فِي الْقُطْنِ فَيَذْكُرُ فِيهِ أَوْ فِي مَحْلُوجِهِ أَوْ غَزْلِهِ مَعَ نَوْعِهِ الْبَلَدَ وَاللَّوْنَ وَكَثْرَةَ لَحْمِهِ وَقِلَّتَهُ وَنُعُومَتَهُ أَوْ خُشُونَتَهُ ، وَرِقَّةَ الْغَزْلِ أَوْ غِلَظَهُ ، وَكَوْنَهُ جَدِيدًا أَوْ عَتِيقًا إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي نَحْوِ الصُّوفِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ .
وَمُطْلَقُ الْقُطْنِ يُحْمَلُ عَلَى الْجَافِّ وَعَلَى مَا فِيهِ الْحَبُّ ، وَيَصِحُّ فِي حَبِّهِ لَا فِي الْقُطْنِ فِي جَوْزِهِ وَلَوْ بَعْدَ الشَّقِّ لِاسْتِتَارِ الْمَقْصُودِ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ كَمَا مَرَّ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْكَتَّانِ عَلَى خَشَبِهِ ، وَيَجُوزُ بَعْدَ الدَّقِّ : أَيْ وَبَعْدَ النَّفْضِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ ذَلِكَ .
أَوْ الْمُرَادُ بِالدَّقِّ النَّفْضُ فَيَذْكُرُ بَلَدَهُ وَلَوْنَهُ وَطُولَهُ أَوْ قِصَرَهُ وَنُعُومَتَهُ أَوْ خُشُونَتَهُ وَدِقَّتَهُ أَوْ غِلَظَهُ وَعِتْقَهُ أَوْ حَدَاثَتَهُ إنْ اخْتَلَفَ الْغَرَضُ بِذَلِكَ ، وَلَا فِي الْقَزِّ وَفِيهِ دُودُهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ وَزْنِ الْقَزِّ .
أَمَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ فَيَجُوزُ وَيَصِحُّ فِي أَنْوَاعِ الْعِطْرِ الْعَامَّةِ الْوُجُودِ كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَالْعُودِ وَالزَّعْفَرَانِ
لِانْضِبَاطِهَا ، فَيَذْكُرُ الْوَصْفَ مِنْ لَوْنٍ وَنَحْوِهِ وَالْوَزْنَ وَالنَّوْعَ .
وَفِي التَّمْرِ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ وَبَلَدُهُ ، وَصِغَرُ الْحَبَّاتِ وَكِبَرُهَا وَعِتْقُهُ وَحَدَاثَتُهُ ، وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي التَّمْرِ ) أَوْ الزَّبِيبِ أَنْ يُذْكَرَ ( لَوْنُهُ ) كَأَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ ( وَنَوْعُهُ ) كَمَعْقِلِيٍّ أَوْ بَرْنِيِّ ( وَبَلَدُهُ ) كَمِصْرِيٍّ أَوْ بَغْدَادِيٍّ ( وَصِغَرُ الْحَبَّاتِ وَكِبَرُهَا ) أَيْ أَحَدُهُمَا ، لِأَنَّ صَغِيرَ الْحَبِّ أَقْوَى وَأَشَدُّ ( وَعِتْقُهُ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَبِضَمِّهَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ عَنْ ضَبْطِ الْمُصَنِّفِ بِخَطِّهِ ( وَحَدَاثَتُهُ ) أَيْ أَحَدِهِمَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَيِّنَ عِتْقَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَطْلَقَ فَالنَّصُّ الْجَوَازُ وَيَنْزِلُ عَلَى مُسَمَّى الْعِتْقِ وَيُبَيِّنُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْجَفَافَ عَلَى النَّخْلِ أَوْ بَعْدَ الْجِدَادِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَبْقَى وَالثَّانِي أَصْفَى ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ السَّلَمِ فِي التَّمْرِ التَّمْرُ الْمَكْنُوزُ فِي الْقَوَاصِرِ ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَجْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ .
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ صِفَتِهِ الْمَشْرُوطَةِ بَعْدَ كَنَازِهِ .
قَالَ الدَّمِيرِيُّ : وَلِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي يَظْهَرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ ، وَالرُّطَبُ كَالتَّمْرِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا جَفَافَ فِيهِ ( وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ ) فِي الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَيُبَيِّنُ نَوْعَهَا كَالشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالصَّعِيدِيِّ وَالْبُحَيْرِيِّ وَلَوْنَهُ فَيَقُولُ : أَبْيَضُ أَوْ أَحْمَرُ أَوْ أَسْمَرُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَعَادَةُ النَّاسِ الْيَوْمَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّوْنَ وَلَا صِغَرَ الْحَبَّاتِ وَكِبَرَهَا ، وَهِيَ عَادَةٌ فَاسِدَةٌ مُخَالِفَةٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهَا .
فُرُوعٌ : يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْأَدِقَّةِ فَيُذْكَرُ فِيهَا مَا مَرَّ فِي الْحَبِّ إلَّا مِقْدَارَهُ ، وَيُذْكَرُ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ يُطْحَنُ بِرَحَى الدَّوَابِّ أَوْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَخُشُونَةُ الطَّحْنِ أَوْ نُعُومَتُهُ ، وَيَصِحُّ فِي النُّخَالَةِ ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ : إنْ انْضَبَطَتْ بِالْكَيْلِ وَلَمْ يَكْثُرْ تَفَاوُتُهَا فِيهِ بِالِانْكِبَاسِ وَضِدِّهِ ، وَيَصِحُّ فِي التِّبْنِ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَفِي جَوَازِهِ فِي السَّوِيقِ وَالنَّشَاءِ وَجْهَانِ : الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ كَالدَّقِيقِ ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ بِالْوَزْنِ : أَيْ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ ، وَيُشْتَرَطُ قَطْعُ أَعْلَاهُ الَّذِي لَا حَلَاوَةَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الْمُزَنِيّ : وَقَطْعُ مَجَامِعِ عُرُوقِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْعَقَارِ ، لِأَنَّهُ إنْ عَيَّنَ مَكَانَهُ فَالْمُعَيَّنُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ .