كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِقُبُلٍ ، وَلَا مُطَالَبَةَ إنْ كَانَ بِهَا مَانِعُ وَطْءٍ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَانِعٌ طَبِيعِيٌّ كَمَرَضٍ طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ : إذَا قَدَرْت فِئْت : أَوْ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ ، فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ ، وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً ، وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةً ، وَأَنَّهُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
( وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ ) وَهِيَ الرُّجُوعُ لِلْوَطْءِ ( بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ ) فَقَطْ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا ، وَقَوْلُهُ ( بِقُبُلٍ ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ ، فَلَا يَكْفِي تَغْيِيبُ مَا دُونَهَا بِهِ وَلَا تَغْيِيبُهَا بِدُبُرٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ حُرْمَةِ الثَّانِي لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ ، نَعَمْ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي إيلَائِهِ بِالْقُبُلِ وَلَا نَوَاهُ بَلْ أَطْلَقَ انْحَلَّ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ ، لَا بُدَّ فِي الْبِكْرِ مِنْ زَوَالِ بَكَارَتِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ ، غَوْرَاءَ فَرْعٌ : لَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْحَشَفَةَ أَوْ أَدْخَلَهَا هُوَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ ، وَلَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَيْئَةُ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ ، أَمَّا عَدَمُ الْحِنْثِ وَعَدَمُ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فَلِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِدْخَالِ وَاخْتِلَالُهُ فِيمَا عَدَاهَا وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِعَدَمِ الْحِنْثِ وَأَمَّا ارْتِفَاعُ الْإِيلَاءِ فَلِوُصُولِهَا إلَى حَقِّهَا وَانْدِفَاعِ ضَرَرِهَا كَمَا لَوْ رَدَّ الْمَجْنُونُ الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا ، وَلِأَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ كَالْعَاقِلِ فِي تَقْرِيرِ الْمَهْرِ وَالتَّحْلِيلِ وَتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ مِنْهُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ عَنْ الْحَيْضِ لِلْمُسْلِمِ دُونَ الْعِبَادَةِ ، إذْ لَيْسَ لَهَا نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَتُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ ثُمَّ رَاجَعَ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا عَامِدًا عَاقِلًا مُخْتَارًا حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ ( وَلَا مُطَالَبَةَ ) لِلزَّوْجِ بِالْفَيْئَةِ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا ( إنْ كَانَ بِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( مَانِعُ وَطْءٍ ) وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَوْ حِسِّيٌّ ( كَحَيْضٍ ) وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ ( وَمَرَضٍ ) لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْوَطْءُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُتَعَذِّرٌ مِنْ جِهَتِهَا
، فَكَيْفَ تَطْلُبُهُ أَوْ تَطْلُبُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ ، وَلِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَكُونُ بِالْمُسْتَحَقِّ ، وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ قَالَ فِي الْبَسِيطِ : وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ وَلَا يَمْنَعُ الْمُدَّةَ فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُمْ : طَلَاقُ الْمُولِي فِي الْحَيْضِ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ يُشْكَلُ عَلَى قَوْلِهِمْ هُنَا : إنَّهُ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ .
أُجِيبَ بِحَمْلِ الْمَذْكُور هُنَا عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْمُطَالَبَةُ زَمَنَ النَّقَاءِ مِنْ الْحَيْضِ وَلَمْ يَفِئْ مَعَ تَمَكُّنِهِ حَتَّى طَرَأَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ لَا تَبْعُدُ مُطَالَبَتُهُ بِالطَّلَاقِ حِينَئِذٍ ( وَإِنْ كَانَ فِيهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( مَانِعٌ ) مِنْ الْوَطْءِ وَهُوَ ( طَبِيعِيٌّ كَمَرَضٍ ) يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ يَخَافُ مِنْهُ زِيَادَةُ الْعِلَّةِ أَوْ بُطْءُ الْبُرْءِ ( طُولِبَ ) الزَّوْجُ بِالْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالطَّلَاقِ إنْ لَمْ يَفِئْ ( بِأَنْ يَقُولَ : إذَا قَدَرْت فِئْت ) أَوْ طَلَّقْت لِأَنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ الْأَذَى الَّذِي حَصَلَ ، بِاللِّسَانِ قَالَ الْإِمَامُ : وَلَوْ كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُ عُذْرِهِ كَجَبٍّ طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ : لَوْ قَدَرْت فِئْت ، وَلَا يَأْتِي بِإِذَا ، وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ عَلَى ذَلِكَ : وَنَدِمْت عَلَى مَا كَانَ مِنِّي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّأْكِيدُ وَالِاسْتِحْبَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْوَعْدِ ( أَوْ ) كَانَ فِي الزَّوْجِ مَانِعٌ ( شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ ) وَظِهَارٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَصَوْمِ وَاجِبٍ ( فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ ، وَلَا يُطَالَبُ بِالْفَيْئَةِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ ، وَلَكِنْ يُقَالُ : إنْ فِئْت عَصَيْت وَأَفْسَدْت عِبَادَتَك ، وَإِنْ طَلَّقْت ذَهَبَتْ زَوْجَتُك ، وَإِنْ لَمْ تُطَلِّقْ طَلَّقْنَا عَلَيْك كَمَنْ غَصَبَ دَجَاجَةً وَلُؤْلُؤَةً فَابْتَلَعَتْهَا ، يُقَالُ لَهُ : إنْ
ذَبَحْتهَا غَرِمْتهَا وَإِلَّا غَرِمْت اللُّؤْلُؤَةَ ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ زَالَ الضَّرَرُ بَعْدَ فَيْئَةِ اللِّسَانِ طُولِبَ بِالْوَطْءِ تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا امْتَنَعَ امْتِنَاعًا كُلِّيًّا ، فَإِنْ اسْتَمْهَلَ فِي الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ ، أَوْ كَانَ يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامِهِ عَنْ قُرْبٍ أَمْهَلْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ فِي صُورَةِ الظِّهَارِ : أَمْهِلُونِي حَتَّى أُكَفِّرَ لَمْ يُمْهَلْ إنْ كَانَ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِطُولِ مُدَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ ، وَقِيلَ : يُمْهَلُ يَوْمًا وَنِصْفَ يَوْمٍ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ ( فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ ) فِي الْقُبُلِ وَكَذَا فِي الدُّبُرِ إذَا لَمْ يُقَيِّدْ إيلَاءَهُ بِهِ وَلَا بِالْقُبُلِ ( سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ ) لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ تَنْبِيهٌ : فُهِمَ مِنْ تَصْرِيحِهِ بِالْعِصْيَانِ امْتِنَاعُ الزَّوْجَةِ مِنْ تَمْكِينِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَحِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ إلَّا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ ، فَالْأَظْهَرُ ) الْجَدِيدُ ( أَنَّ الْقَاضِيَ ) إذَا رَفَعَتْهُ إلَيْهِ ( يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً ) نِيَابَةً عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى دَوَامِ إضْرَارِهَا وَلَا إجْبَارِهِ عَلَى الْفَيْئَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِجْبَارِ ، وَالطَّلَاقُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَنَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ كَمَا يُزَوِّجُ عَنْ الْعَاضِلِ وَيَسْتَوْفِي الْحَقَّ مِنْ الْمُمَاطِلِ ، فَيَقُولُ : أَوْقَعْت عَلَى فُلَانَةَ عَنْ فُلَانٍ طَلْقَةً كَمَا حُكِيَ عَنْ الْإِمْلَاءِ أَوْ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ بِطَلْقَةٍ ، فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقَعْ ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّيْخَانِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ : طَلْقَةً أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَيْهَا لَمْ تَقَعْ الزِّيَادَةُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهَا
بِالرَّجْعَةِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَتْ ، قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مُسْتَكْمَلَةً لِعَدَدِ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ آلَى مِنْ إحْدَاهُمَا وَأَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ طَلَّقَ الْقَاضِي مُبْهَمًا ثُمَّ يُبَيِّنُ الزَّوْجُ إنْ عَيَّنَ ، وَيُعَيِّنُ إنْ أَبْهَمَ وَالثَّانِي الْقَدِيمُ لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْآيَةِ يُضَافُ إلَيْهِ بَلْ يُفْرِدُهُ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ لِحَدِيثِ { الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ } وَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُ لِيَثْبُتَ امْتِنَاعُهُ كَالْعَضْلِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلطَّلَاقِ عَلَيْهِ حُضُورُهُ عِنْدَهُ ، وَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُ الْقَاضِي فِي مُدَّةِ إمْهَالِهِ الْآتِي بَيَانُهَا ، وَلَا بَعْدَ وَطْئِهِ أَوْ طَلَاقِهِ ، وَإِنْ طَلَّقَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقَانِ ، وَإِنْ طَلَّقَ الْقَاضِي مَعَ الْفَيْئَةِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ ، وَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَاقِ الْقَاضِي إنْ كَانَ طَلَاقُ الْقَاضِي رَجْعِيًّا ، وَصُورَةُ الدَّعْوَى أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ وَأَنَّ مُدَّتَهُ قَدْ انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَيُطْلَبُ مِنْهُ دَفْعُ الضَّرَرِ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ ( وَ ) الْأَظْهَرُ ( أَنَّهُ ) إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ( لَا يُمْهَلُ ) أَيَّامًا ( ثَلَاثَةً ) لِيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ فِيهَا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَمْهَلَهُ اللَّهُ ، وَالْحَقُّ إذَا حَلَّ لَا يُؤَجَّلُ ثَانِيًا ، وَالثَّانِي : يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِقُرْبِهَا وَقَدْ يَنْشَطُ فِيهَا لِلْوَطْءِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثَةٍ قَطْعًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَجَوَازُ إمْهَالِهِ دُونَ ثَلَاثٍ ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ، بَلْ إذَا اُسْتُمْهِلَ لِشُغْلٍ أُمْهِلَ بِقَدْرِ مَا يَتَهَيَّأُ لِذَلِكَ الشُّغْلِ ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أُمْهِلَ حَتَّى يُفْطِرَ أَوْ جَائِعًا فَحَتَّى يَشْبَعَ أَوْ ثَقِيلًا مِنْ الشِّبَعِ فَحَتَّى يَخِفَّ أَوْ عَلَيْهِ النُّعَاسُ فَحَتَّى يَزُولَ ، قَالَا : وَالِاسْتِعْدَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ
الْأَحْوَالِ بِقَدْرِ يَوْمٍ فَمَا دُونَهُ ، وَلَوْ رَاجَعَ الْمُولِي بَعْدَ تَطْلِيقِ الْقَاضِي وَقَدْ بَقِيَ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ ضُرِبَتْ مُدَّةٌ أُخْرَى ، وَلَوْ بَانَتْ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَعُدْ الْإِيلَاءُ فَلَا تُطَالِبُ ( وَ ) الْأَظْهَرُ ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ ( أَنَّهُ إذَا وَطِئَ ) فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ( بَعْدَ مُطَالَبَةٍ ) لَهُ بِالْفَيْئَةِ ( لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) إنْ كَانَتْ ، يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لِحِنْثِهِ ، وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أَيْ يَغْفِرُ الْحِنْثَ بِأَنْ لَا يُؤَاخَذَ بِكَفَّارَتِهِ لِدَفْعِهِ ضَرَرَ الزَّوْجَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ إنَّمَا يَنْصَرِفَانِ إلَى مَا يُعْصَى بِهِ ، وَالْفَيْئَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا ، وَإِذَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ فَبِالْوَطْءِ قَبْلَهَا أَوْلَى أَمَّا إذَا كَانَ حَلِفُهُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ نُظِرَ إنْ حَلَفَ بِالْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبَةٍ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ ، أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّذْرِ أَوْ بِتَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَقَعَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ خَاتِمَةٌ : لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِأَنْ ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ اعْتَرَفَتْ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَهُ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الطَّلَبِ عَمَلًا بِاعْتِرَافِهَا ، وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهَا عَنْهُ لِاعْتِرَافِهَا بِوُصُولِ حَقِّهَا إلَيْهَا ، وَلَوْ كَرَّرَ يَمِينَ الْإِيلَاءِ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَر وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْأُولَى التَّأْكِيدَ لَهَا ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ وَطَالَ الْفَصْلُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ التَّنْجِيزَ إنْشَاءٌ وَإِيقَاعٌ ، وَالْإِيلَاءُ وَالتَّعْلِيقُ مُتَعَلِّقَانِ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ،
فَالتَّأْكِيدُ بِهِمَا أَلْيَقُ أَوْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَتْ الْأَيْمَانُ ، وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُرِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا فَوَاحِدَةً إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ حَمْلًا عَلَى التَّأْكِيدِ وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ لِبُعْدِ التَّأْكِيدِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ ، وَنَظِيرُهُمَا جَارٍ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا سَنَةً وَيَمِينًا سَنَتَيْنِ مَثَلًا ، وَعِنْدَ الْحُكْمِ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ يَكْفِيهِ لِانْحِلَالِهَا وَطْءٌ وَاحِدٌ ، وَيَتَخَلَّصُ بِالطَّلَاقِ عَنْ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا ، وَيَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ
كِتَابُ الظِّهَارِ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَخَصِيًّا ، وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ ، وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي ، وَكَذَا أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَقَوْلُهُ : جِسْمُكِ أَوْ بَدَنُك أَوْ نَفْسُك كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا ظِهَارٌ ، وَكَذَا كَعَيْنِهَا إنْ قَصَدَ ظِهَارًا ، وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَوْلُهُ : رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ ، وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ ظِهَارٌ ، وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَحْرَمٍ لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا ، لَا مُرْضِعَةٍ وَزَوْجَةِ ابْنٍ ، وَلَوْ شَبَّهَ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَأَبٍ وَمُلَاعَنَةٍ فَلَغْوٌ
كِتَابُ الظِّهَارِ هُوَ لُغَةً : مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ ؛ لِأَنَّ صُورَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَخَصُّوا الظَّهْرَ دُونَ الْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ ، وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ ، وَقِيلَ : مِنْ الْعُلُوِّ قَالَ تَعَالَى : { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ } أَيْ يَعْلُوهُ ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقِيلَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، وَيُقَالُ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَرِهَ أَحَدُهُمْ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ فَتَبْقَى لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا خَلِيَّةً تَنْكِحُ غَيْرَهُ ، فَغَيَّرَ الشَّارِعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الْعَوْدِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَحَقِيقَتُهُ : تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْبَائِنِ بِأُنْثَى لَمْ تَكُنْ حِلًّا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ ، وَسُمِّيَ هَذَا الْمَعْنَى ظِهَارًا لِتَشْبِيهِ الزَّوْجَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ { قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } الْآيَةَ ، نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ لَمَّا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَاشْتَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا : حَرُمْتِ عَلَيْهِ ، فَقَالَتْ : اُنْظُرْ فِي أَمْرِي فَإِنْي لَا أَصْبِرُ عَنْهُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَرُمْت عَلَيْهِ وَكَرَّرَتْ ، وَهُوَ يَقُولُ : حَرُمْت عَلَيْهِ ، فَلَمَّا أَيِسَتْ اشْتَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُك فِي زَوْجِهَا } } الْآيَاتِ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ .
وَرُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مُرِيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً ، فَقَالَتْ أَيُّ رَقَبَةٍ ، وَاَللَّهِ لَا يَجِدُ رَقَبَةً وَمَا لَهُ خَادِمٌ غَيْرِي فَقَالَ : مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
فَقَالَتْ : مَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ، إنَّهُ يَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ كَذَا كَذَا مَرَّةً ، فَقَالَ مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، فَقَالَتْ : أَنَّى لَهُ ذَلِكَ } فَائِدَةٌ : سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ تُشَابِهُهَا فِي ذَلِكَ ، وَهِيَ نِصْفُ الْقُرْآنِ عَدَدًا ، وَعُشْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ : مُظَاهِرٌ ، وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا ، وَصِيغَةٌ ، وَمُشَبَّهٌ بِهِ ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا ، فَقَالَ : ( يَصِحُّ ) الظِّهَارُ ( مِنْ كُلِّ زَوْجٍ ) فَلَا تَصِحُّ مُظَاهَرَةُ السَّيِّدِ مِنْ أَمَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ ، أُمَّ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ حُكْمَهُ بِالنِّسَاءِ ، وَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الزَّوْجَاتِ ( مُكَلَّفٍ ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ الْمُكَلَّفُ الظِّهَارَ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ حَصَلَ الظِّهَارُ قَطْعًا ، قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا ، فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ ، وَسَيَأْتِي ظِهَارُ السَّكْرَانِ ، فَلَوْ قَالَ : شَرَطَهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَمَا قَالَ فِي الْإِيلَاءِ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِدُخُولِ ظِهَارِ السَّكْرَانِ ( وَلَوْ ) هُوَ ( ذِمِّيٌّ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِيمَا سَبَقَ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ شَرَطَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا لَنَا أَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ فَيَصِحُّ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ ، وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا شَائِبَةُ الْغَرَامَةِ ، وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَأَنْ يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ ، أَوْ يَقُولَ الْمُسْلِمُ : أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنْ كَفَّارَتِي وَالْحَرْبِيُّ كَالذِّمِّيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ لَشَمِلَهُ
تَنْبِيهٌ : كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ الْمُصَنِّفُ مَا بَعْدَ لَوْ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ : وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَّرْته ، وَلَكِنْ الْكَثِيرُ نَصْبُهُ عَلَى حَذْفِ كَانَ وَاسْمِهَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَوْ خَاتَمًا " وَلَوْ هُوَ ( خَصِيٌّ ) وَمَجْبُوبٌ وَمَمْسُوحٌ وَعِنِّينٌ كَالطَّلَاقِ ، زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَعَبْدٍ لِأَجْلِ خِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ وَنَحْنُ نَقُولُ : هُوَ عَاجِزٌ فَيَعْدِلُ عَنْهُ إلَى الصَّوْمِ ( وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ ) وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ صِحَّةُ طَلَاقِهِ فَظِهَارُهُ كَذَلِكَ وَالرُّكْنُ الثَّانِي : الْمُظَاهَرُ مِنْهَا ، وَهِيَ زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ ، وَالْمَرِيضَةُ ، وَالرَّتْقَاءُ ، وَالْقَرْنَاءُ ، وَالْكَافِرَةُ ، وَالرَّجْعِيَّةُ ، وَتَخْرُجُ الْأَجْنَبِيَّةُ وَلَوْ مُخْتَلِعَةً وَالْأَمَةُ كَمَا مَرَّ ، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : إذَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَصِحَّ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثُ ، وَهُوَ الصِّيغَةُ ، فَقَالَ : ( وَصَرِيحُهُ ) أَيْ الظِّهَارِ ( أَنْ يَقُولَ ) الزَّوْجُ ( لِزَوْجَتِهِ ) الْمَذْكُورَةِ ( أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي ) أَوْ لَدَيَّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ( كَظَهْرِ أُمِّي ) فِي تَحْرِيمِ رُكُوبِ ظَهْرِهَا ، وَأَصْلُهُ : إتْيَانُك عَلَيَّ كَرُكُوبِ ظَهْرِ أُمِّي بِحَذْفِ الْمُضَافِ ، وَهُوَ إتْيَانٌ ، فَانْقَلَبَ الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ الْمَجْرُورُ ضَمِيرًا مَرْفُوعًا مُنْفَصِلًا ( وَكَذَا ) قَوْلُهُ ( أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي ) بِحَذْفِ الصِّلَةِ ( صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) وَلَا يَضُرُّ حَذْفُهَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ : مِنِّي وَالثَّانِي : أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ عَلَى غَيْرِي كَظَهْرِ أُمِّهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ قَالَ : أَرَدْت بِهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ
وَأَصْلُهَا ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ قَبُولَ هَذِهِ الْإِرَادَةِ بَاطِنًا تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْأُمِّ : أُمُّ الْمَحْرَمِيَّةِ ، فَلَوْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لَغْوًا ( وَقَوْلُهُ ) لَهَا ( جِسْمُك أَوْ بَدَنُك ) أَوْ جُمْلَتُك ( أَوْ نَفْسُك ) أَوْ ذَاتُكِ ( كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا ) أَوْ ذَاتِهَا ( صَرِيحٌ ) لِتَضَمُّنِهِ الظَّهْرَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّلَةَ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالصِّلَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ ، وَلَوْ قَالَ قَوْلَهُ إلَخْ كَالتَّشْبِيهِ بِالظَّهْرِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ ( وَالْأَظْهَرُ ) الْجَدِيدُ ( أَنَّ قَوْلَهُ ) لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ ( كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي لَا تُذْكَرُ فِي مَعْرَضِ الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ ، مِمَّا سِوَى الظَّهْرِ ( ظِهَارٌ ) لِأَنَّهُ عُضْوٌ يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ فَكَانَ كَالظَّهْرِ وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ( وَكَذَا ) قَوْلُهُ : أَنْتِ عَلَيَّ ( كَعَيْنِهَا ) أَوْ رَأْسِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْكَرَامَةَ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ كَأُمِّي أَوْ رُوحِهَا أَوْ وَجْهِهَا ظِهَارٌ ( إنْ قَصَدَ ظِهَارًا ) أَيْ نَوَى أَنَّهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ ( وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا ) يَكُونُ ظِهَارًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ ( وَكَذَا ) لَا يَكُونُ ظِهَارًا ( إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ ) وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَشْبَهِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِالْأَرْجَحِ حَمْلًا عَلَى الْكَرَامَةِ لِاحْتِمَالِهَا وَالثَّانِي : يُحْمَلُ عَلَى الظِّهَارِ ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي التَّشْبِيهِ بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْأُمِّ ( وَقَوْلُهُ )
لَهَا ( رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك ) أَوْ رِجْلُك أَوْ بَدَنُك أَوْ جِلْدُك أَوْ شَعْرُك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ( عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ ) لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ : كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُمَثِّلَ بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ ، كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ وَالثَّانِي : لَيْسَ بِظِهَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْجَدِيدِ ، لَا بِالْأَظْهَرِ ، وَإِنْ اشْتَمَلَ تَعْبِيرُهُ عَلَى النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالْجِنَاسِ اللَّفْظِيِّ تَنْبِيهٌ : تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الْأَمْثِلَةَ بِالْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْأُمِّ قَدْ يُفْهِمُ إخْرَاجَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا مِثْلُ الظَّاهِرَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ الْبَعْضَ ( وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَإِنْ بَعُدَتْ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ جَدَّتِي ( ظِهَارٌ ) لِأَنَّهَا تُسَمَّى أُمًّا وَلَهَا وِلَادَةٌ ، وَتُشَارِكُ الْأُمَّ فِي الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ ( وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُ ) أَيْ التَّشْبِيهِ الْمُقْتَضِي لِلظِّهَارِ ( فِي كُلِّ مَحْرَمٍ ) نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهَا ، ( لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا ) عَلَى الْمُظَاهِرِ بِأَنْ لَمْ تَزَلْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ ، كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ وَمُرْضِعَةِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ لِمُسَاوَاتِهِنَّ الْأُمَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ وَالثَّانِي : الْمَنْعُ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْأُمِّ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ جَرَيَانُ الطُّرُقِ فِي كُلِّ الْمَحَارِمِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْخِلَافُ فِي مَحْرَمِ النَّسَبِ قَوْلَانِ ، وَفِي مَحْرَمِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ ( لَا مُرْضِعَةٍ ) لِلْمُظَاهِرِ ( وَزَوْجَةِ ابْنٍ ) لَهُ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا حَلَالًا لَهُ فِي وَقْتٍ فَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ وَأَمَّا بِنْتُ
مُرْضِعَتِهِ ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ ارْتِضَاعِهِ فَهِيَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ بِخِلَافِ الْمَوْلُودَةِ قَبْلَهُ ، وَكَالْمَوْلُودَةِ بَعْدَهُ الْمُوَلَّدَةُ مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَنْبِيهٌ : لَوْ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ مُرْضِعَةٍ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي الصَّوْمِ حَيْثُ قَالَ : وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إلَخْ كَانَ أَوْلَى ( وَلَوْ شَبَّهَ ) زَوْجَتَهُ ( بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَأَبٍ ) لِلْمُظَاهِرِ ( وَمُلَاعَنَةٍ ) لَهُ ( فَلَغْوٌ ) هَذَا التَّشْبِيهُ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى لَا يُشْبِهْنَ الْأُمَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ ، وَالْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ كَالِابْنِ وَالْغُلَامُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ لِمَا ذُكِرَ ، وَالْمُلَاعَنَةُ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُهَا مُؤَبَّدًا لَيْسَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَالْوَصْلَةِ ، وَكَذَا لَوْ شَبَّهَهَا بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ مُرْتَدَّةٍ تَنْبِيهٌ : تَعْدِيَةُ الْمُصَنِّفِ شَبَّهَ بِالْبَاءِ جَائِزٌ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ ، وَمَنَعَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ وَجَعَلَهُ لَحْنًا وَقَالَ : الْمَسْمُوعُ تَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ حُكْمُ تَنْجِيزِ الظِّهَارِ
وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ : إنْ ظَاهَرْت مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهَرَ صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا ، وَلَوْ قَالَ : إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٌ فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ ، فَلَوْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ مِنْهَا صَارَ مُظَاهِرًا ، وَلَوْ قَالَ مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَكَذَلِكَ ، وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا ، وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ ظَاهَرْت مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَغْوٌ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ أَوْ هُمَا أَوْ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ، وَالطَّلَاقُ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ وَلَا ظِهَارَ ، أَوْ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ، وَالظِّهَارَ بِالْبَاقِي طَلُقَتْ وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ
وَأَمَّا حُكْمُ تَعْلِيقِهِ فَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَتَعْلِيقُ الظِّهَارِ ( كَقَوْلِهِ : ) إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَوْ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ صَارَ مُظَاهِرًا لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ( إنْ ظَاهَرْت مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ) وَهُمَا فِي عِصْمَتِهِ ( فَظَاهَرَ ) مِنْ الْأُخْرَى ( صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا ) عَمَلًا بِمُوجِبِ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ ، وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِدُخُولِهَا الدَّارَ فَدَخَلَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ نَاسٍ فَمُظَاهَرٌ مِنْهَا كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِهَا ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْجُنُونُ وَالنِّسْيَانُ فِي فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا عَوْدَ مِنْهُ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ ، أَوْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ نِسْيَانِهِ ثُمَّ يُمْسِكُ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا زَمَنًا يُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُطَلِّقْ ( وَلَوْ قَالَ : إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ ) فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَقَوْلُهُ ( وَفُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٌ ) لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمُظَاهِرِ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ الْوَقْعِ ( فَخَاطَبَهَا ) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ ( بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ ) لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ شَرْعًا ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ ) أَيْ إنْ تَلَفَّظْت بِالظِّهَارِ مِنْهَا فَيَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( فَلَوْ نَكَحَهَا ) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ ( وَظَاهَرَ مِنْهَا ) بَعْدَ نِكَاحِهَا ( صَارَ مُظَاهِرًا ) مِنْ زَوْجَتِهِ الْأُولَى لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( وَلَوْ قَالَ ) : إنْ ظَاهَرْت ( مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ ) فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَإِنْ خَاطَبَهَا بِظِهَارٍ قَبْلَ نِكَاحِهَا لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ أَوْ بَعْدَ نِكَاحِهَا صَارَ مُظَاهِرًا ( وَقِيلَ لَا يَصِيرُ
مُظَاهِرًا ) مِنْهَا ( وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ ) مِنْهَا بَعْدَ نِكَاحِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ حِينَ الظِّهَارِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ ، وَرَدَّ هَذَا بِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلِاشْتِرَاطِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ النُّحَاةِ : إنَّ الصِّفَةَ فِي الْمَعْرِفَةِ لِلتَّوْضِيحِ ، نَحْوَ زَيْدٍ الْعَالِمِ ، وَفِي النَّكِرَةِ لِلتَّخْصِيصِ نَحْوَ مَرَرْت بِرَجُلٍ فَاضِلٍ ( وَلَوْ قَالَ : إنْ ظَاهَرْت مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ) فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ( فَلَغْوٌ ) أَيْ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمُظَاهِرِ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : إنْ بِعْت الْخَمْرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَتَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ : وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مَا لَوْ قَالَ : إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا عَلَّقَ بِهِ ظِهَارُهَا مِنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ حَالَةَ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً ، فَلَوْ أَرَادَ اللَّفْظَ بِظِهَارِهَا فِي الصُّورَتَيْنِ كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي ( وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ ) بِمَجْمُوعِ كَلَامِهِ هَذَا شَيْئًا ( أَوْ نَوَى ) بِهِ ( الطَّلَاقَ ) فَقَطْ ( أَوْ الظِّهَارَ ) فَقَطْ ( أَوْ ) نَوَى بِهِ ( هُمَا ) مَعًا ( أَوْ ) نَوَى ( الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ، وَالطَّلَاقُ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ ) فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ الْخَمْسِ ( وَلَا ظِهَارَ ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ الظِّهَارِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ فَلِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ لَفْظِهِ مَعَ عَدَمِ نِيَّتِهِ وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ بِلَفْظِهِ ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الظِّهَارِ وَعَكْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَأَشَارَ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) نَوَى ( الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ، وَ ) نَوَى (
الظِّهَارَ بِالْبَاقِي ) وَهُوَ كَظَهْرِ أُمِّي ( طَلُقَتْ ) قَطْعًا ( وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ ) ، لِأَنَّ الظِّهَارَ يَصِحُّ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ مَعَ النِّيَّةِ ، وَهُوَ إمَّا عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَإِ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي كَمَا قَدَّرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، أَوْ عَلَى تَعَدُّدِ الْخَبَرِ ، أَيْ بِجَعْلِ " طَالِقٌ وَظَهْرِ أُمِّي " خَبَرَيْنِ عَنْ أَنْتِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : " طَلَاقَ رَجْعَةٍ " عَنْ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ لَا ظِهَارَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ عَكَسَ مَا فِي الْمَتْنِ وَأَرَادَ الظِّهَارَ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَالطَّلَاقُ بِأَنْتِ طَالِقٌ حَصَلَا ، وَلَا عَوْدَ لِأَنَّهُ عَقَّبَ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ ، فَإِنْ رَاجَعَ كَانَ عَائِدًا كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَمُظَاهِرٌ ، وَلَا طَلَاقَ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي عَكْسِهِ ، فَإِنْ أَرَادَهُمَا بِجَمِيعِ اللَّفْظَيْنِ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ ، وَكَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَحَدَهُمَا ، أَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَالظِّهَارُ بِطَالِقٍ تَتِمَّةٌ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِمَجْمُوعِهِ الظِّهَارَ فَمُظَاهِرٌ ، لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ ظِهَارٌ مَعَ النِّيَّةِ ، فَمَعَ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ أَوْلَى ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَطَلَاقٌ ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْحَرَامِ مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ كَصَرِيحِهِ ، وَلَوْ أَرَادَهُمَا بِمَجْمُوعِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَيَثْبُتُ مَا اخْتَارَهُ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعَا جَمِيعًا لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِاخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ ، وَبِالْآخَرِ الظِّهَارَ ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ حَصَلَا لِمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الظِّهَارَ ، وَبِالْآخَرِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ ، إذْ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِصَرَاحَتِهِ فِي الظِّهَارِ ، وَإِنْ طَلَّقَ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ
الْحَرَامِ ظِهَارٌ مَعَ النِّيَّةِ ، فَمَعَ اللَّفْظِ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِعَدَمِ صَرِيحِ لَفْظِهِ وَنِيَّتِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّحْرِيمِ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهَا مُقْتَضَاهُ ، وَلَا ظِهَارَ إلَّا إنْ نَوَاهُ بِكَظَهْرِ أُمِّي ، وَلَوْ أَخَّرَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ عَنْ لَفْظِ الظِّهَارِ ، فَقَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَرَامٌ فَمُظَاهِرٌ لِصَرِيحِ لَفْظِ الظِّهَارِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ : حَرَامٌ تَأْكِيدًا ، سَوَاءٌ أَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا فَيَدْخُلُ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى فِي مُقْتَضَى الظِّهَارِ ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى أَمْ أَطْلَقَ ، فَإِنْ نَوَى بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ الطَّلَاقَ وَقَعَا وَلَا عَوْدَ لِتَعْقِيبِهِ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَرُوحِهَا أَوْ عَيْنِهَا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحَ ظِهَارٍ
فَصْلٌ عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ ، وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانَ فُرْقَةٍ ، فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ فُرْقَةٌ ، بِمَوْتٍ أَوْ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ فَلَا عَوْدَ ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ لَاعَنَهَا فِي الْأَصَحِّ ، بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ رَاجَعَ أَوْ ارْتَدَّ ، مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ ، لَا بِالْإِسْلَامِ ، بَلْ بَعْدَهُ ، وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ وَيَحْرُمُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَطْءٌ ، وَكَذَا لَمْسٌ وَنَحْوُهُ بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ قُلْت : الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ ) : مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ وَتَحْرِيمِ تَمَتُّعٍ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا ، تَجِبُ ( عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ ) فِي ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } الْآيَةَ ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْعَوْدِ ، وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ ، أَوْ بِالظِّهَارِ ، وَالْعَوْدُ شَرْطٌ ، أَوْ بِالْعَوْدِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ ؟ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ ، لَكِنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ ، وَحَكَاهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْقَفَّالِ ، وَعِبَارَةُ الْقَفَّالِ : كُلُّ كَفَّارَةٍ سَبَبُهَا مَعْصِيَةٌ عَلَى الْفَوْرِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَقَدْ يُدْفَعُ هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْعَوْدُ أَوْ مَجْمُوعُهَا عَلَى الْخِلَافِ ، وَالْعَوْدُ لَيْسَ بِحَرَامٍ ، حَكَاهُ فِي التَّوْشِيحِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قُلْنَا : السَّبَبُ الْعَوْدُ فَقَطْ ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا إذَا قُلْنَاهُمَا ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ حَرَامٌ ، وَالْعَوْدُ لَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَرَامٌ وَحَلَالٌ فَيَغْلِبُ الْحَرَامُ وَقَالَ : فِي الْمَطْلَبِ : ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَطَأْ أَمَّا بَعْدَ الْوَطْءِ فَهَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ ا هـ .
وَقَضَيْته تَرْجِيحُ الْفَوْرِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْعَوْدُ فِي الظِّهَارِ ( أَنْ يُمْسِكَهَا ) الْمُظَاهِرُ ( بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ ) لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِالْأُمِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا زَوْجَةً فَإِذَا مَسَكَهَا زَوْجَةً فَقَدْ عَادَ فِيمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ ،
يُقَالُ : قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا ثُمَّ عَادَ لَهُ وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : عَادَ فِي هِبَتِهِ تَنْبِيهٌ : هَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ الْمُطْلَقِ وَفِي غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ إنَّمَا يَصِيرُ عَائِدًا بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ لَا بِالْإِمْسَاكِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَالْعَوْدُ فِي الرَّجْعِيَّةِ ، إنَّمَا هُوَ بِالرَّجْعَةِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْدٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بَدَلَ التَّأْكِيدِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَقِبَ الظِّهَارِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا فَلَمْ تَقْبَلْ ، فَقَالَ عَقِبَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا عِوَضٍ فَلَيْسَ بِعَائِدٍ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ كَقَوْلِهِ : يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُصُولِ الْعَوْدِ بِمَا ذُكِرَ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهَا ( فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ ) أَيْ الظِّهَارِ ( فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ( أَوْ فَسْخٌ ) لِلنِّكَاحِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِهَا أَوْ بِانْفِسَاخٍ كَرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمِلْكِهَا لَهُ ( أَوْ ) فُرْقَةٍ بِسَبَبِ ( طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ ) الزَّوْجُ عَقِبَ ظِهَارِهِ ( فَلَا عَوْدَ ) وَلَا كَفَّارَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْفِرَاقِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَفَوَاتِ الْإِمْسَاكِ فِي الْأُولَى وَانْتِفَائِهِ فِي غَيْرِهَا ( وَكَذَا لَوْ ) ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ ثُمَّ ( مَلَكَهَا ) بِشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ ( أَوْ لَاعَنَهَا ) مُتَّصِلًا ذَلِكَ بِالظِّهَارِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا ( فِي الْأَصَحِّ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهَا فِي النِّكَاحِ ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا أَبْدَلَ حِلًّا بِحِلٍّ أَقْوَى مِنْهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَجْهُ الْأَصَحِّ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ ، وَلَا فَرْقَ فِي
الْكَلِمَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِرَاقِ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ عَقِبَ الظِّهَارِ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ طَالِقٌ ، وَأَطَالَ فِي ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ وَالنَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ تَخَلُّلُ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ ، وَلَوْ اشْتَغَلَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِأَسْبَابِهِ ، كَالسَّوْمِ وَتَقْدِيرِ الثَّمَنِ كَانَ عَائِدًا فِي الْأَصَحِّ تَنْبِيهٌ : إنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ مَلَكَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ بِإِرْثٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا قَطْعًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَا فَقَبِلَهَا مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا ، وَإِلَّا فَيَصِيرُ عَائِدًا إنْ قُلْنَا : إنَّ الْوَصِيَّةَ تَمَلُّكٌ بِالْقَبُولِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ مُتَّصِلًا فَعَائِدٌ جَزْمًا فِيمَا ظَهَرَ ، إذْ لَا تَمَلُّكَ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ عَائِدًا فِي اللِّعَانِ عَلَى الْأَصَحِّ ( بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ) وَالْمُرَافَعَةُ لِلْقَاضِي ( ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ ) لِمَا فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ عَنْ الظِّهَارِ مِنْ زِيَادَةِ التَّطْوِيلِ ، وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ مَا ذَكَرَ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْفِرَاقِ تَنْبِيهٌ : الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ اللِّعَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : مَلَكَهَا فِي الْأَصَحِّ أَوْ لَاعَنَهَا عَلَى النَّصِّ كَانَ مُوَافِقًا لِاصْطِلَاحِهِ ( وَلَوْ رَاجَعَ ) مَنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ ، هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا : لَمْ يُرَاجِعْ ، وَقَوْلُهُ : ( أَوْ ارْتَدَّ ) بَعْدَ دُخُولٍ ( مُتَّصِلًا ) هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ ارْتَدَّ لَا مِنْ فَاعِلِ رَاجَعَ ( ثُمَّ أَسْلَمَ ) بَعْدَ رِدَّتِهِ فِي الْعِدَّةِ ( فَالْمَذْهَبُ ) بَعْدَ الْجَزْمِ بِعَوْدِ الظِّهَارِ وَحُكْمِهِ ( أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ ) وَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ بَلْ طَلَّقَهَا ( لَا بِالْإِسْلَامِ ، بَلْ ) هُوَ عَائِدٌ ( بَعْدَهُ ) إنْ مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَمَنٌ يَسَعُ
الْفُرْقَةَ ، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، فَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ ، وَالصَّحِيحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الِاسْتِبَاحَةُ وَمَقْصُودَ الْإِسْلَامِ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ ( وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ ) لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَاسْتِقْرَارهَا بِالْإِمْسَاكِ كَالدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ( وَيَحْرُمُ ) فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ ( قَبْلَ التَّكْفِيرِ ) بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَطْءٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَفِي الصَّوْمِ : { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَيُقَدَّرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فِي الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظَاهَرَ : { لَا تَقْرَبَهَا حَتَّى تُكَفِّرَ } كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ مَعَ طُولِ زَمَنِهِ فَمَنْعُهُ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْإِطْعَامِ أَوْلَى لِقِصَرِ زَمَنِهِ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ ( لَمْسٌ وَنَحْوُهُ ) كَالْقُبْلَةِ ( بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ ) لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَدْعُو إلَى الْوَطْءِ وَيُفْضِي إلَيْهِ ، وَحَمْلًا لِلْمَسِّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ ( قُلْت : الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَهَذَا مَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ تَرْجِيحُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لَا يَحِلُّ بِالنِّكَاحِ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ ، حَمْلًا لِلْمَسِّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجِمَاعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ
وَالرُّكْبَةِ ، وَفِيهِ الْخِلَافُ فِي الْحَيْضِ ، وَالْأَصَحُّ مِنْهُ التَّحْرِيمُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي هُنَا ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ فِي الصَّغِيرِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ قَطْعًا ، وَتَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمُبَاشَرَةِ الْبَشَرَةِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ
وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ مُؤَقَّتًا ، وَفِي قَوْلٍ مُؤَبَّدًا ، وَفِي قَوْلٍ لَغْوٌ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّ عَوْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ بَلْ بِوَطْءٍ فِي الْمُدَّةِ وَيَجِبُ النَّزْعُ بِمُغَيِّبِ الْحَشَفَةِ
وَأَمَّا الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ فَقَدْ شَرَعَ فِي صِحَّتِهِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ ( وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ ) كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرًا ظِهَارًا ( مُؤَقَّتًا ) فِي الْأَظْهَرِ عَمَلًا بِالتَّأْقِيتِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَصَحَّ كَالظِّهَارِ الْمُعَلَّقِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَصِحُّ ظِهَارًا ( مُؤَبَّدًا ) وَيَلْغُو تَأْقِيتُهُ تَغْلِيبًا لِشَبَهِهِ بِالطَّلَاقِ ( وَفِي قَوْلٍ ) الْمُؤَقَّتُ ( لَغْوٌ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَبِّدْ التَّحْرِيمَ ، فَأَشْبَهَ مَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ لَا تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْكَفَّارَةِ دُونَ الْإِثْمِ بَلْ يَأْثَمُ بِلَا خِلَافٍ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ ) وَهُوَ صِحَّتُهُ مُؤَقَّتًا ( الْأَصَحُّ ) بِالرَّفْعِ ( أَنَّ عَوْدَهُ ) فِيهِ ( لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ ) لِزَوْجَةٍ ظَاهَرَ مِنْهَا مُؤَقَّتًا ( بَلْ ) يَحْصُلُ ( بِوَطْءٍ فِي الْمُدَّةِ ) لِأَنَّ الْحِلَّ مُنْتَظَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ ، فَالْإِمْسَاكُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ الْحِلِّ أَوْ لِلْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ ، فَإِذَا وَطِئَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِمْسَاكُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ كَالْعَوْدِ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ إلْحَاقًا لِأَحَدِ نَوْعَيْ الظِّهَارِ بِالْآخَرِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَطْءَ نَفْسَهُ عَوْدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْعَوْدُ بِالْإِمْسَاكِ عَقِبَ الظِّهَارِ ( وَ ) عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ ، بَلْ ( يَجِبُ النَّزْعُ بِمُغَيِّبِ الْحَشَفَةِ ) لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، وَاسْتِمْرَارِ الْوَطْءِ وَطْءٌ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَأْ فِيهَا وَوَطِئَ بَعْدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ لِارْتِفَاعِ الظِّهَارِ ، وَأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ وَلَمْ
يُكَفِّرْ حَتَّى انْقَضَتْ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ لِارْتِفَاعِ الظِّهَارِ وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الظِّهَارَ الْمُؤَقَّتَ يُخَالِفُ الْمُطْلَقَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ : إحْدَاهَا : أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ بِالْوَطْءِ ثَانِيهَا : أَنَّ الْوَطْءَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ ثَالِثُهَا : أَنَّ التَّحْرِيمَ بَعْدَ الْوَطْأَةِ الْأُولَى يَمْتَدُّ إلَى التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّهُ حَرَّمَ الْمَسِيسَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ ، فَمَنْ قَالَ : أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَقَدْ زَادَ شَرْطًا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فُرُوعٌ : لَوْ كَانَ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَارَ مُظَاهِرًا مُولِيًا لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْوَطْءِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَإِذَا وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةُ يَمِينِ الْإِيلَاءِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إذْ لَا يَمِينَ ، وَقِيلَ : تَلْزَمُهُ مَعَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبَا التَّعْلِيقَةِ وَالْأَنْوَارِ ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْيَمِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ، وَلَوْ قَيَّدَ الظِّهَارَ بِمَكَانٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ بِزَمَانٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَإِذَا قُلْنَا : يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا فِي ذَلِكَ الظِّهَارِ إلَّا بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَمَتَى وَطِئَهَا فِيهِ حَرُمَ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا حَتَّى يُكَفِّرَ ا هـ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَمَا قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بِدُخُولِهَا الدَّارَ أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ ، أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، فَهُوَ كَالظِّهَارِ
الْمُطْلَقِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَوْ وَقَّتَ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا كَأَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ شَهْرًا وَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا ، أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
وَلَوْ قَالَ : لِأَرْبَعٍ : أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ ، فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ ، وَفِي الْقَدِيمِ كَفَّارَةٌ ، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَعَائِدٌ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ، وَلَوْ كَرَّرَ فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ ، أَوْ اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ التَّعَدُّدُ ، وَأَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي الْأَوَّلِ
( وَلَوْ قَالَ : لِأَرْبَعٍ : ) جَمَعَهُنَّ فِي ظِهَارٍ وَاحِدٍ ( أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ ) لِوُجُودِ لَفْظِهِ الصَّرِيحِ ( فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ ) زَمَنًا يَسَعُ طَلَاقَهُنَّ فَعَائِدٌ مِنْهُنَّ وَحِينَئِذٍ ( فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ ) تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ لِوُجُودِ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْعَوْدُ فِي بَعْضِهِنَّ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِعَدَدِ مَنْ عَادَ فِيهِ مِنْهُنَّ ( وَفِي الْقَدِيمِ ) عَلَيْهِ ( كَفَّارَةٌ ) وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ أَمْسَكَهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ لِاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ أَمَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ قَطْعًا لِتَعَدُّدِ الْكَلِمَةِ ( وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ ) أَيْ الْأَرْبَعِ ( بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ ) أَوْ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى ( فَعَائِدٌ ) مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ( مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ) أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُتَوَالِيَةِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْمُتَوَالِيَةِ فَلِعَوْدِهِ فِي الْأُولَى بِظِهَارِ الثَّانِيَةِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِظِهَارِ الثَّالِثَةِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِظِهَارِ الرَّابِعَةِ ، فَإِنْ فَارَقَ الرَّابِعَةَ عَقِبَ ظِهَارِهَا فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ ( وَلَوْ كَرَّرَ ) لَفْظَ الظِّهَارِ ( فِي امْرَأَةٍ ) وَاحِدَةٍ تَكْرِيرًا ( مُتَّصِلًا وَقَصَدَ ) بِهِ ( تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ ) لِأَنَّ التَّأْكِيدَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَالطَّلَاقِ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إنْ أَمْسَكَهَا عَقِبَ الْمَرَّاتِ ، وَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلًا مَا لَوْ فَصَلَ وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلطَّلَاقِ ، وَقِيلَ : يُقْبَلُ تَغْلِيبًا لِشُبْهَةِ الْيَمِينِ ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ كَفَّرَ فَالثَّانِي ظِهَارٌ جَدِيدٌ قَطْعًا لِانْقِضَاءِ حُكْمِ الْأَوَّلِ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ ( أَوْ ) قَصَدَ بِتَكْرِيرِ الظِّهَارِ فِي امْرَأَةٍ ( اسْتِئْنَافًا
فَالْأَظْهَرُ ) الْجَدِيدُ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ ( التَّعَدُّدُ ) لِلظِّهَارِ بِعَدَدِ الْمُسْتَأْنَفِ كَالطَّلَاقِ وَالثَّانِي : لَا يَتَعَدَّدُ كَتَكَرُّرِ الْيَمِينِ عَلَى شَيْءٍ مَرَّاتٍ ( وَ ) الْأَظْهَرُ عَلَى التَّعَدُّدِ ( أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي ) الظِّهَارِ ( الْأَوَّلِ ) لِلْإِمْسَاكِ زَمَنَهَا وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ بِهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْجِنْسِ لَا يُجْعَلُ عَائِدًا تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا ، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ الِاتِّحَادُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُهُ فَإِذَا كَرَّرَ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاءُ الْمَمْلُوكِ بِخِلَافِ الظِّهَارِ ، وَلَوْ قَصَدَ بِالْبَعْضِ تَأْكِيدًا ، وَبِالْبَعْضِ اسْتِئْنَافًا أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَكَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَإِنْ فَرَّقَهُ فِي مَجَالِسَ ، وَإِنْ كَرَّرَهُ بِنِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَاتُ ، سَوَاءٌ أَفَرَّقَهُ أَمْ لَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا بِعَوْدٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ الدُّخُولِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ، وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَتَعَدَّدْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَاسْتَشْكَلَ الْبُلْقِينِيُّ التَّعَدُّدَ فِي الِاسْتِئْنَافِ بِمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ مِرَارًا بِقَصْدِ الِاسْتِئْنَافِ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمُهَذَّبِ وَفَتَاوَى الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غُمُوضٌ ا هـ .
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الظِّهَارِ شِبْهُ الطَّلَاقِ خَاتِمَةٌ : لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَتَمَكَّنَ مِنْ التَّزَوُّجِ تَوَقَّفَ الظِّهَارُ عَلَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِيَحْصُلَ الْيَأْسُ مِنْهُ ، لَكِنْ لَا عَوْدَ لِوُقُوعِ
الظِّهَارِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَحْصُلُ إمْسَاكٌ ، فَإِنْ قَالَ : إذَا لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِإِمْكَانَ التَّزَوُّجِ عَقِبَ التَّعْلِيقِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إنْ وَإِذَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك وَكَفَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُجْزِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ ، وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِصِفَةٍ وَكَفَّرَ قَبْلَ وُجُودِهَا ، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ كَفَّارَتِهِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ مَلَكَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهِ صَحَّ ، وَلَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ فَقَالَ لِسَيِّدِهَا وَلَوْ قَبْلَ الْعَوْدِ أَعْتِقْهَا عَنْ ظِهَارِي أَوْ إيلَائِي فَفَعَلَ عَتَقَتْ عَنْهُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهَا عَنْهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهَا لَهُ
كِتَابُ الْكَفَّارَةِ وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ : عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ أَقْرَعُ أَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ ، وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ وَأَخْشَمُ ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ ، وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ لَا زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا قُلْت : أَوْ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَا هَرِمٌ عَاجِزٌ ، وَمَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى ، فَإِنْ بَرَأَ بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ .
كِتَابُ الْكَفَّارَةِ أَيْ جِنْسُهَا ، لَا كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ ، وَهُوَ السِّتْرُ لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَسُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ ، وَهَلْ الْكَفَّارَاتُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ زَوَاجِرُ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ ، أَوْ جَوَابِرُ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ ، وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَافْتَتَحَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } وَصَدَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ خِصَالَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ مُبْتَدِئًا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا فَقَالَ ( يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا ) بِأَنْ يَنْوِيَ الْعِتْقَ أَوْ الصَّوْمَ أَوْ الْإِطْعَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ تَطْهِيرًا كَالزَّكَاةِ ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، فَلَا يَكْفِي الْإِعْتَاقُ أَوْ الصَّوْمُ أَوْ الْكِسْوَةُ أَوْ الْإِطْعَامُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ ، نَعَمْ لَوْ نَوَى الْوَاجِبَ بِالظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ كَفَى ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ سَبٍّ نَذْرٍ أَوْ قَتْلٍ أَجْزَأَهُ نِيَّةُ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا ، وَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِطْعَامِ بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ بَلْ صَوَّبَهُ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ صَحَّحَ هُنَا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ اقْتِرَانُهَا بِذَلِكَ ، وَإِذَا قَدَّمَهَا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُ قَرْنِهَا بِعَزْلِ الْمَالِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي أَوَاخِرَ هَذَا
الْكِتَابِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ ( لَا تَعْيِينُهَا ) بِأَنْ تُقَيِّدَ بِظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ أَصْلِهَا ، فَلَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَكَانَ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا ، وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً وَقَعَتْ عَنْ إحْدَاهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينُهَا فِي النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مُعْظَمِ خِصَالِهَا بَارِعَةٌ إلَى الْغَرَامَاتِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِأَصْلِ النِّيَّةِ نَعَمْ لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ ، وَلَوْ خَطَأٌ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْطَأَ فِي الْحَدَثِ حَيْثُ يَصِحُّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِارْتِفَاعِهِ يَرْتَفِعُ غَيْرُهُ ، وَهُنَا لَمْ يُكَفِّرْ عَمَّا عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ : الذِّمِّيُّ الْمُظَاهِرُ كَالْمُسْلِمِ يُكَفِّرُ بَعْدَ عَوْدِهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّعَامِ ، وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِأَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ الْكَافِرُ أَوْ يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ : أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنْ كَفَّارَتِي فَيُجِيبُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَالصَّوْمُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ ، وَلَا يُطْعِمُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ فَيَتْرُكُ الْوَطْءَ ، أَوْ يُسْلِمُ وَيَصُومُ ثُمَّ يَطَأُ وَيَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ لِلتَّمْيِيزِ لَا لِلتَّقَرُّبِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ : كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ، فَلَوْ دَفَعَ مَالًا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا بِنِيَّةِ الْوَفَاءِ كَانَ هِبَةً قَالَ : وَفِيهِ وَقْفَةٌ ، وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ مُرْتَدٌّ بَعْدَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَتُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ فَيَطَأُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَفَّرَ فِي الرِّدَّةِ وَتَنْقَسِمُ الْكَفَّارَةُ إلَى نَوْعَيْنِ :
مُخَيَّرَةٌ فِي أَوَّلِهَا ، وَمُرَتَّبَةٌ فِي آخِرِهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَمُرَتَّبَةٌ وَهِيَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالظِّهَارِ ، وَقَدْ شَرَعَ فِي خِصَالِهِ فَقَالَ ( وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) ثَلَاثَةٌ ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ تَفْسِيرِ الْخِصَالِ بِالْعِتْقِ الْمَوْصُوفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَصْلَةَ الثَّانِيَةَ وَلَا الثَّالِثَةَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعِتْقَ وَأَحْكَامَهُ ، ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ صَامَ ، وَذَكَرَ حُكْمَ الصَّوْمِ ، ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ ، وَلَوْ قَالَ خِصَالُهَا مُرَتَّبَةٌ : أَحَدُهَا ( عِتْقُ رَقَبَةٍ ) لَكَانَ أَحْسَنَ ، وَلِلرَّقَبَةِ الْمُجْزِئَةِ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( مُؤْمِنَةٍ ) وَلَوْ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي فَلَا يُجْزِئُ كَافِرٌ قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهَا ، أَوْ حَمْلًا لِمُطْلَقِ آيَةِ الظِّهَارِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي آيَةِ الْقَتْلِ كَحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِكَافِرٍ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ بِهِ ، وَيُشْتَرَطُ الْإِيمَانُ فِي بَاقِي الْكَفَّارَاتِ أَيْضًا الشَّرْطُ الثَّانِي ، أَنْ تَكُونَ سَالِمَةً ( بِلَا عَيْبٍ ) فِيهَا ( يُخِلُّ ) بِأَنْ يَضُرَّ ( بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ ) إضْرَارًا بَيِّنًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ حَالِهِ لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ تَنْبِيهٌ : إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الزَّمِنَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لَكِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى
الْعَمَلِ كَانَ أَخْصَرَ ، وَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ الْكَسْبُ مِنْ عَطْفِ أَعَمَّ عَلَى أَخَصَّ قَالَ الْأَصْحَابُ : وَمُلَاحَظَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَيْبِ هُنَا بِمَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ نَظِيرُ مُلَاحَظَتِهِ فِي عَيْبِ الْأُضْحِيَّةِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِيهَا ، وَفِي عَيْبِ النِّكَاحِ مَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ ، وَفِي عَيْبِ الْمَبِيعِ مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ فَاعْتُبِرَ فِي كُلِّ بَابٍ مَا يَلِيقُ بِهِ ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ فِي وَصْفِ الرَّقَبَةِ مِنْ إجْزَاءٍ وَمَنْعٍ وَالثَّانِي مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ : لَا زَمِنٌ ، وَالْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ ( فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ ) وَلَوْ ابْنُ يَوْمٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ ، وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كِبَرُهُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ ، وَفَارَقَ فِي الْغُرَّةِ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا الصَّغِيرُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ ، وَلِأَنَّ غُرَّةَ الشَّيْءِ خِيَارُهُ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ مُكَلَّفًا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَنِينَ وَلَوْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ كَمَا قَالَ الْقَفَّالُ ( وَ ) يُجْزِئُ ( أَقْرَعُ ) وَهُوَ مَنْ لَا نَبَاتَ بِرَأْسِهِ ( أَعْرَجُ ) بِحَذْفِ الْعَاطِفِ ( يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ ) بِأَنْ يَكُونَ عَرَجُهُ غَيْرَ شَدِيدٍ ، وَلَوْ عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ الْمَشْيَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى ( وَ ) يُجْزِئُ ( أَعْوَرُ ) لَمْ يُضْعِفْ عَوَرُهُ بَصَرَ عَيْنِهِ السَّلِيمَةِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، فَإِنْ أَضْعَفَهَا وَأَضَرَّ الْعَمَلَ إضْرَارًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَعْمَى وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَبْصَرَ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ فِي الْعَمَى ، وَعُرُوضُ الْبَصَرِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ بِخِلَافِ الْمَرَضِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يُشْكَلُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ ذَهَبَ بَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ فَأَخَذَ دِيَتَهُ ثُمَّ عَادَ
اُسْتُرِدَّتْ ؛ لِأَنَّ الْعَمَى الْمُحَقَّقَ لَا يَزُولُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْعَمَى الْأَصْلِيُّ وَالثَّانِي فِي الطَّارِئِ ( وَ ) يُجْزِئُ ( أَصَمُّ ) وَهُوَ فَاقِدُ السَّمْعِ ( وَ ) يُجْزِئُ ( أَخْرَسُ ) قَالَ فِي التَّنْبِيهِ : إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ : وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهُمَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ : فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّمَمِ وَالْخَرَسِ لَمْ يُجْزِهِ ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ يُورِثُ زِيَادَةَ الضَّرَرِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ( وَ ) يُجْزِئُ ( أَخْشَمُ ) بِخَاءٍ وَشِينٍ مُعْجَمَتَيْنِ فَاقِدُ الشَّمِّ ( وَفَاقِدُ أَنْفِهِ ، وَ ) فَاقِدُ ( أُذُنَيْهِ ، وَ ) فَاقِدُ ( أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ) كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ فَقْدَ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ بِخِلَافِ فَاقِدِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ ، وَيُجْزِئُ فَاقِدُ الْأَسْنَانِ وَالْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْأَبْرَصُ وَالْمَجْذُومُ وَضَعِيفُ الْبَطْشِ ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ صَنْعَةً وَالْأَحْمَقُ ، وَهُوَ مَنْ يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالْفَاسِقُ ( لَا زَمِنٌ ) وَنَحِيفٌ لَا عَمَلَ فِيهِ ( وَ ) لَا ( فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِ ثَانِيهِمَا وَكَسْرِهِ ( مِنْ يَدٍ ) وَأَفْهَمَ أَنَّ فَقْدَ أَحَدِهِمَا أَوْ فَقْدَهُمَا مِنْ يَدَيْنِ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ ( أَوْ ) فَاقِدُ ( أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا ) كَإِبْهَامٍ وَسَبَّابَةٍ وَوُسْطَى ؛ لِأَنَّ فَقْدَهُمَا مُضِرٌّ تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ فَقْدَ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ لَا يَضُرُّ ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ فَقْدُهُمَا جُمْلَةً ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ : وَفَقْدُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ أُصْبُعٍ كَفَقْدِ تِلْكَ الْأُصْبُعِ ( قُلْت : أَوْ ) فَاقِدُ ( أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ ) فَيَضُرُّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِتَعَطُّلِ مَنْفَعَتِهَا إذًا فَأَشْبَهَ قَطْعَهَا تَنْبِيهٌ : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا
يُجْزِئُ فَاقِدُ يَدٍ وَأَشَلُّهَا مِثْلُهُ وَلَا فَاقِدُ أَصَابِعِهَا ، وَلَا فَاقِدُ أُصْبُعٍ مِنْ إبْهَامٍ ، أَوْ سَبَّابَةٍ أَوْ وُسْطَى وَأَنَّهُ يُجْزِئُ فَاقِدُ خِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ الْأُخْرَى وَفَاقِدُ أُنْمُلَةٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ ، فَلَوْ فُقِدَتْ أَنَامِلُهُ الْعُلْيَا مِنْ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ أَجْزَأَ ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ ( وَلَا ) يُجْزِئُ ( هَرِمٌ عَاجِزٌ ) عَنْ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ ( وَ ) لَا ( مَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ ، بِخِلَافِ مَنْ هُوَ فِي أَكْثَرِهَا عَاقِلٌ فَيُجْزِئُ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ فِي الشِّقَّيْنِ ، وَمَنْ اسْتَوَى زَمَنُ جُنُونِهِ وَزَمَنُ إفَاقَتِهِ يُجْزِئُ ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ الْكَثِيرَةِ ضَعْفٌ يَمْنَعُ الْعَمَلَ زَمَنًا يُؤَثِّرُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ زَمَنِ الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ ضَرٌّ تَنْبِيهٌ : فِي عِبَارَتِهِ إسْنَادُ الْجُنُونِ إلَى الزَّمَنِ ، وَالْأَصْلُ : وَلَا مَنْ هُوَ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَجْنُونٌ ، فَيَكُونُ مِنْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ كَنَهَارِهِ صَائِمٌ ( وَ ) لَا ( مَرِيضٌ لَا يُرْجَى ) بُرْءُ عِلَّتِهِ كَصَاحِبِ السُّلِّ فَإِنَّهُ كَالزَّمِنِ بِخِلَافِ مَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إعْتَاقِهِ لِوُجُودِ الرَّجَاءِ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ ، وَمَوْتُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَرَضٍ آخَرَ ( فَإِنْ بَرَأَ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَنْ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بَعْدَ إعَاقَتِهِ ( بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ ) لِخَطَإِ الظَّنِّ وَالثَّانِي : لَا ، لِاخْتِلَالِ النِّيَّةِ وَقْتَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِ الْمَعْضُوبِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مَعْضُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ
وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ ، فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ كَفَّارَةً لَمْ يَجُزْ وَلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ ، وَإِعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ عَنْ كُلٍّ نِصْفُ ذَا وَنِصْفُ ذَا ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا
الشَّرْطُ الثَّالِثُ : كَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ ) يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا ( بِنِيَّةِ ) عِتْقِهِ عَنْ ( كَفَّارَةٍ ) لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْكَفَّارَةِ تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : تَمَلُّكُ قَرِيبٍ لَكَانَ أَشْمَلَ فَإِنَّ هِبَتَهُ وَإِرْثَهُ وَقَبُولَ الْوَصِيَّةِ بِهِ كَذَلِكَ ( وَلَا ) عِتْقَ ( أُمِّ وَلَدٍ ) لِاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ ( وَ ) لَا عِتْقَ ( ذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ ) لِأَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ بِدَلِيلِ اسْتِتْبَاعِ الْكَسْبِ فَيُمْنَعُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهَا ، نَعَمْ إنْ وُجِدَ التَّعْجِيزُ جَازَ عَلَى النَّصِّ ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةِ ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي التَّنْقِيحِ هَذَا التَّفْصِيلَ ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فَقَدْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى فِي بَابِ الْكِتَابَةِ الْإِجْزَاءَ فِي الْفَاسِدَةِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ عَنْ النَّصِّ تَنْبِيهٌ : جَرَّ الْمُصَنِّفُ أُمَّ الْوَلَدِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى إضَافَةِ عِتْقِ الْمُقَدَّرِ كَمَا قَدَّرْته فِيهِمَا ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا فَاعِلَيْنِ لِيُجْزِئَ بِلَا تَقْدِيرِ مُضَافٍ ، وَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُمَا عَلَى " شِرَاءُ " لِعَدَمِ صِحَّةِ شِرَائِهِمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ ( وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ ) وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ( وَمُعَلَّقٌ ) عِتْقُهُ ( بِصِفَةٍ ) غَيْرِ التَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِمَا تَامٌّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ ، هَذَا إذَا نَجَّزَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ عَلَّقَهُ بِمَا يُوجَدُ قَبْلَ الصِّفَةِ الْأُولَى وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ ) بِهَا ( كَفَّارَةً ) عِنْدَ حُصُولِهَا ( لَمْ يَجُزْ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
بِخَطِّهِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ ثَانِيًا إنْ دَخَلْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي فَيُعْتَقُ الْمُعَلَّقُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ دُخُولِهَا ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ التَّنْجِيزُ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ ) عَلَى الْأَصَحِّ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي فَدَخَلَهَا عَتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ حَالَ التَّعْلِيقِ ، فَلَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً ، إذَا عَجَزْت عَنْ النُّجُومِ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي أَوْ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمْت فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي ، أَوْ قَالَ : إنْ خَرَجَ الْجَنِينُ سَلِيمًا فَهُوَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ وَلَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ الْمُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ ثُمَّ كَاتَبَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ أَجْزَأَهُ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُعَلَّقِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَيُجْزِئُ مَرْهُونٌ وَجَانٍ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُمَا بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ، وَيُجْزِئُ آبِقٌ وَمَغْصُوبٌ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْ غَاصِبِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ هَذَا إنْ عُلِمَ حَيَاتُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لِكَمَالِ رِقِّهِمَا ، سَوَاءٌ أَعَلِمَا عِتْقَ أَنْفُسِهِمَا أَمْ لَا ، لِأَنَّ عِلْمَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فَكَذَا فِي الْإِجْزَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَيَاتُهُمَا لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُمَا ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لَا يُجْزِئُ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَيَقَّنٌ وَالْمُسْقِطَ مَشْكُوكٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ تَجِبُ لِلِاحْتِيَاطِ ، وَتُجْزِئُ حَامِلٌ وَإِنْ
اسْتَثْنَى حَمْلَهَا وَيَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي صُورَتِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الِاسْتِثْنَاءُ نُفُوذَ الْعِتْقِ لَمْ يَمْنَعْ سُقُوطَ الْفَرْضِ ، وَلَا يُجْزِئُ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ وَلَا مُسْتَأْجَرٌ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْكَسْبِ لِنَفْسِهِمَا وَلِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنَافِعِهِمَا ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالصَّغِيرُ وَيُجْزِئُ مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ يُقْتَلُ غَالِبًا ، فَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ كَانَ كَمَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالْمُتَحَتَّمُ قَتْلُهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ الْقَتْلُ عَنْهُ وَقَدْ تَرْجِعُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَضُرُّ فِي الْعِتْقِ هُنَا التَّشْقِيصُ ( وَ ) حِينَئِذٍ يُجْزِئُ ( إعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ ) اتَّفَقَ جِنْسُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ ( عَنْ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ ذَا ) الْعَبْدِ ( وَنِصْفُ ذَا ) الْعَبْدِ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَتَيْنِ مِنْ الرِّقِّ ، وَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ مُبَعَّضًا عَلَى مَا نَوَاهُ ثُمَّ يَسْرِي أَوْ يَقَعُ كُلُّ عَبْدٍ عَنْ كَفَّارَةٍ ؟ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ الْأَوَّلِ وَنَسَبَهُ فِي الشَّامِلِ لِلْجُمْهُورِ ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ ظَهَرَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا أَوْ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا فَعَلَى التَّبْعِيضِ لَمْ يَجُزْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ كَفَّارَتِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي : يَبْرَأُ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَبْقَى عَلَيْهِ أُخْرَى تَنْبِيهٌ : لَوْ سَكَتَ الْمُكَفِّرُ عَنْ التَّشْقِيصِ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَتَقَعُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَنْ كَفَّارَةٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ( وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ ) لَهُ مِنْ عَبْدَيْنِ ( عَنْ كَفَّارَةٍ ) عَلَيْهِ ( فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إفَادَةُ الِاسْتِقْلَالِ وَالثَّانِي ، الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا لَا يُجْزِئُ شِقْصَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ
الثَّالِثُ : الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا تَنْزِيلًا لِلْأَشْقَاصِ مَنْزِلَةَ الْأَشْخَاصِ ، وَخَرَجَ بِالْمُعْسِرِ الْمُوسِرُ فَيَجْزِيهِ ذَلِكَ بِلَا قَيْدٍ لِسَرَيَانِهِ إلَى بَاقِيهِمَا تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ حُرًّا لَمْ يُجْزِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ لِخُلُوصِ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ عَنْ كَفَّارَتِهِ ، فَإِنْ نَوَى مَعَ عِتْقِ نَصِيبِهِ صَرْفَ عِتْقِ نَصِيبِ شَرِيكٍ أَيْضًا إلَيْهَا أَجْزَأَهُ ، وَإِلَّا فَيَنْصَرِفُ نَصِيبُهُ فَقَطْ إلَيْهَا فَيُكْمِلُ مَا يُوَفِّي رَقَبَةً
وَلَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ كَفَّارَةٍ ، وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ ، فَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ نَفَذَ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَقِبَ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ خُلُوُّ الرَّقَبَةِ عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ أَعْتَقَ ) عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ( بِعِوَضٍ ) يَأْخُذُهُ ( لَمْ يَجُزْ ) ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ ( عَنْ كَفَّارَةٍ ) لِعَدَمِ تَجَرُّدِهِ لَهَا تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ الْعِوَضَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَعْلِ الْعِوَضِ عَلَى الْعَبْدِ كَأَعْتَقْتُك عَنْ كَفَّارَتِي عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ أَلْفًا ، أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَأَعْتَقْت عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَ ، أَوْ يَقُولُ لَهُ الْأَجْنَبِيُّ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِك وَعَلَيَّ كَذَا فَيُعْتِقُهُ فَوْرًا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ عَلَى الْمُلْتَمِسِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَيَقَعُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ عَنْ الْبَاذِلِ وَلَا هُوَ اسْتَدْعَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِعِوَضٍ بَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ اسْتِطْرَادًا ، فَقَالَ ( وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ ) فَيَكُونُ مِنْ الْمَالِكِ بِهِ مُعَاوَضَةً فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ ، وَمِنْ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةً فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ وَالْجَوَابُ عَنْ الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى الْفَوْرِ ، فَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَالِكِ تَنْبِيهٌ : قَدْ عَقَدَ فِي الْمُحَرَّرِ لِهَذَا فَصْلًا وَقَالَ : إنَّهُ دَخِيلٌ فِي الْبَابِ ، وَلِهَذَا قُلْت تَبَعًا لِلشَّارِحِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِطْرَادًا ( فَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ لِسَيِّدِ مُسْتَوْلَدَةٍ ( أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ ) مَثَلًا ( فَأَعْتَقَ ) فَوْرًا ( نَفَذَ ) إعْتَاقُهُ ( وَلَزِمَهُ ) أَيْ الْمُلْتَمِسَ ( الْعِوَضُ ) الْمَذْكُورُ لَاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ افْتِدَاءً مِنْ الْمُسْتَدْعِي نَازِلًا مَنْزِلَةَ اخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ تَنْبِيهٌ : أَشَارَ بِقَوْلِهِ : فَأَعْتَقَ إلَى أَنَّ عِتْقَهَا مُتَّصِلَ فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ فَصْلٍ طَوِيلٍ وَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَدْعِي ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ
: أَعْتَقْتهَا عَنْك فَإِنَّهَا تُعْتَقُ عَنْ الْمَالِكِ ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ : عَنْك لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : طَلِّقْ زَوْجَتَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَطَلَّقَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ فِي الطَّلَاقِ انْتِقَالُ شَيْءٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ جَوَازُ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ ( وَكَذَا لَوْ قَالَ ) شَخْصٌ لِسَيِّدِ عَبْدٍ ( أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا ) كَأَلْفٍ وَلَمْ يَقُلْ : عَنْك وَلَا عَنِّي بَلْ أَطْلَقَ ( فَأَعْتَقَ ) فَوْرًا نَفَذَ قَطْعًا وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ فَيَكُونُ افْتِدَاءً كَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَالثَّانِي : لَا يَسْتَحِقُّ إذْ لَا افْتِدَاءَ فِي ذَلِكَ ؛ لِإِمْكَانِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ تَنْبِيهٌ : أَشْعَرَ قَوْلُهُ عَلَى كَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعِوَضِ مَالًا ، فَلَوْ قَالَ : عَلَى خَمْرٍ أَوْ عَلَى مَغْصُوبٍ مَثَلًا نَفَذَ وَلَزِمَ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ بَلْ يَرْجِعُ الْمُسْتَدْعِي الْعِتْقَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ ثُمَّ إنْ كَانَ عَيْبًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ ( وَإِنْ قَالَ : أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا ) كَأَلْفٍ أَوْ زَقِّ خَمْرٍ ( فَفَعَلَ ) فَوْرًا وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الطَّالِبِ ( عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ ) لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فِي السِّرَايَةِ فَلَأَنْ يَقَعَ عَنْهُ بِرِضَا الْمَالِكِ وَإِعْتَاقِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى تَنْبِيهٌ : شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ عَلَى الطَّالِبِ كَفَّارَةٌ وَنَوَاهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ( وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ ) الْمُسَمَّى إنْ كَانَ مَالًا عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالْخُلْعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، فَإِنْ قَالَ مَجَّانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عِوَضًا وَلَا نَفَاهُ بِأَنْ قَالَ : أَعْتِقْهُ عَنْ
كَفَّارَتِي وَسَكَتَ عَنْ الْعِوَضِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ : اقْضِ دَيْنِي ، وَإِنْ قَالَ : أَعْتِقْهُ عَنِّي وَلَا عِتْقَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ ، وَإِيرَادُ الْجُمْهُورِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ تَنْبِيهٌ : أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَفَعَلَ إلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْجَوَابِ ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ عَتَقَ عَنْ الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الطَّالِبِ ، فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَمَلَّكْنَاهُ إيَّاهُ وَجَعَلْنَا الْمَسْئُولَ نَائِبًا فِي الْإِعْتَاقِ وَالْمِلْكُ فِي مَسْأَلَتِنَا يُوجِبُ الْعِتْقَ ، وَالتَّوْكِيلُ بَعْدَهُ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ وَيَصِيرُ دَوْرًا ، قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) أَيْ الطَّالِبَ ( يَمْلِكُهُ ) أَيْ الْمَطْلُوبَ إعْتَاقُهُ ( عَقِبَ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ ) الْوَاقِعِ بَعْدَ الِاسْتِدْعَاءِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْمِلْكِ ( ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ) لِتَأَخُّرِ الْعِتْقِ عَنْ الْمِلْكِ فَيَقَعَانِ فِي زَمَنَيْنِ لَطِيفَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَالثَّانِي يَحْصُلُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ اللَّفْظِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَعَ الْمَشْرُوطِ يَقَعَانِ مَعًا وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي التَّعْلِيقِ بِالتَّعْلِيقِ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ صَحَّ وَلَزِمَ الْمُسَمَّى لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْبَيْعِ لِتَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَى الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي وَقَدْ أَجَابَهُ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَقَعَ عَنْ الْمُعْتِقِ دُونَ الْمُسْتَدْعِي تَنْبِيهٌ : الْعِتْقُ يَنْفُذُ بِالْعِوَضِ وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مَغْصُوبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ ضِمْنِيٌّ فَيُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا
يُغْتَفَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ عَنْ كَفَّارَتِي وَنَوَاهَا بِقَلْبِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَالْكِسْوَةُ مِثْلُ الْإِطْعَامِ كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ ( وَ ) أَشَارَ لِضَابِطِ الْمُعْتِقِ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ كُلُّ ( مَنْ مَلَكَ عَبْدًا ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْأَمَةِ ( أَوْ ) مَلَكَ ( ثَمَنَهُ ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ شَرْعًا ( نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا ) وَإِخْدَامًا ( لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ ) وَهَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا ذَكَرَ ، قَالَ تَعَالَى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } الْآيَةَ أَمَّا مَنْ مَلَكَ عَبْدًا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ لِمَرَضٍ ، أَوْ كِبَرٍ ، أَوْ ضَخَامَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ خِدْمَتِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ مَنْصِبٌ يَأْبَى أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْمَعْدُومِ ، بِخِلَافِ مَنْ هُوَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ فَيَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِصَرْفِ الْعَبْدِ إلَى الْكَفَّارَةِ ضَرَرٌ شَدِيدٌ ، وَإِنَّمَا يَفُوتُهُ نَوْعُ رَفَاهِيَةٍ ، وَاسْتَثْنَى فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ السَّفِيهَ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُمْ هُنَا يَشْمَلُهُ ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ فِي الْحَجْرِ أَنَّهُ كَالْمُعْسِرِ حَتَّى إذَا حَلَفَ وَحَنِثَ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَسَكَتُوا عَنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ النَّفَقَةِ وَبَقِيَّةِ الْمُؤَنِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ بِالْعُمْرِ الْغَالِبِ وَأَنْ يُقَدَّرَ سَنَةً ، وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْهُمَا الثَّانِي ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ
وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالثَّانِي عَلَى قِيَاسِ مَا صَنَعَ فِي الزَّكَاةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْحَجِّ وَفِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَنَّ كُتُبَ الْفَقِيهِ لَا تُبَاعُ فِي الْحَجِّ وَلَا تَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَفِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّ خَيْلَ الْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ تَبْقَى لَهُ يُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا بَلْ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
وَلَا يَجِبُ بَيْعُ ضَيْعَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ ، وَلَا مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا شِرَاءٌ بِغَبْنٍ ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ
( وَلَا يَجِبُ ) عَلَى الْمُكَفِّرِ ( بَيْعُ ضَيْعَةٍ ) وَهِيَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ : الْعَقَارُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ( وَ ) لَا بَيْعُ ( رَأْسِ مَالٍ ) لِلتِّجَارَةِ بِحَيْثُ ( لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا ) مِنْ غَلَّةِ الضَّيْعَةِ وَرِبْحِ مَالَ التِّجَارَةِ ( عَنْ كِفَايَتِهِ ) لِمُمَوِّنِهِ لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ بَلْ يَعْدِلُ الْمُكَفِّرُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلصَّوْمِ ، فَإِنْ فَضَلَ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ بَاعَهُمَا قَطْعًا ( وَلَا ) بَيْعَ ( مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الْأَصَحِّ ) لِعُسْرِ مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ وَنَفَاسَتِهِمَا بِأَنْ يَجِدَ بِثَمَنِ الْمَسْكَنِ مَسْكَنًا يَكْفِيهِ وَعَبْدًا يُعْتِقُهُ ، وَبِثَمَنِ الْعَبْدِ عَبْدًا يَخْدُمُهُ وَآخَرَ يُعْتِقُهُ وَالثَّانِي : يَجِبُ بَيْعُهُمَا لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مُفَارِقَةِ الْمَأْلُوفِ فِي ذَلِكَ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَلِفَهُمَا لَوْ لَمْ يَأْلَفْهُمَا فَيَجِبُ الْبَيْعُ وَالْإِعْتَاقُ قَطْعًا تَنْبِيهٌ : كَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْخَادِمِ بَدَلَ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْأَمَةَ كَذَلِكَ لَا سِيَّمَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِلْوَطْءِ وَفِي الِاسْتِذْكَارِ : لَوْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ لِلْوَطْءِ وَخَادِمٌ إنْ أَمْكَنَ أَنْ تَخْدُمَهُ الْأَمَةُ أَعْتَقَ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ الْجِنْسُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ هُنَا كَذَلِكَ وَيَجِبُ بَيْعُ فَاضِلِ دَارِهِ الْوَاسِعَةِ إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ مَعَ سُكْنَى الْبَاقِي ، إذْ لَا ضَرَرَ وَلَا عُسْرَ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَأْلُوفَةُ وَغَيْرُهَا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ كَثِيرِينَ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا ، وَبَيْعُ ثَوْبٍ نَفِيسٍ لَا يَلِيقُ بِالْمُكَفِّرِ ، إذَا حَصَلَ بِهِ غَرَضُ اللُّبْسِ وَغَرَضُ التَّكْفِيرِ إلَّا إذَا كَانَ مَأْلُوفًا كَمَا مَرَّ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ بَعْضِهِ لِعُسْرِ مُفَارِقَةِ الْمَأْلُوفِ فَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ ، وَفِي الْحَجِّ يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْمَأْلُوفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ فِي
الْفَلَسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ خَادِمٌ وَلَا مَسْكَنٌ أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا كَمَا مَرَّ وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ ، وَمَنْ لَهُ أُجْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ ، وَلَوْ تَيَسَّرَ جَمْعُ الزِّيَادَةِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ مَا قَارَبَهَا ، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ صِيَامِهِ وَجَبَ الْعِتْقُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَا ) يَجِبُ ( شِرَاءٌ بِغَبْنٍ ) وَإِنْ قَلَّ كَمَاءِ الطَّهَارَةِ كَأَنْ وَجَدَ عَبْدًا لَا يَبِيعُهُ مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ ، بَلْ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَجِدَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مَنْ يُعْتِقُهُ ، وَكَذَا لَوْ غَابَ مَالُهُ يَصْبِرُ إلَى حُضُورِهِ ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَكَانَ التَّكْفِيرُ عَنْ ظِهَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَأُخِذَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْضَى عَنْ الْمَيِّتِ ، وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الرَّقَبَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ ، بَلْ يُسَنُّ ( وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ ) الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الْإِعْتَاقُ ( بِوَقْتِ الْأَدَاءِ ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ، فَاعْتُبِرَ حَالُ أَدَائِهَا كَالصَّوْمِ ، وَالتَّيَمُّمِ ، وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي : بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لَهَا ، وَجَرَى عَلَى هَذَا صَاحِبُ التَّنْبِيهِ ، وَنَبَّهْت عَلَى ضَعْفِهِ فِي شَرْحِهِ وَالثَّالِثُ بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ وَقْتَيْ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ تَنْبِيهٌ : مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرِّ ، أَمَّا الْعَبْدُ الْمَظَاهِرُ فَلَا يَتَأَتَّى تَكْفِيرُهُ بِعِتْقٍ وَلَا إطْعَامٍ بَلْ يَصُومُ ، وَلِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عِتْقٍ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ بَدَأَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ ، وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَكَذَا بِمَرَضٍ فِي الْجَدِيدِ ، لَا بِحَيْضٍ وَكَذَا جُنُونٌ عَلَى الْمَذْهَبِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ ( فَإِنْ عَجَزَ ) الْمُظَاهِرُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا ( عَنْ عِتْقٍ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) لِلْآيَةِ ، فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، لِأَنَّهُ تَرَقَّى إلَى الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا تَنْبِيهٌ : لَوْ مَلَكَ رَقَبَةً فَقَتَلَهَا هَلْ لَهُ الصَّوْمُ ؟ إنْ قُلْنَا : إنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ صَامَ كَمَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ شَرَعَ الْمُعْسِرُ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْتَاقٌ ، وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ ( بِالْهِلَالِ ) وَلَوْ نَقَصَا ، وَيَكُونُ صَوْمُهُمَا ( بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ ) مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ مَثَلًا كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَصَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ ، وَاسْتَثْنَى فِي الْمَطْلَبِ مَا لَوْ صَامَ شَهْرًا عَنْ كَفَّارَةٍ ، ثُمَّ آخَرَ عَنْ أُخْرَى ، ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُولَى ، ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُخْرَى فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ شَرْطٌ ( وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي الْأَصَحِّ ) اكْتِفَاءً بِالتَّتَابُعِ الْفِعْلِيِّ ، وَلِأَنَّ التَّتَابُعَ شَرْطٌ فِي الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ نِيَّتُهُ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِيَكُونَ مُتَعَرِّضًا لِخَاصَّةِ هَذَا الصَّوْمِ تَنْبِيهٌ : لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكَفِّرِ الصَّوْمُ إلَّا بِتَحْقِيقِ جَوَازِهِ بِتَعَذُّرِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ ، فَلَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ الصَّوْمَ قَبْلَ طَلَبِ الرَّقَبَةِ ثُمَّ طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ ( فَإِنْ بَدَأَ ) بِهَمْزَةٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالصَّوْمِ ( فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ ) كَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ الْمُحَرَّمِ ( حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ ) وَهُوَ صَفَرُ ( بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ ) الشَّهْرَ (
الْأَوَّلَ ) وَهُوَ الْمُحَرَّمُ ( مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ ) يَوْمًا بِعَشَرَةٍ مِنْ رَبِيعٍ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْهِلَالِ فَاعْتُبِرَ بِالْعِدَّةِ ( وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ ) وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ كَمَا إذَا فَسَدَ صَوْمُهُ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي ، وَالنِّسْيَانُ لَا يُجْعَلُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ ، وَهَلْ يَبْطُلُ مَا مَضَى أَوْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ : رَجَّحَ فِي الْأَنْوَارِ أَوَّلَهُمَا وَابْنُ الْمُقْرِي ثَانِيَهُمَا ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِفْسَادِ بِلَا عُذْرٍ وَالثَّانِي عَلَى الْإِفْسَادِ بِعُذْرٍ ، وَلَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ وَلَوْ مِنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي شَكَّ فِي نِيَّتِهِ لَمْ يَضُرَّ إذْ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَوْمِ ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا أَضْيَقُ مِنْ الصَّوْمِ تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ ، أَوْ أَفْطَرَتْ الْحَامِلُ ، أَوْ الْمُرْضِعُ لِأَجْلِ الْوَلَدِ ، أَوْ أَفْطَرَ لِفَرْطِ الْجُوعِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ يَفُوتُ وَإِنْ وُجِدَ عُذْرٌ ( وَكَذَا ) يَفُوتُ التَّتَابُعُ لِعُذْرٍ ( بِمَرَضٍ ) مُسَوِّغٍ لِلْفِطْرِ ( فِي الْجَدِيدِ ) لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَقَدْ أَفْطَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَأَفْطَرَ ، وَالْقَدِيمُ لَا يُقْطَعُ التَّتَابُعُ ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ رَمَضَانَ ، وَهُوَ يَسْقُطُ بِالْمَرَضِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ خَوْفَ الْمَرَضِ قَاطِعٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى ، وَ ( لَا ) يَزُولُ التَّتَابُعُ فِي الصَّوْمِ ( بِحَيْضٍ ) لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ وَلَا تَخْلُو عَنْهُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي الشَّهْرِ غَالِبًا ، وَالتَّأْخِيرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ فِيهِ خَطَرٌ ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَعْتَدَّ الِانْقِطَاعَ شَهْرَيْنِ فَأَكْثَرُ ، فَإِنْ اعْتَادَتْ ذَلِكَ فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ يَتَخَلَّلُهُ الْحَيْضُ انْقَطَعَ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ
الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ ، وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ الْمُكَفِّرُ الصَّوْمَ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ دُخُولَ مَا يَقْطَعُهُ عَنْ إتْيَانِهِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ تَنْبِيهٌ : النِّفَاسُ كَالْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَقِيلَ : يَقْطَعُهُ لِنُدْرَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطُرُوِّ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي كَفَّارَةِ قَتْلٍ لَا ظِهَارٍ ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ ، وَمِنْ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذِكْرَهُ الْحَيْضَ هُنَا وَكَلَامَهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي مُطْلَقِ الْكَفَّارَةِ ، وَأَيْضًا قَدْ يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَصُومَ عَنْ قَرِيبِهَا الْمَيِّتِ الْعَاجِزِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ ( وَكَذَا جُنُونٌ ) لَا يَزُولُ بِهِ التَّتَابُعُ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّوْمِ كَالْحَيْضِ وَيَأْتِي فِي الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ مَا سَبَقَ عَنْ الْمُتَوَلِّي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ ، وَالْإِغْمَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ كَالْجُنُونِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَقِيلَ : كَالْمَرَضِ ، وَكَلَامُ التَّنْقِيحِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ، وَلَوْ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِنِيَّتِهِمَا بَطَلَ صَوْمُهُ وَيَأْثَمُ بِقَطْعِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ لِيَسْتَأْنِفَ ، إذْ هُمَا كَصَوْمِ يَوْمٍ ، وَلَوْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ فِيهِمَا لَيْلًا عَصَى وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ صَوْمٍ بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ مَرَضٍ كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ فَقِيرًا لَا كَافِرًا ، وَلَا هَاشِمِيًّا ، وَمُطَّلِبِيًّا سِتِّينَ مُدًّا ، مِمَّا يَكُونُ فِطْرَةً
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ ( فَإِنْ عَجَزَ ) الْمُظَاهِرُ ( عَنْ صَوْمٍ ) أَوْ وَلَاءٍ ( بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ ) مِنْ الْأَصْحَابِ ( لَا يُرْجَى زَوَالُهُ ) وَقَالَ الْأَقَلُّونَ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ : لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَرَضِ بِكَوْنِهِ يَدُومُ شَهْرَيْنِ إمَّا بِظَنِّ عَادَةٍ مُطَّرِدَةٍ فِي مِثْلِهِ أَوْ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ ، وَصَحَّحَ هَذَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا لَفُهِمَ مِنْهُ الْأَوَّلُ ، وَأَطْلَقَ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمَرَضَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ رَجَاءِ زَوَالِهِ وَعَدَمِهِ تَنْبِيهٌ : عَطَفَ الْمَرَضَ عَلَى الْهَرَمِ مِنْ عَطْفِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ ، فَإِنَّ الْمَرَضَ عَرَضٌ ، وَالْهَرَمَ مَرَضٌ طَبِيعِيٌّ ( أَوْ ) لَمْ يَعْجِزْ ، وَلَكِنْ ( لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ ) وَضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ ، وَدَخَلَ فِي الْمَشَقَّةِ شِدَّةُ الشَّبَقِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ ، وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةُ الْوَطْءِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِشَدَّةِ الشَّبَقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِيهِ لَيْلًا بِخِلَافِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِاسْتِمْرَارِ حُرْمَتِهِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ( أَوْ خَافَ ) مِنْ الصَّوْمِ ( زِيَادَةَ مَرَضٍ كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ( أَوْ فَقِيرًا ) لِأَنَّهُ أَشَدُّ حَالًا مِنْهُ ، وَيَكْفِي الْبَعْضُ مَسَاكِينُ وَالْبَعْضُ فُقَرَاءُ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ ، وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ فَقَدْ جَاءَ : { أَطْعَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَدَّةَ السُّدُسَ } أَيْ مَلَّكَهَا ، فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةِ وَلَا التَّعْشِيَةِ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ أَوْ يَكْفِي الدَّفْعُ ؟ عِبَارَةُ الرَّوْضِ تَقْتَضِي اللَّفْظَ ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالتَّمْلِيكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
: وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَدَفْعِ الزَّكَاةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْتَظَرْ زَوَالُ الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ لِلصَّوْمِ كَمَا يُنْتَظَرُ الْمَالُ الْغَائِبُ لِلْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ غَابَ مَالُهُ : لَا يَجِدُ رَقَبَةً ، وَيُقَالُ لِلْعَاجِزِ بِالْمَرَضِ : لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ ، وَلِأَنَّ حُصُولَ الْمَالِ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ زَوَالِ الْمَرَضِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ، وَحِينَئِذٍ ( لَا ) يَكْفِي تَمْلِيكُهُ ( كَافِرًا ) وَلَوْ ذِمِّيًّا ( وَلَا هَاشِمِيًّا ، وَ ) لَا ( مُطَّلِبِيًّا ) وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ ، وَلَا إلَى مَكْفِيٍّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ ، وَلَا إلَى عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ نَعَمْ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالسَّيِّدُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ جَازَ لِأَنَّهُ صُرِفَ لِسَيِّدِهِ ، وَيُصْرَفُ لِلسِّتِّينَ الْمَذْكُورِينَ ( سِتِّينَ مُدًّا ) لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ كَأَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَيُمَلِّكُهَا لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ يُطْلِقُ ، فَإِذَا قَبِلُوا ذَلِكَ أَجْزَأَ عَلَى الصَّحِيحِ ، فَلَوْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ بِتَمْلِيكِ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ وَآخَرَ مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ، فَلَوْ قَالَ : سِتِّينَ مُدًّا مُدًّا بِتَكْرِيرِ الْمُدِّ كَانَ أَوْلَى ، وَلَوْ قَالَ : خُذُوهُ وَنَوَى فَأَخَذُوهُ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَ ، فَإِنْ تَفَاوَتُوا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مُدًّا وَاحِدًا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مَعَهُ مَنْ أَخَذَ مُدًّا آخَرَ وَهَكَذَا وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ مُدًّا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بِالسَّوِيَّةِ اُحْتُسِبَ لَهُ بِثَلَاثِينَ مُدًّا ، فَيَصْرِفُ ثَلَاثِينَ أُخْرَى إلَى سِتِّينَ مِنْهُمْ وَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْبَاقِينَ إنْ كَانَ ذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ ، وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ إلَى ثَلَاثِينَ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ مُدٍّ لَزِمَهُ صَرْفُ ثَلَاثِينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ
غَيْرِهِمْ وَيَسْتَرِدُّ كَمَا سَبَقَ ، وَلَوْ صَرَفَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ جَازَ ، وَإِنْ أَعْطَى رَجُلًا مُدًّا وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ مَثَلًا وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى سِتِّينَ أَجْزَأَهُ وَكُرِهَ ، وَلَوْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَى الْإِمَامِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ جِنْسَ الْأَمْدَادِ ( مِمَّا ) أَيْ مِنْ جِنْسِ الْحَبِّ الَّذِي ( يَكُونُ فِطْرَةً ) فَتَخْرُجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ ، فَلَا يُجْزِئُ نَحْوَ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ إخْرَاجِ الْأَقِطِ وَاللَّبَنِ لِتَجْوِيزِهِ إخْرَاجَهُمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَقِطِ وَأَمَّا اللَّبَنُ فَقَدْ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ مَنْعَ إجْزَائِهِ خَاتِمَةٌ : إذَا عَجَزَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ بَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا ، فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ حَتَّى يُكَفِّرَ ، وَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ خَصْلَتَيْنِ كَأَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا أَوْ يَصُومَ شَهْرًا ، وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ ، فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ صَامَ ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لَهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا ، وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى رَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا عَنْ إحْدَاهُمَا وَصَامَ عَنْ الْآخَرِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَطْعَمَ
كِتَابُ اللِّعَانِ يَسْبِقُهُ قَذْفٌ وَصَرِيحُهُ الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ : زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ ، وَالرَّمْيُ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ أَوْ دُبُرٍ صَرِيحَانِ ، وَزَنَأْت فِي الْجَبَلِ كِنَايَةٌ ، وَكَذَا زَنَأْت فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ ، وَزَنَيْت فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَوْلُهُ يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ ، وَلَهَا يَا خَبِيثَةُ ، وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ ، وَلِقُرَشِيٍّ : يَا نَبَطِيُّ ، وَلِزَوْجَتِهِ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ
( كِتَابُ اللِّعَانِ ) هُوَ لُغَةً : الْمُبَاعَدَةُ ، وَمِنْهُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ ، أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ، وَشَرْعًا : كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ لِعَانًا لِقَوْلِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ، وَإِطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ ، وَاخْتِيرَ لَفْظُهُ دُونَ لَفْظِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي اللِّعَانِ لِكَوْنِ اللَّعْنَةِ مُتَعَدِّيَةً فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْوَاقِعِ ، وَلِأَنَّ لِعَانَهُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } الْآيَاتِ ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ ؟ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَرِّرُ ذَلِكَ ، فَقَالَ هِلَالٌ : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ ، فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ اللِّعَانَ قَذْفٌ } كَمَا قَالَ ( يَسْبِقُهُ قَذْفٌ ) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً : الرَّمْيُ ، وَشَرْعًا : الرَّمْيُ بِالزِّنَا عَلَى جِهَةِ التَّعْبِيرِ ، أَوْ نَفْيِ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ اللِّعَانَ بَعْدَ الْقَذْفِ ، وَلِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِدَفْعِ الْحَدِّ أَوْ نَفْيِ الْوَلَدِ ، وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : قَذْفٌ أَوْ نَفْيُ وَلَدٍ كَانَ أَوْلَى وَأَشْمَلَ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ شَهِدَ
بِزِنَاهَا أَرْبَعٌ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْقَذْفَ بِالزِّنَا ، وَيَقُولُ : لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ ثَلَاثَةٌ : صَرِيحٌ ، وَكِنَايَةٌ ، وَتَعْرِيضٌ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ ، فَقَالَ ( وَصَرِيحُهُ ) أَيْ الْقَذْفِ مُطْلَقًا ( الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ : زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا ( أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ ) لِتَكَرُّرِ ذَلِكَ وَشُهْرَتِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ ، وَلَوْ كَسَرَ التَّاءَ فِي خِطَابِ الرَّجُلِ أَوْ فَتَحَهَا فِي خِطَابِ الْمَرْأَةِ ، وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ بِالتَّذْكِيرِ لِلْمُؤَنَّثِ وَعَكْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ كَقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ : يَا زَانِيَةُ وَلِلْمَرْأَةِ : يَا زَانِي تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَدْ يُخْرِجُ الْخُنْثَى ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ أَنَّهُ إذَا خَاطَبَ خُنْثَى بِزَانِيَةٍ أَوْ زَانٍ يَجِبُ الْحَدُّ ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا إنْ أَضَافَ الزِّنَا إلَى فَرْجَيْهِ ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَ كِنَايَةً هَذَا إذَا قَالَ لِمَنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهُ فِي مَعْرَضِ التَّعْبِيرِ ، فَلَوْ قَالَ لِابْنَةِ سَنَةٍ مَثَلًا : زَنَيْت فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، لِأَنَّ الْقَذْفَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ أَوْ الْكَذِبَ ، وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ ، وَلِهَذَا يُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا مَعَ تَمَامِ النِّصَابِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ ، فَقَالَ : خَصْمِي يَعْلَمُ زِنَا شَاهِدِهِ فَحَلَّفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ ، وَمِثْلُهُ أَخْبَرَنِي بِأَنَّهُ زَانٍ أَوْ شَهِدَ بِجُرْحِهِ فَاسْتَفْسَرَهُ الْحَاكِمُ فَأَخْبَرَهُ بِزِنَاهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ، أَوْ قَالَ لَهُ اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ اسْمُهَا زَانِيَةً فَنَادَاهَا بِهِ ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا تَخْرُجُ بِقَوْلِنَا : عَلَى جِهَةِ
التَّعْيِيرِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَرْأَةِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَهَا أَوْ يَظُنَّهَا زَوْجَتَهُ أَمْ لَا ( وَالرَّمْيُ ) لِشَخْصٍ ( بِإِيلَاجِ ) ذَكَرِهِ أَوْ ( حَشَفَةٍ ) مِنْهُ ( فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ ) أَيْ الْإِيلَاجِ ( بِتَحْرِيمٍ ) مُطْلَقًا ( أَوْ ) الرَّمْيُ بِإِيلَاجِ ذَكَرٍ أَوْ حَشَفَةٍ فِي ( دُبُرٍ صَرِيحَانِ ) وَهَذَا خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الْمُقَدَّرُ بِأَوْ التَّقْسِيمِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَلَوْ قَالَ : صَرِيحٌ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ ، وَمِنْ الصَّرِيحِ : اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنْ النُّونِ وَالْيَاءِ وَالْكَافِ الْمَوْصُوفُ بِالْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ ، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ فِي الْإِيلَاجِ وُصِفَ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الْوَصْفَ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْقُبُلِ دُونَ الدُّبُرِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ لَا يَكُونُ إلَّا حَرَامًا ، فَإِنْ لَمْ يَصِفْ الْأَوَّلَ بِالتَّحْرِيمِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ لِصِدْقِهِ بِالْحَلَالِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنْ قِيلَ : الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَيْسَ بِزِنًا كَوَطْءِ حَائِضٍ وَمُحَرَّمَةٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُضِيفَ إلَى وَصْفِهِ بِالتَّحْرِيمِ مَا يَقْتَضِي الزِّنَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِذَاتِهِ فَهُوَ صَرِيحٌ ، فَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ وَاحْتُمِلَ الْحَالُ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ فِي دَعْوَى إرَادَةِ حِلِّ الْوِثَاقِ ، وَسَوَاءٌ خُوطِبَ بِهِمَا ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى كَقَوْلِهِ لِلذَّكَرِ : أَوْلَجْت فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِك ، وَلَهَا أَوْلَجَ فِي فَرْجِك الْمُحَرَّمِ أَوْ دُبُرِك ، وَقَوْلُهُ : زَنَيْت فِي قُبُلِك صَرِيحٌ فِي الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُزْنَى بِهِ لَا فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ : وَطِئَك فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ اثْنَانِ مَعًا لَمْ يَكُنْ قَذْفًا لِاسْتِحَالَتِهِ فَهُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ فَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ ، فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِقُبُلٍ وَلَا دُبُرٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَيُحَدُّ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ
بِوَطْءِ وَاحِدٍ فِي الْقُبُلِ وَالْآخَرُ فِي الدُّبُرِ ا هـ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ النِّسَاءَ ( وَزَنَأْت ) بِالْهَمْزِ ( فِي الْجَبَلِ ) أَوْ السُّلَّمِ أَوْ نَحْوِهِ ( كِنَايَةٌ ) لِأَنَّ الزِّنَا فِي الْجَبَلِ وَنَحْوِهِ هُوَ الصُّعُودِ فِيهِ ، وَاحْتَرَزَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْجَبَلِ عَمَّا لَوْ قَالَ : زَنَأْت بِالْهَمْزَةِ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَيْهِ فِيهَا فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ ( وَكَذَا زَنَأْت فَقَطْ ) أَيْ بِالْهَمْزِ وَحَذْفُ الْجَبَلِ ، كِنَايَةٌ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي الصُّعُودَ وَالثَّانِي : أَنَّهُ صَرِيحٌ ، وَالْيَاءُ قَدْ تُبْدَلُ هَمْزَةً وَالثَّالِثُ : إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَكِنَايَةٌ ، وَإِلَّا فَصَرِيحٌ ( وَزَنَيْت ) بِالْيَاءِ ( فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ ) لِلظُّهُورِ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الدَّارِ ، وَذِكْرُ الْجَبَلِ يَصْلُحُ فِيهِ إرَادَةُ مَحِلِّهِ ، فَلَا يَنْصَرِفُ الصَّرِيحُ عَنْ مَوْضُوعِهِ ، فَلَوْ قَالَ : أَرَدْت الصُّعُودَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ كِنَايَةٌ ؛ لِأَنَّ الْيَاءَ قَدْ تُقَامُ مَقَامَ الْهَمْزَةِ ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ، وَالثَّالِثُ : إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَصَرِيحٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ ، وَلَوْ قَالَ : يَا زَانِيَةُ فِي الْجَبَلِ بِالْيَاءِ كَانَ كِنَايَةً كَمَا قَالَاهُ فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا كَانَ كَقَوْلِهِ زَنَيْت فِي الْجَبَلِ كَمَا مَرَّ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِمَا قَرَنَ قَوْلَهُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الصُّعُودِ بِالِاسْمِ الْمُنَادَى الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لِإِنْشَاءِ الْعُقُودِ خَرَجَ عَنْ الصَّرَاحَةِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ ( وَقَوْلُهُ ) لِرَجُلٍ ( يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ ) يَا خَبِيثُ ( وَلَهَا ) أَيْ لِامْرَأَةٍ يَا فَاجِرَةُ يَا فَاسِقَةُ ( يَا خَبِيثَةُ وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ ) أَيْ الظُّلْمَةَ أَوْ لَا تَرُدِّينَ يَدَ لَامِسٍ ( وَلِقُرَشِيٍّ : يَا نَبَطِيُّ ) نِسْبَةً
لِلْأَنْبَاطِ ، وَهُمْ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ الْبَطَائِحَ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ أَيْ أَهْلِ الزِّرَاعَةِ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ الْمَاءَ أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْأَرْضِ ( وَلِزَوْجَتِهِ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ ) أَوْ بِكْرًا أَوْ وَجَدْت مَعَك رَجُلًا ( كِنَايَةٌ ) فِي الْقَذْفِ هُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِاحْتِمَالِهَا الْقَذْفَ وَغَيْرَهُ ، وَالْقَذْفُ فِي : " يَا نَبَطِيُّ " لِأُمِّ الْمُخَاطِبَ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعَرَبِيِّ بَدَلَ الْقُرَشِيِّ لَكَانَ أَعَمَّ تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : لِزَوْجَتِهِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالزَّوْجَةِ ، وَقَوْلُهُ : لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : تَصْوِيرُهُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا تَقَدُّمُ افْتِضَاضٍ مُبَاحٍ ، فَإِنْ عُلِمَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَطْعًا تَنْبِيهٌ : اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ : يَا لُوطِيُّ ، فَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ : وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ ، وَصَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ مَا مَرَّ : قَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ ، بَلْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا هَذَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ ، وَإِلَّا فَيَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شَاعَ لَفْظٌ فِي الْعُرْفِ ، كَقَوْلِهِ : الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ أَرَادَ أَنَّهُ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ ، فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّ نُسَخَ التَّنْبِيهِ مُخْتَلِفَةٌ ، فَفِي بَعْضِهَا يَا لَائِطُ قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَائِطَ هِيَ الصَّحِيحَةُ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : وَلَوْ قَالَ لَهُ : يَا بَغِيُّ ، أَوْ لَهَا يَا قَحْبَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ قَالَ
شَيْخُنَا : وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَوَاخِرَ الطَّلَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ : يَا قَحْبَةُ صَرِيحٌ ا هـ .
وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَأَفْتَى أَيْضًا بِصَرَاحَةٍ : يَا مُخَنَّثُ لِلْعُرْفِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ
فَإِنْ أَنْكَرَ إرَادَةَ قَذْفٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَقَوْلُهُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ ، وَنَحْوِهِ تَعْرِيضٌ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإِنْ نَوَاهُ ، وَقَوْلُهُ زَنَيْت بِكَ إقْرَارٌ بِزِنًا وَقَذْفٍ ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت بِك أَوْ أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ وَكَانِيَةٌ فَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ وَقَاذِفَةٌ ، وَقَوْلُهُ زَنَى فَرْجُك أَوْ ذَكَرُك قَذْفٌ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ يَدُك وَعَيْنُك ، وَلِوَلَدِهِ لَسْت مِنِّي أَوْ لَسْت ابْنِي كِنَايَةٌ ، وَلِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ
( فَإِنْ أَنْكَرَ ) شَخْصٌ فِي الْكِنَايَةِ ( إرَادَةَ قَذْفٍ ) بِهَا ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفَهُ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا خَرَجَ لَفْظُهُ مَخْرَجَ السَّبِّ وَالذَّمِّ وَإِلَّا فَلَا تَعْزِيرَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَإِذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَلَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ كَاذِبًا دَفْعًا لِلْحَدِّ وَتَحَرُّزًا مِنْ إتْمَامِ الْإِيذَاءِ ، بَلْ يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالْقَذْفِ لِيُحَدَّ أَوْ يُعْفَى عَنْهُ كَالْقَاتِلِ لِغَيْرِهِ خُفْيَةً ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ وَاجِبٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَكِنْ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ يُعْلَمُ زِنَاهُ يَقِينًا فَهَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِي التَّوْرِيَةِ عِنْدَ تَحْلِيفِ الْحَاكِمِ لَهُ لِيَدْرَأَ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَتَجُوزُ التَّوْرِيَةُ أَوْ لَا ؟ الْأَقْرَبُ عِنْدِي جَوَازُهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْمَعَرَّةِ عَنْ الْمَقُولِ لَهُ ، بَلْ يَقْرَبُ إيجَابُ ذَلِكَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُحَدُّ بِذَلِكَ ، وَتَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَرِوَايَتُهُ وَمَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَصِيغَةُ الْحَلِفِ ، أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ : وَلَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا قَذَفَهُ ، وَهَلْ وَجَبَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ لَا يَجِبُ حَتَّى يَعْتَرِفَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ الْقَذْفَ ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الْإِمَامُ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوَّلُ ( وَقَوْلُهُ ) لِغَيْرِهِ فِي خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( يَا ابْنَ الْحَلَالِ ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ وَنَحْوِهِ ) كَلَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ وَلَسْت ابْنَ خَبَّازٍ أَوْ إسْكَافٍ ، وَمَا أَحْسَنَ اسْمُك فِي الْجِيرَانِ ( تَعْرِيضٌ ) بِغَيْرِهِ ، وَ ( لَيْسَ بِقَذْفٍ ) لَهُ صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ ( وَإِنْ نَوَاهُ ) فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا
احْتَمَلَ اللَّفْظَ الْمَنْوِيَّ ، وَهَهُنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ وَنَوَى أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ لَمْ يَحْنَثْ ، فَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْقَذْفَ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ ، وَإِلَّا فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ ، وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ قَذْفًا ، وَالنِّسْبَةُ إلَى غَيْرِ الزِّنَا مِنْ الْكِبَارِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ إيذَاءٌ ، كَقَوْلِهِ لَهَا : زَنَيْت بِفُلَانَةَ أَوْ أَصَابَتْكِ فُلَانَةُ يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ لِلْإِيذَاءِ ، لَا الْحَدِّ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ ( وَقَوْلُهُ ) لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ : عَلَوْت رَجُلًا حَتَّى دَخَلَ ذَكَرُهُ فِي فَرْجِك صَرِيحٌ ، وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ ( زَنَيْت بِكَ ) بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ كَسْرِهَا ( إقْرَارٌ بِزِنًا ) عَلَى نَفْسِهِ ( وَقَذْفٌ ) لِلْمُخَاطَبِ أَمَّا كَوْنُهُ إقْرَارًا فَلِقَوْلِهِ : زَنَيْت ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَذْفًا فَلِقَوْلِهِ : بِكَ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : زَنَيْت مَعَ فُلَانٍ كَانَ قَذْفًا لَهَا دُونَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ا هـ .
وَفَرَّقَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ مِنْهُ إلَى صُدُورِهِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ ، وَلِهَذَا يُحَدُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ زِنَا الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ ( وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : يَا زَانِيَةُ ) بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَجَبَ حَدَّانِ لَهَا وَلِأُمِّهَا ، فَإِنْ طَلَبَتَا الْحَدَّ بُدِئَ بِحَدِّ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ ، وَحَدُّ الزَّوْجَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَالزَّوْجُ مُمْكِنٌ مِنْ إسْقَاطِهِ بِاللِّعَانِ ، بِخِلَافِ حَدِّ الْأُمِّ وَيُمْهَلُ لِلثَّانِي إلَى الْبُرْءِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ (
فَقَالَتْ ) لَهُ جَوَابًا ( زَنَيْت بِكَ أَوْ أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ ) لَهَا فَيُحَدُّ لِإِتْيَانِهِ بِلَفْظِ الْقَذْفِ الصَّرِيحِ ( وَكَانِيَةٌ ) فِي قَذْفِهِ فَتُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ عَدَمِ قَذْفِهِ بِيَمِينِهَا ، لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الزِّنَا أَيْ لَمْ أَفْعَلْ كَمَا لَمْ تَفْعَلْ ، وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ عُرْفًا كَقَوْلِك لِمَنْ قَالَ تَغَدَّيْت تَغَدَّيْت مَعَك وَقَوْلُهَا الثَّانِي يَحْتَمِلُ إرَادَةَ مَا وَطِئَنِي غَيْرُك ، فَإِنْ كُنْت زَانِيَةً فَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي ، لِأَنِّي مُمَكِّنَةٌ وَأَنْتَ فَاعِلٌ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُقِرَّةً بِالزِّنَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَرَّضْ لِذَلِكَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهَا الثَّانِي ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهِيَ مُقِرَّةٌ بِالزِّنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ قَوْلَهَا إقْرَارٌ صَرِيحٌ بِالزِّنَا ، وَكَانِيَةٌ اسْمِ فَاعِلٍ مِنْ كَنَيْت وَيَجُوزُ كَانُونَةٌ مِنْ كَنَوْتِ عَنْ كَذَا إذَا لَمْ تُصَرِّحْ بِهِ ( فَلَوْ قَالَتْ ) فِي جَوَابِ الزَّوْجِ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ ( زَنَيْت وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ ) عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا بِقَوْلِهَا : زَنَيْت ( وَقَاذِفَةٌ ) لِزَوْجِهَا بِاللَّفْظِ الْآخَرِ صَرِيحًا فَتُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَالزِّنَا ، وَيَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ، فَإِنْ رَجَعَتْ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا ابْتِدَاءً : أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانٍ كَانَ كِنَايَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَبَتَ زِنَاهُ وَعَلِمَتْ بِثُبُوتِهِ فَيَكُونَ صَرِيحًا فَتَكُونَ قَاذِفَةً لَا إنْ جَهِلَتْ فَيَكُونَ كِنَايَةً فَتُصَدَّقَ بِيَمِينِهَا فِي جَهْلِهَا ، فَإِذَا حَلَفَتْ عُزِّرَتْ وَلَمْ تُحَدَّ ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً : أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ كَهَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ
بِلَا تَرْجِيحٍ ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ : يَا زَانِي فَقَالَ زَنَيْت بِكِ ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفَةٌ لَهُ صَرِيحًا وَهُوَ كَانَ عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ إلَخْ ، فَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِهَا : زَنَيْت وَأَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ مُقِرٌّ بِالزِّنَا وَقَاذِفٌ لَهَا عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ أَيْضًا ، وَقَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ : يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ : زَنَيْت بِكَ ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ قَاذِفٌ وَهِيَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ قَاذِفَةٌ لَهُ مَعَ إقْرَارِهَا بِالزِّنَا ، وَفِي الْجَوَابِ الثَّانِي كَزَانِيَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى الزِّنَا وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهَا ، وَيُقَاسَ بِمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ : يَا زَانِي فَيَقُولُ : زَنَيْت بِكَ ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً : فُلَانٌ زَانٍ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُ ، أَوْ فِي النَّاسِ زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُمْ فَصَرِيحٌ لَا إنْ قَالَتْ النَّاسُ زُنَاةٌ ، أَوْ أَهْلُ مِصْرَ مَثَلًا زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُمْ فَلَيْسَ قَذْفًا لِتَحَقُّقِ كَذِبِهَا إلَّا إنْ نَوَتْ مَنْ زَنَى مِنْهُمْ فَيَكُونُ قَذْفًا ( وَقَوْلُهُ ) لِغَيْرِهِ ( زَنَى فَرْجُك أَوْ ذَكَرُك ) أَوْ قُبُلُك أَوْ دُبُرُك بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ كَسْرِهَا فِيمَا ذَكَرَ ( قَذْفٌ ) لِأَنَّهُ آلَةُ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ مَحِلُّهُ تَنْبِيهٌ : قَدْ مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ قَذْفًا صَرِيحًا فِي الْخُنْثَى إلَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْفَرْجِ وَالذَّكَرِ ، وَقَدْ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَذْفِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا فَرْعٌ : لَوْ تَقَاذَفَ شَخْصَانِ فَلَا تَقَاصَّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ وَالصِّفَةُ وَمَوَاقِعُ السِّيَاطِ وَأَلَمُ الضَّرَبَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ ( وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ ) زَنَتْ ( يَدُك ) وَرِجْلُك ( وَعَيْنُك ، وَ ) أَنَّ قَوْلَهُ ( لِوَلَدِهِ ) اللَّاحِقِ بِهِ ظَاهِرًا ( لَسْت مِنِّي أَوْ لَسْت ابْنِي كِنَايَةٌ ) فِي قَذْفِ أُمِّهِ ، فَإِنْ قَصَدَ الْقَذْفَ كَانَ قَاذِفًا وَإِلَّا فَلَا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ زِنَا هَذِهِ الْأَعْضَاءِ اللَّمْسُ وَالْمَشْيُ
وَالنَّظَرُ كَمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ } فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيِّ إلَّا بِالْإِرَادَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالزِّنَا قَطْعًا وَقِيلَ : إنَّهُ صَرِيحٌ قِيَاسًا عَلَى الْفَرْجِ ، وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَى عُضْوٍ مِنْ الْجُمْلَةِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْأَبَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِهِ إلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ زَجْرًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّأْدِيبِ ( وَ ) أَنَّ قَوْلَهُ ( لِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ ) فِي قَذْفِ أُمِّ الْمُخَاطَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِ غَيْرِهِ وَقِيلَ : إنَّهُ كِنَايَةٌ كَوَلَدِهِ ( إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ ) وَلَمْ يَسْتَلْحِقْهُ الْمُلَاعِنُ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي قَذْفِ أُمِّهِ لِجَوَازِ إرَادَةِ لَسْت ابْنَهُ شَرْعًا ، أَوْ لَسْت تُشْبِهُهُ خَلْقًا أَوْ خُلُقًا ، وَلَهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفَهَا ، فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهَا حُدَّ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الْقَذْفَ رُتِّبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَمَّا إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِ النَّافِي لَهُ فَهُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ : اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ احْتِمَالًا مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ : لَمْ يَكُنْ ابْنُهُ حِينَ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ، وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ مَا أَرَادَهُ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَذْفٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيَحُدُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ مَا أَرَادَ ، فَإِنْ ادَّعَى مُحْتَمَلًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا حَدَّ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ أَنَّا لَا نَحُدُّهُ هُنَاكَ حَتَّى نَسْأَلَهُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ كِنَايَةٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَهُنَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْقَذْفُ فَيُحَدُّ بِالظَّاهِرِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مُحْتَمَلًا
وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ ، وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ ، وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ، لَا زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ وَأَمَةِ وَلَدِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ بِلَا وَلِيٍّ فِي الْأَصَحِّ
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُوجِبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ فَقَالَ ( وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ ) ثَمَانِينَ جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } الْآيَةَ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَدِّ وَشَرْطُهُ فِي بَابِهِ ( وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ ) وَهُوَ قَاذِفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالصَّبِيِّ وَالزَّانِي لِلْإِيذَاءِ تَنْبِيهٌ : عِبَارَتُهُ قَدْ تُوهِمُ تَعْزِيرَ مَنْ لَمْ يَقْذِفْ أَحَدًا ، فَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ وَيُعَزَّرُ قَاذِفُ غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّعْزِيرِ آخِرَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ ( وَالْمُحْصَنُ ) الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ ( مُكَلَّفٌ ) وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى رَأْيِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ اعْتِمَادًا عَلَى اسْتِثْنَائِهِ لَهُ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ ( حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ ) فَإِنْ لَمْ يَطَأُ أَصْلًا أَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الشَّرِيكِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ ؛ لِأَنَّ أَضْدَادَ ذَلِكَ نَقْصٌ ، وَفِي الْخَبَرِ { مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ } وَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَافِرَ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَا ؛ لِأَنَّ حَدَّهُ إهَانَةٌ لَهُ ، وَالْحَدُّ بِقَذْفِهِ إكْرَامٌ لَهُ ، وَاعْتُبِرَتْ الْعِفَّةُ ، لِأَنَّ مَنْ زَنَى لَا يَتَعَيَّرُ بِهِ تَنْبِيهٌ : يُرَدُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ بِهِ حَصَانَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ وَيُتَصَوَّرُ الْحَدُّ بِقَذْفِ الْكَافِرِ بِأَنْ يَقْذِفَ مُرْتَدًّا بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إسْلَامِهِ ، وَبِقَذْفِ الْمَجْنُونِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهِ ، وَبِقَذْفِ الْعَبْدِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ حُرِّيَّتِهِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الرِّقُّ ، وَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ ( وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ ) الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِحْصَانِ ( بِوَطْءِ ) شَخْصٍ وَطْئًا حَرَامًا وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ كَوَطْءِ ( مَحْرَمٍ ) لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ
كَأُخْتٍ ( مَمْلُوكَةٍ ) مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالزِّنَا بَلْ غُشْيَانُ الْمَحَارِمِ أَشَدُّ مِنْ غُشْيَانِ الْأَجْنَبِيَّاتِ ، وَقِيلَ : لَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَدِّ لِعَدَمِ الْتِحَاقِهِ بِالزِّنَا تَنْبِيهٌ : عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْمُرَتَّبِ بِالْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ اصْطِلَاحِهِ ، وَ ( لَا ) تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءٍ حَرَامٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَوَطْءِ ( زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ يَزُولُ ( وَ ) لَا بِوَطْءِ ( أَمَةِ وَلَدِهِ ) لِثُبُوتِ النَّسَبِ حَيْثُ حَصَلَ عَلُوقٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ ، وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةَ الْوَلَدِ وَلَا مُسْتَوْلَدَتَهُ ، وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ ( وَ ) لَا بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَوَطْءِ ( مَنْكُوحَتِهِ ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ ( بِلَا وَلِيٍّ ) أَوْ بِلَا شُهُودٍ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ ، وَقَوْلُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ ، وَمُقَابِلُهُ تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِمَا ذَكَرَ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِيهِ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِلَا وَلِيٍّ بَيْنَ مُعْتَقِدِ الْحِلِّ وَغَيْرِهِ ، لَكِنْ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ اخْتِصَاصُهُ بِمُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَلَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ ، أَوْ نِفَاسٍ ، أَوْ إحْرَامٍ ، أَوْ صَوْمٍ ، أَوْ اعْتِكَافٍ ، وَلَا بِوَطْءِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ مُرْتَدَّةٍ ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ ، أَوْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ مُكَاتَبَةٍ ، وَلَا بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ ، وَلَا بِزِنَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ، وَلَا بِوَطْءِ جَاهِلِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا بِوَطْءِ مُكْرَهٍ ، وَلَا بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ مُحَرَّمًا لَهُ كَأُمِّهِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ
، وَلَا بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ
وَلَوْ زِنَى مَقْذُوفٌ سَقَطَ الْحَدُّ ، أَوْ ارْتَدَّ فَلَا
( وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ ) قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ ( سَقَطَ الْحَدُّ ) عَنْ قَاذِفِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَا يُسْتَيْقَنُ بَلْ يُظَنُّ ، وَظُهُورُ الزِّنَا يَخْدِشُهُ كَالشَّاهِدِ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ شَهِدَ بِشَيْءٍ ثُمَّ ظَهَرَ فِسْقُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ تَنْبِيهٌ : الْوَطْءُ الْمُسْقِطُ لِلْإِحْصَانِ كَطُرُوِّ الزِّنَا ( أَوْ ارْتَدَّ ، فَلَا ) يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالزِّنَا أَنَّهُ يَكْتُمُ مَا أَمْكَنَ ، فَإِذَا ظَهَرَ أَشْعَرَ بِسَبْقِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ لَا يَهْتِكُ السِّتْرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَالْعَقَائِدُ لَا تَخْفَى غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ ، وَكَالرَّدَّةِ السَّرِقَةُ وَالْقَتْلُ ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا قَذَفَ بِهِ
وَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ صَلَحَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا ، وَحَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ ، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ كُلُّهُ
( وَمَنْ زَنَى ) حَالَ تَكْلِيفِهِ وَلَوْ ( مَرَّةً ثُمَّ صَلَحَ ) بِأَنْ تَابَ وَصَلَحَ حَالُهُ ( لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا ) أَبَدًا وَلَوْ لَازَمَ الْعَدَالَةَ وَصَارَ مِنْ أَوْرَعِ خَلْقِ اللَّهِ وَأَزْهَدِهِمْ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ سَوَاءٌ أَقَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا ، أَمْ بِزِنًا بَعْدَهُ ، أَمْ أَطْلَقَ ، لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ بِالزِّنَا لَمْ يَزُلْ خَلَلُهُ بِمَا يَطْرَأُ مِنْ الْعِفَّةِ فَإِنْ قِيلَ : { التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ } .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ تَنْبِيهٌ : دَخَلَ فِي قَوْلِنَا حَالَ تَكْلِيفِهِ الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ فَإِنَّهُمَا إذَا زَنَيَا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُمَا بَعْدَ الْكَمَالِ لِمَا ذَكَرَ ، وَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّ حَصَانَتِهَا لَا تَسْقُطُ بِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَعْدَ الْكَمَال ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَيْسَ بِزِنًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ ( وَحَدُّ الْقَذْفِ ) وَتَعْزِيرُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا ( يُورَثُ ) كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ مُرْتَدًّا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لِلتَّشَفِّي كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ قِصَاصِ الْأَطْرَافِ ( وَيَسْقُطُ ) إمَّا ( بِعَفْوٍ ) عَنْ جَمِيعِهِ كَغَيْرِهِ أَوْ بِأَنْ يَرِثَ الْقَاذِفُ الْحَدَّ ، فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشُّفْعَةِ ، وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ ، فَقَالَ : إنَّهُ يَسْقُطُ بِعَفْوٍ أَيْضًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَحَّحَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ جَوَازَ اسْتِيفَاءِ الْإِمَامِ لَهُ مَعَ الْعَفْوِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالسُّقُوطِ سُقُوطُ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَنْ التَّعْزِيرِ ثُمَّ عَادَ وَطَلَبَهُ لِإِيجَابٍ ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ
يُقِيمَهُ لِلْمَصْلَحَةِ ، لَا لِكَوْنِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَاكَ فُرُوعٌ : لَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِي وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اغْتَابَ شَخْصًا لَمْ يُؤَثِّرْ التَّحْلِيلُ مِنْ وَرَثَتِهِ ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِزِنًا يَعْلَمُهُ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَالِكًا ، فَإِنَّهُ قَالَ : لَهُ طَلَبُهُ ، وَلَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ ، كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ يُعَزَّرُ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَمِثْلُهُ التَّعْزِيرُ ( يَرِثُهُ ) أَيْ جَمِيعَهُ ( كُلُّ ) فَرْدٍ مِنْ ( الْوَرَثَةِ ) الْخَاصِّينَ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ حَدٌّ وَإِلَّا لَتَعَدَّدَ الْحَدُّ بِتَعَدُّدِ الْوَرَثَةِ ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَالثَّانِي يَرِثُهُ جَمِيعُهُمْ إلَّا الزَّوْجَيْنِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا هَلْ لِأَحَدِهِمَا حَقٌّ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ ، وَلَوْ قَذَفَهُ أَوْ قَذَفَ مُوَرِّثَهُ شَخْصٌ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ زِنَا مُوَرِّثِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ : وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفُ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ عَنْ حَقِّهِ مِمَّا وَرِثَهُ مِنْ الْحَدِّ ( فَلِلْبَاقِينَ ) مِنْهُمْ ( كُلُّهُ ) أَيْ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ ، وَلِأَنَّهُ عَارٌ ، وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ هَذَا اسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَعْفُ غَيْرُهُ
وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَجَعَلَهُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ، وَفِي الْحَاوِي مَا يَقْتَضِيهِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ جَمِيعُهُ كَمَا فِي الْقَوَدِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَوَدَ لَهُ بَدَلٌ يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِهِ وَالثَّالِثُ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي وَيَسْتَوْفِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّقْسِيطِ بِخِلَافِ الْقَوَدِ فَائِدَةٌ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَظِيرَ لَهَا ، فَإِنَّ أَخَوَاتِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الْحَقُّ فِيهَا عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ كَالشُّفْعَةِ أَوْ يَسْقُطُ كَالْقِصَاصِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَاسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ عَصَبَتُهُ الْأَحْرَارُ أَوْ السُّلْطَانُ ؟ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا
فَصْلٌ لَهُ قَذْفُ زَوْجَةٍ عَلِمَ زِنَاهَا أَوْ ظَنَّهُ ظَنًّا مُؤَكَّدًا كَشَيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةٍ بِأَنْ رَآهُمَا فِي خَلْوَةٍ
( فَصْلٌ ) فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ خَاصَّةً وَالْقَذْفُ فِيهَا كَهُوَ فِي غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِمُخَالَفَتِهِ غَيْرَهُ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَذْفُ أَوْ يَجِبُ لِضَرُورَةِ نَفْيِ النَّسَبِ وَالثَّانِي : أَنَّ لَهُ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْهُ بِاللِّعَانِ وَالثَّالِثُ : يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدُّ بِلِعَانِهِ إلَّا أَنْ تَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهَا بِلِعَانِهَا ( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( قَذْفُ زَوْجَةٍ ) لَهُ ( عَلِمَ ) أَيْ تَحَقَّقَ ( زِنَاهَا ) بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي ( أَوْ ظَنَّهُ ) أَيْ زِنَاهَا ( ظَنًّا مُؤَكَّدًا ) أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ ( كَشَيَاعِ ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِخَطِّهِ أَيْ ظُهُورِ ( زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةٍ ) أَيْ مَصْحُوبًا بِهَا ( بِأَنْ رَآهُمَا ) أَيْ زَوْجَتَهُ وَزَيْدًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ( فِي خَلْوَةٍ ) مَثَلًا أَوْ رَآهُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدَهَا ، أَوْ هِيَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدَهُ ، أَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِزِنَاهَا أَوْ أَخْبَرَتْهُ هِيَ بِزِنَاهَا وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا ، أَوْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِيَانٍ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا ، أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهَا مِرَارًا فِي مَحَلِّ رِيبَةٍ ، أَوْ مَرَّةً تَحْتَ شِعَارٍ فِي هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ
وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مَعَ قَرِينَةٍ يُفْهِمُ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِفَاضَةِ فَقَطْ أَوْ الْقَرِينَةِ فَقَطْ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، أَمَّا الِاسْتِفَاضَةُ فَقَدْ يُشِيعُهَا عَدُوٌّ لَهَا أَوْ مَنْ طَمِعَ فِيهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِخَوْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَيُفْهِمُ إبَاحَةُ الْقَذْفِ لَهُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا وَيُطَلِّقَهَا إنْ كَرِهَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْفَاحِشَةِ وَإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ ، هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا وَلَدَ يَنْفِيهِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ ) يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ ( وَعَلِمَ ) أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُؤَكَّدًا ( أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ ) لِأَنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقَهُ ، وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ
وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَسْتَبْرِئْ بِحَيْضَةٍ حَرُمَ النَّفْيُ
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَذْفِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ : إنْ تَيَقَّنَ مَعَ ذَلِكَ زِنَاهَا قَذَفَهَا وَلَاعَنَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ، وَطَرِيقُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، أَنْ يَقُولَ : هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ غَيْرِي ، وَأَطْلَقَ وُجُوبَ نَفْيِ الْوَلَدِ ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ ظَاهِرًا ، فَفِي قَوَاعِدِ ابْن عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا فَإِنْ أَتَتْ بِهِ خِفْيَةً بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْحُكْمِ لَمْ يَجِبْ نَفْيُهُ وَالْأَوْلَى بِهِ السِّتْرُ وَالْكَفُّ عَنْ الْقَذْفِ ، وَالْحَمْلُ الْمُحَقَّقُ كَالْوَلَدِ ، فَلَوْ ذَكَرَهُ لَعَلِمَ مِنْهُ الْوَلَدَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي جَوَازِ النَّفْيِ وَالْقَذْفِ تَبَيُّنُ السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لِلنَّفْيِ وَالْقَذْفِ مِنْ رُؤْيَةِ زِنًا وَاسْتِبْرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا السَّبَبُ الْمُجَوِّزُ لَهُمَا ( وَإِنَّمَا يَعْلَمُ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ( إذَا لَمْ يَطَأْ ) زَوْجَتَهُ أَصْلًا ( أَوْ ) وَطِئَهَا وَلَكِنْ ( وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ ) الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ ( أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ ) مِنْهَا الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ ( فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْهُ ( وَلَمْ تَسْتَبْرِئْ ) بَعْدَهُ ( بِحَيْضَةٍ حَرُمَ النَّفْيُ ) لِلْوَلَدِ بِاللِّعَانِ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ حَلَّ النَّفْيُ فِي الْأَصَحِّ
تَنْبِيهٌ : جَعْلُ الْبَيِّنَةِ بَيْنَ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِ كَمَا فَعَلْته تَبَعًا لِلشَّارِحِ أَوْلَى مِمَّنْ جَعَلَهَا تَبَعًا لِظَاهِرِ الْمَتْنِ بَيْنَ الدُّونِ وَالْفَوْقِ ؛ لِأَنَّ الدُّونَ يَصْدُقُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَهُوَ فَاسِدٌ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ السِّتَّةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَكَيْفَ يَحْرُمُ نَفْيُهُ حِينَئِذٍ فَتَأَمَّلْ ( وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ ) بِحَيْضَةٍ ، وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ مِنْ الزِّنَا ( حَلَّ النَّفْيُ ) بِاللِّعَانِ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفِيَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَرَى الدَّمَ
وَلَوْ وَطِئَ وَعَزَلَ حَرُمَ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا حَرُمَ النَّفْيُ ، وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ
تَنْبِيهٌ : مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِلِّ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَالشَّرْحَ الصَّغِيرَ ، وَمُقَابِلَ الْأَصَحِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ قَطْعِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إنْ رَأَى بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ قَرِينَةَ الزِّنَا الْمُبِيحَةَ لِلْقَذْفِ جَازَ النَّفْيُ ، بَلْ وَجَبَ لِحُصُولِ الظَّنِّ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ النَّفْيُ ، وَمَا صَحَّحَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَكَذَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ : وَكَذَا فَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْعُدَّةِ وَآخَرُونَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ مِنْ حِينِ يَزْنِي الزَّانِي بِهَا ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُسْتَنِدُ اللِّعَانِ ، فَإِذَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ وَلِأَكْثَرَ مِنْ دُونِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ تَبَيُّنًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، فَلَا يَجُوزُ النَّفْيُ جَزْمًا رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ كَمَا زِدْته فِي كَلَامِهِ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّنَاقُضِ ، وَهَلْ يُحْسَبُ ابْتِدَاءُ الْأَشْهُرِ مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ أَوْ مِنْ انْقِطَاعِهِ ؟ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ طُرُوِّهِ ؛ لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ ا هـ .
وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ظَاهِرٌ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ ( وَلَوْ وَطِئَ ) زَوْجَتَهُ فِي قُبُلِهَا ( وَعَزَلَ ) عَنْهَا بِأَنْ نَزَعَ وَقْتَ الْإِنْزَالِ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ ( حَرُمَ ) نَفْيُهُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُسَّ بِهِ ، وَلَيْسَ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ وَجْهًا مُحَقَّقًا بَلْ احْتِمَالًا لِلْغَزَالِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا ، أَمَّا إذَا وَطِئَ فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنَّ
لَهُ النَّفْيَ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ رَجَّحَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( وَلَوْ عَلِمَ ) الزَّوْجُ ( زِنَاهَا وَاحْتُمِلَ ) عَلَى السَّوَاءِ ( كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا ) بِأَنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ وَطْئِهِ ( حَرُمَ النَّفْيُ ) رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ كَمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ : ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ ) لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ وَالثَّانِي : يَجُوزُ انْتِقَامًا لَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ ، وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ الْقِيَاسُ فَأَثْبَتَهُ الشَّيْخَانِ وَجْهًا ، وَرَدَّ الْقِيَاسَ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَضَرَّرُ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا وَإِثْبَاتِهِ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ ، إذْ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ وَتُطْلَقُ فِيهِ الْأَلْسِنَةُ فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا الضَّرَرَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ
تَتِمَّةٌ لَوْ أَتَتْ امْرَأَةٌ بِوَلَدٍ أَبْيَضَ وَأَبَوَاهُ أَسْوَدَانِ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُبَحْ لِأَبِيهِ بِذَلِكَ نَفْيُهُ وَلَوْ أَشْبَهَ مَنْ تُتَّهَمُ بِهِ أُمُّهُ أَوْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَرِينَةُ الزِّنَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ ، قَالَ : هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا أَلْوَانُهَا ؟ قَالَ : حُمْرٌ ، قَالَ : هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ ؟ قَالَ : عَسَى أَنْ تَكُونَ نَزَعَةَ عِرْقٍ قَالَ : فَلَعَلَّ هَذَا نَزْعَةُ عِرْقٍ } وَالْأَوْرَقُ جَمَلٌ أَبْيَضُ يُخَالِطُ بَيَاضَهُ سَوَادٌ
فَصْلٌ اللِّعَانُ قَوْلُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا
( فَصْلٌ ) فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ : وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ إلَخْ ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ ، فَقَالَ : ( اللِّعَانُ قَوْلُهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( أَرْبَعَ مَرَّاتٍ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ ) أَيْ زَوْجَتَهُ ( مِنْ الزِّنَا ) إذَا كَانَتْ ، حَاضِرَةً ، أَمَّا اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فَلِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَكُرِّرَتْ الشَّهَادَةُ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ شَهَادَاتٍ ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ ، وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ الْآتِيَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ تَسْمِيَةِ مَا رَمَاهَا بِهِ فَلِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ
فَإِنْ غَابَتْ ، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ : هَذِهِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ زَوْجَتِي هَذِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي التَّتِمَّةِ وَتَعْلِيقُ الْبَنْدَنِيجِيِّ ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا إلَى تَسْمِيَتِهَا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ حَضَرَتْ ، وَقِيلَ : يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْإِشَارَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ ، وَكَلَامِ الْجُمْهُورِ ( فَإِنْ غَابَتْ ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مَجْلِسِ اللِّعَانِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا ) عَنْ غَيْرِهَا دَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ ( وَالْخَامِسَةُ ) مِنْ كَلِمَاتِ لِعَانِ الزَّوْجِ هِيَ ( أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ) لِلْآيَةِ ، وَيُشِيرُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَيُمَيِّزُهَا فِي الْغِيبَةِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ
وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلِمَاتِ فَقَالَ وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ أَوْ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا أَتَى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِضَمِيرِ الْغِيبَةِ تَأَسِّيًا بِلَفْظِ الْآيَةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقُولُهُ الْمُلَاعِنُ : عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ( وَإِنْ كَانَ ) ثَمَّ ( وَلَدٌ يَنْفِيهِ ) عَنْهُ ( ذَكَرَهُ فِي ) كُلٍّ مِنْ ( الْكَلِمَاتِ ) الْخَمْسِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ ( فَقَالَ ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ ) إنْ كَانَ غَائِبًا ( أَوْ هَذَا الْوَلَدَ ) إنْ كَانَ حَاضِرًا ( مِنْ زِنًا ) وَ ( لَيْسَ ) هُوَ ( مِنِّي ) لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ ، فَلَوْ أَغْفَلَ ذِكْرَ الْوَلَدِ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِهِ
وَتَقُولُ هِيَ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيهِ
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَ مِنِّي أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ : وَبِهِ أَجَابَ كَثِيرُونَ : لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ وَطْءَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ زِنًا ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكْفِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا وَخُلُقًا ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ ، كَقَوْلِهِ : مَنْ زِنًا أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ( وَتَقُولُ هِيَ ) أَرْبَعُ مَرَّاتٍ بَعْدَ تَمَامِ لِعَانِ الزَّوْجِ ( أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَ ) الْكَلِمَةُ ( الْخَامِسَةُ ) مِنْ لِعَانِهَا هِيَ ( أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ ) الزَّوْجُ ( مِنْ الصَّادِقِينَ فِيهِ ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ، وَتُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْحُضُورِ ، وَتُمَيِّزُهُ فِي الْغِيبَةِ كَمَا فِي جَانِبِهَا فِي الشَّهَادَاتِ الْخَمْسِ ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا تَأَسِّيًا بِالْآيَةِ ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ : فَتَقُولَ : غَضَبُ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كَانَ إلَخْ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : ثُمَّ تَقُولَ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ لِعَانِهَا شَرْطٌ كَمَا سَيَأْتِي ، وَأَشَرْت إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِي بَعْدُ : وَاقْتَصَرَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ عَلَى قَوْلِهَا : فِيهِ ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِيمَا رَمَانِي بِهِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِمَا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ النَّصِّ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ : فِيهِ أَيْ فِيمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ قَوْلُهَا : مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ
وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسِهِ أَوْ ذُكِرَا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ سُكُوتُهُ فِي لِعَانِهَا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِهِ فِي لِعَانِهَا حُكْمٌ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ ، وَلَوْ تَعَرَّضَتْ لَهُ لَمْ يَضُرَّ ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ قَذْفٌ وَلَمْ تُثْبِتْهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ كَأَنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ أَثْبَتَتْ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ إصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ عَنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ إلَى آخِرِ الْكَلِمَاتِ ، وَفِي الثَّانِي فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَى مَنْ رَمَى إيَّاهَا بِالزِّنَا إلَخْ ، وَلَا يُلَاعِنُ الْمَرْأَةَ فِي الْأَوَّلِ ، إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِهَذَا اللِّعَانِ حَتَّى تُسْقِطَهُ بِلِعَانِهَا ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّعْنَ بِجَانِبِهِ وَالْغَضَبَ بِجَانِبِهَا ؛ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَقْبَحُ مِنْ جَرِيمَةِ الْقَذْفِ بِدَلِيلِ تَفَاوُتِ الْحَدَّيْنِ ، وَغَضَبُ اللَّهِ أَغْلَظُ مِنْ لَعَنْته لِأَنَّ غَضَبَهُ إرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنْ الْعُصَاةِ وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ ، وَاللَّعْنُ : الطَّرْدُ وَالْبُعْدُ فَخُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ أَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ ( وَلَوْ بُدِّلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ ) كَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ إلَخْ ، أَوْ لَفْظُ اللَّهِ بِالرَّحْمَنِ وَنَحْوِهِ ( أَوْ ) لَفْظُ ( غَضَبٍ بِلَعْنٍ ) أَوْ غَيْرِهِ كَالْإِبْعَادِ ( وَعَكْسِهِ ) بِأَنْ ذَكَرَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ وَالْمَرْأَةُ اللَّعْنَ ( أَوْ ذُكِرَا ) أَيْ اللَّعْنُ وَالْغَضَبُ ( قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ ) ذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ ، وَالثَّانِي يَصِحُّ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى ، وَالثَّالِثُ : لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْتَى بَدَلُ لَفْظِ الْغَضَبِ بِلَفْظِ اللَّعْنِ ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ أَشَدُّ مِنْ اللَّعْنِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ
وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرُ الْقَاضِي وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : عِبَارَةٌ مَقْلُوبَةٌ ، وَصَوَابُهُ حَلَفَ بِشَهَادَةٍ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسِهِ فَقَرِيبٌ فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فِي كُلِّ مَأْخُوذٍ وَمَتْرُوكٍ ا هـ .
وَقَدْ مَرَّ جَوَابُ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ ، وَقَوْلُهُ : وَعَكْسُهُ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ ( وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ اللِّعَانِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَانِبَيْنِ فَيَضُرُّ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ ، وَ ( أَمْرُ الْقَاضِي ) بِهِ أَوْ نَائِبِهِ كَالْيَمِينِ فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عَلَى اللِّعَانِ حُكْمُ الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَهِيَ لَا تُؤَدَّى إلَّا عِنْدَهُ ( وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ ) فِي الْجَانِبَيْنِ فَيَقُولُ لَهُ : قُلْ : كَذَا وَكَذَا ، وَلَهَا قُولِي : كَذَا وَكَذَا ، وَالْمُحَكَّمُ حَيْثُ لَا وَلَدَ كَالْحَاكِمِ ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ أَوْ يُلَقَّنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَشْمَلُ الْمُحَكَّمَ ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ حَيْثُ لَا وَلَدَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيُرْضَى بِحُكْمِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي النَّسَبِ ، فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُمَا فِي حَقِّهِ ، وَالسَّيِّدُ فِي اللِّعَانِ بَيْنَ أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ كَالْحَاكِمِ لَا الْمُحَكَّمِ كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقِهِ
وَأَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ
تَنْبِيهٌ : عَطْفُهُ التَّلْقِينَ عَلَى الْأَمْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ الْأَمْرُ هُوَ التَّلْقِينُ : وَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَمْرِ ، وَيُحْتَمَلُ التَّغَايُرُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ قَوْلَ الْقَاضِي : قُلْ ، وَبِالتَّلْقِينِ : أَشْهَدُ إلَخْ ( وَ ) يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا تَمَامُ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ ( أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ ) لِأَنَّ لِعَانَهَا لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِلِعَانِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى لِعَانِهَا قَبْلَهُ ، فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسِ أَوْ بِابْتِدَاءِ لِعَانِهَا نُقِضَ
وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ لِعَانِهِ وَلِعَانِهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ : إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي يَوْمٍ وَهِيَ فِي يَوْمٍ آخِرِ ( وَ ) يَقْذِفُ وَ ( يُلَاعِنُ أَخْرَسُ ) خِلْقَةً ( بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ قَبْلَ الْأَلِفِ بِخَطِّهِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّهِ كَالنُّطْقِ مِنْ النَّاطِقِ ، وَلَيْسَ كَالشَّهَادَةِ مِنْهُ لِضَرُورَتِهِ إلَيْهِ دُونَهَا ؛ لِأَنَّ النَّاطِقِينَ يَقُومُونَ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي اللِّعَانِ مَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ قَذْفُهُ وَلَا لِعَانُهُ ، وَلَا شَيْءَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ لِبُعْدِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ ، أَمَّا إذَا عَرَضَ لَهُ الْخَرَسُ ، فَإِنْ رَجَى نُطْقَهُ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اُنْتُظِرَ نُطْقُهُ فِيهَا ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ نُطْقُهُ أَوْ رُجِيَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ كَالْخَرَسِ الْخِلْقِيِّ
وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ ، وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ ، وَيُغَلَّظُ بِزَمَانٍ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ وَمَكَانٌ وَهُوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ ، فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، وَالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِهِمَا ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَتَصْرِيحِ الشَّامِلِ فَإِذَا لَاعَنَ بِالْإِشَارَةِ أَشَارَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ بِكَلِمَةِ اللَّعْنِ ، وَإِنْ لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ كَلِمَةَ اللَّعْنِ ، وَلَكِنْ لَوْ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ مَرَّةً وَأَشَارَ إلَيْهَا أَرْبَعًا جَازَ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ ، وَهُوَ جَائِزٌ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ النَّصُّ عَلَى خِلَافِهِ ، وَلَوْ نَطَقَ لِسَانُ الْأَخْرَسِ مِنْ بَعْدِ قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ بِالْإِشَارَةِ ثُمَّ قَالَ : لَمْ أُرِدْ الْقَذْفَ بِإِشَارَتِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ أَثْبَتَتْ حَقًّا لِغَيْرِهِ ، أَوْ قَالَ : لَمْ أُرِدْ اللِّعَانَ بِهَا قُبِلَ مِنْهُ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَالنَّسَبُ ، وَلَا تَرْتَفِعُ الْفُرْقَةُ وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ، وَيُلَاعِنُ إنْ شَاءَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ وَلِنَفْيِ الْوَلَدِ إنْ لَمْ يَفُتْ ( وَيَصِحُّ ) اللِّعَانُ مَعَ مَعْرِفَةِ الْعَرَبِيَّةِ ( بِالْعَجَمِيَّةِ ) وَهِيَ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةِ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ ، وَهُمَا بِاللُّغَاتِ سَوَاءٌ ، فَيُرَاعِي الْأَعْجَمِيُّ الْمُلَاعِنُ تَرْجَمَةَ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ ، ثُمَّ إنْ أَحْسَنَ الْقَاضِي الْعَجَمِيَّةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحْضِرَ أَرْبَعَةً مِمَّنْ يُحْسِنُهَا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَرْجِمٍ ، وَيَكْفِي اثْنَانِ ، وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ ( وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَانُهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهَا الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا ، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَغْلِيظِ اللِّعَانِ ، وَهُوَ إمَّا بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ
الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : ( وَيُغَلَّظُ ) لِعَانُ مُسْلِمٍ ( بِزَمَانٍ ، وَهُوَ بَعْدَ ) صَلَاةِ ( عَصْرِ ) كُلِّ يَوْمٍ كَانَ إنْ كَانَ طَلَبُهُ حَثِيثًا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَعَدَّ مِنْهُمْ رَجُلًا حَلَفَ يَمِينًا كَاذِبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ حَثِيثٌ فَبَعْدَ صَلَاةِ عَصْرِ يَوْمِ ( جُمُعَةٍ ) أَوْلَى لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، وَرَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّهَا مِنْ مَجْلِسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ } وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ هُنَا ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِعَصْرِ الْجُمُعَةِ الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةَ كَشَهْرِ رَجَبٍ ، وَرَمَضَانَ ، وَيَوْمَيْ الْعِيدِ ، وَعَرَفَةَ ، وَعَاشُورَاءَ ( وَمَكَانٌ ، وَهُوَ أَشْرَفُ ) مَوَاضِعِ ( بَلَدِهِ ) أَيْ اللِّعَانِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الزَّجْرِ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ أَشْرَفُ مَوَاضِعِ الْبَلَدِ ، وَهِيَ أَحْسَنُ لِتُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ ، وَلِهَذَا زِدْتهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ فَضْلُ الْأَشْرَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ ( فَبِمَكَّةَ ) أَيْ فَاللِّعَانُ بِهَا يَكُونُ ( بَيْنَ الرُّكْنِ ) الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ ( وَ ) بَيْنَ ( الْمَقَامِ ) لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا بِالْحَطِيمِ فَإِنْ قِيلَ : لَا شَيْءَ فِي مَكَّةَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيْتِ فَكَانَ الْقِيَاسُ التَّحْلِيفَ فِيهِ وَلَكِنْ صِينَ عَنْهُ ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحِجْرِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ عُدُولَهُمْ عَنْهُ صِيَانَةٌ لِلْبَيْتِ أَيْضًا ( وَ ) اللِّعَانُ فِي ( الْمَدِينَةِ ) يَكُونُ ( عِنْدَ الْمِنْبَرِ ) مِمَّا يَلِي الْقَبْرَ
الشَّرِيفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ جَوَامِعِ اللِّعَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ يَمِينًا آثِمَةً وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .
وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْبُوَيْطِيِّ ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ : يَكُونُ اللِّعَانُ فِي الْمِنْبَرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ( وَ ) اللِّعَانُ فِي ( بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ ( عِنْدَ الصَّخْرَةِ ) لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ لِأَنَّهَا قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ وَفِي ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهَا فِي الْجَنَّةِ
وَغَيْرِهَا عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ ، وَحَائِضٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، وَذِمِّيٌّ فِي بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ ، وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ فِي الْأَصَحِّ ، لَا بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ ، وَجَمْعٍ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ
تَنْبِيهٌ : التَّغْلِيظُ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ بِهَا ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ إلَيْهَا أَيْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَ ) اللِّعَانُ فِي ( غَيْرِهَا ) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ ( عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ ) لِأَنَّهُ الْمُعَظَّمُ مِنْهُ قَالَا : وَأَوْرَدَ الْمُتَوَلِّي فِي صُعُودِ الْمِنْبَرِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِي صُعُودِ مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ صُعُودِهِ ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي ( وَ ) تُلَاعِنُ امْرَأَةٌ ( حَائِضٌ ) أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُتَحَيِّرَةٌ مُسْلِمَةٌ ( بِبَابِ الْمَسْجِدِ ) الْجَامِعِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فِيهِ ، وَالْبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ فَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا فَرَغَ خَرَجَ الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ إلَيْهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَهَذَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَعْجِيلَ اللِّعَانِ ، فَلَوْ رَأَى تَأْخِيرَهُ إلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ وَغُسْلِهَا جَازَ نَقْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ ، قَالَ وَهُوَ فِي الْجُنُبِ أَيْ الْمُسْلِمِ أَوْلَى أَمَّا الْكَافِرُ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِمَا يَأْتِي ، فَإِنْ أُرِيدَ لِعَانُهُ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُكِّنَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْ نَحْوِ الْحَائِضِ ( وَ ) يُلَاعِنُ ( ذِمِّيٌّ ) وَلَوْ عَبَّرَ بِكِتَابِيٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْتَأْمَنَ وَالْمُعَاهَدَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا ( فِي بِيعَةٍ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَوَّلَهُ ، وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى ( وَ ) فِي ( كَنِيسَةٍ ) وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ ، وَتُسَمَّى الْبِيعَةُ أَيْضًا كَنِيسَةً بَلْ هُوَ الْعُرْفُ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَالْمَسَاجِدِ عِنْدَنَا .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ جَوَازِ دُخُولِ الْحَاكِمِ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صُوَرٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ دُخُولُ بَيْتٍ فِيهِ صُوَرٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَقَدْ يُعْلَمُ هَذَا مِمَّا سَيَأْتِي ، وَيَقُولُ الْيَهُودِيُّ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ
التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ، وَالنَّصْرَانِيُّ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِمُوسَى أَيْ وَلَا النَّصْرَانِيُّ بِعِيسَى كَمَا لَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ ذَلِكَ مَحْظُورٌ ا هـ .
أَيْ مَكْرُوهٌ ( وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ ) يَكُونُ اللِّعَانُ فِيهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ ، وَالْمَقْصُودُ الزَّجْرُ عَنْ الْكَذِبِ فَيَحْضُرُهُ الْقَاضِي رِعَايَةً لِاعْتِقَادِهِمْ لِشُبْهَةِ الْكِتَابِ ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ فَيُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ تَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، فَإِنْ قَالَتْ : أُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ وَرَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ( لَا بَيْتَ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَاعْتِقَادُهُمْ فِيهِ غَيْرُ شَرْعِيٍّ ، وَلِأَنَّ دُخُولَهُ فِي مَعْصِيَةٍ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ ، بِخِلَافِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدْخُلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ وَيَتَرَافَعُونَ إلَيْنَا ، وَإِلَّا فَأَمْكِنَةُ الْأَصْنَامِ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْهَدْمِ أَمَّا تَغْلِيظُ الْكَافِرِ بِالزَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ بِأَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ لَا يَنْتَحِلُ مِلَّةً كَالدَّهْرِيِّ بِفَتْحِ الدَّالِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَبِضَمِّهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَعَابِدِ الْوَثَنِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِي حَقِّهِ تَغْلِيظٌ بَلْ يُلَاعِنُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَظِّمُ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَلَا يُزْجَرُ
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَيَحْسُنُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَلَا فِي كُفْرِهِ وَجَدَ نَفْسَهُ مُذْعِنَةً لِخَالِقٍ مُدَبِّرٍ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقَسَمِ الثَّانِي مِنْ التَّغْلِيظَاتِ ، فَقَالَ : ( وَ ) يُغَلَّظُ بِحُضُورِ ( جَمْعٍ ) مِنْ عُدُولٍ أَعْيَانِ بَلَدِ اللِّعَانِ وَصُلَحَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } وَلِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا عَنْ الْكَذِبِ ، وَ ( أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ ) لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعَدَدُ إتْيَانَهُ بِاللِّعَانِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْحَاكِمِ ، وَيَكْفِي السَّيِّدُ فِي رَقِيقِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى
وَالتَّغْلِيظَاتُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي وَعْظُهُمَا ، وَيُبَالِغُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَأَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ ، وَشَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وَطْءٍ فَقَذَفَهَا وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ وَلَوْ لَاعَنَ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا صَحَّ أَوْ أَصَرَّ صَادَفَ بَيْنُونَةً .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّغْلِيظِ بِاللَّفْظِ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْيَمِينِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى ( وَالتَّغْلِيظَاتُ ) بِمَا ذَكَرَ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَجَمْعٍ ( سُنَّةٌ ) فِي مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ ( وَلَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ) كَتَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِتَعَدُّدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقِيلَ : إنَّهُ فَرْضٌ لِلِاتِّبَاعِ ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَكَانِ طَرْدًا فِي الزَّمَانِ وَالْجَمْعِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالِاسْتِحْبَابِ فِيهِمَا ، وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِهِ فِي الْجَمْعِ دُونَ الزَّمَانِ ( وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي ) وَنَائِبِهِ وَمُحَكِّمٍ وَسَيِّدٍ ( وَعْظُهُمَا ) أَيْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِالتَّخْوِيفِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالٍ { اتَّقِ اللَّهَ ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمَا : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } الْآيَةَ ، وَيَقُولُ لَهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا مَنْ تَابَ } ( وَ ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ ( يُبَالِغُ ) الْقَاضِي وَمَنْ فِي حُكْمِهِ فِي وَعْظِهِمَا نَدْبًا ( عِنْدَ الْخَامِسَةِ ) مِنْ لِعَانِهِمَا قَبْلَ شُرُوعِهِمَا فِيهَا فَيَقُولُ لِلزَّوْجِ : اتَّقِ اللَّهَ فِي قَوْلِك : عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلَّعْنِ إنْ كُنْت كَاذِبًا ، وَلِلزَّوْجَةِ : اتَّقِ اللَّهَ فِي قَوْلِك : غَضَبَ اللَّهِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْغَضَبِ إنْ كُنْت كَاذِبَةً لَعَلَّهُمَا يَنْزَجِرَانِ وَيَتْرُكَانِ ، وَيَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَامْرَأَةً أَنْ تَضَعَ يَدَهَا عَلَى فِيهَا لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد ، وَيَأْتِي الَّذِي يَضَعُ يَدَهُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ أَبَيَا إلَّا إتْمَامَ اللِّعَانِ تَرَكَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا وَلَقَّنَهُمَا
الْخَامِسَةَ ( وَ ) يُسَنُّ لَهُمَا ( أَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ ) لِيَرَاهُمَا النَّاسُ وَيَشْتَهِرُ أَمْرُهُمَا ، فَيَقُومُ الرَّجُلُ عِنْدَ لِعَانِهِ وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ ، ثُمَّ تَقُومُ عِنْدَ ، لِعَانِهَا وَيَقْعُدُ الرَّجُلُ ، فَقَوْلُهُ : قَائِمَيْنِ حَالٌ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا ، لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَوْ قَالَ عَنْ قِيَامٍ كَانَ أَوْضَحَ ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ لَاعَنَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجُلُوسِ كَمَا فِي الْأُمِّ ( وَ ) الْمُلَاعِنُ ( شَرْطُهُ زَوْجٌ ) فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ أَجْنَبِيٍّ وَلَا سَيِّدِ أَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِ الزَّوْجِ مَخْرَجًا مِنْ الْقَذْفِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ ، فَقَالَ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } إلَى قَوْله تَعَالَى : { فَاجْلِدُوهُمْ } : فَأَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحَدَّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ الزَّوْجَ وَغَيْرَهُ ، ثُمَّ خَصَّ الزَّوْجَ بِدَفْعِ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } الْآيَةَ فَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاجُ الزَّوْجِ لِلْقَذْفِ لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ : يَصِحُّ لِعَانُ غَيْرِ الزَّوْجِ فِي صُورَتَيْنِ : الْبَائِنِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ ، وَلِإِسْقَاطِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ فِي النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَالْمَوْطُوءَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةٍ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا وَلَاعَنَ لِنَفْيِ السَّبَبِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوْجِ مَنْ لَهُ عَلَقَةُ النِّكَاحِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ ، وَقَوْلُهُ ( يَصِحُّ طَلَاقُهُ ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا صَادِقٌ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالرَّشِيدِ وَالسَّفِيهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَحْدُودِ وَالْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا وَغَيْرِهِمْ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ مِنْهُمَا
عَلَى الْقَذْفِ تَأْدِيبًا تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي الْجُمْلَةِ يَرُدُّ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ، وَفَرَّعْنَا عَلَى انْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ زَوْجٌ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ لِعَانُهُ ( وَلَوْ ارْتَدَّ ) زَوْجٌ ( بَعْدَ وَطْءٍ ) مِنْهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ اسْتِدْخَالِهَا مَنِيَّهُ ( فَقَذَفَهَا ) ( وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ ) لِدَوَامِ النِّكَاحِ ( وَلَوْ لَاعَنَ ) حَالَ الرِّدَّةِ ( ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ ( صَحَّ ) لِعَانُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ لِعَانَةً ( بَيْنُونَةً ) لِتَبَيُّنِ انْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ بِالرِّدَّةِ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ وَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ صَحَّ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُضَافٍ إلَى حَالِ النِّكَاحِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ ، وَإِلَّا تَبَيَّنَا فَسَادَهُ ، وَلَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الْأَصَحِّ ، هَذَا إنْ قَذَفَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ ، فَإِنْ كَانَ قَذَفَهَا فِي حَالِ الْإِسْلَامِ صَحَّ اللِّعَانُ كَمَا لَوْ قَذَفَ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَإِنَّ لَهُ الْمُلَاعَنَةَ
فُرُوعٌ : لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اللِّعَانِ ثُمَّ طَلَبَهُ مُكِّنَ مِنْهُ ،
وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ لَاعَنَ لَهُنَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ لَا يَتَدَاخَلُ ، وَيَكُونُ اللِّعَانُ عَلَى تَرْتِيبِ قَذْفِهِنَّ ، فَلَوْ أَتَى بِلِعَانٍ وَاحِدٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ سَمَّاهَا أَوَّلًا ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِنَّ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ رَضِينَ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ رَضِيَ الْمُدَّعُونَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ كَانَ قَذَفَهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَاعَنَ لَهُنَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَدٌّ عَلَى الْجَدِيدِ ، ثُمَّ إنْ رَضِينَ بِتَقْدِيمِ وَاحِدَةٍ فَذَاكَ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ تَشَاحَحْنَ فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ ، إذْ لَا مَزِيَّةَ لِوَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى ، فَإِنْ بَدَأَ الْحَاكِمُ بِلِعَانِ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَاتِ يَصِلْنَ إلَى حَقِّهِنَّ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : رَجَوْتُ أَنْ لَا يَأْثَمَ ، وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ تَفْضِيلَ بَعْضِهِنَّ ،
وَلَا يَتَكَرَّرُ الْحَدُّ بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ ، وَلَوْ صَرَّحَ فِيهِ بِزِنًا آخَرَ لِاتِّحَادِ الْمَقْذُوفِ ، وَالْحَدُّ الْوَاحِدُ يُظْهِرُ الْكَذِبَ وَيَدْفَعُ الْعَارَ فَلَا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ تَصْدِيقُهُ ، لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ لِعَانٌ وَاحِدٌ يَذْكُرُ فِيهِ الزَّانِيَاتِ كُلِّهَا ، وَكَذَا الزُّنَاةُ إنْ سَمَّاهُمْ فِي الْقَذْفِ بِأَنْ يَقُولَ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ وَفُلَانَةَ ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ بِذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي لِعَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ قَذْفِهِمْ ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَهُمْ ، لَا إسْقَاطُهُ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ لِقَذْفِهَا بِطَلَبِهَا طَالَبَهُ الرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ بِهِ بِالْحَدِّ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَلَهُ اللِّعَانُ ، وَتَأَبَّدَتْ حُرْمَةُ الزَّوْجِيَّةِ بِاللِّعَانِ لِأَجْلِ الرَّجُلِ فَقَطْ ، وَلَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ فَطَالَبَهُ بِحَدِّ قَذْفِهِ كَانَ لَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ أَصْلًا لَا تَبَعًا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ ، وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَجْنَبِيَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ بِزَيْدٍ فَعَلَى الْحَاكِمِ إعْلَامُ زَيْدٍ بِذَلِكَ لِيُطَالِبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ عِنْدَهُ بِمَالٍ لَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْلِمُهُ لِيَسْتَوْفِيَ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَالِ ، وَمَنْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا عُزِّرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا أَنْ يُعَزَّرَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ بِمَثَابَةِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالزَّوْجَةُ كَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْقَذْفَانِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ، فَإِنْ قَذَفَ
أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا الْأَوَّلِ حُدَّ حَدًّا وَاحِدًا ، وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْأَوَّلِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ، فَإِنْ قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ تَعَدَّدَ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ مُوجِبِ الْقَذْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ أَقَامَ بِأَحَدِ الزِّنَاءَيْنِ بَيِّنَةً سَقَطَ الْحَدَّانِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا وَبَدَأَتْ بِطَلَبِ حَدِّ قَذْفِ الزِّنَا الْأَوَّلِ حُدَّ لَهُ ثُمَّ لِلثَّانِي إنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ حَدُّهُ ، وَإِنْ بَدَأَتْ بِالثَّانِي فَلَاعَنَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَبَانَهَا بِلَا لِعَانٍ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ ، فَإِنْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْقَذْفِ عُزِّرَ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ يَتَعَدَّدُ ، فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ حَدَّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَذَفَهَا ، فَإِنْ لَاعَنَ لِلْأَوَّلِ عُزِّرَ لِلثَّانِي لِلْإِيذَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ حُدَّ حَدَّيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقَذْفَيْنِ فِي الْحُكْمِ
وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ
ثُمَّ شَرَعَ فِي أُمُورٍ مِنْ ثَمَرَاتِ اللِّعَانِ ، فَقَالَ : ( وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تُلَاعِنْ الزَّوْجَةُ أَوْ كَانَ كَاذِبًا ( فُرْقَةٌ ) وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ كَالرَّضَاعِ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ وَتَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ( وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ ) فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ اللِّعَانِ وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ لَوْ كَانَتْ ، أَمَةً وَاشْتَرَاهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ : لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا } وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد { الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا } ( وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ ) فَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ عَوْدُ النِّكَاحِ وَلَا رَفْعُ تَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهُ وَقَدْ بَطَلَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَوْدِهِمَا ، بِخِلَافِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا حَدُّهَا أَيْ الزَّوْجَةِ فَهَلْ يَسْقُطُ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : لَمْ أَرَهُ مُصَرِّحًا بِهِ لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ سُقُوطَهُ فِي ضِمْنِ تَعْلِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ .
تَنْبِيهٌ : وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ ، وَوُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا .
نَفْسَهُ فِي الْمَتْنِ بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ ، وَيَجُوزُ رَفْعُهَا أَيْضًا كَمَا جَوَّزَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا } ( وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ ) أَيْ حَدِّ قَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ إنْ كَانَتْ ، مُحْصَنَةً وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي عَنْهُ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ كَمَا مَرَّ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعُقُوبَةِ بَدَلَ الْحَدِّ لِيَشْمَلَ التَّعْزِيرَ ( وَ ) يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ أَيْضًا ( وُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا ) مُسْلِمَةً كَانَتْ ، أَوْ كَافِرَةً إنْ لَمْ تُلَاعِنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ } الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ وَيَتَشَطَّرُ بِهِ الصَّدَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَيَسْتَبِيحُ نِكَاحَ أَرْبَعٍ سِوَاهَا ، وَمَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا عَلَى لِعَانِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ
فَرْعٌ : لَوْ قَذَفَ زَوْجٌ زَوْجَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَهِيَ ثَيِّبٌ ثُمَّ لَاعَنَا وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ جُلِدَتْ ثُمَّ رُجِمَتْ
وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ مُمْكِنٍ مِنْهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ ، أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ لَمْ يَلْحَقْهُ
( وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ ) أَيْ فِيهِ حَيْثُ كَانَ وَلَدٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ } ( وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ ) الْمُلَاعِنُ ( إلَى نَفْيِ ) نَسَبِ وَلَدٍ ( مُمْكِنٍ ) كَوْنَهُ ( مِنْهُ ) وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ بَيَانُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ ( بِأَنْ وَلَدَتْهُ ) الْمُلَاعِنَةُ ( لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ) فَأَقَلَّ ( مِنْ الْعَقْدِ ) لِانْتِفَاءِ زَمَنِ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ ( أَوْ ) أَكْثَرُ مِنْهُمَا بِقَدْرِهِمَا وَأَكْثَرُ لَكِنَّهُ ( طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ ) أَيْ الْعَقْدِ ( أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ ) امْرَأَةً ( وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ ) وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمَا وَوَطْءٌ وَحَمْلُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ ( لَمْ يَلْحَقْهُ ) الْوَلَدُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى انْتِفَائِهِ إلَى لِعَانٍ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ تَامًّا ، فَإِنْ لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَمِنْ صُوَرِ التَّعَذُّرِ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَمْسُوحًا عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَلَوْ قَالَ : كَأَنْ وَلَدَتْهُ بِالْكَافِ كَانَ أَوْلَى ، وَيُمْكِنُ إحْبَالُ الصَّبِيِّ لِتِسْعِ سِنِينَ ، وَيُشْتَرَطُ كَمَالُ التَّاسِعَةِ ثُمَّ يُلَاعِنُ حَتَّى يَثْبُتَ بُلُوغُهُ ، فَإِنْ ادَّعَى الِاحْتِلَامَ وَلَوْ عَقِبَ إنْكَارِهِ لَهُ صُدِّقَ ، وَخَرَجَ بِالْمَمْسُوحِ مَجْبُوبُ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إحْبَالُهُمَا .
وَلَهُ نَفْيُهُ مَيِّتًا ، وَالنَّفْيُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَدِيدِ وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ ، وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ ، وَمَنْ أَخَّرَ وَقَالَ جَهِلْت الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ فِيهَا ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ : مُتِّعْت بِوَلَدِك ، أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَدًا صَالِحًا فَقَالَ آمِينَ أَوْ نَعَمْ تَعَذَّرَ نَفْيُهُ ، وَإِنْ قَالَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، أَوْ بَارَكَ عَلَيْك فَلَا
( وَلَهُ نَفْيُهُ ) أَيْ الْوَلَدِ ( مَيِّتًا ) لِأَنَّ نَسَبَهُ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يُقَالُ : مَاتَ وَلَدُ فُلَانٍ وَهَذَا قَبْرُ وَلَدِ فُلَانٍ فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ نَفْيِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إسْقَاطُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ النَّفْيِ جَازَ لَهُ اسْتِلْحَاقُهُ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَيَسْتَحِقُّ إرْثَهُ ، وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَتِهِ بِذَلِكَ ، وَلَوْ اسْتَلْحَقَهُ ثُمَّ نَفَاهُ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ جَزْمًا ( وَالنَّفْيُ ) لِنَسَبِ وَلَدٍ يَكُونُ ( عَلَى الْفَوْرِ فِي ) الْأَظْهَرِ ( الْجَدِيدِ ) لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُحَقَّقٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشُّفْعَةِ ، وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَالثَّانِي لَهُ النَّفْيُ مَتَى شَاءَ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ هُنَا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيَذْكُرَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ أَوْ الْحَمْلَ الْمَوْجُودَ لَيْسَ مِنِّي مَعَ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ ( وَيُعْذَرُ ) الْمُلَاعِنُ فِي تَأْخِيرِ النَّفْيِ عَلَى قَوْلِ الْفَوْرِ ( لِعُذْرٍ ) كَأَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ لَيْلًا فَأَخَّرَ حَتَّى يُصْبِحَ أَوْ كَانَ جَائِعًا فَأَكَلَ أَوْ عَارِيًّا فَلَبِسَ ، فَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ خَائِفًا ضَيَاعَ مَالٍ أَرْسَلَ إلَى الْقَاضِي لِيَبْعَثَ إلَيْهِ نَائِبًا يُلَاعِنُ عِنْدَهُ أَوْ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى النَّفْيِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ حَقُّهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ أَشْهَدَ إنْ أَمْكَنَهُ ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بَطَلَ حَقُّهُ ، وَلِلْغَائِبِ النَّفْيُ عِنْدَ الْقَاضِي إنْ وَجَدَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَهُ مَعَ وُجُودِهِ التَّأْخِيرُ إلَى الرُّجُوعِ إنْ بَادَرَ إلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ الْإِشْهَادِ ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ مِنْ النَّفْيِ فِي الْأَصَحِّ وَيَلْحَقُهُ
الْوَلَدُ ( وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ لَاعَنَ عَنْ الْحَمْلِ } ( وَ ) لَهُ أَيْضًا ( انْتِظَارُ وَضْعِهِ ) لِيُلَاعِنَ عَلَى يَقِينٍ ، فَإِنَّ الْمُتَوَهَّمَ حَمْلًا قَدْ يَكُونُ رِيحًا فَيَنْفُشُ بِخِلَافِ انْتِظَارِ وَضْعِهِ لِرَجَاءِ مَوْتِهِ ، كَأَنْ قَالَ : عَلِمْته وَلَدًا وَأَخَّرْت رَجَاءَ وَضْعِهِ لِيَنْزِلَ مَيِّتًا فَأُكْفَى اللِّعَانَ ، فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ مِنْ الْمَنْفِيِّ لِتَفْرِيطِهِ مَعَ عِلْمِهِ ( وَمَنْ أَخَّرَ ) نَفْيَ نَسَبِ وَلَدٍ ( وَقَالَ : جَهِلْت الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا ) وَلَمْ يَسْتَفِضْ وَيَنْتَشِرْ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُوَافِقُهُ ، فَإِنْ اسْتَفَاضَ وَانْتَشَرَ لَمْ يُصَدَّقْ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ الشَّاشِيِّ وَأَقَرَّاهُ ( وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ ) بِالْوِلَادَةِ ( فِيهَا ) كَأَنْ كَانَا فِي مَحَلَّتَيْنِ وَأَمْكَنَ الْخَفَاءُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ ( وَلَوْ ) قَالَ : لَمْ أُصَدِّقْ مَنْ أَخْبَرَنِي بِالْوِلَادَةِ ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ : كَصَبِيٍّ وَفَاسِقٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، أَوْ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَ ( قِيلَ لَهُ ) تَهْنِئَةٌ بِوَلَدٍ ( مُتِّعْت بِوَلَدِك أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَك وَلَدًا صَالِحًا ، فَقَالَ ) مُجِيبًا لِلْقَائِلِ : ( آمِينَ أَوْ نَعَمْ ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا ، كَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك ( تَعَذَّرَ ) عَلَيْهِ ( نَفْيُهُ ) وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِهِ نَعَمْ إنْ عُرِفَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ وَادَّعَى حَمْلَ التَّهْنِئَةِ وَالتَّأْمِينِ أَوْ نَحْوَهُ عَلَيْهِ فَلَهُ نَفْيُهُ إلَّا إنْ كَانَ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَالَ : نَفَعَك اللَّهُ بِهَذَا الْوَلَدِ فَقَالَ : آمِينَ أَوْ نَحْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ لِمَا مَرَّ ( وَ ) إنْ أَجَابَ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ كَأَنْ ( قَالَ ) لِلْقَائِلِ ( جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، أَوْ بَارَكَ ) اللَّهُ ( عَلَيْك فَلَا ) يَتَعَذَّرُ نَفْيُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ مُكَافَأَةَ
الدُّعَاءِ بِالدُّعَاءِ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ مَرَّ أَنَّ وُجُوبَ النَّفْيِ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ زَالَ بِذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي تَوَجُّهِهِ لِلْقَاضِي ، أَوْ قَالَهُ فِي حَالَةٍ يُعْذَرُ فِيهَا بِالتَّأْخِيرِ لِنَحْوِ لَيْلٍ تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَالَةٍ ثَالِثَةٍ ، وَهِيَ التَّصْرِيحُ بِمَا يُشْعِرُ بِإِنْكَارِ الْوَلَدِ كَأَعُوذُ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ لِظُهُورِهِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ
تَتِمَّةٌ : لَوْ قَالَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْوَلَدِ : لَمْ أَعْلَمْ جَوَازَ اللِّعَانِ أَوْ فَوْرِيَّتِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ صُدِّقَ كَنَظِيرِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُتْعَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَقِيهًا
وَلَهُ اللِّعَانُ مَعَ إمْكَانِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا ، وَلَهَا لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنَا
( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( اللِّعَانُ مَعَ إمْكَانِيَّةِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ فَإِنْ قِيلَ : ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَذُّرَ الْبَيِّنَةِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ صَدَّ عَنْهُ ، أَوْ أَنَّ الْآيَةَ مُؤَوَّلَةٌ بِأَنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَلْيَأْتِ بِاللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } ( وَ ) يَجُوزُ ( لَهَا ) اللِّعَانُ فِي مُقَابَلَةِ لِعَانِ زَوْجِهَا ( لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنَا ) الْمُتَوَجِّهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ } الْآيَةَ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهَا غَيْرُ ذَلِكَ
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ قَوْلِهِ : لَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ صَادِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَالَ : إذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ كَاذِبًا فَلَا يَحِلُّ لَهَا النُّكُولُ عَلَى اللِّعَانِ كَيْ لَا يَكُونَ عَوْنًا عَلَى جَلْدِهَا أَوْ رَجْمِهَا وَفَضِيحَةِ أَهْلِهَا ، وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ ، فَإِنْ أَثْبَتَ الزَّوْجُ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ امْتَنَعَ لِعَانُهَا ، لِأَنَّ حُجَّةَ الْبَيِّنَةِ أَقْوَى مِنْ حُجَّةِ اللِّعَانِ
فَصْلٌ لَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ وَإِنْ عَفَتْ عَنْ الْحَدِّ وَزَالَ النِّكَاحُ ، وَلِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ وَإِنْ زَالَ النِّكَاحُ ، وَلَا وَلَدَ ، وَلِتَعْزِيرِهِ ، لَا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ لِكَذِبٍ كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوطَأُ ، وَلَوْ عَفَتْ عَنْ الْحَدِّ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلَا وَلَدَ أَوْ سَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ الْحَدِّ أَوْ جُنَّتْ بَعْدَ قَذْفِهِ فَلَا لِعَانَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُطْلَقٍ أَوْ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ إنْ كَانَ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ فَإِنْ أَضَافَ إلَى مَا قَبْلَ نِكَاحِهِ فَلَا لِعَانَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ لَهُ إنْشَاءُ قَذْفٍ وَيُلَاعِنُ ، وَلَا يَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ
فَصْلٌ فِي الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ مِنْ اللِّعَانِ وَهُوَ نَفْيُ النَّسَبِ كَمَا قَالَ ( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ ) وَلَوْ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ( وَإِنْ عَفَتْ ) أَيْ الزَّوْجَةُ ( عَنْ الْحَدِّ ) أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا ( وَ ) إنْ ( زَالَ النِّكَاحُ ) بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ، لِأَنَّ نَفْيَ النَّسَبِ آكَدُ مِنْ دَرْءِ الْحَدِّ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ قَوْلِهِ لَهُ : أَنَّهُ لَا يَجِبُ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَ ) لَهُ اللِّعَانُ أَيْضًا ( لِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ ) عَنْهُ ( وَإِنْ زَالَ النِّكَاحُ وَلَا وَلَدَ ) هُنَاكَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَلَكِنْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ وَهُوَ أَقْعَدُ الْوُجُوبُ دَفْعًا لِلْحَدِّ وَالْفِسْقِ عَنْهُ ، وَهَلْ وَجَبَ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمُلَاعِنِ ثُمَّ سَقَطَ بِاللِّعَانِ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا ؟ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ( وَ ) لَهُ اللِّعَانُ أَيْضًا ( لِتَعْزِيرِهِ ) أَيْ دَفْعِ تَعْزِيرِ الْقَذْفِ الْوَاجِبِ عَلَى الْقَاذِفِ كَقَذْفِ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ وَصَغِيرَةٍ يُمْكِنُ جِمَاعُهَا ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيُسَمَّى هَذَا تَعْزِيرَ تَكْذِيبٍ أَيْضًا ، وَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ ( لَا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ لِكَذِبٍ ) مَعْلُومٍ ( كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوطَأُ ) أَيْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِهِ ، وَإِنْ بَلَغَتْ وَطَالَبَتْهُ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهَا عَارٌ ، بَلْ يُعَزَّرُ تَأْدِيبًا عَلَى الْكَذِبِ حَتَّى لَا يَعُودَ لِلْإِيذَاءِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ : زَنَى بِكِ مَمْسُوحٌ أَوْ ابْنُ شَهْرٍ مَثَلًا ، أَوْ قَالَ لِرَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ زَنَيْتِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُلَاعِنُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا صَرَّحَ بِالْفَرْجِ ، فَإِنْ أَطْلَقَ
فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ عَنْ دَعْوَاهَا عَنْ إرَادَتِهِ ، فَإِنَّ وَطْأَهَا فِي الدُّبُرِ مُمْكِنٌ فَيَلْحَقُ الْعَارُ بِهَا ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى جَوَابِهِ حُكْمُهُ .
تَنْبِيهٌ : اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا زِنًا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهَا أَنَّهُ يُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِ تَعْزِيرِهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، فَلَا مَعْنَى لَهُ ، وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ فِيهِ لِلسَّبَبِ وَالْإِيذَاءِ ، فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ ( وَلَوْ ) قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَ ( عَفَتْ عَنْ الْحَدِّ ) أَوْ التَّعْزِيرِ ( أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ ) عَلَيْهِ ( وَلَا وَلَدَ ) وَلَا حَمْلَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ يَنْفِيه ( أَوْ سَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ الْحَدِّ ) أَوْ التَّعْزِيرِ وَلَمْ تَعْفُ ( أَوْ ) قَذَفَهَا وَ ( جُنَّتْ بَعْدَ قَذْفِهِ ) أَوْ قَذَفَهَا مَجْنُونَةً بِزِنًا مُضَافٍ لِلْإِفَاقَةِ وَلَا وَلَدَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ السُّكُوتِ وَمَا بَعْدَهَا وَإِنْ أَوْهَمَ تَوَسُّطُ قَوْلِهِ وَلَا وَلَدَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَاتِ خِلَافَهُ ( فَلَا لِعَانَ ) فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ، وَلِانْتِفَاءِ طَلَبِهِ فِي الْبَاقِي وَالثَّانِي : لَهُ اللِّعَانُ فِي ذَلِكَ لِغَرَضِ الْفُرْقَةِ الْمُؤَبَّدَةِ ، وَالِانْتِقَامِ مِنْهَا بِإِيجَابِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا وَيَسْتَوْفِي مِنْ الْمَجْنُونَةِ بَعْدَ إفَاقَتِهَا إنْ لَمْ تُلَاعِنْ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَإِنَّ لَهُ اللِّعَانَ لِنَفْيِهِ قَطْعًا .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُهُ يُفْهِمُ تَسَاوِيَ الْكُلِّ فِي عَدَمِ اللِّعَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مُطْلَقٌ ، وَفِيمَا عَدَاهَا مُقَيَّدٌ بِالنَّفْيِ فِي الْحَالِ خَاصَّةً ، فَلَوْ طَالَبَتْ مَنْ سَكَتَتْ أَوْ الْمَجْنُونَةُ بَعْدَ كَمَالِهَا لَاعَنَ ( وَلَوْ أَبَانَهَا ) بِثَلَاثٍ أَوْ دُونَهَا ، وَلَوْ عَبَّرَ بِبَانَتْ لَشَمِلَ مَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّةُ رَجْعِيَّةٍ أَوْ حَصَلَ
انْفِسَاخٌ ( أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا ) فَإِنْ قَذَفَهَا ( بِزِنًا مُطْلَقٍ أَوْ مُضَافٍ إلَى مَا ) أَيْ زَمَنٍ ( بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ إنْ كَانَ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ ) بِحُكْمِ النِّكَاحِ يُرِيدُ نَفْيَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّفْيِ كَمَا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ بِلِعَانِهِ وَيَجِبُ بِهِ عَلَى الْبَائِنِ عُقُوبَةُ الزِّنَا حَيْثُ كَانَ مُضَافًا لِحَالَةِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، وَيَسْقُطُ عَنْهَا بِلِعَانِهَا .
تَنْبِيهٌ : أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ لَا لِعَانَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ حِينَئِذٍ فَيُحَدُّ بِهِ ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ لِلْحَمْلِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ ، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُعْتَمَدُ لِئَلَّا يَمُوتَ الزَّوْجُ فَيَفُوتَ مَقْصُودُهُ بِإِلْزَامِهِ التَّأْخِيرَ ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ فِي الْمَيِّتَةِ لَمْ يُلَاعِنْ قَطْعًا ، فَإِنْ شُقَّ جَوْفُهَا وَأُخْرِجَ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ ، وَلَا دُفِنَتْ بِهِ فَأَوْلَى بِالْمَنْعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَأَسْقَطَ مِنْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مَسْأَلَةَ الْمَوْتِ ( فَإِنْ أَضَافَ ) زِنَاهَا ( إلَى مَا ) أَيْ زَمَنٍ ( قَبْلَ نِكَاحِهِ ) أَوْ إلَى مَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ( فَلَا لِعَانَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ ) إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ فَيُحَدُّ بِهِ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيَّةِ ( وَكَذَا إنْ كَانَ ) وَلَدٌ ، فَلَا لِعَانَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِتَقْصِيرِهِ بِذِكْرِ التَّارِيخِ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُحَرَّرِ وَقَالَ : إنَّهُ أَقْوَى وَالثَّانِي : لَهُ اللِّعَانُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ ، وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِلْأَكْثَرِينَ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ الْوَلَدَ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا فَيَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ ، وَمَعَ
هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ ، إذْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُطْلِقَ الْقَذْفَ ، أَوْ يُضِيفَهُ إلَى النِّكَاحِ ( لَكِنْ لَهُ إنْشَاءُ قَذْفٍ ) مُطْلَقٍ أَوْ مُضَافٍ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ ( وَيُلَاعِنُ ) لِنَفْيِ النَّسَبِ لِلضَّرُورَةِ ، بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِلِعَانِهِ حَدُّ الْقَذْفِ ، فَإِنْ لَمْ يُنْشِئْ قَذْفًا حُدَّ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَضَافَ الزِّنَا إلَى نِكَاحِهِ ، وَتَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ بَعْدَ اللِّعَانِ ( وَلَا يَصِحُّ ) جَزْمًا مِنْ الْمُلَاعِنِ ( نَفْيُ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ ) وَهُمَا اسْمُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَمَجْمُوعُهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ وُلِدَا مَعًا أَمْ مُتَعَاقِبَيْنِ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يَجْتَمِعَ فِي الرَّحِمِ وَلَدَانِ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَنِيِّ انْسَدَّ فَمُهُ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ قَبُولُ مَنِيٍّ آخَرَ ، وَمَجِيءُ الْوَلَدَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَثْرِ مَادَّةِ الزَّرْعِ ، فَإِنْ نَفَى أَحَدَهُمَا وَاسْتَلْحَقَ الْآخَرَ ، أَوْ سَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ مَعَ إمْكَانِهِ لَحِقَاهُ ، وَلَوْ نَفَاهُمَا بِاللِّعَانِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَ أَحَدَهُمَا أَوْ نَفَى أَوَّلَهُمَا بِاللِّعَانِ ثُمَّ وَلَدَتْ الثَّانِيَ فَسَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَهُ لَحِقَهُ الْأَوَّلُ مَعَ الثَّانِي وَلَمْ يَعْكِسْ لِقُوَّةِ اللُّحُوقِ عَلَى النَّفْيِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ بَعْدَ النَّفْيِ ، وَلَا كَذَلِكَ النَّفْيُ بَعْدَ الِاسْتِلْحَاقِ ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِغَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ بَعْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ ، وَلَا يَنْتَفِي عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا بِالنَّفْيِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَ وَضْعَيْ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَهُمَا حَمْلَانِ فَيَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِهِمَا ، وَمَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُمَا تَوْأَمَانِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ
أَوَّلَ الْمُدَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ
خَاتِمَةٌ : فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ لَا يَنْتَفِي وَلَدُ الْأَمَةِ بِاللِّعَانِ ، بَلْ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ مِنْ خَوَاصِّ النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ
وَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ النِّكَاحِ فَقَطْ فَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ كَمَا لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالطَّلَاقِ ، أَوْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ الْمِلْكِ فَقَطْ فَلَا يَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْفَى عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ ، وَكَذَا لَوْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَلَا يَنْفِيه بِاللِّعَانِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ نَفْيِهِ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ بِوَطْئِهِ فِي الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِمَّا قَبْلَهُ ،
وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ قَذْفِهِ لِزَوْجَتِهِ قَذَفْتُك فِي النِّكَاحِ فَلِي اللِّعَانُ فَقَالَتْ : بَلْ قَبْلَهُ فَلَا لِعَانَ وَعَلَيْك الْحَدُّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَاذِفُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِوَقْتِ الْقَذْفِ
وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَقَالَ : قَذَفْتُك قَبْلَهَا فَقَالَتْ : بَلْ بَعْدَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلَ النِّكَاحِ فَتُصَدَّقَ يَمِينُهَا ،
وَلَوْ قَالَ : قَذَفْتُك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ فَقَالَتْ : بَلْ وَأَنَا بَالِغَةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ كَأَنْ كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِينَ ،
وَلَوْ قَالَ : قَذَفْتُك وَأَنَا نَائِمٌ فَأَنْكَرَتْ نَوْمَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِبُعْدِهِ ، أَوْ وَأَنْتِ مَجْنُونَةٌ ، أَوْ رَقِيقَةٌ ، أَوْ كَافِرَةٌ وَادَّعَتْ خِلَافَ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عُهِدَ لَهَا ذَلِكَ مَا مَرَّ ، وَإِلَّا فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ ، أَوْ وَأَنَا صَبِيٌّ فَقَالَتْ : بَلْ وَأَنْتَ بَالِغٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ ، أَوْ وَأَنَا مَجْنُونٌ فَقَالَتْ : بَلْ وَأَنْتَ عَاقِلٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عُهِدَ لَهُ جُنُونٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ،
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ صَاحِبِ الْفِرَاشِ اسْتِلْحَاقُ مَوْلُودٍ عَلَى فِرَاشٍ صَحِيحٍ ، وَإِنْ نُفِيَ عَنْهُ بِاللِّعَانِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِلْحَاقِ بَاقٍ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْفِرَاشُ كَوَلَدِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ لِأَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ قَبْلَ النَّفْيِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، وَلَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَتْبَعْهُ فِي الْإِسْلَامِ ، فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَقُسِمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ فِي نَسَبِهِ وَإِسْلَامِهِ وَوَرِثَهُ وَانْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُلَاعِنُ مَنْ نَفَاهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ بِحَالَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَتَغَيَّرَانِ بِحُدُوثِ عِتْقٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ إسْلَامٍ فِي الْقَاذِفِ أَوْ الْمَقْذُوفِ
كِتَابُ الْعِدَدِ .
كِتَابُ الْعِدَدِ جَمْعُ عِدَّةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعِدَدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْعِدَدِ مِنْ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ غَالِبًا ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ : اسْمٌ لِمُدَّةٍ تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا أَوْ لِلتَّعَبُّدِ أَوْ لِتَفَجُّعِهَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ وَشُرِعَتْ صِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ وَتَحْصِينًا لَهَا مِنْ الِاخْتِلَاطِ رِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالنَّاكِحِ الثَّانِي ، وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا التَّعَبُّدُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي بِقَرْءٍ وَاحِدٍ مَعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ ( عِدَّةُ النِّكَاحِ ضَرْبَانِ : الْأَوَّلُ ) مِنْهُمَا ( مُتَعَلِّقٌ بِفُرْقَةِ حَيٍّ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ ) بِعَيْبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَالْفَسْخُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ ، وَخَرَجَ بِعِدَّةِ النِّكَاحِ الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ وَطْءُ الشُّبْهَةِ ، وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يَرِدُ ( وَإِنَّمَا تَجِبُ ) الْعِدَّةُ إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ الْمَذْكُورَةُ ( بَعْدَ وَطْءٍ ) فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ فِي شُبْهَةٍ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا أَمْ حَرَامًا كَوَطْءِ حَائِضٍ وَمُحَرَّمَةٍ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي قُبُلٍ جَزْمًا أَوْ دُبُرٍ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَاقِلًا أَمْ لَا ، مُخْتَارًا أَمْ لَا ، لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً أَمْ لَا بَالِغًا أَمْ لَا بِخِلَافِ فُرْقَةِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ } وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْوَطْءَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ بِكُلِّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ وَإِنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ كَمَا لَوْ زَنَى مُرَاهِقٌ بِبَالِغَةٍ أَوْ مَجْنُونٌ بِعَاقِلَةٍ أَوْ مُكْرَهٌ بِطَائِعَةٍ
أَوْ اسْتِدْخَالِ مَنِيِّهِ ، وَإِنْ تَيَقَّنَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ ، لَا بِخَلْوَةٍ فِي الْجَدِيدِ ، وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقْرَاءٍ ثَلَاثَةٌ
تَنْبِيهٌ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ وَطْءِ الصَّبِيِّ تَهَيُّؤُهُ لِلْوَطْءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّغِيرَةِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ا هـ .
وَهُوَ حَسَنٌ ، وَتَعْتَدُّ بِوَطْءِ خَصِيٍّ لَا الْمُزَوَّجَةُ مِنْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَلَوْ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ لَكِنْ إنْ بَانَتْ حَامِلًا لَحِقَهُ الْوَلَدُ لِإِمْكَانِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَمْسُوحًا وَاعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ وَإِنْ نَفَاهُ ، بِخِلَافِ الْمَمْسُوحِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ : وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا زَائِدًا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ أَوْ أَشَلَّ فَلَا كَالْمُبَانِ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأُولَى إذَا كَانَ الزَّائِدُ عَلَى سُنَنِ الْأَصْلِيِّ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ( أَوْ ) الْفُرْقَةُ بَعْدَ ( اسْتِدْخَالِ مَنِيِّهِ ) أَيْ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعُلُوقِ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ ، وَقَوْلُ الْأَطِبَّاءِ : الْمَنِيُّ إذَا ضَرَبَهُ الْهَوَاءُ لَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ الْوَلَدُ غَايَتُهُ ظَنٌّ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْإِمْكَانَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ مُحْتَرَمًا حَالَ الْإِنْزَالِ وَحَالَ الْإِدْخَالِ ، حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالِاسْتِدْخَالِ أَنْ يُوجَدَ الْإِنْزَالُ وَالِاسْتِدْخَالُ مَعًا فِي الزَّوْجِيَّةِ ، فَلَوْ أَنْزَلَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاسْتَدْخَلَتْهُ أَوْ أَنْزَلَ وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَاسْتَدْخَلَتْهُ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ ا هـ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ زِنًا كَمَا قَالُوا ، أَمَّا مَاؤُهُ مِنْ الزِّنَا فَلَا عِبْرَةَ بِاسْتِدْخَالِهِ ( وَ ) تَجِبُ الْعِدَّةُ بِمَا ذُكِرَ ، وَ ( إنْ تَيَقَّنَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ ) كَمَا فِي الصَّغِيرِ ، وَلَوْ كَانَ التَّيَقُّنُ بِالتَّعْلِيقِ : كَقَوْلِهِ : مَتَى تَيَقَّنْتِ بَرَاءَةَ رَحِمِكِ مِنْ مَنِيٍّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ لِعُمُومِ
الْأَدِلَّةِ مَعَ مَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ ، وَلِأَنَّ الْإِنْزَالَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعُلُوقُ لَمَّا كَانَ خَفِيًّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ ، وَلِعُسْرِ تَتَبُّعِهِ أَعْرَضَ الشَّارِعُ عَنْهُ ، وَاكْتَفَى بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ أَوْ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ كَمَا اكْتَفَى فِي التَّرَخُّصِ بِالسَّفَرِ وَأَعْرَضَ عَنْ الْمَشَقَّةِ ، وَ ( لَا ) تَجِبُ الْعِدَّةُ ( بِخَلْوَةٍ ) مُجَرَّدَةٍ عَنْ وَطْءٍ ( فِي الْجَدِيدِ ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ ، وَالْقَدِيمُ : تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ ( وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقْرَاءٍ ) بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ ( ثَلَاثَةً ) مِنْ أَقْرَاءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَلَوْ ظَنَّهَا الْوَاطِئُ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الِاحْتِيَاطِ لَا فِي التَّخْفِيفِ ، وَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهَا الرِّقُّ لِالْتِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتِرْقَاقِهَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَالثَّانِي : تَرْجِعُ إلَى عِدَّةِ أَمَةٍ تَنْبِيهٌ : شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً حَتَّى حَاضَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهَا
وَالْقَرْءُ : الطُّهْرُ
( وَالْقَرْءُ ) ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَتْحِ بِخَطِّهِ لِكَوْنِهِ اللُّغَةَ الْمَشْهُورَةَ ، وَهُوَ لُغَةً مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ ، وَمِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الْحَيْضِ مَا فِي خَبَرِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ { تَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا } وَقِيلَ : حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي وَقِيلَ : عَكْسُهُ ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ ( الطُّهْرُ ) كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ : وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَيُصْرَفُ الْإِذْنُ إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ ، وَقَدْ قُرِئَ " فَطَلِّقُوهُنَّ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ " وَقَبْلَ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ ، وَلِأَنَّ الْقَرْءَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَمْعِ ، يُقَالُ : قَرَأْت كَذَا فِي كَذَا إذَا جَمَعْته فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ بِالطُّهْرِ أَحَقَّ مِنْ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ اجْتِمَاعُ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ ، وَالْحَيْضَ خُرُوجُهُ مِنْهُ ، وَمَا وَافَقَ الِاشْتِقَاقَ كَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ وَقُرُوءٍ وَأَقْرُؤٍ
فَإِنْ طَلُقَتْ طَاهِرًا انْقَضَتْ بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ ، أَوْ حَائِضًا فَفِي رَابِعَةٍ ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ الطَّعْنِ
( فَإِنْ طَلُقَتْ طَاهِرًا ) وَبَقِيَ مِنْ زَمَنِ طُهْرِهَا شَيْءٌ ( انْقَضَتْ ) عِدَّتُهَا ( بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ ) لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ وَإِنْ قَلَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ قَرْءٍ قَالَ تَعَالَى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ زَمَنِ الطُّهْرِ شَيْءٌ كَأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ طُهْرِكِ فَإِنَّمَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ ( أَوْ ) طَلُقَتْ ( حَائِضًا فَفِي ) أَيْ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ( رَابِعَةٍ ) وَمَا بَقِيَ مِنْ حَيْضِهَا لَا يُحْسَبُ قَرْءًا جَزْمًا لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَخِيرَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَمَالُهُ بِالشُّرُوعِ فِي الْحَيْضَةِ الَّتِي بَعْدَهُ وَهِيَ الرَّابِعَةُ ( وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ الطَّعْنِ ) فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْأُولَى وَفِي الرَّابِعَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ حَيْضٌ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ نَفْسِ الْعِدَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ الِانْقِضَاءُ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ لِئَلَّا تَزِيدَ الْعِدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ، فَإِنْ انْقَطَعَ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَمْ يَعُدْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَبَيَّنَ عَدَمُ انْقِضَائِهَا
وَهَلْ يُحْسَبُ طُهْرُ مَنْ لَمْ تَحِضْ قَرْءًا ؟ قَوْلَانِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَرْءَ ، انْتِقَالٌ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ ، أَمْ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ
تَنْبِيهٌ : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ النِّفَاسِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ هُنَا أَيْضًا فِي الْحَالِ الثَّانِي فِي اجْتِمَاعِ عِدَّتَيْنِ ( وَهَلْ يُحْسَبُ طُهْرُ مَنْ ) طَلُقَتْ وَ ( لَمْ تَحِضْ ) أَصْلًا ثُمَّ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ ( قَرْءًا ) أَوْ لَا ( قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى ) مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ ( أَنَّ الْقَرْءَ : انْتِقَالٌ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ ) أَوْ نِفَاسٍ ( أَمْ ) هُوَ ( طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ بِخَطِّهِ أَيْ مُكْتَنَفٍ ( بِدَمَيْنِ ) أَيْ دَمَيْ حَيْضٍ أَوْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ أَوْ دَمَيْ نِفَاسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَتُحْسَبُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ ( وَالثَّانِي ) مِنْ الْبِنَاءَيْنِ ( أَظْهَرُ ) فَكَذَا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ عَدَمُ احْتِسَابِ مَا ذُكِرَ قَرْءًا
وَعِدَّةُ مُسْتَحَاضَةٍ ، بِأَقْرَائِهَا الْمَرْدُودَةِ إلَيْهَا وَمُتَحَيِّرَةٍ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ ، وَقِيلَ بَعْدَ الْيَأْسِ
تَنْبِيهٌ : قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ : الْقَرْءُ هُوَ الطُّهْرُ الْمُحْتَوَشُ الطُّهْرَ بِتَمَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تُحْسَبُ قَرْءًا ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ هَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ الطُّهْرِ الْمُحْتَوَشِ شَيْءٌ أَمْ يَكْفِي الِانْتِقَالُ ؟ ( وَعِدَّةُ مُسْتَحَاضَةٍ ) غَيْرِ مُتَحَيِّرَةٍ ( بِأَقْرَائِهَا الْمَرْدُودَةِ ) هِيَ ( إلَيْهَا ) مِنْ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْأَقَلِّ كَمَا عُرِفَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَيْضِ ( وَ ) عِدَّةُ ( مُتَحَيِّرَةٍ ) لَمْ تَحْفَظْ قَدْرَ دَوْرِهَا وَلَوْ مُتَقَطِّعَةَ الدَّمِ مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا ( بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ ) لِاشْتِمَالِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ ، وَيُخَالِفُ الِاحْتِيَاطَ فِي الْعِبَادَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا لَا تَعْظُمُ ، وَلِأَنَّهَا مُرْتَابَةٌ فَدَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى { إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ } فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُدَّ قَرْءًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى طُهْرٍ لَا مَحَالَةَ ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِهِلَالَيْنِ ، فَإِنْ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّ لَمْ تُحْسَبْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَيْضٌ فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنْ الْهِلَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ ، وَإِنَّمَا حُسِبَ كُلُّ شَهْرٍ فِي حَقِّهَا قَرْءًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَحِضْ وَالْآيِسَةِ حَيْثُ يُكْمِلَانِ الْمُنْكَسِرَ كَمَا سَيَأْتِي ، أَمَّا إذَا حَفِظَتْ الْأَدْوَارَ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَمْ أَقَلَّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ أَدْوَارِهَا وَلَكِنْ قَالَتْ : أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُجَاوِزُ سَنَةً مَثَلًا بِالْأَكْثَرِ وَتَجْعَلُ السَّنَةَ دَوْرَهَا ، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ
الْحَيْضِ ( وَقِيلَ ) تَعْتَدُّ الْمُتَحَيِّرَةُ بِمَا ذُكِرَ ( بَعْدَ الْيَأْسِ ) لِأَنَّهَا قَبْلَهُ مُتَوَقِّعَةٌ لِلْحَيْضِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَسَيَأْتِي وَقْتُ سَنِّهِ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِهَا
وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمَنْ فِيهَا رِقٌّ بِقُرْأَيْنِ ، وَإِنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ كَمَّلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ ، أَوْ بَيْنُونَةٍ فَأَمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ ، وَحُرَّةٍ لَمْ تَحِضْ أَوْ يَئِسَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، فَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَبَعْدَهُ هِلَالَانِ وَتُكَمِّلُ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ ، فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ ، وَأَمَةٍ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ ، وَفِي قَوْلٍ شَهْرَانِ ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثَةٌ ، وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعِلَّةٍ كَرَضَاعٍ وَمَرَضٍ تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَيْأَسَ فَبِالْأَشْهُرِ ، أَوْ لَا لِعِلَّةٍ فَكَذَا فِي الْجَدِيدِ ، وَفِي الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ، وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ ، فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ فِي الْأَشْهُرِ وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ ، أَوْ بَعْدَهَا فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا إنْ نُكِحَتْ فَلَا شَيْءَ وَإِلَّا فَالْأَقْرَاءُ ، وَالْمُعْتَبَرُ يَأْسُ عَشِيرَتِهَا ، وَفِي قَوْلٍ : كُلُّ النِّسَاءِ قُلْت : ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أَمَّا الرَّجْعَةُ وَحَقُّ السُّكْنَى فَإِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ قَطْعًا ( وَ ) عِدَّةُ غَيْرِ حُرَّةٍ مِنْ ( أُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٍ ) وَمُدَبَّرَةٍ ( وَمَنْ فِيهَا رِقٌّ ) وَهِيَ ذَاتُ أَقْرَاءٍ ( بِقُرْأَيْنِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ سَوَاءٌ أَطَلُقَتْ أَمْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا كَمَّلَتْ الْقَرْءَ الثَّانِيَ لِتَعَذُّرِ تَبْعِيضِهِ كَمَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ ، إذْ لَا يَظْهَرُ نِصْفُهُ إلَّا بِظُهُورِ كُلِّهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِظَارِ إلَى أَنْ يَعُودَ الدَّمُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ كَامِلَةِ الرِّقِّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى ، وَسَوَاءٌ أَطَلُقَتْ أَمْ وُطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَمْ فِي شُبْهَةٍ ، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ظَنَّهَا أَمَتَهُ اعْتَدَّتْ بِقَرْءٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَمْلُوكَةٌ ، وَالشُّبْهَةُ شُبْهَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَإِنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ اعْتَدَّتْ بِقُرْأَيْنِ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ ، وَلِأَنَّ أَصْلَ الظَّنِّ يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ الْعِدَّةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ خُصُوصُهُ فِي خُصُوصِهَا ، وَإِنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ .
تَنْبِيهٌ : سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَمَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ ، وَحُكْمُهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَحَيِّرَةٍ بِقُرْأَيْنِ مِنْ أَقْرَائِهَا الْمَرْدُودَةِ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً ، فَإِنْ طَلُقَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَبِشَهْرَيْنِ ، أَوْ وَقَدْ بَقِيَ أَكْثَرُهُ فَبِبَاقِيهِ وَالثَّانِي أَوْ دُونَ أَكْثَرِهِ فَبِشَهْرَيْنِ بَعْدَ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ لِمَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ ( وَإِنْ عَتَقَتْ ) أَمَةٌ ( فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ ( كَمَّلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ ) الْجَدِيدِ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالثَّانِي : تُتِمُّ عِدَّةَ أَمَةٍ
نَظَرًا لِوَقْتِ الْوُجُوبِ ( أَوْ ) عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ ( بَيْنُونَةٍ فَأَمَةٍ ) أَيْ تُكَمِّلُ عِدَّةَ أَمَةٍ ( فِي الْأَظْهَرِ ) الْجَدِيدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لِقَطْعِ الْمِيرَاثِ وَسُقُوطِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا عَتَقَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالثَّانِي : تُتِمُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ اعْتِبَارًا بِوُجُودِ الْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ قَبْلَ تَمَامِ النَّاقِصَةِ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي عِدَّةٍ عَمَّا لَوْ عَتَقَتْ مَعَ الطَّلَاقِ بِأَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَحُرِّيَّتَهَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَبِقَوْلِهِ " رَجْعَةٍ " عَمَّا لَوْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ فَإِنَّهَا تُكَمِّلُ عِدَّةَ الْإِمَاءِ ( وَ ) عِدَّةُ ( حُرَّةٍ لَمْ تَحِضْ ) أَصْلًا لِصِغَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَرَأَتْ نِفَاسًا ( أَوْ يَئِسَتْ ) مِنْ الْحَيْضِ ( بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ) بِالْأَهِلَّةِ إنْ انْطَبَقَ الطَّلَاقُ عَلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ بِتَعْلِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ ) لَمْ يَنْطَبِقْ عَلَى أَوَّلِ شَهْرٍ بِأَنْ ( طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ ) وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْهُ ( فَبَعْدَهُ هِلَالَانِ وَتُكَمِّلُ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ ) يَوْمًا مِنْ شَهْرٍ رَابِعٍ ، وَلَوْ نَقَصَ الْمُنْكَسِرُ عَنْ ثَلَاثِينَ ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَنْ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْهُرِ تَنْكَسِرُ وَتَعْتَدُّ بِتِسْعِينَ يَوْمًا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ( فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا ) أَيْ أَثْنَاءَ الْأَشْهُرِ ( وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ ) بِالْإِجْمَاعِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ تَيَمُّمِهِ ، وَلَا يُحْسَبُ مَا مَضَى مِنْ الطُّهْرِ قَرْءًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْبِنَاءِ الْمَارِّ ،
وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا حِينَئِذٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عِنْدَ اعْتِدَادِهَا بِالْأَشْهُرِ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ( وَ ) عِدَّةُ ( أَمَةٍ ) وَمَنْ فِيهَا رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبَةً لَمْ تَحِضْ أَوْ يَئِسَتْ ( بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَنْقُصُ بِالرِّقِّ مِنْ الْأَعْدَادِ النَّصِيفُ وَالشَّهْرُ قَابِلٌ لَهُ بِخِلَافِ الْأَقْرَاءِ ( وَفِي قَوْلٍ ) عِدَّتُهَا ( شَهْرَانِ ) لِأَنَّهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْقُرْأَيْنِ ( وَ ) فِي ( قَوْلٍ ) عِدَّتُهَا أَشْهُرٌ ( ثَلَاثَةٌ ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ } وَلِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الرَّحِمِ إلَّا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ، إذْ الْوَلَدُ يُخْلَقُ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الْحَمْلُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ، وَلَوْ انْتَقَلَتْ الْأَمَةُ لِلْحَيْضِ فَكَانْتِقَالِ الْحُرَّةِ فِيمَا مَرَّ ( وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا ) أَيْ دَمُ حَيْضِهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( لِعِلَّةٍ ) تُعْرَفُ ( كَرَضَاعٍ وَمَرَضٍ تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ ) فَتَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ ( أَوْ تَيْأَسَ ) أَيْ تَصِلَ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ ، وَأَقْصَاهُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً فَتَعْتَدُّ حِينَئِذٍ ( بِالْأَشْهُرِ ) وَلَا يُبَالِي بِطُولِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الْمُرْضِعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( أَوْ لَا ) بِأَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لَا ( لِعِلَّةٍ ) تُعْرَفُ ( فَكَذَا ) تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ فَتَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ تَيْأَسَ بِالْأَشْهُرِ ( فِي الْجَدِيدِ ) كَمَا لَوْ انْقَطَعَ لِعِلَّةٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ إلَّا لِلَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالْآيِسَةِ ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهَا تَرْجُو عَوْدَ الدَّمِ فَأَشْبَهَتْ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا
لِعَارِضٍ مَعْرُوفٍ ( وَفِي الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ ) غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ ( تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ) لِتَعْرِفَ فَرَاغَ الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ ، أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْكُثُ فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَقَدْ عَابَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ ، وَقَالَ : كَانَ يَقْضِي بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ ؟ ( وَفِي قَوْلٍ ) مِنْ الْقَدِيمِ : تَتَرَبَّصُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ ( أَرْبَعَ سِنِينَ ) لِتَعْلَمَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بِيَقِينٍ ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ عَلَى الْقَدِيمِ : إنَّهَا تَتَرَبَّصُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَحَاصِلُ الْقَدِيمِ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ مُدَّةَ الْحَمْلِ ، لَكِنْ غَالِبَهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ ( ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ ) عَلَى كُلٍّ مِنْ أَقْوَالِ الْقَدِيمِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ ( فَعَلَى الْجَدِيدِ ) وَهُوَ التَّرَبُّصُ لِسِنِّ الْيَأْسِ ( لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ فِي الْأَشْهُرِ وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ ، وَيُحْسَبُ مَا مَضَى قَرْءًا قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ ( أَوْ بَعْدَهَا ) أَيْ الْأَشْهُرِ ( فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا إنْ نُكِحَتْ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ ( فَلَا شَيْءَ ) يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَقْرَاءِ ، وَصَحَّ النِّكَاحُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بِهَا وَلِلشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي صَلَاةٍ يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُنْكَحْ مِنْ غَيْرِهِ ( فَالْأَقْرَاءُ ) وَاجِبَةٌ فِي عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهَا لَيْسَتْ آيِسَةً وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ زَوْجٍ آخَرَ وَالثَّانِي : تَنْتَقِلُ إلَى الْأَقْرَاءِ مُطْلَقًا لِمَا ذُكِرَ وَالثَّالِثُ : الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا ، كَمَا لَوْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ الْأَشْهُرِ ، وَمَا ذُكِرَ عَلَى
الْجَدِيدِ بَعْدَ الْيَأْسِ يَأْتِي مِثْلُهُ عَلَى الْقَدِيمِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ ، غَيْرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ وُجُوهٌ ، وَلَوْ حَاضَتْ الْآيِسَةُ الْمُنْتَقِلَةُ إلَى الْحَيْضِ قَرْءًا أَوْ قُرْأَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا اسْتَأْنَفَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ، بِخِلَافِ ذَاتِ أَقْرَاءٍ أَيِسَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ فَصْلٍ " لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ " خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِئْنَافِ ، وَعَلَيْهِ يُطْلَبُ الْفَرْقُ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأُولَى لَمَّا كَانَ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى الْأَقْرَاءِ وَلَمْ تُتِمَّ رَجَعَتْ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَشْهُرُ فَكَانَتْ عِدَّتُهَا بِهَا فَلَا تُكَمِّلُ عَلَى الْأَقْرَاءِ ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ الْمُنْتَقِلَةِ مِنْ حَيْضٍ إلَى أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ ( وَالْمُعْتَبَرُ ) فِي الْيَأْسِ عَلَى الْجَدِيدِ ( يَأْسُ عَشِيرَتِهَا ) أَيْ أَقَارِبِهَا مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِتَقَارُبِهِنَّ طَبْعًا وَخُلُقًا ، وَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا اعْتَبَرُوا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ نِسَاءَ الْعَصَبَاتِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَهْرِ وَنَقْصَهُ لِنَفَاسَةِ النَّسَبِ وَخَسَاسَتِهِ ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْآبَاءِ وَالنَّسَبِ إلَيْهِمْ ، فَكَذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِالْعَصَبَاتِ وَهُنَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ وَالْجِبِلَّةِ فَاعْتُبِرَ الْجَانِبَانِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَأْسُ ( كُلِّ النِّسَاءِ ) لِلِاحْتِيَاطِ وَطَلَبًا لِلْيَقِينِ ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا بَلَغَنَا خَبَرُهُ ، لَا طَوْفِ نِسَاءِ الْعَالَمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ( قُلْت : ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَعَلَيْهِ هَلْ الْمُرَادُ نِسَاءُ زَمَانِهَا أَوْ النِّسَاءُ مُطْلَقًا ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إيرَادُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ ، وَكَلَامُ كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي الثَّانِيَ انْتَهَى ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي
سِنِّ الْيَأْسِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ أَشْهَرُهَا مَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً ، وَقِيلَ سِتُّونَ ، وَقِيلَ خَمْسُونَ ، وَقِيلَ سَبْعُونَ ، وَقِيلَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ ، وَقِيلَ تِسْعُونَ ، وَقِيلَ : غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ لَا تَحِيضُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ ، وَلَا تَحِيضُ بَعْدَ السِّتِّينَ إلَّا قُرَشِيَّةٌ ، وَلَوْ رَأَتْ امْرَأَةٌ الدَّمَ بَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ صَارَ أَعْلَى الْيَأْسِ آخِرَ مَا رَأَتْهُ فِيهِ ، وَيَعْتَبِرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِهَا غَيْرُهَا فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالُوهُ فِي سِنِّ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ دَمٍ قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا ثَبَتَ بِالِاسْتِقْرَاءِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ فِي السِّنِّ اسْتِقْرَاءٌ تَامٌّ لِتَيَسُّرِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ خِلَافٌ فَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى خِلَافِهِ ، بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَلِهَذَا كَثُرَ الْخِلَافُ فِيهِ
فَصْلٌ عِدَّةُ الْحَامِلِ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِ نِسْبَتِهِ إلَى ذِي الْعِدَّةِ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ
( فَصْلٌ ) فِي الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ( عِدَّةُ الْحَامِلِ ) مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ عَنْ فِرَاقِ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ ( بِوَضْعِهِ ) أَيْ الْحَمْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْوَضْعِ ( بِشَرْطِ ) إمْكَانِ ( نِسْبَتِهِ إلَى ذِي ) أَيْ صَاحِبِ ( الْعِدَّةِ ) زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ ) لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي إمْكَانَ كَوْنِهِ مِنْهُ ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لَمْ تَنْقَضِ بِوَضْعِهِ ، كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ ، أَوْ مَمْسُوحٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَلَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَأَنْ وَضَعَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ لِأَكْثَرَ وَكَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَسَافَةٌ لَا تُقْطَعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْفُرْقَةِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهُ بِوَضْعِهِ ، لَكِنْ لَوْ ادَّعَتْ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا ، أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا ، أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَأَمْكَنَ ، فَهُوَ إنْ انْتَفَى عَنْهُ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهُ
وَانْفِصَالِ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ وَمَتَى تَخَلَّلَ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَوْأَمَانِ وَتَنْقَضِي بِمَيِّتٍ
تَنْبِيهٌ : يَجُوزُ نِكَاحُ وَوَطْءُ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، وَالْحَمْلُ الْمَجْهُولُ قَالَ الرُّويَانِيُّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا ، وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ ، وَجُمِعَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ كَالزِّنَا فِي أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ تَجَنُّبًا عَنْ تَحَمُّلِ الْإِثْمِ ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ ( وَ ) بِشَرْطِ ( انْفِصَالِ كُلِّهِ ) أَيْ الْحَمْلِ فَلَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الْجَنِينِ لِعَدَمِ تَمَامِ انْفِصَالِهِ وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وُجُوبَ الْغُرَّةِ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحَقُّقُ وُجُودِهِ ، وَوُجُوبُ الْقَوَدِ إذَا حَزَّ جَانٍ رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ إذَا مَاتَ بَعْدَ صِيَاحِهِ ، وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ ضَعْفُ مَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ تَثْبُتُ وَتَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ بِانْفِصَالِ بَعْضِهِ فَإِنْ قِيلَ : لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ وَضَعْت إلَّا عِنْدَ انْفِصَالِ كُلِّهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَضْعَ يَصْدُقُ بِالْكُلِّ وَالْبَعْضِ ، ثُمَّ غَيَّا الْمُصَنِّفُ انْفِصَالَ كُلِّ الْحَمْلِ بِقَوْلِهِ ( حَتَّى ) انْفِصَالِ ( ثَانِيَ تَوْأَمَيْنِ ) تَثْنِيَةُ تَوْأَمٍ ، وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ فِي حَمْلٍ وَاحِدٍ ، فَلَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا ، بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ بَعْدَهُ قَبْلَ وَضْعِ الْبَاقِي لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ ، ثُمَّ بَيْنَ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا تَقْطَعُ الْوَلَدَ الثَّانِيَ عَنْ كَوْنِهِ تَوْأَمًا بِقَوْلِهِ ( وَمَتَى تَخَلَّلَ ) بَيْنَ وَضْعِهِمَا ( دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَوْأَمَانِ ) أَيْ يُسَمَّيَانِ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ ، فَالثَّانِي حَمْلٌ آخَرُ فَإِنْ قِيلَ : كَوْنُهُ حَمْلًا آخَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وَطْءٍ
بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَضْعِ الْأَوَّلِ سَقَطَ مِنْهَا مَا يَسَعُ الْوَطْءَ فَيَكُونُ الْبَاقِي دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِاسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ حَالَ وَضْعِ الْأَوَّلِ ، وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْوَطْءِ فِي قَوْلِهِمْ : تُعْتَبَرُ لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ أَوْ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ هُنَا ، بَلْ قَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ الْوَطْءُ حَالَةَ الْوَضْعِ ( وَتَنْقَضِي ) الْعِدَّةُ ( بِمَيِّتٍ ) أَيْ بِوَضْعِ وَلَدٍ مَيِّتٍ كَالْحَيِّ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ
لَا عَلَقَةٍ ، وَبِمُضْغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صُورَةٌ وَقُلْنَ : هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ انْقَضَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ ظَهَرَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ حَمْلٌ لِلزَّوْجِ اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ ، وَلَوْ ارْتَابَتْ فِيهَا لَمْ تَنْكِحْ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ ، أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ نِكَاحٍ اسْتَمَرَّ إلَّا أَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِهِ
فَائِدَةٌ : وَقَعَ فِي الْإِفْتَاءِ أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ مَاتَ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَتَعَذَّرَ نُزُولُهُ هَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ أَوْ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا دَامَ فِي بَطْنِهَا ؟ اخْتَلَفَتْ الْعَصْرِيُّونَ فِي ذَلِكَ ، وَالظَّاهِرُ الثَّالِثُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ( لَا ) بِوَضْعِ ( عَلَقَةٍ ) وَهِيَ مَنِيٌّ يَسْتَحِيلُ فِي الرَّحِمِ فَيَصِيرُ دَمًا غَلِيظًا ، فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهَا لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى حَمْلًا ، وَإِنَّمَا هِيَ دَمٌ ( وَ ) تَنْقَضِي ( بِمُضْغَةٍ ) وَهِيَ الْعَلَقَةُ الْمُسْتَحِيلَةُ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ كَقَدْرِ مَا يُمْضَغُ ( فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ ) عَلَى غَيْرِ الْقَوَابِلِ ( أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ ) لِظُهُورِهَا عِنْدَهُنَّ كَمَا لَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً عِنْدَ غَيْرِهِنَّ أَيْضًا بِظُهُورِ يَدٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ظُفُرٍ أَوْ غَيْرِهَا بِصَبِّ مَاءٍ حُلْوٍ أَوْ غَسْلِهِ فَظَهَرَتْ الصُّورَةُ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَبِمُضْغَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ كَمَا تَقَرَّرَ ، لَا عَلَى الْمَنْفِيِّ ، وَلِهَذَا أَعَادَ الْبَاءَ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) فِي الْمُضْغَةِ ( صُورَةٌ ) لَا ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ ( وَ ) لَكِنْ ( قُلْنَ : هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ ) وَلَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ ( انْقَضَتْ ) أَيْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِهَا ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) الْمَنْصُوصِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ النُّصُوصِ ، فَإِنَّهُ نَصَّ هُنَا عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهَا ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهَا الْغُرَّةُ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِيلَادُ ، فَقِيلَ : قَوْلَانِ فِي الْجَمِيعِ ، وَقِيلَ : بِتَقَرُّرِ النَّصَّيْنِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَتْ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فِي الْغُرَّةِ ، وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إنَّمَا
ثَبَتَتْ تَبَعًا لِلْوَلَدِ ، وَهَذَا لَا يُسَمَّى وَلَدًا ، وَلَوْ شَكَّتْ الْقَوَابِلُ فِي أَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ بِوَضْعِهَا قَطْعًا ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ بِيَمِينِهَا فِي أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ، سَوَاءٌ أَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِيهَا ، وَلِأَنَّهَا تُصَدَّقُ فِي أَصْلِ السِّقْطِ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ ( وَلَوْ ظَهَرَ فِي ) أَثْنَاءِ ( عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ ) أَثْنَاءِ عِدَّةِ ( أَشْهُرٍ ) أَوْ بَعْدَهُمَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ ( حَمْلٌ لِلزَّوْجِ ) مُتَعَلِّقٌ بِ " حَمْلٌ " لَا بِ " ظَهَرَ " ( اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ ) وَلَغَا مَا مَضَى مِنْ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ قَطْعًا بِخِلَافِهِمَا ( وَلَوْ ارْتَابَتْ ) أَيْ شَكَّتْ ( فِيهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا الْحَمْلُ بِأَمَارَاتٍ ، وَإِنَّمَا ارْتَابَتْ مِنْهُ بِثِقَلٍ وَحَرَكَةٍ تَجِدُهُمَا ( لَمْ تَنْكِحْ ) آخَرَ بَعْدَ تَمَامِهَا ( حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ ) بِمُرُورِ زَمَنٍ مَثَلًا تَزْعُمُ النِّسَاءُ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِيهِ ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ لَزِمَتْهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ، فَإِنْ نَكَحَتْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ ، وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْقِضَائِهَا فَإِنْ قِيلَ : الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ الْبُطْلَانُ ظَاهِرًا ، فَإِنْ بَانَ عَدَمُ الْحَمْلِ فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا .
أُجِيبَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْأَبْضَاعِ ، وَلِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ خُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ شَاهِدًا كَمَا مَرَّ ( أَوْ ) ارْتَابَتْ ( بَعْدَهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ ( وَبَعْدَ نِكَاحٍ ) لِآخَرَ ( اسْتَمَرَّ ) نِكَاحُهَا لِحُكْمِنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا وَتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي ( إلَّا أَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
مِنْ ) وَقْتِ ( عَقْدِهِ ) فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِهِ لِتَحَقُّقِ كَوْنِهَا حَامِلًا يَوْمَ الْعَقْدِ وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي ، وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لِلثَّانِي نَاجِزٌ فَهُوَ أَقْوَى ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ قَدْ صَحَّ ظَاهِرًا ، فَلَوْ أَلْحَقْنَا الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ لَبَطَلَ النِّكَاحُ لِوُقُوعِهِ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ بِالِاحْتِمَالِ
أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ نِكَاحٍ فَلْتَصْبِرْ لِتَزُولَ الرِّيبَةُ ، فَإِنْ نَكَحَتْ فَالْمَذْهَبُ عَدَمُ إبْطَالِهِ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيه أَبْطَلْنَاهُ ، وَلَوْ أَبَانَهَا فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ لَحِقَهُ ، أَوْ لِأَكْثَرَ فَلَا .
تَنْبِيهٌ : وَطْءُ الشُّبْهَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَالنِّكَاحِ الثَّانِي ، فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ لَحِقَ بِالْوَاطِئِ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ عَنْهُ ظَاهِرًا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ( أَوْ ) ارْتَابَتْ ( بَعْدَهَا ) أَيْ الْعِدَّةِ ( قَبْلَ نِكَاحٍ ) بِآخَرَ ( فَلْتَصْبِرْ ) عَنْ النِّكَاحِ ( لِتَزُولَ الرِّيبَةُ ) لِلِاحْتِيَاطِ وَفِي الْخَبَرِ : { دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ } .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الصَّبْرَ وَاجِبٌ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُوَيْنِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ ، فَالْأُولَى وَهِيَ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِهَا ، وَفِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ وَيُكْرَهُ نِكَاحُ الْمُرْتَابَةِ ( فَإِنْ نَكَحَتْ ) آخَرَ قَبْلَ زَوَالِهَا ( فَالْمَذْهَبُ ) الْمَنْصُوصُ ( عَدَمُ إبْطَالِهِ ) أَيْ النِّكَاحِ ( فِي الْحَالِ ) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ ، بَلْ يُوقَفُ ( فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيهِ ) أَيْ الْبُطْلَانِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ ( أَبْطَلْنَاهُ ) أَيْ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا كَوَقْفِ الْعَقْدِ فِي الْقَدِيمِ فَإِنَّ ذَاكَ وَقْفٌ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ ، وَهَهُنَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ لِمَعْنًى يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي إبْطَالِهِ قَوْلَانِ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْتِفَاءِ الْمَانِعِ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ ، لَمْ نُبْطِلْهُ ، وَلَحِقَ الْوَلَدُ بِالثَّانِي .
تَنْبِيهٌ : هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ ، بَلْ لَوْ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ زَوَالِ الرِّيبَةِ وُقِفَتْ الرَّجْعَةُ ، فَإِنْ بَانَ حَمْلٌ بَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ نُصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ : لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ ، وَإِنْ جَرَى فِي النِّكَاحِ قَوْلَانِ ( وَلَوْ أَبَانَهَا ) بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْفِ حَمْلَهَا ثُمَّ
اعْتَدَّتْ ( فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ ) فَأَقَلَّ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ ( لَحِقَهُ ) الْوَلَدُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ ، دَلِيلُهُ الِاسْتِقْرَاءُ ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً تَحْمِلُ كُلَّ بَطْنٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقِيلَ : إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ ثَلَاثَ سِنِينَ ، وَفِي صِحَّتِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَهَذَا مُشْكِلٌ مَعَ كَثْرَةِ الْفَسَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلَ كَمَا سَيَأْتِي ( أَوْ ) وَلَدَتْ ( لِأَكْثَرَ ) مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ( فَلَا ) يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ اللِّعَانِ .
تَنْبِيهٌ : مَا تَقَرَّرَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ فِي هَذِهِ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ ، لَا مِنْ الْإِبَانَةِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ حَيْثُ قَالَا : فِيمَا أَطْلَقُوهُ تَسَاهُلٌ ، وَالْقَوِيمُ مَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ التَّمِيمِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَيْهِمْ بِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَمَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ فِيهِ تَسَاهُلٌ أَيْضًا ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَقَعُ مَعَ الْإِنْزَالِ بِالتَّنْجِيزِ اتِّفَاقًا أَوْ بِالتَّعْلِيقِ ، فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
يَصِحُّ مَا قَالُوهُ دُونَ مَا ذَكَرُوهُ ، فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ لِمَا قَالُوهُ مَحْمَلًا صَحِيحًا وَكَذَا لِمَا قَالَهُ ، وَهُوَ مَا عَدَا مَا فَرَضْنَاهُ فَلْيُنَزَّلْ كُلٌّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ الْمُطْلَقَتَيْنِ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ .
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِأَنَّهُ قَوِيمٌ أَيْ أَوْضَحُ مِمَّا قَالُوهُ ، وَإِلَّا فَمَا قَالُوهُ صَحِيحٌ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ : لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِالْأَرْبَعِ فِيهَا الْأَرْبَعَ مَعَ زَمَنِ وَطْءِ الْوَضْعِ الَّتِي هِيَ مُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ ، بَلْ مُرَادُهُمْ الْأَرْبَعُ بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا يُورَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَظِيرِهَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالطَّلَاقِ ا هـ وَكُلٌّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ حَسَنٌ
وَلَوْ طَلَّقَ رَجْعِيًّا حُسِبَتْ الْمُدَّةُ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ انْصِرَامِ الْعِدَّةِ
( وَلَوْ طَلَّقَ ) زَوْجَتَهُ ( رَجْعِيًّا ) فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ كَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ لَحِقَهُ ، أَوْ لِأَكْثَرَ فَلَا كَالْبَائِنِ ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُ الْبَائِنَ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَ ( حُسِبَتْ الْمُدَّةُ ) وَهِيَ السِّنِينَ الْأَرْبَعُ ( مِنْ الطَّلَاقِ ) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ كَالْبَائِنِ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فَكَذَا فِي أَمْرِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ نَتِيجَتُهُ ( وَ ) حُسِبَتْ ( فِي قَوْلٍ مِنْ انْصِرَامِ ) أَيْ فَرَاغِ ( الْعِدَّةِ ) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالْمَنْكُوحَةِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ مِنْ لُحُوقِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالْإِرْثِ فَكَذَا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ .
تَنْبِيهٌ : عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِدُونِ مَا تَقَرَّرَ بَعِيدَةٌ عَنْ الْمُرَادِ ، وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَحَيْثُ حُكِمَ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ فَالْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةٌ إلَى الْوَضْعِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً ، وَعَلَيْهِ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ