كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
أَسْبَاعٍ ، فَإِنْ أَخَذَهُمَا السَّاعِي مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا ، وَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعٍ ، وَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ ، وَالْمُسِنَّةَ مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ ، وَإِنْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّبِيعَ مِنْ الْآخَرِ ، فَالْمَنْصُوصُ أَنْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ إلَّا مَا عَلَيْهِ ، وَقِيلَ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ .
وَالْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ وَالْجَرِينُ وَالدُّكَّانُ وَالْحَارِسُ وَمَكَانُ الْحِفْظِ وَنَحْوُهَا .
( وَالْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ ) بِاشْتِرَاكٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ } ؛ وَلِأَنَّ الْمُقْتَضَى لِتَأْثِيرِ الْخُلْطَةِ فِي الْمَاشِيَةِ هُوَ خِفَّةُ الْمُؤْنَةِ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا لِلِاتِّفَاقِ بِاتِّحَادِ الْجَرِينِ وَالنَّاطُورِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ : لَا تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ فِيهَا أَوْقَاصٌ ، فَالْخُلْطَةُ فِيهَا تَنْفَعُ الْمَالِكَ تَارَةً وَالْمُسْتَحَقِّينَ أُخْرَى ، وَلَا وَقْصَ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي ، وَالثَّالِثُ تُؤَثِّرُ فِي خُلْطَةِ الِاشْتِرَاكِ فَقَطْ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْجِوَارِ فِي الْمُزَارَعَةِ ( بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ ) وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ الْمُعْجَمَةِ : حَافِظُ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ ( وَالْجَرِينُ ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ : مَوْضِع تَجْفِيفِ الثِّمَارِ ، وَالْبَيْدَرُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ : مَوْضِعُ تَصْفِيَةِ الْحِنْطَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ : الْجَرِينُ لِلزَّبِيبِ ، وَالْبَيْدَرُ لِلْحِنْطَةِ ، وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ لِلتَّمْرِ ( وَ ) فِي التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ ( الدُّكَّانُ ) وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْحَانُوتُ ( وَالْحَارِسُ ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ ( وَمَكَانُ الْحِفْظِ ) كَخِزَانَةٍ وَإِنْ كَانَ مَالُ كُلٍّ بِزَاوِيَةٍ ( وَنَحْوِهَا ) كَالْمِيزَانِ وَالْوَزَّانِ وَالنَّقَّادِ وَالْمُنَادِي وَالْحِرَاثِ وَجُذَاذِ النَّخْلِ وَالْكَيَّالِ وَالْجَمَّالِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَالْمُلَقِّحِ وَالْحَصَّادِ وَمَا يُسْقَى بِهِ لَهُمَا ، فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَخِيلٌ أَوْ زَرْعٌ مُجَاوِرٌ لِنَخِيلِ الْآخَرِ أَوْ لِزَرْعِهِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسٌ فِيهِ نَقْدٌ فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ وَأَمْتِعَةُ تِجَارَةٍ فِي مَخْزَنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَتْ الْخُلْطَةُ ؛
لِأَنَّ الْمَالَيْنِ يَصِيرَانِ بِذَلِكَ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فِي الْمَاشِيَةِ .
وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ شَرْطَانِ : مُضِيُّ الْحَوْلِ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ مَا نُتِجَ مِنْ نِصَابٍ يُزَكَّى بِحَوْلِهِ ، وَلَا يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْحَوْلِ ، فَلَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ صُدِّقَ .
فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ ، لَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ فَعَادَ أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ اسْتَأْنَفَ ، وَكَوْنُهَا سَائِمَةً ، فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا .
( وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ ) أَيْ الزَّكَاةِ فِيهَا ( شَرْطَانِ ) مُضَافَانِ لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِمَا نِصَابًا مِنْ النَّعَمِ ، وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَمَالِ الْمِلْكِ وَإِسْلَامِ الْمَالِكِ وَحُرِّيَّتِهِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ النَّعَمِ ؛ لِأَنَّ النَّعَمَ هُوَ الْأَخَصُّ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ ، الشَّرْطُ الثَّالِثُ ( مُضِيُّ الْحَوْلِ ) سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ : أَيْ ذَهَبَ وَأَتَى غَيْرُهُ ( فِي مِلْكِهِ ) لِحَدِيثِ { لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ( لَكِنْ مَا نُتِجَ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( مِنْ نِصَابٍ ) وَتَمَّ انْفِصَالُهُ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ النِّصَابِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ( يُزَكَّى بِحَوْلِهِ ) أَيْ النِّصَابُ .
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ النِّصَابِ بِالسَّبَبِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ النِّصَابَ إنْ اقْتَضَى الْحَالُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ لِقَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِسَاعِيهِ : اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ .
بِالسَّخْلَةِ ، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً .
رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ الْحَاصِلِ ، وَالنِّتَاجُ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا سَخْلَةً قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَالْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا بَاقِيَةٌ لَزِمَهُ شَاتَانِ ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَ مِنْهَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ مَاتَتْ كُلُّهَا وَبَقِيَ النِّتَاجُ نِصَابًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ مَا يَكْمُلُ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى زَكَّى بِحَوْلِ الْأَصْلِ .
أَمَّا لَوْ انْفَصَلَ النِّتَاجُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَهُ كَجَنِينٍ خَرَجَ
بَعْضُهُ فِي الْحَوْلِ وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ حَوْلُ النِّصَابِ حَوْلَهُ لِانْقِضَاءِ حَوْلِ أَصْلِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِهِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : نُتِجَ عَنْ الْمُسْتَفَادِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَبِقَوْلِهِ : مِنْ نِصَابٍ عَمَّا نُتِجَ مِنْ دُونِهِ كَعِشْرِينَ شَاةً فَتَجِبُ عِشْرُونَ وَفُحُولُهَا مِنْ حِينِ تَمَامِ النِّصَابِ ، وَبِقَوْلِنَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا إلَخْ عَمَّا لَوْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ لِشَخْصٍ لَمْ يَضُمَّ النِّتَاجَ لِحَوْلِ الْوَارِثِ ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ بِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِمَالِكِ الْأُمَّهَاتِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ حَصَلَ النِّتَاجُ لَمْ يُزَكَّ بِحَوْلِ الْأَصْلِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَوْلَى وَأَقَرَّهُ ، وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمَّهَاتِ بِأَنْ حَمَلَتْ الضَّأْنُ بِمَعْزٍ وَبِالْعَكْسِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْمِيلِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ .
فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ السَّوْمُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ فَكَيْفَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي النِّتَاجِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ خَاصٌّ بِغَيْرِ النِّتَاجِ التَّابِعِ لِأُمِّهِ فِي الْحَوْلِ وَلَوْ سَلِمَ عُمُومُهُ لَهُ ، فَاللَّبَنُ كَالْكَلَأِ ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَلَأِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي تَشْرَبُهُ مِنْهُ السَّخْلَةُ لَا يُعَدُّ مُؤْنَةً فِي الْعُرْفِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَخْلَفُ إذَا حُلِبَ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَاءِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ وَإِنْ عُدَّ شُرْبُهُ مُؤْنَةً إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ فِي سَقْيِ السَّخْلَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْلِبَ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ
الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْوُضُوءِ ، فَكَذَا لَبَنُ الشَّاةِ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى السَّخْلَةِ فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ : وَفَائِدَةُ الضَّمِّ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا بَلَغَتْ بِالنِّتَاجِ نِصَابًا آخَرَ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةً شَاةٍ فَنَتَجَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ شَاتَانِ ، فَلَوْ نَتَجَتْ عَشْرَةً فَقَطْ لَمْ يَفْدِ ا هـ .
وَاعْتُرِضَ بِظُهُورِ فَائِدَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابًا آخَرَ عِنْدَ التَّلَفِ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ فَوَلَدَتْ عِشْرِينَ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْأُمَّهَاتِ عِشْرُونَ ( وَلَا يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ إلَى مَا عِنْدَهُ ( فِي الْحَوْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ ، خَرَجَ النِّتَاجُ لِمَا مَرَّ ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَثْرَةِ فِيهِ بَلَغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ ، فَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرًا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوَّلَ رَجَبٍ ، فَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ ، وَعِنْدَ تَمَامِ كُلِّ حَوْلٍ لِلْعَشْرِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ ( فَلَوْ ادَّعَى ) الْمَالِكُ ( النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ ) أَوْ أَنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِنَحْوِ شِرَاءٍ وَادَّعَى السَّاعِي خِلَافَهُ وَاحْتُمِلَ مَا يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا ( صُدِّقَ ) الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ وَالْأَصْلُ مَعَهُ ( فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ ) اسْتِحْبَابًا احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ ، فَإِنْ نَكَلَ تُرِكَ ، وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ السَّاعِي ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا الْمُسْتَحِقِّينَ ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ .
الشَّرْطُ الرَّابِع : بَقَاءُ الْمِلْكِ فِي
الْمَاشِيَةِ جَمِيعَ الْحَوْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( لَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ ) عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَعَادَ ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ ) مُبَادَلَةً صَحِيحَةً لَا لِلتِّجَارَةِ بِغَيْرِ الصَّرْفِ كَإِبِلٍ بِإِبِلٍ ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ : كَإِبِلٍ بِبَقَرٍ ( اسْتَأْنَفَ ) الْحَوْلَ لِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَهُ فَصَارَ مِلْكًا جَدِيدًا فَلَا بُدَّ مِنْ حَوْلٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ وَبِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاسْتِئْنَافُ عِنْدَ طُولِ الزَّمَنِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ؛ لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنْ الْقُرْبَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَهَا وَلِلْفِرَارِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَفْهَمُهُ كَلَامُهُمْ .
فَإِنْ قِيلَ : يُشْكِلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَقَصْدُ الْفِرَارِ بِمَا إذَا اتَّخَذَ ضَبَّةً صَغِيرَةً لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّبَّةَ فِيهَا اتِّخَاذٌ ، فَقَوِيَ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْفِرَارِ ، فَلَوْ عَاوَضَ غَيْرَهُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا بِتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا زَكَّى الدِّينَارَ لِحَوْلِهِ ، وَالتِّسْعَةَ عَشَرَ لِحَوْلِهَا .
وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ : يَحْرُمُ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَزَادَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ فِي الْبَاطِنِ ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَفْعَلُهُ .
ثُمَّ قَالَ : وَالْعِلْمُ عِلْمَانِ : ضَارٌّ وَنَافِعٌ .
قَالَ : وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الضَّارِّ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : يَكُونُ آثِمًا بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ .
أَمَّا الْمُبَادَلَةُ الْفَاسِدَةُ فَلَا تَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ ، وَيَتَنَاوَلُ كَلَامُهُ مَا إذَا بَاعَ النَّقْدَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِلتِّجَارَةِ : كَالصَّيَارِفَةِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَأْنِفُونَ الْحَوْلَ كُلَّمَا بَادَلُوا ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ
سُرَيْجٍ : بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الرَّدِّ ، فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْحَالِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ ، فَهُوَ عَيْبٌ ، حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَتَأْخِيرُ الرَّدِّ بِإِخْرَاجِهَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا .
فَإِنْ سَارَعَ إلَى إخْرَاجِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهَا نُظِرَ .
فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَاجِبَهُ لَمْ يَرُدَّ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَهُ الْأَرْشُ ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ رُدَّ ، إذْ لَا شَرِكَةَ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالٍ آخَرَ : أَيْ إذَا بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ .
أَمَّا إذَا بَاعَ فِضَّةً بِذَهَبٍ أَوْ عَكْسُهُ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ فِيهِ الزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى بَيْعِهِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ ، أَوْ مَوْقُوفًا بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ، فَإِنْ فُسِخَ اسْتَأْنَفَ الْبَائِعُ الْحَوْلَ ، وَإِنْ أَجَازَ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَحَوْلُهُ مِنْ الْعَقْدِ ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ اسْتَأْنَفَ الْوَارِثُ حَوْلَهُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ ، وَمِلْكُ الْمُرْتَدِّ وَزَكَاتُهُ وَحَوْلُهُ مَوْقُوفَاتٌ ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَ فِي مِلْكِهِ وَحَوْلِهِ وَوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ ، وَإِلَّا فَلَا ( وَ ) الشَّرْطُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ : ( كَوْنُهَا سَائِمَةً ) أَيْ رَاعِيَةً ، فَفِي خَبَرِ أَنَسٍ " وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إلَخْ " دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ ،
وَقِيسَ بِهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ ، وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { فِي كُلِّ سَائِمَةِ إبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ } .
وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَاخْتَصَّتْ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ ( فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ ) لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَوْ مُفَرَّقًا ( فَلَا زَكَاةَ ) فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَحْكَامِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ عُلِفَتْ دُونَ الْمُعْظَمِ ( فَالْأَصَحُّ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ ) زَكَاتُهَا لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِدُونِهِ أَوْ تَعِيشُ وَلَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ ( فَلَا ) تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ لِظُهُورِ الْمُؤْنَةِ ، وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ الْيَوْمَيْنِ وَلَا تَصْبِرُ الثَّلَاثَةَ غَالِبًا .
وَالثَّانِي إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا بَعْدَ مُؤْنَةٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى رِفْقِ الْمَاشِيَةِ فَلَا زَكَاةَ ، وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَجَبَتْ ، وَفَسَّرَ الرِّفْقَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا ، وَلَوْ أُسِيمَتْ فِي كَلَأٍ مَمْلُوكٍ ، فَهَلْ هِيَ سَائِمَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَأَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ أَنَّهَا سَائِمَةٌ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْكَلَأِ غَالِبًا تَافِهَةٌ وَلَا كُلْفَةَ فِيهِ لِعَدَمِ جَزِّهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا مَعْلُوفَةٌ لِوُجُودِ الْمُؤْنَةِ ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهَا سَائِمَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَأِ قِيمَةٌ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَسِيرَةً لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا وَإِلَّا فَمَعْلُوفَةٌ ، أَمَّا إذَا جَزَّهُ وَأَطْعَمَهَا إيَّاهُ وَلَوْ فِي الْمَرْعَى فَلَيْسَتْ سَائِمَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي .
وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ ، أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ وَنَحْوِهِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ سَامَتْ ) الْمَاشِيَةُ ( بِنَفْسِهَا ) أَوْ بِالْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ إسَامَةِ الْمَالِكِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ دُونَ قَصْدِ الِاعْتِرَافِ ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَصْدُهُ ، وَالِاعْتِلَافُ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهَا ( أَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ ) بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا الْغَاصِبُ الْقَدْرَ الْمُؤَثِّرَ مِنْ الْعَلَفِ فِيهِمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ السَّوْمِ ، وَكَالْغَاصِبِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا ( أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ ) لِلْمَالِكِ أَوْ بِأُجْرَةٍ ( فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ ) وَهُوَ حَمْلُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ ( وَنَحْوِهِ ) كَحَمْلِ غَيْرِ الْمَاءِ ، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا ( فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَنَى لِلنَّمَاءِ بَلْ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ الْبَدَنِ وَمَتَاعِ الدَّارِ ، فَقَوْلُهُ : فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا الْقَدْرَ الَّذِي لَوْ عَلَفَهَا فِيهِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مُحَرَّمٍ وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحِلُّ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْحُرْمَةُ إلَّا مَا رُخِّصَ ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ الْمَاشِيَةُ فِي الْمُحَرَّمِ رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْفِعْلِ الْخَسِيسِ ، وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ الْحُلِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي أَصْلِهِ ، وَلَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْعَلَفِ .
وَلَوْ قَصَدَ بِالْعَلَفِ قَطْعَ السَّوْمِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَالْكَلَأُ الْمَغْصُوبُ كَالْمَمْلُوكِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِسَامَةُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ حَتَّى لَوْ غُصِبَتْ وَهِيَ مَعْلُوفَةٌ فَرَدَّهَا الْغَاصِبُ إلَى الْحَاكِمِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ فَأَسَامَهَا الْحَاكِمُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَمَا
قَالَهُ فِي الْبَحْرِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ إسَامَةَ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَإِسَامَةِ الرَّشِيدِ ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْحَظُّ لِلْمَحْجُورِ فِي تَرْكِهَا فَهَذَا مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ ا هـ .
وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ ، بَلْ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِسَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ سَائِمَةً وَدَامَتْ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِرْثِهَا إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُسِمْهَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا ا هـ .
وَهَذَا مَمْنُوعٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسَامَةِ الْوَارِثِ .
قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ : وَإِسَامَةُ الْمَالِكِ الْمَاشِيَةَ فَلَا تَجِبُ فِي سَائِمَةٍ وَرِثَهَا وَتَمَّ حَوْلُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ .
وَإِذَا وَرَدَتْ مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ .
( وَإِذَا وَرَدَتْ ) أَيْ الْمَاشِيَةُ ( مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْمَالِكِ وَالسَّاعِي وَأَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ مِنْ الْمَرْعَى فَلَا يُكَلِّفُهُمْ السَّاعِي رَدَّهَا إلَى الْبَلَدِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمَرْعَى ، وَفِي الْحَدِيثِ { تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مِيَاهِهِمْ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ .
وَإِلَّا فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا .
وَلَوْ كَانَ لَهُ مَاشِيَتَانِ عِنْدَ مَاءَيْنِ أُمِرَ بِجَمْعِهِمَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَرِدْ الْمَاءَ بِأَنْ اسْتَغْنَتْ عَنْهُ فِي زَمَنِ الرَّبِيعِ بِالْكَلَأِ ( فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا ) وَأَفْنِيَتِهِمْ ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَأَفْنِيَتِهِمْ } وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْحَالَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ .
وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً ، وَإِلَّا فَتُعَدُّ عِنْدَ مَضِيقٍ .
( وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ ) وَأَوْلَى مِنْهُ الْمُخْرِجُ لِيَشْمَلَ الْوَلِيَّ وَالْوَكِيلَ ( فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ، وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعُدَّهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً أَوْ قَالَ : لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا ( فَتُعَدُّ ) وَالْأَسْهَلُ عَدُّهَا ( عِنْدَ مَضِيقٍ ) تَمُرُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ فَتَمُرُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَبِيَدِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالسَّاعِي أَوْ نَائِبِهِمَا قَضِيبٌ يُشِيرَانِ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ يُصِيبَانِ بِهِ ظَهْرَهَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَدَدِ وَكَانَ الْوَاجِبُ يَخْتَلِفُ بِهِ أَعَادَا الْعَدَّ .
فَائِدَةٌ : إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مُسْتَوْحِشَةً وَكَانَ فِي أَخْذِهَا وَإِمْسَاكِهَا مَشَقَّةٌ كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمَهُ إلَى السَّاعِي ، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ إمْسَاكُهَا إلَّا بِعِقَالٍ كَانَ عَلَى الْمَالِكِ ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا حَمَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا " ؛ لِأَنَّ الْعِقَالَ هُنَا مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ .
خَاتِمَةٌ : يُسَنُّ لِلسَّاعِي إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَالِكِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ ، فَيَقُولُ : آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الدُّعَاءَ وَاجِبٌ ، وَقِيلَ : إنْ سَأَلَهُ الْمَالِكُ وَجَبَ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ، وَقِيلَ : خِلَافُ الْأَوْلَى ، وَقِيلَ : يُحَرَّمُ ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَالسَّلَامُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْمُخَاطَبَةَ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَيُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ أَعْطَى زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ نَحْوَهَا : أَيْ مِنْ إلْقَاءِ دَرْسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ أَوْ أَتَى بِوِرْدٍ أَنْ يَقُولَ : رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ ، وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ : الرُّطَبُ : وَالْعِنَبُ ، وَمِنْ الْحَبِّ : الْحِنْطَةُ ، وَالشَّعِيرُ ، وَالْأَرُزُّ ، وَالْعَدَسُ ، وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا .
( بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ ) النَّبَاتُ يَكُونُ مَصْدَرًا تَقُولُ نَبَتَ الشَّيْءُ نَبَاتًا ، وَاسْمًا بِمَعْنَى النَّابِتِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا .
وَيَنْقَسِمُ إلَى شَجَرٍ وَهُوَ مَا لَهُ سَاقٌ وَنَجْمٍ وَهُوَ مَا لَا سَاقَ لَهُ كَالزَّرْعِ .
قَالَ تَعَالَى : { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي النَّوْعَيْنِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّبَاتِ لِشُمُولِهِ لَهُمَا ، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ : إنَّ اسْتِعْمَالَ النَّبَاتِ فِي الثِّمَارِ غَيْرُ مَأْلُوفٍ .
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَقَوْلُهُ : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ } وَهُوَ الزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرَهَا ( تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ ) ؛ لِأَنَّ الِاقْتِيَاتَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الشَّارِعُ مِنْهُ شَيْئًا لِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ ، بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ تَنَعُّمًا أَوْ تَأَدُّمًا كَالتِّينِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ .
وَالْقُوتُ أَشْرَفُ النَّبَاتِ ، وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ بَدَنُ الْإِنْسَانِ مِنْ الطَّعَامِ ، قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبَقَاءِ نَفْعِهِ فِي الْمَعِدَةِ ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُقِيتُ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي أَقْوَاتَ الْخَلَائِقِ ، وَدَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رِزْقَ آلِهِ قُوتًا : أَيْ بِقَدْرِ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ مِنْ الطَّعَامِ .
وَقَالَ : { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } ( 1 ) : أَيْ مَنْ يَلْزَمُهُ قُوتُهُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ عِيَالِهِ .
وَقَالَ { قَوِّتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ } ، سَأَلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ فَقَالَ : صِغَرُ الْأَرْغِفَةِ ( وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ ) بِالْإِجْمَاعِ ( وَمِنْ الْحَبِّ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ ) بِفَتْحِ الشِّينِ ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا ( وَالْأَرُزُّ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ فِي أَشْهَرِ اللُّغَاتِ ( وَالْعَدَسِ ) بِفَتْحِ
الدَّالِ ، وَمِثْلُهُ الْبِسِلَّاءُ ( وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا ) كَالْحِمِّصِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْبَاقِلَاءُ ، وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ ، وَتُكْتَبُ بِالْيَاءِ ، وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ الْمَدِّ وَتُكْتَبُ بِالْأَلِفِ ، وَقَدْ تُقْصَرُ : الْفُولُ وَالذُّرَةُ ، وَهِيَ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ ، وَالْهُرْطُمَانُ ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ ، وَالْمَاشُ : وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنْهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي بَعْضِهِ فِي الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ { لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ : الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ } فَالْحَصْرُ فِيهِ إضَافِيٌّ : أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمْ ، لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالسَّيْلُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ } ( 1 ) وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ { فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَضْبُ فَعَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَالْقَضْبُ بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ : الرَّطْبُ بِسُكُونِ الطَّاءِ ، وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ : كَخُوخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَلَوْزٍ وَجَوْزِ هِنْدٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ ، وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ اضْطِرَارًا مِنْ حُبُوبِ الْبَوَادِي كَحَبِّ الْحَنْظَلِ وَحَبِّ الْغَسُولِ وَهُوَ أُشْنَانٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي الْوَحْشِيَّاتِ مِنْ الظِّبَاءِ وَنَحْوِهَا وَأَبْدَلَ التَّنْبِيهُ قَيَّدَ الِاخْتِيَارَ بِمَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ ؛ لِأَنَّ مَا
يَسْتَنْبِتُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبًّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَنَبَتَ بِأَرْضِنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالنَّخْلِ الْمُبَاحِ بِالصَّحْرَاءِ ، وَكَذَا ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةُ الْقَرْيَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ : إذْ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ .
وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ كَانَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ تَمَّمَهُ .
وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ ، وَالزَّعْفَرَانِ ، وَالْوَرْسِ ، وَالْقُرْطُمِ ، وَالْعَسَلِ .
( وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : " فِي الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ " ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ فِي الْقَدِيمِ ، فَلِذَلِكَ أَوْجَبَهُ لَكِنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ ( وَ ) فِي ( الزَّعْفَرَانِ ، وَ ) فِي ( الْوَرْسِ ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ ، رُوِيَ فِي الزَّعْفَرَانِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ ، وَأُلْحِقَ الْوَرْسُ بِهِ : وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ وَهُوَ كَثِيرٌ بِالْيَمَنِ ( وَ ) فِي ( الْقُرْطُمِ ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَضَمِّهِمَا حَبُّ الْعُصْفُرُ ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْهُ ( وَ ) فِي ( الْعَسَلِ ) سَوَاءٌ كَانَ نَحْلُهُ مَمْلُوكًا أَمْ أُخِذَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمُبَاحَةِ .
لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ .
لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ : لَمْ يَصِحَّ فِي زَكَاتِهِ شَيْءٌ .
فَائِدَةٌ : لُعَابُ عَسَلِ النَّحْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُجْمَعُ إذَا أَرَدْتَ أَنْوَاعَهُ عَلَى أَعْسَالٍ وَعُسُلٍ وَعُسُولٍ وَعُسْلَانٍ .
وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحَافِظُ الْأَمِينُ .
قَالَ تَعَالَى : { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ وَيَصْطَفِيه ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنْ الْبَلَاءِ } وَفِيهِ أَيْضًا { عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ } فَجَمَعَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالطِّبِّ الْإِلَهِيِّ ، وَبَيْنَ طِبِّ الْأَجْسَادِ وَطِبِّ الْأَنْفُسِ ، وَبَيْنَ السَّبَبِ الْأَرْضِيِّ وَالسَّبَبِ السَّمَاوِيِّ ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ، فَعَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ .
وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ ، وَهِيَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٌ ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ ، قُلْتُ : الْأَصَحُّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ، وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَنِصَابُهُ ) أَيْ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ( خَمْسَةُ أَوْسُقٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَالْوَسْقُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ ، سَمَّى بِهِ هَذَا الْمِقْدَارَ لِأَجْلِ مَا جَمَعَهُ مِنْ الصِّيعَانِ .
قَالَ تَعَالَى : { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } أَيْ جَمَعَ ( وَهِيَ ) أَيْ الْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ ( أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَمَجْمُوعُ الْخَمْسَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ ، فَيَكُونُ النِّصَابُ أَلْفَ مُدٍّ وَمِائَتَيْ مُدٍّ ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلَ وَقُدِّرَتْ بِالْبَغْدَادِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الرِّطْلُ الشَّرْعِيُّ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ ( وَبِالدِّمَشْقِيِّ ) وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ ( ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةُ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ ) ؛ لِأَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ : أَنَّ الرِّطْلَ الْبَغْدَادِيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ الْمُدُّ مِائَةً وَثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ ، وَالصَّاعُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ فَاضْرِبْ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثًا وَتِسْعِينَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ آلَافٍ ، وَاجْعَلْ كُلَّ سِتِّمِائَةِ رِطْلٍ يَتَحَصَّلْ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ ( قُلْتُ : الْأَصَحُّ ) أَنَّهَا بِالدِّمَشْقِيِّ ( ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ) أَيْ فَإِذَا ضُرِبَ ذَلِكَ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَقُسِمَ عَلَى الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ بَلَغَ ذَلِكَ وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ الرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ تِسْعُونَ مِثْقَالًا ، وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ
وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فَيُضْرَبُ بَسْطُ الْكَسْرِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي عَدَدِ تَكَرُّرِهِ وَهُوَ تِسْعُونَ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَسَبْعِينَ يُقْسَمُ عَلَى مَخْرَجِهِ ، وَهُوَ سَبْعَةٌ يَخْرُجُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ يُجْمَعُ مَعَ الدَّرَاهِمِ يَخْرُجْ مَا قَالَهُ ( وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ ، وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بَيَانُهُ أَنْ تَضْرِبَ مَا سَقَطَ مِنْ كُلِّ رِطْلٍ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ تُسْقِطُ ذَلِكَ مِنْ مَبْلَغِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ، فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِالْقِسْمَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ مِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَا دِرْهَمٍ ، فَمِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَسُبْعَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ سِتَّةٍ أَسْبَاعِ رِطْلٍ ؛ لِأَنَّ سُبْعَهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعٍ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إلَى ضَبْطِ الْأَوْسُقِ بِالْأَرْطَالِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْبَغْدَادِيَّةِ وَلَا الدِّمَشْقِيَّةِ بَلْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ : وَهِيَ بِالْمَنِّ الصَّغِيرِ ثَمَانِمِائَةِ مَنٍّ ، وَبِالْكَبِيرِ الَّذِي وَزْنُهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَثُلُثَا مَنٍّ فَاخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَبَقَ ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ ، مُسَاوٍ لِلْمَنِّ الْكَبِيرِ ، وَالْمَنُّ الصَّغِيرُ رِطْلَانِ بِالْبَغْدَادِيِّ وَالنِّصَابُ الْمَذْكُورُ تَحْدِيدٌ كَمَا صَحَّحَاهُ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ ، وَكَمَا فِي نِصَابِ الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا ، وَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْكَيْلِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا أَوْ إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي
الْوَزْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ الْوَسَطُ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْخَفِيفِ وَالرَّزِينِ فَكَيْلُهُ بِالْإِرْدَبِّ الْمِصْرِيِّ قَالَ الْقَمُولِيُّ : سِتَّةُ أَرَادِبَ وَرُبْعُ إرْدَبٍّ يَجْعَلُ الْقَدَحَيْنِ صَاعًا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : خَمْسَةُ أَرَادِبَ وَنِصْفُ إرْدَبٍّ وَثُلُثٌ فَقَدْ اعْتَبَرْتُ الْقَدَحَ الْمِصْرِيَّ بِالْمُدِّ الَّذِي حَرَّرْتُهُ فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدَحَانِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَيْبَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ فَثَلَاثُونَ صَاعًا ثَلَاثُ وَيْبَاتٍ وَنِصْفٌ فَثُلْثُمِائَةِ صَاعٍ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَيْبَةً ، وَهِيَ خَمْسَةُ أَرَادِبَّ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ ، فَالنِّصَابُ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَدَحًا ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَمُولِيِّ سِتُّمِائَةٍ ، وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ أَوْجَهُ ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : إنَّ قَوْلَ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ قَدَحَانِ تَقْرِيبًا .
وَيُعْتَبَرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إنْ تَتَمَّرَ وَتَزَبَّبَ ، وَإِلَّا فَرُطَبًا وَعِنَبًا .
( وَيُعْتَبَرُ ) فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ ( تَمْرًا ) بِالْمُثَنَّاةِ ( أَوْ زَبِيبًا ) هَذَا ( إنْ تَتَمَّرَ ) الرُّطَبُ ( وَتَزَبَّبَ ) الْعِنَبُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَاعْتُبِرَ الْأَوْسُقُ مِنْ التَّمْرِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِلَّا لَمْ يَتَتَمَّرْ الرُّطَبُ وَلَمْ يَتَزَبَّبْ الْعِنَبُ ( فَرُطَبًا وَعِنَبًا ) أَيْ فَيُوسَقُ رُطَبًا وَعِنَبًا وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهِمَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ بِالْخَضْرَاوَاتِ ؛ لِأَنَّ جِنْسَهُ مِمَّا يَجِفُّ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ نَادِرٌ ، وَيُضَمُّ مَا لَا يَجِفُّ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجِفُّ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ، وَإِذَا كَانَ يَجِفُّ ، إلَّا أَنَّ جَافَّهُ يَكُونُ رَدِيئًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا يَجِفُّ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَوْ ضَرَّ مَا يَتَجَفَّفُ بِأَصْلِهِ لِامْتِصَاصِ مَائِهِ لِعَطَشٍ قُطِعَتْ .
وَأُخْرِجَ الْوَاجِبُ مِنْ رُطَبِهَا ، وَيَجِبُ اسْتِئْذَانُ الْعَامِلِ فِي قَطْعِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ .
فَإِنْ قَطَعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَثِمَ وَعُزِّرَ ، وَعَلَى السَّاعِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ، وَقِيلَ يُسَنُّ ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِقَطْعِ الْبَعْضِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا .
وَالْحَبِّ مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ فَعَشَرَةُ أَوْسُقٍ .
( وَ ) يُعْتَبَرُ فِي ( الْحَبِّ ) بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ ( مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ ( وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ ) وَلَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ ( كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ : نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( فَ ) نِصَابُهُ ( عَشَرَةُ أَوْسُقٍ ) اعْتِبَارًا بِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ أَوْ أَبْقَى بِالنِّصْفِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَصْفِيَتُهُ مِنْ قِشْرِهِ وَأَنَّ قِشْرَهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ .
فَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَحْصُلُ مِنْ دُونِ الْعَشَرَةِ اعْتَبَرْنَاهُ أَوَّلًا يَحْصُلُ مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ .
قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ : وَلَا تَدْخُلُ قِشْرَةُ الْبَاقِلَاءُ السُّفْلَى فِي الْحِسَابِ ؛ لِأَنَّهَا غَلِيظَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ .
وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْوَجْهُ تَرْجِيحُ الدُّخُولِ أَوْ الْجَزْمُ بِهِ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْصُوصُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ فِي الْعَلَسِ ، ثُمَّ قَالَ : فَأَمَّا الْبَاقِلَاءُ وَالْحِمَّصُ وَالشَّعِيرُ فَيُطْحَنُ فِي قِشْرِهِ وَيُؤْكَلُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اعْتَبَرْنَاهُ مَعَ قِشْرِهِ ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ النَّصِّ .
وَلَا أَثَرَ لِلْقِشْرَةِ الْحَمْرَاءِ اللَّاصِقَةِ بِالْأَرُزِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ غَيْرِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ ذُكِرَا مِثَالًا وَأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ غَيْرُهُمَا يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَيْسَ .
غَيْرُهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
وَلَا يُكَمَّلُ جِنْسٌ بِجِنْسٍ ، وَيُضَمُّ النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ ، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ ، فَإِنْ عَسُرَ أَخْرَجَ الْوَسَطَ ، وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا ، وَالسُّلْتُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ ، وَقِيلَ : شَعِيرٌ ، وَقِيلَ حِنْطَةٌ وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ إلَى آخَرَ ، وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ ، وَقِيلَ : إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جَذَاذِ الْأَوَّلِ لَمْ يُضَمَّ .
( وَلَا يُكَمَّلُ ) فِي النِّصَابِ ( جِنْسٌ بِجِنْسٍ ) أَمَّا التَّمْرُ مَعَ الزَّبِيبِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَأَمَّا الْحِنْطَةُ مَعَ الشَّعِيرِ وَالْعَدَسُ مَعَ الْحِمَّصِ فَبِالْقِيَاسِ ( وَيُضَمُّ ) فِيهِ ( النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ ) كَأَنْوَاعِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ وَإِنْ تَبَايَنَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا ( وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ ) مِنْ النَّوْعَيْنِ أَوْ الْأَنْوَاعِ ( بِقِسْطِهِ ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي .
فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَوْعًا مِنْهَا بِشَرْطِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالتَّوْزِيعِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُؤْخَذُ الْبَعْضُ مِنْ هَذَا وَالْبَعْضُ مِنْ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ ( فَإِنْ عَسُرَ ) لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَقِلَّةِ الْحَاصِلِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ( أَخْرَجَ الْوَسَطَ ) مِنْهَا لَا أَعْلَاهَا وَلَا أَدْنَاهَا رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ، وَقِيلَ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْغَالِبِ ، وَيَجْعَلُ غَيْرَهُ تَبَعًا لَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ لَوْ تَكَلَّفَ ، وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ( وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا ) وَهُوَ قُوتُ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ يَكُونُ فِي الْكِمَامِ حَبَّتَانِ وَثَلَاثٌ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ حِنْطَةٌ تُوجَدُ بِالشَّامِ ، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالشَّامِ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ بِزَمَنِهِ دُونَ زَمَنِ الرَّادِّ ( وَالسُّلْتُ ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ ( جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ ) فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ ( وَقِيلَ : شَعِيرٌ ) فَيُضَمُّ إلَيْهِ لِشَبَهِهِ بِهِ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ ( وَقِيلَ : حِنْطَةٌ ) فَيُضَمُّ إلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِهَا لَوْنًا أَوْ مَلَاسَةً .
وَالْأَوَّلُ قَالَ : اكْتَسَبَ مِنْ تَرَكُّبِ الشَّبَهَيْنِ طَبْعًا انْفَرَدَ بِهِ وَصَارَ أَصْلًا بِرَأْسِهِ ( وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ ( إلَى ) ثَمَرِ وَزَرْعِ عَامٍ ( آخَرَ ) وَلَوْ فُرِضَ اطِّلَاعُ ثَمَرِ
الْعَامِ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ ( وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ ) الْوَاحِدِ ( بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ ) لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَبِلَادِهِ حَرَارَةً أَوْ بُرُودَةً كَنَجْدٍ وَتِهَامَةَ فَتِهَامَةُ حَارَّةٌ يُسْرِعُ إدْرَاكُ الثَّمَرِ بِهَا بِخِلَافِ نَجْدٍ لِبَرْدِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً .
قَالَ شَيْخُنَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْعِبْرَةُ فِي الضَّمِّ هُنَا بِإِطْلَاعِهِمَا فِي عَامٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَطْعِ فَيُضَمُّ طَلْعُ نَخْلِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ طَلَعَ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ( وَقِيلَ : إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ وَإِعْجَامِهِمَا : أَيْ قَطْعِهِ ( لَمْ يُضَمَّ ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ ثَمَرَ عَامَيْنِ ، وَصَحَّحَ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَلَوْ اطَّلَعَ الثَّانِي قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ ضُمَّ إلَيْهِ جَزْمًا ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَثْمَرَ نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ فَلَا ضَمَّ بَلْ هُمَا كَثَمَرَةِ عَامَيْنِ ، وَالْأَصَحُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ وَقْتَ الْجِذَاذِ كَالْجِذَاذِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نَخْلَةٌ تِهَامِيَّةٌ تَحْمِلُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَنَجْدِيَّةٌ تُبْطِئُ بِحَمْلِهَا فَحَمَلَتْ النَّجْدِيَّةُ بَعْدَ جِذَاذِ حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ فِي الْعَامِ ضَمَّ ثَمَرَ النَّجْدِيَّةِ إلَى ثَمَرِ التِّهَامِيَّةِ ، فَإِنْ أَدْرَكَ حَمْلَ التِّهَامِيَّةِ الثَّانِي لَمْ يُضَمَّ إلَيْهَا ، وَلَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَيْهَا لَزِمَهُ ضَمُّهُ إلَى حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ .
وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ .
( وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ زِرَاعَتُهُمَا فِي الْفُصُولِ لِمَا مَرَّ ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الذُّرَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُزْرَعُ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَالصَّيْفِ ( وَالْأَظْهَرُ ) فِي الضَّمِّ ( اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ ) وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَنَةُ الزَّرْعِ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الزَّرْعَانِ فِي سَنَةٍ إذْ الْحَصَادُ هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَعِنْدَهُ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارَ بِوُقُوعِ الزَّرْعَيْنِ فِي سَنَةٍ ، وَإِنْ كَانَ حَصَادُ الثَّانِي خَارِجًا عَنْهَا ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْحَصَادَ فَرْعُهُ وَثَمَرَتُهُ ، وَحَكَيَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ أُخَرَ فَجُمْلَةُ ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .
وَالْأَوَّلُ عَزَّاهُ الشَّيْخَانِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، إنَّهُ نَقْلٌ بَاطِلٌ يَطُولُ الْقَوْلُ بِتَفْصِيلِهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ فَضْلًا عَنْ عَزْوِهِ إلَى الْأَكْثَرِينَ بَلْ ، رَجَّحَ كَثِيرُونَ اعْتِبَارَ وُقُوعَ الزَّرْعَيْنِ فِي عَامٍ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ النَّقِيبِ .
قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ : وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْلِ الشَّيْخَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ ا هـ .
وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَصَادِ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ ؟ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ : تَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَى الثَّانِي ، وَلَوْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ ثُمَّ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا .
وَالْآخَرُ بَقْلٌ لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ فِيهِ بِالضَّمِّ ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ .
.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ زَرْعُ عَامَ أَوْ عَامَيْنِ صُدِّقَ الْمَالِكُ فِي قَوْلِ عَامَيْنِ ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ .
.
وَالْمُسْتَخْلَفُ مِنْ أَصْلٍ كَذُرَةٍ سُنْبِلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي عَامٍ يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ كَمَا سَلَفَ ؛ لِأَنَّهُمَا يُرَادَانِ لِلتَّأْبِيدِ فَجَعَلَ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ بِخِلَافِ الذُّرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَلْحَقَ الْخَارِجَ مِنْهَا ثَانِيًا بِالْأَوَّلِ كَزَرْعٍ تَعَجَّلَ إدْرَاكَ بَعْضِهِ .
وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ ، أَوْ دُولَابٍ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ نِصْفُهُ .
( وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ ) أَوْ بِمَا انْصَبَّ إلَيْهِ مِنْ جَبَلٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ ( أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ ) وَهُوَ الْبَعْلُ ( مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ ، وَ ) وَاجِبُ ( مَا سُقِيَ ) مِنْهُمَا ( بِنَضْحٍ ) مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ بِحَيَوَانٍ وَيُسَمَّى الذَّكَرُ نَاضِحًا وَالْأُنْثَى نَاضِحَةً ، وَيُسَمَّى هَذَا الْحَيَوَانُ أَيْضًا سَانِيَةً سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَنُونٌ وَمُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ ( أَوْ دُولَابٍ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ ، وَهُوَ مَا يُدِيرُهُ الْحَيَوَانُ ، أَوْ دَالِيَةٍ وَهِيَ الْبَكَرَةُ ، أَوْ نَاعُورَةٍ وَهِيَ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ ( أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ ) أَوْ وُهِبَهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ أَوْ غَصَبَهُ لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ ( نِصْفُهُ ) أَيْ الْعُشْرُ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ .
وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ } وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد { إنَّ فِي الْبَعْلِ الْعُشْرَ } وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ كَثْرَةُ الْمَئُونَةِ وَخِفَّتُهَا كَمَا فِي الْمَعْلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ .
وَالْبَعْلُ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَالْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ : مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّيْلِ الْجَارِي إلَيْهِ فِي حُفْرَةٍ ، وَتُسَمَّى الْحُفْرَةُ عَاثُورَاءَ لِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا .
تَنْبِيهٌ : الْأَوْلَى فِي قِرَاءَةِ " مَا " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِمَا اشْتَرَاهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ لَا مَمْدُودَةٌ اسْمًا لِلْمَاءِ الْمَعْرُوفِ ، فَإِنَّهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَعُمُّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ بِخِلَافِ الْمَمْدُودَةِ ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ : وَتَعُمُّ عَلَى الْأَوَّلِ الْمَاءَ النَّجِسَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ .
وَالْقَنَوَاتُ كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ ، وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ .
( وَالْقَنَوَاتُ ) وَالسَّوَّاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ ( كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ ) فَفِي الْمَسْقِيِّ بِمَا يَجْرِي فِيهَا مِنْهُ الْعُشْرُ ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تَخْرُجُ لِعِمَارَةِ الْقَرْيَةِ ، وَالْأَنْهَارُ إنَّمَا تُحْفَرُ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ ، فَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ بِطَبْعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْيِ بِالنَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ لِلزَّرْعِ نَفْسِهِ .
وَالثَّانِي يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ لِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِيهَا ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ( وَ ) وَاجِبُ ( مَا سُقِيَ بِهِمَا ) أَيْ بِالنَّوْعَيْنِ كَالنَّضْحِ وَالْمَطَرِ ( سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ) أَيْ الْعُشْرِ عَمَلًا بِوَاجِبِ النَّوْعَيْنِ ( فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ ) فَإِنْ غَلَبَ الْمَطَرُ فَالْعُشْرُ أَوْ النَّضْحُ فَنِصْفُهُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْغَلَبَةِ ( وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأُمِّ ؛ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَثُلُثُهُ بِالدُّولَابِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ ثُلُثَا الْعُشْرِ لِلثُّلُثَيْنِ وَثُلُثُ نِصْفِ الْعُشْرِ لِلثُّلُثِ ، وَفِي عَكْسِهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ ، وَالْغَلَبَةُ وَالتَّقْسِيطُ ( بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ ) أَوْ الثَّمَرِ ( وَنَمَائِهِ ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ ) أَيْ النَّافِعَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ اعْتِبَارُ عَيْشِ الزَّرْعِ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَنَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ ، وَفِي شَهْرَيْنِ مِنْ زَمَنِ الصَّيْفِ إلَى ثَلَاثِ سَقَيَاتٍ فَسُقِيَ بِالنَّضْحِ ، فَإِنْ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقْيَاتِ فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ الْعُشْرِ ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّ عَدَدَ السَّقْيَاتِ بِالنَّضْحِ أَكْثَرُ ، وَإِنْ
اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ الْعُشْرُ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَطْوَلُ .
وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ أَوْ الثَّمَرُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ وَجُهِلَ مِقْدَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَجَبَ فِيهِ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ .
وَقِيلَ نِصْفُ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ وَجُهِلَ عَيْنُهُ فَالْوَاجِبُ يَنْقُصُ عَنْ الْعُشْرِ وَيَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ فَيُؤْخَذُ الْيَقِينُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ .
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَسَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السَّقْيِ بِمَاءَيْنِ أَنْشَأَ الزَّرْعَ عَلَى قَصْدِ السَّقْيِ بِهِمَا أَمْ أَنْشَأَهُ قَاصِدًا السَّقْيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ عَرَضَ السَّقْيُ بِالْآخَرِ .
وَقِيلَ فِي الْحَالِ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ حُكْمُ مَا قَصَدَهُ .
وَلَوْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ مَسْقِيٌّ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَآخَرُ مَسْقِيٌّ بِالنَّضْحِ وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نِصَابًا ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَمَامِ النِّصَابِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْعُشْرُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ فِي الْآخَرِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ بِمَاذَا سَقَى ؟ صُدِّقَ الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا .
وَتَجِبُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ .
( وَتَجِبُ ) الزَّكَاةُ فِيمَا ذُكِرَ ( بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ حِصْرِمٌ وَبَلَحٌ ( وَ ) بِبُدُوِّ ( اشْتِدَادِ الْحَبِّ ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَعَامٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَقْلٌ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا ذُكِرَ وُجُوبَ إخْرَاجِهَا فِي الْحَالِ ، بَلْ انْعِقَادَ سَبَبِ وُجُوبِ إخْرَاجِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحَبِّ الْمُصَفَّى عِنْدَ الصَّيْرُورَةِ كَذَلِكَ .
وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ضَابِطُ الصَّلَاحِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمَامُ الصَّلَاحِ وَالِاشْتِدَادُ وَلَا بُدُوُّ صَلَاحِ الْجَمِيعِ وَاشْتِدَادُهُ ، وَمُؤْنَةُ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْجُذَاذِ وَالدِّيَاسِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْمَالِكِ لَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ .
فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا يَجِفُّ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ رَدَّهَا وُجُوبًا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ السَّاعِي لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ مِثْلِيٌّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّطْبَ مُتَقَوِّمٌ ، وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى فَقْدِ الْمِثْلِ ، فَلَوْ جَفَّفَهَا السَّاعِي وَنَقَصَتْ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ تَنْقُصْ لَمْ تُجْزِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ مِنْ أَصْلِهِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَنَّهَا تُجْزِئُ .
وَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي الْحَبَّ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ إلَّا الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَاجِبَهُمَا فِي قِشْرِهِمَا كَمَا مَرَّ .
وَلَوْ اشْتَرَى نَخِيلًا وَثَمَرَتَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مُدَّتِهِ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْبَائِعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ ، أَوْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ لَهُ بِأَنْ أَمْضَى الْبَيْعَ فِي الْأُولَى وَفَسَخَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ .
فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ اشْتَرَى النَّخِيلَ بِثَمَرَتِهَا أَوْ ثَمَرَتَهَا فَقَطْ كَافِرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا عَلَى أَحَدٍ .
أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ .
وَأَمَّا الْبَائِعُ ؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْوُجُوبِ .
أَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا فَهُوَ كَعَيْبٍ حَدَثَ بِيَدِهِ ، فَلَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ الثَّمَرِ لَمْ يَرُدَّ وَلَهُ الْأَرْشُ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَهُ الرَّدُّ .
أَمَّا لَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِرِضَاهُ فَجَائِزٌ إسْقَاطُ الْبَائِعِ حَقَّهُ .
وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَبَدَا الصَّلَاحُ حَرُمَ الْقَطْعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهِ بِمَصِّ الثَّمَرَةِ مَاءَ الشَّجَرَةِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ وَأَبَى الْمُشْتَرِي إلَّا الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي الرِّضَا بِالْإِبْقَاءِ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ إعَارَةٌ ، وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي .
فَرْعٌ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَوْ بَدَا الصَّلَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي .
قَالَ : وَهَذَا إذَا بَدَا بَعْدَ اللُّزُومِ وَإِلَّا فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ اُسْتُحِقَّ إبْقَاؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ فِي زَمَنِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ إنْ قُلْنَا : الشَّرْطُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ .
وَيُسَنُّ خَرْصُ الثَّمَرِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ .
( وَيُسَنُّ خَرْصُ ) أَيْ حَرْزُ ( الثَّمَرِ ) بِالْمُثَلَّثَةِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ ( إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا .
وَقِيلَ : يَجِبُ الْخَرْصُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَالْخَرْصُ لُغَةً : الْقَوْلُ بِالظَّنِّ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } وَاصْطِلَاحًا مَا تَقَرَّرَ ، وَحِكْمَتُهُ الرِّفْقُ بِالْمَالِكِ وَالْمُسْتَحِقِّ وَلَا فَرْقَ فِي الْخَرْصِ بَيْنَ ثِمَارِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ ثِمَارَ الْبَصْرَةِ .
فَقَالَ : يَحْرُمُ خَرْصُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِكَثْرَتِهَا وَلِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِي خَرْصِهَا ، وَلِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا الْأَكْلَ مِنْهَا لِلْمُجْتَازِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ .
قَالَ : وَهَذَا فِي النَّخْلِ .
أَمَّا الْكَرْمُ فَهُمْ فِيهِ كَغَيْرِهِمْ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا عُرِفَ مِنْ شَخْصٍ أَوْ بَلَدٍ مَا عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ ا هـ .
وَيَجُوزُ خَرْصُ الْكُلِّ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي نَوْعٍ دُونَ آخَرَ فِي أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْحَبُّ فَلَا خَرْصَ فِيهِ لِاسْتِتَارِ حَبِّهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا رُطَبًا بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ ، وَبِبُدُوِّ الصَّلَاحِ مَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ إذْ لَا حَقَّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ ، وَلَا يَنْضَبِطُ الْمِقْدَارُ لِكَثْرَةِ الْعَاهَاتِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ، .
وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ .
وَكَيْفِيَّةُ الْخَرْصِ أَنْ يَطُوفَ بِالنَّخْلَةِ وَيَرَى جَمِيعَ عَنَاقِيدِهَا وَيَقُولَ عَلَيْهَا مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ كَذَا ، وَيُجِيبُ مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَذَا ، ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ بِنَخْلَةٍ بَعْدَ نَخْلَةٍ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَعْضِ وَقِيَاسِ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ جَازَ أَنْ يُخْرَصَ الْجَمِيعُ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا ثُمَّ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا ( وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُهُ ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّتِهِمْ .
وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْمَخْرُوصِ لِيُفَرِّقَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ لِطَمَعِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُ .
وَأَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ ، وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَ ) الْمَشْهُورُ ( أَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ ) وَاحِدٌ كَالْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا أَوَّلَ مَا تَطِيبُ الثَّمَرَةُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَالتَّقْوِيمِ وَالشَّهَادَةِ ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ الْخَارِصِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ ( الْعَدَالَةُ ) فِي الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَرْصِ ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ ، وَالْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ ( وَكَذَا ) شَرْطُهُ ( الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ وِلَايَةٌ ، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا .
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ كَمَا فِي الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ خَارِصَانِ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمِقْدَارُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا ، نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ .
ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ ظَاهِرٌ .
فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجهُمَا بَعْدَ جَفَافِهِ ، وَيُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِتَضْمِينِهِ وَقَبُولُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَقِيلَ يَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْخَرْصِ ، فَإِذَا ضَمِنَ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ .
( فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجَهَا بَعْدَ جَفَافِهِ ) إنْ لَمْ يَتْلَفْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِلَا تَفْرِيطٍ ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ يُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّهِمْ عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِ بَلْ يَبْقَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْلِ حَقٍّ إلَى الذِّمَّةِ ، وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ عَلَى هَذَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ ، وَيُسَمَّى هَذَا قَوْلَ الْعِبْرَةِ : أَيْ لِاعْتِبَارِهِ الْقَدْرَ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ التَّضْمِينِ .
أَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِآفَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي الِانْقِطَاعِ وَالصَّيْرُورَةِ الْمَذْكُورَيْنِ ( التَّصْرِيحُ ) مِنْ الْخَارِصِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ( بِتَضْمِينِهِ ) أَيْ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمَالِكِ كَأَنْ يَقُولَ السَّاعِي : ضَمَّنْتُك نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ بِكَذَا تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا ( وَقَبُولُ الْمَالِكِ ) التَّضْمِينَ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ أَوْ ضَمَّنَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمَالِكُ بَقِيَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ كَمَا كَانَ وَالْمُضَمِّنُ هُوَ السَّاعِي أَوَ الْإِمَامُ وَتَقْيِيدُهُ الْقَبُولَ بِالْمَالِكِ رُبَّمَا يُخْرِجُ الْوَلِيَّ وَنَحْوَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ( وَقِيلَ يَنْقَطِعُ ) حَقُّهُمْ ( بِنَفْسِ الْخَرْصِ ) ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ لَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَيْسَ هَذَا التَّضْمِينُ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الثِّمَارُ جَمِيعُهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سُرِقَتْ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِفَوَاتِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا زَكَّاهُ ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلضَّمَانِ وَسَيَأْتِي ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا زَكَّى الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ ( فَإِذَا ضَمِنَ ) أَيْ الْمَالِكُ ( جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ ) لِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَنْ الْعَيْنِ وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ قَبْلَ التَّضْمِينِ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ لَا بَعْضِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَ شَائِعًا لِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ لَا مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ الْحَاكِمُ خَارِصًا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَحَاكَمَ إلَى عَدْلَيْنِ عَالِمَيْنِ بِالْخَرْصِ يَخْرُصَانِ عَلَيْهِ لِيَنْتَقِلَ الْحَقُّ إلَى الذِّمَّةِ ، وَيَتَصَرَّفُ فِي الثَّمَرَةِ .
وَاسْتَشْكَلَ الْأَذْرَعِيُّ إطْلَاقَهُمْ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ التَّضْمِينِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُعْسِرًا ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَصْرِفُ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فِي دَيْنِهِ أَوْ يَأْكُلُهَا عِيَالُهُ قَبْلَ الْجَفَافِ ، وَيَضِيعُ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَا يَنْفَعُهُمْ كَوْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ الْخَرِبَةِ .
وَلَوْ ادَّعَى هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ ، أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ ، ثُمَّ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ .
( وَلَوْ ادَّعَى ) الْمَالِكُ ( هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ( بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهْمًا مِنْ كَلَامِهِمْ ( أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ ) أَيْ اشْتَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ كَحَرِيقٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَهْبٍ دُونَ عُمُومِهِ أَوْ عُرِفَ عُمُومُهُ ، وَلَكِنْ اُتُّهِمَ فِي هَلَاكِ الثَّمَرِ بِهِ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِذَلِكَ السَّبَبِ ، فَإِنْ عُرِفَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ .
تَنْبِيهٌ : الْيَمِينُ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الْفَصْلِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَجَعْلُهُ السَّرِقَةَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْهَلَاكِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ قَدْ يَكُونُ بَاقِيًا ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالضَّائِعِ بَدَلَ الْهَلَاكِ لَكَانَ أَوْلَى ( فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ ) عَلَى وُقُوعِهِ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِسُهُولَةِ إقَامَتِهَا ( ثُمَّ ) بَعْدَ إقَامَتِهَا ( يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ السَّبَبِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ مَالِهِ بِخُصُوصِهِ ، وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ شَرْعًا ، وَلَوْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِحَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْجَرِينِ مَثَلًا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْجَرِينِ حَرِيقٌ لَمْ يُبَالَ بِكَلَامِهِ .
وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ لَمْ يُقْبَلْ ، أَوْ بِمُحْتَمَلٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ ) فِيمَا خَرَصَهُ : أَيْ إخْبَارَهُ عَمْدًا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا عِنْدَهُ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً ( أَوْ غَلَطَهُ ) فِيهِ ( بِمَا يَبْعُدُ ) أَيْ لَا يَقَعُ عَادَةً مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخَرْصِ كَالرُّبْعِ ( لَمْ يُقْبَلْ ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَمَّا فِي الْأُولَى فَقِيَاسًا عَلَى دَعْوَى الْجَوْرِ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْكَذِبِ عَلَى الشَّاهِدِ .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ عَادَةً .
نَعَمْ يُحَطُّ عَنْهُ الْقَدْرُ الْمُحْتَمَلُ ، وَهُوَ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَقُبِلَ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ غَلَطَ الْخَارِصِ ، وَقَالَ : لَمْ أَجِدْ إلَّا هَذَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إذْ لَا تَكْذِيبَ فِيهِ لِأَحَدٍ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ .
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
فَائِدَةٌ : يُقَالُ : غَلِطَ فِي مَنْطِقِهِ ، وَغَلِتَ بِالْمُثَنَّاةِ فِي الْحِسَابِ ( أَوْ ) ادَّعَى غَلَطَهُ ( بِمُحْتَمَلٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَخْرُوصِ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ ، وَكَانَ مِقْدَارًا يَقَعُ عَادَةً بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ كَوَسْقٍ فِي مِائَةٍ ( قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ ) وَحُطَّ عَنْهُ مَا ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي دَعْوَى نَقْصِهِ عِنْدَ كَيْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ يَقِينٌ وَالْخَرْصَ تَخْمِينٌ فَالْإِحَالَةُ عَلَيْهِ أَوْلَى ، وَالثَّانِي : لَا يُحَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ النُّقْصَانَ فِي كَيْلِهِ لَهُ وَلَعَلَّهُ يُوَفِّي لَوْ كَالَهُ ثَانِيًا ، فَإِنْ كَانَ الْمَخْرُوصُ بَاقِيًا أُعِيدَ كَيْلُهُ ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا كَخَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ مِائَةٍ .
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ : وَكَعُشْرِ الثَّمَرَةِ وَسُدُسِهَا قُبِلَ قَوْلُهُ ، وَحُطَّ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِلَا خِلَافٍ ؛ فَإِنْ اُتُّهِمَ فِي دَعْوَاهُ بِمَا ذَكَرَ حَلَفَ ، وَلَوْ ادَّعَى غَلَطَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ .
خَاتِمَةٌ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْجِدَادُ نَهَارًا لِيُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْجِدَادِ لَيْلًا سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِي الْمَجْدُودِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا .
وَإِذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ آخَرُ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِحَصَادِهَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَتَكَرَّرُ الزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُكَرَّرُ فِيهِ الْأَمْوَالُ النَّامِيَةُ وَهَذِهِ مُنْقَطِعَةُ النَّمَاءِ مُتَعَرِّضَةٌ لِلْفَسَادِ .
وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً ، وَالْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعُشْرِ ، فَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْعُشْرِ فَهُوَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ فِي الْأَصَحِّ وَالنَّوَاحِي الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ وَلَا يُعْلَمُ حَالُهَا يُسْتَدَامُ الْأَخْذُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَنَعَ بِهَا كَمَا صَنَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي خَرَاجِ السَّوَادِ .
بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ .
نِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَالذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا بِوَزْنِ مَكَّةَ ، وَزَكَاتُهُمَا رُبْعُ عُشْرٍ .
( بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ ) وَهُوَ ضِدُّ الْعَرْضِ وَالدَّيْنِ .
قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ : فَيَشْمَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ النَّقْدَ هُوَ الْمَضْرُوبُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خَاصَّةً ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِهِمَا كَمَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى .
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : النَّاضُّ مِنْ الْمَالِ مَا كَانَ نَقْدًا وَهُوَ ضِدُّ الْعَرْضِ ، وَيَنْدَفِعُ بِهَذَا اعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّنْبِيهِ بِأَنَّ النَّاضَّ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ خَاصَّةً وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ .
وَأَصْلُ النَّقْدِ لُغَةً الْإِعْطَاءُ .
ثُمَّ أُطْلِقَ النَّقْدُ عَلَى الْمَنْقُودِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ .
وَالْأَصْلُ ، فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ ( نِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَ ) نِصَابُ ( الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا ) بِالْإِجْمَاعِ ( بِوَزْنِ مَكَّةَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ } ( 1 ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَسَوَاءٌ الْمَضْرُوبُ مِنْهُمَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْمِقْدَارُ تَحْدِيدٌ ، فَلَوْ نَقَصَ فِي مِيزَانٍ وَتَمَّ فِي آخَرَ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ ، وَقَدَّمَ الْفِضَّةَ عَلَى الذَّهَبِ ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ ، وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا ، وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً ، وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ ، وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ ، وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَانِ ، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلِفَةً ثُمَّ ضُرِبَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَقِيلَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ .
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ، وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِقَ ، وَالدَّانِقُ ثَمَانِ حَبَّاتٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ ، فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ ، وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا ، وَمَتَى نَقَصَ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عَشَرَةُ أَسْبَاعٍ ، فَإِذَا نَقَصَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بَقِيَ دِرْهَمٌ .
فَائِدَةٌ : كُلُّ دَرَاهِمَ أَخَذَ نِصْفَهَا وَخُمُسَهَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مَثَاقِيلَ ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ خُمُسَهَا وَنِصْفَ خُمُسِهَا كَانَ الْبَاقِي مَثَاقِيلَ ، وَكُلُّ مَثَاقِيلَ ضُرِبَتْ فِي عَشَرَةٍ وَقُسِمَتْ عَلَى سَبْعَةٍ خَرَجَتْ دَرَاهِمَ .
( وَزَكَاتُهُمَا ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( رُبْعُ عُشْرٍ ) فِي النِّصَابِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ } ( 2 ) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ { وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ } وَالرِّقَةُ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ ، وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ .
قَالَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ } وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ { لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ عِشْرُونَ دِينَارًا ، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ } وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ كَالْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ ، وَهُمَا مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ ، فَإِنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا تَنْقَضِي بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ ، فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خَلَقَهَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ .
وَيَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاشِي ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا لَا يَكْمُلُ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ ، وَيَكْمُلُ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَنَحْوُهَا وَبِالرَّدَاءَةِ الْخُشُونَةُ وَنَحْوُهَا ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْقِسْطِ إنْ سَهُلَ الْأَخْذُ بِأَنْ قَلَّتْ أَنْوَاعُهُ ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ .
وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ عَنْ جَيِّدٍ وَلَا مُكَسَّرٌ عَنْ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَرِيضَةً عَنْ صِحَاحٍ قَالُوا : وَيَجُوزُ عَكْسُهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا ، فَيُسَلِّمُ مُخْرِجُ الدِّينَارِ الصَّحِيحِ أَوْ الْجَيِّدِ إلَى مَنْ يُوَكِّلُهُ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ .
.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِيهِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نِصْفَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ نِصْفَهُمْ ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ .
وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا .
( وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ ) أَيْ الْمَخْلُوطِ بِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهُ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَفِضَّةٍ بِنُحَاسٍ ( حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا ) لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ ، فَإِذَا بَلَغَهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا خَالِصُهُ قَدْرَ الْوَاجِبِ ، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ ، فَمَا قِيلَ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ بِمِثْلِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قِسْمَةَ بَيْعٍ بِمَغْشُوشٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَعْطَى لِلزَّكَاةِ خَالِصًا عَنْ خَالِصٍ وَالنُّحَاسُ وَقَعَ تَطَوُّعًا كَمَا تَقَرَّرَ .
لَكِنَّ الْمُتَّجَهَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِلنُّحَاسِ إذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ السَّبْكِ تَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ الْغِشِّ .
وَلَوْ أَخْرَجَ رَدِيئًا عَنْ جَيِّدٍ كَأَنْ أَخْرَجَ خَمْسَةً مَعِيبَةً عَنْ مِائَتَيْنِ جَيِّدَةٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّهُ ، .
وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } وَلِئَلَّا يَغُشَّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا ، فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً ، وَفِي الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ وَلِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كَاللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ ، وَالثَّالِثُ : إنْ كَانَ الْغِشُّ مَغْلُوبًا صَحَّ التَّعَامُلُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا لَمْ يَصِحَّ ، وَالرَّابِعُ : يَصِحُّ التَّعَامُلُ بِهَا فِي الْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ الْغِشُّ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ حَظًّا مِنْ الْوَزْنِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ .
وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إمْسَاكُهَا ، بَلْ يَسْبُكُهَا وَيُصَفِّيهَا .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَّا إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ إمْسَاكُهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ .
وَلَوْ اخْتَلَطَ إنَاءٌ مِنْهُمَا وَجَهِلَ أَكْثَرَهُمَا زَكَّى الْأَكْثَرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ مَيَّزَ .
( وَلَوْ اخْتَلَطَ إنَاءٌ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنْ أُذِيبَا وَصِيغَ مِنْهُمَا الْإِنَاءُ كَأَنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَحَدُهُمَا سِتُّمِائَةٍ وَالْآخَرُ أَرْبَعُمِائَةٍ ( وَجَهِلَ أَكْثَرَهُمَا زَكَّى ) كُلًّا مِنْهُمَا بِفَرْضِهِ ( الْأَكْثَرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ) احْتِيَاطًا إنْ كَانَ رَشِيدًا .
أَمَّا غَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ التَّمْيِيزُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ فَرْضُ كُلِّهِ ذَهَبًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ ( أَوْ مَيَّزَ ) بَيْنَهُمَا بِالنَّارِ ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِسَبْكِ قَدْرٍ يَسِيرٍ إذَا تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ .
قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ ، أَوْ امْتَحَنَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُ مَاءً فِي قَصْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ أَلْفًا ذَهَبًا وَيَعْلَمُ ارْتِفَاعَهُ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ أَلْفًا فِضَّةً وَيُعَلِّمُهُ ، وَهَذِهِ الْعَلَامَةُ فَوْقَ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ أَكْثَرُ حَجْمًا مِنْ الذَّهَبِ فَيَزِيدُ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ الْمَخْلُوطَ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ أَقْرَبَ فَالْأَكْثَرُ مِنْهُ ، وَيَكْتَفِي بِوَضْعِ الْمَخْلُوطِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَسَطًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَأَسْهَلُ مِنْ هَذَا وَأَضْبَطُ أَنْ تَضَعَ فِي الْمَاءِ قَدْرَ الْمَخْلُوطِ مِنْهُمَا مَعًا مَرَّتَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْأَكْثَرُ ذَهَبًا وَالْأَقَلُّ فِضَّةً ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ ، وَتُعَلِّمَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَامَةً ثُمَّ تَضَعَ الْمَخْلُوطَ فَيُلْحَقَ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ .
قَالَ : وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ يَأْتِي أَيْضًا فِي مُخْتَلِطٍ جُهِلَ وَزْنُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فَإِنَّك إذَا وَضَعْتَ الْمُخْتَلِطَ الْمَذْكُورَ تَكُونُ عَلَامَتُهُ بَيْنَ عَلَامَتَيْ الْخَالِصِ ، فَإِنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا سَوَاءً فَنِصْفُهُ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الذَّهَبِ شَعِيرَتَانِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الْفِضَّةِ شَعِيرَةٌ فَثُلُثَاهُ فِضَّةٌ وَثُلُثُهُ ذَهَبٌ ، أَوْ
بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ وَمُؤْنَةُ السَّبْكِ عَلَى الْمَالِكِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَإِذَا تَعَذَّرَ الِامْتِحَانُ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ بِفَقْدِ آلَاتِ السَّبْكِ أَوْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زَمَانٍ صَالِحٍ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْعَلَ السَّبْكَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ شُرُوطِ الْإِمْكَانِ ا هـ .
وَلَا يَعْتَمِدُ الْمَالِكُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ غَلَبَةَ ظَنِّهِ وَلَوْ تَوَلَّى إخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ ، وَيُصَدَّقُ فِيهِ إنْ أَخْبَرَ عَنْ عِلْمٍ .
وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا نِصْفُهُ فِي يَدِهِ وَبَاقِيه مَغْصُوبٌ أَوْ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ زَكَّى الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ .
وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ مِنْ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ ، لَا الْمُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ ، فَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْإِنَاءُ وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ .
( وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ ) مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( مِنْ حُلِيٍّ ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ ( وَ ) مِنْ ( غَيْرِهِ ) كَالْأَوَانِي بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا الْمَكْرُوهُ كَالضَّبَّةِ الْكَبِيرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِلزِّينَةِ ( لَا ) الْحُلِيُّ ( الْمُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ ) كَخَلْخَالٍ لِامْرَأَةٍ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ الْعَوَامِلَ مِنْ النَّعَمِ ، وَالثَّانِي يُزَكَّى ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ النَّقْدِ تُنَاطُ بِجَوْهَرِهِ .
وَرُدَّ بِأَنَّ زَكَاتَهُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا بِجَوْهَرِهِ إذْ لَا غَرَضَ فِي ذَاتِهِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مَا لَوْ مَاتَ عَنْ حُلِيٍّ مُبَاحٍ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَارِثُهُ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ زَكَاتُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَنْوِ إمْسَاكَهُ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ ، ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ وَالِدِهِ احْتِمَالَ وَجْهٍ فِيهِ إقَامَةُ نِيَّةِ مُوَرِّثِهِ مَقَامَ نِيَّتِهِ .
وَاسْتَشْكَلَ الْأَوَّلُ بِالْحُلِيِّ الَّذِي اتَّخَذَهُ بِلَا قَصْدِ شَيْءٍ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي تِلْكَ اتِّخَاذًا دُونَ هَذِهِ ( فَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْإِنَاءُ ) مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلذَّكَرِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَوَانِي ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ ، وَمِنْهُ الْمَيْلُ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا .
نَعَمْ لَوْ اتَّخَذَ شَخْصٌ مَيْلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَوَانِي ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الْأَظْهَرِ ( وَالسِّوَارُ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا ( وَالْخَلْخَالُ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ ( لِلُبْسِ الرَّجُلِ ) بِأَنْ يَقْصِدَهُ بِاِتِّخَاذِهِمَا فَهُمَا مُحَرَّمَانِ بِالْقَصْدِ ، .
فَلَوْ اتَّخَذَ سِوَارًا بِلَا قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ .
وَالْخُنْثَى فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ ، وَفِي حُلِيِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ ( فَلَوْ اتَّخَذَ ) الرَّجُلُ ( سِوَارًا ) مَثَلًا ( بِلَا قَصْدٍ ) لَا لِلُبْسٍ وَلَا لِغَيْرِهِ ( أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ ) بِلَا كَرَاهَةٍ ( فَلَا زَكَاةَ ) فِيهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ ، وَالثَّانِي : يَنْظُرُ فِي الْأُولَى إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ ، وَفِي الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ أَمَّا لَوْ اتَّخَذَهُ لِيُعِيرَهُ لِمَنْ لَهُ لُبْسُهُ فَلَا زَكَاةَ جَزْمًا ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا قَصْدٍ مَا إذَا قَصَدَ اتِّخَاذَهُ كَنْزًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ وَلَوْ قَصَدَ بِاتِّخَاذِهِ مُبَاحًا ، ثُمَّ غَيَّرَهُ إلَى مُحَرَّمٍ أَوْ بِالْعَكْسِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ ) الْمُبَاحُ لِلِاسْتِعْمَالِ بِحَيْثُ يُمْنَعُ الِاسْتِعْمَالُ ( وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ ) وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ دَامَ أَحْوَالًا لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ ، وَالثَّانِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ بِأَنْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ كَنَزَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا ، وَبِقَوْلِي وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ مَا لَوْ أَحْوَجَ انْكِسَارُهُ إلَى صَوْغٍ فَإِنَّ زَكَاتَهُ تَجِبُ وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ انْكِسَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَلَا مُعَدٍّ لِلِاسْتِعْمَالِ ، وَلَوْ كَانَ الِانْكِسَارُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِعْمَالَ فَلَا أَثَرَ لَهُ .
تَنْبِيهٌ : حَيْثُ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ لَا وَزْنِهِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لِعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي فَالْعِبْرَةُ بِوَزْنِهِ لَا قِيمَتِهِ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حُلِيٌّ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا ، ثُمَّ يَبِيعُهُ السَّاعِي بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَيُفَرِّقُ ثَمَنَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ، أَوْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ نَقْدًا ، وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهُ لِيُعْطِيَ مِنْهُ خَمْسَةً مُكَسَّرَةً ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ، أَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ كَذَلِكَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُكَسِّرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً أَوْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا .
وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ إلَّا الْأَنْفَ وَالْأُنْمُلَةَ وَالسِّنَّ ، لَا الْأُصْبُعَ ، وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ ) وَلَوْ فِي آلَةِ الْحَرْبِ ، لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا } ( إلَّا الْأَنْفَ ) إذَا جُدِعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ ؛ لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ سَعْدٍ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ الْوَقْعَةُ عِنْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ لَهُ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ .
وَالْحِكْمَةُ فِي الذَّهَبِ أَنَّهُ لَا يَصْدَأُ إذَا كَانَ خَالِصًا بِخِلَافِ الْفِضَّةِ ( وَ ) إلَّا ( الْأُنْمُلَةَ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا لِمَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ وَلَوْ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الذَّهَبِ قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ مَا تَحْتَ الْأُنْمُلَةِ سَلِيمًا دُونَ مَا إذَا كَانَ أَشَلَّ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ بِالْعَمَلِ ا هـ .
وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْغَزِّيَّ قَالَ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : الْأُنْمُلَةُ السُّفْلَى كَالْأُصْبُعِ فِي الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ ا هـ .
فَائِدَةٌ : فِي الْأُنْمُلَةِ تِسْعُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ هَمْزَتِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْمِيمِ ، وَأَفْصَحُهَا فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الْمِيمِ ، قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ : الْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ : أَيْ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْحَابُهُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ ( وَ ) إلَّا ( السِّنَّ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُلِعَتْ سِنُّهُ اتِّخَاذُ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، وَيَجُوزُ أَيْضًا شَدُّ السِّنِّ بِهِ
عِنْدَ تَحْرِيكِهَا ، وَلَا زَكَاةَ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ أَمْكَنَ نَزْعُهُ وَرَدُّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَكُلُّ مَا جَازَ مِنْ الذَّهَبِ فَهُوَ بِالْفِضَّةِ أَوْلَى ( لَا الْأُصْبُعَ ) فَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ الذَّهَبِ وَلَا مِنْ الْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فَتَكُونُ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ وَلَا أُنْمُلَتَيْنِ مِنْهُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأُنْمُلَةِ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْرِيكُهُمَا ، وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ الْيَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ( وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ ) مِنْ الذَّهَبِ اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا عَلَى الرَّجُلِ ، وَهِيَ الشُّعْبَةُ الَّتِي يَسْتَمْسِكُ بِهَا الْفَصُّ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ ، وَمُقَابِلُهُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ فَقَالَ : لَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُ الْقَلِيلِ مِنْهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَاتَمَ أَلْزَمُ لِلشَّخْصِ مِنْ الْإِنَاءِ وَاسْتِعْمَالُهُ أَدْوَمُ .
نَعَمْ إنْ صَدَأَ بِحَيْثُ لَا يُبَيَّنُ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ .
نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ .
وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي بِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَصْدَأُ بِأَنَّ مِنْهُ نَوْعًا يَصْدَأُ وَهُوَ مَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ .
وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ : الصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْعَيْنُ لَا الْخُيَلَاءُ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْعَيْنُ بِشَرْطِ الْخُيَلَاءِ ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ .
وَيَحِلُّ لَهُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ .
( وَيَحِلُّ لَهُ ) أَيْ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى بَلْ أَوْلَى ( مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ ) بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، بَلْ لُبْسُهُ سُنَّةٌ ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْيَمِينِ أَمْ فِي الْيَسَارِ ، لَكِنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ مِنْ الرَّوْضَةِ .
وَقِيلَ الْيَسَارُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَدِيعَةِ لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ خِلَافًا لِلْخَطَّابِيِّ .
قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِمِقْدَارِ الْخَاتَمِ الْمُبَاحِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا فِيهِ بِالْعُرْفِ : أَيْ وَهُوَ عُرْفُ تِلْكَ الْبَلَدِ وَعَادَةُ أَمْثَالِهِ فِيهَا ، فَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ إسْرَافًا كَمَا قَالُوهُ فِي خَلْخَالِ الْمَرْأَةِ ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الصَّوَابُ ضَبْطُهُ بِدُونِ مِثْقَالٍ لِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَابِسِ الْخَاتَمِ الْحَدِيدِ : مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ ؟ قَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمُّهُ مِثْقَالًا } قَالَ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ ا هـ .
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عُرْفَ بَلَدِهِ وَعَادَةَ أَمْثَالِهِ ، وَتَوْحِيدُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَاتَمَ وَجَمْعُ مَا بَعْدَهُ قَدْ يُشْعِرُ بِامْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ اتِّخَاذًا وَلُبْسًا ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ ، وَيَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا : وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا عُدَّ الْوَاحِدُ جَازَ ، فَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ فِي
الِاتِّخَاذِ دُونَ اللُّبْسِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِيهِ مَا أَفَادَهُ شَيْخِي مِنْ أَنَّهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى سَرَفٍ ، وَلَوْ تَخَتَّمَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْحِلُّ مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ .
وَحِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ : كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ ، لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَ ) يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْفِضَّةِ ( حِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ ) وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْخُوذَةِ ( وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ : مَا يُشَدُّ بِهَا الْوَسَطُ وَالتُّرْسِ وَالْخُفِّ وَسِكِّينِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إرْهَابًا لِلْكُفَّارِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ ، وَأَنَّ نَعْلَ سَيْفِهِ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَالْقَبِيعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ : هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى رَأْسِ قَائِمِ السَّيْفِ ، وَنَعْلُ السَّيْفِ مَا يَكُونُ فِي أَسْفَلَ غِمْدِهِ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، لَكِنْ خَالَفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فَضَعَّفَهُ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِجَزْمِ الْأَصْحَابِ بِتَحْرِيمِ تَحْلِيَةِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ ، وَأَمَّا سِكِّينُ الْمِهْنَةِ أَوْ الْمَقْلَمَةُ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهَا عَلَى الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا تَحْلِيَةِ الْمِرْآةِ وَالدَّوَاةِ ( لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْفَرَسِ كَالرِّكَابِ وَالْقِلَادَةِ وَالثَّغْرِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ وَأَطْرَافِ السُّيُورِ ( فِي الْأَصَحِّ ) الْمَنْصُوصِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ لِلرَّاكِبِ ، فَهُوَ كَالْأَوَانِي ، وَكَذَا يَحْرُمُ تَحْلِيَةُ الْمِقْرَاضِ وَنَحْوِهِ لِمَا ذُكِرَ ، وَالثَّانِي يَجُوزُ كَالسَّيْفِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
قَالَ فِي الذَّخَائِرِ : وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ لِجَامِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسَرْجِهِمَا وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ لِلْحَرْبِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَحْلِيَةُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِالذَّهَبِ جَزْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخُيَلَاءِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُقَاتِلِ ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ جَزْمًا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْلِيَةِ آلَةِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُجَاهِدِ
وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُجَاهِدَ .
( وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ حِلْيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ ) بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ ، وَإِنْ جَازَ لَهُنَّ الْمُحَارَبَةُ بِآلَتِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ كَعَكْسِهِ ، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ } وَاللَّعْنُ لَا يَكُونُ عَلَى مَكْرُوهٍ ، وَلَيْسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ : وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ مُخَالِفًا لِهَذَا ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيُّ لُبْسٍ يَخْتَصُّ بِهِنَّ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا جَازَ لِلنِّسَاءِ الْمُحَارَبَةُ بِآلَتِهَا غَيْرِ مُحَلَّاةٍ جَازَ مَعَ التَّحْلِيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ أَجْوَزُ لَهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُنَّ لُبْسُ آلَةِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحْلِيَةِ ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا .
وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ .
( وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ كَالسِّوَارِ ، وَالطَّوْقِ وَالْخَاتَمِ ، وَالْحَلَقِ فِي الْآذَانِ وَالْأَصَابِعِ ، وَالتَّاجِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَوَّدْنَهُ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَالنَّعْلِ ، وَلَوْ تَقَلَّدَتْ الْمَرْأَةُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَثْقُوبَةَ بِأَنْ جَعَلَتْهَا فِي قِلَادَتِهَا زُكِّيَتْ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ فَقَدْ وَافَقَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَيُحْمَلُ مَا فِي بَابِ اللِّبَاسِ عَلَى الْمُعَرَّاةِ وَهِيَ الَّتِي جُعِلَ لَهَا عُرًا وَجُعِلَتْ فِي الْقِلَادَةِ فَإِنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا ( وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا ) مِنْ الثِّيَابِ لَهَا لُبْسُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ ، وَالثَّانِي : لَا ، لِزِيَادَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ .
( وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ ) فِي كُلِّ مَا أَبَحْنَاهُ ( كَخَلْخَالٍ ) لِلْمَرْأَةِ ( وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَلَا زِينَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، بَلْ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ لِاسْتِبْشَاعِهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ إبَاحَةُ مَا تَتَّخِذُهُ النِّسَاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْعَصَائِبِ الذَّهَبِ وَإِنْ كَثُرَ ذَهَبُهَا ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْفِرُ مِنْهُ وَلَا تَسْتَبْشِعُ ، بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الزِّينَةِ ، وَالثَّانِي : لَا يَحْرُمُ كَمَا لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِلَ لِتَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ ، وَيَأْتِي فِي لُبْسِ ذَلِكَ مَعًا مَا مَرَّ فِي لُبْسِ الْخَوَاتِيمِ لِلرَّجُلِ ، وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِهِ السَّرَفَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ بِالْمُبَالَغَةِ مَا إذَا أَسْرَفَتْ وَلَمْ تُبَالِغْ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ ، وَفَارَقَ مَا سَيَأْتِي فِي آلَةِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حِلُّهُمَا لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِهِمَا لِغَيْرِهَا فَاغْتُفِرَ لَهَا قَلِيلُ السَّرَفِ .
وَكَذَا إسْرَافُهُ فِي آلَةِ الْحَرْبِ .
( وَكَذَا ) يَحْرُمُ ( إسْرَافُهُ ) أَيْ الرَّجُلِ ( فِي آلَةِ الْحَرْبِ ) فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ وَلَوْ اتَّخَذَ آلَاتٍ كَثِيرَةً لِلْحَرْبِ مُحَلَّاةً جَازَ كَمَا مَرَّ فِي اتِّخَاذِ الْخَوَاتِيمِ لِلرَّجُلِ .
فَائِدَةٌ : السَّرَفُ : مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، وَيُقَالُ فِي النَّفَقَةِ التَّبْذِيرُ وَهُوَ الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ فَالْمُسْرِفُ الْمُنْفِقُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِنْ قَلَّ إنْفَاقُهُ ، وَغَيْرُهُ الْمُنْفِقُ فِي الطَّاعَةِ وَإِنْ أَفْرَطَ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ فِي الْحَلَالِ إسْرَافٌ ، وَإِنَّمَا السَّرَفُ فِي ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي .
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ : لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : الْحَلَالُ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ مَا نَفَقَتُكَ .
قَالَ الْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } الْآيَةَ .
وَجَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ ، وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ بِذَهَبٍ .
( وَ ) الْأَصَحُّ ( جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ ) لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إكْرَامًا لَهُ .
وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَالْأَوَانِي ، وَالْخِلَافُ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ ، وَقِيلَ وَجْهَانِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ ( وَكَذَا ) يَجُوزُ ( لِلْمَرْأَةِ ) فَقَطْ ( بِذَهَبٍ ) لِعُمُومِ { أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي } وَالثَّانِي : يَجُوزُ لَهُمَا إكْرَامًا .
وَالثَّالِثُ : الْمَنْعُ لَهُمَا ، وَالطِّفْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُصْحَفِ فِي ذَلِكَ اللَّوْحُ الْمُعَدُّ لِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ .
وَيَحِلُّ تَحْلِيَةُ غِلَافِ الْمُصْحَفِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ بِالْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَأَمَّا بِالذَّهَبِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِلْيَةً لِلْمُصْحَفِ .
.
قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَمَنْ كَتَبَ الْمُصْحَفَ بِذَهَبٍ فَقَدْ أَحْسَنَ ، وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لِلرِّجَالِ أَوْ لِلنِّسَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ .
وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ عَنْ تَحْلِيَةِ الْكُتُبِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ .
قَالَ فِي الذَّخَائِرِ سَوَاءٌ فِيهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهَا ، وَلَوْ حَلَّى الْمَسَاجِدَ أَوْ الْكَعْبَةَ أَوْ قَنَادِيلَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَرُمَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ فَيُزَكَّى ذَلِكَ لَا إنْ جُعِلَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُزَكَّى لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ وَقْفِهِ إذَا حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ ، وَإِلَّا فَوَقْفُ الْمُحَرَّمِ بَاطِلٌ ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ وَقْفَهُ لَيْسَ عَلَى التَّحَلِّي كَمَا تُوُهِّمَ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ كَالْوَقْفِ عَلَى تَزْوِيقِ الْمَسْجِدِ وَنَقْشِهِ ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ ، وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ مَعَ صِحَّةِ وَقْفِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ .
وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ نَقْلًا لَهُ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ .
وَشَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ الْحَوْلُ .
( وَشَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ الْحَوْلُ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } ( 1 ) نَعَمْ لَوْ مَلَكَ نِصَابًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ إنْسَانًا لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ .
وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ .
( وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ ) وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْمَرْجَانِ لِعَدَمِ وُرُودِهَا فِي ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَتْ الْمَاشِيَةَ الْعَامِلَةَ .
.
خَاتِمَةٌ : كُلُّ حُلِيٍّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ ، مِنْ النَّاسِ حُكْمُ صَنْعَتِهِ كَحُكْمِ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَاسِرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا يَحِلُّ لِبَعْضِ النَّاسِ لَا يُكْسَرُ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ : وَلَوْ كَسَرَهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ : .
وَلَا يَجُوزُ تَثْقِيبُ الْآذَانِ لِلْقُرْطِ وَإِنْ أُبِيحَ الْقُرْطُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ بِلَا فَائِدَةٍ ، وَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُثَقِّبِ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ .
وَيَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَهُ تَعْظِيمًا لَهَا بِخِلَافِ سَتْرِ غَيْرِهَا بِهِ وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّعْلِيلِ جَوَازَ سَتْرِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ .
وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَلَا بَأْسَ بِتَزْيِينِ الْمَسْجِدِ بِالْقَنَادِيلِ : أَيْ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالشُّمُوعِ الَّتِي لَا تُوقَدُ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ احْتِرَامٍ .
بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِن وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ .
مَنْ اسْتَخْرَجَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مِنْ مَعْدِنٍ لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ ، وَفِي قَوْلٍ الْخُمُسُ ، فِي قَوْلٍ إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ فَرُبْعُ عُشْرِهِ ، وَإِلَّا فَخُمُسُهُ .
( بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ ) بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِأَوَّلِهَا : وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْجَوَاهِرَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُدُونِهِ : أَيْ إقَامَتِهِ : يُقَالُ عَدَنَ إذَا أَقَامَ فِيهِ ، وَمِنْهُ { جَنَّاتُ عَدْنٍ } أَيْ إقَامَةٍ ، وَيُسَمَّى الْمُسْتَخْرَجُ مَعْدِنًا أَيْضًا كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ .
وَالْأَصْلُ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا } أَيْ زَكُّوا { مِنْ طَيِّبَاتِ } أَيْ خِيَارِ { مَا كَسَبْتُمْ } أَيْ مِنْ الْمَالِ { وَمِنْ } طَيِّبَاتِ { مَا أَخْرَجْنَا لَكُمْ } مِنْ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ ، وَخَبَرُ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ } ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ : نَاحِيَةٌ مِنْ قَرْيَةٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا الْفُرْعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَقَالَ ( مَنْ اسْتَخْرَجَ ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ( ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ) لَا غَيْرَهُمَا كَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ ( مِنْ مَعْدِنٍ ) مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ( لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ كَخَبَرِ { وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ } وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ فِي الْمُدَّةُ الْمَاضِيَةِ إذَا وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مِلْكَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأَرْضَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَوْجُودِ مِمَّا يُخْلَقُ شَيْئًا فَشَيْئًا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَلْزَمُهُ ( الْخُمُسُ ) كَالرِّكَازِ بِجَامِعِ الْخَفَاءِ فِي الْأَرْضِ ( فِي قَوْلٍ إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ ) كَأَنْ احْتَاجَ إلَى طَحْنٍ أَوْ مُعَالَجَةٍ بِالنَّارِ أَوْ حَفْرٍ ( فَرُبْعُ عُشْرِهِ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ حَصَلَ بِلَا تَعَبٍ ( فَخُمُسُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَزْدَادُ بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَتِهَا
كَالْمُعَشَّرَاتِ .
وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ لَا الْحَوْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا .
( وَيُشْتَرَطُ ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ ( النِّصَابُ ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ ( لَا الْحَوْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا ) وَقَطَعَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ تَكَامُلِ النَّمَاءِ ، وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَعْدِنِ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ .
وَقِيلَ : فِي اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ ، وَطَرِيقُ الْخِلَافِ مُفَرَّعٌ فِي النِّصَابِ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ تَخْمِيسُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ كَالْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ ، وَفِي الْحَوْلِ عَلَى وُجُوبِ رُبْعِ الْعُشْرِ لِعُمُومِ { لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَبِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ .
وَيَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ إنْ تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الْجَدِيدِ ، وَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ ضَمَّ ، وَإِلَّا فَلَا يَضُمُّ الْأَوَّلَ إلَى الثَّانِي ، وَيَضُمُّ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعْدِنِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ .
( وَيَضُمُّ بَعْضَهُ ) أَيْ الْمُسْتَخْرَجِ ( إلَى بَعْضٍ إنْ ) اتَّحَدَ الْمَعْدِنُ : أَيْ الْمُخْرَجُ وَ ( تَتَابَعَ الْعَمَلُ ) كَمَا يَضُمُّ الْمُتَلَاحِقَ مِنْ الثِّمَارِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى مِلْكِهِ ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَكَانِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهُ فَلَوْ تَعَدَّدَ لَمْ يَضُمَّ تَقَارَبَا أَوْ تَبَاعَدَا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي اخْتِلَافِ الْمَكَانِ اسْتِئْنَافُ عَمَلٍ ، هَكَذَا عَلَّلَ بِهِ شَيْخِي ، وَكَذَا فِي الرِّكَازِ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي الضَّمِّ ( اتِّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الْجَدِيدِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ غَالِبًا إلَّا مُتَفَرِّقًا ، وَالْقَدِيمُ إنْ طَالَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ لَمْ يُضَمَّ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْعَمَلَ ( وَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ ) كَإِصْلَاحِ الْآلَةِ وَهَرَبِ الْأُجَرَاءِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ( ضُمَّ ) وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ عُرْفًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِذَلِكَ مُعْرِضًا ؛ لِأَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى الْعَمَلِ إذَا ارْتَفَعَ الْعُذْرُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قَطَعَ الْعَمَلَ بِلَا عُذْرٍ ( فَلَا يَضُمُّ ) سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَنُ أَمْ لَا لِإِعْرَاضِهِ ، وَمَعْنَى عَدَمِ الضَّمِّ أَنَّهُ لَا يَضُمُّ ( الْأَوَّلَ إلَى الثَّانِي ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ ( وَيَضُمُّ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ ) إنْ كَانَ بَاقِيًا ( كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعْدِنِ ) كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِمَا ( فِي إكْمَالِ النِّصَابِ ) فَإِذَا اسْتَخْرَجَ مِنْ الْفِضَّةِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِالْعَمَلِ الْأَوَّلِ وَمِائَةً وَخَمْسِينَ بِالثَّانِي فَلَا زَكَاةَ فِي الْخَمْسِينَ ، وَتَجِبُ فِي الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا تَجِبُ فِيهَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِخَمْسِينَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنْ حِينِ تَمَامِهِمَا إذَا أَخْرَجَ حَقَّ الْمَعْدِنِ مِنْ غَيْرِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ نِصَابًا ضُمَّ الثَّانِي إلَيْهِ قَطْعًا ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ لَا تَرِدُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصُّورَةُ ؛ لِأَنَّهَا بِالْوُجُوبِ أَوْلَى مِمَّا صَرَّحَ بِهِ .
تَنْبِيهٌ : خَرَجَ بِقَوْلِنَا : وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ .
وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ ، وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ أَخْذِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ دَخِيلٌ فِيهَا ، وَالْمَانِعُ لَهُ الْحَاكِمُ فَقَطْ وَإِنْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، فَإِنْ أَخَذَهُ قَبْلَ مَنْعِهِ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ وَيُفَارِقُ مَا أَحْيَاهُ بِتَأَبُّدِ ضَرَرِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَصْرِفَ حَقِّ الْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ لَا مَصْرِفُ الْفَيْءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَوَقْتُ وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ حُصُولُ النَّيْلِ فِي يَدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ عَقِبَ التَّخْلِيصِ وَالتَّنْقِيَةِ مِنْ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ ، كَمَا أَنَّ وَقْتَ الْحُبُوبِ فِي الزَّرْعِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ ، وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ ، وَيُجْبَرُ عَلَى التَّنْقِيَةِ ، كَمَا فِي تَنْقِيَةِ الْحُبُوبِ ، وَمُؤْنَتُهَا عَلَيْهِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ فَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ قَبْلَهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ .
فَإِنْ قَبَضَهُ السَّاعِي قَبْلَهَا ضَمِنَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا ، وَصُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِهِ إنْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ غَرِمَهُ .
فَإِنْ كَانَ تُرَابُ فِضَّةٍ قُوِّمَ بِذَهَبٍ ، أَوْ تُرَابُ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ وَالْمُرَادُ بِالتُّرَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَعْدِنُ الْمُخْرَجُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ صُدِّقَ السَّاعِي بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : فَإِنْ مَيَّزَهُ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أَوْ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلسَّاعِي بِعَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا وَمِنْ الْإِخْرَاجِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ لَا زَكَاةُ الْبَاقِي وَإِنْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ فَكَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ .
وَلَوْ اسْتَخْرَجَ اثْنَانِ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا زَكَّيَاهُ لِلْخُلْطَةِ .
وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَانِي مَا فِي التَّرْجَمَةِ ، وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ فَقَالَ : ( وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَخَالَفَ الْمَعْدِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا مُؤْنَةَ فِي تَحْصِيلِهِ ، أَوْ مُؤْنَتُهُ قَلِيلَةٌ فَكَثُرَ وَاجِبُهُ كَالْمُعَشَّرَاتِ ( يُصْرَفُ ) أَيْ الْخُمُسُ وَكَذَا الْمَعْدِنُ ( مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَرَجَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَاجِدِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ جَاهِلِيٌّ حَصَلَ الظَّفْرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَ كَالْفَيْءِ ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ .
وَشَرْطُهُ النِّصَابُ ، وَالنَّقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا الْحَوْلُ ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ .
تَنْبِيهٌ : مَصْرِفٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ مَحَلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ ( وَشَرْطُهُ النِّصَابُ ) وَلَوْ بِالضَّمِّ كَمَا مَرَّ ( وَالنَّقْدُ ) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَضْرُوبُ وَغَيْرُهُ كَالسَّبَائِكِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعْدِنِ .
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ } ( 1 ) وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ ( لَا الْحَوْلُ ) فَلَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَرَى فِي الْمَعْدِنِ خِلَافٌ لِلْمَشَقَّةِ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الرِّكَازُ بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ ( الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ ) أَيْ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ - أَيْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ ، وَيُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الدَّفِينِ الْجَاهِلِيِّ رِكَازًا كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ : أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا بَلَغَتْهُ وَعَانَدَ وَوُجِدَ فِي بِنَائِهِ أَوْ بَلَدِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا كَنْزٌ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ هَلْ الْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيِّ ضَرْبًا أَوْ دَفْنًا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ : وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ .
يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الْأَوَّلَ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ : الرِّكَازُ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ ، قِيلَ : وَهِيَ أَوْلَى فَإِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِدَفْنِهِمْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ كَوْنُهُ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُسْلِمًا عَثَرَ بِكَنْزٍ جَاهِلِيٍّ فَأَخَذَهُ ثُمَّ دَفَنَهُ كَذَا قَالَاهُ .
وَ .
أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ أَخْذِ مُسْلِمٍ لَهُ ثُمَّ دَفْنِهِ ثَانِيًا وَلَوْ قُلْنَا بِهِ لَمْ يَكُنْ
لَنَا رِكَازٌ بِالْكُلِّيَّةِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ دَفْنِهِمْ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِعَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ا هـ .
وَهَذَا أَوْلَى .
وَالتَّقْيِيدُ بِدَفْنِ الْجَاهِلِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي الصَّحَارِي مِنْ دَفِينِ الْحَرْبِيِّينَ الَّذِينَ عَاصَرُوا الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ رِكَازًا بَلْ فَيْئًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَدُلُّ لَهُ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ السَّابِقُ ، .
فَإِنْ وُجِدَ إسْلَامِيٌّ عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ ، وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ .
وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ رِكَازًا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَدْفُونًا ، فَإِنْ وَجَدَهُ ظَاهِرًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ السَّيْلَ أَظْهَرَهُ فَرِكَازٌ ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا فَلُقَطَةٌ ، وَإِنْ شَكَّ فَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ ضَرْبُ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( فَإِنْ وُجِدَ ) دَفِينٌ ( إسْلَامِيٌّ ) كَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ ( عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ ) لَا لِلْوَاجِدِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِ لَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَالِكُهُ ( فَلُقَطَةٌ ) يُعَرِّفُهُ الْوَاجِدُ كَمَا يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ الْمَوْجُودَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ( وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ ) الْجَاهِلِيِّ وَالْإِسْلَامِيِّ ( هُوَ ) بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا أَثَرَ عَلَيْهِ كَالتِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي ، أَوْ كَانَ مِثْلُهُ يُضْرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ ( وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ ) أَيْ الرِّكَازَ ( الْوَاجِدُ ) .
وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ أَحْيَاهُ .
( وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ ) فِيهِ ( إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ ، وَسَوَاءٌ أَحْيَاهُ الْوَاجِدُ أَوْ أَقْطَعَهُ أَمْ لَا ، وَكَالْمَوَاتِ مَا وُجِدَ فِي قُبُورِهِمْ أَوْ خَرَائِبِهِمْ أَوْ قِلَاعِهِمْ ( أَوْ ) وُجِدَ ( فِي مِلْكٍ أَحْيَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرِّكَازَ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ .
فَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( فَإِنْ وُجِدَ ) الرِّكَازَ ( فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ) يَفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ جُهِلَ مَالِكُهُ فَيَكُونُ لُقَطَةً .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ رِكَازٌ كَالْمَوَاتِ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الثَّلَاثَةِ .
أَوْ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَلِلشَّخْصِ إنْ ادَّعَاهُ ، وَإِلَّا فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُحْيِي .
( أَوْ ) وَجَدَ ( مِلْكَ شَخْصٍ ) أَوْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ( فَلِلشَّخْصِ إنْ ادَّعَاهُ ) يَأْخُذُ بِلَا يَمِينٍ كَأَمْتِعَةِ الدَّارِ كَذَا قَالَاهُ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ : الشَّرْطُ أَنْ لَا يَنْفِيَهُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ الصَّوَابُ كَسَائِرِ مَا بِيَدِهِ ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَاهُ وَيُفَارِقُ سَائِرَ مَا بِيَدِهِ بِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ مَعْلُومَةٌ لَهُ غَالِبًا بِخِلَافِهِ فَاعْتُبِرَ دَعْوَاهُ لَهُ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُ دَفَنَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ بِأَنْ نَفَاهُ أَوْ سَكَتَ ( فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ ) وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَإِنْ نَفَاهُ بَعْضُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَسَلَكَ بِالْبَاقِي مَا ذُكِرَ ( وَهَكَذَا ) يَجْرِي مَا تَقَرَّرَ ( حَتَّى يَنْتَهِيَ ) الْأَمْرُ ( إلَى الْمُحْيِي ) لِلْأَرْضِ فَيَكُونَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ مَلَكَ مَا فِيهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمْسُ الَّذِي لَزِمَهُ يَوْمَ مَلَكَهُ ، وَإِذَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُ أَلْزَمْنَاهُ زَكَاةَ الْبَاقِي لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ ، فَإِنْ مَاتَ الْمُحْيِي قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْفِهِ بَعْضُهُمْ أُعْطِيَ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَحُفِظَ الْبَاقِي ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَالِكِهِ تَصَدَّقَ بِهِ الْإِمَامُ ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ ، وَلَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ الْمَالِكُ مِنْهُمَا فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ .
وَلَوْ تَنَازَعَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ ، أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ ، أَوْ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ .
( وَلَوْ تَنَازَعَهُ ) أَيْ الرِّكَازَ فِي الْمِلْكِ ( بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ أَوْ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ ) بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ هُوَ لِي وَأَنَا دَفَنْتُهُ ، وَقَالَ الْبَائِعُ وَالْمُكْرِي وَالْمُعِيرُ مِثْلَ ذَلِكَ ( صُدِّقَ ذُو الْيَدِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ ( بِيَمِينِهِ ) كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي أَمْتِعَةِ الدَّارِ ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ صِدْقُهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِكَوْنِ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَلَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ بَعْدَ عَوْدِ الْمِلْكِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُكْرِي أَوْ الْمُعِيرِ ، فَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ : دَفَنْتُهُ بَعْدَ عَوْدِ الْمِلْكِ إلَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ : دَفَنْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِي صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّمَ لَهُ حُصُولَ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ تَنْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَالِثِ مَا فِي التَّرْجَمَةِ وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ : .
فَصْلٌ : شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الْحَوْلُ ، وَالنِّصَابُ مُعْتَبَرًا بِآخِرِ الْحَوْلِ ، وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ ، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ
( فَصْلٌ ) أَيْ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ ، وَهِيَ تَقْلِيبُ الْمَالِ بِالْمُعَاوَضَةِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ .
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَوْله تَعَالَى : ( { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } ) قَالَ مُجَاهِدٌ : نَزَلَتْ فِي التِّجَارَةِ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا ، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا ، وَفِي الْبُرِّ صَدَقَتُهُ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، وَالْبَزُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالزَّايِ ، يُقَالُ لِلثِّيَابِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْبَزَّازِينَ ، وَعَلَى السِّلَاحِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ، وَزَكَاةُ الْعَيْنِ لَا تَجِبُ فِي الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ ، فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ .
وَعَنْ سَمُرَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ } .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَأَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِهَا .
وَأَمَّا خَبَرُ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ } ( 2 ) فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ .
( شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ : الْحَوْلُ ) قَطْعًا ( وَالنِّصَابُ ) كَذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاشِي وَالنَّاضِّ ( مُعْتَبَرًا ) أَيْ النِّصَابُ ( بِآخِرِ الْحَوْلِ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ فَلَا يُعْتَبَرُ غَيْرُهُ لِكَثْرَةِ اضْطِرَابِ الْقِيَمِ ( وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ ) أَيْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ دُونَ وَسَطِهِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْحَوْلِ .
وَأَمَّا الْآخَرُ ؛ فَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْعَرْضِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَشُقُّ ( وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ ) كَالنَّقْدِ وَالْمَوَاشِي ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا بِالْقِيمَةِ وَتَعْسُرُ مُرَاعَاتُهَا كُلَّ وَقْتٍ لِاضْطِرَابِ الْأَسْعَارِ ارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا .
وَالْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُخَرَّجَانِ ، وَمِنْهُمْ
مَنْ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْأَوْجُهِ ؛ لِأَنَّ الْمُخَرِّجَ يُعَبِّرُ عَنْهُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْوَجْهِ .
فَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ رُدَّ إلَى النَّقْدِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ ، وَيُبْتَدَأُ حَوْلُهَا مِنْ شِرَائِهَا .
( فَعَلَى الْأَظْهَرِ ) وَهُوَ اعْتِبَارُ آخِرِ الْحَوْلِ ( لَوْ رُدَّ ) مَالُ التِّجَارَةِ ( إلَى النَّقْدِ ) الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ بِأَنْ بِيعَ بِهِ ( فِي خِلَالِ ) أَيْ أَثْنَاءِ ( الْحَوْلِ ، وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ ، وَيُبْتَدَأُ حَوْلُهَا مِنْ ) وَقْتِ ( شِرَائِهَا ) لِتَحَقُّقِ نُقْصَانِهَا حِسًّا بِالتَّنْضِيضِ .
وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ بَادَلَ بِهَا سِلْعَةً نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ فَإِنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ مَعْدُودَةٌ مِنْ التِّجَارَةِ ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّقْدِ إلَى الْمَعْهُودِ ، وَهُوَ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، فَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَالْحَالُ يَقْتَضِي التَّقْوِيمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ كَبَيْعِ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ عَمَّا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ يُقَوَّمُ بِهِ وَهُوَ نِصَابٌ فَحَوْلُهُ بَاقٍ ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْرِيعِ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيْضًا مِنْ بَابِ أَوْلَى .
وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ ، وَقِيمَةُ الْعَرْضِ دُونَ النِّصَابِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ حَوْلٌ ، وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ .
( وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقِيمَةُ الْعَرْضِ ) بِسُكُونِ الرَّاءِ ( دُونَ النِّصَابِ ) وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ ( فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ حَوْلٌ وَيَبْطُلُ ) الْحَوْلُ ( الْأَوَّلُ ) فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلٌ ثَانٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَضَى فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ ، بَلْ مَتَى بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ نِصَابًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَيُبْتَدَأُ الْحَوْلُ الثَّانِي وَقْتَئِذٍ إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ مَالَ التِّجَارَةِ قَدْ أَقَامَ عِنْدَهُ حَوْلًا بَلْ وَزِيَادَةً وَتَمَّ نِصَابًا فَيَقُولُ الْعَامِلُ : هُنَا كَمَا قَالَ الْأَخُ الشَّقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحِمَارِيَّةِ : هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ ؟ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَابْتَاعَ بِخَمْسِينَ مِنْهَا عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ آخِرَ الْحَوْلِ وَإِنْ مَلَكَهُ فِي أَثْنَائِهِ ، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ بِالْمِائَةِ ثُمَّ مَلَكَ خَمْسِينَ زَكَّى الْجَمِيعَ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ إنَّمَا تُضَمُّ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْحَوْلِ .
وَيَصِيرُ عَرْضُ التِّجَارَةِ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ كَشِرَاءٍ ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ فِي الْأَصَحِّ ، لَا بِالْهِبَةِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ
( وَيَصِيرُ عَرْضُ التِّجَارَةِ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا ) أَيْ الْقُنْيَةِ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَاكْتَفَيْنَا فِيهَا بِالنِّيَّةِ ، بِخِلَافِ عَرْضِ الْقُنْيَةِ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ أَصْلٍ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِيرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إذَا نَوَى وَهُوَ مَاكِثٌ وَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِالْفِعْلِ ، وَأَيْضًا الْقُنْيَةُ هِيَ الْحَبْسُ لِلِانْتِفَاعِ وَقَدْ وُجِدَ بِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْإِمْسَاكِ ، وَالتِّجَارَةُ : هِيَ التَّقْلِيبُ بِقَصْدِ الْأَرْبَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، فَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَ تِجَارَةٍ بِلَا نِيَّةِ قُنْيَةٍ فَهُوَ مَالُ تِجَارَةٍ ، فَإِنْ نَوَاهَا بِهِ فَلَيْسَ مَالَ تِجَارَةٍ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِنِيَّتِهَا اسْتِعْمَالًا جَائِزًا أَوْ مُحَرَّمًا كَلُبْسِ الدِّيبَاجِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ بِالسَّيْفِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ نَوَى الْقُنْيَةَ بِبَعْضِ عَرْضِ التِّجَارَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفِي تَأْثِيرِهِ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي إنَّهُ يُؤَثِّرُ وَيُرْجَعُ فِي التَّعْيِينِ إلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَقْرَبُهُمَا الْمَنْعُ ( وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ ) مَحْضَةٍ ، وَهِيَ الَّتِي تَفْسُدُ بِفَسَادِ عِوَضِهَا ( كَشِرَاءٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِعَرْضٍ أَمْ نَقْدٍ أَمْ دَيْنٍ حَالٍّ أَمْ مُؤَجَّلٍ لِانْضِمَامِ قَصْدِ التِّجَارَةِ إلَى فِعْلِهَا ، وَمِنْ الْمَمْلُوكِ بِمُعَاوَضَةٍ مَا اتَّهَبَهُ بِثَوَابٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَنْ دَمٍ وَمَا أَجَرَ بِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ مَالَهُ ، أَوْ مَا اسْتَأْجَرَهُ ، أَوْ مَنْفَعَةَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَنْ كَانَ يَسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ وَيُؤْجِرُهَا بِقَصْدِ التِّجَارَةِ ، أَوْ غَيْرِ مَحْضَةٍ ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَفْسُدُ بِفَسَادِ عِوَضِهَا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ ) فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ
لِلتِّجَارَةِ إذْ اقْتَرَنَا بِنِيَّتِهَا ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُلِكَا بِمُعَاوَضَةٍ ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا مُلِكَ بِهِمَا ، وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ ، وَإِذَا ثَبَتَ حُكْمُ التِّجَارَةِ لَمْ يُحْتَجْ فِي كُلِّ مُعَامَلَةٍ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ ( لَا بِالْهِبَةِ ) غَيْرِ ذَاتِ الثَّوَابِ ( وَالِاحْتِطَابِ ) وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْإِرْثِ ( وَالِاسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ ) أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسٍ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ ، بَلْ الِاسْتِرْدَادُ الْمَذْكُورُ فَسْخٌ لَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ مَجَّانًا لَا يُعَدُّ تِجَارَةً ، فَلَوْ قَصَدَ التِّجَارَةَ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لَمْ يُؤَثِّرْ ، إذْ النِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَاغِيَةٌ ، فَمَنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلْقُنْيَةِ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ عَرْضًا لِلْقُنْيَةِ ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ لَمْ يَصِرْ مَالَ تِجَارَةٍ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَعُودُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ مَالَ تِجَارَةٍ ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَامَةٍ مِنْ شِرَاءِ عَرْضِ التِّجَارَةِ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَبْقَى حُكْمُ التِّجَارَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَرْضًا آخَرَ ، وَلَوْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ دِبَاغًا لِيَدْبُغَ بِهِ لِلنَّاسِ أَوْ صِبْغًا لِيَصْبُغَ بِهِ لَهُمْ صَارَ مَالَ تِجَارَةٍ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلِهِ ، بِخِلَافِ الصَّابُونِ إذَا اشْتَرَاهُ لَهَا لِيَغْسِلَ بِهِ لِلنَّاسِ أَوْ الْمِلْحِ لِيَعْجِنَ بِهِ لَهُمْ لَا يَصِيرُ مَالَ تِجَارَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَهْلَكُ فَلَا يَقَعُ مُسَلَّمًا لَهُمْ .
وَإِذَا مَلَكَهُ بِنَقْدِ نِصَابٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ النَّقْدَ ، أَوْ دُونَهُ أَوْ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ فَمِنْ الشِّرَاءِ ، وَقِيلَ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهَا
( وَإِذَا مَلَكَهُ ) أَيْ عَرْضَ التِّجَارَةِ ( بِنَقْدِ ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ ( نِصَابٍ ) أَوْ دُونَهُ وَفِي مِلْكِهِ بَاقِيه : كَأَنْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ بِعَيْنٍ عَشَرَةً أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، وَفِي مِلْكِهِ عَشَرَةٌ أَوْ مِائَةٌ أُخْرَى ( فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ ) ذَلِكَ ( النَّقْدَ ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ وَفِي جِنْسِهِ .
أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَوْلُ النَّقْدِ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ ( أَوْ دُونَهُ ) أَيْ أَوْ مَلَكَهُ بِدُونِ النِّصَابِ ، وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ بَاقِيهِ ( أَوْ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ ) كَالثِّيَابِ ( فَمِنْ الشِّرَاءِ ) حَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ مَالَ زَكَاةٍ ( وَقِيلَ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا مَالُ زَكَاةٍ جَارٍ فِي الْحَوْلِ ، فَكَانَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ نَقْدٍ ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَقِيسِ مُخْتَلِفٌ ، بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ .
وَيَضُمُّ الرِّبْحَ ، إلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَا إنْ نَضَّ فِي الْأَظْهَرِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَدَ الْعَرْضِ وَثَمَرَهُ مَالُ تِجَارَةٍ وَأَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الْأَصْلِ ، وَوَاجِبُهَا رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ .
( وَيَضُمُّ الرِّبْحَ ) الْحَاصِلُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ( إلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ ) بِكَسْرِ النُّونِ : أَيْ يَصِرْ نَاضًّا بِمَا يُقَوَّمُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى النِّتَاجِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى حَوْلِ كُلِّ زِيَادَةٍ مَعَ اضْطِرَابِ الْأَسْوَاقِ مِمَّا يَشُقُّ ، فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا فِي الْمُحَرَّمِ بِمِائَتِي دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلَاثَمِائَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْلِ ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ الرِّبْحُ بِزِيَادَةٍ فِي نَفْسِ الْعَرْضِ كَسِمَنِ الْحَيَوَانِ أَمْ بِارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ ، وَلَوْ بَاعَ الْعَرْضَ بِدُونِ قِيمَتِهِ زَكَّى الْقِيمَةَ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا فَفِي زَكَاةِ الزَّائِدِ مَعَهَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْوُجُوبُ ( لَا إنْ نَضَّ ) أَيْ صَارَ الْكُلُّ نَاضًّا بِنَقْدِ التَّقْوِيمِ بِبَيْعٍ أَوْ إتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ وَأَمْسَكَهُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَضُمُّ بَلْ يُزَكِّي الْأَصْلَ بِحَوْلِهِ وَيُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلِهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ بَاعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا آخَرَ وَبَلَغَ آخِرَ الْحَوْلِ بِالتَّقْوِيمِ أَوْ بِالتَّنْضِيضِ مِائَةً زَكَّى خَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عِشْرُونَ وَنَصِيبَهَا مِنْ الرِّبْحِ ثَلَاثُونَ ، فَتُزَكَّى الثَّلَاثُونَ الرِّبْحَ مَعَ أَصْلِهَا الْعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ نُضُوضٍ لَهُ قَبْلَهُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ بَاعَ الْعَرْضَ قَبْلَ حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحِ كَأَنْ بَاعَهُ آخِرَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَّاهَا لِحَوْلِهَا : أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُضِيِّ الْأَوَّلِ ، وَزَكَّى رِبْحَهَا ، وَهُوَ ثَلَاثُونَ بِحَوْلِهِ : أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى ، فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ الَّتِي زَكَّى عَنْهَا أَوَّلًا بَاقِيَةً زَكَّاهَا أَيْضًا لِحَوْلِ الثَّلَاثِينَ ، وَإِلَّا : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَاعَ الْعَرْضَ قَبْلَ حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحِ زَكَّى رِبْحَهَا وَهُوَ
الثَّلَاثُونَ مَعَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنِضَّ قَبْلَ فَرَاغِ حَوْلِهَا ، وَالثَّانِي يُزَكِّي الرِّبْحَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ كَمَا يُزَكِّي النِّتَاجَ بِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ النِّتَاجَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ بِحُسْنِ التَّصَرُّفِ ، وَلِهَذَا يَرُدُّ الْغَاصِبُ نِتَاجَ الْحَيَوَانِ دُونَ الرِّبْحِ .
أَمَّا إذَا كَانَ النَّاضُّ الْمَبِيعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ فَهُوَ كَبَيْعِ عَرْضٍ بِعَرْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيُضَمُّ الرِّبْحُ إلَى الْأَصْلِ ، وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دُونَ نِصَابٍ : كَأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَأَمْسَكَهَا إلَى تَمَامِ حَوْلِ الشِّرَاءِ زَكَّاهُمَا إنْ ضَمَمْنَا الرِّبْحَ إلَى الْأَصْلِ وَاعْتَبَرْنَا النِّصَابَ آخِرَ الْحَوْلِ فَقَطْ وَإِلَّا زَكَّى مِائَةَ الرِّبْحِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَدَ الْعَرْضِ ) مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ السَّائِمَةِ كَمَعْلُوفَةٍ وَخَيْلٍ ( وَثَمَرَهُ ) كَثَمَرِ الشَّجَرَةِ وَأَغْصَانِهَا وَأَوْرَاقِهَا وَصُوفِ الْحَيَوَانِ وَوَبَرِهِ وَشَعْرِهِ ( مَالُ تِجَارَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا جُزْءَانِ مِنْ الْأُمِّ وَالشَّجَرِ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَحْصُلَا بِالتِّجَارَةِ ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ ، أَمَّا إذَا نَقَصَتْ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ الْأُمُّ تُسَاوِي أَلْفًا فَصَارَتْ بِالْوِلَادَةِ ثَمَانِيَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِائَتَانِ ، فَإِنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ يُجْبَرُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ جَزْمًا ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ( وَ ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ ( أَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الْأَصْلِ ) تَبَعًا كَنِتَاجِ السَّائِمَةِ .
وَالثَّانِي : لَا ، بَلْ تُفْرَدُ بِحَوْلٍ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ ، فَأُفْرِدَتْ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّبْحِ النَّاضِّ ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، تَصْحِيحُ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ
التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ ( وَوَاجِبُهَا ) أَيْ التِّجَارَةِ ( رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ ) أَمَّا كَوْنُهُ رُبْعَ عُشْرٍ ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَالنَّقْدِ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ الْجَدِيدُ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُتَعَلِّقُ هَذِهِ الزَّكَاةِ ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ عَيْنِ الْعَرْضِ ، وَالْقَدِيمُ : يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ ، وَالْقِيمَةُ تَقْدِيرٌ ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ .
فَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِهِ إنْ مُلِكَ بِنِصَابٍ ، وَكَذَا دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ ، أَوْ بِعَرْضٍ فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَبَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا قُوِّمَ بِهِ ، فَإِنْ بَلَغَ بِهِمَا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ .
( فَإِنْ مُلِكَ ) الْعَرْضُ ( بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِهِ إنْ مُلِكَ بِنِصَابٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ النَّقْدُ هُوَ الْغَالِبُ أَمْ لَا ، وَسَوَاءٌ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَا بِيَدِهِ ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ، وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ إنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ دَائِمًا .
حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ( وَكَذَا ) إذَا مُلِكَ الْعَرْضُ بِنَقْدٍ ( دُونَهُ ) أَيْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ .
وَالثَّانِي : يُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ .
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْلِكْ بَقِيَّةَ النِّصَابِ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ .
فَإِنْ مَلَكَهُ قَوَّمَ بِهِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِبَعْضِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَابْتَدَأَ الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ مَلَكَ الدَّرَاهِمَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : لَكِنْ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ( أَوْ ) مُلِكَ الْعَرْضُ ( بِعَرْضٍ ) لِلْقُنْيَةِ أَوْ بِخُلْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ ( فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يُقَوَّمُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّقْوِيمُ بِالْأَصْلِ رُجِعَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ عَلَى قَاعِدَةِ التَّقْوِيمَاتِ فِي الْإِتْلَافِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ بِمَحَلٍّ لَا نَقْدَ فِيهِ كَبَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالْفُلُوسِ أَوْ نَحْوِهَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ ، وَلَوْ مُلِكَ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ أَوْ بِنَحْوِ سَبَائِكَ قُوِّمَ بِجِنْسِهِ مِنْ النَّقْدِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ( فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ ) عَلَى التَّسَاوِي ( وَبَلَغَ ) مَالُ التِّجَارَةِ ( بِأَحَدِهِمَا ) دُونَ الْآخَرِ ( نِصَابًا قُوِّمَ بِهِ ) لِبُلُوغِهِ نِصَابًا بِنَقْدٍ غَالِبٍ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَلَغَ النَّقْدُ الَّذِي عِنْدَهُ نِصَابًا فِي أَحَدِ الْمِيزَانَيْنِ دُونَ الْآخَرَ ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَا قَدْ تَحَقَّقَ تَمَامُ النِّصَابِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ دُونَ
ذَاكَ ( فَإِنْ بَلَغَ ) نِصَابًا ( بِهِمَا ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ ) مِنْهُمَا ( لِلْفُقَرَاءِ ) كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ ، هَذَا مَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحًا عَنْ مُقْتَضَى إيرَادِ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ ( وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ ) فَيُقَوَّمُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا فِي شَاتَيْ الْجُبْرَانِ وَدَرَاهِمِهِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَبِهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْقِيمَةِ فَلَمْ يَجِبْ لِلتَّقْوِيمِ بِالْأَنْفَعِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الشِّرَاءُ بِالْأَنْفَعِ لِيُقَوِّمَ بِهِ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ .
وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِيَ بِالْغَالِبِ .
( وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ ) كَأَنْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعَرْضٍ قُنْيَةً ( قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِي بِالْغَالِبِ ) مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ، فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا ، وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِجِنْسٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفِ الصِّفَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ إذَا تَفَاوَتَا .
وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً ، فَإِنْ كَمُلَ نِصَابُ إحْدَى الزَّكَاتَيْنِ فَقَطْ وَجَبَتْ أَوْ نِصَابُهُمَا فَزَكَاةُ الْعَيْنِ فِي الْجَدِيدِ
( وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا ) أَيْ التِّجَارَةِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا ، فَلَا يَتَدَاخَلَانِ : كَالْقِيمَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ ( وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً ) أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَثَمَرٍ ( فَإِنَّ كَمُلَ ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ ( نِصَابُ إحْدَى الزَّكَاتَيْنِ ) الْعَيْنِ وَالتِّجَارَةِ ( فَقَطْ ) دُونَ نِصَابِ الْأُخْرَى كَأَنْ مَلَكَ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ أَوْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ ( وَجَبَتْ ) زَكَاةُ مَا كَمُلَ نِصَابُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهَا مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ ( أَوْ ) كَمُلَ ( نِصَابُهُمَا ) كَأَرْبَعِينَ شَاةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ ( فَزَكَاةُ الْعَيْنِ ) تَجِبُ ( فِي الْجَدِيدِ ) وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا ، بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا ، وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا بِخِلَافِ الْأُولَى ، وَأَيْضًا زَكَاةُ التِّجَارَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقِيمَةِ ، فَقُدِّمَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى ، وَتُقَدَّمُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَزَكَاةُ الْعَيْنِ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَعْيَانِ ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الزَّكَاتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَعَلَى الْجَدِيدِ : لَوْ كَانَ مَعَ مَا فِيهِ زَكَاةُ عَيْنِ مَا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ ، كَأَنْ اشْتَرَى شَجَرًا لِلتِّجَارَةِ ، فَبَدَا صَلَاحُ ثَمَرِهِ وَجَبَ مَعَ تَقْدِيمِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ عَنْ الثَّمَرِ زَكَاةُ الشَّجَرِ .
فَعَلَى هَذَا لَوْ سَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ ، بِأَنْ اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ الْعَيْنِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ يَفْتَتِحُ حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ لَكَانَ أَعَمَّ ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى نَقْدًا بِنَقْدٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ ، وَإِنْ كَانَ لَهَا كَالصَّيَارِفَةِ فَالْأَصَحُّ انْقِطَاعُهُ أَيْضًا .
وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ : بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ ( فَعَلَى هَذَا ) أَيْ الْجَدِيدِ ( لَوْ سَبَقَ حَوْلُ ) زَكَاةِ ( التِّجَارَةِ ) حَوْلَ زَكَاةِ الْعَيْنِ ( بِأَنْ ) وَأَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ ( اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) مِنْ حَوْلِهَا ( نِصَابَ سَائِمَةٍ ) وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُنْيَةَ ( فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ) لِئَلَّا يُحَطَّ بَعْضُ حَوْلِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ وُجِدَ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ ( ثُمَّ يَفْتَتِحُ ) مِنْ تَمَامِهِ ( حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا ) أَيْ فَيَجِبُ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْوَالِ ، وَمَا مَضَى مِنْ السَّوْمِ فِي بَقِيَّةِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَالثَّانِي يَبْطُلُ حَوْلُ التِّجَارَةِ ، وَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا مِنْ الشِّرَاءِ ، وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ ، وَعَلَى الْقَدِيمِ الْمَذْكُورِ : تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِكُلِّ حَوْلٍ .
وَإِذَا قُلْنَا : عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالشُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَالْمَذْهَبُ : أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ .
( وَإِذَا قُلْنَا : عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ ) الْمَشْرُوطَ لَهُ ( بِالظُّهُورِ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ ، بَلْ بِالْقِسْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَعَلَى الْمَالِكِ ) عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ ( زَكَاةُ الْجَمِيعِ ) رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ ( فَإِنَّ أَخْرَجَهَا مِنْ ) غَيْرِ ( مَالِ الْقِرَاضِ ) فَذَاكَ ، أَوْ مِنْ مَالِهِ ( حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ ) وَلَا يَجْعَلُ إخْرَاجَهَا كَاسْتِرْدَادِ الْمَالِكِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤَنِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمَالَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَالْكَيَّالِ وَفِطْرَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَجِنَايَاتِهِمْ .
وَالثَّانِي تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَالُ .
وَالثَّالِثُ : زَكَاةُ الْأَصْلِ مِنْ الْأَصْلِ ، وَزَكَاةُ الرِّبْحِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِيهِمَا ( وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ ) الْعَامِلُ الْمَشْرُوطُ لَهُ ( بِالظُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا ( وَالْمَذْهَبُ : أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ ) مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ مَتَى شَاءَ بِالْقِسْمَةِ ، فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ الْحَالَّ عَلَى مَلِيءٍ ، وَعَلَى هَذَا فَابْتِدَاءُ حَوْلِ حِصَّتِهِ مِنْ حِينِ الظُّهُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ فِيهَا ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي .
خَاتِمَةٌ : يَصِحُّ بَيْعُ عَرْضِ التِّجَارَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِهَا أَوْ بَاعَهُ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهِ الْقِيمَةُ ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ التِّجَارَةِ أَوْ وَهَبَهُ فَكَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ الْعَيْنِ ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، فَإِنْ بَاعَهُ مُحَابَاةً فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ .
بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَيُقَالُ : صَدَقَةُ الْفِطْرِ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِدُخُولِ الْفِطْرِ ، وَيُقَالُ أَيْضًا زَكَاةُ الْفِطْرَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ ، وَالتَّاءُ فِي آخِرِهَا ، كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } ) وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : بِضَمِّ الْفَاءِ وَاسْتَغْرَبَ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا .
قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ : زَكَاةُ الْفِطْرَةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ .
يُقَالُ لِلْمُخْرَجِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ ، وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ ، بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَرَاءِ ، فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ .
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ } ( 1 ) وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ { كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرَةِ ؛ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ ، فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ مَا عِشْتُ } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا وَجَبَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ عَامَ فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ .
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ تَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ ، فَتُخْرَجُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ .
( تَجِبُ ) زَكَاةُ الْفِطْرِ ( بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ ) ؛ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ وَالثَّانِي تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْعِيدِ ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِيدِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهَا عَلَيْهِ كَالْأُضْحِيَّةِ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لَا الْفَجْرُ ، وَالثَّالِثُ : تَجِبُ بِمَجْمُوعِ الْوَقْتَيْنِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْفِطْرِ وَالْعِيدِ جَمِيعًا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ ، أَوْ قَالَهُ لِزَوْجَتِهِ ا هـ .
أَيْ قَالَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مُهَايَأَةٌ فِي رَقِيقٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِلَيْلَةٍ وَيَوْمٍ أَوْ نَفَقَةُ قَرِيبٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَذَلِكَ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ حَصَلَ فِي نَوْبَتِهِمَا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ أَدَّى فِطْرَةَ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخْرِجُ فَانْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الْمَذْهَبُ ( فَتُخْرَجُ ) عَلَى الْأَظْهَرِ ( عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ) مِمَّنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَعَبْدٍ وَقَرِيبٍ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي حَيَاتِهِ ، وَكَذَا مَنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَطَلَاقٍ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَغْنَى الْقَرِيبُ وَلَوْ مَاتَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ ، بِخِلَافِ تَلَفِ الْمَالِ ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْفِطْرَةَ بِالذِّمَّةِ ( دُونَ مَنْ وُلِدَ ) أَوْ تَجَدَّدَ مِنْ زَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ
الْمُوجِبَ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ ، وَعَلَى الثَّالِثِ لَا وُجُوبَ فِيهِمَا .
وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ .
( وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ ) أَيْ الْعِيدِ لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَالتَّعْبِيرُ بِالصَّلَاةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ ، فَإِنْ أُخِّرَتْ اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ عَلَى قِيَاسِ زَكَاةِ الْمَالِ ا هـ .
وَهُوَ حَسَنٌ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : وَيُسَنُّ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى ، فَإِنَّ تَعْبِيرَهُ لَيْسَ فِيهِ نَدْبُ تَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ ، بَلْ هُوَ صَادِقٌ بِإِخْرَاجِهَا مَعَ الصَّلَاةِ ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ ، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُسَنُّ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ دُونَ مَا قَبْلَهُ ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْفِطْرِ ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ ( وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ ) أَيْ الْعِيدِ بِلَا عُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ إغْنَاؤُهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي يَوْمِ السُّرُورِ ، فَلَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَقَضَى لِخُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى الْفَوْرِ لِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ الْمُؤَخَّرَةَ عَنْ التَّمْكِينِ تَكُونُ أَدَاءً ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ كَالصَّلَاةِ .
وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ إلَّا فِي عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ ) أَصْلِيٍّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَهُوَ إجْمَاعٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مُطَالَبًا بِإِخْرَاجِهَا ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ .
قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهَا ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ الْخَاصَّ لَمْ يَشْمَلْهُمْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَأَمَّا فِطْرَةُ الْمُرْتَدِّ وَمَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَمَنْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ نَفَقَتُهُ مُرْتَدٌّ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ ( إلَّا فِي عَبْدِهِ ) أَيْ رَقِيقِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً ( وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ ) فَتَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمَا ( فِي الْأَصَحِّ ) كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا ، وَهَكَذَا كُلُّ مُسْلِمٍ يَلْزَمُ الْكَافِرَ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ فِي الْعِدَّةِ وَأَوْجَبْنَا نَفَقَةً مُدَّةَ التَّخَلُّفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَالثَّانِي : لَا تَجِبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ هَلْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْمُخْرِجُ أَمْ وَجَبَتْ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُخْرِجِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ ، فَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي ، وَعَلَى الْأَوَّلِ .
قَالَ الْإِمَامُ : لَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُتَحَمِّلَ عَنْهُ يَنْوِي ، وَالْكَافِرُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ النِّيَّةُ .
تَنْبِيهٌ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ إلَّا فِي رَقِيقِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَوْ يَعْطِفُ الْقَرِيبَ بِأَوْ .
وَلَا رَقِيقٍ ، وَفِي الْمُكَاتَبِ وَجْهٌ ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ قِسْطُهُ .
( وَلَا ) فِطْرَةَ عَلَى ( رَقِيقٍ ) لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ .
أَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الْمَذْكُورُ فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ ، وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبِهِ ، وَلَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ ؛ لِاسْتِقْلَالِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً ، فَإِنَّ فِطْرَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ( وَفِي الْمُكَاتَبِ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً ( وَجْهٌ ) أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَفِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ كَنَفَقَتِهِمْ .
أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ جَزْمًا ( وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ ) مِنْ الْفِطْرَةِ ( قِسْطُهُ ) أَيْ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَبَاقِيهَا عَلَى مَالِكِ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَتْبَعُ النَّفَقَةَ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ .
هَذَا حَيْثُ لَا مُهَايَأَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ بَعْضِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةٌ اخْتَصَّتْ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ .
وَلَا مُعْسِرٍ فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ فَمُعْسِرٌ ،
( وَلَا ) فِطْرَةَ عَلَى ( مُعْسِرٍ ) وَقْتَ الْوُجُوبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ لَحْظَةٍ .
لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا أَيْسَرَ قَبْلَ فَوَاتِ يَوْمِ الْعِيدِ الْإِخْرَاجُ .
ثُمَّ حَدَّهُ بِقَوْلِهِ ( فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ ) بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا ( عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ ) أَيْ الَّذِي ( فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ ) يُخْرِجُهُ عَنْ فِطْرَتِهِ ( فَمُعْسِرٌ ) وَمَنْ فَضَلَ عَنْهُ مَا يُخْرِجُهُ فَمُوسِرٌ ؛ لِأَنَّ الْقُوتَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُؤَدَّى فَاضِلًا عَنْ رَأْسِ مَالِهِ وَضَيْعَتِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ بِدُونِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَيُفَارِقُ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِالْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ أَوْجَبُوا الْكَسْبَ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الْبَعْضِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَجِبُ الِاكْتِسَابُ لِنَفْسِهِ لِإِحْيَائِهَا ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ لِإِحْيَاءِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِاَلَّذِي كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى مِنْ " مَنْ " إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ ؛ لِأَنَّ " مَنْ " لِمَنْ يَعْقِلُ .
نَعَمْ يُؤْتَى بِهَا لِاخْتِلَاطِ مَنْ يَعْقِلُ بِغَيْرِهِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ التَّعْبِيرُ بِمَنْ .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ .
( وَيُشْتَرَطُ ) فِيمَا يُؤَدِّيهِ فِي الْفِطْرَةِ ( كَوْنُهُ فَاضِلًا ) أَيْضًا ابْتِدَاءً ( عَنْ ) مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ ( مَسْكَنٍ ) يَحْتَاجُ إلَيْهِ ( وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ التَّطْهِيرِ ، وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ ، وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الْخَادِمِ أَنْ يَحْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ أَوْ خِدْمَةِ مَمُونِهِ .
أَمَّا حَاجَتُهُ لِعَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَخَرَجَ بِاللَّائِقِ بِهِ مَا لَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ يُمْكِنُ إبْدَالُهُمَا بِلَائِقٍ بِهِ ، وَيَخْرُجُ التَّفَاوُتُ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ ، وَبِالِابْتِدَاءِ مَا لَوْ ثَبَتَتْ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهَا مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَسْتِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَبِمَمُونِهِ كَمَا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ فِي الدُّيُونِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَلَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ، وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْأَصْحَابِ : لَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ هَلَّ شَوَّالٌ فَالْفِطْرَةُ فِي مَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّيُونِ ، وَبِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ ، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ فَلَا يَمْنَعُ إيجَابَ الْفِطْرَةِ ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ ، وَالنَّفَقَةُ ضَرُورِيَّةٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا لَا يُجْدِي ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَرَّرَ وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ خِلَافَهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ .
وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ .
( وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ ) أَيْ فِطْرَةُ نَفْسِهِ ( لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ) بِمِلْكٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَيْ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ } وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ ، وَالْجَامِعُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ ، وَدَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ مَا لَوْ أَخْدَمَ زَوْجَتَهُ الَّتِي تَخْدِمُ عَادَةً أُمَّهَا لَا أَجْنَبِيَّةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ لِخِدْمَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ، وَكَذَا الَّتِي صَحِبَتْهَا لِتَخْدُمَهَا بِنَفَقَتِهَا بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ تَجِبُ فِطْرَتُهَا .
أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ النَّاشِزَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ إلَّا الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ ، وَإِلَّا الزَّوْجَةَ الْمُحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَتَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَيْهِ دُونَ نَفَقَتِهَا ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِإِخْرَاجِ فِطْرَتِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَيْهِ لِنَفَقَتِهَا لَا لِفِطْرَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَبِ الزَّمِنِ وَمُرَادُهُ الْعَاجِزُ ( لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ ) أَوْلَى مِنْهُ الرَّقِيقُ ( وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ ) وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " .
وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ ، وَلَا الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ ، وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ .
( وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا وَإِنْ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ ، فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُبَعَّضِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ ( وَلَا الِابْنُ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ ) وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَازِمَةٌ لِلْأَبِ مَعَ إعْسَارِهِ فَيَتَحَمَّلُهَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْفِطْرَةِ لَا يُمَكِّنُ الزَّوْجَةَ مِنْ الْفَسْخِ ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ ( وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ ) أَنْ يَلْزَمَهُ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ كَنَفَقَتِهَا ، وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ مَسَائِلَ : مِنْهَا الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ يَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ ، وَمِنْهَا عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ عَبْدَهُ وَشَرَطَ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَالِكِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْعَامِلِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَجَّ بِالنَّفَقَةِ ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَسْجِدِ فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمَا وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لَهُ أَمْ وَقْفًا عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ .
وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ أَوْ كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا ، وَكَذَا سَيِّدُ الْأَمَةِ .
قُلْتُ : الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ ) وَقْتَ الْوُجُوبِ ( أَوْ كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا ) إذْ أَيْسَرَتْ بِهَا ( وَكَذَا ) يَلْزَمُ ( سَيِّدَ الْأَمَةِ ) فِطْرَتُهَا ، وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُمَا ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ ، وَهَذَا أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( قُلْتُ : الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ ) وَتَلْزَمُ سَيِّدَ الْأَمَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَهَذَا الطَّرِيقُ الثَّانِي تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ ، وَالْفَرْقُ كَمَالُ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ ؛ لِأَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا وَيَسْتَخْدِمَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا شَيْئَانِ : الْمِلْكُ وَالزَّوْجِيَّةُ وَالْمِلْكُ أَقْوَى .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْتَقِضُ ذَلِكَ بِمَا إذَا سَلَّمَهَا السَّيِّدُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا عِنْدَ الْيَسَارِ لَا تَسْقُطُ عَنْ السَّيِّدِ بَلْ يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ عَنْهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عَنْ نَفْسِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِتَطْهِيرِهَا .
تَنْبِيهٌ : إذَا قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ هَلْ هُوَ كَالضَّمَانِ أَوْ الْحَوَالَةِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي ، وَلِلْخِلَافِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ إنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ فَلَا ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِبَلَدٍ وَالْمُؤَدِّي بِبَلَدٍ آخَرَ وَاخْتَلَفَ قُوتُ الْبَلَدَيْنِ إنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى مِنْ بَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ جَازَ أَنْ تُؤَدَّى مِنْ بَلَدِ الْمُؤَدِّي ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ غَيْرِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ .
وَمِنْهَا دُعَاءُ الْمُسْتَحِقِّ يَكُونُ لِلْمُؤَدِّي خَاصَّةً إنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ دَعَا لَهُمَا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَلَوْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ ، وَقِيلَ إذَا عَادَ ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ
( وَلَوْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْغَائِبِ ، فَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ وَلَمْ تَنْتَهِ غَيْبَتُهُ إلَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ فِيهَا بِمَوْتِهِ ( فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ ) أَيْ فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَوْ لَيْلَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا ( وَقِيلَ ) إنَّمَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا ( إذَا عَادَ ) كَزَكَاةِ الْمَالِ الْغَائِبِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا جُوِّزَ هُنَاكَ لِلنَّمَاءِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ( وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَحَلُّهُ إذَا اسْتَمَرَّ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ ، فَلَوْ بَانَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَادَ إلَى سَيِّدِهِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى يَدِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّالِّ وَنَحْوِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : وَقِيلَ : إذَا عَادَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْإِمْلَاءِ فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِقِيلَ ، وَقَوْلُهُ : وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ : وَقِيلَ قَوْلَانِ .
ثَانِيهِمَا لَا شَيْءَ ، وَطَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ هِيَ الَّتِي فِي الْمُحَرَّرِ ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ ، وَهِيَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَاتِبِ .
أَمَّا إذَا انْتَهَتْ غَيْبَتُهُ إلَى مَا ذَكَرَ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ .
فَإِنَّ قِيلَ : الْأَصَحُّ فِي جِنْسِ الْفِطْرَةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْعَبْدِ ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ فَكَيْفَ يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ بَلَدِهِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ يُخْرِجُ مِنْ قُوتِ آخِرِ بَلْدَةٍ عُلِمَ وُصُولُهُ إلَيْهَا ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا عَلَى هَذَا ، وَيَدْفَعُ فِطْرَتَهُ لِلْقَاضِي لِيُخْرِجَهَا ؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِ
الْأَقْوَاتِ نَعَمْ إنْ دَفَعَ إلَى الْقَاضِي الْبُرَّ خَرَجَ عَنْ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى الْأَقْوَاتِ ، وَالنَّقْلُ جَائِزٌ لِلْقَاضِي الَّذِي لَهُ أَخْذُ الزَّكَوَاتِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ يَلْزَمُهُ
( وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ يَلْزَمُهُ ) إخْرَاجُهُ مُحَافَظَةً بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَالثَّانِي : لَا كَبَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ .
وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ نَفْسَهُ ، ثُمَّ زَوْجَتَهُ ، ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ ، ثُمَّ الْأَبَ ، ثُمَّ الْأُمَّ ، ثُمَّ الْكَبِيرَ .
( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ ) وُجُوبًا ( نَفْسَهُ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ } ( 1 ) وَالثَّانِي يُقَدِّمُ زَوْجَتَهُ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ ( ثُمَّ زَوْجَتَهُ ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، وَالثَّانِي : يُقَدِّمُ الْقَرِيبَ ، وَالثَّالِثُ : يَتَخَيَّرُ ( ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ ) لِأَنَّ نَفَقَتَهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ بَعْدَهُ ( ثُمَّ الْأَبَ ) وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِشَرَفِهِ ( ثُمَّ الْأُمَّ ) لِقُوَّةِ حُرْمَتِهَا بِالْوِلَادَةِ ( ثُمَّ ) الْوَلَدَ ( الْكَبِيرَ ) عَلَى الْأَرِقَّاءِ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ وَعَلَاقَتُهُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ عَارِضٌ وَيَقْبَلُ الزَّوَالَ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لَا كَسْبَ لَهُ وَهُوَ زَمِنٌ أَوْ مَجْنُونٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ النَّفَقَاتِ ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي صَحَّحَاهُ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ تَقْدِيمُ الْأُمِّ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ ، وَفَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لِسَدِّ الْخُلَّةِ وَالْأُمَّ أَكْثَرُ حَاجَةً وَأَقَلُّ حِيلَةً ، وَالْفِطْرَةَ لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ ، وَالْأَبَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ ا هـ .
وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي الْبَابَيْنِ .
وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا الْوَلَدَ الصَّغِيرَ ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْءِ الْمُخْرِجِ مَعَ كَوْنِهِ أَعْجَزَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ الرَّقِيقَ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ مِنْهُ أُمُّ الْوَلَدِ ثُمَّ
الْمُدَبَّرُ ثُمَّ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ، فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَزَوْجَتَيْنِ وَابْنَيْنِ تَخَيَّرَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُوبِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوَزِّعْ بَيْنَهُمَا لِنَقْصِ الْمُخْرَجِ عَنْ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ .
وَهِيَ صَاعٌ ، وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ ، قُلْتُ : الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَهِيَ ) أَيْ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ ( صَاعٌ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ ( وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ ) دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ ، وَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا ( قُلْتُ : الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ ) مِنْ كَوْنِ الرِّطْلِ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَقَدْ سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ إيضَاحُهُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا ، وَالْعِبْرَةُ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ إنْ وُجِدَ أَوْ مِعْيَارِهِ ، فَإِنْ فُقِدَ أَخْرَجَ قَدْرًا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الصَّاعِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ : الصَّاعُ أَرْبَعُ حِفَانٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِهِمَا ا هـ .
وَالصَّاعُ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ قَدَحَانِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ شَيْئًا يَسِيرًا لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِهِمَا عَلَى طِينٍ أَوْ تِبْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ حِينَ يَخْطُبُ بِمِصْرَ خُطْبَةَ عِيدِ الْفِطْرِ : وَالصَّاعُ قَدَحَانِ بِكَيْلِ بَلَدِكُمْ هَذِهِ سَالِمٌ مِنْ الطِّينِ وَالْعَيْبِ وَالْغَلْثِ ، وَلَا يُجْزِئُ فِي بَلَدِكُمْ هَذِهِ إلَّا الْقَمْحُ ا هـ .
وَتَقَدَّمَ فِي الصَّاعِ كَلَامٌ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ فَرَاجِعْهُ .
فَائِدَةٌ : ذَكَرَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ مَعْنًى لَطِيفًا فِي إيجَابِ الصَّاعِ ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ تَمْتَنِعُ غَالِبًا مِنْ الْكَسْبِ فِي الْعِيدِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ ، وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ الصَّاعِ عِنْدَ جَعْلِهِ خُبْزًا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ الْخُبْزِ ، فَإِنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ كَمَا مَرَّ ،
وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ نَحْوُ الثُّلُثِ ، فَيَأْتِي مِنْهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ رِطْلَانِ .
وَجِنْسُهُ الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ ، وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَجِنْسُهُ ) أَيْ الصَّاعِ الْوَاجِبِ ( الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ ) أَيْ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْمُعَشَّرَاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاقْتِيَاتِ ، وَفِي الْقَدِيمِ لَا يُجْزِئُ الْعَدَسُ وَالْحِمَّصُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَمَانِ ( وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ ) لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَلِهَذَا قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِإِسْكَانِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ : لَبَنٌ يَابِسٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ ، وَالثَّانِي : لَا يُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهُ لَا عُشْرَ فِيهِ فَأَشْبَهَ التِّينَ وَنَحْوَهُ ، وَفِي مَعْنَى الْأَقِطِ لَبَنٌ وَجُبْنٌ لَمْ يُنْزَعْ زُبْدُهُمَا فَيُجْزِئَانِ ، وَإِجْزَاءُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ قُوتُهُ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَمْ الْحَاضِرَةِ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ دُونَ الْحَاضِرَةِ .
حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ .
أَمَّا مَنْزُوعُ الزُّبْدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الْكَشْكُ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَخِيضُ ، وَلَا الْمَصْلُ ، وَلَا السَّمْنُ ، وَلَا اللَّحْمُ ، وَلَا مُمَلَّحٌ مِنْ الْأَقِطِ أَفْسَدَ كَثِيرُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ ، بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمِلْحِ فَيُجْزِئُ ، لَكِنْ لَا يُحْسَبُ الْمِلْحُ فَيُخْرِجُ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا .
وَيَجِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ ، وَقِيلَ قُوتِهِ ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ ، وَيُجْزِئُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى ، وَلَا عَكْسَ ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ ، وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ ، فَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ ، وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ .
( وَيَجِبُ ) الصَّاعُ ( مِنْ ) غَالِبِ ( قُوتِ بَلَدِهِ ) إنْ كَانَ بَلَدِيًّا وَفِي غَيْرِهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَحِلِّهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِيَ ( وَقِيلَ ) مِنْ غَالِبِ ( قُوتِهِ ) عَلَى الْخُصُوصِ ( وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ) جَمِيعِ ( الْأَقْوَاتِ ) فَأَوْفَى الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّنْوِيعِ ، وَعَلَى الثَّالِثِ لِلتَّخْيِيرِ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَالِبِ الْقُوتِ غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا غَالِبُ قُوتِ وَقْتِ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي وَسِيطِهِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ كَمَا قَدَّرْتُ غَالِبَ فِي عِبَارَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ أَقْوَاتٌ وَغَلَبَ بَعْضُهَا وَجَبَ مِنْ الْغَالِبِ وَلْيَحْسُنْ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ ( وَيُجْزِئُ ) عَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْقُوتُ ( الْأَعْلَى عَنْ ) الْقُوتِ ( الْأَدْنَى ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ بِنْتَ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ ، وَقِيلَ : لَا يُجْزِئُ كَالْحِنْطَةِ عَنْ الشَّعِيرِ ، وَالذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزَّكَوَاتِ الْمَالِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ ، فَأُمِرَ أَنْ يُوَاسِيَ الْمُسْتَحِقِّينَ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْفِطْرَةُ زَكَاةُ الْبَدَنِ فَوَقَعَ النَّظَرُ فِيهَا إلَى مَا هُوَ غِذَاءُ الْبَدَنِ وَبِهِ قِوَامُهُ ، وَالْأَعْلَى يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْغَرَضُ وَزِيَادَةٌ ( وَلَا عَكْسَ ) لِنَقْصِهِ عَنْ الْحَقِّ فَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ( وَالِاعْتِبَارُ ) فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى ( بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ ) رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ ( وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ فَقَالَ ( فَالْبُرُّ ) لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ اقْتِيَاتًا ( خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ ) وَمِنْ الزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ قِيلَ أَفْضَلُهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ لَكَانَ مُتَّجِهًا ، وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلْغَالِبِ لَا
لِلْبَلَدِ نَفْسِهِ ( وَ الْأَصَحُّ : أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاقْتِيَاتِ ( وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ ) لِمَا مَرَّ فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْهُ بِالْأَوْلَى ، وَالثَّانِي أَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الشَّعِيرِ ، وَأَنَّ الزَّبِيبَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْأَرُزِّ ، وَأَنَّ الْأَرُزَّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ .
وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتِهِ ، وَعَنْ قَرِيبِهِ أَعْلَى مِنْهُ .
( وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتِهِ ) الْوَاجِبَ ( وَعَنْ قَرِيبِهِ ) أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ ، أَوْ مَنْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ ( أَعْلَى مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا ، وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ لِأَحَدِ جُبْرَانَيْنِ شَاتَيْنِ ، وَلِلْآخَرِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ وَعَنْ غَيْرِهِ أَعْلَى مِنْهُ لَشَمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ .
.
وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ .
( وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ ) الْمُخْرَجُ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ جِنْسَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ ، كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكْسُوَ خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْمُخْرَجُ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ اثْنَيْنِ كَأَنْ مَلَكَ وَاحِدٌ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّاعِ ، وَبِقَوْلِنَا : مِنْ جِنْسَيْنِ مَا لَوْ أَخْرَجَ صَاعًا مِنْ نَوْعَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَا مِنْ الْغَالِبِ .
وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ ، وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا .
( وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا ) إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ قُوتَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، كَمَا تَقَدَّمَ ( تَخَيَّرَ ) إذْ لَيْسَ تَعْيِينُ الْبَعْضِ بِأَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَصْلَحُ كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ ( وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا ) أَيْ أَعْلَاهَا فِي الِاقْتِيَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } ) وَلَوْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْقَمْحَ الْمَخْلُوطَ بِالشَّعِيرِ تَخَيَّرَ إنْ كَانَ الْخَلِيطَانِ عَلَى السَّوَاءِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَجَبَ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نِصْفًا مِنْ ذَا وَنِصْفًا مِنْ ذَا فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يُخْرِجُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُجْزِئُ الْآخَرُ ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَعَّضَ الصَّاعُ مِنْ جِنْسَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا قُوتَ لَهُمْ فِيهَا يُجْزِئُ بِأَنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْأَشْيَاءَ النَّادِرَةَ أَخْرَجَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ ، فَإِنْ اسْتَوَى إلَيْهِ بَلَدَانِ فِي الْقُرْبِ ، وَاخْتَلَفَ الْغَالِبُ مِنْ أَقْوَاتِهِمَا تَخَيَّرَ ، وَالْأَفْضَلُ الْأَعْلَى .
وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ .
( وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْعِبْرَةَ بِبَلَدِ السَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُتَحَمِّلِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ .
قُلْتُ : الْوَاجِبُ الْحَبُّ السَّلِيمُ .
( قُلْتُ : الْوَاجِبُ الْحَبُّ ) حَيْثُ تَعَيَّنَ فَلَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا ، وَلَا الْخُبْزُ وَلَا الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ يَصْلُحُ لِمَا لَا تَصْلُحُ لَهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ ( السَّلِيمُ ) فَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوَّسُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُهُ وَالْمَعِيبُ .
قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } .
وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ .
( وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ ، وَكَذَا السَّفِيهُ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ ، وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ أَنَّ هَذَا فِي أَبٍ أَوْ جَدٍّ يَلِي الْمَالَ ، فَإِنْ لَمْ يَلِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيَكُونُ كَالْأَجْنَبِيِّ .
أَمَّا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ يَخْتَصُّ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ ( كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ ) فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يُجْزِئْهُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهَا عَادَةً مُفْتَقِرَةٌ إلَى نِيَّةٍ فَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِغَيْرِ إذْنٍ ( بِخِلَافِ ) وَلَدِهِ ( الْكَبِيرِ ) الرَّشِيدِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي عَبْدٍ لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ .
( وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ ) مُنَاصَفَةً مَثَلًا ( فِي عَبْدٍ ) أَيْ رَقِيقٍ وَالْمُعْسِرُ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ ( لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَإِنْ كَانَ وَصَادَفَ زَمَنُ الْوُجُوبِ نَوْبَةَ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ الصَّاعُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، أَمَّا الْمُعْسِرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُبَعَّضِ الْمُعْسِرِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِالرَّقِيقِ عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ ، وَبِالْحِصَّةِ أَوْ الْقِسْطِ عِوَضًا عَنْ النِّصْفِ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ .
وَلَوْ أَيْسَرَا وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَلَوْ أَيْسَرَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ فِي الرَّقِيقِ ( وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا ) لِاخْتِلَافِ قُوتِ بَلَدِهِمَا بِأَنْ كَانَا بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ ، أَوْ لِاخْتِلَافِ قُوتِهِمَا عَلَى مَقَالَةٍ ( أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ ) أَيْ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ ، أَوْ مِنْ قُوتِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً .
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ : أَنَّهُ يُخْرِجُهُ مِنْ قُوتِ مَحِلِّ الرَّقِيقِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ السَّابِقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَكِنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ، ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْمُؤَدِّي ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا : إنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى صُورَةٍ ، وَهِيَ مَا إذَا أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ نِسْبَتُهَا فِي الْقُرْبِ إلَى بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُعْتَبَرُ قُوتُ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا بَلَدَ لِلْعَبْدِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي بَلَدٍ لَا قُوتَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُحْمَلُ إلَيْهَا مِنْ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ مِنْ الْأَقْوَاتِ مَا لَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ كَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى تَصْوِيرٍ صَحِيحٍ لَا يُعْدَلُ إلَى تَغْلِيطِهِمْ ، وَإِذْ قَدْ عَرَفْتَ ذَلِكَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا صَحَّحَهُ هُنَا وَبَيْنَ مَا صَحَّحَهُ أَوَّلًا مِنْ كَوْنِ الْأَصَحِّ اعْتِبَارَ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كُنْتُ قَرَّرْتُهُ أَوَّلًا تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلِغَالِبِ شُرَّاحِ الْكِتَابِ .
فَرْعَانِ : أَحَدُهُمَا يَجِبُ صَرْفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الْأَصْنَافِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقِيلَ يَكْفِي الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ ؛ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ فِي الْغَالِبِ ، وَبِهَذَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ .
وَقِيلَ يَجُوزُ صَرْفُهَا لِوَاحِدٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
ثَانِيهِمَا : لَوْ دَفَعَ فِطْرَتَهُ إلَى فَقِيرٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ فَدَفَعَهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عَنْ فِطْرَتِهِ جَازَ لِلدَّافِعِ الْأَوَّلِ أَخْذُهَا ، فَإِنْ قِيلَ : وُجُوبُ الْفِطْرَةِ يُنَافِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ أَخْذَهَا لَا يَقْتَضِي غَايَةَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَقَدْ تَجِبُ زَكَاةُ الْمَالِ عَلَى مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَهُمَا فِي خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ بِأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْمِلْكُ ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَئُولُ لَهُ الْمِلْكُ .
وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ عَنْ رَقِيقٍ فَفِطْرَةُ رَقِيقِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ كُلٌّ بِقِسْطِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَنْ أَرِقَّاءَ فَالْفِطْرَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي التَّرِكَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالدَّيْنِ .
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ فِطْرَةِ عَبْدٍ أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَجَبَتْ فِي تَرِكَتِهِ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبُولِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَعَلَى الْوَارِثِ فِطْرَتُهُ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ ، فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَوَارِثُهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ ، فَإِنْ قَبِلَ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَيِّتِ وَفِطْرَةُ الرَّقِيقِ فِي التَّرِكَةِ إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ جُزْءٌ فِيهَا ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِهَا أَوْ مَعَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى وَرَثَتِهِ عَنْ الرَّقِيقِ إنْ قَبِلُوا الْوَصِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ كَانَ فِي مِلْكِهِمْ .
وَهَلْ تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ الْمُقِيمِينَ فِي الرِّبَاطِ ؟ قَالَ الْفَارِقِيُّ : إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجَبَتْ ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْغَلَّةَ ، وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْمُقِيمِينَ بِالرِّبَاطِ إذَا حَدَثَتْ غَلَّةٌ مَلَكُوهَا وَلَا يُشَارِكُهُمْ مَنْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ مُطْلَقًا فَمَنْ دَخَلَ الرِّبَاطَ قَبْل الْغُرُوبِ عَلَى عَزْمِ الْمُقَامِ لَزِمَهُ الْفِطْرَةُ فِي الْمَعْلُومِ الْحَاصِلِ لِلرِّبَاطِ ، وَإِنْ شَرَطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ قُوتَهُ كُلَّ يَوْمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ .
قَالَ وَهَكَذَا حَكَمَ الْمُتَفَقِّهَةُ فِي الْمَدَارِسِ ، فَإِنَّ جِرَايَتَهُمْ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّهْرِ ، فَإِذَا أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلِلْوَقْفِ غَلَّةٌ لَزِمَهُمْ الْفِطْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَبَضُوا ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمُشَاهَرَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَلَّةِ .
بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ .
شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ : الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ ، وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إنْ أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ ، دُونَ الْمُكَاتَبِ
بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ أَيْ زَكَاةُ الْمَالِ ( وَمَا تَجِبُ فِيهِ ) مِمَّا اتَّصَفَ بِوَصْفٍ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ وَقَدْ لَا يُؤَثِّرُ كَالْغَصْبِ وَالْجُحُودِ وَالْإِضْلَالِ أَوْ مُعَارَضَتِهِ بِمَا قَدْ يُسْقِطُ كَالدَّيْنِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَنْوَاعِ الْمَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَقَالَ ( شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ ) بِأَنْوَاعِهِ السَّابِقَةِ وَهِيَ الْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَالنَّقْدَانِ وَالْمَعْدِنُ وَالرِّكَازُ وَالتِّجَارَةُ عَلَى مَالِكِهِ ( الْإِسْلَامُ ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ ، وَاحْتُرِزَ بِزَكَاةِ الْمَالِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا قَدْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا كَانَ يُخْرِجُ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ ( وَالْحُرِّيَّةُ ) فَلَا تَجِبُ عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَمُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ ، وَعَلَى الْقَدِيمُ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ مِلْكًا ضَعِيفًا ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ قُلْنَا : يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ غَيْرِ سَيِّدِهِ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَيْهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ( وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ ) زَكَاةُ الْمَالِ الَّذِي حَالَ حَوْلُهُ فِي رِدَّتِهِ ( إنْ أَبَقِينَا مِلْكَهُ ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ إنْ أَزَلْنَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَمَوْقُوفَةٌ ، فَمَفْهُومُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُنَا بِالْوَقْفِ .
أَمَّا إذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ
مَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ كَمَا نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ ، وَيُجْزِئُهُ الْإِخْرَاجُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فِي هَذِهِ ، وَفِي الْأُولَى عَلَى قَوْلِ اللُّزُومِ فِيهَا ، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ ( دُونَ الْمُكَاتَبِ ) فَلَا تَلْزَمُهُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ .
وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ ، فَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ ، فَإِنْ زَالَتْ الْكِتَابَةُ بِعَجْزٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْعَقْدُ حَوْلَ السَّيِّدِ مِنْ حِينِ زَوَالِهَا .
تَنْبِيهٌ : ضَمَّ فِي الْحَاوِي إلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : كَوْنُهُ لِمُعَيَّنٍ فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ ، وَتَجِبُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ .
الثَّانِي : كَوْنُهُ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْحَمْلِ الْمَوْقُوفِ لَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَلَى الْأَصَحِّ ، إذْ لَا ثِقَةَ بِحَيَاتِهِ ، فَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ ، وَيُمْكِنُ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ الِاحْتِرَازُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ : وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ .
وَتَجِبُ فِي مَالٍ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ .
، ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، فَقَالَ : ( وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ) لِشُمُولِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ لَهُمَا ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ ، فَإِنَّ الْخَصْمَ قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِمَا ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَلَا فِي تَأَخُّرِ إخْرَاجِهَا إلَى الْبُلُوغِ شَيْءٌ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : لَا أَعْرِفُ عَنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا صَحِيحًا أَنَّهَا لَا تَجِبُ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَتَطْهِيرُ الْمَالِ وَمَا لَهُمَا قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَاهُ ، وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ مَحْضَ عِبَادَةٍ حَتَّى تَخْتَصَّ بِالْمُكَلَّفِ ، وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ وَلِيُّهُمَا ، وَمَحِلُّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا فِي مَالِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ ، وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يَحْسِبَ زَكَاةَ الْمَالِ حَتَّى يُكْمِلَا فَيُخْبِرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمَهُ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْقَفَّالُ ، وَفَرَضَهُ فِي الطِّفْلِ وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ بَلْ عَامِّيًّا صِرْفًا ، فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا فَوَاضِحٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ .
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ أَيْضًا : إنَّ قَيِّمَ الْحَاكِمِ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرَ يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِمَا أَخْرَجَاهَا إنْ كَمُلَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا ، وَمِثْلُهُمَا فِيمَا ذُكِرَ السَّفِيهُ .
فَائِدَةٌ : أَجَابَ السُّبْكِيُّ عَنْ سُؤَالٍ صُورَتُهُ : كَيْفَ تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَالْغِشُّ فِيهَا مِلْكُهُمْ بِأَنَّ الْغِشَّ إنْ كَانَ يُمَاثِلُ أُجْرَةَ الضَّرْبِ وَالتَّخْلِيصِ فَيُسَامَحُ بِهِ
وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهَا .
وَكَذَا عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا فِي الْأَصَحِّ .
( وَكَذَا ) تَجِبُ الزَّكَاةُ ( عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا فِي الْأَصَحِّ ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : إنَّهُ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْحُرِّ الْمُوسِرِ أَيْ بِمَا عَدَا الْعِتْقَ ، وَالثَّانِي : لَا لِنُقْصَانِهِ بِالرِّقِّ ، فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ .
وَفِي الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ وَالْمَجْحُودِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ .
( وَ ) تَجِبُ ( فِي الْمَغْصُوبِ ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَزْعِهِ ، وَمِثْلُهُ الْمَسْرُوقُ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ ذِكْرِ الْمُحَرِّرِ لَهُ ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ ( وَالضَّالِّ ) وَالْوَاقِعِ فِي بَحْرٍ وَمَا دَفَنَهُ ثُمَّ نَسِيَ مَكَانَهُ ( وَالْمَجْحُودِ ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنِ الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ وَلَا عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ ( فِي الْأَظْهَرِ ) الْجَدِيدِ ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ لِمِلْكِ النِّصَابِ وَتَمَامِ الْحَوْلِ .
وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ : لِامْتِنَاعِ النَّمَاءِ وَالتَّصَرُّفِ ، فَأَشْبَهَ مَالَ الْمُكَاتَبِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى السَّيِّدِ .
أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى نَزْعِ الْمَغْصُوبِ أَوْ كَانَ لَهُ بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ قَطْعًا ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ، وَقُلْنَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ ( وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ ) الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ قَبْلَهُ ، فَإِذَا عَادَ زَكَّاهُ لِلْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ بِشَرْطَيْنِ : أَحَدُهُمَا : كَوْنُ الْمَاشِيَةِ سَائِمَةً عِنْدَ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
وَالثَّانِي : أَنْ لَا يَنْقُصَ النِّصَابُ بِمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ ، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا فَقَطْ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُعَوِّضُ قَدْرَ الْوَاجِبِ لَمْ تَجِبْ زَكَاةُ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ .
وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ .
( وَ ) تَجِبُ قَطْعًا فِي ( الْمُشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ ) بِأَنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا مِنْ الشِّرَاءِ ( وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ ) فِي الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ لَا يَصِحُّ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَانْتِزَاعِهِ ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ .
وَتَجِبُ فِي الْحَالِّ عَنْ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَكَمَغْصُوبٍ .
( وَتَجِبُ فِي الْحَالِّ عَنْ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَالِ الْحَاضِرِ ، وَيَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ فِي بَلَدِ الْمَالِ إنْ اسْتَقَرَّ فِيهِ ، فَإِنْ بَعُدَ بَلَدُ الْمَالِ عَنْ الْمَالِكِ وَمَنَعْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ .
نَعَمْ إنْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ أَوْ حَاكِمٌ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ دَفَعَهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِّ ؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ أَوْ شَكٍّ فِي سَلَامَتِهِ ( فَكَمَغْصُوبٍ ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ ، أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ فَكَمَغْصُوبٍ ، وَإِنْ تَيَسَّرَ وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ فِي الْحَالِّ ، أَوْ مُؤَجَّلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ ، وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ ، وَالثَّالِثُ : يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ ، وَهُوَ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ .
( وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً ) لَا لِلتِّجَارَةِ ، كَأَنْ أَقْرَضَهُ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهَا وَمَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ قَبَضَهُ أَوْ كَانَ ( غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ ) فِيهِ .
أَمَّا الْمَاشِيَةُ ؛ فَلِأَنَّ عِلَّةَ الزَّكَاةِ فِيهَا النَّمَاءُ وَلَا نَمَاءَ فِيهَا فِي الذِّمَّةِ ، بِخِلَافِ النَّقْدِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُهُ نَقْدًا وَهُوَ حَاصِلٌ ؛ وَلِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي زَكَاتِهَا ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَّصِفُ بِالسَّوْمِ .
وَاعْتَرَضَ هَذَا التَّعْلِيلَ الرَّافِعِيُّ بِجَوَازِ ثُبُوتِ لَحْمِ رَاعِيَةٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ رَاعِيَةٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا الْتَزَمَهُ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ مِنْ الْخَارِجِ ، وَالْكَلَامُ فِي أَنَّ السَّوْمَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْخَارِجِ ، وَمِثْلُ الْمَاشِيَةِ الْمُعَشَّرُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الزَّهْوُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَأَمَّا دَيْنُ الْكِتَابَةِ ؛ فَلِأَنَّ لِلْعَبْدِ إسْقَاطَهُ مَتَى شَاءَ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ( أَوْ عَرْضًا ) لِلتِّجَارَةِ ( أَوْ نَقْدًا فَكَذَا ) أَيْ لَا زَكَاةَ فِيهِ ( فِي الْقَدِيمِ ) إذْ لَا مِلْكَ فِيهِ حَقِيقَةً ، فَأَشْبَهَ دَيْنَ الْمُكَاتَبِ ( وَفِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ ) كَمَطْلٍ أَوْ غَيْبَةِ مَلِيءٍ وَجُحُودٍ ( فَكَمَغْصُوبٍ ) فَتَجِبُ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ ، وَلَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَحْصُلَ وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَهُ فِي الْبَاطِنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ دُونَ الْإِخْرَاجِ قَطْعًا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ .
( وَإِنْ تَيَسَّرَ ) أَخْذُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ حَاضِرٍ بَاذِلٍ أَوْ جَاحِدٍ وَبِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ
يَعْلَمُهُ الْقَاضِي ، وَقُلْنَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ ( وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ فِي الْحَالِّ ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى قَبْضِهِ فَهُوَ كَالْمُودَعِ ، وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُخْرِجُ فِي الْحَالِّ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ ، وَقِيلَ : لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ فَيُزَكِّيَهُ لِمَا مَضَى ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الظَّفَرُ بِأَخْذِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْجَاحِدِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا ضَرَرٍ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَالدَّارِمِيِّ تَزْكِيَتَهُ فِي الْحَالِّ ( أَوْ مُؤَجَّلًا ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ ) فَفِيهِ الْقَوْلَانِ ، وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَطْعًا ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ( وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ ) كَالْغَائِبِ الَّذِي يَسْهُلُ إحْضَارُهُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ لَكَانَ أَوْلَى ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ وَلَا مَانِعَ سِوَى الْأَجَلِ ، وَحِينَئِذٍ مَتَى حَلَّ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ ، قَبَضَ أَمْ لَا .
فَائِدَةٌ : قَالَ السُّبْكِيُّ : إذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الدَّيْنِ وَقُلْنَا : تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ اقْتَضَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَابُ الْأَصْنَافِ رُبُعَ عُشْرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ ، وَذَلِكَ يَجُرُّ إلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَاقِعٍ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، كَالدَّعْوَى بِالصَّدَاقِ وَالدُّيُونِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْجَمِيعِ فَكَيْفَ يَدَّعِي بِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ الْقَبْضَ لِأَجْلِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْمُسْقِطِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ حَلِفِهِ لَمْ يَسْقُطْ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ حِينَ حَلِفِهِ وَلَا يَقُولُ إنَّهُ بَاقٍ لَهُ ا هـ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا : مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ صَدَاقِهَا وَقَدْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ أَحْوَالٌ فَأَبْرَأَتْهُ
مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ مِنْ جَمِيعِهِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ فَتَفَطَّنْ لَهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ ( وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا ) سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَمْ لَا ، مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَمْ لَا ، لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ أَمْ لَا ( فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلزَّكَاةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ .
وَالثَّانِي : يَمْنَعُ كَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ .
( وَالثَّالِثُ : يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ ، وَهُوَ النَّقْدُ ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ كَانَ أَوْلَى ، ، وَالرِّكَازُ ( وَالْعَرْضُ ) وَلَا يَمْنَعُ فِي الظَّاهِرِ ، وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَعْدِنُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ يَنْمُو بِنَفْسِهِ وَالْبَاطِنَ إنَّمَا يَنْمُو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَحُوجُ إلَى صَرْفِهِ فِي قَضَائِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ زَكَاةَ الْفِطْرِ ، وَهِيَ مِنْ الْبَاطِنِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْبَاطِنِ لَكِنْ لَا مَدْخَلَ لَهَا هُنَا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمْوَالِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَزِدْ الْمَالُ عَلَى الدَّيْنِ ، فَإِنْ زَادَ وَكَانَ الزَّائِدُ نِصَابًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ قَطْعًا ، وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْ قَطْعًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَهَلْ يَلْتَحِقُ دَيْنُ الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ بِبَاقِي الدُّيُونِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِ الرُّويَانِيِّ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْأَدَاءِ ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِهَا ( فَعَلَى الْأَوَّلِ ) الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ ( لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ ) ؛ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مَانِعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ .
نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْقَاضِي لِكُلِّ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ شَيْئًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ التَّقْسِيطُ وَمَكَّنَهُ مِنْ الْأَخْذِ فَلَمْ يَتَّفِقَ الْأَخْذُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ ، وَلَا عَلَى الْمَالِكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَكَوْنِهِمْ أَحَقَّ بِهِ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَخَذُوهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ، فَلَوْ تَرَكُوهُ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ لِتَبَيُّنِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ ، ثُمَّ عَدَمُ لُزُومِهَا عَلَيْهِ مَحَلُّهُ - كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ - إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِمْ ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا بَيْعٍ أَوْ تَعْوِيضٍ : قَالَ : وَقَدْ صَوَّرَهَا بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْحَجْرِ يَقْتَضِيهِ .
فَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ .
وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ قُدِّمَتْ ، وَفِي قَوْلٍ الدَّيْنُ ، وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ .
( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا ( لَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ ) بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهَا ( قُدِّمَتْ ) أَيْ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَى الدَّيْنِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْمَرْهُونِ تَقْدِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ } ؛ وَلِأَنَّ مَصْرِفَهَا أَيْضًا إلَى الْآدَمِيِّينَ ، فَقُدِّمَتْ لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِيهَا وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا مَعَ الدَّيْنِ ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَجُّ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْكَفَّارَةُ وَالنَّذْرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ .
نَعَمْ الْجِزْيَةُ وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ يَسْتَوِيَانِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ( وَفِي قَوْلٍ ) يُقَدَّمُ ( الدَّيْنُ ) ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ لِافْتِقَارِهِمْ وَاحْتِيَاجِهِمْ ، وَكَمَا يُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ ( وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ ) فَيُوَزَّعُ الْمَالُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمَالِيَّ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَعُودُ إلَى الْآدَمِيِّينَ أَيْضًا ، وَهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ مِنْهُمَا وُجُوبًا ، وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَكَفَّارَةٍ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ النِّصَابُ مَوْجُودًا : أَيْ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَيَسْتَوِيَانِ ، وَبِالتَّرِكَةِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا ، هَذَا إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ فَالزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا فَتُقَدَّمُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ
جَعَلَهُ صَدَقَةً أَوْ أُضْحِيَّةً قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَزِمَهُ الْحَجُّ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ .
وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إنْ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ حَوْلٌ ، وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ ، وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا ، وَإِلَّا فَلَا .
( وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ) وَبَعْدَ الْحِيَازَةِ وَانْقِضَاءِ الْحَرْبِ ( إنْ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ ( حَوْلٌ وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ ) بِدُونِ الْخُمْسِ ( فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ ) مَاشِيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا ( وَجَبَتْ زَكَاتُهَا ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ بِأَنْ لَمْ يَخْتَارُوا تَمَلُّكَهَا أَوْ لَمْ يَمْضِ حَوْلٌ أَوْ مَضَى ، وَالْغَنِيمَةُ أَصْنَافٌ أَوْ صِنْفٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ بِخُمْسِ الْخُمْسِ ( فَلَا ) زَكَاةَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ ضَعْفِهِ لِسُقُوطِهِ بِالْإِعْرَاضِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ ، وَلِعَدَمِ الْحَوْلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الثَّانِي ، وَلِعَدَمِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ مَاذَا نَصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ ، وَلِعَدَمِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ ، وَلِعَدَمِ بُلُوغِهِ نِصَابًا عِنْدَ الشَّرْطِ الْخَامِسِ ، وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ السَّادِسِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ أَهْلِ الْخُمْسِ ، إذْ لَا زَكَاةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ .
وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ .
( وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ ) سَوَاءٌ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَالْقَبْضِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا بَعْضَ نِصَابٍ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أَيْضًا ، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ ، بِخِلَافِ إصْدَاقِ التَّقْدِيمِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا فِي الذِّمَّةِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ رَجَعَ فِي نِصْفِ الْجَمِيعِ شَائِعًا إنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْمُصَدَّقِ أَوْ لَمْ يَأْخُذَ شَيْئًا ، فَإِنْ طَالَبَهُ السَّاعِي بَعْدَ الرُّجُوعِ وَأَخَذَهَا مِنْهَا أَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا مِنْهَا قَبْلَ الرُّجُوعِ فِي بَقِيَّتِهَا رَجَعَ أَيْضًا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهَا وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ إنْ دَامَتْ الْخُلْطَةُ ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ تَمَامِ النِّصَابِ .
تَنْبِيهٌ : مَحِلُّ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا إذَا عَلِمَتْ بِالسَّوْمِ ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ انْبَنَى عَلَى أَنَّ قَصْدَ السَّوْمِ شَرْطٌ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ .
نَعَمْ وَلَوْ طَالَبَتْهُ الْمَرْأَةُ بِهِ فَامْتَنَعَ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهِ فَكَالْمَغْصُوبِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَعِوَضُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كَالصَّدَاقِ ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بَحْثًا مَالَ الْجَعَالَةِ .
وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ عِشْرِينَ ، وَلِتَمَامِ الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لِسَنَةٍ ، وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ ، وَلِتَمَامِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ لِسَنَةٍ ، وَعِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ ، وَلِتَمَامِ الرَّابِعَةِ زَكَاةَ سِتِّينَ لِسَنَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَرْبَعٍ ، وَالثَّانِي يُخْرِجُ لِتَمَامِ الْأُولَى زَكَاةَ الثَّمَانِينَ .
( وَلَوْ أَكْرَى ) غَيْرَهُ ( دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا ) مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ كُلَّ سَنَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ( وَقَبَضَهَا ) مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ ( فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ ) عَلَيْهِ مِلْكُهُ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَقِرُّ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِانْهِدَامِ الدَّارِ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ ، وَإِنْ حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمَجْعُولَةِ أُجْرَةً ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ارْتِفَاعِ الضَّعْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ تُسْتَحَقُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ ، فَبِفَوَاتِهَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ تُسَلَّمْ الْمَنَافِعُ لِلزَّوْجِ ، وَتَشَطُّرُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَصَرُّفِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ، فَيُفِيدُ مِلْكًا جَدِيدًا ، وَلَيْسَ نَقْضًا لِمِلْكِهَا مِنْ الْأَصْلِ ( فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ عِشْرِينَ ) وَهُوَ نِصْفُ دِينَارٍ ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ ( وَلِتَمَامِ ) السَّنَةِ ( الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لِسَنَةٍ ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا ( وَ ) زَكَاةَ ( عِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ ( وَلِتَمَامِ ) السَّنَةِ ( الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ لِسَنَةٍ ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا ( وَ ) زَكَاةَ ( عِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ ( وَلِتَمَامِ ) السَّنَةِ ( الرَّابِعَةِ زَكَاةَ سِتِّينَ لِسَنَةٍ ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا ( وَ ) زَكَاةَ ( عِشْرِينَ لِأَرْبَعٍ ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ بِالسَّنَةِ الثَّانِيَةِ يَسْتَقِرُّ عَلَى مِلْكِهِ رُبْعُ الثَّمَانِينَ الَّذِي هُوَ حِصَّتُهَا وَلَهُ فِي مِلْكِهِ سَنَتَانِ وَلَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ ، فَيَكُونُ قَدْ مَلَكَ الْمُسْتَحِقُّونَ نِصْفَ دِينَارٍ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ ذَلِكَ ، وَهَكَذَا قِيَاسُ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ
وَالرَّابِعَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ غَيْرَ الْأُجْرَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَوَّلُ الْحَوْلِ الثَّانِي فِي رُبُعِ الثَّمَانِينَ بِكَمَالِهِ مِنْ حِينِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ إلَى حِينِ الْأَدَاءِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَجَّلَ الْإِخْرَاجَ قَبْلَ حَوَلَانِ كُلَّ حَوْلٍ فَلَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ حَقٌّ فِي الْمَالِ ( وَ ) الْقَوْلُ ( الثَّانِي يُخْرِجُ لِتَمَامِ ) السَّنَةِ ( الْأُولَى زَكَاةَ الثَّمَانِينَ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا مَرَّ ، وَسُقُوطُهَا بِالِانْهِدَامِ لَا يَقْدَحُ كَمَا فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ مَحَلُّ مَا مَرَّ إذَا تَسَاوَتْ أُجْرَةُ السِّنِينَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَكُلٌّ مِنْهَا بِحِسَابِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا انْفَسَخَتْ تُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّتَيْنِ الْمَاضِيَةِ والْمُسْتَقَبَلَةِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ وَتَبَيَّنَّا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى قِسْطِ الْمَاضِي ، وَالْحُكْمُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ : فَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ زَكَاةَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْهَا عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ قِسْطِ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ .
فَصْلٌ
( فَصْلٌ ) فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ : كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُتَرْجِمَ لَهُ بِبَابٍ ، وَكَذَا لِلْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي التَّبْوِيبِ ، فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِالْفَصْلِ ، وَلِهَذَا عَقَدَ فِي الرَّوْضَةِ لِهَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ : بَابًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَبَابًا فِي تَعْجِيلِهَا ، وَبَابًا فِي تَأْخِيرِهَا .
فَصْلٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ ، وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالْأَصْنَافِ .
( تَجِبُ الزَّكَاةُ ) أَيْ أَدَاؤُهَا ( عَلَى الْفَوْرِ ) ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَيْهَا نَاجِزَةٌ ( إذَا تَمَكَّنَ ) مِنْ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِدُونِهِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ ، فَإِنْ أَخَّرَ أَثِمَ وَضَمِنَ إنْ تَلِفَ كَمَا سَيَأْتِي .
نَعَمْ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كَمَا مَرَّ ( وَذَلِكَ ) أَيْ التَّمَكُّنُ ( بِحُضُورِ الْمَالِ ) فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمَالِ الْغَائِبِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ .
نَعَمْ إنْ مَضَى بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الْمُضِيُّ إلَى الْغَائِبِ فِيهَا صَارَ مُتَمَكِّنًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ ( وَ ) حُضُورُ ( الْأَصْنَافِ ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ حُضُورُ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي لِاسْتِحَالَةِ الْإِعْطَاءِ بِدُونِ الْقَابِضِ ، وَبِجَفَافِ الثِّمَارِ ، وَتَنْقِيَةِ الْحَبِّ وَالْمَعْدِنِ ، وَخُلُوِّ الْمَالِكِ مِنْ مُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ ، وَإِنْ حَضَرَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّتَهُمْ ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِيَتَرَوَّى حَيْثُ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِرِينَ ، وَكَذَا لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ أَحْوَجَ أَوْ أَصْلَحَ ، أَوْ لِانْتِظَارِ الْأَفْضَلِ مِنْ تَفْرِقَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُ الْحَاضِرِينَ .
نَعَمْ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ حِينَئِذٍ ضَمِنَ .
وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ وَكَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الْجَدِيدِ ، وَلَهُ التَّوْكِيلُ ، وَالصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِزًا .
( وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ ) وَهُوَ النَّقْدَانِ ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ ، وَالرِّكَازُ كَمَا مَرَّ لِمُسْتَحِقِّهِ ، وَإِنْ طَلَبَهَا الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَبْضِهَا لِلْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ .
نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يُزَكِّي فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَدِّهَا وَإِلَّا ادْفَعْهَا إلَيَّ .
وَكَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ جَوَازَ مُبَاشَرَةِ السَّفِيهِ لِذَلِكَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ ( وَكَذَا الظَّاهِرُ ) وَهُوَ النَّعَمُ وَالْمُعَشَّرُ وَالْمَعْدِنُ كَمَا مَرَّ ( عَلَى الْجَدِيدِ ) قِيَاسًا عَلَى الْبَاطِنِ ، وَالْقَدِيمُ يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } الْآيَةَ ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ ، هَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ ، فَإِنْ طَلَبَهَا وَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا بَذْلًا لِلطَّاعَةِ ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ ، إذْ لَا نَظَرَ لَهُ فِيهَا كَمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ الْجَائِرُ بِغَيْرِهِ لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ قَاتَلَهُمْ ، وَإِنْ قَالُوا : نُسَلِّمُهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْفُسِنَا لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَذْلِ الطَّاعَةِ ( وَلَهُ ) مَعَ الْأَدَاءِ فِي الْمَالَيْنِ ( التَّوْكِيلُ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِي أَدَائِهِ : كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ جِوَارُ تَوْكِيلِ الْكَافِرِ وَالرَّقِيقِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ تَعْيِينُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مِثْلَهُ فِي الصَّبِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَافِرِ ( وَالصَّرْفُ ) بِنَفْسِهِ وَوَكِيلِهِ ( إلَى الْإِمَامِ ) أَوْ السَّاعِي ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّ
الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ ) مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَأَقْدَرُ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَلِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْطِي غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الْإِمَامُ وَالسَّاعِي فَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَوْلَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِرًا ) فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ ، وَالثَّانِي : الْأَفْضَلُ الصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا ، وَالثَّالِثُ : الْأَفْضَلُ تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لِيَخُصَّ الْأَقَارِبَ وَالْجِيرَانَ وَالْأَحَقَّ وَيَنَالَ أَجْرَ التَّفْرِيقِ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْأَصَحِّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ .
أَمَّا الظَّاهِرَةُ : فَتَسْلِيمُهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ لَهَا ا هـ .
ثُمَّ إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ فَلِلْمَالِكِ تَأْخِيرُهَا مَا دَامَ يَرْجُو مَجِيءَ السَّاعِي ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَجِيئِهِ وَفَرَّقَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَالَبَهُ السَّاعِي وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا إنْ اُتُّهِمَ ، وَصَرْفُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ .
تَنْبِيهٌ : الْمُرَادُ بِالْعَادِلِ الْعَادِلُ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمُرَادِ بِالْعَدْلِ وَالْجَوْرِ هُنَا .
وَتَجِبُ النِّيَّةُ فَيَنْوِي هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي ، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا ، وَلَا يَكْفِي هَذَا فَرْضُ مَالِي ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَالِ ، وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ ، وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ أَيْضًا ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ ، وَأَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي .
( وَتَجِبُ النِّيَّةُ ) فِي الزَّكَاةِ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ ، وَالِاعْتِبَارُ فِيهَا بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهَا ( فَيَنْوِي : هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي ، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا ) كَزَكَاةِ مَالِي الْمَفْرُوضَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ أَوْ الْوَاجِبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ الْمَالِ دُونَ الْفَرِيضَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ مَعَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ زَكَاةٌ أَجْزَأَهُ أَيْضًا ( وَلَا يَكْفِي : هَذَا فَرْضُ مَالِي ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا ( وَكَذَا الصَّدَقَةُ ) أَيْ صَدَقَةُ مَالِي أَوْ الْمَالِ لَا يَكْفِي ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَصْدُقُ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، وَالثَّانِي : يَكْفِي لِظُهُورِهَا فِي الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عُهِدَتْ فِي الْقُرْآنِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ .
قَالَ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } الْآيَةَ .
أَمَّا لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ : أَنَّ الصَّدَقَةَ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ } .
( وَلَا يَجِبُ ) فِي النِّيَّةِ ( تَعْيِينُ الْمَالِ ) الْمُخْرَجِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ كَالْكَفَّارَاتِ ، فَلَوْ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابًا حَاضِرًا وَنِصَابًا غَائِبًا عَنْ مَحِلِّهِ ، فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَلَهُ الْمُخْرَجُ عَنْ الْحَاضِرِ ( وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ ) وَلَوْ بَانَ الْمُعَيَّنُ تَالِفًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ
الْغَيْرَ ، فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ ، فَأَخْرَجَ شَاةً عَنْ الْأَبْعِرَةِ فَبَانَتْ تَالِفَةً لَمْ تَقَعْ عَنْ الشِّيَاهِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ إنْ بَانَ ذَلِكَ الْمَنْوِيُّ عَنْهُ تَالِفًا فَعَنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَبَانَ تَالِفًا وَقَعَ عَنْ الْآخَرِ ، وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَبَانَ بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ مُوَرِّثِي قَدْ مَاتَ فَبَانَ مَوْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ، وَالْفَرْقُ عَدَمُ الِاسْتِصْحَابِ لِلْمَالِ فِي هَذِهِ ، إذْ الْأَصْلُ فِيهَا بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَعَدَمُ الْإِرْثِ وَفِي تِلْكَ بَقَاءُ الْمَالِ ، وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ فِي لَيْلَةِ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ : أَصُومُ غَدًا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَيَصِحُّ ، وَلَوْ قَالَ فِي لَيْلَةِ آخِرِ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ ( وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ) وَالسَّفِيهِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ ، وَقَدْ تَعَذَّرَتْ مِنْ الْمَالِكِ فَقَامَ بِهَا وَلِيُّهُ كَالْإِخْرَاجِ ، فَإِذَا دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَلِوَلِيِّ السَّفِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُفَوِّضَ النِّيَّةَ لَهُ كَغَيْرِهِ ( وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ ) عَنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ الْمُخَاطَبِ بِالزَّكَاةِ مُقَارِنَةً لِفِعْلِهِ ( وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ ) عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ( أَيْضًا ) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ .
وَالثَّانِي لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورَةِ ، كَمَا لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُسْتَنِيبِ فِي الْحَجِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْحَجِّ فِعْلُ النَّائِبِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ ، وَهِيَ هُنَا بِمَالِ الْمُوَكِّلِ فَكَفَتْ نِيَّتُهُ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ نَوَى الْوَكِيلُ
وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا إنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ النِّيَّةَ وَكَانَ الْوَكِيلُ أَهْلًا لَهَا كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا ، وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ عِنْدَ تَفْرِقَةِ الْوَكِيلِ جَازَ قَطْعًا ، وَلَوْ عَزَلَ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ وَنَوَى عِنْدَ الْعَزْلِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّفْرِقَةِ كَالصَّوْمِ لِعُسْرِ الِاقْتِرَانِ بِأَدَاءِ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ حَاجَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِهَا ، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ التَّفْرِقَةِ أَجْزَأَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةُ أَخْذَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَقَالَ فِيهِ عَنْ زِيَادَةَ الْعَبَّادِيِّ إنَّهُ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ ثُمَّ فَرَّقَهُ الْوَكِيلُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ إذَا كَانَ الْقَابِضُ مُسْتَحِقًّا ( وَلَوْ دَفَعَ ) الزَّكَاةَ ( إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَيْهِمْ ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ الزَّكَاةُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ، وَالسَّاعِي فِي ذَلِكَ كَالسُّلْطَانِ .
( فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ) الْمَالِكُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ ( لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ ) عِنْدَ الْقَسْمِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِلَا نِيَّةٍ لَا يُجْزِئُ فَكَذَا نَائِبُهُمْ .
وَالثَّانِي : يُجْزِئُ نَوَى السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ إنَّمَا هُوَ الْفَرْضُ فَأَغْنَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ عَنْ النِّيَّةِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّيَّةِ جَازَ كَغَيْرِهِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ
النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ ) مِنْ أَدَائِهَا نِيَابَةً عَنْهُ .
وَالثَّانِي : لَا تَلْزَمُهُ وَتُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ نِيَّتَهُ ) أَيْ السُّلْطَانِ ( تَكْفِي ) فِي الْإِجْزَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي النِّيَّةِ كَمَا فِي التَّفْرِقَةِ .
وَالثَّانِي : لَا تَكْفِي ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَنْوِ ، وَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِأَنْ يَتَقَرَّبَ بِالزَّكَاةِ وَمَحِلُّ لُزُومِ السُّلْطَانِ النِّيَّةَ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُمْتَنِعُ عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْهُ قَهْرًا .
فَإِنْ نَوَى كَفَى وَبَرِئَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَتَسْمِيَتُهُ حِينَئِذٍ مُمْتَنِعًا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ امْتِنَاعِهِ السَّابِقِ ، وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ بِنِيَّتِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ .
فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ وَلَا الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ بَاطِنًا .
وَكَذَا ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الْأَخْذِ وَنَوَى عِنْدَ الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ خِلَافَهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَمُولِيُّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَالِكِ وَالْمَالِكُ لَوْ نَوَى فِي هَذِهِ الْحَالَّةِ أَجْزَأَهُ .
وَلَوْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي اللُّزُومِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الِاكْتِفَاءِ .
فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَلَى مَالِكِ النِّصَابِ ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَلَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ .
( فَصْلٌ ) فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ ( لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ ) فِي مَالٍ حَوْلِيٍّ ( عَلَى مَالِكِ النِّصَابِ ) فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ كَأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ زَكَاةً إذَا تَمَّ النِّصَابُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِفَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ ، فَأَشْبَهَ أَدَاءَ الثَّمَنِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَتَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْيَمِينِ ، وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ فَبَلَغَتْ عَشْرًا بِالتَّوَالُدِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ زَكَاةِ الْعَيْنِ عَلَى النِّصَابِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَتَيْنِ ، وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ ثُمَّ وَلَدَتْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ لَمْ يُجْزِهِ الْمُعَجَّلُ عَنْ السِّخَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِهَا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْهَا ، وَلَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاتَيْنِ فَحَدَثَتْ سَخْلَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ تَصْرِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكَبِيرِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ النِّتَاجَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِمَثَابَةِ الْمَوْجُودِ فِي أَوَّلِهِ ، وَخَرَجَ بِالْعَيْنِيَّةِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ فِيهَا يُعْتَبَرُ آخِرَ الْحَوْلِ ، فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ ، أَوْ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي ذَلِكَ أَجْزَأَهُ ( وَيَجُوزُ ) تَعْجِيلُهَا فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ ( قَبْلَ ) تَمَامِ ( الْحَوْلِ ) فِيمَا انْعَقَدَ حَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ { سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا النِّصَابُ وَالْحَوْلُ ، فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَتَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْحِنْثِ ، فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَابْتَاعَ عَرْضًا يُسَاوِيهِمَا فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ ( وَلَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ) وَلَا لِأَكْثَرَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ غَيْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهُ ، وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ كَالتَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ ، فَإِنْ عَجَّلَ لِعَامَيْنِ فَأَكْثَرَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَوَّلِ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْإِجْزَاءُ ؛ عَنْهُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ مُسَلَّمٌ إنْ مَيَّزَ حِصَّةَ كُلِّ عَامٍ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُجْزِئَ عَنْ خَمْسِينَ شَاةً مَثَلًا إنَّمَا هُوَ شَاةٌ مُعَيَّنَةٌ لَا شَائِعَةٌ وَلَا مُبْهَمَةٌ ، وَالثَّانِي : يَجُوزُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَلَّفَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ ، وَصَحَّحَ هَذَا الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَزَوْهُ لِلنَّصِّ ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ التَّعْجِيلِ نِصَابٌ كَتَعْجِيلِ شَاتَيْنِ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً .
وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَسَلَّفَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ صَدَقَةَ مَالَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ مُفْرَدٌ .
وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ قَبْلَهُ .
( وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ ) لَيْلَةِ ( رَمَضَانَ ) ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا ؛ وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْمُخَالِفِ فَأُلْحِقَ الْبَاقِي بِهِ قِيَاسًا بِجَامِعِ إخْرَاجِهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ ( وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ ) أَيْ التَّعْجِيلِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبَبَيْنِ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ سَبَبٌ .
وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ مَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِدَلِيلِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الزَّوْجِيَّةُ وَالظِّهَارُ وَالْعَوْدُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ .
وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ ، وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ ، وَيَجُوزُ بَعْدَهُمَا .
( وَ ) الصَّحِيحُ ( أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ ، وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إدْرَاكُ الثِّمَارِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ ، وَأَيْضًا لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ كَزَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالنَّقْدِ قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا بَعْدَ ظُهُورِهِ .
أَمَّا قَبْلَهُ فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا ( وَ ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ ( يَجُوزُ بَعْدَهُمَا ) أَيْ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ النِّصَابِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ تَخْمِينًا ؛ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ ثَبَتَ إلَّا أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَا يَجِبُ ، وَهَذَا تَعْجِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ ، لَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْإِخْرَاجِ مِنْ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ .
وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ ، وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ عِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ ، أَوْ رُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ أَجْزَأَ قَطْعًا إذْ لَا تَعْجِيلَ .