كتاب : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج
المؤلف : محمد بن أحمد الخطيب الشربيني
كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مُطَالَبَتُهُ ، وَهَذَا الْخِلَافُ جَمِيعُهُ يَأْتِي فِي وَكِيلِ الْمُشْتَرِي إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهُ .
فَرْعٌ : وَكِيلُ الْمُسْتَقْرِضِ كَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَيُطَالِبُ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْغُرْمِ عَلَى الْمُوَكِّلِ .
تَنْبِيهٌ : الْمَقْبُوضُ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَضْمَنْهُ الْوَكِيلُ سَوَاءٌ أَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَمْ فِي يَدِ مُوَكِّلِهِ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَيَرْجِعُ إذَا غَرِمَ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ .
فَصْلٌ : الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الرَّابِعِ : وَهُوَ الْجَوَازُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ ، فَقَالَ : ( فَصْلٌ ) : الْوَكَالَةُ وَلَوْ بِجُعْلٍ ( جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ مَا وَكَّلَ فِيهِ أَوْ فِي تَوْكِيلِ آخَرَ ، وَمِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ فَيَكُونُ اللُّزُومُ مُضِرًّا بِهِمَا ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَقَدَ الْوَكَالَةَ بِاسْتِئْجَارٍ ، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَهُوَ لَازِمٌ ، وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَإِنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ وَشُرِطَ فِيهَا جُعْلٌ مَعْلُومٌ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : فَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ بِمَعَانِيهَا ، وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ نَقَلَهُمَا الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْغَالِبَةِ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ .
فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ أَوْ قَالَ رَفَعْت الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ فَإِنْ عَزَلَهُ ، وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الْحَالِ ، وَفِي قَوْلٍ لَا حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ .
( فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ ) أَيْ أَتَى بِلَفْظِ الْعَزْلِ خَاصَّةً ( أَوْ قَالَ ) فِي حُضُورِهِ : ( رَفَعْت الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا ) أَوْ أَزَلْتهَا أَوْ فَسَخْتَهَا أَوْ نَقَضْتهَا أَوْ صَرَفْتهَا ( أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ ) مِنْهَا لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ عَزَلَهُ وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الْحَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ ( وَفِي قَوْلٍ : لَا ) يَنْعَزِلُ ( حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ ) مِمَّنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ كَالْقَاضِي ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِالْقَاضِي فَيَعْظُمُ الضَّرَرُ بِنَقْضِ الْأَحْكَامِ وَفَسَادِ الْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَاكِمَ فِي وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ .
ا هـ .
قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ : وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّ الْوَكِيلَ الْعَامَّ كَوَكِيلِ السُّلْطَانِ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ لِعُمُومِ نَظَرِهِ كَالْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرُوهُ .
ا هـ .
وَرُبَّمَا يَلْتَزِمُ ذَلِكَ ، وَلَا يُصَدَّقُ مُوَكِّلُهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي قَوْلِهِ : كُنْت عَزَلْته إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى عَزْلِهِ ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَلَوْ بَاعَهُ جَاهِلًا بِعَزْلِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ أَسْلَمَهُ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا قَتَلَ بَعْدَ الْعَفْوِ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ ، وَلَوْ عَزَلَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَ ، وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْوَدِيعَ أَمِينُ الْوَكِيلِ يَتَصَرَّفُ ، وَالْعَزْلُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا : الْوَكِيلُ بَاقٍ عَلَى أَمَانَتِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ كَمَا مَرَّ ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ
أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ ، وَلَوْ عَزَلَ أَحَدَ وَكِيلَيْهِ مُبْهِمًا لَمْ يَتَصَرَّفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يُمَيِّزَ لِلشَّكِّ فِي أَهْلِيَّتِهِ .
وَلَوْ قَالَ عَزَلْت نَفْسِي أَوْ رَدَدْت الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ .
( وَلَوْ قَالَ ) الْوَكِيلُ ( عَزَلْت نَفْسِي أَوْ رَدَدْت الْوَكَالَةَ ) أَوْ فَسَخْتهَا أَوْ خَرَجْت مِنْهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهَا ( انْعَزَلَ ) لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْمُوَكِّلِ صِيغَةَ أَمْرٍ ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ صِيغَتُهُ صِيغَةَ أَمْرٍ كَأَعْتِقْ وَبِعْ لَمْ يَنْعَزِلْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذْنٌ وَإِبَاحَةٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَبَاحَ الطَّعَامَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُبَاحِ لَهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ، فَإِنْ قِيل كَيْفَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الْوَكَالَةِ فَسَادُ التَّصَرُّفِ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَزْلَ أَبْطَلَ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ ، فَلَوْ قُلْنَا : لَهُ التَّصَرُّفُ لَمْ يُفِدْ الْعَزْلُ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا فَإِنَّهُ إذَا فَسَدَ خُصُوصُ الْوَكَالَةِ لَمْ يُوجَدْ مَا يُنَافِي عُمُومَ الْإِذْنِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى حُضُورِ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالطَّلَاقِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ لَاسْتَمْلَكَ الْمَالَ قَاضٍ جَائِرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْوَكَالَةِ إلَى حُضُورِ مُوَكِّلِهِ أَوْ أَمِينِهِ عَلَى الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصِيِّ .
ا هـ .
وَيَنْعَزِلُ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ ، وَكَذَا إغْمَاءٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَكَّلَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فِي تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْوَاجِبِ ( وَيَنْعَزِلُ ) أَيْضًا ( بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ ( عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ ) ، وَإِنْ زَالَ عَنْ قُرْبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَارَنَ مَنَعَ الِانْعِقَادَ فَإِذَا طَرَأَ قَطَعَهُ .
قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِعَزْلٍ ، بَلْ تَنْتَهِي الْوَكَالَةُ بِهِ كَالنِّكَاحِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَفَائِدَةُ عَزْلِ الْوَكِيلِ بِمَوْتِهِ انْعِزَالُ مَنْ وَكَّلَهُ عَنْ نَفْسِهِ إنْ جَعَلْنَاهُ وَكِيلًا عَنْهُ .
ا هـ .
وَقِيلَ لَا فَائِدَةَ لِذَلِكَ فِي غَيْرِ التَّعَالِيقِ ( وَكَذَا إغْمَاءٌ ) يَنْعَزِلُ بِهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) إلْحَاقًا لَهُ بِالْجُنُونِ ، وَالثَّانِي : لَا يَنْعَزِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَنْ يُولَى عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى الْوَكِيلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِإِغْمَاءِ الْمُوَكِّلِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجِّ ، وَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالنَّوْمِ ، وَإِنْ خَرَجَ بِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّف عَلَى قَوْلِهِ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ رِقٍّ فِيمَا لَا يَنْفُذُ مِنْهُ أَوْ فُسِّقَ فِيمَا الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِيهِ ، وَيَنْعَزِلُ أَيْضًا ( وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ ) بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَإِعْتَاقِ مَا وُكِّلَ فِيهِ ؛ لِاسْتِحَالَةِ بَقَاءِ الْوِلَايَةِ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ ، وَمِثْلُ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَوْ آجَرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ لِإِشْعَارِهِ بِالنَّدَمِ عَلَى الْبَيْعِ ، وَكَذَا الْإِيصَاءُ وَالتَّدْبِيرُ وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَبِالرَّهْنِ مَعَ الْقَبْضِ
كَمَا قَالَ ابْنُ كَجٍّ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَكَذَا بِتَزْوِيجِ الْجَارِيَةِ ، فَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَخَذَ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ وَقَالَ : بِخِلَافِ الْعَبْدِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِثَالًا وَقَالَ الْعَبْدُ كَالْأَمَةِ ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ فِي ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ قَدْ تُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ آخَرَ وَلَا بِالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ ، وَفِي عَزْلِ الْوَكِيلِ بِطَحْنِ الْمُوَكِّلِ الْحِنْطَةَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهَا وَجْهَانِ .
وَقَضِيَّةُ مَا فِي التَّتِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الِانْعِزَالُ هَذَا إذَا ذُكِرَ اسْمُ الْحِنْطَةِ ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ فِي تَصَرُّفٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَاتَبَهُ انْعَزَلَ ؛ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ لَهُ اسْتِخْدَامٌ كَمَا مَرَّ لَا تَوْكِيلٌ ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ لَكِنْ يَعْصِي الْعَبْدُ بِالتَّصَرُّفِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مُشْتَرِيهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ .
وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الْإِخْفَاءِ لَيْسَ بِعَزْلٍ ، فَإِنْ تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ انْعَزَلَ .
( وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ ) لَهَا ( أَوْ لِغَرَضٍ ) لَهُ ( فِي الْإِخْفَاءِ ) كَخَوْفِ أَخْذِ ظَالِمٍ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ ( لَيْسَ بِعَزْلٍ ) لِعُذْرِهِ ( فَإِنْ تَعَمَّدَ ) إنْكَارَهَا ( وَلَا غَرَضَ ) لَهُ فِيهِ ( انْعَزَلَ ) بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَحْدَ حِينَئِذٍ رَدٌّ لَهَا ، وَالْمُوَكِّلُ فِي إنْكَارِهَا كَالْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ ، وَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ فِي التَّدْبِيرِ مِنْ جَحْدِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ يَكُونُ عَزْلًا مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ عَلَى مَا هُنَا .
فُرُوعٌ : لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ أَوْ شِرَائِهِ لَمْ يُعْقَدْ عَلَى بَعْضِهِ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ .
نَعَمْ إنْ بَاعَ الْبَعْضَ بِقِيمَةِ الْجَمِيعِ صَحَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ هَذَا إنْ لَمْ يُعَيَّنْ الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِقَصْدِهِ مُحَابَاتِهِ ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْعَبْدِ ثَوْبًا فَاشْتَرَاهُ بِبَعْضِهِ جَازَ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : بِعْ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ أَوْ اشْتَرِهِمْ جَازَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فِي عُقُودٍ وَأَنْ يَجْمَعَهُمْ فِي عَقْدٍ .
نَعَمْ إنْ كَانَ الْأَحَظُّ فِي أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْهُمْ أَوْ اشْتَرِهِمْ صَفْقَةً لَمْ يُفَرِّقْهَا لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ، أَوْ قَالَ : بِعْهُمْ بِأَلْفٍ لَمْ يَبِعْ وَاحِدًا بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ أَحَدٌ الْبَاقِينَ بِبَاقِي الْأَلْفِ فَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ صَحَّ ، وَلَهُ بَيْعُ الْبَاقِينَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : اُطْلُبْ حَقِّي مِنْ زَيْدٍ ، فَمَاتَ زَيْدٌ لَمْ يُطَالَبْ وَارِثُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ ، أَوْ اُطْلُبْ حَقِّي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ طَالَبَ وَارِثَهُ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : أَبْرِئْ غُرَمَائِي لَمْ يُبَرِّئْ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ قَالَ : وَإِنْ شِئْت فَأَبْرِئْ نَفْسَك فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وُكِّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَعْطِ ثُلُثِي لِلْفُقَرَاءِ صَحَّ أَوْ لِنَفْسِك لَمْ يَصِحَّ لِتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : بِعْ هَذَا ثُمَّ هَذَا لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ مُوَكِّلِهِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ لِيَطَأَهَا لَمْ يَشْتَرِ لَهُ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَأُخْتِهِ ، وَلَوْ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ فَإِنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ تَصَرَّفَ وَإِلَّا فَلَا .
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ ، فَقَالَ بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ فَقَالَ بَلْ بِعَشَرَةٍ وَحَلَفَ ، فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ وَقَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْته لِفُلَانٍ وَالْمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ ، وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ، وَكَذَا .
( وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا ) بِأَنْ قَالَ : وَكَّلْتنِي فِي كَذَا فَقَالَ : مَا وَكَّلْتُك ( أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ : وَكَّلْتنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ ) مَثَلًا ( فَقَالَ ) الْمُوَكِّلُ : ( بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْوَكِيلُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَعْرَفُ بِحَالِ الْإِذْنِ الصَّادِرِ مِنْهُ ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا قَالَ الْفَارِقِيُّ : إذَا كَانَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ أَمْ قَبْلَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِنَا : الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ فِيهِ تَسَمُّحٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَيْسَ بِمُوَكِّلٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ مُوَكِّلٌ بِزَعْمِ الْوَكِيلِ ( وَلَوْ اشْتَرَى ) الْوَكِيلُ ( جَارِيَةً بِعِشْرِينَ ) دِرْهَمًا مَثَلًا وَهِيَ تُسَاوِي عِشْرِينَ فَأَكْثَرَ ، ( وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ ) بِالشِّرَاءِ بِهَا ( فَقَالَ ) الْمُوَكِّلُ ( بَلْ ) أَذِنْت ( بِعَشَرَةٍ ، وَ ) لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا ( حَلَفَ ) الْمُوَكِّلُ ، ثُمَّ يُنْظَرُ ( فَإِنْ اشْتَرَى ) الْوَكِيلُ الْجَارِيَةَ ( بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ ) وَقَالَ : الْمَالُ لَهُ ( أَوْ ) لَمْ يُسَمِّهِ لَكِنْ ( قَالَ بَعْدَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ : ( اشْتَرَيْته ) أَيْ الْمَذْكُورَ وَالْأَوْلَى اشْتَرَيْتهَا : أَيْ الْجَارِيَةَ ( لِفُلَانٍ وَالْمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ ) فِيمَا ادَّعَاهُ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ ( فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَسْمِيَةِ الْوَكِيلِ فِي الْأُولَى وَتَصْدِيقِ الْبَائِعِ أَوْ الْبَيِّنَةِ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَالَ وَالشِّرَاءَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَثَبَتَ بِيَمِينِ مَنْ لَهُ الْمَالُ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَلْغُوَ الشِّرَاءُ وَالْجَارِيَةُ لِبَائِعِهَا وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا
أَخَذَهُ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِيمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يُوَافِقْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى وَكَالَتِهِ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ ، وَإِلَّا فَالْجَارِيَةُ بِاعْتِرَافِ الْبَائِعِ مِلْكٌ لِلْمُوَكِّلِ ، فَيَأْتِي فِيهِ التَّلَطُّفُ الْآتِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ ( وَإِنْ كَذَّبَهُ ) الْبَائِعُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فِيمَا قَالَ بِأَنْ قَالَ : إنَّمَا اشْتَرَيْت لِنَفْسِك وَالْمَالُ لَك وَلَسْت وَكِيلًا فِي الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ وَلَا بَيِّنَةَ ( حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ ) النَّاشِئَةِ عَنْ التَّوْكِيلِ وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ وَكِيلًا فِي زَعْمِ الْبَائِع .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَالْحَلِفُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْجَوَابِ وَهُوَ إنَّمَا أَجَابَ بِالْبَيْعِ ؟ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَيْضًا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَحْلِيفِهِ عَلَى نَفْي الْوَكَالَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَهَا وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ كَانَ كَافِيًا فِي إبْطَالِ الْبَيْع فَيَنْبَغِي الْحَلِفُ عَلَيْهِمَا كَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا جَمِيعًا بَلْ يَكْفِي التَّحْلِيفُ عَلَى الْمَالِ وَحْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ؟ .
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى الْبَتِّ يَسْتَلْزِمُ مَحْذُورًا وَهُوَ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلَهُ : لَسْت وَكِيلًا فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ غَيْرَك لَمْ يُوَكِّلْك ، وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْمَالُ لِلْوَكِيلِ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ يَدِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ ( وَوَقَع الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ) ظَاهِرًا وَيُسَلِّمُ إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ وَيَرُدُّ لِلْمُوَكِّلِ بَدَلَهُ ( وَكَذَا ) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ظَاهِرًا .
إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَكَذَا إنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَطَلَ الشِّرَاءُ ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ بِالْمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ إنْ كُنْت أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا ، وَيَقُولُ هُوَ اشْتَرَيْت لِتَحِلَّ لَهُ .
( إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ ) فِي الْعَقْدِ بِأَنْ نَوَاهُ ، وَقَالَ : اشْتَرَيْت لَهُ وَالْمَالُ لَهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَحَلَفَ كَمَا مَرَّ ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الشِّرَاءُ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ لِلْمُوَكِّلِ وَثُبُوتِ كَوْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِيَمِينِهِ ، وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ ذَلِكَ ( وَكَذَا ) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ظَاهِرًا ( إنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ : أَنْتَ مُبْطِلٌ فِي تَسْمِيَتِك وَلَمْ تَكُنْ وَكِيلَهُ ، وَالْوَجْهَانِ هُنَا هُمَا الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُك إلَخْ ، وَقَدْ مَرَّ تَعْلِيلُهُمَا ( وَإِنْ صَدَّقَهُ ) الْبَائِعُ فِي التَّسْمِيَةِ ( بَطَلَ الشِّرَاءُ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ لِلْمُوَكِّلِ وَثَبَت كَوْنُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُك إلَخْ ( وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ ) مَعَ قَوْلِهِ : إنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ ( يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ ) أَيْ يَتَلَطَّفَ ( بِالْمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ : إنْ كُنْت أَمَرْتُك ) بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ ( بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا ) أَيْ بِالْعِشْرِينَ ( وَيَقُولُ هُوَ : اشْتَرَيْت لِتَحِلَّ لَهُ ) بَاطِنًا إنْ كَانَ صَادِقًا فِي أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِعِشْرِينَ ، وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : بِعْتُك كَانَ مَعْنَاهُ إنْ كُنْت أَذِنْت فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : بِعْتُك إنْ شِئْت ، وَلَيْسَ لَنَا بَيْعٌ يَصِحُّ مَعَ التَّعْلِيقِ إلَّا فِي هَذِهِ ، فَإِنْ نَجَّزَ الْمُوَكِّلُ الْبَيْعَ صَحَّ قَطْعًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِمَا قَالَهُ الْوَكِيلُ
؛ لِأَنَّهُ يَقُولُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِلْمَصْلَحَةِ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ الْمُوَكِّلُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْقَاضِي .
فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ صَادِقًا فَهِيَ لِلْمُوَكِّلِ وَعَلَيْهِ لِلْوَكِيلِ الثَّمَنُ وَهُوَ لَا يُؤَدِّيهِ ، وَقَدْ ظَفَرَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ الْجَارِيَةُ ، فَلَهُ بَيْعُهَا وَأَخْذُ ثَمَنِهَا ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لِبُطْلَانِهِ ، وَفِي هَذِهِ يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى التَّلَطُّفِ بِالْبَائِعِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ حَلَّ مَا ذُكِرَ لِلْوَكِيلِ لِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لَهُ ، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا : أَنَّهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا ، وَالشِّرَاءُ بِالْعَيْنِ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ كَانَ صَادِقًا فَيَكُونُ قَدْ ظَفِرَ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ لِتَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِحَلِفِهِ .
وَلَوْ قَالَ أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ ، وَفِي قَوْلٍ الْوَكِيلُ ، وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ الْمَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ وَكَذَا فِي الرَّدِّ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بِجُعْلٍ فَلَا .
( وَلَوْ قَالَ ) الْوَكِيلُ ( أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ) ذَلِكَ ( صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّصَرُّفِ وَبَقَاءُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ ( وَفِي قَوْلٍ ) يَصَّدَّقُ ( الْوَكِيلُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ ائْتَمَنَهُ فَعَلَيْهِ تَصْدِيقُهُ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ النِّزَاعُ قَبْلَ الْعَزْلِ وَإِلَّا فَالْمُصَدَّقُ الْمُوَكِّلُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ مَالِكٍ لِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ حِينَئِذٍ ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ : عَزَلْتُكَ قَبْلَهُ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : بَلْ بَعْدَهُ فَكَنَظِيرِهِ مِنْ الرَّجْعَةِ وَسَيَأْتِي ( وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ الْمَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ .
تَنْبِيهٌ : مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَإِلَّا فَالْغَاصِبُ وَكَّلَ مَنْ يَدُهُ ضَامِنَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ ( وَكَذَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ ( فِي الرَّدِّ ) عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِجُعْلٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَقَدْ أَخَذ الْعَيْنَ بِمَحْضِ غَرَضِ الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ ؛ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ الْمَالِكِ ، وَانْتِفَاعُهُ هُوَ إنَّمَا هُوَ بِالْعَمَلِ فِي الْعَيْنِ لَا بِالْعَيْنِ نَفْسِهَا ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَزْلِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَطْلَبِ ( وَقِيلَ إنْ كَانَ ) وَكِيلًا ( بِجُعْلٍ فَلَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الْمُرْتَهِنَ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ ، بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَرْهُونِ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ تَعَلُّقِهِ بِبَدَلِهِ عِنْدَ التَّلَفِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ .
.
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ فِي الرَّدِّ مَا لَمْ تَبْطُلْ أَمَانَتُهُ .
أَمَّا لَوْ طَالَبَهُ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ : مَا قَبَضْته مِنْك ، فَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى قَبْضِهِ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : رَدَدْته إلَيْك أَوْ تَلِفَ عِنْدِي ضَمِنَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ أَمَانَتُهُ بِالْجُحُودِ وَتَنَاقُضُهُ وَدَعْوَ الْجَابِي تَسْلِيمُ مَا جَبَاهُ إلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الْجِبَايَةِ مَقْبُولٌ أَيْضًا .
وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ صُدِّقَ الرَّسُولُ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَتَلِفَ ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، وَإِلَّا فَالْوَكِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَلَوْ ادَّعَى ) الْوَكِيلُ ( الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ صُدِّقَ الرَّسُولُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ ( وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ ) فِي ذَلِكَ ( عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الرَّدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ فَلْيُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِإِرْسَالِهِ وَيَدُ رَسُولِهِ كَيَدِهِ ، فَكَأَنَّهُ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الدَّفْعِ إلَى رَسُولِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْوَكِيلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ وَادَّعَى التَّلَفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالِكَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ ( وَلَوْ قَالَ : قَبَضْت الثَّمَنَ ) حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ بِأَنْ وُكِّلَ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ قَبْضِ الثَّمَنِ ( وَتَلِفَ ) فِي يَدِي أَوْ دَفَعْتُهُ إلَيْك ( وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ) قَبْضَ الْوَكِيلِ لَهُ ( صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ إنْ كَانَ ) الِاخْتِلَافُ ( قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ وَعَدَمُ الْقَبْضِ ( وَإِلَّا ) ، بِأَنْ كَانَ بَعْد تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ( فَالْوَكِيلُ ) هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَنْسُبُهُ إلَى تَقْصِيرٍ وَخِيَانَةٍ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الْمُصَدَّقَ الْمُوَكِّلُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْل بَقَاءُ حَقِّهِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا فِي الْحَالَيْنِ الْقَوْلَانِ فِي دَعْوَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفَ وَإِنْكَارِ الْمُوَكِّلِ ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَوْ فِي الْبَيْعِ بِمُؤَجَّلٍ ، أَوْ فِي الْقَبْض بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ كَمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، إذْ لَا خِيَانَةَ بِالتَّسْلِيمِ ، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْوَكِيلَ فَحَلَفَ فَفِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا
قَبِلْنَا قَوْلَ الْوَكِيلِ فِي حَقِّهِ لِائْتِمَانِهِ إيَّاهُ ، وَعَلَى نَقْلِ هَذَا اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَرَجَّحَ الْوَجْهَ الْآخَرَ الْإِمَامُ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ، وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ : قَبَضْت الثَّمَنَ فَادْفَعْهُ إلَيَّ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : لَمْ أَقْبِضْهُ صُدِّقَ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلَا مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بَعْدَ حَلِفِهِ إلَّا إنْ سَلَّمَ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْمُوَكِّلِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ لِلْحَيْلُولَةِ لِاعْتِرَافِهِ بِالتَّعَدِّي بِتَسْلِيمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُشْكِلُ بِكَوْنِ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا يُسْتَحَقُّ غَيْرُهُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَالَ قَضَيْته وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
( وَلَوْ ) دَفَعَ إلَى شَخْصٍ مَالًا ، وَ ( وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ ) عَلَيْهِ ( فَقَالَ قَضَيْته ) بِهِ ( وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ ) قَضَاءَهُ ( صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْ الْوَكِيلَ حَتَّى يَلْزَمَهُ تَصْدِيقُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَضَاءِ فَكَذَا نَائِبُهُ ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ طَالَبَ الْمُوَكِّلَ بِحَقِّهِ لَا الْوَكِيلَ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) أَوْ شَاهِدٍ وَيَحْلِفُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الدَّفْعِ إلَى مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا فَيَأْتِي فِيهِ مَا سَبَقَ فِي رُجُوعِ الضَّامِنِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ وَبِالْوَاحِدِ وَمِنْ التَّفْصِيلِ بِالْأَدَاءِ بَيْن الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ وَقَبُولِ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ .
وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ ائْتَمَنَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَيْهِ .
وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ) وَالرُّشْدِ ( يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ حَتَّى يُكَلَّفَ تَصْدِيقُهُ ، وَكَذَا وَلِيُّ السَّفِيهِ إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ إلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ وَيُخَالِفُ ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ ؛ لِأَنَّهُ يُعْسَرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي : يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخَرِ الْوَصِيَّةِ وَجَزَمَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ عَكَسَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فَجَزَمَ فِي الْقَيِّمِ بِعَدَمِ التَّصْدِيقِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الْوَصِيِّ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَقْرَبُ إلَى التَّصْدِيقِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ ا هـ .
وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ فِي مَعْنَى الْقَاضِي ، فَكَانَ أَعْلَى مَرْتَبَةً وَأَقْرَبَ إلَى التَّصْدِيقِ ، وَهَذَا الرَّدُّ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ الْقَاضِي تَنْبِيهٌ : مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَيِّمِ الْيَتِيمِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَنْصُوبُ الْقَاضِي فَقَطْ ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِابْنِ الْمُلَقِّنِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ حَاكِمًا إذْ لَا يَتِمُّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فِي مَعْنَاه ، وَعَلَى هَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْمَشْهُورُ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَدَمُ الْقَبُولِ أَيْضًا ، وَإِنْ جَزَمَ السُّبْكِيُّ بِقَبُولِ قَوْلِهِمَا تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي أَنَّ الْحَاكِمَ كَالْأَبِ ، وَأَلْحَقَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بِالْوَصِيِّ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ : فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي الْعَدْلِ الْأَمِينِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ بَلْ لَا
يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَمِينِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ .
ا هـ .
وَالْمَجْنُونُ كَالْيَتِيمِ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ .
وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلَا مُودِعٍ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ لَا أَرُدُّ الْمَالَ إلَّا بِإِشْهَادٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ .
( وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلَا مُودِعٍ ) وَلَا غَيْرِهِمَا مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَالشَّرِيكِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ ( أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ ) مَالَهُ ( لَا أَرُدُّ الْمَالَ إلَّا بِإِشْهَادٍ فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَالثَّانِي : لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُحْتَاجَ إلَى يَمِينٍ ، فَإِنَّ الْأُمَنَاءَ يَحْتَرِزُونَ عَنْهَا مَا أَمْكَنَهُمْ ( وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ ) أَيْ التَّأْخِيرِ إلَى الْإِشْهَادِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْأَخْذِ أَمْ لَا ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْأَخْذِ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْإِشْهَادِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ : لَيْسَ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ رُبَّمَا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ يَرَى الِاسْتِفْصَالَ كَالْمَالِكِيِّ فَيَسْأَلُهُ هَلْ هُوَ غَصْبٌ أَوْ لَا ؟ .
فَإِنْ قِيلَ : التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ الْغَصْبِ ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِطَلَبِ الْإِشْهَادِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا طُولِبَ بِهِ ثَانِيًا .
تَنْبِيهٌ : تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالرَّدِّ لَا يَشْمَلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَالْمُقْتَرِضِ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالدَّفْعِ لَشَمِلَهُ .
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ وَكَّلَنِي الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَك مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ .
( وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِمَنْ عِنْدَهُ مَالٌ لِمُسْتَحِقِّهِ : ( وَكَّلَنِي الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَك مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ ) مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فِي ذَلِكَ فَلَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحِقٌّ بِزَعْمِهِ فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْحَقَّ فَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ وَكَالَتَهُ ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَبَقِيَتْ أَخَذَهَا أَوْ أَخَذَهَا الدَّافِعُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ، فَإِنْ تَلِفَتْ طَالَبَ بِبَدَلِهَا مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ، وَمَنْ غَرِمَ مِنْهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّ الظَّالِمَ غَيْرُهُمَا فَلَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى ظَالِمِهِ إلَّا إنْ قَصَّرَ الْقَابِضُ لَهَا فَتَلِفَتْ ، وَغَرَّمَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّافِعَ لَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ : لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عِنْدَهُ وَالْوَكِيلُ يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ ، وَكَذَا يَرْجِع عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ إنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ دَيْنًا لَمْ يُطَالِبْ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ إلَّا غَرِيمَهُ ، لِأَنَّ الْقَابِضَ فُضُولِيٌّ بِزَعْمِهِ وَالْمَقْبُوضُ لَيْسَ حَقَّهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْمَدْيُونِ ، وَإِذَا غَرِمَهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْ الْقَابِضِ إنْ كَانَ بَاقِيًا ؛ لِأَنَّهُ مَالُ مَنْ ظَلَمَهُ وَقَدْ ظَفِرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا ، فَإِنْ كَانَ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَغْرَمْهُ وَإِلَّا غَرِمَهُ ، هَذَا كُلُّهُ إنْ صَرَّحَ بِتَصْدِيقِهِ فِي دَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِلَّا فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْهُ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا فَيَجُوزَ لَهُ دَفْعُهُ عِنْد التَّصْدِيقِ ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عِنْد نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ ، وَلَا يُقَالُ : إنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذْ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ كَافِيَةٌ ( وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ) الدَّفْعُ إلَيْهِ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ ) لِاحْتِمَالِ إنْكَارِ
الْمُسْتَحِقِّ لَهَا .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا هَذَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَالثَّانِي : وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ الْآتِيَةِ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاعْتِرَافِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَخْذَ .
وَلَوْ قَالَ أَحَالَنِي عَلَيْك وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ ) لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ : ( أَحَالَنِي ) مُسْتَحِقُّهُ ( عَلَيْك ) بِهِ وَقُبِلَتْ الْحَوَالَةُ ( وَصَدَّقَهُ ) فِي ذَلِكَ ( وَجَبَ الدَّفْعُ ) إلَيْهِ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ إنْكَارِ صَاحِبِ الْحَقِّ الْحَوَالَةَ .
تَنْبِيهٌ : جَحْدُ الْمُحِيلِ الْحَوَالَةَ كَجَحْدِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ كَذَا قَالَاهُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّافِعَ مُصَدِّقٌ لِلْقَابِضِ عَلَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ صَارَ لَهُ بِالْحَوَالَةِ ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَلَمَهُ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْهُ ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ فَتُخَالِفَ الْحَوَالَةُ الْوَكَالَةَ فِي ذَلِكَ .
قُلْت : وَإِنْ قَالَ أَنَا وَارِثُهُ وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قُلْت : وَإِنْ قَالَ ) لِمَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ لِمُسْتَحِقِّهِ ، ( أَنَا وَارِثُهُ ) الْمُسْتَغْرِقُ لِتَرِكَتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ أَوْ وَصِيٌّ لَهُ أَوْ مُوصًى لَهُ مِنْهُ ( وَصَدَّقَهُ ) مَنْ عِنْدَهُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ ( وَجَبَ الدَّفْعُ ) إلَيْهِ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا هَذَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَالثَّانِي : وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ السَّابِقَةِ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى إرْثِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ الْآنَ لِحَيَاتِهِ وَيَكُونُ ظَنُّ مَوْتِهِ خَطَأً ، وَإِذَا سَلَّمَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْتَحِقُّ حَيًّا وَغَرِمَهُ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُوصَى لَهُ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ لِتَبَيُّنِ كِذْبِهِمْ بِخِلَافِ صُوَرِ الْوَكَالَةِ لَا رُجُوعَ فِيهَا فِي بَعْضِ صُوَرِهَا كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَإِنْكَارُ الْمُسْتَحِقِّ لَا يَرْفَعُ تَصْدِيقَهُ وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ ثُمَّ جَحَدَ وَهَذَا بِخِلَافِهِ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ صَدَّقَ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ دَيْنٍ أَوْ اسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أَوْ نَحْوِهِ مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ إلَى وَكِيلِهِ الْمُنْكِرِ لِذَلِكَ لَمْ يُغَرِّمْ الْمُوَكِّلُ مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ تَرَكَ الْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْإِشْهَادَ حَيْثُ يُغَرِّمُهُ الْمُوَكِّلُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا تَرَكَهُ غَرِمَ بِخِلَافِ الْغَرِيمِ ، وَيَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ وَالْبَيْع وَنَحْوِهِمَا بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ بِهِ ثُمَّ بَعْد الْعَقْدِ إنْ كَذَّبَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِنْ وَافَقَهُ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْد بَيِّنَةً بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَيُؤْثِرُ فِيهِ
كِتَابُ الْإِقْرَارِ يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَاغٍ .
كِتَابُ الْإِقْرَارِ هُوَ لُغَةً : الْإِثْبَاتُ مِنْ قَوْلِهِمْ : قَرَّ الشَّيْءُ يَقِرُّ قَرَارًا إذَا ثَبَتَ ، وَشَرْعًا : إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ عَلَى الْمُخْبِرِ ، فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَعْوَى أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَشَهَادَةُ .
هَذَا إذَا كَانَ خَاصًّا فَإِنْ اقْتَضَى شَيْئًا عَامًّا ، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ ، وَإِنْ كَانَ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ الْفَتْوَى ، وَيُسَمَّى الْإِقْرَارُ اعْتِرَافًا أَيْضًا .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى : { أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا } ، وقَوْله تَعَالَى : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْإِقْرَارُ ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } وَالْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّا إذَا قَبَلْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَأَنْ نَقْبَلَ الْإِقْرَارَ أَوْلَى ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ : مُقِرٌّ وَمُقَرٌّ لَهُ وَصِيغَةٌ وَمُقَرٌّ بِهِ ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَقَالَ ( يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْضًا الِاخْتِيَارُ ، وَأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) عَلَى هَذَا ( إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ) وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِعُذْرٍ كَشُرْبِ دَوَاءٍ وَإِكْرَاهٍ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ ( لَاغٍ ) لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ وَسَيَأْتِي حُكْمُ السَّكْرَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ .
تَنْبِيهٌ : الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْشَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ ، وَمَنْ لَا فَلَا ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالتَّصَرُّفِ إذَا أَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ فَلَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إنْشَاؤُهُ ، وَمِنْ الثَّانِي إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ ، وَالْمَجْهُولُ
بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ رَقِّهِ وَبِنَسَبِهِ ، وَالْمُفْلِسُ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْمَى بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، وَالْوَارِثِ بِدَيْنٍ عَلَى مُوَرِّثِهِ ، وَالْمَرِيضِ بِأَنَّهُ كَانَ وَهَبَ وَارِثَهُ وَأَقْبَضَهُ فِي الصِّحَّةِ ، فَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ إقْرَارُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ إنْشَاؤُهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : قَوْلُهُمْ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ هُوَ فِي الظَّاهِرِ ، أَمَّا فِي الْبَاطِن فَبِالْعَكْسِ : أَيْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ بَاطِنًا فَهُوَ مِلْكُهُ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ .
فَإِنْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ مَعَ الْإِمْكَانِ صُدِّقَ وَلَا يُحَلَّفُ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ .
( فَإِنْ ادَّعَى ) الصَّبِيُّ أَوْ الصَّبِيَّةُ ( الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ ) أَوْ ادَّعَتْهُ الصَّبِيَّةُ بِالْحَيْضِ ( مَعَ الْإِمْكَانِ ) لَهُ بِأَنَّ كَانَ فِي سِنٍّ يَحْتَمِلُ الْبُلُوغَ ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ زَمَنِ الْإِمْكَانِ فِي بَابَيْ الْحَيْضِ وَالْحَجْرِ ( صُدِّقَ ) فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِلَامِ الْإِنْزَالُ فِي يَقَظَةٍ أَوْ مَنَامٍ ( وَلَا يُحَلَّفُ ) عَلَيْهِ ، وَإِنْ فَرَضَ ذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ وَادَّعَى خَصْمُهُ صِبَاهُ لِيُفْسِد مُعَامَلَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهَا ، لِأَنَّ يَمِينَ الصَّبِيِّ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ ، وَلَوْ طَلَبَ غَازٍ سَهْمَهُ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ وَادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ إنْ اُتُّهِمَ وَأَخَذَ السَّهْمَ ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا .
فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الصُّورَةُ تُشْكِلُ عَلَى مَا قَبْلَهَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا مَرَّ فِي وُجُودِ الْبُلُوغِ فِي الْحَالِ ، وَفِي هَذِهِ فِي وُجُودِهِ فِيمَا مَضَى ؛ لِأَنَّ صُورَتَهَا أَنَّ تَنَازُعَ الصَّبِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فِي بُلُوغِهِ حَالَ الْحَرْبِ .
لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ طَلَبَ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ ، وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي أَنْ يُقَالَ : إنْ لَمْ يَرِدْ مُزَاحَمَةَ غَيْرِهِ فِي حَقِّهِ كَطَلَبِ السَّهْمِ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقًا كَطَلَبِ إثْبَاتِ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ لَمْ يُحَلَّفْ وَإِلَّا حُلِّفَ ، وَإِذَا لَمْ يُحَلَّفْ فَبَلَغَ مَبْلَغًا يُقْطَعُ فِيهِ بِبُلُوغِهِ .
قَالَ الْإِمَامُ : فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِمُوجِبِ قَوْلِهِ : فَقَدْ أَنْهَيْنَا الْخُصُومَةَ نِهَايَتَهَا ، وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ .
( وَإِنْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ ) بِأَنْ قَالَ : اسْتَكْمَلْت خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ( طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ ) عَلَيْهِ وَإِنْ
كَانَ غَرِيبًا لِإِمْكَانِهَا ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالْبُلُوغِ وَلَمْ يُعَيِّنْ نَوْعًا فَفِي تَصْدِيقِهِ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي : أَوْجَهُهُمَا كَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ الِاسْتِفْسَارُ : أَيْ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْقَبُولُ ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَتْ الْبَيِّنَةَ ، فَإِنْ قَالَتْ بِالسِّنِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغ بِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخِي .
وَلَوْ أَقَرَّ الرَّشِيدُ بِإِتْلَافِهِ مَالًا فِي صِغَرِهِ قُبِلَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَالْمُقْتَرِضِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ .
وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إقْرَارِهِمَا .
( وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إقْرَارِهِمَا ) فِي بَابَيْ الْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ ، وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُ الْمُفْلِسِ بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ مَقْبُولٌ بِخِلَافِ السَّفِيهِ فَلَا يُقْبَلُ ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ السَّفِيهَةِ لِمَنْ صَدَّقَهَا كَالرَّشِيدَةِ ، إذْ لَا أَثَرَ لِلسَّفَهِ مِنْ جَانِبِهَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إقْرَارِ السَّفِيهَةِ وَالسَّفِيهِ بِذَلِكَ فِي إقْرَارِهَا تَحْصِيلُ مَالٍ وَفِي إقْرَارِهِ تَفْوِيتُهُ .
وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ .
( وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ( عُقُوبَةٍ ) كَقِصَاصٍ وَشُرْب خَمْرٍ وَزِنَا وَسَرِقَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْآلَامِ .
رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَطَعَ عَبْدًا بِإِقْرَارِهِ ، وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ .
فَائِدَةٌ : لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا هُنَا وَفِي إقْرَارِ الْوَارِثِ بِوَارِثٍ آخَرَ قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ ، وَيَضْمَنُ مَالَ السَّرِقَةِ فِي ذِمَّتِهِ إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ السَّيِّدُ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ أَخَذَ الْمَالَ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ وَلَا يُتْبَعُ بَعْد الْعِتْقِ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ ، إذْ لَا يَجْتَمِع التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ فِيمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَإِلَّا فَعَلَى سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا الْمَالُ حَقُّهُ ، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي : لِي بَيِّنَةٌ فَقِيلَ تُسْمَع الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا فِي الدَّعَاوَى ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي ثَمَّ فِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ ، وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ مَثَلًا بِدَيْنِ إتْلَافٍ لَزِمَهُ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِإِتْلَافِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فَيَتَعَلَّقَ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِهِ بِجُزْئِهِ الرَّقِيقِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَا لَزِمَ ذِمَّتَهُ فِي نِصْفِهِ الرَّقِيقِ لَا يَجِبُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ إلَى الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُخِّرَتْ فِي كَامِلِ الرِّقِّ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَالْبَعْضُ يَمْلِكُ ( وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً ) أَيْ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ (
فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ ) لِلتُّهْمَةِ وَيُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ ، أَمَّا مَا أَوْجَبَ عُقُوبَةً غَيْرَ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ ، فَفِي تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ أَقْوَالٌ : أَظْهَرُهَا لَا يَتَعَلَّقُ أَيْضًا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَاحْتِرَازُهُ عَنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ : فَكَذَّبَهُ : أَيْ أَوْ سَكَتَ عَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ مَا لَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا وَلَا جَانِيًا إنْ لَمْ يَفْدِهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَقَدْرِ الدَّيْنِ ، فَإِذَا بِيعَ أَوْ فَدَاهُ السَّيِّدُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ لَا يُتْبَعُ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ إذَا عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ ، فَكَأَنَّ الْحَقَّ انْحَصَرَ فِيهَا .
تَنْبِيهٌ : لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ وَلَا بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ، فَلَوْ بِيعَ وَبَقِيَ شَيْءٌ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ صَدَّقَهُ لِمَا مَرَّ ، وَلَوْ أَقَرَّ الرَّقِيقُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِإِتْلَافِ مَالٍ لِغَيْرِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ دُونَ سَيِّدِهِ ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ ، أَنَّهُ كَانَ جَنَى لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشُ ، وَالدَّعْوَى عَلَى الرَّقِيق بِمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَا تُسْمَعُ كَالدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْمُؤَجَّلِ .
وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَيُقْبَلُ إنْ كَانَ ، وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ .
( وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ) ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ لِتَقْصِيرِ مَنْ عَامَلَهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ ( وَيُقْبَلُ ) عَلَى السَّيِّدِ ( إنْ كَانَ ) مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ ( وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ .
نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ أَقَرَّ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالتِّجَارَةِ كَالْقَرْضِ فَلَا يُقِيلُ عَلَى السَّيِّدِ ، لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : مَحَلُّ قَبُولِ إقْرَارِهِ إذَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ ، فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ أَضَافَهُ إلَى الْآذِنِ لَمْ تُقْبَلْ إضَافَتُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّ إقْرَارَ الْمُفْلِسِ بَعْدَ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْغُرَمَاء مَقْبُولٌ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ حَقِّ السَّيِّدِ بِخِلَافِ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ إذْ يَبْقَى لَهُمْ الْبَاقِي فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ : إذَا تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ ، فَإِنْ أَمْكَنَتْ رُوجِعَ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ فِي إقْرَار الْمُفْلِسِ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا ، وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ فِي الْبَدَنِ وَالْمَالِ كَالْحُرِّ ، وَيُؤَدِّي مِمَّا فِي يَدِهِ .
فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَلَا مَالَ مَعَهُ فَدُيُونُ مُعَامَلَاتِهِ يُؤَدِّيهَا بَعْدَ عِتْقِهِ ، وَأَرْشِ جِنَايَاتِهِ فِي رَقَبَتِهِ تُؤَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ .
وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيض مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ ، وَكَذَا لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ .
( وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيض مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ ) بِمَالٍ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا كَإِقْرَارِ الصَّحِيح .
وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَارِثُ تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَأَقَرَّهُ ( وَكَذَا ) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ ( لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ) كَالْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ يَصْدُقُ فِيهِ الْكَاذِبُ وَيَتُوبُ فِيهَا الْفَاجِرُ وَفِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِحِرْمَانِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : الْقَطْعُ بِالْقَبُولِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَفِي إقْرَارِهِ لِوَارِثٍ بِهِبَةٍ أَقْبَضَهَا لَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ .
تَنْبِيهٌ : الْخِلَافُ فِي الصِّحَّةِ ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَعِنْدَ قَصْدِ الْحِرْمَانِ لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ : مِنْهُمْ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَقَالَ : إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ ا هـ .
وَإِذَا ادَّعَى بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِإِقْرَارِ مُوَرِّثِهِمْ لَهُ فَاحْلِفْ أَنَّهُ أَقَرَّ لَكَ بِحَقٍّ لَازِمٍ كَانَ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَقَاسَمُوهُ ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْوَارِثِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ ، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ وَإِلَّا قُبِلَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ قَوِيٌّ وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِالْقَرَائِنِ كِذْبُهُ بَلْ يُقْطَعُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ أَنْ يَقْضِيَ أَوْ يُفْتِيَ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ سَاعَدَهُ إطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْحِرْمَانُ .
نَعَمْ لَوْ
أَقَرَّ لِمَنْ لَا يَسْتَغْرِقُ الْإِرْثَ وَمَعَهُ بَيْتُ الْمَالِ فَالْوَجْهُ إمْضَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ .
ا هـ .
وَالْخِلَافُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ .
أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِنِكَاحٍ أَوْ عُقُوبَةٍ فَيَصِحُّ جَزْمًا وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْمَالِ بِالْعَفْوِ أَوْ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لِضِعْفِ التُّهْمَةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ ، وَفِي مَرَضِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ
( وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ ) لِإِنْسَانٍ ( وَفِي مَرَضِهِ ) بِدَيْنٍ ( لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ ) بَلْ يَتَسَاوَيَانِ كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ ( وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ ) بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ ( وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ) بِدَيْنٍ ( لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَارِثِ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنَيْنِ .
وَالثَّانِي : يُقَدَّم الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ صَرْفُهَا عَنْهُ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِمُشَارِكِهِ فِي الْإِرْثِ وَهُمَا مُسْتَغْرِقَانِ كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ لَهُ ضَارَبَتْ بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ الدَّيْنِ مَعَ أَصْحَابِ الدُّيُونِ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَدَرَ مِمَّنْ عِبَارَتُهُ نَافِذَةٌ فِي سَبْعَةِ أَثْمَانٍ ، فَعَمِلَتْ عِبَارَتُهُ فِيهَا كَعَمَلِ عِبَارَةِ الْحَائِزِ فِي الْكُلِّ .
ا هـ .
.
فُرُوعٌ : لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْوَارِثِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ مَثَلًا ، وَآخَرُ بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا وَصَدَّقَ الْوَارِثُ مُدَّعِيَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ صَدَّقَهُمَا مَعًا قُدِّمَ الدَّيْنُ كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ أَقَرُّ الْمَرِيضُ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا ثُمَّ أَقَرَّ لِآخَرَ بِعَيْنٍ قُدِّمَ صَاحِبُهَا كَعَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ حَجْرًا فِي الْعَيْنِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِغَيْرِ تَبَرُّعٍ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَ إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ أَوْ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَار إخْبَارٌ لَا تَبَرُّعٌ .
وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ .
( وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ ) بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } جَعَلَ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطًا لِحُكْمِ الْكُفْرِ فَبِالْأَوْلَى مَا عَدَاهُ .
وَصُورَةُ إقْرَارِهِ أَنْ يُضْرَبَ لِيُقِرَّ ، فَلَوْ ضُرِبَ لِيُصَدَّقَ فِي الْقَضِيَّةِ فَأَقَرَّ حَالَ الضَّرْبِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا ، إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا إنَّمَا ضُرِبَ لِيُصَدَّقَ ، وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ إلْزَامُهُ حَتَّى يُرَاجَعَ وَيُقِرَّ ثَانِيًا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَقَبُولُ إقْرَارِهِ حَالَ الضَّرْبِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمُكْرَهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ .
ثُمَّ قَالَ وَقَبُولُ إقْرَارِهِ بَعْد الضَّرْبِ فِيهِ نَظَرٌ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعَادَةُ الضَّرْبِ إنْ لَمْ يُقِرَّ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْوُلَاةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَأْتِيهِمْ مَنْ يُتَّهَمُ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَيَضْرِبُونَهُ لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ ، وَيُرَادُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ ، سَوَاءٌ أَقَرَّ فِي حَالِ ضَرْبِهِ أَمْ بَعْدُ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَضُرِبَ ثَانِيًا ا هـ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ .
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ ، فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ ، فَإِنْ قَالَ بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا وَجَبَ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي ، فَقَالَ : ( وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصَادِفُ مَحَلَّهُ وَصِدْقُهُ مُحْتَمَلٌ وَبِهَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا عَقِبَ النِّكَاحِ لِغَيْرِهَا أَوْ الزَّوْجُ بِبَدَلِ الْخُلْع عَقِبَ الْمُخَالَعَةِ لِغَيْرِهِ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ عَقِبَ اسْتِحْقَاقِهِ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ صِدْقَ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ .
فَإِنْ قِيلَ : الْحَصْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ، فَإِنَّ الْمُتْعَةَ وَالْحُكُومَةَ وَالْمَهْرَ الْوَاجِبَ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَأُجْرَةُ بَدَنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الثَّلَاثِ فَالْحُكُومَةُ تَرْجِعُ إلَى الْأَرْشِ وَالْمُتْعَةُ وَالْمَهْرُ الْوَاجِبُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ يَرْجِعُ إلَى الصَّدَاقِ .
وَأَمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِأُجْرَةِ بَدَنِ الْحُرِّ فَمَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ الْحُرَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَجَّرَ بَدَنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ وَكَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي إجَارَةِ نَفْسِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَقِبَ عِتْقِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ أَهْلِيَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ إلَّا فِي الْحَالِ ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْمَالَ ( فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ ) أَوْ لِدَابَّةِ فُلَانٍ ( عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ فِي الْحَال وَلَا فِي الْمَآلِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا تَعَاطِي السَّبَبِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مُمْكِنٍ كَالْإِقْرَارِ بِمَالٍ مِنْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمَمْلُوكَةِ ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ لِخَيْلٍ مُسَبَّلَةٍ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَالْإِقْرَارِ لِمَقْبَرَةٍ ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَلَّةٍ وُقِفَ
عَلَيْهَا أَوْ وَصِيَّةٍ لَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ( فَإِنْ قَالَ ) عَلَيَّ ( بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا ) كَذَا ( وَجَبَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِلْمَالِكِ لَا لَهَا ، وَهِيَ السَّبَبُ : إمَّا بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا ، وَإِمَّا بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ ، وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مِلْكًا لِمَالِكِهَا حِينَ الْإِقْرَارِ ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِمَالِكِهَا ، وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : بِسَبَبِهَا لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ لِمَالِكِهَا فِي الْحَالِ بَلْ يَسْأَلَ وَيُحْكَمَ بِمُوجِبِ بَيَانِهِ ، إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ لِغَيْرِ مَالِكهَا ، كَأَنْ تَكُونَ أَتْلَفَتْ شَيْئًا عَلَى إنْسَانٍ وَهِيَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ .
وَلَوْ قَالَ لِحَمْلِ هِنْدٍ كَذَا بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَزِمَهُ ، وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَلَغْوٌ .
( وَلَوْ قَالَ لِحَمْلِ هِنْدٍ ) عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي ( كَذَا بِإِرْثٍ ) مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا ( أَوْ وَصِيَّةٍ ) لَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ ( لَزِمَهُ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا أَسْنَدَهُ إلَيْهِ مُمْكِنٌ وَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَلِيُّ الْحَمْلِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْحَامِلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِهِنْدٍ ؛ لِأَنَّ إبْهَامَهَا يَلْزَمُ مِنْهُ إبْهَامُ الْمُقَرِّ لَهُ وَإِبْهَامُهُ مُبْطِلٌ لِلْإِقْرَارِ ، ثُمَّ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا أُسْنِدَ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِمَّا أُسْنِدَ إلَيْهِ أَوْ حَيًّا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ اسْتَحَقَّ ، وَكَذَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مَا لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ فِرَاشًا ، ثُمَّ إنْ اسْتَحَقَّ بِوَصِيَّةٍ فَلَهُ الْكُلُّ أَوْ بِإِرْثٍ مِنْ الْأَبِ وَهُوَ ذَكَرٌ فَكَذَلِكَ أَوْ أُنْثَى ، فَلَهَا النِّصْفُ ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ إذَا أَسْنَدَهُ إلَى وَصِيَّةٍ وَأَثْلَاثًا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى إرْثٍ وَاقْتَضَتْ جِهَتُهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ اقْتَضَتْ التَّسْوِيَةَ كَوَلَدَيْ أُمٍّ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الثُّلُثِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالْإِرْثِ سَأَلْنَاهُ عَنْ الْجِهَةِ وَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهَا ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْمُقِرِّ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالتَّسْوِيَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ مُتَّجَهٌ ( وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ ) كَقَوْلِهِ أَقْرَضَنِي أَوْ بَاعَنِي شَيْئًا ( فَلَغْوٌ ) لِلْقَطْعِ بِكِذْبِهِ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ : وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحَيْنِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ .
وَالثَّانِي : عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَقُّبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَطَرِيقَةُ التَّخْرِيجِ جَزَمَ بِهَا أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ ،
وَطَرِيقَةُ الْقَطْعِ بِالصِّحَّةِ ذَكَرَهَا الْمَرَاوِزَةُ ، وَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ مَمْنُوعٌ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَطَعَ بِإِلْغَاءِ الْإِقْرَارِ ، وَمَا عَزَاهُ لِلْمُحَرَّرِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ ، فَالْإِقْرَارُ لَغْوٌ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ مُرَادُهُ ، فَالْإِسْنَادُ لَغْوٌ بِقَرِينَةِ كَلَامِ الشَّرْحَيْنِ ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَسَنٌ وَمَشَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .
وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ .
( وَإِنْ أَطْلَقَ ) الْإِقْرَارَ : أَيْ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى شَيْءٍ ( صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ ) وَحُمِلَ عَلَى الْجِهَةِ الْمُمْكِنَةِ فِي حَقِّهِ وَإِنْ نَدَرَ حَمْلًا لِكَلَامِ الْمُكَلِّفِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ .
وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ إلَّا بِمُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلِامْتِنَاعِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْحَمْلِ وَلَا جِنَايَةَ عَلَيْهِ ، فَيُحْمَلُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْوَعْدِ وَعَلَى الصِّحَّةِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ .
إنْ انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِلشَّكِّ فِي حَيَاتِهِ فَيَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُقِرَّ حِسْبَةً عَنْ جِهَةِ إقْرَارِهِ مِنْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لِيَصِلَ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْبَيَانِ بَطَلَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ، فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا لِلْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَالْكُلُّ لَهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، وَإِنْ انْفَصَلَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَهُوَ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَإِنْ أَلْقَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا جُعِلَ الْمَالُ لِلْحَيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَعْدُومِ ، وَلَوْ قَالَ : لِهَذَا الْمَيِّتِ عَلَيَّ كَذَا فَفِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ حِينَ الْإِقْرَارِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ، وَالْإِقْرَارُ لِلْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَالْقَنْطَرَةُ كَالْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ ، وَلَوْ أَقَرَّ لِطِفْلٍ وَأَطْلَقَ صَحَّ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمُعَامَلَةِ بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهِ .
وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الْأَصَحِّ ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ تَكْذِيبِهِ وَقَالَ غَلِطْتُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ عَدَمُ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ ) بِمَالِ ( تُرِكَ الْمَالُ ) الْمُقَرُّ بِهِ ( فِي يَدِهِ ) دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تُشْعِرُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا وَالْإِقْرَارُ الطَّارِئُ عَارَضَهُ التَّكْذِيبُ فَسَقَطَ وَالثَّانِي : يَنْزِعُهُ الْحَاكِمُ وَيَحْفَظُهُ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ .
تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْخِلَافِ بِالْمُعَيَّنِ لِقَوْلِهِ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنُ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَإِذَا بَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ مَا خَلَا الْوَطْءَ لِاعْتِرَافِهِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى يَرْجِعَ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : إنَّهُ إنْ كَانَ ظَانًّا أَنَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ ، وَإِلَّا فَلَا ( فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ تَكْذِيبِهِ ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ ( وَقَالَ : غَلِطْتُ ) فِي الْإِقْرَارِ أَوْ تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ ( قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالَ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ ، وَالثَّانِي : لَا ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْزِعُهُ مِنْهُ إلَى ظُهُور مَالِكِهِ .
تَنْبِيهٌ : تَقْيِيدُهُ بِحَالِ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَدَّقَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رُجُوعَ الْمُقَرِّ لَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْمُطَالَبَةِ بِخِلَافِ الْمُقِرِّ فَإِنَّ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَام فَكَانَ أَضْعَفَ ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَكْذِيبِهِ لِشَمْلِ حَالَتَيْ التَّكْذِيبِ وَبَعْدَهُ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : إنَّ تَكْذِيبَ وَارِثِ
الْمُقَرِّ لَهُ كَتَكْذِيبِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِمَيِّتٍ أَوْ لِمَنْ مَاتَ بَعْد الْإِقْرَارِ فَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ لَمْ يَصِحَّ .
أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْمَرْهُونِ ، وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَالِكِ صَحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْثِقَ بِأَرْشِهَا ، وَلَوْ قَالَ : بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ نَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ لَوْ قَالَ : عَلَيَّ مَالٌ لِرَجُلٍ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْعَيْنِ ، وَمَا هُنَاكَ فِي الدَّيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ السُّبْكِيُّ ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ : أَنَا الْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يُصَدَّقْ بَلْ الْمُصَدَّقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ مُعَيَّنًا نَوْعَ تَعْيِينٍ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الدَّعْوَى ، وَالطَّلَبُ كَقَوْلِهِ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَيَّ كَذَا .
فُرُوعٌ : لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ امْرَأَةٌ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ سَقَطَ حَقُّهُ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي : حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْدُ ، وَادَّعَى نِكَاحَهَا لَمْ يُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحًا مُجَدَّدًا ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ لَهَا فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ لِآخَرَ بِقِصَاصٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ وَكَذَّبَهُ سَقَطَ ، وَكَذَا حَدُّ سَرِقَةٍ ، وَفِي الْمَالِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِعَبْدٍ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ ، فَلَا يُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ ، فَإِذَا أَقَرَّ وَنَفَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَحَدِ عَبْدَيْنِ وَعَيَّنَهُ فَرَدَّهُ وَعَيَّنَ الْآخَرَ لَمْ يُقْبَلْ فِيمَا عَيَّنَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَصَارَ مُكَذِّبًا لِلْمُقِرِّ فِيمَا عَيَّنَهُ لَهُ .
فَصْلٌ قَوْلُهُ : لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ ، وَقَوْلُهُ : عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ ، وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ : لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ : زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، وَلَوْ قَالَ : بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ : فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ ( قَوْلُهُ : لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ ) وَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ اللَّامَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَأَلْفٍ أَوْ ثَوْبٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ كَعَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صِيغَةُ إقْرَارٍ ، وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَهُ ( وَقَوْلُهُ : عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ ) الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عُرْفًا ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ فِي عَلَيَّ الْوَدِيعَةِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِأَوْ هُنَا فَقَالَ : عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيمَا سَيَأْتِي فَقَالَ : مَعِي أَوْ عِنْدِي لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ ( وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا ظَرْفَانِ ، فَيُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عَيْنٍ لَهُ بِيَدِهِ ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَأَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ أَنَّهُ رَدَّهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَقَوْلُهُ : قِبَلِي بِكَسْرِ الْقَافِ ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِلْعَيْنِ ، وَالدَّيْنُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لِلدَّيْنِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَيْنِ ، وَآخَرَ عَلَى الدَّيْنِ ، كَأَنْ قَالَ لَهُ : عَلَيَّ وَمَعِي عَشَرَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ ، وَبَعْضِهِ بِالدَّيْنِ .
( وَلَوْ قَالَ ) إنْسَانٌ لِآخَرَ ( لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ ) لَهُ : ( زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك ) أَوْ
هِيَ صِحَاحٌ ( فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِهْزَاءِ ( وَلَوْ قَالَ ) لَهُ : ( بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت ) أَوْ أَجَلْ أَوْ جَيْرِ أَوْ إي بِمَعْنَى نَعَمْ ( أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ ) أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ ؛ فَلِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ وَفِي مَعْنَاهَا مَا ذُكِرَ مَعَهَا ، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ ؛ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ قَالَ : لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ ، فَقَالَ : صَدَقْت أَوْ نَحْوَهُ يُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ إقْرَارًا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ كَالْأَدَاءِ وَالْإِيرَادِ : أَيْ : كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الْكَلِمَةِ وَإِيرَادِهَا مِنْ الضَّحِكِ وَغَيْرِهِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ عَجَبًا ، وَإِنْكَارًا .
ا هـ .
فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ : لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ : مُسْتَهْزِئًا : لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : أَبْرَأْتنِي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : لِلْحَاكِمِ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي أَوْ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنِّي الْأَلْفَ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَهُوَ حِيلَةٌ لِدَعْوَى الْبَرَاءَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الِالْتِزَامِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ : قَدْ أَبْرَأْتنِي مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْحَقِّ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَنَا مُقِرٌّ بِهِ ، فَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي ، فِي أَنَا مُقِرٌّ بِهِ تَقْيِيدُ حُكْمِ أَنَا مُقِرٌّ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فَقَالَ : أَنَا مُقِرٌّ لَكَ بِهِ ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ .
وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ
إلَى الْأَلْفِ الَّتِي لَهُ : أَيْ : فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْتُ بِهِ غَيْرَكَ كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ الدَّرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لَمْ يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ ( وَلَوْ قَالَ : أَنَا مُقِرٌّ ) وَلَمْ يَقُلْ بِهِ ؛ ( أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ) أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ أَوْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَلِاحْتِمَالِ الْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ : لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ كَانَ إقْرَارًا مَعَ احْتِمَالِ الْوَعْدِ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَك أَنْ تَقُولَ : هَبْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ .
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَنَا أُقِرُّ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ ، وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ .
( وَلَوْ قَالَ أَلَيْسَ ) أَوْ هَلْ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ ( لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا ( وَفِي نَعَمْ ) فِي صُورَةِ الْمَتْنِ ( وَجْهٌ ) أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ ، فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لَهُ قَالَهُ فِي النَّفْيِ ، بِخِلَافِ بَلَى ، فَإِنَّهَا لِرَدِّ النَّفْيِ ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } لَوْ قَالُوا : نَعَمْ كَفَرُوا ، فَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ ، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ .
وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمُحِيطِ : وَلَوْ قَالَ : لَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ : بَلَى أَوْ نَعَمْ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : أَنْ يَجْعَلَ بَلَى إقْرَارًا دُونَ نَعَمْ .
فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ مَا دُونَهُ ، وَنَعَمْ إقْرَارٌ بِالْعَبْدِ مَثَلًا لِمَنْ قَالَ : اشْتَرِ عَبْدِي كَمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قَالَ : أَعْتِقْ عَبْدِي ، لَا لِمَنْ قَالَ : اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَاهُ : لَا تَدُمْ الْمُطَالَبَةُ ، وَمَا أَكْثَرُ مَا تَتَقَاضَى لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِ ، قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ : اشْتَرَيْتُهَا أَوْ مَلَكْتُهَا مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك كَانَ إقْرَارًا لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ ، وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك لَا يَكُونُ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا .
وَلَوْ قَالَ : اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ : نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ : اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا ، أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ ، أَوْ أَجِدَ ) أَيْ : الْمِفْتَاحَ مَثَلًا ، أَوْ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ ، أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ ، أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ ، أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ ( فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الِالْتِزَامِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّزُومِ فِي أَقْضِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِّيَ عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ مَرْدُودٌ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّصْوِيرُ عِنْدَ انْضِمَامِ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ : أَعْطِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ اللَّفْظَ بِدُونِهِ مُحْتَمِلٌ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَذْكُورُ وَغَيْرُهُ عَلَى السَّوَاءِ ، وَلِهَذَا كَانَ مُقِرًّا فِي قَوْلِهِ : أَنَا مُقِرٌّ بِهِ دُونَ أَنَا مُقِرٌّ ، وَلَوْ قَالَ : كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَانَتْ لَك عِنْدِي دَارٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كَانَ مِلْكَك أَمْسِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ وَقَعَ جَوَابًا لِلدَّعْوَى وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطُلِبَ فِيهِ الْيَقِينُ .
وَلَوْ قَالَ : أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ حِينًا ثُمَّ أَخْرَجْتُك مِنْهَا كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا مِنْ قَبْلُ ، وَادَّعَى زَوَالَهَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كَانَ فِي يَدِك أَمْسِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَقَرَّ لَهُ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ بِقَوْلِهِ : أَسْكَنْتُكَهَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَنْ غَصْبٍ أَوْ سَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ .
وَقَوْلُهُ : لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَوْ وَاحِدًا بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ أَوْ عَدْلٌ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَتَّى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا شَهِدَ عَلَيَّ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَهُمَا صَادِقَانِ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ الْآنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إذَا شَهِدَا عَلَيَّ بِأَلْفٍ صَدَّقْتهمَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ قَدْ يُصَدَّقُ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ مَا لَوْ قَالَ : مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ عَدْلَانِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ تَزْكِيَةٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّزْكِيَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قَالَ : إذَا قَالَ زَيْدٌ : إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ .
وَلَوْ قَالَ : أَقْرَضْتُك كَذَا فَقَالَ : كَمْ تَمُنُّ بِهِ عَلَيَّ ، أَوْ لَا اقْتَرَضْت مِنْك غَيْرَهُ كَانَ إقْرَارًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ : لِي عَلَيْك كَذَا : لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ بِفَتْحِ اللَّامِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لَك ، أَمَّا لَوْ قَالَ : مِنْ مَالِكَ بِكَسْرِ اللَّامِ ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت ، فَهُوَ إقْرَارٌ لِزَيْدٍ ، وَلَوْ كَتَبَ زَيْدٌ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ : اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَغَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِلَا لَفْظٍ لَيْسَتْ إقْرَارًا ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ الْأَخْرَسِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ لَيْسَتْ لَغْوًا ، وَلَوْ لُقِّنَ إقْرَارًا أَوْ غَيْرَهُ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَقَالَ : لَمْ أَفْهَمْهُ ، وَأَمْكَنَ عَدَمُ فَهْمِهِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ اخْتِلَاطٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَقْرَرْت ، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مُكْرَهٌ ، وَأَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ ، أَوْ كَانَتْ أَمَارَةٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ تَرْسِيمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِظُهُورِ مَا قَالَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الصِّبَا وَلَمْ يُعْهَدْ الْجُنُونُ ، وَلَمْ تَكُنْ أَمَارَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَالْأَمَارَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ ، أَوْ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِكَوْنِ الْمُقِرِّ حِينَ إقْرَارِهِ كَانَ بَالِغًا فِي الْأُولَى أَوْ عَاقِلًا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مُخْتَارًا فِي الثَّالِثَةِ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يُصَدَّقُ لِتَكْذِيبِهِ الْبَيِّنَةَ .
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ ، فَلَوْ قَالَ دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَهُوَ لَغْوٌ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ أَيْضًا فَقَالَ : فَصْلٌ : يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهُوَ كُلُّ مَا جَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ ( أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ ) حِينَ يُقِرُّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ إزَالَةً عَنْ الْمِلْكِ ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْخَبَرِ ( فَلَوْ قَالَ : دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو ، فَهُوَ لَغْوٌ ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ لَهُ فَيُنَافِي إقْرَارَهُ لِغَيْرِهِ إذْ هُوَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ ، فَحُمِلَ عَلَى الْوَعْدِ وَالْهِبَةِ ، وَلَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي ، أَوْ وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي مِلْكٌ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ ، فَيَصِحَّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : دَارِي لِفُلَانٍ وَأَرَادَ الْإِقْرَارَ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ إضَافَةَ سُكْنَى ذَلِكَ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ : وَيُتَّجَهُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : دَارِي الَّتِي هِيَ مِلْكِي لَهُ لِلتَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فِي الْأُولَتَيْنِ إذَا لَمْ يَرُدُّهُ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوَافِقَ لِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ كَمَا سَيَأْتِي عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ : مَسْكَنِي أَوْ مَلْبُوسِي لِفُلَانٍ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْكُنُ ، وَيَلْبَسُ مِلْكَ غَيْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ : الدَّيْنُ الَّذِي كَتَبْته عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو صَحَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكِيلٌ ، فَلَوْ طَالَبَ عَمْرٌو زَيْدًا ، فَأَنْكَرَ فَإِنْ شَاءَ عَمْرٌو أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى زَيْدٍ لَهُ ثُمَّ يُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِالْمُقَرِّ بِهِ ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ بَيِّنَةً
بِالْمُقَرِّ بِهِ ثُمَّ بَيِّنَةً بِالْإِقْرَارِ .
.
فَرْعٌ : قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ : لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ انْتَقَلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِذَلِكَ ، وَفَصَّلَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ فَقَالَ : إنْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ صَارَ لِزَيْدٍ فَلَا يَنْتَقِلُ بِالرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْحَوَالَةِ وَهِيَ تُبْطِلُ الرَّهْنَ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ لَهُ بَقِيَ الرَّهْنُ بِحَالِهِ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَمِثْلُ الرَّهْنِ الْكَفِيلُ .
وَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ ، وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ ، وَلْيَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
( وَلَوْ قَالَ : هَذَا ) الْعَبْدُ مَثَلًا ( لِفُلَانٍ وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ ) فَيُطْرَحُ آخِرُهُ ، وَيُؤْخَذُ بِأَوَّلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ ، وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ زَيْدًا أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ لِعَمْرٍو ، وَكَانَ مِلْكَ زَيْدٍ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ ، وَفَارَقَتْ الْمُقِرَّ بِأَنَّهَا تَشْهَدُ عَلَى غَيْرِهَا ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا لَمْ يَتَنَاقَضْ ، وَالْمُقِرُّ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَيُؤَاخَذُ بِمَا يَصِحُّ مِنْ كَلَامِهِ ، وَلَوْ قَالَ : مِلْكِي هَذَا لِفُلَانٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ، وَهُوَ إقْرَارٌ بَعْدَ إنْكَارٍ ( وَلْيَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ ) مِنْ الْأَعْيَانِ ( فِي يَدِ الْمُقِرِّ ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا ( لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ كَانَ كَلَامُهُ إمَّا دَعْوَى عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ شَهَادَةً بِغَيْرِ لَفْظِهَا فَلَا تُقْبَلُ .
تَنْبِيهٌ : كَوْنُهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ شَرْطٌ لِإِعْمَالِ الْقَرَارِ ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ لَا شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ فَلَا يُقَالُ : إنَّهُ لَاغٍ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ : الْأُولَى : مَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ثُمَّ ادَّعَاهُ رَجُلٌ ، فَأَقَرَّ الْبَائِعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَهُ بِهِ صَحَّ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَهُ الْفَسْخُ .
الثَّانِيَةُ : مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَ الْغَائِبِ بِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ ، ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ بَيْعِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ عَنْ النَّصِّ .
الثَّالِثَةُ : لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِآخَرَ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَفْتَى بِذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَاهِبِ رُجُوعٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ كَمَحْجُورِهِ وَوَقْفَ هُوَ نَاظِرٌ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ، وَخَرَجَ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ الدَّيْنُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَا ذُكِرَ .
، فَلَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَارَ عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ ، فَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ .
( فَلَوْ أَقَرَّ ) بِشَيْءٍ ( وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ) حَالَ الْإِقْرَارِ ( ثُمَّ صَارَ ) فِيهَا ( عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ فَيُسَلَّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ ( فَلَوْ ) قَالَ هَذَا ، وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَرْهُونٌ عِنْدَ زَيْدٍ ، فَحَصَلَ فِي يَدِهِ بِيعَ فِي دَيْنِ زَيْدٍ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ ، وَإِنْ ( أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ) صَحَّ ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْمُشْتَرِي حُرِّيَّتَهُ اسْتِنْقَاذًا لِلْعَبْدِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ وَتَنْزِيلًا لِلْعَقْدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ صَدَّقَهُ الشَّرْعُ ، وَهُوَ الْبَائِعُ لِكَوْنِهِ ذَا يَدٍ ، وَ ( حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ ) بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ ، وَتُرْفَعُ يَدُ الْمُشْتَرِي عَنْهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِحُرِّيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِالْوَكَالَةِ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالشِّرَاءِ لِأَجْلِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِحُرِّيَّةِ شَخْصٍ بَدَلَ عَبْدٍ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُنَاقِضَ الْحُرِّيَّةَ ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِالْعَبْدِ الْمَدْلُولَ الْعَامَّ لَا الْخَاصَّ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ .
ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ : هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ ، وَإِنْ قَالَ : أَعْتَقَهُ فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ .
( ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ ) فِي صِيغَةِ إقْرَارِهِ ( هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ ) لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ بِحُرِّيَّتِهِ مَانِعٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْبَائِعُ ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ افْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا ، فَإِذَا مَاتَ الْمُدَّعَى حُرِّيَّتَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ الْخَاصِّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ كَمَا مَرَّ وَاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا ، وَلَكِنْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ قَبْلَ شِرَاءِ الْبَائِعِ لَهُ كَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ هُنَا يُوَرَّثُ بِالْوَلَاءِ بِشَرْطِهِ ، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ أَقَلَّ الثَّمَنَيْنِ ( وَإِنْ قَالَ : أَعْتَقَهُ ) الْبَائِعُ وَهُوَ يَسْتَرِقُّهُ ظُلْمًا ( فَافْتِدَاءٌ ) أَيْ : فَشِرَاؤُهُ حِينَئِذٍ افْتِدَاءٌ ( مِنْ جِهَتِهِ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي ( وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ ) عَمَلًا بِزَعْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَقِيلَ : بَيْعٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْبَائِعِ ، وَقِيلَ : افْتِدَاءٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمُشْتَرِي .
تَنْبِيهٌ : اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، فَقَالَ السُّبْكِيُّ : يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : يَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَقَطْ ، فَإِنَّ الطَّرِيقَيْنِ فِيهِ وَيَفُوتُهُ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ قَالَ : فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَانَ أَحْسَنَ .
وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ ، وَالثَّانِي : أَقْرَبُ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( فَيَثْبُتُ فِيهِ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( الْخِيَارَانِ ) أَيْ : خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ ( لِلْبَائِعِ فَقَطْ ) وَيَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ دُونَ
الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَتِهِ افْتِدَاءٌ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِعِتْقِهِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ ، فَإِنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ ، وَخَلَّفَ تَرِكَةً فَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِعِتْقِهِ وَرِثَهُ الْبَائِعُ وَرَدَّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي إنْ كَانَ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا كَاذِبٌ فِي حُرِّيَّتِهِ ، فَكُلُّ الْكَسْبِ لَهُ ، أَوْ صَادِقٌ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ إرْثًا بِالْوَلَاءِ ، وَقَدْ ظَلَمَهُ بِأَخْذِ الثَّمَنِ مِنْهُ ، وَتَعَذُّرِ اسْتِرْدَادِهِ ، وَقَدْ ظَفِرَ بِمَالِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا ، فَلَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ مَا يَخُصُّهُ وَفِي الْبَاقِي مَا مَرَّ ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَرِثُ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ ، كَأَنْ كَانَ أَخًا لِلْعَبْدِ لَمْ يَرِثْ بَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ ، إنْ كَانَ سَلَّمَهُ لَهُ ، وَلَا يُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِهِ ، إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرِّيَّةَ فِي زَعْمِهِ ، وَقَدْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَمَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِتْقُهُ وَقَعَ قَبْضًا ، وَلَوْ قَالَ : إنَّهُ حُرٌّ وَأَطْلَقَ اُسْتُفْسِرَ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ .
فُرُوعٌ : لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لِعَمْرٍو سُلِّمَ لِزَيْدٍ ، لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ زَيْدٌ فَوَلَاؤُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ، وَهَلْ أَكْسَابُهُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَمْرٍو لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَكْسَابِ فَرْعُ الرِّقِّ ، وَلَمْ يَثْبُتْ ؟ وَجْهَانِ : أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ مُسْتَحَقَّةً لِلْعَتِيقِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ عَمْرًا غَصَبَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو صَحَّ الشِّرَاءُ اسْتِنْقَاذًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا يُسْتَنْقَذُ الْحُرُّ ، وَأَخَذَهُ زَيْدٌ ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَانِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَثْبُتَانِ لِمَنْ يَطْلُبُ الشِّرَاءَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ أَوْ مُسْتَنِيبِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ لِغَيْرِهِ فَاسْتَأْجَرَهَا لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ أَوْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُولَى اسْتِخْدَامُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا ، وَلَا وَطْؤُهَا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ نَكَحَهَا بِإِذْنِهَا ، وَسَيِّدُهَا عِنْدَهُ وَلِيٌّ بِالْوَلَاءِ ، كَأَنْ قَالَ : أَنْتَ أَعْتَقْتَهَا أَوْ بِغَيْرِهِ ، كَأَنْ كَانَ أَخَاهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَسَوَاءٌ أَحَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ أَمْ لَا لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهَا ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَهَا يُسْتَرَقُّونَ كَأُمِّهِمْ .
ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي فِيمَنْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ فَلَا بُدَّ فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ .
نَعَمْ الْمَسْمُوحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا .
وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ فَإِذَا قَالَ لَهُ : عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ ، وَإِنْ قَلَّ ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ ، أَوْ بِمَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ ، وَسِرْجِينٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ فَقَالَ ( وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ ) سَوَاءٌ أَكَانَ ابْتِدَاءً أَمْ جَوَابًا عَنْ دَعْوَى ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالشَّيْءُ يُخْبَرُ عَنْهُ مُفَصَّلًا تَارَةً ، وَمُجْمَلًا أُخْرَى .
إمَّا لِلْجَهْلِ بِهِ أَوْ لِثُبُوتِهِ مَجْهُولًا بِوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَيُخَالِفُ الْإِنْشَاءَاتِ حَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ احْتِيَاطًا لِابْتِدَاءِ الثُّبُوتِ ، وَتَحَرُّزًا عَنْ الْغَرَرِ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَالْمُبْهَمُ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ ( فَإِذَا قَالَ لَهُ : عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَا يَسُدُّ مَسَدًّا أَوْ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ ( وَإِنْ قَلَّ ) كَفَلْسٍ لِصِدْقِ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّفْسِيرِ أَوْ فَسَّرَهُ ، وَلَكِنْ نُوزِعَ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا ( وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ ) أَيْ : لَا يُتَّخَذُ مَالًا ( لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ ) أَوْ قِمْعِ بَاذِنْجَانَةٍ أَوْ قِشْرَةِ فُسْتُقَةٍ أَوْ جَوْزَةٍ ( أَوْ ) فَسَّرَهُ ( بِمَا ) لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ ، وَ ( يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ ) لِصَيْدٍ أَوْ قَابِلٍ لِتَعْلِيمِهِ ( وَسِرْجِينٍ ) وَهُوَ الزِّبْلُ ، وَكَذَا بِكُلِّ نَجِسٍ يُقْتَنَى كَجِلْدِ مَيْتَةٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ ( قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ ) لِصِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالشَّيْءِ مَعَ كَوْنِهِ مُحْتَرَمًا يَحْرُمُ أَخْذُهُ ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا قِيمَةَ لَهُ ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِكَلِمَةِ عَلَيَّ ، وَالثَّانِي : لَيْسَ بِمَالٍ ، وَظَاهِرُ الْإِقْرَارِ الْمَالُ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ قَالَ : بَدَلَ مُعَلَّمٍ مُقْتَنًى لَدَخَلَ مَا زِدْته وَكَلْبُ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوُهُ ، لَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ
قَوْلِهِ بَعْدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي كَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ أَوْ رَدِّ وَدِيعَةٍ قُبِلَ لِمَا مَرَّ .
وَلَا يُقْبَلُ بِمَا لَا يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ ، وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ ، وَلَا بِعِيَادَةٍ وَرَدِّ سَلَامٍ .
( وَلَا يُقْبَلُ ) تَفْسِيرُهُ ( بِمَا لَا يُقْتَنَى ) أَيْ : بِشَيْءٍ لَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ ( كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ ) مِنْ صَيْدٍ ، وَنَحْوِهِ ، وَجِلْدٍ لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ ، وَمَيْتَةٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا ، وَخَمْرٍ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ إذْ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ ، وَلَا اخْتِصَاصٌ ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهَا فَلَا يُصَدَّقُ بِهِ قَوْلُهُ : عَلَيَّ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّ عَلَى غَاصِبِهَا رَدَّهَا لَهُ إذَا لَمْ يَتَظَاهَرْ بِهَا ، وَلَوْ فَسَّرَ بِمَيْتَةٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِمُضْطَرٍّ قُبِلَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ خِلَافًا لِلْقَاضِي ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ عَلَيَّ : لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ غَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَا يُقْتَنَى إذْ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُشْعِرُ بِالْتِزَامِ حَقٍّ ، إذْ الْغَصْبُ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامًا وَثُبُوتَ مَالٍ ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ قَهْرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ : عَلَيَّ وَرُبَّمَا يُسْتَشْكَلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ أَوْ حَقِّ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا حَقٍّ ؟ ( وَلَا ) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا ( بِعِيَادَةٍ ) لِمَرِيضٍ ( وَ ) لَا ( رَدِّ سَلَامٍ ) لِبُعْدِ فَهْمِهِمَا فِي مَعْرِضِ الْإِقْرَارِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِمَا لَكِنْ إنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا فَإِنْ قِيلَ : الْحَقُّ أَخَصُّ مِنْ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَخَصِّ مَا لَا يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَعَمِّ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ : لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ ، وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ ، وَفِي الْخَبَرِ { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ } وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَرَدَّ السَّلَامِ ، فَاعْتِبَارُ الْإِقْرَارِ بِمَا لَمْ يُطَالَبْ فِي مَحَلِّهِ إذَا لَمْ يَسَعْ اللَّفْظُ عُرْفًا فِيمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ : غَصَبَك أَوْ غَصَبْتُك
مَا تَعْلَمُ لَمْ يَصِحَّ إذْ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ غَيْرَ نَفْسِك قُبِلَ ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ قَالَ : غَصَبْتُك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ : أَرَدْتُ نَفْسَك لَمْ يُقْبَلْ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ : غَصَبْتُك شَيْئًا تَعْلَمُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ بِأَنَّ شَيْئًا اسْمٌ تَامٌّ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ مَا .
وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ ، وَكَذَا بِالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي الْأَصَحِّ ، لَا بِكَلْبٍ جِلْدِ مَيْتَةٍ .
( وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ ) مُطْلَقٍ ( أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ ( أَوْ كَثِيرٍ ) بِمُثَلَّثَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ أَوْ جَلِيلٍ أَوْ خَطِيرٍ أَوْ وَافِرٍ أَوْ نَفِيسٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ أَوْ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَوْ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ( قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ ، وَإِنْ كَثُرَ مَالُ فُلَانٍ .
أَمَّا عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَالِ فَلِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ .
وَأَمَّا عِنْدَ وَصْفِهِ بِالْعَظَمَةِ وَنَحْوِهَا فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَقِيرِ أَوْ الشَّحِيحِ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُفْرِ مُسْتَحِلِّهَا ، وَعِقَابِ غَاصِبِهِ ، وَثَوَابِ بَاذِلِهِ لِمُضْطَرٍّ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَلَّ مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ ، وَذَلِكَ عَيْنٌ تَتَعَرَّضُ لَهُ ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ ، وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ : أَيْ : مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ .
ا هـ .
وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ يُلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إذَا وَصَفَ الْمَالَ بِضِدِّ مَا ذُكِرَ كَقَوْلِهِ : مَالٌ حَقِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ طَفِيفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى ، وَيَكُونُ وَصْفُهُ بِالْحَقَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ حَيْثُ احْتِقَارُ النَّاسِ لَهُ أَوْ فَنَاؤُهُ ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ حَبَّةَ الْبُرِّ ، وَنَحْوِهَا مَالٌ كَمَا ذَكَرَ مَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَالًا فَإِنَّ كَوْنَهَا لَا
تُعَدُّ مَالًا لِعَدَمِ تَمَوُّلِهَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا مَالًا كَمَا قَالَ زَيْدٌ لَا يُعَدُّ مِنْ الرِّجَالِ ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا ، فَكُلُّ مُتَمَوَّلٍ مَالٌ ، وَلَا يَنْعَكِسُ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي قَبُولِ التَّفْسِيرِ بِهَا فِي قَوْلِهِ شَيْءٌ وَيَجْزِمُ بِالْقَبُولِ فِي مَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ وَنَحْوِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ هُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ هُنَاكَ ( وَكَذَا ) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ( بِالْمُسْتَوْلَدَةِ ) لِلْمُقَرِّ لَهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهَا تُؤَجَّرُ ، وَيُنْتَفَعُ بِهَا ، وَتَجِبُ قِيمَتُهَا إذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ ، وَالثَّانِي : لَا لِخُرُوجِهَا عَنْ اسْمِ الْمَالِ الْمُطْلَقِ إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا ، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَبُولِ تَفْسِيرِهِ بِهَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ أَوْ يَقُولَ لَهُ : عِنْدِي مَالٌ ، وَإِنْ قِيلَ : الْمُنَاسِبُ فِي صُورَةِ التَّفْسِيرِ بِهَا هُوَ الثَّانِي وَلَوْ فَسَّرَهُ بِوَقْفٍ عَلَيْهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : فَيُشْبِهُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمِلْكِ .
ا هـ .
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلَ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْمَوْقُوفِ إنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، أَوْ لِلْوَاقِفِ ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ : فَكَالْمُسْتَوْلَدَةِ .
وَ ( لَا ) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ( بِكَلْبٍ وَ ) لَا ( جِلْدِ مَيْتَةٍ ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ لِانْتِفَاءِ اسْمِ الْمَالِ عَنْهُمَا .
وَقَوْلُهُ : لَهُ كَذَا كَقَوْلِهِ : شَيْءٌ ، وَقَوْلُهُ : شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ ، وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ ، وَلَوْ قَالَ : كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ وَجَبَ دِرْهَمَانِ ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ فَدِرْهَمٌ ، وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ .
( وَقَوْلُهُ ) : أَيْ : الْمُقِرِّ ( لَهُ ) أَيْ : لِزَيْدٍ مَثَلًا عَلَيَّ ( كَذَا كَقَوْلِهِ ) : لَهُ عَلَيَّ ( شَيْءٌ ) ، فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا مَرَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا مُبْهَمَةٌ ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ ، ثُمَّ نُقِلَتْ ، فَصَارَ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي النَّوْعَيْنِ مُفْرَدَةً وَمُرَكَّبَةً وَمَعْطُوفَةً ، تَقُولُ : نَزَلْنَا بِدَارِ كَذَا وَبِكَذَا كَذَا ، أَوْ بِكَذَا وَكَذَا ، وَهَكَذَا فِي الْعَدَدِ ( وَقَوْلُهُ ) : لَهُ عَلَيَّ ( شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا ) وَلَوْ زَادَ عَلَى مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ ( كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ ) ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ الِاسْتِئْنَافَ عُمِلَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ ( وَلَوْ ) كَرَّرَ مَعَ الْعَطْفِ كَأَنْ ( قَالَ ) : لَهُ عَلَيَّ ( شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ ) مُتَّفِقَانِ أَوْ مُخْتَلِفَانِ ، بِحَيْثُ يُقْبَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ شَيْءٍ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ الْمُغَايَرَةَ ( وَلَوْ قَالَ ) : لَهُ عَلَيَّ ( كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ ) أَوْ سَكَّنَهُ ( لَزِمَهُ دِرْهَمٌ ) ؛ لِأَنَّ كَذَا مُبْهَمٌ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِدِرْهَمٍ وَالنَّصْبُ فِيهِ جَائِزٌ عَلَى التَّمْيِيزِ ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ لَحْنٌ .
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ : وَأَمَّا تَجْوِيزُ الْفُقَهَاءِ الرَّفْعَ فَخَطَأٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ لِسَانِهِمْ ، وَالْجَرُّ لَحْنٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ، وَالسُّكُونُ كَالْجَرِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَوَجْهٌ بِأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ الْمَرْفُوعِ ، وَالْمَنْصُوبِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دُونَهُ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ
إرَادَتِهِ فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ عِشْرُونَ فِي حَالِ النَّصْبِ كَمَا قِيلَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ مَنْصُوبٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ ، وَإِلَّا لَلَزِمَ فِي حَالَةِ الْجَرِّ مِائَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ مَجْرُورٍ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ قِيلَ : فِي حَالِ الْجَرِّ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ كَمَا قِيلَ بِهِ وَتَقْدِيرُهُ كَذَا مِنْ دِرْهَمٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ كَذَا إنَّمَا تَقَعُ عَلَى الْآحَادِ لَا عَلَى كُسُورِهَا ( وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كَذَا وَكَذَا ) أَوْ كَذَا ثُمَّ كَذَا ( دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ ) تَمْيِيزًا ( وَجَبَ دِرْهَمَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَعَقَّبَهُمَا بِالدِّرْهَمِ مَنْصُوبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَصْفٌ ، وَالْوَصْفُ الْمُتَعَقِّبُ لِشَيْئَيْنِ يَعُودُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَلَا يَحْسُنُ التَّأْكِيدُ مَعَ وُجُودِ عَاطِفٍ ، وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ تَفْسِيرَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا بِالدِّرْهَمِ ، وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَشَيْءٌ .
أَمَّا الدِّرْهَمُ فَلِتَفْسِيرِ الثَّانِي .
وَأَمَّا الشَّيْءُ فَلِلْأَوَّلِ الْبَاقِي عَلَى إبْهَامِهِ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَقُولَ : أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَمَا قِيلَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ مَعْطُوفٍ يُمَيَّزُ بِمَنْصُوبٍ .
أُجِيبَ بِمِثْلِ مَا مَرَّ ( وَ ) الْمَذْهَبُ ( أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ ) الدِّرْهَمَ ( فَدِرْهَمٌ ) وَالْمَعْنَى فِي الرَّفْعِ هُمَا دِرْهَمٌ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا : دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُمَا ، وَأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إعْرَابِ التَّفْسِيرِ .
وَأَمَّا فِي الْجَرِّ ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُمْتَنِعًا عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ ، وَكَانَ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنَى فِي اللُّغَةِ وَفِي الْعُرْفِ يُفْهَمُ مِنْهُ تَفْسِيرُ مَا سَبَقَ حُمِلَ
عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّصْبِ فَإِنَّهُ تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ ، فَيَعُودُ إلَيْهِمَا كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَنْقُلْ الرَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ خِلَافًا بَلْ جَزَمَ بِدِرْهَمٍ ، لَكِنْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ دِرْهَمَيْنِ ( وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ ) الْمَذْكُورَةِ رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا لِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ وَلَا ابْنُ الرِّفْعَةِ لِلسُّكُونِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْ : حَذْفِ الْوَاوِ ، وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي الْإِفْرَادِ مِنْ جَعْلِهِ كَالْمَخْفُوضِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي التَّرْكِيبِ ، وَالْعَطْفِ أَيْضًا .
قَالَ : وَيَتَحَصَّلُ مِنْ ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً ؛ لِأَنَّ كَذَا إمَّا أَنْ يُؤْتَى بِهَا مُفْرَدَةً أَوْ مُرَكَّبَةً أَوْ مَعْطُوفَةً ، وَالدِّرْهَمُ إمَّا أَنْ يُرْفَعَ أَوْ يُنْصَبَ أَوْ يُجَرَّ أَوْ يُسَكَّنَ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ ، وَالْوَاجِبُ فِي جَمِيعِهَا دِرْهَمٌ إلَّا إذَا عُطِفَ وَنُصِبَ تَمْيِيزُهَا فَدِرْهَمَانِ ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّ ثُمَّ كَالْوَاوِ أَيْ : وَالْفَاءُ كَذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ : كَذَا بَلْ كَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ : أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَالثَّانِي : يَلْزَمُهُ شَيْئَانِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ رَأَيْت زَيْدًا بَلْ زَيْدًا إذَا عَنَى الْأَوَّلَ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذْ عَنَى غَيْرَهُ .
وَلَوْ قَالَ : أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ ، وَلَوْ قَالَ : خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَلَوْ قَالَ ) : لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ ، الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ ) مِنْ الْمَالِ كَأَلْفِ فَلْسٍ كَمَا فِي عَكْسِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ ؛ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ ، إنَّمَا وُضِعَ لِلزِّيَادَةِ وَلَمْ يُوضَعْ لِلتَّفْسِيرِ ، وَسَوَاءٌ أَفَسَّرَهُ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْ أَجْنَاسٍ .
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ فِضَّةً ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ أَيْضًا فِضَّةً .
ا هـ .
.
وَهُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ فَإِنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمَةٌ إذْ لَا يُقَالُ : أَلْفُ حِنْطَةٍ وَيُقَالُ : أَلْفُ فِضَّةٍ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِرَفْعِهِمَا أَوْ نَصْبِهِمَا أَوْ خَفْضِهِمَا مُنَوَّنَيْنِ ، أَوْ نَصَبَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَنَّهُ أَوْ نَصَبَ الْأَلْفَ مُنَوَّنًا ، وَرَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَنَّهُ كَانَ لَهُ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِمَا عَدَدُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : أَلْفٌ مِمَّا قِيمَةُ الْأَلْفِ مِنْهُ دِرْهَمٌ ( وَلَوْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، دِرْهَمًا ) أَوْ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ، أَوْ أَلْفٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، أَوْ أَلْفٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ ( فَالْجَمِيعُ ) مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ ، وَمَا بَعْدَهَا ( دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيح ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ تَمْيِيزًا ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ نَصَبَهُ فِي الْأَخِيرَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَلَا يَضُرُّ فِيهِ اللَّحْنُ ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُ أَوْ نَصَبَهُ فِيهَا لَكِنْ مَعَ تَنْوِينِ نِصْفٍ أَوْ رَفْعِهِ أَوْ خَفْضِهِ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَزِمَهُ مَا عَدَدُهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ مُنَوَّنَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَقُولُ : الْخَمْسَةُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ مُجْمَلَةٌ ، وَالْعِشْرُونَ مُفَسَّرَةٌ بِالدَّرَاهِمِ لِمَكَانِ الْعَطْفِ
فَأُلْحِقَتْ بِأَلْفٍ وَدِرْهَمٍ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ .
ا هـ .
وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ جَزْمًا ؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا ، فَالدِّرْهَمُ تَفْسِيرٌ لَهُ ( وَ ) الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُقَرِّ بِهَا دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا مَا لَمْ يُفَسِّرْهُ الْمُقِرُّ بِمَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ، فَعَلَى هَذَا .
وَلَوْ قَالَ : الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ ، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةَ الْوَزْنِ فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا ، وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً قُبِلَ إنْ وَصَلَهُ وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ فِي النَّصِّ ، وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ .
( لَوْ قَالَ : الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ ) كَدَرَاهِمَ طَرِبَةٍ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ ( فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ ) أَوْ الْقَرْيَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا ( تَامَّةَ الْوَزْنِ ) أَيْ : كَامِلَةً بِأَنْ يَكُونَ وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِقَ ( فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ ) أَيْ : التَّفْسِيرُ بِالنَّاقِصَةِ ( إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا ) بِالْإِقْرَارِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ ، وَالثَّانِي : لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي التَّامِّ وَضْعًا وَعُرْفًا ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ دَعْوَى الصَّرَاحَةِ ( وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ ) وَيَلْزَمُهُ دَرَاهِمُ تَامَّةٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَعُرْفَ الْمَحَلِّ يَنْفِيَانِ مَا يَقُولُهُ .
وَالثَّانِي : يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مَعْرِفَةُ الدِّرْهَمِ التَّامِّ فَلْيُرَاجَعْ ، وَإِذَا قَبِلْنَا تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصَةِ رُوجِعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيَانُهُ نَزَلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَاهِمِ ( وَإِنْ كَانَتْ ) دَرَاهِمُ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ ( نَاقِصَةً قُبِلَ ) قَوْلُهُ : ( إنْ وَصَلَهُ ) بِالْإِقْرَارِ جَزْمًا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَالْعُرْفَ يُصَدِّقَانِهِ فِيهِ ( وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ ) عَنْهُ ( فِي النَّصِّ ) حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى عُرْفِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَفِي وَجْهٍ لَا يُقْبَلُ حَمْلًا لِإِقْرَارِهِ عَلَى وَزْنِ الْإِسْلَامِ ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ الْإِسْلَامِيَّ مُتَّصِلًا قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ مُنْفَصِلًا فَلَا ( وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ ( كَهُوَ ) أَيْ : التَّفْسِيرِ ( بِالنَّاقِصَةِ ) فَفِيهَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقَانِ فِي النَّاقِصَةِ ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ نَقْصٌ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ وَلَوْ فَسَّرَهَا بِجِنْسٍ مِنْ الْفِضَّةِ رَدِيءٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ سِكَّتُهَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِي ذَلِكَ
الْمَحَلِّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ ، وَلَوْ مُنْفَصِلًا كَمَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أَوْ بِمَا لَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْبَلَدِ لُبْسَهُ ، وَيُخَالِفُ تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصِ لِدَفْعِ مَا أَقَرَّ بِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ ، حَيْثُ يُحْمَلُ عَلَى سِكَّةِ الْبَلَدِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ مُعَامَلَةٍ ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا فِي كُلِّ مَحَلٍّ تَقَعُ بِمَا يَرُوجُ فِيهِ ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُهُ بِمُعَامَلَةٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيُرْجَعُ إلَى إرَادَتِهِ ، وَلَوْ فَسَّرَ الدَّرَاهِمَ بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ كَالْفُلُوسِ لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَرَاهِمُ سَوَاءٌ أَقَالَهُ مَفْصُولًا أَمْ مَوْصُولًا نَعَمْ إنْ غَلَبَ التَّعَامُلُ بِهَا بِبَلَدٍ بِحَيْثُ هُجِرَ التَّعَامُلُ بِالْفِضَّةِ ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عِوَضًا عَنْ الْفُلُوسِ كَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُقْبَلَ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا ، وَقَوْلُهُ : لَهُ عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ بِالتَّصْغِيرِ ، أَوْ دِرْهَمٌ صَغِيرٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ صَغِيرُ الْقَدِّ وَازَنَ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ فِيهِ وَافِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ فِي صَرِيحِ الْوَازِنِ ، وَالْوَصْفِ بِالصَّغِيرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّكْلِ ، وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ ، فَلَا يُتْرَكُ الصَّرِيحُ بِالِاحْتِمَالِ ، فَإِنْ كَانَ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ نَاقِصَةً قُبِلَ قَوْلُهُ : إنَّهُ أَرَادَ مِنْهَا وَلَزِمَهُ دِرْهَمٌ نَاقِصٌ مِنْهَا ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ كَبِيرٌ ، وَفِي الْمَحَلِّ دَرَاهِمُ كِبَارُ الْقَدِّ وِزَانُ مُتَسَّعَةٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاسِعٌ مِنْهَا ، كَمَا فِي التَّنْبِيهِ عَمَلًا بِالِاسْمِ وَاللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا ، وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ ثَلَاثَةٌ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ ، بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ زِنَةَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ
أَقَلُّ عَدَدِ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ .
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ .
( وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ ) إخْرَاجًا لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ ، وَإِدْخَالًا لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ ، وَقِيلَ : عَشَرَةٌ إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ ، وَقِيلَ : ثَمَانِيَةٌ إخْرَاجًا لَهُمَا : كَمَا لَوْ قَالَ : عِنْدِي أَوْ بِعْتُك مِنْ هَذَا الْجِدَارِ إلَى هَذَا الْجِدَارِ فَإِنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْمَبِيعَ هُنَاكَ السَّاحَةُ ، وَلَيْسَ الْجِدَارُ مِنْهَا بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَذِكْرُ الْجِدَارِ مِثَالٌ ، فَالشَّجَرَةُ كَذَلِكَ ، بَلْ لَوْ قَالَ : مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ إلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّحْدِيدُ لَا التَّقْيِيدُ .
ا هـ .
وَمَا بَحَثَهُ فِي الدَّرَاهِمِ مَمْنُوعٌ بِالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي الضَّمَانِ فَالْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْيَمِينِ وَالنَّظَرِ وَاحِدٌ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قَالُوا : فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ ، فَقِيَاسُهُ لُزُومُ الْعَشَرَةِ هُنَا .
أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ مَحْصُورٌ ، فَأَدْخَلُوا فِيهِ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ أَوْ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ إلَى الْعَشَرَةِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا لَا يَشْمَلُهُمَا .
، وَإِنْ قَالَ دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ ، أَوْ الْحِسَابَ فَعَشَرَةٌ وَإِلَّا فَدِرْهَمٌ .
( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ ) بِأَنْ قَالَ : أَرَدْتُ مَعَ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَهُ ( لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ ) دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ فِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } فَإِنْ قِيل : قَدْ جَزَمُوا فِيمَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ مَعَ دِرْهَمٍ لِي فَمَعَ نِيَّةِ مَعَ أَوْلَى .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَصْدَ الْمَعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ : دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ بِمَثَابَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ ، وَالتَّقْدِيرُ لَهُ دِرْهَمٌ وَعَشَرَةٌ ، وَلَفْظُ الْمَعِيَّةِ مُرَادِفٌ لِحَرْفِ الْعَطْفِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِهِمْ فِي جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بِقَوْلِهِمْ : مَعَ عَمْرٍو ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّ مَعَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ الْمُصَاحَبَةِ ، وَالْمُصَاحَبَةُ تَصْدُقُ بِمُصَاحَبَةِ دِرْهَمٍ لِدِرْهَمٍ غَيْرِهِ ، وَلَا يُقَدَّرُ فِيهَا عَطْفٌ بِالْوَاوِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ ، إلَّا دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَعَ دِرْهَمٍ آخَرَ يَلْزَمُنِي ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ : دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ صَرِيحٌ فِي الْمَعِيَّةِ وَدِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ صَرِيحٌ فِي الظَّرْفِيَّةِ ، فَإِذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَعِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُ الْمَعِيَّةِ بِالْمُصَاحَبَةِ لِدِرْهَمٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرُ الْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ، وَأَيْضًا امْتَنَعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ لَا مِنْ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ نِيَّتِهِ فَلَوْ قُدِّرَ مَعَهُ مَجَازُ الْإِضْمَارِ لَكَثُرَ الْمَجَازُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ آخَرَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمَعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ ، فَإِذَا أَطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ ، فَحَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ : سَلَّمْنَا وُجُوبَ أَحَدَ عَشَرَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ ، وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ ، فَإِنَّ
الْأَلْفَ مُبْهَمَةٌ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهَا إلَيْهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ : أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ فِيهِ عَطْفُ الدِّرْهَمِ عَلَى الْأَلْفِ وَالْأَلْفُ مُبْهَمٌ ، وَهَهُنَا بِالْعَكْسِ ، فَإِنَّ عَطْفَ الْعَشَرَةِ تَقْدِيرًا عَلَى الدِّرْهَمِ ، وَالدِّرْهَمُ غَيْرُ مُبْهَمٍ ، فَكَانَتْ الْعَشَرَةُ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ الْمَعْطُوفِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ لَهُ إرَادَةٌ ( أَوْ ) أَرَادَ ( الْحِسَابَ ) وَهُوَ يَعْرِفُهُ ( فَعَشَرَةٌ ) تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ عِنْدَهُمْ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْحِسَابُ فَدِرْهَمٌ ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ مَا يُرِيدُهُ الْحُسَّابُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ الصَّحِيحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُرِدْ الْمَعِيَّةَ وَلَا الْحِسَابَ ، وَأَرَادَ الظَّرْفَ ( فَدِرْهَمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ .
فَصْلٌ قَالَ : لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ ، أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ .
فَصْلٌ فِي بَيَان أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ مَعَ ذِكْرِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ : لَوْ ( قَالَ : لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ( أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ ) بِضَمِّ الصَّادِ ( لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهِ ، إذْ الظَّرْفُ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ ، وَالْإِقْرَارُ يَعْتَمِدُ الْيَقِينَ ( أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ ، أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ ) لَا الْمَظْرُوفُ لِمَا مَرَّ ، وَهَكَذَا كُلُّ ظَرْفٍ وَمَظْرُوفٍ لَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِأَحَدِهِمَا إقْرَارًا بِالْآخَرِ ، فَلَوْ قَالَ : لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ أَوْ خَاتَمٌ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ أَوْ دَابَّةٌ فِي حَافِرِهَا نَعْلٌ أَوْ قَمْقَمَةٌ عَلَيْهَا عُرْوَةٌ أَوْ فَرَسٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ لَزِمَتْهُ الْجَارِيَةُ وَالدَّابَّةُ وَالْقَمْقَمَةُ وَالْفَرَسُ لَا الْحَمْلُ وَالنَّعْلُ وَالْعُرْوَةُ وَالسَّرْجُ ، وَلَوْ عَكَسَ عُكِسَ الْحُكْمُ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ ، وَأَطْلَقَ ، وَكَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَدْخُلْ الْحَمْلُ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ بِأَنْ كَانَ مُوصًى بِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّابَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ ، وَالشَّجَرَةُ كَالْجَارِيَةِ ، وَالثَّمَرُ كَالْحَمْلِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ ، وَكَانَ فِيهِ فَصٌّ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ ، لِأَنَّ الْخَاتَمَ يَتَنَاوَلُهُ ، فَإِنْ قَالَ : لَمْ أُرِدْ الْفَصَّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فِي خَاتَمٍ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ كَمَا مَرَّ لِقَرِينَةِ الْوَصْفِ الْمَوْقِعِ فِي الشَّكِّ ( أَوْ ) قَالَ : لَهُ عِنْدِي ( عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا ( لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى
الصَّحِيحِ ) لِمَا مَرَّ .
وَالثَّانِي : تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ يَدٌ عَلَى مَلْبُوسِهِ وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ : إذْ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ : أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ ، وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْيَقِينِ ، وَبِنَاءُ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ ، ( أَوْ ) قَالَ لَهُ : عِنْدِي ( دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا ) أَوْ عَبْدٌ بِعِمَامَتِهِ ( أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ ( لَزِمَهُ الْجَمِيعُ ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا مَرَّ ، وَالطِّرَازُ جُزْءٌ مِنْ الْمُطَرَّزِ ، وَإِنْ رُكِّبَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَسْجِهِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ : عَلَيْهِ طِرَازٌ كَقَوْلِهِ مُطَرَّزٌ .
ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ يَظْهَرُ عَدَمُ اللُّزُومِ .
ا هـ .
أَيْ : كَخَاتَمٍ عَلَيْهِ فَصٌّ ، وَهَذَا أَوْلَى ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي هَذَا الْكِيسِ لَزِمَهُ أَلْفٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لِاقْتِضَاءِ عَلَيَّ اللُّزُومَ ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا عَقَّبَ بِهِ ، فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ دُونَ الْأَلْفِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْأَلْفِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ فَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ الْأَلْفُ الَّذِي فِي الْكِيسِ فَلَا تَتْمِيمَ لَوْ نَقَصَ ، وَلَا يَغْرَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمُعَرَّفِ ، بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُنْكَرِ الْمَوْصُوفِ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ ، فَأَمْكَنَ قَبُولُ أَحَدِهِمَا ، وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْمُعَرَّفِ الْمَوْصُوفِ يَعْتَمِدُ الصِّفَةَ ، فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً بَطَلَ الْخَبَرُ كُلُّهُ .
وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ ، وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ ، فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ .
( وَلَوْ قَالَ ) : لَهُ ( فِي مِيرَاثِ أَبِي ) أَوْ مِنْ مِيرَاثِ أَبِي ( أَلْفٌ ) أَيْ : أَلْفُ دِرْهَمٍ ( فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ ) .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا بِالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ عَنْ دَيْنِ الْغَيْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُفَسَّرَ بِذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ : فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ إقْرَارٌ بِتَعَلُّقِ الْأَلْفِ بِعُمُومِ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْخُصُوصِ بِتَفْسِيرِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُفَسَّرَ بِجِنَايَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ مَثَلًا لَوْ تَلِفَ ضَاعَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَوَّلِ ، وَانْقَطَعَ حَقُّ تَعَلُّقِهِ بِعَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الثَّانِي ، فَيَصِيرُ كَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَا يُرْفَعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فَسَّرَ هُنَا بِمَا يَعُمُّ الْمِيرَاثَ ، وَأَمْكَنَ قُبِلَ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَمَّ : وَلَهُ عَبِيدٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْعَبِيدِ أَلْفٌ ، وَفَسَّرَ بِجِنَايَةِ أَحَدِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَقَوْلِهِ : لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ ، وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَقَبِلَهُ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ كَقَوْلِهِ : لَهُ فِي مِيرَاثِي نِصْفُهُ ، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : لَهُ فِيهِ ثُلُثُهُ إقْرَارًا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ ( وَلَوْ قَالَ ) : لَهُ ( فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي ) أَوْ فِي مَالِي أَوْ مِنْ مَالِي ( أَلْفٌ فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ ) أَيْ : وَعَدَهُ بِأَنْ يَهَبَهُ الْأَلْفَ ، هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِقْرَارَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ
لِغَيْرِهِ جُزْءًا مِنْهُ ، وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ تَبَرُّعًا بِخِلَافِهِ فِيمَا قَبْلَهَا ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْإِقْرَارَ أَوْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ : كَقَوْلِهِ : لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ أَوْ لَهُ فِي مَالِي أَلْفٌ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أَوْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ( وَلَوْ ) كَرَّرَ الْمُقِرُّ الدِّرْهَمَ بِلَا عَطْفٍ ، كَأَنْ ( قَالَ : لَهُ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ ) وَلَوْ زَادَ فِي التَّكْرِيرِ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ ( لَزِمَهُ دِرْهَمٌ ) لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّأْكِيدِ .
فَإِنْ قَالَ : وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَلَوْ قَالَ : لَهُ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيدَ الثَّانِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ لَزِمَهُ ثَالِثٌ ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ .
( فَإِنْ ) كَرَّرَ الدِّرْهَمَ مَعَ الْعَطْفِ ، كَأَنْ ( قَالَ ) : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ( وَدِرْهَمٌ ) أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ ( لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَثُمَّ كَالْوَاوِ ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَالنَّصُّ فِيهَا لُزُومُ دِرْهَمٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الْعَطْفَ ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَهَلَّا كَانَ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي أَوْ أَجْوَدُ مِنْهُ ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْقَدِحُ فِي الطَّلَاقِ وَبِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى وَأَسْرَعَ نُفُوذًا ، وَلِهَذَا يَتَعَدَّدُ اللَّفْظُ بِهِ فِي يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَطَالِقٌ مَهْجُورَةٌ أَوْ لَا تَرَاجُعَ أَوْ خَيْرٌ مِنْك أَوْ نَحْوِهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ صَرْفٌ لِلصَّرِيحِ عَنْ مُقْتَضَاهُ .
أَمَّا إذَا أَرَادَ بِالْفَاءِ الْعَطْفَ ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الثَّمَنُ ، فَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ بِدِرْهَمٍ فَدِرْهَمٍ فَقُبِلَ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ ( وَلَوْ قَالَ : لَهُ ) عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ ) لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّغَايُرَ كَمَا مَرَّ ( وَأَمَّا الثَّالِثُ ، فَإِنْ أَرَادَ ) بِهِ ( تَأْكِيدَ الثَّانِي ) بِعَاطِفِهِ ( لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ ) عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ( وَإِنْ نَوَى ) بِهِ ( الِاسْتِئْنَافَ لَزِمَهُ ثَالِثٌ ) عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ ( وَكَذَا إنْ نَوَى ) بِهِ ( تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِلْفَصْلِ وَالْعَطْفِ ، وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ دِرْهَمَيْنِ فِي قَوْلِهِ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ : دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَامْتَنَعَ تَأْكِيدُهُ وَهُنَا الثَّالِثُ مَعْطُوفٌ
عَلَى الثَّانِي عَلَى رَأْيٍ ، فَأَمْكَنَ أَنْ يُؤَكَّدَ الْأَوَّلُ بِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ تَأْكِيدَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَرَّرَ أَلْفَ مَرَّةٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ بِعَدَدِ مَا كَرَّرَ ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ التَّأْسِيسَ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ الْأَصْلِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَتَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا ، فَلَمْ يَبْقَ لِلثَّالِثِ مُقْتَضٍ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ بِالْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ قَطَعُوا بِهَا ، وَقِيلَ قَوْلَانِ كَنَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الطَّلَاقِ أَكْثَرُ ، لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ ، وَالْعَطْفُ بِثُمَّ كَالْوَاوِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فِي الثَّالِثِ ، كَقَوْلِهِ : دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي الْمُؤَكِّد وَالْمُؤَكَّدِ .
فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمٌ لَزِمَ دِرْهَمٌ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَقَصَدَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ لِتَعَذُّرِ نَفْيِ مَا قُبِلَ أَوْ لَكِنْ لِاشْتِمَالِ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ ، فَإِذَا أَنْشَأَ طَلْقَةً ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهَا إلَى إنْشَاءِ طَلْقَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ إعَادَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ الْإِخْبَارِ بِهِ إلَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّ جَازَ دُخُولُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ ، فَإِنْ عَيَّنَهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَقَوْلِهِ : لَهُ هَذَا الدِّرْهَمُ بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِينَارٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فِي الْأَوَّلِ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فِي الثَّانِي لِعَدَمِ دُخُولِ مَا قَبْلَ بَلْ فِيمَا بَعْدَهَا ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَكَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ مَعَ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ لِي أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لِي ، أَوْ يُرِيدُ فَوْقَهُ فِي الْجَوْدَةِ وَتَحْتَهُ فِي الرَّدَاءَةِ وَمَعَهُ فِي أَحَدِهِمَا ،
وَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ لِاقْتِضَاءِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ الْمُغَايَرَةَ وَتَعَذَّرَ التَّأْكِيدُ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ بِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَكَانِ ، فَيَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ ، وَالْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ يَرْجِعَانِ إلَى الزَّمَانِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ ، وَلَيْسَ إلَّا الْوُجُوبُ عَلَيْهِ ، وَهُنَا اعْتِرَاضٌ لِلرَّافِعِيِّ ذَكَرْته فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .
وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ .
( وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ ) وَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ ( كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ ) ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ ، وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْهُ وَالثَّانِي : لَا يُحْبَسُ لِإِمْكَانِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِدُونِ الْحَبْسِ .
أَمَّا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ ، كَقَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرُ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ نَرْجِعُ إلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِسَابِ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو عَلَيَّ ، وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ .
وَمِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ لِزَيْدٍ شَيْئًا وَتَقُولَ : لِعَمْرٍو أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ فَتَأْخُذَ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ وَتُسْقِطَهُ مِنْ أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَسُدُسُ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ الشَّيْءَ الْمَفْرُوضَ لِزَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَلْفًا إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو فَتُسْقِطُ سُدُسَ شَيْءٍ بِسُدُسِ شَيْءٍ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِمِائَةٍ ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ التَّامُّ سِتَّمِائَةٍ وَهُوَ مَا لِزَيْدٍ ، فَإِذَا أَخَذْت ثُلُثَهَا وَهُوَ مِائَتَانِ وَأَسْقَطْته مِنْ الْأَلْفِ بَقِيَ ثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو .
وَلَوْ بَيَّنَ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلْيُبَيِّنْ وَلْيَدَّعِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي نَفْيِهِ .
( وَلَوْ بَيَّنَ ) الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ الْمُبْهَمَ تَبْيِينًا صَحِيحًا ( وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ) فِي ذَلِكَ ( فَلْيُبَيِّنْ ) جِنْسَ الْحَقِّ وَقَدْرَهُ ( وَلْيَدَّعِ ) بِهِ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ ) بِيَمِينِهِ ( فِي نَفْيِهِ ) ثُمَّ إنْ فَسَّرَهُ بِبَعْضِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ كَمِائَةٍ وَدَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ مِائَتَانِ ، فَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ : لَهُ أَرَادَ الْمُقِرُّ بِالْمُبْهَمِ الْمِائَةَ ثَبَتَتْ بِاتِّفَاقِهِمَا وَحَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ قَالَ : أَرَادَهُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَعَلَى نَفْيِ الْإِرَادَةِ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الدَّعْوَى ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمَا لَا عَلَى إرَادَةِ الْمُقِرِّ لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا فَسَّرَ بِهِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ فِيهِ وَإِلَّا ثَبَتَ ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى الْإِرَادَةِ وَقَالَ مَا أَرَدْتُ بِكَلَامِك مَا وَقَعَ التَّفْسِيرُ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ كَذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِرَادَةَ لَا يَثْبُتَانِ حَقًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْبَيَانِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ ، فَإِنْ امْتَنَعَ وُقِفَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا لِأَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ مِنْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ الْوَارِثُ ؛ لِأَنَّهَا ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهَنَةٌ بِالدَّيْنِ ، وَلَا يُخَالِفُ صِحَّةَ التَّفْسِيرِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ عَدَمَ إرَادَةِ الْمَالِ ، فَيَمْتَنِعَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا ، فَإِنْ بَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ كَالْمُقِرِّ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ إرَادَةِ مُوَرِّثِهِ زِيَادَةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ فِي حَالِ مُوَرِّثِهِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .
وَهُنَا سُؤَالَانِ ذَكَرَتْهُمَا مَعَ جَوَابِهِمَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ ، فَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ أَوْ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً ، ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا ،
( وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ ) أَيْ : لِشَخْصٍ ( بِأَلْفٍ ) مَثَلًا فِي يَوْمٍ ( ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ ) ، وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِهِ تَعَدُّدُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى ، وَلَوْ عُرِفَ الْأَلْفُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّحَادِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ ) الْمُقَرُّ بِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ دُخُولُ أَحَدِ الْإِقْرَارَيْنِ فِي الْآخَرِ كَأَنْ أَقَرَّ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ أَوْ عَكَسَ ( دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ ) إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ ( فَلَوْ ) تَعَذَّرَ كَأَنْ ( وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ) كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ ( أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ ( أَوْ قَالَ : قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً ، ثُمَّ قَالَ : قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا ) أَيْ : الْقَدْرَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ قُيِّدَ أَحَدُهُمَا وَأَطْلِقَ الْآخَرُ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ صِفَتَيْنِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّ الصِّفَتَيْنِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْجِهَتَيْنِ إذْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا مُخْتَلِفَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا كَذَلِكَ
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ ،
( وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ ) لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ ) لَكِنْ ( قَضَيْتُهُ ) وَذَكَرَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا ( لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ ) عَمَلًا بِأَوَّلِ الْإِقْرَارِ وَإِلْغَاءً لِآخِرِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي .
وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَتُعْتَبَرُ جُمْلَتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ كَقَوْلِهِ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِيمَانًا .
أَمَّا إذَا فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ ، فَيَلْزَمُهُ جَزْمًا ، وَلَوْ قَدَّمَهُ كَقَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ جَزْمًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ التَّقْدِيمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا إنَّمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا ، وَلَوْ قَالَ : كَانَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَظَنَنْتُهُ يَلْزَمُنِي حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى نَفْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ ، فَيَحْلِفَ الْمُقِرُّ وَلَا يَلْزَمُهُ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَلْزَمُهُ ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَيُعْذَرُ الْجَاهِلُ دُونَ الْعَالِمِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْكَلْبِ الصَّائِدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّنَا الَّذِينَ لَا مَذْهَبَ لَهُمْ يَظُنُّونَ جَوَازَ بَيْعِهِ وَلُزُومَ ثَمَنِهِ ا هـ .
لَكِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّحْلِيفِ كَمَا مَرَّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ ، بِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ خَصَّصَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ كَأَنْ قَالَ : إنَّمَا أَرَدْتُ فِي عِمَامَتِهِ وَقَمِيصِهِ لَا فِي دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ، وَلَهُ تَحْلِيفُ
الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ مَا عَلِمَهُ قَصْدَ ذَلِكَ .
وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَعَلَهُ ثَمَنًا .
( وَلَوْ قَالَ ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَوَصَلَهُ بِقَوْلِهِ ( مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ ) أَوْ هَذَا الْعَبْدِ مَثَلًا ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ مُنْفَصِلًا ( لَمْ أَقْبِضْهُ ) سَوَاءٌ أَقَالَ : ( إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت ) أَمْ لَا وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ وَطَلَبَ الْأَلْفَ ( قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا لَا يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ ( وَجَعَلَهُ ثَمَنًا ) أَيْ : أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْعَبْدِ .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا : أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ عَمَلًا بِأَوَّلِ كَلَامِهِ .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ مُتَّصِلًا كَمَا مَرَّ ؛ فَإِنْ فَصَلَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَقَوْلُهُ : إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْتُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : وَجُعِلَ ثَمَنًا مَعَ قَبُولِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ ثَمَنٌ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَإِنَّمَا نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَبْدَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَنْكِيرِهِ وَتَعْرِيفِهِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُوَافِقُ عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَيُخَالِفُ عِنْدَ التَّنْكِيرِ فَأَشَارَ إلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْ زَيْدٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ إنْ سَلَّمَ سَلَّمْت قُبِلَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ : أَوْ قَالَ : أَقْرَضَنِي أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ : كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا ، لَكِنْ فِي الشَّامِلِ إنْ قَالَهُ مُنْفَصِلًا لَا يُقْبَلُ وَهَذَا أَوْجَهُ .
وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ : أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ ، فَقَالَ : ( وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، أَوْ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ) سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْأَلْفَ عَلَى الْمَشِيئَةِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالِالْتِزَامِ بَلْ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ ، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمُهَا مُغَيَّبَةٌ عَنَّا وَمَشِيئَةُ غَيْرِ اللَّهِ لَا تُوجِبُ شَيْئًا .
وَقَالَ : الثَّانِي إنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ يَرْفَعُ أَوَّلَهُ ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ دُخُولَ حَرْفِ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ يُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَغْيِيرُ مَعْنَى أَوَّلِ الْكَلَامِ ، وَقَوْلُهُ : مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ لِبَيَانِ جِهَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَعَدَمِ تَبْعِيضِهِ حَذَرًا مِنْ جَعْلِهِ جُزْءَ الْجُمْلَةِ جُمْلَةً بِرَأْسِهَا إنْ تَبَعَّضَ الْخَمْرُ وَنَحْوُهُ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ مَثَلًا لَمْ يَلْزَمْهُ لِمَا مَرَّ إلَّا إنْ قَصَدَ التَّأْجِيلَ وَلَوْ بِأَجَلٍ فَاسِدٍ ، فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ، وَلَكِنْ مِنْ عَقِبِ إقْرَارِهِ بِذِكْرِ أَجَلٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ ثَبَتَ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَحِيحًا كَقَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ ، ، وَمَا إذَا كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا .
تَنْبِيهٌ : يُشْتَرَطُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ بِقُرْبِهِ ، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبَرُّكَ ، وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً : كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي الْحَالِ شَيْئًا ، وَلَوْ وَاطَأَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَقَوْلِهِ : لَهُ
عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي ( وَلَوْ قَالَ ) : لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا أَوْ أَلْفٌ أَوْ لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ ( وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ ) بَعْدَ الْفَصْلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ثُمَّ ( أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ ) غَيْرُ أَلْفِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الَّذِي أَرَدْتُهُ بِإِقْرَارِكَ ( صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِعَلَيَّ الْإِخْبَارَ عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ عَلَيَّ بِمَعْنَى عِنْدِي وَفُسِّرَ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ } وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ أَلْفٍ آخَرَ إلَيْهِ ، وَأَنَّهُ مَا أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ إلَّا هَذِهِ ، قَالَهُ الْقَاضِي .
وَالثَّانِي : يُصَدَّقُ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ ظَاهِرَةٌ فِي الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ الْوَدِيعَةُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ .
أَمَّا إذَا قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً مُتَّصِلًا ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ قُلْت : فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَدَعْوَى الرَّدِّ ، ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَإِنْ كَانَ قَالَ ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ( فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا ) ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَفَسَّرَ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَبَقَ ( صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ ) بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ ( عَلَى الْمَذْهَبِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا دَيْنًا .
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ أَلْفًا فِي ذِمَّتِي إنْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ لِأَنِّي تَعَدَّيْت فِيهَا .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ : هِيَ هَذِهِ .
أَمَّا لَوْ قَالَ : لَهُ فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ : الْأَلْفُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ كَانَ وَدِيعَةً وَتَلِفَ وَهَذَا بَدَلُهُ قُبِلَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَلِفَ لِتَفْرِيطِهِ ، فَيَكُونُ الْبَدَلُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهُ الْمَشْهُورُ ، وَلَوْ وَصَلَ دَعْوَاهُ الْوَدِيعَةَ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي ذِمَّتِي وَدِيعَةً لَمْ يُقْبَلْ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْقَبُولِ ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فِي الْوَدِيعَةِ التَّلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( قُلْت ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ( فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ ) أَيْ : الْمُقِرِّ ( التَّلَفَ ) لِلْوَدِيعَةِ ( بَعْدَ الْإِقْرَارِ ) بِتَفْسِيرِهِ ( وَدَعْوَى الرَّدِّ ) بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْوَدِيعَةِ .
وَالثَّانِي : تَكُونُ مَضْمُونَةً حَتَّى لَا يُقْبَلَ دَعْوَاهُ التَّلَفَ وَالرَّدَّ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ الصَّادِقُ بِالتَّعَدِّي فِيهَا .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِصِدْقِ وُجُوبِ حِفْظِهَا .
تَنْبِيهٌ : قَوْلُهُ : بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّلَفِ ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ قَبْلَ الْإِقْرَارِ ، فَإِنَّهُ
لَا يُقْبَلُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ وَالْمَرْدُودَ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ( وَإِنْ قَالَ : لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ ، وَ ) دَعْوَى ( الرَّدِّ وَالتَّلَفِ ) بَعْدَ الْإِقْرَارِ ( قَطْعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِأَنَّ عِنْدِي وَمَعِي مُشْعِرَانِ بِالْأَمَانَةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِئَ .
( وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ) فِيهَا ( ثُمَّ قَالَ : كَانَ ) ذَلِكَ ( فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ ) فِي قَوْلِهِ بِفَسَادِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْد الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ ( وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ ) لِإِمْكَانِ مَا يَدَّعِيهِ ، وَجِهَاتُ الْفَسَادِ قَدْ تَخْفَى عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِتَكْذِيبِهِ بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْحَلِفِ ( حَلَفَ الْمُقِرُّ ) ، أَنَّهُ كَانَ فَاسِدًا ( وَبَرِئَ ) مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْ : حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَكَالْبَيِّنَةِ وَكِلَاهُمَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ .
تَنْبِيهٌ : لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَبَرِئَ بِحُكْمٍ بِبُطْلَانِهِمَا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي عَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَرِدُ عَلَيْهَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ لَا فِي دَيْنٍ ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَإِقْبَاضٍ عَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُون مُقِرًّا بِالْإِقْبَاضِ ، فَإِنْ قَالَ وَهَبْتُهُ لَهُ وَخَرَجَتْ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ ، وَكَذَا إنْ قَالَ : أَقْبَضْتُهُ لَهُ وَأَمْكَنَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَلَوْ قَالَ : وَهَبْته لَهُ وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ رِضَايَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَى نُصَّ عَلَيْهِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ هُنَا كَالْإِقْرَارِ بِهِ فِي الرَّهْنِ ، فَإِذَا قَالَ : لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَوْهُوبَ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ .
( وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ ) مَثَلًا الَّتِي فِي يَدِي ( لِزَيْدٍ ) لَا ( بَلْ لِعَمْرٍو ، أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ ) لَا ( بَلْ ) غَصَبْتُهَا ( مِنْ عَمْرٍو ) نُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ وَ ( سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ ) لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ ( وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ ) بَعْدَ تَسْلِيمِهَا لِزَيْدٍ ( يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ ، وَالْحَيْلُولَةُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ مِنْ يَدِهِ ، وَالثَّانِي : لَا يَغْرَمُ لَهُ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الثَّانِي صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّارِ الَّتِي بِيَدِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو ، وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبَهَا زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو سَلَّمَهَا لِزَيْدٍ لِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَغَرِمَ لِعَمْرٍو الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ أَوَّلًا تَسَلَّمَهَا زَيْدٌ بِنَفْسِهِ أَوْ سَلَّمَهَا لَهُ الْحَاكِمُ لِلْحَيْلُولَةِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وَالْحَيْلُولَةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْإِتْلَافِ ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فَفِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَيْضًا ، وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ إلَيْهِمَا أَوْ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبْتهَا مِنْ عَمْرٍو ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ ، وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِعَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْمِلْكِ ، وَلَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِلْكَ عَمْرٍو ، وَهِيَ فِي يَدِ زَيْدٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَنَافِعِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَهْنٍ .
وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ بَيَانُ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيمَا قَبْلَهُ بِإِلَّا أَوْ نَحْوِهَا ، وَهُوَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَقَالَ : ( وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ) فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَهُوَ الرُّجُوعُ ، وَمِنْهُ ثَنَى عَنَانَ دَابَّتِهِ ، إذَا رَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ فِي الْإِقْرَار وَنَحْوِهِ عَمَّا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ ، سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً ، وَاصْطِلَاحًا إخْرَاجٌ لِمَا بَعْدَ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا فِي الْإِيجَابِ ، وَإِدْخَالُهُ فِي النَّفْيِ هَذَا ( إنْ اتَّصَلَ ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مَعَهُ كَلَامًا وَاحِدًا عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ يَسِيرًا ، وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَوْ قَالَ : أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي ، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِاسْتِدْرَاكِ مَا سَبَقَ مِنْهُ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ( وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ ) أَيْ : الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ كَقَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَبَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ ، وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ بِالْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بِجَمْعِهِ اسْتِغْرَاقٌ أَوْ عَدَمُهُ ؛ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ كَوْنِهِ ذَا جُمْلَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ
الِاسْتِثْنَاءُ ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ : إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ ، فَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كَانَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ ، فَيَسْتَغْرِقُ ، فَيَلْغُو ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ فُرِّقَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمٍ ، فَيَلْغُو ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ ، .
فَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ .
( فَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ ) ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَعَكْسُهُ كَمَا مَرَّ وَالطَّرِيقُ فِيهِ ، وَفِي نَظَائِرِهِ أَنْ يُجْمَعَ كُلُّ مَا هُوَ إثْبَاتٌ وَكُلُّ مَا هُوَ نَفْيٌ وَيُسْقَطُ الْمَنْفِيُّ مِنْ الْمُثْبَتِ ، فَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ الْوَاجِبُ ، فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُثْبَتَانِ وَهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَةَ وَالتِّسْعَةُ مَنْفِيَّةٌ ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ يَبْقَى تِسْعَةٌ ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ : إلَّا سَبْعَةً وَهَكَذَا إلَى الْوَاحِدِ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُثْبَتَ ثَلَاثُونَ وَالْمَنْفِيَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا بَقِيَ خَمْسَةٌ ، وَلَك طَرِيقٌ آخَرُ ، وَهِيَ أَنْ تُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرَ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَهُ فَتُخْرِجُ الْوَاحِدَ مِنْ الِاثْنَيْنِ ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ ، وَلَك أَنْ تُخْرِجَ الْوَاحِدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ التِّسْعَةِ ، وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمُحَصِّلٌ لَهُ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
فُرُوعٌ : لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، هَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَمَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا لَزِمَهُ خَمْسَةٌ ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عَشَرَةً وَاسْتَثْنَى خَمْسَةً وَشَكَكْنَا فِي اسْتِثْنَاءِ الدِّرْهَمِ السَّادِسِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِبَيَانِ مَا لَمْ يُرِدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ ، لَا أَنَّهُ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ مَالٌ إلَّا مَالًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُمَا ، فَإِنْ فَسَّرَ الثَّانِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْأَوَّلَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْإِلْغَاءُ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ عَكَسَ ، فَالْأَلْفُ وَالشَّيْءُ مُجْمَلَانِ فَيُفَسِّرُهُمَا وَيَجْتَنِبُ فِي تَفْسِيرِهِ الِاسْتِغْرَاقَ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُ بِمَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ ، فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَمَا دُونَهُ لَغَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّفْسِيرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةٌ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ أَوْ قَالَ : لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً ، خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ ، فَجُعِلَ النَّفْيُ الْأَوَّلُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فِي الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ ؟ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُجْمَلٌ ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا اسْتَثْنَاهُ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ .
وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَأَلْفٍ إلَّا ثَوْبًا ، وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ .
( وَيَصِحُّ ) الِاسْتِثْنَاءُ ( مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ) أَيْ : جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( كَأَلْفٍ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ ( إلَّا ثَوْبًا ) لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } وقَوْله تَعَالَى { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ } ( وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ ) حَتَّى لَا يَسْتَغْرِقَ ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بَطَلَ التَّفْسِيرُ ، وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ ، فَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِينَارًا رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ وَأَسْقَطَ مِنْهُ الدِّينَارَ لِمَا مَرَّ حِيلَةٌ : لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَخَافُ إنْ أَقَرَّ لَهُ جَحَدَهُ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ : فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا أَوْ إلَّا ثَوْبًا أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْمَعُ إقْرَارَهُ وَيَسْتَفْسِرُهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ حَلَّفَهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ ، وَتُقَوَّمُ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الدَّنَانِيرِ وَيُسْقِطُهَا مِنْ الْأَلْفِ .
وَمِنْ الْمُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ ، وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ .
( وَ ) يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ( مِنْ الْمُعَيَّنِ ) كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُطْلَقِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا أَمْ مَعْلُومًا ( كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ ، إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ ) أَوْ هَذَا الْقَطِيعُ لَهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ بِلَفْظٍ مُتَّصِلٍ فَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ ، وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِمُحَالٍ ( وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ ) ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُعَيَّنِ يَقْتَضِي الْمِلْكَ فِيهَا تَضْمِينًا ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ .
قُلْت : لَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ ، فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَقَالَ : ( قُلْت ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا ( لَوْ قَالَ : هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ ) ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا شَيْئًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالدَّيْنِ ( وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ ، فَإِنْ مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ( فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ( عَلَى الصَّحِيحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ ، وَالثَّانِي : لَا يُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ .
أَمَّا لَوْ قُتِلُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْقِيمَةُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : غَصَبْتهمْ إلَّا وَاحِدًا فَمَاتُوا وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بَاقٍ وَهُوَ الضَّمَانُ .
فُرُوعٌ : لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِثَالِثٍ بِنِصْفِ الْأَلْفِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا تَعَيَّنَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي نَصِيبِهِ ، وَهَذَا فَرْعٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَفِيهَا اضْطِرَابٌ ، وَلِذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ وَالْمَأْخَذِ كَمَا فِي الرَّجْعَةِ وَالنَّذْرِ وَنَظَائِرِهِمَا ، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ بِمَالٍ وَكَانَ هُوَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدْخُلْ ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى نَفْسِهِ دَخَلَ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي ، فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : لَعَلَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ .
ا هـ .
وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا نَقَلَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ النَّصِّ كَمَا إذَا قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتُ دَارِهِ وَلَوْ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَقَالَ : أَرَدْتُ دَارَةَ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ غَصْبَ ذَلِكَ مُحَالٌ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا لِأَحَدٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِعَجْزِهِ عَنْ الْفَسْخِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا يَلْبَسُهُ حَتَّى الْفَرْوَةُ لَا الْخُفُّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الثِّيَابِ .
فَصْلٌ أَقَرَّ بِنَسَبٍ إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ .
فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ ، وَجَمْعُهُ أَنْسَابٌ ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ : .
الْأَوَّلُ : أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبَ بِنَفْسِهِ .
وَالثَّانِي : بِغَيْرِهِ ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : لَوْ ( أَقَرَّ ) الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الذَّكَرُ ، وَلَوْ عَبْدًا وَكَافِرًا وَسَفِيهًا ( بِنَسَبٍ ) لِغَيْرِهِ ( إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ ) كَهَذَا ابْنِي أَوْ أَنَا أَبُوهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْإِضَافَةِ فِيهِ إلَى الْمُقِرِّ ( اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ ) أَيْ هَذَا الْإِلْحَاقِ أُمُورٌ : أَحَدُهَا ( أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ ) بِأَنْ يَكُونَ فِي سِنٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ، فَلَوْ كَانَ فِي سِنٍّ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْهُ ، أَوْ كَانَ قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ مِنْ زَمَنٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى زَمَنِ الْعُلُوقِ بِهِ ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهُ ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسَبِ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِتْقِ فَسَيَأْتِي ، وَلَوْ قَدِمَتْ كَافِرَةٌ بِطِفْلٍ وَادَّعَاهُ رَجُلٌ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا أَوْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ أَنْفَذَ إلَيْهَا مَاءَهُ فَاسْتَدْخَلَتْهُ لَحِقَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ( وَ ) ثَانِيهَا أَنْ ( لَا ) يُكَذِّبَهُ ( الشَّرْعُ ) وَتَكْذِيبُهُ ( بِأَنْ يَكُونَ ) الْمُسْتَلْحَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ ( مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ ) أَوْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ شَخْصٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَصَدَّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ أَمْ لَا .
( وَ ) ثَانِيهَا : ( أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ ( إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ ) بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ .
تَنْبِيهٌ : أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانِ الْغَيْرِ عَنْ فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِغَيْرِ النَّافِي .
أَمَّا الْمَنْفِيُّ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ قَبْلَ
النَّفْيِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَدَ زِنًا ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ رَقِيقًا لِلْغَيْرِ وَلَا عَتِيقًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْكَبِيرُ الْعَاقِلُ قُبِلَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مِنْ عَدَم الْقَبُولِ ، وَالرَّقِيقُ بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ النَّسَبِ وَالرِّقِّ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْحُرِّيَّةُ لَمْ تَثْبُتْ ، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ لَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ لَغَا قَوْلُهُ ، وَإِنْ أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ لَحِقَهُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُصَدِّقُ لَهُ وَعَتَقُوا .
أَمَّا ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ الْمُكَذِّبُ لَهُ فَلَا يَلْحَقَانِهِ وَيُعْتَقَانِ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ بِبُنُوَّتِهِمَا وَلَا يَرِثَانِ مِنْهُ كَمَا لَا يَرِثُ مِنْهُمَا .
ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِأُمٍّ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِلْعِمْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ أَنَّ إقْرَارَ الشَّخْصِ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَبٍ فَكَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِلْحَاقُ أَوْ ابْنٍ .
فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ثَبَتَ ، فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ .
( فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ ) أَوْ قَالَ : لَا أَعْلَمُ ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ هُنَا ، وَإِنْ صُحِّحَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي فَصْلِ التَّسَامُعِ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ سُكُوتَ الْبَالِغِ فِي النَّسَبِ كَالْإِقْرَارِ ( لَمْ يَثْبُتْ ) نَسَبُهُ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَصْدُقْ بِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ، وَلَوْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا عَاقِلًا وَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَجَعَا لَا يَسْقُطُ النَّسَبُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالثَّابِتِ بِالِافْتِرَاشِ ( ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ) أَوْ مَجْنُونًا ( ثَبَتَ ) نَسَبُهُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ مَا عَدَا التَّصْدِيقَ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النَّسَبِ عَسِرَةٌ ، وَالشَّارِعُ قَدْ اعْتَنَى بِهِ وَأَثْبَتَهُ بِالْإِمْكَانِ فَلِذَلِكَ أَثْبَتْنَاهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقِرُّ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ ( فَلَوْ بَلَغَ ) الصَّغِيرُ ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ ( وَكَذَّبَهُ ) بَعْدَ كَمَالِهِ ( لَمْ يَبْطُلْ ) نَسَبُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ بِهِ تَحْلِيفُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ وَالثَّانِي : يَبْطُلُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِنْكَارِ ، وَقَدْ صَارَ وَالْأَحْكَامُ تَدُورُ مَعَ عِلَلِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا .
فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَجْنُونِ يُخَالِفُهُ مَا لَوْ قَالَ لِمَجْنُونٍ : هَذَا أَبِي حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَيُصَدَّقَ ، وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ : مَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْنُ بَعْدَ الْجُنُونِ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي صِبَاهُ بِخِلَافِ الْأَبِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا لِلْمَاوَرْدِيِّ ، وَرَأْيُهُ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْبَالِغَ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ إلَّا إنْ أَفَاقَ وَصَدَّقَ ، وَلَا يَشْكُلُ بِاسْتِلْحَاقِ الْمَيِّتِ لِلْيَأْسِ مِنْ
عَوْدِهِ وَهَذَا رَأْيٌ مَرْجُوحٌ ، فَإِذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا أَبِي وَهَذَا ابْنِي كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي .
وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا ، وَكَذَا كَبِيرٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَرِثُهُ .
( وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا ) وَلَوْ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ وَلَا يُبَالِي بِتُهْمَةِ الْمِيرَاثِ وَلَا بِتُهْمَةِ سُقُوطِ الْقَوَدِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِيهِ ، وَلِهَذَا لَوْ نَفَاهُ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَحِقَهُ وَوَرِثَهُ ( وَكَذَا كَبِيرًا ) مَيِّتٌ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ فَصَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ ، وَهُوَ شَرْطٌ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الِاسْتِلْحَاقِ إلَى الْمَوْتِ يُشْعِرُ بِإِنْكَارِهِ لَوْ وَقَعَ فِي حَيَاتِهِ ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَاقِلًا وَلَمْ يَمُتْ ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ لَهُ حَالَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا تَصْدِيقُهُ ، وَلَيْسَ الْآنَ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ ( وَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( يَرِثُهُ ) أَيْ الْمَيِّتَ الْمُسْتَلْحَقَ وَلَا نَظَرَ إلَى التُّهْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ فَرْعُ النَّسَبِ وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَمَسْأَلَةُ الْإِرْثِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ .
فَائِدَةٌ : لَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدَهُ : أَيْ : الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنْ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ ، فَلَوْ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ ، وَصَرَفْنَا مِيرَاثَهُ لِأَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ النَّافِي حُكِمَ بِالنَّسَبِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا ، وَيَسْتَرِدُّ مِيرَاثَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ وَتُصْرَفُ لَهُ .
وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ وَحُكْمُ الصَّغِيرِ يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ ) فَأَكْثَرُ ( بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ ، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَوْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ بَابِ الْعِتْقِ ( وَحُكْمُ الصَّغِيرِ ) إذَا اسْتَلْحَقَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ ( يَأْتِي فِي ) كِتَابِ ( اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) وَيَأْتِي فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ اسْتِلْحَاقِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ .
وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ : هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَلَدِي وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي ، فَإِنْ قَالَ : عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ ، مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ ، وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلٌ .
( وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ ) غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ والمستفرشة لَهُ ( هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِهِ ، وَلَا بُدَّ فِي تَتِمَّةِ التَّصْوِيرِ أَنْ يَقُولَ مِنْهَا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ كَذَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ ( وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ ) وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ .
وَالثَّانِي : وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ يَثْبُتُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِالْمِلْكِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ ( وَكَذَا ) لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ .
( لَوْ قَالَ ) : هَذَا ( وَلَدِي وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِمَا مَرَّ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ ( فَإِنْ قَالَ : عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي ) أَوْ هَذَا وَلَدِي اسْتَوْلَدْتهَا بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ هَذَا وَلَدِي مِنْهَا وَمِلْكِي عَلَيْهَا مُسْتَمِرٌّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَكَانَ الْوَلَدُ ابْنَ نَحْوَ سَنَةٍ ( ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ ) لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنَّفُ .
فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ مَرْهُونَةً ثُمَّ أَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ، وَقُلْنَا بِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً عَلَى رَأْيٍ .
.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا قَبْلَ إقْرَارِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ حَتَّى يَنْفِيَ احْتِمَالُ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّ إحْبَالَ الْمُكَاتَبِ لَا يُثْبِتُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الْكِتَابِ ، وَلَوْ قَالَ : يَدُ فُلَانٍ ابْنِي أَوْ أَخِي أَوْ يَدُ هَذِهِ الْأَمَةِ مُسْتَوْلَدَتِي لَيْسَ إقْرَارًا بِالنَّسَبِ وَلَا بِالِاسْتِيلَادِ ، إذَا
جَعَلْنَا نَظِيرَهُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْجُزْءِ ثُمَّ يَسْرِي ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ عِبَارَةً عَنْ الْجُمْلَةِ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ كَانَ إقْرَارًا بِالنَّسَبِ وَالِاسْتِيلَادِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ التَّتِمَّةِ ( فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ ) الْوَلَدُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ ( بِالْفِرَاشِ ) بِأَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا ( مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ ( وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ ) عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ ( وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ ) لَهُ ( بَاطِلٌ ) لِلُحُوقِهِ بِالزَّوْجِ شَرْعًا .
فَرْعٌ : لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادَهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتَهُ هَذِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ كَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ ، وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ لَهُ .
وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ ، وَأَنَّ الْبَالِغَ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ .
تَنْبِيهٌ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ أَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ، فَقَالَ ( وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ ) مِمَّنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ ( كَهَذَا أَخِي ) وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلُهَا : هَذَا أَخِي ابْنُ أَبِي وَأُمِّي ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ ( أَوْ ) هَذَا ( عَمِّي ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ ) إذَا كَانَ رَجُلًا ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَ مُوَرِّثَهُمْ فِي حُقُوقٍ وَالنَّسَبُ مِنْ جُمْلَتِهَا ، وَإِنَّمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِمِثَالَيْنِ لِيُعَرِّفكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَبِ فِي قَوْلِهِ : هَذَا أَخِي أَوْ ثِنْتَانِ كَالْجَدِّ فِي قَوْلِهِ هَذَا عَمِّي ، وَقَدْ يَكُونُ بِثَلَاثَةٍ كَابْنِ الْعَمِّ .
تَنْبِيهٌ : إنَّمَا قَيَّدْتُ الْمُلْحَقَ بِهِ بِكَوْنِهِ رَجُلًا ؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ، فَبِالْأَوْلَى اسْتِلْحَاقُ وَارِثِهَا وَإِنْ كَانَ رَجُلًا ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهَا .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ وَاضِحٌ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ اللَّبَّانِ ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْعِمْرَانِيُّ فِي زَوَائِدِهِ : أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا فِي اسْتِلْحَاقِ الْمَرْأَةِ .
ا هـ .
لَكِنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ لَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ بِزَوْجِيَّةٍ وَوَلَاءٍ كَمَا سَيَأْتِي يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ ، وَهِيَ : وَيُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى الصَّحِيحِ ا هـ .
وَصُورَتُهُ فِي الزَّوْجِ أَنْ تَمُوتَ امْرَأَةٌ وَتُخَلِّفَ ابْنًا وَزَوْجًا ، ، فَيَقُولَ الِابْنُ لِشَخْصٍ : هَذَا أَخِي فَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الزَّوْجِ فَهَذَا اسْتِلْحَاقٌ بِامْرَأَةٍ ، وَهَذَا كَمَا
قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ اللَّبَّانِ وَالْعِمْرَانِيِّ فِي قَوْلِهِمَا ، أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ بِالْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ ، وَفَرَّقَ شَيْخِي بَيْنَ اسْتِلْحَاقِ الْوَارِثِ بِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهَا بِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ تَسْهُلُ عَلَيْهَا ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ خُصُوصًا إذَا تَرَاخَى النَّسَبُ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ ( بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ ) فِيمَا إذَا أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ ( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا ) فَلَا يُلْحَقُ بِالْحَيِّ وَلَوْ مَجْنُونًا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الشَّخْصِ مَعَ وُجُودِهِ بِقَوْلِ غَيْرِهِ ، فَلَوْ صَدَّقَ الْحَيُّ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِتَصْدِيقِهِ ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى التَّصْدِيقِ لَا عَلَى الْمُقِرِّ .
وَأَمَّا تَصْدِيقُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَسَائِطِ فَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَاوِي وَخَالَفَ فِي الْبَيَانِ ، وَقَالَ : إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اثْنَانِ بِأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَكْفِي تَصْدِيقُ الْجَدِّ ، فَإِنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي ثَبَتَ النَّسَبُ بِهِ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ وَكَذَّبَهُ ابْنُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ تَكْذِيبُهُ ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ تَصْدِيقِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَا شَكّ فِيهِ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ .
فَإِنْ قِيلَ مَا صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ بِهِ إنْ كَانَ وَارِثًا فَالْمُقِرُّ غَيْرُ وَارِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ بِدُونِهِ إلْحَاقًا بِهِ ، وَهُوَ أَصْلُ الْمُقِرِّ ، وَيَبْعُدُ إثْبَاتُ نَسَبِ الْأَصْلِ بِقَوْلِ الْفَرْعِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ فِيهِ إلْحَاقًا بِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ لَكِنَّهُ بِطَرِيقِ الْفَرْعِيَّةِ عَنَّ إلْحَاقُهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَبْعُدُ تَبَعِيَّةُ
الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ ( أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ ) الْمَيِّتُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ، فَيَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ النَّافِي .
وَالثَّانِي : يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ لِمَا فِي إلْحَاقِهِ مِنْ الْعَارِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَالْوَارِثُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ حَظُّ الْمُوَرِّثِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ ( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ ( وَارِثًا ) بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَرَقِيقٍ وَقَاتِلٍ وَأَجْنَبِيٍّ ( حَائِزًا ) لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ، فَلَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ أَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا مَرَّ وَالْمُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ .
تَنْبِيهٌ : كَلَامُ الْمُصَنَّفِ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْإِمَامِ فِيمَنْ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْإِسْلَامِ ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ .
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ : إنَّهُ الْأَقْرَبُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْوَارِثِ ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبَ بِهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُوَافِقَ فِيهِ غَيْرُ الْحَائِزِ ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْحَائِزُ بِوَاسِطَةٍ كَأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ وَهُوَ حَائِزٌ تَرِكَةَ أَبِيهِ الْحَائِزِ تَرِكَةَ جَدِّهِ الْمُلْحَقِ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ جَدِّهِ فَلَا وَاسِطَةَ صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ .
وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِمِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ ، وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَ عَمُّهُ
الْكَافِرُ ، فَحَقَّ الْإِلْحَاقُ بِالْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ ، لَا لِابْنِهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ا هـ .
وَيَصِحُّ إلْحَاقُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ وَإِلْحَاقُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ .
قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ : وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْمُقِرِّ حَائِزًا أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ بَلْ هُوَ خِلَافُ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ هُنَا شَيْءٌ إمَّا مِنْ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِمَّا مِنْ نَاسِخٍ ، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا فَالْأَصَحُّ إلَخْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ .
ا هـ .
وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا ، فَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَالْأَصَحُّ إلَخْ ، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى .
وَحَاصِلُهُ : أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَوْ سَكَتَ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي قَوْلِهِ ( وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ ) ظَاهِرًا لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ فَهُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إقْرَارُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِصَّةٌ بَلْ جَمِيعُ الْإِرْثِ لَهُ .
وَالثَّانِي : يَرِثُ بِأَنْ يُشَارِكَ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ دُونَ الْمُنْكِرِ .
أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَهَلْ عَلَى الْمُقِرِّ إذَا كَانَ صَادِقًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ .
نَعَمْ وَهَلْ يُشَارِكُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الثَّانِي ، وَإِذَا قُلْنَا : لَا يَرِثُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ حَرُمَ عَلَى الْمُقِرِّ بِنْتُ الْمُقَرِّ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُقَاسُ
بِالْبِنْتِ مَنْ فِي مَعْنَاهَا وَفِي عِتْقِ حِصَّةِ الْمُقِرِّ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِعَبْدٍ فِيهَا أَنَّهُ ابْنُ أَبِينَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّ الْبَالِغَ ) الْعَاقِلَ ( مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَائِزٍ لِلْمِيرَاثِ .
وَالثَّانِي : يَنْفَرِدُ بِهِ وَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْحَالِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ ، فَإِذَا بَلَغَ الْأَوَّلُ وَأَفَاقَ الثَّانِي وَوَافَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ ثَبَتَ النَّسَبُ حِينَئِذٍ ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْغَائِبِ أَيْضًا ، وَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ وَارِثِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْكَمَالِ أَوْ الْحُضُورِ ، فَإِنْ لَمْ يَرِثْ مَنْ ذُكِرَ غَيْرُ الْمُقِرِّ ثَبَتَ النَّسَبُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ .
وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ .
( وَ ) الْأَصَحُّ ، ( أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ ) الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ ( وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ ) وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ إقْرَارًا بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ صَارَ لَهُ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْوَارِثِ الْحَائِزِ ، فَإِنَّهُ مَا صَارَ حَائِزًا إلَّا بَعْدَ الْإِقْرَارِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحِيَازَةَ تُعْتَبَرُ حَالًا أَوْ مَآلًا .
وَالثَّانِي : لَا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْفَرْعِ مَسْبُوقٌ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُوَرِّثُ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : وَأَنْكَرَ الْآخَرُ مَا لَوْ سَكَتَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ جَزْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ تَكْذِيبُ أَصْلِهِ ، فَإِنْ خَلَّفَ الْمُنْكِرُ أَوْ السَّاكِتُ وَرَثَةً غَيْرَ الْمُقِرِّ اُعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُمْ .
وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٍ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا إرْثَ .
( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ ) مَشْهُورُ النَّسَبِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ( بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ ، فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ ) بِأَنْ قَالَ : أَنَا ابْنُ الْمَيِّتِ ، وَلَسْت أَنْتَ ابْنَهُ ( لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ) إنْكَارُهُ لِشُهْرَتِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ فِيهِ لَبَطَلَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ ، فَإِنَّهُ الثَّابِتُ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ إلَّا لِكَوْنِهِ حَائِزًا ، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ كَمَا قَالَ ( وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ .
وَالثَّانِي : يُؤَثِّرُ الْإِنْكَارُ ، فَيَحْتَاجُ الْمُقِرِّ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى نَسَبِهِ .
الثَّالِثُ : لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمَجْهُولِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَقَرَّ الْحَائِزُ وَالْمَجْهُولُ بِنَسَبِ ثَالِثٍ ، فَأَنْكَرَ الثَّالِثُ نَسَبَ الثَّانِي سَقَطَ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّالِثِ ، فَاعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الثَّانِي ، وَهَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ : أَدْخِلْنِي أُخْرِجْكَ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ مَجْهُولَيْنِ مَعًا فَكَذَّبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَر أَوْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْحَائِزِ ، وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَكَذَّبَهُ الْآخَر سَقَطَ نَسَبُ الْمُكَذَّبِ ، بِفَتْحِ الذَّالِ دُونَ نَسَبِ الْمُصَدَّقِ إنْ لَمْ يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِتَكْذِيبِ الْآخَر ؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ مُقِرٌّ بِالْآخَرِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكِرُ اثْنَيْنِ وَالْمُقِرُّ وَاحِدًا فَلِلْمُقِرِّ تَحْلِيفُهُمَا ، فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَمْ تُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ بِهَا نَسَبًا يَسْتَحِقُّ بِهَا إرْثًا .
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ لِلْمُوَرِّثِ ثَبَتَ لَهَا الْمِيرَاثُ كَمَا لَوْ أَقَرُّوا بِنَسَبِ شَخْصٍ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرُّوا بِزَوْجٍ لِلْمَرْأَةِ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَعْضُ وَأَنْكَرَ الْبَعْضُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا
مِيرَاثٌ فِي الظَّاهِرِ كَنَظِيرِهِ مِنْ النَّسَبِ .
أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّسَبِ ، وَخَرَجَ بِمَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ أَبٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالسَّيِّدِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِنَسَبِ ابْنٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى اسْتِلْحَاقِ الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْأَخِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِمَا ، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إنْشَاءِ الِاسْتِيلَادِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ ( كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ ) لِلِابْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ فِي الظَّاهِرِ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ ( وَلَا إرْثَ ) لَهُ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ ، وَهُنَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ ، فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ يَرِثْ مَعَهُمَا لِذَلِكَ ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ أَبَاهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ ، وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتًا أَعْتَقَتْهُ ، فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ لَهَا فَهَلْ يَرِثُ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بَلْ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةُ الْوَلَاءِ ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَأَقَرَّتَا بِابْنٍ لَهُ سَلَّمَ لِلْأُخْتِ نَصِيبَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَهَا ، وَلَوْ ادَّعَى مَجْهُولٌ عَلَى أَخِي الْمَيِّتِ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ الْأَخُ عَنْ الْيَمِينِ ، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَرِثْ لِمَا مَرَّ فِي إقْرَارِ الْأَخِ .
خَاتِمَةٌ : لَوْ أَقَرَّ ابْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ بَنِينَ بِأَخٍ لَهُمْ وَشَهِدَا لَهُ عِنْدَ إنْكَارِ الثَّالِثِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ لَهُمَا نَفْعًا بَلْ ضَرَرًا ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَقَالَ مُنْفَصِلًا أَرَدْتُ مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ : لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يُحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يُقِرَّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ ، فَإِنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا قُبِلَ .
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِخَطِّهِ ، وَقَدْ تُخَفَّفُ ، وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ ، وَلِعَقْدِهَا ، مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ : عَيَّارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ ، وَقِيلَ : مِنْ التَّعَاوُرِ ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا كَمَا سَيَأْتِي ، وَلَوْ كَانَتْ عَيْبًا مَا فَعَلَهَا ، وَبِأَنَّ أَلِفَ الْعَارِيَّةِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ ، فَإِنَّ أَصْلَهَا عَوَرِيَّةٌ .
وَأَمَّا أَلِفُ الْعَارِ فَمُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ بِدَلِيلِ عَيَّرْته بِكَذَا ، وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } ، وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ قَوْله تَعَالَى { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } بِمَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ .
وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ وَالطَّاعَةُ .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ : أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : هُوَ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ ، وَهِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ } وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ دِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَقَالَ : بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ } قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ : وَكَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا وَصَارَتْ مُسْتَحَبَّةً : أَيْ : أَصَالَةً ، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ، وَإِعَارَةِ
الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ ، وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ ، وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ بِوُجُوبِ إعَارَةِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إذَا كَتَبَ صَاحِبُهَا اسْمَ مَنْ سَمِعَهُ لِيَكْتُبَ نُسْخَةَ السَّمَاعِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَجِبُ عَيْنًا ، بَلْ هِيَ أَوْ النَّقْلُ إذَا كَانَ النَّاقِلُ ثِقَةً ، وَقَدْ تُحَرَّمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، وَإِعَارَةِ الْغِلْمَانِ لِمَنْ عُرِفَ بِاللِّوَاطِ ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ .
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ .
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ : مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِأَوَّلِهَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا لِشَرْطِهِ فَقَالَ : وَ ( شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ ) وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ جَوَازُ إعَارَةِ السَّفِيهِ بَدَنَ نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَمَلُهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَالِهِ عَنْهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَارِيَّةً ؛ لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : تَبَرُّعٌ نَاجِزٌ ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ عَارِيَّتُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُعِيرُ الْعَيْنَ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْمُتَّجَهُ جَوَازُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِعَارَةِ تَعْطِيلٌ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهَا كَإِعَارَةِ الدَّارِ يَوْمًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ ، وَإِلَّا ، فَيَمْتَنِعُ ( وَ ) شُرِطَ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا ( مِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ ) وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ ، وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاظِرًا وَهُوَ وَاضِحٌ ( فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ ( لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُ ، وَالْمُسْتَبِيحُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ مَا أُبِيحَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ مَا قُدِّمَ لَهُ .
وَالثَّانِي : يُعِيرُ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يُؤَجِّرَ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ مَنْ
يُعِيرُ لَهُ ، فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعِيرُ مِنْ الثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا ، وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِئَ وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَ هَذَا الْحُكْمُ ( وَ ) لَكِنْ ( لَهُ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ ( أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ ) كَأَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فِي حَاجَتِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ خَادِمُهُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَاشَرَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَرُدُّ عَلَى قَيْدِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ صِحَّةُ إعَارَةِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمَنْذُورَيْنِ مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ ، وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْإِمَامِ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ عَارِيَّةً حَقِيقَةً بَلْ شَبِيهَةً بِهَا ، وَبِأَنَّهُمْ أَرَادُوا هُنَا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ مَا يَعُمُّ الِاخْتِصَاصَ بِهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَعَلَى هَذَا لَا يُرَدُّ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ إعَارَةِ الصُّوفِيِّ وَالْفَقِيهِ مَسْكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا ا هـ .
أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ .
وَهُوَ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَلَى خِدْمَةٍ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ .
أَمَّا مَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لِحَقَارَتِهِ ، فَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ أَفْعَالُ السَّلَفِ ، أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالصَّبِيِّ .
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ ، وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ .
وَلَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا يَقْرَأُ فِيهِ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا ، فَيَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِصْلَاحِ يُعْلِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ قِيمَتِهِ لِرَدَاءَةِ خَطٍّ وَنَحْوِهِ امْتَنَعَ ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِمَالِيَّتِهِ لَا إصْلَاحٌ ، أَمَّا الْكِتَابُ الْمَوْقُوفُ فَيُصْلَحُ جَزْمًا خُصُوصًا مَا كَانَ خَطَأً مَحْضًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، .
وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْطِ الْمُسْتَعِيرِ ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ ، فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ لَا عِبَارَةَ لَهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْهُمْ .
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ اسْتِعَارَةِ السَّفِيهِ إذْ الصَّحِيحُ صِحَّةُ قَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَكِنْ كَيْفَ تَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ ، مَعَ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لَا جَرَمَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا .
ا هـ .
وَقَضِيَّتُهُ صِحَّتُهَا مِنْهُ ، وَمِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِعَقْدِ وَلِيِّهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَهُوَ وَاضِحٌ .
وَالْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ ، فَقَالَ ( وَ ) شَرْطُ ( الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ ) ، فَلَا يُعَارُ مَا لَا يَنْفَعُ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ .
وَأَمَّا مَا تُوُقِّعَ نَفْعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ مُقَابَلَةٌ بِعِوَضٍ ، وَلَيْسَ هَذِهِ كَذَلِكَ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ انْتِفَاعًا مُبَاحًا لِيَخْرُجَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي ، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ وَأَنْ تَكُونَ مَنْفَعَةً قَوِيَّةً فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ إذْ مَنْفَعَةُ التَّزْيِينِ بِهِمَا وَالضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّ مَا تُقْصَدُ وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ ، نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزْيِينِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا صَحَّتْ لِاِتِّخَاذِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ .
وَيَنْبَغِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَطْعُومِ بِالْآتِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ) كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ ، فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ ، فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَانْتَفَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعَارَةِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ أَحْجَارًا أَوْ أَخْشَابًا يَبْنِي بِهَا الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوَارِيِّ جَوَازُ اسْتِرْدَادِهَا ، وَالشَّيْءُ إذَا صَارَ مَسْجِدًا لَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادُهُ .
وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ .
( وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ ) ذَكَرٍ ( مَحْرَمٍ ) لِلْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ فِي ذَلِكَ ، وَفِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالْمَحْرَمِ الْمَمْسُوحُ وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُهَا ، كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ ، وَكَذَا الطِّفْلُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ ، وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ ، فَيَجُوزُ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ لِخِدْمَتِهِ ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الذَّكَرُ الْأَجْنَبِيُّ ، فَلَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا لَهُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ قَبِيحَةً يُؤْمَنُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهَا فَلَا يَحْرُمُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَإِنْ رَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعَ فِيهِمَا .
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : الصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرَةِ دُونَ الْكَبِيرَةِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُلْحَقُ بِالْمُشْتَهَاةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي جَوَازِ إعَارَةِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْهَا لِخِدْمَتِهَا الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْ رُؤْيَتِهَا مَعَهَا نَظَرٌ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ الذِّمِّيَّةِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ نَظَرُ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُمْكِنُ مَعَهُ الْخِدْمَةُ ا هـ .
وَهَذَا أَوْجَهُ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَسَكَتُوا عَنْ إعَارَةِ الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَالْمَفْهُومُ مِنْ الِامْتِنَاعِ فِيهِ ، وَفِي الْأَمَةِ الْفَسَادُ كَالْإِجَارَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالصِّحَّةِ ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ إجَارَةِ الْأَمَةِ الْمُشْتَهَاةِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ
؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكَانِ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرَانِ وَيُؤَجِّرَانِ لِمَنْ يَخْلُو بِهَا إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِانْتِفَاعُ بِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ لَهُ فَقَطْ فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِحْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ .
وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ .
( وَيُكْرَهُ ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ( إعَارَةً ) وَإِجَارَةُ ( عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا امْتِهَانًا ، وَقِيلَ تَحْرُمُ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ وَيَسْتَأْجِرَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ ، وَإِنْ عَلَا لِلْخِدْمَةِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِذْلَالِ .
نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِاسْتِعَارَتِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ لِذَلِكَ تَوْقِيرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا بَلْ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِعَارَةِ ، وَأَمَّا إعَارَةُ وَإِجَارَةُ الْوَالِدِ نَفْسَهُ لِوَلَدِهِ فَلَيْسَتَا مَكْرُوهَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ .
قَالَ الْقَرَافِيُّ : لِأَنَّ نَفْسَ الْخِدْمَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ تَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ إعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ يَجِبُ احْتِرَامُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ ، وَلَوْ قَالَ : أَعِرْنِي دَابَّةً فَقَالَ : اُدْخُلْ الدَّارَ فَخُذْ مَا أَرَدْتُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ ، وَخَالَفَتْ الْإِجَارَةَ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ ، وَالْغَرَرُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا .
فَرْعٌ : يَحْرُمُ إعَارَةُ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ لِلْحَرْبِيِّ وَالْمُصْحَفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِلْكَافِرِ وَإِعَارَةُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ .
فَإِنْ اسْتَعَارَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْجَزَاءَ لَلَهُ تَعَالَى وَالْقِيمَةَ لِمَالِكِهِ ، وَلَوْ اسْتَعَارَ حَلَالٌ مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ إذْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ ، وَيَجُوزُ إعَارَةُ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ وَكَلْبٍ لِلصَّيْدِ ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ ، وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً أَوْ دَفَعَهَا لَهُ وَمَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ آخِذُهَا الدَّرَّ وَالنَّسْلَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ ، وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ ، فَلَوْ أَبَاحَهُمَا لَهُ أَوْ اسْتَعَارَ مِنْهُ الشَّاةَ لَأَخَذَ ذَلِكَ أَوْ الشَّجَرَةَ لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا أَوْ الْبِئْرَ لِيَأْخُذَ مَاءَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ لِيَأْخُذَ لَبَنَهَا جَازَ وَكَانَ إبَاحَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ ، وَعَلَى هَذَا قَدْ تَكُونُ الْعَارِيَّةُ لِاسْتِفَادَةِ عَيْنٍ ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ، فَالشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِهْلَاكٌ لِلْمُعَارِ ، لَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ .
قَالَ الْأُشْمُونِيُّ : التَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَ مُسْتَفَادًا بِالْعَارِيَّةِ بَلْ بِالْإِبَاحَةِ ، وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ ، وَهِيَ التَّوَصُّلُ لِمَا أُبِيحَ لَهُ ، وَكَذَا الْبَاقِي ا هـ .
.
وَهُوَ كَلَامٌ مَتِينٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، فَإِنْ مَلَّكَهُ دَرَّ الشَّاةِ وَنَسْلَهَا أَوْ أَبَاحَهَا لَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَلْفَهَا ، فَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ فَاسِدَانِ ، فَيَضْمَنُ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الشَّاةِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ كَمَنْ أَعْطَى سَقَّاءً شَيْئًا لِيَشْرَبَ
فَأَعْطَاهُ كُوزًا فَانْكَسَرَ فِي يَدِهِ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَاءَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ دُونَ الْكُوزِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْرَبُهُ لَمْ يَضْمَنْ الزَّائِدَ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ ، فَإِنْ سَقَاهُ مَجَّانًا فَانْكَسَرَ الْكُوزُ ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِعَارَةٍ فَاسِدَةٍ دُونَ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ .
وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي ، وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الرَّابِعِ ، فَقَالَ ( وَالْأَصَحُّ ) فِي نَاطِقٍ ( اشْتِرَاطُ لَفْظٍ ) فِي الصِّيغَةِ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَالِ الْغَيْرِ يَعْتَمِدُ إذْنَهُ ( كَأَعَرْتُكَ ) ، هَذَا أَوْ أَعَرْتُكَ مَنْفَعَتَهُ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْعَيْنِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ ( أَوْ أَعِرْنِي ) أَوْ خُذْهُ لِتَنْتَفِعَ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا الْقَلْبِيِّ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ ( وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ ) كَمَا فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا مَقْبُوضَةٌ لِغَرَضِ الْمَالِكِ ، وَغَرَضُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبِهِ وَالْعَارِيَّةُ بِالْعَكْسِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظِ الْمُسْتَعِيرِ ، وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ إلَّا فِيمَا سَيَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ .
فَرْعٌ : لَوْ أَضَافَ شَخْصًا وَفَرَشَ لَهُ لِيَنَامَ فِيهِ ، وَقَالَ : قُمْ وَنَمْ فِيهِ فَقَامَ أَوْ فَرَشَ بِسَاطًا فِي بَيْتٍ وَقَالَ لِآخَرَ : اُسْكُنْ فِيهِ تَمَّتْ الْعَارِيَّةُ ، وَالثَّانِي : لَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ حَتَّى لَوْ رَآهُ حَافِيًا ، فَأَعْطَاهُ نَعْلًا أَوْ عَارِيًّا فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا أَوْ فَرَشَ لَهُ مُصَلًّى أَوْ وِسَادَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ عَارِيَّةً ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ قَالَ : بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ مَبْسُوطٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ انْتِفَاعَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ ، وَالْعَارِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ .
ا هـ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي إبَاحَةٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ أَصْلِهِ مَا يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمُتَوَلِّي ، عَلَى مَا قَالَهُ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ فِي ظَرْفٍ ، فَالظَّرْفُ مُعَارٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ فِي ظَرْفِهَا فَإِنَّهُ
يَجُوزُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا ، وَهُوَ مُعَارٌ ، فَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ لَا إنْ كَانَ لِلْهَدِيَّةِ عِوَضٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا خَفَاءَ فِي جَوَازِ إعَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومِ الْإِشَارَةِ وَاسْتِعَارَتِهِ بِهَا وَبِكِتَابَتِهِ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ جَوَازُهَا بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ النَّاطِقِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى بِالْمُرَاسَلَةِ .
وَلَوْ قَالَ : أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفهُ أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ .
فَرْعٌ : يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِعَارَةِ وَتَأْخِيرُ الْقَبُولِ ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، أَنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَأَذِنَ لَهُ فِي غِرَاسِهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَهِيَ بَعْدَ الشَّهْرِ عَارِيَّةٌ غَرَسَ أَمْ لَا ، وَقَبْلَهُ أَمَانَةٌ حَتَّى لَوْ غَرَسَ قَبْلَهُ قَلَعَ ( وَلَوْ قَالَ : أَعَرْتُكَهُ ) أَيْ فَرَسِي مَثَلًا ( لِتَعْلِفَهُ ) أَوْ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهُ بِعَلَفِك ( أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ ) أَوْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا ( فَهُوَ إجَارَةٌ ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى ( فَاسِدَةٌ ) لِجَهَالَةِ الْعَلَفِ فِي الْأُولَى وَالْعِوَضِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُدَّةُ فِي الثَّالِثَةِ ( تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ) إذَا مَضَى بَعْدَ قَبْضِهِ زَمَنٌ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ ، وَقِيلَ : إنَّهُ عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَمَضْمُونَةٌ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا عِنْدَ جَهْلِ الْعِوَضَيْنِ كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّف .
أَمَّا لَوْ قَالَ : أَعَرْتُكَهَا شَهْرًا مِنْ الْآنَ بِعَشْرَةٍ ، أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ سَنَةً مِنْ الْآنَ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى ، وَالثَّانِي : إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ .
تَنْبِيهٌ : قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُسْتَعَارِ لَيْسَتْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَلْ عَلَى الْمَالِكِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطُهُ مُفْسِدًا ، وَإِنْ كَانَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ .
وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ .
( وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ ) لِلْعَارِيَّةِ إذَا كَانَ لَهَا مُؤْنَةٌ ( عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
وَأَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ، هَذَا إنْ رَدَّ عَلَى مَنْ اسْتَعَارَ مِنْهُ ، فَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَرَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ عِنْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ إلَّا إذَا حُجِرَ عَلَى الْمَالِكِ الْمُعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ إلَيْهِ بَلْ إلَى وَلِيِّهِ ، وَلَوْ اسْتَعَارَ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَطَلَبَهُ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ إلَيْهِ .
فَإِنْ تَلِفَتْ لَا بِاسْتِعْمَالٍ ضَمِنَهَا ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَوْ يَنْسَحِقُ بِاسْتِعْمَالٍ ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ ، وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لَا يَضْمَنُ فِي الْأَصَحِّ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْعَارِيَّةِ ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ الضَّمَانُ وَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ تَلِفَتْ ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ ( لَا بِاسْتِعْمَالٍ ) لَهَا مَأْذُونٍ فِيهِ ( ضَمِنَهَا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ ، { بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ } ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ ، فَيَضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ ، فَلَوْ أَعَارَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً لَغَا الشَّرْطُ ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِصِحَّتِهَا وَلَا لِفَسَادِهَا ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ صِحَّتُهَا وَإِلَيْهِ يُومِئُ تَعْبِيرُهَا بِأَنَّ الشَّرْطَ لَغْوٌ .
فَرْعٌ : لَوْ أَعَارَ عَيْنًا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا عِنْدَ تَلَفِهَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَسَدَ الشَّرْطُ دُونَ الْعَارِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فِيهِ وَقْفَةٌ ، وَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ ، وَسَكَتَ عَنْ ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ ، إذَا أُتْلِفَتْ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي ، وَلَوْ اسْتَعَارَ حِمَارَةً مَعَهَا جَحْشٌ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ : لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِتَعَذُّرِ حَبْسِهِ عَنْ أُمِّهِ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَهَا فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمَالِكُ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَهُوَ أَمَانَةٌ .
قَالَهُ الْقَاضِي ، وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِيَسْتَعْمِلَهَا بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ .
قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا جِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ .
فَإِنَّ إعَارَتَهُ جَائِزَةٌ ، وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبُلْقِينِيُّ لِابْتِنَاءِ يَدِهِ عَلَى يَدِ مَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ ، وَمِنْهَا الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، لَا
ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّهْنِ ، وَمِنْهَا لَوْ اسْتَعَارَ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا ضَمَانَ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَعَارَ الْفَقِيهُ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ أَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَضْمَنُ الْكِتَابَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا اسْتَعَارَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةٍ أَوْ جَعَلَ رَأْسَ مَالٍ السَّلَمِ مَنْفَعَةً .
فَإِنَّهُ إذَا أَعَارَهَا مُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ شَخْصًا فَتَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ) ، أَيْ الْمُسْتَعِيرَ ( لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ ) أَيْ يَتْلَفُ بِالْكُلِّيَّةِ ( أَوْ يَنْسَحِقُ ) ، أَيْ يَنْقُصُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ( بِاسْتِعْمَالٍ ) مَأْذُونٍ فِيهِ لِحُدُوثِهِ عَنْ سَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ ، وَالثَّانِي : يَضْمَنُ لِحَدِيثِ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ ضَمِنَهُ ( وَالثَّالِثُ ) وَهُوَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ ) دُونَ الْمُنْسَحِقِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِعَارَةِ الرَّدُّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمُنْمَحِقِ ، فَيَضْمَنُهُ بِخِلَافِ الْمُنْسَحِقِ تَنْبِيهٌ : تَلَفُ الدَّابَّةِ بِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ مُعْتَادَيْنِ كَالِانْمِحَاقِ وَتَعِيبُهَا بِذَلِكَ كَالِانْسِحَاقِ ، وَلَوْ أَعَارَهُ سَيْفًا يُقَاتِلُ بِهِ فَانْكَسَرَ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَانْسِحَاقِ الثَّوْبِ ، قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ ، وَيُسْتَثْنَى الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَانِ يَجُوزُ إعَارَتُهُمَا .
قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ نَقَصَا بِذَلِكَ ضَمِنَ .
ا هـ .
فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَعِيرَ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُعِيرَ لَزِمَ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا ، وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا بِضَمَانِ الْمُعِيرِ .
ثُمَّ قَالَ : وَلَيْسَ لَنَا عَارِيَّةٌ جَائِزَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ فِيهَا إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ : أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُعِيرِ يَدُ أَمَانَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ ( وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ ) إجَارَةً صَحِيحَةً ( لَا يَضْمَنُ ) التَّالِفَ ( فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَهُوَ لَا يَضْمَنُ .
وَالثَّانِي : يَضْمَنُ كَالْمُسْتَقْرِضِ مِنْ الْمَالِكِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً ضَمِنَا مَعًا ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي هُنَا عَدَمُ الضَّمَانِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَاسِدَةَ لَيْسَتْ حُكْمَ الصَّحِيحَةِ فِي كُلِّ مَا يَقْتَضِيه بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا يَتَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِعَارَةُ كَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةً لِشَخْصٍ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ لَهُ ، فَإِذَا أَعَارَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مِنْهُ ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْغَاصِبِ فِي بَابِهِ ، وَلَوْ اسْتَعَارَ فَقِيهٌ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ بِحِرْزِ قِيمَتِهِ فَسُرِقَ مِنْ حِرْزِهِ لَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَإِنْ سُمِّيَ عَارِيَّةً عُرْفًا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى الْعَارِيَّةِ رَهْنٌ وَلَا ضَامِنٌ ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ بَطَلَتْ .
وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعْثُهُ فِي شُغْلِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا فَلَا ضَمَانَ ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْإِذْنِ .
( وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ ) لَهُ ( بَعْثُهُ فِي شُغْلِهِ ، أَوْ ) تَلِفَتْ ( فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضهَا ) أَيْ : يُعَلِّمَهَا الْمَشْيَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ بَلْ لِغَرَضِ الْمَالِكِ ، هَذَا ، إذَا رَكِبَهَا فِي الرِّيَاضَةِ ، فَإِنْ رَكِبَهَا فِي غَيْرِهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ ، وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ غُلَامَهُ لِيُعَلِّمَهُ حِرْفَةً فَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهَا ، وَلَوْ أَرْكَبَ الْمَالِكُ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا فِي الطَّرِيقِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا سَوَاءٌ الْتَمَسَ الرَّاكِبَ أَمْ ابْتَدَأَهُ الْمُرْكَبُ وَإِنْ أَرْدَفَهُ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ ، وَلَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ شَخْصٍ ، وَقَالَ لَهُ : سَيِّرْهَا فَفَعَلَ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوَضْعِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ مِنْهَا بِقِسْطِ مَتَاعِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْهَا بِقِسْطِهِ مِمَّا عَلَيْهَا ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَتَاعِهِ ضَمِنَ نِصْفَهَا ، فَإِنْ سَيَّرَهَا مَالِكُهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاضِعِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ الْوَاضِعُ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا ، بَلْ يَضْمَنُ الْمَالِكُ مَتَاعَهُ إذْ لَهُ طَرْحُهُ عَنْهَا ، وَلَوْ حَمَلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَتَاعَ شَخْصٍ بِسُؤَالِ الشَّخْصِ فَهُوَ مُعِيرٌ ، أَوْ بِسُؤَالِهِ هُوَ فَهُوَ وَدِيعٌ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ ( الِانْتِفَاعُ ) بِالْمُعَارِ ( بِحَسَبِ الْإِذْنِ ) لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا فِي الرُّجُوعِ ، لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَوْ أَخَّرَ الْإِجَارَةَ .
عَنْ الْعَبَّادِيِّ : أَنَّ لَهُ الرُّكُوبَ فِي الرَّدِّ وَأَقَرَّاهُ ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إلَى مَوْضِعٍ ، فَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالْفَرْقُ
أَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لِلْمُسْتَعِيرِ فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ رُكُوبَهَا فِي الْعَوْدِ بِالْعُرْفِ ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا رَدَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اسْتَعَارَ لِلرُّكُوبِ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ ضَمِنَ أُجْرَةَ ذَهَابِ مُجَاوَزَتِهِ عَنْهُ وَرُجُوعِهِ إلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ .
وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا إلَى مَكَانِهَا الَّذِي اسْتَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ لَا ؟ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُجَاوَزَةِ فَيُسَلِّمُهَا إلَى حَاكِمِ تِلْكَ الْبَلَدِ .
وَثَانِيهمَا : نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ عَنْ وَكَالَتِهِ بِتَعَدِّيهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ جَائِزٌ ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أُجْرَةُ الرُّجُوعِ ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِالْقُرْعَةِ وَزَادَ مُقَامُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي مَضَى إلَيْهِ قَضَى الزَّائِدَ لِبَقِيَّةِ نِسَائِهِ ، وَفِي قَضَاءِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا لَا قَضَاءَ ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ ثَوْبًا مَثَلًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ ، فَإِنْ لَبِسَهُ صَارَ عَارِيَّةً وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ وَدِيعَةً ، وَلَوْ اسْتَعَارَ صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ ، كَمَا لَوْ طَرَحَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي دَارِهِ فَإِنْ أَتْلَفَهَا وَلَوْ جَاهِلًا بِهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهَا .
فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا وَمِثْلَهَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ ، أَوْ لِشَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ ، وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ وَلَا عَكْسَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً ، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي ، وَهُوَ تَسَلُّطُ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَقَالَ : ( فَإِنْ أَعَارَهُ ) أَرْضًا ( لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ ) مَثَلًا ( زَرَعَهَا ) لِإِذْنِهِ فِيهَا ( وَمِثْلَهَا ) أَوْ دُونَهَا فِي الضَّرَرِ ، فَإِنْ قَالَ : أَزْرَعُ الْبُرَّ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالْجُلُبَّانِ وَالْحِمَّصِ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا فِي الْأَرْضِ فَوْقَ ضَرَرِ مَا ذُكِرَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا فَوْقَهُ كَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِ وَالْأُرْزِ هَذَا ( إنْ لَمْ يَنْهَهُ ) عَنْ غَيْرِهَا فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعُهُ تَبَعًا لِنَهْيِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ بِمِائَةٍ وَلَا تَشْتَرِ بِخَمْسِينَ ، وَلَوْ عَيَّنَ نَوْعًا وَنَهَى عَنْ غَيْرِهِ اُتُّبِعَ ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ( أَوْ ) أَعَارَهُ أَرْضًا ( لِشَعِيرٍ ) يَزْرَعُهُ فِيهَا ( لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِهِ ، فَإِنْ خَالَفَهُ وَزَرَعَ مَا لَيْسَ لَهُ زَرْعُهُ ، كَأَنْ أَذِنَ فِي الْبُرِّ فَزَرَعَ الذُّرَةَ جَازَ لِلْمُعِيرِ قَلْعُهُ مَجَّانًا ، فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، أَوْ مَا بَيْنَ زِرَاعَةِ الْبُرِّ وَزِرَاعَةِ الذُّرَةِ ؟ احْتِمَالَانِ : أَوْجَهُهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُتَوَلِّي ، فَإِنْ فَعَلَ فَكَالْغَاصِبِ الْأَوَّلِ ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ .
تَنْبِيهٌ : تَنْكِيرُ الْمُصَنِّفِ لِلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا أَشَارَ إلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا وَأَعَارَهُ لِزِرَاعَتِهِ جَوَازَ الِانْتِقَالِ عَنْهُ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْإِجَارَةِ .
وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُنَا مَنْعُهُ .
وَلِهَذَا عَرَّفَهَا فِي الْمُحَرَّرِ .
وَصَرَّحَ فِي الشَّعِيرِ بِمَا لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ لَمْ يُزْرَعْ فَوْقَهُ .
وَفِي الْحِنْطَةِ بِمَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ وَمِثْلِهَا لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَلَوْ أَطْلَقَ ) الْمُعِيرُ ( الزِّرَاعَةَ ) أَيْ : الْإِذْنَ فِيهَا كَقَوْلِهِ : أَعَرْتُك لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا ( صَحَّ ) عَقْدُ
الْإِعَارَةِ ( فِي الْأَصَحِّ ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ .
وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : أَنْ يَزْرَعَ مَا شَاءَ مِمَّا اُعْتِيدَ زَرْعُهُ هُنَاكَ وَلَوْ نَادِرًا حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ ، وَالثَّانِي : لَا يَصِحُّ لِتَفَاوُتِ ضَرَرِ الْمَزْرُوعِ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَلَوْ قِيلَ يَصِحُّ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَخَفِّهَا ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا ، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْمُطْلَقَاتِ ، إنَّمَا تُنَزَّلُ عَلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَصَحَّ ، وَهَذَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّ أَقَلِّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ ، وَالْعُقُودُ تُصَانُ عَنْ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ : مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ أَوْلَى مَا أَعَارَهُ لِيَزْرَعَ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَا مُطْلَقٌ ( وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ ) لِغَرْسِ ( غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ ) إنْ لَمْ يَنْهَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ ، وَقِيلَ لَا ؛ لِأَنَّهُ يُرْخِي الْأَرْضَ ، فَإِنْ نَهَاهُ لَمْ يَفْعَلْهُ ( وَلَا عَكْسَ ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ لِلزَّرْعِ فَلَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ وَيُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ ( وَالصَّحِيحُ ) وَفِي الرَّوْضَةِ : الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ ) ، أَيْ لَا يَبْنِي مُسْتَعِيرٌ لِغِرَاسٍ لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ ، فَإِنَّ ضَرَرَ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ بَاطِنِهَا ، وَالْغِرَاسُ بِالْعَكْسِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهِ .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ مَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِلتَّأْبِيدِ .
تَنْبِيهٌ : مَوْضِع الْمَنْعِ فِي الْغِرَاسِ مَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ .
أَمَّا مَا يُغْرَسُ لِلنَّقْلِ فِي عَامِهِ ، وَيُسَمَّى الْفَسِيلَ بِالْفَاءِ ، وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ فَكَالزَّرْعِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَسَكَتُوا عَنْ الْبُقُولِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ عُرُوقِهِ بِالْغِرَاسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ
أَصْلُهُ ، فَيَكُونُ كَالْفَسِيلِ الَّذِي يُنْقَلُ ( وَ ) الصَّحِيحُ ، ( أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً ، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ ) مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ .
وَالثَّانِي : تَصِحُّ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ .
قَالَ : وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْإِجَارَةِ ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الصِّحَّةَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ ، فَالْخِلَافُ قَوِيٌّ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّف يَقْتَضِي ضَعْفَهُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ قَالَ : أَعَرْتُكَهَا لِتَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شِئْت أَوْ بِمَا بَدَا لَك ، فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ الصِّحَّةُ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ ، وَقَدْ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ الصِّحَّةَ وَالْعَارِيَّةُ بِهِ أَوْلَى ، وَعَلَى هَذَا فَقِيلَ يَنْتَفِعُ بِهَا كَيْفَ شَاءَ ، وَقِيلَ : يَنْتَفِعُ بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْمُعَارِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهُوَ أَحْسَنُ .
ا هـ .
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِعَارَةِ لَا يُسَلَّطُ عَلَى الدَّفْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ اللُّزُومِ .
تَنْبِيهٌ : ذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الْأَرْضَ مِثَالٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِجِهَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَالدَّابَّةِ تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ .
أَمَّا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ كَالْبِسَاطِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْفِرَاشِ فَلَا حَاجَةَ فِي إعَارَتِهِ إلَى بَيَانٍ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالتَّعْيِينِ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ الْجَوَازُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ ، فَقَالَ .
فَصْلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ إلَّا إذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ
: فَصْلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ لِلْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ ( رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ ) وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُبْرَمَةٌ مِنْ الْمُعِيرِ ، وَارْتِفَاقٌ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَلِيقُ بِهَا الْإِلْزَامُ ، وَرَدُّ الْمُعِيرِ بِمَعْنَى رُجُوعِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَدِيعَةِ ( إلَّا إذَا ) كَانَتْ الْعَارِيَّةُ لَازِمَةً كَمَنْ ( أَعَارَ ) أَرْضًا ( لِدَفْنٍ ) لِمَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ وَفَعَلَ الْمُسْتَعِيرُ ( فَلَا يَرْجِعُ ) أَيْ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ ، وَامْتَنَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا ( حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ ) ، بِأَنْ يَصِيرَ تُرَابًا لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُ عَجْبِ الذَّنَبِ ، وَهُوَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي طَرَفِ الْعُصْعُصِ لَا جَمِيعِ الْعُصْعُصِ ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِاسْتِثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْلَى أَبَدًا ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ ، وَلَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِيهِ ، لَا بَعْدَ وَضْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَارَ بِالتُّرَابِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ ا هـ .
وَصُورَةُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِلَى ، إذَا أَذِنَ الْمُعِيرُ فِي تَكْرَارِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمُعِيرُ أُجْرَةً كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ غَيْرُ قَاضٍ بِهِ وَالْمَيِّتُ لَا مَالَ لَهُ ، وَلِلْمُعِيرِ سَقْيُ شَجَرٍ بِالْأَرْضِ الَّتِي بِهَا الْقَبْرُ إنْ أَمِنَ ظُهُورَ شَيْءٍ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ مِنْ