كتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
المؤلف : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين
لِأَبٍ وَأُمٍّ وَسَهْمٌ عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ وَسَهْمٌ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ وَلَا يُعْتَدُّ بِابْنِ الْعَمِّ فِي النَّفَقَةِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي حَقِّهِ فَيُلْحَقُ بِالْعَدَمِ كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْأَخَوَاتُ وَمِيرَاثُهُ لَهُنَّ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ كَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِنَّ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَعَلَى الْأَخِ لِلْأُمِّ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ أَسْدَاسًا ؛ لِأَنَّ الْأَخَ لَا يَرِثُ مَعَهُمَا فَيُلْحَقُ بِالْعَدَمِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ مُسَاوٍ لَهُمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الرَّحِمُ وَفَضَلَهُمَا بِكَوْنِهِ وَارِثًا ؛ إذْ الْمِيرَاثُ لَهُ لَا لَهُمَا فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ كَانَ الْعَمُّ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ وَهُوَ مُعْسِرٌ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ وَإِذَا جُعِلَ كَالْمَيِّتِ ؛ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْبَاقِينَ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَحُوزُ بَعْضَ الْمِيرَاثِ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِ مَنْ يَرِثُ مَعَهُ بَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ : رَجُلٌ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ وَلَهُ ابْنٌ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ أَوْ هُوَ صَغِيرٌ وَلَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَعَلَى أَخِيهِ لِأُمِّهِ أَسْدَاسًا : سُدُسُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَخِ لِأُمٍّ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَيَكُونُ نَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَخَوَيْنِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا مِنْهُ وَمِيرَاثِهِمَا مِنْ الْأَبِ هَذَا فَأَمَّا الِابْنُ فَوَارِثُهُ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ لَا الْعَمُّ لِأَبٍ وَلَا الْعَمُّ لِأُمٍّ ؛ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ
عَلَى عَمِّهِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا : ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَخُمْسٌ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمْسٌ عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِنَّ وَنَفَقَةُ الِابْنِ عَلَى عَمَّتِهِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَارِثَةُ مِنْهُ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ بِنْتٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ؛ فَنَفَقَةُ الْأَبِ فِي الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ عَلَى أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَفِي الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ عَلَى أُخْتِهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ لَا تَحُوزُ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ تُجْعَلَ كَالْمَيِّتَةِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَعَهَا الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا غَيْرُ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ الْأَخَ وَالْأُخْتَ لِأُمٍّ لَا يَرِثَانِ مَعَ الْوَلَدِ وَالْأَخُ لِأَبٍ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ لَا تَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ؛ لِأَنَّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ وَفِي الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْبِنْتِ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ؛ لِأَنَّهُمَا وَارِثَاهَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إلَّا بِجَعْلِ الِابْنِ كَالْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى أَنْ يُجْعَلَ مَيِّتًا حُكْمًا ، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مَيِّتًا كَانَ مِيرَاثُ الْأَبِ لِلْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلِلْأَخِ لِأُمٍّ أَسْدَاسًا وَلِلْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا ، فَكَذَا النَّفَقَةُ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ .
وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ فَأَنْوَاعٌ : بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُنْفِقِ خَاصَّةً ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ : أَحَدُهَا إعْسَارُهُ فَلَا تَجِبُ لِمُوسِرٍ عَلَى غَيْرِهِ نَفَقَةٌ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا مَعْلُولٌ بِحَاجَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ فَلَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَنِيًّا لَا يَكُونُ هُوَ بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْ الْإِيجَابِ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ فَيَمْتَنِعُ الْوُجُوبُ بَلْ إذَا كَانَ مُسْتَغْنًى بِمَالِهِ كَانَ إيجَابُ النَّفَقَةِ فِي مَالِهِ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ لِلزَّوْجَةِ الْمُوسِرَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ تِلْكَ النَّفَقَةِ لَا يَتْبَعُ الْحَاجَةَ بَلْ لَهَا شَبَهٌ بِالْأَعْوَاضِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْمُعْسِرَةُ وَالْمُوسِرَةُ كَثَمَنِ الْبَيْعِ وَالْمَهْرِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمُعْسِرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قِيلَ : هُوَ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَقِيلَ : هُوَ الْمُحْتَاجُ .
وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ هَلْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ .
فِي رِوَايَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى لَوْ كَانَ أُخْتًا لَا يُؤْمَرُ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِنْتًا لَهُ أَوْ أُمًّا وَفِي رِوَايَةٍ يَسْتَحِقُّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَدْنَى بِأَنْ يَبِيعَ بَعْضَ الْمَنْزِلِ أَوْ كُلَّهُ وَيَكْتَرِيَ مَنْزِلًا فَيَسْكُنَ بِالْكِرَاءِ أَوْ يَبِيعَ الْخَادِمَ ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ بَيْعَ الْمَنْزِلِ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا وَكَذَا لَا يُمْكِنُ لِكُلِّ أَحَدٍ السُّكْنَى
بِالْكِرَاءِ أَوْ بِالْمَنْزِلِ الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنْ لَا يُؤْمَرَ أَحَدٌ بِبَيْعِ الدَّارِ بَلْ يُؤْمَرُ الْقَرِيبُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِهَؤُلَاءِ وَلَا يُؤْمَرُونَ بِبَيْعِ الْمَنْزِلِ ثُمَّ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَتَّى كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا فِي يَدِ الْأَبِ أَنْفَقَ مِنْهُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُشْهِدْ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُنْكِرَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فَيَقُولُ لِلْأَبِ إنَّك أَنْفَقْت مِنْ مَالِ نَفْسِك لَا مِنْ مَالِي فَيُصَدِّقُهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لِوَلَدِهِ مَالٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلَدِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْأَبِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ غَائِبًا يُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي إيَّاهُ بِالْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ أَوْ يُشْهِدَ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ وَلَدِهِ لِيُمْكِنَهُ الرُّجُوعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَبَرَّعُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَإِذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ أَوْ أَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ فَقَدْ بَطَلَ الظَّاهِرُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى طَرِيقِ الْقَرْضِ وَهُوَ يَمْلِكُ إقْرَاضَ مَالِهِ مِنْ الصَّبِيِّ فَيُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسَعُهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَالْإِشْهَادِ بَعْدَ أَنْ نَوَى بِقَلْبِهِ أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى صَارَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الصَّغِيرِ وَهُوَ يَمْلِكُ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إقْرَاضَ مَالِهِ مِنْهُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَالِمٌ بِنِيَّتِهِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالثَّانِي عَجْزُهُ
عَنْ الْكَسْبِ بِأَنْ كَانَ بِهِ زَمَانَةٌ أَوْ قَعَدٌ أَوْ فَلَجٌ أَوْ عَمًى أَوْ جُنُونٌ أَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ أَوْ أَشَلَّهُمَا أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَفْقُوءَ الْعَيْنَيْنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ الِاكْتِسَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا لَا يُقْضَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا إلَّا لِلْأَبِ خَاصَّةً وَالْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِنَفَقَةِ الْأَبِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُعْسِرًا عَلَى وَلَدِهِ الْمُوسِرِ وَكَذَا نَفَقَةُ الْجَدِّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ كَانَ مُسْتَغْنًى بِكَسْبِهِ فَكَانَ غِنَاهُ بِكَسْبِهِ كَغِنَاهُ بِمَالِهِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا الْوَلَدَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَى الْوَلَدَ عَنْ إلْحَاقِ أَدْنَى الْأَذَى بِالْوَالِدَيْنِ وَهُوَ التَّأْفِيفُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } وَمَعْنَى الْأَذَى فِي إلْزَامِ الْأَبِ الْكَسْبَ مَعَ غِنَى الْوَلَدِ أَكْثَرُ فَكَانَ أَوْلَى بِالنَّهْيِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الِابْنِ وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ الرَّجُلُ بِدَيْنِ ابْنِهِ وَيُحْبَسُ بِدَيْنِ أَبِيهِ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ أَضَافَ مَالَ الِابْنِ إلَى الْأَبِ فَاللَّامُ الْمِلْكِ فَكَانَ مَالُهُ كَمَالِهِ وَكَذَا هُوَ كَسْبُ كَسْبِهِ ؛ فَكَانَ كَكَسْبِهِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ وَالثَّالِثُ : أَنَّ الطَّلَبَ وَالْخُصُومَةَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فِي أَحَدِ نَوْعَيْ النَّفَقَةِ وَهِيَ نَفَقَةُ غَيْرِ الْوِلَادِ فَلَا تَجِبُ بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ .
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُنْفِقِ خَاصَّةً فَيَسَارُهُ فِي قَرَابَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُوسِرِ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ نَفَقَةٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ النَّفَقَةِ مِنْ طَرِيقِ الصِّلَةِ وَالصِّلَاتُ تَجِبُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ لَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِذَا كَانَ يَسَارُ الْمُنْفِقِ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ فِي قَرَابَةِ ذِي الرَّحِمِ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَدِّ الْيَسَارِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ هَذِهِ النَّفَقَةِ .
رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ أَنَّهُ اعْتَبَرَ نِصَابَ الزَّكَاةِ قَالَ : ابْنُ سِمَاعَةَ قَالَ فِي نَوَادِرِهِ : سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ : لَا أُجْبِرُ عَلَى نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ إلَّا دِرْهَمًا وَلَيْسَ لَهُ عِيَالٌ وَلَهُ أُخْتٌ مُحْتَاجَةٌ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى نَفَقَتِهَا وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ وَيَكْتَسِبُ فِي الشَّهْرِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا .
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَانَ لَهُ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَعِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ ؛ أُجْبِرُهُ عَلَى نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَأَمَّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا يَكْتَفِي مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ دَوَانِيقَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ مَا يَتَّسِعُ بِهِ وَيُنْفِقُ فَضْلَهُ عَلَى مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ ، وَجْهُ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ كِفَايَةُ شَهْرٍ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَالشَّهْرُ يَتَّسِعُ لِلِاكْتِسَابِ ؛ فَكَانَ عَلَيْهِ صَرْفُ الزِّيَادَةِ إلَى أَقَارِبِهِ ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ نَفَقَةَ ذِي الرَّحِمِ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ كَالصَّدَقَةِ وَحَدُّ الْغِنَى فِي الشَّرِيعَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَوْفَقُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ كَسْبٌ دَائِمٌ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى
جَمِيعِهِ فَمَا زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ كَفَضْلِ مَالِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَا يُعْتَبَرُ النِّصَابُ ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةِ وَالنَّفَقَةُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِبَارِ بِالنِّصَابِ فِيهَا وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ ، وَلَوْ طَلَبَ الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ نَفَقَةً فَقَالَ : أَنَا فَقِيرٌ وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ غَنِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْفَقْرُ وَالْغِنَى عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمُحَمَّدٌ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ فَبَطَلَتْ شَهَادَةُ الظَّاهِرِ .
وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُنْفِقُ هُوَ الْأَبَ ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ يَسَارُهُ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ بَلْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ كَافِيَةٌ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الذُّكُورِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَالْإِنَاثِ الْفَقِيرَاتِ وَإِنْ كُنَّ صَحِيحَاتٍ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ وَعَجْزِهِمْ عَنْ الْكَسْبِ إحْيَاؤُهُمْ وَإِحْيَاؤُهُمْ إحْيَاءُ نَفْسِهِ ؛ لِقِيَامِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَإِحْيَاءُ نَفْسِهِ وَاجِبٌ ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ جَدٌّ مُوسِرٌ لَمْ يُفْرَضْ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى ابْنِهِ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ فَنَفَقَةُ أَوْلَادِهِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَتِهِمْ عَلَى الْجَدِّ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ أَبِيهِمْ فَكَذَا نَفَقَتُهُمْ .
وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي صَغِيرٍ لَهُ وَالِدٌ مُحْتَاجٌ وَهُوَ زَمِنٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ دُونَ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ كُلُّ مَنْ أَجْبَرْته عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ أَجْبَرْته عَلَى نَفَقَةِ الْغُلَامِ إذَا كَانَ زَمِنًا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ زَمِنًا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ فَكَذَا نَفَقَةُ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ قَضَيْت بِنَفَقَتِهِ عَلَى أَبِيهِ وَأَمَرْت الْخَالَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَرَابَةِ الْأَبِ وَقَرَابَةِ الْأُمِّ أَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَةُ الْأَبِ إذَا كَانَ زَمِنًا فَكَذَا نَفَقَةُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَأَمَّا قَرَابَةُ الْأُمِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَةُ الْأَبِ وَلَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُنْفِقُ هُوَ الِابْنَ وَهُوَ مُعْسِرٌ مُكْتَسِبٌ يُنْظَرُ فِي كَسْبِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَبِ مِنْ الْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَفْضُلُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ يُؤْمَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَاسِيَ أَبَاهُ ؛ إذْ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَتْرُكَ أَبَاهُ ضَائِعًا جَائِعًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَلَهُ كَسْبٌ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَتُفْرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إذَا طَلَبَ الْأَبُ الْفَرْضَ أَوْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ إذَا طَلَبَ الْأَبُ ذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ : إنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَوْ أَصَابَ النَّاسَ السَّنَةُ لَأَدْخَلْت عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَهُمْ فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَهْلِكُوا عَلَى أَنْصَافِ بُطُونِهِمْ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ } وَجْهُ قَوْلِ
الْعَامَّةِ أَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالْإِشْرَاكِ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْمُعْسِرِ يُؤَدِّي إلَى إعْجَازِهِ عَنْ الْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ لَا يَقُومُ إلَّا بِكَمَالِ الْقُوَّةِ وَكَمَالُ الْقُوَّةِ بِكَمَالِ الْغِذَاءِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ نِصْفَيْنِ ؛ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ وَفِيهِ خَوْفُ هَلَاكِهِمَا جَمِيعًا ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الِابْنُ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ رَجُلٍ غَنِيٍّ يُعْطِيهِ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا أَوْ رَغِيفَيْنِ أَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدَهُمَا أَبَاهُ ؟ قَالَ : لَا يُؤْمَرُ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْأَبُ لِلْقَاضِي : إنَّ ابْنِي هَذَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَكْتَسِبَ مَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ مِمَّا يُنْفِقُ عَلَيَّ لَكِنَّهُ يَدَعُ الْكَسْبَ عَمْدًا يَقْصِدُ بِذَلِكَ عُقُوقِي ؛ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ : فَإِنْ كَانَ الْأَبُ صَادِقًا فِي مَقَالَتِهِ أَمَرَ الِابْنَ بِأَنْ يَكْتَسِبَ فَيُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اكْتِسَابِ زِيَادَةٍ ؛ تَرَكَهُ ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا .
فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَزَوْجَةٌ وَلَا يَفْضُلُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ يُنْفِقُ عَلَى أَبِيهِ فَطَلَبَ الْأَبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُدْخِلَهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى عِيَالِهِ يُدْخِلُهُ الْقَاضِي هَهُنَا ؛ لِأَنَّ إدْخَالَ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا يُخِلُّ بِطَعَامِهِمْ خَلَلًا بَيِّنًا بِخِلَافِ إدْخَالِ الْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا يُشَارِكُ الِابْنَ فِي قُوتِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُشَارَكَةِ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَفِي تَرْكِ الْمُشَارَكَةِ خَوْفُ هَلَاكِ الْأَبِ فَتَجِبُ الْمُشَارَكَةُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً تَدْخُلُ عَلَى ابْنِهَا فَتَأْكُلُ مَعَهُ لَكِنْ لَا يُفْرَضُ لَهُمَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ عَلَى حِدَةٍ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَنَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا اتِّحَادُ الدِّينِ فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا تَجْرِي النَّفَقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ فَأَمَّا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَاتِّحَادُ الدِّينِ فِيهِمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِمْ وَنَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ النَّفَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ وَلَا تَجِبُ صِلَةُ رَحِمِ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَتَجِبُ صِلَةُ رَحِمِ الْوَالِدَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ أَبِيهِ الْحَرْبِيِّ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالثَّانِي : أَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ بِحَقِّ الْوِلَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوِلَادَةَ تُوجِبُ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ ؛ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ وَالْوُجُوبُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِحَقِّ الْوِرَاثَةِ وَلَا وِرَاثَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَلَا نَفَقَةَ ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ نَفَقَةَ الْوِلَادَةِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ .
وَالثَّانِي اتِّحَادُ الدَّارِ فِي غَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا تَجْرِي النَّفَقَةُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَلَا بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ لِحَوَائِجَ يَقْضِيهَا ثُمَّ يَعُودُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ إطَالَةِ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَاخْتَلَفَ الدَّارَانِ وَكَذَا لَا نَفَقَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ الْمُتَوَطِّنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ النَّفَقَةِ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ وَلَا تَجِبُ هَذِهِ الصِّلَةُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَتَجِبُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْوُجُوبَ هَهُنَا بِحَقِّ الْوِرَاثَةِ وَلَا وِرَاثَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ هُنَاكَ بِحَقِّ الْوِلَادَةِ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ .
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا فَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي أَحَدِ نَوْعَيْ النَّفَقَةِ وَهِيَ نَفَقَةُ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا تَجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي نَفَقَةِ الْوِلَادِ حَتَّى تَجِبَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوِلَادِ تَجِبُ بِطَرِيقِ الْإِحْيَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ إحْيَاءُ نَفْسِهِ بِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَقِفُ وُجُوبُهُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا نَفَقَةُ
سَائِرِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَيْسَ وُجُوبُهَا مِنْ طَرِيقِ الْإِحْيَاءِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ صِلَةً مَحْضَةً فَجَازَ أَنْ يَقِفَ وُجُوبُهَا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَبِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ ؛ لِأَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْأَعْوَاضِ فَمِنْ حَيْثُ هِيَ صِلَةٌ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَرِضًا وَمِنْ حَيْثُ هِيَ عِوَضٌ تَجِبُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ غَائِبًا وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَأْمُرُ أَحَدًا بِالنَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ إلَّا الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ وَأَوْلَادَهُ الْفُقَرَاءَ الصِّغَارَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَالْكِبَارَ الذُّكُورَ الْفُقَرَاءَ الْعَجَزَةَ عَنْ الْكَسْبِ وَالْإِنَاثَ الْفَقِيرَاتِ وَالزَّوْجَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى مَالِهِ فَيَأْخُذَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا وَلَهُمْ ذَلِكَ ؛ فَكَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِغَيْرِهِمْ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ قَضَاءً بَلْ يَكُونُ إعَانَةً ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَكَانَ النَّسَبُ مَعْرُوفًا أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِالنَّفَقَةِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ وَاجِبَةٌ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَكَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ إعَانَةً لَا قَضَاءً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّسَبِ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَالُهُ وَدِيعَةً عِنْدَ إنْسَانٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا أَمَرَهُمْ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ دَفَعَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ الْمَدْيُونُ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي يَضْمَنُ ، وَإِذَا وَقَعَ بِإِذْنِهِ لَا يَضْمَنُ
وَاسْتَوْثَقَ الْقَاضِي مِنْهُمْ كَفِيلًا إنْ شَاءَ وَكَذَا لَا يَأْمُرُ الْجَدَّ وَوَلَدَ الْوَلَدِ حَالَ وُجُودِ الْأَبِ وَالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَ وُجُودِهِمَا بِمَنْزِلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَيَأْمُرُهُمَا حَالَ عَدَمِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ وَوَلَدَ الْوَلَدِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلَدِ حَالَ عَدَمِهِ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ الْمَدْيُونُ مُنْكِرًا فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لَمْ يَلْتَفِتْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ ثُمَّ حَضَرَ الِابْنُ فَقَالَ لِلْأَبِ : كُنْت مُوسِرًا ، وَقَالَ الْأَبُ : كُنْت مُعْسِرًا يُنْظَرُ إلَى حَالِ الْأَبِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ حَالِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالتَّغَيُّرُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحَكَّمُ الْحَالُ وَصَارَ هَذَا كَالْآجِرِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ أَنَّهُ يُحَكَّمُ الْحَالُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا .
فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَهُوَ الْغِنَى .
هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَالْقَاضِي لَا يَبِيعُ عَلَى الْغَائِبِ الْعَقَارَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ بِالْإِنْفَاقِ وَكَذَا الْأَبُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا فَلْيَبِعْ الْعَقَارَ .
وَأَمَّا الْعُرُوض فَهَلْ يَبِيعُهَا الْقَاضِي ؟ فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَهَلْ يَبِيعُهَا الْأَبُ ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَبِيعُ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَبِيعُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَبِيعُ مَالَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَذَا الْأَوْلَادُ لَا يَبِيعُونَ مَالَ الْأَبَوَيْنِ .
( وَجْهٌ ) قَوْلِهِمَا - وَهُوَ الْقِيَاسُ - أَنَّهُ لَا
وِلَايَةَ لِلْأَبِ عَلَى الْوَلَدِ الْكَبِيرِ فَكَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ سَوَاءً ؛ وَلِهَذَا لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ وَكَذَا الْعُرُوض وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ نَظَرًا لِلْوَلَدِ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَكَانَ بَيْعُهَا مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَالْأَبُ يَمْلِكُ النَّظَرَ لِوَلَدِهِ بِحِفْظِ مَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى حِفْظِهِ بِالْبَيْعِ فَيَبْقَى بَيْعُهُ تَصَرُّفًا عَلَى الْوَلَدِ الْكَبِيرِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ أَضَافَ مَالَ الْوَلَدِ إلَى الْوَالِدِ وَسَمَّاهُ كَسْبًا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ فِي وِلَايَةِ بَيْعِ عَرَضِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ النَّفَقَةِ فَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَاجَةِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَكُلُّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهُ الْمَأْكَلُ وَالْمَشْرَبُ وَالْمَلْبَسُ وَالسُّكْنَى وَالرَّضَاعُ إنْ كَانَ رَضِيعًا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِلْكِفَايَةِ وَالْكِفَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ تُفْرَضُ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا فَهَذِهِ النَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا سَوَاءٌ فَرَضَهَا الْقَاضِي أَوْ لَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي حَتَّى لَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لِلْقَرِيبِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ يَأْخُذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهَا بَلْ تَسْقُطُ وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا مَضَى مِنْ النَّفَقَةِ فِي مُدَّةِ الْفَرْضِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَتَيْنِ فِي أَشْيَاءَ : مِنْهَا مَا وَصَفْنَاهُ آنِفًا أَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا أَصْلًا وَرَأْسًا ، وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُعْسِرِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ أَوْ كِسْوَتُهُنَّ تَجِبُ لِلْمُعْسِرَةِ وَالْمُوسِرَةِ وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْفَرْضِ تَجِبُ نَفَقَةٌ أُخْرَى وَكِسْوَةٌ أُخْرَى وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لَا تَجِبُ .
وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ إذَا تَعَيَّبَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا تَجِبُ أُخْرَى وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ تَجِبُ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي فَصْلِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ نَفَقَةَ مُدَّةٍ فِي الْأَقَارِبِ فَمَاتَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ خِلَافٌ مُحَمَّدٌ وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ .
وَأَمَّا الْأَبُ فَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا وَلَا يُحْبَسُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْأَبِ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَبْسِ إيذَاؤُهُ إلَّا أَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ ضَرُورَةُ دَفْعِ
الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ فَكَانَ هُوَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَالْقَاصِدِ إهْلَاكَهُ فَدُفِعَ قَصْدُهُ بِالْحَبْسِ وَيَحْمِلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْأَذَى لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّ هَهُنَا ضَرُورَةً أُخْرَى وَهِيَ ضَرُورَةُ اسْتِدْرَاكِ هَذَا الْحَقِّ أَعْنِي : النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْأَدَاءِ فَيَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ ، وَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ يَفُوتُ حَقُّهُ رَأْسًا فَشُرِعَ الْحَبْسُ فِي حَقِّهِ لِضَرُورَةِ اسْتِدْرَاكِ الْحَقِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَوَاتِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ النَّفَقَةِ يُضَرُّ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبَ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ الْمُسْقِطِ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَالْمُسْقِطُ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ هُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَلَا اسْتِدَانَةٍ حَتَّى لَوْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ شَهْرٍ لِلْقَرِيبِ فَلَمْ يَقْبِضْ وَلَا اسْتَدَانَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ - سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ تَجِبُ صِلَةً مَحْضَةً فَلَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُهَا إلَّا بِالْقَبْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا نَفَقَةُ الرَّقِيقِ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوَاضِعَ : فِي بَيَانِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ ، وَفِي بَيَانِ سَبَبِ وُجُوبِهَا ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ الْوُجُوبِ ، وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَوُجُوبُهَا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إلَى الْمَمَالِيكِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ إحْسَانٌ بِهِمْ فَكَانَ وَاجِبًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِالْإِحْسَانِ إلَى الْمَمَالِيكِ أَمْرًا بِتَوْسِيعِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَتْرُكُ أَصْلَ النَّفَقَةِ عَلَى مَمْلُوكِهِ إشْفَاقًا عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ يُقَتِّرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا فِي يَدِهِ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّادَاتِ بِتَوْسِيعِ النَّفَقَةِ عَلَى مَمَالِيكِهِمْ شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ جَعَلَ مَنْ هُوَ مِنْ جَوْهَرِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ فِي الْخِلْقَةِ خَدَمًا وَخَوَلًا أَذِلَّاءَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ يَسْتَخْدِمُونَهُمْ وَيَسْتَعْمِلُونَهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوصِي بِالْمَمْلُوكِ خَيْرًا وَيَقُولُ { أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } } وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ { الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَقْبِضُ بِهَا لِسَانَهُ } وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ وَاجِبَةٌ ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى
شَيْءٍ فَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ نَفَقَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ ؛ لَهَلَكَ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِهَا فَالْمِلْكُ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِالْمَمْلُوكِ انْتِفَاعًا وَتَصَرُّفًا وَهُوَ نَفْسُ الْمِلْكِ فَإِذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لِلْمَالِكِ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ ؛ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَعَلَى هَذَا يُبْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً ؛ فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً ؛ فَهُوَ مِلْكُ مَوْلَاهَا فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ بَلْ هُوَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَالْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ هَذَا الْوَلَدِ فَكَيْفَ تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْغَيْرِ لِمِلْكِ الْغَيْرِ ؟ وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمَمْلُوكِ بِأَنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَةَ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ مَمْلُوكِ غَيْرِهِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بَطَلَتْ النَّفَقَةُ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمِلْكُ ثُمَّ إنْ كَانَ بَالِغًا صَحِيحًا فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ زَمِنًا ؛ قَالُوا : إنَّ نَفَقَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٌّ عَاجِزٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَرِيبٌ وَبَيْتُ الْمَالِ مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ ، وَكَذَا اللَّقِيطُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا ، وَقَالُوا فِي الصَّغِيرِ فِي يَدِ رَجُلٍ : قَالَ لِرَجُلٍ : هَذَا عَبْدُك أَوْدَعْتَنِيهِ فَجَحَدَ قَالَ مُحَمَّدٌ : أَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَوْدَعْته فَإِنْ حَلَفَ قَضَيْت بِنَفَقَتِهِ عَلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرِقِّهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ وَقَدْ رَدَّ الْغَيْرُ إقْرَارَهُ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ أَسْتَحْلِفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَبِيرًا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَانَ دَعْوَاهُ هَدَرًا فَيَقِفُ الْأَمْرُ عَلَى دَعْوَى الْكَبِيرِ فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى
عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ ؛ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا وَقَالُوا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَيَانِ : إنَّ نَفَقَةَ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْوَلَدِ إذَا كَبِرَ نَفَقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبٌ كَامِلٌ فِي حَقِّهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِهَا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ مَمْلُوكَ الْمَنَافِعِ وَالْمَكَاسِبِ لِلْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ عَبْدِهِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهُمْ مِلْكُ الْمَوْلَى ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ مُكَاتَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكِ الْمَكَاسِبِ لِمَوْلَاهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَانَ فِي مَكَاسِبِهِ كَالْحُرِّ ؛ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ كَالْحُرِّ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا : حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ - نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ لَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذَّاتِ وَالْمَنْفَعَةِ لَهُ ، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ لِمَا قُلْنَا ، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فِي زَمَنِ الْعَارِيَّةِ لَهُ ؛ إذْ الْإِعَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ ، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْغَصْبِ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ - عَلَى بَعْضِ طُرُقِ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رَدَّ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الرَّدِّ وَالنَّفَقَةُ مِنْ ضَرُورَاتِ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِاسْتِبْقَائِهِ وَلَا يَبْقَى عَادَةً إلَّا بِالنَّفَقَةِ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ مُؤْنَاتِ الرَّدِّ لِكَوْنِهَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَكَانَتْ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ) : وَأَمَّا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْهَا فَمِقْدَارُ الْكِفَايَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِلْكِفَايَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وُجُوبِهَا فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ إذَا خَاصَمَ مَوْلَاهُ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى يَنْظُرُ الْقَاضِي فَكُلُّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ يُؤَاجِرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ أَوْ يَبِيعُهُ إنْ كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالْقِنِّ ، وَرَأْيُ الْبَيْعِ أَصْلَحُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلْإِجَارَةِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ جَارِيَةً وَلَا مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يُجْبِرُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ ، وَتَرْكُهُ جَائِعًا تَضْيِيعٌ إلَى آدَمِيٍّ فَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
( وَأَمَّا ) نَفَقَةُ الْبَهَائِمِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّهُ يُفْتَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ جَائِعًا تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَتَضْيِيعَ الْمَالِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِأَنَّهُ سَفَهٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ وَالسَّفَهُ حَرَامٌ عَقْلًا ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ ، وَلَا خَصْمَ ؛ فَلَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ .
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْجَمَادَاتِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا ، وَلَا يُفْتَى أَيْضًا بِالْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ تَضْيِيعَ الْمَالِ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
( كِتَابُ الْحَضَانَةِ ) : الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ : فِي تَفْسِيرِ الْحَضَانَةِ وَفِي بَيَانِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ ، وَفِي بَيَانِ مُدَّةِ الْحَضَانَةِ ، وَفِي بَيَانِ مَكَانِ الْحَضَانَةِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالْحَضَانَةُ فِي اللُّغَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا جَعْلُ الشَّيْءِ فِي نَاحِيَةٍ يُقَالُ : حَضَنَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ أَيْ اعْتَزَلَهُ فَجَعَلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ ، وَالثَّانِي : الضَّمُّ إلَى الْجَنْبِ يُقَالُ : حَضَنْته وَاحْتَضَنْته إذَا ضَمَمْته إلَى جَنْبِك ، وَالْحَضْنُ الْجَنْبُ فَحَضَانَةُ الْأُمِّ وَلَدَهَا هِيَ ضَمُّهَا إيَّاهُ إلَى جَنْبِهَا وَاعْتِزَالُهَا إيَّاهُ مِنْ أَبِيهِ لِيَكُونَ عِنْدَهَا فَتَقُومَ بِحِفْظِهِ وَإِمْسَاكِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِهِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ فَتُجْبَرَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ كَانَتْ شَرِيفَةً لَمْ تُجْبَرْ وَإِنْ كَانَتْ دَنِيَّةً تُجْبَرْ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } قِيلَ : فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ أَيْ : لَا تُضَارَّ بِإِلْزَامِ الْإِرْضَاعِ مَعَ كَرَاهَتِهَا وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } جَعَلَ تَعَالَى أَجْرَ الرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ لَا عَلَى الْأُمِّ مَعَ وُجُودِهَا ؛ فَدَلَّ أَنَّ الرَّضَاعَ لَيْسَ عَلَى الْأُمِّ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أَيْ : رِزْقُ الْوَالِدَاتِ الْمُرْضِعَاتِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُطَلَّقَاتُ ؛ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا إرْضَاعَ عَلَى الْأُمِّ حَيْثُ أَوْجَبَ بَدَلَ الْإِرْضَاعِ عَلَى الْأَبِ مَعَ وُجُودِ الْأُمِّ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْكُوحَاتُ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ - إيجَابَ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِلْأُمِّ الْمُرْضِعَةِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ ، وَإِلَّا فَالنَّفَقَةُ تَسْتَحِقُّهَا الْمَنْكُوحَةُ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ إنْفَاقٌ عَلَى الْوَلَدِ وَنَفَقَةُ
الْوَلَدِ يَخْتَصُّ بِهَا الْوَالِدُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمُّ كَنَفَقَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ .
فَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَتُهُ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ ؛ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا قَبْلَهُ ، وَهُوَ إرْضَاعُهُ وَهَذَا فِي الْحُكْمِ .
وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَتُفْتَى بِأَنَّهَا تُرْضِعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } قِيلَ فِي بَعْضِ تَأْوِيلَاتِ الْآيَةِ : أَيْ لَا تُضَارَّ بِوَلَدِهَا بِأَنْ تَرْمِيَهُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَا عَرَفَهَا وَأَلِفَهَا وَلَا تُرْضِعَهُ فَيَتَضَرَّرَ الْوَلَدُ وَمَتَى تَضَرَّرَ الْوَلَدُ تَضَرَّرَ الْوَالِدُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ قَلْبُهُ بِذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } أَيْ : لَا يُضَارَّ الْمَوْلُودُ لَهُ بِسَبَبِ الْإِضْرَارِ بِوَلَدِهِ كَذَا قِيلَ : فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ سَكَنٍ وَازْدِوَاجٍ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى مَصَالِحِ النِّكَاحِ وَمِنْهَا إرْضَاعُ الْوَلَدِ فَيُفْتَى بِهِ وَلَكِنَّهَا إنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ ؛ لِمَا قُلْنَا ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ ؛ إذْ لَوْ لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ الْوَلَدُ ، وَلَوْ الْتَمَسَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ مُرْضِعًا فَأَرَادَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ بِنَفْسِهَا فَهِيَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي انْتِزَاعِ الْوَلَدِ مِنْهَا إضْرَارًا بِهَا وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } قِيلَ فِي بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ : أَيْ لَا يُضَارَّهَا زَوْجُهَا بِانْتِزَاعِ الْوَلَدِ مِنْهَا وَهِيَ تُرِيدُ إمْسَاكَهُ وَإِرْضَاعَهُ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ فِي الْفَتْوَى وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَحَقٍّ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِشْوَةً وَلِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ النِّكَاحِ وَأُجْرَةَ الرَّضَاعِ ، وَأُجْرَةُ
الرَّضَاعِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَتَيْنِ وَلِأَنَّ أَجْرَ الرَّضَاعِ يَجِبُ لِحِفْظِ الصَّبِيِّ وَغُسْلِهِ وَهُوَ مِنْ نَظَافَةِ الْبَيْتِ ، وَمَنْفَعَةُ الْبَيْتِ تَحْصُلُ لِلزَّوْجَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا وَكَذَا لَيْسَ فِي حِفْظِهِ مَنْفَعَةٌ تَعُودُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ : لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْأُجْرَةُ كَمَا لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجَةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْإِبَانَةِ فَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَالْتَمَسَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ وَقَالَ الْأَبُ : أَنَا أَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } وَلِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْأَبِ بِمَا تَلْتَمِسُهُ الْأُمُّ إضْرَارًا بِالْأَبِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } أَيْ : لَا يُضَارَّ الْأَبُ بِالْتِزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَلْتَمِسُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ وَلَكِنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْأُمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ فَالْحَضَانَةُ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ فِي وَقْتٍ وَتَكُونُ لِلرِّجَالِ فِي وَقْتٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا النِّسَاءُ ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ وَأَهْدَى إلَى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ ثُمَّ تُصْرَفُ إلَى الرِّجَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى الْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَإِقَامَةِ مَصَالِحِ الصِّغَارِ أَقْدَرُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَرْطِ الْحَضَانَتَيْنِ وَوَقْتِهِمَا أَمَّا الَّتِي لِلنِّسَاءِ فَمِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصِّغَارِ فَلَا حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْعَمِّ وَبَنَاتِ الْخَالِ وَبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَبَنَاتِ الْخَالَةِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَضَانَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ ، وَالرَّحِمُ الْمَحْرَمُ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِالشَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فِيهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَأَحَقُّ النِّسَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِالْحَضَانَةِ الْأُمُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقْرَبَ مِنْهَا ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّتَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَتَا فِي الْقُرْبِ لَكِنْ إحْدَاهُمَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْلَى .
وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكُلُّ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أَشْفَقَ ثُمَّ الْأَخَوَاتُ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَادًا فَكَانَتْ أَدْخَلَ فِي الْوِلَايَةِ وَكَذَا هِيَ أَشْفَقُ ، وَأَوْلَى الْأَخَوَاتِ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ وَأُمٍّ تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ فَتُرَجَّحُ عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ وَتُرَجَّحُ الْأُخْتُ لِأُمٍّ ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ مَعَ الْخَالَةِ أَيَّتُهُمَا أَوْلَى ؟ رُوِيَ عَنْهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ .
وَرُوِيَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَوْلَى ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى
مَا رُوِيَ أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ لَمَّا رَأَتْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَسَّكَتْ بِهِ وَقَالَتْ : ابْنَ عَمِّي فَأَخَذَهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ : بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي وَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِنْتُ أَخِي آخَيْت بَيْنِي وَبَيْنَ حَمْزَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لِخَالَتِهَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَالَةُ وَالِدَةٌ } فَقَدْ سَمَّى الْخَالَةَ وَالِدَةً فَكَانَتْ أَوْلَى وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ بِنْتُ الْأَبِ وَالْخَالَةَ بِنْتُ الْجَدِّ فَكَانَتْ الْأُخْتُ أَقْرَبَ فَكَانَتْ أَوْلَى وَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا بِنْتُ الْأُخْتِ لِأُمٍّ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ ، وَكَذَا بِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأَبِ ، وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ فَكَانَتْ أَوْلَى .
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَالَةَ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ عَلَى أُمِّهَا وَهِيَ الْأُخْتُ لِأَبٍ فَلَأَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى بِنْتِهَا - وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ أُمِّهَا - أَوْلَى ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ الْأَخَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ ، وَالْأُخْتُ لَهَا حَقٌّ فِيهَا فَكَانَ وَلَدُ الْأُخْتِ أَوْلَى وَالْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ تُدْلِي بِقَرَابَةِ الذَّكَرِ وَالْخَالَةُ تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ؛ فَكَانَتْ الْخَالَةُ أَوْلَى ، وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَعْنِي : بِنْتَ الْأَخِ وَالْعَمَّةَ تُدْلِي بِذَكَرٍ لَكِنَّ بِنْتَ الْأَخِ أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ الْأَبِ وَالْعَمَّةُ وَلَدُ الْجَدِّ فَكَانَتْ بِنْتُ الْأَخِ أَقْرَبَ فَكَانَتْ أَوْلَى
ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَإِنْ تَسَاوَيْنَ فِي الْقُرْبِ ؛ لِأَنَّ الْخَالَاتِ يُدْلِينَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكُنَّ أَشْفَقَ ، وَأَوْلَى الْخَالَاتِ الْخَالَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ ثُمَّ الْخَالَةُ لِأُمٍّ لِإِدْلَائِهَا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمَّاتُ ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ : الْخَالَةُ أَوْلَى ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَالَةُ وَالِدَةٌ } وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَهَا أَوْلَادٌ وَالْوِلَايَةُ فِي الْأَصْلِ مُسْتَفَادَةٌ بِالْوِلَادِ ، وَأَوْلَى الْعَمَّاتِ الْعَمَّةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ ثُمَّ الْعَمَّةُ لِأُمٍّ لِاتِّصَالِهَا بِجِهَةِ الْأُمِّ ثُمَّ الْعَمَّةُ لِأَبٍ .
وَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ لِعَدَمِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَتْ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَيَزْعُمُ أَبُوهُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ مَا لَمْ تَنْكِحِي } .
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ : طَلَّقَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمَّ ابْنِهِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَقِيَهَا وَمَعَهَا الصَّبِيُّ فَنَازَعَهَا وَارْتَفَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأُمِّهِ مَا لَمْ يَشِبَّ أَوْ تَتَزَوَّجْ وَقَالَ : إنَّ رِيحَهَا وَفِرَاشَهَا
خَيْرٌ لَهُ حَتَّى يَشِبَّ أَوْ تَتَزَوَّجَ ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ وَالْمَذَلَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْغَضُهُ لِغَيْرَتِهِ وَيَنْظُرُ إلَيْهِ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّبِيِّ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ كَالْجَدَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِجَدِّ الصَّبِيِّ أَوْ الْأُمِّ تَزَوَّجَتْ بِعَمِّ الصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الشَّفَقَةِ ، وَلَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ أَبَانَهَا عَادَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْمَنْعُ وَيَعُودُ حَقُّهَا وَتَكُونُ هِيَ أَوْلَى مِمَّنْ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهَا كَمَا كَانَتْ ، وَمِنْهَا : عَدَمُ رِدَّتِهَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ بَطَلَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الصَّبِيُّ ، وَلَوْ تَابَتْ وَأَسْلَمَتْ يَعُودُ حَقُّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ النِّسَاءِ إذَا اجْتَمَعْنَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ ؟ قَالَ : يَضَعُهُ الْقَاضِي حَيْثُ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فَصَارَ كَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً فَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي حَضَانَةِ الْوَلَدِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ وَهُمَا لَيْسَتَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَأَمَّا إذَا أُعْتِقَتَا فَهُمَا فِي الْحَضَانَةِ كَالْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَتَا الْوِلَايَةَ بِالْعِتْقِ ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي هَذِهِ الْحَضَانَةِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ ، وَكَذَا اتِّحَادُ الدِّينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ كِتَابِيَّةً وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ ؛ كَانَتْ فِي الْحَضَانَةِ كَالْمُسْلِمَةِ كَذَا ذُكِرَ
فِي الْأَصْلِ لِمَا قُلْنَا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ يَقُولُ : إنَّهَا أَحَقُّ بِالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَعْقِلَا فَإِذَا عَقَلَا ؛ سَقَطَ حَقُّهَا ؛ لِأَنَّهَا تُعَوِّدُهُمَا أَخْلَاقَ الْكَفَرَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا وَقْتُ الْحَضَانَةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُنَّ فَيَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ كَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ يُرِيدُ بِهِ الِاسْتِنْجَاءَ أَيْ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ وَلَمْ يُقَدِّرْ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرًا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ كَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَحَكَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَوْ تَشْتَهِيَ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَتَوَقَّتَ الْحَضَانَةُ بِالْبُلُوغِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهَا ضَرْبُ وِلَايَةٍ وَلِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِلْأُمِّ فَلَا تَنْتَهِي إلَّا بِالْبُلُوغِ كَوِلَايَةِ الْأَبِ فِي الْمَالِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْغُلَامِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ مَا لَمْ يَشِبَّ عَاصِمٌ أَوْ تَتَزَوَّجْ أُمُّهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْغُلَامِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي الْجَارِيَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ؛ وَلِأَنَّ الْغُلَامَ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَتَحْصِيلِ أَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَاكْتِسَابِ أَسْبَابِ الْعُلُومِ وَالْأَبُ عَلَى ذَلِكَ أَقْوَمُ وَأَقْدَرُ مَعَ مَا أَنَّهُ لَوْ تُرِكَ فِي يَدِهَا لَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ وَتَعَوَّدَ بِشَمَائِلِهِنَّ وَفِيهِ ضَرَرٌ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْجَارِيَةِ فَتُتْرَكُ فِي يَدِ الْأُمِّ بَلْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى التَّرْكِ فِي يَدِهَا إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ لِحَاجَتِهَا إلَى تَعَلُّمِ آدَابِ
النِّسَاءِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِنَّ وَخِدْمَةِ الْبَيْتِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا وَأَنْ تَكُونَ عِنْدَ الْأُمِّ ثُمَّ بَعْدَ مَا حَاضَتْ أَوْ بَلَغَتْ عِنْدَ الْأُمِّ حَدَّ الشَّهْوَةِ ؛ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى حِمَايَتِهَا وَصِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا عَمَّنْ يَطْمَعُ فِيهَا لِكَوْنِهَا لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يَذُبُّ عَنْهَا وَالرِّجَالُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ .
وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ عِنْدَهُنَّ فَالْحُكْمُ فِي الْجَارِيَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْغُلَامِ وَهُوَ أَنَّهَا تُتْرَكُ فِي أَيْدِيهِنَّ إلَى أَنْ تَأْكُلَ وَحْدَهَا وَتَشْرَبَ وَحْدَهَا وَتَلْبَسَ وَحْدَهَا ثُمَّ تُسَلَّمَ إلَى الْأَبِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ إلَى تَعَلُّمِ آدَابِ النِّسَاءِ لَكِنْ فِي تَأْدِيبِهَا اسْتِخْدَامُهَا وَوِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ لِغَيْرِ الْأُمَّهَاتِ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ فَتُسَلِّمُهَا إلَى الْأَبِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ .
وَأَمَّا الَّتِي لِلرِّجَالِ فَأَمَّا وَقْتُهَا فَمَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ فِي الْغُلَامِ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ الْحَيْضِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ عِنْدَ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَا عِنْدَ غَيْرِهِنَّ فَمَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَإِنَّمَا تَوَقَّتَ هَذَا الْحَقُّ إلَى وَقْتِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الرِّجَالِ عَلَى الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ تَزُولُ بِالْبُلُوغِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ غَيْرَ أَنَّ الْغُلَامَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ كَيْ لَا يَكْتَسِبَ شَيْئًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَأَمَّا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا وَاجْتَمَعَ رَأْيُهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْأَبِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ ؛ فَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِي إمْسَاكِهِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ مَالِهِ فَيُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَيَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَالْجَارِيَةُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى نَفْسِهَا لَا يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَيَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا ؛ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَيُخَلِّي سَبِيلَهَا وَتُتْرَكُ حَيْثُ أَحَبَّتْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَا يُخَلِّي سَبِيلَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَطْمَعٌ لِكُلِّ طَامِعٍ وَلَمْ تَخْتَبِرْ الرِّجَالَ فَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْخِدَاعُ .
وَأَمَّا شَرْطُهَا فَمِنْ شَرَائِطِهَا الْعُصُوبَةِ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا لِلْعَصَبَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَيَتَقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ ، إنْ كَانَ الصَّبِيُّ غُلَامًا وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ عَصَبَةٌ وَأَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ لِأَبٍ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ لِأَبٍ ، وَلَوْ كَانَ لَهَا ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ كُلُّهُمْ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَعْمَامٍ كُلُّهُمْ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ فَأَفْضَلُهُمْ صَلَاحًا وَوَرَعًا أَوْلَى فَإِنْ كَانُوا فِي ذَلِكَ سَوَاءً ؛ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِيَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا غَيْرُ ابْنِ الْعَمِّ اخْتَارَ لَهَا الْقَاضِي أَفْضَلَ الْمَوَاضِعِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَيْهِ فَيُرَاعِي الْأَصْلَحَ فَإِنْ رَآهُ أَصْلَحَ ؛ ضَمَّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَيَضَعْهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَمِينَةٍ وَكُلُّ ذَكَرٍ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ مِثْلُ الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ لِانْعِدَامِ الْعُصُوبَةِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ كَانَ لِلْجَارِيَةِ ابْنُ عَمٍّ وَخَالٌ وَكِلَاهُمَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي دِينِهِ ؛ جَعَلَهَا الْقَاضِي عِنْدَ الْخَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ وَابْنُ الْعَمِّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَكَانَ الْمَحْرَمُ أَوْلَى وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْخَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَهُوَ أَيْضًا أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَبِ وَالْخَالُ مِنْ أَوْلَادِ الْجَدِّ ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ الصَّبِيَّ
إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَالْعَمُّ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ وَالْأَخُ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْأَخِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ أَشْفَقُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْأُمَّ أَوْلَى مِنْ الْخَالِ وَالْأَخِ لِأُمٍّ ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَادًا وَهِيَ أَشْفَقُ مِمَّنْ لَا وِلَادَ لَهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ .
وَمِنْهَا : إذَا كَانَ الصَّغِيرُ جَارِيَةً أَنْ تَكُونَ عَصَبَتُهَا مِمَّنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْتَمَنُ لِفِسْقِهِ وَلِخِيَانَتِهِ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ ؛ لِأَنَّ فِي كَفَالَتِهِ لَهَا ضَرَرًا عَلَيْهَا وَهَذِهِ وِلَايَةُ نَظَرٍ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الضَّرَرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ غَيْرَ مَأْمُونِينَ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا ؛ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِمْ وَيَنْظُرُ الْقَاضِي امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثِقَةً عَدْلَةٌ أَمِينَةٍ فَيُسَلِّمُهَا إلَيْهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَتُتْرَكَ حَيْثُ شَاءَتْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا .
وَمِنْهَا : اتِّحَادُ الدِّينِ فَلَا حَقَّ لِلْعَصَبِيَّةِ فِي الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى دِينِهِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيَاسُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِلْعَصَبَةِ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّعْصِيبَ وَقَدْ قَالُوا فِي الْأَخَوَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ يَهُودِيًّا وَالصَّبِيُّ يَهُودِيٌّ : إنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَا الْمُسْلِمَ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ إذَا اخْتَلَفَ الْأَبَوَانِ فِيهِمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ إذَا عَقَلَ التَّخْيِيرَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَنْتَزِعَ ابْنَهُ مِنِّي وَإِنَّهُ قَدْ نَفَعَنِي وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ فَقَالَ { اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ : مَنْ يُشَاقُّنِي فِي ابْنِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغُلَامِ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت فَاخْتَارَ أُمَّهُ فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ } وَلِأَنَّ فِي هَذَا نَظَرٌ لِلصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ الْأَشْفَقَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْأُمِّ { أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي وَلَمْ يُخَيِّرْ } وَلِأَنَّ تَخْيِيرَ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِحِكْمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لِغَلَبَةِ هَوَاهُ يَمِيلُ إلَى اللَّذَّةِ الْحَاضِرَةِ مِنْ الْفَرَاغِ وَالْكَسَلِ وَالْهَرَبِ مِنْ الْكُتَّابِ وَتَعَلُّمِ آدَابِ النَّفْسِ وَمَعَالِمِ الدِّينِ فَيَخْتَارُ شَرَّ الْأَبَوَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُهْمِلُهُ وَلَا يُؤَدِّبُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّخْيِيرُ فِي حَقِّ الْبَالِغِ ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ : نَفَعَنِي وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ ، وَمَعْنَى قَوْلِهَا : نَفَعَنِي أَيْ : كَسَبَ عَلَيَّ وَالْبَالِغُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَقَدْ قِيلَ : إنَّ بِئْرَ أَبِي عِنَبَةَ بِالْمَدِينَةِ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرُ الِاسْتِقَاءَ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّخْيِيرُ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ : إنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُخَيَّرُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ قَالَ : غَزَا أَبِي الْبَحْرَيْنِ فَقُتِلَ فَجَاءَ عَمِّي لِيَذْهَبَ بِي فَخَاصَمَتْهُ أُمِّي إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعِي أَخٌ لِي صَغِيرٌ فَخَيَّرَنِي عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ ثَلَاثًا فَاخْتَرْت أُمِّي فَأَبَى عَمِّي أَنْ يَرْضَى فَوَكَزَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِيَدِهِ وَضَرَبَهُ بِدِرَّتِهِ وَقَالَ : لَوْ بَلَغَ هَذَا الصَّبِيُّ أَيْضًا خُيِّرَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا بَيَانُ مَكَانِ الْحَضَانَةِ فَمَكَانُ الْحَضَانَةِ مَكَانُ الزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةً حَتَّى لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنْ النِّسَاءِ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْ يَدِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهَا فَضْلًا عَنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْبَلَدِ وَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْمُقَامَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الْوَلَدِ وَبِدُونِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ إخْرَاجُهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى بَلَدٍ فَهَذَا عَلَى أَقْسَامٍ : إنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى بَلَدِهَا وَقَدْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِيهِ ؛ فَلَهَا ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَزَوَّجَ كُوفِيَّةً بِالْكُوفَةِ ثُمَّ نَقَلَهَا إلَى الشَّامِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَأَرَادَتْ أَنْ تَنْقُلَ أَوْلَادَهَا إلَى الْكُوفَةِ فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِ الرِّضَا وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي بَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي بَلَدِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهِ وَالْوَلَدُ مِنْ ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ فَكَانَ رَاضِيًا بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ رَاضِيًا بِالتَّفْرِيقِ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ مَا دَامَ قَائِمًا يَلْزَمُهَا اتِّبَاعُ الزَّوْجِ فَإِذَا زَالَ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ وَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا لَمْ
يَكُنْ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ بِوَلَدِهَا إلَى بَلَدِهَا بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً كُوفِيَّةً بِالشَّامِ فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فَأَرَادَتْ أَنْ تَنْقُلَ وَلَدَهَا إلَى الْكُوفَةِ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقَعْ النِّكَاحُ فِي بَلَدِهَا لَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالْمُقَامِ فِي بَلَدِهَا فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِضَرَرِ التَّفْرِيقِ ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَنْقُلَ الْوَلَدَ إلَى بَلَدٍ لَيْسَ ذَلِكَ بِبَلَدِهَا وَلَكِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِيهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ كُوفِيَّةً بِالشَّامِ فَنَقَلهَا إلَى الْبَصْرَةِ فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَنْتَقِلَ بِأَوْلَادِهَا إلَى الشَّامِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَلَدَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّكَاحُ لَيْسَ بِبَلَدِهَا وَلَا بَلَدِ الزَّوْجِ بَلْ هُوَ دَارُ غُرْبَةٍ لَهَا كَالْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الزَّوْجُ فَلَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ فِيهِ دَلِيلَ الرِّضَا بِالْمُقَامِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مِنْ ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِضَرَرِ التَّفْرِيقِ فَاعْتَبَرَ فِي الْأَصْلِ شَرْطَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَنْقُلَ إلَيْهِ الْوَلَدَ بَلَدَهَا ، وَالثَّانِي : وُقُوعُ النِّكَاحِ فِيهِ فَمَا لَمْ يُوجَدَا لَا يَثْبُتُ لَهَا وِلَايَةُ النَّقْلِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَاعْتَبَرَ مَكَانَ الْعَقْدِ فَقَطْ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ : وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَيْنَ وَقَعَتْ ؟ وَهَكَذَا اعْتَبَرَ الطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا وَإِنْ أَجْمَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ فَقَدْ فَصَّلَهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفْنَا وَالْمُجْمَلُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُفَسَّرُ بَيَانًا لِلْمُجْمَلِ كَالنَّصِّ الْمُجْمَلِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذَا لَحِقَ بِهِ التَّفْسِيرُ
أَنَّهُ يَصِيرُ مُفَسَّرًا مِنْ الْأَصْلِ كَذَا هَذَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ بَعِيدَةً ، فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْأَبُ أَنْ يَزُورَ وَلَدَهُ وَيَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْأَبَ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِالنَّقْلِ بِمَنْزِلَةِ النَّقْلِ إلَى أَطْرَافِ الْبَلَدِ .
وَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ فَالْحُكْمُ فِي السَّوَادِ كَالْحُكْمِ فِي الْمِصْرِ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ .
وَبَيَانُهُ : أَنَّ النِّكَاحَ إذَا وَقَعَ فِي الرُّسْتَاقِ فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْقُلَ الصَّبِيَّ إلَى قَرْيَتِهَا فَإِنْ كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ وَقَعَ فِيهَا ؛ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا فِي الْمِصْرِ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي غَيْرِهَا فَلَيْسَ لَهَا نَقْلُهُ إلَى قَرْيَتِهَا وَلَا إلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا النِّكَاحُ إذَا كَانَتْ بَعِيدَةً لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً - عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا - ؛ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا فِي الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُتَوَطِّنًا فِي الْمِصْرِ فَأَرَادَتْ نَقْلَ الْوَلَدِ إلَى الْقَرْيَةِ فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِيهَا وَهِيَ قَرْيَتُهَا فَلَهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً عَنْ الْمِصْرِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِصْرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ قَرْيَتَهَا فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَتَهُ وَوَقَعَ فِيهَا أَصْلُ النِّكَاحِ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا فِي الْمِصْرِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ النِّكَاحُ فِيهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْمِصْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَخْلَاقَ أَهْلِ السَّوَادِ لَا تَكُونُ مِثْلَ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ بَلْ تَكُونُ أَجْفَى فَيَتَخَلَّقُ الصَّبِيُّ بِأَخْلَاقِهِمْ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَبِ دَلِيلُ الرِّضَا بِهَذَا الضَّرَرِ ؛ إذْ لَمْ يَقَعْ أَصْلُ النِّكَاحِ فِي الْقَرْيَةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُلَ وَلَدَهَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا هُنَاكَ وَكَانَتْ حَرْبِيَّةً بَعْدَ أَنْ
يَكُونَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ الْكَفَرَةِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا حَرْبِيَّيْنِ فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ تَبَعٌ لَهُمَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ .
( كِتَابُ الْإِعْتَاقِ ) : الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ : فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْإِعْتَاقِ وَفِي بَيَانِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْإِعْتَاقِ ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَظْهَرُ بِهِ الْإِعْتَاقُ أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالْإِعْتَاقُ فِي الْقِسْمَةِ الْأُولَى يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : وَاجِبٌ ، وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَمُبَاحٌ ، وَمَحْظُورٌ أَمَّا الْوَاجِبُ : فَالْإِعْتَاقُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ إلَّا أَنَّهُ فِي بَابِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَفِي الْيَمِينِ وَاجِبٌ عَلَى التَّخْيِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَإِنَّهُ أَمْرٌ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَضَرْبَ الرِّقَابِ } وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } وقَوْله تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ { أَعْتِقْ رَقَبَةً } .
وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ : فَهُوَ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ { أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقْ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } وَعَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيُّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّائِفِ فَسَمِعْته يَقُولُ { مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ بِهِ وِقَاءُ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِ مُحَرَّرِهِ مِنْ النَّارِ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَ بِهَا وِقَاءُ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِ مُحَرَّرَتِهَا مِنْ النَّارِ } وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ : أَوَ لَيْسَا وَاحِدًا ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا ، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي إفْكَاكِهَا } وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا .
وَأَمَّا الْمُبَاحُ : فَهُوَ الْإِعْتَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ فِيهِ وَهِيَ تَخْيِيرُ الْعَاقِلِ بَيْنَ تَحْصِيلِ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ شَرْعًا وَأَمَّا الْمَحْظُورُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ وَيَقَعُ الْعِتْقُ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ وَشَرْطِهِ ، وَقَوْلُهُ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ لِبَيَانِ الْغَرَضِ وَنُقَسِّمُهُ أَيْضًا أَقْسَامًا أُخَرَ نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا رُكْنُ الْإِعْتَاقِ فَهُوَ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْعِتْقِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْعِتْقُ فِي الْجُمْلَةِ إمَّا مَعَ النِّيَّةِ أَوْ بِدُونِ النِّيَّةِ وَإِلَى بَيَانِ مَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ مِنْ الْأَلْفَاظِ رَأْسًا أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْعِتْقُ فِي الْجُمْلَةِ فَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : صَرِيحٌ ، وَمُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ ، وَكِنَايَةٌ أَمَّا الصَّرِيحُ : فَهُوَ اللَّفْظُ الْمُشْتَقُّ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الْوَلَاءِ نَحْوُ قَوْلِهِ : أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ أَنْتَ مَوْلَايَ ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى مَكْشُوفُ الْمُرَادِ عِنْدَ السَّامِعِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، أَمَّا لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْعِتْقِ فَكَانَ ظَاهِرَ الْمُرَادِ عِنْدَ السَّامِعِ فَكَانَ صَرِيحًا فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَصَرِيحِ الطَّلَاقِ ؛ إذْ النِّيَّةُ لِتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلِ .
وَأَمَّا لَفْظُ الْوَلَاءِ فَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الْأَصْلِ لِوُقُوعِهِ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الْحُدُودِ وَالْحَقَائِقِ بِمَنْزِلَةِ اسْمِ الْعَيْنِ وَالْقُرْءِ وَغَيْرِهِمَا ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى النَّاصِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } وَيَقَعُ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَبَرًا عَنْ نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي } وَيَقَعُ عَلَى الْمُعْتِقِ وَالْمُعْتَقِ لَكِنْ هَهُنَا لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى النَّاصِرِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِعَبْدِهِ وَلَا ابْنَ الْعَمِّ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَلَا الْمُعْتَقِ إذْ الْعَبْدُ لَا يُعْتِقُ مَوْلَاهُ فَتَعَيَّنَ الْمُعْتِقُ
مُرَادًا بِهِ ، وَاللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ يَتَعَيَّنُ بَعْضَ الْوُجُوهِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ مُرَادُهُ بِدَلِيلٍ مُعَيَّنٍ فَكَانَ صَرِيحًا فِي الْعِتْقِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِصِيغَةِ النِّدَاءِ بِأَنْ قَالَ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهُ نَادَاهُ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِتْقِ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لِلْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى بِالْمَوْضُوعَاتِ فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمُ الْعَبْدِ حُرًّا وَعُرِفَ بِذَلِكَ الِاسْمِ فَقَالَ لَهُ : يَا حُرُّ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ مَعْرُوفًا بِهِ لِنِدَائِهِ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْمِ الْعَلَمِ لَا عَلَى الصِّفَةِ فَلَا يَعْتِقُ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ : يَا مَوْلَايَ ؛ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ قَوْلَهُ : يَا مَوْلَايَ يَحْتَمِلُ التَّعْظِيمَ وَيَحْتَمِلُ الْعِتْقَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى التَّحْقِيقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِهِ : يَا سَيِّدِي وَيَا مَالِكِي ، وَلَنَا أَنَّ النِّدَاءَ لِلْعَبْدِ بِاسْمِ الْمَوْلَى لَا يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ لِلْعَبْدِ وَإِكْرَامُهُ عَادَةً وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْإِعْتَاقُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ : أَنْتَ مَوْلَايَ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ ؛ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ : يَا سَيِّدِي وَيَا مَالِكِي ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ ؛ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ لِهَذَا فَقَالَ : لِأَنَّا إنَّمَا أَعْتَقْنَاهُ فِي قَوْلِهِ : يَا مَوْلَايَ لِأَجْلِ الْوَلَاءِ لَا لِأَجْلِ الْمِلْكِ ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَلَوْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ قَوْلِهِ : أَعْتَقْتُك أَوْ نَحْوِهِ ؛ عَنَيْت بِهِ الْخَبَرَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِعُدُولِهِ عَنْ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي إنْشَاءِ الْعِتْقِ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِخْبَارِ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ كَانُوا يُعْتِقُونَ عَبِيدَهُمْ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْخَبَرِ حَمْلٌ عَلَى الْكَذِبِ ، وَظَاهِرُ حَالِ الْعَاقِلِ بِخِلَافِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلَّقْتُك وَنَوَى بِهِ الْإِخْبَارَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ وَإِنْ كَانَ إرَادَتُهُ الْخَبَرَ خِلَافَ الظَّاهِرِ ، وَلَوْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ أَنَّهُ كَانَ خَبَرًا فَإِنْ كَانَ مُوَكَّدًا لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَةُ الْإِنْشَاءِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَاضِي ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَعْمَالِ وَالْأَزْمَانِ لَا يَتَجَزَّأُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَعْتِقَ الْيَوْمَ وَيُسْتَرَقَّ غَدًا أَوْ يَعْتِقَ فِي عَمَلٍ وَيُرَقَّ فِي عَمَلٍ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ فِي عَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ وَفِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ إعْتَاقًا مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا وَفِي الْأَزْمَانِ بِأَسْرِهَا فَإِذَا نَوَى بَعْضَ الْأَعْمَالِ وَالْأَزْمَانِ فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَكَذَا إذَا قَالَ : أَنْتَ مَوْلَايَ وَقَالَ : عَنَيْت بِهِ الْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ؛ إذْ هُوَ يُسْتَعْمَلُ لِوَلَاءِ الْعِتْقِ ظَاهِرًا وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ
مَا نَوَى ، وَلَوْ قَالَ : مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ بَعْدَ النَّفْيِ كَقَوْلِنَا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى عَتَقَ ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَامُ الْغَرَضِ فَقَدْ نَجَّزَ الْحُرِّيَّةَ وَبَيَّنَ أَنَّ غَرَضَهُ مِنْ التَّحْرِيرِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ ؛ عَتَقَ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَبَيَّنَ غَرَضَهُ الْفَاسِدَ مِنْ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَقْدَحُ فِي الْعِتْقِ ، وَلَوْ دَعَا عَبْدَهُ سَالِمًا فَقَالَ : يَا سَالِمُ فَأَجَابَهُ مَرْزُوقٌ فَقَالَ : أَنْتَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ الَّذِي أَجَابَهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ خِطَابٌ وَالْمُتَكَلِّمُ أَوْلَى بِصَرْفِ الْخِطَابِ إلَيْهِ مِنْ السَّاكِتِ ، وَلَوْ قَالَ : عَنَيْت سَالِمًا عَتَقَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا مَرْزُوقٌ فَلِأَنَّ الْإِشَارَةَ مَصْرُوفَةٌ إلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ مَا عَنَاهُ .
وَأَمَّا سَالِمٌ فَبِإِقْرَارِهِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَعْتِقُ الَّذِي عَنَاهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَطَّلِعُ عَلَى سِرِّهِ ، وَلَوْ قَالَ : يَا سَالِمُ أَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ سَالِمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَبَ هَهُنَا إلَّا سَالِمٌ فَيُصْرَفُ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ إلَيْهِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ : وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك وَيَعْتِقُ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ الْبَائِعِ إزَالَةُ الْمِلْكِ مِنْ الْمَوْهُوبِ أَوْ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمَا وَهَهُنَا لَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَمْلُوكًا لِنَفْسِهِ فَتَبْقَى الْهِبَةُ ، وَالْبَيْعُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ لَا إلَى أَحَدٍ وَهَذَا مَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَوْهُوبِ وَالْمَبِيعِ ، وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : وَهَبْت لَك نَفْسَك وَقَالَ : أَرَدْت وَهَبْت لَهُ عِتْقَهُ أَيْ : لَا أَعْتِقُهُ ؛ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَوْهُوبِ وَهِبَةُ الْعِتْقِ اسْتِبْقَاءُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَوْهُوبِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ مَوْلَى فُلَانٍ أَوْ عَتِيقُ فُلَانٍ ؛ أَنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ وَلَا يَكُونُ مُعْتَقَ فُلَانٍ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ فَأَعْتَقَهُ فَإِنْ أَعْتَقَك فُلَانٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَعْتَقَك فُلَانٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فُلَانًا أَنْشَأَ الْعِتْقَ فِيك وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمِلْكِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ لَك لِلْحَالِ : أَنْتَ حُرٌّ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ ابْنَهُ ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ ، نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ جُعِلَ إعْتَاقًا شَرْعًا حَتَّى تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مُبْتَدَأٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَمْلِكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ بِالْإِرْثِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ إلَّا مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ فَأَمَّا مَنْ لَا أَوْلَادَ لَهُ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مُبْتَدَأٍ ، أَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } حَقَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِعْتَاقَ عَقِيبَ الشِّرَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ نَفْسُهُ إعْتَاقًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِعْتَاقُ عَقِيبَهُ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُعْتَقِ لَا يُتَصَوَّرُ فَدَلَّ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَكَيْفَ يَكُونُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ إثْبَاتًا وَإِزَالَةً وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي دَخَلْت السُّوقَ فَوَجَدْت أَخِي يُبَاعُ فَاشْتَرَيْته وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَهُ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْتَقَهُ } ، وَالْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَتُعْتِقَهُ أَيْ : تُعْتِقَهُ بِالشِّرَاءِ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : الشِّرَاءُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ فَنَعَمْ وَلَكِنَّ الْمُمْتَنَعَ إثْبَاتُ حُكْمٍ وَضِدِّهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا فِي زَمَانَيْنِ فَلَا ؛ لِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ فِي الْحَقِيقَةِ دَلَائِلُ وَأَعْلَامٌ عَلَى الْمَحْكُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الشِّرَاءِ السَّابِقِ عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي ؛ إذْ لَا تَنَافِيَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ .
وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ فِيمَا سِوَى الْوِلَادِ وَهِيَ قَرَابَةُ الْأُخُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ وَالْخُؤُولَةِ حَرَامَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَحْرُمُ قَطْعُهَا ، وَعَلَى هَذَا يُبْنَى وُجُوبُ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ وَيَجِبُ النَّفَقَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ حَرَامُ الْقَطْعِ وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي لَا تُحَرِّمُ النِّكَاحَ كَقَرَابَةِ بَنِي الْأَعْمَامِ غَيْرُ مُحَرَّمَةِ الْقَطْعِ فَالشَّافِعِيُّ يُلْحِقُ هَذِهِ الْقَرَابَةَ بِقَرَابَةِ بَنِي الْأَعْمَامِ وَنَحْنُ نُلْحِقُهَا بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَرَابَةِ لِكَوْنِ الْعِتْقِ صِلَةً وَكَوْنِ الْقَرَابَةِ مُسْتَدْعِيَةً لِلصِّلَةِ ، وَالْإِحْسَانُ إلَى الْقَرِيبِ وَالْعِتْقُ مِنْ أَعْلَى الصِّلَاتِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَعْلَى الْقَرَابَاتِ وَهِيَ قَرَابَةُ الْوِلَادِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ فَلَا يُلْحَقُ بِهَا بَلْ يُلْحَقُ بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ وَهِيَ قَرَابَةُ
بَنِي الْأَعْمَامِ وَلِهَذَا أُلْحِقَ بِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ جَرَيَانُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَجَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ وَنِكَاحُ الْحَلِيلَةِ وَعَدَمُ التَّكَاتُبِ وَلَنَا أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ إنَّمَا أَوْجَبَتْ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمِلْكِ لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةَ الْقَطْعِ وَإِبْقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ نَفْسَهُ مِنْ بَابِ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ فَيُورِثُ وَحْشَةً وَإِنَّهَا تُوجِبُ التَّبَاعُدَ بَيْنَ الْقَرِيبِينَ وَهُوَ تَفْسِيرُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَشَرْعُ السَّبَبِ الْمُفْضِي إلَى الْقَطْعِ مَعَ تَحْرِيمِ الْقَطْعِ مُتَنَاقِضٌ فَلَا يَبْقَى الْمِلْكُ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ فَلَا يَبْقَى الرِّقُّ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بَقَاؤُهُ فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ إلَّا لِأَجْلِ الْمِلْكِ الْمُحْتَرَمِ لِلْمَالِكِ الْمَعْصُومِ وَإِذَا زَالَ الرِّقُّ ثَبَتَ الْعِتْقُ ضَرُورَةً ، وَالْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ مُحَرَّمَةُ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْمُقْتَضِيَةَ لِحُرْمَةِ قَطْعِ الرَّحِمِ عَامَّةٌ أَوْ مُطْلَقَةٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } مَعْنَاهُ : وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ فَلَا تَعْصُوهُ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ فَلَا تَقْطَعُوهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { صِلُوا الْأَرْحَامَ فَإِنَّهُ أَبْقَى لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَخَيْرٌ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ } وَالْأَمْرُ بِالْوَصْلِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ .
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ قُطِعْتُ وَلَمْ أُوصَلْ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَا يَكْفِيك أَنِّي شَقَقْت لَك اسْمًا مِنْ اسْمِي
أَنَا الرَّحْمَنُ وَأَنْتِ الرَّحِمُ فَمَنْ وَصَلَك وَصَلْته وَمِنْ قَطَعَك بَتَتُّهُ } وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ فَدَلَّ أَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ حَرَامٌ وَالرَّحِمُ هُوَ الْقَرَابَةُ سُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ رَحِمًا إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّحِمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّحْمَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالْقَرَابَةُ سَبَبُ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ طَبْعًا وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُسَمَّى بِالرَّحِمِ مَحَلُّ السَّبَبِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُودُ الْقَرَابَاتِ فَكَانَ كُلُّ قَرَابَةٍ أَوْ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ مُحَرَّمَةَ الْقَطْعِ بِظَاهِرِ النُّصُوصِ إلَّا مَا خُصَّ أَوْ قُيِّدَ بِدَلِيلٍ ثُمَّ نُخْرِجُ الْأَحْكَامَ ، أَمَّا جَرَيَانُ الْقِصَاصِ فَلَا يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ ، وَجَزَاءُ الْفِعْلِ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ فَكَانَ الْأَخُ الْقَاتِلُ أَوْ الْقَاطِعُ هُوَ قَاطَعَ الرَّحِمِ فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَكَذَا الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمَطْلِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ فَكَانَ مُضَافًا إلَيْهِ .
وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَهِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَالِ وَإِنَّهُ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْقَطْعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَبِ ابْنَهُ فِي الْخِدْمَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْأَبُ لَا لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ بَلْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَقُّ عَلَى الِابْنِ شَرْعًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ فِي مُقَابَلَتِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الِابْنُ أَبَاهُ يَصِحُّ وَلَكِنْ يُفْسَخُ احْتِرَامًا لِلْأَبِ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ لِلْأَبِ زِيَادَةَ احْتِرَامٍ شَرْعًا يَظْهَرُ فِي حَقِّ هَذَا وَفِي حَقِّ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ .
وَأَمَّا نِكَاحُ الْحَلِيلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ غَضَاضَةٍ لَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْغَضَاضَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَحْرِيمِ الْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ حُرِّمَ لِلصِّيَانَةِ عَنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ثُمَّ يَجُوزُ نِكَاحُ الْأُخْتِ بَعْدَ طَلَاقِ أُخْتِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ غَضَاضَةٍ .
وَأَمَّا التَّكَاتُبُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَتَكَاتَبُ الْأَخُ كَمَا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، ثُمَّ نَقُولُ عَدَمُ تَكَاتُبِ الْأَخِ لَا يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّكَاتُبِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الصِّلَةِ وَالتَّبَرُّعِ وَمِلْكُ الْمُكَاتَبِ مِلْكٌ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّبَرُّعِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا لَمْ يُتَكَاتَبْ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ الْأَخُ عَلَى إزَالَةِ الذُّلِّ عَنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ ؛ فَلَا يُفْضِي إلَى الْغَضَاضَةِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ ضَرُورِيًّا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَقِّ حُرِّيَّةِ نَفْسِهِ لَكِنَّ حُرِّيَّةَ أَبِيهِ وَابْنِهِ فِي مَعْنَى حُرِّيَّةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَسْعَى لِحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ وَآبَائِهِ مِثْلَ مَا يَسْعَى لِحُرِّيَّةِ نَفْسِهِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا ؛ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ } وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ بِالْمِلْكِ فَيَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ ؛ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْحُكْمِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَكَانَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ : إنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا حَتَّى تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ وَالصَّبِيُّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ أَوْ لَا يَكُونَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا قِيلَ : إنَّ كَوْنَ شِرَاءِ الْأَبِ إعْتَاقًا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّصُّ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ بِمُرَادٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَكُونُ الشِّرَاءُ مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا إعْتَاقًا بَلْ يَكُونُ تَمْلِيكًا فَقَطْ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ شَرْعًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ } لَا بِالْإِعْتَاقِ .
وَلَوْ مَلَكَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا مَلَكَ ابْنَ الْعَمِّ أَوْ الْعَمَّةِ أَوْ ابْنَتَهَا أَوْ ابْنَ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ أَوْ بِنْتَيْهِمَا لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِلْكُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِمَا أَعْنِي الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ فَفِي الْأَوَّلِ وُجِدَ الْمَحْرَمُ بِلَا رَحِمٍ وَفِي الثَّانِي وُجِدَ الرَّحِمُ بِلَا مَحْرَمٍ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي حُرْمَةِ قَطْعِ الرَّحِمِ وَأَهْلِيَّةِ الْإِعْتَاقِ وَأَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاءُ الْمُعْتَقِ لِمَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ } ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْ وَقَعَ بِالشِّرَاءِ فَالشِّرَاءُ إعْتَاقٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَإِنْ وَقَعَ بِالْمِلْكِ شَرْعًا فَالْمِلْكُ لِلْمُعْتَقِ عَلَيْهِ فَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَهِيَ حُبْلَى مِنْ أَبِيهِ وَالْأَمَةُ لِغَيْرِ الْأَبِ ؛ جَازَ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَا تَعْتِقُ الْأَمَةُ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا إذَا وَضَعَتْ ، أَمَّا جَوَازُ الشِّرَاءِ فَلَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَخِ جَائِزٌ كَشِرَاءِ الْأَبِ وَسَائِرِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ .
وَأَمَّا عِتْقُ الْحَمْلِ فَلِأَنَّهُ أَخُوهُ وَقَدْ مَلَكَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا تَعْتِقُ الْأُمُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ بَيْنَهُمَا ؛ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا أَبُوهُ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ فَابْنُهُ أَوْلَى .
وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهَا مَا دَامَ الْحَمْلُ قَائِمًا فَلِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا حُرًّا وَلِأَنَّ بَيْعَ الْحَامِلِ بِدُونِ الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى الْحَمْلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْحُرُّ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْوَلَدَ وَإِذَا وَضَعَتْ جَازَ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ .
وَإِذَا مَلَكَ شِقْصًا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا مَلَكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَعْتِقُ كُلُّهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ لَهُ أَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَلَوْ مَلَكَ رَجُلَانِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يَخْلُو : إمَّا أَنْ مَلَكَاهُ بِسَبَبٍ لَهُمَا فِيهِ صَنِيعٌ ، وَإِمَّا إنْ مَلَكَاهُ بِسَبَبٍ لَا صَنِيعَ لَهُمَا فِيهِ .
فَإِنْ مَلَكَاهُ بِسَبَبٍ لَهُمَا فِيهِ صُنْعٌ بِأَنْ مَلَكَاهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ لَا يَضْمَنُ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنْ يَسْعَى لَهُ الْعَبْدُ فِي نَصِيبِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَ رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدِهِ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ ؛ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُوسِرًا كَانَ الْقَرِيبُ أَوْ مُعْسِرًا ، وَلَكِنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَائِعِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ .
وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدٍ لَيْسَ بِقَرِيبٍ لَهُ : إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْحَالِفُ وَغَيْرُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنِّي لَا أَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ قَرِيبِ الْعَبْدِ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ ؛ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ السَّاكِتِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ شَيْئًا وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ فَكَانَ شِرَاءُ نَصِيبِهِ إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ وَإِعْتَاقُ نَصِيبِهِ إعْتَاقٌ لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ وَلَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ كَانَ شِرَاءُ نَصِيبِهِ إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ خَاصَّةً فَلَمْ يَكُنْ إفْسَادًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَلَا تَمْلِيكًا لِنَصِيبِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ لِضَرُورَةِ تَكْمِيلِ الْإِعْتَاقِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ التَّجْزِئَةِ فَإِذَا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّكْمِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّمْلِيكِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ وَالتَّمْلِيكِ لَا يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا وُجُوبَ الضَّمَانِ ثَمَّةَ مُخَالِفًا لِلْأُصُولِ بِالنَّصِّ نَظَرًا لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ ؛ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِمُبَاشَرَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْ الشَّرِيكِ وَلَا بِمُبَاشَرَةِ شَرْطِهِ وَهَهُنَا وُجِدَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ رَاضٍ بِشِرَاءِ صَاحِبِهِ وَكَيْفَ
لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ ، وَإِنَّ شِرَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ شِرَاءِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ لَهُمَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا الْبَائِعُ نِصْفَ عَبْدِهِ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ رَاضٍ بِشِرَائِهِ وَمَنْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ لَا يُنْظَرُ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ نَظِيرَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْ الشَّرِيكِ السَّاكِتِ بِشِرَاءِ الْقَرِيبِ أَصْلًا حَتَّى يُوجِبَ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَيَلْحَقُ بِهِ ثُمَّ وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى طَرِيقِ الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّ شِرَاءَ نَصِيبِهِ إعْتَاقٌ لِنَصِيبِهِ وَإِفْسَادٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ لَكِنَّ هَذَا إفْسَادٌ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِدُونِ شِرَاءِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ لَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مُوَافِقًا لِلْإِيجَابِ ؛ إذْ الْبَائِعُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : بِعْت مِنْكُمَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ ؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَكَانَ الرِّضَا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ رِضًا بِشِرَاءِ صَاحِبِهِ فَكَانَ شِرَاءُ الْقَرِيبِ إفْسَادًا لِنَصِيبِ الشَّرِيكِ بِرِضَا الشَّرِيكِ فَلَا يُوجِبَ الضَّمَانَ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَعْتِقْ نَصِيبَك أَوْ رَضِيت بِإِعْتَاقِ نَصِيبِك فَأَعْتَقَ ؛ لَا يَضْمَنُ ، كَذَا هَذَا .
فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ النُّكْتَةُ لَا تَتَمَشَّى فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ دُونَ الْآخَرِ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِقَبُولِ الْهِبَةِ فِي نَصِيبِهِ رِضًا بِقَبُولِ صَاحِبِهِ فَلَمْ
يَكُنْ هَذَا إفْسَادًا مَرْضِيًّا بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيكِ وَكَذَا لَا تَتَمَشَّى فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّرِيكُ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّ شَرِيكَهُ قَرِيبُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ شِرَاءِ الشَّرِيكِ إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ فَلَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ إفْسَادًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَثْبُتُ رِضَاهُ بِالْإِفْسَادِ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ مُحَالٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عَكْسِ الْعِلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَرَاهُ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْعَكْسِ وَالْعَكْسُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ عِلَلٌ فَنَحْنُ نَفَيْنَا وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِمَا ذَكَرْنَا وَنُبْقِيهِ فِي غَيْرِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى ثُمَّ نَقُولُ : أَمَّا فَصْلُ الْهِبَةِ فَنَقُولُ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبُولُهُ شَرْطَ صِحَّةِ قَبُولِ الْآخَرِ حَتَّى يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقَبُولِ لَكِنَّهُمَا إذَا قَبِلَا جَمِيعًا كَانَ قَبُولُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ إيجَابٍ وَاحِدٍ مِثَالُهُ : إذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي آيَةً وَاحِدَةً قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً عَلَى الِاخْتِلَافِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ ، وَلَوْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِالْكُلِّ وَيُجْعَلُ الْكُلُّ كَآيَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا فَصْلُ الْعِلْمِ فَتَخْرِيجُهُ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ أَنَّ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَهُمَا يَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ فَمَعَ الْجَهْلِ أَوْلَى .
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ سُقُوطَ ضَمَانِ الْإِتْلَافِ عِنْدَ الْإِذْنِ وَالرِّضَا بِهِ لَا يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ : كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَالْآذِنُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ الرَّجُلُ لَا
يَسْتَحِقُّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ هُوَ سَبَبُ حُصُولِ الْعِلْمِ وَالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إلَيْهِ وَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ كَمَا يُقَامُ سَبَبُ الْقُدْرَةِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ وَطَرِيقُ حُصُولِ الْعِلْمِ هَهُنَا فِي يَدِهِ وَهُوَ السُّؤَالُ وَالْفَحْصُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ قَصَّرَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الضَّمَانَ ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فَقَالَ : إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ وَيَسْعَى لِلْأَجْنَبِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ تَمَّ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشِّرَاءَ مَعَ شَرِكَةِ الْأَبِ عَيْبٌ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْعُيُوبِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَ الْعَيْبِ ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ؛ لَمْ يَلْزَمْ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ .
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَ الْعَبْدِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَجْنَبِيِّ مَا هُوَ دَلِيلُ الرِّضَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْ الْأَبِ فَلَا يَسْقُطُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا اشْتَرَى نَفْسَهُ هُوَ وَأَجْنَبِيٌّ مِنْ مَوْلَاهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْعِتْقُ ، وَالْبَيْعُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِخِلَافِ الرَّجُلَيْنِ اشْتَرَيَا ابْنَ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ تَمَلُّكٌ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَإِعْتَاقٌ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي ، وَإِنَّهُ جَائِزٌ لِمَا بَيَّنَّا .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ : إنْ مَلَكْت مِنْ هَذَا الْعَبْدِ شَيْئًا فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْحَالِفُ وَأَبُوهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَتَقَ عَلَى الْأَبِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لِلْعِتْقِ سَبَبَانِ : الْقَرَابَةُ وَالْيَمِينُ إلَّا أَنَّ الْقَرَابَةَ سَابِقَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَإِذَا مَلَكَاهُ صَارَ كَأَنَّ عِتْقَ الْأَبِ أَسْبَقُ فَيَعْتِقُ النَّصِيبَانِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا أَوْ بَعْضَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِمَا ، وَنِصْفُ وَلَائِهِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ ابْنٌ لِلَّذِي ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ هَهُنَا لَمْ يَسْبِقْ الْيَمِينَ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِمَا وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَإِنْ مَلَكَ اثْنَانِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِسَبَبٍ لَا صُنْعَ لَهُمَا فِيهِ بِأَنْ وَرِثَا عَبْدًا
وَهُوَ قَرِيبُ أَحَدِهِمَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَلَكِنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا ثَبَتَ بِالْمِلْكِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ إذْ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ فِي الْإِرْثِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَرْءِ يَعْتَمِدُ شَرْعًا صُنْعًا مِنْ جِهَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْقَرِيبِ ؛ فَلَا يَضْمَنُ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَلْفَاظُ النَّسَبِ وَذِكْرُهَا لَا يَخْلُو : إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الصِّفَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْفِدَاءِ فَإِنْ ذَكَرَهَا عَلَى طَرِيقِ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ : هَذَا ابْنِي فَهُوَ لَا يَخْلُو : إمَّا إنْ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ، وَإِمَّا إنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ، وَلَا يَخْلُو : إمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ .
فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِنَاءٌ عَلَى النَّسَبِ فَإِنْ ثَبُتَ النَّسَبُ ثَبُتَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَهَلْ يَعْتِقُ ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَعْتِقُ سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَعْتِقُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصَوُّرِ النَّسَبِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِهِ فَإِنْ تُصُوِّرَ ثُبُوتُهُ ؛ ثَبَتَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ لَا يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا عَلَى تَصَوُّرِ ثُبُوتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكَتِهِ : هَذِهِ بِنْتِي فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَالِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الِابْنِ ، وَجْهُ قَوْلِهِمْ : أَنَّ الْعِتْقَ لَوْ ثَبَتَ لَا يَخْلُو : إمَّا إنْ ثَبَتَ ابْتِدَاءً أَوْ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْإِعْتَاقُ ابْتِدَاءً وَلَا سَبِيلَ لِلثَّانِي ، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِنَاءً عَلَيْهِ .
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ
النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ حَقِيقَةً بِالزِّنَا وَالِاشْتِهَارِ مِنْ غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الظَّاهِرِ فَيَعْتِقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ الْمُتَدَيِّنِ يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ لِاعْتِبَارِ عَقْلِهِ وَدِينِهِ دَلَالَةً وَأَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْكِنَايَةُ وَالْمَجَازُ أَمَّا الْكِنَايَةُ فَلِوُجُودِ طَرِيقِ الْكِنَايَةِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَهُمَا غَالِبًا عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقُ الْوُجُودِ بِهِ أَوْ عِنْدَهُ أَوْ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ وَتَكُونُ الْكِنَايَةُ كَالتَّابِعِ لِلْمُكَنَّى ، وَالْمُكَنَّى هُوَ الْمَقْصُودُ فَيُتْرَكُ اسْمُ الْأَصْلِ صَرِيحًا وَيُكَنَّى عَنْهُ بِاسْمِ الْمُلَازِمِ إيَّاهُ التَّابِعِ لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ } وَالْغَائِطُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْخَالِي الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ كَنَّى بِهِ عَنْ الْحَدَثِ لِمُلَازَمَةٍ بَيْنَ هَذَا الْمَكَانِ وَبَيْنَ الْحَدَثِ غَالِبًا وَعَادَةً ؛ إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الْحَدَثَ يُوجَدُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ تَسَتُّرًا عَنْ النَّاسِ ، وَكَذَا الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ كِنَايَةٌ عَنْ تَطْهِيرِ مَوْضِعِ الْحَدَثِ ؛ إذْ الِاسْتِنْجَاءُ طَلَبُ النَّجْوِ وَالِاسْتِجْمَارُ طَلَبُ الْجِمَارِ وَكَذَا الْعَرَبُ تَقُولُ : مَازِلْنَا نَطَأُ السَّمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ أَيْ نَطَأُ الْمَطَرَ ؛ إذْ الْمَطَرُ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَالْبُنُوَّةُ فِي الْمِلْكِ مُلَازِمَةٌ لِلْحُرِّيَّةِ فَجَازَ أَنْ يُكَنِّي بِقَوْلِهِ : هَذَا ابْنِي عَنْ قَوْلِهِ : هَذَا مُعْتَقِي وَذِكْرُ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فِي الْكَلَامِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ صَرَّحَ فَقَالَ : هَذَا مُعْتَقِي عَتَقَ فَكَذَا إذَا كَنَّى بِهِ .
وَأَمَّا الْمَجَازُ فَلِأَنَّ مِنْ طُرُقِهِ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَ الذَّاتَيْنِ فِي الْمَعْنَى الْمُلَازِمِ الْمَشْهُورِ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ فَيُطْلَقُ
اسْمُ الْمُسْتَعَارِ عَنْهُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ لَهُ لِإِظْهَارِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُسْتَعَارِ عَنْهُ خَفِيٌّ فِي الْمُسْتَعَارِ لَهُ كَمَا فِي الْأَسَدِ مَعَ الشُّجَاعِ ، وَالْحِمَارِ مَعَ الْبَلِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الطَّرِيقُ هَهُنَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الِابْنَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْمَخْلُوقِ مِنْ مَاءِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِيهِ مَعْنًى ظَاهِرٌ لَازِمٌ وَهُوَ كَوْنُهُ مُنْعَمًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ بِالْإِحْيَاءِ لِاكْتِسَابِ سَبَبِ وُجُودِهِ وَبَقَائِهِ بِالتَّرْبِيَةِ وَالْمُعْتَقُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ ؛ إذْ الْإِعْتَاقُ إنْعَامٌ عَلَى الْمُعْتَقِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ : أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَإِنَّهُ مَعْنًى لَازِمٌ مَشْهُورٌ فَيَجُوزُ إطْلَاقُ اسْمِ الِابْنِ عَلَى الْمُعْتَقِ مَجَازًا لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ الْعِتْقِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْأَسَدِ عَلَى الشُّجَاعِ وَالْحِمَارِ عَلَى الْبَلِيدِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ بَيْنَ مُعْتِقِ الرَّجُلِ وَبَيْنَ ابْنِهِ الدَّاخِلِ فِي مِلْكِهِ مُشَابَهَةً فِي مَعْنَى الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ مَعْنًى لَازِمٌ لِلِابْنِ الدَّاخِلِ فِي مِلْكِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ وَإِنَّهُ مَشْهُورٌ فِيهِ فَوُجِدَ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ فَصَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إنَّ الْعِتْقَ إمَّا إنْ ثَبَتَ ابْتِدَاءً أَوْ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : ابْتِدَاءً لَكِنْ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ وَهُوَ الْكِنَايَةُ أَوْ الْمَجَازُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : هَذِهِ بِنْتِي وَمِثْلُهُ لَا يَلِدُ مِثْلَهَا أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِكَوْنِهَا بِنْتًا لَهُ نَفَى النِّكَاحَ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَهَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فَلَا يَنْتَفِي النِّكَاحُ فَأَمَّا ثُبُوتُ الْعِتْقِ فَلَيْسَ
يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ : هَذِهِ بِنْتِي لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ بِنْتِي وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ تَعْتِقُ وَمَا افْتَرَقَا إلَّا لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : هَذِهِ بِنْتِي وَهِيَ تَصْلُحُ بِنْتًا لَهُ ثُمَّ قَالَ : أَوْهَمْت أَوْ أَخْطَأْت لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ بِنْتِي وَهِيَ تَصْلُحُ بِنْتًا ثُمَّ قَالَ : أَوْهَمْت أَوْ أَخْطَأْت يَقَعُ الْعِتْقُ فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : هَذَا أَبِي فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَكِنْ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ أَبًا لَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : هَذِهِ أُمِّي فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَبِ .
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْحُرِّيَّةِ بِأَنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ أَمَةً ؛ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذِهِ بِنْتِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذَا ابْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ : قَالَ بَعْضُهُمْ : يَعْتِقُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ : هَذَا عَمِّي أَوْ خَالِي يَعْتِقُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، وَلَوْ قَالَ : هَذَا أَخِي أَوْ أُخْتِي ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : هَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ عَمِّي أَوْ خَالِي ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : عَمِّي أَوْ خَالِي وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ وَصَفَ مَمْلُوكَهُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا قَالَ : هَذَا عَمِّي أَوْ خَالِي ، وَجْهُ
رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ قَوْلَهُ : هَذَا أَخِي يَحْتَمِلُ تَحْقِيقَ الْعِتْقِ وَيَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالتَّخَفِّي بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ بِخِلَافِ اسْمِ الْخَالِ وَالْعَمِّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِكْرَامِ عُرْفًا وَعَادَةً فَلَا يُقَالُ : هَذَا خَالِي أَوْ عَمِّي عَلَى إرَادَةِ الْإِكْرَامِ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلتَّحْقِيقِ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ : هَذَا ابْنِي أَوْ هَذَا أَبِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِكْرَامِ عُرْفًا وَشَرْعًا وَقَدْ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } .
وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } فَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا فِي الْإِكْرَامِ يُحْمَلُ عَلَى التَّحْقِيقِ .
وَأَمَّا النِّدَاءُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ : يَا بُنَيَّ يَا أَبِي يَا ابْنَتِي يَا أُمِّي يَا خَالِي يَا عَمِّي أَوْ يَا أُخْتِي أَوْ يَا أَخِي عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَعْتِق فِي هَذِهِ الْفُصُولِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِذِكْرِ اسْمِ النِّدَاءِ هُوَ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى لَا تَحْقِيقُ مَعْنَى الِاسْمِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ الِاسْمُ مَوْضُوعًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ النِّدَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْإِكْرَامِ دُونَ تَحْقِيقِ الْعِتْقِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : يَا ابْنُ أَوْ لِأَمَتِهِ : يَا ابْنَةُ لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَالَ : يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةُ ؛ يَعْتِقُ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ .
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَنَحْوُ قَوْلِهِ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَرَجْت مِنْ مِلْكِي فَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ يَعْتِقُ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك يَحْتَمِلُ سَبِيلَ اللَّوْمِ وَالْعُقُوبَةِ أَيْ : لَيْسَ لِي عَلَيْك سَبِيلُ اللَّوْمِ وَالْعُقُوبَةِ لِوَفَائِك بِالْخِدْمَةِ وَالطَّاعَةِ وَيَحْتَمِلُ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي كَاتَبْتُك فَزَالَتْ يَدِي عَنْكَ وَيَحْتَمِلُ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْعِتْقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَيُصَدَّقُ إذَا قَالَ : عَنَيْت بِهِ غَيْرَ الْعِتْقِ إلَّا إذَا قَالَ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إلَّا سَبِيلُ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى كُلَّ سَبِيلٍ وَأَثْبَتَ سَبِيلَ الْوَلَاءِ وَإِطْلَاقُ الْوَلَاءِ يُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْعِتْقِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَلَوْ قَالَ : إلَّا سَبِيلَ الْمُوَالَاةِ دَيْنٌ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْمُوَالَاةِ يُرَادُ بِهَا الْمُوَالَاةُ فِي الدَّيْنِ أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي وَلَاءِ الدَّيْنِ وَوَلَاءِ الْعِتْقِ .
فَأَيُّ ذَلِكَ نَوَى ؛ يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ : لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك يَحْتَمِلُ مِلْكَ الْيَدِ أَيْ : كَاتَبْتُك فَزَالَتْ يَدِي عَنْك وَيَحْتَمِلُ : لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ؛ لِأَنِّي بِعْتُك وَيَحْتَمِلُ : لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ؛ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَتَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ : خَلَّيْت سَبِيلَك يَحْتَمِلُ سَبِيلَ الِاسْتِخْدَامِ أَيْ : لَا أَسْتَخْدِمُك وَيَحْتَمِلُ أَعْتَقْتُك ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : أَمْرُك بِيَدِك أَوْ قَالَ لَهُ : اخْتَرْ ، وَقَفَ عَلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ فَكَانَ كِنَايَةً ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : أَمْرُ عِتْقِك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ قَالَ لَهُ : اخْتَرْ الْعِتْقَ أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك أَوْ فِي الْعِتْقِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ ؛
لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ الْعِتْقَ وَيَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهُ : خَرَجْت عَنْ مِلْكِي يَحْتَمِلُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى كَاتَبْتُك وَيَحْتَمِلُ أَعْتَقْتُك ، وَلَوْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ نَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سُبِيَ لَا يَعْتِقُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُبِيَ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَبَوَيْنِ تَقْتَضِي حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلَّدَ مِنْ الْحُرَّيْنِ يَكُونُ حُرًّا إلَّا أَنَّ حُرِّيَّةَ الْمَسْبِيِّ بَطَلَتْ بِالسَّبْيِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَسْبِيِّ عَلَى الْأَصْلِ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ لِلَّهِ تَعَالَى ؛ لَمْ يَعْتِقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ نَوَى الْعِتْقَ يَعْتِقُ ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ قَوْلَهُ : لِلَّهِ تَعَالَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانَ جِهَةِ الْقُرْبَةِ لِلْإِعْتَاقِ الْمَحْذُوفِ ، فَإِذَا نَوَى الْعِتْقَ يَعْتِقُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ لِلَّهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ صِفَةٍ لِمَمْلُوكٍ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً قَبْلَ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إعْتَاقًا فَلَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ لَمْ يَعْتِقْ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ ثَابِتًا قَبْلَهُ وَكَوْنُهُ عَبْدَ اللَّهِ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ عَبْدَ اللَّهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جِهَةَ الْقُرْبَةِ لِلْإِعْتَاقِ وَقَوْلُهُ : لِلَّهِ تَعَالَى يَحْتَمِلُ ذَلِكَ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : قَدْ جَعَلْتُك لِلَّهِ تَعَالَى فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ ، وَقَالَ : لَمْ أَنْوِ الْعِتْقَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَا يَعْتِقُ ، وَإِنْ نَوَى
الْعِتْقَ عَتَقَ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ هَذَا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَهُوَ عَبْدٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ النَّذْرَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ الصَّدَقَةُ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عِنْدَنَا .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : أَطْلَقْتُك يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ تَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إزَالَةُ الْيَدِ وَالْمَرْءُ يُزِيلُ يَدَهُ عَنْ عَبْدِهِ بِالْعِتْقِ وَبِغَيْرِ الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الْعِتْقَ تَعْتِقُ كَمَا لَوْ قَالَ : لَهَا خَلَّيْت سَبِيلَك ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلَّقْتُك يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ ؛ لَا تَعْتِقُ عِنْدَنَا لِمَا نَذْكُرُ ، وَلَوْ قَالَ فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ مَعَ الرِّقِّ يَجْتَمِعَانِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ جَارِيَةً قَدْ وَطِئَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فَتَهَجَّى ذَلِكَ هِجَاءً إنْ نَوَى الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ وَقَعَ ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ عِنْدَ انْفِرَادِهَا مَا يُفْهَمُ عِنْدَ التَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ انْفِرَادِهَا لَمْ تُوضَعْ لِلْمَعْنَى فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ فَتَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ .
وَأَمَّا مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِتْقِ فَالْكِتَابَةُ الْمُسْتَبِينَةُ ؛ لِأَنَّهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ بِمَنْزِلَةِ اللَّفْظِ إلَّا أَنَّ فِيهَا ضَرْبَ اسْتِتَارٍ وَإِبْهَامٍ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْتُبُ ذَلِكَ لِإِرَادَةِ الْعِتْقِ وَقَدْ يَكْتُبُ لِتَجْوِيدِ الْخَطِّ فَالْتُحِقَ بِسَائِرِ الْكِنَايَاتِ فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ وَكَذَا الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ مُعْلَمَةً مَفْهُومَةَ الْمُرَادِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ فِي حَقِّهِ كَالْعِبَارَةِ فِي الطَّلَاقِ ، وَالْأَصْلُ فِي قِيَامِ الْإِشَارَةِ مَقَامَ الْعِبَارَةِ قَوْله تَعَالَى خِطَابًا لِمَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ { فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أَيْ : صَمْتًا وَإِمْسَاكًا وَذَلِكَ عَلَى الْإِشَارَةِ لَا عَلَى الْقَوْلِ مِنْهَا ، وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى قَوْلًا فَدَلَّ أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْقَوْلِ .
وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ أَصْلًا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ : قُمْ أَوْ اُقْعُدْ أَوْ اسْقِنِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَحْتَمِلُ الْعِتْقَ فَلَا تَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ الْعِتْقِ وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ؛ لِأَنَّ السَّلْطَنَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفَاذِ الْمَشِيئَةِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ فَانْتِفَاؤُهَا لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك ؛ لِأَنَّهُ نَفَى السُّبُلَ كُلَّهَا وَلَا يَنْتَفِي السَّبِيلُ عَلَيْهَا مَعَ قِيَامِ الرِّقِّ .
أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى مُكَاتَبِهِ سَبِيلَ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَذَا السُّلْطَانُ يَحْتَمِلُ الْحُجَّةَ أَيْضًا ، فَقَوْلُهُ : لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك أَيْ : لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك وَانْتِفَاءُ حُجَّتِهِ عَلَى عَبْدِهِ لَا يُوجِبُ حُرِّيَّتَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ أَوْ قَالَ لَهُ : أَنْتَ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتَ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُك أَوْ قَالَ : لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُك أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك أَوْ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ اذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ اُعْزُبِي أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ اسْتَبْرِئِي أَوْ اخْتَارِي وَنَوَى الْعِتْقَ فَاخْتَارَتْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الْعِتْقُ بِهَا إذَا نَوَى وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ لَا يَقَعُ بِهَا الْعَتَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ قَوْلَهُ لِمَمْلُوكَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك إثْبَاتُ الِانْطِلَاقِ أَوْ إزَالَةُ الْقَيْدِ وَأَنَّهُ نَوْعَانِ : كَامِلٌ وَذَلِكَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْعِتْقِ ، وَنَاقِصٌ وَذَلِكَ بِزَوَالِ الْيَدِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ فَإِذَا
نَوَى بِهِ الْعِتْقَ فَقَدْ نَوَى أَحَدَ النَّوْعَيْنِ فَنَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ حُرَّةٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ؛ طَلُقَتْ كَذَا هَذَا ، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْمُضَافَةَ إلَى الْمَمْلُوكِ عِبَارَاتٌ عَنْ زَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ أَمَّا قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ ، وَالْقَيْدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ الْعَمَلِ لَا عَنْ الْمِلْكِ وَالْمَانِعُ يَدُ الْمَالِكِ فَرَفْعُ الْمَانِعِ يَكُونُ بِزَوَالِ يَدِهِ ، وَزَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ الْمَمْلُوكِ لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ كَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا قَوْلُهُ : اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ إلَى أَيْنَ شِئْت ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْيَدِ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَنْفِي الرِّقَّ كَالْمُكَاتَبِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ بِمُتَنَوِّعٍ ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَزَوَالُهُ عَنْ الْمَمْلُوكِ لَا يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ كَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا قَوْلُهُ : أَنْتَ بَائِنٌ أَوْ أَبَنْتُك ؛ لِأَنَّهُ يُنَبِّئُ عَنْ الْفَصْلِ وَالتَّبْعِيدِ وَكَذَا التَّحْرِيمُ بِجَامِعِ الرِّقِّ كَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ حُرَّةٌ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَخْلِيصٌ وَالْقَيْدُ ثُبُوتٌ فَيُنَافِيهِ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَمَا لَا يُمْلَكُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ مَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْيَمِين بِلَفْظِ النِّكَاحِ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ حُرَّةٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ لَا يَخْتَصُّ ثُبُوتُهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ كَمَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَخْتَصُّ زَوَالُهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَزُولُ بِرِدَّةِ الْمَرْأَةِ ، وَكَذَا بِشِرَائِهَا
بِأَنْ اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ فَجَازَ أَنْ يَزُولَ بِلَفْظِ التَّحْرِيرِ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ أَوْ فَرْجُك فَرْجُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ لَكِنْ بِحَذْفِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ وَإِنَّهُ جَائِزٌ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } أَيْ كَمَرِّ السَّحَابِ وَقَالَ الشَّاعِرُ وَعَيْنَاكِ عَيْنَاهَا وَجِيدُكَ جِيدُهَا سِوَى أَنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْكِ دَقِيقُ فَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : كَلَامُ التَّشْبِيهِ لَا عُمُومَ لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } وَقَالَ تَعَالَى { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } فَلَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ نَوَّنَ فَقَالَ : رَأْسُك رَأْسٌ حُرٌّ وَبَدَنُك بَدَنٌ حُرٌّ وَفَرْجُك فَرْجٌ حُرٌّ فَهُوَ حُرٌّ ؛ هَذَا لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ بَلْ هُوَ وَصْفٌ وَقَدْ وُصِفَ جُمْلَةً أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جُمْلَةٍ بِالْحُرِّيَّةِ فَيَعْتِقُ ، وَلَوْ قَالَ : مَا أَنْتَ إلَّا مِثْلُ الْحُرِّ أَوْ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ ؛ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ بِحَرْفِ التَّشْبِيهِ وَالتَّشْبِيهُ لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ بَلْ هُوَ تَحْرِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى وَأَثْبَتَ وَالنَّفْيُ مَا زَادَهُ إلَّا تَأْكِيدًا كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ : مَا أَنْتَ إلَّا فَقِيهٌ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ : كُلُّ مَالِي حُرٌّ وَلَهُ عَبِيدٌ لَمْ يَعْتِقُوا ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ وَوَصَفَ الْكُلَّ بِالْحُرِّيَّةِ بِقَوْلِهِ : كُلُّ مَالِي حُرٌّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ غَيْرَ الْعَبِيدِ مِنْ الْأَمْوَالِ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالْحُرِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ فَيَنْصَرِفُ الْوَصْفُ بِالْحُرِّيَّةِ إلَى الْحُرِّيَّةِ الَّتِي يَحْتَمِلُهَا
الْكُلُّ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ خَالِصَةً صَافِيَةً لَهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهَا فَلَا تَعْتِقُ عَبِيدُهُ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ .
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ : بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتِقِ خَاصَّةً ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتَقِ خَاصَّةً وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعْ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتِقِ خَاصَّةً .
فَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا حَتَّى لَا يَصِحَّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ كَمَا لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ مِنْهُمَا .
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ الَّذِي يُجَنُّ فِي حَالٍ وَيُفِيقُ فِي حَالٍ فَمَا يُوجَدُ مِنْهُ حَالَ إفَاقَتِهِ فَهُوَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْعُقَلَاءِ وَمَا يُوجَدُ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَإِعْتَاقُهُ كَطَلَاقِهِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْهَا : أَنْ لَا يَكُونَ مَعْتُوهًا وَلَا مَدْهُوشًا وَلَا مُبَرْسَمًا وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ وَلَا نَائِمًا حَتَّى لَا يَصِحَّ الْإِعْتَاقُ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ مِنْهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ بَالِغًا فَلَا يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا كَمَا لَا يَصِحُّ الطَّلَاق مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ : أَعْتَقْت عَبْدِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ قَالَ : وَأَنَا نَائِمٌ ؛ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى حَالٍ مَعْلُومِ الْكَوْنِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فِيهَا يُصَدَّقُ بِأَنْ قَالَ : أَعْتَقْته وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ وَأَنَا نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَقَدْ عُلِمَ جُنُونُهُ أَوْ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ عُلِمَ إنْ أَرَادَ بِهِ صِيغَةَ الْإِعْتَاقِ لَا حَقِيقَةَ الْإِعْتَاقِ فَلَمْ يَصِرْ مُعْتَرِفًا بِالْإِعْتَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : أَعْتَقْته وَأَنَا مَجْنُونٌ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ جُنُونٌ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ لَا
يُتَيَقَّنُ وُجُودُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ ؛ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ زَمَانَ مَا قَبْلَ انْخِلَاقِهِ وَانْخِلَاقُ الْعَبْدِ مَعْلُومٌ فَقَدْ أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى زَمَانٍ مَعْلُومِ الْكَوْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِيهِ الْإِعْتَاقُ فَلَا يَعْتِقُ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ طَائِعًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَكَوْنُهُ جَادًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَصِحَّ إعْتَاقُ الْهَازِلِ وَكَذَا كَوْنُهُ عَامِدًا حَتَّى يَصِحَّ إعْتَاقُ الْخَاطِئِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ وَكَذَا التَّكَلُّمُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ بِالْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ وَالْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ وَكَذَا الْخُلُوُّ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِعْتَاقِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَيَبْطُلَ الشَّرْطُ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِفَائِدَةِ الْفَسْخِ ، وَالْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ الْعِوَضِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكَذَا إنْ كَانَ بِعِوَضٍ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى هُوَ الْعِتْقُ وَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَلَا مَعْنَى لِلْخِيَارِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْعَبْدِ فَخُلُوُّهُ عَنْ خِيَارِهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّ الْعَبْدُ الْعَقْدَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي جَانِبِهِ هُوَ الْمَالُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ فَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا الصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَأَنَّ الْخِيَارَ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا لِلْمَوْلَى ؛ يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَيَصِحُّ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِثُبُوتِ الْفَسْخِ وَاَلَّذِي مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْعَفْوُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْقَاتِلِ
جَازَ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْعِوَضُ مِنْ جَانِبِهِ وَهُوَ الْمَالُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ ثُمَّ إذَا جَازَ الْخِيَارُ وَفَسَخَ الْقَاتِلُ الْعَقْدَ هَلْ يَبْطُلُ الْعَفْوُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِشَرْطِ الْمَالِ وَلَمْ يَسْلَمْ الْمَالُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَبْطُلُ وَيَلْزَمُ الْقَاتِلَ الدِّيَةُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَمَّا صِحَّةُ الْعَفْوِ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ فَلِأَنَّ عَفْوَ الْوَلِيِّ يَصِيرُ شُبْهَةً وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ .
وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا عِوَضَ إلَّا الدِّيَةُ ؛ إذْ هِيَ قِيمَةُ النَّفْسِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَبَيْنَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي طَرَفَيْهَا كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُعْتِقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الْكَافِرِ إلَّا أَنَّ إعْتَاقَ الْمُرْتَدِّ لَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ وَعِنْدَهُمَا نَافِذٌ وَإِعْتَاقُ الْمُرْتَدِّ نَافِذٌ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَسْأَلَةُ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ السِّيَرِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَا صِحَّةُ الْمُعْتِقِ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ إلَّا أَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً وَمِنْهَا : النِّيَّةُ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ الْكِنَايَةُ دُونَ الصَّرِيحِ ، وَيَسْتَوِي فِي صَرِيحِ الْإِعْتَاقِ وَكِنَايَاتِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ عَلَى طَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى طَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَوْلَى بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ وَذَلِكَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ : تَفْوِيضٌ ، وَتَوْكِيلٌ ، وَرِسَالَةٌ .
فَالتَّفْوِيضُ : هُوَ التَّخْيِيرُ وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا ،
وَالْأَمْرُ بِالْإِعْتَاقِ كَقَوْلِهِ : أَعْتِقْ نَفْسَك وَقَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت وَالتَّوْكِيلُ هُوَ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْإِعْتَاقِ بِأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ : أَعْتِقْ عَبْدِي فُلَانًا مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالْمَشِيئَةِ ، وَالرِّسَالَةُ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ فَسَّرْنَاهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْعَتَاقِ كَالْحُكْمِ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فِيهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنْهَا : عَدَمُ الشَّكِّ فِي الْإِعْتَاقِ وَهُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ لَا يَحْكُمُ بِثُبُوتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ .
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتَقِ خَاصَّةً فَنَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : الْإِضَافَةُ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْعِتْقُ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ؛ لَمْ تَصِحَّ الْإِضَافَةُ بِأَنْ قَالَ لِجَارِيَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ : حَمْلُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حُرٌّ أَوْ مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حُرٌّ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ ؛ عَتَقَ وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِدُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدًا لِأَقَلَّ مِنْهَا بِيَوْمٍ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِأَكْثَرَ مِنْهَا بِيَوْمٍ عَتَقَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَتَقَ لِكَوْنِهِ فِي الْبَطْنِ يَوْمَ الْكَلَامِ فَإِذَا عَتَقَ الْأَوَّلُ عَتَقَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ .
وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَلَا نَسْتَيْقِنُ بِوُجُودِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ ، وَمِنْهَا : الْإِضَافَةُ إلَى بَدَنِ الْمُعْتَقِ أَوْ إلَى جُزْءٍ جَامِعٍ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ أَضَافَ إلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ ؛ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ لَا يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ قَدْرُ مَا أَضَافَ إلَيْهِ لَا غَيْرُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَفِي الطَّلَاقِ تَطْلُقُ كُلُّهَا بِلَا خِلَافٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ،
وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا الْوَطْءُ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ ؛ فَلَا يَكُونُ إثْبَاتُ حُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مُفِيدًا ؛ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِالتَّكَامُلِ .
فَأَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فَلَمْ يُوضَعْ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلِاسْتِرْبَاحِ أَوْ الِاسْتِخْدَامِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ ؛ فَكَانَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مُفِيدًا فَهُوَ الْفَرْقُ ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّكَامُلِ .
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْعِتْقَ مَعْلُومًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَيَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمَجْهُولِ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ : هَذَا حُرٌّ أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتَيْهِ وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسُ : شَرْطٌ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَجْهُولِ عِنْدَهُمْ وَالْكَلَامُ فِي الْعَتَاقِ عَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُقَارِنَةً أَوْ طَارِئَةً بِأَنْ عَتَقَ وَاحِدًا مِنْ عَبِيدِهِ عَيْنًا ثُمَّ نَسِيَ الْمُعْتَقَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْهَا قَبُولُ الْعَبْدِ فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَمَا لَمْ يُقْبَلْ ؛ لَا يَعْتِقُ ، وَمِنْهَا : الْمَجْلِسُ وَهُوَ مَجْلِسُ الْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا وَمَجْلِسُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ غَائِبًا لِمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَهُوَ الْمِلْكُ ؛ إذْ الْمَالِكُ وَالْمَمْلُوكُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ وَالْعَلَاقَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الْإِضَافَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هِيَ الْمِلْكُ فَكَوْنُ الْمُعْتَقِ مَمْلُوكَ الْمُعْتِقِ رَقَبَةً وَقْتَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ شَرْطُ ثُبُوتِهِ فَيَحْتَاجُ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَى بَيَانِ كَوْنِ الْمُعْتَقِ مَمْلُوكَ الْمُعْتِقِ رَقَبَةً وَقْتَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ شَرْطَ ثُبُوتِهِ وَإِلَى بَيَانِ أَنَّهُ : هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكَهُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِالْعِتْقِ أَمْ لَا ؟ وَإِلَى بَيَانِ مَنْ يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ فِي الْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ } وَلِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِ الْمَحَلِّ شَرْطُ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِيهِ وَلَا بُدَّ لِلزَّوَالِ مِنْ سَابِقَةِ الثُّبُوتِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الْبُيُوعِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ؛ لِانْعِدَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَوْ الْمُكَاتَبُ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ ؛ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَدْ مَلَكَهُ الْمَوْلَى فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ ؛ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ
عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْمَأْذُونِ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ ؛ لَمْ يَعْتِقُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ مُكَاتَبِهِ فَلَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ ابْنَهَا مِنْ سَيِّدِهَا عَتَقَ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى يَنْفُذُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَوَلَدِهَا فَيَعْتِقُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ لِقِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ لِمَا قُلْنَا ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَرْبِيِّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَعْتِقُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ يَعْتِقُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا خِلَافَ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ يَعْتِقُ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ مِنْهُ أَمْ لَا ؟ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا وَمَعَهُ مَمَالِيكُ فَقَالَ : هُمْ مُدَبَّرُونَ : إنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَالَ : هُمْ أَوْلَادِي أَوْ هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي قُبِلَ قَوْلُهُ ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَرِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَإِذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِإِعْتَاقِهِ وَإِنَّمَا عَتَقَ بِخُرُوجِهِ
إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ مَوْلَاهُ لَهُ ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَعْتِقُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَكَالْمُسْلِمِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ أَمْلَاكُهُمْ حَقِيقَةً .
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَرِثُونَ وَيُورَثُ عَنْهُمْ ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ يَصِحُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ اسْتِيلَاؤُهَا إلَّا أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلَهُمَا أَنَّ إعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ لَا يُفِيدُ مَعْنَى الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ تَثْبُتُ لِلْمَحَلِّ يَدْفَعُ بِهَا يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَلُّكِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ تَكُونُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَمِلْكُ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي دِيَانَتِهِمْ بِنَاءً عَلَى الْقَهْرِ الْحِسِّيِّ وَالْغَلَبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ حَتَّى إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَهَرَ مَوْلَاهُ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ ؛ مَلَكَهُ ، وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ التَّخْلِيَةُ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى الْعِتْقِ .
هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَلُّكِ تَنْقَطِعُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَظْهَرُ مَعْنَى الْعِتْقِ وَهُوَ الْقُوَّةُ الدَّافِعَةُ يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَبِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُدِينُ الْمِلْكَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْغَلَبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيَةٍ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ
عِنْدَهُمَا كَالْحَرْبِيِّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَكَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَكَانَ الْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الْإِعْتَاقِ .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَالْإِعْتَاقُ لَا يَخْلُو : إمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْجِيزًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إضَافَةً إلَى وَقْتٍ .
فَإِنْ كَانَ تَنْجِيزًا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ وُجُودِهِ ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ لِلْحَالِ وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَالتَّعْلِيقُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ : تَعْلِيقٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَتَعْلِيقٌ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ وَجْهٍ وَمُعَاوَضَةً مِنْ وَجْهٍ ، وَالتَّعْلِيقُ الْمَحْضُ نَوْعَانِ أَيْضًا : تَعْلِيقٌ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ مِنْ الشُّرُوطِ ، وَتَعْلِيقٌ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَتَعْلِيقٌ مَعْنًى لَا صُورَةً ، فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي الْحَاصِلِ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّعْلِيقِ ، مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ وُجُودِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ وَالثَّانِي : فِي بَيَانِ مَا يَظْهَرُ بِهِ وُجُودُ الشَّرْطِ أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالتَّعْلِيقُ الْمَحْضُ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ مِنْ الشُّرُوطِ .
فَنَحْوُ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَقُدُومِ عَمْرٍو وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِوُجُودِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَالْجَزَاءِ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّعْلِيقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا إثْبَاتَ الْعِتْقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا مَحَالَةَ ، وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يُوجَدُ الْمِلْكُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إلَّا إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ
التَّعْلِيقِ ؛ كَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا مَحَالَةَ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ وَالْجَزَاءُ مَا يَكُونُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِهِ لِتَحْصِيلِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ التَّقَوِّي عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ عَلَى التَّحْصِيلِ فَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ ؛ كَانَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ الْمِلْكِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ ، وَكَذَا إذَا أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ كَانَ الْجَزَاءُ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ، ثُمَّ إذَا وُجِدَ التَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّ ؛ فَالْعَبْدُ عَلَى مِلْكِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ يَعْتِقُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ تَنْحَلُ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَ الدَّارَ وَهُوَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ يَبْطُلُ الْيَمِينُ ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى اشْتَرَاهُ ثَانِيًا فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهَا فَائِدَةً لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ بِالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ الْجَزَاءُ عِنْدَ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَإِذَا عَادَ الْمِلْكُ وَالْيَمِينُ قَائِمٌ ؛ عَتَقَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ عِنْدَ الشَّرْطِ ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَهُوَ فِي يَدِهِ ؛ حَنِثَ لِوُجُودِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ بِشَرْطَيْنِ يُرَاعَى قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَدَخَلَ إحْدَى الدَّارَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ الْأُخْرَى يَعْتِقُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَعْتِقُ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ الدُّخُولِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ بِالْعَتَاقِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ : إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ هَوَيْت أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي أَوْ إذَا حِضْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَأَخَوَاتِهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ : شِئْت فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ لَا يَعْتِقْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ ، وَإِنْ قَالَ : لَا أَشَاءُ ؛ يَعْتِقْ لَكِنْ لَا بِقَوْلِ : لَا أَشَاءُ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشَاءَ فِي الْمَجْلِسِ بَلْ لِبُطْلَانِ الْمَجْلِسِ بِإِعْرَاضِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ الْيَوْمَ ؛ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ فُلَانٌ : شِئْت لَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَشَاءُ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً إلَّا إذَا مَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يَشَأْ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ فَقَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت أَنَا فَمَا لَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ مِنْهُ فِي عُمُرِهِ لَا يَعْتِقُ ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ ؛ إذْ الْعَتَاقُ بِيَدِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ لَمْ تَشَأْ فَإِنْ قَالَ : شِئْت لَا يَعْتِقُ ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ : لَا أَشَاءُ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهِ : لَا أَشَاءُ ؛ إذْ لَهُ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَمُوتَ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَالَ : لَا أَشَاءُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ الْمَجْلِسِ وَهَهُنَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَلَهُ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ فَيَعْتِقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ وَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ كَوُقُوعِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ إذْ الْمَوْتُ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدَّمَةِ مَرَضٍ وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ غَدًا إنْ شِئْت فَالْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فَإِنْ شَاءَ فِي الْحَالِ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَشَأْ فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ فَإِذَا شَاءَ فِي الْحَالِ عَتَقَ غَدًا لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عُلِّقَ الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْغَدِ بِالْمَشِيئَةِ فَيَقْتَضِي الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَضَافَ
الْإِعْتَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ إلَى الْغَدِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْمَشِيئَةِ عَلَى الْغَدِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ زُفَرُ : الْمَشِيئَةُ إلَيْهِ لِلْحَالِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ الرَّجُلِ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَيَصِحُّ فِي الْمِلْكِ وَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَيْهِ فِي مِلْكِهِ فَإِذَا جَاءَ بِأَلْفٍ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَلْفِ شَاءَ الْمَوْلَى أَوْ أَبَى وَهُوَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ عَلَى الْقَوْلِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْبُرُهُ عَلَى الْقَبْضِ بِالْحَبْسِ كَذَا فَسَّرَهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ : إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْضَرَ الْمَالَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ الْقَبْضِ عَتَقَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَوْ يَقْبَلْ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ .
( وَجْهُ ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ إلَيْهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ إلَيْهِ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَعْتِقُ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَجَاءَ بِعَبْدٍ رَدِيءٍ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ قَبِلَ يَعْتِقُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ وَلَوْ قَبِلَ يَعْتِقُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً فَأَتَى بِثَوْبٍ مُطْلَقٍ أَوْ دَابَّةٍ مُطْلَقَةٍ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ الْقَبُولِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا أَوْ حَجَجْت بِهَا لَا يَعْتِقُ بِتَسْلِيمِ الْأَلْفِ مَا لَمْ يَقْبَلْ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ هَذَا الدَّنَّ مِنْ الْخَمْرِ لَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ الْقَبُولِ .
( وَجْهُ ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ أَدَاءَ الْمَالِ إلَى الْإِنْسَانِ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } أَيْ : تُسَلِّمُوا وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَبَرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنْ أَدُّوا إلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ } أَيْ سَلِّمُوا وَتَسْلِيمُ الشَّيْءِ
عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِهِ سَالِمًا خَالِصًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَهَذَا يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلِهَذَا كَانَتْ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا فِي الْكِتَابَةِ وَكَذَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ مَعَ مَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَتَضَمَّنُ الْقَبْضَ ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّمَكُّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْقَبْضِ لَا الْجَعْلِ الْبَرَاجِمِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ .
وَأَمَّا الْمَسَائِلُ فَهُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ الْعَبْدُ مُطْلَقًا فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ الْعَبْدُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ لَا مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَبْدِ عُلِمَ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ حَالِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الرَّدِيءِ فَإِذَا قَبِلَ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبِلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ بَلْ الْمُطْلَقَ وَعُلِمَ أَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا آخَرَ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ مَعَ الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِعَبْدٍ جَيِّدٍ أَوْ وَسَطٍ وَخَلَّى يَعْتِقُ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْكُرِّ .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الثَّوْبِ فَثَمَّ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْوَسَطِ لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَاسْمُ الثَّوْبِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْخَزِّ وَالْكَتَّانِ وَالْكِرْبَاسِ وَالصُّوفِ وَكُلِّ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ فَكَانَ الْوَسَطُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً وَلَا يَقَعُ عَلَى أَدْنَى الْوَسَطِ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ كَمَا لَا يَقَعُ عَلَى أَدْنَى الرَّدِيءِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ أَدْنَى الْوَسَطِ وَهُوَ الْكِرْبَاسُ وَهُوَ ثَوْبٌ تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ مِمَّا لَا يُرْغَبُ فِيهِ بِمُقَابَلَةِ إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ ، وَمَتَى بَقِيَ مَجْهُولًا لَا تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَالتَّخْلِيَةُ حَتَّى لَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا
هَرَوِيًّا فَأَنْتَ حُرٌّ يَقَعُ عَلَى الْوَسَطِ وَإِذَا جَاءَ بِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ تَحْتَهَا أَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَاسْمُ الدَّابَّةِ يَقَعَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِرَادِ حَتَّى لَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَرَسًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدْ قَالُوا : إنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَحَجَجْت بِهَا أَوْ قَالَ : وَحَجَجْت بِهَا فَأَتَى بِالْأَلْفِ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا يَعْتِقُ إذَا خَلَّى وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَحُجُّ بِهَا لِبَيَانِ الْغَرَضِ تَرْغِيبًا لِلْعَقْدِ فِي الْأَدَاءِ حَيْثُ يَصِيرُ كَسْبُهُ مَصْرُوفًا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ .
وَمَسْأَلَةُ الْخَمْرِ لَا رِوَايَةَ فِيهَا وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى دَنٍّ مِنْ خَمْرٍ أَوْ عَلَى كَذَا عَدَدٍ مِنْ الْخَنَازِيرِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَتَى بِهَا فَهُوَ حُرٌّ فَقَبِلَ ؛ يَكُونُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَلَوْ جَاءَ بِهَا الْمُكَاتَبُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ وَيُقَالَ : يَعْتِقُ هَهُنَا بِالتَّخْلِيَةِ أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ : إنَّ الْعِتْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْكِتَابَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِشُرُوطِهَا لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ .
وَالْمَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت : فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : لَيْسَ هَذَا بِمُكَاتَبٍ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قَالُوا : يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهِ وَيَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ يُورَثُ مَعَ أَكْسَابِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ فِي يَدِهِ مَالٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى أَكْسَابِهِ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى ، وَقَالُوا : إنَّ الْمَوْلَى لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ صَحَّ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُكَاتِبِ وَإِذَا رَضِيَ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ : إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ كُلَّهَا مِنْ عِنْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ عِتْقِهِمَا أَدَاءَهُمَا جَمِيعًا الْأَلْفَ وَلَمْ يُوجَدْ الْأَلْفُ فَلَا يَعْتِقَانِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُمَا : إنْ دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَدْخُلْ الْآخَرُ وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ كُلَّهَا وَقَالَ : خَمْسُمِائَةٍ مِنْ عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى بَعَثَ بِهَا صَاحِبِي لِيُؤَدِّيَهَا إلَيْك عَتَقَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ أَدَاءُ الْأَلْفِ مِنْهُمَا : حِصَّةُ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، وَحِصَّةُ الْآخَرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَابٌ تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَابَةُ فَقَامَ أَدَاؤُهُ مَقَامَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ ، وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ لَمْ يَعْتِقَا ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ أَدَاؤُهُمَا .
وَأَمَّا إذَا أَدَّى الْأَجْنَبِيُّ الْأَلْفَ وَقَالَ : أُؤَدِّيهَا إلَيْك عَلَى أَنَّهُمَا حُرَّانِ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ عَتَقَا ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ آخَرَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغَيْرِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ هَذَا الْعِتْقِ تَحْصُلُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ عَلَى الْغَيْرِ مَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِآخَرَ : طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفِي هَذِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ فَطَلَّقَ أَنَّ الْأَلْفَ تَكُونُ لِلْمُطَلِّقِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِالطَّلَاقِ مَنْفَعَةٌ إذْ هُوَ إسْقَاطُ حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ صَارَ مُتَبَرِّعًا عَنْهَا بِذَلِكَ فَأَشْبَهَ مَا إذَا قَضَى عَنْهَا دَيْنًا بِخِلَافِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لِلْمَوْلَى مَنْفَعَةٌ وَهُوَ الْوَلَاءُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَدَلًا عَلَى
الْغَيْرِ وَلَوْ أَدَّاهَا الْأَجْنَبِيُّ وَقَالَ : هُمَا أَمَرَانِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا عَنْهُمَا فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى عَتَقَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ رَسُولًا عَنْهُمَا فَأَدَاءُ الرَّسُولِ أَدَاءُ الْمُرْسِلِ فَإِنْ أَدَّى الْعَبْدُ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ عَتَقَ ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا أَذِنَ لَهُ بِالْأَدَاءِ مِنْ هَذَا الْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى الْقَبُولِ ، وَالْكَسْبُ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ بِأَنْ غَصَبَ أَلْفًا مِنْ رَجُلٍ وَأَدَّى وَلَمْ يُجِزْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَدَاءَهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَغْصُوبَ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمِثْلِهَا وَإِنْ أَدَّى مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ ؛ صَحَّ الْأَدَاءُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِمِثْلِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَالَ الْمَوْلَى فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّ اكْتِسَابَهُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا : إنَّهُ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَكَانَ إقْدَامُهُ عَلَى هَذَا الْقَبُولِ إذْنًا لَهُ بِالتِّجَارَةِ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْأَلْفِ إلَّا بِالتِّجَارَةِ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ فَقَدْ حَصَلَ الْأَدَاءُ مِنْ كَسْبٍ هُوَ مَأْذُونٌ فِي الْأَدَاءِ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ أَوْ نَقُولُ : الْكَسْبُ الْحَاصِلُ بَعْدَ الْقَبُولِ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُؤَدِّي كَكَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَصَارَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَلَدُهَا .
وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى : حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ عَنْهُ فَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، فَإِنَّ الْعِتْقَ فِيهَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَالْحَطُّ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَفْوِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَبِلَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ خَدَمْتَنِي سَنَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَخَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يُكْمِلَ خِدْمَتَهُ ، وَكَذَا إنْ صَالَحَهُ مِنْ الْخِدْمَةِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي جَعَلَ عَلَيْهِ عَلَى دَنَانِيرَ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : اخْدِمْ أَوْلَادِي سَنَةً وَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يَعْتِقْ وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالرِّضَا وَعَدَمِهِ وَإِسْقَاطِ بَعْضِ الشَّرْطِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ : إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا وَقَالَ الْمَوْلَى : أَسْقَطْت عَنْك دُخُولَ الْأُخْرَى لَا يَسْقُطُ كَذَا هَذَا .
وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ يَعْتِقْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ أَدَّيْت لِي أَلْفًا فِي كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّاهَا فِي كِيسٍ أَسْوَدَ ؛ لَا يَعْتِقُ وَفِي الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ هَهُنَا يَثْبُتُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا مِنْ طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَدَّى إلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ : لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ قَبِلَهَا عَتَقَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَعَلَى هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ مُطَّرِدٌ عَلَى الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ، وَالْجَزَاءُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْمِلْكِ الثَّانِي كَحُكْمِهِ فِي الْمِلْكِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ لِمُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ دَلَّتْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ ظَاهِرًا لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ تَحْرِيضُهُ عَلَى الْكَسْبِ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْمَالُ وَذَلِكَ فِي الْمَالِ الْقَائِمِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْعِتْقِ الْمُرَغِّبِ لَهُ فِي الْكَسْبِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُطْلَقُ الْمِلْكِ فَإِذَا أَتَى بِالْمَالِ بَعْدَ مَا بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ لِتَقَيُّدِهِ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ ظَاهِرًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَإِذَا قَبِلَ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُطْلَقُ .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِكِتَابَةٍ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَا لَمْ تُؤَدِّ وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا لَمْ تُؤَدِّ إلَيْهِ ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّهْرِ لَمْ تَعْتِقْ كَذَا ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَهِشَامٍ ، وَذَكَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَقَالَ : هَذِهِ مُكَاتَبَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ، وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّهْرِ ؛ كَانَ جَائِزًا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ الْأَجَلَ فَدَلَّ أَنَّهُ كِتَابَةٌ ، وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ فِي وَقْتٍ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كِتَابَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ الْيَوْمَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ غَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كِتَابَةً وَإِنْ أَدْخَلَ الْأَجَلَ فِيهِ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَمْ تُؤَدِّهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّتْهَا فِي غَيْرِهِ ؛ لَمْ تَعْتِقْ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كِتَابَةً لَمَا بَطَلَ ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِيهِمَا فَدَلَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكِتَابَةٍ بَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَكِنْ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِالْأَدَاءِ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؟ فَإِنْ قَالَ : مَتَى أَدَّيْت أَوْ مَتَى مَا أَدَّيْت أَوْ إذَا مَا أَدَّيْت فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعْنَى الْوَقْتِ وَإِنْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَظَاهِرُ مَا رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَدُلُّ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : إنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ
ثُمَّ فِي كَلِمَةِ : إذَا أَوْ مَتَى لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَا فِي كَلِمَةِ إنْ وَكَذَا ذَكَرَ بِشْرٌ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَطْفًا عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : إنَّ الْمَوْلَى إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَأَدَّى الْمَالَ عَتَقَ وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْفُذَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَأَدَاءُ الْمَالِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ فَلَا يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ قَوْلِهِ : إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِالْأَدَاءِ مُعَلَّقٌ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت وَلَوْ قَالَ : إنْ شِئْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ قَالَ : إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَذَا هَهُنَا ، وَسَوَاءٌ أَدَّى الْأَلْفَ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّفَارِيقِ : خَمْسَةٍ وَعَشَرَةٍ وَعِشْرِينَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى إذَا تَمَّ الْأَلْفُ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ مُطْلَقًا وَقَدْ أَدَّى ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ فَأَدَّاهَا مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ ، وَقَالَ زُفَرُ : يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكَسْبَ حَصَلَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فَإِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ الرَّقَبَةِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ كَسْبُهُ عِوَضًا عَنْ الرَّقَبَةِ فَيَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُؤَدَّى مِنْ الْكَسْبِ
الْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَوْلِ لَيْسَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى كَكَسْبِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَطْمَعَهُ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ فَصَارَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهِ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى تَحْصِيلِهِ فَصَارَ كَسْبُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَمَا لَمْ يُؤَدِّ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِجَوَابِ الْأَمْرِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَلَوْ قَالَ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا رِوَايَةَ فِي هَذَا وَقِيلَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ قَدْ يَكُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ وَلَوْ قَالَ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ لِلْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَهُنَا مَا يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ الْجَوَابِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ وَقْتُ التَّعْلِيقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَمَةِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إضَافَةِ الْوِلَادَةِ إلَى الْمِلْكِ فَيَصِحُّ فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فَكُلُّ وَلَدٍ تَلِدُهُ فِي مِلْكِهِ يَعْتِقُ وَإِنْ وَلَدَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَعْتِقُ وَتَبْطُلُ الْيَمِينُ بِأَنْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَا مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ بَعْدَ مَا بَاعَهَا وَلَوْ ضَرَبَ ضَارِبٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ؛ كَانَ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَحْصُلُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَالضَّرْبُ حَصَلَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَكَانَ عَبْدًا فَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْحُرِّ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا حَمَلْت بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ كَانَ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَحْصُلُ مِنْهَا لِلْحَمْلِ فَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ مَا لَمْ تَلِدْ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بِوُجُودِهِ فَإِذَا أَلْقَتْ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الضَّرْبِ فَإِنْ قِيلَ : الْحُرِّيَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ حُدُوثِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَلَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ : لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِالْأَرْشِ عَلَى الضَّارِبِ فَقَدْ صَارَ مَحْكُومًا بِحُدُوثِ الْحَيَاةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِتْلَافِ الْحَيِّ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ بَاعَهَا وَالْحَمْلُ مَوْجُودٌ وَالْحُرِّيَّةُ ثَابِتَةٌ فِيهِ وَحُرِّيَّةُ الْحَمْلِ تَمْنَعُ جَوَازَ بَيْعِ الْأُمِّ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ؛ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ فَسْخُ
الْبَيْعِ وَإِثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَوْجُهٍ : إمَّا إنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا بِأَنْ اتَّفَقَ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ عَلَى أَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ ، وَإِمَّا إنْ لَمْ يُعْلَمْ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ ، وَإِمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ .
فَإِنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ هُوَ الْأَوَّلُ فَهُوَ رَقِيقٌ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِوِلَادَتِهِ عِتْقُ الْأُمِّ وَهِيَ إنَّمَا تَعْتِقُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَكَانَ انْفِصَالُ الْوَلَدِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عِتْقُ الْأُمِّ وَتَعْتِقُ الْأُمُّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَتَعْتِقُ الْجَارِيَةُ بِعِتْقِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ هِيَ الْأُولَى لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَ لَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي الْوِلَادَةِ أَوْ مُتَأَخِّرًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلًا فَذَاكَ شَرْطُ عِتْقِ أُمِّهِ لَا شَرْطُ عِتْقِهِ ، وَعِتْقُ أُمِّهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا فَوِلَادَتُهَا لَمْ تَجْعَلْ شَرْطَ الْعِتْقِ فِي حَقِّ أَحَدٍ ؛ فَلَمْ يَكُنْ لِلْغُلَامِ حَالٌ فِي الْحُرِّيَّةِ رَأْسًا فَكَانَ رَقِيقًا عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ وَالْأُمُّ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَتُرَقُّ فِي حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ أَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِيهَا .
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلِعِتْقِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إذَا عَتَقَتْ ؛ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا فَعَتَقَتَا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا لَا يَعْتِقَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْعِتْقِ فِي الْأُمِّ ، وَإِذَا لَمْ تَعْتِقْ الْأُمُّ ؛ لَا تَعْتِقُ
الْجَارِيَةُ لِأَنَّ عِتْقَهَا بِعِتْقِهَا فَإِذًا هُمَا يَعْتِقَانِ فِي حَالٍ وَيُرَقَّانِ فِي حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ الْعِتْقُ فِيهِمَا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ لِأَصْحَابِنَا فِي اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ اشْتِبَاهِهَا ، وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى عَلَى عِلْمِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَابْنَتُهَا وَكَانَ الْغُلَامُ عَبْدًا وَإِنْ حَلَفَ ؛ كَانُوا جَمِيعًا أَرِقَّاءَ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ الْمَوْلَى حَتَّى مَاتَ وَخُوصِمَ وَارِثُهُ بَعْدَهُ فَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدْرِي وَحَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا رُقُّوا ، ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَحْوَالَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْبَيَانِ وَالْبَيَانُ هَهُنَا مُمْكِنٌ بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْحَالِفِ فَلَا تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْبَيَانِ بِالْيَمِينِ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَ الْمَوْلَى الْحَلِفَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا مَعَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى : إنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الْأُولَى لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ لَا غَيْرُ أَمَّا الْأُمُّ : فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ .
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ : فَلِعِتْقِ الْأُمِّ .
وَأَمَّا رِقُّ الْغُلَامِ فَلِانْفِصَالِهِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عِتْقُ الْأُمِّ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى عَتَقَتْ هِيَ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِوِلَادَتِهَا عِتْقُهَا لَا غَيْرُ وَعِتْقُهَا لَا
يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا أَمَّا حُرِّيَّةُ الْجَارِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلِأَنَّهُ لَا حَالَ لَهَا فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَعْتِقُ فَتُعْتَقُ هِيَ بِعِتْقِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا فَقَدْ عَتَقَتْ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِي حَقِّهَا فَكَانَتْ حُرَّةً عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَأَمَّا رِقُّ الْغُلَامِ عَلَى كُلِّ حَالٍ : فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَالٌ فِي الْحُرِّيَّةِ سَوَاءٌ وُلِدَ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا .
وَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ نِصْفُهَا ؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَتُرَقُّ فِي حَالٍ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلُ تَعْتِقُ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ أَيْضًا بِعِتْقِ الْأُمِّ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِهِ عِتْقُهَا لَا غَيْرُ وَعِتْقُهَا لَا يَتَعَدَّى إلَى عِتْقِ الْأُمِّ فَإِذًا تَعْتِقُ الْأُمُّ فِي حَالٍ وَلَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ هُوَ لَا غَيْرُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْجَارِيَةَ وُلِدَتْ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْغُلَامُ لَا غَيْرُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا فَالْغُلَامُ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَ لَهُ فِي الرِّقِّ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا ، وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَ لَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ تَقَدَّمَتْ فِي الْوِلَادَةِ أَوْ تَأَخَّرَتْ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ لَا يَعْتِقُ إلَّا هُوَ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ هِيَ الْأُولَى لَا تَعْتِقُ إلَّا الْأُمُّ وَالْغُلَامُ فَلَمْ
يَكُنْ لِلْجَارِيَةِ حَالٌ فِي الْحُرِّيَّةِ فَبَقِيَتْ رَقِيقَةً وَالْأُمُّ يَعْتِقُ مِنْهَا نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ إنْ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى تَعْتِقُ الْأُمُّ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ هُوَ الْأَوَّلُ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهَا فَتَعْتِقُ فِي حَالٍ وَلَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَيْنِ وَعَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا .
هَذَا إذَا وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ عُلِمَ أَوَّلُهُمْ أَنَّهُ ابْنٌ يَعْتِقُ هُوَ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ لَا غَيْرُ يَعْتِقُ هُوَ لَا غَيْرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ فَهِيَ رَقِيقَةٌ وَمَنْ سِوَاهَا أَحْرَارٌ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ وِلَادَتَهَا أَوَّلًا شَرْطَ حُرِّيَّةِ الْأُمِّ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَيَعْتِقُ كُلُّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ يَعْتِقُ مِنْ الْغُلَامَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَيَسْعَى فِي رُبُعِ قِيمَتِهِ وَيَعْتِقُ مِنْ الْأُمِّ نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَيَعْتِقُ مِنْ الْبِنْتَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا وَتَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ أَمَّا الْغُلَامَانِ فَلِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَلَدَتْ إنْ كَانَ غُلَامًا عَتَقَ الْغُلَامُ كُلُّهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً عَتَقَ الْغُلَامَانِ لِأَنَّ الْأُمَّ تَعْتِقُ وَيَعْتِقُ كُلُّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُمْ الْغُلَامَانِ وَالْجَارِيَةُ الْأُخْرَى وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِحُرِّيَّةِ أَحَدِ الْغُلَامَيْنِ وَشَكَكْنَا فِي الْآخَرِ وَلَهُ حَالَتَانِ : يَعْتِقُ فِي حَالٍ ، وَلَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ فَيَعْتِقُ غُلَامٌ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَأَيُّهُمَا عَتَقَ نِصْفُهُ فَاسْتَوَيَا فِي
ذَلِكَ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَيَسْعَى فِي رُبُعِ قِيمَتِهِ .
وَأَمَّا الْأَمُّ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَلَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا وَلَدَتْ إنْ كَانَ غُلَامًا لَا تَعْتِقُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً تَعْتِقُ فَتَعْتِقُ فِي حَالٍ وَتُرَقُّ فِي حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِهَا .
وَأَمَّا الْجَارِيَتَانِ فَإِحْدَاهُمَا أَمَةٌ بِلَا شَكٍّ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا وَلَدَتْ إنْ كَانَ غُلَامًا فَهُمَا رَقِيقَانِ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَإِنَّ الْأُولَى لَا تَعْتِقُ وَتَعْتِقُ الْأُخْرَى بِعِتْقِ الْأُمِّ فَإِذًا فِي حَالَةٍ لَهُمَا حُرِّيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي حَالَةٍ لَا شَيْءَ لَهُمَا فَيَثْبُتُ لَهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَصِيرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ رُبُعُ الْكُلِّ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا وَتَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ وَلَدْت غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا فَالْغُلَامُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهَا وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَانِ لِانْفِصَالِهِمَا عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ وَعِتْقُ الْأُمِّ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا عَتَقَ الْغُلَامُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَالْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَتَانِ لِأَنَّ عِتْقَ الْغُلَامِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوَّلًا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ فَالْجَارِيَةُ رَقِيقَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَ لَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تُرَقُّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ .
وَأَمَّا الْغُلَامُ وَالْأُمُّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ وَيُرَقُّ فِي حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ .
هَذَا إذَا وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ ثُمَّ جَارِيَتَيْنِ ؛ عَتَقَتْ الْأُمُّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَعَتَقَتْ الْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ بِعِتْقِهَا وَبَقِيَ الْغُلَامَانِ وَالْجَارِيَةُ الْأُولَى أَرِقَّاءَ ، وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَتَيْنِ ثُمَّ غُلَامًا ؛ عَتَقَتْ الْأُمُّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ وَالْغُلَامُ الثَّانِي بِعِتْقِ الْأُمِّ ، وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً ، ثُمَّ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً عَتَقَتْ الْأُمُّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَالْغُلَامُ الثَّانِي وَالْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ بِعِتْقِ الْأُمِّ ، وَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَتَيْنِ ثُمَّ غُلَامَيْنِ عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَالْغُلَامُ الثَّانِي وَالْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ بِعِتْقِ الْأُمِّ ، وَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَتَيْنِ ثُمَّ غُلَامَيْنِ عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ
الشَّرْطِ وَبَقِيَ مَنْ سِوَاهُ رَقِيقًا وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامَيْنِ ثُمَّ جَارِيَةً عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرُ ، وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِأَنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَيَّهُمْ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ مِنْ الْأَوْلَادِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُهُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْغُلَامَيْنِ مَعَ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ رَقِيقَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا حَالٌ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْجَارِيَةُ الْأُخْرَى وَالْغُلَامُ الْآخَرُ يَعْتِقُ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا فِي حَالٍ وَيُرَقُّ فِي حَالٍ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ فَمَا أَصَابَ الْجَارِيَةَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى نِصْفَيْنِ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبُعُهَا وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ الْغُلَامَ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُلَامِ الْآخَرِ نِصْفَيْنِ لِمَا قُلْنَا .
وَأَمَّا الْأُمُّ فَيَعْتِقُ مِنْهَا نِصْفُهَا لِأَنَّهُ إنْ سَبَقَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ فَتَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ سَبَقَتْ وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ لَا تَعْتِقُ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ لِمَا قُلْنَا .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ وَلَدْت مَا فِي بَطْنِك فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ عَتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَيَقَّنَّا بِكَوْنِهِ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُولَدُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَيَقَّنَّا بِكَوْنِهِ دَاخِلًا تَحْتَ الْإِيجَابِ وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْجُودًا ثُمَّ وُجِدَ بَعْدُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِيجَابِ مَعَ الشَّكِّ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا : مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ إلَّا أَنَّ هَهُنَا يَعْتِقُ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ : يَوْمَ تَلِدُ لِأَنَّ هُنَاكَ شُرِطَ الْوِلَادَةُ وَلَمْ تُشْتَرَطْ هَهُنَا وَلَوْ قَالَ لَهَا : إذَا حَمَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِسَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْكَلَامِ لَا تَعْتِقُ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَقَعُ عَلَى حَمْلٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَإِذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِسَنَتَيْنِ ؛ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ حُبْلَى مِنْ وَقْتِ الْكَلَامِ لَا تَعْتِقُ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِسَنَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ حُبْلَى وَقْتَ الْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَدَثَ الْحَمْل بَعْدَ الْيَمِينِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي شَرْطِ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ مَعَ الشَّكِّ ، فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ الْحَمْلَ حَصَلَ بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْعِتْقِ وَهُوَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيَعْتِقُ .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّ مِنْ أَصْلِكُمْ أَنَّ الْوَطْءَ إذَا كَانَ مُبَاحًا تُقَدَّرُ مُدَّةُ الْحَبَلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَلَّا قَدَّرْتُمْ هَهُنَا كَذَلِكَ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ : هَذَا مِنْ أَصْلِنَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ
فِيهِ إثْبَاتُ رَجْعَةٍ أَوْ إعْتَاقٍ بِالشَّكِّ وَلَوْ جَعَلْنَا مُدَّةَ الْحَمْلِ هَهُنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ لَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ثُمَّ إنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمَقَالَةِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَتَّى عَتَقَتْ وَقَدْ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا عُقْرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَطِئَهَا عُلِمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا وَضَعْت لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْوَطْءِ ؛ عُلِمَ أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ قَبْلَ هَذَا الْوَطْءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ يُحْتَمَل أَنَّ الْحَمْلَ حَصَلَ بِذَلِكَ الْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يُصَادِفْ الْحُرِّيَّةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَصَلَ بِوَطْءٍ قَبْلَهُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْعُقْرِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ وَيَنْبَغِي فِي الْوَرَعِ وَالتَّنَزُّهِ إذَا قَالَ لَهَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا أَنْ يَعْتَزِلَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَحَامِلٌ أَمْ لَا فَإِنْ حَاضَتْ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا لِجَوَازِ أَنَّهَا قَدْ حَمَلَتْ بِذَلِكَ الْوَطْءِ فَعَتَقَتْ فَإِذَا وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ وَطْءَ الْحُرَّةِ فَيَكُونُ حَرَامًا فَيَعْتَزِلُهَا صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنْ الْحَرَامِ ، فَإِذَا حَاضَتْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَمْلَ لَمْ يُوجَدْ إذْ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَلِهَذَا تُسْتَبْرَأُ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِحَيْضَةٍ لِدَلَالَتِهَا عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ ، وَلَوْ بَاعَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ ثُمَّ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يُنْظَرُ : إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِسَنَتَيْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ ؛ يَصِحُّ الْبَيْعُ لِجَوَازِ أَنَّ
الْوَلَدَ حَدَثَ بَعْدَ الْيَمِينِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالشَّكِّ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ يُنْظَرُ : إنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَعَتَقَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا ، وَبَيْعُ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ قَدْ صَحَّ فَلَا يُفْسَخُ بِالشَّكِّ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الرَّحِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَالْمُرَادُ مِنْهُ : جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ مَا فِي الرَّحِمِ وَلَيْسَ كُلُّ الْحَمْلِ الْغُلَامَ وَحْدَهُ وَلَا الْجَارِيَةَ وَحْدَهَا بَلْ بَعْضُهُ غُلَامٌ وَبَعْضُهُ جَارِيَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ كَانَ كُلُّ حَمْلِك غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ حَمْلِك جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَلَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك لِأَنَّ هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِك عَتَقَ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ بَلْ يَقْتَضِي وُجُودَهُ وَقَدْ وُجِدَ غُلَامٌ وَوُجِدَ أَيْضًا جَارِيَةٌ فَعَتَقَا وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ كُنْت حُبْلَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهِيَ حُرَّةٌ وَوَلَدُهَا ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةٍ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا أَتَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّ الْحَمْلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ
فَتَعْتِقُ الْأُمُّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهَا وَهُوَ كَوْنُهَا حَامِلًا وَقْتَ الْيَمِينِ وَيَعْتِقُ الْحَمْلُ بِعِتْقِهَا تَبَعًا لَهَا ، وَإِذَا أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحَمْلٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ فَلَا يَعْتِقُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحَمْلٍ مَوْجُودٍ وَقْتَ الْيَمِينِ فَيَعْتِقُ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْعِتْقِ فَلَا يَعْتِقُ مَعَ الشَّكِّ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ التَّدْبِيرَ : تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ قَوْلًا ، وَالِاسْتِيلَادُ : تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ فِعْلًا لَكِنْ الشَّرْطُ فِيهِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى السَّبَبِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كِتَابٌ مُفْرَدٌ .
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ الْمَحْضُ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً .
فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِأَمَتِهِ : كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ ؛ لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ " إنْ " وَإِذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَيْسَتْ كَلِمَةَ تَعْلِيقٍ بَلْ هِيَ كَلِمَةُ الْإِحَاطَةِ بِمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ تَعْلِيقٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِوُجُودِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وَهُوَ الْوَلَدُ الَّذِي تَلِدُهُ فَيَتَوَقَّفُ وُقُوعُ الْعِتْقِ عَلَى اتِّصَافِهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ بِهِ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ : إنْ وَلَدْت وَلَدًا أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مَوْجُودًا فِيهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا : كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ ، وَيَصِحُّ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَقِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ يَكْفِي لِصِحَّتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إضَافَةُ الْوِلَادَةِ إلَى الْمِلْكِ لِلصِّحَّةِ بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ وَأَنْتِ فِي مِلْكِي فَهُوَ حُرٌّ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنْ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَتَبْطُلُ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ .
كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ الدَّارَ يَبْطُلُ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا فَدَخَلَ الدَّارَ ؛ لَا يَعْتِقُ كَذَا هَذَا ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدٍ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ : كُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لَك فَهُوَ حُرٌّ فَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِلْكَ الْحَالِفِ يَوْمَ حَلِفَ عَتَقَ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَلَا وَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مِلْكِ الْأَمَةِ لَا إلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ يَتْبَعُ الْأُمَّ لَا الْأَبَ ، فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ عَلَى مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ وَمِلْكُ الْأُمِّ سَبَبُ ثُبُوتِ مِلْكِ الْوَلَدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : كُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لَك مِنْ أَمَةٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ فَإِذَا لَمْ تَكُنِ الْأَمَةُ مَمْلُوكَةً فِي الْحَالِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ لَا يُوجَدُ مِلْكُ الْوَلَدِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ ظَاهِرًا فَلَمْ يُوجَدْ التَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا إذَا وُلِدَ الْوَلَدُ مِنْ أَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْحَالِفِ مِنْ نِكَاحٍ فَأَمَّا إذَا وُلِدَ مِنْهَا مِنْ سِفَاحٍ بِأَنْ زَنَى الْغُلَامُ بِهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ هَلْ يَعْتِقُ أَمْ لَا ؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ الْمَيِّتُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ الْمَيِّتُ وَلَدًا حَقِيقَةً ، وَهَلْ يَعْتِقُ الْوَلَدُ الْحَيُّ ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَعْتِقُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَعْتِقُ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ يَرْجِعُ إلَى كَيْفِيَّةِ الشَّرْطِ أَنَّ الشَّرْطَ وِلَادَةُ وَلَدٍ مُطْلَقٍ أَوْ وِلَادَةُ وَلَدٍ حَيٍّ فَعِنْدَهُمَا : الشَّرْطُ وِلَادَةُ وَلَدٍ مُطْلَقٍ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَلَا يُتَصَوَّرُ نُزُولُ الْجَزَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : الشَّرْطُ وِلَادَةُ وَلَدٍ حَيٍّ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الشَّرْطُ بِوِلَادَةِ وَلَدٍ مَيِّتٍ فَيَبْقَى الْيَمِينُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ وِلَادَةُ وَلَدٍ حَيٍّ ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَالِفَ جَعَلَ الشَّرْطَ وِلَادَةَ وَلَدٍ مُطْلَقٍ ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اسْمَ الْوَلَدِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِصِفَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ، وَالْوَلَدُ الْمَيِّتُ وُلِدَ حَقِيقَةً حَتَّى تَصِيرَ الْمَرْأَةُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرَ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عِتْقَ عَبْدٍ آخَرَ أَوْ طَلَاقَ امْرَأَةٍ نَزَلَ عِنْدَ وِلَادَةِ وَلَدٍ مَيِّتٍ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا : إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَعَبْدِي فُلَانٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا عَتَقَ عَبْدُهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْوِلَادَةُ شَرْطًا لَمَا عَتَقَ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ لَكِنْ الْمَحَلُّ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْجَزَاءِ فَيَنْحَلُّ الْيَمِينِ لَا إلَى جَزَاءٍ وَتَبْطُلُ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ دَخَلَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَكِنْ لَا إلَى جَزَاءٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ وَدَخَلَ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَقْيِيدُ التَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتَ فِي
مِلْكِي مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ كَذَا هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْإِيجَابَ أُضِيفَ إلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلْحُرِّيَّةِ ؛ إذْ الْعَاقِلُ الَّذِي لَا يَقْصِدُ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْحُرِّيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَالْقَابِلُ لِلْحُرِّيَّةِ هُوَ الْوَلَدُ الْحَيُّ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَوَّلُ وَلَدٍ وَلِدَتَيْهِ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ : إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ الْحَيَاةِ لِلْمَضْرُوبِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلضَّرْبِ كَذَا هَهُنَا ، وَلَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ هَهُنَا تَقَيَّدَ لِنُزُولِ الْجَزَاءِ وَهُنَاكَ تَقَيَّدَ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِالْوِلَادَةِ عِتْقَ عَبْدٍ آخَرَ أَوْ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَحَلَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْإِيجَابُ قَابِلٌ لِلْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِحَيَاةِ الْوَلَدِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا : إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ : أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا عَتَقَتْ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَعَبْدِي فُلَانٌ ، أَنَّ وِلَادَةَ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ تَصْلُحُ شَرْطًا فِي عِتْقِ عَبْدٍ آخَرَ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِلتَّعْلِيقِ وَلَا تَصْلُحُ شَرْطًا فِي عِتْقِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ جَزَاءَانِ ثُمَّ يُنْزَلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِمَانِعٍ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ : حِضْت فَكَذَّبَهَا ؛ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَلَا يَقَعُ عَلَى الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ وَاحِدًا كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّمَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لِلتَّصْحِيحِ وَالْإِيجَابِ هُنَاكَ صَحِيحٌ بِدُونِ الْمِلْكِ لِقَبُولِ الْمَحَلِّ الْعِتْقَ عِنْد وُجُودِ الشَّرْطِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ ، وَالْبَاطِلُ لَا يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ النَّفَاذِ أَمَّا هَهُنَا فَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ الْإِيجَابِ فِي الْمَيِّتِ رَأْسًا لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْمَحَلِّ ؛ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى إعْتَاقِ الْمَيِّتِ بِوَجْهٍ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى التَّقْيِيدِ بِصِفَةِ الْحَيَاةِ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ : إذَا قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ حَيٌّ عَتَقَ الْحَيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْإِيجَابُ وَهُوَ الْعَبْدُ لَا يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ إلَّا بِصِفَةِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ كَمَا فِي الْوِلَادَةِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ أَطْلَقَ اسْمَ الْعَبْدِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يُقَيَّدُ بِحَيَاةِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْوِلَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِاسْمِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْمَرْقُوقِ وَقَدْ بَطَلَ الرِّقُّ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بِإِدْخَالِهِ عَلَيْهِ فَيَعْتِقُ الثَّانِي لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ اسْمٌ لِلْمَوْلُودِ وَالْمَيِّتُ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً فَإِنْ قِيلَ : الرِّقُّ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى كَفَنُ عَبْدِهِ الْمَيِّتِ فَالْجَوَابُ : إنَّ وُجُوبَ الْكَفَنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَكَفَنُهُ عَلَى أَقَارِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِلْكٌ ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْمَيِّتِ ؛ صَارَ الثَّانِي أَوَّلَ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ أُدْخِلَ عَلَيْهِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَيَعْتِقُ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ الرَّجُلِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ وَيَقَعُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ شَيْئًا يَوْمَ الْحَلِفِ ؛ كَانَ الْيَمِينُ لَغْوًا حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلْحَالِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِتْقُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَالِ وَكَذَا إذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ قُدِّمَ الشَّرْطُ أَوْ أُخِّرَ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ : إذَا دَخَلْت أَوْ إذَا مَا دَخَلْت أَوْ مَتَى دَخَلْت أَوْ مَتَى مَا دَخَلْت أَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَكَذَا إذَا قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ عُرْفًا وَشَرْعًا وَلُغَةً أَمَّا الْعُرْفُ : فَإِنَّ مَنْ قَالَ : فُلَانٌ يَأْكُلُ أَوْ يَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ أَوْ يَقُولُ الرَّجُلُ : أَنَا أَمْلِكُ أَلْفَ دِرْهَمٍ يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ .
وَأَمَّا الشَّرْعُ : فَإِنَّ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا وَلَوْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا يَكُونُ شَاهِدًا ، وَلَوْ قَالَ : أُقِرُّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ .
وَأَمَّا اللُّغَةُ : فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَالِ عَلَى طَرِيقِ الْأَصَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَالِ صِيغَةٌ أُخْرَى وَلِلِاسْتِقْبَالِ السِّينُ وَسَوْفَ ، فَكَانَتْ الْحَالُ أَصْلًا فِيهَا وَالِاسْتِقْبَالُ دَخِيلًا فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُصْرَفُ إلَى الْحَالِ وَلَوْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ مَا اُسْتُقْبِلَ مِلْكُهُ ؛ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ وَمَا اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلْحَالِ فَإِذَا قَالَ : أَرَدْت بِهِ الِاسْتِقْبَالَ فَقَدْ أَرَادَ صَرْفَ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ ، وَيُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ : أَرَدْت
مَا يَحْدُثُ مَلِكِي فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا إذَا قَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ ثُمَّ قَالَ : لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ عَنَيْتهَا طَلُقَتْ الْمَعْرُوفَةُ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ وَالْمَجْهُولَةُ بِاعْتِرَافِهِ كَذَا هَهُنَا وَكَذَا لَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ السَّاعَةَ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّ هَذَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا يَعْتِقُ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ السَّاعَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ النَّاسِ وَهِيَ الْحَالُ لَا السَّاعَةُ الزَّمَانِيَّةُ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُنَجِّمُونَ ؛ فَيَتَنَاوَلُ هَذَا الْكَلَامُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ لَا مَنْ يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَهُ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِهِ مَنْ أَسْتَفِيدُهُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الزَّمَانِيَّةِ يُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِهِ اللَّفْظَ عَمَّنْ يَكُونُ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ - قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَ - بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ؛ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ أَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ فَيَتَنَاوَلُ مَا فِي مِلْكِهِ لَا مَا يَسْتَفِيدُهُ كَمَا إذَا قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ يَدْخُلُ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِهِ مَا اُسْتُحْدِثَ مِلْكُهُ ؛ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ بِالْيَمِينِ وَمَا يُسْتَحْدَثُ بِإِقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَيَصَدَّقُ فِي التَّشْدِيدِ عَلَى نَفْسِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ مَمْلُوكٌ فَالْيَمِينُ لَغْوٌ ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْحَالَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمْلُوكٌ لِلْحَالِ لَا تَنْعَقِدُ
الْيَمِينُ لِانْعِدَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْتَرِي أَوْ أَتَزَوَّجُ لَا يَحْتَمِلُ الْحَالَ فَاقْتَضَى مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا وَقَدْ جَعَلَ الْكَلَامَ أَوْ الدُّخُولَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِيمَنْ يَشْتَرِي أَوْ يَتَزَوَّجُ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْيَمِينِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاسْتَفَادَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ مَمْلُوكًا آخَرَ ؛ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ وَمَا اسْتَفَادَ مِلْكُهُ فِي الْيَوْمِ لَوْ قَالَ : هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ بِالْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّوْقِيتُ مُقَيَّدًا وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْحَلِفِ ؛ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ؛ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى نِيَّتِهِ وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ مِلْكِهِ فِي غَدٍ ، وَمَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي سِمَاعَةَ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَعْتِقُ إلَّا مَنْ اسْتَفَادَ مِلْكُهُ فِي غَدٍ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ جَاءَ غَدٌ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ لِكُلِّ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ الْمِلْكُ فِي غَدٍ فَيَتَنَاوَلُ الَّذِي مَلَكَهُ فِي غَدٍ وَاَلَّذِي مَلَكَهُ قَبْلَ الْغَدِ كَأَنَّهُ قَالَ : فِي الْغَدِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ : أَمْلِكُ إنْ كَانَ لِلْحَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ انْصَرَفَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ كَمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بِقَرِينَةِ السِّينِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ ، وَرَأْسُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَهِلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَمِنْ الْغَدِ إلَى اللَّيْلِ
، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ مَا رَأَسَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوَّلُهُ إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ اسْمًا لِمَا ذَكَرْنَا لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ : هَذَا رَأْسُ الشَّهْرِ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ حُرٌّ قَالَ : لَيْسَ هَذَا عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ مَا يَمْلِكُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهَذَا عَلَى مَنْ فِي مِلْكِهِ يَعْتِقُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يُسْتَقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَنْ فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ وَجَعَلَ عِتْقَهُمْ مُوَقَّتًا بِالْجُمُعَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ فَأَمَّا إذَا قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا جَاءَ غَدٌ هُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ فِي قَوْلِهِمْ : لِأَنَّهُ جَعَلَ مَجِيءَ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَا غَيْرُ فَيَعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ عِنْدَ مَجِيءِ غَدٍ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْمَجْهُولِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَعْنًى لَا صُورَةً وَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَهُوَ الَّذِي يُخْتَارُ الْعِتْقُ فِيهِ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ كَأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا بِشَرْطِ اخْتِيَارِ الْعِتْقِ فِيهِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَمِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ ثَمَّةَ الشَّرْطُ يَدْخُلُ عَلَى السَّبَبِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَهَهُنَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى السَّبَبِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ كَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي كَيْفِيَّةِ الْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَجْهُولِ وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ هَذَا الْقَوْلَ لِأَبِي يُوسُفَ وَيُقَالُ : إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ لِلْحَالِ وَاخْتِيَارُ الْعِتْقِ فِي أَحَدِهِمَا بَيَانٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ هَذَا الْقَوْلَ إلَى مُحَمَّدٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفْنَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَكِنَّهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ وَمُشَارٌ إلَيْهِ أَمَّا الدَّلَالَةُ فَإِنَّهُ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الطَّلَاقِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَالْعِدَّةُ إنَّمَا تَجِبُ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا وَإِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِيَارُ بَيَانٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
قَالَ : إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِذِمَّتِهِ وَيُقَالُ لَهُ : أَعْتِقْ ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمَحَلِّ ؛ إذْ لَوْ كَانَ نَازِلًا لَمَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالذِّمَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ : يُقَالُ لَهُ أَعْتِقْ أَيْ : اخْتَرْ الْعِتْقَ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِإِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ يُقَالُ لَهُ : بَيِّنْ ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْوُقُوعِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ لِلْمَوْجُودِ لَا لِلْمَعْدُومِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَحَقَّقَا الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنَّ الْقُدُورِيَّ حَكَى عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَيَجْعَلُ الِاخْتِيَارَ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَتَاقِ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فِي الذِّمَّةِ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ قَالَ : وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَيْضًا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فِي الذِّمَّةِ فِي الْجُمْلَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعِنِّينِ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِي التَّفْرِيقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِتْقِ بِالذِّمَّةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا انْعِقَادَ سَبَبِ الْوُقُوعِ مِنْ غَيْرِ وُقُوعٍ وَهُوَ مَعْنَى حَقِّ الْحُرِّيَّةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوِيَانِ ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ تَنْجِيزُ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ إلَّا أَنَّهُ تَنْجِيزٌ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَتَعَيَّنُ بِالِاخْتِيَارِ ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِاخْتِيَارِ الْعِتْقِ وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ ، وَالثَّانِي لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْعِتْقِ لَمْ يُعْرَفْ إعْتَاقًا فِي الشَّرْعِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : اخْتَرْت عِتْقَك لَا يَعْتِقُ فَلَا
بُدَّ وَأَنْ يَثْبُتَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ فَلَا يَخْلُو : إمَّا أَنْ يَثْبُتَ حَالَ وُجُودِهِ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَهُوَ تَفْسِيرُ التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الِاخْتِيَارِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَخْتَارُ غَيْرَ الْحُرِّ فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ الْحُرِّ إلَى الرَّقِيقِ ، أَوْ انْتِقَالِ الرِّقِّ مِنْ الرَّقِيقِ إلَى الْحُرِّ أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحُرِّ وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ وَالثَّانِي غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي ضَرُورَةً وَهِيَ أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مَقْصُورًا عَلَى حَالِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ تَفْسِيرُ التَّعْلِيقِ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْبَيَانِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَيَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْبَيَانُ إظْهَارٌ مَحْضٌ وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ : هُوَ إظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ : بَيِّنْ ، وَفِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ : أَعْتِقْ ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَسَائِلَ تَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ إظْهَارًا وَإِنْشَاءً ؛ إذْ الْإِنْشَاءُ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وَالْإِظْهَارُ إبْدَاءُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْأَحْكَامِ وَإِنَّهَا فِي الظَّاهِرِ مُتَعَارِضَةٌ : بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَنَحْنُ نُشِيرُ إلَى ذَلِكَ إذَا انْتَهَيْنَا إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ وَبَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِهِ فَأَمَّا تَرْجِيحُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَتَخَرُّجُ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ فَمَذْكُورَانِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ .
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ : إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمِلْكُ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَعْتِقُ وَقَالَ بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ ، وَلَا يَصِحُّ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الشِّرَاءُ أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا مَعَ بِشْرٍ فَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ لَا يُفِيدُ كَالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَشِرَاءِ الْوَكِيلِ ؛ فَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : إنْ مَلَكْتُك ، وَلَنَا أَنَّ مُطْلَقَ الشِّرَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى الشِّرَاءِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ ، وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةٌ إلَى الْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالشِّرَاءِ - وَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ - كَانَ هَذَا تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشِّرَاءِ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُك شِرَاءً مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَعْتِقُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا تَعْتِقُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَعْتِقُ وَلَوْ تَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ بِالْإِجْمَاعِ ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى التَّسَرِّي إضَافَةً إلَى الْمِلْكِ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَلَا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ ؛ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ كَالْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَالْيَمِينُ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنَّ التَّسَرِّيَ لَا صِحَّةَ لَهُ بِدُونِ الْمِلْكِ فَهَذَا مُسَلَّمٌ أَنَّ الْمِلْكَ شَرْطُ صِحَّةِ التَّسَرِّي ، وَجَوَازِهِ لَكِنْ الْحَالِفُ جَعَلَ وُجُودَهُ شَرْطَ الْعِتْقِ ، وَالتَّسَرِّي نَفْسُهُ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ بِهِ تَعْلِيقًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَصِحَّ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ التَّسَرِّي : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : هُوَ أَنْ يَطَأَهَا وَيُحَصِّنَهَا وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ سَوَاءٌ طَلَبَ مِنْهَا الْوَلَدَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : طَلَبُ الْوَلَدِ مَعَ التَّحْصِينِ شَرْطٌ ، وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ الْإِنْسَانَ يَطَأُ جَارِيَتَهُ وَيُحَصِّنُهَا وَلَا يُقَالُ لَهَا : سَرِيَّةٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَطْلُبُ مِنْهَا الْوَلَدَ أَوْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ .
هَذَا هُوَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ التَّسَرِّي مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو : إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ السَّرْوِ وَهُوَ الشَّرَفُ فَتُسَمَّى الْجَارِيَةُ سَرِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ أَسْرَى الْجَوَارِي أَيْ : أَشْرَفُهُنَّ
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } قِيلَ جِمَاعًا وَلَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُنْبِئُ عَنْ طَلَبِ الْوَلَدِ ، وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْحَلِفَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ لِعَدَمِ التَّسَرِّي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا الْوَطْءُ وَالْوَطْءُ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا بِلَا خِلَافٍ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْعِتْقِ فَلَا تَعْتِقُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ : إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لَهَا : إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا الْحَالِفُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَعْتِقُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَعْتِقُ يَعْنِي بِهِ قِيَاسَ قَوْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ : كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَعْتِقُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا : إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَاشْتَرَاهَا صَارَتْ مُدَبَّرَةً ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ تَدْبِيرَهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي صُورَةُ التَّدْبِيرِ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِالشِّرَاءِ فَيَصِيرُ عِنْدَ الشِّرَاءِ قَائِلًا أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي .
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَهُوَ حُرٌّ وَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِمِلْكٍ يَسْتَفِيدُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ فَكُلُّ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ سَاعَةَ يَشْتَرِيهَا قَالَ : وَإِنْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ إلَى سَنَةٍ فَاشْتَرَى جَارِيَةً لَمْ تَعْتِقْ إلَى سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الشِّرَاءِ فِي السَّنَةِ فَتَعْتِقُ كُلُّ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا فِي السَّنَةِ سَاعَةَ الشِّرَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الشِّرَاءِ : أَنْتِ حُرَّةٌ فَتَعْتِقُ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي جَعَلَ الشِّرَاءُ شَرْطًا لِعِتْقٍ مُؤَقَّتٍ بِالسَّنَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ : أَنْتِ حُرَّةٌ إلَى سَنَةٍ ، قَالَ : وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ غَدًا فَهَذَا عِنْدِي عَلَى كُلِّ مَمْلُوكٍ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ الْغَدِ وَإِنْ اشْتَرَى مَمْلُوكًا غَدًا لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشِّرَاءَ شَرْطًا لِزَوَالِ حُرِّيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِوُجُودِ الْغَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ الْمِلْكِ عَلَى الْغَدِ لِيَنْزِلَ الْعِتْقُ الْمُؤَقَّتُ بِهِ وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً فَهَذَا عَلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِلْكُهُ فِي الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ أَوَّلُهَا : مِنْ حِينِ حَلَفَ بَعْدَ سُكُوتِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَكُونُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ تَعَيَّنَ اللَّفْظُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَإِذَا انْصَرَفَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَالِ إذْ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : غَدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ أَصْلًا إلَى الِاسْتِقْبَالِ بَلْ هُوَ إيقَاعُ عِتْقٍ عَلَى مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ،
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ قَالَ : أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ سَنَةً أَوْ فِي سَنَةٍ أَوْ قَالَ : أَمْلِكُهُ أَبَدًا أَوْ إلَى أَنْ أَمُوتَ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُسْتَقْبَلُ دُونَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِقَوْلِي كُلَّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ سَنَةً أَنْ يَكُونَ مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ مُسْتَدَامًا سَنَةً دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَّتَ السَّنَةَ لِاسْتِفَادَةِ الْمِلْكِ لَا لِاسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ دَخَلَ الدَّارَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَ كُلِّ عَبْدٍ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ يَوْمَ الدُّخُولِ بِالدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : يَوْمَئِذٍ أَيْ : يَوْمَ الدُّخُولِ .
هَذَا هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ يَوْمَ إذَا دَخَلَ الدَّارَ ؛ لِأَنَّهُ حَذَفَ الْفِعْلَ وَعَوَّضَ عَنْهُ بِالتَّنْوِينِ فَيَعْتِقُ كُلُّ مَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ يَوْمَ الدُّخُولِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ وَسَوَاءٌ دَخَلَ الدَّارَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُطْلَقُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } وَهَذَا الْوَعْدُ يَلْحَقُ الْمُوَلِّيَ دُبُرَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلِأَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ الِامْتِنَاعُ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهَذَا يَقَعُ عَلَى مَا يَشْتَرِيهِ قَبْلَ الْكَلَامِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْكَلَامِ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَتَقَ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ : إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ اشْتَرَى مَمَالِيكَ قَبْلَ الْكَلَامِ ثُمَّ كَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَمَا اشْتَرَى بَعْدَهُ يَعْتِقُ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ الْكَلَامَ شَرْطَ انْحِلَالِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ
يَمِينٌ تَامَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَإِذَا قَالَ : إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَقَدْ جَعَلَ كَلَامَ فُلَانٍ غَايَةً لِانْحِلَالِهَا فَإِذَا كَلَّمَهُ انْحَلَّتْ فَلَا يَدْخُلُ مَا بَعْدَ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي جَعَلَ كَلَامَ فُلَانٍ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَلَّمَهُ الْآنَ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ لَا مَا قَبْلَهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْكَلَامِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيه إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهَذَا عَلَى مَا يَشْتَرِي بَعْدَ الْفِعْلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَى قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ عَنْدَ دُخُولِ الدَّارِ كَأَنَّهُ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٌ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَنَّ قَوْلَهُ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ شَرْطٌ ، وَقَوْلُهُ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ شَرْطٌ آخَرُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَا شَرْطًا وَاحِدًا لِعَدَمِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ إلْغَاءَ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مَعَ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْلِ وَلِتَصْحِيحِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ جَزَائِهِ يَمِينًا وَجَزَاءُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاجِ حَرْفِ الْفَاءِ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ الْمُتَعَقِّبَ لِلشَّرْطِ لَا يَكُونُ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ ، وَالثَّانِي : أَنْ يُجْعَلَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ أَيْضًا بِجَعْلِ الْمُقَدَّمِ مِنْ الشَّرْطَيْنِ مُؤَخَّرًا إلَّا أَنَّ التَّغْيِيرَ فِيهِ أَقَلُّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَبْدِيلَ مَحَلِّ الْكَلَامِ لَا غَيْرُ وَفِي الْأَوَّلِ إثْبَاتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فَكَانَ الثَّانِي أَقَلَّ تَغْيِيرًا فَكَانَ التَّصْحِيحُ بِهِ أَوْلَى
وَتُسَمَّى هَذِهِ الْيَمِينُ الْيَمِينَ الْمُعْتَرِضَةَ لِاعْتِرَاضِ شَرْطٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، وَلَوْ نَوَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ : إلَّا أَنْ يَعْنِيَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَكُونَ عَلَى مَا عَنَى .