كتاب : طرح التثريب
المؤلف : زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيُّ

الْجَوَاهِرِ وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا فَيَرْكَبَهَا ثُمَّ يَنْزِلَ إذَا اسْتَرَاحَ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا رَكِبَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَنْزِلَ وَإِنْ اسْتَرَاحَ انْتَهَى وَكَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ اعْتَبَرَ الْحَاجَةَ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ وَجَزَمَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ بِجَوَازِ رُكُوبِهَا مَعَ الْحَاجَةِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ { الثَّالِثُ } الْجَوَازُ بِشَرْطِ الِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ وَإِنْ كَانَ النَّوَوِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ لِلتَّجْوِيزِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الضَّرُورَةَ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْكَبُهَا إذَا اُضْطُرَّ رُكُوبًا غَيْرَ قَادِحٍ وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ ، وَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا انْتَهَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الضَّرُورَةَ وَالْحَاجَةَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ هُنَا وَيُوَافِقُ التَّعْبِيرَ بِالضَّرُورَةِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ حِكَايَةِ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مِنْهُ بُدًّا وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرْكَبُهَا وَإِنْ احْتَاجَ وَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا حَمَلَ

عَلَيْهِ وَرَكِبَهُ ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَا يَرْكَبُ الْبَدَنَةَ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ كَرَاهِيَةُ رُكُوبِ الْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ { الرَّابِعُ } مَنْعُ رُكُوبِهَا مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي قَوْلِهِ { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قَالَ الْوَلَدُ وَاللَّبَنُ وَالرُّكُوبُ فَإِذَا سُمِّيَتْ بُدْنًا ذَهَبَتْ الْمَنَافِعُ ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قَالَ فِي أَلْبَانِهَا وَظُهُورِهَا وَأَوْبَارِهَا حَتَّى تُسَمَّى بُدْنًا فَإِذَا سُمِّيَتْ بُدْنًا فَمَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ { الْخَامِسُ } وُجُوبُ رُكُوبِهَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِذَلِكَ وَالْأَمْرُ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَمَنْ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِالْحَاجَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ قَالَ هَذِهِ وَاقِعَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُحْتَاجًا لِلرُّكُوبِ أَوْ مُضْطَرًّا لَهُ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَقَدْ جَهِدَهُ الْمَشْيُ قَالَ ارْكَبْهَا } الْحَدِيثَ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ { سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا } وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ قَوْلِهِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا وَمَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَعَلَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْمَذْهَبِ

وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الثَّوْرِيِّ ذَهَبَتْ الْمَنَافِعُ أَيْ بِالْمِلْكِ وَإِنْ بَقِيَتْ بِالِارْتِفَاقِ ، وَمَنْ أَوْجَبَ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَوَجْهُهُ أَيْضًا مُخَالَفَةُ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ إكْرَامِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي وَإِهْمَالِهَا بِلَا رُكُوبٍ ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَهْدَى وَلَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّاسَ بِرُكُوبِ الْهَدَايَا } وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخِلَافَ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ { الْخَامِسَةُ } مَحَلُّ جَوَازِ رُكُوبِ الْهَدْيِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ الرُّكُوبُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ { ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَنَفِيَّةُ وَمَتَى نَقَصَتْ بِالرُّكُوبِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَمُقْتَضَى نَقْلِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ { السَّادِسَةُ } قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا يَجُوزُ رُكُوبُهَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهَا وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ الْحَمْلَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَا يَرْكَبُهَا بِالْمَحْمَلِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَحْجِيرَ عَلَيْهِ فِي كَيْفِيَّةِ الرُّكُوبِ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَالْحَمْلُ مَقِيسٌ عَلَى الرُّكُوبِ وَيَعُودُ فِي الْحَمْلِ مَا سَبَقَ مِنْ تَجْوِيزِهِ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدِ الْحَاجَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ { السَّابِعَةُ } قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَقَامَ نَفْسِهِ بِالْعَارِيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَهَا لِرُكُوبِ غَيْرِهِ وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ جَوَازُ إعَارَتِهَا لِلْحَمْلِ أَيْضًا وَيَعُودُ فِيهِ مَا سَبَقَ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَوْ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ

أَنَّهُ قَالَ : لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُعْيَا وَالْمُضْطَرَّ عَلَى هَدْيِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قُلْنَاهُ وَمَنَعُوا إجَارَتَهَا لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ عَلَى هَذَا جَوَازُ الْإِعَارَةِ وَيُقَالُ مَنْعُ الْإِجَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ امْتِنَاعُ الْإِعَارَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لَكِنَّهُمْ وَجَّهُوا الْإِعَارَةَ بِأَنَّهَا إرْفَاقٌ فَجُوِّزَتْ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الْإِرْفَاقُ بِهَا { الثَّامِنَةُ } أَلْحَقَ أَصْحَابُنَا بِالْهَدَايَا فِي ذَلِكَ الضَّحَايَا فَيَعُودُ فِيهَا جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِنْ الرُّكُوبِ وَفُرُوعِهِ .

{ التَّاسِعَةُ } أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إلَى إلْحَاقِ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ بِالْهَدْيِ فَبَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ( بَابُ هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ ) قَالَ وَقَدْ اشْتَرَطَ عُمَرُ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَقَدْ يَلِي الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا لِلَّهِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعُ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ انْتَهَى وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ الْوَاقِفُ بِأَوْقَافِهِ الْعَامَّةِ كَآحَادِ النَّاسِ كَالصَّلَاةِ فِي بُقْعَةٍ جَعَلَهَا مَسْجِدًا أَوْ الشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ وَقَفَهَا وَالْمُطَالَعَةِ فِي كِتَابٍ وَقَفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالشُّرْبِ مِنْ كِيزَانٍ سَبَّلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَالطَّبْخِ فِي قِدْرٍ وَقَفَهَا عَلَى الْعُمُومِ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ مَنْعُ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ أُجْرَةً هَلْ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ ؛ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَرْجَحُ هُنَا جَوَازُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرو بْنُ الصَّلَاحِ وَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْجَوَازَ وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ الْمَنْعَ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ { الْعَاشِرَةُ } قَوْلُهُ وَيْلَك كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَأَصْلُهَا لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا فَهِيَ كَلِمَةُ عَذَابٍ بِخِلَافِ وَيْحَ فَهِيَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ وَفِيهَا هُنَا وَجْهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا الْأَصْلِيِّ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الرُّكُوبِ فَقَدْ وَقَعَ فِي تَعَبٍ وَجَهْدٍ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ

النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { وَقَدْ جَهِدَهُ الْمَشْيُ } وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَهُوَ مُرَاجَعَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأَخُّرُ امْتِثَالِهِ أَمْرَهُ ( فَإِنْ قُلْت ) هَذَا الْأَمْرُ إنَّمَا هُوَ لِلْإِبَاحَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَكَيْفَ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ بِتَرْكِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا حَرَجَ فِيهِ ؟ ( قُلْت ) لِمَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ تَوَقُّفِهِ فِي الْإِبَاحَةِ حَيْثُ صَارَ يُعَارِضُ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالرُّكُوبِ بِقَوْلِهِ أَنَّهَا بَدَنَةٌ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ رُكُوبُهَا لِكَوْنِهَا هَدْيًا ( فَإِنْ قُلْت ) مُعَارَضَتُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِبَاحَةِ شَدِيدَةٌ تُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ فَكَيْفَ مُخَلَّصُ هَذَا الرَّجُلِ مِنْهَا ؟ ( قُلْت ) مَا عَارَضَ عِنَادًا بَلْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا هَدْيٌ فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً بَادَرَ لِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَرَكِبَ ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( فَإِنْ قُلْتَ ) فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَدَأَهُ بِقَوْلِهِ وَيْلَك ثُمَّ قَالَهُ لَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؟ ( قُلْتُ ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأُولَى لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ بِالْمَشْيِ وَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَهُوَ مُرَاجَعَتُهُ لَهُ وَتَأَخُّرُ امْتِثَالِ أَمْرِهِ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَوْضُوعَهَا الْأَصْلِيَّ بَلْ هِيَ مِمَّا

يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ فِي الْمُخَاطَبَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمَدْلُولِهِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَرِبَتْ يَدَاك ، أَفْلَحَ وَأَبِيهِ ، عَقْرَى حَلْقَى .
وَكَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ لَا أُمَّ لَهُ ، لَا أَبَ لَهُ ، قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعُهُ ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ { وَيْحَك } .

{ الْحَدِيثُ الثَّانِي } عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { إنْ كُنْتُ لَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَمَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : { الْأُولَى } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمُسْلِمٍ فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ ضَمَّ عَمْرَةَ إلَيْهِ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ وَمِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ كُلِّهِمْ عَنْ عَائِشَةَ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ { الثَّانِيَةُ } فِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ الْهَدْيِ إلَى الْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ مَعَهُ مُرْسِلُهُ وَلَا أَحْرَمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْهَا { فَتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } يَعْنِي الْقَلَائِدَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ( قُلْتُ ) يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهَا قَبْلَ السَّنَةِ الَّتِي أَحْرَمَ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ حَالِهِ فِي سَنَةِ إحْرَامِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ حَالِهِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي لَمْ يُحْرِمْ فِيهَا قَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْهَا { ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي } وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي

حَجَّتِهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا { ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ } وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الثَّالِثَةُ } وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( لَقَدْ رَأَيْت الْغَنَمَ يُؤْتَى بِهَا مُقَلَّدَةً ) وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( رَأَيْت الْكِبَاشَ مُقَلَّدَةً ) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ( إنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَلَّدُ ) .
وَعَنْ عَطَاءٍ " رَأَيْت أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُوقُونَ الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً " وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهَا لَا تُقَلَّدُ كَمَا أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ( فَتْلُ الْقَلَائِدِ لِلْبُدْنِ وَالْبَقَرِ ) فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْغَنَمِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ أَيْ تَقْلِيدُ الْغَنَمِ مَذْهَبُنَا وَعَلَّلَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَقْلِيدِهَا انْتَهَى .
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَدْ نَقَلَهُ هُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ مُوَافِقٌ لِلْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخُصَّ بِذَلِكَ هَدْيًا دُونَ هَدْيٍ وَقَدْ صَرَّحَتْ بِالْغَنَمِ فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا فَقَالَتْ { كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ الْغَنَمِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ { لَقَدْ رَأَيْتنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ

لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَنَمِ } وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ { كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّهَا غَنَمًا } وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ كُلِّهَا بِالْجَرِّ كَأَنَّهَا تَأْكِيدٌ لِلْقَلَائِدِ أَوْ لِلْهَدْيِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَقَوْلُهَا غَنَمًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوْ التَّمَيُّزِ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ الْهَدْيِ مِنْ الْغَنَمِ أَيْ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ وَرَدَّهُ رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ عَنْهَا { أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً إلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا } لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لَهُ { كُنَّا نُقَلِّدُ الشَّاةَ فَيُرْسِلُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالٌ لَمْ يَحْرُمْ مِنْهُ شَيْءٌ } وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ { كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ } وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى غَنَمًا مُقَلَّدَةً } وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ : وَهَذَا اسْتِسْهَالٌ لِلْكَذِبِ الْبَحْتِ خِلَافُ مَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهَا مِنْ إهْدَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْغَنَمَ الْمُقَلَّدَةَ وَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْلِيدِ الْبَقَرِ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنَّ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيَّ خَالَفَ فِيهِ فَقَالَ إنَّهَا لَا تُقَلَّدُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَلَمْ أَعْتَبِرْهُ لِأَنِّي لَمْ أَرَ لَهُ فِيهِ سَلَفًا ثُمَّ إنَّ الْبَقَرَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَتَنَاوَلَهَا أَيْضًا قَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا } بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِانْدِرَاجِ الْبَقَرِ فِي الْبُدْنِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

مِنْ رِوَايَةِ أَفْلَحَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْهَا ، فَعَزْوُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ { الرَّابِعَةُ } لَمْ يَتَبَيَّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ جِنْسُ الْقَلَائِدِ الْمَفْتُولَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { فَتَلْت قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي } لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ { أَنَا فَتَلْت تِلْكَ الْقَلَائِدَ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي } وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعِهْنِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ فَقِيلَ هُوَ الصُّوفُ وَقِيلَ الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ أَلْوَانًا وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ التَّقْلِيدَ بِالْخُيُوطِ الْمَفْتُولَةِ يَكُونُ فِي الْغَنَمِ فَيُقَلِّدُهَا إمَّا بِذَلِكَ وَإِمَّا بِخُرْبِ الْقِرَبِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ عُرَاهَا وَآذَانُهَا وَأَمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ تَقْلِيدُهَا نَعْلَيْنِ مِنْ هَذِهِ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَهَا قِيمَةٌ وَيَتَصَدَّقُ بِهِمَا عِنْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّقْلِيدِ نَعْلٌ وَاحِدٌ جَازَ ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ لَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ النَّعْلَ لِنَقْلِهِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَلَمْ أَرَهُمْ قَالُوا إنَّهُ لَا تُقَلَّدُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ بِالْخُرْبِ وَالْخُيُوطِ بَلْ اسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ بِالنِّعَالِ وَسَكَتُوا عَنْ نَفْيِ مَا عَدَاهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَقْلِيدِ الْإِبِلِ بِالْخُيُوطِ وَلَا سِيَّمَا الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ { فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا } وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِشْعَارَ لَا يَكُونُ فِي الْغَنَمِ وَتَنَاوَلَ لَفْظُ الْبُدْنِ لِلْإِبِلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ

بِكَرَاهَةِ تَقْلِيدِ النِّعَالِ وَالْوِبَارِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ اُحْبُلْ الْقَلَائِدَ مِنْ مَسَدٍ .

{ السَّادِسَةُ } فِيهِ اسْتِحْبَابُ فَتْلِ الْقَلَائِدِ لِلْهَدْيِ وَاسْتِخْدَامِ الْإِنْسَانِ أَهْلَهُ فِي مِثْلِ هَذَا { السَّابِعَةُ } هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ إنَّمَا رَأَيْت أَصْحَابَنَا الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوهُ فِي الْهَدْيِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ وَالْمَنْذُورِ وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ دِمَاءَ الْحَجِّ إلَى هَدْيٍ وَنُسُكٍ .
وَقَالُوا إنَّ الْهَدْيَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَمَا وَجَبَ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَدَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ وَغَيْرِهَا .
وَقَالُوا إنَّ النُّسُكَ مَا وَجَبَ لِإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَطَلَبِ الرَّفَاهِيَةِ مِنْ الْمَحْظُورِ الْمُنْجَبِرِ وَجَعَلُوا التَّقْلِيدَ مِنْ سُنَّةِ الْهُدَى .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إنَّ التَّقْلِيدَ إنَّمَا يَكُونُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ وَالْجِمَاعِ وَالْجِنَايَاتِ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ دَمُ نُسُكٍ وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ ، فَيَلِيقُ بِهِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ سَبَبَهُ الْجِنَايَةُ وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا قَالُوا وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَائِزٌ فَأُلْحِقَ بِهَا وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيٍ وَيُشْعَرُ ، قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِعُمُومِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى .
وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ لَا عُمُومَ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْهَدْيُ الَّذِي سَاقَهُ إنَّمَا كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لَا تُسَاقُ مَعَ الْحَاجِّ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يُوجِبُهَا أَمْ لَا ، وَلَمْ أَرَ أَصْحَابَنَا تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي تَحْقِيقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
{ الثَّامِنَةُ } قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا أَيْ مُقَلَّدَةً كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَفْلَحَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ

عَائِشَةَ قَالَتْ { فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ } الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ هَدْيَهُ أَشْعَرَهُ وَقَلَّدَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلَوْ أَخَذَهُ مَعَهُ أَخَّرَ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ إلَى حِينِ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ غَيْرِهِ .

{ التَّاسِعَةُ } وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَرْسَلَ هَدْيًا إلَى الْكَعْبَةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَا يُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِحْرَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَنِبَ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ وَسَوَاءٌ قَلَّدَ هَدْيَهُ أَمْ لَمْ يُقَلِّدْهُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ سَمِعْنَا ذَلِكَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ انْتَهَى .
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ ، وَعَدَّهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ فَحَكَى الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ وَكَأَنَّ مُرَادَ الْأَخِيرَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُحْرِمًا فَتَتَّحِدَ الْمَقَالَتَانِ حِينَئِذٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ عَنْهُمْ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعْدِ بْنُ قَيْسٍ وَمَيْمُونِ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ وَأَنَّهُ إذَا قَلَّدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي قَدَّمْته وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَارَتَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِمَا مَعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَقَدْ أَحْرَمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ ، وَأَنَّهُ إذَا قَلَّدَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ عَنْ

إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ وَقَلَّدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ آخِرًا فِيهِ التَّقْيِيدُ بِأَنْ يَكُونَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ عَلَى التَّقْيِيدِ الثَّانِي وَغَايَرْنَا بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَإِيجَابِ الْإِحْرَامِ حَصَلَ قَوْلَانِ آخَرَانِ مَعَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ بِإِرَادَةِ الْإِحْرَامِ فِي قَوْلِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ مُتَجَرِّدًا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَسَأَلَ النَّاسَ عَنْهُ فَقَالُوا إنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ ، فَلِذَلِكَ تَجَرَّدَ ، فَلَقِيت ابْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ الْأَسْوَدِ قَالَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ وَلَا يُحْرِمُ إلَّا إنْ شَاءَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَهَذَا ( مَذْهَبٌ خَامِسٌ ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ بِالتَّقْلِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ يَجِبْ وَهَذَا ( مَذْهَبٌ سَادِسٌ ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ لَا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ فَإِنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ النِّسَاءِ وَهَذَا ( مَذْهَبٌ سَابِعٌ ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ بَدَنَتَهُ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي وَهَذَا ( مَذْهَبٌ ثَامِنٌ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالتَّقْلِيدِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مُحْرِمٌ وَلَا وَجَبَ عَلَيْهِ

الْإِحْرَامُ ، وَإِنَّمَا قَالَ يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ وَهُوَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ بَدَنَتَهُ وَاعَدَهُمْ يَوْمًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي وَاعَدَهُمْ أَنْ يُشْعِرَ ؛ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي ، وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الْإِمْسَاكِ خَاصَّةً وَيُخَالِفُهُ بِأَنَّهُ لَا يُرَتِّبُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِرْسَالِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْإِشْعَارِ فَهُوَ ( مَذْهَبٌ تَاسِعٌ ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ إذَا بَعَثَ الرَّجُلُ بِالْهَدْيِ أَمَرَ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ مَعَهُ أَنْ يُقَلِّدَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ يُمْسِكُ عَنْ أَشْيَاءَ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهَا الْمُحْرِمُ وَهَذَا ( مَذْهَبٌ عَاشِرٌ ) لِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ الْمَنْعُ فِي كُلِّ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا دُونَ جَمِيعِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَتَّبَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى التَّقْلِيدِ رَتَّبَهُ عَلَى الْإِشْعَارِ أَيْضًا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ فَهَذِهِ عَشَرَةُ مَذَاهِبَ شَاذَّةٌ إنْ لَمْ تُؤَوَّلْ وَتُرَدَّ إلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ يَقْتَضِي التَّأْوِيلَ فَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ أَنَّ مَنْ بَعَثَ هَدْيَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا رِوَايَةً حُكِيَتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنُ جُبَيْرٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَهْلِ الرَّأْيِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ لَزِمَهُ اجْتِنَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ ، وَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ فِي شَرْحِ

الْمُهَذَّبِ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ أَوْ أَشْعَرَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ ، وَهَذَا فِيهِ تَسَاهُلٌ وَإِنَّمَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَكَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ انْتَهَى .
فَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعَثَ الْهَدْيِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَقْلِيدُهُ وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا كَانُوا حَاضِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعَثَ الْهَدْيَ فَمَنْ شَاءَ أَحْرَمَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ } ، وَعَزَاهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ لِابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ عِنْدَهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ الْإِحْرَامِ بِبَعْثِ الْهَدْيِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ عَزَمَهُ الْحَجُّ تِلْكَ السَّنَةَ وَإِنَّ الَّذِينَ يَصْحَبُونَ الْهَدْيَ مَعَهُمْ ، مِنْهُمْ مَنْ يُحْرِمُ بِمُجَرَّدِ بَعْثِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُ الْإِحْرَامَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيُؤَخِّرُهُ إلَى الْمِيقَاتِ ؛ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ بَوَّبَ عَلَيْهِ ( ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْحَاجِّ ، بَعْثُ الْهَدْيِ وَسَوْقُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ ) فَلَمَّا عَبَّرَ فِي تَبْوِيبِهِ بِالْحَاجِّ عَلِمْنَا أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ بَعْثَ الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ كَانَ مِمَّنْ عَزَمَهُ الْحَجُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْإِحْصَارِ عَنْ نَافِعٍ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُهِلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَأَهْدَى وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ } وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { رَأَى أَنَّ قَضَاءَ طَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .

بَابُ الْإِحْصَارِ .
( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ نَافِعٍ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَأَهْدَى وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَأَنَّ بَيْنَ نَافِعٍ وَابْنِ عُمَرَ وَاسِطَةً إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِ طُرُقِ رِوَايَةِ نَافِعٍ التَّصْرِيحُ بِالسَّمَاعِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَهَذَا غَيْرُ ضَارٍّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ وَاسِطَةٍ فَقَدْ عَرَفْت عَيْنَهُ وَثِقَتَهُ فَمَا ضَرَّ ذَلِكَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {

مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ وَهُوَ أَصَحُّ انْتَهَى وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ أَوَّلًا يُصَحِّحُهُ ثُمَّ يَصِحُّ وَقْفُهُ وَلَعَلَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ رَأْيًا وَفِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ عَلَى الْقَارِنِ عَمَلَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْطَأَ فِيهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ رَوَوْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ حَمْلُهُمْ عَلَى الدَّرَاوَرْدِيِّ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ قَدْ تَابَعَ الدَّرَاوَرْدِيُّ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِمَعْنَى رِوَايَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ رَوَوْا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ ( قُلْت ) رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ هَذِهِ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ لِقِرَانِهِ طَوَافًا وَاحِدًا } وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ وَرَأَى إنْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ

السِّخْتِيَانِيُّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ رَوَاهَا النَّسَائِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ عَنْ سُفْيَانَ .
وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .
عَنْ نَافِعٍ قَالَ { خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
وَفِيهِ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا وَفِيهِ ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ .
وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ } وَهَذَا لَفْظُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { وَرَأَى إنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَعَزْوُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا اللَّفْظَ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى مُسْلِمٍ فَقَطْ مُعْتَرَضٌ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ وَنَافِعٍ .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا طَافَ لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا } وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجِّهِمْ حِينَ قَدِمُوا إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا } وَكَأَنَّ مَنْ ذُكِرَ تَفَرَّدَ الدَّرَاوَرْدِيُّ بِذَلِكَ إنَّمَا أَرَادَ تَفَرُّدَهُ بِرِوَايَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُتَابَعَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ .

( الثَّانِيَةُ ) قَوْلُهُ فِي الْفِتْنَةِ أَيْ الْكَائِنَةِ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَجَّاجِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ فِيهَا عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ لَكِنْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ حَجَّتْ الْحَرُورِيَّةَ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ وَالْحَرُورِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نُسِبُوا إلَى حَرُورَاءَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلُ مُجْتَمَعِهِمْ وَتَحْكِيمِهِمْ فِيهَا وَهَذَا يُنَافِي الرِّوَايَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فَإِنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُمْ وَكَأَنَّهُ سَمَّى الْحَجَّاجَ وَمَنْ مَعَهُ حَرُورِيَّةً لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةُ وَهُوَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
( الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهُ يُرِيدُ الْحَجَّ كَيْفَ يَجْتَمِعُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ إهْلَالَهُ بِعُمْرَةٍ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَالْمُرِيدُ لِلْحَجِّ قَدْ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مِنْ مَكَّةَ بِحَجَّةٍ وَهُوَ الْمُتَمَتِّعُ ، وَقَدْ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْقِرَانِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا فَجَعَلَهُ مُعْتَمِرًا بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ فِعْلِهِ وَمُرِيدًا لِلْحَجِّ بِاعْتِبَارِ مَآلِ حَالِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ خَرَجَ أَوَّلًا بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً بِالْحَجِّ ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الْفِتْنَةِ قَبْلَ وُصُولِ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَسَمَّاهُ مُرِيدًا لِلْحَجِّ بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ قَصْدِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الرَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ إنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ أَنْ

قِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوك عَنْ الْبَيْتِ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ : كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَمَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُرَادُ عَامُ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْمُرَادُ بِمَا صَنَعُوهُ الْإِحْلَالُ عِنْدَ الْإِحْصَارِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرَةَ عَنْ نَافِعٍ وَلَفْظُهَا فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي مَعْنَاهُ مِثْلَ مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ : الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ صُدِدْتُ وَأُحْصِرْتُ تَحَلَّلْتُ كَمَا تَحَلَّلْنَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمْرَةٍ فِي الْعَامِ الَّذِي أُحْصِرَ ، قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِظَاهِرٍ كَمَا ادَّعَاهُ ؛ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ ( قُلْت ) وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَعَ أَنَّ إهْلَالَهُ بِعُمْرَةٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ صَدِّهِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ إحْرَامِهِ وَاَلَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الصَّدِّ إنَّمَا هُوَ الْإِحْلَالُ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ يَعْنِي أَحْلَلْنَا كَمَا أَحْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ .
( الْخَامِسَةُ ) فِيهِ أَنَّ مَنْ أَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ ، أَيْ مَنَعَهُ عَنْ الْمُضِيِّ فِي نُسُكِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِأَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ

وَيَنْحَرَ هَدْيًا وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ أَوْ يُقَصِّرَ وَالتَّحَلُّلُ بِإِحْصَارِ الْعَدُوِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كُلِّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلَ وَتَفَارِيعَ

( مِنْهَا ) أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ ضِيقُ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يَيْأَسُ مِنْ إتْمَامِ نُسُكِهِ إنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ أَوَّلًا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ لَهُ التَّحَلُّلُ مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ ؟ لَمْ يَشْتَرِطْ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ إنَّمَا كَانَ بِعُمْرَةٍ وَهِيَ لَا يُخْشَى فَوَاتُهَا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ مَتَى رَجَا زَوَالَ الْحَصْرِ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ لَوْ زَالَ حَصْرُهُ فَيَحِلُّ حِينَئِذٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحِلُّ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرُوحَ النَّاسُ إلَى عَرَفَةَ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَخَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ( وَمِنْهَا ) أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُحْصَرِ إرَاقَةُ دَمٍ أَمْ لَا ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِهِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ ، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الدَّمِ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ إرَاقَتِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُرِيقُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَذَلِكَ فَعَلَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَدَلَّ عَلَى الْإِرَاقَةِ فِي الْحِلِّ قَوْله تَعَالَى { وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مَنَعُوهُمْ مِنْ إيصَالِهِ إلَى مَحِلِّهِ وَهُوَ الْحَرَمُ ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ بَلْ نَحَرَ بِالْحَرَمِ وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ

فَيُرْسِلُهُ مَعَ إنْسَانٍ وَيُوَاعِدُهُ عَلَى يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمُ تَحَلَّلَ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ فِي الْإِحْصَارِ عَنْ الْحَجِّ بِيَوْمِ النَّحْرِ ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ نُسُكٌ ؛ وَقَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ( وَمِنْهَا ) أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمْ لَا ؟ فَأَوْجَبَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَضَاءَ بَلْ زَادُوا فَقَالُوا إنَّ عَلَى الْمُحْصَرِ عَنْ الْحَجِّ حَجَّةً وَعُمْرَةً ؛ وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةً وَعُمْرَتَيْنِ ؛ وَلَمْ تُوجِبْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ الْقَضَاءَ ؛ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَتَانِ : قَالُوا فَإِنْ كَانَ حَجَّ فَرْضٍ بَقِيَ وُجُوبُهُ عَلَى حَالِهِ ؛ وَبَالَغَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَبْعَدَ فَقَالَ : يَسْقُطُ عَنْهُ وَرَأَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إتْمَامِ النُّسُكِ عَلَى وَجْهِهِ فَهَذِهِ فُرُوعٌ لَا بُدَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِحْصَارِ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا مُحَالٌ عَلَى مَوَاضِعِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ ؛ وَبَقِيَتْ لَهُ فُرُوعٌ لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا إذْ لَيْسَتْ فِي الِاضْطِرَارِ إلَيْهَا كَالْمَذْكُورَةِ هُنَا ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( السَّادِسَةُ ) مَوْرِدُ النَّصِّ فِي قَضِيَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ فَلَوْ أَحْصَرَهُ مَرَضٌ مَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي نُسُكٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ .
وَقَالَ ( أَبُو حَنِيفَةَ الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ كَالْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ ) قَالُوا وقَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } إنَّمَا وَرَدَ فِي إحْصَارِ الْمَرَضِ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا : يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ فَاسْتِعْمَالُ الرُّبَاعِيِّ فِي الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْمَرَضِ ؛ وَمَا نَقَلُوهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ قُتَيْبَةَ ؛ وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ الْمَالِكِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَحَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ وَالْأَخْفَشِ قَالَ : وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الشَّيْبَانِيُّ حَصَرَنِي الشَّيْءُ وَأَحْصَرَنِي حَبَسَنِي انْتَهَى ؛ فَجَعَلَهُمَا لُغَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ؛ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ أَوْ السُّلْطَانُ إذَا مَنَعَهُ عَنْ مَقْصِدِهِ فَهُوَ مُحْصَرٌ ؛ وَحَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ فَهُوَ مَحْصُورٌ ؛ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ الْخَلِيلِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يُقَالُ حَصَرَ وَأَحْصَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَرَضِ وَالْعَدُوِّ جَمِيعًا ؛ قَالَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ انْتَهَى ؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ أَسْمَعْ مِمَّنْ حُفِظَ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أُحْصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ؛ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَطَاءٍ الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى التَّعْمِيمِ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ

( السَّابِعَةُ ) مَحَلُّ مَنْعِ التَّحَلُّلِ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ التَّحَلُّلَ بِهِ فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ

( الثَّامِنَةُ ) قَوْلُهُ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ بِهَا وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الْأُولَى وَالْحُدَيْبِيَةُ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ هُنَاكَ ؛ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا تَخْفِيفُ الْيَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُهَا وَالْمُرَادُ الْعَامُ الَّذِي صُدَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْتِ وَوَادَعَ فِيهِ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُوَ سَنَةُ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ اقْتِدَاءً بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي أَنَّهُ أَحْرَمَ تِلْكَ السَّنَةَ بِعُمْرَةٍ .
( التَّاسِعَةُ ) قَوْلُهُ ( مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَعْنِي فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ مِنْهُمَا بِالْإِحْصَارِ قَالَ : وَفِيهِ صِحَّةُ الْقِيَاسِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهُ فَلِهَذَا قَاسَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا تَحَلَّلَ مِنْ الْإِحْصَارِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ إحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ( قُلْت ) مَا ذَكَرَهُ فِي مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ لَا يَتَعَيَّنُ فَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ فِي إمْكَانِ الْإِحْصَارِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا رَأَى الْإِحْصَارَ عَنْ الْحَجِّ أَقْرَبَ مِنْ الْإِحْصَارِ عَنْ الْعُمْرَةِ لِطُولِ زَمَنِ الْحَجِّ وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ ؛ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بَعْدَ قَوْلِهِ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَجِّ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ .
( الْعَاشِرَةُ ) قَوْلُهُ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ أَيْ أَلْزَمْتُ نَفْسِي ذَلِكَ ؛ وَالْإِيجَابُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِتَعْلِيمِ مَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْإِشْهَادَ فِي

مِثْلِ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا التَّلَفُّظُ بِذَلِكَ وَالنِّيَّةُ كَافِيَةٌ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ

( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَكِنْ شَرْطُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الشَّرْطُ فِي صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَصَوَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الطَّوَافِ فَمَتَى كَانَ إدْخَالُهُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ لَمْ يَصِحَّ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَصِحُّ مَا لَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى مَا لَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ مَا لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ ، فَهَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَشْهَبَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَالَ لَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ كَمَا لَا يَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ ؛ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ ثُمَّ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ ؛ وَأَمَّا إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ

( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ ثُمَّ نَفَذَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَضَى وَسَارَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى حَالِهِ حَتَّى وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ .
( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ يَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقُ ؛ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَحُكِيَ الْأَوَّلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَحُكِيَ الثَّانِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : { خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ بِتَخَوُّفِ أَيَّامِ نَجْدَةَ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ الْبَيْتِ فَلَمَّا سَارَ أَيَّامًا قَالَ : مَا الْحَصْرُ فِي الْعُمْرَةِ وَالْحَصْرُ فِي الْحَجِّ إلَّا وَاحِدٌ فَضَمَّ إلَيْهَا حَجَّةً فَلَمَّا قَدِمَ طَافَ طَوَافَيْنِ طَوَافًا لِعُمْرَتِهِ وَطَوَافًا لِحَجَّتِهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ } لَكِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ شَاذَّةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يَرَوْهُ عَنْ الْحَكَمِ غَيْرُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ أَجْمَعَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ لِكَثْرَةِ الْمَنَاكِيرِ فِي رِوَايَاتِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا سَبَقَ

( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ يُهْدِي كَالْمُتَمَتِّعِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ ، مَنْ فَضَّلَ مِنْهُمْ الْقِرَانَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَرْجُوحًا ؛ وَمَنْ قَالَ بِإِتْيَانِ الْقَارِنِ بِأَعْمَالِ النُّسُكَيْنِ ، وَمَنْ قَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا قَدِيمًا عَنْ الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَهُوَ شَاذٌّ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ { وَأَهْدَى شَاةً } فَزَادَ ذِكْرَ الشَّاةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى غَلَطِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ مَذْهَبُهُ فِيمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ بَقَرَةٌ دُونَ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٌ دُونَ بَدَنَةٍ ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ( مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ) شَاةٌ وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ انْتَهَى .
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ

( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحَجِّ فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ إذَا لَمْ يُوقِنْ بِالسُّوءِ وَرَجَا السَّلَامَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ رُكُوبِ الْغَرَرِ

( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إذَا وُصِلَ بِالسَّعْيِ يُجْزِئُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِمَنْ تَرَكَهُ جَاهِلًا أَوْ نَسِيَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرُهُ وَغَيْرُ أَصْحَابِهِ ( قُلْت ) هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ وَرَأَى أَنْ قَدْ قُضِيَ طَوَافُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ مُقْتَضَاهُ الْإِجْزَاءُ بِدُونِ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ فَيَحْتَاجُ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْدَرَجَتْ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ وَطَوَافُ الْحَجِّ لَا يَجِيءُ وَقْتُهُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقُولُ إنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يَقُومُ مَقَامَ طَوَافِ الْحَجِّ وَيَكُونُ الطَّوَافُ الْمَأْتِيُّ بِهِ أَوَّلًا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُدُومُ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ طَوَافُ الرُّكْنِ لِلْعُمْرَةِ وَسَدٌّ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ اسْتَقَامَ ذَلِكَ وَإِلَّا أُشْكِلَ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ يَوْمَ النَّحْرِ - مَعْنَاهُ حَتَّى أَحِلَّ مِنْهُمَا يَوْمَ النَّحْرِ بِعَمَلِ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ وَلَعَلَّ قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ أَرَادَ بِهِ السَّعْيَ فَهُوَ طَوَافٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ الَّذِي اكْتَفَى بِالْإِتْيَانِ بِهِ أَوَّلًا أَمَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا

طَوَافُهُ الْأَوَّلُ } وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ { وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا } أَرَادَتْ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ يُؤَيِّدُ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ ابْنَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي } قَالَ النَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ مَعْمَرٍ ) وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ لَا يَثْبُتُ فِي الِاشْتِرَاطِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ مِنْ الْأَصِيلِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ مُرْسَلًا " لَوْ ثَبَتَ لَمْ أَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ " وَقَدْ ثَبَتَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَالشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { فَأَدْرَكْت } وَزَادَ النَّسَائِيُّ { فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت } وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَكَيْفَ أُهِلُّ بِالْحَجِّ ؟ قَالَ قُولِي : اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِالْحَجِّ إنْ أَذِنْت لِي بِهِ وَأَعَنْتنِي عَلَيْهِ وَيَسَّرْته لِي ، وَإِنْ حَبَسْتنِي فَعُمْرَةٌ ، وَإِنْ حَبَسْتنِي عَنْهُمَا جَمِيعًا فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي } لِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ .
{ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ : أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ؟ } زَادَ النَّسَائِيُّ ( أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ أَوَّلَهُ وَقَالَ : { أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ؛ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا } .

( الْحَدِيثُ الثَّانِي ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَوَكِيعٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ضُبَاعَةَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ أَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدِي خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ مَوْصُولًا بِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ ، وَثَبَتَ وَصْلُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ انْتَهَى وَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ

الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ قَدْ صَحَّ وَبَالَغَ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ سُعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَلَى الشَّكِّ هَكَذَا وَجَابِرٍ ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سِوَى حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَوْ سُعْدَى فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ مَعْمَرٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ مَعْمَرٍ غَيْرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِيمَا أَعْلَمُ وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الْأَصِيلِيُّ لَا يَثْبُتُ فِي الِاشْتِرَاطِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَقَالَ قَالَ النَّسَائِيُّ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَسْنَدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ مَعْمَرٍ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الَّذِي عَرَّضَ بِهِ الْقَاضِي وَقَالَهُ الْأَصِيلِيُّ مِنْ تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ غَلَطٌ فَاحِشٌ جِدًّا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ : لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ تَنْوِيعِ طُرُقِهِ أَبْلَغَ كِفَايَةٍ وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يَقُلْ بِانْفِرَادِ مَعْمَرٍ بِهِ مُطْلَقًا بَلْ بِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِانْفِرَادِ الْمُقَيَّدِ ، الِانْفِرَادُ الْمُطْلَقُ ، فَقَدْ أَسْنَدَهُ مَعْمَرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْنَدَهُ الْقَاسِمُ عَنْهَا وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ مَعْمَرٌ مُطْلَقًا لَمْ يَضُرَّهُ وَكَمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ الِانْفِرَادِ وَلَا يَضُرُّ إرْسَالُ الشَّافِعِيِّ لَهُ فَالْحُكْمُ لِمَنْ وَصَلَ ، هَذَا مَعْنَى كَلَامُهُ .

( الثَّانِيَةُ ) ضُبَاعَةُ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَبَعَدَ الْأَلِفِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ هِيَ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَوْ سُعْدَى دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ وَهْمٌ لَا يُتَأَوَّلُ بِمَا قَالَهُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى جَدِّهَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ } : لِأَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَقَالَ : { مَا يَمْنَعُكِ يَا عَمَّتَاهُ مِنْ الْحَجِّ } ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَقِيقَةً حَتَّى تَكُونَ عَمَّتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهُوَ وَهْمٌ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ وَلَيْسَ لِلزُّبَيْرِ بَقِيَّةٌ إلَّا مِنْ بِنْتَيْهِ أُمِّ الْحَكَمِ وَضُبَاعَةَ انْتَهَى وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ ( الْأَكْفَاءُ فِي الدِّينِ ) يُشِيرُ إلَى تَزَوُّجِهَا بِالْمِقْدَادِ وَلَيْسَ كُفُؤًا لَهَا مِنْ حَيْثُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ كِنْدِيٌّ وَلَيْسَ كِنْدَةُ أَكْفَاءً لِقُرَيْشٍ فَضْلًا عَنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَإِنَّمَا هُوَ كُفُؤٌ لَهَا فِي الدِّينِ فَقَطْ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهَا ضُبَاعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالصَّوَابُ الْهَاشِمِيَّةُ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا ضُبَاعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ وَلَكِنَّهُمَا وَهَمَا فِي نِسْبَتِهَا ، نَعَمْ فِي الصَّحَابَةِ أُخْرَى تُسَمَّى ضُبَاعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَنْصَارِيَّةٌ وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ عَطِيَّةَ

( الثَّالِثَةُ ) دُخُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى ضُبَاعَةَ عِيَادَةً أَوْ زِيَارَةً وَصِلَةً فَإِنَّهَا قَرِيبَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ بَيَانُ تَوَاضُعِهِ وَصِلَتِهِ وَتَفَقُّدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ هُنَاكَ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يَخْلُو بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَلَا يُصَافِحُهُنَّ وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ لِعِصْمَتِهِ ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ فِي التَّحْرِيمِ .
( الرَّابِعَةُ ) قَوْلُهَا { فَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ } قَدْ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ ( أَرَدْتُ الْحَجَّ ) وَلَا مُنَافَاةَ فَقَدْ تَكُونُ إنَّمَا قَالَتْ إنَّمَا أُرِيدُ الْحَجَّ فِي جَوَابِ اسْتِفْهَامِهِ لَهَا وَلَيْسَ اللَّفْظُ صَرِيحًا فِي أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهَا أَمَا تُرِيدِينَ الْحَجَّ الْعَامَ } وَمِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ أَوْ سُعْدَى { مَا يَمْنَعُكِ مِنْ الْحَجِّ } كُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهَا كَانَ جَوَابًا لِسُؤَالِهِ لَكِنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ { أَنَّ ضُبَاعَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ } وَهَذَا قَدْ يُنَافِي قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ { دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ } وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ جَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مَنْزِلِهِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ { أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ فَأَشْتَرِطُ ، فَقَالَ لَهَا نَعَمْ } وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَمْرَهُ بِالِاشْتِرَاطِ مَا كَانَ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا

( الْخَامِسَةُ ) قَوْلُهَا وَأَنَا شَاكِيَةٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَرِيضَةٌ وَالشَّكْوَى وَالشَّكْوُ الْمَرَضُ .
( السَّادِسَةُ ) قَوْلُهُ مَحِلِّي بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَوْضِعِ حُلُولِي أَوْ وَقْتُ حُلُولِي وَالْمَحِلُّ يَقَعُ عَلَى الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَقَوْلُهُ ( حَبَسْتنِي ) أَيْ مَنَعْتنِي مِنْ السَّيْرِ بِسَبَبِ ثِقَلِ الْمَرَضِ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْفَتْحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمَرْوِيُّ وَالْكَسْرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قُولِي هَذَا اللَّفْظَ وَهُوَ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي .
( السَّابِعَةُ ) فِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ فِي إحْرَامِهَا التَّحَلُّلَ عِنْدَ الْمَرَضِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْأَمْرِ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِتَأْوِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَحَاصِلُ هَذَا الْخِلَافِ أَقْوَالٌ : ( أَحَدُهَا ) جَوَازُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَعَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْجَدِيدِ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِذَلِكَ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِصِحَّتِهِ وَأَجْرَى غَيْرُهُ فِيهِ قَوْلَيْنِ فِي الْجَدِيدِ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِعْلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَالْأَمْرُ بِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ أَشَارَطْتَ ؟ فَقَالَ نَعَمْ ، وَعَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ فِي الْمُحْرِمِ قَالَا لَهُ شَرْطُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْأَمْرُ بِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى الِاشْتِرَاطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَهُوَ

مَذْهَبُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَلْقَمَةَ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ ثُمَّ وَقَفَ عَنْهُ بِمِصْرَ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَحَكَاهُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ .
( الثَّانِي ) اسْتِحْبَابُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فَإِنَّ ابْنَ قُدَامَةَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَالْمَجْدِ بْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا عِنْدَ ذِكْرِ الْإِحْرَامِ وَيَشْتَرِطُ أَيْ الْمُحْرِمُ إنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْوُجُوبُ .
( الثَّالِثُ ) إيجَابُهُ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ تَمَسُّكًا بِالْأَمْرِ .
( الرَّابِعُ ) إنْكَارُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ أَبِي لَا يَرَى الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ : كَانُوا لَا يَشْتَرِطُونَ وَلَا يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ الِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إنَّمَا الِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَعَنْهُ أَيْضًا الْمُسْتَثْنَى وَغَيْرُ الْمُسْتَثْنَى سَوَاءٌ ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ كَانَ عَلْقَمَةُ يَشْتَرِطُ فِي الْحَجِّ وَلَا يَرَاهُ شَيْئًا ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ زَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِدُونِ أَوَّلِهِ وَلَفْظُهُ { أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ

طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا } وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْكَارَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَحَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ غَلَطٌ فَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا قَدَّمْتُهُ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاشْتِرَاطَ يُفِيدُ سُقُوطَ الدَّمِ فَأَمَّا التَّحَلُّلُ فَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُ بِكُلِّ إحْصَارٍ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَيْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا لَوْ أَنَّ الرَّجُلَ اُبْتُلِيَ ، وَرَوَيْنَا عَنْهُ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَجِّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا تَنَاقُضٌ مَرَّةً كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ وَمَرَّةً كَانُوا يَكْرَهُونَ فَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا تَرْكُ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ لِاضْطِرَابِهَا .
( الثَّانِيَةُ ) فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَرَأَى أَنَّ الْأَمْرَ بِهِ تَرْخِيصٌ وَتَوْسِعَةٌ وَتَخْفِيفٌ وَرِفْقٌ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ بِمُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْمَرَضِ ، وَمَنْ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ دِينِيَّةً وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ قَدْ يُعْرَضُ لَهَا مَرَضٌ يُشَعِّثُ الْعِبَادَةَ وَيُوقِعُ فِيهَا الْخَلَلَ وَهَذَا بَعِيدٌ ، وَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَخَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلِهِ وَلَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنُقِلَ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ بَعْدَ شِكَايَتِهَا لَهُ ، عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ تَرْخِيصٌ حَرَّكَ

ذِكْرَهُ هَذَا السَّبَبُ وَهُوَ شَكْوَاهَا وَمَنْ قَالَ بِالْإِنْكَارِ مِنْهُمْ مِنْ ضَعْفِ الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَرَدَّهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ وَفِي تَأْوِيلِهِ أَوْجُهٌ : ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ خَاصٌّ بِضُبَاعَةَ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ وَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بِهَا مَرَضٌ أَوْ حَالٌ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهَا أَنَّهُ يُعَوِّقُهَا عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَهَذَا كَمَا أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فِي رَفْضِ الْحَجِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ وَأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمْ أَعْدُهُ وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ .
( الثَّانِي ) أَنَّ مَعْنَاهُ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ أَيْ إذَا أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ انْقَطَعَ إحْرَامِي حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَعَجِبْت مِنْ جَلَالَةِ الْإِمَامِ كَيْفَ قَالَهُ .
( الثَّالِثُ ) أَنَّ الْمُرَادَ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ لَا مُطْلَقًا حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَائِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ فَإِنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالتَّحَلُّلِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ } وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ وَرُوِيَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ

سَمِعْنَاكُمْ تَعْتَلُّونَ بِهَذَا فِي الصَّاحِبِ فَعَدَّيْتُمُوهُ إلَى التَّابِعِ وَإِنْ دَرَجْتُمُوهُ بَلَغَ إلَيْنَا وَإِلَى مَنْ بَعْدَنَا فَصَارَ كُلُّ مَنْ بَلَغَهُ حَدِيثٌ فَتَرْكُهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّهِ وَلَئِنْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ مَا رَوَوْا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَأَطْنَبَ ابْنُ حَزْمٍ فِي رَدِّ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَهِيَ حَقِيقَةٌ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالظَّنُّ بِمَنْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مِمَّنْ خَالَفَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا لَمْ يُنْكِرْهُ أَبُوهُ

( التَّاسِعَةُ ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِطَ لِذَلِكَ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ وَالْعَجْزِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إحْلَالٍ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ إنْ اشْتَرَطَ التَّحَلُّلَ بِذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ وَإِنْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ فَهَلْ يَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى تَحَلُّلٍ أَوْ يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ ؟ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ ؛ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ مُحْتَمَلَةٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ مَحِلِّي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَوْضِعَ حِلِّي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَوْضِعَ إحْلَالِي

( الْعَاشِرَةُ ) الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي الْحَجِّ ، وَالْعُمْرَةُ فِي مَعْنَاهُ ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَشَرْطُ التَّحَلُّلِ مِنْهَا عِنْدَ الْمَرَضِ كَانَ كَذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمُجَوِّزِينَ لِلِاشْتِرَاطِ فِيمَا أَعْلَمُ وَلَعَلَّ الْعُمْرَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت } وَقَدْ عَزَى ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَلَيْسَتْ عِنْدَ مُسْلِمٍ

( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) الْمُرَادُ بِالتَّحَلُّلِ أَنْ يَصِيرَ نَفْسُهُ حَلَالًا فَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْمَرَضِ فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ شَرْطِ التَّحَلُّلِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا جَازَ إبْطَالُ الْعِبَادَةِ لِلْعَجْزِ فَنَقْلُهَا إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى أَوْلَى بِالْجَوَازِ .
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) سَبَبُ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ لَكِنَّ قَوْلَهُ ( حَبَسْتنِي ) يَصْدُقُ بِالْحَبْسِ بِالْمَرَضِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ كَذَهَابِ النَّفَقَةِ وَفَرَاغِهَا وَضَلَالِ الطَّرِيقِ وَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ كَالْمَرَضِ فِي جَوَازِ شَرْطِ التَّحَلُّلِ بِهَا وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ خَالَفَ فِيهِ

( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ بِالشَّرْطِ دَمٌ إذْ لَوْ وَجَبَ لَذَكَرَهُ ، فَإِنَّهُ وَقْتُ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَبِهَذَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ فَلَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ قَطْعًا وَإِنْ شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعًا

( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ فِيمَا إذَا حَبَسَهُ عَدُوٌّ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَسْقُطُ دَمُ الْإِحْصَارِ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فَشَرْطُهُ لَاغٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا

( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ { عَنْ ضُبَاعَةَ قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَكَيْفَ أُهِلُّ بِالْحَجِّ ؟ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِالْحَجِّ إنْ أَذِنْت لِي بِهِ وَأَعَنْتنِي عَلَيْهِ وَيَسَّرْته لِي ، وَإِنْ حَبَسْتنِي فَعُمْرَةٌ وَإِنْ حَبَسْتنِي عَنْهُمَا جَمِيعًا فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي } وَهَذِهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا ، وَيُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْحَاجِّ شَرْطُ التَّحَلُّلِ مِنْهُ مُطْلَقًا إلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَعَنْ الْعُمْرَةِ فَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعُمْرَةِ لَا يُنْتَقَلُ لِلتَّحَلُّلِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِيمَا لَوْ شَرَطَ قَلْبَ الْحَجِّ عُمْرَةً عِنْدَ الْمَرَضِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ

( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ إذْ لَوْ جَازَ التَّحَلُّلُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِهِ مَعْنًى

( السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عِنْدَ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ بِالشَّرْطِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيَعُودُ فِيهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ

( الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ ) الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَتِهِ لِلْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ مَتَى سَبَقَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { اشْتَرِطِي عِنْدَ إحْرَامِك } وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ فِي الْمُغْنِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ انْتَهَى .
وَهُوَ وَاضِحٌ

( التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهَذَا الِاشْتِرَاطِ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَذَكَرَ فِيهِ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ احْتِمَالَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) هَذَا قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { قُولِي مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي } ( قُلْت ) وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي } ( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَوَجْهُهُ بِأَنَّهُ تَابِعٌ لِعَقْدِ الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ .
( الْعِشْرُونَ ) قَدْ يَتَشَوَّفُ لِحَالِ ضُبَاعَةَ هَلْ حَبَسَهَا الْمَرَضُ أَمْ لَا ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { فَأَدْرَكْت } وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا أَدْرَكَتْ الْحَجَّ وَلَمْ تَتَحَلَّلْ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْهُ

( الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي الِاشْتِرَاطِ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى وَالْعِبَارَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِتَأْدِيَةِ الْمَعْنَى ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ بِقَوْلِ عَلْقَمَةَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ .
وَبِقَوْلِ شُرَيْحٍ ( اللَّهُمَّ قَدْ عَرَفْت نِيَّتِي وَمَا أُرِيدُ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا تُتِمُّهُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ ) وَنَحْوُهُ عَنْ الْأَسْوَدِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِعُرْوَةِ قُلْ ( اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَإِيَّاهُ نَوَيْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ ) وَنَحْوُهُ عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ زِيَادٍ .
( الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ ) فِي قَوْلِهِ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَنَّ الْمُحْصَرَ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ ، وَهُنَاكَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَلَوْ كَانَ فِي الْحِلِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ .
( الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ حَيْثُ حَبَسْتنِي مَا إذَا شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ ( مَتَى شِئْت ) أَوْ ( كَسِلْت ) خَرَجْت وَهَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ

بَابُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ وَبَطْحَاءَ وَذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَا يَقُولُ إذَا قَفَلَ عَنْ عُرْوَةَ { عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَالَتْ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ } وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ { نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ } وَلِأَبِي دَاوُد ( إنَّمَا نَزَلَ الْمُحَصَّبَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ ) وَلِلشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مُنْزَلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ { لَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى } الْحَدِيثَ .
وَلَهُ أَنَّ { ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً ، وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ وَقَالَ قَدْ حَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ } وَلِلْبُخَارِيِّ { كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ : وَالْمَغْرِبَ .
قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَصَلَّى بِهَا } قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ " وَلَهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا " زَادَ مُسْلِمٌ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ "

بَابُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ وَبَطْحَاءَ وَذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَا يَقُولُ إذَا قَفَلَ .
( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ عُرْوَةَ { عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَالَتْ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ } .
قَالَ الزُّهْرِيُّ ( أَنَا عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ ) الْحَدِيثَ وَاقْتَصَرَ النَّسَائِيّ عَلَى ذِكْرِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { نُزُولُ الْأَبْطُحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ } لَفْظُ مُسْلِمٍ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { أَدْلَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَطْحَاءِ لَيْلَةَ النَّفْرِ إدْلَاجًا } .
( الثَّانِيَةُ ) قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ ( لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ ) إلَى النُّزُولِ بِالْأَبْطَحِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ ؛ وَالْمُرَادُ النُّزُولُ بِهِ عِنْدَ النَّفْرِ مِنْ مِنًى .
( الثَّالِثَةُ ) الْأَبْطَحُ هُوَ الْوَادِي الْمَبْطُوحُ بِالْبَطْحَاءِ وَالْمُحَصَّبُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ الَّذِي فِيهِ الْحَصْبَاءُ ؛ وَالْبَطْحَاءُ وَالْحَصْبَاءُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ الْحَصَى ؛ الصِّغَارُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ مَكَانٌ مُتَّسِعٌ بَيْنَ

مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبَ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحْدَهُ مِنْ الْحَجُونِ ذَاهِبًا إلَى مِنًى ، وَزَعَمَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ ذُو طُوًى وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا .
قَالَ النَّوَوِيُّ ، الْمُحَصَّبُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْحَصْبَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَالْأَبْطُحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ اسْمٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَصْلُ الْخَيْفِ كُلُّ مَا انْحَدَرَ عَنْ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ الْمَسِيلِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْأَبْطُحَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الْآتِي ذِكْرُهُ غَيْرُ الْمُحَصَّبِ وَالْبَطْحَاءِ وَخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي ذِكْرُهُ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْبَطْحَاءُ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ وَهَذِهِ الْبَطْحَاءُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْمُعَرَّسِ انْتَهَى .
وَهُوَ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَيَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ لَفْظَ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ { لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنْ جِئْت فَضَرَبْت قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ } فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبْطُحِ الْمَكَانُ الَّذِي عِنْدَ مِنًى .
( الرَّابِعَةُ ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَبْطَحَ هُوَ الْمُحَصَّبُ الَّذِي عِنْدَ مِنًى فَكَوْنُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ تَنْزِلُهُ عِنْدَ النَّفْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا أَصْلًا وَحِينَئِذٍ فَنُزُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَرَى اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ كَغَيْرِهِ مِنْ مَنَازِلِ

الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ لَكِنْ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا نَزَلَهُ لِكَوْنِهِ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّزُولَ فِيهِ كَانَ بِالْقَصْدِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ } ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ وَذَلِكَ فِي حَجَّتِهِ قَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مُنْزَلًا ؟ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ } يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَحِينَئِذٍ فَنَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَمِعَ كَلَامَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ وُفِّقَ لِمَا أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا نَفَى أَمْرَهُ بِذَلِكَ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ مِنًى فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَهَذَا بَعِيدٌ ( فَإِنْ قُلْت ) فَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مُنْزَلُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ } وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا فَهَذِهِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ نَصْرُهُ فِي حُنَيْنٍ لَا فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ { مُنْزَلُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفَ } ( قُلْت ) قَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَرَّاتٍ فَقَالَ : تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ فِي اسْتِقْبَالِ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ غَلَبَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ وَتَنْكِيسِ رَأْسِ الْكُفْرِ بِهَا ، ثُمَّ قَالَهُ حِينَ أَرَادَ غَزْوَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ ثُمَّ قَالَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارًا لِلدِّينِ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَحَيْثُ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ انْتَهَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ تَحَالَفُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَيْهِ وَهُوَ تَحَالُفُهُمْ عَلَى إخْرَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ مَكَّةَ إلَى هَذَا الشِّعْبِ وَهُوَ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ الصَّحِيفَةَ الْمَشْهُورَةَ وَكَتَبُوا أَنْوَاعًا مِنْ الْبَاطِلِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْكُفْرِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ كُلَّ مَا فِيهَا مِنْ كُفْرٍ وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ وَبَاطِلٍ ، وَتَرَكَتْ مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْبَرَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ فَجَاءَ إلَيْهِمْ أَبُو طَالِبٍ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَوَجَدُوهُ كَمَا أَخْبَرَ ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ النُّزُولَ هُنَاكَ قَصْدًا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ وَهُوَ الشُّكْرُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ وَدَحْضِ الْكُفْرِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَى

الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَانَ نُزُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُنَاكَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الظُّهُورِ بَعْدَ الِاخْتِفَاءِ وَعَلَى إظْهَارِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى .
( الْخَامِسَةُ ) ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ إذَا فَرَغَ مِنْ الرَّمْيِ وَنَفَرَ مِنْ مِنًى أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَيَنْزِلَ بِهِ وَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَبِيتَ بِهِ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ } .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ قَالَ نَافِعٌ قَدْ حَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْحُصَيْبِ فَحَدَّثَنَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَلَوْ تَرَكَ النُّزُولَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُسُكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَمَا ذَكَرْته مِنْ اسْتِحْبَابِ النُّزُولِ بِهِ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَتَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَإِنْ

كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ مُرْسَلَةً لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ } وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ زِيَادَةُ ذِكْرِ عُثْمَانُ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا آلَ خُزَيْمَةَ حَصِّبُوا لَيْلَةَ النَّفْرِ ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ فَسَمِعَ دُعَاءً فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ ابْنُ عُمَرَ يَرْتَحِلُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَمَّا نَفَرَ أَتَى الْأَبْطَحَ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ مِنًى .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ إذَا انْتَهَى إلَى الْأَبْطَحِ فَلْيَضَعْ رَحْلَهُ ثُمَّ لِيَزُرْ الْبَيْتَ وَلْيَضْطَجِعْ فِيهِ هُنَيْهَةً ثُمَّ لِيَنْفِرْ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ فِي شِعْبِ الْخَوْرِ وَأَنْكَرَ التَّحْصِيبَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ فَرَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْزِلُ الْأَبْطَحَ وَقَالَ إنَّمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ انْتَظَرَ عَائِشَةَ وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَحْصِبُونَ .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّهُ أَنْكَرَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَحْصِبُ هِيَ وَلَا أَسْمَاءُ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْخُلَفَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْهُمْ يَفْعَلُونَهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَقُولَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ هُوَ مُنْزَلُ اتِّفَاقِي لَا مَقْصُودَ فَحَصَلَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ لَا

شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حَكَى عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ آكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَهَى وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ فِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ الْحَافِظُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ فَقَالَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ حَكَى اسْتِحْبَابَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ النَّوَوِيِّ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ( قُلْت ) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُسْتَحَبٌّ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْحِجَازِيِّينَ آكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَالْكُلُّ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَارِكِهِ فِدْيَةٌ وَلَا دَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا إنَّمَا أَخَذَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَسَقَطَتْ عَلَيْهِ لَفْظَةُ مِنْ فَبَقِيَ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَوَّلَ كَلَامَ مَنْ أَنْكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ أَنْكَرَ كَوْنَهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ لَا أَصْلَ اسْتِحْبَابِهِ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ نُزُولُ الْأَبْطُحِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مُنْزَلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ كَمَا هُوَ مُفَسَّرٌ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ وَعَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُسَامَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كَلَامِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ ، فَدَلَّ قَوْلُهَا هَذَا عَلَى أَنَّ نُزُولَ

الْمُحَصَّبِ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ مِنْ فِدْيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَلَامِ عَنْ حَدِيثِ بَطْحَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ نُزُولُهَا وَالْمَبِيتُ فِيهَا ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ النُّزُولَ بِهِ كَانَ قَصْدًا أَرَاهُ لِلْمُشْرِكِينَ لَطِيفُ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ وَقَالَ فَصَارَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْحَاجِبِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ وَسَّعَ فِي النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ عَلَى مَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ ، وَكَانَ يُفْتِي بِهِ سِرًّا فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ إنْكَارُهُ وَاسْتِحْبَابُهُ نُسُكًا أَوْ غَيْرَ نُسُكٍ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقْتَدَى بِهِ وَغَيْرِهِ

( السَّادِسَةُ ) قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ نُزُولَ الْمُحَصَّبِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَنَاسِكِ ، فَهَلْ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ إذَا مَرَّ بِهِ ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ مُطْلَقًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِلْجَمْعِ الْكَثِيرِ ، وَإِظْهَارُ الْعِبَادَةِ فِيهِ إظْهَارًا لِشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَدِّ كَيْدِ الْكُفَّارِ وَإِبْطَالِ مَا أَرَادُوهُ .

وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَصَلَّى بِهَا } قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخَ بِهَا " زَادَ مُسْلِمٌ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ

الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَصَلَّى بِهَا } قَالَ نَافِعٌ : ( كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ) ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ { أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا } .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ ، وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ } .
( الثَّانِيَةُ ) الْبَطْحَاءَ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ تُسَمَّى الْمُعَرَّسَ أَيْضًا وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَأَصْلُ الْمُعَرَّسِ مَوْضِعُ النُّزُولِ مُطْلَقًا أَوْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَرَّسَ الْقَوْمُ فِي الْمُنْزَلِ إذَا نَزَلُوا بِهِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ .
وَقَالَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ التَّعْرِيسُ النُّزُولُ آخِرَ اللَّيْلِ ، وَصَارَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَكَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَدِينِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَشَارِقِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ

سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَقِيلَ لَهُ إنَّك بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ } .
قَالَ مُوسَى وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ بِهِ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِي عَزْوِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ نَظَرٌ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا ذَكَرَهَا فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ .
( الثَّالِثَةُ ) اُخْتُلِفَ فِي نُزُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِبَطْحَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَلَى أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنَّ ذَلِكَ جَرَى اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ فَهُوَ كَبَقِيَّةِ مَنَازِلِ الْحَجِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا هُوَ مِثْلُ الْمَنَازِلِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَازِلِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَبَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتْبَعُ آثَارَهُ تِلْكَ فَيَنْزِلُ بِهَا فَكَذَلِكَ قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ بِالْمُعَرَّسِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذَا تَوْجِيهًا لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ مَرَّ بِالْمُعَرَّسِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَاجِعًا مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَرِّسَ بِهِ حَتَّى يُصَلِّي فَعَلَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
( ثَانِيهَا ) أَنَّهُ قَصَدَ النُّزُولَ بِهِ لَكِنْ لَا لِمَعْنَى فِيهِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا نَزَلَ بِهِ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يُصْبِحَ لِئَلَّا يَفْجَأَ النَّاسُ أَهَالِيهمْ لَيْلًا كَمَا نَهَى عَنْهُ صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ ( ثَالِثُهَا ) أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ قَصْدًا لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ التَّبَرُّكُ بِهِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَتَى بِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّك بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ وَهُوَ فِي

الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا صَلَاتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهِ وَمَا فُهِمَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى النُّزُولِ بِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ إذَا قَفَلَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَأَنَّهُ مَنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيَقُمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا بَدَا لَهُ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّسَ بِهِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي لَيْسَ نُزُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْمُعَرَّسِ كَسَائِرِ مَنَازِلِ طَرِيقِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ حَيْثُ أَمْكَنَهُ وَالْمُعَرَّسُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً .
وَلَا وَجْهَ لِتَزْهِيدِ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ الْمُعَرَّسُ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ مَا أَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى نَافِعٍ تَأَخُّرَهُ عَنْهُ وَذَكَرَ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَبَقَهُ إلَى الْمُعَرَّسِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا حَبَسَك ؟ فَذَكَرَ عُذْرًا فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّك أَخَذْت الطَّرِيقَ وَلَوْ فَعَلْت لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا

( رَابِعُهَا ) أَنَّهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهَذَا شَيْءٌ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ حِكَايَتَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ : وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى تَارِكِهَا فِدْيَةٌ أَوْ دَمٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ إلَّا ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ سُنَّةً : انْتَهَى فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي إيجَابِ ابْنِ عُمَرَ فِدْيَةً بِتَرْكِهِ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَادَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِهِ زِيَادَةً لَمْ يَقُولُوا بِهَا فَيُعَدُّ حِينَئِذٍ مَذْهَبًا غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ

( الرَّابِعَةُ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً لَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ الْمَبِيتِ بِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ فَرِيضَةً وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مُجَاوَزَتُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَاسْتِحْبَابُ الشَّافِعِيِّ لَهُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَرِّسَ بِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فَعَلَ .
( الْخَامِسَةُ ) لَوْ مَرَّ بِهِ فِي وَقْتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لَهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ سَبَبٍ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْمَجِيءَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَمَا قَالُوهُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُ التَّحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِقَصْدِ فِعْلِ التَّحِيَّةِ فَلَا يَفْعَلُهَا عَلَى أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي تِلْكَ فِعْلُهَا قَبْلَ الْجُلُوسِ فَلِأَجْلِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا اُغْتُفِرَ فِعْلُهَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ وَأَمَّا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَلَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا بَلْ الْقَصْدُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ مَنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيَقُمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا بَدَا لَهُ وَهَذَا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي طَرْدِ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ فِي ذَاتِ السَّبَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ أَيْ الْمَفْرُوضَةُ وَمُرَادُهُ دُخُولُ وَقْتِهَا لَكِنْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ مَا بَدَا لَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ النَّافِلَةِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً .
( السَّادِسَةُ ) فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ

زِيَادَةُ الْمَبِيتِ بِهَا إلَى الصَّبَاحِ وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ لَازِمٌ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ فِي مَبِيتِ الْمُزْدَلِفَةِ حُصُولُ الْقَصْدِ بِالْمَبِيتِ بِهَا نِصْفَ اللَّيْلِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَنْ لَا يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا اقْتَضَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارَ إلَى الصَّبَاحِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي هَذَا الْمَحْذُورِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ .
( السَّابِعَةُ ) قَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ وَمُقْتَضَى الْمَعْنَى عَدَمُ التَّقْيِيدِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ بِهَا وَالْمَبِيتِ لِكُلِّ مَارٍّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَادِرًا مِنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي تَبْوِيبِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا صَحَّ مِنْ شَرَفِ الْبُقْعَةِ وَأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ عَلَيْهَا إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْفَتْحِ غَزْوٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ كُلُّهَا دَارَ سَلَامٍ .
( فَإِنْ قُلْت ) فَلِمَ خَصَّ ذَلِكَ بِصُدُورِهِ وَرُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلِمَ لَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمُضِيِّ إلَيْهِمَا قُلْت لِأَنَّهُ فِي الْمُضِيِّ إلَيْهِمَا يَمُرُّ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ وَإِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَوْ مَرَّ بِالْمُعَرَّسِ فِي ذَهَابِهِ إلَى مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَعَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، آيِبُونَ تَائِبُونَ ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ } .

( الْحَدِيثُ الثَّالِثُ ) وَعَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، آيِبُونَ تَائِبُونَ ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُ عُبَيْدِ اللَّهِ { كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ الْجُيُوشِ أَوْ السَّرَايَا أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إذَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا } .
وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَفِي حَدِيثِ أَيُّوبَ عِنْدَ مُسْلِمٍ { التَّكْبِيرُ مَرَّتَيْنِ } وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ ثَلَاثًا وَقَدْ بَدَّلَ سَاجِدُونَ سَائِحُونَ ( الثَّانِيَةُ ) قَوْلُهُ كَانَ إذَا قَفَلَ أَيْ رَجَعَ وَالْقُفُولُ الرُّجُوعُ مِنْ السَّفَرِ وَيُقَالُ فِي الْمُضَارِعِ يَقْفُلُ بِالضَّمِّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ الْقُفُولُ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُسَافِرُونَ قَافِلَةً تَفَاؤُلًا لَهُمْ بِالْقُفُولِ وَالسَّلَامَةِ عَلَى أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ قَالَ : إنَّ الْقَافِلَةَ هِيَ الرُّفْقَةُ الرَّاجِعَةُ مِنْ السَّفَرِ ؛ وَقَالَ الْعَقَبِيُّ لَا يُقَالُ لَهُمْ فِي مَبْدَئِهِمْ قَافِلَةٌ وَ ( الشَّرَفُ ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ .
وَأَمَّا ( الْفَدْفَدُ ) الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ بِتَكْرِيرِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ : هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ ارْتِفَاعٌ

وَغِلَظٌ رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ وَقِيلَ : الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ الْفَلَاةُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا ؛ صَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ كَلَامَهُ ؛ وَقِيلَ غَلِيظُ الْأَرْضِ ذَاتُ الْحَصَى ؛ وَقَوْلُهُ آيِبُونَ أَيْ رَاجِعُونَ يُقَالُ آبَ مِنْ سَفَرِهِ إذَا رَجَعَ مِنْهُ وَالْأَحْزَابُ الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْكُفَّارُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَتَحَزَّبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ يَرَوْهَا ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْزَابِ يَوْمُ الْخَنْدَقِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْزَابُ الْكُفْرِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَالْمَوَاطِنِ ؛ انْتَهَى .
وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ الْأَحْزَابُ الطَّوَائِفُ الَّتِي تَجْتَمِعُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ .
( الثَّالِثَةُ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِتْيَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ فِي الْقُفُولِ مِنْ سَفَرِ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأَسْفَارِ أَوْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ كَالرِّبَاطِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ يَتَعَدَّى إلَى السَّفَرِ الْمُبَاحِ أَيْضًا كَالنُّزْهَةِ أَوْ يَسْتَمِرُّ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا : ( أَحَدُهَا ) الِاخْتِصَاصُ : وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ شُرِعَ بِأَثَرِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِ وَالْأَذْكَارُ الْمَخْصُوصَةُ مُتَعَبَّدٌ بِهَا فِي لَفْظِهَا وَمَحَلِّهَا وَمَكَانِهَا وَزَمَانِهَا .
( الثَّانِي ) أَنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ أَسْفَارِ الطَّاعَةِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَاهَا فِي التَّقَرُّبِ بِهَا .
( الثَّالِثُ ) أَنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَيْنِ

الِاحْتِمَالَيْنِ فَالتَّقْيِيدُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُسَافِرُ بِغَيْرِ الْمَقَاصِدِ الثَّلَاثَةِ فَقَيَّدَهُ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ لَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِ .
( الرَّابِعُ ) تَعَدِّيهِ إلَى الْأَسْفَارِ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّ مُرْتَكِبَ الْحَرَامِ أَحْوَجُ إلَى الذِّكْرِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ مُحْتَمَلٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَبْوِيبِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ( مَا يَقُولُ إذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَالْغَزْوُ ) وَقَدْ يُرِيدُ غَيْرَهُ مُطْلَقًا وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ سَوَاءٌ فِيهِ السَّفَرُ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَلَبِ عِلْمٍ وَتِجَارَةٍ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى فَمَثَّلَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ مِنْ الطَّاعَاتِ وَبِالتِّجَارَةِ وَهِيَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَمْ يُمَثِّلْ الْمُحَرَّمَ لَكِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي إطْلَاقِهِ .
( الرَّابِعَةُ ) الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ التَّكْبِيرِ ثَلَاثًا بِحَالَةِ كَوْنِهِ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ فَيَحْتَمِلُ الْإِتْيَانَ بِهِ وَهُوَ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَتَقَيَّدَ بِذَلِكَ بَلْ إنْ كَانَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ وَاسِعًا قَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا كَمَّلَ بَقِيَّةَ الذِّكْرِ بَعْدَ انْهِبَاطِهِ وَلَا يَسْتَمِرُّ وَاقِفًا فِي الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ لِتَكْمِيلِهِ .
( الْخَامِسَةُ ) قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : مُنَاسَبَةُ التَّكْبِيرِ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ وَالِارْتِفَاعَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ وَفِيهِ ظُهُورٌ وَغَلَبَةٌ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَكَانِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَلَبَّسَ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَ ذَلِكَ كِبْرِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَشْكُرُ لَهُ ذَلِكَ ؛ يَسْتَمْطِرُ بِذَلِكَ الْمَزِيدَ مِمَّا مَنَّ بِهِ

عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ تَوْحِيدُهُ لِلَّهِ تَعَالَى هُنَاكَ إشْعَارٌ بِانْفِرَادِهِ تَعَالَى بِإِيجَادِ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ وَبِأَنَّهُ الْمَأْلُوهُ أَيْ الْمَعْبُودُ فِي كُلِّ الْأَمَاكِنِ مِنْ الْأَرَضِينَ وَالسَّمَوَاتِ ( قُلْت ) وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَلَا نَشْزًا مِنْ الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُمَّ لَك الشَّرَفُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ ؛ وَلَك الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ } وَيَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ إظْهَارُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ وَذَلِكَ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَالِيَةِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُنْخَفِضَةِ .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُيُوشُهُ إذَا عَلَوْا الثَّنَايَا كَبَّرُوا وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا فَوُضِعَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ } وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ التَّسْبِيحِ فِي الِانْهِبَاطِ أَنَّ الِانْخِفَاضَ مَحَلُّ الضِّيقِ وَالتَّسْبِيحُ سَبَبُ لِلْفَرَجِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي حَقِّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } وَكَانَتْ مَقَالَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ { سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ } .
( السَّادِسَةُ ) قَوْلُهُ آيِبُونَ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ نَحْنُ آيِبُونَ ( فَإِنْ قُلْت ) مَا فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِالْأَوْبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ مِنْ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ حَالِهِمْ وَمَا تَحْتَ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ مِنْ الْفَائِدَةِ ؟ .
( قُلْت ) قَدْ يُرَادُ أَوْبٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ إلَى الطَّاعَةِ أَوْ التَّفَاؤُلُ بِذَلِكَ أَوْ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ السَّفَرَ الْمَقْصُودَ قَدْ انْقَضَى فَهُوَ اسْتِبْشَارٌ بِكَمَالِ

الْعِبَادَةِ وَالْفَرَاغِ مِنْهَا وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالظَّفَرِ بِهِ .
( السَّابِعَةُ ) وَقَوْلُهُ تَائِبُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إشْعَارًا بِحُصُولِ التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ فَيَتُوبُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ تَوَاضُعٌ وَهَضْمٌ لِلنَّفْسِ أَوْ تَعْلِيمٌ لِمَنْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي سَفَرِ الطَّاعَاتِ فَيَخْلِطُهُ بِمَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَيَحْتَمِلُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ طَاعَةِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْغَزْوِ قَدْ كَفَّرَ مَا مَضَى فَيَسْأَلُ التَّوْبَةَ فِيمَا بَعْدَهُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ فِي الْعِصْمَةِ فَيَسْأَلُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ بَعْدَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْفِيرٍ وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَوْ كَانَ إشْعَارًا بِأَنَّهُمْ رَحَّبُوا بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ لَنَصَبَهَا عَلَى الْحَالِ فَقَالَ تَائِبِينَ عَابِدِينَ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِظْهَارِ الْأَعْمَالِ .
( الثَّامِنَةُ ) وَقَوْلُهُ سَاجِدُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَابِدُونَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَقَوْلُهُ لِرَبِّنَا يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَهُ بِقَوْلِهِ سَاجِدُونَ أَيْ نَسْجُدُ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا مُقَدَّمًا لِقَوْلِهِ حَامِدُونَ أَيْ نَحْمَدُهُ دُونَ غَيْرِهِ لِرُؤْيَتِنَا النِّعْمَةَ مِنْهُ إذْ هُوَ الْمُنْعِمُ بِهَا لَا رَبَّ سِوَاهُ .
( التَّاسِعَةُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ { قَوْلُهُ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ } أَيْ فِي إظْهَارِ الدِّينِ وَكَوْنِ الْعَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَعَدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ { وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ } أَيْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْمُرَادُ الْأَحْزَابُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَبِهَذَا يَرْتَبِطُ قَوْلُهُ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ تَكْذِيبًا لِقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ { مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا } وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ

يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ وَحْدَك قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ إنْ كَانَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ تَذْكِرَةٌ بِذَلِكَ وَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمَنِينَ } وَإِنْ كَانَ رُجُوعًا مِنْ غُزَاةٍ بِذِكْرِهِ قَوْله تَعَالَى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } الْآيَةَ قَوْله تَعَالَى { وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } .
قَالَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ { أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى إذَا كَانَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ } الْحَدِيثَ فَهَذَا كَانَ مَقْفَلُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَكَانَتْ مُتَّصِلَةً بِقِصَّةِ الْأَحْزَابِ { إذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا } فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ .
( الْعَاشِرَةُ ) مَجْمُوعُ هَذَا الذِّكْرِ إنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْتِي بِهِ عِنْدَ الْقُفُولِ وَكَانَ يَأْتِي بِصَدْرِهِ فِي الْخُرُوجِ أَيْضًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا } الْحَدِيثَ .
وَفِي آخِرِهِ { وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ } وَتَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْخَامِسَةِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ { كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا } .
وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد { كَانَ النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُيُوشُهُ إذَا عَلَوْا الثَّنَايَا كَبَّرُوا ، وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا } .
{ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ أَوْصِنِي لَمَّا أَرَادَ سَفَرًا عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِالرَّجْعَةِ مِنْ سَفَرِهِ .

بَابُ الْأُضْحِيَّةِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا فَقَسَمَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ مِنْهَا فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ( فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { فَأَصَابَنِي جَذَعٌ } وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ { وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك } وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ { فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا فَرَجَعْت بِهِ إلَيْهِ فَقُلْت إنَّهُ جَذَعٌ ، قَالَ ضَحِّ بِهِ فَضَحَّيْت بِهِ } وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي قِصَّةِ ذَبْحِ خَالِهِ أَبِي بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، { وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ } وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ { مِنْ مُسِنَّيْنِ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا { إنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ } وَقَالَ الْبُخَارِيُّ { دَاجِنًا جَذَعَةٌ مِنْ الْمَعْزِ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَمْ تَصْلُحْ لِغَيْرِك } وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا } .

بَابُ الْأُضْحِيَّةِ ( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا فَقَسَمَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ مِنْهَا فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ بَعْجَةَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ { قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ قَالَ ضَحِّ بِهَا } .
لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ { فَأَصَابَنِي جَذَعٌ } وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ { ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِذَاعٍ مِنْ الضَّأْنِ } .
وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي الْأَضَاحِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبِ قَالَ { سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ يُضَحَّى بِهِ فَقَالَ سَعِيدٌ مَا كَانَتْ سُنَّةُ الْجِذْع مِنْ الضَّأْنِ إلَّا فِيكُمْ } سَأَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ مُعَاذًا هَذَا مَجْهُولٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ الظَّاهِرُ انْقِطَاعُ رِوَايَتِهِ عَنْ عُقْبَةَ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مُرْسَلَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

خُبَيْبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُقْبَةَ { سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ } .
ثُمَّ قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا .
( الثَّانِيَةُ ) بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ( بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَمِ وَالْعَدْلِ فِيهَا ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ هِيَ الْقِسْمَةُ الْمَعْهُودَةُ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا تَسْوِيَةُ الْأَجْزَاءِ وَمَا أَظُنُّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَفْرِقَةِ غَنَمٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَيْنَ مَا يُعْطِيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ عَلَيْهِ بِالتَّسْوِيَةِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عُسْرًا وَحَرَجًا وَالْغَنَمُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا قِسْمَةُ الْأَجْزَاءِ وَلَا تُقْسَمُ إلَّا بِالتَّعْدِيلِ وَيَحْتَاجُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ إلَى رَدٍّ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ قِسْمَتِهَا عَلَى التَّحْرِيرِ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْغَنَمَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ إنَّهُ تَجُوزُ الضَّحَايَا بِمَا يُهْدَى إلَيْك وَبِمَا لَمْ تَشْتَرِهِ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ عَامَّةُ النَّاسِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ إنْ كَانَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ فَكَانَتْ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُهَا لِلْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَسَمَهَا بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ خَاصَّةً فَكَانَتْ مِنْ الصَّدَقَةِ انْتَهَى .
فَجَزَمَ بِأَنَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ أُعْطِيت لِمُسْتَحِقِّهَا لَكِنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ الْفَيْءِ وَنَحْوِهِ وَكَوْنِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَهَا هَدِيَّةً لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَأَخْذُ الْإِنْسَانِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ الزَّكَاةِ لَيْسَ تَبَرُّعًا مِنْ مُعْطِيهِ وَيُوَافِقُ كَلَامَهُ الَّذِي حَكَيْته ، ثَانِيًا ، كَلَامُ أَبِي

الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ إنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الضَّحَايَا عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى .
( الثَّالِثَةُ ) وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا ( وَكَالَةُ الشَّرِيكِ الشَّرِيكَ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا ) وَمَا عَرَفْت وَجْهَ هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ وَمِنْ أَيْنَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ شَرِكَةٌ فِي هَذِهِ الْغَنَمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( الرَّابِعَةُ ) ( الضَّحَايَا ) جَمْعُ ضَحِيَّةٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَأُضْحِيَّةٌ بِكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَاللُّغَةُ الثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الضُّحَى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ .
( الْخَامِسَةُ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَتُودُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ خَاصَّةً وَهُوَ مَا رَعَى وَقَوِيَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهُوَ مَا بَلَغَ سَنَةً وَجَمْعُهُ أَعْتِدَةٌ وَعِدَّانٌ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الدَّالِ وَأَصْلُهُ عِتْدَانٌ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ أَصْلُ عِتْدَانٍ عَدَدَانٌ قَالَ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ إذَا بَلَغَ السِّفَادَ وَقِيلَ إذَا قَوِيَ وَشَبَّ وَقِيلَ إذَا اسْتَكْرَشَ وَبَعْضُهُ يَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ ( السَّادِسَةُ ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَإِذَا جَازَ ، ذَلِكَ مِنْ الْمَعْزِ فَمِنْ الضَّأْنِ أَوْلَى وَقَدْ دَلَّتْ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ عَلَى الضَّأْنِ صَرِيحًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا ) التَّفْرِيقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فَيُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ

الضَّأْنِ وَلَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ إجْزَاءُ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( الْقَوْلُ الثَّانِي ) مَنْعُ الْجَذَعِ مُطْلَقًا ضَأْنًا كَانَ أَوْ مَعْزًا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَطْنَبَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَالْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
( الْقَوْلُ الثَّالِثُ ) تَجْوِيزُ الْجَذَعِ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ الْمَعْزِ حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأُمُّ سَلَمَةَ .
وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَجْوِيزِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا قَدَّمْته وَقَالَ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا هَذَا رُخْصَةٌ وَالتَّجْوِيزُ خَاصٌّ بِعُقْبَةَ أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِعُقْبَةَ ضَحِّ بِهَا أَنْتَ وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك } .
( فَإِنْ قُلْت ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَذِنَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ فِي التَّضْحِيَةِ بِجَذَعَةٍ مِنْ الْمَعْزِ وَقَالَ لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك } ( قُلْت ) كِلَا الْحَدِيثَيْنِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَإِجْزَاءُ الْجَذَعَةِ مِنْ الْمَعْزِ خَاصٌّ بِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ خَالِ

الْبَرَاءِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ { مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا } .
وَعَزْوُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو بُرْدَةَ لَا شَخْصٌ ثَالِثٌ وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ اذْبَحْهَا وَلَنْ تُجْزِئَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك } .
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَبُو بُرْدَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الشَّكُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِأَنَّهَا لَا تَبْلُغُ غَيْرَهُ وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَهُ انْتَهَى عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ الرُّخْصَةُ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا فَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ { زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ عَتُودًا جَذَعًا وَقَالَ ضَحِّ بِهِ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ } .
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا جَذَعٌ مِنْ الضَّأْنِ مَهْزُولٌ خَسِيسٌ وَهَذَا جَذَعٌ مِنْ الْمَعْزِ سَمِينٌ سَيِّدٌ وَهُوَ خَيْرُهُمَا أَفَأُضَحِّي بِهِ قَالَ ضَحِّ بِهِ فَإِنَّ لِلَّهِ الْخَيْرَ } فَيَكُون الْأَصْلُ مَنْعَ إجْزَاءِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ إلَّا لِمَنْ صَحَّ التَّرْخِيصُ لَهُ فِيهِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلَنْ يُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك أَيْ مِنْ غَيْرِ مَنْ رَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَمْعًا

بَيْنَ الْأَحَادِيثِ .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّ حَدِيثَ عُقْبَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ ثُمَّ قَالَ وَيُمْكِنُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ تَأْوِيلَانِ غَيْرُ النَّسْخِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْجَذَعَ الْمَذْكُورَ فِيهِ مِنْ الضَّأْنِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَتُودُ لِأَنَّهُ فِي سِنِّهِ وَقُوَّتِهِ .
( ثَانِيهمَا ) أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْنَى وَتَجُوزُ فِي تَسْمِيَتِهِ عَتُودًا وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعَتُودَ الْجَدْيُ الَّذِي بَلَغَ السِّفَادَ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَعْزُ لَا تَضْرِبُ فُحُولُهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ تُثَنِّيَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَأَجْوِبَتُهُ الثَّلَاثَةُ مَرْدُودَةٌ .
وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَتَمَسَّكَ الْمُفَرِّقُونَ فِي مَنْعِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ بِمَا تَقَدَّمَ وَفِي إجَازَةِ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عُقْبَةَ وَبِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يُعْسِرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ } .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كِبَاشٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { نِعْمَ أَوْ نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ } .
وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ حَسَّنَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثِفَالٍ الْمُرِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْمَعْزِ } .
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ

وَضَعَّفَهُ الْبَزَّارُ بِرِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْحُنَيْنِيِّ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ الْجَذَعَ يُوفِي بِمَا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ } .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةُ وَلَمْ يُسَمِّهِ ( فَإِنْ قُلْت ) فَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَهُوَ أَصَحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إنَّ إجْزَاءَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَسُّرِ الْمُسِنَّةِ وَالْجُمْهُورُ الْمُجَوِّزُونَ لِلْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ لَا يَقُولُونَ بِهِ ( قُلْت ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ ، وَتَقْدِيرُهُ يُسْتَحَبُّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةٌ مِنْ الضَّأْنِ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ بِحَالٍ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ وَابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ

( السَّابِعَةُ ) إنْ قُلْت كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ عُقْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْخَيْرِ عَنْهُ وَمِنْ رِوَايَةِ بَعْجَةَ عَنْهُ ( قُلْت ) أَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ بَعْجَةَ جَذَعَةٌ أَوْ جَذَعٌ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْخَيْرِ عَتُودٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي الْخَيْرِ بَيَّنَتْ أَنَّ هَذِهِ الْجَذَعَةَ كَانَتْ مِنْ الْمَعْزِ فَإِنَّ الْعَتُودَ مُخْتَصٌّ بِالْمَعْزِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ بَعْجَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ ضَحَايَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نُسِبَ الْقَسْمُ إلَيْهِ لِأَمْرِهِ عُقْبَةَ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَسْمَ عُقْبَةُ إنَّمَا هُوَ تَنْفِيذٌ لِقَسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيَّنَ مَا يُعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَتَوَلَّى عُقْبَةُ تَفْرِقَةَ ذَلِكَ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبِ فِي التَّصْرِيحِ بِالضَّأْنِ فَلَعَلَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الثَّامِنَةُ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سِنِّ الْجَذَعِ الْمُجْزِئِ فِي الْأُضْحِيَّةِ إمَّا مِنْ الضَّأْنِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَوْ مِنْ الْمَعْزِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ ، عَلَى أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ مَا أَكْمَلَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الْكِسَائِيّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ قُتَيْبَةَ قَالَ وَقَالَهُ الْعُدَيْسُ الْكِلَابِيُّ وَأَبُو فَقْعَسٍ الْأَسَدِيُّ وَهُمَا ثِقَتَانِ فِي اللُّغَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَ .
( الثَّانِي ) سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ .
( الثَّالِثُ ) سَبْعَةُ أَشْهُرٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ الزَّعْفَرَانِيِّ .
( الرَّابِعُ ) سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٌ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ .
( الْخَامِسُ ) ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ .
( السَّادِسُ ) عَشْرَةُ أَشْهُرٍ .
( السَّابِعُ ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا تُولَدُ بَيْنَ شَاتَيْنِ فَيَصِيرُ جَذَعًا ابْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَيْنَ مَا تُولَدُ بَيْنَ هَرَمَيْنِ فَلَا يَصِيرُ جَذَعًا إلَّا إذَا صَارَ ابْنَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ .
( الثَّامِنُ ) أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ حَتَّى يَكُونَ عَظِيمًا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ إنَّهُ بَاطِلٌ لَكِنَّهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَتْ بِالثَّنِيَّاتِ تَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ أَجْذَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ أَجْزَأَ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا لَوْ تَمَّتْ السَّنَةُ قَبْلَ أَنْ يُجْذِعَ وَيَكُونَ ذَلِكَ كَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَسْبَقُهُمَا وَهَكَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فَقَالَ الْجَذَعَةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَجْذَعَتْ قَبْلَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا

قَيْدًا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَهُوَ قَوْلٌ ( تَاسِعٌ ) وَقَدْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ قَيْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ } وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَائِشَةَ وَبُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّ فِيهَا كُلِّهَا بَعْدَ النَّهْيِ بَيَانَ النَّسْخِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ { مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَن بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا مِنْ الْعَامِ الْمَاضِي ؟ قَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا } وَقَالَ مُسْلِمٌ { أَنْ تَفْشُوَ فِيهِمْ } .
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ } الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ { إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا } لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ { كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ } وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا وَادَّخِرُوا } وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا ، فَقَالَ : كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْتَسِبُوا وَادَّخِرُوا } .

الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ } وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِالْإِذْنِ فِي ذَلِكَ وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ { كُلُوا مِنْ الْأَضَاحِيِّ ثَلَاثًا ؛ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ } وَلَفْظُ الْآخَرِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ } زَادَ مُسْلِمٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِي ؟ قَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا } لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ مُسْلِمٌ { أَنْ تَفْشُوَ فِيهِمْ } وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْهُ قَالَ {

كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا } قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ نَعَمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا } .
، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ؛ فَقَالَ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا مِنْهَا وَتَصَدَّقُوا } وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنُقَدِّمُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا تَأْكُلُوا إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعَمَ مِنْهُ ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي عَزْوِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ لِلْبُخَارِيِّ نَظَرٌ فَلَمْ أَقِفْ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إلَّا عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ ثَانِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ } .
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا فَقَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْبِسُوا وَادَّخِرُوا } .
( الثَّانِيَةُ ) قَوْلُهُ لَا يَأْكُلُ أَيْ الْمُضَحِّي فَحَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَقِيَامُ الْقَرِينَةِ عَلَيْهِ .
( الثَّالِثَةُ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا النَّهْيِ عَلَى أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهَذَا مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ قَالَ وَتَصْحِيحُ نَسْخِ النَّهْيِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ فَيُبَاحُ الْيَوْمَ الْإِدْخَارُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَالْأَكْلُ إلَى مَتَى شَاءَ كَصَرِيحِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْإِدْخَارُ الْيَوْمَ بِحَالٍ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ الْيَوْمَ بِحَالٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي إجَازَةِ أَكْلٍ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ .
( الْقَوْلُ الثَّانِي ) أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَسْخًا وَلَكِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ لِعِلَّةٍ فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ وَلَوْ عَادَتْ لَعَادَ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ { صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى لَنَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَا تَأْكُلُوا } ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا كَانَ عَامَ حَضْرَةِ عُثْمَانَ وَكَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي قَدْ أَلْجَأَتْهُمْ الْفِتْنَةُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ فَأَمَرَ بِذَلِكَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَهِدَ النَّاسُ وَدَفَّتْ الدَّافَّةُ انْتَهَى وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصٌّ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ تَرَدَّدَ فِيهِ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ؛ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا أَنْ يَقُولَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ لِمَعْنًى فَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ يَقُولَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ ثُمَّ أَرْخَصَ فِيهِ بَعْدَهُ وَالْآخَرُ مِنْ أَمْرِهِ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الصَّحِيحُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الضِّيقِ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا حَدَثَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَعُودَ الْمَنْعُ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْعِلَلِ فِي الْحَدِيثِ مَا نَصُّهُ فَإِذَا دَفَّتْ الدَّافَّةُ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَإِنْ لَمْ تَدِفَّ دَافَّةٌ فَالرُّخْصَةُ ثَابِتَةٌ بِالْأَكْلِ وَالتَّزَوُّدِ وَالِادِّخَارِ وَالصَّدَقَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ مَنْسُوخًا فِي كُلِّ حَالٍ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثُ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِعِلَّةٍ وَلَمَّا ارْتَفَعَتْ ارْتَفَعَ لِارْتِفَاعِ مُوجِبِهِ لَا لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَيَعُودُ الْحُكْمُ لِعَوْدِ الْعِلَّةِ فَلَوْ قَدِمَ

عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ نَاسٌ مُحْتَاجُونَ فِي زَمَانِ الْأَضْحَى وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ سَعَةٌ يَسُدُّونَ بِهَا فَاقَتَهُمْ إلَّا الضَّحَايَا لَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَدَّخِرُوهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ .
( الْقَوْلُ الثَّالِثُ ) كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَسْخًا وَلَكِنَّ التَّحْرِيمَ لِعِلَّةٍ فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ وَلَكِنْ لَا يَعُودُ الْحُكْمُ لَوْ عَادَتْ وَهَذَا وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَهُوَ بَعِيدٌ .
( الْقَوْلُ الرَّابِعُ ) أَنَّ النَّهْيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْكَرَاهَةِ وَهَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يُشْبِهُ أَنَّهُ يَكُونُ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ إذَا كَانَتْ الدَّافَّةُ ؛ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى مَعْنَى الْفَرْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبُدْنِ { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا } وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْبُدْنِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا أَصْحَابُهَا ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ هَؤُلَاءِ وَالْكَرَاهَةُ بَاقِيَةٌ إلَى الْيَوْمِ وَلَكِنْ لَا يَحْرُمُ ، قَالُوا وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْيَوْمَ فَدَفَّتْ دَافَّةٌ وَاسَاهُمْ النَّاسُ ، وَحَمَلُوا عَلَى هَذَا مَذْهَبَ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ انْتَهَى وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُهَلَّبُ فَقَالَ إنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي ، انْتَهَى وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُطْعَمُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ ، لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنُّ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ : وَلَكِنْ

أَرَادَ أَنْ يُطْعَمَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ مَذْكُورٌ عَنْهُ فِي رِوَايَتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ .
( الْقَوْلُ الْخَامِسُ ) أَنَّ هَذَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّ حُكْمَهُ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ وَحُمِلَ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَمَلَهُ ، عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا عَوْدَ الْحُكْمِ لِعَوْدِ عِلَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَوْلَى وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ عَلَى هَذَا فَسَبَبُهُ عَدَمُ بُلُوغِ النَّاسِخِ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ بَعْدَ وُرُودِ النَّاسِخِ وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ

( الرَّابِعَةُ ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ بِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِتَقْدِيرِ عَوْدِ الْحُكْمِ لِعَوْدِ عِلَّتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِهَا وَيَحْتَمِلُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهَا إلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ذَلِكَ خِلَافًا مُحَقَّقًا وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فَقَالَ وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ { مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ ثَالِثَةٍ شَيْءٌ } ثُمَّ قَالَ وَيَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ أَلْفَاظِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ مَا يُوجِبُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ { فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ } وَهَذَا يُوجِبُ إلْغَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي ضَحَّى فِيهِ مِنْ الْعَدَدِ وَتُعْتَبَرُ لَيْلَتُهُ وَمَا بَعْدَهَا وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّ فِيهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ تَعْنِي اللَّيَالِيَ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سَلَمَةَ فَإِنَّ فِيهِ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِي انْتَهَى .
( قُلْتُ ) وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَالظَّاهِرُ إرَادَةُ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا ، وَاسْتَفَدْنَا ذَلِكَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( الْخَامِسَةُ ) مَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَالْمُهْدَى إلَيْهِ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ لَهُ ادِّخَارُهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ مُوَاسَاةُ أَصْحَابِ الْأَضَاحِيِّ وَقَدْ حَصَلَتْ وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَإِنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ وَقَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ مُدَّةَ الثَّلَاثِ بِغَيْرِهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلُوا لَحْمَ نُسُكِهِمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي كَيْفَ نَصْنَعُ بِمَا أُهْدِيَ لَنَا ؟ قَالَ مَا أُهْدِيَ إلَيْكُمْ فَشَأْنُكُمْ بِهِ } وَالْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَيْضًا وَقَدْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنِيِّ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ادِّخَارُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ لَحْمٍ أَهْدَاهُ لَهُ غَيْرُهُ وَالْفَقِيرُ فَيُبَاحُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ حَالُهُ الْمُوَاسَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( السَّادِسَةُ ) مَفْهُومُهُ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ مِنْهَا مُدَّةَ الثَّلَاثِ وَمَحِلُّهُ فِي الْمُتَطَوَّعِ بِهَا أَمَّا الْمَنْذُورَةُ فَلَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِحَالٍ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ { كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا } فَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْهَا فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْأَكْلَ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مَعَ قَوْله تَعَالَى { فَكُلُوا مِنْهَا } وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ بَعْدَ الْحَظْرِ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْإِبَاحَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ كَمَا لَوْ وَرَدَ ابْتِدَاءً وَبِوُجُوبِ الْأَكْلِ وَلَوْ لُقْمَةٌ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ .
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ مِنْهَا فَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا الِاسْمُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمُعْظَمِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَنَابِلَةُ وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَنْ يَأْكُلَ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُهْدِيَ الثُّلُثَ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي قَدْرٍ أَوْ فِي الْكَمَالِ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا الْإِجْزَاءُ فَتُجْزِيهِ الصَّدَقَةُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا قَدَّمْته ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ فِي وَجْهٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْن الْقَاصِّ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِشَيْءٍ انْتَهَى وَالْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي تَقْيِيدِ الصَّدَقَةِ بِالثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ هُوَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ

أَيْضًا لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ نَفْيُ التَّحْدِيدِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَأْكُلَ الثُّلُثَ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ لَكِنْ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَأَمَّا الِادِّخَارُ فَالْأَمْرُ بِهِ لِلْإِبَاحَةِ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( السَّابِعَةُ ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَخَفِّ لِلْأَثْقَلِ وَقَدْ كَانَ أَكْلُهَا مُبَاحًا ثُمَّ حَرُمَ ثُمَّ أُبِيحَ وَأَيُّ هَذَيْنِ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ فَقَدْ نُسِخَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ( قُلْتُ ) تَحْرِيمُهَا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ لَيْسَ نَسْخًا لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَرَفْعُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ بِنَسْخٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَإِنْ صَحَّ مَا قَالَهُ فَقَدْ وَقَعَ النَّسْخُ هُنَا مَرَّتَيْنِ وَذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مَحْصُورَةٍ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الثَّامِنَةُ ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ { كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ } بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مَشَقَّةٌ وَفَاقَةٌ وَقَوْلُهُ فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ مِنْ الْإِعَانَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى السَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْعَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ الَّتِي فُهِمَتْ مِنْ لَفْظِ الْجَهْدِ وَمِنْ الْمَعْنَى ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ { فَأَرَدْت أَنْ يَفْشُوَ فِيهِمْ } وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَشِيعُ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ فِي النَّاسِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُحْتَاجُونَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ أَوْجَهُ وَعَكْسُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ أَشْبَهَ انْتَهَى وَفِي التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا نَظَرٌ فَكِلَاهُمَا رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ { إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ } هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّافَّةُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَوْمٌ يَسِيرُونَ جَمِيعًا سَيْرًا خَفِيفًا وَدَفَّ يَدِفُّ بِكَسْرِ الدَّالِ وَدَافَّةُ الْأَعْرَابِ مَنْ يَرِدُ مِنْهُمْ الْمِصْرَ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ وَرَدَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْأَعْرَابِ لِلْمُوَاسَاةِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { إنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا } قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَشَمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ اللَّائِذُونَ بِالْإِنْسَانِ يَخْدُمُونَهُ وَيَقُومُونَ بِأُمُورِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : هُمْ خَدَمُ الرَّجُلِ وَمَنْ يَغْضَبُ لَهُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ لَهُ وَالْحِشْمَةُ الْغَضَبُ وَتُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِحْيَاءِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ لَا يَحْتَشِمُ وَلَا يَسْتَحِي وَيُقَالُ حَشَمْته وَأَحْشَمْته إذَا أَغْضَبْته وَإِذَا أَخْجَلْته فَاسْتَحْيَا لِخَجَلِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا ذَكَرْته وَكَأَنَّ الْحَشَمَ

أَعَمُّ مِنْ الْخَدَمِ فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَقَوْلُهُ وَاحْتَسِبُوا أَوْ ادَّخِرُوا كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي لِأَنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُوَافِقَةٌ لِمَنْ قَالَ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيُطْعِمُ الثُّلُثَ وَيَدَّخِرُ الثُّلُثَ وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِادِّخَارَ مِنْ حِصَّةِ الْأَكْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ

بَابُ الْعَقِيقَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ بُرَيْدَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَزَادَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ } وَقَالَ أَبُو دَاوُد { كَبْشًا كَبْشًا } وَزَادَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ { عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشَيْنِ اثْنَيْنِ مِثْلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ } وَزَادَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى } وَصَحَّحَهُ وَزَادَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي حَقِّ الْحُسَيْنِ وَقَالَ { يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ } وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ { عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ } وَزَادُوا سِوَى ابْنِ مَاجَهْ { لَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إنَاثًا } وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَزَادَ فِيهِ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ { وَلَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ } وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ { يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى } وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد { وَيُدَمَّى بَدَلُ يُسَمَّى } قَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ هَمَّامٍ

( بَابُ الْعَقِيقَةِ وَغَيْرِهَا ) ( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ بُرَيْدَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى عَلَى عَزْوِهِ لِلنَّسَائِيِّ وَعَزَاهُ فِي الصُّغْرَى لِأَبِي دَاوُد أَيْضًا وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَعَمْ هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلِبُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد حَدِيثٌ آخَرُ لَفْظُهُ { كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ ذَبَحْنَا عَنْهُ شَاةً وَحَلَقْنَا رَأْسَهُ وَلَطَّخْنَا رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ كُنَّا إذَا وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ ذَبَحْنَا عَنْهُ شَاةً وَحَلَقْنَا رَأْسَهُ وَلَطَّخْنَا رَأْسَهُ بِالزَّعْفَرَانِ } وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَعَلَّ شُبْهَةَ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَزْوِهِ لِأَبِي دَاوُد أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا } وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ { كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ } وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ وَيُوَافِقُهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لِلْغُلَامِ عَقِيقَتَانِ وَلِلْجَارِيَةِ عَقِيقَةٌ } قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ رِوَايَةُ الْإِفْرَادِ أَصَحُّ لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ وَقَتَادَةُ مُدَلِّسٌ ، وَتَابَعَ أَيُّوبُ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَالَ { كَبْشًا كَبْشًا }

إلَّا أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُعَارِضُهُ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى } قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ وَرَوَى الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ { عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُسَيْنِ بِشَاةٍ وَقَالَ يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فَوَزَنَاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا } وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَلَا أَبَاهُ وَقَالَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ { عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ بِكَبْشَيْنِ } .
وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ قَالَتْ { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ لَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إنَاثًا } وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ ( { لَا يَضُرُّكُمْ } إلَى آخِرِهِ ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، فِي إسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَهُ فَصَحَّحَهُ وَرَوَى النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد

بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ لَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا نَسْأَلُك أَحَدُنَا يُولَدُ لَهُ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ } وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ وَلَيْسَ فِيهِ كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ( أَنَّ النَّبِيَّ ) وَقَالَ فِي أُخْرَى عَنْ أَبِيهِ أَرَاهُ عَنْ جَدِّهِ وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى ذِكْرِ رَاوِيَةِ أَبِي دَاوُد وَقَالَ إنَّهَا ضَعِيفَةٌ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهَا تَقْوَى بِغَيْرِهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ رِوَايَةَ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ مِنْ أَحْسَنِ أَسَانِيدِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ جَامِعِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ } وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ سَوَّارِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشَيْنِ اثْنَيْنِ مِثْلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ } وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَزَادَ فِيهِ الْحَاكِمُ { وَلَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ } وَصَحَّحَهُ .
وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ الْحَسَنِ

عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى } وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ سِيرِينَ سَلْ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ ؟ فَسَأَلْته فَقَالَ مِنْ سَمُرَةَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَيُدَمَّى بَدَلُ يُسَمَّى قَالَ أَبُو دَاوُد .
هَذَا وَهْمٌ ( وَيُسَمَّى ) أَصَحُّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَلْ وَهَمَ أَبُو دَاوُد لِأَنَّ هَمَّامًا ثَبْتٌ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا قَتَادَةَ عَنْ صِفَةِ التَّدْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوَصَفَهَا لَهُمْ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فَكَانَ قَتَادَةُ إذَا سُئِلَ عَنْ الدَّمِ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ قَالَ إذَا ذُبِحَتْ الْعَقِيقَةُ أَخَذْتُ صُوفَةً فَاسْتَقْبَلْت بِهَا أَوْدَاجَهَا ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يَافُوخِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْخَيْطِ ثُمَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ بَعْدُ وَيُحْلَقُ ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى } وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَيْضًا .
( الثَّانِيَةُ ) الْعَقِيقَةُ الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْ الْمَوْلُودِ ، وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ لِأَنَّهَا يُشَقُّ حَلْقُهَا ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْهَرَوِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُمْ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقِيلَ مِنْ الْعَقِيقَةِ وَهِيَ الشَّعْرُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يُقَارِنُ ذَبْحُهَا حَلْقَهُ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَيُقَالُ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ يَعُقُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا إذْ ذَبَحَ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَقَ عَقِيقَتَهُ .
( الثَّالِثَةُ ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ

الْعَقِيقَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا عَلَى أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكِّدًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا - لَمْ يُرِدْ الْوُجُوبَ الَّذِي يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْوُجُوبِ التَّأَكُّدَ عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي وُجُوبِ السُّنَنِ .
( الْقَوْلُ الثَّانِي ) أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ الْعَقِيقَةُ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَهُ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ ، وَمِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْجَبَهَا إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ .
( الْقَوْلُ الثَّالِثُ ) أَنَّهَا تَجِبُ فِي السَّبْعِ الْأُوَلِ فَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تَجِبْ بَعْدَ السَّبْعِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ .
( الْقَوْلُ الرَّابِعُ ) إنْكَارُهَا وَأَنَّهَا بِدْعَةٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ ، رَجُلٌ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَرَجُلٌ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هِيَ تَطَوُّعٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَهَا فَنَسَخَهَا ذَبْحُ الْأَضْحَى فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا وَجْهَ لَهُ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ إنْكَارَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً ، قَالَ وَخَالَفُوا فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ بِالْحِجَازِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ذَكَرَهُ مَالِكٌ : أَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُمْ ، وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ :

أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَدَعُونَ الْعَقِيقَةَ عَنْ الْغُلَامِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَرَى الْعَقِيقَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَأَبِي الزِّنَادِ وَجَمَاعَةٍ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ ؛ وَانْتَشَرَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّبِعِينَ مَا سَنَّهُ لَهُمْ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَضُرُّ السُّنَّةَ مَنْ خَالَفَهَا ا هـ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ } ؛ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ ثُمَّ إنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ } ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ الِاسْمَ لَا الذَّبْحَ ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ إلَى الْحَسَنِ .
( الْقَوْلُ الْخَامِسُ ) أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ عَنْ الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ فَلَا يُعَقُّ عَنْهَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ انْفِرَادَ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ بِهِ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ الْيَهُودَ تَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا تَعُقُّ عَنْ الْجَارِيَةِ فَعُقُّوا عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً }

( الرَّابِعَةُ ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْعَاقِّ لَا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ يَكُونَا فِي نَفَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَا فِي نَفَقَةِ أَبِيهِمَا ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ ، قَالَ النَّوَوِيُّ تَأْوِيلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ ؛ أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ ؛ أَوْ أَنَّ أَبَوَيْهِمَا كَانَا عَنْ ذَلِكَ مُعْسِرَيْنِ فَيَكُونَانِ فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا رَسُولِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَبَرَّعَ بِذَلِكَ بِإِذْنِ أَبِيهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ .
أَنَّ لَهُ التَّبَرُّعَ عَمَّنْ شَاءَ مِنْ الْأُمَّةِ كَمَا ضَحَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ا هـ .

( الْخَامِسَةُ ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا عَقَّ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ ذَبَحَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشَيْنِ ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد كَبْشًا كَبْشًا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَيَدُلُّ لَهُ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي أَنَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ ؛ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ الْأَكْمَلُ أَنْ يُعَقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ وَلَوْ عَقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاةٍ جَازَ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ فَقَطْ ؛ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً - عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ ؛ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ؛ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ شَاةً شَاةً ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ؛ وَرَوَى جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّهَا ذَبَحَتْ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا ؛ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ ؛ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ أُخْتِهَا .
قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمَا

( السَّادِسَةُ ) الْكَبْشُ فَحْلُ الضَّأْنِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ : وَقِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ إذَا أَثْنَى وَقِيلَ إذَا أَرْبَعَ ذَكَرَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَالشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ فَاخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَقِيقَةِ وَلَدَيْهِ الْأَكْمَلَ وَهُوَ الضَّأْنُ وَالذُّكُورَةُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا فَيَجُوزُ فِي الْعَقِيقَةِ الْأُنْثَى وَلَوْ مِنْ الْمَعْزِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الشَّاةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ حُكْمُ الْعَقِيقَةِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْغَنَمِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا بِالْإِجْزَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَوْ دُونَ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَثَنِيَّةِ الْمَعْزِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ أَصْلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُعْتَبَرُ سَلَامَتُهَا مِنْ الْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْعِدَّةِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهٍ مُسَامَحٍ بِالْعَيْبِ هُنَا وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ يُجْزِئُ الْمَعِيبُ مُطْلَقًا وَالسَّالِمُ أَفْضَلُ

( السَّابِعَةُ ) وَفِي أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِحَقِّ تَشْبِيهِ الْعَقِيقَةِ بِالْأُضْحِيَّةِ فَخَصُّوهَا بِالْأَنْعَامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَجَعَلَ الشَّافِعِيَّةُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَقَالُوا لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ غَيْرَهَا جَازَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا يُجْزِئُ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَلَا الْبَقَرَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ كَمَا قَالُوا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ لَا يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ بَدَنَةٌ وَلَا بَقَرَةٌ إلَّا كَامِلَةً وَإِنْ كَانَ يُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا سُبْعُ بَدَنَةٍ وَسُبْعُ بَقَرَةٍ مَوْضِعَ شَاةٍ وَخَصَّ آخَرُونَ الْعَقِيقَةَ بِالْغَنَمِ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَعْبَانَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَسٌ الْعَقَّ بِالْجَزُورِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ وَقَدْ ذَكَرَ لَهَا الْجَزُورَ كَانَتْ عَمَّتِي عَائِشَةَ تَقُولُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ انْتَهَى وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي الْأَضَاحِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَلْيَعُقَّ عَنْهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ } وَتَوَسَّعَ آخَرُونَ فِي الْعَقِيقَةِ فَقَالُوا يُجْزِئُ فِيهَا الْعُصْفُورُ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ فَهَذِهِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ

( الثَّامِنَةُ ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ الْعَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَانَ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ أَوْ التَّعْيِينِ ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ( أَحَدُهَا ) إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ فَلَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَ فَرَاغِ السَّبْعَةِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَجْزَأَتْ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ مِنْهُمْ إنْ لَمْ تُذْبَحْ فِي السَّابِعِ ذُبِحَتْ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ وَإِلَّا فَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ هَكَذَا فِي الْأَسَابِيعِ وَقِيلَ إذَا تَكَرَّرَتْ السَّبْعَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاتَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَرِيرَةَ مَرْفُوعًا { الْعَقِيقَةُ تُذْبَحُ لِسَبْعٍ أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ } وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بِلَفْظِ { لِسَبْعٍ أَوْ لِتِسْعٍ أَوْ لِإِحْدَى وَعِشْرِينَ } وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنْ فَاتَ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَإِلَّا فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَلَا أَدْرِي قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ السَّابِعِ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ فَيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ فَيَوْمُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَإِسْحَاقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا بَلَغَ سَقَطَ حُكْمُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتَحْسَنَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ أَنْ يَعْقِلَهَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْك فَعُقَّ عَنْ نَفْسِك وَإِنْ كُنْت رَجُلًا ، { وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ

قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ثُمَّ حَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَرَكُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قُلْت لَهُ طَرِيقٌ لَا بَأْسَ بِهَا رَوَاهَا أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حَزْمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ وَذَكَرَهَا وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلُوا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ وَاسْتَغْرَبُوهُ قَالَ النَّوَوِيُّ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ : وَلَا يُعَقُّ عَنْ كَبِيرٍ وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا يَعُقُّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَقِّهِ عَنْ نَفْسِهِ .
( الْقَوْلُ الثَّانِي ) أَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِالسَّابِعِ فَلَا تَقَعُ الْمَوْقِعَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ تَفُوتُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ الثَّانِي وَحَكَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ الْأَسَابِيعَ الثَّلَاثَةَ فِي الْعَقِيقَةِ كَالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الضَّحَايَا وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ يُعَقُّ عَنْهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ فَاتَ فَفِي الثَّانِي فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَلَا عَقِيقَةَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْغَائِبِ يُولَدُ لَهُ فَيَأْتِي بَعْدَ السَّابِعِ فَيُرِيدُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَقَالَ مَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا يُعْجِبُنِي انْتَهَى وَهَذَا يَقْتَضِي الْفَوَاتَ بَعْدَ السَّابِعِ وَلَوْ تَعَذَّرَ كَالْغَيْبَةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى

السَّابِعِ الثَّانِي ؛ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ { أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ إنْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحَرْنَا جَزُورًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا ، بَلْ السُّنَّةُ أَفْضَلُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ تُقْطَعُ جُذُولًا وَلَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ فَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ } .
( الْقَوْلُ الثَّالِثُ ) أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ السَّابِعِ وَلَا تَفُوتُ بِفَوَاتِهِ فَتُذْبَحُ بَعْدَهُ مَتَى أَمْكَنَ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرَاهَا فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا وَلَوْ قَضَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( التَّاسِعَةُ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُحْسَبُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ مِنْهَا ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ فِي مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا وَحَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَكَذَا حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْهَا وَقَالَ مَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ سَلَفًا فِي أَنْ لَا يُعَدَّ يَوْمُ الْوِلَادَةِ وَكَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ يَقْتَضِي انْفِرَادَ مَالِكٍ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حُسْبَانُهُ مِنْهَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ إنَّهُ يُحْسَبُ مِنْهَا

( الْعَاشِرَةُ ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَسَمَّاهُمَا وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وَيُسَمَّى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَيْضًا وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي أَحَادِيثَ فَتَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ عِنْدِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ } وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ بْنِ حَيَّانَ { فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ فَلْيُحْلَقْ وَيُسَمَّى } وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ { سَمِعْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ يُسَمَّى الصَّبِيُّ يَوْمَ سَابِعِهِ كَذَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ } وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عُقُّوا عَنْ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَسَمُّوهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَاحْلِقُوا رَأْسَهُ يَوْمَ سَابِعِهِ } وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَمَّى قَبْلَهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إذَا وُلِدَ وَقَدْ تَمَّ خَلْقُهُ سَمَّى فِي الْوَقْتِ إنْ شَاءُوا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ حَسَنٌ وَمَتَى شَاءَ سَمَّاهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْته بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ } وَسَمَّى الْغُلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ أَنَسٌ لَمَّا حَنَّكَهُ عَبْدُ اللَّهِ ( قُلْتُ ) ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ عَقِبَ وِلَادَتِهِ ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ إنَّمَا جِيءَ بِهِ إلَيْهِ يَوْمَ السَّابِعِ رَوَاهَا أَبُو يَعْلَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ يُسَمَّى يَوْمَ وِلَادَتِهِ فَإِنْ أُخِّرَتْ تَسْمِيَتُهُ إلَى السَّابِعِ فَحَسَنٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُهَلِّبِ يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ حِينَ يُولَدُ

وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَقِيقَةَ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ فَالسُّنَّةُ تَأْخِيرُهَا إلَى السَّابِعِ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي تَبْوِيبِهِ ( بَابُ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ ) قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ يُسَمَّى حِينَ الْوِلَادَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ وَيُسَمَّى مَعْنَاهُ وَيُسَمَّى عِنْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَقَالَ اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ وَقُولُوا اللَّهُمَّ لَك وَإِلَيْك هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ قَالَتْ وَعَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ شَاتَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَقَالَ اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ وَالْعَقِيقَةِ وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَالِدِي غَرِيبٌ

( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى أَيْ يُحْلَقُ الشَّعْرُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ ( إمَاطَةُ الْأَذَى حَلْقُ الرَّأْسِ ) وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ سُئِلَ عَنْ الْأَذَى فَقَالَ الشَّعْرُ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ { يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ } وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ { يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ } وَكَذَا حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى حَلْقُ الرَّأْسِ أَيْ شَعْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ السَّابِعِ أَيْضًا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ حَلْقِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمِنْ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُمَا وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَزْمٍ وَجَوَّزَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ { وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى } أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إمَاطَةُ مَا عَلَى جَسَدِهِ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَقْذَارِ قَالَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { وَتُمَاطُ عَنْهُ أَقْذَارُهُ } رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ قَالَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ { سَبْعَةٌ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ وَفِيهِ وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى ثُمَّ قَالَ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ } فَجَعَلَ إمَاطَةَ الْأَذَى غَيْرَ حَلْقِ الرَّأْسِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى .
فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَغْسِيلِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَعْلَمَ مَا مَعْنَى ( أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى ) فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يُخْبِرُنِي

( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ زِنَتُهُ فِضَّةً لِقَوْلِهِ فِي بَقِيَّتِهِ فَوَزَنَاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مُرْسَلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ ( وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِ الْحُسَيْنِ فِضَّةً } وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ أَيْضًا { تَصَدَّقُوا بِزِنَتِهِ فِضَّةً } وَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَقَدْ تَرَدَّدَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَصَدَّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ ذَهَبًا فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَأَجَازَهُ أُخْرَى كَذَا فِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَرَاهَةِ التَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَوْلَانِ وَجَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِاسْتِحْبَابِ التَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ لَكِنْ جَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِالْفِضَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِضَّةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى التَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فِضَّةً لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ الذَّهَبِ خِلَافَ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا ( قُلْت ) قَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الذَّهَبِ أَيْضًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { سَبْعَةٌ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ } فَذَكَرَهَا إلَى قَوْلِهِ { وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعْرِ رَأْسِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً }

( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ { عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى } إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْعَقِيقَةِ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْمَقْرُونَ بِالْعَقِيقَةِ الْأَمْرُ فَالْمَأْمُورُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَمْرِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَرْجَحُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ .
حَدِيثِ سَمُرَةَ { يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ثُمَّ يُحْلَقُ عَنْهُ } رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ

( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَيْ مُتَسَاوِيَتَانِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا هَكَذَا صَوَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ قَالَ وَيَقُولُ الْمُحَدِّثُونَ مُكَافَأَتَانِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّحِيحُ كَسْرُهَا انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مُكَافِئَتَانِ يَعْنِي مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي السِّنِّ أَيْ لَا يُعَقُّ عَنْهُ إلَّا بِمُسِنَّةٍ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَكُونَ جَزَعًا كَمَا فِي الضَّحَايَا وَقِيلَ مُكَافِئَتَانِ أَيْ مُسْتَوِيَتَانِ أَوْ مُتَقَارِبَتَانِ وَاخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ الْأَوَّلَ وَاللَّفْظَةُ مُكَافِئَتَانِ بِكَسْرِ الْفَاءِ قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ مُكَافَأَتَانِ بِالْفَتْحِ وَأَرَى الْفَتْحَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُرِيدُ شَاتَيْنِ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَوْ مُسَاوًى بَيْنَهُمَا وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَذْكُرَ أَيَّ شَيْءٍ سَاوَيَا وَإِنَّمَا لَوْ قَالَ مُتَكَافِئَتَانِ كَانَ الْكَسْرُ أَوْلَى قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَافِئَتَيْنِ وَالْمُكَافَأَتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ إذَا كَافَأَتْ أُخْتَهَا فَقَدْ كُوفِئَتْ فَهِيَ مُكَافِئَةٌ وَمُكَافَأَةٌ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مُعَادِلَتَانِ لِمَا يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْأَسْنَانِ وَيَحْتَمِلُ مَعَ الْفَتْحِ أَنْ يُرَادَ مَذْبُوحَتَانِ مِنْ كَافَأَ الرَّجُلُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ إذَا نَحَرَ هَذَا ثُمَّ هَذَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ كَأَنَّهُ يُرِيدُ شَاتَيْنِ يَذْبَحُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ آخِرًا مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ مَعْنَى مُكَافَأَتَانِ أَيْ تُذْبَحَانِ جَمِيعًا وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ قَالَ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ سَأَلْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ عَنْ الْمُكَافَأَتَيْنِ فَقَالَ الشَّاتَانِ الْمُشْتَبِهَتَانِ يُذْبَحَانِ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَ ابْنُ

جُرَيْجٍ ( قُلْت ) لِعَطَاءٍ مَا الْمُكَافَأَتَانِ ؟ قَالَ الْمِثْلَانِ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الْمُكَافَأَتَانِ الْمُتَسَاوِيَتَانِ أَوْ الْمُتَقَارِبَتَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ تَسَاوِيهِمَا فِي السِّمَنِ وَنَحْوِهِ وَحِكْمَتُهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ النَّاسُ فِي الْأَكْلِ فَلَا يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ الطَّيِّبَ وَبَعْضُهُمْ الرَّدِيءَ فَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ هَلْ الْمُرَادُ تَكَافُؤُهُمَا فِي السِّنِّ أَوْ فِي السِّمَنِ أَوْ مُكَافَأَتُهُمَا لِبَقِيَّةِ مَا شُرِعَ ذَبْحُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ أَوْ ذَبْحُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ { لَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إنَاثًا } أَيْ إنَّ الْمَذْبُوحَ تَحْصُلُ بِهِ سُنَّةُ الْعَقِيقَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثًى وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ لَكِنْ قَالُوا إنَّ الْأَفْضَلَ الذَّكَرُ كَالْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَوْلُودِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بِذُكُورَةِ الْمَوْلُودِ وَأُنُوثَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الذُّكْرَانِ مِنْ الْعُقَلَاءِ كُنَّ وَإِنَّمَا يُقَالُ كَانُوا بِخِلَافِ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لَا مَعَ الذُّكُورَةِ وَلَا مَعَ الْأُنُوثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ كَسْرِ عِظَامِ الْعَقِيقَةِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْمَوْلُودِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَقَطْ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَعَلَّلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النَّهْيَ الصَّرِيحَ قَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ لَا يُوَافِقُ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ كَسْرِ عِظَامِهَا شَيْءٌ

( السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ { وَيُدَمَّى } وَإِنَّ قَتَادَةَ رَاوِيهِ ذَكَرَ صِفَةَ التَّدْمِيَةِ وَأَنَّ أَبَا دَاوُد حَكَمَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْوَهْمِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ تُكُلِّمَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ الَّذِي فِيهِ وَيُدَمَّى وَانْتَصَرَ ابْنُ حَزْمٍ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيُثْبِتُهَا وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُمَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ وَكَرِهَهُ ، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَكَذَلِكَ نَقُولُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُخَضِّبُونَ قُطْنَةً بِدَمِ الْعَقِيقَةِ فَإِذَا حَلَقُوهُ وُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلُوا مَكَانَ الدَّمِ خَلُوقًا } وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ { أَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى } فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْهُ وَالدَّمُ أَذًى وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْأَذَى فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُنَجَّسَ رَأْسُ الصَّبِيِّ انْتَهَى وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الَّذِي فِيهِ جَعْلُ الزَّعْفَرَانِ بَدَلَ الدَّمِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ { أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى } يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ حَلْقَ الرَّأْسِ وَالنَّهْيَ عَنْ أَنْ يُمَسَّ رَأْسُهُ بِدَمِهَا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيّ مُرْسَلًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمٍ } وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ بِزِيَادَةٍ { عَنْ أَبِيهِ } وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ انْفَرَدُوا

بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا وَأَنْكَرَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى أَصْحَابِنَا اقْتِصَارَهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ لَطْخِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ الْمَشْهُورُ تَحْرِيمُ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كَسَقْيِهِ الْخَمْرَ وَإِدْخَالِ فَرْجِهِ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي فِي اللَّطْخِ مِثْلُهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ جَوَابًا عَلَى طَرِيقَةِ الْجَوَازِ قَالَ وَقَدْ بَالَغَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَطْخُ جَبْهَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى

( الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ ) إنْ قُلْت كَانَ يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ لَفْظِ الْعَقِيقَةِ إلَى لَفْظِ النَّسِيكَةِ وَنَحْوِهَا { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ } ( قُلْت ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ الْوَاجِبُ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لِذَبِيحَةِ الْمَوْلُودِ نَسِيكَةٌ وَلَا يُقَالُ عَقِيقَةٌ لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ وَكَأَنَّهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ لِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ لَفْظِ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى .
( قُلْت ) لَفْظُ نَسِيكَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَقِيقَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهَا وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ فَهْمِ الرَّاوِي وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَقِيقَةِ لِئَلَّا يَسْتَرْسِلَ السَّائِلُ فِي اسْتِحْسَانِ كُلِّ مَا اجْتَمَعَ مَعَ الْعَقِيقَةِ فِي الِاشْتِقَاقِ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَحْبُوبٌ وَبَعْضَهَا مَكْرُوهٌ وَهَذَا مِنْ الِاحْتِرَاسِ الْحَسَنِ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِالْبَيَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْعِلْمِ وَضِدِّهِ فَيُبَيِّنُ لِلْجَاهِلِ وَيَسْكُتُ عَنْ الْبَيَانِ لِلْعَالِمِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَنْ احْتَاجَ إلَى الْبَيَانِ لِأَجْلِهِ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو صَاحِبُ فَهْمٍ وَعِلْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ } زَادَ الشَّيْخَانِ { عَقِبَهُ } وَ الْفَرَعُ أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ يَذْبَحُونَهُ وَفَصَّلَهُ أَبُو دَاوُد فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ قَالَ وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ ، وَلِلنَّسَائِيِّ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ } .
وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ { نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ وَبَرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا .
قَالَ إنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُك حَتَّى إذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْت بِلَحْمِهِ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ } وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مُخْتَصَرًا فِي الْعَتِيرَةِ وَصَحَّحَهُ زَادَ أَبُو دَاوُد ( قُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ كَمْ السَّائِمَةُ ؟ قَالَ مِائَةٌ ) .
وَلِلنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو { مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْرَعْ } .
وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ { إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ ؟ هِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِلنَّسَائِيِّ مُرْسَلًا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدِ بْنُ أَسْلَمَ { قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْفَرَعُ ؟ قَالَ حَقٌّ فَإِنْ تَرَكْته حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتُكْفِئَ إنَاءَك وَتُولِهُ نَاقَتَك قَالُوا يَا رَسُولَ

اللَّهِ فَالْعَتِيرَةُ ؟ قَالَ الْعَتِيرَةُ حَقٌّ } وَوَصَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْفَرَعِ وَصَحَّحَهُ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ وَذَكَرَ الْحَازِمِيُّ أَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ نَاسِخٌ لِلْإِذْنِ فِيهِمَا .

الْحَدِيثُ الثَّانِي ) عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَرَوَوْهُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَالْفَرَعُ أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ وَزَادَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا بِلَفْظَةٍ وَالْفَرَعَةُ أَوَّلُ النِّتَاجِ وَالْعَتِيرَةُ الشَّاةُ يَذْبَحُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ هَكَذَا رَوَيَا هَذَا التَّفْسِيرَ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ وَفَصَلَهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ فَرَوَى الْحَدِيثَ أَوَّلًا مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ الْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُوهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِتَفْسِيرِ الْفَرَعِ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ بِالزِّيَادَةِ كُلِّهَا مَوْصُولَةً بِالْحَدِيثِ وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ } .
وَقَالَ الْآخَرُ { لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ } وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ نُبَيْشَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو وَمِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ فَحَدِيثُ نُبَيْشَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ { نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا

تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ ، وَبَرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا قَالَ إنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُك حَتَّى إذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ } .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بَعْدَ قَوْلِهِ فَتَصَدَّقْت بِلَحْمِهِ قَالَ خَالِدٌ أَحْسِبُهُ قَالَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ أَرَاهُ قَالَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ بِالْجَزْمِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إسْقَاطُهَا ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ نَصْرٌ يَعْنِي الْجَهْضَمِيَّ اسْتَحْمَلَ لِلْحَجِيجِ وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ خَالِدٌ ( قُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ كَمْ السَّائِمَةُ ؟ قَالَ مِائَةٌ ) .
وَرَوَى الْحَاكِمُ قِصَّةَ الْعَتِيرَةِ فَقَطْ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَحَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ { إنَّهُ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَتَائِرُ وَالْفَرَائِعُ قَالَ مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْرَعْ } .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَحَدِيثُ مِخْنَفٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَآخِرُهُ فَاءٌ ابْنُ سُلَيْمٍ بِضَمِّ السِّينِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْهُ قَالَ { كُنَّا وُقُوفًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْته يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً ، قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ ؟ هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ } .
لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ

حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَبُو رَمْلَةَ مَجْهُولٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ انْتَهَى وَقَدْ نُكِتَ عَلَى كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ ذَكَرَ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ أَنَّ رِوَايَةَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ وَلَكِنَّهُ قِيلَ إنَّ الرَّجُلَ هُوَ ابْنُ عَوْنٍ وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا أَنَّهُ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَهُوَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ رَوَاهُ كَذَا وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنِّفِ عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِهِ وَقِيلَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِيهِ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي عَنْ أَبِيهِ أَمْ لَا .
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ قَيْسِ الْفَرَّاءِ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكْهُ حَتَّى يَكُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ أَوْ ابْنَ لَبُونٍ فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ يَلْصَقُ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتُولِهُ نَاقَتَك } .
قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَفِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ دَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ { قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْفَرَعُ ، قَالَ حَقٌّ فَإِنْ تَرَكْتَهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ فَتُكْفِئَ إنَاءَكَ

وَتُولِهُ نَاقَتَكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْعَتِيرَةُ ؛ قَالَ الْعَتِيرَةُ حَقٌّ } .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَرَعَةِ هِيَ حَقٌّ وَلَا يَذْبَحُهَا وَهِيَ غَرَاةٌ مِنْ الْغَرَاةِ تَلْصَقُ فِي يَدِك وَلَكِنْ أَمْكِنْهَا مِنْ اللَّبَنِ حَتَّى إذَا كَانَتْ مِنْ خِيَارِ الْمَالِ فَاذْبَحْهَا وَقَالَ صَحِيحٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ .
( الثَّانِيَةُ ) الْفَرَعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَرَعَةُ بِزِيَادَةِ هَاءِ التَّأْنِيثِ قَدْ عَرَفْتَ تَفْسِيرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ تَفْسِيرِهِ فَإِنَّ الِاسْمَ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُذْبَحْ وَتَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ أَبَا دَاوُد فَصَلَهُ فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَيَكُونُ وَصْلُهُ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْإِدْرَاجِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا ثُمَّ قَالَ هَذَا تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ وَكَذَا غَايَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَيْنَهُمَا وَلَا مَعْنَى لِهَذَا لِمَا قَرَرْته مِنْ أَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي مُسَمَّاهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلطَّوَاغِيتِ أَوْ غَيْرِهَا وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ النِّتَاجَ وَقَيَّدَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْأَثِيرِ بِنِتَاجِ النَّاقَةِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ بِنِتَاجِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَمَا أَدْرِي هُوَ قَيْدٌ أَوْ مِثَالٌ ثُمَّ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلًا آخَرَ فِي

الْفَرَعِ وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إذَا أَتَمَّتْ إبِلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِائَةً قَدَّمَ بَكْرًا فَذَبَحَهُ لِصَنَمِهِ فَهُوَ الْفَرَعُ وَلَمْ يَجْعَلْ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ جَعَلَهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مَعَانٍ فَقَالَ الْفَرَعُ وَالْفَرَعَةُ أَوَّلُ نِتَاجِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ وَجَمْعُهُ فُرُعٌ ثُمَّ قَالَ وَالْفَرَعُ وَالْفَرَعَةُ ذَبْحٌ كَانَ يُذْبَحُ إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ مَا يَتَمَنَّاهُ صَاحِبُهَا وَجَمْعُهَا فِرَاعٌ وَالْفَرَعُ بَعِيرٌ كَانَ يُذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَانَ لِلْإِنْسَانِ مِائَةُ بَعِيرٍ نَحَرَ مِنْهَا بَعِيرًا كُلَّ عَامٍ فَأَطْعَمَ النَّاسَ وَلَا يَذُوقُهُ هُوَ وَلَا أَهْلُهُ وَالْفَرَعُ طَعَامٌ يُصْنَعُ لِنِتَاجِ الْإِبِلِ كَالْخُرْسِ لِوِلَادَةِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعَانِيَ أُخَرَ لَيْسَتْ مُلَائِمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي نَحْنُ فِيهِ .
( الثَّالِثَةُ ) الْعَتِيرَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ بَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ فَسَّرَهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهَا الَّتِي تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ وَفِي حَدِيثِ مِخْنَفٍ بِأَنَّهَا الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ وَقَيَّدَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالنَّوَوِيُّ ذَلِكَ بِأَنْ تُذْبَحَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِهَذَا وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَطَّابِيَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ مِخْنَفٍ قَالَ هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَيَلِيقُ بِحُكْمِ الدِّينِ فَأَمَّا الْعَتِيرَةُ الَّتِي كَانَ يَعْتَرِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ الذَّبِيحَةُ تُذْبَحُ لِلصَّنَمِ فَيُصَبُّ دَمُهَا عَلَى رَأْسِهِ وَالْعَتْرُ بِمَعْنَى الذَّبْحِ ا هـ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْعَتِيرَةِ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ اللَّائِقُ بِتَفْسِيرِ الْمَنْفِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَعَلَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ

يَتَقَرَّبُونَ بِهَا وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ بِبَقَاءِ حُكْمِهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الْعَتِيرَةُ نَذْرٌ كَانُوا يَنْذِرُونَهُ لِمَنْ بَلَغَ مَالُهُ كَذَا رَأْسًا أَنْ يَذْبَحَ مِنْ كُلِّ عَشْرَةٍ مِنْهَا رَأْسًا فِي رَجَبٍ وَجَزَمَ فِي النِّهَايَةِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْعَتِيرَةُ أَوَّلُ مَا يُنْتَجُ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إنْ بَلَغَتْ إبِلِي مِائَةً عَتَرْتُ مِنْهَا عَتِيرَةً .
وَفِي الصِّحَاحِ الْعِتْرُ الْعَتِيرَةُ وَهِيَ شَاةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ لِآلِهَتِهِمْ مِثَالُ ذِبْحٍ وَذَبِيحَةٍ انْتَهَى فَقَيَّدَهَا بِالشَّاةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ وَهُوَ قَادِحٌ فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الرَّابِعَةُ ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَفَى الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ وَفِي رِوَايَةِ النَّهْيِ عَنْهُمَا وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو التَّخْيِيرُ بَيْنَ فِعْلِهِمَا وَتَرْكِهِمَا وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُمَا حَقٌّ وَفِي حَدِيثِ الْمِخْنَفِ الْإِلْزَامُ بِالْعَتِيرَةِ وَفِي حَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْأَمْرُ بِالْعَتِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهَا فِي رَجَبٍ وَالْإِلْزَامُ بِالْفَرَعِ وَأَنَّ تَأْخِيرَ ذَبْحِهِ إلَى كِبَرِهِ أَفْضَلُ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثُ النَّهْيِ أَصَحُّ وَأَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ أَكْثَرُ انْتَهَى وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ النَّهْيَ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ( كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفَعَلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا فَقَالَ { لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ } فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهُمَا لِنَهْيِهِ ) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ قَدْ كَانَ يُفْعَلُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ

يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَهَاهُمْ عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِيهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ نُبَيْشَةَ { إنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ } .
وَفِي إجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا مَعَ ثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ بَيَانٌ لِمَا قُلْنَاهُ وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْبَحُ الْعَتِيرَةَ فِي رَجَبٍ وَكَانَ يَرْوِي فِيهَا شَيْئًا انْتَهَى وَتَبِعَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكَانَ يَرْوِي فِيهَا شَيْئًا : لَا يَصِحُّ وَأَظُنُّهُ حَدِيثَ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَاسِخًا لَهُ ؛ وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَسْخِ الْأَمْرِ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ أَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْإِذْنِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى اسْتِحْبَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ .
وَأَوَّلُوا النَّهْيَ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيّ : الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بَكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِه وَلَا يَغْذُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ { فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ أَفْرِعُوا إنْ شِئْتُمْ } أَيْ اذْبَحُوا إنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ اسْتِحْبَابًا أَنْ يُغَذُّوهُ ثُمَّ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ الْفَرَعَةُ حَقٌّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاطِلٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ

السَّائِلِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ } .
وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مِنْ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هَذَا لَا فَرَعَةَ وَاجِبَةٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى ذَا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةَ أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَرَّكُونَ بِهَا فِي رَجَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا عَتِيرَةَ } عَلَى مَعْنَى لَا عَتِيرَةَ لَازِمَةٌ { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ الْعَتِيرَةِ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ } مَا كَانَ إنَّهَا فِي رَجَبٍ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُورِ هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ أَنَّهُمَا لَا يُسْتَحَبَّانِ وَهَلْ يُكْرَهَانِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) يُكْرَهَانِ لِلْخَبَرِ ( وَالثَّانِي ) لَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا ، وَحَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا النَّصُّ لِلشَّافِعِيِّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ حَدِيثٌ يَقْتَضِي التَّرْخِيصَ فِيهِمَا بَلْ ظَاهِرُهُ النَّدْبُ .
فَالْوَجْهُ الثَّانِي يُوَافِقُهُ فَهُوَ الرَّاجِحُ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ ثُمَّ حَكَى نَصَّ حَرْمَلَةَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَضَتْهُ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنَّهُمَا لَا يُسْتَحَبَّانِ

( الْخَامِسَةُ ) الَّذِينَ قَالُوا بِنَفْيِ اسْتِحْبَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ حَمَلُوا قَوْلَهُ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مُسْتَحَبَّانِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِهِمَا أَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمَعْنَى لَا فَرَعَ وَاجِبٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَهَذَا تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَوَابِ الْأَوَّلِينَ النَّهْيُ الَّذِي فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَعَهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَلَا الِاسْتِحْبَابِ وَلَعَلَّ رَاوِيَهُ رَوَى بِالْمَعْنَى فِي ظَنِّهِ فَأَخْطَأَ ؛ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَى النَّفْيِ النَّهْيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( ثَانِيهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَأَكِّدِ أَوْ فِي ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ .
( ثَالِثُهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِأَصْنَامِهِمْ فَأَمَّا الذَّبِيحَةُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا لِلْأَصْنَامِ فَلَا بَأْسَ بِهَا .
( السَّادِسَةُ ) النِّتَاجُ بِكَسْرِ النُّونِ وَقَوْلُهُ يُنْتَجُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ عَلَى صِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَأَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ يُقَالُ نَتَجَتْ النَّاقَةُ إذَا وَلَدَتْ وَقَوْلُهُ ( وَفَصَلَهُ ) أَبُو دَاوُد بِتَخْفِيفِ الصَّادِ ( وَالطَّوَاغِيتُ ) هُنَا الْمُرَادُ بِهَا الْأَصْنَامُ وَمُفْرَدُهُ طَاغُوتٌ وَهُوَ مَقْلُوبٌ لِأَنَّهُ مِنْ طَغَى وَالطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَقَوْلُهُ ( نَعْتِرُ ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَقَوْلُهُ ( وَبَرُّوا اللَّهَ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَطِيعُوهُ وَقَوْلُهُ ( نَفْرَعُ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ .
( السَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ { فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ } السَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ لِذَلِكَ عَدَدًا

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ السَّائِمَةُ مِائَةٌ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةٍ شَاةٌ } .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِلَفْظٍ آخَرَ { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ } .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِلَفْظِ { أَمَرَ بِالْفَرَعِ فِي كُلِّ خَمْسَةٍ وَاحِدَةٌ } .
وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ السَّائِمَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَقَيَّدَ ذَلِكَ بِهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ خَمْسٍ بِوَاحِدَةٍ وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّامِنَةُ ) قَوْلُهُ ( تَغْذُوهُ مَاشِيَتُك ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرْضِعُهُ مَاشِيَتُك وَهِيَ أُمُّهُ لِاحْتِيَاجِهِ لِلرَّضَاعَةِ .
وَقَوْلُهُ ( اسْتَحْمَلَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ قَوِيَ عَلَى الْحَمْلِ وَأَطَاقَهُ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنْ الْحَمْلِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ تَأْخِيرَ ذَبْحِ الْفَرَعِ إلَى أَنْ يَكْمُلَ وَيَشْبَعَ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ وَيَجِيءَ وَقْتُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِذَبْحِهِ فِي أَوَّلِ وِلَادَتِهِ وَخَصَّ ابْنَ السَّبِيلِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُقِيمِ لِغُرْبَتِهِ وَنَفَادِ نَفَقَتِهِ

( التَّاسِعَةُ ) اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ { عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ } مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِاسْتِحْبَابِهَا وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِضَعْفِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْمُرَادُ الِاسْتِحْبَابُ الْمُؤَكَّدُ دُونَ الْوُجُوبِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الْعَتِيرَةِ

( الْعَاشِرَةُ ) فِيهِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَكْفِي فِي تَأَدِّي مَشْرُوعِيَّتِهَا أَنْ يُضَحِّيَ الْوَاحِدُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ بِأُضْحِيَّةٍ وَاحِدَةٍ .
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) الْبَكْرُ بِالْفَتْحِ الْفَتَى مِنْ الْإِبِلِ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بَكْرًا شُغْزُبًا ابْنَ مَخَاضٍ أَوْ ابْنَ لَبُونٍ وَهُوَ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَضَمِّ الزَّايِ الْمُعْجَمَاتِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد قَالَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ زُخْزُبًا أَيْ بِضَمِّ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ زَايٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ الَّذِي اشْتَدَّ لَحْمُهُ وَغَلُظَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الزَّايُ أُبْدِلَتْ شِينًا وَالْخَاءُ غَيْنًا فَصُحِّفَ وَهَذَا مِنْ غَرَائِبِ الْإِبْدَالِ .
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ فَيَلْصَقَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ كَأَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ هُزَالِهِ أَيْ لَا يَكُونُ فِيهِ شَحْمٌ يَفْصِلُ بَيْنَ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ وَقَوْلُهُ فَتَكْفَأَ إنَاءَك بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْفَاءِ يُقَالُ كَفَأَ الْإِنَاءَ أَيْ قَلَبَهُ وَكَبَّهُ وَأَكْفَاهُ أَيْ أَمَالَهُ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا فَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا ضَمُّ التَّاءِ وَكَسْرُ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّك إذَا ذَبَحْت وَلَدَ النَّاقَةِ انْقَطَعَ لَبَنُهَا فَأَكْفَأْت إنَاءَ اللَّبَنِ أَيْ قَلَبْته عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهُ فَارِغٌ مِنْ اللَّبَنِ وَقَوْلُهُ ( وَتُولِهُ نَاقَتَك ) أَيْ تَفْجَعُهَا بِفَقْدِ وَلَدِهَا حَتَّى يُصِيبَهَا الْوَلَهُ وَهُوَ خَبَلُ الْعَقْلِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ حِينَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرَعُ هُنَا إنَّمَا هُوَ الصَّغِيرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ النِّتَاجِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ ( قُلْت ) هُوَ صَغِيرٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ أَوَّلَ النِّتَاجِ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا تَرَى فِي الضَّبِّ ؟ فَقَالَ : لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ } وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ { وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ } .

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ ) ( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ ؟ فَقَالَ لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَحْدَهُ بِلَفْظِ { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ } وَقَالَ النَّسَائِيّ { وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ } وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ ، وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ { الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ } وَلَفْظُ مُسْلِمٍ { لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ } وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ { لَا أُحَرِّمُ } يَعْنِي الضَّبَّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ { سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ } وَفِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ { قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ } وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ { أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ } وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26