كتاب : طرح التثريب
المؤلف : زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيُّ

الْكَلَامِ فِي إصْلَاحِ الصَّلَاةِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ .
{ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ } فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَحْمَدَ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ الْإِمَامُ خَاصَّةً فَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ فَمَتَى تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَا حَكَاهُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ حَكَاهُمَا الْأَثْرَمُ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالثَّانِيَةُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ إنَّمَا تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ .
وَهُوَ يَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ قُصِرَتْ وَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ دَافِعٌ لِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فَكَلَّمَ الْقَوْمَ فَأَجَابُوهُ لِأَنَّهُمْ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُجِيبُوهُ .

{ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ } فِيهِ أَنَّ السَّهْوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا بَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ بِهِ .
{ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ } فِيهِ أَنَّ نِيَّةَ قَطْعِ الصَّلَاةِ عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ لَا يُفْسِدُهَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَهُوَ كَذَلِكَ .

{ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ } وَفِيهِ أَنَّ إيقَاعَ السَّلَامِ سَهْوًا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يُبْطِلُهَا السَّلَامُ سَاهِيًا كَالْكَلَامِ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ السَّلَامَ فِيهَا عَامِدًا قَبْلَ تَمَامِهَا يُفْسِدُهَا .

{ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ } فَرَّقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كَلَامِ السَّاهِي أَوْ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ قَلِيلِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِهِ وَقَالُوا إنَّ مَا لَا يُبْطِلُ مِنْهُ هُوَ الْيَسِيرُ فَأَمَّا الْكَثِيرُ فَيُفْسِدُهَا وَحَّدَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ مِنْهُمْ الْقَلِيلَ بِالْقَدْرِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَحَّدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْيَسِيرَ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّمْثِيلِ أَصْلَحُ مِنْهُ لِلتَّحْدِيدِ قَالَ وَالْأَظْهَرُ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ .

{ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ } اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَا تُبْطِلُهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الصَّحِيحِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَفِي بَعْضِهَا أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَرَجَعَ النَّاسُ وَبَنَى بِهِمْ } وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ كَثِيرَةٌ وَلِلْقَائِلِ بِأَنَّ الْكَثِيرَ يُبْطِلُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ غَيْرُ كَثِيرَةٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْكَلَامِ وَقَدْ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَالرُّجُوعُ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ إلَى الْعُرْفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّاسِيَ فِي ذَلِكَ كَالْعَامِدِ فَيُبْطِلُهَا الْفِعْلُ الْكَثِيرُ سَاهِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ } اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا تَرَكَ بَعْضَهَا سَهْوًا وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ رَبِيعَةَ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ وَلَمْ يُوَافِقْ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا نُسَلِّمُ طُولَ الْفَصْلِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ رَبِيعَةَ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ وَلَمْ يُوَافِقْ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا نُسَلِّمُ طُولَ الْفَصْلِ فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِيهِ .
{ الْفَائِدَةُ الثَّلَاثُونَ } اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الزَّمَنِ الَّذِي يَجُوزُ الْبِنَاءُ مَعَهُ فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ قَدْرُ الصَّلَاةِ فَمَا زَادَ فَطَوِيلٌ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَنَصَّ الْبُوَيْطِيُّ عَلَى أَنَّ الطَّوِيلَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ رَكْعَةٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ أَنَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ .

{ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ } اُسْتُدِلَّ بِرُجُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَبَرِ أَصْحَابِهِ حِينَ صَدَّقُوا ذَا الْيَدَيْنِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ وَعِنْدَهُمْ خِلَافٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ أَوْ الرِّوَايَةِ وَكَذَا عِنْدَهُمْ خِلَافٌ آخَرُ بَيْنَ أَنْ يَكْثُرُوا أَوْ يَقِلُّوا فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى شَكٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ وَأَمَّا إنْ كَانَ جَازِمًا فِي اعْتِقَادِهِ بِحَيْثُ يُصَمِّمُ إلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُفِيدَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ فَيَرْجِعَ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ فَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِهِمْ وَعَدَمَهُ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ : إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِرَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى يَقِينِ مَنْ وَرَاءَهُ وَيَدَعُ يَقِينَ نَفْسِهِ قَالَ الْمَشَايِخُ يُرِيدُ الِاعْتِقَادَ وَبِالثَّانِي قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ وَنَصُّ مَا حُكِيَ عَنْهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ إنْ كَثُرُوا وَلَا يَرْجِعُ إنْ قَلُّوا فَيَنْصَرِفُ وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ انْتَهَى .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ اعْتِقَادَهُ لِقَوْلِ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ { وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ } .
{ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ } فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ اضْطَرَبَ فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِسْنَادِهِ اضْطِرَابًا أَوْجَبَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ تَرْكَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حَتَّى يَقَّنَهُ

اللَّهُ أَيْ يَقَّنَهُ بِإِخْبَارِ مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَسْتَحِيلُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ لِبُلُوغِهِمْ حَدَّ التَّوَاتُرِ لَا بِتَذَكُّرِهِ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الصَّلَاةِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ فَاتِّفَاقُ أَصْحَابِهِ أَوْجَبَ حُصُولَ الشَّكِّ عِنْدَهُ وَحُصُولُ الشَّكِّ يَقْتَضِي إعَادَةَ مَا شَكَّ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ حُصُولَ الشَّكِّ يُؤَثِّرُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُرَجِّحِ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فَعَلَهُ احْتِيَاطًا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَفَعَلَهُ مَعَهُ غَيْرُهُ وُجُوبًا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَتِمَّ .
وَهَذَا بَعِيدٌ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِمَّنْ جَوَّزَ السَّهْوَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُقِرُّهُ عَلَيْهِ بَلْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ وَيُبَيَّنُ لَهُ وَلَكِنَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَالَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ فَلَعَلَّهُ يَبِينُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَقْرَبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ الْمُخْبِرُ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ وَجَبَ رُجُوعُهُ إلَيْهِمْ وَإِلَّا عَمِلَ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ أَيْضًا عَنْ صَاحِبِ الْمُفْهِمِ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الْحَدِيثِ .

{ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ } قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ ادَّعَى الْمُخَالِفُ أَنَّ فِيهِ حُجَّةً عَلَى مَنْ قَالَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا فِي رَدِّهِ .

{ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ } لَمْ يَذْكُرْ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَلْ رَوَاهُمَا عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو دَاوُد إنَّهُ رَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ وَرِوَايَةُ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْهُ وَفِيهَا إثْبَاتُ السَّجْدَتَيْنِ وَزِيَادَةُ كَوْنِهِمَا بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ { ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ } .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { سَجَدَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ } انْتَهَى وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ وَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ عَنْهُ وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي التَّمْيِيزِ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ خَطَأٌ وَغَلَطٌ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى .
عَلَى أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ فِي إنْكَارِهِ فَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ { وَلَمْ يَسْجُدْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُسْجَدَانِ إذَا شَكَّ حِينَ تَلَقَّاهُ النَّاسُ } وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى { وَلَمْ يَسْجُدْ

سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ } وَلَيْسَ فِي هَذَا نَفْيُ السُّجُودِ مُطْلَقًا وَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ شِهَابٍ أَيْضًا نَفْيُ السَّجْدَتَيْنِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ { ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ } وَمَنْ أَثْبَتَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَكْثَرُ وَأَوْلَى إذْ مَعَهُمْ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَقَدْ اضْطَرَبَ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ إذَا عَرَفَ الرَّجُلُ مَا نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَأَتَمَّهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا .
{ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ } فِيهِ أَنَّ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَانِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا وَلَا نَقْصٍ وَهُوَ كَذَلِكَ .

{ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ } ذَكَرَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ حِكْمَةَ سُجُودِ السَّهْوِ فَقَالَ إنَّهُ فِي الزِّيَادَةِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ لِيَشْفَعَ لَهُ مَا زَادَ إنْ كَانَتْ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً قَلِيلَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ الَّذِي أَسْهَى وَشَغَلَ حَتَّى زَادَ فِي الصَّلَاةِ فَأُغِيظَ الشَّيْطَانُ بِالسُّجُودِ لِأَنَّ السُّجُودَ هُوَ الَّذِي اسْتَحَقَّ إبْلِيسُ بِتَرْكِهِ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ وَالْخُلُودَ فِي النَّارِ فَلَا شَيْءَ أَرْغَمُ مِنْهُ لَهُ قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِرْغَامِ فِي الزِّيَادَةِ الْقَلِيلَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ { فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ } فَجَعَلَ الشَّفْعَ لِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ وَالتَّرْغِيمَ عِنْدَ عَدَمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ فِيمَا إذَا شَكَّ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَقَالَ الْقَفَّالُ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ سَبَبُهُ احْتِمَالُ أَنَّ الَّتِي أَتَى بِهَا خَامِسَةٌ فَيَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُهُ وَالْغَزَالِيُّ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ النَّصُّ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ .

{ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ } فِيهِ أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ مَحَلُّهُمَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ حِكْمَةً وَهُوَ احْتِمَالُ طُرُوءِ سَهْوٍ آخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ السُّجُودُ جَائِزًا لِلْكُلِّ .
{ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ } لَوْ سَجَدَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ لِلسَّهْوِ ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ آخِرَ الصَّلَاةِ أَعَادَهُ فِي آخِرِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْجُدَ فِي الْجُمُعَةِ لِسَهْوٍ ثُمَّ يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي السُّجُودِ الْأَخِيرِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَبْلَ السَّلَامِ فَيَلْزَمَهُ إتْمَامُ الظُّهْرِ وَيُعِيدَ السُّجُودَ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ وَسَهَا فِيهَا فَسَجَدَ فِي آخِرِهَا لِلسَّهْوِ وَتَصِلُ السَّفِينَةُ بِهِ إلَى الْوَطَنِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَيُعِيدُ السُّجُودَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الْفَائِدَةُ الْأَرْبَعُونَ } فِيهِ أَنَّ السَّهْوَ يَتَدَاخَلُ وَيَكْتَفِي لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ وَمَشَى وَهَذِهِ كُلُّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِلسُّجُودِ وَاقْتَصَرَ عَلَى سَجْدَتَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ هَذَا وَقِيلَ يَسْجُدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَتَّحِدَ الْجِنْسُ فَيَتَدَاخَلَ أَوْ لَا يَتَّحِدَ فَلَا وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لِتَعَدُّدِ السَّهْوِ وَاخْتِلَافِ جِنْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ هَلْ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ : ( الْأَوَّلُ ) أَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ سَجَدَ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ } وَهَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ { فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ } وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلُهُ وَصَحَّحَهُ وَكَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ .
وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ { مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ } قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ ضَعَّفُوهُ .
وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ } وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ { لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ } .
وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ مِنْ التَّابِعِينَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالُوا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إنَّمَا جُعِلَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَطْرَأَ سَهْوٌ آخَرُ بَعْدَهُ وَمِنْ الْجَائِزِ طُرُوءُ السَّهْوِ فِي السَّلَامِ فَكَانَ السُّجُودُ بَعْدَهُ أَوْلَى .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) : أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَحُجَّتُهُمْ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ

سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ } وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ } .
وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { فِي الَّذِي لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ } كَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا ابْنُ أَخِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ وَفِي الْأُخْرَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ فِيهَا حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا مَوْضِعَ السُّجُودِ .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ { إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ } .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ بِأَنْ صَلَّى خَمْسًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لِنَقْصٍ كَتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَحَمَلُوا اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ لَوْ سَلِمَ لَهُمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ لَكِنْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ اسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاسْتِعْمَالُ

الْأَخْبَارِ عَلَى وُجُوهِهَا أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ النَّسْخِ فِيهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السُّجُودَ لِلنَّقْصِ جُبْرَانٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ .
( وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ ) اسْتِعْمَالُ كُلِّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ زِيَادَةً كَانَ أَوْ نَقْصًا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَبَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَإِذَا سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكَذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِي التَّحَرِّي بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَفِي الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَفِي الشَّكِّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَوْفٍ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ عَنْهُ قَالَ قُلْت لَهُ فَمَا كَانَ سِوَاهَا مِنْ السَّهْوِ قَالَ يَسْجُدُ فِيهِ كُلِّهِ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ وَمَا قَالَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ اسْتِعْمَالِ كُلِّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ بِهِ دَاوُد إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ ) أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَيْضًا لِلشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُ كُلِّ إمَامٍ مِنْهُمْ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا غَيْرُ إمَامِهِ بِوُجُوهٍ : ( مِنْهَا ) دَعْوَى النَّسْخِ لِمَا وَقَعَ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ إنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا

فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فِي مَاذَا ؟ فَلَعَلَّهُ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ فِي مَحَلِّ النَّقْصِ فَلَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَالِكٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ سُجُودَ السَّهْوِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى صُورَةٍ مِنْهُ .
( وَمِنْهَا ) أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَهُوَ بَعِيدٌ .
( وَمِنْهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ { فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ } فَحَمَلْنَا السَّلَامَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ سَهَا فِي السَّلَامِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِإِعَادَةِ السَّلَامِ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ يُقَابِلُهُ الْحَنَفِيُّ بِمِثْلِهِ فَيَقُولُ سُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ سَهْوٌ وَلَا تَثْبُتُ الْحُجَجُ بِالِاحْتِمَالَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَمِنْهَا ) التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ لِلْقَائِلَيْنِ بِهِ بَعْدَ السَّلَامِ أَكْثَرُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ أَنَّ طَرِيقَةَ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ طَرِيقَةِ التَّرْجِيحِ وَأَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي مَحَلِّ التَّعَارُضِ وَاِتِّخَاذِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ .
( وَمِنْهَا ) مَا أَجَابَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ أَيْ سُجُودَ الصَّلَاةِ وَهُوَ بَعِيدٌ .
( وَمِنْهَا ) مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِيمَنْ شَكَّ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَيَزِيدُهُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَذَا سَهْوٌ لِلزِّيَادَةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مُحَقَّقَةً فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الزِّيَادَةُ الْمُحَقَّقَةُ وَعِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رِوَايَتَانِ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا عَلَيْهِمْ أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ قَدْ نَقَصَ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَجَدَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ

وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ أَتَى بِمَا نَقَصَهُ وَهُوَ الرَّكْعَتَانِ وَزَادَ السَّلَامَ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ وَالْكَلَامِ وَالْمَشْيِ فَسَجَدَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا لِكَوْنِهِ نَقَصَ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَتَى بِهِمَا وَرَجَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ بِظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ قَالَ وَإِذَا ظَهَرَتْ الْمُنَاسَبَةُ وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا كَانَتْ عِلَّةً وَإِذَا كَانَتْ عِلَّةً عَمَّ الْحُكْمُ جَمِيعَ مَحَالِّهَا فَلَا يَتَخَصَّصُ ذَلِكَ بِمَوْرِدِ النَّصِّ انْتَهَى .
وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَحَلِّ السُّجُودِ قِيلَ هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فِيمَا قَالُوا فِيهِ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ فِيمَا قَالُوا فِيهِ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَالسَّلَفِ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا أَشَدُّ اسْتِثْقَالًا لِوَضْعِ السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قُلْت ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى اتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَشْهُورٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ فِي الْإِجْزَاءِ لَا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ سَهْوَ الْإِمَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَسْهُوا فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ السُّجُودُ مَعَهُ بِدَلِيلِ سُجُودِ الصَّحَابَةِ مَعَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ تَخَلَّفَ عَنْ السَّلَامِ مَعَهُ لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا قَصْرَ الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلْمَسْبُوقِ السُّجُودُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ حَضَرَ سَهْوَ الْإِمَامِ وَلَوْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مُتَابَعَةَ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ .

{ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الصَّحِيحَةُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَالْمَدِّ وَهُوَ وَهْمٌ وَالْعَشِيُّ هُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ .
{ الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ { ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا } فِيهِ حُجَّةٌ لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فِي حَقِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ تَمَامِهَا لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ فَقَالَ : إنَّ اسْتِدْبَارَهَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَيُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ .
{ الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } وَقَوْلُهُ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا يُوَضِّحُ أَنَّ غَضَبَهُ لَمْ يَكُنْ لِكَلَامِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْغَضَبَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذُو الْيَدَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ إنْكَارًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ إذْ قَدْ نَسَبَهُ إلَى مَا كَانَ يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ { قُصِرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ } فَخَرَجَ مُغْضَبًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّاوِي قَالَ وَكَأَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا فَإِنَّ وَاقِعَةَ عِمْرَانَ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي رَآهَا أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ إلَى هَذَا بَعْدَ ذِكْرِ شَرْحِهِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ .

{ السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } وَقَوْلُهُ { فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ } الْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيمُ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَأَوَّلَهُ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَرَادَ السَّلَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قَوْلُهُ { السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ } وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ .

{ السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } فِيهِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُمَا كَسُجُودِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ .
{ الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ { ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ } إلَى آخِرِهِ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يُكَبِّرُ لَهَا تَكْبِيرَةً قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي السَّجْدَتَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ فَظَاهِرُ تَقَدُّمِ التَّكْبِيرِ عَنْ السُّجُودِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّجُودِ وَقَالَ فِي يَقِينِهَا ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ فَأَتَى هُنَا بِالْفَاءِ وَهُنَاكَ بِثُمَّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا تَخْلُو السَّجْدَةُ الْأُولَى عَنْ تَكْبِيرٍ لَهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَسَائِرِ الصَّلَاةِ .

{ التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ } يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّ مَنْ نَسِيَ بَعْضَ الصَّلَاةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَبَنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إحْرَامٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْمُتَقَدِّمَ شَمَلَهَا كُلَّهَا وَقَطْعُهَا سَهْوًا لَا يَقْطَعُهَا وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ يَرْجِعُ إلَيْهَا بِإِحْرَامٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا فِي وُجُوبِ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَيَجِبَ الْإِحْرَامُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقُومَ فَلَا يَجِبَ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ : إنْ سَلَّمَ سَهْوًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِحْرَامِ ؛ وَإِنْ سَلَّمَ قَصْدًا عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ أَحْرَمَ لِعَوْدِهِ وَإِلَّا كَانَ بِنَاؤُهُ عَارِيًّا عَنْ الْإِحْرَامِ .

{ الْفَائِدَةُ الْخَمْسُونَ } قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ ( قُلْت ) وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِهَا إذَا كَانَ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ أَمَّا لَوْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَلَا لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّكْبِيرِ وَلَكِنَّهُ كَانَ لِلْقِيَامِ فَأَتَى بِهِ لِلْجُلُوسِ ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ أَتَى بِتَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِيهَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي الْجُلُوسِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ .

{ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ } اشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي عَوْدِ السَّاهِي إلَى بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَقُومَ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لِمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَكَانَ قِيَامُهُ لَا لِذَلِكَ فَيَجْلِسُ لِيَكُونَ قِيَامُهُ لِلصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجْلِسُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ يُكَرِّرُ التَّكْبِيرَ لِلْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ فَحَكَى أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَجْلِسُ وَعَنْ ابْنِ شَبْلُونٍ يَجْلِسُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الطُّلَيْطِلِيِّ إنْ سَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ كَبَّرَ لِلرُّجُوعِ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ كَبَّرَ أُخْرَى يَقُومُ بِهَا وَحَكَى ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَجْلِسُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبَاجِيَّ وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ دَخَلَ بِإِحْرَامٍ وَلَمْ يَجْلِسْ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا يَجْلِسُ مُطْلَقًا وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لِلرَّكْعَتَيْنِ قَدْ انْقَضَى وَالْقِيَامُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَالْقِيَامِ مِنْ سُجُودِ رَكْعَةٍ .

{ الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ } فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حُجَّةٌ عَلَى سَحْنُونٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ قَالَ إنَّمَا يَكُونُ الْبِنَاءُ فِيمَا إذَا سَلَّمَ سَهْوًا مِنْ اثْنَتَيْنِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ دُونَ مَا إذَا سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ الْبِنَاءَ بَعْدَ قَطْعِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَرْعُ مُسَاوِيًا لِلْأَصْلِ يُلْحَقُ بِهِ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ ( قُلْت ) وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ مَعَ وُرُودِهِ نَصًّا فِي الثَّلَاثِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أَيْضًا نَعَمْ إنْ قَالَهُ فِي السَّلَامِ مِنْ رَكْعَةٍ فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
{ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ } فِيهِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْ السَّهْوِ وَإِنْ أَوْقَعَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَحِلَّهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي السَّلَامِ مِنْهُمَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالصَّحِيحُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ السَّلَامُ مِنْهَا وَعَلَى هَذَا فَيُحْرِمُ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ بِتَكْبِيرٍ لَهُ غَيْرِ تَكْبِيرِ الْهُوِيِّ كَالتِّلَاوَةِ سَوَاءٌ وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِحْرَامِ لَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ رِوَايَتَيْنِ الْإِحْرَامُ وَنَفْيُهُ انْتَهَى .
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَحَلَّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَلَكِنْ أَخَّرَهُمَا السَّاهِي سَهْوًا أَيْضًا فَلَا يَحْتَاجُ لِتَحْرِيمٍ وَسَلَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ } فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي سَأَلَهُ قَالَ لَهُ نَسِيت مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَجَزَمَ بِنِسْيَانِهِ وَلَمْ يُرَدِّدْ الْقَوْلَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ قُصِرَتْ أَوْ يَكُونَ نَسِيَ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ غَيْرُ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّ السَّائِلَ فِي هَذِهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْحَدِيثِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ كَمَا سَأَلَ غَيْرُهُ وَقَدْ كَانَ هَذَا بَعْدَ أَنْ وَقَعَ النِّسْيَانُ مِنْهُ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ تِلْكَ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فَلَمَّا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّهْوُ جَزَمَ بِهِ وَهَذَا مَعَ تَقَدُّمِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُهُ { لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمُوهُ } فَلَمَّا لَمْ يُنْبِئْهُمْ بِنُقْصَانِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ جَزَمَ طَلْحَةُ بِالنِّسْيَانِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ كَلَامَ طَلْحَةَ لَيْسَ خَبَرًا وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِفْهَامٌ وَحَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ كَثِيرٌ شَائِعٌ فَلَيْسَ فِيهِ الْجَزْمُ بِوُقُوعِ النِّسْيَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
{ الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ } لَمْ يُنْقَلْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ الصَّحَابَةَ عَمَّا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَهُ هَلْ هُوَ كَمَا قَالَ لَهُ كَمَا فَعَلَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْأَخْبَارِ مُتَفَاوِتَةٌ بِاخْتِلَافِ حَالِ مَنْ أَخْبَرَ بِهَا فَلَمَّا كَانَ السَّائِلُ هُنَا طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدَ الْعَشَرَةِ الَّذِي أَخْبَرَ الصَّادِقُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَرَجَّحَ

عِنْدَهُ خَبَرُهُ فَعَمِلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ بِخِلَافِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ أَعْرَابِيٌّ لَا يَبْلُغُ مَرْتَبَةَ طَلْحَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مُسَدَّدٍ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ فَيَجِيءُ فَيُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتَاجَ فِي خَبَرِهِ إلَى مَنْ يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ ثَبَتَتْ صُحْبَتُهُ فَمَرَاتِبُ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ وَيَكُونُ فِي هَذَا حُجَّةٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذَكَّرَ نِسْيَانَهُ لِلرَّكْعَةِ حِينَ أَخْبَرَهُ طَلْحَةُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَسْتَفْهِمَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَأْمُومِينَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نَقْلِ سُؤَالِهِ لِلْحَاضِرَيْنِ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَهُمْ كَمَا فَعَلَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَاخْتَصَرَهُ الرَّاوِي فَذَكَرَ مِنْهُ مَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ إعَادَةِ الرَّكْعَةِ دُونَ تَمَامِ بَقِيَّةِ الْقِصَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّ خَبَرَ طَلْحَةَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ عَوْدَهُ لِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُحْدِثُ شَكًّا فِي إكْمَالِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا أَنْ يَجِبَ الْإِتْمَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِهِ وَلَوْ وَقَعَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ فَعَلَهُ احْتِيَاطًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ .
{ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ } قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ إذَا كَانَ لَمْ يُنْقَلْ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ سُؤَالُهُ لِلْحَاضِرَيْنِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ خَبَرَ طَلْحَةَ أَوْ تَذَكَّرَ أَوْ شَكَّ فَأَعَادَ وُجُوبًا أَوْ احْتِيَاطًا فَمَا وَجْهُ مَشْيِهِ فِي خُرُوجِهِ وَدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَهَذَا كُلُّهُ يُنَافِي الْبِنَاءَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَتِمَّ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَذَكُّرَهُ عَقِبَ خَبَرِهِ قَبْلَ

أَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّتِهِ وَلَا الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ الْحَاضِرِينَ فَلَعَلَّهُ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَتَذَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ نَسِيَ أَوْ خَرَجَ فَسَأَلَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ اعْتَمَدَ خَبَرًا يَبْلُغُ التَّوَاتُرَ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ كَمَا تَقَدَّمَ .
{ السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ } فَإِنْ قِيلَ فَأَمْرُهُ بِلَالًا بِالْإِقَامَةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَمَا وَجْهُ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إقَامَةُ بِلَالٍ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ لَمْ تَتِمَّ وَفِيهَا مَا لَيْسَ بِذِكْرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَهَذَا كَلَامٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ فَمَا وَجْهُهُ ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى النُّطْقِ فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِيمَاءِ أَوْ الْإِشَارَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالنُّطْقِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ لَا يُفْسِدُهَا وَأَمَّا إقَامَةُ بِلَالٍ الصَّلَاةَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةَ الْمَشْرُوعَةَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ إعْلَامُهُمْ بِعَوْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ نُطْقٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَقَامَ الصَّلَاةَ كَمَا يُقِيمُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ يُبْطِلُهَا فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ لَوْ نَذَرَ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ قَالَ نَذَرْت كَذَا وَكَذَا وَسَمَّى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَعَلَّلُوهُ بِكَوْنِهِ قُرْبَةً فَإِقَامَةُ بِلَالٍ لِلصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَا يَجْتَمِعُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ إتْمَامِ الصَّلَاةِ إلَّا بِذَلِكَ مَعَ وُجُوبِ الْبَيَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
{ الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ } قَدْ يَسْتَدِلُّ الْمَالِكِيَّةُ بِإِقَامَةِ بِلَالٍ الصَّلَاةَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَوْدَ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ يَحْتَاجُ إلَى تَحَرُّمٍ كَابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مُشْعِرَةٌ بِابْتِدَاءٍ وَتَحَرُّمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ بَاقٍ لَا يُبْطِلُهُ النِّسْيَانُ بِخِلَافِ جَمْعِ مَنْ تَفَرَّقَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَقَدْ لَا يَجْمَعُهُمْ إلَّا الْإِقَامَةُ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْإِقَامَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْإِقَامَةِ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ طُرُقِ أَحَادِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ فَهِيَ شَاذَّةٌ وَحُكْمُهُ عَدَمُ الِاحْتِجَاجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
{ التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ } قَوْلُهُ فِي الْأَحْكَامِ وَذَكَرَ أَنَّ الرَّجُلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْ وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ بِتَعْرِيفِ مَنْ عَرَّفَ مُعَاوِيَةَ بِأَنَّهُ هُوَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ فَقَالَ فِي آخِرِهِ فَأَخْبَرْت بِهِ النَّاسَ فَقَالُوا لِي أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ قُلْت لَا إلَّا أَنْ أَرَاهُ فَمَرَّ بِي فَقُلْت هَذَا هُوَ فَقَالُوا هَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ انْتَهَى .
وَاَلَّذِينَ عَرَّفُوهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ فَإِنَّهُمْ الصَّحَابَةُ وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
{ الْفَائِدَةُ السِّتُّونَ } مَا ذُكِرَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ قِصَّةِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ وَعِمْرَانَ وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ أَنَّ السَّائِلَ لَهُ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ طَلْحَةُ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ الْخِرْبَاقُ وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِجَمْعٍ آخَرَ فَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مِنْ ذِكْرِ طَلْحَةَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طَلْحَةُ أَيْضًا كَلَّمَهُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي أَنْ

يُكَلِّمَهُ طَلْحَةُ وَغَيْرُهُ مَا يَدْفَعُ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ كَلَّمَهُ أَيْضًا فَأَدَّى كُلٌّ مَا سَمِعَ عَلَى حَسَبِ مَا سَمِعَ وَكُلُّهُمْ اتَّفَقُوا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْبِنَاءُ بَعْدَ الْكَلَامِ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ انْتَهَى .
وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْجَمْعِ أَنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّتَيْنِ قَلَّدْت فِيهِ النَّوَوِيَّ فَقَدْ حَكَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ } قَالَ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ } وَلِمُسْلِمٍ { صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ } الْحَدِيثَ وَفِيهِ { فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَصَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ }

{ بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ } الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّطَوُّعَ مَا رَجَّحَ الشَّرْعُ فِعْلَهُ عَلَى تَرْكِهِ وَجَازَ تَرْكُهُ فَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنْدُوبُ وَالنَّافِلَةُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْحَسَنُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ مَا عَدَا الْفَرِيضَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ( سُنَّةٌ ) وَهُوَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَمُسْتَحَبٌّ ) وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ فِي الْكَافِي وَمِثَالُهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ( وَتَطَوُّعٌ ) وَهُوَ مَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرِدَ فِيهِ نَقْلٌ مِنْ الشَّرْعِ وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ وَضَابِطُهُ عِنْدَهُمْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ كُلَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُظْهِرًا لَهُ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ سُنَّةٌ وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَعَدَّهُ فِي نَوَافِلِ الْخَيْرِ فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُظْهِرْهُ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَفِي كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ فَضِيلَةً قَوْلَانِ .
( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ } قَالَ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : { الْأُولَى } حَكَى السَّيْفُ الْآمِدِيُّ خِلَافًا فِي دَلَالَةِ كَانَ عَلَى التَّكْرَارِ وَصَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ قَالَ

وَلِهَذَا اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَانَ حَاتِمُ يَقْرِي الضَّيْفَ وَصَحَّحَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيه لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ أَنَّهَا تَقْتَضِيه عُرْفًا فَعَلَى هَذَا فَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَكَرُّرِ فِعْلِ هَذِهِ النَّوَافِلِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ كَانَ هَذَا دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ

{ الثَّانِيَةُ } فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَهَذِهِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ إلَّا لِعَارِضٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَسُنَّتَهَا الَّتِي بَعْدَهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ فَسَادَهَا فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَيُصَلِّيَ بَعْدَهَا سَنَتَهَا قُلْته تَفَقُّهًا ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { حَفِظْت مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ } فَذَكَرَهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا رَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ { سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ } وَفِي آخِرِهِ { وَكَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ } فَهَذِهِ ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ { مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةِ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ } وَفَسَّرَهَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ { أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ } وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمْ ذِكْرُ { رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ } وَفِيهِ { وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ } وَفِي

رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ { وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ } وَقَالَ كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْمَتْنَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ أَظُنُّهُ قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَظُنُّهُ قَالَ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ } وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ تَعْدَادِهَا وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ضَعِيفٌ هُوَ ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ هَذَا خَطَأٌ وَالْحَدِيثُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ أَشْبَهُ .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ } وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا } وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ } وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ لِلْعَصْرِ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ فَفِي

صَحِيحِ مُسْلِمٍ { أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا } قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَانِ هُمَا سُنَّةٌ لِلْعَصْرِ قَبْلَهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ } .
فَهُمَا هَاتَانِ لِيَتَّفِقَ الْحَدِيثَانِ وَسُنَّةُ الظُّهْرِ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا قَبْلَ الْعَصْرِ انْتَهَى وَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ذِكْرُ سُنَّةِ الْعَصْرِ صَرِيحًا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ } .
وَالْمُرَادُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً } وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا

فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ } الْحَدِيثَ .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ } الْحَدِيثَ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَقِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَلْفَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ { قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وَ { الم تَنْزِيلُ } السَّجْدَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ } وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ فَرُّوخَ الْمِصْرِيُّ .
وَالْمَشْهُورُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ { مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَصَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ يَعْلَمُ مَا يَقْتَرِئُ فِيهِنَّ فَإِنَّ لَهُ أَوْ كُنَّ لَهُ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ } .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا عَدَا السِّتَّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْأَرْبَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَاسْتَحَبُّوا جَمِيعَ هَذِهِ النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا إلَّا فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرُهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ اسْتِحْبَابُهُمَا لِحَدِيثَيْ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَلِحَدِيثِ { ابْتِدَارِهِمْ السَّوَارِيَ بِهِمَا } وَهُوَ فِي

الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَاخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي أَعْدَادِهَا مَحْمُولٌ عَلَى تَوْسِعَةِ الْأَمْرِ فِيهَا وَأَنَّ لَهَا أَقَلَّ وَأَكْمَلَ فَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْأَقَلِّ وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ الْأَكْمَلِ ا هـ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُؤَكَّدِ مِنْ هَذِهِ الْمُسْتَحَبَّاتِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُؤَكَّدُ مِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَصَ رَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَالَ الْخُضَرِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى الْعَشْرِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ فَصَيَّرَهُنَّ أَرْبَعًا وَعَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي لِلشَّافِعِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَيَّرَهُنَّ أَرْبَعًا أَيْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ فَرَأَى جَمِيعَ ذَلِكَ مُؤَكَّدًا قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَجَمَاعَةٌ أَدْنَى الْكَمَالِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَأَتَمُّ الْكَمَالِ ثَمَانِ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ وَزَادَ عَلَى هَذَا الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَاسْتَحَبَّا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ { بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ } .
وَعَدَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ مِنْ الرَّوَاتِبِ أَرْبَعًا بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَالْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَزَادَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ فِي الْمُؤَكَّدَةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَقَوْلُهُ { رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا } تَرْغِيبٌ فِيهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِيهِ وَلَمْ يَحْفَظْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ

الْمَغْرِبِ جَائِزَتَانِ وَلَيْسَتَا سُنَّةً وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا رَوَاتِبَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَوْقِيتَ إلَّا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا تَوَقَّتَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْحَقُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ أَعْنِي مَا وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّطَوُّعَاتِ وَالنَّوَافِلِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ دَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ عَدَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ وَهَيْئَةٍ مِنْ الْهَيْئَاتِ أَوْ نَافِلَةٍ مِنْ النَّوَافِلِ يُعْمَلُ بِهِ فِي اسْتِحْبَابِهِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ فَمَا كَانَ الدَّلِيلُ دَالًّا عَلَى تَأَكُّدِهِ إمَّا بِمُلَازَمَتِهِ فِعْلَهُ أَوْ بِكَثْرَةِ فِعْلِهِ وَإِمَّا بِقُوَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى تَأَكُّدِ حُكْمِهِ .
وَإِمَّا بِمُعَاضَدَةِ حَدِيثٍ آخَرَ أَوْ أَحَادِيثَ فِيهِ تَعْلُوا مَرْتَبَتَهُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَمَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَنْتَهِي إلَى الصِّحَّةِ فَإِنْ كَانَ حَسَنًا عُمِلَ بِهِ إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ أَقْوَى مِنْهُ وَكَانَتْ مَرْتَبَتُهُ نَاقِصَةً عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي الصَّحِيحَ الَّذِي لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ اللَّفْظُ فِي طَلَبِهِ وَمَا كَانَ ضَعِيفًا لَا يَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الْمَوْضُوعِ فَإِنْ أَحْدَثَ شِعَارًا فِي الدِّينِ مُنِعَ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِدُخُولِهِ تَحْتَ

الْعُمُومَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفِعْلِ الْخَيْرِ وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتُ بِالْوَقْتِ وَبِالْحَالِ وَالْهَيْئَةِ وَاللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ بِخُصُوصِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
انْتَهَى .

{ الثَّالِثَةُ } قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهَا تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِهَا إنْ عَرَضَ نَقْصٌ كَمَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ .
{ إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِذَا صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ } وَفِي النَّوَافِلِ الَّتِي قَبْلِ الْفَرِيضَةِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ رِيَاضَةُ النَّفْسِ بِالدُّخُولِ فِي النَّافِلَةِ وَتَصْفِيَتُهَا عَمَّا هِيَ مُكْتَفِيَةٌ بِهِ مِنْ الشَّوَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلْفَرِيضَةِ أَكْمَلَ فَرَاغٍ وَيَحْصُلَ لَهُ النَّشَاطُ وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِالنَّوَافِلِ الَّتِي بَعْدَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ وَأَمَّا السُّنَنُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّوَافِلَ جَابِرَةٌ لِنُقْصَانِ الْفَرَائِضِ فَإِذَا وَقَعَ الْفَرْضُ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ خَلَلًا فِيهِ إنْ وَقَعَ انْتَهَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ حُصُولُ الْجَبْرِ بِالنَّوَافِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَعُمُّ سَائِرَ التَّطَوُّعَاتِ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الرَّابِعَةُ } آكَدُ هَذِهِ الرَّوَاتِبِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ { لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَّا مَا لَمْ يَدَعْ صَحِيحًا وَلَا مَرِيضًا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ غَائِبًا وَلَا شَاهِدًا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِمَا وَقَوْلِي هَذِهِ الرَّوَاتِبَ احْتَرَزْت بِهِ عَنْ الْوِتْرِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ تَفْضِيلُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِآكَدِ الرَّوَاتِبِ بَعْدَهُمَا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ آكَدُهَا بَعْدَهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ قَالَ بِوُجُوبِهِمَا أَيْضًا فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاجِبَتَيْنِ وَيَرَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَاجِبَتَيْنِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَوْ تَرَكْت الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَخَشِيت أَنْ لَا يُغْفَرَ لِي .
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلًا قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَعُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ } وَأَمَّا الْآكَدُ بَعْدَهُمَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَهِيَ أَفْضَلُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سُنَّةُ الظُّهْرِ لِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا

قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ } .
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ كَانُوا لَا يَتْرُكُونَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ عَلَى حَالٍ .

{ الْخَامِسَةُ } كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبُو مُصْعَبٍ وَيَحْيَى بْنِ بُكَيْر قَوْلُهُ { فِي بَيْتِهِ } فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْآخَرُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَالْقَعْنَبِيِّ ذَكَرَهَا فِي الْمَغْرِبِ فَقَطْ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ذَكَرَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ انْصِرَافَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ { فِي بَيْتِهِ } مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالظَّرْفِ يَعُودُ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ .
وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ { فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَصَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ } .
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ فِعْلِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْبَيْتِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّوَاتِبِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ رَاتِبَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ انْتَهَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ فَفِي نَفْيِ الْخِلَافِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ الِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا كُلِّهَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ الْأَفْضَلُ فِعْلُ نَوَافِلِ النَّهَارِ الرَّاتِبَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَاتِبَةِ اللَّيْلِ فِي الْبَيْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ { صَلَاتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فِي

بَيْتِهِ } .
وَهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ اسْتِحْبَابَ فِعْلِ السُّنَنِ فِي الْبَيْتِ وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ أَيْنَ تُصَلَّيَانِ فَقَالَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَفِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ ا هـ فَكَأَنَّ التَّفْصِيلَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَدْ فَصَلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ بَعْضِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ وَبَعْضِهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَكَرِهَهَا قَوْمٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَرَخَّصَ فِيهَا آخَرُونَ انْتَهَى وَالْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ أَخْفَى وَأَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ وَأَصْوَنُ مِنْ الْمُحْبِطَاتِ وَلِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ فِي الْبَيْتِ بِذَلِكَ وَتَنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَلَائِكَةُ وَيَنْفِرَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَعْنَى غَرِيبٌ وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّفَرُّقِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَلَفْظُهُ إنِّي لَا أَكْرَهُهُ يَعْنِي التَّطَوُّعَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بَيَّنَّاهُمْ جَمِيعًا فِي الصَّلَاةِ إذَا اخْتَلَفُوا وَهَذَا قَدْ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ النَّافِلَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ تَطَوُّعُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ يَزِيدُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عِنْدَ النَّاسِ كَفَضْلِ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَبَالَغَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَرَأَى أَنَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ لَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ حَكَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ عَقِبَ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَقَالَ

قُلْت لِأَبِي إنَّ رَجُلًا قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ مِنْ صَلَوَاتِ الْبَيْتِ } .
قَالَ مَنْ هَذَا ؟ قُلْت مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَوْ قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا نَقَلَ أَوْ انْتَزَعَ وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ قِيلَ لِأَحْمَدَ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِعْلَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُ الرَّجُلِ بَعِيدًا قَالَ لَا أَدْرِي وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فَرَآهُمْ يَتَطَوَّعُونَ بَعْدَهَا فَقَالَ هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ { أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ فِي مَسْجِدِنَا ثُمَّ قَالَ ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَفْصِيلِ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ مَا شُرِعَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَلِكَ التَّنَفُّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ فَفِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِاسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ لِلْجُمُعَةِ حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ .
فَقَالَ وَجَمِيعُ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهَا طَاهِرًا إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى .
وَكَذَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الْحَجِّ وَكَذَا مَا يَتَعَيَّنُ لَهُ الْمَسْجِدُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ السَّادِسَةُ } فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ { إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ { مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا } .
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ وَآخَرِينَ اسْتِحْبَابَ أَرْبَعٍ بَعْدَهَا ثُمَّ قَالَ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِرَكْعَتَيْنِ انْتَهَى وَهُمَا نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى أَرْبَعٍ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابَ رَكْعَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّصَّيْنِ مَحْمُولَانِ عَلَى الْأَكْمَلِ وَالْأَقَلِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ .
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهَا فِي ذَلِكَ كَالظُّهْرِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا أَكْثَرَ الْمُصَلِّي مِنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَحَبُّ إلَيَّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُمْ اخْتَارُوا الرُّكُوعَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتًّا أَوْ أَرْبَعًا وَصَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُوَارِزْمِيَّ فِي الْكَافِي فَقَالَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا سِتًّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ .
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي قَالَ أَحْمَدُ إنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْ شَاءَ سِتًّا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ } .
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ كَانَ

مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا } .
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا .
وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ إنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاحْتَجَّ { بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ } .
وَبِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ الَّذِي رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ } وَابْنُ عُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّى بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَرْبَعًا ثُمَّ رَوَاهُ كَذَلِكَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ آخِرُ الْحَدِيثِ فَقَطْ وَهُوَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْمَدِينَةِ دُونَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ بِمَكَّةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي زَمَنِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ صَغِيرًا فَإِنْ أُرِيدَ رَفْعَ فِعْلِهِ بِمَكَّةَ

أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي بِمَكَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يُسْأَلُ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي كَوْنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّيهَا بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَدِينَةِ بِمَنْزِلِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ كَانَ يُرِيدُ التَّأَخُّرَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَيَكْرَهُ أَنْ يَفُوتَهُ بِمُضِيِّهِ إلَى مَنْزِلِهِ لِصَلَاةِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ زَمَنٌ مِمَّا يَغْتَنِمُهُ فِي الطَّوَافِ أَوْ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَى الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَرَى النَّوَافِلَ تُضَاعَفُ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ دُونَ بَقِيَّةِ مَكَّةَ فَكَانَ يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ لَهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بِأَحَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ صَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمَرْفُوعَ آخِرُ الْحَدِيثِ فَقَطْ لَكِنْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ تَفْرِيقَ ابْنِ عُمَرَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ فِي ذَلِكَ فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِ الِاتِّبَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سِتًّا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ صَلَّيْت أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا فَحَسَنٌ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتًّا وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَحَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَرْوِيَّةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا

رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى .
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحَبَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ رَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ السُّلَمِيُّ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ فَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ سِتًّا فَأَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَتَرَكْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ أَمْرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْأَرْبَعِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ أَنَّهَا تَكْمِلَةَ الرَّكْعَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فَيَكُونَ ظُهْرًا وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ فَقَالَ وَكُلُّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى تَرْكِ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ الْجُمُعَةُ بِالظُّهْرِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعٌ عَلَى الْجَاهِلِ أَوْ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ أَهْلُ الْبِدَعِ إلَى صَلَاتِهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ لِفَضْلِهَا وَفِعْلُهُ لِلرَّكْعَتَيْنِ فِي أَوْقَاتٍ بَيَانًا لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِهِنَّ وَحَثَّنَا عَلَيْهِنَّ بِقَوْلِهِ { إذْ صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا } .
وَهُوَ أَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ وَأَوْلَى بِهِ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ

ذَلِكَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَمَرَ بِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ رَفْعَ فِعْلِهِ بِالْمَدِينَةِ حَسْبُ ، كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ بِمَكَّةَ مِنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ نَادِرٌ وَرُبَّمَا كَانَتْ الْخَصَائِصُ فِي حَقِّهِ بِالتَّخْفِيفِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ } الْحَدِيثَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرُبَّمَا لَحِقَهُ تَعَبٌ مِنْ ذَلِكَ فَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ يُطِيلُهُمَا كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ أَيْ الْقِيَامِ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ أَرْبَعٍ خِفَافٍ أَوْ مُتَوَسِّطَاتٍ وَكَمَا تَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَنَامَ حَتَّى أَصْبَحَ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ بِعَرَفَةَ مِنْ وُقُوفِهِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى بَعْدَ الْغُرُوبِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الدُّعَاءِ وَسَيْرِهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَصْرًا وَرَقَدَ بَقِيَّةَ لَيْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ يَقُومُ فِي اللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ وَلَكِنَّهُ أَرَاحَ نَفْسَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي عَرَفَةَ وَلِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ كَوْنِهِ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَذَهَبَ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرَجَعَ إلَى مِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .

{ السَّابِعَةُ } قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ شَيْئًا إذْ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ لَضُبِطَ كَمَا ضُبِطَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا وَكَمَا ضُبِطَتْ صَلَاتُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا أَيْ بَابُ حُكْمِ ذَلِكَ وَهُوَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا لِوُرُودِهِ وَالتَّرْكُ قَبْلَهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ فَيَكُونُ بِدْعَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ يَجِيئَانِ أَيْضًا فِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا وَاخْتَصَرَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى احْتِمَالٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فِي تَبْوِيبِهِ لِمَا حَكَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ كَوْنَ الْجُمُعَةِ لَهَا سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَبَالَغُوا فِي إنْكَارِهِ وَجَعَلُوهُ بِدْعَةً وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلْجُمُعَةِ إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهَا وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ انْقَطَعَتْ الصَّلَاةُ وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا وَجَعَلَهُ مِنْ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اسْتِحْبَابَ سُنَّةٍ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ لَهَا سُنَّةً قَبْلَهَا مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ إنَّهُ يُسَنُّ

قَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ وَالْمُؤَكَّدُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ .
وَنَقَلَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ وَآخَرِينَ اسْتِحْبَابَ أَرْبَعٍ قَبْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِرَكْعَتَيْنِ قَالَ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الظُّهْرِ وَيَسْتَأْنِسُ بِحَدِيثِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا } وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا { قُلْت } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ وَهُمْ ضُعَفَاءُ ، وَمُبَشِّرٌ وَضَّاعٌ صَاحِبُ أَبَاطِيلَ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ .
بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ مُوَثَّقٌ وَلَكِنَّهُ مُدَلِّسٌ وَحَجَّاجٌ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ وَعَطِيَّةَ مَشَّاهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ فِيهِ صَالِحٌ وَلَكِنْ ضَعَّفَهُمَا الْجُمْهُورُ انْتَهَى وَالْمَتْنُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْخُلَعِيِّ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلَيْت قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ قَالَ لَا ، قَالَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا } قَالَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْأَحْكَامِ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالُوا فَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ

الصَّلَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا لَيْسَتْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ لِمُجَرَّدِ هَذَا إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ تَقْتَرِبَ مِنِّي لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ إلَى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَكَيْفَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ السَّعْيُ إلَى مَكَانِ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ .
( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطَالَتِهِ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سُنَّةً لِلْجُمُعَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي انْتِظَارِهِ لِلصَّلَاةِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْفُوعِ مِنْهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَمَّا إطَالَةُ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَيُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَخْطُبُ انْتَهَى .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ } قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُتَعَذِّرًا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ

الْخُطْبَةُ فَلَا صَلَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا نَعَمْ بَعْدَ أَنْ جَدَّدَ عُثْمَانَ : الْأَذَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَكْعَتَيْنِ } وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا لَكِنْ يَضْعُفُ الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عُمُومٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَثَوْبَانَ { فِي صَلَاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ } وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّهَا سَاعَةٌ يُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ } وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ سُنَّةُ الزَّوَالِ فَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ { أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ } وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُ أَرْبَعٍ بَعْدَ الزَّوَالِ كُلَّ يَوْمٍ سَوَاءٌ فِيهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ انْتَهَى .
وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي اُسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا إنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ نَظَرٌ فَمَجْمُوعُهَا قَوِيٌّ يَضْعُفُ مَعَهُ إنْكَارُهَا وَأَقْوَى مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ فِي زَمَنِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ أَذَانٍ وَاحِدٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْأَذَانُ يَعْقُبُهُ الْخُطْبَةُ ثُمَّ الصَّلَاةُ فَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ

أَصْحَابِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ وَبَوَّبَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَأَوْرَدَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَهْجُرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَلَّى قَبْلَ الْجُمُعَةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا أَرْبَعًا .
وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .
وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْتِي الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي لَا أَعْلَمُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ إلَّا حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ { كَانَ يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا } وَرَوَى عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت أَتْقَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ قَامُوا فَصَلَّوْا أَرْبَعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ كُنَّا نَكُونُ مَعَ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ أَزَالَتْ الشَّمْسُ بَعْدُ ؟ أَوْ يَلْتَفِتُ فَيَنْظُرُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْأَرْبَعَ الَّتِي قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ انْتَهَى .
وَخَلَطَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ بِالصَّلَاةِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ وَوَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْهَامٌ عَدِيدَةٌ نَبَّهَ عَلَيْهَا وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَبَسَطَ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ هَذَا التَّخْلِيطُ لِابْنِ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا وَأَمَّا الصَّلَاةُ

قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ انْتَهَى وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ الَّتِي هِيَ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَسُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا اجْتِمَاعَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ وَقْتِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الثَّامِنَةُ } فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ بِأَثَرِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ وَوَجَّهَ ابْنُ بَطَّالٍ فِعْلَهُمَا فِي الْبَيْتِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَهَا صَلَاةً مِثْلَهَا خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا الَّتِي حُذِفَتْ مِنْهَا وَأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَمَّا زَالَ عَنْ مَوْطِنِ الْفَرْضِ صَلَّى فِي بَيْتِهِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ إذَا صَلَّيْت الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ { فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ } قُلْت وَهَذَا التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَتْ حِكَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ رَاتِبَةِ النَّهَارِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ لَمْ يَخُصَّ فِيهِ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ فَكُلُّ نَافِلَةٍ كَذَلِكَ فِي اسْتِحْبَابِ فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ وَبِتَقْدِيرِ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ فِي الْجُمُعَةِ لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ تَقِيَّةً يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ الْجُمُعَةَ وَإِنَّمَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَيَقُومُونَ إلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا لِيُتِمُّوا ظُهْرَهُمْ فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ مَوَّهُوا بِأَنَّهَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا نُجَيْدٍ مَا يَقُولُ النَّاسُ ؟ قَالَ وَمَا يَقُولُونَ قَالَ

يَقُولُونَ إنَّك تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إلَى الْجُمُعَةِ فَتَكُونُ أَرْبَعًا فَقَالَ لَأَنْ تَخْتَلِفَ النَّيَازِكُ بَيْنَ أَضْلَاعِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْمُقْبِلَةُ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ احْتَبَى فَلَمْ يُصَلِّ شَيْئًا حَتَّى أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنْ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مُقَامِهِ فَدَفَعَهُ وَقَالَ أَتُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا ؟ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى فِعْلِ التَّطَوُّعِ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ حَافِظُ الْحَنَفِيَّةِ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
{ التَّاسِعَةُ } قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ هُمَا الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَكَرَّرَ ابْنُ عُمَرَ ذِكْرَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي بَيْتِهِ قُلْت وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ رَاتِبَةَ النَّهَارِ تُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ الظُّهْرِ اسْمًا وَحُكْمًا وَصُورَةً لَا سِيَّمَا مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ لَمْ يُسْتَفَدْ حُكْمُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا وَقَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ .
{ الْعَاشِرَةُ } قَوْلُهُ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ فِيهِ رِوَايَةُ أَحَدِ الْأَخَوَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَرِوَايَةُ بَعْضِ الْأَقْرَانِ عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَحَفْصَةَ ابْنَيْ عُمَرَ صَحَابِيَّانِ فَاضِلَانِ مَعْرُوفَانِ وَهُمَا فَتَيَانِ مُسْتَحْسَنَانِ .

{ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ } قَوْلُهُ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ لَعَلَّهُ ضَمَّنَ سَكَتَ مَعْنَى فَرَغَ فَإِنَّهُ يُقَالُ سَكَتَ عَنْ كَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ } وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ سَكَتَ مِنْ كَذَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِالْأَذَانِ وَالْبَاءُ تَكُونُ بِمَعْنَى عَنْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } أَيْ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَا دَامَ يُؤَذَّنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ وَسَكَتَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ سَكَتَ بِالتَّاءِ ثَالِثِ الْحُرُوفِ وَرَوَاهُ سُوَيْد عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ سَكَبَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَكَتَ وَسَكَبَ بِمَعْنًى وَقَالَ غَيْرُهُ سَكَبَ يُرِيدُ أَذِنَ قَالَ وَالسَّكْبُ الصَّبُّ وَأَصْلُهُ فِي الْمَاءِ يُصَبُّ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَوْلِ اسْتِعَارَةً كَقَوْلِ الْقَائِلِ أَفْرَغَ فِي أُذُنِي كَلَامًا لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهُ انْتَهَى .
{ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ } قَدْ يُسْتَأْنَسُ بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ وَهَذَا الِاسْتِئْنَاسُ ضَعِيفٌ .
{ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ } قَوْلُهُ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ ظَهَرَ وَاسْتَبَانَ .

{ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ } فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلِذَلِكَ بَالَغَ بَعْضُ السَّلَفِ فَقَالَ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا شَيْئًا أَصْلًا وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْرَأُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِ { قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أَوْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا } وقَوْله تَعَالَى { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا } وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْته ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُنَا وَعَلَّلَ تَرْجِيحَ السُّورَةِ بِأَنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِسُورَةٍ وَلَمْ يَقَعْ بِآيَةٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ صَحِيحٌ بِالْقَطْعِ بِخِلَافِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ الْوَقْفُ فِيهِ فَيَقِفُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَذَهَبَ النَّخَعِيّ إلَى جَوَازِ إطَالَةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ أَنْ يَقْرَأَهُ فِيهِمَا وَإِنْ طَوَّلَ ، وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مِنْ مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ وَيُحْسِنُ فِيهِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ } وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَطْوِيلِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) اسْتِحْبَابُ التَّغْلِيسِ فِي الصُّبْحِ

وَاسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ فِي الظُّهْرِ ( وَالثَّانِي ) أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ تُفْعَلَانِ بَعْدَ طُولِ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ فَنَاسَبَ تَخْفِيفَهُمَا وَسُنَّةُ الظُّهْرِ لَيْسَ قَبْلَهَا إلَّا سُنَّةُ الضُّحَى وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُرِدْ تَطْوِيلَهَا فَهِيَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ رَاحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ } قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِفِعْلِ فَرْضِ الصُّبْحِ لِكَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيَّنَ بِفِعْلِهِ وَقْتَهُمَا فَلَا يُتَعَدَّى وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَصْحَابُنَا يَمْتَدُّ وَقْتُهُمَا إلَى خُرُوجِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَاتِبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ يَسْتَمِرُّ وَقْتُهَا بَعْدَ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ فِعْلَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ بَلْ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَجْهٌ عِنْدَنَا أَنَّ وَقْتَهُمَا يَمْتَدُّ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَجَوَابُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُمَا قَبْلَ الْفَرْضِ فِعْلٌ لِلْأَفْضَلِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ خُرُوجُ وَقْتِهِمَا بِفِعْلِ الْفَرْضِ وَالْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ } قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يُجِيزُ الْأَذَانَ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُؤَذِّنَ الثَّانِيَ وَلِأَنَّ حَدِيثَ { إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ } يَرْفَعُ الِاحْتِمَالَ مَعَ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهَا رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ قَوْلِ أَصْحَابِهِ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ حِينَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَنَاظَرَهُ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ

{ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ } ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ غَيْرَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا سَجْدَتَيْنِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ لِمَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ حَتَّى أَصْبَحَ أَوْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْفَجْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَثُرَ لِئَلَّا تُؤَخَّرَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَاَلَّذِي فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ تَعْلِيقُ النَّهْيِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ امْتِنَاعُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ .

{ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ } قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ النَّوَافِلُ تُفْعَلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَفِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَضْلُ النَّفْلِ مُقَدَّمًا عَلَى فَضْلِ الْفَرْضِ ؟ فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ .
( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ الثَّانِي أَنْ يُرِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَذِهِ بِقَدْرِ مَا يَنْتَظِرُهَا انْتَهَى وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ بَعِيدٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ } وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى { كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ } وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ { كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ } وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ { مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ } .
وَ ( الْجَوَابُ الثَّانِي ) أَقْرَبُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَذِهِ النَّوَافِلِ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ لِلْجَمَاعَةِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهَا إذَا لَمْ يَنْتَظِرْ جَمَاعَةً بِأَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ اجْتَمَعَ الْجَمَاعَةَ فَالْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الرَّوَاتِبَ مِنْ مُقَدَّمَاتِ الصَّلَاةِ وَسَوَابِقِهَا فَالِاشْتِغَالُ بِهَا لَا يُخْرِجُ الْفَرْضَ عَنْ كَوْنِهِ مَفْعُولًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ صَارَ هَذَا كَالِاشْتِغَالِ بِالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَإِزَالَةِ الْجُوعِ بِالْأَكْلِ وَإِزَالَةِ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَعِدُّ بِهِ لِلدُّخُولِ فِي الْفَرْضِ فَفِعْلُ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ الصَّلَاةَ عَنْ كَوْنِهَا مَفْعُولَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ فِي

سَبْقِ النَّافِلَةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ جَلْبُ الْخُشُوعِ إلَيْهَا وَجَبْرُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ نَقْصٍ فَهُوَ مِنْ هَيْئَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ } قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ لَمَا قُدِّمَ قَبْلَ الْمُخَاطَبَةِ بِالصَّلَاةِ شَيْءٌ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ اتِّسَاعَ الْوَقْتِ وَامْتِدَادَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْخِلَافُ فِي دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْفَوْرِ مَعْرُوفٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

{ الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ } اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ تَكُونَ مَثْنَى أَيْ يُسَلِّمُ مِنْ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ النَّوَافِلَ بَعْضُهَا لَيْلِيَّةٌ وَبَعْضُهَا نَهَارِيَّةٌ وَكُلُّهَا رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَفْضَلُ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَقَالَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
{ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ } أَوْرَدَ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيَّ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْعُمْدَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَلَيْسَ يَظْهَرُ لَهُ مُنَاسَبَةٌ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ قَوِيَّةً فَإِنَّ الْمَعِيَّةَ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنْ الْمَعِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا انْتَهَى .
وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ قَوْلُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ إذْ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْمَعِيَّةُ الَّتِي فِيهِ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : { أَحَدُهَا } أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَعِيَّةُ فِي جَمَاعَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ بَعِيدٌ .
( وَالثَّانِي

) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعِيَّةُ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مُنْفَرِدِينَ .
( وَالثَّالِثُ ) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعِيَّةُ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ زَمَانُ الْفِعْلِ وَمَكَانُهُ وَلَعَلَّ هَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ } وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ تَقْدِيمُ الِاضْطِجَاعِ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ .

{ الْحَدِيثُ الثَّانِي } عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) قَوْلُهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ الظَّاهِرُ فِي ( مِنْ ) أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ اللَّيْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَيْ يُصَلِّي فِي بَعْضِ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً .
{ الثَّانِيَةُ } فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْصُورٌ وَلَكِنْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ { قِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ } وَحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ { بِإِحْدَى عَشْرَةَ مِنْهُنَّ الْوِتْرُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا جَاءَ الْمُؤَذِّنُ } وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا { ثَلَاثَ عَشْرَةَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } وَعَنْهَا { كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَرْبَعًا وَأَرْبَعًا وَثَلَاثًا } وَعَنْهَا { كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثَمَانِيًا ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } وَقَدْ فَسَّرَتْهَا فِي الْحَدِيثِ { مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ } وَعَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ سَبْعٌ وَتِسْعٌ } .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { إنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةَ الْفَجْرِ } وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ طَوِيلَتَيْنِ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ { فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ } قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إخْبَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ وَعَائِشَةَ بِمَا شَاهَدَ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَقِيلَ هُوَ مِنْهَا وَقِيلَ هُوَ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ إخْبَارَهَا بِإِحْدَى عَشْرَةَ هُوَ الْأَغْلَبُ وَبَاقِي رِوَايَتِهَا إخْبَارٌ مِنْهَا بِمَا كَانَ يَقَعُ نَادِرًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَأَكْثَرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَقَلُّهُ سَبْعٌ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِطُولِ الْقِرَاءَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ لِنَوْمٍ أَوْ عُذْرٍ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ كِبَرِ السِّنِّ كَمَا قَالَتْ { فَلَمَّا أَسَنَّ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ } أَوْ تَارَةً تَعُدُّ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ فِي أَوَّلِ قِيَامِ اللَّيْلِ كَمَا رَوَاهَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَرَوَتْهَا عَائِشَةُ أَيْضًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَتَعُدُّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ تَارَةً وَتَحْذِفُهُمَا أُخْرَى أَوْ تَعُدُّ أَحَدَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ عَدَّتْ رَاتِبَةَ الْعِشَاءِ مَعَ ذَلِكَ تَارَةً وَحَذَفَتْهَا أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنْ الطَّاعَاتِ الَّتِي كُلَّمَا زَادَ فِيهَا زَادَ الْأَجْرُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ ( قُلْت ) لَكِنْ إذَا قُلْنَا إنَّ الْوِتْرَ هُوَ التَّهَجُّدُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوِتْرَ أَكْثَرُهُ مَعْلُومًا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَكْثَرِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ إحْدَى عَشْرَةَ

رَكْعَةً وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ التَّهَجُّدِ .
( الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهُ { فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ } كَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْجِيمِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ { فَلَمَّا شَقَّ الْفَجْرُ أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ } قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ شَقَّ الْفَجْرُ وَانْشَقَّ إذَا طَلَعَ كَأَنَّهُ شَقَّ مَوْضِعَ طُلُوعِهِ وَخَرَجَ مِنْهُ انْتَهَى وَالْفَجْرُ ضَوْءُ الصُّبْحِ وَهُوَ حُمْرَةُ الشَّمْسِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ كَالشَّفَقِ فِي أَوَّلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْفُجُورُ الْعِصْيَانُ وَأَصْلُهُ الِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي وَالِانْهِمَاكُ كَانْفِجَارِ الْمَاءِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَجْرُ لِانْبِعَاثِ النُّورِ فِي سَوَادِ الظُّلْمَةِ .

.
( الرَّابِعَةُ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ .
( الْخَامِسَةُ ) قَوْلُهُ { ثُمَّ اتَّكَأَ } مَهْمُوزٌ أَيْ اضْطَجَعَ وَالتَّاءُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ { وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى سَرِيرٍ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ فِي جَنْبِهِ } وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لِذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا آكُلُ مُتَّكِئًا } وَقَالَ الْمُتَّكِئُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كُلُّ مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا عَلَى وِطَاءٍ مُتَمَكِّنًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ { هَذَا الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ الْمُرْتَفِقُ } يُرِيدُ الْجَالِسَ الْمُتَمَكِّنَ فِي جُلُوسِهِ قَالَ وَالْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ الْمُتَّكِئَ إلَّا مَنْ مَالَ فِي قُعُودِهِ مُعْتَمَدًا عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ انْتَهَى .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاتِّكَاءِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَفْسِيرَ الْمُتَّكِئِ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَلَمْ أَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ تَفْسِيرَ الِاتِّكَاءِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا فَسَّرُوا الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ { عَلَى شِقِّهِ } بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ جَنْبِهِ وَالشِّقُّ نِصْفُ الشَّيْءِ .
( السَّادِسَةُ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِعْلَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ حَكَاهُ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ وَأَبُو بَكْرِ

بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ أَفْصِلُ بِضُجَعَةٍ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُجُوبُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا رَوَى الْأَمْرَ بِهَا قَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ لَا مَعْرِفَةَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهَا وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا رَآهُ يَفْعَلُهَا عَائِشَةُ وَلَمْ يَرَهُ غَيْرُهَا وَلَوْ رَآهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاطِنَ مَا اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً قُلْت مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد سَاكِتًا عَلَيْهِ وَالتِّرْمِذِيُّ مُصَحِّحًا لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ } .
وَزَادَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا غُلُوٌّ فَاحِشٌ وَهَبْهُ تَرَكَ فَرِيضَةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ هَلْ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بَلْ نَفْسُ الصَّلَوَاتِ قَدْ رَتَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْقَاتِهَا وَعِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ إنَّهُ إذَا تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَصَلَّى الْحَاضِرَةَ صَحَّتْ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَكَذَا يَصِحُّ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْمَقْضِيَّةِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي صِحَّتِهَا مَنْ يَرَى إعَادَةَ

الْفَائِتَةِ الْمَتْرُوكَةِ عَمْدًا وَيَرَى وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَلَوْ قَالَ إنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ الْحَاضِرَةُ وَقَدْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي قَبْلَهَا عَمْدًا لَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ عَلَى اضْطِجَاعٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الْقُرْبَةُ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَأَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَلَقَةُ الصِّيَامِ بِالصِّيَامِ أَمَسُّ مِنْ عَلَقَةِ الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ صِيَامَ رَمَضَانَ جُمْلَةً فِي سَنَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ الْمُتَقَدِّمَ قَبْلَ إيجَابِ صَوْمِ رَمَضَانَ الَّذِي يَلِيهِ وَأَيْضًا فَقَدْ { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّسَحُّرِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ تَسَحَّرُوا } .
فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ مَنْ تَرَكَ التَّسَحُّرَ عَمْدًا أَوْ نَسِيَانَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَالسُّحُورُ أَعْلَقُ بِالصَّوْمِ مِنْ الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَأَيْضًا فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ عَمَّا أَوْرَدْنَا عَلَيْهِ فِي السُّحُورِ بِأَنْ قَالَ لَا يَضُرُّ الصَّوْمَ تَعَمُّدُ تَرْكِ السُّحُورِ لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامُ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ وَلَا يَبْطُلُ عَمَلٌ بِتَرْكِ عَمَلٍ غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفَ عِنْدَهُ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلِ اللَّيْلِ وَكَيْفَ يَقُولُ فِي تَرْكِ صَلَاةٍ مِنْ النَّهَارِ بِصِحَّةِ مَا بَعْدَهَا مِنْ النَّهَارِ أَيْضًا وَهَلْ وَرَدَ نَصٌّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ

تَرْكَ الضَّجْعَةِ أَوْ نَسِيَهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ ؟ هَذَا مَا لَا يُوجَدُ أَصْلًا وَهَذَا مِنْ أَسْوَأِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَارَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الضَّجْعَةِ وَعَدَّهَا مِنْ الْبِدَعِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْعَلُهَا وَقَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ وَقَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْهَا تَلَعَّبَ بِكُمْ الشَّيْطَانُ وَقَالَ لَمَّا رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُهَا احْصِبُوهُ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَا هَذَا التَّمَرُّغُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَتَمَرُّغِ الْحِمَارِ إذَا سَلَّمَ فَقَدْ فَصَلَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا وَقَالَ هِيَ ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ إذَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَمَرَّغُ يَكْفِيهِ التَّسْلِيمُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ النَّهْيُ عَنْهَا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ احْتَبَى .
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنْكَارَ الضَّجْعَةِ أَيْضًا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِالضَّجْعَةِ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَلَوْ قَصَدَ الْفَصْلَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ فَصَلَهَا صُورَةً وَوَضْعًا وَوَصْفًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْأَثْرَمُ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ مَا أَفْعَلُهُ أَنَا فَإِنْ فَعَلَهُ رَجُلٌ ثُمَّ سَكَتَ كَأَنَّهُ لَمْ يَعِبْهُ قِيلَ لَهُ لِمَ لَمْ تَأْخُذْ بِهِ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ أَنْ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِهِ وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّ

ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْكَرَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ خَالَفَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ انْتَهَى فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : وَهِيَ الِاسْتِحْبَابُ وَالْوُجُوبُ وَالْكَرَاهَةُ وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ اللَّيْلَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ وَلَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعَ اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَضْطَجِعُ بِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ } .
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ إمَّا بِاضْطِجَاعٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ ثُمَّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَصْلُ بِالِاضْطِجَاعِ أَوْ التَّحَدُّثِ أَوْ التَّحْوِيلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَالِاضْطِجَاعُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ { فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي ، وَإِلَّا اضْطَجَعَ } .
وَأَجَابَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ فِعْلِهَا بِجَوَابَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) إنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ

خَفِيفَتَيْنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ إذَا اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ وَالْحَدِيثُ مَخْرَجُهُ وَاحِدٌ فَإِذَا تَرَجَّحَ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبْلَهُمَا وَأَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا مَرْجُوحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا إنَّهُ سُنَّةٌ فَكَذَا بَعْدَهُمَا قَالَ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ سُنَّةٌ وَجَوَابُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ .
: ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ فِي هَذَا هِيَ الْمَرْجُوحَةُ فَإِنَّ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّمَا ذَكَرُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَكَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ شَاذَّةً لِمُخَالَفَتِهَا لِأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيق مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقِيمُ عُرْوَةَ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بِإِثْبَاتِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ كَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ أَنْكَرُوا عَلَى مَالِكٍ رِوَايَتَهُ الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ كُلُّهُمْ فَجَعَلُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَا بَعْدَ الْوِتْرِ .
( ثَانِيهِمَا ) بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ رِوَايَةِ مَالِكٍ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَضْطَجِعُ

مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْوِتْرِ لِلِاسْتِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِلنَّشَاطِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَالتَّطْوِيلِ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اضْطِجَاعُهُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا .
( الْجَوَابُ الثَّانِي ) مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُنْكِرِينَ أَنَّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ فِعْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْجِبِلِّيَّةِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَإِجْمَامِ الْبَدَنِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ خَاصَّةً وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ { فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ } قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً وَأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَتَارَةً بَعْدُ وَتَارَةً لَا يَضْطَجِعُ انْتَهَى .
وَجَوَابُ هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهَا لِلْقُرْبَةِ وَالتَّشْرِيعِ لَا سِيَّمَا مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ بَلْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَكَوْنُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ تَارَةً يُحَدِّثُ عَائِشَةَ وَتَارَةً يَضْطَجِعُ وَأَخْذُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْفَصْلُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ مُسْتَحَبًّا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُخَيَّرَ كَالْمُسْتَحَبِّ الْمُعَيَّنِ فِي الْحُكْمِ عَلَى كُلٍّ مِنْ خِصَالِهِ بِالِاسْتِحْبَابِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كُلٌّ مِنْ خِصَالِهِ وَاجِبَةٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّحْدِيثِ وَالِاضْطِجَاعِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّصْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُحَدِّثُنِي حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ } وَقَدْ أَوَّلَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ } عَلَى مَعْنَيَيْنِ .
( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَضْطَجِعُ يَسِيرًا وَيُحَدِّثُهَا وَإِلَّا فَيَضْطَجِعُ كَثِيرًا .
( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْقَلِيلَةِ يَتْرُكُ الِاضْطِجَاعَ بَيَانًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا كَانَ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنْ الْمُخْتَارَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَنَظَائِرُهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ وَتَرْكُهُ سَوَاءً قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَاتِ عَائِشَةَ السَّابِقَةِ أَيْ فِي الْجَزْمِ بِاضْطِجَاعِهِ بَعْدَهُمَا وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ بِالْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِيهِ بُعْدٌ ، وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي أَقْرَبُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الِاضْطِجَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ { فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ } لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاضْطِجَاعَ رَأْسًا لَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَ الْوِتْرِ وَفِي حَدِيثِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ذَكَرَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ الْوِتْرِ وَفِيهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى

الصُّبْحَ لَمْ يَذْكُرْ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَجَابَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ الْأَمْرِ بِهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ بِجَوَابَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَضَعَّفَهُ مِنْ أَوْجُهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ خَاصَّةً أَيْضًا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ مَا رَأَيْته يَطْلُبُ حَدِيثًا بِالْبَصْرَةِ وَلَا بِالْكُوفَةِ قَطُّ وَكُنْت أَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ حَدِيثَ الْأَعْمَشِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَمَدَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إلَى أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا بِقَوْلِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ فِي كَذَا وَكَذَا وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ( ثَانِيهِمَا ) إنَّهُ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ ، ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَثْرَمِ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ قَالَ فَقُلْت لَهُ حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا ( ثَالِثُهَا ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو صَالِحٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَبَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ كَلَامٌ ( رَابِعُهَا ) أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْمَتْنَ الْمَذْكُورَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا مِنْ قَوْلِهِ فَرَجَعَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَى مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ } وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ

وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ } قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ضَعْفَهُ فَإِنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى تَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سُكُوتِ أَبِي دَاوُد عَلَيْهِ وَتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ وَأَمَّا الْإِرْسَالُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْوَصْلِ فَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُ الْوَصْلِ عَلَى الْإِرْسَالِ وَكَوْنُهُ رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ وَيَكُونُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَانِ رَوَاهُمَا عَنْهُ أَبُو صَالِحٍ .
( أَحَدُهُمَا ) وَهُوَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ .
( وَالْآخَرُ ) وَهُوَ فِعْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَلَعَلَّ أَبَا صَالِحٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَيْنِ فَرَوَى لِكُلٍّ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدَهُمَا أَوْ رَوَى لِلْكُلِّ الْأَمْرَيْنِ مَعًا لَكِنْ رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مَا حَفِظَهُ مَعَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفِعْلِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا صَحِيحَةٌ بِلَا شَكٍّ وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالْجَوَابُ الثَّانِي ) مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُنْكِرِينَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِرْشَادِ إلَى الرَّاحَةِ وَالتَّنَشُّطِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ وَأَوَامِرُ الشَّارِعِ مَحْمُولَةٌ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ

الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْبَدَنِيَّةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ بِالِاضْطِجَاعِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَهَا فَلَا يُخَالِفُ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهَا أَنْ لَا يَضْطَجِعَ بَعْدَهَا وَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَوْ ثَبَتَ التَّرْكُ وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا مَعَ رِوَايَاتِ الْفِعْلِ الْمُوَافِقَةِ لِلْأَمْرِ بِهِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَجُزْ رَدُّ بَعْضِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ بِطَرِيقِينَ أَشَرْنَا إلَيْهِمَا .
( أَحَدُهُمَا ) إنَّهُ اضْطَجَعَ قَبْلُ وَبَعْدُ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .

( السَّابِعَةُ ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ } انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ { فِي بَيْتِهِ } لَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ سِيَاقَ حَدِيثِهَا دَالٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي اللَّيْلِ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ وَلَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ إلَى أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُمَا فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلِاسْتِرَاحَةِ بِخِلَافِ الِاضْطِجَاعِ فِي الْمَسْجِدِ خُصُوصًا مَعَ تَرْصِيصِ الصُّفُوفِ لِلصَّلَاةِ فَرُبَّمَا اُسْتُقْبِحَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حَصَبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يُنْكِرُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِعْلَهُ لِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَذْكُرُ هَذَا فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَوْ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَفْعَلُهُ لَوْ ثَبَتَ وَلَوْ عَرَفَ أَنَّ الَّذِينَ فَعَلُوهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِمْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ يُنْقَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ فِيمَا عَلِمْت إنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى .
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ

عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عُرْوَةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَسَّ جَنْبَهُ الْأَرْضَ ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَعَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ .

( الثَّامِنَةُ ) فِيهِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ الْمُسْتَحَبَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَكُونُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَلْ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَمَّا مَعَ الْقُدْرَةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ وَالِدِي فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَمْرِ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ فِي الرَّوْضَةِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الِاضْطِجَاعَ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ حُصُولَ السُّنَّةِ بِالْأَمْرَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ ذُهُولٌ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ يَرَى أَنَّ الْأَيْسَرَ غَيْرُ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ أَوْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ فَالظَّاهِرُ الِانْتِقَالُ لِلْأَيْسَرِ وَهُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الِاضْطِجَاعِ لِلشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَلَا يَضْطَجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ انْتَهَى .

( التَّاسِعَةُ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ وَالنَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ فَيَقْلَقُ حِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَغْرِقُ وَإِذَا نَامَ عَلَى الْيَسَارِ كَانَ فِي دَعَةٍ وَرَاحَةٍ فَيَسْتَغْرِقُ انْتَهَى قُلْت وَقَدْ اعْتَدْت النَّوْمَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فَصِرْت إذَا فَعَلْت ذَلِكَ كُنْت فِي دَعَةٍ وَرَاحَةٍ وَاسْتِغْرَاقٍ وَإِذَا نِمْت عَلَى الشِّقِّ الْأَيْسَرِ حَصَلَ عِنْدِي قَلَقٌ لِذَلِكَ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقٍ فِي النَّوْمِ فَلَعَلَّ تَعْلِيلَ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْمَنِ تَشْرِيفُهُ وَتَكْرِيمُهُ وَإِيثَارُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْعَاشِرَةُ ) قَوْلُهَا حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ دَلِيلٌ عَلَى اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ .
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهَا يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ ، فِيهِ جَوَازُ إعْلَامِ الْمُؤَذِّنِ الْإِمَامَ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا وَاسْتِدْعَائِهِ لَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ .

صَلَاةُ الضُّحَى عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ } قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَقَدْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ قَالَتْ وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ } لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ فِيهِ قَالَتْ { وَكَانَ يُحِبُّ } ، وَلِمُسْلِمٍ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ } وَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ { قُلْت لِعَائِشَةَ هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَتْ لَا ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ } .

( صَلَاةُ الضُّحَى ) ( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ } قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَقَدْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ } قَالَتْ { وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ } لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ فِيهِ قَالَتْ ، { وَكَانَ يُحِبُّ } .
( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِدُونِ قَوْلِهَا { وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ } وَبِزِيَادَةِ { وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا } مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ { مَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا } مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِيهِ { وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهُ } .
( الثَّانِيَةُ ) التَّسْبِيحُ فِي الْأَصْلِ التَّنْزِيهُ وَالتَّقْدِيسُ وَالتَّبْرِئَةُ مِنْ النَّقَائِصِ وَمِنْهُ قَوْلُنَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ مَجَازًا كَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ يُقَالُ لَهَا تَسْبِيحٌ وَسُبْحَةٌ وَالسُّبْحَةُ مِنْ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنْ التَّسْخِيرِ وَتَسْمِيَةُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِذَلِكَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ النَّافِلَةُ بِالسُّبْحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْأَذْكَارِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ انْتَهَى .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اخْتِصَاصِ

النَّافِلَةِ بِالسُّبْحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَزِمَتْ السُّبْحَةُ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي الْأَغْلَبِ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَغْلَبِ إلَى اسْتِعْمَالِهَا فِي الْفَرِيضَةِ نَادِرًا وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ فِي قَوْله تَعَالَى { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } الْآيَةَ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَاَلَّتِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ الْعِشَاءُ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ الْمَغْرِبُ وَالظُّهْرُ انْتَهَى .
وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ سَبِّحْ فِي الْفَرِيضَةِ اسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّسْبِيحُ وَاسْمُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ السُّبْحَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّالِثَةُ ) سُبْحَةُ الضُّحَى صَلَاةُ الضُّحَى وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَهُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالضُّحَى بِضَمِّ الضَّادِ مَقْصُورٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ بَعْدَهُ الضُّحَى وَهُوَ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ مَقْصُورَةٌ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ فَمَنْ أَنَّثَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا جَمْعُ ضَحْوَةٍ وَمَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ عَلَى فِعْلٍ مِثْلُ صُرَدٍ وَنُغَرٍ ، ثُمَّ بَعْدَهُ الضَّحَاءُ مَمْدُودٌ مُذَكَّرٌ وَهُوَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ الْأَعْلَى وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الضَّحْوُ وَالضَّحْوَةُ وَالضَّحِيَّةُ عَلَى مِثَالِ الْعَشِيَّةِ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَالضُّحَى فُوَيْقُ ذَلِكَ أُنْثَى وَتَصْغِيرُهَا بِغَيْرِ هَاءٍ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِتَصْغِيرِ ضَحْوَةٍ وَالضَّحَاءُ إذَا امْتَدَّ النَّهَارُ وَقَرُبَ أَنْ يَنْتَصِفَ وَقِيلَ الضُّحَى مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَرْتَفِعَ النَّهَارُ وَتَبْيَضَّ الشَّمْسُ جِدًّا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّحَاءُ إلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ

الضَّحْوَةُ ارْتِفَاعُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَالضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ فَوْقَهُ وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةَ الضُّحَى وَالضَّحَاءِ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ إذَا عَلَتْ الشَّمْسُ إلَى رُبْعِ السَّمَاءِ فَمَا بَعْدَهُ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الضَّحَاءُ بِفَتْحِ الضَّادِ مَمْدُودٌ وَالضُّحَى بِالضَّمِّ مَقْصُورٌ قِيلَ هُمَا بِمَعْنًى ، وَإِضْحَاءُ النَّهَارِ ضَوْءُهُ وَقِيلَ الْمَقْصُورُ الْمَضْمُومُ هُوَ أَوَّلُ ارْتِفَاعِهَا وَالْمَمْدُودُ حِينَ حَرِّهَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَقِيلَ الْمَقْصُورُ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَالْمَمْدُودُ إذَا ارْتَفَعَتْ وَقِيلَ الضَّحْوُ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَالضُّحَى فَوْقَ ذَلِكَ وَالضَّحَاءُ إذَا امْتَدَّ النَّهَارُ انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الضُّحَى مَقْصُورٌ مَضْمُومُ الضَّادِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَالضَّحَاءُ مَمْدُودٌ مَفْتُوحُ الضَّادِ إشْرَاقُهَا وَضِيَاؤُهَا وَبَيَاضُهَا .
( الرَّابِعَةُ ) قَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ } ، مُعَارَضٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى الضُّحَى وَأَوْصَى بِهَا } وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَلَكِنَّ الَّذِي يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ { قُلْت لِعَائِشَةَ هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَتْ لَا إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ } .
وَعَنْ مُعَاذَةَ { أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ كَمْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ } وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَوْجُهٌ : ( أَحَدُهَا ) تَضْعِيفُ الرِّوَايَةِ عَنْهَا بِنَفْيِ صَلَاةِ الضُّحَى وَتَوْهِيمُ رَاوِيهَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَلَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى وَهْمِ

الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسَبِّحْ سُبْحَةَ الضُّحَى } إلَّا هَذِهِ الْأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا فَكَيْفَ وَفِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ مَغِيبِهِ انْتَهَى وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ حَدِيثَ النَّفْيِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرِوَايَةِ أَعْلَامٍ حُفَّاظٍ لَا يَتَطَرَّقُ احْتِمَالُ الْخَلَلِ إلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( ثَانِيهَا ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا رَأَيْته دَاوَمَ عَلَى سُبْحَةِ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا أَيْ أُدَاوِمُ عَلَيْهَا وَكَذَا قَوْلُهَا وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا تَعْنِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ وَقَالَ فِي هَذَا إثْبَاتُ فِعْلِهَا إذَا جَاءَ مِنْ مَغِيبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ مُعَاذَةَ وَقَالَ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ قَالَ وَقَدْ بَيَّنَتْ الْعِلَّةَ فِي تَرْكِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا { وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ } انْتَهَى وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا وَكَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيَتْرُكُهَا فِي بَعْضِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : حَمْلُهُ عَلَى إرَادَةِ عَدَمِ الْمُدَاوَمَةِ فِيهِ بُعْدٌ ، وَقَدْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَلَمْ يَرْتَضِهِ .
( ثَالِثُهَا ) أَنَّ قَوْلَهَا { مَا سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى } أَيْ مَا رَأَيْته يُسَبِّحُهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الَّتِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقَوْلُهَا { إنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ

وَأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا إذَا جَاءَ مِنْ مَغِيبِهِ } عَلِمَتْهُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهَا لَهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي وَقْتِ الضُّحَى إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ فَيَصِحُّ قَوْلُهَا مَا رَأَيْته يُصَلِّيهَا وَتَكُونُ قَدْ عَلِمَتْ بِخَبَرِهِ أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا انْتَهَى .
وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ فَكَيْفَ تَنْفِي صَلَاتَهُ لِلضُّحَى وَتُرِيدُ نَفْيَ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ مَعَ أَنَّ عِنْدَهَا عِلْمًا مُسْتَنِدًا لِغَيْرِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا ؟ وَهَلْ يَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا لِأَمَانَةِ الشَّرِيعَةِ وَإِذَا كَانَتْ مَا كَتَمَتْ فِعْلَهَا وَعَقَّبَتْ النَّفْيَ بِقَوْلِهَا { وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا } مَعَ كَوْنِ فِعْلِهَا لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ أَمَانَةً يَجِبُ أَدَاؤُهَا فَكَيْف تَكْتُمُ مَا عِنْدَهَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهَا ثُبُوتًا صَحِيحًا جَزَمَتْ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَتَأْتِي بِلَفْظٍ يُوهِمُ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ ؟ إنَّ ذَلِكَ لَبَعِيدٌ مِنْ فِعْلِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
( رَابِعُهَا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْجَوَابَ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيْهَا أَنْ تَكُونَ إنَّمَا أَنْكَرَتْ صَلَاةَ الضُّحَى الْمَعْهُودَةَ حِينَئِذٍ عِنْدَ النَّاسِ عَلَى الَّذِي اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْ صَلَاتِهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ وَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا كَمَا قَالَتْ ثُمَّ يَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّيهَا وَتَقُولُ لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهُمَا .
( خَامِسُهَا ) أَنَّهَا أَرَادَتْ نَفْيَ إعْلَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا قَالَ

ابْنُ بَطَّالٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا سَبَقَ عَنْ الطَّبَرِيِّ فِي التَّضْعِيفِ وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْمَلُ قَوْلُهَا { مَا رَأَيْته يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى } يَعْنِي مُوَاظِبًا عَلَيْهَا وَمُعْلِنًا بِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُغْلِقُ عَلَى نَفْسِهَا بَابًا ثُمَّ تُصَلِّي الضُّحَى وَقَالَ مَسْرُوقٌ كُنَّا نَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَنَبْقَى بَعْدَ قِيَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ نَقُومُ فَنُصَلِّي الضُّحَى فَبَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَلِكَ فَقَالَ لِمَ تُحَمِّلُوا عِبَادَ اللَّهِ مَا لَمْ يُحَمِّلْهُمْ اللَّهُ إنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَفِي بُيُوتِكُمْ .
وَكَانَ أَبُو مِجْلَزٍ يُصَلِّي الضُّحَى فِي مَنْزِلِهِ وَكَانَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الِاسْتِتَارُ بِهَا وَتَرْكُ إظْهَارِهَا لِلْعَامَّةِ لِئَلَّا يَرَوْهَا وَاجِبَةً انْتَهَى .
( سَادِسُهَا ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَنْكَرَتْ وَنَفَتْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ اجْتِمَاعَ النَّاسِ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَهَا كَذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ إنَّهُ بِدْعَةٌ انْتَهَى وَحَاصِلُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ تَضْعِيفُ النَّفْيِ أَوْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ أَوْ عَلَى رُؤْيَتِهَا أَوْ عَلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَوْ عَلَى إعْلَانِهَا أَوْ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِيهَا .
( الْخَامِسَةُ ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الضُّحَى وَعَدَّهَا بِدْعَةً وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ قَالَ : " قُلْت لِابْنِ عُمَرَ تُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَ لَا قُلْت فَعُمَرُ قَالَ لَا قُلْت فَأَبُو بَكْرٍ قَالَ لَا قُلْت فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا إخَالُهُ " وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَا صَلَّيْت الضُّحَى مُنْذُ أَسْلَمْت إلَّا أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى فَقَالَ وَلِلضُّحَى صَلَاةٌ ، ، وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ .
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ لَمْ يُخْبِرْنِي أَحَدٌ مِنْ

النَّاسِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ مَسْعُودٍ يُصَلِّي الضُّحَى وَعَنْ عَلْقَمَةَ إنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى .
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى فَقَالَ الصَّلَوَاتُ خَمْسٌ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الضُّحَى وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا يَغُوصُ عَلَيْهَا الْأَغْوَاصَ ثُمَّ قَرَأَ { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهِيَ كَانَتْ صَلَاةَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ دَاوُد { إنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ } فَأَبْقَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ الْعَصْرَ صَلَاةَ الْعَشِيِّ وَنَسَخَ صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِعْلَ صَلَاةِ الضُّحَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّهُ قَالَ فِي الضُّحَى هِيَ بِدْعَةٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّظَاهُرَ بِهَا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ أَصْلَهَا فِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا مَذْمُومٌ أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ بِدْعَةٌ أَيْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ وَهَذَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُ الْمُحَافَظَةِ فِي حَقِّنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ أَوْ يُقَالُ إنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الضُّحَى وَأَمْرُهُ بِهَا وَكَيْفَ كَانَ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الضُّحَى وَإِنَّمَا نُقِلَ التَّوَقُّفُ فِيهَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ انْتَهَى .
( السَّادِسَةُ ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ عَدَّ صَلَاةَ الضُّحَى بِدْعَةً لَا يَرَاهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ مَحْمُودَةٌ فَإِنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَلَيْسَ فِيهَا ابْتِدَاعُ أَمْرٍ يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ وَلِذَلِكَ عَقَّبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا النَّفْيَ بِقَوْلِهَا وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ بِدْعَةٌ وَنِعْمَتْ الْبِدْعَةُ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّيهَا وَإِذَا رَآهُمْ يُصَلُّونَهَا قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا أَحْدَثُوا سُبْحَتَهُمْ هَذِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ سُنَّةٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ مِنْ عُمُومَاتِ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فَتَوَقَّفَ هَذَا الْقَائِلُ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ هَذَا الِاسْمِ الْخَاصِّ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( السَّابِعَةُ ) إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى فَهَلْ الْأَفْضَلُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا أَوْ فِعْلُهَا فِي وَقْتٍ وَتَرَكَهَا فِي وَقْتٍ ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدْعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةُ الضُّحَى وَنَوْمٌ عَلَى وِتْرٍ } .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ } وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتْرُكُ صَلَاةَ الضُّحَى فِي سَفَرٍ وَلَا غَيْرِهِ } وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى الثَّانِي حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ بِالْأَوَّلِ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الضُّحَى فَقَالَ كَانَ يُصَلِّيهَا الْيَوْمَ وَيَدَعُهَا الْعَشْرَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَانُوا يُصَلُّونَ الضُّحَى وَيَدَعُونَ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُدِيمُوهَا مِثْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الضُّحَى إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ } { وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى إلَّا أُمُّ هَانِئٍ } وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ {

كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يَدَعُهَا وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعَ أَنَّ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ } وَقَدْ أُمِنَ هَذَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِاسْتِقْرَارِ الشَّرَائِعِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الزِّيَادَةِ فِيهَا وَالنَّقْصِ مِنْهَا فَيَنْبَغِي الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اشْتَهَرَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثُمَّ قَطَعَهَا يَحْصُلُ لَهُ عَمًى فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يُصَلُّونَهَا خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِهَذَا أَصْلٌ أَلْبَتَّةَ لَا مِنْ السُّنَّةِ وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ لِكَيْ يَتْرُكُوا صَلَاةَ الضُّحَى دَائِمًا لِيَفُوتَهُمْ بِذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَنَّهُمَا تَقُومَانِ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ انْتَهَى .
( الثَّامِنَةُ ) قَوْلُهَا { وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا } كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ التَّسْبِيحِ أَيْ لَأَفْعَلُهَا وَفِي الْمُوَطَّإِ لَأَسْتَحِبُّهَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّيهَا .

( التَّاسِعَةُ ) قَوْلُهَا لَقَدْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ } قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ مَعْنَاهُ يَظُنُّونَهُ فَرْضًا لِلْمُدَاوَمَةِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَظُنُّهُ لِذَلِكَ كَمَا إذَا ظَنَّ الْمُجْتَهِدُ حِلَّ شَيْءٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَقِيلَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقُرَبِ وَاقْتَدَى النَّاسُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ { لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ } وَفِي رِوَايَةٍ { وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجَزُوا عَنْهَا } قُلْت الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ بِعِيدَانِ وَالظَّاهِرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ النَّاسَ يَسْتَحِلُّونَ مُتَابَعَتَهُ وَيَسْتَعْذِبُونَهَا وَيَسْتَسْهِلُونَ الصَّعْبَ فِيهَا فَإِذَا فَعَلَ أَمْرًا سَهُلَ عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ لِمُتَابَعَتِهِ فَقَدْ يُوجِبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا تُوُفِّيَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زَالَ عَنْهُمْ ذَلِكَ النَّشَاطُ وَحَصَلَ لَهُمْ الْفُتُورُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا اسْتَسْهَلُوهُ لَا أَنَّهُ يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ وَلَا بُدَّ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي وَغَايَتُهُ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُرْتَقَبًا مُتَوَقَّعًا قَدْ يَقَعُ وَقَدْ لَا يَقَعُ وَاحْتِمَالُ وُقُوعِهِ هُوَ الَّذِي مَنَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ تَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ عَمَلٍ وَنَظَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْعَاشِرَةُ ) وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَتَانِ قَدَّمَ أَهَمَّهُمَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُحِبُّ صَلَاةَ الضُّحَى وَيَفْعَلُهَا أَحْيَانًا وَلَكِنْ لَمَّا عَارَضَهُ خَوْفُ افْتِرَاضِهَا عَلَى النَّاسِ تَرَكَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يَخْشَاهَا مِنْ تَرْكِهِمْ لِلْفَرْضِ عِنْدَ عَجْزِهِمْ .
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَرَأْفَتِهِ بِأَمَتِهِ وَفِي التَّنْزِيلِ { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }

وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَثُمِائَةِ مَفْصِلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا صَدَقَةً قَالُوا فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا أَوْ الشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَيْ الضُّحَى تُجْزِئُ عَنْكَ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ هَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ مَرْوَ وَالْبَصْرَةِ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ أَهْلِ مَرْوَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ هَذَا وَبِحَدِيثِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ { يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى } .

( الْحَدِيثُ الثَّانِي ) وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَثُمِائَةِ مَفْصِلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا صَدَقَةً ، قَالُوا فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا أَوْ الشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَيْ الضُّحَى تُجْزِئُ عَنْكَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ قَالَ وَهَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ مَرْوَ وَالْبَصْرَةِ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ أَهْلِ مَرْوَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ هَذَا وَبِحَدِيثِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ .
وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُ { يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ تَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى } وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّهُ { خُلِقَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَثِمِائَةِ السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي حِينَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ

نَفْسَهُ عَنْ النَّارِ } .
( الثَّانِيَةُ ) الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ كُلُّ مُلْتَقَى عَظْمَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ أَمَّا الْمِفْصَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ فَهُوَ اللِّسَانُ وَالسُّلَامَى الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ هِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْصِلِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَهِيَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَأَصْلُهَا عِظَامُ الْأَصَابِعِ وَسَائِرُ الْكَفِّ خَاصَّةً ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي جَمِيعِ عِظَامِ الْبَدَنِ وَمَفَاصِلِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ السُّلَامَى كُلُّ عَظْمٍ مُجَوَّفٍ مِنْ صِغَارِ الْعِظَامِ .
( الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا أَيْ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَأَكَّدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَحَبِّ كَمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ وَمِنْهُ حَدِيثُ لِلْمُسْلِمِ { عَلَى الْمُسْلِمِ سِتُّ خِصَالٍ } .
( الرَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ { صَدَقَةٌ } كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد { بِصَدَقَةٍ } وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَصْدَرُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمُتَصَدَّقُ بِهِ .
( الْخَامِسَةُ ) قَوْلُهُ { قَالُوا فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ } كَأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّدَقَةِ هُنَا مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَبَيَّنَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الْحَسَنَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مِنْهَا نَفْعٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ { فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ } .

( السَّادِسَةُ ) النُّخَاعَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : هِيَ بِمَعْنَى النُّخَامَةِ بِالْمِيمِ وَهُمَا مَعًا مَا يَطْرَحُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ فِيهِ مِنْ رُطُوبَةِ صَدْرِهِ أَوْ رَأْسِهِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّدْرِ بِالْعَيْنِ وَمِنْ الرَّأْسِ بِالْمِيمِ حَكَاهُمَا فِي الْمَشَارِقِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ النُّخَاعَةُ الْبَزْقَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الْفَمِ مِمَّا يَلِي أَصْلَ النُّخَاعِ وَالنُّخَامَةُ الْبَزْقَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الْحَلْقِ وَمِنْ مَخْرَجِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ النُّخَاعَةَ وَالنُّخَامَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ .
( السَّابِعَةُ ) الْمُرَادُ أَنَّ دَفْنَ النُّخَاعَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَسَنَةٌ وَصَدَقَةٌ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ النُّخَاعَةُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَحْسَنَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ دَفْنُ النُّخَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ مُتَعَلِّقٌ بِالدَّفْنِ وَأَنَّ الْمُرَادَ دَفْنُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَعَهَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَحَلِّ الصِّفَةِ لِلنُّخَاعَةِ أَيْ النُّخَاعَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَحَلِّ دَفْنِهَا أَهُوَ الْمَسْجِدُ أَمْ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ تَدْفِنُهَا بِتَاءِ الْخِطَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ { تُنَحِّيهِ } وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ النُّخَاعَةُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ الشَّيْءُ تُنَحِّيهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ وَالرَّفْعُ فِيهِمَا أَرْجَحُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا تَقْدِيرُهُ صَدَقَةٌ .
( الثَّامِنَةُ ) قَوْلُهُ { أَوْ الشَّيْءُ } كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِأَوْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالشَّيْءُ بِالْوَاوِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَأَوْ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ جَاءَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا وَقَدْ أَثْبَتَ لَهَا

هَذَا الْمَعْنَى الْأَخْفَشُ وَالْجَرْمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ هُنَا الْأَذَى الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ وَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد رَحِمَهُ اللَّهُ بَابًا فِي إمَاطَةِ الْأَذَى .
( التَّاسِعَةُ ) قَوْلُهُ { فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ } لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ حَسَنَةً .
( الْعَاشِرَةُ ) قَوْلُهُ فَرَكْعَتَيْ الضُّحَى كَذَا فِي أَصْلِنَا بِالْيَاءِ وَلَا وَجْهَ لِنَصْبِهِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى الرَّفْعِ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِالْأَلِفِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي فِي أَصْلِنَا تَسَاهُلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ .
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ { تُجْزِئُ عَنْك } يَجُوزُ فَتْحُ أَوَّلِهِ بِغَيْرِ هَمْزٍ فِي آخِرِهِ وَضَمُّ أَوَّلِهِ بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ فَالْفَتْحُ مِنْ جَزَى يَجْزِي أَيْ كَفَى وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { لَا تَجْزِي نَفْسٌ } وَالضَّمُّ مِنْ الْإِجْزَاءِ وَقَدْ ضُبِطَ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ { وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى } وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد { يَجْزِيك } .
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) إنْ قُلْت مَا وَجْهُ قَوْلِهِ { تُجْزِئُ عَنْك } وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ مَثْنَى وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقُولَ تَجْزِيَانِ عَنْك قُلْت كَأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا فِي انْتِظَامِهِمَا كَرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهُمَا بِالْمُفْرَدِ وَكَانَ التَّقْدِيرُ فَرَكْعَتَا الضُّحَى شَيْءٌ يُجْزِئُ عَنْك .

( الثَّالِثَةَ عَشْرَ ) إنْ قُلْت قَدْ عَدَّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ الْحَسَنَاتِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ فَكَيْفَ أَجْزَأَ عَنْهُمَا رَكْعَتَا الضُّحَى وَهُمَا تَطَوُّعٌ ، وَكَيْفَ أَسْقَطَ هَذَا التَّطَوُّعُ ذَلِكَ الْفَرْضَ قُلْت الْمُرَادُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَيْثُ قَامَ الْفَرْضُ بِغَيْرِهِ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَكَأَنَّ كَلَامَهُ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ أَوْ الْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْمَعْرُوفِ لِيُفْعَلَ وَالْمُنْكَرِ لِيُجْتَنَبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ وَاقَعَهُ فَإِذَا فَعَلَهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَسَنَاتِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ الثَّلَثِمِائَةِ وَالسِّتِّينَ وَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ وَيَقُومُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ رَكْعَتَا الضُّحَى أَمَّا إذَا تَرَكَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ عِنْدَ فِعْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ فَقَدْ أَثِمَ وَلَا يَرْفَعُ الْإِثْمَ عَنْهُ رَكْعَتَا الضُّحَى وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ وَلَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِصَلَاةِ الضُّحَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ حَسَنَةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَبْلَغُ شَيْءٍ فِي فَضْلِ صَلَاةِ الضُّحَى انْتَهَى وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الرَّوَاتِبِ لَكِنَّ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَدَّمَ عَلَيْهَا صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فَجَعَلَهَا فِي الْفَضْلِ بَيْنَ الرَّوَاتِبِ وَالضُّحَى وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الضُّحَى لِخُصُوصِيَّةٍ فِيهَا وَسِرٍّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ أَوْ يَقُومُ مَقَامَهَا رَكْعَتَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَمَلٌ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِذَا صَلَّى فَقَدْ قَامَ كُلُّ عُضْوٍ بِوَظِيفَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ مَعْنًى .

( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ أَنَّ أَقَلَّ صَلَاةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَكْثَرِهَا فَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ بِأَنَّ أَكْثَرَهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إنْ صَلَّيْت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا أَرْبَعًا كُتِبْت مِنْ الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا سِتًّا كُتِبْت مِنْ الْقَانِتِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا ثَمَانِيًا كُتِبْت مِنْ الْفَائِزِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَك ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ وَإِنْ صَلَّيْتهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بَنَى اللَّهُ لَك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى ضَعْفِهِ بِقَوْلِهِ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ قِيلَ لَهُمَا أَيُّهُمَا أَشْبَهُ قَالَ جَمِيعًا مُضْطَرِبِينَ لَيْسَ لَهُمَا فِي الرِّوَايَةِ مَعْنًى .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ فُلَانِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ } وَقَالَ سَأَلْت مُحَمَّدًا فَقَالَ هَذَا حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر وَلَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَكْثَرُهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ وَكُلَّمَا زَادَ كَانَ أَفْضَلَ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ الْأَمْرُ فِي مِقْدَارِهَا إلَى الْمُصَلِّي كَسَائِرِ التَّطَوُّعِ وَهُمَا غَرِيبَانِ فِي مَذْهَبِنَا وَبِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ

جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ اخْتِلَافَ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ الصَّوَابُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَنْ أَرَادَ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ قَوْمٍ مِنْ السَّلَفِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ الْأَسْوَدَ سُئِلَ كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى قَالَ كَمَا شِئْت وَلَمَّا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ قَالَ وَأَفْضَلُهَا ثَمَانٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَكْمَلُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَوْسَطُهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتٌّ .

( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) قَدْ عُرِفَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الضُّحَى اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَأُضِيفَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ لِذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُهَا فَوَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّهَارِ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقْتُهَا مِنْ حِينِ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ إلَى الِاسْتِوَاءِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ارْتِفَاعِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ إذَا مَضَى رُبْعُ النَّهَارِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنْ لَا يَخْلُوَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَقْتُهَا إذَا عَلَتْ الشَّمْسُ وَاشْتَدَّ حَرُّهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ انْتَهَى .
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيَانُ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِشَارَةُ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِدَاوُد فِي قَوْلِهِ { إنَّهُ أَوَّابٌ إنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ } فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ إذَا أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ فَأَثَّرَ حَرُّهَا فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَجِدَهَا الْفِصَالُ حَارَّةً لَا تَبْرُكُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا تَصْنَعُ الْغَفْلَةُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ يَزِيدُ الْجَاهِلُونَ فَيُصَلُّونَهَا وَهِيَ لَمْ تَطْلُعْ قَيْدَ رُمْحٍ وَلَا رُمْحَيْنِ يَعْتَمِدُونَ بِجَهْلِهِمْ وَقْتَ النَّهْيِ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى .
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ اُضْحُوَا عِبَادَ اللَّهِ بِصَلَاةِ الضُّحَى .
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُمْ رَآهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَالَ هَلَّا تَرَكُوهَا حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ صَلَّوْهَا ؟ فَذَلِكَ صَلَاةُ

الْأَوَّابِينَ وَفِي رِوَايَةٍ مَا لَهُمْ نَحَرُوهَا نَحَرَهُمْ اللَّهُ فَهَلَّا تَرَكُوهَا حَتَّى إذَا كَانَتْ بِالْجَبِينِ صَلَّوْا فَتِلْكَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَعَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لِي سَقَطَ الْفَيْءُ ؟ فَإِذَا قُلْت نَعَمْ قَامَ فَسَبَّحَ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ .

صَلَاةُ الْوِتْرِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ كَيْفَ نُصَلِّي بِاللَّيْلِ قَالَ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ } وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى } وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ النَّسَائِيّ هَذَا عِنْدِي خَطَأٌ

( صَلَاةُ الْوِتْرِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ ) .
( الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ كَيْفَ نُصَلِّي بِاللَّيْلِ قَالَ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ } وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ } وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ انْتَهَى .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ بِلَفْظِ { فَإِذَا كَانَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ

اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَوْتِرُوا قَبْلَ الْفَجْرِ } وَلِأَصْلِ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ .
( الثَّانِيَةُ ) لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ عَلَى تَعْيِينِ هَذَا السَّائِلِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ فَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَدْرِي هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَعِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهُ مَثْنَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ النُّونِ أَيْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ مَا مَثْنَى مَثْنَى ؟ فَقَالَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ مَدْلُولُ مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا فَائِدَةُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ ؟ قُلْت هُوَ مُجَرَّدُ تَأْكِيدٍ وَقَوْلُهُ مَثْنَى مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الرَّابِعَةُ ) فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْجُمْهُورِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي

جَامِعِهِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ سِتًّا وَإِنْ شَاءَ ثَمَانِيًا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ .

( الْخَامِسَةُ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ إنَّهُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْصُورٌ فِي الْخَبَرِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ حَصْرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِيمَا هُوَ مَثْنَى وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ إلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لَا أَنَّ غَيْرَهُ مُمْتَنِعٌ فَقَدْ صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهَا { كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ } الْحَدِيثَ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْقَوْلَ إذَا عَارَضَهُ الْفِعْلُ قُدِّمَ الْقَوْلُ لِاحْتِمَالِ الْفِعْلِ التَّخْصِيصَ وَيَرُدُّ احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا { مَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ وَمَنْ شَاءَ أُوَتِّر بِثَلَاثٍ وَمَنْ شَاءَ أُوَتِّر بِوَاحِدَةٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ أَيْ جُلُوسَ قِيَامٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِنَّ قَائِمًا إلَّا الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ فَيَجْلِسُ فِي مَحَلِّ الْقِيَامِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( السَّادِسَةُ ) اُسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ لَا يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَرَجَّحَ ذَلِكَ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَاهُ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ أَيْضًا التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ تَرْجِيحُ أَرْبَعٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيّ : هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ ، وَسُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى هَذَا أَصَحِيحٌ هُوَ ؟ فَقَالَ نَعَمْ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّهُ خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ ، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي

الْخِلَافِيَّاتِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ الْأَزْدِيِّ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُضَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَأَلَتْ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَقَالَ صَلَاةُ النَّهَارِ أَرْبَعٌ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَقَالَ بِأَيِّ حَدِيثٍ ؟ فَقُلْت بِحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } فَقَالَ وَمَنْ عَلِيٌّ الْأَسَدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ هَذَا ، ، أَدَعُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَآخُذُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ ، ، لَوْ كَانَ حَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ وَكَانَ شُعْبَةُ يَنْفِي هَذَا الْحَدِيثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ لَا نَكَارَةَ فِيهِ وَلَا مَدْفَعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ ذَكَرَ فِي مُوَطَّآتِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ } وَقَدْ رُوِيَ { قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ } وَقَالَ { إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ

فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ } .
{ وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ } وَصَلَاةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَجَبَ رَدُّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَيْهِ قِيَاسًا وَنَظَرًا انْتَهَى .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَافِعٌ وَطَاوُسٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَحَدٌ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَّا أَنَّ سَبِيلَ الزِّيَادَاتِ أَنْ تُقْبَلَ وَقَدْ { صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ } وَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ انْتَهَى .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى } وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا وَإِنَّمَا تُعْرَفُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَخَالَفَهُ نَافِعٌ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ انْتَهَى .
وَأَجَابُوا عَنْ مَفْهُومِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِجَوَابَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ( وَثَانِيهِمَا ) أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَكَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لَيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ لَا لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِهَا كَيْفَ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهُوَ صَلَاةُ النَّهَارِ مِثْلُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَهُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَأَمَّا فِعْلُ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ صَلَاتُهُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ { إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ إنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابَةُ لَا بِمَا رَآهُ وَفَعَلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(

السَّابِعَةُ ) وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ أَيْضًا مَثْنَى فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهَا مَثْنَى بَلْ الْأَفْضَلُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي النَّافِلَةِ فَقَالَ أَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ فَمَثْنَى مَثْنَى وَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ فَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ فَقَالَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ يَثْبُتُ وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي تَطَوُّعِهِ بِالنَّهَارِ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ فَلَا بَأْسَ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَرْبَعِ لَا عَلَى تَفْضِيلِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَارِقِيِّ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِزِيَادَةِ لَفَظَّةِ النَّهَارِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ مَعَ جَوَازِ غَيْرِهِ انْتَهَى .

( الثَّامِنَةُ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ التَّطَوُّعِ بِرَكْعَةٍ فَرْدَةٍ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ جَوَازُهُ قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ } صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكَعَ رَكْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَكَعْت إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً قَالَ هُوَ التَّطَوُّعُ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ .

( التَّاسِعَةُ ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَنْعِهِ الْوِتْرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورُ جَوَازُ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ فَرْدَةٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُثْمَانَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي حَلِيمَةَ مُعَاذِ بْنِ الْحَارِثِ الْقَارِئِ قِيلَ إنَّ لَهُ صُحْبَةً وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَكْثَرِ هَؤُلَاءِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَمِمَّنْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيُ قُلْت وَلَيْسَ فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَعْجَبُ إلَيَّ ثَلَاثٌ وَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَبِثَلَاثٍ وَبِخَمْسٍ وَبِسَبْعٍ وَبِتِسْعٍ وَبِإِحْدَى عَشْرَةَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ زَادَ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَهَلْ الْأَفْضَلُ فَصْلُهَا بِسَلَامَيْنِ أَوْ وَصْلُهَا بِسَلَامٍ ؟ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْفَصْلُ أَفْضَلُ وَالثَّانِي الْوَصْلُ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَصْلُ وَإِنْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ فَالْوَصْلُ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهَلْ الثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ أَفْضَلُ مِنْ

رَكْعَةٍ مُفْرَدَةٍ ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ ( الصَّحِيحُ ) أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ .
( وَالثَّانِي ) الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ مِنْ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مَوْصُولَةً .
( وَالثَّالِثُ ) إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَرْدَةُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ الْحَسَنِ وَرَاوِيهِ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الْمُبْتَدَعُ الضَّالُّ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ ؛ سَمِعْت وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ .

( الْعَاشِرَةُ ) اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ { تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى } عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَتَقَدَّمَهُ نَافِلَةٌ فَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَنَفَّلَ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لَا شَفْعَ قَبْلَهَا فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ صِحَّةُ الْوِتْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُوتِرَ بِهَا نَفْلًا فَقَدْ يُوتِرُ بِهَا فَرْضًا وَهُوَ الْعِشَاءُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيث أَبِي أَيُّوبَ { وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ } وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَةً .
وَإِنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أَوْتَرَ بِهَا .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِشَاءِ قَالَ لِرَجُلٍ أَلَا أُعَلِّمُك الْوِتْرَ ؟ فَقَالَ بَلَى فَقَامَ فَرَكَعَ رَكْعَةً .
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَصَابَ .

( الْحَادِيَة عَشْرَةَ ) اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ { فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ } عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ لِلْأَمْرِ بِهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَرِدْ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ فَلَا يَكُونُ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ أُمِرَ قَبْلَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا

( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ { فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ } دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْوِتْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا إنَّمَا يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَقْتُهُ الِاخْتِيَارِيُّ وَيَبْقَى وَقْتُهُ الضَّرُورِيُّ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو مَصْعَبٍ كَالْجُمْهُورِ يَنْتَهِي وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَيْسَ لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ وَقْتَهُ يَمْتَدُّ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ الْوِتْرُ مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَرَوَى الْوِتْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةَ وَعَائِشَةَ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُوتِرُ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ وَرَخَّصَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَالَ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ إذَا صَلَّى الْغَدَاةَ فَلَا يُوتِرُ وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ إنَّ أَكْثَرَ وِتْرَنَا لَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قُلْت مَا حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ عَنْهُ لُكْنَهُ يَرَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ سُئِلَ أَلَا يُوتِرُ الرَّجُلُ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى يُصْبِحَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى .
وَمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَى

أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ وَقْتَ ضَرُورَتِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ امْتِدَادَهُ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ لِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي مُرَاعَاةِ طُلُوعِ الْفَجْرِ أُرِيدَ بِهِ مَا لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ قَصَدَهُ وَاعْتَمَدَهُ وَأَمَّا مَنْ نَامَ عَنْهُ حَتَّى انْفَجَرَ الصُّبْحُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَعَ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَيْسَ مِمَّنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْخِطَابِ انْتَهَى .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ وَإِنْ صَلَّى الصُّبْحَ هَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ وَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْوِتْرِ وَإِنْ صَلَّى الْفَجْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ وَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ النَّافِلَةِ وَهَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ انْتَهَى .
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ قَضَاءً وَمَا أَرَادَ قَائِلُوهَا اسْتِمْرَارَ وَقْتِهَا إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ أَدَاءً وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مِنْهُمْ فَعِبَارَتُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ } .
قَالَ وَهَذَا الظَّاهِرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْضَى دَائِمًا كَالْفَرْضِ وَلَمْ أَرَ قَائِلًا بِهِ قُلْت هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَلَى امْتِنَاعِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، قَالَ : إذْ لَوْ كَانَ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْفَجْرِ مُبَاحًا لَمَا كَانَ لِخَشْيَةِ الصُّبْحِ مَعْنًى قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَلْ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنْ يُوقِعَ الْوِتْرَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَلَا يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ { وَاجْعَلْ آخَرَ صَلَاتِك وِتْرًا } .

( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِفِعْلِهِ عِنْدَ خَشْيَةِ الصُّبْحِ وَذَلِكَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِاسْتِيقَاظِ فَتَعْجِيلُهُ قَبْلَ النَّوْمِ أَفْضَلُ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ مُسْلِمٍ وَالْمُهَذَّبِ وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَهَجُّدَ لَهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ وَرَاتِبَتِهَا فَيُقَالُ مَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْوِتْرَ وَتَهَجُّدَ اللَّيْلِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا أَيَّهَا فَعَلَ أَجْزَأَهُ قَالَ وَأَفْضَلُهَا أَنْ يُصَلِّيَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَيُسَلِّمَ إلَى أَنْ قَالَ وَالتَّاسِعُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ } فَفُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فِي هَذَا الْعَدَدِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ بِحَسَبِ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ مِنْ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ السَّلَامُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَخْشَى الصُّبْحَ فَيَضِيقَ حِينَئِذٍ وَقْتُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَيَتَعَيَّنَ الْإِتْيَانُ بِآخِرِهَا وَخَاتِمَتِهَا وَهُوَ الْوِتْرُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مِنْهُ جَمِيعُ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَلَوْ أَوْتَرَ ثُمَّ أَرَادَ التَّنَفُّلَ لَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُصَلِّي وَإِذَا لَمْ يَشْفَعْهُ فَهَلْ يُعِيدُ الْوِتْرَ آخِرًا ؟ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يُعِيدُهُ لِحَدِيثِ { لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ } .

وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ وَيَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ }

الْحَدِيثُ الثَّانِي ) وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ وَيَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسَ كَسْلَانَ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ { يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِاللَّيْلِ بِحَبْلٍ فِيهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِذَا قَامَ فَتَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَيُصْبِحُ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْبَحَ كَسِلًا خَبِيثَ النَّفْسِ لَمْ يُصِبْ خَيْرًا } .
( الثَّانِيَةُ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَمَّا عُقَدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ ابْنِ آدَمَ إذَا رَقَدَ فَلَا يُوصَلُ إلَى كَيْفِيَّتِهِ وَأَظُنُّهُ مَجَازًا كِنَايَةً عَنْ حَبْسِ الشَّيْطَانِ وَتَثْبِيطِهِ لِلْإِنْسَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَعَمَلِ الْبِرِّ وَقِيلَ إنَّهَا كَعُقَدِ السِّحْرِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ { النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ قَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ { عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ } فَكَأَنَّهُ يَقُولُهَا إذَا أَرَادَ النَّائِمُ الِاسْتِيقَاظَ إلَى حِزْبِهِ فَيَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ بَقِيَتْ مِنْ اللَّيْلِ بَقِيَّةٌ طَوِيلَةٌ حَتَّى يَرُومَ بِذَلِكَ إتْلَافَ سَاعَاتِ

لَيْلِهِ وَتَفْوِيتَ حِزْبِهِ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ أَيْ عَلِمَ إنَّهُ قَدْ مَرَّ مِنْ اللَّيْلِ طَوِيلٌ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ طَوِيلٌ فَإِذَا قَامَ فَتَوَضَّأَ اسْتَبَانَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَانْحَلَّ مَا كَانَ عَقَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالِاسْتِدْرَاجِ فَإِذَا صَلَّى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ انْحَلَّتْ الْعُقْدَةُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصْغِ إلَى قَوْلِهِ وَيَئِسَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ وَالْقَافِيَةُ هِيَ مُؤَخِّرُ الرَّأْسِ وَفِيهِ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ فَعَقْدُهُ فِيهِ إثْبَاتُهُ فِي فَهْمِهِ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ لَيْلٌ طَوِيلٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَرَأَيْت لِبَعْضِ مَنْ فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْعُقَدُ الثَّلَاثُ هِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ وَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ أَنَّهُ يَكْثُرُ نَوْمُهُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَبِمَا أَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ فَقِيلَ هُوَ عَقْدٌ حَقِيقِيٌّ بِمَعْنَى عُقَدِ السِّحْرِ لِلْإِنْسَانِ وَمَنْعِهِ مِنْ الْقِيَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ يُؤَثِّرُ فِي تَثْبِيطِ النَّائِمِ كَتَأْثِيرِ السِّحْرِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا يَفْعَلُهُ كَفِعْلِ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ وَيُحَدِّثُهُ بِأَنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَتَأَخَّرْ عَنْ الْقِيَامِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ كُنِّيَ بِهِ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَعْنَى الْمَحْكِيَّ عَنْ الْمُهَلَّبِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْعُقَدَ بِثَلَاثٍ لِأَنَّ أَغْلَبَ مَا يَكُونُ انْتِبَاهُ النَّائِمِ فِي السَّحَرِ فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يَسْتَيْقِظَ وَيَرْجِعَ إلَى النَّوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُنْقَضْ النَّوْمَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْغَالِبِ إلَّا وَالْفَجْرُ قَدْ طَلَعَ انْتَهَى .
وَقَالَ فِي

النِّهَايَةِ أَرَادَ تَثْقِيلَهُ فِي النَّوْمِ وَإِطَالَتَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شِدَادًا وَعَقَدَهُ ثَلَاثَ عُقَدٍ .
( الثَّالِثَةُ ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْطَانِ هُنَا جِنْسُ الشَّيْطَانِ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ إبْلِيسُ .
( الرَّابِعَةُ ) ذَكَرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ الْقَافِيَةَ الْقَفَا ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ قَافِيَةُ الرَّأْسِ مُؤَخِّرُهُ وَقِيلَ وَسَطُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْقَافِيَةُ آخِرُ الرَّأْسِ وَقَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرُهُ وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشَّعْرِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْقَافِيَةُ مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ وَفِيهِ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ .
( الْخَامِسَةُ ) قَوْلُهُ وَيَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَضْرِبْ بِيَدِهِ عَلَى مَكَانِ الْعُقَدِ تَأْكِيدًا لَهَا وَإِحْكَامًا أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ سِحْرِهِ وَفِي فِعْلِهِ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ وَلَهُ تَأْثِيرٌ يَعْلَمُهُ هُوَ .
( ثَانِيهِمَا ) أَنَّ الضَّرْبَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ حِجَابٍ يَصْنَعُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَمْنَعُ وُصُولَ الْحِسِّ إلَى ذَلِكَ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ { فَضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ } قَالُوا فِيهِ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ النَّوْمِ وَمَعْنَاهُ حَجْبُ الصَّوْتِ وَالْحِسِّ أَنْ يَلِجَا آذَانَهُمْ فَيَنْتَبِهُوا فَكَأَنَّهَا قَدْ ضُرِبَ عَلَيْهَا حِجَابٌ .
( السَّادِسَةُ ) قَوْلُهُ { عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا } كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ مُوَطَّإِ أَبُو مُصْعَبٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ { عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ } بِالرَّفْعِ أَيْ بَقِيَ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ وَرَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَقَالَ رِوَايَتُنَا الصَّحِيحَةُ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَوَقَعَ فِي

بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا } عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ الْأَمْكَنُ فِي الْغُرُورِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُخْبِرُهُ عَنْ طُولِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالرُّقَادِ بِقَوْلِهِ فَارْقُدْ وَإِذَا نُصِبْ عَلَى الْأَغْرَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ طُولِ الرُّقَادِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ فَارْقُدْ ضَائِعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْمُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَقُولُ الشَّيْطَانُ لِلنَّائِمِ هَذَا الْكَلَامَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَيْلًا طَوِيلًا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ فِي لَيْلٍ طَوِيلٍ وَقَوْلُهُ عَلَيْك يَحْتَمِلُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ يَضْرِبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِكُلِّ عُقْدَةٍ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ { يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ لَيْلًا طَوِيلًا } أَيْ اُرْقُدْ

( السَّابِعَةُ ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ مَخْصُوصَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ { مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ } وَلَا يَتَعَيَّنُ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْأَذْكَارَ الْمَأْثُورَةَ فِيهِ أَفْضَلُ

( الثَّامِنَةُ ) وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ تَنْحَلُّ بِهِ إحْدَى عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَإِنْ لَمْ تَنْضَمَّ إلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ صَلَاةٌ .
( التَّاسِعَةُ ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِشَرْطِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ .
( الْعَاشِرَةُ ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلٌ لَمْ تَنْحَلَّ عُقْدَةُ الشَّيْطَانِ بِمُجَرَّدِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ الْوُضُوءِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْوُضُوءِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَنَابَةِ .
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ { فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ } رُوِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى الْجَمْعِ وَبِإِسْكَانِهَا عَلَى الْإِفْرَادِ كَاللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ { الْعُقَدُ } وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ { الْعُقَدُ كُلُّهَا } وَنَقَلَ ` ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الثَّانِي وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ انْحَلَّ بِالصَّلَاةِ تَمَامُ عُقَدِهِ فَإِنَّهُ قَدْ انْحَلَّ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ اثْنَانِ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ وَحَصَلَ حِينَئِذٍ تَمَامُ انْحِلَالِ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ } وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ .

( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ قَلَّتْ لَكِنْ هَلْ يَحْصُلُ انْحِلَالُ عُقْدَةِ الشَّيْطَانُ الْأَخِيرَةِ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بِتَمَامِهَا ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ أَفْسَدَهَا قَبْلَ تَمَامِهَا لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ غَرَضٌ وَرَأَيْت وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ اسْتِعْجَالُ حَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ بَدِيعٌ وَمُقْتَضَاهُ مَا رَجَّحْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْدِشُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنْ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ تَشْرِيعًا لِأُمَّتِهِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فَيَحْصُلَ لَهُمْ هَذَا الْمَقْصُودُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ عَقْدِ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعْقِدُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ وَإِنْ صَلَّى بَعْدَهُ وَإِنَّمَا تَنْحَلُّ عُقَدُهُ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ قَالَ وَيُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْعَقْدِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَجَعَلَ مَنْ صَلَّى وَانْحَلَّتْ عُقَدُهُ كَمَنْ لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ أَثَرِهِ قُلْت مَا أُوِّلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَاضِحٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إنْ أَرَادَ أَنَّ الشَّيْطَانَ إنَّمَا يَعْقِدُ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ وَصَلَّى الْعِشَاءَ انْحَلَّتْ الْعُقَدُ وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ أَمَّا مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فَقَدْ قَامَ بِمَا عَلَيْهِ فَلَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَلَا يَعْقِدُ عَلَى قَافِيَتِهِ شَيْئًا وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ حَمَلَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِيمَنْ نَامَ لَيْلَهُ كُلَّهُ حَتَّى أَصْبَحَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ } ، عَلَى أَنَّهُ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّى انْقَضَى اللَّيْلُ كُلُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْ السَّلَفِ قَوْمًا كَانُوا يَنَامُونَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَيُصَلُّونَهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ حَكَى عَنْ الْحَكَمِ قَالَ كَانُوا يَنَامُونَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْقُدْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيُوَكِّلُ مَنْ يُوقِظُهُ .
وَعَنْ سُرِّيَّةٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رُبَّمَا أَغْفَى قَبْلَ الْعِشَاءِ وَرُوِيَ إنَّهُ مَا كَانَتْ نَوْمَةٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَوْمَةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَذَكَرَ إبَاحَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ سِيرِينَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ

عَنْهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُخَالِفُ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْته فِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لِحَمْلِهِ عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمَالَ الْبُخَارِيُّ إلَى وُجُوبِهَا وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { يَعْقِدْ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ } الْحَدِيثَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذِهِ الْعُقْدَةُ تَنْحَلُّ بِصَلَاتِهِ الصُّبْحَ وَيَكُونُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَيَّنَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْأَمْرَ غَايَةَ الْبَيَانِ فَقَالَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ قِيَامَ اللَّيْلَ مَنْسُوخٌ قَالَتْ عَائِشَةُ فِيهِ { أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ تَعْنِي الْمُزَّمِّلَ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْفَرِيضَةِ } انْتَهَى .
وَهُنَا أُمُورٌ : ( أَحَدُهَا ) مَا ادَّعَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِنْ مِيلِهِ إلَى الْوُجُوبِ وَتَعَلُّقُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ التَّبْوِيبَ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَقَدْ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ عَقْدَ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْسِ النَّائِمِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ وَلَا تَسَبُّبٌ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ حَدِيثُ سَمُرَةَ : { أَمَّا الَّذِي يَثْلَغُ رَأْسَهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ } وَهَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ أَيْضًا بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّ الذَّمَّ عَلَى نَوْمِهِ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ .
( ثَانِيهَا ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ حَمْلِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَنْحَلُّ بِهَا عُقْدَةُ الشَّيْطَانُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ { فَإِنْ

أَصْبَحَ وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ } الْحَدِيثَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ قَالَ : فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ مَنْ لَمْ يَقُمْ إلَى صَلَاتِهِ وَضَيَّعَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْقِيَامُ إلَى صَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ إلَى نَافِلَتِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَنَوْمِهِ صَدَقَةً عَلَيْهِ } وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { اللَّهُ يُتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } الْآيَةَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا وَقَالَ لَهُ بِلَالٌ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك } وَفِي هَذَا كُلِّهِ الْعُذْرُ الْبَيِّنُ وَالْمَخْرَجُ الْوَاسِعُ لِمَنْ غَلَبَهُ نَوْمُهُ عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ الْحَدِيثَ نَدَبَ إلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا إلَى أَنْ لَا يَطْلُعَ الْفَجْرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ إلَّا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ وَتَأَهَّبَ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى .
وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُرَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوْ الصُّبْحُ أَوْ تَهَجُّدُ اللَّيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( ثَالِثُهَا ) أَطْلَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِأَهْلِ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا قِيَامُ اللَّيْلِ عَلَى أَصْحَابِ الْقُرْآنِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ أَنَّهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَا يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَدْ اسْتَظْهَرَ الْقُرْآنَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَلَا يَقُومُ بِهِ إنَّمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ ذَاكَ ، إنَّمَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ قِيلَ لَهُ قَالَ اللَّهُ { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ

مِنْهُ } قَالَ نَعَمْ وَلَوْ خَمْسِينَ آيَةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَيُقَالُ لِمَنْ أَوْجَبَ الْقِيَامَ بِاللَّيْلِ فَرْضًا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } خَبَرُنَا عَنْهُ إذَا لَمْ يَخِفَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ أَنْ يَقْرَأَ بِشَيْءٍ هَلْ يُوجَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَخِفَّ وَيَتَيَسَّرْ ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكَلُّفُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ وَلَمْ يَخَفْ فَقَدْ أَسْقَطَ فَرْضَهُ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ خَفَّ أَوْ لَمْ يَخِفَّ كَمَا قَالَ { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } قَالَ وَقَوْلُ مَا تَيَسَّرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ شَدَّدَ بَعْضُ التَّابِعِينَ فَأَوْجَبَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَلَوْ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ .

( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ { فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ } مَعْنَاهُ لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُ مِنْ الطَّاعَةِ وَوَعَدَهُ بِهِ مِنْ ثَوَابِهِ مَعَ مَا يُبَارَكُ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ مَعَ مَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَتَثْبِيطِهِ وَقَوْلُهُ { وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ } مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَآثَارِ تَثْبِيطِهِ وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ نَشِيطًا لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِكَوْنِهِ أَلِفَهَا طَيِّبَ النَّفْسِ لِرَجَاءِ ثَوَابِ مَا فَعَلَ وَقَوْلُهُ خَبِيثَ النَّفْسِ أَيْ بِشُؤْمِ تَفْرِيطِهِ وَتَمَامِ خَدِيعَةِ الشَّيْطَانِ لَهُ كَسْلَانَ أَيْ مُتَثَاقِلٌ عَنْ الْخَيْرَاتِ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى تَضْيِيعِ الْوَاجِبَاتِ انْتَهَى وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنَّهُ أَحْسَنُ بَيَانًا وَإِيضَاحًا .
( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) كَوْنُهُ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ، هَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي هِيَ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ أَوْ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَجْمُوعِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِبَعْضِهِ لَا يَنْفِي عَنْهُ خَبُثَ النَّفْسِ وَالْكَسَلَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَنْ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ انْتَهَى .
وَقَدْ يُقَالُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ انْتَفَى عَنْهُ خُبْثُ النَّفْسِ وَالْكَسَلُ انْتِفَاءً كَامِلًا وَإِذَا أَتَى بِبَعْضِهَا انْتَفَى عَنْهُ بَعْضُ خُبْثِ النَّفْسِ وَالْكَسَلِ بِقَدْرِ مَا أَتَى بِهِ مِنْهَا فَلَيْسَ عِنْدَ مَنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ مِنْ خُبْثِ النَّفْسِ وَالْكَسَلِ مَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا .
( السَّابِعَةَ

عَشْرَةَ ) إنْ قُلْت كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ وَصْفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاعِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ خَبِيثَ النَّفْسِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي ؟ } قُلْت ذَلِكَ الْحَدِيثُ نُهِيَ الْإِنْسَانَ أَنْ يَقُولَ هَذَا اللَّفْظَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ صِفَةِ غَيْرِهِ .
( الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ { كَسْلَانَ } غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْأَلْفِ وَالنُّونِ الْمَزِيدَتَيْنِ وَهُوَ مُذَكَّرُ كَسْلَى وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ كَسْلَانًا مَصْرُوفًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ .

وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ قَلَم يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ } وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ }

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ } وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا نَعَسَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ } .
( الثَّانِيَةُ ) قَوْلُهُ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ } يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْقِيَامَ هُنَا عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ الْقِيَامُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقِيَامُ لِلصَّلَاةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ { إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ } .
( ثَانِيهِمَا ) أَنْ يُرَادَ بِالْقِيَامِ مِنْ اللَّيْلِ نَفْسُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ قِيَامُ اللَّيْلِ .
( الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهُ { فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ } بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ { فَاسْتَعْجَمَ } وَرَفْعِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ { الْقُرْآنُ } عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ اسْتَغْلَقَ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِسَانُهُ لِغَلَبَةِ النُّعَاسِ كَأَنَّهُ صَارَتْ بِهِ عُجْمَةٌ لِاخْتِلَاطِ حُرُوفِ النَّاعِسِ وَعَدَمِ بَيَانِهَا قَالَ فِي

الصِّحَاحِ : اسْتَعْجَمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ اسْتَبْهَمَ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ اسْتَعْجَمَ الرَّجُلُ سَكَتَ وَاسْتَعْجَمَتْ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ انْقَطَعَتْ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ نُعَاسٍ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ اسْتَعْجَمَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَمْ يُفْصِحْ بِهِ لِسَانُهُ ثُمَّ قَالَ اسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ أَيْ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ كَالْأَعْجَمِيِّ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : اسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ أَيْ ارْتَجَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقْرَأَ كَأَنَّهُ صَارَ بِهِ عُجْمَةٌ .
( الرَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ { فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ } ، يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَوْجُهًا : ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ لِنُعَاسِهِ صَارَ لَا يَفْهَمُ مَا يَنْطِقُ بِهِ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ لَا يَدْرِي لِشِدَّةِ نُعَاسِهِ مَا بَعْدَ اللَّفْظِ الَّذِي نَطَقَ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ .
( وَالثَّالِثُ ) أَنَّهُ لِشِدَّةِ نُعَاسِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ أَصْلًا وَهَذِهِ مَرَاتِبُ أَخَفُّهَا الْأَوَّلُ وَأَشَدُّهَا الْأَخِيرُ .
( الْخَامِسَةُ ) الْأَمْرُ بِالِاضْطِجَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ ؟ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ النُّعَاسُ خَفِيفًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي النَّاعِسُ أَنَّهُ أَتَى بِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَصَلَاتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا ثُمَّ إنْ ذَهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ بِأَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ الِاضْطِجَاعِ مِنْ تَبَرُّدٍ بِمَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى ذَهَابِ النَّوْمِ وَقَدْ ذَهَبَ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصِدُ سَقَطَتْ الْوَسَائِلُ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ذَلِكَ إلَّا بِالِاضْطِجَاعِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمَة لِلْوَاجِبِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّ مَنْ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَكَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ لَزِمَهُ أَنْ

يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَنَامَ حَتَّى يَتَفَرَّغَ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى فَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا وَمَا دَامَ النُّعَاسُ خَفِيفًا فَلَا وَجْهَ لِلْوُجُوبِ وَإِذَا اشْتَدَّ النُّعَاسُ انْقَطَعَتْ الصَّلَاةُ لِشِدَّتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُصَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( السَّادِسَةُ ) ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لَكِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنَّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْقِيَامِ مِنْ اللَّيْلِ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النُّعَاسُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ دُونَ صَلَاةِ النَّهَارِ وَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِصَلَاةِ النَّفْلِ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ غَلَبَةُ النَّوْمِ إنَّمَا هِيَ فِي اللَّيْلِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .

( السَّابِعَةُ ) مَحَلُّ هَذَا الْأَمْرِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَرِيضَةٍ قَدْ ضَاقَ وَقْتُهَا فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ زَمَنٌ يَسَعُ صَلَاةَ الْفَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا كَذَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ إنَّهُ يُصَلِّي عَلَى مَا أَمْكَنَهُ وَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ وَيُدَافِعُ النَّوْمَ جُهْدَهُ ثُمَّ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَدَّاهَا وَعَقِلَهَا أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا أَعَادَهَا ، قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي يَمْشِي عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قُدِّمَ الطَّعَامُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ قَدْرَ الصَّلَاةِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَأْكُلُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ لَا تُؤَدِّي إلَى حَالَةِ النَّاعِسِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَأَنَّ مَنْ أَدَّاهُ النُّعَاسُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَمِرُّ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يُسْرِعُ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ عَلَى حَالَةٍ يَدْرِي أَنَّهُ أَتَى بِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِإِسْنَادِهِ إلَى الضَّحَّاكِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } قَالَ سُكْرُ النَّوْمِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ الضَّحَّاكِ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فَمَنْ أَدَّاهُ غَلَبَةُ النَّوْمِ إلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الدُّخُولِ فِيهَا وَمِنْ إتْمَامِهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ انْتَهَى .
( الثَّامِنَةُ ) عَلَى تَقْرِيرِ أَنْ يُحْمَلَ الْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ فَإِذَا أُمِرَ بِإِبْطَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا عِنْدَ طُرُوءِ النُّعَاسِ فَعَدَمُ الدُّخُولِ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ .
( التَّاسِعَةُ ) عَلَّلَ

الْأَمْرَ فِي الرُّقَادِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ { حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ } وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ خَشْيَةَ التَّخْلِيطِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَالْأَمْرُ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدُّ لِوُجُوبِهَا وَلِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِي تَغْيِيرِ الْقُرْآنِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِمَا لَا يَقْصِدُ النُّطْقَ بِهِ مِنْ تَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ أَوْ دُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ نَاعِسٌ ؟ قُلْت قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَجِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ .
( وَالْوَجْه الثَّانِي ) إنَّا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِ وَذَلِكَ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ أَدَاؤُهَا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَتَحْصِيلُ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَإِذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ بِكَوْنِهِ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ إجَابَةُ مَا قَصَدَ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ تَكْلِيفِ نَفْسِهِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْعَاشِرَةُ ) قَدْ يُدَّعَى أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةً عَلَى حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ لِأَنَّ عَدَمَ دِرَايَتِهِ لِمَا يَقُولُ قَدْ يَكُونُ لِنُعَاسٍ وَقَدْ يَكُونُ لِشَغْلِ فِكْرٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ لَكِنَّ الْأَغْلَبَ كَوْنُهُ النُّعَاسَ .
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ الْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ فَفِي مَنْعِ النَّاعِسِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا يَحْذَرُ مِنْ تَغْيِيرِهِ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ قَدْرٌ زَائِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا

قَرَأَ مِنْ الْوَاجِبِ لَمْ يُؤَدِّ فَرْضَهُ .
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) أَمْرُهُ بِالِاضْطِجَاعِ لِأَنَّهُ الْهَيْئَةُ الْمَحْمُودَةُ فِي النَّوْمِ وَالْمَعْهُودَةُ غَالِبًا فَلَوْ اسْتَلْقَى أَوْ نَامَ قَاعِدًا حَصَلَ الْغَرَضُ بِذَلِكَ .

( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلِّلْ قَطْعَ صَلَاةِ النَّاعِسِ بِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ وَإِنَّمَا عَلَّلَهُ بِتَوَقُّعِ الْغَلَطِ مِنْهُ وَالنُّعَاسُ دُونَ النَّوْمِ وَحَقِيقَةُ النَّوْمِ اسْتِرْخَاءُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ وَخَفَاءُ الْكَلَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي النُّعَاسِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ إنَّ النُّعَاسَ النَّوْمُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّاعِرُ بِأَنَّهُ دُونَهُ فِي قَوْلِهِ وَسْنَانُ أَثْقَلَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقِيلَ مُقَارَبَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26