كتاب : الدر المنثور في التفسير بالماثور
المؤلف : عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطير
وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب قال : وجدنا خير عيشنا
الصبر.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال : ما نال رجلا من جسيم
الخير شيء إلا بالصبر.
وَأَمَّا قوله تعالى : {والصلاة}.
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال :
على مرضاة الله واعلموا أنهما من طاعة الله.
وأخرج أحمد وأبو داود ، وَابن جَرِير عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة.
وأخرج
ابن أبي الدنيا ، وَابن عساكر عن أبي الدرداء قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح كان مفزعه إلى المسجد حتى يسكن وإذا حدث في
السماء حدث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى الصلاة
وأخرج أحمد
والنسائي ، وَابن حبان عن صهيب عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال كانوا
- يعني الأنبياء - يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة.
وأخرج سعيد بن منصور ،
وَابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس ، أنه كان في
مسير له فنعي إليه ابن له فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع وقال : فعلنا كما
أمرنا الله فقال {واستعينوا بالصبر والصلاة}.
وأخرج سعيد بن منصور ،
وَابن جَرِير ، وَابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس ، أنه نعي
إليه أخوه قثم وهو في مسير فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال
فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول {واستعينوا بالصبر والصلاة
وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن
عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال : لما حضرت عبادة الوفاة قال : أحرج
على إنسان منكم يبكي فإذا خرجت نفسي فتوضؤوا وأحسنوا الوضوء ثم ليدخل كل
إنسان منكم مسجدا فيصلي ثم يستغفر لعباده ولنفسه فإن الله تبارك وتعالى
قال !
{واستعينوا بالصبر والصلاة} ثم أسرعوا بي إلى حفرتي.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي من طريق معمر عن الزهري عن حميد
ابن
عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة وكانت من المهاجرات الأول في
قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة} قالت : غشي على الرحمن بن عبد الرحمن
غشية فظنوا أنه أفاض نفسه فيها فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين
بما أمرت به من الصبر والصلاة فلما أفاق قال : أغشي علي آنفا قالوا : نعم
، قال : صدقتم إنه جاءني ملكان فقالا لي : انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين
، فقال ملك أخر : ارجعا فإن هذا ممن كتبت له السعادة وهم في بطون أمهاتهم
ويستمع به بنوه ما شاء الله فعاش بعد ذلك شهرا ثم مات.
وأخرج البيهقي
في الشعب عن مقاتل بن حبان في قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة} يقول :
استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة فحافظوا عليها وعلى
مواقيتها وتلاوة القرآن فيها وركوعها وسجودها وتكبيرها والتشهد فيها
والصلاة على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإكمال ظهورها فذلك إقامتها
وإتمامها قوله {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} يقول :
صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة كبر ذلك على المنافقين واليهود
{إلا على الخاشعين} يعني المتواضعين.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وإنها لكبيرة} قال : لثقيلة.
وأخرج
ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وإنها لكبيرة} قال : قال المشركون واله يا
محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير ، قال : إن الصلاة والإيمان بالله.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا على الخاشعين}
قال : المصدقين بما أنزل الله.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن مجاهد في قوله {إلا على الخاشعين} قال : المؤمنين
حقا.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {إلا على الخاشعين} قال : الخائفين.
قوله تعالى : الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون.
أخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كل ظن في
القرآن فهو يقين.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ما كان من ظن الآخرة فهو علم.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وأنهم إليه راجعون} قال : يسيقنون
أنهم راجعون إليه يوم القيامة.
قوله تعالى : يا بني إسرائيل اذكروا نعمني التي أنعمت عليكم وإني فضلتكم
على العالمين.
أخرج
ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا {اذكروا
نعمتي التي أنعمت عليكم} قال : مضى القوم وإنما يعني به أنتم.
وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عينية في قوله {اذكروا نعمتي} قال : إيادي
الله عليكم وأيامه.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد عن مجاهد في قوله {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت
عليكم} قال : نعمة الله التي أنعم على بني إسرائيل فيما سمي وفيما سوى ذلك
فجر لهم الحجر وأنزل عليهم المن والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فرعون.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد عن قتادة في قوله {وأني فضلتكم
على العالمين} قال : فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ولكل زمان
عالم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن مجاهد في قوله {وأني فضلتكم على العالمين} قال :
على من هم بين ظهريه.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {وأني فضلتكم على
العالمين} قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك
الزمان فإن لكل زمان عالما.
قوله تعالى : واتقوا يوما لاتجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا
يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون.
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قرأت على أبي بن كعب
{واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس} بالتاء {ولا يقبل منها شفاعة} بالتاء
{ولا يؤخذ منها عدل} بالياء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {لا تجزي نفس عن نفس
شيئا} قال : لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا.
وأخرج
ابن جرير عن عمر بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن
الثناء عليه قال : قيل : يا رسول الله ما العدل قال : العدل الفدية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر عن ابن عباس في قوله {ولا يؤخذ منها عدل}
قال : بدل البدل الفدية.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا قبل الخمسين من
البقرة مكان / {لا تقبل منها شفاعة > / لا يؤخذ.
قوله تعالى : وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم
ويستحيون نساؤكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم.
أخرج
ابن جرير عن ابن عباس قال : قالت الكهنة لفرعون : أنه يولد في هذا العام
مولود يذهب بملكك ، فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل وعلى كل مائة
عشرة وعلى كل عشر رجلا فقال : أنظروا كل امرأة حامل في المدينة فإذا وضعت
حملها ذكرا فاذبحوه وإن أتت أنثى فخلوا
عنها وذلك قوله {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} الآية.
وأخرج
ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {يسومونكم سوء العذاب} الآية ، قال :
إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة فقال له الكهنة : سيولد العام بمصر غلام يكون
هلاكك على يديه ، فبعث في أهل مصر للنساء قوابل فإذا ولدت أمرأة غلاما أتى
به فرعون فقتله ويستحي الجواري.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بلاء من ربكم عظيم}
يقول : نعمة.
وأخرج وكيع عن مجاهد في قوله {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} قال : نعمة من
ربكم عظيمة.
قوله تعالى : وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون
أخرج
عَبد بن حُمَيد عن قتادة في قوله {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا
آل فرعون وأنتم تنظرون} قال : أي والله لفرق بهم البحر حتى صار طريقا يبسا
يمشون فيه (فأنجاهم وأغرق آل فرعون) عدوهم نعم من عند الله يعرفهم لكيما
يشكروا ويعرفوا حقه.
وأخرج
أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال : قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال : ما هذا
اليوم الذي تصومون قالوا : هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من
عدوهم فصامه موسى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن أحق بموسى
منكم فصامه وأمر بصومه.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن
جبير ، إن هرقل كتب إلى معاوية وقال : إن كان بقي فيهم شيء من النبوة
فسيخبرني عما اسالهم عنه ، قال : وكتب إليه يسأله عن المجرة وعن القوس وعن
البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة قال : فلما أتى معاوية الكتاب
والرسول قال : إن هذا شيء مل كنت آبه له أن أسال عنه إلى يومي هذا من لهذا
قالوا : ابن عباس ، وطوى معاوية كتاب هرقل وبعثه إلى ابن عباس فكتب إليه :
إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق والمجرة باب السماء الذي تشق منه وأما
البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي أفرج عن بني
إسرائيل
وأخرج أبو يعلى ، وَابن مردويه عن أنس عن النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم قال فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء.
قوله تعالى : وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم
ظالمون.
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} قال
: ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة وذلك حين خلف موسى أصحابه
واستخلف
عليهم هارون فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليهم التوراة في اللوح
فقربه الرب نجيا وكلمه وسمع صرير القلم وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في
الأربعين ليلة حتى هبط الطور ، أما قوله {ثم اتخذتم}.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اسم عجل بني سرائيل الذي عبدوه يهبوب.
قوله تعالى : ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {ثم عفونا عنكم من بعد
ذلك} يعني من بعد ما اتخذتم العجل.
قوله تعالى : وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون.
أخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {وإذ آتينا موسى الكتاب
والفرقان} قال : الكتاب هو الفرقان فرق بين الحق والباطل.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر عن ابن عباس قال : الفرقان جماع اسم
التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
قوله
تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل
فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه
هو التواب الرحيم.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : أمر موسى قومه عن
أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم واحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا وقام الذين
لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل
يقتل بعضهم بعضا فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين
ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من وبقي كانت له توبة.
وأخرج
ابن أبي حاتم ، عَن عَلِي ، قال : قالوا لموسى : ما توبتنا قال : يقتل
بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه - والله لا
يبالي من قتل - حتى قتل منهم سبعون ألفا فأوحى الله إلى موسى : مرهم
فليرفعوا أيديهم وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي.
وأخرج عَبد بن
حُمَيد عن قتادة في قوله {إنكم ظلمتم أنفسكم} الآية ، قال : أمر القوم
بشديدة من البلاء فقاموا يتناحرون بالشفار ويقتل بعضهم بعضا حتى بلغ الله
نقمته فيهم وعقوبته فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم وأمسك عنهم القتل
فجعله الله للحي منهم توبة وللمقتول شهادة.
وأخرج أحمد في الزهد ، وَابن جَرِير عن الزهري قال : لما أمرت بنو إسرائي
بقتل أنفسها برزوا ومعهم موسى فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا
بالخناجر
وموسى رافع يديه حتى إذا أفنوا بعضهم قالوا : يا نبي الله ادع لنا وأخذوا
بعضديه فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم
عن بعض فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم
فأوحى الله إلى موسى : ما يحزنك ، أما من قتل منكم فحي عندي يرزق وأما من
بقي فقد قبلت توبته ، فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل.
وأخرج الطستي عن ابن
عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل {إلى بارئكم} قال
: خالقكم ، قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم ، أما سمعت قول تبع : شهدت
على أحمد أنه * رسول من الله باري النسم.
وَأخرَج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {إلى بارئكم} قال : خالقكم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن مجاهد قال : كان أمر موسى قومه عن أمر ربه أن
يقتل بعضهم بعض بالخناجر ففعلوا فتاب الله عليهم.
قوله تعالى : وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم
الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون
أخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله !
{حتى نرى الله جهرة} قال : علانية.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله {وإذ قلتم يا موسى لن
نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} قال : هم السبعون الذي اختارهم موسى {فأخذتكم
الصاعقة} قال : ماتوا {ثم بعثناكم من بعد موتكم} فبعثوا من بعد الموت
ليستوفوا آجالهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في الآية قال : عوقب القوم
فأماتهم الله عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليتوفوها.
وأخرج
الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل
{فأخذتكم الصاعقة} قال : العذاب وأصله الموت ، قال : وهل تعرف العرب ذلك
قال : نعم ، أما سمعت ربيعة وهو يقول : وقد كنت أخشى عليك الحتوف * وقد
كنت آمنك الصاعقة.
قوله تعالى : وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من
طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وظللنا عليكم الغمام}
قال : غمام أبرد من هذا وأطيب وهو الذي يأتي فيه يوم القيامة وهو
الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر وكان معهم في التيه.
وأخرج
وكيع ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله
{وظللنا عليكم الغمام} قال : ليس بالسحاب هو الغمام الذي يأتي الله فيه
يوم القيامة ولم يكن إلا لهم.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {وظللنا عليكم الغمام} قال : هو السحاب الأبيض
الذي لا ماء فيه.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن أبي مجلز في قوله {وظللنا عليكم الغمام} قال :
ظلل عليهم في التيه.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن قتاد في قوله {وظللنا عليكم الغمام}
الآية ، قال : كان هذا في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس وأطعمهم المن
والسلوى حين برزوا إلى البرية فكان المن يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج
أشد بياضا من الثلج يسقط
عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فيأخذ
الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدى فسد وما يبقى عنده حتى إذا كان يوم
سادسه جمعة أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فيبقي عنده لأن إذا كان
يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشة ولا لطلب شيء وهذا كله في البرية.
أخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن عكرمة قال {المن} شيء أنزله الله
عليهم مثل الطل شبه الرب الغليظ {والسلوى} طير أكبر من العصفور.
وأخرج وكيع ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد
قال : {المن} صمغة {والسلوى} طائر.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي قال : قالوا يا موسى كيف لنا
بماء ههنا أين الطعام فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط
على شجرة الترنجبين.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن وهب بن منبه ،
أنه سئل ما المن قال : خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال {المن} شراب كان
ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه.
وأخرج
ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان المن ينزل عليهم
بالليل على الأشجار فيغذون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا {والسلوى} طائر شبيه
بالسماني كانوا يأكلون منه ما شاؤوا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : {المن} الذي يسقط من السماء على الشجر
فتأكله الناس {والسلوى} هو السماني
وأخرج
أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي ، وَابن ماجه ، وَابن أبي حاتم عن
سعيد بن زيد قال : قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن
وماؤها شفاء للعين.
وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة ، مثله.
وأخرج النسائي من حديث جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري ، وَابن عباس ،
مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة {والسلوى} طائر يشبه السماني.
وأخرج عَبد بن حُمَيد وأبو الشيخ عن الضحاك أنه كان يقول : السماني هي
السلوى
وأخرج
عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة
قال : كانت السلوى طيرا إلى الحمرة تحشرها عليهم الريح الجنوب فكان الرجل
منهم يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده حتى إذا
كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه.
وأخرج
سفيان بن عينية ، وَابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : سألت بنو إسرائيل
موسى اللحم فقال الله : لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض ، فأرسل عليهم
ريحا فاذرت عند مساكنهم السلوى - وهو السماني - ميلا في ميل قيد رمح في
السماء فجنوا للغد فنتن اللحم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ،
وَابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن السلوى فقال : طير سمين مثل
الحمام وكان يأيتهم فيأخذون منه سبت إلى سبت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما ظلمونا} قال : نحن أعز من أن
نظلم
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله
{ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} قال : يضرون.
قوله تعالى : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا
وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطياكم وسنزيد المحسنين.
أخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله
{ادخلوا هذه القرية} قال : بيت المقدس.
وأخرج
وكيع والفريابي ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن
أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {وادخلوا الباب} قال : باب ضيق
{سجدا}
قال : ركعا {وقولوا حطة} قال : مغفرة قال : فدخلوا من قبل استاههم وقالوا
: حنطة استهزاء قال : فذلك قوله عز وجل (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي
قيل لهم) (البقرة الآية 59).
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وادخلوا الباب سجدا} قال : هو أحد
أبواب بيت المقدس وهو يدعى باب حطة
وأخرج
وكيع والفريابي ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن
أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال : قيل لهم
{ادخلوا الباب سجدا} فدخلوا مقنعي رؤوسهم {وقولوا حطة} فقالوا : حنطة حبة
حمراء فيها شعيرة فذلك قوله {فبدل الذين ظلموا} البقرة الآية 59.
وَأخرَج
ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ والحاكم عن ابن مسعود أنهم قالوا : هطى
سمقاثا أزبة مزبا ، فهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وقولوا حطة} أي احطط
عنا خطايانا
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله
{وادخلوا الباب سجدا} قال : طأطئوا رؤوسكم {وقولوا حطة} قال : قولوا لا
إله إلا الله.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله
{وقولوا حطة} قال : لا إله إلا الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الباب قبل القبلة.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد قال : باب حطة
من أبواب بيت المقدس أمر موسى قومه أن يدخلوا ويقولوا حطة وطؤطى ء لهم
الباب ليخفضوا رؤوسهم فلما سجدوا قالوا حنطة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن
قتادة في قوله {وادخلوا الباب سجدا} قال : كنا نتحدث أنه باب من أبواب بيت
المقدس {وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين} قال : من كان خاطئا
غفرت له خطيئته ومن كان محسنا زاده الله
إحسانا (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) (البقرة الآية 59) قال :
بين لهم أمرا علموه فخالفوه إلى غيره جرأة على الله وعتوا
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وسنزيد المحسنين} قال : من
كان قبلكم محسنا زيد في إحسانه ومن كان مخطئا نغفر له خطيئته.
وأخرج
عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم ، وعَبد بن حُمَيد والترمذي والنسائي ،
وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النَّبِيّ
صلى الله عليه وسلم قال : قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة
فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم وقالوا حبة في شعرة.
وأخرج ابن جرير
، وَابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على استاههم
وهم يقولون : حنطة في شعيرة.
وأخرج أبو داود والضياء المقدسي في
المختارة عن أبي سعيد الخدري عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال الله
لبني إسرائيل {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم}
واخرج
ابن مردويه عن أبي سعيد قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
إذا كان من آخر الليل اجتزنا في برية يقال لها ذات الحنظل فقال : ما مثل
هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل {وادخلوا
الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال : إنما مثلنا في هذه الأمة
كسفينة نوح وكتاب حطة في بني إسرائيل.
قوله تعالى : فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين
ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون.
أخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء في كتاب الله من
الرجز يعني به العذاب.
وأخرج
أحمد ، وعَبد بن حُمَيد ومسلم والنسائي ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم
عن سعيد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت قالوا : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم فإذا
كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا بلغكم أن بأرض فلا تدخلوها
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال : الرجز الغضب.
قوله
تعالى : وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا يا موسى اضرب بعصاك الحجر فانفجرت
منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشاربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا
تعثوا في الأرض مفسدين.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وإذ استسقى
موسى لقومه} الآية ، قال : ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه
اثنتا عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها.
وأخرج عَبد بن
حُمَيد عن قتادة في قوله {وإذ استسقى موسى لقومه} الآية ، قال : كان هذا
في البرية حيث خشوا الظمأ استسقى موسى فأمر بحجر أن يضربه وكان حجرا
طورانيا من الطور يحملونه معهم حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه {فانفجرت
منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم} قال : لكل سبط مهم عين معلومة
يستفيد ماءها.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد قال : انفجر لهم الحجر
بضربة موسى اثنتي عشرة عينا كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا.
وأخرج
ابن أبي حاتم عن جوبير أنه سئل في قوله {قد علم كل أناس مشربهم} قال : كان
موسى يضع الحجر ويقوم من كل سبط رجل ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا
عشرة عينا فينتضح من كل عين على رجل فيدعو ذلك الرجل سبطه إلى تلك العين.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تعثوا في
الأرض} قال : لا تسعوا.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} قال :
لا تسعوا في الأرض فسادا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {ولا تعثوا} قال : يعني ولا تمشوا
بالمعاصي
وأخرج
عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولا
تعثوا في الأرض مفسدين} قال : لا تسيروا في الأرض مفسدين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : استسقى موسى لقومه فقال : اشربوا يا
حمير : فقال الله تعالى له : لاتسم عبادي حميرا.
قوله
تعالى : وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا
مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي
هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة
والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون
النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
أخرج عَبد بن حُمَيد ،
وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد}
قال : المن والسلوى استبدلوا به البقل وما ذكر معه.
وأخرج عَبد بن
حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة قالوا : ملوا طعامهم في البرية وذكروا
عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك فقالوا {ادع لنا ربك} الآية.
وأخرج عَبد
بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من طرق عن ابن
عباس في قوله {وفومها} قال : الخبز ، وفي لفظ : البر ، وفي لفظ : الحنطة
بلسان بني هاشم
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم والطبراني في
الكبير من طرق عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله
تعالى {وفومها} قال : الحنطة.
قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم أما سمعت أحيحة بن الجلاح وهو يقول :
قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا * ورد المدينة عن زراعة فوم.
وَأخرَج وكيع ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد وعطاء في قوله
{وفومها} قالا : الخبز.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن الحسن وأبي مالك في قوله {وفومها}
قالا : الخبز.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن الحسن وأبي مالك في قوله {وفومها}
قالا : الحنظة.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال : الفوم الثوم.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال : الفوم الثوم - وفي بعض القراءة
وثومها.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن أبي داود في المصاحف ، وَابن المنذر
عن ابن مسعود : أنه قرأ وثومها.
وأخرج
ابن أبي داود عن ابن عباس قال : قرائتي قراءة زيد وأنا آخذ ببضعة عشر حرفا
من قراءة ابن مسعود هذا أحدها {من بقلها وقثائها وفومها}.
وأخرج الطستي
في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل
{وفومها} قال : الفوم الحنطة ، قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم أما
سمعت أبا محجن الثقفي وهو يقول : قد كنت أحسبني كأغنى واحد * قدم المدينة
عن زراعة فوم قال : يا ابن الأزرق ومن قرأها على قراءة ابن مسعود فهو
المنتن قال أمية ابن أبي الصلت : كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة * فيها
الفراديس والفومات والبصل وقال أمية ابن الصلت أيضا : أنفي الدياس من
الفوم الصحيح كما * أنفي من الأرض صوب الوابل البرد.
وَأخرَج ابن جرير عن مجاهد في قوله {أتستبدلون الذي هو أدنى}
قال : أردأ.
وأخرج سفيان بن عينية ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في
قوله {اهبطوا مصرا} قال : مصرا من الأمصار.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن قتادة في قوله {اهبطوا مصرا} يقول : مصرا من
الأمصار.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {اهبطوا مصرا} قال : يعني به مصر
فرعون.
وأخرج
ابن أبي داود ، وَابن الأنباري في المصاحف عن الأعمش أنه كان يقرأ {اهبطوا
مصرا} بلا تنوين ويقول : هي مصر التي عليها صالح بن علي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وضربت عليهم الذلة والمسكنة} قال
: هم أصحاب الجزية.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير عن قتادة والحسن {وضربت عليهم الذلة
والمسكنة} قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {والمسكنة} قال : الفاقة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وباؤوا بغضب من الله} قال : استحقوا
الغضب من الله.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن قتادة في قوله {وباؤوا} قال : انقلبوا.
وَأَمَّا قوله تعالى : {ويقتلون النبيين}.
أخرج
أبو داود والطاليسي ، وَابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : كانت بنو إسرائيل
في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار.
وأخرج
أحمد عن ابن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أشد الناس عذابا
يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي وإمام ضلالة وممثل من الممثلين.
وأخرج
الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي ذر قال جاء إعرابي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال : يا نبيء الله ، قال : لست بنبيء الله ولكنني نبي
الله قال الذهبي : منكر لم يصح.
وأخرج ابن عدي عن حمران بن أعين أن رجلا من أهل البادية أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا نبيء الله ، فقال النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم : لست
بنبيء الله ولكنني نبي الله.
وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال ما همز رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو
بكر ولا عمر ولا الخلفاء وإنما الهمز بدعة من بعدهم.
قوله
تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله
واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أخرج
ابن أبي عمر العدني في سنده ، وَابن أبي حاتم عن سلمان قال : سألت
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكر من صلاتهم
وعبادتهم فنزلت {إن الذين آمنوا والذين هادوا} الآية.
وأخرج الواحدي عن
مجاهد قال : لما قص سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة أصحابه
قال : هم في النار ، قال سلمان : فأظلمت علي الأرض فنزلت {إن الذين آمنوا
والذين هادوا} إلى قوله {يحزنون} قال : فكأنما كشف عني جبل.
وأخرج ابن
جرير واللفظ له ، وَابن أبي حاتم عن السدي في قوله {إن الذين آمنوا والذين
هادوا} الآية ، قال : نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي وكان رجلا من
جند نيسابور وكان من أشرافهم وكان ابن
الملك صديقا له مؤاخيا لا
يقضي واحد منهما أمر دون صاحبه وكانا يركبان إلى الصيد جميعا فبينما هما
في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباءة فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه
مصحف يقرأ فيه وهو يبكي فسألاه ما هذا فقال : الذي يريد أن يعلم هذا لا
يقف موقفكما فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما فنزلا
إليه فقال لهما : هذا كتاب جاء من عند الله أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته
فيه أن لا تسرق ولا تزني ولا تأخذ أموال الناس بالباطل فقص عليهما ما فيه
وهو الإنجيل الذي أنزل الله على عيسى فوقع في قلوبهما وتابا فأسلما وقال
لهما : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه حتى
كان عيد للملك فجمع طعاما ثم جمع
الناس والأشراف وأرسل إلى ابن الملك
رسولا فدعاه إلى ضيعته ليأكل مع الناس فأبى الفتى وقال : إني عنك مشغول
فكل أنت وأصحابك فلما أكثر عليه من الرسل أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم
فبعث الملك إلى ابنه ودعاه وقال : ما أمرك هذا قال : إنا لا نأكل من
ذبائحكم إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم ، فقال له الملك : من أمرك هذا فأخبره
أن الراهب أمره بذلك فدعا الراهب فقال : ماذا يقول ابني قال : صدق ابنك ،
قال له : لولا الدم فينا عظيم لقتلتك ولكن اخرج من أرضنا فأجله أجلا فقال
سلمان : فقمنا نبكي عليه ، فقال لهما : إن كنتما
صادقين فإنا في بيعة في الموصل ستين رجلا نعبد الله فأتونا فيها فخرج الراهب وبقي سلمان ، وَابن الملك فجعل سلمان يقول لابن الملك : انطلق بنا ، ، وَابن الملك يقول : نعم ، وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز فلما أبطأ على سلمان خرج سلمان حتى أتاهم فنزل على صاحبه وهو رب البيعة فكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبة من الرهبان فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ويتعب نفسه فقال له سلمان : أرأيت الذي تأمرني به هو أفضل أو الذي أصنع قال : بل الذي تصنع ، قال : فخل عني ، ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال أتعلم أن هذه البيعة لي وأنا أحق الناس بها ولو شئت أن أخرج منها هؤلاء لفعلت ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من ههنا فإن شئت أن تقيم هنا فاقم وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق ، فقال له سلمان : أي البيعتين أفضل أهلا قال : هذه ، قال سلمان : فأنا اكون في هذه فأقام
سلمان بها وأوصى صاحب البيعة بسلمان يتعبد معهم ، ثم إن الشيخ
أراد أن يأتي بيت المقدس فدعا سلمان فقال : إني أريد أن آتي بيت المقدس
فإن شئت أن تنطلق معي فانطلق وإن شئت أن تقيم فأقم ، قال له سلمان : أيهما
أفضل أنطلق معك أو أقيم قال : لا بل تنطلق ، فانطلق معه فمروا بمقعد على
ظهر الطريق ملقى فلما رآهما نادى يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله فلم
يكلمه ولم ينظر إليه وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس وقال الشيخ لسلمان :
أخرج فاطلب العلم فإنه يحضر هذا المسجد علماء الأرض ، فخرج سلمان يسمع
منهم فرجع يوما حزينا فقال له الشيخ مالك يا سلمان قال : إن الخير كله قد
ذهب
به من كان قبلنا من الأنبياء والأتباع ، فقال له الشيخ : لا تحزن فإنه قد
بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه وهذا الزمان الذي يخرج فيه ولا أراني
أدركه وأما أنت فشاب فلعلك أن تدركه وهو يخرج في أرض العرب فإن أدركته
فآمن به واتبعه ، قال له سلمان : فأخبرني عن علامته بشيء ، قال : نعم وهو
مختوم في ظهره بخاتم النبوة وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ثم رجعا حتى
بلغا مكان المقعد فناداهما فقال : يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله فعطف
إليه
حماره فأخذ بيده فرفعه فضرب به الأرض ودعا له وقال : قم بإذن الله ، فقام صحيحا يشتد ، فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه وسار الراهب فغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان ، ثم إن سلمان فزع بطلب الراهب فلقيه رجلان من العرب من كلب فسألهما هل رأيتما الراهب فأناخ أحدهما راحلته قال : نعم راعي الصرمة هذا فحمله فانطلق به إلى المدينة قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوما وهذا يوما وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو يوما يرعى إذ أتاه صاحبه بعقبة فقال له : أشعرت أنه قد قدم المدينة اليوم رجل يزعم أنه نبي فقال له سلمان : أقم في الغنم حتى آتيك ، فهبط سلمان إلى المدينة فنظر إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ودار حوله فلما رآه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمة فلما رآه أتاه وكلمه ثم انطلق فاشترى بدينار ببعضه شاة فشواها وببعضه خبزا ثم أتاه به فقال : ماهذه قال سلمان : هذه صدقة ، قال : لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون ، ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ثم أتى به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا قال : هذه هدية ، قال :
فاقعد فكل ، فقعد فأكلا
منها جميعا ، فبينما هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال : كانوا
ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك ستبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم
قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم يا سلمان هم من أهل النار فاشتد ذلك
على سلمان وقد كان قال له سلمان : لو أدركوك صدقوك واتبعوك ، فأنزل الله
هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله
واليوم الآخر}.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال سأل سلمان الفارسي
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى أعمالهم قال : لم
يموتوا على الإسلام ، قال سلمان : فأظلمت علي الأرض وذكرت اجتهادهم فنزلت
هذه الآية {إن الذين آمنوا والذين هادوا} فدعا سلمان فقال : نزلت هذه
الآية في أصحابك ثم قال : من مات على دين عيسى قبل أن يسمع بي فهو على خير
ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك.
وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ ،
وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الذين آمنوا
والذين هادوا} الآية ، قال : فأنزل الله بعد هذا (ومن يتبع غير الإسلام
دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجى ، عَن
عَلِي ، قال : إنما سميت اليهود لأنهم قالوا : إنا هدنا إليك.
وأخرج
ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت
اليهود باليهودية بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك ولم تسمت النصارى
بالنصرانية من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار الله.
وأخرج أبو
الشيخ عن ابن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية
ولم تسمت النصارى بالنصرانية إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى
إنا هنا إليك فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود وإنما
تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى الله قال
الحواريون : نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : إنما سموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة
ينزلها عيسى بن مريم فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به.
وأخرج ابن سعد في طبقاته ، وَابن جَرِير عن ابن عباس قال : إنما سميت
النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة.
وأخرج
وكيع وعبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن
مجاهد قال : الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى هم قوم
من المشركين لا كتاب لهم.
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : سئل ابن عباس عن الصابئين فقال : هم قوم
بين اليهود والنصارى والمجوس لا تحل ذبائحهم ولا مناكحهم.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الصابئون منزله
بين النصرانية والمجوسية ، لفظ ابن أبي حاتم : منزلة بين اليهود والنصارى
وأخرج
عَبد بن حُمَيد عن سعيد بن جبير قال : ذهبت الصابئون إلى اليهود فقالوا :
ما أمركم قالوا : نبينا موسى جاءنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا وهذه
التوراة فمن تابعنا دخل الجنة ثم أتوا النصارى فقالوا في عيسى ما قالت
اليهود في موسى وقالوا هذا الإنجيل فمن تابعنا دخل الجنة فقالت الصابئون
هؤلاء يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة واليهود يقولون نحن ومن اتبعنا في
الجنة فنحن به لاندين فسماهم الله الصابئين.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : الصابئون فرقة من
أهل الكتاب يقرؤون الزبور.
وأخرج وكيع عن السدي قال الصابئون من أهل الكتاب.
وأخرج
عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصابئون قوم
يعبدون الملائكة ويصلون إلى غير القبلة ويقرؤون الزبور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : الصابى ء : الذي يعرف الله وحده
وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزناد قال : الصابئون قال : الصابئون مما يلي
العراق وهم
بكوثى يؤمنون بالنبيين كلهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن ابن عباس قال : يقولون الصابئون : وما الصابئون
الصابئون ويقولون : الخاطئون وما الخاطئون الخاطئون.
قوله
تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة
واذكروا ما فيه لعلكم تتقون * ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم
ورحمته لكنتم من الخاسرين
أخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة
في قوله {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} فقال : جبل نزلوا بأصله
فرفع فوقهم فقال : لتأخذن أمري أو لأرمينكم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الطور الذي أنزلت عليه التوراة وكان بنو
إسرائيل أسفل منه.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن ابن عباس قال : الطور
ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور.
وأخرج الفريابي ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن
أبي
حاتم عن مجاهد قال : الطور الجبل بالسريانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : النبط يسمون الجبل الطور.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {خذوا ما آتيناكم بقوة} قال : بجد.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن أبي العالية {واذكروا ما فيه} يقول :
اقرؤوا ما في التوراة واعلموا به.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير عن ابن عباس في قوله {لعلكم تتقون} قال :
لعلكم تنزعون عما أنتم عليه.
قوله
تعالى : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة
خاسئين * فجعلنها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين.
أخرج
ابن جرير عن ابن عباس {ولقد علمتم} قال : عرفتم وهذا تحذير لهم من المعصية
يقول : احذورا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت إذ عصوني اعتدوا يقول :
اجترؤوا في السبت بصيد السمك فقلنا لهم {كونوا قردة خاسئين} فمسخهم الله
قردة بمعصيتهم ولم يعش مسخ فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما كان الذين اعتدوا في
السبت فجعلوا قردة فواقا ثم هلكوا ما كان للمسخ نسل.
وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس قال : القردة والخنازير من نسل
الذين مسخوا.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : انقطع ذلك النسل.
وأخرج
ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم في قوله {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} قال :
مسخت قلوبهم ولم يمخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله لهم مثل الحمار يحمل
أسفارا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في الآية قال :
أحلت لهم الحيتان وحرمت عليهم يوم السبت ليعلم من يطيعه ممن يعصيه فكان
القوم فيهم ثلاثة أصناف وأما صنف فأمسك ونهى عن المعصية وأما صنف فأمسك عن
حرمة الله وأما صنف فانتهك المعصية ومرن على المعصية فلما أبوا إلا عتوا
عما نهاهم الله عنه {قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} وصار القوم قردوا تعاوى
لها الذئاب بعد ما كانوا رجالا ونساء
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {خاسئين} قال : ذليلين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {خاسئين} قال : صاغرين.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد ، مثله.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس {فجعلناها نكالا لما بين يديها} من
الذنوب {وما خلفها} من القرى {وموعظة للمتقين} الذين من بعدهم إلى يوم
القيامة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فجعلناها} يعني الحيتان {نكالا لما بين يديها
وما خلفها} من الذنوب التي عملوا قبل وبعد.
وأخرج
ابن جرير عن ابن عباس {فجعلناها} قال : فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة
{نكالا} عقوبة {لما بين يديها} يقول : ليحذر من بعدهم عقوبتي {وما خلفها}
يقول : للذين بقوا معهم !
{وموعظة} تذكرة وعبرة للمتقين.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد عن سفيان في قوله {نكالا لما بين يديها وما خلفها} قال :
من الذنوب {وموعظة للمتقين} قال : لأمة محمد عليه السلام.
قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبجوا بقرة قالوا
أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
أخرج
ابن ابي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن ابن عباس قال : كانت مدينتان
في بني إسرائيل ، وأحداها حصينة ولها أبواب والآخرى خربة ، فكان أهل
المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها فإذا أصبحوا قاموا على سور
المدينة فنظروا هل حدث فيما حولها حادث فأصبحوا يوما فإذا شيخ قتيل مطروح
بأصل مدينتهم فأقبل أهل المدينة الخربة فقالوا : قتلتم صاحبنا ، وَابن أخ
له شاب يبكي عليه ويقول : قتلتم عمي ، قالوا : والله ما فتحنا مدينتنا منذ
أغلقناها وما لدينا من دم صاحبكم هذا فأتوا موسى فأوحى الله إلى موسى {إن
الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} إلى قوله {فذبحوها وما كادوا يفعلون} ، قال :
وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له وكان له أب شيخ كبير فأقبل
رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده فأعطاه بها
ثمنا فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب والمفتاح مع أبيه فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت فقال : أيقظه ، قال ابنه : إنه نائم وأنا أكره أن أروعه من نومته ، فانصرفا فأعطاه ضعف ما أعطاه على أن يوقظه فأبى فذهب طالب السلعة ، فاستيقظ الشيخ فقال له ابنه : يا أبت والله لقد جاء ههنا رجل يطلب سلعة كذا فأعطى بها من الثمن كذا وكذا فكرهت أن أروعك من نومك فلامه الشيخ فعوضه الله من بره بوالده أن نتجت من بقر تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل فأتوه فقالوا له : بعناها فقال : لا ، قالوا : إذن نأخذ منك ، فأتوا موسى فقال : اذهبوا فأرضوه من سلعته ، قالوا : حكمك قال : حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان ذهبا صامتا في الكفة الآخرى فإذا مال الذهب أخذته ففعلوا وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ واجتمع أهل المدينتين فذبحوها فضرب ببضعة من لحمها القبر فقام الشيخ ينفض رأسه يقول : قتلني ابن أخي طال عليه عمري
وأراد أخذ مالي ومات.
وأخرج عَبد بن
حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في
"سُنَنِه" عن عبيدة السلماني قال : كان رجل من بني اسرائيل عقيما لا يولد
له وكان له مال
كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه
على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض فقال
ذوو الرأي منهم : علا م يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم فأتوا موسى
فذكروا ذلك له فقال {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا
قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} قال : فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم
أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا
بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال : والله لا أنقصها من ملء
جلدها ذهبا فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا : من قتلك فقال : هذا لإبن
أخيه ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعد.
وأخرج عبد الرزاق عن عبيدة قال : أول ما قضي أنه لا يرث القاتل في
صاحب بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : أول ما منع القاتل الميراث لكان
صاحب البقرة.
وأخرج
ابن جرير عن ابن عباس قال : إن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان
مكثرا من المال وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم وكان الشيخ لا ولد له وكان
بنو أخيه ورثته فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله وأنه لما تطاول
عليهم أن لا يموت أتاهم الشيطان فقال : هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم وتغرموا
أهل المدينة التي لستم بها ديته وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في
أحداهما وكان القتيل إذ قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل
والقريتين فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية وأنهم لما سول لهم الشيطان
ذلك عمدوا إليه فقتلوه ثم طرحوه على باب المدينة التي ليسوا بها فلما أصبح
أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم فوالله
لتغرمن
لنا ديته ، قال : أهل المدينة نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا
فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا فعمدوا إلى موسى فجاءه جبريل فقال
: قل لهم {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فتضربوه ببعضها.
وأخرج سفيان
بن عينية عن عكرمة قال : كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل سبط
منهم باب يدخلون منه ويخرجون فوجد قتيل على باب سبط من
الأسباط قتل على
باب سبط وجر إلى باب سبط آخر فاختصم فيه أهل السبطين ، فقال هؤلاء : أنتم
قتلتم هذا وقال الآخرون : بل أنتم قتلتموه ثم جررتموه إلينا ، فاختصموا
إلى موسى فقال {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} الآية ، {قالوا ادع لنا
ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك}
قال : فذهبوا يطلبونها فكأنها تعذرت عليهم فرجعوا إلى موسى فقالوا {قالوا
ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله
لمهتدون} ولولا أنهم قالوا إن شاء الله ما وجدوها {قال إنه يقول إنها بقرة
لا ذلول} ألا وإنما كانت البقرة يومئذ بثلاثة دنانير ولو
أنهم أخذوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم ، فذهبوا يطلبونها فيجدون هذه الصفة عند رجل فقالوا : تبيعنا هذه البقرة قال : أبيعها ، قالوا : بكم تبيعها قال : بمائة دينار ، فقالوا : إنها بقرة بثلاثة دنانير فأبوا أن يأخذوها فرجعوا إلى موسى فقالوا : وجدناها عند رجل فقال لا أنقطكم من مائة دينار وإنها بقرة بثلاثة دنانير قال : هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن لم شاء لم يبع فرجعوا إلى الرجل فقالوا : قد أخذناها بمائة دينار ، فقال : لا أنقصها عن مائتي دينار ، فقالوا سبحان الله ، قد بعتنا بمائة دينار ورضيت فقد أخذناها ، قال : ليس أنقصها من مائتي دينار ، فتركوها ورجعوا إلى موسى فقالوا له : قد أعطاناها بمائة دينار فلما رجعنا إليه قال : لا أنقصها من مائتي دينار ، قال : هو أعلم إن شاء باعها وإن شاء لم يبعها فعادوا إليه فقالوا : قد أخذناها بمائتي دينار ، فقال : لا أنقصها من أربعمائة دينار ، قالوا : قد كنت أعطيتناها بمائتي دينار فقد أخذناها فقال : ليس أنقصها من أربعمائة دينار فتركوها وعادوا إلى موسى فقالوا : قد أعطيناه
مائتي دينار فأبى أن يأخذها وقال : لا أنقصها
من أربعمائة دينار ، فقال : هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن شاء لم يبع
فرجعوا إليه فقالوا : قد أخذناها بأربعمائة دينار فقال : لا أنقصها من
ثمانمائة دينار ، فلم يزالوا يعودون إلى موسى ويعودون عليه فكلما عادوا
إليه أضعف عليه الثمن حتى قال : ليس أبيعها إلا بملء مسكها فأخذوها
فذبحوها فقال : اضربوه ببعضها فضربوه بفخذها فعاش ، فقال : قتلني فلان ،
فإذا هو رجل كان له عم وكان لعمه مال كثير وكان له ابنة فقال : أقتل
عمي
هذا وأرث ماله وأتزوج ابنته فقتل عمه فلم يرث شيئا ولم يورث قاتل منذ ذلك
شيئا قال موسى : إن لهذه البقرة لشأنا ادعوا إلي صاحبها فدعوه فقال :
أخبرني عن هذه البقرة وعن شأنها قال : نعم ، كنت رجلا أبيع في السوق
وأشتري فسامني رجل بضاعة عندي فبعته إياها وكنت قد أشرفت منها على فضل
كبير فذهبت لآتيه بما قد بعته فوجدت المفتاح تحت رأس والدتي فكرهت أن
أوقظها من نومها ورجعت إلى الرجل فقلت : ليس بيني وبينك بيع
فذهب ثم رجعت فنتجت لي هذه البقرة فألقى الله عليها مني محبة فلم
يكن عندي شيء أحب إلي منها فقيل له إنما أصبت هذا ببر والدتك.
قوله
تعالى : قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض
ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تأمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما
لونها قال إنه يقول أنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع
لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون *
قال إنه يقول أنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية
قالوا ألن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون.
أخرج البزار عن أبي هريرة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : إن بني
إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزاهم ذلك أو لأجزأت عنهم.
وأخرج
ابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لولا أن بني إسرائيل قالوا {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ما أعطوا
أبدا ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا
فشدد الله عليهم.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور ، وَابن المنذر عن
عكرمة يبلغ به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال لو أن بني إسرائيل أخذوا
أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ولكنهم شددوا ولولا أنهم قالوا {وإنا إن شاء
الله لمهتدون} ما وجدوها
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على
أنفسهم شدد الله عليهم ولو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد.
وأخرج
ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول
إنما أمر القوم بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم والذي
نفس محمد بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي
حاتم من طرق عن ابن عباس قال : لو أخذوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم
ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم.
وأخرج ابن جرير ، وَابن
المنذر ، وَابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله {لا فارض ولا بكر
عوان بين ذلك} قال : الفارض الهرمة والبكر الصغيرة والعوان النصف.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن
قوله عز وجل {لا فارض} قال : الكبيرة الهرمة
قال
: وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول : لعمري لقد
أعطيت ضيفك فارضا * تساق إليه ما تقوم على رجل قال : أخبرني عن قوله
{صفراء فاقع لونها} الفاقع الصافي اللون من الصفرة قال : وهل تعرف العرب
ذلك قال : نعم أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول : سدما قليلا عهده بأنيسه
* من بين أصفر فاقع ودفان.
وَأخرَج عَبد بن حُمَيد عن سعيد بن جبير ، أنه كان يستحب أن يسكت على بكر
ثم يقول : عوان بين ذلك.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {عوان بين
ذلك} قال : بين الصغيرة والكبيرة وهي أقوى ما يكون وأحسنه.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {صفراء فاقع لونها}
قال : شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض.
وأخرج ابن ابي حاتم عن ابن عمر في قوله {صفراء} قال : صفراء الظلف {فاقع
لونها} قال : صافي.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة {فاقع لونها}
قال : صاف لونها {تسر الناظرين} قال : تعجب الناظرين.
وأخرج
ابن أبي حاتم والطبراني والخطيب والديلمي عن ابن عباس قال : من لبس نعلا
صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها وذلك قوله {صفراء فاقع لونها تسر
الناظرين}.
وأخرج سعيد بن منصور ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن الحسن في قوله
{صفراء فاقع لونها} قال : سوداء شديدة السواد
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ، أنه قرأ / {إن الباقر تشابه علينا
> /.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن يحيى عن يعمر ، أنه قرأ / {إن الباقر تشابه علينا
> / ، وقال : الباقر أكثر من البقر.
وأخرج
ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا {إن البقر تشابه
علينا} ، واخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {إنها بقرة لا ذلول} أي
لم يذله العمل {تثير الأرض} يعني ليست بذلول فتثير الأرض {ولا تسقي الحرث}
يقول : ولا تعمل في الحرث {مسلمة} قال : من العيوب.
وأخرج عَبد بن
حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {بقرة لا ذلول تثير} يقول : ليست
بذلول فتفعل ذلك {مسلمة} قال : من الشبه قال {لا شية فيها} قال : لا بياض
ولا سواد
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {مسلمة} قال : لا عوار فيها.
وأخرج ابن جرير عن عطية {لا شية فيها} قال : لونها واحد ليس فيها لون سوى
لونها.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {لا ذلول} يعني صنفة يقول
: لم يذلها العمل {مسلمة} قال : من العيوب {لا شية فيها} قال : لا بياض
فيها {قالوا الآن جئت بالحق} قالوا : الآن بينت لنا {فذبحوها وما كادوا
يفعلون}.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله {فذبحوها وما كادوا يفعلون} لغلاء
ثمنها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، أن أصحاب البقرة بني إسرائيل طلبوها
أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه
فجعلوا
يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير فذبحوها فضربوه بعضو منها
فقام تشخب أوداجه دما فقالوا له : من قتلك قال : قتلني فلان.
وأخرج وكيع ، وَابن أبي حاتم عن عطاء قال : الذبح والنحر في البقر سواء
لأن الله يقول {فذبحوها}.
وأخرج
وكيع وعبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن
مجاهد قال : كان لبني إسرائيل الذبح وأنتم لكم النحر ثم قرأ {فذبحوها}
{فصل لربك وانحر} سورة الكوثر الآية 2.
قوله تعالى : وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون.
أخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جريرعن مجاهد في قوله {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم
فيها} قال : اختلفتم فيها {والله مخرج ما كنتم تكتمون} قال : ماتغيبون.
وَأَمَّا قوله تعالى : {والله مخرج ما كنتم تكتمون}.
أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن المسيب بن رافع
قال
: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وما عمل رجل سيئة في
سبعة أبيات إلا أظهرها الله وتصديق ذلك كتاب الله {والله مخرج ما كنتم
تكتمون}.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن رجلا عمل في صخرة صماء لا باب
فيها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عثمان بن عفان قال : من عمل عملا
كساه الله رداءه وإن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن عثمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم من كانت له
سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليه منها رداء يعرف به ، قال البيهقي :
الموقوف أصح.
وأخرج
أبو الشيخ والبيهقي وضعفه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه من المؤمن قالوا الله رسوله أعلم ، قال : المؤمن الذي لا يموت حتى
يملاء الله مسامعه مما يحب ولو أن عبدا اتقى الله في جوف بيت إلى سبعين
بيتا على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس
ويزيدون ، قالوا : وكيف يزيدون يا رسول الله قال : لأن التقي لو يستطيع أن
يزيد في بره لزاد ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من الكافر
قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : الكافر الذي لا يموت حتى يملاء الله
مسامعه مما يكره ولو أن فاجرا فجر في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت
باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون ، قالوا :
وكيف يزيدون يا رسول الله قال : لأن الفاجر لو يستطيع أن يزيد في فجوره
لزاد.
وأخرج ابن عدي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله مرد كل
إمرى ء رداء عمله.
وأخرج البيهقي عن ثابت قال : كان يقال لو أن ابن آدم عمل بالخير في سبعين
بيتا لكساه الله تعالى رداء عمله حتى يعرف به
وأخرج
ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال : الناس يعرف أعمالهم من
تحت كنف الله فإذا أراد الله بعبد فضيحة أخرجه من تحت كنفه فبدت عورته.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي ادريس الخولاني رفعه قال : لا يهتك
الله عبدا وفيه مثقال حبة من خير.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : لو أن عبدا اكتتم بالعبادة كما يكتتم
بالفجور لأظهر الله ذلك منه.
قوله تعالى : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته
لعلكم تعقلون
أخرج
وكيع والفريابي ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن
عباس في قوله {فقلنا اضربوه ببعضها} قال : ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن قتادة قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها فلما
فعلوا أحياه الله حتى أنبأهم بقاتله الذي قتله وتكلم ثم مات
وأخرج وكيع ، وَابن جَرِير عن عكرمة في الآية قال : ضربوه بفخذها
فحي فما زاد على أن قال : قتلني فلان ثم عاد فمات.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في الآية قال : ضرب بفخذ
البقرة فقام حيا فقال : قتلني فلان ثم عاد في ميتته.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : ضرب بالبضعة التي بين الكتفين.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : أمرهم أن يأخذوا عظما فيضربوا به
القتيل ففعلوا فرجع الله روحه فسمى قاتله ثم عاد ميتا كما كان.
وَأَمَّا قوله تعالى : {كذلك يحيي الله الموتى} الآية.
أخرج عَبد بن حُمَيد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : إن فتى من
بني إسرائيل كان برا بوالدته وكان يقوم ثلث الليل يصلي
ويجلس عند رأس والدته ثلث الليل فيذكرها بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد ويقول : يا أمه إن كنت ضعفت عن قيام الليل فكبري الله وسبيحه وهلليه فكان ذلك عملهما الدهر كله فإذا أصبح أتى الجبل فاحتطب على ظهره فيأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله أن يبيعه فيتصدق بثلثه ويبقي لعبادتع ثلثا ويعطي الثلث أمه وكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف وكان ذلك عملهما الدهر كله ، فلما طال عليها قالت : يابني أعلم أني قد ورثت من أبيك بقرة وختمت عنقها وتركتها في البقر على اسم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب قالت وسأبين لك ما لونها وهيئتها فإذا أتيت البقر فادعها باسم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب فإنها تفعل كما وعدتني وقالت : إن علامتها ليست بهرمة ولا فتية غير أنها بينهما وهي صفراء فاقع لونها تسر الناظرين إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها وليست بالذلول ولا
صعبة تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها ولونها واحد
فإذا رأيتها فخذ بعنقها فإنها تتبعك بإذن إله إسرائيل.
فانطلق
الفتى وحفظ وصية والدته وسار في البرية يومين أو ثلاثا حتى إذا كان صبيحة
ذلك اليوم انصرف فصاح بها فقال : بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ألا
ما أتيتني فأقبلت البقرة عليه وتركت الرعي فقامت بين يدي الفتى فأخذ
بعنقها فتكلمت البقرة وقالت : يا أيها الفتى البر بوالدته اركبني فإنه
أهون عليك ، قال الفتى : لم تأمرني والدتي أن أركب عليك ولكنها أمرتني أن
أسوقك سوقا فأحب أن أبلغ قولها ، فقالت : بإله إسرائيل لو ركبتني ما كنت
لتقدر علي فانطلق يا أيها الفتى البر بوالدته لو أنك أمرت هذا الجبل أن
ينقلع لك من أصله لأنقلع لبرك بوالدتك ولطاعتك إلهك ، فانطلق حتى إذا كان
من مسيرة يوم من منزله استقبله عدو الله إبليس فتمثل له على صورة راع من
رعاة البقر فقال : يا أيها الفتى من أين جئت بهذه البقرة ألا تركبها فإني
أراك قد أعييت أظنك لا تملك من الدنيا مالا غير هذه البقرة فإني أعطيك
الأجر ينفعك ولا يضرها
فإني رجل من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه طعامي وزادي حتى غذا بلغت شطر الطريق أخذني وجع بطني فذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وتركني وأنا أطلبه ولست أقدر عليه فأنا أخشى على نفسي الهلاك وليس معي زاد ولا ماء فإن رأيت أن تحملني على بقرتك فتبلغني مراعي وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين ، قال الفتى : إن بني آدم ليس بالذي يقتلهم اليقين وتهلكهم أنفسهم فلو علم الله منك اليقين لبلغك بغير زاد ولا ماء ولست براكب أمرا لم أومر به إنما أنا عبد مأمور ولو علم سيدي أني عصيته في هذه البقرة لأهلكني وعاقبني عقوبة شديدة وما أنا بمؤثر هواك على هوى سيدي فانطلق يا أيها الرجل بسلام فقال له إبليس : أعطيك بكل خطوة تخطوها إلى منزلي درهما فذلك مال عظيم وتفدي نفسي من الموت في هذه البقرة ، قال الفتى : إن سيدي له ذهب الأرض وفضتها فإن أعطيتني شيئا منها علم أنه من ماله ولكن أعطني من ذهب السماء وفضتها فأقول أنه ليس هذا من مالك
فقال إبليس : وهل في السماء ذهب وفضة أو هي
يقدر أحد على هذا قال الفتى : أو هل يستطيع العبد بما لم يأمر به سيده كما
لا تستطيع أنت ذهب السماء وفضتها ، قال له إبليس : أراك أعجز العبيد في
أمرك ، قال له الفتى : إن العاجز من
عصى ربه ، قال له إبليس : ما لي لا
أرى معك زادا ولاماء قال الفتى : زادي التقوى وطعامي الحشيش وشرابي من
عيون الجبال قال إبليس : ألا آمرك بأمر يرشدك قال : مر به نفسك فإني على
رشاد إن شاء الله ، قال له إبليس : ما أراك تقبل نصيحة قال له الفتى :
الناصح لنفسه من أطاع سيده وأدى الحق الذي عليه فإن كنت شيطانا فأعوذ
بالله منك وإن كنت آدميا فأخرج فلا حاجة لي في صحابتك ، فجمد إبليس عند
ذلك ثلاث ساعات مكانه ولو ركبها له إبليس ما كان الفتى يقدر عليها ولكن
الله حبسه عنها ، فبينما الفتى يمشي إذ طار طائر من بين يديه فاختلس
البقرة ودعاها الفتى وقال : بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ألا ما
آتيتني فأتت البقرة إليه وقامت بين يديه فقالت : يا أيها الفتى ألم تر إلى
ذلك الطائر الذي طار من بين يديك فإنه إبليس عدو الله اختلسني فلما
ناديتني بإله اسرائيل جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك
بوالدتك وطاعتك إلهك فانطلق فلست ببارحتك حتى تأتي أهلك إن شاء الله ، قال : فدخل الفتى إلى أمه يخبرها الخبر فقالت : يا بني إني أراك تحتطب على ظهرك الليل والنهار فتشخص فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها فتقو به وودع به نفسك ، قال الفتى : بكم أبيعها قالت : بثلاثة دنانير على رضا مني ، فانطلق الفتى إلى السوق فبعث الله إليه ملكا من الملائكة ليري خلقه قدرته فقال للفتى : بكم تبيع هذه البقرة أيها الفتى فقال : أبيعها بثلاثة دنانير على رضا من والدتي ، قال : لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك ، فقال : لو أعطيتني زنتها لم أبعها حتى أستأمرها فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر فقالت : بعها بستة دنانير على رضا مني ، فانطلق الفتى وأتاه الملك فقال : ما فعلت فقال : أبيعها بستة دنانير على رضا من والدتي ، قال : فخذ اثني عشر دينارا ولا تستأمرها ، قال : لا
فانطلق الفتى إلى أمه فقالت : يا بني إن الذي
يأتيك ملك من الملائكة في صورة آدمي فإذا أتاك فقل له : إن والدتي تقرأ
عليك السلام وتقول : بكم تأمرني أن أبيع هذه البقرة قال له الملك : يا
أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل من بني إسرائيل وله
مال كثير ولم يترك أبوه ولدا غيره وله أخ له بنون كثيرون فيقولون كيف لنا
أن نقتل هذا الغلام ونأخذ ماله فدعوا الغلام إلى منزلهم
فقتلوه فطرحوه
إلى جانب دارهم فأصبح أهل الدار فأخرجوا الغلام إلى باب الدار وجاء بنو عم
الغلام فأخذوا أهل الدار فانطلقوا بهم إلى موسى فلم يدر موسى كيف يحكم
بينهم من أجل أن أهل الدار برآء من الغلام ، فشق ذلك على موسى فدعا ربه
فأوحى الله إليه : أن خذ بقرة صفراء فاقعا لوناه فاذبحها ثم اضرب الغلام
ببعضها ، فعمدوا إلى بقرة الفتى فاشتروها على أن يملؤوا جلدها دنانير ثم
ذبحوها ثم ضربوا الغلام ببعضها فقام يخبرهم فقال : إن بني عمي قتلوني وأهل
الدار مني برآء فأخذهم موسى فقالوا : يا موسى أتتخذنا هزوا قد قتلنا ابن
عمنا مظلوما وقد علموا أن سيفضحوا فعمدوا إلى جلد البقرة فملؤوه دنانير ثم
دفعوه إلى الفتى فعمد الفتى فتصدق بالثلثين على
فقراء بني إسرائيل وتقوى بالثلث {كذلك يحيي الله الموتى ويريكم
آياته لعلكم تعقلون}.
قوله
تعالى : ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من
الحجارة لما يتفجر منه الأتهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن
منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون.
أخرج عَبد بن
حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} قال :
من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل
{فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم
فقال {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه
الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله}.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن
جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإن من الحجارة} الآية ، أي
أن من الحجارة لألين من قلوبكم لما تدعون إليه من الحق.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد قال : كل حجر يتفجر منه
الماء أو يشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل فمن خشية الله ، نزل
بذلك القرآن.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإن
منها لما يهبط من خشية الله} قال : إن الحجر ليقع على ألرض ولو اجتمع عليه
كثير من الناس ما استطاعوه وإنه ليهبط من خشية الله.
قوله تعالى : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله
ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
أخرج
ابن إسحاق ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ثم قال الله لنبيه ومن معه
من المؤمنين يؤيسهم منهم {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم
يسمعون كلام الله} وليس قوله التوراة كلها وقد سمعها ولكنهم الذين سألوا
موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن
جَرِير عن مجاهد في قوله {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} الآية ، قال : فالذين
يحرفونه والذين يكتبونه م العلماء منهم والذين نبذوا كتاب الله وراء
ظهورهم هؤلاء كلهم يهود.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {يسمعون كلام الله} قال : هي التوراة
حرفوها.
قوله
تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون * أو لا
يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون.
أخرج ابن إسحاق ، وَابن
جَرِير عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي
بصاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : لا
تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليكم فكان منهم {ليحاجوكم
به عند ربكم} أي يقرون أنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق
بإتباعه وهو يخبرهم أنه النَّبِيّ الذي كان ينتظر ونجده في كتابنا اجحدوه
ولا تقروا به.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا} الآية
قال : هذه الآية في المنافقين من اليهود ، وقوله {بما فتح الله
عليكم} يعني بما أكرمكم به.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد
قال : قام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال يا
إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغوت ، فقالوا : من أخبر هذا الأمر
محمد ما خرج هذا الأمر إلا منكم {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} بما حكم
الله ليكون لهم حجة عليكم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن ، فقال :
رؤساء اليهود : اذهبوا فقولوا آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا فكانوا يأتون
المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر وهو قوله (وقالت طائفة من أهل
الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار وأكفروا آخره) (آل
عمران الآية 72) وكانوا يقولون : إذا دخلوا المدينة نحن مسلمون ليعلموا
خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره فكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون
فيقولون لهم : أليس قد قال لكم في التوراة كذا وكذا فيقولون : بلى ، فإذا
رجعوا إلى قومهم قالوا {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} الآية
وأخرج
ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي قال : نزلت هذه الآية في ناس من
اليهود آمنوا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به
فقال بعضهم لبعض {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} من العذاب ليقولوا نحن
أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة
أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة فجاؤوا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عالمهم
وهو ابن صوريا فقال له : احكم ، قال : فجبؤة ، والتجبئة يحملونه على حمار
ويجعلون على وجهه إلى ذنب الحمار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
: أبحكم الله حكمت قال : لا ، ولكن نساءنا كن حسانا فأسرع فيهن رجالنا
فغيرنا الحكم وفيه أنزلت {وإذا خلا بعضهم إلى بعض} الآية.
وأخرج عَبد
بن حُمَيد عن قتادة في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} قالوا :
هم اليهود وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا فصانعوهم بذلك ليرضوا
عنهم وإذا خلا بعضهم إلى بعض نهى بعضهم بعضا أن يحدثوا بما فتح الله عليهم
وبين لهم في كتابه من أمر محمد عليه
السلام رفعته ونبوته وقالوا :
إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا عليكم بذلك عند ربكم {أفلا تعقلون أو لا يعلمون
أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} قال : ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا
لقوا الذين آمنوا وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلى
الله عليه وسلم وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
وأخرج ابن جرير
عن أبي العالية في قوله {أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون} يعني من
كفرهم بمحمد وتكذيبهم به {وما يعلنون} حين قالوا للمؤمنين : آمنا.
قوله تعالى : ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون.
أخرج
ابن جرير عن ابن عباس قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا
كتابا أنزله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند
الله ، وقال : قد أخبرهم أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب
الله ورسله
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله {ومنهم أميون لا
يعلمون الكتاب} قال : منهم من لا يحسن أن يكتب.
وأخرج
ابن إسحاق ، وَابن جَرِير عن ابن عباس في قوله {ومنهم أميون لا يعلمون
الكتاب} قال : لا يدرون ما فيه {وإن هم إلا يظنون} وهم يجحدون نبؤتك بالظن.
وأخرج
ابن جرير عن مجاهد في قوله {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب} قال : ناس من
يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في
كتاب الله ويقولن هو من الكتاب أماني تمنونها.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا
أماني} قال : إلا أحاديث.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إلا أماني} قال : إلا قولا يقولون
بأفواههم كذبا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {إلا أماني}
قال : إلا كذبا {وإن هم إلا يظنون} قال : إلا يكذبون.
قوله
تعالى : فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله
ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
أخرج وكيع ، وَابن المنذر والنسائي عن ابن عباس في قوله {فويل للذين
يكتبون الكتاب بأيديهم} قال : نزلت في أهل الكتاب.
وأخرج
أحمد وهناد بن السري بن الزهد ، وعَبد بن حُمَيد والترمذي ، وَابن أبي
الدنيا في صفة النار وأبو يعلى ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والطبراني
، وَابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه ، وَابن مردويه والبيهقي
في البعث عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويل
واد في حهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره.
وأخرج ابن
جرير عن عثمان بن عفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {فويل لهم
مما كتبت أيديهم} قال : الويل جبل في النار وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم
حرفوا التوراة زادوا فيها ما أحبوا ومحوا منها ما كانوا يكرهون ومحوا اسم
محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة
وأخرج البزار ، وَابن مردويه عن
سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في النار حجرا
يقال لها ويل يصعد عليه العرفاء وينزلون فيه.
وأخرج الحربي في فوائده
عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك يا عائشة ،
فجزعت منها ، فقال لي : يا حميراء إت ويحك أو ويك رحمة فلا تحجزعي منها
ولكن اجزعي من الويل.
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن علي بن أبي طالب قال : الويح والويل
بابان ، فأما الويح فباب رحمة وأما الويل فباب عذاب.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن المنذر والطبراني والبيهقي في البعث عن ابن
مسعود قال : ويل واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن النعمان بن بشير قال : الويل
واد من فيح في جهنم
وأخرج
ابن المبارك في الزهد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في البعث
عن عطاء بن يسار قال : ويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من شدة
حره.
وأخرج هناد في الزهد ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن
أبي حاتم عن ابن عباس قال : ويل سيل من صديد في أصل جهنم وفي لفظ ويل واد
في جهنم يسيل فيه صديده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى عفرة قال : إذا سمعت الله يقول : ويل هي
النار.
وأخرج
ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فويل للذين يكتبون الكتاب} الآية ، قال
: هم أحبار اليهود وجدوا صفة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مكتوبة في
التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فلما وجدوه في التوراة محوه
حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش فقالوا : تجدون في التوراة
نبيا أميا فقالوا : نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر فأنكرت قريش
وقالوا : ليس هذا منا.
وأخرج
البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : وصف الله محمد صلى الله عليه وسلم
في التوراة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده أحبار اليهود
فغيروا صفته في كتابهم وقالوا : لا نجد نعته عندنا وقالوا للسفلة : ليس
هذا نعت النَّبِيّ الذي يحرم كذا وكذا كما كتبوه وغيروا نعت هذا كذا كما
وصف فلبسوا على الناس وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم
إياها السفلة لقيامهم على التوراة فخافوا أن تؤمن السفلة فتنقطع تلك
المأكلة.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري ، وَابن أبي حاتم
والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أنه قال : يا معشر المسلمين كيف
تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه أحدث أخبارا
لله تعرفونه غضا محضا لم يشب
وقد حدثكم الله ان أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم
الكتاب وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به
ثمنا أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلهم ولا والله ما
رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم.
وأخرج
ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال كان ناس من اليهود يكتبون كتابا من
عندهم ويبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذون ثمنا قليلا.
وأخرج
عبد الرزاق ، وَابن المنذر واين أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : كان ناس
من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ليتأكلوا الناس فقالوا : هذه من عند
الله وما هي من عند الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ليشتروا به ثمنا قليلا} قال : عرضا
من عرض الدنيا
قال فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب{وويل لهم
مما يكسبون} يقول : مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم.
وأخرج
عبد الرزاق ، وَابن أبي داود في المصاحف ، وَابن أبي حاتم عن إبراهيم
النخعي ، أنه كره كتابة المصاحف بالأجر وتلا هذه الآية {فويل للذين يكتبون
الكتاب بأيديهم} الآية.
وأخرج وكيع عن الأعمش ، أنه كره أن يكتب
المصاحف بالأجر وتأول هذه الآية {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم
يقولون هذا من عند الله}.
وأخرج وكيع ، وَابن أبي داود عن محمد بن سيرين أنه يكره شراء المصاحف
وبيعها.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد ، وَابن أبي داود عن أبي الضحى قال :
سألت ثلاثة من أهل الكوفة عن شراء المصاحف ، عبد الله بن يزيد
الخطمي ومسروق بن الأجدع وشريحا فكلهم قال : لا نأخذ لكتاب الله ثمنا.
وأخرج
ابن أبي داود من طريق قتادة عن زرارة عن مطرف قال : شهدت فتح تستر مع
الأشعري فأصبنا دانيال بالسوس وأصبنا معه ربطتين من كتان وأصبنا معه ربعة
فيها كتاب الله وكان أول من وقع عليه رجل من بلعنبر يقال له حرقوص فأعطاه
الأشعري الربطتين وأعطاه مائتي درهم وكان معنا أجير نصراني يسمى نعيما
فقال : بيعوني هذه الربعة بما فيها فقالوا : إن يكن فيها ذهب أو فضة أو
كتاب الله
قال : فإن الذي فيها كتاب الله فكرهوا أن يبيعوه الكتاب فبعناه الربعة
بدرهمين ووهبنا له الكتاب ، قال قتادة : فمن ثم كره بيع المصاحف
لأن الأشعري وأصحابه كرهوا بيع ذلك الكتاب.
وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن : أنهما كرها
بيع المصاحف.
وأخرج ابن أبي داود عن حماد بن أبي سليمان أنه سئل عن بيع المصاحف فقال :
إن إبراهيم يكره بيعها وشراءها.
وأخرج ابن أبي داود عن سالم قال : كان ابن عمر إذا أتى على الذي يبيع
المصاحف قال : بئس التجارة.
وأخرج ابن أبي داود عن عبادة بن نسي ، أن عمر كان يقول : لا تبيعوا
المصاحف ولا تشتروها.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين وإبراهيم ، أن عمر كان يكره بيع المصاحف
وشراءها.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن مسعود : أنه كره بيع المصاحف وشراءها
وأخرج ابن أبي داود من طريق نافع عن ابن عمر قال : وددت أن
الأيدي تقطع على بيع المصاحف.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن أبي داود من طريق سعيد بن جبير قال : وددت أن
الأيدي قطعت على بيع المصاحف وشرائها.
وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال : سمعت سالم بن عبد الله يقول : بئس
التجارة المصاحف.
وأخرج ابن أبي داود ، عَن جَابر بن عبد الله : أنه كره بيع المصاحف
وشراءها.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن أبي داود عن عبد الله بن شقيق العقيلي : أنه
كان يكره بيع المصاحف قال : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يشددون في بيع المصاحف ويرونه عظيما.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أنه كره بيع المصاحف
كراهية شديدة وكان يقول : أعن أخاك بالكتاب أو هب له.
وأخرج ابن أبي داود عن علي بن حسين قال : كانت المصاحف لا تباع وكان
الرجل يأتي بورقة عند المنبر فيقول من الرجل يحتسب فيكتب لي ثم يأتي الآخر
فيكتب حتى يتم المصحف.
وأخرج
ابن أبي داود عن مسروق وعلقمة وعبد الله بن يزيد الأنصاري وشريح وعبادة ،
أنهم كرهوا بيع المصاحف وشراءها وقالوا : لا نأخذ لكتاب الله ثمنا
وأخرج ابن أبي داود عن إبراهيم عن أصحابه قال : كانوا يكرهون بيع
المصاحف وشراءها.
وأخرج ابن أبي داود عن أبي العالية ، أنه كان يكره بيع المصاحف وقال :
وددت أن الذين يبيعون المصاحف ضربوا.
وأخرج ابن ابي داود عن ابن سيرين قال : كانوا يكرهون بيع المصاحف وكتابتها
بالأجر.
وأخرج
ابن أبي داود عن ابن جريج قال : قال عطاء : لم يكن من مضى يبيعون المصاحف
إنما حدث ذلك الآن وإنما يجلسون بمصاحفهم في الحجر فيقول أحدهم للرجل إذا
كان كاتبا وهو يطوف : يا فلان إذا فرغت تعال فاكتب لي ، قال : فيكتب
المصحف وما كان من ذلك حتى يفرغ من مصحفه.
وأخرج ابن أبي داود عن عمرو
بن مرة قال : كان في أول الزمان يجتمعون فيكتبون المصاحف ثم إنهم استأجروا
العباد فكتبوها لهم ثم إن العباد بعد أن كتبوها باعوها وأول من باعها هم
العباد (العباد : جمع عبد وهم قبائل شتى من العرب اجتمعوا بالحيرة على
المسيحية قبل الإسلام والنسبة عبادي)
وأخرج أبو عبيد ، وَابن أبي داود عن عمران بن جرير قال : سألت
أبا مجلز عن بيع المصاحف قال : إنما بيعت في زمن معاوية فلا تبعها.
وأخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال : كتاب الله أعز من أن يباع.
وأخرج ابن سعيد عن حنظلة قال : كنت أمشي مع طاووس فمر بقوم يبيعون المصاحف
فاسترجع ، ذكر من رخص في بيعها وشراءها.
أخرج ابن أبي داود عن ابن عباس أنه سئل عن بيع المصاحف فقال : لا بأس إنما
يأخذون أجور أيديهم.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن الحنفية أنه سئل عن بيع المصاحف قال : لا بأس
إنما يبيع الورق.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد ، وَابن أبي داود عن الشعبي قال : لا بأس ببيع
المصاحف إنهم لا يبيعون كتاب الله إنما يبيعون الورق وعمل
أيديهم.
وأخرج ابن أبي داود عن جعفر عن أبيه قال : لا بأس بشراء المصاحف وأن يعطى
الأجر على كتابتها.
وأخرج
عبد الرزاق وأبو عبيد ، وَابن أبي داود عن مطر الوراق ، أنه سئل عن بيع
المصاحف فقال : كان خيرا أو حبرا هذا الأمة لا يريان يبيعها بأسا الحسن
والشعبي.
وأخرج ابن أبي داود عن حميد ، أن الحسن كان يكره بيع المصاحف فلم يزل به
مطر الوراق حتى رخص فيه.
وأخرج ابن أبي داود من طرق عن الحسن قال : لا بأس ببيع المصاحف ونقطها
بالأجر.
وأخرج ابن أبي داود عن الحكم : أنه كان لا يرى بأسا بشراء المصاحف وبيعها
وأخرج أبو عبيد ، وَابن أبي داود عن أبي شهاب موسى بن نافع قال :
قال لي سعيد بن جبير : هل لك في مصحف عندي قد كفيتك عرضه فتشتريه.
وَأخرَج عبد الرزاق وأبو عبيد ، وَابن أبي داود من طرق عن ابن عباس قال :
اشتر المصاحف ولا تبعها.
وأخرج ابن ابي داود عن ابن عباس قال : رخص في شراء المصاحف وكره في بيعها
، قال ابن أبي داود : كذا قال رخص كأنه صار مسندا.
وأخرج أبو عبيد ، وَابن أبي داود ، عَن جَابر بن عبد الله في بيع المصاحف
قال : ابتعها ولا تبعها.
وأخرج ابن أبي داود عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ، مثله.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر ، مثله ، $
قوله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم
عند الله لن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون
أخرج
ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والطبراني
والواحدي عن ابن عباس أن يهود كانوا يقولون : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة
وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار وإنما هي سبعة
أيام معدودات ثم ينقطع العذاب فأنزل الله في ذلك {وقالوا لن تمسنا النار}
إلى قوله {هم فيها خالدون}.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن مجاهد ، مثله.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والواحدي عن ابن عباس قال : وجد
أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين فقالوا : لن يعذب أهل
النار إلا قدر أربعين فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها
حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعهودة
فقال له خزنة النار : يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا
أياما معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد فيأخذون في الصعود يرهقون على
وجوههم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ، أن اليهود قالوا : لن تمسنا النار إلا
أربعين يوما مدة عبادة العجل.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن ابي حاتم عن عكرمة
قال : اجتمعت يهود يوما فخاصموا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن
تمسنا النار إلا أياما معدودات وسموا أربعين يوما ثم يخلفنا فيها ناس
وأشاروا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ورد يده على رؤوسهم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا
نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبدا ففيهم أنزلت هذه الآية {وقالوا لن
تمسنا النار إلا أياما معدودة} يعنون أربعين ليلة.
وأخرج ابن جرير عن
زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود أنشدكم بالله
وبالتوراة التي أنزل الله على موسى يوم طور سيناء من أهل
النار
الذين أنزلهم الله في التوراة قالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في
النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا فنزل القرآن تصديقا لقول
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم {وقالوا لن تمسنا النار إلا
أياما معدودة} إلى قوله {وهم فيها خالدون}.
وأخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة
قال
لما افتتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجمعوا لي من كان ههنا من اليهود فقال لهم
: من أبوكم قال : فلان ، قال : كذبتم بل أبوكم فلان ، قالوا : صدقت وبررت
، ثم قال لهم : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه قالوا : نعم يا أبا
القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ، فقال لهم : من أهل
النار قالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها ، فقال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم : اخسئوا - والله -
لا نخلفكم فيها أبدا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {قل أتخذتم عند
الله عهدا} أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون.
وأخرج
ابن جرير عن ابن عباس قال : لما قالت اليهود ما قالت قال الله لمحمد {قل
أتخذتم عند الله عهدا} يقول : ادخرتم عند الله عهدا ، يقول : أقلتم لا إله
إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به فإن كنتم قلتموها فأرجوا بها وإن كنتم
لم تقولوها فلم تقولون على الله ما لا تعلمون.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن
قتادة في قوله {قل أتخذتم عند الله} قال : بفراكم وبزعمكم أن النار ليس
تمسكم إلا أياما معدودة يقول : إن كنتم اتخذتم عند الله عهدا بذلك فلن
يخلف الله عهده {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} قال : قال القوم :
الكذب والباطل وقالوا عليه مالا يعلمون
قوله تعالى : بلى من كسب
سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * والذين آمنوا
وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون.
أخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس في
قوله {بلى من كسب} قال : الشرك.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن مجاهد وعكرمة وقتادة ، مثله.
وأخرج ابن ابي حاتم عن أبي هريرة في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال : أحاط
به شركه.
وأخرج
ابن اسحاق ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بلى من
كسب سيئة} أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له
من حسنة {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا
الصالحات} أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة
خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع
له أبدا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {وأحاطت به خطيئته}
قال : هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار
وأخرج
وكيع ، وَابن جَرِير عن الحسن أنه سئل عن قوله {وأحاطت به خطيئته} ما
الخطيئة قال : اقرؤوا القرآن فكل آية وعد الله عليها النار فهي الخطيئة.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال :
الذنوب تحيط بالقلوب فكلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب حتى يكون هكذا
وقبض كفه ثم قال : والخطيئة كل ذنب وعد الله عليه النار.
وأخرج ابن ابي
شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن الربيع بن خيثم في قوله {وأحاطت
به خطيئته} قال : هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب.
وأخرج وكيع ، وَابن جَرِير عن الأعمش في قوله {وأحاطت به خطيئته} قال :
مات بذنبه.
قوله
تعالى : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين
إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة
وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون
أخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال
{وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} أي ميثاقكم.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل}
الآية ، قال : أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له وأن لا يعبدوا غيره.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد عن قتادة في قوله {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} قال :
ميثاق أخذه الله على بني إسرائيل فاسمعوا على ما أخذ ميثاق القوم {لا
تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا} الآية.
وأخرج عبد بن حمي عن عيسى
بن عمر قال : قال الأعمش : نحن نقرأ / {لا يعبدون إلا الله > /
بالياء
لأنا نقرأ آخر الآية {ثم تولوا} عنه وأنتم تقرؤون {ثم توليتم} فاقرؤوها لا
تعبدون.
وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله {وقولوا
للناس حسنا} قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرهم أن يأمروا بلا
إله إلا الله من لم يقلها
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وقولوا للناس حسنا} قال
: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب في قوله {وقولوا للناس
حسنا} قال : يعني الناس كلهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن عطاء وأبي جعفر في قوله {وقولوا
للناس حسنا} قالا : للناس كلهم.
وأخرج
أبو عبيد سعيد بن منصور ، وَابن المنذر عن عبد الملك بن سليمان أن زيد ابن
ثابت كان يقرأ {وقولوا للناس حسنا} وكان ابن مسعود يقرأ {وقولوا للناس
حسنا}.
وأخرج ابن اسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ثم
توليتم} أي تركتم ذلك كله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ثم توليتم} قال : أعرضتم عن طاعتي
{إلا قليلا منكم} وهم الذين اخترتهم لطاعتي.
قوله
تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم
ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم
من ديارهم تظاهرون عليهم
بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو
محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل
ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما
الله بغافل عما تعقلون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالأخرة فلا
يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون
أخرج عَبد بن حُمَيد عن عاصم ، أنه قرأ {لا تسفكون دماءكم} بنصب
التاء وكسر الفاء ورفع الكاف.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن طلحة بن مصرف أنه قرأها {تسفكون} برفع الفاء.
وأخرج
ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم}
يقول : لا يقتل بعضكم بعضا {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} يقول : لا يخرج
بعضكم بعضا من الديار ثم أقررتم بهذا الميثاق وأنتم تشهدون ، يقول : وأنتم
شهود.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في
قوله {ثم أقررتم وأنتم تشهدون} إن هذا حق من ميثاقي عليكم {ثم أنتم هؤلاء
تقتلون أنفسكم} أي أهل الشرك ختى تسفكوا دماءكم معهم {وتخرجون فريقا منكم
من ديارهم} قال : تخرجونهم من ديارهم معهم {تظاهرون عليهم بالإثم
والعدوان} فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع
الخزرج وخرجت النضير وقريظة من
الأوس وظاهر كل واحد من الفريقين
حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم فإذا وضعت أوزارها افتدوا أسراهم
تصديقا لما في التوراة {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} وقد عرفتم أن ذلك عليكم
في دينكم {وهو محرم عليكم} في كتابكم {إخراجهم} {أفتؤمنون ببعض الكتاب
وتكفرون ببعض} أتفادونهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفرا بذلك.
وأخرج ابن
جرير عن أبي العالية أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة وهو
يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ولا يفادي من وقع عليه العرب فقال
له عبد الله بن سلام : أما مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن.
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قرأ {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم}
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه قرأ {أسارى تفادوهم}.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا / {وإن يؤخذوا
تفدوهم > /.
وأخرج
ابن أبي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن أبي
عبد الرحمن السلمي قال : يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا وقرأ هذه الآية
(ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون).
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا
بالآخرة} قال : استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة.
قوله
تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن
مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم
استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {وقفينا} اتبعنا
وأخرج
ابن عساكر من طريق جوبير عن الضحاك عن ابن عباس في قوله {ولقد آتينا موسى
الكتاب} يعني التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة {وقفينا من بعده بالرسل}
يعني رسولا يدعى اشمويل بن بابل ورسولا يدعى مشتانيل ورسولا يدعى شعيا بن
أمصيا ورسولا يدعى حزقيل ورسولا يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر ورسولا
يدعى داود بن ايشا وهو أبو سليمان ورسولا يدعى المسيح عيسى بن مريم فهؤلاء
الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم للأمة بعد موسى بن
عمران وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أممهم صفة محمد صلى الله عليه
وسلم وصفة أمته.
وَأَمَّا قوله تعالى {وآتينا عيسى ابن مريم البينات}.
أخرج
ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم قال : هي الآيات التي وضعت على
يده من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام والخبر
بكثير من الغيوب وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث
الله إليه.
وَأَمَّا قوله تعالى : {وأيدناه بروح القدس}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وأيدناه} قال : قويناه.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : روح
القدس ، الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القدس الله تعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : القدس هو الرب تعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : القدس الطهر.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي قال : القدس البركة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن اسماعيل بن أبي خالد في قوله {وأيدناه
بروح القدس} قال : أعانه جبريل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : روح القدس جبريل.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عَن جَابر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
قال : روح القدس جبريل.
وأخرج
ابن سعيد وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وضع لحسان منبرا في المسجد فكان ينافح عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم أيد حسان بروح
القدس كما نافح عن نبيه.
وأخرج ابن حبان عن ابن مسعود أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : إن روح القدس نفث في روعي : إن نفسا لن تموت حتى
تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
وأخرج الزبير بن بكار في
أخبار المدينة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلمه
روح القدس لن يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه.
وَأَمَّا قوله تعالى : {ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : {فريقا} يعني
طائفة.
قوله تعالى : وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما سمي القلب لتقلبه.
أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أنه كان يقرأ {قلوبنا غلف} مثقلة كيف
تتعلم وإنما قلوبنا غلف للحكمه أي أوعية للحكمة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قلوبنا غلف} مملوءة
علما لا تحتاج إلى علم محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن عطية في قوله {وقالوا قلوبنا غلف}
قال : أوعية للعلم .
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في
قوله: (قلوبنا غلف) قال :في غطاء..
وَأخرَج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير عن ابن عباس في قوله : (قلوبنا غلف).
أي: في أكنة..
وَأخرَج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :(قلوبنا غلف) قال: هي القلوب
المطبوع عليها.
وأخرج وكيع عن عكرمة في قوله {قلوبنا غلف} قال : عليها طابع.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {وقالوا قلوبنا غلف} عليها غشاوة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {وقالوا قلوبنا
غلف} قال : قالوا لا تفقه.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص ، وَابن جَرِير عن
حذيفة قال : القلوب أربعة ، قلب أغلف فذلك قلب الكافر وقلب
مصفح
فذلك قلب المنافق وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن وقلب فيه
إيمان ونفاق فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب ومثل النفاق كمثل قرحة
يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت صاحبتها أهلكته.
وأخرج الحاكم
وصححه عن حذيفة قال : تعرض فتنة على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت في قلبه
نكتة بيضاء وأي قلب لم ينكرها نكتت في قلبه نكتة سوداء ثم تعرض فتنة أخرى
على القلوب فإن أنكرها القلب الذي أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء وإن لم
ينكرها نكتت نكتة سوداء ثم تعرض فتنة أخرى فإن أنكرها ذلك القلب الذي اشتد
وابيض وصفا ولم تضره فتنة أبدا وإن لم ينكرها في المرتين الأوليتين اسود
وارتد ونكس فلا يعرف حقا ولا ينكر منكرا.
وأخرج ابن ابي شيبة في كتاب الإيمان والبيهقي في شعب الإيمان
عن
علي رضي الله عنه قال : إن الإيمان يبدو لحظة بيضاء في القلب فكلما ازداد
الإيمان عظما ازداد ذلك البياض فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله وإن
النفاق لحظة سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد
فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله وأيم الله لو شققتم على قلب مؤمن
لوجدتموه أبيض ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود.
وأخرج أحمد بسند
جيد عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القلوب أربعة ،
قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب
مصفح وأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف
فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الكافر عرف ثم أنكر وأما
القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ومثل
الإيمان كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق كمثل القرحة
يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي موقوفا مثله سواء.
وَأَمَّا قوله تعالى : {فقليلا ما يؤمنون}.
أخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {فقليلا ما يؤمنون} قال
: لا يؤمن منهم إلا قليل.
قوله
تعالى : ولما جاءكم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل
يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على
الكافرين.
أخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {ولما
جاءهم كتاب من عند الله} قال : هو القرآن {مصدق لما معهم} قال : من
التوراة والإنجيل.
وَأَمَّا قوله تعالى : {وكانوا من قبل يستفتحون} الآية.
أخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما
في الدلائل من
طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري حدثني
أشياخ
منا قالوا : لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
منا كان معنا يهود وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن وكنا إذا بلغنا منهم ما
يكرهون قالوا : إن نبيا يبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد
وارم فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروه به ففينا - والله - وفيهم أنزل
الله {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} الآية كلها.
وأخرج
البيهقي في الدلائل من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس
وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في الآية قال : كانت العرب تمر
باليهود فيؤذونهم وكانوا يجدون محمدا في التوراة فيسألون الله أن يبعثه
نبيا فيقاتلون معه العرب فلما جاءهم محمد كفروا به حين لم يكن من بني
إسرائيل.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس
قال : كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه
وسلم يستفتحون الله يدعون على الذين كفروا ويقولون : اللهم إنا نستنصرك
بحق النَّبِيّ الأمي إلا نصرتنا عليهم فينصرون {فلما جاءهم ما عرفوا} يريد
محمدا ولم يشكوا فيه {كفروا به}
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان يهود أهل المدينة قبل قدوم
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد
وغطفان وجهينة وعذرة يستفتحون عليهم ويستنصرون يدعون عليهم باسم نبي الله
فيقولون : اللهم ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك وبكتابك الذي تنزل عليه الذي
وعدتنا إنك باعثه في آخر الزمان.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير
وأبو نعيم عن قتادة قال : كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب يقولون
: اللهم ابعث النَّبِيّ الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم فلما بعث
الله محمد كفروا به حين رأوه بعث من غيرهم حسدا للعرب وهم يعلمون أنه رسول
الله.
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن ابن عباس قال :
كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود فعاذت بهذا الدعاء :
اللهم إنا نسألك بحق محمد النَّبِيّ الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في
آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا فهزموا غطفان
فلما بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كفروا به
فأنزل الله {وكانوا من قبل يستفتحون
على الذين كفروا} يعني وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد إلى قوله
{فلعنة الله على الكافرين}.
وأخرج
ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو نعيم في
الدلائل عن ابن عباس ، أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول
الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به
وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ ابن جبل وبشر بن البراء ودادو
بن سلمة : يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد
ونحن أهل شرك وتخبرونا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته ، فقال سلام بن مشكم أحد
بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله
{ولما جاءهم كتاب من عند الله} الآية.
وأخرج أحمد ، وَابن قانع
والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن سلمة بن سلامة
وقش وكان من أهل بدر قال : كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل فخرج
علينا يوما من بيته قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير حتى وقف
على مجلس بني الأشهل
قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي
بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة
والنار قال : ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت ،
فقالوا له : ويحك يا فلان ، ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى
دار فيها جنة ونار يجزنون فيها بأعمالهم فقال : نعم والذي يحلف به يود أن
له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطيونه
عليه وإن ينجو من تلك النار غدا ، قالوا له : ويحك وما آية ذلك قال : نبي
يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن ، فقالوا : ومتى نراه
قال : فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا أن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه قال
سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه
وسلم وهو بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا ويلك يا فلان ألست
بالذي قلت لنا قال : بلى وليس به.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا}
يقول يستنصرون بخروج محمد على مشركي العرب يعني
بذلك أهل الكتاب فلما بعث الله محمدا ورأوه من غيرهم كفروا به
وحسدوه.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن سعيد بن جبير في قوله {فلما جاءهم ما
عرفوا كفروا به} قال : نزلت في اليهود عرفوا محمدا أنه نبي وكفروا به.
قوله
تعالى : بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل
الله من فضله على من يشاء من عباده فباوءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب
مهين.
أخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {بئسما
اشتروا به أنفسهم} الآية ، قال : هم اليهود كفروا بما أنزل الله وبمحمد
صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا للعرب {فباؤوا بغضب على غضب} قال : غضب
الله عليهم مرتين بكفرهم بالإنجيل وبعيسى وبكفرهم بالقرآن وبمحمد.
وأخرج
الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله
عز وجل {بئسما اشتروا به أنفسهم} قال : بئس ما باعوا به أنفسهم حيث باعوا
نصيبهم من الآخرة بطمع يسير من الدنيا ، قال : وهل تعرف ذلك قال : نعم أما
سمعت الشاعر وهو يقول :
يعطى بها ثمنا فيمنعها * ويقول صاحبها ألا تشرى.
وَأخرَج
ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بغيا أن
ينزل الله} أي أن الله جعله من غيرهم {فباؤوا بغضب} بكفرهم بهذا النَّبِيّ
{على غضب} كان عليهم فيما ضيعوه من التوراة.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فباؤوا بغضب على غضب} قال : كفرهم بعيسى وكفرهم
بمحمد.
وأخرج
ابن جرير عن مجاهد {فباؤوا بغضب} اليهود غضب بما كان من تبديلهم التوراة
قبل خروج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم {على غضب} جحودهم النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم وكفرهم بما جاء به.
قوله تعالى : وإذا قيل لهم آمنوا
بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق
مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين * ولقد
جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون.
أخرج ابن جرير عن ابي العالية في قوله {ويكفرون بما وراءه} قال : بما بعده.
وأخرج ابن جرير عن الدي في قوله {ويكفرون بما وراءه} قال : القرآن
قوله
تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة قالوا
سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به آيمانكم
إن كنتم مؤمنين.
أخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {وأشربوا في قلوبهم
العجل} قال : اشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم.
قوله تعالى : قل إن كانت لكم الدار
الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن
يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين.
أخرج
ابن جرير عن أبي العالية قال (قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو
نصارى) (البقرة الآية 111) وقالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه) (المائدة
الآية 18) فأنزل الله {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون
الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} فلم يفعلوا.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ، مثله.
وأخرج
البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال : قل لهم يا محمد {إن
كانت لكم الدار الآخرة} يعني الجنة كما زعتم {خالصة من دون الناس} يعني
المؤمنين {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} إنها لكم خالصة من دون المؤنين
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا
اللهم أمتنا فو الذي نفسي بيده لا
يقولها رجل منكم إلا غص بريقه
فمات مكانه فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم فنزل {ولن يتمنوه أبدا بما
قدمت أيديهم} يعني عملته أيديهم {والله عليم بالظالمين} أنهم لن يتمنوه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية : والله لا يتمنونه
أبدا.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في
قوله {فتمنوا الموت} أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك ولو
تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات.
وأخرج ابن جرير
عن ابن عباس في قوله (قل إن لكم الدار الآخرة) يعني الجنة {خالصة} خاصة
{فتمنوا الموت} فاسألوا الموت {ولن يتمنوه أبدا} لأنعم يعلمون أنهم كاذبون
{بما قدمت} قال : أسلفت.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن
ابن عباس قال : لو تمنى اليهود الموت لماتوا
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو تمنوا
الموت لشرق أحدهم بريقه.
وأخرج
أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي ، وَابن مردويه وأبو نعيم عن ابن
عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن اليهود تمنوا الموت
لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار.
قوله تعالى : ولتجدنهم أحرص الناس على
حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من
العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون
أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه
عن ابن عباس في قوله {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} قال : اليهود {ومن
الذين أشركوا} قال : الأعاجم.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن
أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} يعني اليهود
{ومن الذين أشركوا} وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت فهو يحب طول
الحياة وإن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع بما عنده من
العلم {وما هو بمزحزحه} قال : بمنجية.
وأخرج
سعيد بن منصور ، وَابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر والحاكم عن
ابن عباس في قوله {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} قال : هو قول الأعاجم إذا
عطس أحدهم زه هزا رسال يعني ألف سنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وما هو بمزحزحه} قال : هم الذين
عادوا جبريل.
قوله
تعالى : قل من كان عدو لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين
يديه وهدى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل
وميكائيل فإن الله عدو الكافرين.
أخرج الطيالسي والفريابي وأحمد ،
وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم
والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود نبي
الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن
لا يعلمهن إلا نبي ، قال سلوني عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ
يعقوب على نبيه لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه للتتابعني قالوا : فذلك لك ،
قالوا : أربع خلال نسألك عنها ، أخبرنا أي
طعام حرم إسرائيل على
نفسه من قبل أن تنزل التوراة وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة وكيف
الأنثى منه والذكر وأخبرنا كيف هذا النَّبِيّ الأمي في النوم ومن وليه من
الملائكة فأخذ عليهم عهد الله لئن
أخبرتكم لتتابعني فأعطوه ما شاء من
عهد وميثاق ، قال : فأنشدكم بالذي أنزل التوراة هل تعلمون أن إسرائيل مرض
مرضا طال سقمه فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه
وأحب الطعام إليه وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه
ألبانها فقالوا : اللهم نعم ، فقال : اللهم اشهد ، قال : أنشدكم بالذي لا
إله إلا هو هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ وأن ماء المرأة أصفر رقيق
فأيهما علا كان له الواد والشبه بإذن الله إن علا ماء الرجل كان ذكرا بإذن
الله وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله قالوا : اللهم نعم ، قال :
اللهم اشهد قال : فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن
النَّبِيّ الأمي هذا تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا : نعم ، قال : اللهم
اشهد عليهم ، قالوا : أنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نتابعك
أو نفارقك قال : وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه ، قالوا :
فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من
الملائكة لأتبعناك وصدقناك ، قال
: فما يمنعكم أن تصدقوه قالوا : هو عدونا ، فأنزل الله تعالى {من كان عدوا
لجبريل} إلى قوله {كأنهم لا يعلمون} فعند ذلك باؤوا بغضب على غضب.
وأخرج
ابن أبي شيبة في المصنف واسحاق بن راهويه في مسنده ، وَابن جَرِير ، وَابن
أبي حاتم عن الشعبي قال نزل عمر رضي الله عنه بالروحاء فرأى ناسا يبتدرون
أحجارا فقال : ما هذا فقالوا : يقولون أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
صلى إلى هذه الأحجار فقال : سبحان الله ، ما كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا راكبا مر بواد فحضرت الصلاة فصلى ثم حدث فقال : إني كنت أغشى
اليهود يوم دراستهم فقالوا : ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا
، قلت : وما ذاك إلا أني أعجب من كتب الله كيف يصدق بعضها بعضا كيف تصدق
التوراة والفرقان التوراة فمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوما وأنا
أكلمهم
فقلت : أنشدكم بالله وما تقرؤون من كتابه أتعلمون أنه رسول
الله قالوا : نعم ، فقلت : هلكتم والله تعلمون أنه رسول الله ثم لا
تتبعونه فقالوا : لم نهلك ولكن سألناه من يأتيه بنبوته فقال : عدونا جبريل
لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ونحو هذا فقلت فمن سلمكم من
الملائكة فقالوا : ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة وكذا ، قلت : وكيف
منزلتهما من ربهما فقالوا : أحدهما عن يمينه والآخر من الجانب الآخر ، قلت
: فإنه لا يحل لجبريل أن يعادي ميكائيل ولا يحل
لميكائيل أن يسالم عدو
جبريل وإني أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا ثم أتيت
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن أخبره فلما لقيته قال : ألا
أخبرك بآيات أنزلت علي قلت : بلى يا رسول الله فقرأ {من كان عدوا لجبريل}
حتى بلغ {الكافرين} قلت : والله يا رسول الله ما قمت من عند اليهود إلا
إليك لأخبرك بما قالوا إلي وقلت لهم فوجدت الله قد سبقني ، صحيح الإسناد
ولكن الشعبي لم يدرك عمر.
وأخرج سفيان بن عينية عن عكرمة قال كان عمر
يأتي يهود يكلمهم فقالوا : إنه ليس من أصحابك أحد أكثر إتيانا إلينا منك
فأخبرنا من صاحب صاحبك الذي يأتيه بالوحي فقال : جبريل ، قالوا : ذاك
عدونا من الملائكة ولو أن صاحبه صاحب صاحبنا لأتبعناه فقال عمر : ومن صاحب
صاحبكم
قالوا : ميكائيل ، قال : وما هما قالوا : أما جبريل فينزل
بالعذاب والنقمة وأما ميكائيل فينزل بالغيث والرحمة وأحدهما عدو لصاحبه ،
فقال عمر ، وما منزلتهما قالوا : إنهما من أقرب الملائكة منه أحدهما عن
يمينه وكلتا يديه يمين والآخر على الشق الآخر ، فقال عمر : لئن كانا كما
تقولون ما هما بعدوين ثم خرج من عندهم فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم
فدعاه فقرأ عليه {من كان عدوا لجبريل} الآية ، فقال عمر : والذي بعثك
بالحق إنه الذي خاصمتهم به آنفا.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر
لنا عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود فلما أبصروه رحبوا به فقال
عمر : والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ولكني جئت لأسمع منكم وسألوه
فقالوا : من صاحب صاحبكم فقال لهم : جبريل قالوا : ذاك عدونا من الملائكة
يطلع محمد على سرنا وإذا جاء جاء بالحرب والسنة ولكن صاحبنا ميكائيل وإذا
جاء جاء بالخصب والسلم ، فتوجه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه
حديثهم فوجده قد أنزل هذه الآية {قل من كان عدوا لجبريل} الآية
وأخرج
ابن جرير عن السدي قال لما كان لعمر أرض بأعلى المدينة يأتيها وكان ممره
على مدارس اليهود وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم وإنه دخل عليهم ذات
يوم فقال لهم : أنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء
أتجدون محمدا عندكم قالوا : نعم إنا نجده مكتوبا عندنا ولكن صاحبه
من
الملائكة الذي يأتيه بالوحي جبريل وجبريل عدونا وهو صاحب كل عذاب وقتال
وخسف ولو كان وليه ميكائيل لآمنا به فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث ،
قال عمر : فأين مكان جبريل من الله قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن
يساره ، قال عمر : فأشهدكم أن الذي عدو للذي عن يمينه عدو للذي هو عن
يساره والذي عدو للذي عن يساره عدو للذي هو عن يمينه وأنه من كان عدوهما
فإنه عدو لله ثم رجع عمر ليخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال فوجد
جبريل قد سبقه بالوحي فدعاه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ {قل من كان
عدوا لجبريل} الآية ، فقال عمر : والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا
أن أخبرك.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى ، أن يهوديا لقي عمر فقال : إن جبريل الذي يذكر صاحبكم
عدو لنا ، فقال عمر {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن
الله عدو
للكافرين} قال : فنزلت على لسان عمر وقد نقل ابن جرير الإجماع
على أن سبب نزول الآية ذلك.
وأخرج
ابن أبي شيبة وأحمد ، وعَبد بن حُمَيد والبخاري والنسائي وأبو يعلى ،
وَابن حبان والبيهقي في الدلائل عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بمقدم
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو بأرض يخترف فأتى النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، ما أول أشراط
الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه قال :
أخبرني جبريل بهن آنفا ، قال : جبريل قال : نعم ، قال : ذاك عدو اليهود من
الملائكة ، فقرأ هذه الآية {من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك} قال :
أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب وأما
أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما ما ينزع الولد إلى أبيه وأمه
فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء
الرجل نزع إليها ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فإنه نزله
على
قلبك بإذن الله} يقول : جبريل نزل بالقرآن بإذن الله يشدد به فؤادك ويربط
به على قلبك {مصدقا لما بين يديه} يقول : لما قبله من الكتب التي أنزلها
والآيات والرسل الذين بعثهم الله.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {مصدقا لما بين يديه}
قال
: من التوراة والإنجيل {وهدى وبشرى للمؤمنين} قال : جعل الله هذا القرآن
هدى وبشرى للمؤمنين لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه وانتفع به
وإطمأن إلبه وصدق بموعود الله الذي وعده فيه وكان على يقين من ذلك.
وأخرج
ابن جرير من طريق عبيد الله العكي عن رجل من قريش قال : سأل النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم اليهود فقال أسألكم بكتابكم الذي تقرؤون هل تجدونه قد بشر
بي عيسى أن يأيتكم رسول اسمه أحمد فقالوا : اللهم وجدناك في كتابنا ولكنا
كرهنا لأنك تستحل الأموال وتهرق الدماء فأنزل الله {من كان عدوا لله
وملائكته ورسله} الآية.
وَأَمَّا قوله تعالى {وجبريل وميكال}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : جبريل كقولك عبد الله جبر
عبد وإيل الله.
وأخرج
ابن ابي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في المتفق والمفترق عن ابن
عباس قال : جبريل عبد الله وميكائيل عبيد الله وكل اسم فيه إيل فهو معبد
لله.
وأخرج الديلمي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم
جبريل عبد الله واسم اسرافيل عبد الرحمن.
وأخرج
ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن علي بن حسين قال : اسم جبريل عبد الله
واسم ميكائيل عبيد الله واسم إسرافيل عبد الرحمن وكل شيء راجع إلى ايل فهو
معبد لله عز وجل.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : جبريل اسمه عبد الله وميكائيل اسمه
عبيد الله قال : والإل الله وذلك قوله (لا يرقبون في مؤمن إلا
ولاذمة) (التوبة الآية 10) قال : لا يرقبون الله.
وأخرج أبو عبيد ، وَابن المنذر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأها جبرال
ويقول جبر هو عبد وال هو الله.
وأخرج وكيع عن علقمة أنه كان يقرأ مثقلة {وجبريل وميكال}.
وأخرج وكيع ، وَابن جَرِير عن عكرمة قال : جبر عبد وايل الله وميك عبد
وايل الله واسراف عبد وايل الله.
وأخرج
الطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن عن ابن
عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل يناجيه إذ انشق
أفق السماء فأقبل جبريل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الأرض فإذا ملك
قد مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن ربك يقرئك
السلام ويخيرك بين أن تكون نبيا ملكا وبين أن تكون نبيا عبدا ، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع فعرفت أنه لي
ناصح فقلت : عبد نبي ، فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت : يا جبريل قد كنت
أردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ماشغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل
قال : هذا اسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه
صافا قدميه لايرفع
طرفه بينه وبين الرب سبعون نورا ما منها نور يدنو منه إلا احترق بين يديه
اللوح المحفوظ فإذا أذن الله في شيء في السماء أو في الأرض ارتفع ذلك
اللوح فضرب جبهته فينظر فيه فإذا كان من عملي أمرني به وإن كان من عمل
ميكائيل أمره به وإن كان من عمل ملك الموت أمره به ، قلت : يا جبريل على
أي شيء أنت قال : على الرياح والجنود ، قلت : على أي شيء ميكائيل قال :
على النبات والقطر ، قلت : على أي شيء ملك الموت قال : على قبض الأنفس وما
ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة وما ذاك الذي رأيته مني إلا خوفا من قيلم
الساعة.
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل وأفضل النبيين آدم وأفضل
الأيام يوم الجمعة وأفضل الشهور رمضان وأفضل الليالي ليلة القدر وأفضل
النساء مريم بنت عمران.
وأخرج ابن ابي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبد العزيز بن عمير قال : اسم
جبريل في الملائكة خادم الله عز وجل.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال : قال جبريل عليه السلام : إن
ربي عز وجل ليبعثني على الشيء لأمضيه فأجد الكون قد سبقني إليه.
وأخرج أبو الشيخ عن موسى بن عائشة قال : بلغني أن جبريل إمام أهل السماء.
وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن مرة قال : جبريل على ريح الجنوب.
وأخرج
البيهقي في شعب الإيمان عن ثابت قال : بلغنا أن الله تعالى وكل جبريل
بحوائج الناس فإذا دعا المؤمن قال يا جبريل احبس حاجته فإني أحب دعاءه
وإذا دعا الكافر قال : يا جبريل اقض حاجته فإني أبغض دعاءه.
وأخرج ابن
أبي شيبة من طريق عبد الله بن عبيد قال إن جبريل موكل بالحوائج فإذا سأل
المؤمن ربه قال : احبس احبس حبا لدعائه أن يزداد وإذا سأل الكافر قال :
أعطه أعطه بغضا لدعائه.
وأخرج البيهقي والصابوني في المائتين ، عَن
جَابر بن عبد الله عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إن جبريل موكل
بحاجات العباد فإذا دعا المؤمن قال :
يا جبريل احبس حاجة عبدي فإني أحبه وأحب صوته وإذا دعا الكافر
قال : يا جبريل اقض حاجة عبدي فإني أبغضه وأبغض صوته.
وأخرج
أبو الشيخ في العظمة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لجبريل : وددت أني رأيتك في صورتك قال : وتحب ذلك قال : نعم ، قال : موعدك
كذا وكذا من الليل بقيع الغرقد فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم موعده
فنشر جناحا من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى من السماء شيء.
وأخرج
أحمد وأبو الشيخ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت جبريل
مهبطا قد ملأ ما بين الخافقين عليه ثياب سندس معلق بها اللؤلؤ والياقوت.
وأخرج
أبو الشيخ عن شريح بن عبيد أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما صعد إلى
السماء رأى جبريل في خلقته منظومة أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت قال :
فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق وكنا أراه قبل ذلك على صور مختلفة
وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي وكنت أحيانا أراه كما يرى الرجل
صاحبه من وراء الغربال
وأخرج ابن جرير عن حذيفة وقتادة ، دخل حديث
بعضهم لبعض لجبريل جناحان وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا أجلى
الجبينين ورأسه حبك حبكا مثل المرجان وهو اللؤلؤ كأنه الثلج وقدماه إلى
الخضرة.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال ما بين
منكبي جبريل مسيرة خمسمائة عام للطائر السريع الطيران.
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه ، أنه سئل عن خلق جبريل فذكر أن ما بين
منكبيه من ذي إلى ذي خفق الطير سبعمائة عام.
وأخرج
ابن سعد والبيهقي في الدلائل عن عمار بن أبي عمار ، أن حمزة بن عبد المطلب
قال : يا رسول الله أرني جبريل على صورته ، قال إنك لا تستطيع أن تراه ،
قال : بلى فأرنيه ، قال : فاقعد ، فقعد فنزل جبريل على خشبة كانت الكعبة
يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
: ارفع طرفك ، فانظر فرفع طرفه فرأى قدميه مثل الزبرجد
الأخضر فخر مغشيا عليه.
وأخرج
ابن المبارك في الزهد عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل
جبريل أن يترأى له في صورته فقال جبريل : إنك لن تطيق ذلك ، قال : إني أحب
أن تفعل ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في ليلة مقمرة
فأتاه جبريل في صورته فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه ثم
أفاق وجبريل مسنده وواضع إحدى يديه على صدره والآخرى بين كتفيه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ما كنت أرى إن شيئا من الخلق هكذا فقال جبريل :
فكيف لو رأيت اسرافيل إن له لأثني عشر جناحا منها جناح في المشرق وجناح في
المغرب وإن العرش على كاهله وإنه ليتضاءل أحيانا لعظمة الله عز وجل حتى
يصير مثل الوصع حتى ما يحمل عرشته إلا عظمته.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي جعفر قال : كان أبو بكر يسمع مناجاة
جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يراه.
وأخرج
الحاكم عن ابن عباس قال : قال لي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما رأيت
جبريل لم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا ولكن أن جعل ذلك في آخر عمرك
وأخرج
أبو الشيخ عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة
لنهرا ما يدخله جبريل من دخلة فيخرج فينتفض إلا خلق الله من كل قطرة تقطر
ملكا.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي العلاء بن هارون قال : لجبريل في كل يوم انغماسة
في نهر الكوثر ثم ينتفض فكل قطرة يخلق منها ملك.
وأخرج
ابن مردويه عن ابن عباس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : إن جبريل
ليأتيني كما يأتي الرجل صاحبه في ثياب بيض مكفوفة باللؤلؤ والياقوت رأسه
كالحبك وشعره كالمرجان ولونه كالثلح أجلى الجبين براق الثنايا عليه وشاحان
من در
منظوم وجناحاه أخضران ورجلاه مغموستان في الخضرة وصورته التي صور
عليها تملأ ما بين الأفقين وقد قال صلى الله عليه وسلم : أشتهي أن أراك في
صورتك يا روح الله ، فتحول له فيها فسد ما بين الأفقين.
وأخرج أبو
الشيخ ، وَابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لجبريل هل ترى ربك قال : إن بيني وبينه لسبعين حجابا من نار أو نور
لو رأيت أدناه لاحترقت.
وأخرج
الطبراني ، وَابن مردويه وأبو نعيم في الحلية بسند واه عن أبي هرير ، أن
رجلا من اليهود أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل
احتجب الله بشيء عن خلقه غير السموات قال : نعم بينه وبين الملائكة الذين
حول العرش سبعون حجابا من نور وسبعون حجابا من نار وسبعون حجابا من ظلمه
وسبعون حجابا من رفارف الاستبرق وسبعون حجابا من ظلمة وسبعون حجابا من
رفاف السندس وسبعون حجابا من در أبيض وسبعون حجابا من در أخضر وسبعون
حجابا من در أحمر وسبعون حجابا من در أصفر وسبعون حجابا من در أخضر وسبعون
حجابا من ضياء وسبعون حجابا من ثلج وسبعون حجابا من برد وسبعون حجابا من
عظمة الله التي لا توصف قال : فأخبرني عن ملك الله الذي يليه فقال
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : إن الملك الذي يليه اسرافيل ثم جبريل ثم
ميكائيل ثم ملك الموت عليهم السلام.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي عمران
الجوني أنه بلغه أن جبريل أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يبكيك قال : ومالي لا أبكي ،
فوالله ما جفت لي عين منذ خلق الله النار مخافة أن أعصيه
فيقذفني فيها.
وأخرج
أحمد في الزهد عن رباح قال حدثت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال
لجبريل : لم تأتني إلا وأنت صار بين عينيك قال : إني لم أضحك منذ خلقت
النار.
وأخرج أحمد في مسنده وأبو الشيخ عن أنس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لجبريل : مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط قال : ما ضحك ميكائيل
منذ خلقت النار.
وأخرج أبو الشيخ عن عبد العزيز بن أبي رواد قال نظر
الله إلى جبريل وميكائيل وهما يبكيان فقال الله : ما يبكيكما وقد علمتما
أني لا أجور ، فقالا : يا رب إنا لا نأمن مكرك ، قال : هكذا فافعلا فإنه
لا يأمن مكري إلا كل خاسر.
وأخرج أبو الشيخ من طريق الليث عن خالد بن سعيد قال : بلغنا أن اسرافيل
يؤذن لأهل السماء فيؤذن لاثنتي عشرة ساعة من النهار ولاثنتي
عشرة
ساعة من الليل لكل ساعة تأذين يسمع تأذينه من في السموات السبع ومن في
الأرضين السبع إلا الجن والإنس ثم يتقدم بهم عظيم الملائكة فيصلي بهم ،
قال : وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة في البيت المعمور.
وأخرج الحكيم
الترمذي عن زيد بن رفيع قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل
وميكائيل وهو يستاك فناول رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل السواك فقال
جبريل : كبر ، قال جبريل : ناول ميكائيل فإنه أكبر.
وأخرج أبو الشيخ عن
عكرمة بن خالد أن رجلا قال : يا رسول الله أي الخلق أكرم على الله عز وجل
قال : لا أدري ، فجاءه جبريل عليه السلام فقال : يا جبريل أي الخلق أكرم
على الله قال : لا أدري ، فعرج جبريل ثم هبط فقال : أكرم الخلق على الله
جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب
المرسلين وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنيت وكل ورقة تسقط
وأما ملك الموت فهو موكل بقبض كل روح عبد في بر أو بحر وأما إسرافيل فأمين
الله بينه وبينهم.
وأخرج أبو الشيخ ، عَن جَابر بن عبد الله قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب الخلق إلى الله جبريل وميكائيل
واسرافيل وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة
جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره واسرافيل بينهما.
وأخرج
أبو الشيخ عن خالد بن أبي عمران قال : جبريل أمين الله إلى رسله وميكائيل
يتلقى الكتب التي تلقى من أعمال الناس واسرافيل كمنزلة الحاجب.
وأخرج
سعيد بن منصور وأحمد ، وَابن أبي داود في المصاحف وأبو الشيخ في العظمة
والحاكم وصححه ، وَابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسرافيل صاحب الصور وجبريل عن يمينه
وميكائيل عن يساره وهو بينهما.
وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال : إن أدنى
الملائكة من الله جبريل ثم ميكائيل فإذا ذكر عبدا بأحسن عمله قال : فلان
بن فلان عمل كذا وكذا من طاعتي صلوات الله عليه ثم سأل
ميكائيل جبريل ما أحدث ربنا فيقول :
فلان
بن فلان ذكر بأحسن عمله فصلى عليه صلوات الله عليه ثم سأل ميكائيل من يراه
من أهل السماء فيقول : ماذا أحدث ربنا فيقول : ذكر فلان بن فلان بأحسن
عمله فصلى عليه صلوات الله عليه فلا يزال يقع إلى الأرض ، وإذا ذكر عبدا
بأسوأ عمله قال : عبدي فلان بن فلان عمل كذا وكذا من معصيتي فلعنتي عليه
ثم سأل ميكائيل جبريل ماذا أحث ربنا فيقول : ذكر فلان بن فلان بأسوأ عمله
فعليه لعنة الله فلا يزال يقع من سماء إلى سماء حتى يقع إلى الأرض.
وأخرج الحاكم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيراي
من السماء جبريل وميكائيل ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر.
وأخرج
البزار والطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
الله أيدني بأربعة وزراء اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من
أهل الأرض أبي بكر وعمر.
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة ، أن
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إن في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة
والآخر يأمر باللين وكل مصيب جبريل وميكائيل ، ونبيان أحدهما يأمر باللين
والآخر يأمر بالشده وكل مصيب وذكر
إبراهيم ونوحا ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين والآخر يأمر بالشده
وكل مصيب وذكر أبا بكر وعمر.
وأخرج
البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن
عمرو قال جاء فئام الناس إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا
رسول الله زعم أبو بكر أن الحسنات من الله والسيئات من العباد وقال عمر :
الحسنات والسيئات من الله فتابع هذا قوم وهذا قوم ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : لأقضين بينكما بقضاء اسرافيل بين جبريل وميكائيل إن
ميكائيل قال بقول أبي بكر وقال جبريل بقول عمر ، فقال جبريل لميكائيل :
إنا متى تختلف أهل السماء تختلف أهل الأرض فلنتحاكم إلى اسرافيل فتحاكما
إليه فقضى بينهما بحقيقة القدر خيره وشره وحلوه ومره كله من الله ثم قال :
يا أبا بكر إن الله لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس ، فقال أبو بكر :
صدق الله ورسوله
وأخرج الحاكم عن أبي المليح عن أبيه أنه صلى مع النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم ركعتي
الفجر
فصلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين قال : فسمعته يقول :
اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل ومحمد أعوذ بك من النار ثلاث مرات.
وأخرج
أحمد في الزهد عن عائشة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أغمي عليه وراسه
في حجرها فجعلت تمسح وجهه وتدعو له بالشفاء فلما أفاق قال : لا بل أسأل
الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل واسرافيل عليهم السلام.
قوله
تعالى : ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون * أو كلما
عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون * ولما جاءهم رسول من عند
الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم
كأنهم لا يعلمون.
أخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن
ابن عباس قال قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما جئتنا
بشيء نعرفه ما أنزل الله عليك من آية بينة فأنزل الله في ذلك {ولقد أنزلنا
إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون} وقال مالك بن الضيف : حين بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم
في محمد والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاقا فأنزل الله
تعالى {أو كلما عاهدوا عهدا} الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله {ولقد
أنزلنا
إليك آيات بينات} يقول : فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك
، وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه ففي
ذلك عبرة لهم وبيان وحجة عليهم لو كانوا يعلمون.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {نبذه} قال : نقضه.
وأخرج
ابن جرير عن ابن جريج في قوله {نبذه فريق منهم} قال : لم يكن في الأرض عهد
يعاهدون إليه إلا نقضوه ويعاهدون اليوم وينقضون غدا قال : وفي قراءة عبد
الله : نقضه فريق منهم.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ولما جاءهم
رسول من عند الله مصدق لما معهم} الآية ، قال : ولما جاءهم محمد صلى الله
عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا
بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت كأنهم لا يعلمون ما في التوراة من الأمر
باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه.
قوله تعالى : واتبعوا ما
تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون
الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد
حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء
وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا
ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به
أنفسهم لو كانوا يعلمون
أخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور ، وَابن
جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والحاكم وصحه عن ابن عباس قال :
إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب
عليها ألف كذبة فاشربتها قلوب الناس واتخذوها دواوين فاطلع الله على ذلك
سليمان بن داود فأخذها فقذفها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان
بالطريق فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه
الممنع قالوا : نعم ، فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسخها الأمم وأنزل الله عذر
سليمان فيما قالوا من السحر فقال {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك
سليمان} الآية.
وأخرج النسائي ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان
آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم الأعظم وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان
ويدفنه تحت كرسيه فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين
سحرا وكفرا وقالوا : هذا
الذي كان سليمان يعمل به فاكفره جهال الناس
وسبوه ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد
{واتبعوا ما تتلوا الشياطين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما ذهب ملك سليمان ارتد فئام من
الجن
والإنس واتبعوا الشهوات فلما رجع إلى سليمان ملكه وقام الناس على الدين
ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه وتوفي حدثان ذلك فظهر الجن والإنس على
الكتب بعد وفاة سليمان وقالوا : هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه
عنا فأخذوه فجعلوه دينا فأنزل الله {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} أي
الشهوات التي كانت الشياطين تتلو وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر
الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كان سليمان إذا أراد أن يدخل
الخلاء أو يأتي شيئا من شأنه أعطى الجرادة وهي امرأته خاتمه فلما أراد
الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذلك اليوم خاتمه فجاء
الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي ، فأخذه فلبسه فلما لبسه
دانت له الشياطين والجن والإنس فجاءها سليمان فقال : هاتي خاتمي ، فقالت :
كذبت لست سليمان ، فعرف أنه بلاء ابتلي به فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك
الأيام كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ثم أخرجوها فقرؤوها
على الناس وقالوا : إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب فبرى ء الناس
من سليمان وأكفروه حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه {وما
كفر
سليمان ولكن الشياطين كفروا}.
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب
قال : قال اليهود : انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان مع
الأنبياء إنما كان ساحرا يركب الريح فأنزل الله {واتبعوا ما تتلوا
الشياطين} الآية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن ابي حاتم عن أبي العالية قال
: إن اليهود سألوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم زمانا عن أمور من التوراة
لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوا عنه فيخصمهم فلما
رأوا ذلك قالوا هذا أعلم بما أنزل علينا منا وأنهم سألوه عن السحر وخاصموه
به فأنزل الله {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} الآية ، وأن الشياطين عمدوا
إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك فدفنوه تحت مجلس
سليمان وكان سليمان لا يعلم الغيب فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك
السحر وخدعوا به الناس وقالوا : هذا علم كان سليمان يكتمه
ويحسد الناس عليه فأخبرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث
فرجعوا من عنده وقد حزنوا وأدحض الله حجتهم
وأخرج
سعيد بن منصور عن خصيف قال : كان لسليمان إذا نبتت الشجرة قال : لأي داء
أنت فتقول : لكذا وكذا ، فلما نبتت الشجرة الخرنوبة قال : لأي شيء أنت
قالت : لمسجدك أخربه ، فلم يلبث أن توفي فكتب الشياطين كتابا فجعلومه في
مصلى سليمان فقالوا : نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به فانطلقوا
فاستخرجوا ذلك الكتاب فغذا فيه سحر ورقى فأنزل الله {واتبعوا ما تتلوا
الشياطين} إلى قوله {وما أنزل على الملكين} وذكر أنها في قراءة أبي (وما
يتلى على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما
نحن فتنة فلا تكفر) سبع مرار فإن أبى إلا أن يكفر علماه فيخرج منه نور حتى
يسطع في السماء قال : المعرفة التي كان يعرف.
وأخرج ابن جرير ، وَابن
المنذر عن أبي مجلز قال : أخذ سليمان من كل دابة عهدا فإذا أصيب رجل فيسأل
بذلك العهد خلي عنه فرأى الناس بذلك السجع والسحر وقالوا : هذا كان يعمل
به سليمان ، فقال الله {وما كفر سليمان} الآية
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وما تتلو} قال : ما تتبع.
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله {ما تتلوا الشياطين} قال : يراد ما تحدث.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {على ملك سليمان} يقول : في ملك
سليمان.
وأخرج
ابن جرير عن قتادة في قوله {وما كفر سليمان} يقول : ما كان عن مشورته ولا
رضا منه ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه {يعلمون الناس السحر وما أنزل
على الملكين} فالسحر سحران سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت.
وأخرج
ابن جرير عن السدي في قوله {وما أنزل على الملكين} قال : هذا سحر خاصموه
به فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : أما السحر فإنما يعلمه الشياطين وأما الذي
يعلمه الملكان فالتفريق بين المرء وزوجه
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في
قوله {وما أنزل على الملكين} قال : التفرقة بين المرء وزوجه.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما أنزل على
الملكين} قال : لم ينزل الله السحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي في الآية قال : هما ملكان من ملائكة السماء.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبزى ، أنه كان يقرؤها (وما أنزل على
الملكين داود وسليمان).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ، أنه قرأ {وما أنزل على الملكين} وقال :
هما علجان من أهل بابل.
وأخرج البخاري في تاريخه ، وَابن المنذر عن ابن عباس {وما أنزل
على الملكين} يعني جبريل وميكائيل {ببابل هاروت وماروت} يعلمان
الناس السحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية {وما أنزل على الملكين} قال : ما أنزل على
جبريل وميكائيل السحر.
وَأَمَّا قوله تعالى : {ببابل}.
أخرج
أبو داود ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في "سُنَنِه" ، عَن عَلِي ، قال : إن
حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونه.
وأخرج
الدينوري في المجالسة ، وَابن عساكر من طريق نعيم بن سالم - وهو متهم - عن
أنس بن مالك قال : لما حشر الله الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحا شرقية
وغربية وقبلية وبحرية فجمعتهم إلى بابل فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا
له إذ نادى مناد : من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره واقتصد إلى
البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء ، فقام يعرب بن قحطان فقيل له :
يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو فكان أول من تكلم بالعربية فلم يزل
المنادي ينادي : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا حتى افترقوا على اثنين
وسبعين لسانا وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن فسميت بابل وكان اللسان يومئذ
بابليا وهبطت ملائكة الخير والشر وملائكة الحياء والإيمان
وملائكة الصحة والشفاء وملائكة الغنى وملائكة الشرف وملائكة
المروءة وملائكة الجفاء وملائكة الجهل
وملائكة
السيف وملائكة البأس حتى انتهوا إلى العراق فقال بعضهم لبعض : افترقوا ،
فقال ملك الإيمان : أنا أسكن المدينة ومكة ، فقال ملك الحياء : أنا أسكن
معك ، وقال ملك الشفاء : أسكن البادية ، فقال ملك الصحة : وأنا معك ، وقال
ملك الجفاء : وأنا أسكن المغرب ، فقال ملك الجهل ، وأنا معك ، وقال ملك
السيف : أنا أسكن الشام ، فقال ملك البأس : وأنا معك ، وقال ملك الغنى :
أنا أقيم ههنا ، فقال ملك المروءة : أنا معك ، فقال ملك الشرف : وأنا
معكما ، فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق.
وأخرج ابن عساكر
بسند فيه مجاهيل عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن الله عز وجل خلق أربعة أشياء وأردفها أربعة اشياء خلق الجدب
وأردفه الزهد وأسكنه الحجاز وخلق العفة وأردفها الغفلة وأسكنها اليمن وخلق
الرزق وأردفه الطاعون وأسكنه الشام وخلق الفجور وأردفه الدرهم وأسكنه
العراق.
وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن يسار قال : كتب عمر بن الخطاب
إلى كعب الأحبار أن اختر لي المنازل ، فكتب إليه يا أمير المؤمنين أنه
بلغنا أن
الأشياء اجتمعت فقال السخاء : أريد اليمن ، فقال حسن الخلق
: أنا معك ، وقال الجفاء : أريد الحجاز ، فقال الفقر : أنا معك ، قال
البأس : أريد الشام ، فقال السيف : أنا معك ، وقال العلم : أريد العراق ،
فقال العقل : أنا معك ، وقال الغنى : أريد مصر ، فقال الذل : أنا معك ،
فاختر لنفسك يا أمير المؤمنين فلما ورد الكتاب على عمر قال : العراق إذن
فالعراق إذن.
وأخرج ابن عساكر عن حكيم بن جابر قال : أخبرت أن الإسلام
قال : أنا لاحق بأرض الشام ، قال الموت : وأنا معك ، قال الملك : وأنا
لاحق بأرض العراق ، قال القتل : وأنا معك ، قال الجوع : وأنا لاحق بأرض
العرب ، قالت الصحة : وأنا معك.
وأخرج ابن عساكر عن دغفل قال : قال
المال : أنا أسكن العراق ، فقال الغدر : أنا أسكن معك ، وقالت الطاعة :
أنا أسكن الشام ، فقال الجفاء : أنا أسكن معك ، وقالت المروءة : أنا أسكن
الحجاز ، فقال : وأنا أسكن معك.
وأما قوله تعالى : {هاروت وماروت} قد تقدم حديث ابن عمر في قصة آدم وبقيت
آثار أخر
أخرج سعيد ، وَابن جَرِير والخطيب في تاريخه عن نافع قال : سافرت مع ابن عمر فلما كان من آخر الليل قال : يا نافع انظر هل طلعت الحمراء قلت : لا مرتين أو ثلاثا ثم قلت : قد طلعت ، قال : لا مرحبا بها ولا أهلا ، قلت : سبحان الله ، نجم مسخر سامع مطيع قال : ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة قالت : يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب قال : إني ابتليتهم وعافيتكم ، قالوا : لو كنا مكانهم ما عصيناك ، قال : فاختاروا ملكين منكم فلم يألوا جهدا أن يختاروا فاختاروا هاروت وماروت فنزلا فالقى الله عليهم الشبق ، قلت : وما الشبق قال : الشهوة ، فجاءت امرأة يقال لها الزهرة فوقعت في قلوبهما فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه ثم قال أحدهما للآخر : هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي قال : نعم فطلباها لأنفسهما فقالت : لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان به فأبيا ثم سألاها أيضا فأبت ففعلا فلما استطيرت طمسها الله كوكبا وقطع أجنحتهما ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما فقال : إن شئتما رددتكما إلى ما
كنتما عليه فإذا كان
يوم القيامة عذبتكما وإن شئتما عذبتكما في الدنيا فإذا كان يوم القيامة
رددتكما إلى ما كنتما عليه ، فقال أحدهما لصاحبه : إن عذاب الدنيا ينقطع
ويزول فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة ، فأوحى الله إليهما : أن
ائتيا بابل ، فانطلقا إلى بابل فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض
معذبان إلى يوم القيامة.
وأخرج سعيد بن منصور عنمجاهد قال : كنت مع ابن
عمر في سفر فقال لي : ارمق الكوكب فإذا طلعت أيقظني فلما طلعت أيقظته
فاستوى جالسا فجعل ينظر إليها ويسبها سبا شديدا فقلت : يرحمك الله أبا عبد
الرحمن نجم ساطع مطيع ماله تسبه فقال : أما إن هذه كانت بغيا في بني
إسرائيل فلقي الملكان منها ما لقيا.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من
طريق موسى بن جبير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أشرفت الملائكة
على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالت : يا رب ما أجهل هؤلاء ما
أقل معرفة هؤلاء بعظمتك
فقال
الله : لو كنتم في مسالخهم لعصيتموني ، قالوا : كيف يكون هذا ونحن نسبح
بحمدك ونقدس لك قال : فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت ثم أهبطا
إلى الأرض وركبت فيهما شهوات مثل بني آدم ومثلت لهما امرأة فما عصما حتى
واقعا المعصية فقال الله : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فنظر أحدهما
إلى صاحبه قال : ما تقول فاختر قال : أقول أن عذاب الدنيا ينقطع وأن عذاب
الآخرة لا ينقطع فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكر الله في كتابه {وما
أنزل على الملكين} الآية.
وأخرج إسحاق بن راهويه ، وعَبد بن حُمَيد ،
وَابن أبي الدنيا في العقوبات ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ في العظمة
والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال : إن هذه الزهرة تسميها العرب
الزهرة والعجم أناهيذ وكان الملكان يحكمان بين الناس فأتتهما فأرادها كل
واحد عن غير علم صاحبه فقال أحدهما : يا أخي إن في نفسي بعض الأمر أريد أن
أذكره لك ، قال : اذكره لعل الذي في نفسي مثل الذي في نفسك فاتفقا على أمر
في ذلك ، فقالت المرأة : ألا تخبراني بما تصعدان به إلى السماء وبما
تهبطان به إلى الأرض فقالا : باسم الله الأعظم ، قالت : ما أنا بمؤاتيتكما
حتى تعلمانيه ، فقال أحدهما لصاحبه : علمها إياه ، فقال : كيف لنا بشدة
عذاب الله قال الآخر : إنا نرجو سعة رحمة الله فعلمها إياه فتكلمت به
فطارت إلى السماء ففزع ملك في السماء لصعودها فطأطأ رأسه فلم يجلس بعد
ومسخها الله كوكبا.
وأخرج ابن راهويه ، وَابن مردويه عن علي بن أبي
طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الزهرة فإنها هي
التي فتنت الملكين هاروت وماروت.
وأخرج عَبد بن حُمَيد والحاكم وصححه عن أبي العباس قال : كانت الزهرة
امرأة في قومها يقال لها في قومها بيذخت.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد عن ابن عباس قال : إن المرأة التي فتن
بها الملكان مسخت فهي هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة.
وأخرج
موحد بن عبد الرزاق ، وَابن أبي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي
الدنيا في كتاب العقوبات ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم
والبيهقي في شعب الإيمان من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن
عمر عن كعب قال : ذكرت
الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب
فقيل : لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل الذي يأتون فاختاروا منكم اثنين
فاختاروا هاروت وماروت فقيل لهما : أني أرسل إلى بني آدم رسلا فليس بيني
وبينكما رسول أنزلكما لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال
كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا
جميع ما نهيا عنه.
وأخرج
الحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر ، أنه كان يقول : أطلعت
الحمراء بعد فإذا رآها قال : لا مرحبا ، ثم قال : إن ملكين من الملائكة
هاروت وماروت سألا الله أن يهبطا إلى الأرض فأهبطا إلى الأرض فكانا يقضيان
بين الناس فإذا أمسيا تكلما بكلمات فعرجا بها إلى السماء فقيض الله لهما
امرأة من أحسن الناس وألقيت عليهما الشهوة فجعلا يؤخرانها وألقيت في
نفسيهما فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعادا فأتتهما للميعاد فقالت :
كلماني الكلمة التي تعرجان بها فعلماها الكلمة فتكلمت بها فعرجت إلى
السماء فمسخت فجعلت كما ترون فلما أمسيا تكلما بالكلمة فلم يعرجا فبعث
إليهما إن شئتما فعذاب الآخرة وإن شئتما فعذاب الدنيا إلى أن تقوم الساعة
، فقال أحدهما لصاحبه : بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف فهما يعذبان إلى
يوم القيامة .
وأخرج إسحاق بن راهويه ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي الدنيا في العقوبات ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال :إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة والعجم أناهيد وكان الملكان يحكمات بين الناس فأتتهما فأرادها كل واحد منهما عن غير علم صاحبه فقال أحدهما: ياأخي إن في نفسي بعض الأمر أريد أن أذكره لك قال: اذكره لعل الذي في نفسي مثل الذي في نفسك فاتفقا على أمر في ذلك فقالت لهما المرأة: ألا تخبراني بما تصعدان به إلى السماء وبما تهبطان به إلى الأرض فقالا : باسم الله الأعظم قالت : ما أنا بمؤاتيتكما حتى تعلمانيه فقال أحدهما لصاحبه علمها إياه فقال كيف لنا بشدة عذاب الله قال الآخر: إنا نرجو سعة رحمة الله فعلمها إياه فتكلمت به فطارت إلى السماء ففزع ملك في السماء لصعودها فطأطأ رأسه فلم يجلس بع ومسحها الله فكانت كوكبا .
وأخرج
ابن رهويه ، وَابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : لعن الله الزهرة فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت
وماروت.
وأخرج عَبد بن حُمَيد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كانت الزهرة امرأة
يقال لها في قومها : بيذخت ..
وَأخرَج
عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد عن ابن عباس قال : إن المرأة التي فتن بها
الملكان مسخت فهي هذه الكواكب الحمراء . يعني الزهرة ..
وأخرج ابن أبي
حاتم عن مجاهد قال : كنت نازلا عند عبد الله بن عمر في سفر فلما كان ذات
ليلة قال لغلامه : انظر طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها
الله هي صاحبة الملكين قالت الملائكة : كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون
الدم الحرام وينتهكون محارمك ويفسدون في الأرض قال : إني قد ابتليتهم فلعل
أن أبتليكم بمثل الذي ابتليتهم به
فعلتم كالذي يفعلون ، قالوا : لا
، قال : فاختاروا من خياركم اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما :
إني مهبطكما إلى الأرض ومعاهد إليكما أن لا تشركا ولا تزنيا ولا تخونا ،
فأهبطا إلى الأرض وألقى عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة
امرأة فتعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت : إني على دين لا يصلح لأحد أن
يأتيني إلا من كان على مثله ، قالا : وما دينك قالت : المجوسية ، قالا :
أنشرك هذا شيء لا نقر به ، فمكثت عنهما ما شاء الله ثم تعرضت لهما
فأراداها عن نفسها فقالت : ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على
هذا مني فافتضح وإن أقررتما لي بديني
وشرطتما أن تصعدا بي إلى السماء
فعلت ، فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ثم صعدا بها إلى السماء فلما
انتهيا إلى السماء اختطفت منهما وقطعت أجنحتهما فوقعا خائفين نادمين
يبكيان ، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا
: لو أتينا فلانا فسألناه يطلب لنا التوبة ، فأتياه فقال : رحمكما الله
كيف تطلب أهل الأرض لأهل السماء قالا : إما ابتلينا ، قال : ائتياني يوم
الجمعة فأتياه فقال : ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية
فأتياه فقال : اختارا فقد خيرتما إن أحببتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة
وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله ، فقال أحدهما
: الدنيا لم يمض منها إلا القليل
وقال الآخر : ويحك ، إني قد أطعتك
في الأول فأطعني الآن وأن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى ، قال : إننا يوم
القيامة على حكم الله فأخاف أن يعذبنا ، قال : لا إني أرجو أن علم الله
أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة لا يجمعهما الله علينا ، قال
فاختارا عذاب الدنيا فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار
أعاليهما أسافلهما قال ابن كثير : إسناده يد وهو أثبت وأصح إسنادا من
رواية معاوية بن صالح عن نافع.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم
والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال : لما وقع الناس
من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في
السماء : رب هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك وقد وقعوا فيما
وقعوا فيه وركبوا الكفر وقتل النفس وأكل مال الحرام والزنا والسرقة وشرب
الخمر فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرنهم ، فقيل : إنهم في غيب فلم يعذروهم ،
فقيل لهم : اختاروا منكم من أفضلكم ملكي آمرهما وأنهاهما فاختاروا هاروت
وماروت فأهبطا إلى الأرض وجعل لهما شهوات بني آدم وأمرهما أن يعبداه
ولا
يشركا به شيئا ونهاهما عن قتل النفس الحرام وأكل مال الحرام وعن الزنا
وشرب الخمر فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان
إدريس وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب
، وأنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول وأراداها عن نفسها فأبت إلا أن
يكونا على أمرها ودينها فسألاها عن دينها فأخرجت لهما صنما فقالت : هذا
أعبده ، فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا.
فذهبا فغبرا ما شاء الله ثم
أتيا عليها فأراداها عن نفسها ففعلت مثل ذلك فذهبا ثم أتيا فأراداها عن
نفسها فلما رأت أنهما أبيا أن يعبدا الصنم قال لهما : اختارا أحد الخلال
الثلاث ، إما أن تعبدا هذا الصنم أو أن تقتلا هذا النفس ووإما أن تشربا
هذا الخمر فقالا : كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثة شرب الخمر ، فأخذت منهما
فواقعا المرأة فخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه فلما ذهب عنهما السكر
وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أراد أن يصعد إلى السماء فلم يستطيعا وحيل
بينهما وبين ذلك وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء فنظرت الملائكة
إلى ما وقعا فيه فعجبوا كل العجب وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية
فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فنزل في ذلك
(والملائكة
يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) (الشورى الآية 5) ، فقيل لهما :
اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقالا : أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع
ويذهب وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل
فهما يعذبان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن أهل سماء الدنيا
أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي فقالوا : يا رب أهل الأرض
يعملون بالمعاصي فقال الله : أنتم معي وهم غيب عني ، فقيل لهم : اختاروا
منكم ثلاثة : فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض يحكمون بين أهل
الأرض وجعل فيهم شهوة الآدميين - فأمروا أن لا يشربوا خمرا ولا يقتلون
نفسا ولا يزنوا ولا يسجدوا لوثن ، فاستقال منهم واحد فأقيل فأهبط اثنان
إلى الأرض فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها أناهيلة فهوياها جميعا ثم
أتيا منزلها فاجتمعا عندها فأراداها فقالت لهما : لا حتى تشربا خمري
وتقتلا ابن جاري وتسجدوا لوثني ، فقالا : لا نسجد ، ثم شربا من الخمر ثم
قتلا ثم سجدا فأشرف أهل السماء عليهما وقالت لهما : أخبراني بالكلمة التي
إذا قلتماها طرتما فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه
الزهرة وأما
هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة
فاختارا عذاب الدنيا فهما مناطان بين السماء والأرض.
وأخرج ابن جرير من
طريق أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود ، وَابن عباس قالا : لما كثر بنو آدم
وعصوا دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال : ربنا لا تمهلهم ، فأوحى الله
إلى الملائكة : أني أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ولو تركتكم لفعلتم
أيضا ، قال : فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا لعصموا فأوحى اله إليهم : أن
اختاروا ملكين من أفضلكم ، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض وأنزلت
الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس يمونها بيدخت ، قال : فواقعاها
بالخطيئة فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا فلما وقعا بالخطيئة
استغفروا لمن في الأرض فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب
الدنيا.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن
المنذر من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله في هذه الآية ، كانا
ملكين من الملائكة فأهبطا ليحكما بين الناس وذلك أن الملائكة سخروا من
حكام بني آدم فحاكمت إليهما امرأة فخافا لها ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما
وبين
ذلك وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا.
وأخرج
سعيد بن منصور عن خصيف قال : كنت مع مجاهد فمر بنا رجل من قريش فقال له
مجاهد : حدثنا ما سمعت من أبيك قال : حدثني أبي : أن الملائكة حين جعلوا
ينظرون إلى أعمال بني آدم وما يركبون من المعاصي الخبيثة وليس يستر الناس
من الملائكة شيء فجعل بعضهم يقول لبعض : انظروا إلى بني آدم كيف يعملون
كذا وكذا ما أجرأهم على الله يعيبونهم بذلك فقال الله لهم : لقد سمعت الذي
تقولون في بني آدم فاختاروا منكم ملكين أهبطهما إلى الأرض وأجعل فيهما
شهوة بني آدم فاختاروا هاروت وماروت فقالوا : يا رب ليس فينا مثلهما ،
فأهبطا إلى الأرض وجعلت فيهما شهوة بني آدم ومثلت لهما الزهرة في صورة
امرأة فلما نظرا إليها لم يتمالكا أن تناولا ما الله أعلم به وأخذت الشهوة
بأسماعهما وأبصارهما فلما أرادا أن يطيرا إلى السماء لم يستطيعا فأتاهما
ملك فقال : إنكما قد فعلتما ما فعلتما فاختاراعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة
، فقال أحدهما للآخر : ماذا ترى قال : أرى أن أعذب في الدنيا ثم أعذب أحب
إلي من أن أعذب ساعة واحدة في الآخرة فهما معلقان منكسان في السلاسل وجعلا
فتنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن الله أفرج السماء إلى
ملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم فلما أبصروهم يعملون بالخطايا قالوا :
يا رب هؤلاء بنو
آدم الذي خلقت بيدك وأسجدت له ملائكتك وعلمته أسماء
كل شيء يعملون بالخطايا ، قال : أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل
أعمالهم ، قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى
الأرض فاختاروا هاروت وماروت وأهبطا إلى الأرض وأحل لهما ما فيها من شيء
غير أنهما لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا ولا يزنيا ولا يشربا الخمر ولا
يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق فعرض لهما امرأة قد قسم لها نصف
الحسن يقال لها بيذخت فلما أبصراها أراداها قالت : لا إلا أن تشركا بالله
وتشربا الخمر وتقتلا النفس وتسجدا لهذا الصنم ، فقالا : ما كنا نشرك بالله
شيئا فقال أحدهما للآخر : أرجع إليها ، فقالت : لا إلا أن تشربا الخمر
فشربا حتى ثملا ودخل عليهما سائل فقتلاه فلما وقعا فيما وقعا فيه أفرج
الله السماء لملائكته فقالوا : سبحانك ، أنت أعلم ، فأوحى الله إلى سليمان
بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا
فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت وجعلا ببابل.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن
أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احذروا
الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت.
وأخرج
الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أخي عيسى : معاشر الحواريين احذروا الدنيا لا تسحركم لهي والله أشد
سحرا من هاروت وماروت واعلموا أن الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة وإن لكل
واحدة منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة دون بني الدنيا فاليوم عمل ولا
حساب وغدا الحساب ولا عمل.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن
عبد الله بن بسر المازني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا
الدنيا فو الذي نفسي بيده إنها لأسحر من هاروت وماروت.
وأخرج ابن جرير
عن الربيع قال : لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي
والكفر بالله قالت الملائكة في السماء : أي رب هذا العالم إنما خلقتهم
لعبادتك وطاعتك وقد ركبوا الكفر وقتل النفس الحرام وأكل المال
الحرام
والسرقة
والزنا وشرب الخمر فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم ، فقيل لهم : إنهم في
غيب فلم يعذروهم فقيل لهم : اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري وأنهاهما عن
معصيتي ، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض وجعل بهما شهوات بني
إسرائيل وأمرا أن يعبدا الله ولا يشركا به شيئا ونهيا عن قتل النفس الحرام
وأكل المال الحرام والسرقة والزنا وشرب الخمر فلبثا على ذلك في الأرض
زمانا يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان إدريس ، وفي ذلك الزمان امرأة
حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب وأنها أبت عليهما فخضعا
لها بالقول وأراداها على نفسها وأنها أبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها
وأنهما سألاها عن دينها الذي هي عليه فأخرجت لهما صنما فقالت : هذا أعبده
، فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فصبرا ما شاء الله ثم أتيا
عليها فخضعا لها ما شاء الله بالقول وأراداها على نفسها فقالت : لا إلا أن
تكونا على ما أنا عليه ، فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا ، فلما رأت
أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما : اختارا أحدى الخلال الثلاث ،
إما أن تعبدا الصنم أو تقتلا النفس أو تشربا الخمر فقالا : كل هذا لا
ينبغي وأهون الثلاثه
شرب الخمر ، وسقتهما الخمر حتى إذا أخذت الخمرة
فيهما وقعا بها فمر إنسان وهما في ذلك فخشيا أن يفشي عليهما فقتلاه ، فلما
أن ذهب عنهما السكر عرفا ما قد وقعا فيه من الخطيئه وأرادا أن يصعدا إلى
السماء فلم يستطيعا وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء فنظرت
الملائكة إلى ما قد وقعا فيه من الذنوب وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل
خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فلما وقعا فيما وقعا فيه من
الخطيئة قيل لهما : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب اللآخرة فقالا : أما عذاب
الدنيا فينقطع ويذهب وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الآخرة
فجعلا ببابل فهما يعذبان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن
هاروت وماروت أهبطا إلى الأرض فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد
النهي وقالا له : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، وذلك أنهما علما الخير والشر
والكفر والإيمان فعرفا أن السحر من الكفر فإذا ابى عليهما أمراه أن يأتي
مكان كذا وكذا فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه فإن تعلمه خرج منه النور
فينظر إليه ساطعا في
السماء.
وأخرج ابن جرير ، وَابن ابي حاتم
والحاكم وصححه والبيهقي في "سُنَنِه" عن عائشة أنا قالت : قدمت على امرأة
من أهل دومة الجندل تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة
ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به ، قالت : كان لي زوج
غاب عني فدخلت على عجوز فشكوت إليها فقالت : إن فعلت ما آمرك فأجعله يأتيك
فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين فركبت أحدهما وركبت الآخر فلم يكن
كشيء حتى وقفنا ببابل فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما فقالا : ما جاء بك
فقلت : أتعلم السحر ، فقالا : إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي ، فأبيت
وقلت : لا ، قالا : فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي به ثم ائتي فذهبت فاقشعر
جلدي وخفت ثم رجعت إليهما فقلت : قد فعلت ، فقالا : ما رأيت فقلت : لم أر شيئا ، فقالا : كذبت لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك فأبيت ، فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي به وذهبت فبلت فيه فرأيت فارسا مقنعا بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء وغاب عني حتى ما أراه وجئتهما فقلت : قد فعلت ، فقالا : فما رأيت فقلت : رأيت فارسا مقنعا خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه ، قالا : صدقت ذلك إيمانك خرج منك اذهبي ، فقلت للمرأة : والله ما أعلم شيئا ولا قالا لي شيئا ، فقالت : لا لم تريدي شيئا إلا كان خذي هذا القمح فابذري فبذرت وقلت اطلعي فاطلعت قلت احقلي فاحقلت ثم قلت افركي فأفركت ثم قلت ايبسي فأيبست ثم قلت اطحني فأطحنت ثم قلت اخبزي فأخبزت فلما رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان سقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئا ولا أفعله أبدا فسألت رسول أصحاب الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ متوافرون فما دروا ما يقولون لها وكلهم خاف أن يفتيها بما لا يعلمه إلا أنه قد قال لها ابن عباس أو بعض من كان عنده لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك
وأخرج ابن المنذر من طريق
الأوزاعي عن هارون بن رباب قال : دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل
قد ثنيت له وسادة وهو متكى ء عليها فقالوا هذا قد لقي هاروت وماروت ، فقلت
: هذا ، قالوا : نعم ، فقلت حدثنا رحمك الله ، فأنشلأ يحدث فلم يتمالك من
الدموع فقال : كنت غلاما حدثا ولم أدرك أبي وكانت
أمي تعطيني من المال
حاجتي فأنفقه وأفسده وأبذره ولا تسألني أمي عنه فلما طال ذلك وكبرت أحببت
أن أعلم من أين لأمي هذه الأموال فقلت لها يوما : من أين لك هذه الأموال
فقالت : يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك فأححت عليها فقالت : إن أباك
كان ساحرا فلم أزل اسألها وألح فأدخلتني بيتا فيه أموال كثيرة فقالت : يا
بني هذا كله لك فكل وتنعم ولا تسأل عنه ، فقلت : لا بد من أن أعلم من أين
هذا ، قال : فقالت : يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك ، قال : فألححت
عليها فقالت : إن أباك كان ساحرا وجمع هذه الأموال من السحر ، قال : فأكلت
ما أكلت
ومضى ما مضى ثم تفكرت قلت : يوشك أن يذهب هذا المال ويفنى فينبغي أن أتعلم السحر فأجمع كما جمع أبي فقلت لأمي : من كان خاصة أبي وصديقه من أهل الأرض قالت : فلان لرجل في مكان ما ، فتجهزت فأتيته فسلمت عليه فقال : من الرجل قلت : فلان بن فلان صديقك ، قال : نعم مرحبا ما جاء بك فقد ترك أبوك من المال ما لا يحتاج إلى أحد قال : فقلت : جئت لأتعلم السحر ، قال : يا بني لا تريده لا خير فيه ، قلت : لابد من أن أتعلمه ، قال : فناشدني وألح علي أن لا أطلبه ولا أريده ، فقلت : لا بد من أن أتعلمه ، قال : أما إذا أبيت فاذهب فإذا كان يوم كذا وكذا فوافن ههنا ، قال : ففعلت فوافيته قال : فأخذ يناشدني أيضا وينهاني ويقول : لا تريد السحر لا خير فيه ، فأبيت عليه فلما رآني قد أبيت قال : فإني أدخلك موضعا فإياك أن تذكر الله فيه ، قال :
فأدخلني في سرب تحت الأرض ، قال :
فجعلت أدخل ثلثمائة وكذا مرقاة ولا أنكر من ضوء النهار شيئا قال : فلما
بلغت أسفله إذا أنا بهاروت وماروت معلقان بالسلاسل في الهواء قال : فإذا
أعينهما كالترسة ورؤوسهما ذكر شيئا لا أحفظه ولهما أجنحة فلما نظرت إليهما
قلت : لا إله إلا الله قال : فضربا بأجنحتهما ضربا شديدا وصاحا صياحا
شديدا ساعة ثم سكتا ثم قلت : أيضا لا إله إلا الله ففعلا مثل ذلك ثم قلت
الثالثة ففعلا مثل ذلك أيضا ثم سكتا وسكت فنظرا إلي فقالا لي : آدمي ،
فقلت : نعم ، قال : قلت ما بالكما حين ذكرت الله فعلتما ما فعلتما ، قالا
: إن ذلك اسم لم نسمعه من حين خرجنا من تحت العرش.
قالا : من أمة من
قلت : من أمة محمد ، قالا : أو قد بعث قلت : نعم ، قالا : اجتمع الناس على
رجل واحد أو هم مختلفون قلت : قد اجتمعوا على
رجل واحد ، قال :
فساءهما ذلك فقالا : كيف ذات بينهم قلت سيى ء ، فسرهما ذلك فقالا : هل بلغ
البنيان بحيرة الطبرية قلت : لا ، فساءهما ذلك فسكتا ، فقلت لهما : ما
بالكما حين أخبرتكما باجتماع الناس على رجل واحد ساءكما ذلك فقالا : إن
الساعة لم تقرب ما دام الناس على رجل واحد ، قلت : فما بالكما سركما حين
أخبرتكما بفساد ذات البين قالا : لأنا رجونا اقتراب الساعة ، قال : قلت :
فما بالكما ساء كما أن البنيان لم يبلغ بحيرة الطبرية قالا : لأن الساعة
لا تقوم أبدا حتى يبلغ البنيان بحيرة الطبرية ، قال : قلت لهما : أوصياني
، قالا : إن قدرت أن لا تنام فافعل فإن الأمر جد.
وأخرج ابن جرير ،
وَابن أبي حاتم عن مجاهد قال : وأما شأن هاروت وماروت فإن الملائكة عجبت
من ظلم بني آدم وقد جاءتهم الرسل والبينات فقال لهم ربهم : اختاروا منكم
ملكين أنزلهما في الأرض بين بني آدم فاختاروا فلم يألوا بهاروت وماروت
فقال لهما حين أنزلهما : أعجبتما من بني آدم ومن ظلمهم ومعصيتهم وإنما
تأتيهم الرسل والكتب من وراء وراء وأنتما ليس بيني وبينكما رسول فافعلا
كذا وكذا
ودعا كذا وكذا فأمرهما بأمر ونهاهما ثم نزلا على ذلك ليس
أحد لله أطوع منهما فحكما فعدلا فكانا يحكمان النهار بين بني آدم فإذا
أمسيا عرجا وكانا مع الملائكة وينزلان حين يصبحان فيحكمان فيعدلان حتى
أنزلت عليهما الزهرة في أحسن صورة امرأة تخاصم فقضيا عليها ، فلما قامت
وجد كل واحد منهما في نفسه فقال أحدهما لصاحبه : وجدت مثل ما وجدت قال :
نعم ، فبعثا إليها أن ائتينا نقض لك ، فلما رجعت قضيا لهاوقالا لها :
ائتينا فأتتهما فكشفا لها عن عورتها وإنما كانت شهوتهما في أنفسهما ولم
يكونا كبني آدم في شهوة النساء ولذتها فلما بلغا ذلك واستحلاه وافتتنا
طارت الزهرة فرجعت حيث كانت فلما أمسيا عرجا فزجرا فلم يؤذن لهما ولم
تحملهما أجنحتهما فاستغاثا برجل من بني آدم فأتياه فقالا : ادع لنا ربك ،
فقال : كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء قالا : سمعنا ربك يذكرك بخير في
السماء ، فوعدهما يوما وعدا
يدعو لهما
فدعا لهما فاستجيب له
فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فنظر أحدهما إلى صاحبه فقالا : نعلم
أن أفواج عذاب الله في االآخرة كذا وكذا في الخلد نعم ومع الدنيا سبع مرات
مثلها فأمرا أن ينزلا ببابل فثم عذابهما وزعم أنهما معلقان في الحديد
مطويان يصطفقان بأجنحتهما.
وأخرج الزبير بن البكار في الموفقيات ،
وَابن مردويه والديلمي عن علي أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن
المسوخ فقال : هم ثلاثة عشر ، الفيل والدب والخنزير والقرد والجريث والضب
والوطواط والعقرب والدعموص والعنكبوت والأرنب وسهيل والزهرة فقيل : يا
رسول الله وما سبب مسخهن فقال : أما الفيل فكان رجلا جبارا
لوطيا لا
يدع رطبا ولا يابسا وأما الدب فكان مؤنثا يدعو الناس إلى نفسه وأما
الخنزير فكان من النصارى الذين سألوا المائدة فلما نزلت كفروا وأما القردة
فيهود اعتدوا في السبت وأما الجريث فكان ديوثا الرجال إلى حليلته وأما
الضب فكان أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه وأما الوطواط فكان رجلا يسرق الثمار
من رؤوس النخل وأما العقرب فكان رجلا لا يسلم أحد من لسانه وأما الدعموص
فكان نماما يفرق بين الأحبة وأما العنكبوت فامرأة سحرت زوجها وأما الأرنب
فامرأة كانت لا تطهر من حيض وأما سهيل فكان عشارا باليمن وأما الزهرة
فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت.
وأخرج
الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاء
جبريل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه
فيه فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا جبريل مالي أراك
متغير اللون فقال : ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : يا جبريل صف لي النار وانعت لي جهنم ، فقال جبريل :
إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها
ألف عام حتى ابيضت ثم
امر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت
فهي سوداء مظلمة لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها والذي بعثك بالحق لو أن ثقب
إبرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعا من حره والذي بعثك بالحق لو
أن ثوبا من ثياب الكفار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعا من
حره والذي بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا
إليه
لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه والذي بعثك بالحق
لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال
الدنيا لأرفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم حسبي يا جبريل فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
جبريل وهو يبكي فال : تبكي يا جبريل وأنت من الله
بالمكان الذي أنت
فيه فقال : وما لي لا أبكي أنا أحق بالبكاء لعلي أكون في علم الله على غير
الحال التي أنا عليها وما أدري لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس فقد كان من
الملائكة وما أدري لعلي ابتلى بما ابتلي به هاروت وماروت فبكى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل فما زالا يبكيان حتى نوديا : أن يا جبريل
ويا محمد إن الله قد أمنكما أن تعصياه.
وَأَمَّا قوله تعالى : {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة}.
أخرج ابن جرير عن الحسين وقتادة قالا : كانا يعلمان السحر فأخذ عليهما أن
لا يعلما أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله {إنما نحن فتنة} قال : بلاء.
وَأَمَّا قوله تعالى : {فلا تكفر}.
أخرج البزار والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود قال : من أتى كاهنا أو
ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
وأخرج
البزار عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا
من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن عقد عقدة ومن
أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.
وأخرج عبد الرزاق
عن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم شيئا من
السحر قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من الله.
وَأَمَّا قوله تعالى : {فيتعلمون منهما} الآية.
أخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {فيتعلمون منهما ما
يفرقون به بين المرء وزوجه} قال : يؤخرون أحدهما عن صاحبه ويبغضون أحدهما
إلى صاحبه.
وأخرج ابن جرير عن سفيان في قوله {إلا بإذن الله} قال : بقضاء الله.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن قتادة في قوله {ولقد علموا} قال : لقد علم أهل
الكتاب فيما يقرؤون من كتاب الله وفيما عهد
لهم أن الساحر لا خلاق له عند الله يوم القيامة.
وأخرج
مسلم ، عَن جَابر بن عبد الله عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إن
الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة
أعظمهم عنده فتنة فيقول : ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا ،
فيقول إبليس : لا والله ما صنعت شيئا ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت
بينه وبين أهله فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول : نعم أنت.
وأخرج أبو
الفرج الأصبهاني في الأغاني عن عمرو بن دينار قال : قال الحسن بن علي بن
أبي طالب لذريح أبي قيس : أحل لك إن فرقت بين نفسي وبيني وأما سمعت عمر بن
الخطاب يقول : ما أبالي أفرقت بين الرجل وامرأته أو مشيت إليهما بالسيف.
وأخرج ابن ماجة عن أبي رهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أفضل الشفاعة أن يشفع بين اثنين في النكاح
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ما له في الآخرة من خلاق}
قال : قوام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ما له في الآخرة من خلاق} قال :
من نصيب.
وأخرج
الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله
عز وجل {ما له في الآخرة من خلاق} قال : من نصيب ، قال : وهل تعرف العرب
ذلك قال : نعم أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول : يدعون بالويل فيها
لا خلاق لهم إلا سرابيل من قطر وأغلال.
وَأخرَج ابن جرير عن مجاهد {ما له في الآخرة من خلاق} قال : من نصيب.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير عن الحسن {ما له في الآخرة من خلاق} قال
: ليس له دين.
وَأَمَّا قوله تعالى : {ولبئس ما شروا} الآية
أخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ولبئس ما
شروا} قال : باعوا.
قوله تعالى : ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا
يعلمون.
أخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن لو
فإنه لا يكون أبدا.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {لمثوبة} قال : ثواب.
قوله تعالى : يا آيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا
وللكافرين عذاب أليم.
أخرج
ابن المبارك في الزهد وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور في "سُنَنِه"
وأحمد في الزهد ، وَابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب
الإيمان عن ابن عباس ، أن رجلا أتاه فقال : اعهد إلي ، فقال : إذا سمعت
الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فأوعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى
عنه
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن أبي شيبة وعبد ين حميد ، وَابن المنذر
، وَابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن خيثمة قال : ما تقرؤون في القرآن
{يا أيها الذين آمنوا} فإنه في التوراة يا أيها المساكين.
وأخرج عَبد بن حُمَيد وأبو الشيخ عن خيثمة قال : ما كان في القرآن {يا
أيها الذين آمنوا} فهو في التوراة والإنجيل يا أيها المساكين.
وأخرج
أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال {راعنا} بلسان اليهود السب القبيح
فكان اليهود يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرا فلما سمعوا أصحابه
يقولون أعلنوا بها فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم فأنزل الله الآية.
وأخرج
أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال {لا تقولوا راعنا} وذلك أنها سبة
بلغة اليهود ، فقال تعالى {وقولوا انظرنا} يريد اسمعنا فقال المؤمنون
بعدها : من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه فانتهت اليهود بعد ذلك.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله !
{لا تقولوا راعنا} قال : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم
أرعنا سمعك وإنما راعنا كقولك أعطنا.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن المنذر عن السدي قال : كان رجلان من اليهود مالك بن
الصيف ورفاعة بن زيد إذا لقيا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالا له وهما
يكلمانه : راعنا سمعك واسمع غير مسمع فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل
الكتاب يعظمون به أنبياءهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأنزل
الله {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} الآية.
وأخرج ابن المنذر ،
وَابن أبي حاتم عن أبي صخر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدبر
ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين فقالوا : أرعنا سمعك فأعظم الله رسوله
أن يقال له ذلك وأمرهم أن يقولوا انظرنا ليعززوا رسوله ويوقروه.
وأخرج
عبد ين حميد ، وَابن جَرِير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة في قوله {لا
تقولوا راعنا} قال : قولا كانت اليهود تقوله استهزاء فكرهه الله للمؤمنين
أن يقولوا كقولهم
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتاده في
قوله {لا تقولوا راعنا} قال : كان أناس من اليهود يقولون : راعنا سمعك حتى
قالها أناس من المسلمين فكره الله لهم ما قالت اليهود.
وأخرج ابن جرير ، وَابن اسحاق عن ابن عباس في قوله {لا تقولوا راعنا} أي
ارعنا سمعك.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن ماهد في قوله {لا تقولوا راعنا}
قال : خلافا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {لا تقولوا راعنا} لا تقولوا اسمع منا
ونسمع منك {وقولوا انظرنا} أفهمنا بين لنا.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : إن مشركي العرب كانوا إذا حدث بعضهم
بعضا يقول أحدهم لصاحبه : أرعني سمعك ، فنهوا عن ذلك.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير والنحاس في ناسخه عن عطاء في قوله
{لا تقولوا راعنا} قال : كانت لغة في الأنصار في الجاهلية
ونهاهم الله أن يقولوها وقال {وقولوا انظرنا واسمعوا}.
وأخرج ابن ابي حاتم عن الحسن أنه قرأ : راعنا وقال : الراعن من يقول
السخري منه.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {واسمعوا} قال : اسمعوا ما يقال لكم.
وأخرج
أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أنزل الله آية فيها {يا أيها الذين آمنوا} إلا وعلي رأسها وأميرها ،
قال أبو نعيم : لم نكتبه مرفوعا إلا من حديث ابن أبي خيثمة والناس رأوه
موقوفا.
قوله تعالى : ما يودالذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن
ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل
العظيم.
أخرج ابن ابي حاتم عن مجاهد {والله يختص برحمته من يشاء} قال : القرآن
والسلام.
قوله
تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله
على كل شيء قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون
الله من ولي ولا نصير.
أخرج ابن ابي حاتم والحاكم في الكنى ، وَابن عدي ، وَابن عساكر
عن
ابن عباس قال كان مما ينزل على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل
وينساه بالنهار فأنزل الله {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو
مثلها}.
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال : قرأ رجلان من الأنصار سورة
أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانا يقرآن بها فقاما يقرآن ذات
ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : إنها مما نسخ أو نسي فالهوا عنه فكان الزهري يقرؤها {ما
ننسخ من آية أو ننسها} بضم النون خفيفة.
وأخرج البخاري والنسائي ،
وَابن الأنباري في المصاحف والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال :
قال عمر : اقرؤنا أبي واقضانا علي وإنا لندع شيئا
من قراءة أبي وذلك أن أبيا يقول : لا ادع شيئا سمعته من رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد قال الله (ما ننسخ من آية أو ننساها).
وأخرج
عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه ، وَابن في المصاحف
والنسائي ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والحاكم
وصححه
عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ (ما ننسخ من آية أو ننساها) فقيل له : إن سعيد
بن المسيب يقرأ {ننسها} قال سعد : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا آل
المسيب قال الله (سنقرئك فلا تنسى) (الأعلى الآية 6) ، (واذكر ربك إذا
نسيت) (الكهف الآية 24).
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن ابي
حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله (ما ننسخ من آية أو
ننساها) يقول : ما نبدا من آية أو نتركها لا نبدلها {نأت بخير منها أو
مثلها} يقول : خير لكم في المنفعة وأرفق بكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : خطبنا عمر فقال : يقول الله تعالى
(ماننسخ من آية أو ننساها) أي نؤخرها.
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد أنه قرأ (أو ننساها)
وأخرج أبو داود في ناسخه عن مجاهد قال في قراءة أبي ((ماننسخ من
آية أو ننسك)).
وَأخرَج
آدم بن إياس ولأبو داود في ناسخه ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم
والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد عن اصحاب ابن مسعود في قوله {ما
ننسخ من آية} قال : نثبت خطها ونبدل حكمها (أو ننساها) قال : نؤخرها عندنا.
وأخرج آدم ، وَابن جَرِير والبيهقي عن عبيد بن عمير الليثي في قوله {ما
ننسخ من آية أو ننسها} يقول : أو نتركها نرفعها من عندهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر عن الضحاك قال : في قراءة ابن مسعود
((ما ننسك من آية أو ننسخها)).
وأخرج
عَبد بن حُمَيد وأبو داود في ناسخه ، وَابن جَرِير عن قتادة قال : كانت
الآية تنسخ الآية وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة وما شاء الله من
السورة ثم ترفع فينسيها الله نبيه فقال الله يقص على نبيه {ما ننسخ من آية
أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} يقول : فيها تخفيف فيها رخصة فيها أمر
فيها نهي
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال {ما ننسخ من آية
أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} ثم
قال (وإذا بدلنا آية مكان آية) (النحل الآية 101) وقال (يمحو الله ما يشاء
ويثبت) (الرعد الآية 39).
وأخرج أبو داود ، وَابن جَرِير عن ابي
العالية قال : يقولون (ماننسخ من آية أو ننساها) كان الله أنزل أمورا من
القرآن ثم رفعها ، فقال {نأت بخير منها أو مثلها}.
وأخرج ابن جرير عن
الحسن في قوله {أو ننسها} قال : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرى ء قرآنا
ثم أنسيه فلم يكن شيئا ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرءونه.
وأخرج أبو
داود في ناسخه ، وَابن المنذر ، وَابن الأنباري في المصاحف وأبو ذر الهروي
في فضائله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كانت معه سورة فقام من
الليل فقام بها فلم يقدر عليها وقام آخر بها فلم يقدر عليها وقام آخر بها
فلم يقدر عليها فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا عنده
فأخبروه فقال : إنها نسخت البارحة.
وأخرج أبو داود في ناسخه والبيهقي في الدلائل
من
وجه آخر عن أبي أمامة أن رهطا من الأنصار من أصحاب النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم أخبروه أن رجلا قام من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد
وعاها فلم يقدر منها على شيء إلا بسم الله الرحمن الرحيم ووقع ذلك لناس من
أصحابه فأصبحوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السورة فسكت ساعة
لم يرجع إليهم شيئا ثم قال : نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شيء
كانت فيه.
وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه ،
وَابن الضريس ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن حبان والبيهقي في
الدلائل عن أنس قال : أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه
حتى نسخ بعد أن بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا.
وأخرج
مسلم ، وَابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أبي موسى
الأشعري قال : كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير
أني
حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لأبتغى واديا ثالثا ولا يملأ
جوفه إلا التراب ، وكنا نقرأ سورة نشبهها
بإحدى
المسبحات أولها سبح لله ما في السموات فأنسيناها غير أني حفظت منها : يا
أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، فتكتب شهادة في أعناقكم
فتسألون عنها يوم القيامة.
وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وَابن الضريس عن
أبي موسى الأشعري قال : نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت وحفظت
منها : إن الله سيؤيد الدين بأقوام لا خلاق لهم.
وأخرج ابن الضريس :
ليؤيدن الله هذا الدين برجال ما لهم في الآخرة من خلاق ولو أن لابن آدم
واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب إلا من
تاب فيتوب الله عليه والله غفور رحيم.
وأخرج أبو عبيد وأحمد والطبراني
في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي واقد الليثي قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه أتيناه فعلمنا ما أوحي إليه قال : فجئته
ذات يوم فقال إن الله يقول : إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
ولو أن لابن آدم واديا لأحب أن يكون إليه
الثاني ولو كان له الثاني لأحب أن يكون إليهما ثالثهما ولا يملأ
جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
وأخرج
أبو داود وأحمد وأبو يعلى والطبراني عن زيد بن أرقم قال : كنا نقرأ على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة
لأبتغى الثالث ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
وأخرج
أبو عبيد وأحمد ، عَن جَابر بن عبد الله قال : كنا نقرأ : لو أن لابن آدم
ملء واد مالا لأحب إليه مثله ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله
على من تاب.
وأخرج أبو عبيد والبخاري ومسلم عن ابن عباس قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب أن
له إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ،
قال ابن عباس : فلا
أدري أمن القرآن هو أم لا.
وأخرج البزار ، وَابن الضريس عن بريدة سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
يقرأ في الصلاة : لو
أن لابن آدم واديا من ذهب لأبتغى إليه ثانيا ولو أعطي ثانيا لأبتغى ثالثا
لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
وأخرج
ابن الأنباري عن أبي ذر قال : في قراءة أبي بن كعب : ابن آدم لو أعطي
واديا من مال لأبتغى ثانيا ولألتمس ثالثا ولو أعطي واديين من مال لألتمس
ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه
كفر بكم وإن كفر بكم أن ترغيوا عن آبائكم.
وأخرج
عبد الرزاق وأحمد ، وَابن حبان عن عمر بن الخطاب قال إن الله بعث محمدا
بالحق وأنزل معه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم ورجمنا بعده
ثم قال : قد كنا نقرأ : ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن
آبائكم
وأخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني عن عمر بن الخطاب قال :
كنا نقرأ فيما نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ثم قال لزيد بن
ثابت : أكذلك يا زيد قال : نعم.
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق
عدي بن عدي بن عمير بن قزوة عن أبيه عن جده عمير بن قزوة ، أن عمر بن
الخطاب قال لأبي : أوليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : إن انتفاءكم
من آبائكم كفر بكم فقال : بلى ، ثم قال : أوليس كنا نقرأ : الولد للفراش
وللعاهر الحجر ، فيما فقدنا من كتاب الله فقال أبي : بلى.
وأخرج أبو
عبيد ، وَابن الضريس ، وَابن الأنباري عن المسور بن مخرمة قال : قال عمر
لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : إن جاهدوا كما جاهدتم أول
مرة ، فإنا لا نجدها قال : أسقطت من القرآن.
وأخرج أبو عبيد ، وَابن
الضريس ، وَابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال : لا يقولن أحدكم قد
أخذت القرآن كله ما يدريه ما كله قد ذهب
منه قرآن كثير ولكن ليقل : قد أخذت ما ظهر منه.
وأخرج
ابن أبي شيبة في المصنف ، وَابن الأنباري والبيهقي في الدلائل عن عبيدة
السلماني قال : القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في
العام الذي قبض فيه هذه القراءة التي يقرؤها الناس التي جمع عثمان الناس
عليها.
وأخرج ابن الأنباري ، وَابن اشتة في المصاحف عن ابن سيرين قال :
كان جبريل يعارض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كل سنة في شهر رمضان فلما
كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين فيرون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة
الأخيرة.
وأخرج ابن الأنباري عن أبي ظبيان قال : قال لنا ابن عباس : أي
القراءتين تعدون أول قلنا : قراءة عبد الله وقراءتنا هي الأخيرة ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه جبريل القرآن كل سنة مرة في
شهر رمضان وأنه عرضه عليه في آخر سنة مرتين فشهد منه عبد الله ما نسخ وما
بدل.
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد قال : قال لنا ابن عباس : أي القراءتين
تعدون
أول قلنا : قراءة عبد الله وقراءتنا هي الأخيرة ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يعرض عليه جبريل القرآن كل سنة مرة في شهر رمضان وأنه عرضه
عليه في آخر سنة مرتين فقراءة عبد الله آخرهن.
وأخرج ابن الأنباري عن
ابن مسعود قال : كان جبريل يعارض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالقرآن في
كل سنة مرة وأنه عارضه بالقرآن في آخر سنة مرتين فأخذته من النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم ذلك العام.
وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال : لو أعلم أحدا أحدث بالعرضة الأخيرة
مني لرحلت إليه.
وأخرج
الحاكم وصححه عن سمرة قال : عرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث عرضات فيقولون : إن قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة.
وأخرج أبو
جعفر النحاس في ناسخه عن أبي البختري قال : دخل علي بن أبي طالب المسجد
فإذا رجل يخوف فقال : ما هذا فقالوا : رجل يذكر الناس ، فقال : ليس برجل
يذكر الناس ولكنه يقول أنا فلان بن فلان فاعرفوني فأرسل إليه فقال : أتعرف
الناسخ من المنسوخ فقال : لا ، قال : فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه
وأخرج
ابو داود والنحاس كلاهما في الناسخ والمنسوخ والبيهقي في "سُنَنِه" عن أبي
عبد الرحمن السلمي قال : مر علي بن أبي طالب برجل يقص فقال : أعرفت الناسخ
والمنسوخ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت.
وأخرج النحاس والطبراني عن
الضحاك بن مزاحم قال : مر ابن عباس بقاص يقص فركله برجله وقال : أتدري
الناسخ والمنسوخ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت.
وأخرج الدارمي في مسنده
والنحاس عن حذيفة قال : إنما يفتي الناس أحد ثلاثة رجل يعلم ناسخ القرآن
من منسوخه وذلك عمر ورجل قاض لايجد من القضاء بدا ورجل أحمق متكلف فلست
بالرجلين الماضيين فأكره أن أكون الثالث.
قوله تعالى : أم تريدون أن
تسألوا كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل
* ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند
أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن
الله على كل شيء قدير * وأقيموا الصلوة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم
من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير.
أخرج ابن إسحاق ،
وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال رافع بن حريملة ووهب
بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا
من السماء نقرؤه أو فجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله في ذلك {أم
تريدون
أن تسألوا رسولكم} إلى قوله {سواء السبيل} وكان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن
أخطب من أشد اليهود حسدا للعرب إذ خصهم الله برسوله وكانا جاهدين في رد
الناس عن الإسلام ما استطاعا فأنزل الله فيهما {ود كثير من أهل الكتاب}.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن ابي حاتم عن أبي العالية قال : قال رجل يا رسول الله لو
كانت كفاراتنا ككفارات بني إسرائيل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما أعطيتم خير كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على
بابه وكفارتها فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا وإن لم يكفرها كانت له
خزيا في الآخرة وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك قال (ومن يعمل سوءا أو يظلم
نفسه) (النساء الآية 110) الآية والصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات
لما بينهن ، فأنزل الله {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} الآية.
وأخرج ابن
جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن السدي قال : سألت العرب محمدا
صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله فيروه جهرة فنزلت هذه الآية
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد
قال سألت قريش محمد صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، فقال :
نعم وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم فأبوا ورجعوا ، فأنزل الله {أم
تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} أن يريهم الله جهرة.
وأخرج ابن جرير عن ابي العالية في قوله {ومن يتبدل الكفر بالإيمان} يقول :
يتبدل الشدة بالرخاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فقد ضل سواء السبيل} قال : عدل عن
السبيل.
وأخرج
أبو داود ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن كعب بن
مالك قال كان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم
رسول الله
صلى الله عليه وسلم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى
فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم ففيهم أنزل الله
(ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) (آل
عمران الآية 186) الآية ، وفيهم أنزل الله {ود كثير من أهل الكتاب لو
يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا} الآيه.
وَأخرَج البخاري ومسلم ،
وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن أسامه بن
زيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل
الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله (ولتسمعن من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) (آل عمران الآيه 186)
وقال {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند
أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن
الله فيهم بقتل فقتل الله به من قتل من صناديد قريش.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير عن الزهري وقتادة في قوله {ود كثير من
أهل الكتاب} قالا : كعب بن الأشرف
وأخرج
ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله {حسدا من عند أنفسهم} قال : من قبل
أنفسهم {من بعد ما تبين لهم الحق} يقول : يتبين لهم أن محمدا رسول الله.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {من بعد ما تبين لهم
الحق} قال : من بعد ما تبين لهم أن محمد رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في
التوراة والإنجيل نعته وأمره ونبوته ومن بعد ما تبين لهم أن الإسلام دين
الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {فاعفوا واصفحوا} قال : أمر
الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي الله بأمره فأنزل الله في براءة
وأمره فقال (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) (التوبة الآية 29) الآية ،
فنسختها هذه الآية وأمره الله فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يقروا
بالجزية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه والبيهقي في
الدلائل عن ابن عباس في قوله {فاعفوا واصفحوا} وقوله {وأعرض عن المشركين}
الأنعام الآية 106 ونحو هذا في العفو عن المشركين قال : نسخ ذلك كله بقوله
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) (التوبة الآية 29) وقوله (اقتلوا المشركين
حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5).
وأخرج ابن جرير والنحاس في تاريخه عن السدي في قوله !
{فاعفوا واصفحوا} قال : هي منسوخه نسختها (قاتلوا الذين لا
يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) (التوبه الآيه 29).
وَأخرَج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {وما تقدموا لأنفسكم من
خير} يعني من الأعمال من الخير في الدنيا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {تجدوه عند الله}
قال : تجدوا ثوابه.
قوله
تعالى : وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى تلك أمانيهم قل
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره
عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي
العالية في قوله {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} قال :
قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل
الجنة إلا من كان نصرانيا {تلك أمانيهم} قال : أماني يتمنونها على الله
بغير الحق {قل هاتوا برهانكم} يعني حجتكم {إن كنتم صادقين} بما تقولون
أنها كما تقولون {بلى من أسلم وجهه لله} يقول : أخلص لله
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {من أسلم وجهه لله} قال : أخلص دينه.
قوله
تعالى : وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على
شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم
بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
أخرج ابن إسحاق ، وَابن
جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما قدم أهل نجران من النصارى
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء وكفر
بعيسى والإنجيل ، فقال رجل من أهل نجران لليهود : ما أنتم على شيء وجحد
نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله في ذلك {وقالت اليهود ليست النصارى
على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب} أي كل يتلو
في كتابه تصديق من كفر به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {وقالت اليهود ليست النصارى
على شيء} الآية ، قال : هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {وقالت اليهود ليست
النصارى على شيء} قال : بلى قد كانت أوائل النصارى على شيء ولكنهم ابتدعوا
وتفرقوا ، واخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : من هؤلاء الذين
لا يعلمون قال : أمم كانت قبل اليهود والنصارى.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {كذلك قال الذين لا يعلمون} قال : هم
العرب قالوا : ليس محمد على شيء.
قوله
تعالى : ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها
أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة
عذاب عظيم.
أخرج ابن إسحاق ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس ، أن قريشا
منعوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام
فأنزل الله {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} الآية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ومن أظلم
ممن منع مساجد الله} قال : هم النصارى.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {ومن أظلم ممن منع مساجد
الله} قال : هم النصارى وكانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس
أن يصلوا فيه.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ومن أظلم ممن منع
مساجد الله} الآية ، قال : هم الروم كانوا ظاهروا بختنصر على بيت المقدس ،
وفي قوله {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} قال : فليس في الأرض
رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه وقد أخيف بأداء الجزية فهو
يؤديها ، وفي قوله {لهم في الدنيا خزي} قال : أما خزيهم في الدنيا فإنه
إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي.
وأخرج عَبد بن
حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في الآية قال : أولئك أعداء الله الروم
حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت
المقدس
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : إن النصارى لما ظهروا على
بيت المقدس حرقوه فلما بعث الله محمد أنزل عليه {ومن أظلم ممن منع مساجد
الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} الآية ، فليس في الأرض نصراني
يدخل بيت المقدس إلا خائفا.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المشركون حين صدوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن البيت يوم الحديبة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال : ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا
وهم خائفون.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {لهم في الدنيا خزي}
قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وأخرج
أحمد والبخاري في تاريخه عن بسر بن أرطاة قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدعو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن
عذاب الآخرة
قوله تعالى : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن
الله واسع عليم.
أخرج
أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والحاكم
وصححه والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عباس قال أول ما نسخ لنا من القرآن
فيما ذكر والله أعلم شأن القبلة ، قال الله تعالى {ولله المشرق والمغرب
فأينما تولوا فثم وجه الله} فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى
نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق
ونسخها ، فقال (ومن حيث خرجت فول وجهك) (البقرة الآية 149) الآية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {ولله المشرق
والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}
قال
كان الناس يصلون قبل بيت المقدس فلما قدم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
المدينة على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره وكان إذا صلى رفع رأسه إلى
السماء ينظر كا يؤمر به فنسختها قبل الكعبة.
وأخرج ابن أبي شيبة ،
وعَبد بن حُمَيد ومسلم والترمذي والنسائي ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر
والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عمر قال كان
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به ثم
قرأ ابن عمر هذه الآية {فأينما تولوا فثم وجه الله} وقال ابن عمر : في هذا
نزلت هذه الآية
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم
وصححه عن ابن عمر قال : أنزلت {فأينما تولوا فثم وجه الله} أن تصلي حيثما
توجهت بك راحلتك في التطوع.
وأخرج البخاري والبيهقي ، عَن جَابر بن عبد
الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على
راحلته متوجها قبل المشرق تطوعا.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والبيهقي
، عَن جَابر بن عبد الله أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي على
راحلته قبل المشرق - فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى.
وَأخرَج
ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي عن أنس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
كان إذا سافر وأراد أن يتطوع بالصلاة استقبل بناقته القبلة وكبر ثم صلى
حيث توجهت الناقة.
وأخرج أبو داود والطيالسي ، وعَبد بن حُمَيد
والترمذي وضعفه ، وَابن ماجه ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والعقيلي
وضعفه والدارقطني وأبو نعيم
في الحلية والبيهقي في "سُنَنِه" عن
عامر بن ربيعة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء
مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلي فيه فلما
أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة فقلنا : يا رسول الله لقد
صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية ،
فقال مضت صلاتكم.
وأخرج الدارقطني ، وَابن مردويه والبيهقي ، عَن جَابر
بن عبد الله قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا
ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا : القبلة ههنا قبل الشمال فصلوا
وخطوا خطا ، وقال بعضنا : القبلة ههنا قبل الجنوب فصلوا وخطوا خطا ، فلما
أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير
القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسكت
فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية.
وأخرج
سعيد بن منصور ، وَابن المنذر عن عطاء أن قوما عميت عليهم القبلة فصلى كل
إنسان منهم إلى ناحية ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له
فأنزل الله {فأينما تولوا فثم وجه الله}
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريه فأصابتهم ضبابه فلم
يهتدوا إلى القبله فصلوا لغير القبله ثم استبان لهم بعدما طلعت الشمس أنهم
صلوا لغير القبله فلما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثوه
فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن
المنذر عن قتادة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : إن أخا لكم قد مات
- يعني النجاشي - فصلوا عليه ، قالوا : نصلي على رجل ليس بمسلم ، فأنزل
الله (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) (آل عمران الآية 199) ، قالوا :
فإنه كان لا يصلي إلى القبلة فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن المنذر عن مجاهد قال : لما نزلت (ادعوني أستجب لكم)
(غافر الآية 60) قالوا : إلى أين فأنزلت {فأينما تولوا فثم وجه الله}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {فأينما تولوا فثم وجه الله} قال : قبلة
الله أينما توجهت شرقا أو غربا.
وأخرج
ابن ابي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد والترمذي والبيهقي في "سُنَنِه" عن مجاهد
{فثم وجه الله} قال : قبلة الله فأينما كنتم في شرق أو غرب
فاستقبلوها.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد والترمذي عن قتادة في هذه الآية قال : هي منسوخة نسخها
قوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) (البقرة الآية 149) أي تلقاءه.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه ، وَابن ماجه عن أبي هريرة عن
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : مابين المشرق والمغرب قبلة.
وأخرج ابن ابي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر ، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا
توجهت قبل البيت.
قوله تعالى : وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل
له قانتون.
أخرج
البخاري عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى
: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك فأما
تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي
ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا.
وأخرج البخاري ، وَابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله :
كذبني
ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني وشتمني ابن آدم ولم ينبغ له أن يشتمني فأما
تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من
إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الله الأحد الصمد لم يلد
ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي ،
وَابن مردويه ولبيهقي عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله ، أنهم يجلعون له ولدا
ويشركون به وهو يرزقهم ويعافيهم.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ،
وَابن أبي حاتم عن غالب بن عجرد قال : حدثني رجل من أهل الشام قال : بلغني
أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها
بنو آدم إلا أصابوا منها
ثمرة حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم {اتخذ
الله ولدا} فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} قال :
إذا قالوا عليه البهتان سبح نفسه ، أما قوله تعالى {سبحانه}.
أخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه عن ابن عباس في
قوله {سبحان الله} قال : تنزيه الله نفسه عن السوء.
وأخرج
عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر والبيهقي في
الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل
عن التسبيح أن يقول الإنسان سبحان الله قال : براءة الله من السوء ، وفي
لفظ : إنزاهه عن السوء مرسل ، وأخرجه ابن جرير والديلمي والخطيب في
الكفايه من طرق
أخرى موصولا عن موسى بن طلحه بن عبيد الله عن أبيه
عن جده طلحه بن عبيد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير
{سبحان الله} قال : هو تنزيه الله من كل سوء.
وَأخرَج ابن مردويه من
طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن عبيد الله بن موهب أنه سمع طلحة قال سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {سبحان الله} قال : تنزيه الله عن كل سوء.
وأخرج ابن ابي حاتم عن ميمون بن مهران ، أنه سئل عن {سبحان الله} فقال :
اسم يعظم الله به ويحاشى عن السوء.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر عن ابن عباس أن ابن الكواء سأل عليا
عن قوله {سبحان الله} فقال علي : كلمة رضيها الله لنفسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال {سبحان الله} اسم لا يستطيع الناس أن
ينتحلوه.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد عن يزيد بن الأصم قال : جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه
فقال : لا إله إلا الله نعرفها أنه لا إله غيره والحمد لله نعرفها أن
النعم كلها منه وهو المحمود عليها والله أكبر نعرفها أنه لا شيء أكبر منه
فما سبحان الله فقال ابن عباس : وما تنكر منها ، هي كلمة رضيها الله لنفسه
وأمر بها ملائكته وفرغ إليها الأخيار من خلقه ، أما قوله تعالى : {كل له
قانتون}.
أخرج أحمد ، وعَبد بن حُمَيد وأبو يعلى ، وَابن جَرِير ،
وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه ، وَابن حبان والطبراني
في الأوسط وأبو نصر السجزي في الإبانة وأبو نعيم في الحلية والضياء في
المختارة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل حرف
في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر من طرق عن ابن عباس في قوله !
{قانتون} قال : مطيعون.
وأخرج
الطستي في مسائله عن ابن عباس ، أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله عز وجل
{كل له قانتون} قال : مقرون ، قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم ، أما
سمعت قول عدي بن زيد : قانتا لله يرجو عفوه * يوم لا يكفر عبد ما ادخر.
وَأخرَج ابن جرير عن عكرمة {كل له قانتون} قال : مقرون بالعبودية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {كل له قانتون} اي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه.
قوله تعالى : بديع السموات والأرض وإذ قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
وأخرج ابن جرير ، وَابن ابي حاتم عن أبي العالية {بديع السماوات والأرض}
يقول : ابتدع خلقهما ولم يشركه في خلقهما أحد.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : ابتدعهما فخلقهما ولم يخلق قبلهما
شيء فتمثل به
وأخرج
ابن أبي شيبة عن ابن سابط أن داعيا دعا في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم فقال : اللهم إني أسألك باسمك الذي لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم
بديع السموات والأرض وإذا أردت أمرا فإنما تقول له كن فيكون فقال
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : لقد كدت أن تدعو باسمه العظيم.
قوله
تعالى : وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال
الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون.
أخرج
ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال نافع بن
حريلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد إن كنت رسولا من الله كما
تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك {وقال الذين لا
يعلمون} قال : هم كفار العرب {لولا يكلمنا الله} قالا : هلا يكلمنا {كذلك
قال الذين من قبلهم} يعني اليهود والنصارى وغيرهم {تشابهت قلوبهم} يعني
العرب اليهود والنصارى وغيرهم
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير
عن مجاهد في قوله {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله} قال : النصارى
يقوله والذين من قبلهم يهود.
قوله تعالى : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم.
أخرج
وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد والن جرير والن
المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليت
شعري ما فعل أبواي فنزل {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن
أصحاب الجحيم} فما ذكرها حتى توفاه الله قلت : هذا مرسل ضعيف الإسناد.
وأخرج
ابن جرير عن داود بن أبي عاصم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال ذات
يوم : أين أبواي فنزلت قلت : والآخر معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به ولا
بالذي قبله حجة.
وأخرج ابن المنذر عن الأعرج أنه قرأ {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
أي أنت يا محمد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : الجحيم ما عظم من النار.
قوله
تعالى : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله
هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي
ولا نصير
أخرج الثعلبي عن ابن عباس أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا
يرجون أن يصلي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم فلما صرف الله
القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينه فأنزل
الله {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى} الآية.
قوله تعالى : الذين
أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم
الخاسرون * يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الت أنعمت عليكم وإني فضلتكم على
العالمين * واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا
تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون.
أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {الذين آتيناهم الكتاب} قال : هم اليهود
والنصارى.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في
قوله {حق تلاوته} قال : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه
وأخرج
أبو عبيد ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والهروي في فضائله ن ابن عباس
في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال : يتبعونه حق اتباعه ثم قرأ (والقمر إذا
تلاها) (الشمس الآية 2) يقول : اتبعها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن
الخطاب في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال : إذا مر بذكر الجنة سأل الله
الجنة وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار.
وأخرج الخطيب في كتاب
الرواة عن مالك بسند فيه مجاهيل عن ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال : يتبعونه حق اتباعه.
وأخرج عبد
الرزاق ، وَابن جَرِير من طرق عن ابن مسعود قال : في قوله {يتلونه حق
تلاوته} قال : أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزل الله
ولا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يتأول منه شيئا غير تأويله ، وفي
لفظ : يتبعونه حق اتباعه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال :
يتكلمونه كما أنزل الله ولا يكتمونه.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {الذين آتيناهم الكتاب
يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} قال : منهم أصحاب محمد الذين آمنوا
بآيات الله وصدقوا بها ، قال : وذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : والله إن
حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرف عن
مواضعه ، قال : وحدثنا عمر بن الخطاب قال : لقد مضى بنو إسرائيل وما يعني
بما تسمعون غيركم.
وَأخرَج وكيع ، وَابن جَرِير عن الحسن في قوله {يتلونه حق تلاوته} قال :
يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكلون ما أشكل عليهم إلى
عالمه.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {يتلونه حق تلاوته} قال : يتبعونه حق اتباعه.
قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعك للناس
إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.
أخرج
عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي
حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عباس في قوله {وإذ ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات} قال : ابتلاه الله بالطهارة خمس في الراس وخمس في
الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس ، وفي
الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط
والبول بالماء.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :
الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر
بمفارقتهم ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر
الذي فيه
خلافهم وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه في الله
والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من
الضيافة والصبر عليها وما بتلي به من ذبح ولده ، فلما مضى على ذلك كله
وأخلصه البلاء قال الله له أسلم (قال أسلمت لرب العالمين) (البقرة الآية
131).
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن ابي حاتم عن ابن عباس قال
: الكلمات التي ابتلى بها عشر ست في الإنسان وأربع في المشاعر ، فأما التي
في الإنسان فحلق العانة ونتف الإبط والختان وتقليم الأظفار وقص الشارب
والسواك وغسل يوم الجمعة ، والأربعة التي في المشاعر الطواف بالبيت والسعي
بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والحاكم وابن
مردويه
، وَابن عساكر عن ابن عباس قال : ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا
إبراهيم قال {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قيل ما الكلمات قال :
سهام الإسلام ثلاثون سهما ، عشر في براءة التائبون العابدون إلى آخر الآية
وعشر في أول سورة قد أفلح وسأل سائل والذين يصدقون بيوم الدين الآيات وعشر
في الأحزاب إن المسلمين والمسلمات إلى آخر الآية فأتمهن كلهن فكتب له
براءة قال تعالى (وإبراهيم الذي وفى) (النجم الاية 37).
وأخرج عبد
الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر والحاكم من طرق
عن ابن عباس {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قال : منهن مناسك الحج.
وأخرج
ابن جرير عن ابن عباس قال : الكلمات (إني جاعلك للناس إماما) (البقرة
الآية 124) ، (وإذ يرفع إبراهيم القوعد) (البقرة الآية 127) والآيات في
شأن المناسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت وبعث
محمد في ذريتهما.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {وإذ ابتلى إبراهيم
ربه بكلمات} قال : ابتلى بالآيات التي بعدها.
وأخرج
ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير عن الحسن قال : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه
وابتلاه بالقمر فرضي عنه وابتلاه بالشمس فرضي عنه وابتلاه بالهجرة فرضي
عنه وابتلاه بالختان فرضي عنه وابتلاه بابنه فرضي عنه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فأتمهن} قال : فأداهن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
فطرة إبراهيم السواك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : من فطرة إبراهيم غسل الذكر
والبراجم.
وأخرج
ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال : ست من فطرة إبراهيم قص الشارب
والسواك والفرق وقص الأظفار والاستنجاء وحلق العانة قال : ثلاثة في الرأس
وثلاثة في الجسد.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود
والترمذي والنسائي ، وَابن ماجه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : الفطرة خمس أو خمس من الفطرة ، الختان والاستحداد وقص
الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط.
وأخرج البخاري والنسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب.
وأخرج
ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وَابن ماجه عن عائشة
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء
اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظفار وغسل
البراجم ونتف الآباط وحلق العانة وانتفاض الماء يعني الاستنجاء
بالماء ، قال مصعب : نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
وأخرج
ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود ، وَابن ماجه عن عمار بن ياسر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب
وتقليم الأظفار ونتف الابط والاستنجاء وغسل البراجم والانتضاح والاختتان.
وأخرج
البزار والطبراني عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الطهارات أربع قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار والسواك.
وأخرج
ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وَابن ماجه عن أنس بن مالك قال وقت
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار وحلق
العانة ونتف الابط أن لا تترك أكثر من أربعين يوما.
وأخرج
أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال قيل للنبي صلى الله عليه
وسلم : لقد أبطأ عنك جبريل ، فقال : ولم لا يبطى ء عني وأنتم حولي لا
تستنون لا تقلمون أظفاركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون براجمكم.
وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
يقص أو يأخذ من شاربه قال : لأن خليل الرحمن إبراهيم يفعله.
وأخرج
ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي عن زيد بن أرقم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : من لم يأخذ من شاربه فليس منا
وأخرج مالك
والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم قال خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب.
وأخرج البزار عن أنس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : خالفوا المجوس
جزوا الشوارب وأعفوا اللحى.
وأخرج
ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله قال جاء رجل من
المجوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه فقال
له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : ما هذا قال : هذا في ديننا ، قال :
ولكن في ديننا أن تجز الشارب وأن تعفي اللحية.
وأخرج البزار عن عائشة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال : ائتوني
بمقص وسواك فجعل السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوز
وأخرج البزرا
والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل
أن يخرج إلى الصلاة.
وأخرج ابن عدي بسند ضعيف عن أنس قال وقت لنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوما وأن ينتف
ابطه كلما طلع ولا يدع شاربيه يطولان وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى
الجمعة.
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف ، عَن جَابر بن عبد الله قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم قصوا أظافيركم فإن الشيطان يجري ما بين
اللحم والظفر.
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن وابصة بن معبد قال سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون في
الأظفار فقال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
وأخرج البزار عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين أنملته وظفره.
وأخرج
البيهقي في شعب الإيمان عن قيس بن حازم قال صلى النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم صلاة فأوهم فيها فسأل فقال : ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين ظفره
وأنملته.
وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند ضعيف عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم
قال
: تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني
بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي
لفرضته لهم وأني لأستاك حتى أني
خشيت أن أحفي مقادم في.
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ومجلاة للبصر.
وأخرج
ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن ابن عباس قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب مفرحة
للملائكة يزيد في الحسنات وهو من السنة يجلو البصر ويذهب الحفر ويشد اللثة
ويذهب البلغم ويطيب الفم.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ،
وَابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي
هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي
لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء وعند كل وضوء
بسواك.
وأخرج البزار
وأبويعلى والطبراني بسند ضعيف عن عائشة قالت ما زال النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم يذكر بالسواك حتى خشينا أن ينزل فيه قرآن.
وأخرج أحمد والحرث
بن أبي أسامة والبزار وأبو يعلى ، وَابن خزيمة والدارقطني والحاكم وصححه
وأبو نعيم في كتاب السواك والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة عن النَّبِيّ
صلى الله عليه وسلم قال فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفا.
وأخرج البزار والبيهقي بسند جيد عن عائشة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
قال ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك.
وأخرج
أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال
لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه ينزل علي به قرآن أو وحي
وأخرج أحمد
وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان لا ينام إلا السواك عنده فإذا استيقظ بدأ بالسواك.
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم مازال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي.
وأخرج البزار والترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن كليح بن عبد الله الخطمي
عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من سنن
المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا ينام ليلة ولا ينتبه إلا استن.
وأخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن خالد الجهني قال ما كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك
وأخرج
ابن أبي شيبة وأبو داود بسند ضعيف عن عائشة أن النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستقيظ تسوك قبل أن يتوضأ.
وأخرج
ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي ، وَابن ماجه عن عائشة أنها سئلت
بأي شيء كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته قالت : كان
إذا دخل يبدأ بالسواك.
وأخرج ابن ماجه عن علي بن أبي طالب قال : إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها
بالسواك ، وأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك عن علي مرفوعا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم معا في الطب النبوي عن أبي هريره قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن السواك ليزيد الرجل فصاحة.
وأخرج ابن السني عن علي بن أبي طالب قال : قراءة القرآن والسواك يذهب
البلغم.
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة عن سمويه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما نام ليلة حتى استن.
وأخرج
ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم في كتاب السواك بسند ضعيف من طريق أبي
عتيق ، عَن جَابر ، أنه كان ليستاك إذا أخذ مضجعه وإذا قام من الليل وإذا
خرج إلى الصلاة ، فقلت له : لقد شققت على نفسك ، فقال : إن أسامة أخبرني
أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يستاك هذا السواك.
وأخرج أبو نعيم
بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار.
وأخرج الطبراني في
الأوسط بسند حسن ، عَن عَلِي ، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا
أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء.
وأخرج الشافعي ، وَابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن
خزيمة ، وَابن حبان والحاكم والبيهقي عن عائشة قالت : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.
وأخرج
أحمد والطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عمر ان النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم قال : عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى.
وأخرج
أحمد بسند ضعيف عن قثم أو تمام بن عباس قال : أتينا النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم فقال ما لكم تأتوني قلحا لا تسوكون لولا أن أشق على أمتي لفرضت
عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء.
وأخرج الطبراني ، عَن جَابر قال : كان السواك من أذن النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب.
وأخرج
العقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في السواك بسند ضعيف عن عائشة قالت كان
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذا سافر حمل السواك والمشط والمكحلة
والقارورة والمرآة.
وأخرج أبو نعيم بسند واه عن رافع بن خديج مرفوعا السواك واجب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : لقد كنا نؤمر بالسواك حتى ظننا أنه
سينزل به.
وأخرج
ابن أبي شيبة عن حسان بن عطية مرفوعا الوضوء شطر الإيمان والسواك شطر
الوضوء ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ركعتان يستاك
بهما العبد أفضل من سبعين ركعة لا يستاك فيها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سليمان بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم استاكوا وتنظفوا وأوتروا فإن الله وتر يحب الوتر.
وأخرج ابن عدي عن أنس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر بتعاهد البراجم
عند الوضوء
لأن الوسخ إليها سريع.
وأخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بسند فيه مجهول عن عبد الله بن بسر
رفعه قصوا أظفاركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم.
وأخرج
البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي ، وَابن ماجه عن
ابن عباس قال كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم
وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر
به فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد.
وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند جيد عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان إذا أطلى ولى (تابع) عانته بيده.
وأخرج البيهقي بسند ضعيف جدا عن أنس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان
لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه.
وأخرج أحمد والبيهقي عن شداد بن أوس رفعه الختان سنة للرجال مكرمة
للنساء.
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين وأبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي من
حديث ابن عباس ، مثله.
وأخرج
أبو داود عن عيثم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم فقال : فقد أسلمت - فقال له : ألق عنك شعر الكفر - يقول : احلق
قال : وأخبرني آخر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه ألق عنك
شعر الكفر واختتن.
وأخرج البيهقي عن الزهري عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال من أسلم
فليختتن.
وأخرج
أحمد والطبراني عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فقال : ما كنا
نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى له.
وأخرج
الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال : سبع من السنة في الصبي يوم السابع
يسمى ويختن ويماط عنه الأذى ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق
بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة
وأخرج أبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي ، عَن جَابر أن
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام.
وأخرج البيهقي عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه ، إن إبراهيم عليه السلام
ختن إسحاق لسبعة أيام وختن اسماعيل عند بلوغه.
وأخرج ابن سعد عن حي بن عبد الله قال : بلغني أن اسماعيل عليه السلام
اختتن وهو ابن ثلاث عشر سنة.
وأخرج
أبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه ، أن إبراهيم
عليه السلام أمر أن يختتن وهو حينئذ ابن ثمانين سنة فعجل واختتن بالقدوم
فاشتد عليه الوجع فدعا ربه فأوحى إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال :
يا رب كرهت أن أؤخر أمرك.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثلاثين سنة بالقدوم.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال كان إبراهيم أول من اختتن وهو ابن
عشرين ومائة سنة واختتن بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة.
وأخرج
ابن سعد ، وَابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي وصححاه من طريق سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة قال : اختتن إبراهيم خليل الله وهو ابن عشرين ومائة سنة
بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ، قال سعيد : وكان إبراهيم أول من
اختتن وأول من رأى الشيب فقال : يا رب ما هذا قال : وقار يا إبراهيم ، قال
: رب زدني وقارا ، وأول من أضاف الضيف وأول من جز شاربه وأول من قص
أظافيره وأول من استحد.
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة أن
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : إن إبراهيم أول من اضاف الضيف وأول من
قص الشارب وأول من رأى الشيب وأول من قص الأظافير وأول من اختتن بقدومه.
وأخرج
البيهقي عن علي رضي الله عنه قال : كانت هاجر لسارة فأعطت هاجر إبراهيم
فاستبق اسماعيل واسحاق لنفسه فسبقه اسماعيل فقعد في حجر إبراهيم ، قالت :
سارة : والله لأغيرن منها ثلاثة أشراف فخشي إبراهيم أن تجدعها
أو تخرم أذنيها فقال لها : هل لك أن تفعلي شيئا وتبري يمينك
تثقبين أذنيها وتخفضينها فكان أول الخفاض هذا.
وأخرج
البهقي عن سفيان بن عينية قال : شكا إبراهيم عليه السلام إلى ربه ما يلقى
من رداءة خلق سارة فأوحى الله إليه يا إبراهيم أول من تسرول وأول من فرق
وأول من استحد وأول من اختتن وأول من قرى الضيف وأول من شاب.
وأخرج
وكيع عن واصل مولى ابن عينية قال : أوحى الله إلى إبراهيم يا إبراهيم إنك
أكرم أهل الأرض إلي فإذا سجدت فلا تر الأرض عورتك ، قال : فاتخذ سراويل.
وأخرج
الحاكم عن أبي أمامة قال : طلعت كف من السماء بين أصبعين من أصابعها شعرة
بيضاء فجعلت تدنو من رأس إبراهيم ثم تدنو فألقتها في راسه
وقالت : أشعل وقارا ثم أوحى الله إليها أن تظهر وكان أول من شاب
واختتن
وأنزل
الله على إبراهيم مما أنزل على محمد (التائبون العابدون الحامدون) (التوبة
الاية 112) إلى قوله (وبشر المؤمنين) و(قد أفلح المؤمنون) (المؤمنون
الآيات 1 - 11) إلى قوله (هم فيها خالدون) و(إن المسلمين والمسلمات)
(الأحزاب الاية 35) الآية ، والتي في سأل و(الذين هم على صلاتهم دائمون)
(المعارج الآيات 23 - 33) إلى قوله (قائمون) فلم يف بهذه السهام إلا
إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سلمان
قال : سأل إبراهيم ربه خيرا فأصبح ثلثا رأسه أبيض فقال : ما هذا فقيل له :
عبرة في الدنيا ونور في الآخرة.
وأخرج أحمد في الزهد عن سلمان الفارسي
قال : أوى إبراهيم إلى فراشه فسأل الله أن يؤتيه خيرا فأصبح وقد شاب ثلثا
رأسه فساءه ذلك فقيل : لا يسوءنك فإنه عبرة في الدنيا ونور لك في الآخرة
وكان أول شيب كان.
وأخرج الديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من خضب
بالحناء والكتم إبراهيم عليه السلام.
وأخرج
البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وَابن ماجه عن إبراهيم قال : قال
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم.
وأخرج
أبو داود والترمذي وصححه النسائي ، وَابن ماجه عن أبي ذر قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم.
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود.
وأخرج البزار عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لا تشبهوا
بالأعاجم غيروا اللحى.
وأخرج
ابن أبي شيبة في المصنف والبزار عن سعد عن إبراهيم عن أبيه قال : أول من
خطب على المنبر إبراهيم عليه السلام حين أسر لوط واستأسرته الروم فعزا
إبراهيم حتى اسنقذه من الروم .
وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف عن
معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أتخذ المنبر فقد
اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها إبراهيم.
وَأخرَج ابن
عساكر ، عَن جَابر قال : أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم عليه السلام
حين أسر لوط واستأسرته الروم فغزا إبراهيم حتى استنقذه من الروم.
وأخرج
ابن عساكر عن حسان بن عطية قال : أول من رتب العسكر في الحرب ميمنة وميسرة
وقلبا إبراهيم عليه السلام لما سار لقتال الذين أسروا لوطا عليه السلام.
وأخرج
ابن أبي شيبة عن يزيد بن أبي يزيد عن رجل قد سماه قال : أول من عقد
الألوية إبراهيم عليه السلام بلغه أن قوما أغاروا على لوط فسبوه فعقد لواء
وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم فاستقذه وأهله
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرومي عن ابن عباس قال : أول من
عمل القسي إبراهيم عليه السلام.
وأخرج
ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام.
وأخرج
ابن سعد ، وَابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان
عن عكرمة قال : كان إبراهيم خليل الرحمن يكنى أبا الضيفان وكان لقصره
أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد.
وأخرج البيهقي عن عطاء قال : كان إبراهيم خليل الله عليه السلام إذا أراد
أن يتغدى طلب من يتغدى معه إلى ميل.
وأخرج
ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند
الفردوس والغسولي في جزئه المشهور واللفظ له عن تميم الداري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل عن معانقة الرجل الرجل إذا لقيه قال : كانت تحية
الأمم وفي لفظ كانت تحية أهل الإيمان وخالص
ودهم وأول من عانق خليل
الرحمن فإنه خرج يوما يرتاد لماشيته في جبال من جبال بيت المقدس إذ سمع
صوت مقدس يقدس الله تعالى فذهل عما كان يطلب فقصد قصد الصوت فإذا هو بشيخ
طوله ثمانية عشر ذراعا أهلب يوحد الله عز وجل فقال له إبراهيم : يا شيخ من
ربك قال : الذي في السماء ، قال : من رب الأرض قال : الذي في السماء ، قال
: فيها رب غيره قال : ما فيها رب غيره لا إله إلا هو وحده ، قال إبراهيم :
فأين قبلتك قال : إلى الكعبة ، فسأله عن طعامه فقال : أجمع من هذه الثمرة
في الصيف فآكله في الشتاء ، قال : هل بقي معك أحد من قومك قال : لا ، قال
: أين منزلك قال : تلك المغارة ، قال : اعبر بنا إلى بيتك ، قال : بيني
وبينها واد لا يخاض ، قال : فكيف تعبره فقال : أمشي عليه ذاهبا وأمشي عليه
عائدا ، قال : فانطلق بنا فافعل الذي ذلله لك يذلله لي.
فانطلقا حتى
انتهيا فمشيا جميعا عليه كل واحد منهما يعجب من صاحبه فلما دخلا المغارة
فإذا بقبلته قبلة إبراهيم قال له إبراهيم : أي يوم خلق الله أشد قال الشيخ
: ذلك اليوم الذي يضع كرسيه للحساب يوم تسعر جهنم لا يبقى ملك مقرب ولانبي
مرسل إلا خر يهمه نفسه ، قال له إبراهيم : ادع الله يا شيخ أن يؤمني وإياك
من هول ذلك اليوم ، قال الشيخ : وما
تصنع بدعائي ولي في السماء دعوة
محبوسة منذ ثلاث سنين قال إبراهيم : ألا أخبرك ما حبس دعاءك قال : بلى ،
قال : إن الله عز وجل إذا أحب عبدا احتبس مسألته يحب صوته ثم جعل له على
كل مسألة ذخرا لا يخطر على قلب بشر وإذا أبغض الله عبدا عجل له حاجته أو
ألقى الأياس في صدره ليقبض صوته فما دعوتك التي هي في السماء محبوسة قال :
مر بي ههنا شاب في راسه ذؤابة منذ ثلاث سنين ومعه غنم قلت : لمن هذه قال :
لخليل الله إبراهيم ، قلت : اللهم إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه قبل
خروجي من الدنيا ، قال له إبراهيم عليه السلام : قد أجيبت دعوتك ثم اعتنقا
فيومئذ كان أصل المعانقة وكان قبل ذلك السجود هذا لهذا وهذا لهذا ثم جاء
الصفاح مع الإسلام فلم يسجد ولم يعانق ولن تفترق الأصابع حتى يغفر لكل
مصافح.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد أبو نعيم في الحلية عن كعب
قال : قال إبراهيم عليه السلام : إنني ليحزنني أن لا أرى أحدا في الأرض
يعبدك غيري فأنزل الله إليه ملائكته يصلون معه ويكونون
معه.
وأخرج
أحمد وأبو نعيم عن نوف البكالي قال : قال إبراهيم عليه السلام : يا رب إنه
ليس في الأرض أحد يعبدك غيري فأنزل الله عز وجل ثلاثة آلاف ملك فأمهم
ثلاثة أيام.
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال : إبراهيم عليه السلام أول من
اضاف الضيف وأول من ثرد الثريد وأول من رأى الشيب وكان قد وسع عليه في
المال والخدم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي قال : أول من ثرد الثريد إبراهيم عليه السلام.
وأخرج الديلمي عن نبيط بن شريط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أول من اتخذ الخبز المبلقس إبراهيم عليه السلام.
وأخرج أحمد في الزهد عن مطرف قال : أول من راغم إبراهيم عليه السلام حين
راغم قومه إلى الله بالدعاء.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف واللفظ له والبخاري ومسلم
والترمذي
والنسائي عن ابن عباس قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
أول الخلائق يلقى بثوب - يعني يوم القيامة - إبراهيم عليه السلام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : يحشر الناس عراة حفاة فأول من
يلقى بثوب إبراهيم.
وأخرج
أبو نعيم في الحلية عن عبيد بن عمير قال : يحشر الناس عراة حفاة فيقول
الله : ألا أرى خليلي عريانا فيكسى يحشر الناس عراة حفاة ثوبا ابيض فهو
أول من يكسى.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن عبد الله بن الحرث
قال : أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام قبطيتين ثم يكسى
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حلة الحيرة وهو على يمين العرش
وأخرج
ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس قال جاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا خير البرية ، قال : ذاك إبراهيم.
وأخرج
ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال : انطلق إبراهيم عليه السلام يمتار فلم يقدر
على الطعام فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله فقالوا : ما هذا
قال : حنطه حمراء ففتحوها فوجدها حنطة حمراء فكان إذا زرع منها شيئا نبتت
سنبلة من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن سلمان قال :
أرسل على إبراهيم عليه السلام أسدان مجوعان فلحساه وسجدا له.
وأخرج
أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي بن كعب أن النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم قال : أرسل إلي ربي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت عليه يا رب هون على
أمتي فرد على الثانية أن أقرأ على
حرفين قلت : يا رب هون على أمتي
فرد على الثالثة أن أقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة فسلنيها
، فقلت : اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة إلى يوم يرغب
إلي فيه الخلائق حتى إبراهيم.
وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية
عن كعب قال : كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف ويرحم المسكين ، وَابن
السبيل فابطأت عليه الأضياف حتى أشرأب بذلك فخرج إلى الطريق يطلب فجلس ملك
الموت عليه السلام في صورة رجل فسلم عليه فرد السلام ثم سأله من أنت قال :
أنا ابن السبيل قال : إنما قعدت ههنا لمثلك فأخذ بيده فقال له : انطلق ،
فذهب إلى منزله فلما رآه إسحاق عرفه فبكى إسحاق فلما رأت سارة إسحاق يبكي
بكت لبكائه فلما رأى إبراهيم ساره تبكي فبكى لبكائها فلما رأى ملك الموت
إبراهيم يبكي بكى لبكائه ثم
صعد ملك الموت فلما ارتقى غضب إبراهيم فقال : بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب فقال إسحاق : لا تلمني يا أبت فإني رأيت ملك الموت معك لا أرى أجلك إلا قد حضر فارث في أهلك أي أوصه وكان لأبراهيم بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه لا يدخله غيره فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه فإذا هو برجل جالس فقال إبراهيم : من أدخلك بإذن من دخلت قال : بإذن رب البيت ، قال : رب البيت أحق به ثم تنحى في ناحية البيت فصلى ودعا كما كان يصنع وصعد ملك الموت فقيل له : ما رأيت قال : يا رب جئتك من عند عبدك ليس بعده في الأرض خير ، قيل له : ما رأيت منه قال : ما ترك خلقا من خلقك إلا قد دعا له بخير في دينه وفي معيشته ، ثم مكث إبراهيم عليه السلام ما شاء الله ثم جاء ففتح بابه فإذا هو برجل جالس قال له : من أنت قال : إنما أنا ملك الموت ، قال إبراهيم : إن كنت صادقا فأرني آية أعرف أنك ملك الموت ، قال : اعرض بوجهك يا إبراهيم
قال : ثم أقبل فأراه الصورة
التي يقبض بها المؤمنين فرأى شيئا من النور والبهاء لا يعلمه إلا الله ثم
قال : انظر فأراه الصورة التي يقبض بها الكفار والفجار فرعب إبراهيم عليه
السلام رعبا حتى ألصق بطنه بالأرض كادت نفس إبراهيم تخرج فقال : أعرف
الذين أمرت به فامض له ، فصعد ملك الموت فقيل له : تلطف بإبراهيم فأتاه
وهو في عنب له وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء فلما رآه إبراهيم رحمه
فأخذ مكتلا ثم دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله ثم جاء فوضعه بين يديه
فقال : كل ، فجعل يضع ويريه أن يأكل ويمجه على لحيته وعلى صدره فعجب
إبراهيم فقال : ما أبقت
السن منك شيئا كم أتى لك فحسب مدة إبراهيم فقال
: أمالي كذا وكذا ، فقال إبراهيم : قد أتي لي هذا إنما أنتظر أن أكون مثلك
اللهم اقبضني إليك فطابت نفس إبراهيم على نفسه وقبض ملك الموت نفسه تلك
الحال
وأخرج الحاكم عن الواقدي قال : ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية
يقال لها برزة ومن جبل يقال له قاسيون.
وأخرج
البيهقي في شعب الإيمان عن أبي السكن الهجري قال : مات خليل الله فجأة
ومات داود فجأة ومات سليمان بن داود فجأة والصالحون وهو تخفيف على المؤمن
وتشديد على الكافر.
وأخرج أن ملك الموت جاء إلى إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه فقال إبراهيم
: يا ملك الموت هل رأيت خليلا يقبض روح
خليله فعرج ملك الموت إلى ربه فقال : قله له : هل رأيت خليلا
يكره لقاء خليله فرجع قال : فاقبض روحي الساعة.
وأخرج
أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال كان الله يبعث ملك الموت إلى
الأنبياء عيانا فبعثه إلى إبراهيم عليه السلام ليقبضه فدخل دار إبراهيم في
صورة رجل شاب جميل وكان إبراهيم غيورا فلما دخل عليه حملته الغيرة على أن
قال له : يا عبد الله ما أدخلك داري قال : أدخلنيها ربها ، فعرف إبراهيم
أن هذا الأمر حدث قال يا إبراهيم : إني أمرت بقبض روحك ، قال : أمهلني يا
ملك الموت حتى يدخل إسحاق فأمهله فلما دخل إسحاق قام إليه فاعتنقه كل واحد
منهما صاحبه فرق لهما ملك الموت فرجع إلى ربه فقال : يا رب رأيت خليلك جزع
من الموت ، قال : يا ملك الموت فائت خليلي في منامه فاقبضه فأتاه في منامه
فقبضه.
وأخرج أحمد في الزهد والمروزي في الجنائز عن أبي مليكة أن إبراهيم لما لقي
ربه قيل له : كيف وجدت الموت قال : وجدت نفسي
كأنما تنزع بالسلي ، قيل له : قد يسرنا عليك الموت.
وأخرج
أحمد ، وَابن أبي الدنيا في العزاء ، وَابن أبي داود في البعث ، وَابن
حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة
عليهما السلام حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة.
وأخرج سعيد بن منصور
عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن ذراري المسلمين في
عصافير خضر في شجر في الجنة يكفلهم إبراهيم عليه السلام ، أما قوله تعالى
: {قال إني جاعلك للناس إماما} الآية.
أَخرَج عَبد بن حُمَيد عن ابن عباس {قال إني جاعلك للناس إماما} يقتدى
بدينك وهديك وسنتك {قال ومن ذريتي} إماما لغير ذريتي !
{قال لا ينال عهدي الظالمين} أن يقتدى بدينهم وهديهم وسنتهم.
وأخرج
عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة قال : هذا عند الله
يوم القيامة لا ينال عهده ظالما فأما في الدنيا نالوا عهده فوارثوا به
المسلمين وغازوهم وناكحوهم فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته
على أوليائه.
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {إني جاعلك للناس إماما} يؤتم به ويقتدى
قال إبراهيم {ومن ذريتي} فاجعل من يؤتم به ويقتدى به.
وأخرج
الفريابي ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال الله لإبراهيم {إني
جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي} فأبى أن يفعل ثم {قال لا ينال عهدي
الظالمين}.
وأخرج وكيع ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {لا ينال
عهدي الظالمين} قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به
وأخرج
ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال :
يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من
أمره.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي
حاتم عن ابن عباس في قوله {لا ينال عهدي الظالمين} قال : ليس بظالم عليك
عهد في معصية الله أن تطيعه.
وأخرج وكيع ، وَابن مردويه عن علي بن أبي
طالب عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في قوله {لا ينال عهدي الظالمين}
قال : لا طاعة إلا في المعروف.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن عمران بن حصين سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
يقول : لا طاعة لمخلوق في معصية الله.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن إبراهيم قال : لا طاعة مفترضة إلا لنبي.
قوله
تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى
وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرنا بيتي للطائفين والعاكفين والركع
السجود.
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {وإذ جعلنا البيت} قال : الكعبة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله
{مثابة للناس} قال : يثوبون إليه ثم يرجعون.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {مثابة للناس} قال لا يقضون منه وطرا
يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن عطاء في
قوله {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال : يأتون إليه من كل مكان.
وأخرج
سفيان بن عينية وعبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير والبيهقي في
شعب الإيمان عن مجاهد في قوله {مثابة للناس} قال : يأتون إليه لا يقضون
منه وطرا أبدا يحجون ثم يعودون {وأمنا} قال : تحريمه لا يخاف من دخله
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وأمنا}
قال : أمنا للناس.
وأخرج
ابن جرير عن أبي العالية في قوله {وأمنا} قال : أمنا من العدوان يحمل فيه
السلاح وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون ، أما قوله
تعالى : {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
أخرج عَبد بن حُمَيد عن أبي إسحاق أن أصحاب عبد الله كانوا يقرؤون
{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال : أمرهم أن يتخذوا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن عبد الملك بن أبي سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير
قرأها {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} بخفض الخاء.
وأخرج
سعيد بن منصور وأحمد والعدني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي ، وَابن
ماجه ، وَابن أبي داود في المصاحف ، وَابن المنذر ، وَابن مردويه وأبو
نعيم في الحلية
والطحاوي ، وَابن حبان والدارقطني في الأفراد والبيهقي في "سُنَنِه" عن
أنس بن مالك قال :
قال
عمر بن الخطاب : وافقت ربي في ثلاث أو واقفني ربي في ثلاث ، قلت : يا رسول
الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
وقلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهم البر والفاجر فلو أمرتهن أن
يحتجبن فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه
في الغيرة فقلت لهن (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن)
(التحريم الآية 5) فنزلت كذلك.
وأخرج مسلم ، وَابن أبي داود وأبو نعيم
في الحلية والبيهقي في "سُنَنِه" ، عَن جَابر أن النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى
خلفه ركعتين ثم قرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
وأخرج ابن ماجه
، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه ، عَن جَابر قال لما وقف رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر : يا رسول الله
هذا مقام إبراهيم الذي قال الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال : نعم.
وأخرج
الطبراني والخطيب في تاريخه عن ابن عمر أن عمر قال : يا رسول الله لو
اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج عَبد بن حُمَيد والترمذي عن أنس أن عمر قال : يا رسول الله لوصلينا
خلف المقام فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد قال : كان المقام إلى لزق البيت فقال
عمر
بن الخطاب يا رسول الله لو نحيته إلى البيت ليصلي إليه الناس ففعل ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج
ابن أبي داود ، وَابن مردويه عن مجاهد قال : قال عمر يا رسول الله صلينا
خلف المقام فأنزل الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فكان المقام عند
البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا ، قال مجاهد :
وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن.
وأخرج ابن مردويه من طريق عمر
بن ميمون عن عمر أنه مر بمقام إبراهيم فقال : يا رسول الله أليس نقوم مقام
إبراهيم خليل ربنا قال : بلى ، قال : أفلا
نتخذه مصلى فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج
ابن أبي شيبة في مسنده والدارقطني في الأفراد عن أبي ميسرة قال : قال عمر
يا رسول الله هذا مقام خليل ربنا أفلا نتخذه مصلى فنزلت {واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى}
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أما مقام
إبراهيم الذي ذكر ههنا فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد ومقام إبراهيم
بعد كثير مقام إبراهيم الحج كله.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي
حاتم عن ابن عباس قال : مقام إبراهيم الحرم كله ، واخرج ابن سعد ، وَابن
المنذر عن عائشة قالت : ألقي المقام من السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم
والأزرقي عن ابن عمر قال : إن المقام ياقوتة من ياقوت الجنة محي نوره
ولولا ذلك لأضاء ما بين السماء والأرض والركن مثل ذلك.
وأخرج الترمذي ، وَابن حبان والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال
: قال رسول الله الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت
الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب.
وأخرج الحاكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن
والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر ، وَابن ابي حاتم عن سعيد بن جبير قال :
الحجر مقام إبراهيم لينه الله فجعله رحمة وكان يقوم عليه ويناوله اسماعيل
الحجارة.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إن الركن والمقام من ياقوت الجنة ولولا ما مسهما من
خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ومل مسهما من ذي عاهة ولا
سقيم إلا شفي
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رفعه ولولا ما مسه من أنجاس الجاهلية
ما مسه ذو عاهة إلا شفي وما على وجه الأرض شيء من الجنة غيره.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن سعيد بن المسيب قال : الركن والمقام حجران
من حجارة الجنة.
وأخرج
الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال : يأتي الحجر والمقام يوم
القيامة كل واحد منهما مثل أحد لهما عينان وشفتان يناديان بأعلى أصواتهما
يشهدان لمن وافاهما بالوفاء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير أنه رأى قوما يمسحون المقام فقال : لم
تؤمروا بهذا إنما أمرتم بالصلاة عنده.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر والأزرقي عن قتادة {واتخذوا
من مقام إبراهيم مصلى} قال : إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه
ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم
قبلها وقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فما زالت هذه
الأمة تمسحه حتى اخلولق وانماح.
وأخرج
الأزرقي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال رأيت في المنام في عهد عبد المطلب
مثل المهاة قال أبو محمد الخزاعي : المهاة خرزة بيضاء.
وأخرج الأزرقي
عن ابي سعيد الخدري قال : سألت عبد الله بن سلام عن الأثر الذي في المقام
فقال : كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلا أن الله أراد أن يجعل
المقام آية من آياته فلما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج
قام على المقام وارتفع المقام حتى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته فقال
: يا ايها الناس أجيبوا ربكم فأجابه الناس فقالوا : لبيك اللهم لبيك فكان
أثره فيه لما أراد الله فكان ينظر عن يمينه وعن شماله أجيبوا ربكم فلما
فرغ أمر بالمقام فوضعه قبله فكان يصلي إليه مستقبل الباب فهو قبلته إلى ما
شاء الله ثم كان إسماعيل بعد يصلي إليه إلى باب الكعبة ثم كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه قبل أن
يهاجر
وبعدما هاجر ثم أحب الله أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه
فصلى إلى الميزاب وهو بالمدينة ثم قدم مكة فكان يصلي إلى المقام ما كان
بمكة.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى} قال : مدعى.
وأخرج
الأزرقي عن كثير بن ابي كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه عن
جده قال : كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن
يردم عمر الردم الأعلى فكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه وربما نحته
إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل أم نهشل في خلافة عمر بن الخطاب فاحتمل المقام
من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة فأتي به فربط إلى أستار الكعبة
وكتب في ذلك إلى عمر فأقبل فزعا في شهر رمضان وقد عفى موضعه وعفاه
السيل فدعا عمر بالناس فقال : أنشد الله عبدا علم في هذا المقام ، فقال
المطلب بن أبي وداعة : أنا يا أمير المؤمنين
عندي
ذلك قد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ومن موضعه إلى
باب الحجر ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت ، فقال له عمر :
فاجلس عندي وأرسل إليه ، فجلس عنده وأرسل فأتي بها فمدها فوجدها مستوية
إلى موضعه هذا فسأل الناس وشاورهم فقالوا : نعم هذا موضعه ، فلما استثبت
ذلك عمر وحق عنده أمر به فأعلم ببناء ربضه تحت المقام ثم حوله فهو في
مكانه هذا إلى اليوم.
وأخرج الأزرقي من طريق سفيان بن عينية عن حبيب بن
الأشرس قال : كان سيل أم نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكة فاحتمل
المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه فلما قدم عمر بن الخطاب سأل من يعلم
موضعه فقال عبد المطلب بن أبي وداعة : أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدرته
وذرعته بمقاط وتخوفت عليه هذا من الحجر إليه ومن الركن إليه ومن وجه
الكعبة ، فقال : ائت به ، فجاء به فوضعه في موضعه هذا وعمل عمر الردم
عند
ذلك قال سفيان : فذلك الذي حدثنا هشام ابن عروة عن ابيه أن المقام كان عند
سقع البيت فأما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن وأما ما يقول الناس : أنه
كان هنالك موضعه فلا.
وأخرج الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال : موضع
المقام هذا هو الذي به اليوم هو موضعه في الجاهلية وفي عهد النَّبِيّ وأبي
بكر وعمر إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر فجعل في وجه الكعبة حتى قدم
عمر فرده بمحضر الناس.
وأخرج البيهقي في "سُنَنِه" عن عائشه ، إن
المقام كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان أبي بكر ملتصقا
بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب.
وأخرج ابن سعد عن مجاهد ، قال عمر بن
الخطاب : من له علم بموضع المقام حيث كان فقال أبو وداعة بن صبيرة السهمي
: عندي يا أمير المؤمنين قدرته إلى الباب وقدرته إلى ركن الحجر وقدرته إلى
الركن الأسود
وقدرته إلى زمزم فقال عمر : هاته ، فأخذه عمر فرده إلى موضعه
اليوم للمقدار الذي جاء به أبو وداعة.
وأخرج
الحميدي ، وَابن النجار ، عَن جَابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء
زمزم غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت.
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء يريد الطواف
بالبيت أقبل يخوض الرحمة فإذا دخلته غمرته ثم لا يرفع قدما ولا يضع قدما
إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة وحط عنه خمسمائة سيئة ورفعت له
خمسمائة درجة فإذا فرغ من طوافه فأتى مقام إبراهيم فصلى ركعتين دبر المقام
خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكتب له أحر عتق عشر رقاب من ولد اسماعيل
واستقبله ملك على الركن فقال له : استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى
وشفع في سبعين من أهل بيته
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام يعني يوم الفتح.
وأخرج
البخاري وأبو داود والنسائي ، وَابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين.
وأخرج
الأزرقي عن طلق بن حبيب قال : كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو بن العاص في
الحجر إذ قلص الظل وقامت المجالس إذا نحن ببريق أيم طلع من هذا الباب -
يعني من باب بني شيبة والأيم الحية الذكر - فاشرأبت له أعين الناس فطاف
بالبيت سبعا وصلى ركعتين وراء المقام فقمنا إليه فقلنا : أيها المعتمر قد
قضى الله نسكك وإن بأرضنا عبيدا وسفهاء وإنما نخشى عليك منهم فكوم برأسه
كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما بالسماء حتى ما نراه.
وأخرج الأزرقي عن أبي الطفيل قال : كانت امرأة من الجن في الجاهلية تسكن
ذا طوى وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره فكانت تحبه حبا
شديدا
وكان شريفا في قومه فتزوج وأتى زوجته فلما كان يوم سابعه قال لأمه : يا
أماه إني أحب أن أطوف بالكعبة سبعا نهارا ، قالت له أمه : أي بني إني أخاف
عليك سفهاء قريش فقال : أرجو السلامة ، فأذنت له فولى في صورة جان فمضى
نحو الطواف فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلبا فعرض
له شاب من بني سهم فقتله فثارت بمكة غبرة حتى لم يبصر لها الجبال ، قال
أبو الطفيل : بلغنا أنه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن ، قال
: فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الجن فكان فيهم سبعون شيخا
أصلع سوى الشاب.
وأخرج الأزرقي عن الحسن البصري قال : ما أعلم بلدا يصلى فيه حيث أمر
الله
عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بمكة ، قال الله {واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى} قال : ويقال : يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر
موضعا
عند الملتزم وتحت الميزاب وعند الركن اليماني وعلى الصفا وعلى المروة وبين
الصفا والمروة وبين الركن والمقام وفي جوف الكعبة وبمنى وبجمع وبعرفات
وعند الجمرات الثلاث.
وَأَمَّا قواه تعالى : {وعهدنا إلى إبراهيم} الآية.
أَخرَج ابن جرير عن عطاء وعهدنا إلى إبراهيم قال : أمرناه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أن طهرا بيتي} قال : من الأوثان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله {أن طهرا بيتي} قالا :
من الأوثان والريب وقول الزور والرجس.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن قتادة في قوله {أن طهرا بيتي} قال : من
عبادة الأوثان والشرك وقول الزور ، وفي قوله {والركع السجود} قال : هم من
أهل الصلاة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إذا كان قائما فهو من الطائفبن
وإذا كان جالسا فهو من العاكفين وإذا كان مصليا فهو من الركع
السجود.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن سويد بن غفلة قال : من قعد في المسجد وهو طاهر
فهو عاكف حتى يخرج منه.
وأخرج
عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن ثابت قال : قلت لعبد الله بن عبيد
الله بن عمير : ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد
الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون ، قال : لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال :
هم العاكفون.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابي بكر بن أبي موسى قال : سئل ابن
عباس عن الطواف أفضل أم الصلاة فقال : أما أهل مكة فالصلاة وأما أهل
الأمصار فالطواف.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : الطواف للغرباء أحب إلي من
الصلاة
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف
لأهل العراق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن حجاج قال : سألت عطاء فقال : أما أنتم فالطواف وأما
أهل مكة فالصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : الطواف أفضل من عمرة بعد الحج ، وفي
لفظ طوافك بالبيت أحب إلي من الخروج إلى العمرة.
قوله
تعالى : وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات من
آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب
النار ولبئس المصير.
أخرج أحمد ومسلم والنسائي ، وَابن جَرِير ، عَن
جَابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم حرم
مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابيتها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها.
وأخرج مسلم ، وَابن جَرِير عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم
إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها.
وأخرج
أحمد عن ابي قتادة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد
بأرض الحرة عند بيوت السقيا ثم قال : اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك
دعاك لأهل مكة وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك
إبراهيم بمكة أدعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم اللهم حبب إلينا
المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما بها من وراء خم اللهم إني حرمت ما
بين لا بتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم.
وأخرج البخاري ومسلم عن
أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال : اللهم إني
أحرم ما بين جبليها مثل ما أحرم به إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم
وصاعهم.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إن
إبراهيم
عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وأنه دعاك لمكة وإني أدعوك
للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه.
وأخرج
الطبراني في الأوسط عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة وأنا محمد عبدك
ورسولك وإني أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم مثل ما باركت
لأهل مكة واجعل مع البركة بركتين.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد
الله بن زيد بن عاصم المازني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إن
إبراهيم حرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في
مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم مكة.
وأخرج البخاري والجندي في فضائل
مكة عن عائشة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إن إبراهيم
عبدك ونبيك دعاك لأهل مكة وأنا أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم
لأهل مكة.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة.
وأخرج
الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن محمد بن الأسود ، أن إبراهيم عليه السلام
هو أول من نصب أنصاب الحرم أشار له جبريل إلى مواضعها.
وأخرج الجندي عن ابن عباس قال : إن في السماء لحرما على قدر حرم مكة.
وأخرج
الأزرقي والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ستة لعنتهم وكل نبي مجاب ، الزائد في كتاب الله
والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من اذل الله
والتارك لسنتي والمستحل من عترتي ما حرم الله عليه والمستحل لحرم الله.
وأخرج
البخاري تعليقا ، وَابن ماجه عن صيفة بنت شيبة قالت : سمعت النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم يخطب عام الفتح فقال : يا أيها الناس إن الله تعالى حرم
مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة ولا يعضد شجرها ولا
ينفر
صيدها ولا يأخذ لقطتها إلا منشد فقال العباس : إلا الاذخر فإنه للبيوت
والقبور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الاذخر.
وأخرج ابن
أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والأزرقي عن ابن
عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة إنهذا البلد
حرمه الله يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ووضع هذين الأخشبين فهو
حرام بحرمة
الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولا
يحل لأحد بعدي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم
القيامة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها
إلا من عرفها ، قال العباس إلا إلا ذخر فإنه لقينهم وبيوتهم ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : إلا الأذخر.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو
داود والترمذي والنسائي ، وَابن ماجه عن أبي هريرة قال لما فتح الله مكة
على رسوله مكة قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله حبس عن مكة
الفيل وسلط عليه رسوله والمؤمنين وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام
إلى يوم
القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقمتها إلا
لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين أما أن يفدى وأما أن يقتل ، فقام
رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال له : يا رسول الله اكتب لي ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتبوا لأبي شاه ، فقال العباس : يا رسول
الله إلا الاذخر فإنه لقبورنا وبيوتا : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: إلا الاذخر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
حرم حرمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها.
وأخرج
الأزرقي في تاريخ مكة عن الزهري في قوله {رب اجعل هذا البلد آمنا} قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الناس لم يحرموا مكة ولكن الله حرمها
فهي حرام إلى يوم القيامة وإن من أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم
ورجل قتل غير قاتله ورجل أخذ بذحول الجاهلية.
وأخرج الأزرقي عن قتادة قال : ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش.
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : إن هذا الحرم حرم مناه من السموات
السبع والأرضين السبع وإن هذا رابع أربعة عشر بيتا في كل سماء
بيت وفي كل أرض بيت ولو وقعن وقعن بعضهن على بعض.
وأخرج
الأزرقي عن الحسن قال : البيت بحذاء البيت المعمور وما بينهما بحذائه إلى
السماء السابعة وما أسفل منه بحذائه إلى الأرض السابعة حرام كله.
وأخرج
الأزرقي عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : البيت المعمور
الذي في السماء يقال له الصراخ وهو على بناء الكعبة يعمره كل يوم سبعون
ألف ملك لم تزره قط وأن للسماء السابعة لحرما على منى حرم مكة.
وأخرج
ابن سعد والأزرقي عن ابن عباس قال : أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه
السلام يريه ذلك جبريل عليه السلام فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدد ما رث منها.
وأخرج الأزرقي عن
حسين بن القاسم قال : سمعت بعض أهل العلم يقول : إنه لما خاف آدم على نفسه
من الشيطان استعاذ بالله فأرسل الله ملائكته حفوا بمكة من كل جانب ووقفوا
حواليها قال : فحرم الله الحرم من حيث
كانت الملائكة وقفت ، قال :
ولما قال إبراهيم عليه السلام : ربنا أرنا مناسكنا نزل إليه جبريل فذهب به
فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم فكان إبراهيم يرضم الحجارة وينصب
الأعلام ويحثي عليها التراب فكان جبريل يقفه على الحدود ، قال : وسمعت أن
غنم اسماعيل كانت ترعى في الحرم ولا تجاوزه ولا تخرج فإذا بلغت منتهاه من
ناحية رجعت صابة في الحرم.
وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة قال إن إبراهيم عليه السلام نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام
ثم لم تحرك حتى كان قصي فجددها ثم لم تحرك حتى كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها.
وأخرج البزار والطبراني عن محمد بن الأسود بن خلف عن أبيه أن النَّبِيّ
صلى الله عليه وسلم أمره أن يجدد أنصاب الحرم ،.
وأخرج
الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : أيها الناس إن هذا البيت
لاق ربه فسائله عنكم ألا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره
ألا واذكروا الله إذ كان أحدكم ساكنه لا تسفكون فيه دماء ولا
تمشون فيه بالنميمة.
وأخرج
البزار عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من
قريش وهم جلوس بفناء الكعبة فقال : انظروا ما تعملون فيها فإنها مسئولة
عنكم فتخبر عن أعمالكم واذكروا إذ ساكنها من لا يأكل الربا ولا يمشي
بالنميمة.
وأخرج الأزرقي عن أبي نجيح قال : لم يكن كبار الحيتان تأكل صغارها في
الحرم زمن الغرق.
وأخرج
ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن جويرية بن أسماء عن عمه قال : حججت مع
قوم فنزلنا منزلا ومعنا امرأة فانتبهت وحية منطوية عليها جمعت رأسها مع
ذنبها بين ثدييها فهالنا ذلك وارتحلنا فلم
تزل منطوية عليها لا تضرها شيئا حتى
دخلنا
أنصاب الحرم فانسابت فدخلنا مكة فقضينا نسكنا وانصرفنا حتى إذا كنا
بالمكان الذي تطوقت عليها فيه الحية وهو المنزل الذي نزلنا فنامت فاستيقظت
والحية منطوية عليها ثم صفرت الحية فإذا بالوادي يسيل علينا حيات فنهشنها
حتى بقيت عظاما فقلت لجارية كانت معها : ويحك أخبرينا عن هذه المرأة قال :
بغت ثلاث مرات كل مرة تلد ولدا فإذا وضعته سجرت التنور ثم ألقته فيه.
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : من أخرج مسلما من ظله في حرم الله من غير
ضرورة أخرجه الله من ظل عرشه يوم القيامة.
وأخرج
ابن أبي شيبة والأزرقي عن عبد الله بن الزبير قال : إن كانت الأمة من بني
إسرائيل لتقدم مكة فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعليها تعظيما للحرم.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف
فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم
حفاة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : كانت الأنبياء إذا أتت علم الحرم نزعوا
نعالهم.
وأخرج الأزرقي ، وَابن عساكر عن ابن عباس قال : حج الحواريون فلما دخلوا
الحرم مشوا تعظيما للحرم.
وأخرج
الأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال
: إني لأعلم ما وضع الله في الأرض بيتا أحب إليه منك وما في الأرض بلد أحب
إليه منك وما خرجت عنك رغبة ولكن الذين كفروا هم أخرجوني.
وأخرج
الأزرقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من
مكة أما والله إني لأخرج وإني لأعلم أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على
الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت
وأخرج الترمذي والحاكم
وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لمكة ما أطيبك وأحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك.
وأخرج
ابن سعد وأحمد والترمذي وصححه والنسائي ، وَابن ماجه والأزرقي والجندي عن
عبد الله بن عدي بن الحمراء قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
على ناقته واقف بالحزورة يقول لمكة : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض
الله إلى الله
ولولا أخرجت ما خرجت.
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال
: كان بمكة حي يقال لهم العماليق فكلنوا في عز وثروة وكثرة فكانت أموالهم
كثيرة من خيل وإبل وماشية فكانت ترعى مكة وما حواليها من مر ونعمان وما
حول ذلك فكانت
الحرف عليهم مظلة والأربعة مغدقة والأودية بحال
والغضاه ملتفه والأرض مبقلة فكانوا في عيش رخى فلم يزل بهم البغي والإسراف
على أنفسهم بالظلم والجهار بالمعاصي والاضطهاد لمن قاربهم حتى سلبهم الله
ذلك فنقصهم بحبس المطر وتسليط الجدب عليهم وكانوا يكرون بمكة الظل ويبيعون
الماء فأخرجهم الله من مكة بالذي سلطه عليهم حتى خرجوا من الحرم فكانوا
حوله ثم ساقهم الله بالجدب يضع الغيث أمامهم ويسوقهم بالجدب حتى ألحقهم
بمساقط رؤوس آبائهم وكانوا قوما غرباء من حمير فلما دخلوا بلاد اليمن
تفرقوا وهلكوا فأبدل الله الحرم بعدهم جرهم فكانوا سكانه حتى بغوا فيه
واستخفوا بحقه فأهلكهم الله جميعا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط قال
: كان إذا كان الموسم بالجاهلية خرجوا فلم يبق أحد بمكة وأنه تخلف رجل
سارق فعمد إلى قطعة من ذهب ثم دخل ليأخذ أيضا فلما أدخل رأسه سرة البيت
فوجدوا رأسه في البيت واسته خارجه فألقوه للكلاب واصلحوا البيت.
وأخرج
الأزرقي والطبراني عن حويطب بن عبد العزى قال : كنا جلوسا بفناء الكعبة في
الجاهلية فجاءت امرأة إلى البيت تعوذ به من زوجها فجاء زوجها فمد يده
إليها فيبست يده فلقد رأيته في الإسلام وإنه لأشل.
وأخرج الأزرقي عن
ابن جريج قال : الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر وكان أساف
ونائلة رجلا وامرأة دخلا الكعبة فقبلها فيها فمسخا حجرين فأخرجا من الكعبة
فنصب أحدهما في مكان زمزم ونصب الآخر في وجه الكعبة ليعتبر بهما الناس
ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا فسمي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون
هنالك بالإيمان ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم فقل من دعا هنالك
على ظالم إلا هلك وقل من حلف هنالك آثما إلا عجلت عليه العقوبة وكان ذلك
يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الإيمان هنالك فلم يزل ذلك كذلك حتى
جاؤ الله
بالإسلام فأخر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة.
وأخرج
الأزرقي عن أيوب بن موسى ، أن امرأة كانت في الجاهلية معها ابن عم لها
صغير تسب عليه فقالت له : يا بني إني أغيب عنك وإني أخاف عليك أن ظلمك
ظالم فإن جاءك ظالم بعدي فإن لله بيتا لا يشبهه شيء من البيوت ولا يقاربه
مفاسد وعليه ثياب فإن ظلمك ظالم يوما فعذ به فإن له ربا يسمعك ، قال :
فجاءه رجل فذهب به فاسترقه فلما رأى الغلام البيت عرف الصفة فنزل يشتد حتى
تعلق بالبيت وجاءه سيده فمد يده إليه ليأخذه فيبست يده فمد الأخرى فيبست
فاستفتى في الجاهلية فافتي ينحر عن كل واحدة من يديه بدنة ففعل فانطلقت له
يداه وترك الغلام وخلى سبيله.
وأخرج الأزرقي عن عبد المطلب بن ربيعة بن
الحرث قال : غدا رجل من بني كنانة من هذيل في الجاهلية على ابن عم له
يظلمه واضطهده فناشده بالله والرحم فابى إلا ظلمه فلحق بالحرم فقال :
اللهم إني أدعوك دعاء جاهد مضطر على فلان ابن عمي لترمينه بداء لا دواء له
، قال : ثم انصرف فوجد ابن عمه قد
رمي في بطنه فصار مثل الزق
فمازالت تنتفخ حتى اشتق قال عبد المطلب : فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال
: رأيت رجلا دعا على ابن عم له بالعمى فرأيته يقاد أعمى.
وأخرج ابن أبي
شيبة والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب أنه قال : يا أهل مكة
اتقوا الله في حرمكم هذا أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم كان فيه
بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا وبنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا حتى عد ما
شاء ثم قال : والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة
بمكة.
وأخرج الجندي ، عَن طاووس قال : إن أهل الجاهلية لم يكونوا يصيبون في
الحرم شيئا إلا عجل لهم ويوشك أن يرجع الأمر إلى ذلك.
وأخرج
الأزرقي والجندي ، وَابن خزيمة عن عمر بن الخطاب أنه قال لقريش : إنه كان
ولاة هذا البيت قبلكم طسم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ثم
ولى بعدهم جرهم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله فلا تهاونوا به
وعظموا حرمته
وأخرج الأزرقي والجندي عن عمر بن الخطاب قال : لأن أخطى ء سبعين
خطيئة مزكية أحب إلي من أن أخطى ء خطيئة واحدة بمكة.
وأخرج الجندي عن مجاهد قال : تضعف بمكة السيئات كما تضعف الحسنات.
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : بلغني أن الخطيئة بمكة مائة خطيئة
والحسنة على نحو ذلك.
وأخرج
أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن عائشة أن النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم قال إن مكة بلد عظمه الله وعظم حرمته خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن
يخلق شيئا من الأرض يومئذ كلها بألف عام ووصل المدينة ببيت المقدس ثم خلق
الأرض كلها بعد ألف عام خلقا واحدا ، أما قوله تعالى : {وارزق أهله من
الثمرات}
أخرج الأرزرقي عن محمد بن المنكدر عن النَّبِيّ صلى الله عليه
وسلم لما وضع الله الحرم نقل له الطائف من فلسطين.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال : بلغني أنه لما
دعا إبراهيم للحرم {وارزق أهله من الثمرات} نقل الله الطائف من فلسطين.
وأخرج الن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري قال : إن الله نقل قرية من قرى
الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه السلام.
وأخرج
الأزرقي عن سعيد بن المسيب بن يسار قال : سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن
مطعم وغيره ، يذكرون أنهم سمعوا : أنه لما دعا إبراهيم بمكة أن يرزق أهله
من الثمرات نقل الله أرض الطائف من الشام فوضعها هنالك رزقا للحرم.
وأخرج
الأزرقي عن محمد بن كعب القرظي قال : دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفرا لم
يدع لهم بشيء فقال {ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس
المصير}.
وأخرج سفيان بن عينية عن مجاهد في قوله {وارزق أهله من الثمرات من
آمن} قال : استرزق إبراهيم لمن آمن بالله وباليوم الآخر قال الله
: ومن كفر فأنا أرزقه.
وأخرج
ابن أبي حاتم والطبراني ، وَابن مردويه عن ابن عباس في قوله {من آمن منهم
بالله} قال : كان إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس فأنزل في قوله
{ومن كفر} أيضا فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين أخلق خلقا لأرزقهم {فأمتعه
قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار} ثم قرأ ابن عباس (كلا نمد هؤلاء) (الإسراء
الآية 20) الآية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن ابي حاتم عن أبي العالية قال
أبي بن كعب في قوله {ومن كفر} : إن هذا من قول الرب قال {ومن كفر فأمتعه
قليلا} وقال ابن عباس : هذا من قول إبراهيم يسأل ربه إن من كفر فأمتعه
قليلا ، قلت : كان ابن عباس يقرأ {فأمتعه} بلفظ الأمر فلذلك قال هو من قول
إبراهيم.
قوله تعالى : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا
إنك أنت السميع العليم.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : القواعد اساس البيت
وأخرج أحمد ، وعَبد بن حُمَيد والبخاري ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والجندي ، وَابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن جبير أنه قال : سلوني يا معشر الشباب فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم فأكثر الناس مسألته فقال له رجل : أصلحك الله أرأيت المقام أهو كما نتحدث قال : وماذا كنت تتحدث قال : كنا نقول أن غبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة اسماعيل النزول فأبى أن ينزل فجاءت بهذا الحجر فقال : ليس كذلك فقال سعيد بن جبير : قال ابن عباس : إن أول من اتخذ المناطق من النساء أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم اسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيء قالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليهما ، قالت له : آلله أمرك بهذا قال : نعم ، قالت : إذا لا يضيعنا ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى
إذا كان عند الثنية حيث لا
يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه قال (ربنا إني
أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)
(إبراهيم الآية 37) وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى
إذا نفذ ما في السقاء
عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال :
يتلبط ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها
فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من
الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى
جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا ففعلت ذلك سبع
مرات ، قال ابن عباس : قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس
بينهما ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت : صه تريد نفسها ثم تسمعت
فسمعت صوتا أيضا فقالت : قد اسمعت إن كان عندك غواث - فإذا هي بالملك موضع
زمزم فنجت بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه بيدها وتغرف
من الماء في سقائها وهي
تفور بعدما تغرف ، قال ابن عباس : قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم - أو قال - لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لاتخافي الضيعة فإن ههنا بيتا لله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال : وأم اسماعيل عند الماء فقالوا به : أتأذنين لنا أن ننزل عندك قالت : نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا : نعم ، قال ابن عباس قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم اسماعيل وهي تحب الأنس ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معه حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة
منهم
وماتت أم اسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج اسماعيل يطالع تركته فلم يجد
اسماعيل فسأل زوجته عنه ، فقالت : خرج يبتغي لنا ، ثم سألها عن عيشهم
وهيئتهم فقالت : نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال : إذا جاء زوجك فاقرئي
عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه.
فلما جاء اسماعيل كأنه آنس شيئا
فقال : هل جاءكم من أحد قالت : نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألني عنك
فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته إنا في جهد وشدة ، قال : فهل أوصاك بشيء
قالت : نعم أمرني أن أقرى ء عليك السلام ويقول : غير عتبة بابك ، قال :
ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم
إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده فدخل على امرأته فسألها
عنه فقالت : خرج يبتغي لنا ، قال : كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم
فقالت : نحن بخير وسعة وأثنت على الله ، فقال : ما طعامكم قالت : اللحم ،
قال : فما شرابكم فقالت : الماء ، فقال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء
، قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب
لدعا لهم فيه ، قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه
قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه ، فلما جاء
اسماعيل قال :
هل أتاكم من أحد قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة
وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته إنا بخير ، قال :
أما أوصاك بشيء قالت : نعم وهو يقرأ السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال
: ذاك ابي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك ، ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء
بعد ذلك واسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم فما رآه قام إليه
فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ثم قال : يا اسماعيل إن الله
أمرني بأمر ، قال : فاصنع ما أمرك ، قال : وتعينني ، قال : وأعينك ، قال :
فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال
: فعند ذلك رفع القواعد من البيت فجعل اسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم
يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني
واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع
العليم ، قال معمر : وسمعت رجلا يقول : كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال
معمر : وسمعت رجلا يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير.
وأخرج
ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال : أوحى الله عز وجل
إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام فركب إبراهيم
البراق وجعل اسماعيل أمامه وهو ابن ستين وهاجر خلفه ومعه جبريل
عليه السلام يدله على موضع
@
307 البيت حتى قدم به مكة فأنزل اسماعيل وأمه إلى جانب البيت ثم انصرف
إبراهيم إلى الشام ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت وهو يومئذ ابن
مائة سنة واسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه وتوفي اسماعيل بعد أبيه
فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر وولي ثابت بن اسماعيل البيت
بعد أبيه مع أخواله جرهم.
وأخرج الديلمي عن علي عن النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم في قوله {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} الآية ، قال جاءت
سحابة على تربيع البيت لها رأس تتكلم ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على
تربيعها.
وأخرج ابن أبي شيبة وايحق بن راهويه في مسنده ، وعَبد بن
حُمَيد والحرث بن أبي أسامة ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والأزرقي
والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن
أبي طالب ، أن رجلا قال له : ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض قال : لا ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى ومقلم إبراهيم ومن دخله كان آمنا ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعا فلم يدر كيف يبنيه فأرسل الله إليه السكينة - وهي ريح خجوج ولها رأسان - فتطوقت له على موضع البيت وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم فلما بلغ موضع الحجر قال لاسماعيل : اذهب فالتمس لي حجرا أضعه ههنا ، فذهب اسماعيل يطوف في الجبال فنزل جبريل بالحجر فوضعه فجاء اسماعيل فقال : من أين هذا الحجر قال : جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة ثم انهدم فبنته جرهم ثم انهدم فبنته قريش فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحنوا في وضعه فقالوا : أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل باب بني شيبة فأمر بثوب فبسط فأخذ الحجر فوضعه في وسطه وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلا يأخذ بناية الثوب فرفعوه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه
وأخرج سعيد بن منصور ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن
المنذر ، وَابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم من طريق سعيد بن المسيب ، عَن
عَلِي ، قال : أقبل إبراهيم على أرمينية ومعه السكينة تدله على موضع البيت
كما تبني العنكبوت بيتها فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعد البيت ما
يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا ، قلت : يا أبا محمد فإن الله يقول
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال : كان ذلك بعد.
وأخرج عبد
الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من طريق سعيد بن
جبير عن ابن عباس في وقله {يرفع إبراهيم القواعد} قال : القواعد التي كانت
قواعد البيت قبل ذلك.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر
والجندي عن عطاء قال : قال آدم : أي رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة قال
: لخطيئتك ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتا ثن احفف به كما رأيت الملائكة
تحف ببيتي الذي في السماء فزعم الناس أنه بناه من خمسة جبال ، من حراء
ولبنان وطورزيتا
وطورسينا والجودي فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعده.
وأخرج
ابن جرير ، وَابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
لما أهبط الله آدم من الجنة قال : إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يكاف
حول عرشي ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي فلما كان زمن الطوفان رفعه الله
إليه فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله بعد لإبراهيم
وأعلمه مكانه فبناه من خمسة جبال : حراء ولبنان وثيبر وجبل الطور وجبل
الحمر وهو جبل ببيت المقدس.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن
ابن عباس قال : وضع البيت على أركان الماء على أربعة قبل أن تخلق الدنيا
بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحت البيت.
وأخرج عبد الرزاق والأزرقي في
تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال : خلق الله موضع البيت الحرام من قبل أن
يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة وأركانه في الأرض السابعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علياء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم
واسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة جبال فقال : ما لكما
ولأرضي
فقالا : نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة ، قال : فهاتا بالبينة
على ما تدعيان ، فقام خمسة أكباش فقلن : نحن نشهد أن اسماعيل وابراهيم
عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة فقال : قد رضيت وسلمت ثم مضى.
وأخرج
ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش وذكر لنا
أن البيت هبط مع آدم حين هبط قال الله له : اهبط معك بيتي يطاف
حوله
كما يطاف حول عرشي فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين حتى إذا كان
زمن الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره فلم تصبه عقوبة أهل الأرض
فتتبع منه آدم أثرا فبناه على أساس قديم كان قبله.
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : بني البيت من أربعة جبال ، من حراء
وطورزيتا وطورسينا ولبنان.
وأخرج
البيهقي في الدلائل عن السدي قال : خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق
في الكف الآخر فبث الورق في الهند فمنه ما ترون من الطيب وأما الحجر فكان
ياقوتة بيضاء يستضاء بها فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال
لاسماعيل : ائتني بحجر أضعه ههنا فأتاه بحجر من الجبل فقال : غير هذا ،
فرده مرارا لا يرضى ما ياتيه به فذهب مرة وجاء جبريل عليه
السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة فوضعه فلما جاء
اسماعيل قال : من جاءك بهذا قال : من هو أنشط منك.
وأخرج
الثعلبي قال : سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر
محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي وكان عالما بالقرآن يقول : كان
إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية واسماعيل عليه السلام يتكلم
بالعربية وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوه به فكان
إبراهيم يقول لاسماعيل : هل لي كثيبا - يعني ناولني حجرا - ويقول له
اسماعيل : هاك الحجر فخذه ، قال : فبقي موضع حجر فذهب اسماعيل يبغيه فجاء
جبريل عليه السلام بحجر من السماء فأتى اسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في
موضعه فقال : يا أبت من أتاك بهذا قال : أتاني من لم يتكل على بنائك فأتما
البيت ، فذلك قوله عز وجل {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}.
وأخرج
البيهقي عن ابن شهاب قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم
أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت
فهدموها حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل
تلي رفعه فقالوا : تعالوا نحكم أول من يطلع علينا ، فطلع رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم
أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا
إليه الركن فكان هو يضعه ثم طفق لا يزداد على
الألسن إلا رضى حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي فطفقوا لا ينحرون
جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها.
وأخرج
أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة عن سعيد بن المسيب قال : قال كعب الأحبار
: كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بأربعين
سنة ومنها دحيت الأرض.
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من
الأرضين.
وأخرج
الأزرقي عن ابن عباس قال : لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله
السموات والأرض بعث الله تعالى ريحا هفافة فصفقت الريح الماء فأبرزت عن
حشفة في موضع البيت كأنها قبة فدحا الله تعالى الأرض من تحتها - فمادت ثم
مادت فأوتدها الله بالجبال فكان أول جبل وضع فيه أبو قبيس فلذلك سميت أم
القرى.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن ابن عباس قال : كان البيت على أربعة أركان في
الماء قبل أن يخلق السموات والأرض فدحيت الأرض من تحته.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن مجاهد قال : دحيت الأرض من تحت الكعبة.
وأخرج
الأزرقي عن علي بن الحسين ، أن رجلا سأله ما بدء هذا الطواف بهذا البيت لم
كان وأنى كان وحيث كان فقال : أما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله
تعالى قال للملائكة (إني جاهل في الأرض خليفة) (البقرة الآية 30) فقالت :
رب أي خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون أي
رب اجعل ذلك الخليفه منا فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض
ولا نتحاسد ولا نتباغى ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك ، قال
الله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) (البقرة الآية 30) قال : فظننت
الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عز وجل وأنه قد غضب عليهم من قولهم
فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون إشفاقا
لغضبه فطافوا بالعرش ثلاث ساعات فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم فوضع
الله سبحانه تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة
حمراء وسمى البيت الضراح ثم قال الله
للملائكة : طوفوا بهذا البيت ودعو العرش فطافت
الملائكة
بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم وهو البيت المعمور الذي ذكره الله
يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا ثم إن الله تعالى
بعث ملائكته فقال : ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره فأمر الله سبحانه
من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما تطوف أهل السماء بالبيت
المعمور.
وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا سبعة منها في السماء وسبعة منها
إلى تخوم الأرض السفلى وأعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور لكل بيت منها
حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض
السفلى ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت.
وأخرج
الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال : بلغني أن الله إذا أراد أن يبعث ملكا
من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته فهبط
الملك مهلا.
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه قال : لما تاب الله على
آدم
أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض فصار كل مفاوزة يمر بها خطوة
وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة فلم يضع قدمه في شيء من
الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة فكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه
وحزنه لما كان به من عظم المصيبة حتى أن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن
لحزنه فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل
أن تكون الكعبة ، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث
قناديل من ذهب فيها نور يلتهب من نور الجنة ونزل معها يومئذ الركن وهو
يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة وكان كرسيا لآدم يجلس عليه فلما صار آدم
بمكة حرسه الله وحرس له تلك الخيمة بالملائكة كانوا يحرسونها ويذودون عنها
سكان الأرض وساكنها يومئذ الجن والشياطين ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء
من الجنة لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له والأرض يومئذ طاهرة نقية
طيبة لم تنجس ولم يسفك فيها الدم ولم يعمل فيها بالخطايا فلذلك جعلها الله
مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا
يفترون.
وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستدبرين بالحرم كله من خلفهم
والحرم كله أمامهم
ولا يجوزهم جني ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة وحرم الله على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت وإن آدم إذا أراد لقاءها ليلة ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها إليه وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وخفي مكانه فلما بعث الله إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة فلم يزل يحفر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة فلما وصل إليها ظلل الله له مكان البيت بغمامة فكانت حفاف البيت الأول فلم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة ثم انكشفت الغمامة فذلك قوله عز وجا (وإذ بؤانا لإبراهيم مكان البيت) (الحج الآية 26) للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد فلم يزل يحمد الله مذ رفعه الله معمورا ، قال وهب بن منبه : وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة فوجد فيه أن
ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض إلا أمره بزيارة
البيت فينقض من عند العرش محرما ملبيا حتى يستلم الحجر ثم يطوف سبعا
بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين ثم يصعد.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن وهب بن منبه قال : ما بعث الله ملكا قط ولا
سحابة فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت ثم يمضي حيث أمر.
وأخرج
البيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما : ابنيا بيتا ، فخط لهما جبريل
فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته : حسبك يا آدم ،
فلما بنياه أوحى الله إليه : أن يطوف به وقيل له : أنت أول الناس وهذا أول
بيت ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم
القواعد منه.
وأخرج ابن اسحاق والأزرقي والبيهقي في الدلائل عن عروة
قال : ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح ولقد حجه نوح
فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض وكان البيت
ربوة حمراء فبعث الله عز وجل هودا فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله
إليه فلم يحجه حتى مات فلما بؤاه الله لإبراهيم عليه السلام حجه
ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه.
وأخرج
أحمد في الزهد عن مجاهد قال : حج البيت سبعون نبيا منهم موسى ابن عمران
عليه عباءتان قطوانتيان ومنهم يونس يقول : لبيك كاشف الكرب.
وأخرج
الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة ، وَابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أهبط
الله آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض وهو مثل
الفلك من رعدته فطأطأ الله منه لإلى ستين ذراعا فقال : يا رب مالي لا أسمع
أصوات الملائكة ولا حسهم قال : خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتا فطف
به واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي فأقبل آدم يتخطى
فطويت له الأرض وقبض الله له المفاوز فصارت كل مفاوزة يمر بها خطوة وقبض
الله ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من
الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى
انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام
وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض فأبرز عن أس ثابت على الأرض
السابعة فقذفت فيه الملائكة الصخر ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلا وأنه
بناه من خمسة أجبل ، من لبنان وطورزيتا وطورسينا والجودي وحراء حتى استوى
على وجه الأرض فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف آدم عليه السلام حتى
بعث الله الطوفان فكان غضبا ورجسا فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه
السلام ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند فدرس موضعه الطوفان حتى بعث
الله إبراهيم واسماعيل عليهما السلام فرفعا قواعده وأعلامه ثم بنته قريش
بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور لو سقط ما سقط إلا عليه.
وأخرج
الأزرقي عن ابن عباس قال : لما أهبط آدم إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت
الحرام وهو مثل الفلك من رعدته ثم نزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ من
شدة بياضه فأخذه آدم فضمه إليه آنسا به ثم نزل عليه القضاء فقيل له : تخط
يا آدم فتخطى فإذا هو بأرض الهند أو السند فمكث بذلك ما شاء الله
ثم استوحش إلى الركن فقيل له : احجج
فحج فلقيته الملائكة فقالوا : بر حجك يا آدم ولقد حججنا هذا
البيت قبلك بألفي عام.
وأخرج الأزرقي عن أبان ، أن البيت أهبط باقوتة واحدة أو ذرة واحدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان البيت من ياقوتة حمراء ويقولون
: من زمردة خضراء.
وأخرج
الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح قال : لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال
أن يبلغوا في الأرض فبلغوا صخرا أمثال الإبل الخلف قال زيد : فاحفروا فلما
زادوا بلغوا هواء من نار فقال : مالكم قالوا : لسنا نستطيع أن نزيد رأينا
أمرا عظيما فقال لهم : ابنوا عليه ، قال عطاء : يروون أن ذلك الصخر مما
بنى آدم عليه السلام.
وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن أبي زياد قال :
لما أهبط الله آدم من الجنة قال : يا آدم ابن لي بيتا بحذاء بيتي الذي في
السماء تتعبد فيه أنت وولدك كما يتعبد ملائكتي حول عرشي فهبطت عليه
الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة فقذف فيه الملائكة الصخر حتى أشرف
على وجه الأرض
وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على
الأساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله.
وأخرج
الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على
رجليه سبعين حجة ماشيا وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا : بر حجك يا
آدم أما إنا قد حججنا قبلك بألفي عام
وأخرج الأزرقي عن مقاتل يرفع
الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، أن آدم عليه السلام قال : أي
رب إني أعرف شقوتي لا أرى شيئا من نورك بعد فأنزل الله عليه البيت الحرام
على عرض البيت الذي في السماء وموضعه من ياقوت الجنة ولكن طوله ما بين
السماء والأرض وأمره أن يطوف به فاذهب عنه الهم الذي كان قبل ذلك ثم رفع
على عهد نوح عليه السلام.
وأخرج الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد قال
: بلغني أنه لما خلق الله السموات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت
الحرام وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي والأخر غربي
فجعله مستقبل البيت المعمور فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما
إلى يوم القيامة واستودع الله الركن أبا قبيس قال : وقال ابن عباس : كان
ذهبا فرفع زمان الغرق قال ابن جريج :قاب جويبر : كان بمكة البيت المعمور
فرفع زمن الغرق فهو في السماء.
وأخرج الأزرقي عن عروة بن الزبير قال
:بلغني أن أن البيت وضع لآدم عليه السلام يطوف به ويعبد الله عنده وأن
نوحا قد حجه وجاءه وعظمه قبل الغرق فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك
الله قوم نوح أصاب البيت ماأصاب الأرض من الغرق فكان ربوة حمراء معروف
مكانها فبعث الله هودا إلى عاد فتشاغل بأمرر قومه حتى هلك ولم يحجه ثم بعث
الله صالحا إلى ثمود فتشاغل حتى هلك ولم يحجه ثم بؤاه الله لإبراهيم عليه
السلام فحجه وعلم مناسكه ودعا إلى زيارته ثم لم يبعث الله نبيا بع إبرهيم
إلا حجه.الآية.
أَخرَج الأزرقي عن أبي قلابة قال: قال الله لآدم : إني
مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عشي ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي
فلم يزل حتى كان زمن الطوفان فرفع حتى بوىء لإبراهيم مكان فبناه من خمسة
اجبل من حراء وثبير ولبنان والطور والجبل الأحمر.
وَأخرَج الجندي عن
معمر قال: إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا حتى إذا أغرق الله قوم نوح رفعه
وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك وذلك قوله تعالى):وإذ يرفع
إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان
بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم فقال : ياإبراهيم هذا الركن فحفر عنه
فجعله في البيت حين بناه إبراهيم عليه السلام .
وأخرج الأصبهاني في
"ترغيبه" ، وَابن عساكر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
أوحى الله إلى أدم أن يا آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث قال: وما
يحدث علي يارب قال: ما لاتدري وهو الموت قال وما الموت؟ قال: سوف تذوق قال
:ومن استخلف في أهلي قالاعرض ذلك على السموات والأرض والجبال فعرض على
السموات فأبت وعرض على الأرض فأبت وعرض على الجبال فأبت وقبله ابنه قاتل
أخيه فخرج أدم من أرض الهند حاجا فما نزل منزلا أكل فيه وشرب إلا صار
عمرانا بعده وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا: السلام
عليك يا آدم بر حجك أما إنا قد حججنا هذا البيت
قبلك بألفي عام ، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان
من يطوف يرى من جوف البيت ومن في جوف البيت يرى من يطوف فقضى آدم نسكه
فأوحى الله إليه : يا آدم قضيت نسكك قال : نعم يا رب قال : فسل حاجتك تعط
، قال : حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي ، قال : أما ذنبك يا آدم فقد
غفرناه حين وقعت بذنبك وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن بي وصدق رسلي وكتابي
غفرنا له ذنبه.
وأخرج ابن خزيمة وأبو الشيخ في العظمة والديلمي
عن
ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إن آدم أتى هذا البي ألف
أتية لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه من ذلك ثلثمائة حجة وسبعمائة
عمرة وأول حجة حجها آدم وهو واقف بعرفات أتاه جبريل فقال : يا آدم بر نسكك
أما إنا قد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة.
وأخرج
الطبراني عن ابن عباس قال : أول من طاف بالبيت الملائكة وإن ما بين الحجر
إلى الركن اليماني لقبور من قبور الأنبياء كان النَّبِيّ منهم عليهم
السلام إذا آذاه قومه خرج من بين أظهرهم فعبد الله فيها حتى يموت.
وأخرج
الأزرقي والبيهقي في شعب الإيمان عن وهب بن منبه أن آدم لما أهبط إلى
الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها ولم يرى فيها أحد غيره فقال : يا رب
أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري قال الله : إني سأجعل فيها
من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري فيسبح فيها
خلقي سأبوئك فيها بيتا أختاره لنفسي وأخصه بكرامتي وأوثره على بيوت الأرض
كلها باسمي واسمه بيتي أنطقه بعظمتي وأحوزه بحرمتي وأجعله أحق البيوت كلها
وأولاها
بذكري وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي فإني
اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض وقبل ذلك قد كان بغيتي فهو صفوتي من
البيوت ولست أسكنه وليس ينبغي أن أسكن البيوت ولا ينبغي لها أن تحملني
أجعل ذلك البيت لك ومن بعدك حرما وأمنا أحرم بحرمته ما فوقه وما تحته وما
حوله حرمته بحرمتي فقد عظم حرمتي ومن أحله فقد أباح حرمتي من أمن أهله
استوجب بذلك أماني ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي ومن عظم شأنه فقد عظم في
عيني ومن تهاون به صغر عندي.
زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى
يوم القيامة واستودع الله الركن أبا قبيس قال ابن عباس كان ذهبا فرفع في
زمان الغرق قال ابن جريج قال جوبير كان بمكة البيت المعمور فرفع زمن الغرق
فهو في السماء.
وأخرج الأزرقي عن عروة بن الزبير قال بلغني أن البيت
وضع لآدم عليه السلام يطوف به ويعبد الله عنده وأن نوحا قد حجه وجاءه
وعظمه قبل الغرق فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك الله قوم نوح أصاب
البيت ما أصاب الأرض فكان ربوة حمراء معروف مكانه فبعث الله هودا إلى عاد
فتشاغل حتى هلك ولم يحجه ثم بوأهع الله لإبراهيم عليه السلام فحجه وعلم
مناسكه ودعا إلى زيارته ثم لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا حجه.
وأخرج
الأزرقي عن أبي قلابة قال قال الله لآدم أني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما
يطاف حول عرشي ويصلي عنده كما يصلي عند عرشي فلم يزل حتى كان زمن الطوفان
فرفع حتى بوى ء لابراهيم مكانه فبناه من خمسة جبال من حراء وثبير ولبنان
والطور والجبل الأحمر.
وأخرج الجندي عن معمر قال أن سفنية نوح طافت
بالبيت سبعا حتى إذا غرق قوم نوح رفعه وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم
فبناه بعد ذلك وذلك قوله تعالى {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت
وإسماعيل} واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس
إبراهيم فقال يا إبراهيم هذا الركن فجاء فحفر عنه فجعله في البيت حين بناه
إبراهيم عليه السلام.
وأخرج الأصبهاني في ترغيبه ، وَابن عساكر عن أنس
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوحى الله إلى آدم أن يا آدم حج هذا
البيت قبل أن يحدث بك حدث قال وما يحدث علي يا رب قال ما لا تدري وهو
الموت قال وما الموت قال سوف تذوق قال ومن استخلف في أهلي قال اعرض ذلك
على السموات والأرض والجبال فعرض على السموات فأبت وعرض على الأرض فأبت
وعرض على الجبال فأبت وقبله ابنه قاتل أخيه فخرج آدم من أرض الهند حاجا
فما نزل منزلا أكل فيه وشرب إلا صار عمرانا بعده وقرى حتى قدم مكة
فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا السلام عليك يا آدم بر حجك أما أنا قد
حججنا هذا البيت
ولكل ملك حيازة وبطن مكة حوزتي التي اخترت لنفسي دون
خلقي فأنا الله ذو بكة أهلها خفرتي وجيران بيتي وعمارها وزوارها وفدي
وأضيافي وضماني وذمتي وجواري أجعله أول بيت وضع للناس وأعمره بأهل السماء
وأهل الأرض يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق
يعجون بالتكبير عجيجا يرجون بالتلبية رجيجا فمن اعتمره وحق الكريم أن يكرم
وفده وأضيافه وزواره وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته تعمره يا آدم ما كنت
حيا ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة وقرنا
بعد قرن ونبيا بعد نبي حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك يقال له محمد وهو