كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي
الرامينى ثم الصالحي
وَإِنْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ ، أَوْ الْمُصْحَفِ ، أَوْ الْقُرْآنِ ، أَوْ آيَةٍ فَكَفَّارَةٌ ، وَمَنْصُوصُهُ : بِكُلِّ آيَةٍ إنْ قَدَرَ ، وَعَنْهُ : أَوْ لَا .
وَفِي الْفُصُولِ وَجْهٌ : بِكُلِّ حَرْفٍ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : أَمَّا بِالْمُصْحَفِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ .
فَصْلٌ وَيَحْرُمُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ : لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا .
قَالَ شَيْخُنَا : لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ ، وَسَيِّئَةَ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشِّرْكِ .
وَقِيلَ : يُكْرَهُ وَلَا كَفَّارَةَ ، وَقِيلَ : وَخَلْقُ اللَّهِ وَرِزْقُهُ يَمِينٌ ، فَنِيَّةُ مَخْلُوقِهِ وَمَرْزُوقِهِ كَمَقْدُورِهِ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، وَتَلْزَمُ حَالِفًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَنَبِيٍّ غَيْرَهُ ، وَأَنَّ مَعْلُومَهُ يَمِينٌ لِدُخُولِ صِفَاتِهِ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ شَيْءٍ ؟ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، لِمَ لَا يَكْرَهُ ؟ لَا يُحْلَفُ إلَّا بِاَللَّهِ .
وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ ( م 2 ) وَاخْتَارَ شَيْخُنَا التَّحْرِيمَ وَتَعْزِيرَهُ ( و م ) وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُكْرَهُ ، وَأَنَّهُ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِمَخْلُوقٍ ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ لِغَيْرِ اللَّهِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ لِلَّهِ كَمَا يَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ ، وَالِالْتِزَامُ لِلَّهِ أَبْلُغُ مِنْ الِالْتِزَامِ بِهِ ، بِدَلِيلِ النَّذْرِ لَهُ وَالْيَمِينِ بِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ الصَّحَابَةُ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ ، كَمَا أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَحَنِثَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَهُ أَوْ يُكَفِّرَ كَحَلِفِهِ بِاَللَّهِ لَيُوقِعَنَّهُ ، وَذَكَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُنِي وَنَحْوَهُ يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَالْأُمَمِ وَالْفُقَهَاءِ وَخَرَّجَهُ عَلَى نُصُوصٍ لِأَحْمَدَ وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِهَا ، وَذَكَر أَنَّهُ إنْ حَلَفَ بِهِ نَحْوَ : الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ وَنَوَى النَّذْرَ كَفَّرَ ، عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ ، ضَمَّنَهَا يَمِينًا بِاَللَّهِ وَعِتْقًا وَطَلَاقًا وَصَدَقَةَ مَالٍ وَقِيلَ : وَحَجًّا ، فَمَنْ قَالَ : أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي ، وَلَا نِيَّةَ فَلَغْوٌ ، وَإِنْ نَوَاهَا وَقِيلَ وَلَوْ جَهِلَهَا لَزِمَتْهُ : وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ ، وَقِيلَ : وَصَدَقَةٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ عَلِمَهَا لَزِمَهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ وَظِهَارٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ ، بِنِيَّةِ ذَلِكَ ، فَفِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الْوَجْهَانِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي جَاهِلٍ مَا تَقَدَّمَ ، وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْحَالِفَ بِالْكُلِّ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ وَمَنْ حَلَفَ بِأَحَدِهَا فَقَالَ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِكَ فِي يَمِينِكَ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ مِثْلُهَا يَنْوِي الْتِزَامَ مِثْلِهَا لَزِمَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي
طَلَاقٍ وَفِي الْمُكَفِّرَةِ الْمُكَفِّرَةُ الْوَجْهَانِ .
قَالَ شَيْخُنَا : كَذَا أَنَا مَعَكَ ، يَنْوِي فِي يَمِينِهِ ، وَمَنْ حَلَفَ بِكُفْرِهِ ، كَقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ أَوْ أَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ بَرِئَ مِنْ الْإِسْلَامِ ، أَوْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةَ ، أَوْ لَا يَرَاهُ اللَّهُ بِمَوْضِعِ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مُنَجَّزًا وَمُعَلَّقًا وَفِي الِانْتِصَارِ : أَوْ وَالطَّاغُوتِ لَأَفْعَلَنَّهُ ، لِتَعْظِيمِهِ لَهُ ، مَعْنَاهُ : عَظَّمْته إنْ فَعَلْته وَفَعَلَهُ لَمْ يُكَفِّرْ ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ، بِخِلَافِ : هُوَ فَاسِقٌ إنْ فَعَلَهُ ، لِإِبَاحَتِهِ فِي حَالٍّ ، وَعَنْهُ : لَا كَفَّارَةَ .
اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَحْدَهُ : مَحَوْت الْمُصْحَفَ ، لِإِسْقَاطِهِ حَرَّمْته ، وَكَذَا عِنْدَهُ : عَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .
وَإِنْ قَالَ : لَعَمْرِي ، أَوْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ ، فَلَغْوٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ إبْرَارُ قَسَمٍ ، فِي الْأَصَحِّ .
كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مُعِينٍ ، فَلَا تَجِبُ إجَابَةُ سَائِلٍ يُقْسِمُ عَلَى النَّاسِ ، وَسَبَقَ فِي الزَّكَاةِ ، وَإِنْ قَالَ : بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ ، فَيَمِينٌ .
وَفِي الْمُغْنِي : إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ، وَأَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي إطْلَاقِهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ ، وَحُكِيَ عَنْهُ : عَلَى الْمُحْنِثِ ، وَرَوَى مَا يَدُلُّ عَلَى إجَابَةِ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ ، فَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الَّذِي يُسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طَرِيقَانِ ، فِي أَحَدِهِمَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، وَالْأُخْرَى جَيِّدَةٌ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ
فَأَعْطُوهُ } وَفِي لَفْظٍ { مَنْ سَأَلَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ } وَلَهُ مِثْلُهَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَفِيهِمَا : { وَمَنْ اسْتَعَاذَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ } وَهُمَا حَدِيثَانِ جَيِّدَانِ ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { لَا تَسْأَلْ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةَ } مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ هُوَ ابْنُ قَرْمٍ ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ أَحْمَدَ وَابْنُ عَدِيٍّ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَ .
( أَحَدُهُمَا ) يَحْرُمُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ : وَيُعَزَّرُ ، وَفِيهِ قُوَّةٌ ، لَا سِيَّمَا فِي الطَّلَاقِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَقَالَ : هُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَأَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ ، يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي إطْلَاقِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ عَدَمُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مَعَ الْإِطْلَاقُ .
وَيَشْتَرِطُ لِلْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَة قَصْدُ عَقْدِهَا عَلَى مُسْتَقْبَلٍ ، وَتَقَدَّمَ الْمُسْتَحِيلُ فِي طَلَاقِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا عَالِمًا كَذِبَهُ فَغَمُوسٌ ، وَعَنْهُ : يُكَفِّرُ وَيَأْثَمُ ، كَمَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ وَظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ ، فَيُكَفِّرَ كَاذِبٌ فِي لِعَانِهِ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِقَوْلِهِ { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } الْآيَةَ ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْجَزَاءَ غَيْرُ هَذَا وَإِنَّ الْكَفَّارَاتِ تُمَحِّصُ هَذَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : مَنْ قَالَ يُكَفِّرُ الْغَمُوسُ ، قَالَ يُكَفِّرُ الْغَمُوسُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ : لَا كَفَّارَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، أَوْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ مَا الْتَزَمَهُ ، فَالْمَاضِي أَوْلَى ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ بِاَللَّهِ لَا تُكَفَّرُ ، وَأَنَّ الْيَمِينَ بِالنَّذْرِ وَالْكُفْرِ وَغَيْرِهِمَا يُكَفَّرُ ، فَلَهُمْ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ نَذْرٍ وَكُفْرٍ ، وَغَيْرُهُمَا قَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنْبَلِيَّةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ : يَعْنِي الْحَنَفِيَّ فِي الْحَلِفِ بِالْكُفْرِ ، وَقَالَهُ جَدُّنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَنَحْوِهِ ، وَهَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ } ، وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ إلَّا إذَا كَانَ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَقْبِلِ ؛ لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْأَيْمَانِ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَصِيرَ كَافِرًا وَلَا نَاذِرًا وَلَا مُطَلِّقًا وَلَا مُعْتِقًا ، لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصْدُهُ فِي الْمَاضِي الْخَبَرِ التَّصْدِيقُ أَوْ التَّكْذِيبُ ، وَأَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ كَمَا يَقْصِدُ الْحَظَّ أَوْ الْمَنْعَ فِي الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيَ ، وَأَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ ، فَكَمَا
قَالُوا يَجِبُ الْفَرْقُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَيْنَ مَنْ قَصْدُهُ الْيَمِينَ وَقَصْدُهُ الْإِيقَاعَ ، وَأَنَّ الْحَالِفَ لَا يَلْتَزِمُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ ، وَالْمَوْقِعُ يَلْتَزِمُ مَا يُرِيدُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ ، فَهَذَا الْفَرْقُ مَوْجُودٌ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَاضِي ، فَإِنَّهُ تَارَةً يَقْصِدُ الْيَمِينَ ، وَتَارَةً يَقْصِدُ الْإِيقَاعَ ، فَالْحَالِفُ يَكْرَهُ لُزُومَ الْجَزَاءِ ، وَإِنْ حَنِثَ صَدَقَ أَوْ كَذَبَ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَ مَا الْتَزَمَهُ إذَا كَذَبَ ، كَمَا لَمْ يَقْصِدْ فِي الْحَظِّ وَالْمَنْعِ وَالشَّارِعُ لَمْ يَجْعَلْ مَنْ الْتَزَمَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ ، سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ فَجَرَ ، وَلِهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْيَ حُرْمَةِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ ، لَكِنْ فَعَلَ كَبِيرَةً مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهَا كَبِيرَةً ، وَالْقَوْلُ فِي الْخَبَرِ كَنَظَائِرِهِ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ فِي الْإِنْسَانِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ .
وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى مَاضٍ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا : أَوْ مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَهُ فَلَمْ يَكُنْ ، كَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ، أَوْ ظَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ خِلَافَ نِيَّةِ الْحَالِفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَمَنْ ظَنَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَطَلَّقَهَا فَبَانَتْ امْرَأَتُهُ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَتَعَارَضُ فِيهِ التَّعْيِينُ الظَّاهِرُ وَالْقَصْدُ ، فَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مُقِرًّا بِمَا وَقَعَ أَوْ مُؤَكِّدًا لَهُ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ كَانَ مَنْسِيًّا ، فَقَدْ أَوْقَعَهُ بِمَنْ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً ، فَالْخِلَافُ قَالَهُ شَيْخُنَا ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ بِحَلِفِهِ أَنَّ الْمُقْبِلَ زَيْدٌ أَوْ مَا كَانَ أَوْ كَانَ كَذَا فَكَمَنْ فَعَلَ مُسْتَقْبَلًا نَاسِيًا وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِحِنْثِهِ فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ ، زَادَ فِي التَّبْصِرَةِ مِثْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا .
وَكُلُّ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : حَتَّى عِتْقٌ وَطَلَاقٌ وَأَنَّ هَلْ فِيهِمَا لَغْوٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمُرَادُهُ مَا سَبَقَ ، وَإِنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْهَا لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ ؛ فَلَا كَفَّارَةَ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَعَنْهُ : فِي الْمَاضِي ، وَهَلْ هِيَ لَغْوُ الْيَمِينِ أَوْ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 4 ) وَقِيلَ : هُمَا ، قَالَتْ عَائِشَةُ " أَيْمَانُ اللَّغْوِ مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ وَالْهَزْلِ وَالْمُزَاحَةِ وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ " ، وَأَيْمَانُ الْكَفَّارَةِ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عَلَيْهَا عَلَى حَدٍّ مِنْ الْأَمْرِ فِي غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا ، وَذَكَر أَحْمَدُ أَوَّلَهُ فِيمَا خَرَّجَهُ فِي مَحْبِسِهِ ، وَمَنْ قَالَ فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا ، وَعَنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَمَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ، وَعَنْهُ : وَفِي الْمَجْلِسِ ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، وَفِي الْمُبْهِجِ : وَلَوْ تَكَلَّمَ ، قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ ، فَعَلَ أَوْ تَرَكَ ، لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ قَالَ أَحْمَدُ : قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ " لَيْسَ هُوَ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا تَأْوِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ } فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْكَذِبِ ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْيَمِينِ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْكَذِبِ ، قَالَ مُوسَى { سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } وَلَمْ يَصْبِرْ فَسَلِمَ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي إنْ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ، لِوُقُوعِهَا وَتَبْيِينِ مَشِيئَةِ اللَّهِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْمَوْقِعُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ
إنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَمَشِيئَةِ اللَّهِ : تَحْقِيقُ مَذْهَبِنَا إنَّمَا يَقِفُ عَلَى إيجَادِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكِهِ ، فَالْمَشِيئَةُ مُتَعَلِّقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ شَاءَ وَإِلَّا فَلَا ، وَفِي الطَّلَاقِ الْمَشِيئَةُ انْطَبَقَتْ عَلَى اللَّفْظِ بِحُكْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُوَ الْوُقُوعُ ، وَيُعْتَبَرُ نُطْقُهُ إلَّا مِنْ مَظْلُومٍ خَائِفٍ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : خَائِفٍ ، وَفِي اعْتِبَارِ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ وَجْهَانِ ، فَائِدَتُهُمَا فِيمَنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ عَادَةً ، أَوْ أَتَى بِهِ تَبَرُّكًا ( م 5 ) وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ شَيْخُنَا ، وَلَوْ أَرَادَ تَحْقِيقًا لِإِرَادَتِهِ وَنَحْوَهُ ، لِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ : يَعْتَبِرُ قَصْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَوَّلَ كَلَامِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ اللَّهُ وَقَصَدَ بِالْإِرَادَةِ الْمَشِيئَةَ ، لَا مَحَبَّتَهُ وَأَمْرَهُ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .
وَإِنْ شَكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : إلَّا مِمَّنْ عَادَتْهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاحْتَجَّ بِالْمُسْتَحَاضَةِ تَعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَلَمْ تَجْلِسْ أَقَلَّ الْحَيْضِ ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْعِبَادَةُ ، وَمَنْ كَانَ حِنْثُهُ فِي يَمِينِهِ خَيْرًا اُسْتُحِبَّ ، وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّ بِرَّهُ وَإِقَامَتَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْلَى ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ حَلِفِهِ فَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يُكْثِرُ الْحَلِفَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَإِنْ دُعِيَ .
مُحِقٌّ لِلْيَمِينِ عِنْدَ حَاكِمٍ فَالْأَوْلَى افْتِدَاءُ نَفْسِهِ ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ حَلِفُهُ ، وَقِيلَ : مُبَاحٌ ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ كَعِنْدَ غَيْرِ حَاكِمٍ وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ : يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ ، كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ وَتَوْكِيدًا لِأَمْرٍ وَغَيْرِهِ ، وَمِنْهُ { قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ : وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا } تَطْبِيبًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ ، وَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْهَدْيِ عَنْ
قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ ، فِيهَا جَوَازُ الْحَلِفِ بَلْ اسْتِحْبَابُهُ عَلَى الْخَيْرِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُرِيدُ تَأْكِيدَهُ ، وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلِفُ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَهُ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ ، فِي سُورَةِ سَبَأٍ وَيُونُسَ وَالتَّغَابُنِ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ ، أَوْ مَالُهُ صَدَقَةٌ وَنَحْوَهُ ، وَفَعَلَهُ ، فَلَغْوٌ ، وَعَنْهُ : يُكَفِّرُ كَنَذْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَإِنْ حَرَّمَ حَلَالًا غَيْرَ زَوْجَتِهِ ، نَحْوَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ ، وَلَا زَوْجَةَ لَهُ ، لَمْ يَحْرُمْ وَيُكَفِّرُ إنْ فَعَلَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ حَتَّى يُكَفِّرَ ، وَكَذَا تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ ، نَحْوَ إنْ أَكَلْته فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : وَطَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ هِيَ لَغْوُ الْيَمِينِ أَوْ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا ، فِيهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ قَوْلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ أَوْ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ فَيُبَيَّنُ بِخِلَافِهِ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ .
( إحْدَاهُمَا ) : هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ فَيُبَيَّنُ بِخِلَافِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) هُوَ قَوْلُهُ : لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَنَحْوِهِ إذَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْعُدَّةِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْعُدَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى الصُّورَتَيْنِ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَفِي اعْتِبَارِ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ وَجْهَانِ ، فَائِدَتُهُمَا فِيمَنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ عَادَةً أَوْ أَتَى بِهِ تَبَرُّكًا " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَعْتَبِرُ قَصْدَ الِاسْتِثْنَاءِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمَا مَعَ الِاتِّصَالِ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَظَاهِرُ بَحْثِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُشْتَرَطَ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ ، حَتَّى لَوْ نَوَى عِنْدَ تَمَامِ يَمِينِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ ، قَالَ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَعْتَبِرُ قَصْدَ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْمُقْنِعِ وَجَمَاعَةٍ ، وَذَكَر ابْنُ الْبَنَّا وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى الْمَاضِي وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " نَحْوَ مَا
أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ لَا زَوْجَةَ لَهُ " كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ " وَلَا زَوْجَةَ لَهُ " بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ قَبْلَ الْوَاوِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَشْمَلَهَا كَلَامُهُ .
وَالْيَمِينُ تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 6 ) وَلَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَحْلُوفِ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : يَحْرُمُ حِنْثُهُ وَقَصْدُهُ لَا الْمَحْلُوفُ فِي نَفْسِهِ وَلَا مَا رَآهُ خَيْرًا .
وَفِي الْإِفْصَاحِ : يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالطَّاعَةِ ، وَأَنَّهُ عِنْدَ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ عُدُولُ الْقَادِرِ إلَى الْكَفَّارَةِ ( ش م ) قَالَ شَيْخُنَا : لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا تُوجِبُ إيجَابًا أَوْ تُحَرِّمُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ ، قَالَ : وَالْعُقُودُ وَالْعُهُودُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّفِقَةٌ فَإِذَا قَالَ : أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ ، فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْ لَا أُكَلِّمَ زَيْدًا ، فَيَمِينٌ وَعَهْدٌ ، لَا نَذْرٌ ، فَالْأَيْمَانُ إنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى النَّذْرِ ، هُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِلَّهِ قُرْبَةً ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ ، وَهِيَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ وَمُعَاهَدَةٌ لِلَّهِ ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لِلَّهِ مَا يَطْلُبُهُ اللَّهُ مِنْهُ ، وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْعُقُودِ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ ، وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْآخَرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ، فَمُعَاقَدَةٌ وَمُعَاهَدَةٌ ، يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ ، وَإِلَّا خُيِّرَ ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ لِعِظَمِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَالْيَمِينُ تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْوَجِيزِ .
( إحْدَاهُمَا ) لَا يُسْتَحَبُّ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ فَقَالَ : وَلَا نَدْبَ فِي الْإِيلَاءِ لِيَفْعَلَ طَاعَةً وَلَا تَرْكَ عِصْيَانٍ عَلَى الْمُتَجَوِّدَةِ ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ شَارِحِ الْوَجِيزِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يُسْتَحَبُّ ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ .
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَغْدِرُ كَفَّرَ لِلْقَسَمِ لَا لِغَدْرِهِ ، مَعَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إثْمَهُ بَلْ يَتَقَرَّبُ بِالطَّاعَاتِ ، قَالَ : وَهَذِهِ أَيْمَانٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَلَمْ يَفْرِضْ اللَّهُ مَا يَحِلُّ عُقْدَتَهَا إجْمَاعًا .
نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : قَالَ اللَّهُ : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُهُودُ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : الْعَهْدُ شَدِيدٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَلَفَ بِالْعَهْدِ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ ، وَيُكَفِّرُ إذَا حَنِثَ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ يَمِينٍ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : إنْ حَلَّ الْيَمِينُ عَلَى مُبَاحٍ مُبَاحٌ ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } أَيْ فِي الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ } الْآيَةَ ، وَقَوْلُهُ { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَالْعَهْدُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فَمَعَ الْيَمِينِ أَوْلَى ، وَنَهَى عَنْ نَقْضِ الْيَمِينِ ، وَيَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَضَرَبَ لَهُمْ الْمَثَلَ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحِلَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَدْخُلُهُ هَذَا ، قَالَ شَيْخُنَا : مِنْ جِنْسِهِمَا لَفْظُ الذِّمَّةِ .
وَقَوْلُهُمْ : هَذَا فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ أَصْلُهُ مِنْ هَذَا أَيْ فِيمَا لَزِمَهُ بِعَهْدِهِ وَعَقْدِهِ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ : الذِّمَمُ هِيَ الْعُهُودُ وَالْأَمَانَاتُ ، وَفِي الْوَاضِحِ : وَمِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ ، وَذِمَّةُ فُلَانٍ ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي طَرِيقَتِهِ : الذِّمَّةُ لَا تَمْلِكُ ، لِأَنَّهَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ لُغَةً ، وَفِي الشَّرْعِ وَصَفٌّ يَصِيرُ بِهِ الْمُكَلَّفُ أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ وَالْإِلْزَامِ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ مِنْ آخَرَ صَحَّ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْحَقَّ الثَّابِتَ فِيهَا ، وَقِيلَ لَهُ : الذِّمَّةُ صِفَةٌ فَتَفُوتَ بِالْمَوْتِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِهِ ، فَقَالَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا صِفَةٌ ، بَلْ عِبَارَةٌ عَنْ الِالْتِزَامِ وَلَمْ يَفُتْ .
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ : الذِّمَّةُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَهْدَ فَالْمِلْكُ التَّسَلُّطُ ، فَإِذَا بَقِيَ حُكْمُ الْمِلْكِ وَلَا تَسَلَّطَ حَقِيقَةً فِي الْمَيِّتِ بَقِيَ حُكْمُ الذِّمَّةِ ، وَإِنْ كَانَ لَا عَهْدَ حَقِيقَةً لِلْمَيِّتِ .
فَصْلٌ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَلَهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ، جِنْسًا أَوْ أَكْثَرَ ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ ، أَوْ يُطْعِمُ بَعْضًا وَيَكْسُو بَعْضًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ قَوْلٌ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسَيْنِ ، وَكَعِتْقٍ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ إطْعَامٍ وَصَوْمٍ .
مَا يُجْزِئُ صَلَاةَ الْآخِذِ فِيهِ ، وَفِي التَّبْصِرَةِ : الْمَفْرُوضَةَ ، وَكَذَا نَقَلَ حَرْبٌ : مَا يَجُوزُ فِيهِ الْفَرْضُ ، كَوَبَرٍ وَصُوفٍ ، وَمَا يُسَمَّى كِسْوَةً وَلَوْ عَتِيقًا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَحَرِيرٍ ، فِي التَّرْغِيبِ مَا يَجُوزُ لِلْآخِذِ لِبْسُهُ ، فَمَنْ عَجَزَ كَعَجْزِهِ عَنْ فُطْرَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : كَرَقَبَةٍ فِي ظِهَارٍ ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ بِلَا عُذْرٍ ، وَعَنْهُ : لَهُ تَفْرِيقُهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هَلْ الدَّيْنُ كَزَكَاةٍ فَيَصُومُ أَمْ لَا ، كَفِطْرَةٍ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَلَهُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ .
وَفِي الْوَاضِحِ عَلَى رِوَايَةِ حِنْثِهِ بِعَزْمِهِ عَلَى مُخَالِفَةِ يَمِينِهِ بِنِيَّتِهِ لَا يَجُوزُ ، بَلْ لَا يَصِحُّ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ : لَا يَجُوزُ بِصَوْمٍ ، لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ عِبَادَةٍ ، كَصَلَاةٍ وَاخْتَارَ فِي التَّحْقِيقِ : لَا يَجُوزُ ، كَحِنْثٍ مُحْرِمٍ ، فِي وَجْهٍ ، وَهُمَا سَوَاءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : بَعْدَهُ أَفْضَلُ ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : قَبْلَهُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : تُقَدَّمُ الْكَفَّارَةُ ، وَأُحِبُّهُ ، فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ ، لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّكَاةِ .
وَمَنْ لَزِمَتْهُ ، أَيْمَانٌ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَكَفَّارَةٌ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ غَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا ، كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ ، وَعَنْهُ : إنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ ، نَحْوَ وَاَللَّهِ لَا قُمْت ، وَاَللَّهِ لَا قَعَدْت كَمَا لَوْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوِّلَةِ ، وَإِلَّا كَفَّارَةٌ كَوَاللَّهِ لَا قُمْت وَاَللَّهِ لَا قُمْت وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ أَوْ بِطَلَاقٍ مُكَفَّرٍ ، قَالَهُ شَيْخُنَا : وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ حَلَفَ نُذُورًا كَثِيرَةً مُسَمَّاةً إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَرَّرَهُ : لَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ يَنْوِ ، فَيَتَوَجَّهَ مِثْلُهُ إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا ، سَبَقَ فِيمَا يُخَالِفُ الْمَدْخُولَ بِهَا غَيْرُهَا يَقَعُ بِهِمَا ثَلَاثٌ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ إجْمَاعًا ، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الشَّرْطِ الْجَزَاءُ ، فَيَقَعُ الثَّلَاثُ مَعًا ، لِلتَّلَازُمِ ، وَلَا رَبْطَ فِي الْيَمِينِ ، وَلِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ فَهِيَ كَالْحُدُودِ ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، وَالْأَصْلُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُغْلِظَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَرَّرَ الْأَيْمَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَطْعَمَ .
وَلَوْ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَفَّارَةٌ ، حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ وَاحِدٍ وَتَنْحَلُّ فِي الْبَقِيَّةِ .
وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَحُرٍّ وَقِيلَ : لَا عِتْقَ ، وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ حَتَّى مُرْتَدٌّ بِغَيْرِ صَوْمٍ .
بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ .
يُرْجَعُ فِيهَا إلَى نِيَّةِ حَالِفٍ لَيْسَ بِهَا ظَالِمًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، احْتَمَلَهَا لَفْظُهُ ، فَيَنْوِي بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ ، وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ الْأَرْضَ ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ ، وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ ، وَبِالْإِخْوَةِ إخْوَةَ الْإِسْلَامِ ، وَمَا ذَكَرْت فُلَانًا أَيْ مَا قَطَعْت ذِكْرَهُ ، وَمَا رَأَيْته أَيْ مَا ضَرَبْت رِئَتَهُ ، وَبِنِسَائِي طَوَالِقُ نِسَاءَهُ الْأَقَارِبَ مِنْهُ ، وَبِجَوَارِي أَحْرَارٌ سُفُنَهُ ، وَبِمَا كَاتَبْت فُلَانًا مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ ، وَبِمَا عَرَّفْته جَعَلْته عَرِيفًا ، وَلَا أَعْلَمْته أَيْ أُعَلِّمُ الشَّفَةَ ، وَلَا سَأَلْته حَاجَةً وَهِيَ الشَّجَرَةُ الصَّغِيرَةُ ، وَلَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً وَهِيَ الْكُبَّةُ مِنْ الْغَزْلِ ، وَلَا فَرَوْجَةً وَهِيَ الدُّرَّاعَةُ ، وَلَا فِي بَيْتِي فُرُشٌ وَهِيَ صِغَارُ الْإِبِلِ ، وَلَا حَصِيرٌ وَهُوَ الْجِبْسُ ، وَلَا بَارِيَةٌ أَيْ السِّكِّينُ الَّتِي يَبْرِي بِهَا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي الْمُخَاطَبَةِ لِغَيْرِ ظَالِمٍ بِلَا حَاجَةٍ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَقِيلَ : لَا ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَاخْتَارَهُ ، لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَتَدْلِيسِ الْمَبِيعِ ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ التَّدْلِيسَ ، وَقَالَ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَنَصُّهُ : لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ مَعَ الْيَمِينِ ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ مَعَ قُرْبِ الِاحْتِمَالِ مِنْ الظَّاهِرِ وَمَعَ تَوَسُّطِهِ رِوَايَتَانِ ( م 1 ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ بِقَبُولِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَحَكَى رِوَايَةً ، وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي بِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَضْعِ ، وَعَنْهُ : يُقَدِّمُ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي : وَعَلَيْهَا عُمُومُ لَفْظِهِ احْتِيَاطًا ، ثُمَّ إلَى التَّعْيِينِ .
وَقِيلَ : يُقَدِّمُ عَلَيْهِ وَضْعَ لَفْظِهِ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ لُغَةً .
وَفِي الْمُذْهَبِ : فِي الِاسْمِ وَالْعُرْفِ وَجْهَانِ ، وَذَكَرَ ابْنُهُ النِّيَّةَ ثُمَّ السَّبَبَ ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ
عُرْفًا ثُمَّ لُغَةً ، فَإِذَا حَلَفَ لِظَالِمٍ : مَا لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ ، وَنَوَى غَيْرَهَا أَوْ بِ " مَا " مَعْنَى الَّذِي أَوْ اسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ ، بَرَّ ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ أَثِمَ ، وَهُوَ دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا وَيُكَفِّرُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، وَعَزَاهُمَا الْحَارِثِيُّ إلَى فَتَاوَى أَبِي الْخَطَّابِ ، وَلَمْ أَرَهُمَا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوزُ جَحْدُهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ .
وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يُسْقِطُ ضَمَانٌ لِخَوْفِهِ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ ، بَلْ يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا افْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا فَكَإِقْرَارِهِ ، طَائِعًا وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ( م 2 ) .
بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَيَقْبَلُ حُكْمًا مَعَ قُرْبِ الِاحْتِمَالِ مِنْ الظَّاهِرِ وَمَعَ تَوَسُّطِهِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) يُقْبَلُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ طَرِيقَةً مُؤَخَّرَةً وَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ احْتَمَلَهَا لَفْظُهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ إنْ قَرُبَ الِاحْتِمَالُ إلَى آخِرِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يُقْبَلْ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ " أَيْ قَدَّمُوا السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ ، أَمَّا صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ فَمُسَلَّمٌ ، وَأَمَّا الْخِرَقِيُّ فَلَمْ يُقَدِّمْ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ ، بَلْ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ ، فَقَالَ : وَيَرْجِعُ فِي الْأَيْمَانِ إلَى النِّيَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا يَصْحَبُهَا ، انْتَهَى .
فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَسْقُطُ ضَمَانٌ لِخَوْفِهِ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ ، بَلْ يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا افْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا فَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا ، وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ " ، انْتَهَى .
قَالَ الْخِرَقِيُّ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ : فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أُخِذَتْ مِنْهُ وَجَبَ الضَّمَانُ لِلتَّفْرِيطِ .
( قُلْت ) : وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ هَذَا التَّصْحِيحِ فَلْيُرَاجَعْ .
وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ لَيَطَأَنَّهَا الْيَوْمَ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ ، أَوْ لَيَسْقِيَنَّ ابْنَهُ خَمْرًا ، لَا يَفْعَلُ ، وَتَطْلُقُ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيمَنْ حَلَفَ فِي شَعْبَانَ بِثَلَاثٍ لَيَطَأَنَّهَا فِي نَهَارِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، سَافَرَ فِي رَمَضَانَ ، فَإِنْ حَاضَتْ وَطِئَ وَكَفَّرَ لِحَيْضٍ ، وَذَكَرَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ فَإِذَا هُوَ بَيْضٌ ، عُمِلَ مِنْهُ نَاطِفٌ يُسْتَهْلَكُ .
وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِمَنْ عَلَى سُلَّمٍ : إنْ صَعِدْت فِيهِ أَوْ نَزَلْت مِنْهُ أَوْ قُمْت عَلَيْهِ أَوْ رَمَيْت نَفْسَك ، أَوْ حَطَّك إنْسَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ انْتَقَلَتْ إلَى سُلَّمٍ آخَرَ .
وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ : لَا وَطِئْتُك إلَّا وَأَنْتِ لَابِسَةٌ عَارِيَّةٌ رَاجِلَةٌ رَاكِبَةٌ ، وَطِئَهَا بِلَيْلٍ عُرْيَانَةً فِي سَفِينَةٍ .
وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ قِدْرًا بِرِطْلِ مِلْحٍ وَيَأْكُلُ مِنْهُ لَا يَجِدُ طَعْمَ الْمِلْحِ ، سَلَقَتْ بَيْضًا ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ وَوَطِئَ فَنَصُّهُ : لَا يُعْجِبُنِي لِأَنَّهَا حِيلَةٌ ؛ قَالَ : مَنْ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَهُوَ حَانِثٌ ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ : لَا يَرَى الْحِيلَةَ إلَّا بِمَا يَجُوزُ ، فَقَالَ لَهُ : إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ عَلَى دَرَجَةٍ إنْ صَعِدْت أَوْ نَزَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالُوا تَحَمَّلَ ؛ قَالَ ، أَلَيْسَ هَذَا حِيلَةٌ ؟ هَذَا هُوَ الْحِنْثُ بِعَيْنِهِ ؛ وَقَالُوا : إذَا حَلَفَ لَا يَطَأُ بِسَاطًا فَوَطِئَ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَإِذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُ فَحُمِلَ فَأُدْخِلَ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ : جُمْلَةُ مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ الْحِيَلُ فِي الْيَمِينِ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِمَا وَرَدَ بِهِ سَمْعٌ كَنِسْيَانٍ وَإِكْرَاهٍ وَاسْتِثْنَاءٍ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا : لَا يَجُوزُ التَّحَيُّلُ لِإِسْقَاطِ حُكْمِ الْيَمِينِ ، وَلَا يُسْقِطُهُ بِذَلِكَ ، وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ : { لَعَنَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَقَالَتْ عَائِشَةُ " لَعَنَ اللَّهُ صَاحِبَ الْمَرَقِ لَقَدْ احْتَالَ حَتَّى أَكَلَ " .
وَإِنْ حَلَفَ لَتُخْبِرُنِّي بِشَيْءٍ فِعْلُهُ مُحَرَّمٌ وَتَرَكَهُ ، فَصَلَاةُ السَّكْرَانِ ، أَوْ بِطَعْمِ النَّجْوِ ، فَحُلْوٌ ، لِسُقُوطِ الذُّبَابِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ حَامِضٌ ؛ لِأَنَّهُ يُدَوِّدُ ، ثُمَّ مُرٌّ لِأَنَّهُ يَكْرَجُ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ : يُبَرِّرُ لَهُ الْفِطْرَ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا سَرَقَتْ مِنِّي شَيْئًا فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَتِهِ ، أَوْ لَا أَقَمْت فِي هَذَا الْمَاءِ وَلَا خَرَجْت مِنْهُ وَهُوَ جَارٌ ، حَنِثَ بِقَصْدٍ أَوْ سَبَبٍ فَقَطْ ، وَقِيلَ : تَحْمِلُ مِنْ رَاكِدٍ كُرْهًا وَلَا حِنْثَ .
وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا وَقَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ أَوْ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ : أَوْ لَا ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ ، بَرَّ ، وَكَذَا أَكْلُ شَيْءٍ أَوْ بَيْعُهُ أَوْ فِعْلُهُ غَدًا .
وَإِنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّهُ غَدًا ، وَقَصَدَ مَطْلَهُ ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ ، حَنِثَ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمِائَةٍ حَنِثَ بِأَقَلَّ فَقَطْ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِمِائَةٍ حَنِثَ بِهَا وَبِأَقَلَّ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَنَوَى الْيَوْمَ قُبِلَ حُكْمًا ، وَعَنْهُ لَا ، وَيُدَيَّنُ .
وَإِنْ دُعِيَ إلَى غَدَاءٍ فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى ، لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُشْرَبُ لَهُ الْمَاءُ مِنْ عَطَشٍ وَالنِّيَّةُ أَوْ السَّبَبُ قَطْعُ مِنَّتِهِ حَنِثَ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا أَقُلْ ، كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا لِقَطْعِ الْمِنَّةِ فَانْتَفَعَ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ فِي شَيْءٍ ، وَقِيلَ : أَوْ بِغَيْرِهِ بِقَدْرِ مِنَّتِهِ فَأَزِيدُ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ، حَنِثَ .
وَفِي التَّعْلِيقِ وَالْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمَا : يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، لِأَنَّهُ لَا يَمْحُو مِنَّتَهَا إلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ مِنَّةً لِيَخْرُجَ مَخْرَجَ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ ، وَكَذَا سَوَّى الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَأَنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَهُ خُبْزًا وَالسَّبَبُ الْمِنَّةُ ، حَنِثَ بِأَكْلِ غَيْرِهِ كَائِنًا مَا كَانَ ، وَأَنَّهُ إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ عِمَامَةً أَوْ عَكْسَهُ إنْ كَانَتْ اُمْتُنَّتْ عَلَيْهِ بِغَزْلِهَا ، حَنِثَ بِكُلِّ مَا يَلْبَسُهُ مِنْهُ ، وَكَذَا مَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَالِفَ عَلَى خُبْزٍ غَيْرِهِ مِنْ لَحْمِهِ وَمَائِهِ .
وَيَحْنَثُ حَالِفٌ عَلَى تَمْرٍ لِلْحَلَاوَةِ ، بِكُلِّ حُلْوٍ ، وَحَالِفٌ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ لِلْهَجْرِ ، بِوَطْئِهَا ، لِاقْتِضَاءِ الْيَمِينِ مَنْعًا وَالْتِزَامًا ، فَهِيَ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .
بِخِلَافِ أَعْتِقُهُ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ ، يُعْتَقُ وَحْدَهُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ التَّعَبُّدَ مَنَعَ مِنْهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ : لِأَنَّ عِلَّتَهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِضَ ، وَقَوْلُهُ لَا يَطَّرِدُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ التَّشْرِيعَ ، وَكَذَا أَعْتَقْته لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ ، لِجَوَازِ الْمُنَاقَضَةِ عَلَيْهِ وَالْبَدَاءِ ، وَاخْتَارَ فِي التَّمْهِيدِ : لَهُ عِتْقُ كُلِّ أَسْوَدَ ، قَالَ : لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَدْءِ فِي حَقِّهِ ، ثُمَّ النُّسَخُ يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ مِنْ الْبَارِئِ فِي الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، كَمَا يُرَدُّ الْبَدْءُ مِنْ الْآدَمِيِّ ، ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْ جَوَازُ وُرُودِ النُّسَخِ مِنْ الْقِيَاسِ ، كَذَا جَوَازُ الْبَدْءِ فِي حَقِّ الْمُوَكَّلِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِيهِ إنْ قَالَ : إذَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ لِعِلَّةٍ فَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ مَالِي وَجَدْت فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةَ ، ثُمَّ قَالَ : أَعْتِقُ عَبْدِي فُلَانًا لِأَنَّهُ أَسْوَدُ ، فَعَتَقَ كُلُّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ ، صَحَّ ذَلِكَ ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ تَعَبَّدَنَا بِالْقِيَاسِ .
وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ : إنَّ الْمُخَالِفَ احْتَجَّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا تَسْتَعْمِلُ الْقِيَاسَ ، فَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ : اشْتَرِ لِي سَكَنْجَبِينًا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلصَّفْرَاءِ ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رُمَّانًا وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلصَّفْرَاءِ ، وَالْجَوَابُ أَنَّ السَّكَنْجَبِينَ يَخْتَصُّ مَعَانِيَ لَا تُوجَدُ فِي الرُّمَّانِ ، لِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا يُوجِبُ الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ ، فَإِنَّ ابْنَيْنِ لَوْ ضَرَبَا أُمَّهُمَا فَضَرَبَ الْأَبُ أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ ضَرَبَ أُمَّهُ ، صَلُحَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْآخَرَ ضَرَبَهَا فَلِمَ لَا تَضْرِبُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَا تُعْطِ فُلَانًا إبْرَةً
لِئَلَّا يَعْتَدِي بِهَا ، لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُعْطِيَهُ سِكِّينًا ، لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي دَلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ وَكَلَّفَنَا إيَّاهُ ، وَفِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَدُلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِبْ الْقَوْلُ بِهِ ، فَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي بِوَجْهَيْنِ : أَوَّلُهُمَا كَاخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ .
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ قِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا صَلَحَ لِلصَّفْرَاءِ جَازَ .
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْ غَيْرَ مَا أَعْتَقَهُ مَعَ أَنَّهُ أَسْوَدُ أَنَّ لِكُلِّ عَاقِلٍ مُنَاقَضَتَهُ ، وَيَقُولُ لَهُ لَمْ يُعْتِقْ غَيْرَهُ مِنْ السُّودِ ، وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَأَمَّا إذَا قَالَ أَعْتَقْتُ فُلَانًا لِأَنَّهُ أَسْوَدُ فَقِيسُوا عَلَيْهِ كُلَّ أَسْوَدَ ، فَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى الْعِتْقَ غَيْرُ مَنْ أَعْتَقَهُ ، مُلْزِمًا بِهِ لِلْمُخَالِفِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا ذُكِرَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ خِلَافُهُ ، وَفِيهِ قَالَ الْقَاضِي فِي النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ : وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت السُّكَّرَ لِأَنَّهُ حُلْوٌ لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ ، وَكَذَا لَفْظُ الشَّرْعِ ، وَأَجَابَ بِجَوَازِ الْمُنَاقَضَةِ ، وَبِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ بِالْقِيَاسِ ، وَغَيْرُهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ ، فَلَوْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ قِيسُوا كَلَامِي بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت السُّكَّرَ لِأَنَّهُ حُلْوٌ ، شَرِكَهُ فِيهِ كُلُّ حُلْوٍ .
وَفِي الْإِيضَاحِ الطَّلَاقُ : وَإِنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا أَحَدَ مِمَّنْ فِي كَنَفِهِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا بِدَارٍ يَنْوِي جَفَاهَا وَلَا سَبَبَ ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا حَنِثَ ، أَوْ لَا عُدْت رَأَيْتُك تَدْخُلِينَهَا يَنْوِي مَنْعَهَا حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَرَهَا ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ أَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ ، قَالَ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ : لَا يُقَالُ : اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : اجْتَمَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، وَخَالَفَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فَقَالَ : جَامِعُهُ عَلَى كَذَا أَيْ اجْتَمَعَ مَعَهُ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ تَرَكْت هَذَا الصَّبِيَّ يَخْرُجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَفْلَتَ فَخَرَجَ ، أَوْ قَامَتْ تُصَلِّ أَوْ لِحَاجَةٍ فَخَرَجَ ، إنْ نَوَى أَنْ لَا يَخْرُجَ حَنِثَ وَإِنْ نَوَى أَنْ تَمْنَعَهُ وَلَا تَدَعْهُ فَإِنَّهَا لَمْ تَتْرُكْهُ يَخْرُجُ ، فَلَا يَحْنَثُ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا نَقَلَ حَرْبٌ : أَكْرَهُ إذَا حَلَفَ لَا يُلْبِسُ امْرَأَتَهُ مِنْ كَدِّهِ أَنْ يُعْطِيَ أُجْرَةَ الْخَيَّاطِ أَوْ الْقَصَّارِ أَوْ نَحْوِ هَذَا .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ الْبَلَدَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي أَوْ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ ، أَوْ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ وَعَبْدُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، فَعُزِلَ ، وَطَلَّقَ وَأَعْتَقَ ، أَوْ حَلَفَ لَا دَخَلَهُ لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ فَزَالَ ، وَنَوَى " مَا دَامَ " ، لَمْ يَحْنَثْ ، وَمَعَ السَّبَبِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَنَصُّهُ : يَحْنَثُ ( م 3 ) وَإِنْ انْحَلَّتْ بِعَزْلِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَبَرَّ بِرَفْعِهِ الْمُنْكَرَ بَعْدَ عَزْلِهِ ، وَفِي حِنْثِهِ بِعَزْلِهِ أَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ يَحْنَثُ إنْ أَمْكَنَهُ فِي وِلَايَتِهِ ( م 4 - 6 ) وَإِنْ لَمْ تَنْحَلَّ بِعَزْلِهِ فَرَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ بَرَّ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَالِي إذَنْ فَفِي تَعْيِينِهِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ ، لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ ، وَفِيهِ : لَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ فَقِيلَ : فَاتَ الْبِرَّ ، كَمَا لَوْ رَآهُ مَعَهُ ، وَقِيلَ : لَا ، لِإِمْكَانِ صُورَةِ الرَّفْعِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ : هُوَ كَإِبْرَائِهِ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ حَلِفِهِ لِيَقْضِيَنَّهُ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ( م 7 - 9 ) وَكَذَا قَوْلُهُ جَوَابًا لِقَوْلِهَا تَزَوَّجْت عَلَيَّ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ ، تَطْلُقُ ، عَلَى نَصِّهِ ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، أَخْذًا بِالْأَعَمِّ مِنْ لَفْظٍ وَسَبَبٍ : وَقَوْلُهُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنُهُ : إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ ، وَنَحْوُهُ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَنْ قِيلَ لَهُ خَرَجَتْ امْرَأَتُك فَطَلِّقْهَا ، أَوْ قَالَ لَهُ عَبْدُهُ قَدِمَ أَبُوك أَوْ مَاتَ عَدُوُّك فَأَعْتِقْهُ ، وَلَمْ يُوَقِّعْهُ ابْنُ عَقِيلٍ لِبُطْلَانِ الْخَبَرِ ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ ، لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَرْطٍ أَوْ تَعْلِيلٍ .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي قَوْلِهِ لِأَكْبَرَ مِنْهُ : هُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ ابْنِي ، عَتَقَ وَلَمْ يُقْبَلْ تَعْلِيلُهُ بِكَذِبٍ ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّك قُمْت ، وَقَعَ ، إنْ كَانَتْ مَا قَامَتْ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ الْبَلَدَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي أَوْ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ ، أَوْ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ وَعَبْدُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَعَزَلَ ، وَطَلَّقَ ، وَأَعْتَقَ ، أَوْ حَلَفَ لَا دَخَلَهُ لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ فَزَالَ ، وَنَوَى " مَا دَامَ " لَمْ يَحْنَثْ ، وَمَعَ السَّبَبِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَنَصُّهُ : يَحْنَثُ " ، انْتَهَى .
هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ تَنْزِعُ إلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَصْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَغَيْرِهَا ، وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ هَلْ يَخُصُّ بِسَبَبِهِ الْخَاصَّ إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ ، أَوْ يُقْضَى بِعُمُومِ اللَّفْظِيَّةِ ؟ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ ، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ ، وَتَابَعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ .
( أَحَدُهُمَا ) الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أَوَّلَ الْبَابِ : فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ أَعَمَّ مِنْ السَّبَبِ أُخِذَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَقِيلَ : بَلْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ النَّاظِمُ فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَعَمَّ فَخُذْ بِهِ وَخَلِّ خُصُوصَ اللَّفْظِ عِنْدَهُ تَسْدُدْهُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ، وَالْآمِدِيُّ وَأَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ ، وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ : وَأَخَذُوهُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَصْطَادُ مِنْ نَهْرٍ لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ فَزَالَ الظُّلْمُ ، قَالَ أَحْمَدُ : النَّذْرُ يُوَفِّي بِهِ ، وَكَذَلِكَ أَخَذُوهُ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهِ ، تَغْلِيبًا لِلتَّعْيِينِ عَلَى الْوَصْفِ ، قَالُوا : وَالسَّبَبُ وَالْقَرِينَةُ عِنْدَنَا تُعِينُ الْخَاصَّ وَلَا تُخَصِّصُ الْعَامَّ ، انْتَهَى .
قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَنَصُّهُ : يَحْنَثُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) الْعِبْرَةُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ
، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ ، لَكِنَّ الْمَجْدَ اسْتَثْنَى صُورَةَ النَّهْرِ وَمَا أَشْبَهَهَا ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ ثُمَّ زَالَ الظُّلْمُ ، فَجَعَلَ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَعَدَّى الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ الْخِلَافَ إلَيْهَا أَيْضًا .
وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمُدِ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ : هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّهْرِ الْمَنْصُوصَةِ ، وَذَكَرَهُ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : وَهَذَا أَحْسَنُ ، وَقَدْ يَكُونُ جَدُّهُ لَحَظَ هَذَا ، انْتَهَى .
فَتَلَخَّصَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ أَيْضًا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى لَفْظِ الْخِرَقِيِّ : إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَلَا غَيْرَ ظَاهِرِهِ رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ امْرَأَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، وَكَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ غَيْظًا مِنْ جِهَةِ الدَّارِ ، لِضَرَرٍ لَحِقَهُ مِنْ جِيرَانِهَا أَوْ مِنْهُ حَصَلَ عَلَيْهِ بِهَا ، وَنَحْوِ ذَلِكَ اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهَا ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْظٍ مِنْ الْمَرْأَةِ يَقْتَضِي جَفَاهَا وَلَا أَثَرَ لِلدَّارِ فِيهِ تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى كُلِّ دَارِ ، الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا بِالنَّصِّ ، وَمَا عَدَاهَا بِعِلَّةِ الْجَفَا الَّتِي اقْتَضَاهَا السَّبَبُ ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ ، أَوْ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ ، فَزَالَ الظُّلْمُ ، وَتَرَكَ زَيْدٌ شُرْبَ الْخَمْرِ ، جَازَ لَهُ الدُّخُولُ وَالْكَلَامُ ، لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْيَمِينِ .
وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ خَاصًّا وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ كَمَا مَثَّلْنَا أَوَّلًا ، أَوْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ كَمَا مَثَّلْنَا ثَانِيًا ، وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْت فِي الرُّجُوعِ إلَى السَّبَبِ
الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ ، وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ ، فَقِيلَ : فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : رِوَايَتَانِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فِيهِ قَوْلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ : ( أَحَدُهَا ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَفِي غَيْرِهِ ، وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا : يُؤْخَذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي نَصَّ أَحْمَدَ ، وَذَكَرَهُ ( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ ، وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ : يُحْمَلُ اللَّفْظُ الْعَامُّ عَلَى السَّبَبِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ : فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ ، وَيَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى غَدَاءٍ فَخَلَفَ لَا يَتَغَدَّى ، أَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ عَبْدُهُ وَلَا زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَالْحَالُ يَقْتَضِي مَا دَامَا كَذَلِكَ .
وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إلَى هَذَا فِي التَّعْلِيقِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا زَادَ فِي النُّقُولِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ جِهَةِ مَنْ اخْتَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ .
وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ وَعَامَّةَ أَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ، وَأَبِي الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا : الِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ ، وَأَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فِي عُمُدِ الْأَدِلَّةِ وَالشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ وَالشَّارِحَ وَصَاحِبَ الْبُلْغَةِ وَالشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ ، وَالْقَاضِيَ فِي مَوْضِعٍ فِي الْمُجَرَّدِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رَجَبٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ ، قَالُوا : الِاعْتِبَارُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَأَنَّ الْمَجْدَ وَمَنْ تَبِعَهُ فَرَّقُوا ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، كَمَا نَقَلَهُ
الزَّرْكَشِيّ .
وَإِنْ كَانَ الْمَجْدُ لَحَظَ مَا قَالَهُ حَفِيدُهُ فَيَكُونُ قَدْ وَافَقَ الْمُوَفَّقَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 4 - 6 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ انْحَلَّتْ بِعَزْلِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَبَرَّ بِرَفْعِهِ الْمُنْكَرَ بَعْدَ عَزْلِهِ ، وَفِي حِنْثِهِ ، بِعَزْلِهِ أَوْجُهٌ ، الثَّالِثُ : يَحْنَثُ إنْ أَمْكَنَهُ فِي وِلَايَتِهِ ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 4 ) هَلْ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِعَزْلِ الْوَالِي أَمْ لَا ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) تَنْحَلُّ يَمِينُهُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ أَوْ لَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ ، قَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا تَنْحَلُّ ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ : إنْ كَانَ السَّبَبُ أَوْ الْقَرَائِنُ تَقْتَضِي حَالَةَ الْوِلَايَةِ اخْتَصَّ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي الرَّفْعَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبُ الْمُنْكَرِ قَرَابَةَ الْوَالِي مَثَلًا وَقَصَدَ إعْلَامَهُ بِذَلِكَ لِأَجْلِ قَرَابَتِهِ وَذَكَرَ الْوِلَايَةَ تَعْرِيفًا تَنَاوَلَ الْيَمِينَ حَالَ الْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 5 ) إذَا قُلْنَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ وَرَأَى الْمُنْكَرَ فِي وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى عُزِلَ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَوْ يَحْنَثُ إنْ أَمْكَنَهُ ؟ أَطْلَقَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ : ( إحْدَاهُمَا ) : إذَا أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ ، وَفِيهَا وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُصَنِّفُ : ( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ ، وَهُوَ أَوْلَى : ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ .
( وَالثَّالِثَةُ 6 ) إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ حَتَّى عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟
أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ ، ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي التَّرْغِيبِ .
( مَسْأَلَةٌ 7 - 9 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ لَمْ تَنْحَلَّ بِعَزْلِهِ فَرَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ بَرَّ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَالِي إذَنْ فَفِي تَعْيِينِهِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ ، لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ ، وَفِيهِ ، لَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ فَقِيلَ : فَاتَ الْبِرَّ ، كَمَا لَوْ رَآهُ مَعَهُ ، وَقِيلَ : لَا ، لِإِمْكَانِ صُورَةِ الرَّفْعِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ : هُوَ كَإِبْرَائِهِ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
فِيهِ مَسَائِلُ مِنْ التَّرْغِيبِ أَطْلَقَ فِيهَا الْخِلَافَ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 7 ) إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَالِي فَهَلْ يَتَعَيَّنُ وَيَكُونُ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ حَلِفِهِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ( أَحَدُهُمَا ) : لَا يَتَعَيَّنُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ ، فَيَكُونُ لِلْجِنْسِ ، فَيَشْمَلُ كُلَّ وَالٍ يُوَلَّى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَتَعَيَّنُ ، وَهُوَ مَنْ كَانَ الْيَمِينُ فِي زَمَنِهِ ، فَيَكُونُ لِلْعَهْدِ ، وَظَاهِرُ الْحَالِ يَقْتَضِي ذَلِكَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 8 ) : لَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ، أَيْ بَعْدَ عِلْمِ الْوَالِي ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، فَهَلْ فَاتَ الْبِرُّ ؟ كَمَا لَوْ رَآهُ مَعَهُ أَوْ لَا ، لِإِمْكَانِ صُورَةِ الرَّفْعِ ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ ، وَهَذَا لَفْظُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ فَنَقْلَاهُ .
( قُلْت ) : هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ عَزْلِهِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْبِرَّ قَدْ فَاتَ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْحَالِفِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 9 ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبِرَّ قَدْ فَاتَ ، قَالَ : هُوَ كَإِبْرَائِهِ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ
حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوَّرِهِ ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ ، فَكَذَا الصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهَا مُحَرَّرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَادِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ .
وَفِي الْفُنُونِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، مَا سَرَقَ ذَهَبِي غَيْرُك ، وَعَلِمَ سَرِقَتَهَا ، وَقَعَ ، وَإِنْ حَلَفَ زَجْرًا لَمْ يَقَعْ بِالشَّكِّ .
وَإِنْ حَلَفَ لِلِصٍّ لَا يُخْبِرُ بِهِ ، فَسُئِلَ عَمَّنْ هُوَ مَعَهُمْ فَبَرَّأَهُمْ دُونَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَيْهِ ، حَنِثَ إنْ لَمْ يَنْوِ حَقِيقَةَ الْغَمْزِ ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ ، بَرَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَكَذَا قِيلَ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ، كَحَلِفِهِ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا ، وَالْمَذْهَبُ : يَبَرُّ بِدُخُولِهِ بِنَظِيرَتِهَا ، وَالْمُرَادُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، بِمَنْ تَغُمُّهَا وَتَتَأَذَّى بِهَا ، كَظَاهِرِ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ .
وَفِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا أَوْ مُقَارَبَتِهَا وَقَالَ شَيْخُنَا : إنَّمَا الْمَنْصُوصُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُمَاثَلَتُهَا ، وَاعْتُبِرَ فِي الرَّوْضَةِ : حَتَّى فِي الْجِهَازِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ دُخُولًا ، وَإِنْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ ضَرَّتَهَا فَفِي بِرِّهِ بِرَجْعِيٍّ خِلَافٌ ( م 10 ) وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا فَعَضَّهَا أَوْ خَنَقَهَا وَنَحْوَهُ ، وَقِيلَ : وَنَوَى بِيَمِينِهِ إيلَامَهَا حَنِثَ ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ إنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهَا فَخَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا لَمْ يَحْنَثْ .
مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لِيُطَلِّقَن ضَرَّتَهَا فَفِي بَرِّهِ بِرَجْعِيٍّ خِلَافٌ " ، انْتَهَى .
أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : يَبَرُّ بِهِ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ نِيَّةٌ أَوْ قَرِينَةٌ رَجَعَ إلَيْهَا وَإِلَّا بَرَّ ، لِأَنَّهُ طَلَّقَ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) لَا يَبَرَّ إلَّا بِطَلَاقٍ بَائِنٍ .
فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَدَخَلَهَا وَهِيَ فَضَاءٌ أَوْ مَسْجِدٌ أَوْ حَمَّامٌ أَوْ بَاعَهَا ، أَوْ لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَصَارَ رِدَاءً أَوْ عِمَامَةً ، أَوْ لَا كَلَّمْت هَذَا الصَّبِيَّ فَصَارَ شَيْخًا ، أَوْ امْرَأَةَ فُلَانٍ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ صَدِيقَهُ هَذَا فَزَالَ ذَلِكَ ، ثُمَّ كَلَّمَهُ ، أَوْ لَا أَكَلْت لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَصَارَ كَبْشًا ، أَوْ هَذَا الرُّطَبُ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ دِبْسًا ، نَصَّ عَلَيْهِ : أَوْ هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْنًا وَنَحْوَهُ .
وَلَا نِيَّةَ ، وَلَا سَبَبَ ، حَنِثَ .
كَقَوْلِهِ : دَارَ فُلَانٍ فَقَطْ ، أَوْ التَّمْرَ الْحَدِيثَ فَعَتَقَ ، أَوْ الرَّجُلَ الصَّحِيحَ فَمَرِضَ ، وَكَالسَّفِينَةِ تُنْقَضُ ثُمَّ تُعَادُ ، وَفِيهَا احْتِمَالٌ ، وَقِيلَ : لَا .
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ فِي نَحْوِ بَيْضَةٍ صَارَتْ فَرْخًا ، فَلَوْ حَلَفَ لِيَأْكُلَن مِنْ هَذِهِ التُّفَّاحَةِ أَوْ الْبَيْضَةِ فَعَمِلَ مِنْهَا شَرَابًا أَوْ نَاطِفًا فَالْوَجْهَانِ ، وَمِثْلُهَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ .
فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَنْكِحُ فَعَقَدَ فَاسِدًا لَمْ يَحْنَثْ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : بَلَى فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ : يَحْنَثُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَإِنْ قَيَّدَ بِيَمِينِهِ بِمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كَخَمْرٍ حَنِثَ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَخَالَفَ الْقَاضِي فِي : إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِنِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ طَلُقَتْ فُلَانَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَوُجِدَ ، وَالشِّرَاءُ كَالْبَيْعِ ، وَخَالَفَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتنِيهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَبِيعَنهُ فَبَاعَهُ بِعِوَضٍ بَرَّ ، وَكَذَا نَسِيئَةً ، وَقِيلَ : بِقَبْضِ ثَمَنِهِ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ، أَوْ لَا يُؤَجِّرُ ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ لِفُلَانٍ ، حَنِثَ بِقَبُولِهِ ، وَيَحْنَثُ فِي هِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَعَارِيَّةٍ بِفِعْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ .
وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ مِثْلُهُ فِي بَيْعٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي : إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ قَالَ الْآخَرُ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَأَشْتَرَاهُ عَتَقَ مِنْ بَائِعِهِ سَابِقًا لِلْقَبُولِ ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَهَبَ لَهُ بَرَّ بِالْإِيجَابِ ، كَيَمِينِهِ ، وَقَدْ يُقَالُ : يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَقِيلَ : لَا يَحْنَثُ بِإِعَارَتِهِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ ، كَحَلِفِهِ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَهَبُهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : يَحْنَثُ ، وَقِيلَ : بِالصَّدَقَةِ اخْتَارَهُ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُ ( م 11 و 12 ) وَيَحْنَثُ بِوَقْفِهِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا ، كَوَصِيَّتِهِ لَهُ وَصَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَتَضْيِيفِهِ وَإِبْرَائِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَلْ يَسْقُطُ دَيْنٌ بِهِبَةٍ ؟ وَفِي مُحَابَاةٍ بَيْعٌ وَجْهَانِ ( م 13 ) وَيَحْنَثُ بِالْهَدِيَّةِ ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ فَأَطْعَمَ عِيَالَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَيَحْنَثُ فِي هِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ وَعَارِيَّةٍ بِفِعْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ .
وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ مِثْلُهُ فِي بَيْعٍ " انْتَهَى .
لَمْ نَرَ مَا قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِيهِ : وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ فَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَحْنَثْ ، وَقَطَعَ بِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 11 و 12 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَقِيلَ : لَا يَحْنَثُ بِإِعَارَتِهِ ، وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : يَحْنَثُ وَقِيلَ : بِالصَّدَقَةِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 11 ) إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَأَعَارَهُ فَهَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنَوَّرِ الْآدَمِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يَحْنَثُ ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ ، ( قُلْت ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ هَلْ هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ ، أَوْ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ ، فَإِنْ قُلْنَا هِبَةُ مَنْفَعَةٍ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَصَحَّحْنَا هُنَاكَ أَنَّهَا إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقًا لِرُجُوعِ الْأَيْمَانِ إلَى الْعُرْفِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 12 ) : إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ .
( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ ، وَهُوَ
الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَاهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ هَذَا الْمَذْهَبَ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : لَا يَحْنَثُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ : هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَقِيلَ : يَحْنَثُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِالْإِعَارَةِ .
تَنْبِيهٌ ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَالنَّذْرُ وَالضِّيَافَةُ الْوَاجِبَةُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : " وَفِي مُحَابَاةِ بَيْعٍ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ وَالصَّحِيحُ صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِمَا .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي شَمِلَ الْجِنَازَةَ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ : صَلَاةُ الْجِنَازَةِ ، فَتَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : وَالطَّوَافُ لَيْسَ صَلَاةً مُطْلَقَةً وَلَا مُضَافَةً ، فَلَا يُقَالُ صَلَاةُ الطَّوَافِ ، كَمَا لَا يُقَالُ صَلَاةُ التِّلَاوَةِ ، كَذَا قَالَ [ كَمَا لَا يُقَالُ التِّلَاوَةُ ] وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافَهُ .
سَبَقَ أَنَّهُ هُوَ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا إنَّهُ صَلَاةٌ ، وَأَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي الصَّلَاةِ وَقْتَ النَّهْيِ : الطَّوَافُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ فِي الْحَقِيقَةِ ، لِأَنَّهُ أُبِيحَ فِيهِ الْكَلَامُ وَالْأَكْلُ ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ فَهُوَ كَالسَّعْيِ ، وَقِيلَ لَهُ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ { إذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا } إذَا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ ؟ فَقَالَ : التَّشَهُّدُ لَا يُسَمَّى صَلَاةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ صَلَّى التَّشَهُّدَ قَاعِدًا .
وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ : الطَّوَافُ صَلَاةٌ وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ } يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ وَهُوَ النُّطْقُ .
قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : أَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ ، وَقِيلَ : إنْ حَنِثَ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ ، وَقِيلَ : بِفَرَاغِهِ ، كَقَوْلِهِ : صَلَاةً أَوْ صَوْمًا وَكَحَلِفِهِ لَيَفْعَلَنهُ ، وَقِيلَ : بِرَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَخْرُجُ إذَا أَفْسَدَهُ .
وَيَحْنَثُ حَالِفٌ لَا يَحُجُّ بِإِحْرَامِهِ بِهِ ، وَقِيلَ : بِفَرَاغِ أَرْكَانِهِ ، وَيَحْنَثُ بِحَجٍّ فَاسِدٍ ، وَفِي حِنْثِهِ بِاسْتِدَامَةِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ ( م 14 ) .
مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : " وَفِي حِنْثِهِ بِاسْتِدَامَةِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي لَوْ كَانَ حَالُ حَلِفِهِ صَائِمًا ، أَوْ حَاجًّا ، وَالثَّالِثَةُ الصَّلَاةُ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ ، وَفِي الصُّغْرَى فِي الصَّوْمِ : ( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَلَا يَلْبَسُ وَاسْتَدَامَهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى ، لَكِنْ لَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا يَظْهَرُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي التَّعْلِيقِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : قَدْ يُقَالُ حَلَفَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا وَقُلْنَا لَا يُبْطِلُ ، ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الثَّالِثَ الطَّوَافُ فَيَحْلِفُ وَهُوَ طَائِفٌ ثُمَّ يَسْتَدِيمُهُ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَحْكَامَ الطَّوَافِ ثُمَّ أَحْكَامَ الصَّوْمِ وَأَدْخَلَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ ضِمْنًا ، ثُمَّ الْحَجَّ ، وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا .
فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِمَرَقِهِ ، فِي الْأَصَحِّ كَمُخٍّ وَكَبِدٍ وَكُلْيَةٍ وَكِرْشٍ وَكَارِعٍ وَشَحْمَةٍ وَأَلْيَةٍ وَغَيْرِهَا إلَّا بِنِيَّةِ اجْتِنَابِ الدَّسَمِ ، وَفِي لَحْمِ رَأْسٍ وَلِسَانٍ وَلَحْمٍ لَا يُؤْكَلُ وَجْهَانِ ( م 15 - 17 ) وَيَحْنَثُ بِسَمَكٍ ، تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى : لَا ، وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ هَانِئٍ : إنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا أَوْ كَارِعًا ، إنْ كَانَ لِشَيْءٍ تَأَذَّى بِهِ مِنْ اللَّحْمِ فَالرَّأْسُ مُفَارِقٌ لِلْبَدَنِ ، وَإِنْ كَانَ عَقَدَهُ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا لِجَمِيعِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي يَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ الشَّاةِ ، قَالَ : وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا فَلَا بَأْسَ إنْ كَانَ لِشَيْءٍ لَحِقَهُ مِنْ اللَّحْمِ ، وَإِلَّا فَلَا يَأْكُلُهُ ، وَهَلْ بَيَاضُ لَحْمٍ كَسَمِينِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ وَسَنَامِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 18 و 19 ) وَيَحْنَثُ حَالِفٌ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا بِأَلْيَةٍ لَا بِلَحْمٍ أَحْمَرَ وَحْدَهُ ، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا أَوْ بَيْضًا حَنِثَ بِرَأْسِ طَيْرٍ وَسَمَكٍ وَبَيْضِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ ، عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : بِرَأْسٍ يُؤْكَلُ عَادَةً مُنْفَرِدٍ ، أَوْ بَيْضٍ يُفَارِقُ بَائِضُهُ حَيًّا ( م 20 ) وَفِي الْوَاضِحِ : فِي الرُّءُوسِ هَلْ يَحْنَثُ ؟ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، أَمْ بِرُءُوسِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَقَطْ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ كَانَ بِإِمْكَانِ الْعَادَةِ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فِيهِ ، حَنِثَ فِيهِ وَفِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَجْهَانِ ، نَظَرًا إلَى أَصْلِ الْعَادَةِ أَوْ عَادَةِ الْحَالِفِ .
مَسْأَلَةٌ 15 - 17 ) قَوْلُهُ : " وَفِي لَحْمِ رَأْسٍ وَلِسَانٍ وَلَحْمٍ لَا يُؤْكَلُ وَجْهَانِ " .
انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ فَذَكَرَ مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 15 ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ الرَّأْسِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ : ( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخَدِّ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ ، هُوَ مُنَاقِضٌ لِاخْتِيَارِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الرَّأْسِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ : حَنِثَ بِأَكْلِ الرَّأْسِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَنْوِيَهُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ رَأْسٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : فَإِنْ أَكَلَ رَأْسًا أَوْ كَارِعًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، انْتَهَى .
قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ الرُّءُوسَ ، انْتَهَى .
وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 16 ) لَوْ أَكَلَ اللِّسَانَ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْلَ اللِّسَانِ كَأَكْلِ لَحْمِ الرَّأْسِ ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللِّسَانِ ، عَلَى أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 17 ) إذَا أَكَلَ لَحْمًا لَا يُؤْكَلُ فَهَلْ يَحْنَثُ بِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي : ( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْكَافِي : وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا تَنَاوَلَتْ يَمِينُهُ أَكْلَ اللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَابْنُ
عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ ، فَتَدْخُلُ اللُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ ، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ ، وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى ، وَهُوَ قَوِيٌّ .
( مَسْأَلَةٌ 18 وَ 19 ) قَوْلُهُ : " وَهَلْ بَيَاضُ لَحْمٍ كَسَمِينِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ وَسَنَامِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 18 ) هَلْ بَيَاضُ اللَّحْمِ مِثْلُ سَمِينِ الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمٍ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي النَّظْمِ .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ شَحْمٌ ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، قَالَ فِي الْمُقْنِعِ : وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ حَنِثَ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ : الْقَاضِي وَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ لَحْمٌ وَلَيْسَ بِشَحْمٍ ، فَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَهُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَقَالَ : الشَّحْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجَوْفِ مِنْ شَحْمِ الْكُلَى أَوْ غَيْرِهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَقَالَ الْقَاضِي : وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّاةِ مِنْ لَحْمِهَا الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَلْيَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ فَقَالَ شَيْخُنَا : يَعْنِي بِهِ ابْنَ حَامِدٍ لَا يَحْنَثُ ، لِأَنَّ اسْمَ الشَّحْمِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ ، انْتَهَى .
(
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 19 ) هَلْ السَّنَامُ لَحْمٌ أَوْ شَحْمٌ ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ شَحْمٌ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْأَلْيَةَ لَا تُسَمَّى لَحْمًا ، فَكَذَا السَّنَامُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) هُوَ لَحْمٌ ( قُلْت ) وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ هُوَ قَوْلٌ سَاقِطٌ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ( مَسْأَلَةٌ 20 ) قَوْلُهُ .
" وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا أَوْ بَيْضًا حَنِثَ بِرَأْسِ طَيْرٍ وَسَمَكٍ وَبِيضِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ ، عِنْدَ الْقَاضِي ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : بِرَأْسٍ يُؤْكَلُ عَادَةً مُنْفَرِدٌ أَوْ بَيْضًا يُفَارِقُ بَائِضَهُ حَيًّا " انْتَهَى .
وَكَلَامُهُ فِي الْمُقْنِعِ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءً إلَى تَقْدِيمِهِ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : حَنِثَ بِأَكْلِ السَّمَكِ وَالطَّيْرِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَمَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ فِي الْبَيْضِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ حَنِثَ بِكُلِّ خُبْزٍ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ كَانَ خُبْزُ بَلَدِهِ مِنْ الْأُرْزِ حَنِثَ بِهِ ، وَفِي حِنْثِهِ بِخُبْزِ غَيْرِهِ الْوَجْهَانِ قَبْلَهَا ، نَظَرًا إلَى وَضْعِ الِاسْمِ أَوْ إلَى الِاسْتِعْمَالِ ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً هَلْ يَحْنَثُ بِمَاءٍ مِلْحٍ أَوْ نَجِسٍ ؟ وَحِنْثُهُ فِي الْمُغْنِي ، لَا بِجَلَّابٍ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً حَنِثَ بِثَمَرِ الشَّجَرِ رَطْبًا ، وَالْأَصَحُّ وَيَابِسًا ، كَحَبِّ صَنَوْبَرٍ وَعُنَّابٍ لَا بِبُطْمٍ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَلَا بِزَيْتُونٍ وَبَلُّوطٍ وَزُعْرُورٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ .
وَيَحْنَثُ بِبِطِّيخٍ وَقِيلَ : لَا ، كَقِثَّاءٍ وَخِيَارٍ ، وَالثَّمَرَةِ الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ ، شَرْعًا وَلُغَةً ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي السَّرِقَةِ مِنْهَا وَغَيْرِهِ ، وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي السَّلَمِ : اسْمُ الثَّمَرَةِ إذَا أُطْلِقَ لِلرَّطْبَةِ .
وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ ثَمَرَةٍ فَاشْتَرَى ثَمَرَةً يَابِسَةً لَمْ تَلْزَمْهُ .
وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا : الثَّمَرُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَطْبًا أَوْ بُسْرًا حَنِثَ بِمُذَنَّبٍ ، وَقِيلَ : لَا ، كَأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ ، أَوْ هُمَا عَنْ تَمْرٍ ، أَوْ هُوَ عَنْهُمَا ، وَفِيهِ عَنْ رَطْبٍ رِوَايَةٌ فِي الْمُبْهِجِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ لَمْ يَعُمَّ وَلَدًا وَلَبَنًا ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَاسْتَفَّهُ أَوْ خَبَزَهُ حَنِثَ .
وَحَقِيقَةُ الْغَدَاءِ وَالْقَيْلُولَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ : فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ بَعْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ : الْغَدَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَدَاةِ وَالْعَشَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَشِيِّ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ سُمِّيَ عَشَاءً ، وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ مِنْ الْغُرُوبِ ، وَآخِرُهُ الْعِرْفُ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ ، يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ السُّحُورَ مِنْهُ إلَى الْفَجْرِ و ( هـ ) أَوْ أَنَّهُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ .
وَجَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمَعْنَاهُ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَهُوَ أَوَّلُ إدْبَارِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا نَامَ أَوْ لَيَنَامَنَّ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَحْنَثُ بِأَدْنَى نَوْمٍ مُطْلَقًا ، لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ لُغَةً وَعُرْفًا .
وَقَالَ فِي الْخِلَافِ لِمَنْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ } : الْمُرَادُ بِهِ نَوْمُ الْمُضْطَجِعِ ، لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ فُلَانٌ نَامَ يُعْقَلُ مِنْ إطْلَاقِهِ النَّوْمُ الْمُعْتَادُ وَهُوَ أَنْ يَنَامَ عَلَى جَنْبٍ .
وَقَالَ لِمَنْ احْتَجَّ بِخَبَرِ صَفْوَانَ : { أَمَرَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ } ، الْجَوَابُ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَا ، وَهُوَ أَنَّ إطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى النَّوْمِ الْمُعْتَادِ ، أَوْ إلَى النَّوْمِ الْكَثِيرِ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ .
وَالْقُوتُ خُبْزٌ وَفَاكِهَةٌ يَابِسَةٌ وَلَبَنٌ وَنَحْوُهُ ، وَقِيلَ : قُوتُ بَلَدِهِ ، وَيَحْنَثُ بِحَبٍّ يَقْتَاتُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَالْأُدْمُ شِوَاءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجُبْنٌ وَبَيْضٌ وَزَيْتُونٌ وَمَا يَصْطَبِغُ بِهِ كَخَلٍّ وَلَبَنٍ ، وَالْأَشْهَرُ : وَمِلْحٌ ، وَفِي تَمْرٍ وَجْهَانِ ( م 21 ) وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا زَبِيبٌ وَنَحْوُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَفِي الْمُغْنِي : لَا يَحْنَثُ ، وَالطَّعَامُ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ ، وَفِي مَاءٍ وَدَوَاءٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَتُرَابٍ وَنَحْوِهِمَا وَجْهَانِ ( م 22 ) .
وَالْعَيْشُ يَتَوَجَّهُ فِيهِ عُرْفًا الْخُبْزُ ، وَفِي اللُّغَةِ الْعَيْشُ : الْحَيَاةُ ، فَيَتَوَجَّهُ مَا يَعِيشُ بِهِ فَيَكُونُ كَالطَّعَامِ .
وَالْأَكْلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَرَّةُ ، وَلَوْ مَعَ تَقَارُبِ تَقْطِيعِ الْأَكْلِ ، وَبِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ .
مَسْأَلَةٌ 21 ) قَوْلُهُ : " وَفِي تَمْرٍ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي هَلْ يُسَمَّى أُدُمًا أَمْ لَا ؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) هُوَ مِنْ الْأُدُمِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَ مِنْ الْأُدُمِ ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أُدُمًا ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 22 ) قَوْلُهُ : " وَفِي مَاءٍ وَدَوَاءٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَتُرَابٍ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَفِي الْمَاءِ وَالدَّوَاءِ وَجْهَانِ انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَعَامًا ، فِي الْعُرْفِ .
قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : لَا يُسَمَّى ذَلِكَ طَعَامًا ، فِي الْأَظْهَرِ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ نَعْلًا أَوْ خُفًّا حَنِثَ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ كَيْفَ لَبِسَهُ وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ وَلَوْ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ أَوْ اتَّزَرَ بِقَمِيصٍ ، لَا بِطَيِّهِ وَتَرْكِهِ عَلَى رَأْسِهِ ، وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ .
وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ إنْ قُدِّمَتْ اللُّغَةُ ، وَإِنْ تَدَثَّرَ بِهِ فَوَجْهَانِ ( م 23 ) وَإِنْ قَالَ : قَمِيصًا ، فَاِتَّزَرَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ ارْتَدَى فَوَجْهَانِ ( م 24 ) وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً فَلَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَسَفَهٌ .
( مَسْأَلَةٌ 23 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ تَدَثَّرَ بِهِ فَوَجْهَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَتَدَثَّرَ بِهِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ .
( مَسْأَلَةٌ 24 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ ارْتَدَى فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَمِيصًا ، يَعْنِي وَحَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ فَارْتَدَى بِهِ حَنِثَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي : وَإِنْ كَانَ قَمِيصًا فَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ أَوْ رِدَاءً أَوْ عِمَامَةً حَنِثَ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا حَنِثَ بِحُلِيِّ جَوْهَرٍ ، أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، وَلَوْ خَاتَمٍ فِي غَيْرِ خِنْصَرٍ .
وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا يَأْتِي فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ النَّهْرِ فَكَرَعَ ، لَا بِعَقِيقٍ وَسَبَجٍ وَحَرِيرٍ .
وَفِي دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : مُفْرِدِينَ ، وَمِنْطَقَةٌ مُحَلَّاةٌ لَا سَيْفٌ وَجْهَانِ ( م 25 و 26 ) وَفِي الْوَسِيلَةِ : تَحْنَثُ الْمَرْأَةُ بِحَرِيرٍ .
مَسْأَلَةٌ 25 وَ 26 ) قَوْلُهُ : " وَفِي دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : مُفْرَدَيْنِ ، وَمِنْطَقَةٌ مُحَلَّاةٌ لَا سَيْفٌ وَجْهَانِ " .
انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 25 ) لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ ، فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ ، وَهُمَا ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ بِلُبْسِهَا ، وَهُوَ مِنْ الْحُلِيِّ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ .
قَالَ فِي الْإِرْشَادِ : لَوْ لَبِسَ ذَهَبًا أَوْ لُؤْلُؤًا وَحْدَهُ حَنِثَ ( قُلْت ) : وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْوَى مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنْ عُدِمَا حَنِثَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 26 ) لَوْ لَبِسَ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً فَهَلْ هِيَ مِنْ الْحُلِيِّ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي : ( أَحَدُهُمَا ) هِيَ مِنْ الْحُلِيِّ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَيْسَتْ مِنْ الْحُلِيِّ ، ( قُلْت ) الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ الثَّانِي ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ حَنِثَ بِمَا جَعَلَهُ لِعَبْدِهِ أَوْ آجَرَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ .
وَعَنْهُ : أَوْ اسْتَعَارَهُ ، وَدَابَّةُ فُلَانٍ وَثَوْبُهُ كَدَارِهِ ، وَلَا يَحْنَثُ فِيمَا اسْتَعَارَهُ .
وَإِنْ قَالَ : مَسْكَنُهُ ، حَنِثَ بِمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ يَسْكُنُهُ ، وَفِي مَغْصُوبٍ أَوْ لَا يَسْكُنُهُ مِنْ مِلْكِهِ وَجْهَانِ ( م 27 و 28 ) وَفِي التَّرْغِيبِ : الْأَقْوَى إنْ كَانَ ، سَكَنَهُ مَرَّةً حَنِثَ ، وَإِنْ قَالَ : مَلَكَهُ ، فَفِيمَا اسْتَأْجَرَهُ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ ( 29 ) وَإِنْ قَالَ : دَابَّةُ عَبْدِ فُلَانٍ ، حَنِثَ بِمَا جَعَلَ بِرَسْمِهِ كَحَلِفِهِ لَا يَرْكَبُ رَجُلٌ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَلَا يَبِيعُهُ .
مَسْأَلَةٌ 27 و 28 ) قَوْلُهُ " وَفِي مَغْصُوبٍ أَوْ لَا يَسْكُنُهُ مَنْ مَلَكَهُ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ فَدَخَلَ فِي مَسْكَنٍ غَصَبَهُ أَوْ فِي مَكَان لَهُ لَكِنَّهُ لَا يَسْكُنُهُ فَذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( مَسْأَلَةٌ 27 ) الْمَغْصُوبُ .
( مَسْأَلَةٌ 28 ) مِلْكُهُ الَّذِي لَا يَسْكُنُهُ .
قَالَ فِي الْبُلْغَةِ وَالتَّرْغِيبِ : الْأَقْوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ سَكَنَهُ مَرَّةً أَنَّهُ يَحْنَثُ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي : وَإِنْ قَالَ لَا أَسْكُنُ مَسْكَنَهُ فَفِيمَا لَا يَسْكُنُهُ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ يَسْكُنُهُ بِغَصْبٍ وَجْهَانِ ، زَادَ فِي الْكُبْرَى : وَيَحْنَثُ بِسُكْنَى مَا سَكَنَهُ مِنْهُ بِغَصْبٍ ، انْتَهَى .
.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ الْمَغْصُوبَةَ ، وَبِهِ قَطَعَ النَّاظِمُ وَصَحَّحَهُ .
( مَسْأَلَةٌ 29 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ قَالَ : مَلَكَهُ ، فَفِيمَا اسْتَأْجَرَهُ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ " ( قُلْت ) الصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ ، وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَإِنْ كَانَ مَالِكُ مَنَافِعِ الْمَأْجُورِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ سَطْحَهَا ، أَوْ يَدْخُلُ بَابَهَا فَحَوَّلَ وَدَخَلَهُ ، حَنِثَ ، وَقِيلَ : إنْ رَقَى السَّطْحَ أَوْ نَزَلَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ نَقْبٍ فَوَجْهَانِ ، كَوُقُوفِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ دُخُولِهِ طَاقِ الْبَابِ ( م 30 و 31 ) ، وَقِيلَ : لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ خَارِجَهُ إذْ أُغْلِقَ .
( مَسْأَلَةٌ 30 و 31 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ ، فَدَخَلَ سَطْحَهَا ، أَوْ لَا يَدْخُلُ بَابَهَا فَحَوَّلَ وَدَخَلَهُ ، حَنِثَ ، وَقِيلَ : إنْ رَقَى السَّطْحَ أَوْ نَزَلَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ نَقْبٍ فَوَجْهَانِ ، كَوُقُوفِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ دُخُولِهِ طَاقَ الْبَابِ " انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 30 ) لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَوَقَفَ عَلَى الْحَائِطِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، نَقَلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 31 ) لَوْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ اللَّاتِي مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ فَفَعَلَ بَعْضَهُ : ( أَحَدُهُمَا ) يَحْنَثُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَهَذَا الصَّحِيحُ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ ، فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ .
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ بِحَيْثُ إذَا أَغْلَقَ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
اخْتَارَ الْقَاضِي الْحِنْثَ ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
وَإِنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا ، أَوْ لَا أَرْكَبُ ، حَنِثَ بِدُخُولِ مَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ وَبَيْتِ شَعْرٍ وَأَدَمٍ وَخَيْمَةٍ ، وَرُكُوبِ سَفِينَةٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ، تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ ، لَا بِدُخُولِ صُفَّةٍ وَدِهْلِيزٍ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ ، أَوْ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارٍ ، فَدَخَلَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا ، حَنِثَ .
وَهَلْ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ ؟ يَتَوَجَّهُ : لَا ، إنْ قُدِّمَ الْعُرْفُ ، وَإِلَّا حَنِثَ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إنَّ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } إنَّ اسْمَ الدَّارِ يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ ، قَالَ : وَهُوَ صَحِيحٌ ، فَإِنَّ الدَّارَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الرَّبْعِ الْمَسْكُونِ وَعَلَى الْخَرَابِ غَيْرِ الْمَأْهُولِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى حَنِثَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ ، كَحَلِفِهِ لَا يَطَأُ ، وَقِيلَ : إنْ أَنْزَلَ ، وَعَنْهُ : إنْ عَزَلَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَعَنْهُ : فِي مَمْلُوكَةٍ وَقْتَ حَلِفِهِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ فَشَمَّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا وَنَحْوَهُ وَلَوْ يَابِسًا ، أَوْ لَا يَشُمُّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا فَشَمَّ دُهْنَهُمَا أَوْ مَاءَ وَرْدٍ ، أَوْ لَا يَشُمُّ طِيبًا فَشَمَّ نَبْتًا رِيحُهُ طَيِّبٌ ، حَنِثَ ، فِي الْأَصَحِّ لَا فَاكِهَةً .
وَإِنْ حَلَفَ لَا بَدَأْته بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا فَوَجْهَانِ ( م 32 ) ، وَإِنْ حَلَفَ لَا كَلَّمْته حَتَّى يُكَلِّمَنِي أَوْ يَبْدَأَنِي بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا ، وَلَا نِيَّةَ ، فَنَصُّهُ : سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَيَتَوَجَّهُ : أَقَلُّ زَمَنٍ .
وَقِيلَ : إنْ عَرَّفَهُ فَلِلْأَبَدِ ، كَالدَّهْرِ وَالْعُمُرِ ، وَقِيلَ : الْعُمُرُ كَحِينٍ ، فَإِنْ نَكَّرَهُمَا أَوْ قَالَ : زَمَنًا ، فَلِأَقَلِّ زَمَنٍ .
وَعِنْدَ الْقَاضِي : كَحِينٍ ، وَكَذَا بَعِيدًا وَمَلِيًّا وَطَوِيلًا ، وَعِنْدَ الْقَاضِي لِفَوْقِ شَهْرٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وَقْتٍ وَنَحْوِهِ : الْأَشْهَرُ بِمَذْهَبِنَا مَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ وَالزَّمَانِ كَحِينٍ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ .
لِلْأَبَدِ ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى : ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ، وَإِنَّمَا قَالَهُ فِي زَمَنٍ وَحِقَبٍ أَقَلُّ زَمَنٍ ، وَقِيلَ : ثَمَانُونَ سَنَةً ، وَقِيلَ : نِصْفُهَا ، وَقِيلَ : لِلْأَبَدِ ، وَشُهُورٍ ثَلَاثَةٍ كَأَشْهُرٍ أَوْ أَيَّامٍ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : اثْنَا عَشَرَ ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ : اسْمُ الْأَيَّامِ يَلْزَمُ الثَّلَاثَ إلَى الْعَشَرَةِ ، لِأَنَّك تَقُولُ : أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَا تَقُلْ : أَيَّامًا .
فَلَوْ تَنَاوَلَ اسْمَ الْأَيَّامِ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ حَقِيقَةً لَمَا جَازَ نَفْيُهُ .
فَقَالَ : قَدْ بَيَّنَّا اسْمَ الْأَيَّامِ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ ، يَعْنِي قَوْلَهُ { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } وَقَوْلُهُ { بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } وَقَوْلُهُ { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ : وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً لَيَالِيَ لَاقَيْنَا جُذَامًا وَحِمْيَرَا قَالَ الْقَاضِي : فَدَلَّ أَنَّ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ لَا تَخْتَصُّ بِالْعَشَرَةِ .
وَإِنْ قَالَ : إلَى الْحَصَادِ فَإِلَى أَوَّلِ مُدَّتِهِ ، وَعَنْهُ : آخِرُهَا .
وَإِنْ قَالَ : الْحَوْلُ فَحَوْلٌ لَا تَتِمَّتُهُ ، أَوْمَأَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَسَبَقَتْ مَسَائِلُ فِي
تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ .
مَسْأَلَةٌ 32 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لَا بَدَأْته بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُنَوِّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ
وَتَطْلُقُ امْرَأَةُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زِنْدِيقًا بِقَائِلٍ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، قَالَهُ سَجَّادَةُ ، قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَبْعَدَ مَا قَالَ ، وَالسَّفَلَةُ مَنْ لَمْ يُبَالِ مَا قَالَ وَمَا قِيلَ فِيهِ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : هُوَ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا مِئْزَرٍ ، وَلَا يُبَالِي عَلَى أَيِّ مَعْصِيَةٍ رُئِيَ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : الرَّعَاعُ السَّفَلَةُ ، وَالْغَوْغَاءُ نَحْوُ ذَلِكَ .
وَأَصْلُ الْغَوْغَاءِ صِغَارُ الْجَرَادِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمَنْ دَقَّ بَابَهُ { اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ } يَقْصِدُ التَّنْبِيهَ بِقُرْآنٍ .
وَفِي الْمَذْهَبِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ حَنِثَ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
وَحَقِيقَةُ الذِّكْرِ مَا نُطِقَ بِهِ ، فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَيْهِ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ قَالَ شَيْخُنَا : الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ فِعْلًا كَالْحَرَكَةِ ، وَيَتَضَمَّنُ مَا يَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي ، فَلِهَذَا نَجْعَلُ الْقَوْلَ قَسِيمًا لِلْفِعْلِ ، وَقِسْمًا مِنْهُ أُخْرَى ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا كَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا هَلْ يَحْنَثُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ .
وَفِي الْخِلَافِ فِي الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { افْعَلْ ذَلِكَ } يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَلَيْسَ إذَا كَانَ لَهَا اسْمٌ أَخَصُّ بِهِ مِنْ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ أَنْ تُسَمَّى فِعْلًا .
قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ : وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ فَسَمِعَ الْقُرْآنَ حَنِثَ ( ع ) وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً مُؤْلِمَةً لَمْ يَبَرَّ .
وَعَنْهُ : يَبَرُّ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنهُ بِمِائَةٍ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ حَنِثَ بِغَيْرِ زَكَوِيٍّ وَبِدَيْنٍ ، لَا بِمُسْتَأْجَرٍ ، وَفِي مَغْصُوبٍ عَاجِزٍ عَنْهُ وَضَائِعٍ آيَسَهُ وَجْهَانِ ( م 33 و 34 ) وَعَنْهُ : يَحْنَثُ بِنَقْدٍ فَقَطْ ، قَالَ فِي الْوَاضِحِ : وَالْمَالُ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ لِطَلَبِ الرِّبْحِ ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ ، وَجَانِبٍ إلَى جَانِبٍ .
قَالَ : وَالْمِلْكُ يَخْتَصُّ الْأَعْيَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ ، وَلَا يَعُمُّ الدَّيْنَ ، فِي الْمُغْنِي : إذَا حَلَفَ لَا يَمْلِكُ مَالًا ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَشْهُورَةَ السَّابِقَةَ .
مَسْأَلَةٌ 33 و 34 ) وَقَوْلُهُ : " وَفِي مَغْصُوبٍ عَاجِزٍ عَنْ أَخْذِهِ أَوْ ضَائِعٍ آيَسَهُ " ، فَذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( مَسْأَلَةٌ 33 ) الْمَغْصُوبِ الْعَاجِزِ عَنْهُ .
( مَسْأَلَةُ 34 ) الضَّائِعِ الْآيِسِ مِنْهُ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
فَإِنْ كَانَ لَهُ مَغْصُوبٌ حَنِثَ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ضَائِعٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ : الْحِنْثُ وَعَدَمُهُ ، فَإِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ قَدْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ كَاَلَّذِي سَقَطَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ ، كَالْمَجْحُودِ وَالْمَغْصُوبِ ، وَاَلَّذِي عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ ، انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ : وَإِنْ يَئِسَ مِنْ عَوْدِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْمَالِ الْمَغْصُوبِ ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ : وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ أَوْ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ حَنِثَ ، انْتَهَى .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي هَذَا الْعِيدِ حَنِثَ بِدُخُولِهِ .
وَالْعِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا بَعْدَهَا ، وَأَيَّامُ الْعِيدِ تُؤْخَذُ بِالْعُرْفِ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَخَرَجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا يَأْوِي حَتَّى تَغِيبَ شَمْسُ يَوْمِ الْفِطْرِ ، وَآخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ .
نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ أَغُمَّك حَتَّى تَقُولِينَ قَدْ غَمَمْتنِي : إنْ هُوَ وَقَعَ فِي أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَأَهْلِ بَيْتِهَا لَا تَطْلُقُ ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَغُمُّهَا .
فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلِكًا كَحَلِفِهِ عَلَى لَبَنٍ يَحْنَثُ بِمُسَمَّاهُ وَلَوْ مِنْ صَيْدٍ وَآدَمِيَّةٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ ، فَإِنْ أَكَلَ زُبْدًا أَوْ أَقِطًا أَوْ جُبْنًا أَوْ كِشْكًا أَوْ مَصْلًا ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا أَوْ تَمْرًا فَأَكَلَ نَاطِفًا ، أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ فِي خَبِيصٍ ، فَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَحَلِفِهِ لَا أَكَلْت شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتٌ مِنْهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَفِيهِ وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ طَحَنَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْأُولَى فِي حِنْثِهِ بِزُبْدٍ وَأَقِطٍ وَجُبْنٍ رِوَايَتَانِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زُبْدًا حَنِثَ بِسَمْنٍ ظَهَرَ طَعْمُهُ .
وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ كَعَكْسِهِ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ شَيْئًا فَشَرِبَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ ، أَوْ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْرَبُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُمَا فَمَصَّ رُمَّانًا أَوْ سُكَّرًا فَرِوَايَتَانِ ( م 35 و 36 ) وَعَنْهُ : يَحْنَثُ فِي الصُّورَةِ الْأَوِّلَةِ ، لِتَعْيِينِهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : الْخِلَافُ مَعَ ذِكْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ ، وَإِلَّا حَنِثَ ، وَفِيهِ : وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذُوقُهُ فَازْدَرَدَهُ وَلَمْ يَذُقْهُ حَنِثَ .
وَظَاهِرُ الْمُغْنِي : لَا ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَصِّهِ ، لَا بِذَوْقِهِ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا حَنِثَ بِأَكْلِهِ بِخُبْزٍ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْكُوزِ فَصَبَّ مِنْهُ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَعَكْسُهُ إنْ اغْتَرَفَ بِإِنَاءٍ مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْبِئْرِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَحْتَمِلُ عَدَمَ حِنْثِهِ بِكَرْعِهِ مِنْ النَّهْرِ ، لِعَدَمِ اعْتِيَادِهِ ، كَحَلِفِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَيَعْتَمَّ بِهِ .
وَيَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَقَوْلِهِ : مِنْ مَاءِ النَّهْرِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ بِالثَّمَرَةِ فَقَطْ وَلَوْ لَقَطَهُ
مِنْ تَحْتِهَا .
مَسْأَلَةٌ 35 و 36 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الشَّيْءَ أَوْ شَيْئًا فَشَرِبَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ ، لَا يَأْكُلُ ، أَوْ لَا يَشْرَبُ ، أَوْ يَفْعَلُهُمَا فَمَصَّ رُمَّانًا أَوْ سُكَّرًا فَرِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 35 ) لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا فَشَرِبَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَاوِي .
( إحْدَاهُمَا ) يَحْنَثُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : حَنِثَ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا يَحْنَثُ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا فَثَرَدَ فِيهِ وَأَكَلَهُ : لَا يَحْنَثُ ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ : رَوَى مُهَنَّا : لَا يَحْنَثُ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ عَيَّنَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَنِثَ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَحْنَثْ ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، وَنَقَلَ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ : إنْ عَيَّنَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ، فِيهِ الرِّوَايَتَانِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَحْنَثْ ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ : مَحَلُّ الْخِلَافِ مَعَ ذِكْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَإِلَّا حَنِثَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 36 ) لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْرَبُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُمَا فَمَصَّ رُمَّانًا أَوْ سُكَّرًا فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : ( إحْدَاهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ : فَعَنْهُ :
لَا يَحْنَثُ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) يَحْنَثُ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا
فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَلَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا ، وَعَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَقُومُ وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يُسَافِرُ وَلَا يَسْكُنُ دَارًا وَلَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَهُوَ كَذَلِكَ ، فَاسْتَدَامَ ، حَنِثَ ، وَكَذَا لَا يَطَأُ ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَلَا يَمْسِكُ ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ ، أَوْ لَا يُضَاجِعُهَا عَلَى فِرَاشٍ فَضَاجَعَتْهُ وَدَامَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، أَوْ لَا يُشَارِكُهُ فَدَامَ ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَعَكْسُهُ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَهَّرُ وَلَا يَتَطَيَّبُ فَاسْتَدَامَ ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي اللُّبْسِ : إنْ اسْتَدَامَهُ حَنِثَ إنْ قَدَرَ عَلَى نَزْعِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا : الْخُرُوجُ وَالنَّزْعُ لَا يُسَمَّى سَكَنًا وَلَا لُبْسًا ، وَلَا فِيهِ مَعْنَاهُ ، وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إيلَاجٍ وَإِخْرَاجٍ ، فَهُوَ شَطْرُهُ ، وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : لَا يَحْنَثُ الْمَجَامِعُ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ ، وَجَعَلَهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ أَوْجَبَتْ الْكَفَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ بَعْدَهَا ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي ، لِأَنَّ مَفْهُومَ يَمِينِهِ : لَا اسْتَدَمْت الْجِمَاعَ .
فَإِنْ أَقَامَ السَّاكِنُ أَوْ الْمُسَاكِنُ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا لَيْلًا ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالشَّيْخُ بِنَفْسِهِ وَبِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ ، لَمْ يَحْنَثْ ، قَالَ الشَّيْخُ : لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ لَا يُرَادُ ، وَلَا تَقَعُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ أَنَّهُ يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَنْوِ النَّقْلَةَ .
وَإِنْ خَرَجَ بِدُونِهِمَا ، وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ : أَوْ تَرَكَ لَهُ بِهَا شَيْئًا ، حَنِثَ .
وَقِيلَ : إنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ فَسَكَنَ بِمَوْضِعٍ .
وَقِيلَ : أَوْ وَجَدَهُ بِمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ ، فَلَا .
وَإِنْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ مَلَكَهُ أَوْ أَبَتْ زَوْجَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ يُجْبِرُهَا
فَخَرَجَ وَحْدَهُ ، لَمْ يَحْنَثْ .
وَإِنْ بَنَيَا بَيْنَهُمَا حَاجِزًا وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ وَقِيلَ : أَوْ لَا ثُمَّ سَاكَنَهُ ، حَنِثَ ، وَقِيلَ : كَمَا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَتَانِ لِكُلِّ حُجْرَةٍ بَابٌ وَمَرَافِقُ مُخْتَصَّةٌ فَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجْرَةً ، وَلَا نِيَّةَ ، وَلَا سَبَبَ .
قَالَ فِي الْفُنُونِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْتِ عَلَيَّ الْبَيْتَ وَلَا كُنْت لِي زَوْجَةً إنْ لَمْ تَكْتُبِي لِي نِصْفَ مَالِك فَكَتَبَتْهُ لَهُ بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا : يَقَعُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَتَبَتْ لَهُ ، لِأَنَّهُ يَقَعُ بِاسْتِدَامَةِ الْمُقَامِ ، فَكَذَا اسْتِدَامَةُ الزَّوْجِيَّةِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَن مِنْ الدَّارِ ، أَوْ لَا يَأْوِي إلَيْهَا ، أَوْ يَنْزِلُ فِيهَا ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، أَوْ لَا يَسْكُنُ الْبَلَدَ ، أَوْ لَيَرْحَلَن مِنْهُ ، فَكَحَلِفِهِ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ ؛ وَكَذَا يَتَوَجَّهُ إنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَن مِنْهُ ، وَالْأَشْهَرُ : يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَحْدَهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : بِمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَيَرْحَلَن عَنْ الدَّارِ أَوْ الْبَلَدِ وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ ، لَمْ يَحْنَثْ بِالْعَوْدِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، كَقَوْلِهِ إنْ خَرَجْت مِنْهَا فَلَكَ دِرْهَمٌ اسْتَحَقَّ بِخُرُوجٍ أَوَّلِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ فَدَخَلَهَا ، أَوْ كَانَ فِيهَا غَيْرَ سَاكِنٍ فَدَامَ جُلُوسُهُ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ ( م 37 و 38 ) وَقَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ بَاتَ لَيْلَتَيْنِ لَمْ يَحْنَثَ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَالزِّيَادَةُ لَيْسَ سُكْنَى اتِّفَاقًا : وَلَوْ طَالَتْ مُدَّتُهَا .
وَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ سَفَرٌ ، فَيَتَوَجَّهُ بَرَّ حَالِفٌ لَيُسَافِرَن بِهِ وَلِهَذَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ : أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ يَكُونُ سَفَرًا إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ، وَفِي الْإِشَارَةِ أَنَّ بَقِيَّةَ أَحْكَامِ السَّفَرِ غَيْرَ الْقَصْرِ تَجُوزُ فِيهِمَا ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِبَلَدٍ ، بَاتَ خَارِجَ بُنْيَانِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، فَإِنْ أَكَلَ فِيهَا أَوْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ حَدِّهَا ، حَنِثَ .
قَالَ الْقَاضِي فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي الْقَرْيَةِ وَقِيلَ لَهُ يَحْتَمِلُ : أَنَّ جواثا كَانَتْ مِصْرًا وَسَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَرْيَةً لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي الْمِصْرَ قَرْيَةً ، وَذَكَرَ الْآيَاتِ فَقَالَ : الْمَشْهُورُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَاسْتِعْمَالُهَا أَنَّ الْقَرْيَةَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْمِصْرِ إلَّا مَجَازًا ، كَذَا قَالَ .
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْعُرْفُ .
وَأَمَّا لُغَةُ الْعَرَبِ وَاسْتِعْمَالُهَا ، فَكَمَا قَالَ الْخَصْمُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَاسْتَدَامَ ، أَوْ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ فَأَقَامَ مَعَهُ ، أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ بَارِيَة وَفِيهِ قَصَبٌ فَنَسَجَتْ فِيهِ ، حَنِثَ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَنَصُّهُ فِي : الْأُولَى فَإِنْ أَدْخَلَهُ قَصَبًا لِذَلِكَ حَنِثَ ، وَقِيلَ : لَا .
مَسْأَلَةٌ 37 و 38 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ فَدَخَلَهَا ، أَوْ كَانَ فِيهَا غَيْرُ سَاكِنٍ فَدَامَ جُلُوسُهُ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 37 ) إذَا حَلَفَ لَمْ يَسْكُنْ الدَّارَ فَدَخَلَهَا فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 38 ) لَوْ كَانَ فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ فَدَامَ جُلُوسُهُ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ .
فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَن شَيْئًا لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِفِعْلِهِ كُلِّهِ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ هُوَ أَوْ مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ كَزَوْجَةٍ وَقَرَابَةٍ ، وَقَصَدَ مَنْعَهُ ، وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ ، لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ بَعْضِهِ ، وَعَنْهُ : بَلَى اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ .
وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي غَيْرِ الدُّخُولِ ، وَحُكِيَ عَنْهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ : وَلُبْسُ ثَوْبٍ كُلُّهُ مِنْ غَزْلِهَا نَحْوُ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَيُدْخِلُ بَعْضَ جَسَدِهِ ، أَوْ لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَا يَهَبُهُ فَيَبِيعُ نِصْفَهُ وَيَهَبُ نِصْفَهُ ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ لَا مَاءَ النَّهْرِ فَيَشْرَبُ بَعْضَهُ ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهِ فَلَيْسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ثَوْبًا ، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ وَغَيْرُهُ ، حَنِثَ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقِيلَ : فِيهِ الرِّوَايَتَانِ .
وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ : لَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهِ .
وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ غَيْرُهُ حَنِثَ بِفَوْقِ نِصْفِهِ ، وَقِيلَ : بِهِ ، وَقِيلَ : وَبِأَقَلَّ وَجْهَانِ ( م 39 ) وَإِنْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ أَوْ بَاعَهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ مِنْهُ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالسَّلَمُ وَالصُّلْحُ عَلَى مَالٍ شِرَاءٌ .
مَسْأَلَةٌ 39 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ غَيْرُهُ حَنِثَ بِفَوْقِ نِصْفِهِ وَقِيلَ : بِهِ ، وَقِيلَ : وَبِأَقَلَّ وَجْهَانِ " .
يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ فَخَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ غَيْرُهُ حَنِثَ بِأَكْلِهِ فَوْقَ نِصْفِهِ ، وَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ نِصْفَهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَشَرْحَيْهِ فِي آخِرِ بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَقِيلَ وَبِأَقَلَّ " هَذَا الْقَوْلُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْضًا ، أَعْنِي أَنَّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ ، وَلَمَّا عَلَّلَ ابْنُ مُنَجَّى الْوَجْهَيْنِ فِي شَرْحِهِ قَالَ : وَيَقْتَضِي هَذَا التَّعْلِيلُ خُرُوجَ الْوَجْهَيْنِ ، فِيمَا إذَا أَكَلَ دُونَ الَّذِي اشْتَرَاهُ شَرِيكُ زَيْدٍ ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَإِنْ حَلَفَ لَا قُمْت وَقَعَدْت فَفَعَلَ وَاحِدًا فَالرِّوَايَتَانِ ، وَكَذَا وَلَا قَعَدْت .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ .
وَفِي الْمُغْنِي : يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَحْنَثُ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى أَدَاءِ مِائَةٍ لَمْ يُعْتَقْ بِأَدَاءِ بَعْضِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِجَعْلِهَا عِوَضًا ، وَمَعَ عَدَمِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَوَّضَ ، وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عِنْدَهُ فَمَكَثَ عِنْدَهُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَالرِّوَايَتَانِ ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ : لَا حِنْثَ ، لِعَدَمِ تَبَعُّضِ الْبَيْتُوتَةِ ، كَقَوْلِهِ : لَا أَقَمْت عِنْدَك كُلَّ اللَّيْلِ ، أَوْ يَنْوِيهِ فَيُقِيمُ بَعْضَهُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، بِالْمَحْلُوفِ ، حَنِثَ فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ فَقَطْ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَذَكَرُوهُ فِي الْمُذْهَبِ .
وَعَنْهُ : فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ ، وَعَنْهُ : لَا حِنْثَ ، وَيَمِينُهُ بَاقِيَةٌ ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
وَقَالَ شَيْخُنَا : رُوَاتُهَا بِقَدْرِ رُوَاةِ التَّفْرِقَةِ ، وَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ أَنَّ أَحْمَدَ جَعَلَهُ حَالِفًا لَا مُعَلِّقًا ، وَالْحِنْثُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْمَحْلُوفِ بِهِ ، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ الرِّوَايَاتِ ، نَحْوَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ ، أَوْ لَا يُفَارِقُهُ إلَّا بِقَبْضِ حَقِّهِ فَقَبَضَهُ فَفَارَقَهُ فَخَرَجَ رَدِيئًا ، أَوْ أَحَالَهُ فَفَارَقَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ بَرَّ ، أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَجَهِلَهُ ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ : يَحْنَثُ بِالْحَوَالَةِ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ فِي الضَّمَانِ أَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَضَاءِ .
فَإِنْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ وَجَهِلَهُ لَمْ يَحْنَثْ هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ عَلِمَهُ وَلَمْ يَنْوِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ بِقَلْبِهِ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا ، عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا .
وَإِنْ قَصَدَهُ حَنِثَ ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ : لَا .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِثْلَهَا الدُّخُولَ عَلَى فُلَانٍ .
وَفِعْلُهُ فِي جُنُونِهِ كَنَائِمٍ فَلَا حِنْثَ حِينَئِذٍ ، وَقِيلَ : كَنَاسٍ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ ، بِخِلَافِ نَاسٍ .
وَعَنْهُ : بَلَى ، وَقِيلَ : هُوَ كَنَاسٍ .
وَمَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ وَقَصَدَ مَنْعَهُ كَهُوَ ، وَقِيلَ : يَحْنَثُ ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ : إنْ قَصَدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ لَمْ يَحْنَثْ نَاسٍ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَنهُ فَخَالَفَهُ لَمْ يَحْنَثْ إنْ قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا إلْزَامَهُ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْأَمْرِ ، وَلَا يَجِبُ ، { لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ بِوُقُوفِهِ فِي الصَّفِّ وَلَمْ يَقِفْ } ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيُخْبِرَنهُ بِالصَّوَابِ وَالْخَطَإِ لَمَّا فَسَّرَ الرُّؤْيَا ، فَقَالَ : لَا تُقْسِمْ ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِقْسَامَ عَلَيْهِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَتْمِ .
وَقَالَ : إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ فَكَنَاسٍ ، وَعَدَمُ حِنْثِهِ هُنَا أَظْهَرُ .
وَقَالَ : خَوْفُ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ إكْرَاهٌ عَلَى الْخُرُوجِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَحُمِلَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَنْعُ لَمْ يَحْنَثْ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ ، حَنِثَ ، فِي الْمَنْصُوصِ .
وَكَذَا إنْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَخَدَمَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ ، وَقِيلَ : يَحْنَثُ ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنهُ فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٍ .
وَكَذَا نَاسِيًا ، عَلَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَكَلَامِ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي حِنْثَهُمَا ( م 40 )
مَسْأَلَةٌ 40 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنهُ فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ ، وَجَمَاعَةٍ ، وَكَذَا نَاسِيًا ، عَلَى كَلَامٍ ، وَكَلَامِ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي حِنْثَهَا " انْتَهَى ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ فِيهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، خُصُوصًا لِلْكُرْهِ .
( وَالْقَوْلُ الْآخَرُ ) يَحْنَثُ ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّاسِ
فَصْلٌ وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَن شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا أَوْ أَطْلَقَ فَتَلِفَ أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتٍ يَفْعَلُهُ فِيهِ حَنِثَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَإِمْكَانِهِ .
وَإِنْ قَالَ : فِي غَدٍ ، فَتَلِفَ قَبْلَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، حَنِثَ إذَنْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : فِي آخَرِ الْغَدِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا يَحْنَثُ ، عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ إنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ .
وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَدَمُ حِنْثِهِ لِعَجْزِهِ ، كَمُكْرَهٍ ، وَكَمَوْتِهِ ، فِي الْأَصَحِّ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْغَدِ ، وَمِثْلُهُ لَوْ جُنَّ إلَى بَعْدِ الْغَدِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَفِي الْمُغْنِي : إنْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ وَعَدَمِ نَفَقَةٍ وَهَرَبَ وَنَحْوُهُ حَنِثَ ، وَيَحْنَثُ بِتَلَفِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، وَفِي وَقْتِهِ الْخِلَافُ .
وَإِنْ قَالَ : الْيَوْمَ ، فَأَمْكَنَهُ وَتَلِفَ عَقِبَهُ ، حَنِثَ وَقِيلَ : فِي آخِرِهِ ، وَيَحْنَثُ بِمَوْتِهِ ، فِي الْأَصَحِّ بِآخِرِ حَيَاتِهِ .
وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ فَأَبْرَأهُ الْيَوْمَ وَقِيلَ : مُطْلَقًا فَقِيلَ : كَمَسْأَلَةِ التَّلَفِ ، وَقِيلَ : لَا يَحْنَثُ ، فِي الْأَصَحِّ ( م 41 ) وَفِي التَّرْغِيبِ : أَصْلُهُمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِيفَاءِ فِي الْغَدِ كُرْهًا لَا يَحْنَثُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيهِمَا الْخِلَافَ ، وَكَذَا إنْ مَاتَ رَبُّهُ فَقُضِيَ لِوَرَثَتِهِ ( م 42 ) وَإِنْ أَخَذَ عَنْهُ عِوَضًا لَمْ يَحْنَثْ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ فَالرِّوَايَتَانِ ، وَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ إنْ أُكْرِهَ ، وَإِنْ قَالَ : عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ ، فَعِنْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِهِ ، وَلَوْ تَأَخَّرَ فَرَاغُ كَيْلِهِ لِكَثْرَتِهِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَيَحْنَثُ بَعْدُ مَنْ أَمْكَنَهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا تُعْتَبَرُ الْمُقَارَنَةُ ، فَتَكْفِي حَالَةُ الْغُرُوبِ ، وَإِنْ قَضَاهُ بَعْدَهُ حَنِثَ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا أَخَذْت حَقَّك مِنِّي فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ حَنِثَ ، وَإِنْ أُكْرِهَ قَابِضُهُ فَالْخِلَافُ .
وَإِنْ وَضَعَهُ الْحَالِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يَحْنَثْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُضْمَنْ بِمِثْلِ هَذَا مَالٌ وَلَا صَيْدٌ .
وَيَحْنَثُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُعْطِيكَهُ ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ عَطَاءً إذْ هُوَ تَمْكِينٌ وَتَسْلِيمٌ بِحَقٍّ فَهُوَ كَتَسْلِيمِ ثَمَنٍ ، وَمُثَمَّنٍ ، وَأُجْرَةٍ وَزَكَاةٍ ، وَإِنْ أَخَذَهُ حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ إلَى الْغَرِيمِ فَأَخَذَهُ حَنِثَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَقَوْلِهِ : لَا تَأْخُذْ حَقَّك عَلَيَّ ، وَعِنْدَ الْقَاضِي : لَا ، كَقَوْلِهِ : لَا أُعْطِيكَهُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك فَهَرَبَ مِنْهُ حَنِثَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، كَإِذْنِهِ وَكَقَوْلِهِ : لَا افْتَرَقْنَا .
وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ ، قَالَهُ الْقَاضِي ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
وَقِيلَ : إنْ أَذِنَ لَهُ أَوْ لَمْ يُلَازِمْهُ وَأَمْكَنَهُ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي ، وَجَعَلَهُ مَفْهُومُ
كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .
وَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ بِفِرَاقِهِ لِفَلَسِهِ .
وَقِيلَ : أَوْ لَمْ يُلْزِمْهُ ، فَكَمُكْرَهٍ وَقَدْرُ الْفِرَاقِ مَا عُدَّ فِرَاقًا عُرْفًا ، كَبَيْعٍ .
وَفِعْلُ وَكِيلِهِ كَهُوَ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ : إنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ أَقْوَالَ الْوَكِيلِ وَأَفْعَالَهُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا : قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : فَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَنْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَزَوَّجَهُ زَيْدٌ حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ شَيْئًا فَبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِلَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ ، حَنِثَ .
ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَوَكَّلَ وَعَادَتُهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ لَا يَحْنَثُ ، وَفِي الْمُفْرَدَاتِ إنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنهُ فَوَكَّلَ وَعَادَتُهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ تَوَكَّلَ الْحَالِفُ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْإِضَافَةِ .
وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ ( م 43 ) .
مَسْأَلَةٌ 41 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ وَقِيلَ : مُطْلَقًا - فَقِيلَ كَمَسْأَلَةِ التَّلَفِ ، وَقِيلَ : لَا يَحْنَثُ ، فِي الْأَصَحِّ ، " انْتَهَى .
( الطَّرِيقَةُ الْأُولَى ) طَرِيقَةُ الشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا أُكْرِهَ وَمُنِعَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي غَدٍ هَلْ يَحْنَثُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوَّرِهِ ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ .
( مَسْأَلَةٌ 42 ) قَوْلُهُ : " وَكَذَا إنْ مَاتَ رَبُّهُ فَقُضِيَ لِوَرَثَتِهِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوَّرِهِ ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " إنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنهُ فَوَكَّلَ وَعَادَتُهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ حَنِثَ " صَوَابُهُ " لَمْ يُبَرَّأْ " وَلَا يُقَالُ " حَنِثَ " .
قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ .
( مَسْأَلَةٌ 43 ) قَوْلُهُ : " وَلَوْ تَوَكَّلَ الْحَالِفُ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْإِضَافَةِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ
وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَحْنَثُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَحْنَثُ لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ .
فَهَذِهِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْفُلُ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنًا وَشَرْطَ الْبَرَاءَةِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ : أَوْ لَا لَمْ يَحْنَثْ .
بَابُ النَّذْرِ وَالْوَعْدِ وَالْعَهْدِ وَهُوَ الْتِزَامُهُ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئًا بِقَوْلِهِ لَا بِنِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ ، وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ صِيغَةُ خَاصَّةً ، يُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَوْ الْأَكْثَرِ : تُعْتَبَرُ لِلَّهِ عَلَيَّ ، أَوْ عَلَيَّ كَذَا ، وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ : إلَّا مَعَ دَلَالَةِ حَالٍ .
وَفِي الْمُذْهَبِ : بِشَرْطِ إضَافَتِهِ ، فَيَقُولُ : لِلَّهِ عَلَيَّ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : يَرُدُّ قَضَاءً وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا ، وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا فِي تَحْرِيمِهِ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : الْمَذْهَبُ : مُبَاحٌ .
وَحَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ ، يُصَلِّي النَّفَلَ كَمَا هُوَ ، لَا بِنَذْرِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّيهِ ، خِلَافًا لِلْأَرْجَحِ لِلْحَنَفِيَّةِ .
وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ وَلَوْ كَافِرًا بِعِبَادَةِ .
نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : مِنْهُ بِغَيْرِهَا .
مَأْخَذُهُ أَنَّ نَذْرَهُ لَهَا كَالْعِبَادَةِ لَا الْيَمِينِ .
وَالْمُنْعَقِدُ أَنْوَاعٌ : ( أَحَدُهَا ) عَلَى نَذْرٍ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا وَلَا نِيَّةَ وَفَعَلَهُ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ .
( الثَّانِي ) نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ ، وَهُوَ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ يَقْصِدُ الْمَنْعَ مِنْهُ أَوْ الْحَمْلَ عَلَيْهِ .
نَحْوُ إنْ كَلَّمْتُك أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبْك فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعِتْقُ .
أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ .
فَإِذَا وُجِدَ شَرْطُهُ فَفِي الْوَاضِحِ : يَلْزَمُهُ .
وَعَنْهُ : تَعْيِينُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ .
وَالْمَذْهَبُ : يُخَيِّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ( م 1 ) نَقَلَ صَالِحٌ : إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ ، بِلَا خِلَافٍ ، وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُ بِذَلِكَ ، أَوْ لَا أُقَلِّدُ مَنْ يَرَى الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهُ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَوْكِيدٍ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ : كَانَتْ طَالِقٌ بَتَّةً ، قَالَ شَيْخُنَا : وَإِنْ قَصَدَ لُزُومَ الْجَزَاءِ عِنْدَ
الشَّرْطِ لَزِمَهُ مُطْلَقًا ، عِنْدَ أَحْمَدَ ، نَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيمَنْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ ، أَوْ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ : إنْ أَرَادَ يَمِينًا كَفَّرَ يَمِينَهُ ، وَإِنْ أَرَادَ نَذْرًا فَعَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : مَنْ قَالَ أَنَا أُهْدِي جَارِيَتِي أَوْ دَارِي ، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ .
وَقَالَ فِي امْرَأَةٍ حَلَفَتْ إنْ لَبِسْت قَمِيصِي هَذَا فَهُوَ مُهْدًى : تُكَفِّرُ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ، كُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : إنْ قَالَ : غَنَمِي صَدَقَةٌ وَلَهُ غَنَمُ شَرِكَةٍ ، إنْ نَوَى يَمِينًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ .
وَإِنْ عَلَّقَ الصَّدَقَةَ بِهِ بِبَيْعِهِ وَالْمُشْتَرِي بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ كَفَّرَ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : إذَا حَلَفَ بِمُبَاحٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، كَنَذْرِهِمَا ، فَإِنَّ مَا لَمْ يَلْزَمْ بِنَذْرِهِ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إذَا حَلَفَ بِهِ ، فَمَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِالْأَوْلَى ، فَإِنَّ إيجَابَ النَّذْرِ أَقْوَى مِنْ إيجَابِ الْيَمِينِ .
( الثَّالِثُ ) نَذَرَ مُسْتَحَبًّا يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ ، مُطْلَقًا ، أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ نِعْمَةٍ ، أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَوْ غَيْرِهِ : كَطُلُوعِ الشَّمْسِ ، نَحْوُ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي ، أَوْ سَلِمَ مَالِي ، أَوْ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ، أَوْ فَعَلْت كَذَا ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، نَحْوُ تَصَدَّقْت بِكَذَا .
وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ تَصَدَّقْت بِكَذَا ، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ قَالَ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَصُومُ كَذَا : هَذَا نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ بِنَذْرٍ قَدْ أَخْطَأَ .
وَقَالَ قَوْلَ الْقَائِلِ : لَئِنْ ابْتَلَانِي لَأَصْبِرَن ، وَلَئِنْ لَقِيت عَدُوًّا لَأُجَاهِدَن ، وَلَوْ عَلِمْت أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ لَعَمِلْته ، نَذْرٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ ، كَقَوْلِ الْآخَرِ { لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ } الْآيَةَ ، وَنَظِيرُ ابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ تَمَنِّي لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَيُشْبِهُهُ سُؤَالُ الْإِمَارَةِ ، فَإِيجَابُ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ إيجَابًا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بِنَذْرٍ وَعَهْدٍ وَطَلَبٍ وَسُؤَالٍ جَهْلٌ مِنْهُ وَظُلْمٌ .
وَقَوْلُهُ لَئِنْ ابْتَلَانِي لَصَبَرْت وَنَحْوُ ذَلِكَ ، إنْ كَانَ وَعْدًا وَالْتِزَامًا فَنَذْرٌ ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ الْحَالِ فَفِيهِ تَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ وَجَهْلٌ بِحَقِيقَةِ حَالِهَا ، وَالْمَنْصُوصُ : أَوْ حَلَفَ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَئِنْ سَلِمَ مَالِي لَأَتَصَدَّقَن بِكَذَا ( ش ) فَوُجِدَ شَرْطُهُ لَزِمَهُ ، وَيَجُوزُ فِعْلُهُ قَبْلَهُ ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالْفُنُونِ ، وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَيْضًا لِوُجُودِ أَحَدِ سَبَبَيْهِ ، وَالنَّذْرُ كَالْيَمِينِ .
وَمَنَعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ مَنْعُ كَوْنِهِ سَبَبًا .
وَفِي الْخِلَافِ : لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ ، ذَكَرَاهُ فِي جَوَازِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ السَّبْعَةَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى أَهْلِهِ .
وَفِي الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ لَمْ يَجِبْ ، لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الْقُدُومُ ، وَمَا وُجِدَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُخَالِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّاذِرَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالْجَوَابِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ مَلَكْت هَذَا الثَّوْبَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ الْيَوْمَ ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ ، كَذَا يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ عِنْدَ قُدُومِ فُلَانٍ ، كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ وَقَدْ أَكَلَ فِيهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُك أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَأَفْطَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ، وَيَجْعَلُهُ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالْجَوَابِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ ، وَلَمَّا لَمْ نَقُلْ بِهَذَا فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا .
وَأَمَّا نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ قَدْ أَكَلَ
فِيهِ فَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ .
مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ : " وَإِذَا وَجَدَ شَرْطَهُ فَفِي الْوَاضِحِ : يَلْزَمُهُ ، وَعَنْهُ : تَعْيِينُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، وَالْمَذْهَبُ : يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ " ، انْتَهَى .
فَصَرَّحَ بِالْمَذْهَبِ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَذْهَبِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَفِعْلِ مَا وُجِدَ شَرْطُهُ ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا تَعْيِينُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ شَاءَ زَيْدٌ لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ شَاءَ ، لَكِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ : يُكَفِّرُ إذَا تَيَقَّنَ الْحِنْثَ وَإِنْ نَذَرَ مَنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِمَالِهِ يَقْصِدُ الْقِرْبَةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ ، وَعَنْهُ : كُلُّهُ ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : لَيْسَ لَنَا فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ مَا يَفِي بِبَعْضِهِ إلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ ، وَعَلَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّدَقَةُ بِكُلِّهِ ، وَاحْتَجُّوا لِلثَّانِيَةِ بِالْخَبَرِ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } وَعَنْهُ : يَشْتَمِلُ النَّقْدَ فَقَطْ ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِنَا كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِ عَزْمِهِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ نَذَرَ مَالَهُ فِي الْمَسَاكِينِ أَيَكُونُ الثُّلُثُ مِنْ الصَّامِتِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ ، قَالَ : إنَّمَا يَكُونُ هَذَا ( عَلَى ) قَدْرِ مَا نَوَى ، أَوْ عَلَى قَدْرِ مَخْرَجِ يَمِينِهِ ، وَالْأَمْوَالُ تَخْتَلِفُ عِنْدَ النَّاسِ ، الْعَرَبُ تُسَمِّي الْإِبِلَ وَالنَّعَمَ الْأَمْوَالَ ، وَغَيْرُهُمْ يُسَمِّي الصَّامِتَ ، وَغَيْرُهُمْ يُسَمِّي الْأَرْضَ ، ثُمَّ قَالَ : لَوْ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ أَلَيْسَ إنَّمَا كُنَّا نَأْخُذُهُ بِإِبِلِهِ أَوْ نَحْوِ هَذَا ؟ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : إنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ الثُّلُثُ ، لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ أَبَا لُبَابَةَ بِالثُّلُثِ } ، فَإِنْ نَفِدَ هَذَا الْمَالُ وَأَنْشَأَ غَيْرَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ فَإِنَّمَا يَجِبُ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ حِنْثِهِ ، قَالَ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ : يُرِيدُ بِيَوْمِ حِنْثِهِ يَوْمَ نَذْرِهِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، قَالَ : فَيَنْظُرُ قَدْرَ الثُّلُثِ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، فَيُخْرِجُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَإِنَّمَا نَصُّهُ أَنَّهُ يُخْرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يَوْمَ نَذْرِهِ ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ قَدْرُ دَيْنِهِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَحْمَدَ صَحِيحٌ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمَدِينِ ، وَعَلَى قَوْلٍ سَبَقَ أَنَّهُ لَا
يَصِحُّ يَكُونُ قَدْرُ الدَّيْنِ مُسْتَثْنًى بِالشَّرْعِ مِنْ النَّذْرِ .
وَإِنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ لَا رَدَدْت سَائِلًا فَقِيَاسُ قَوْلِنَا أَنَّهُ كَمَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ لَهُ إلَّا مَا يَحْتَاجُهُ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِثُلُثِ الزَّائِدِ .
وَحَبَّةُ بُرٍّ لَيْسَتْ سُؤَالَ السَّائِلِ ، وَالْمَقَاصِدُ مُعْتَبَرَةٌ ، وَيَحْتَمِلُ خُرُوجُهُ مِنْ نَذْرِهِ بِحَبَّةِ بُرٍّ ، لِتَعْلِيقِ حُكْمِ الرِّبَا عَلَيْهَا ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ ، وَإِنْ حَنْبَلِيًّا آخَرَ قَالَ : إنْ ، لَمْ يَجِدْ وَعَدَ ، فَإِنَّ الرَّدَّ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْعِدَّةِ ، فَلَا يُقَالُ رَدُّ الْفَقِيرِ وَالسَّاعِي وَالْغَرِيمِ ، وَمَصْرِفُهُ كَالزَّكَاةِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَلَا يُجْزِئُهُ إسْقَاطُ دَيْنٍ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِدِينَارٍ وَلَهُ عَلَى مُعْسِرٍ دِينَارٌ : لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَهُ .
وَإِنْ نَوَى يَمِينًا أَوْ مَالًا دُونَ مَالٍ أُخِذَ بِنِيَّتِهِ ، وَعَنْهُ : لَا ، وَإِنْ نَذَرَهَا بِبَعْضِهِ لَزِمَهُ ، وَعَنْهُ : ثُلُثُهُ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَعَنْهُ : إنْ جَاوَزَ مَا سَمَّاهُ ثُلُثَ الْكُلِّ ، صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَكَذَا ابْنُ رَزِينٍ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : إنْ حَلَفَ فَقَالَ : إنْ خَرَجَتْ فُلَانَةُ فَعَلَيْهِ أَلْفٌ : إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَعَلَى وَجْهِ النَّذْرِ فَيُوَفِّي بِهِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إنْ قَالَ : إنْ مَلَكْت عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهِيَ صَدَقَةٌ ، إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ أَرَادَ النَّذْرَ يُجْزِئُهُ الثُّلُثُ .
وَإِذَا حَلَفَ فَقَالَ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَيَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ ، لِوُجُودِ مُسْتَحِقِّهِ ، وَإِنْ نَذَرَهَا بِمَالٍ وَنِيَّتُهُ أَلْفٌ فَنَصُّهُ : يُخْرِجُ مَا شَاءَ .
وَنَصَّ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمًا وَصَلَاةً : يُؤْخَذُ بِنِيَّتِهِ ، فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ ، وَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ فِي صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَهَدْيٍ وَرِقَابٍ ، وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّسْوِيَةِ ، وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِنِيَّتِهِ ، وَمَعَ فَقْدِهَا يَتَصَدَّقُ بِمُسَمَّى مَالٍ .
وَيَلْزَمُهُ يَوْمٌ بِنِيَّتِهِ .
وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَطَفَ نِيَّةَ النَّهَارِ عَلَى الْمَاضِي لِيَصُومَ جَمِيعَهُ ، وَيَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ ، لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي فَرْضٍ ، وَعَنْهُ : تُجْزِئُهُ رَكْعَةٌ بِنَاءً عَلَى التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ ، فَدَلَّ أَنَّ فِي لُزُومِهِ الصَّلَاةَ قَائِمًا الْخِلَافَ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ أَيْضًا .
وَفِي الْخِلَافِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ : لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَجْزَأَهُ عَلَيْهَا ، وَلَوْ نَذَرَهُمَا مُطْلَقًا لَمْ يُجْزِئْ ، وَيَبَرُّ بِمَوْضِعِ غَصْبٍ مَعَ الصِّحَّةِ ، وَلَهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا مَنْ نَذَرَ جَالِسًا ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ ؛ كَشَرْطِ تَفْرِيقِ صَوْمٍ فِي وَجْهٍ ( خ ) .
وَفِي النَّوَادِرِ : لَوْ نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَجِبْ ، وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ إنْ عَيَّنَ ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ ، وَلِهَذَا فِي الزِّيَادَاتِ لِلْحَنَفِيَّةِ : مَنْ نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تُجْزِئْهُ تَسْلِيمَتَيْنِ ، وَبِالْعَكْسِ تُجْزِئُهُ ، وَفِي الْخِلَافِ : إنْ نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ تُجْزِئْهُ بِتَسْلِيمَةٍ وَإِنْ نَذَرَهَا بِتَسْلِيمَةٍ احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ ، كَمَا إذَا نَذَرَ الْقِرَانَ جَازَ الْإِفْرَادُ ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ مَلَكْت مَالَ فُلَانٍ فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِهِ ، فَمَلَكَهُ ، فَكَمَا لَهُ .
وَإِنْ [ قَالَ ] عَبْدَ فُلَانٍ ، يَقْصِدُ الْقُرْبَةَ ، لَزِمَهُ ، لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ فِي ذِمَّتِهِ ، بِدَلِيلِ إرْسَالِهِ ، نَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ ، قَالَ [ اللَّهُ ] تَعَالَى { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } الْآيَةَ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .
فَصْلٌ وَمَنْ نَذَرَ وَاجِبًا كَرَمَضَانَ فَحُكْمُهُ بَاقٍ ، وَيُكَفِّرُ إنْ لَمْ يَصُمْهُ ، كَحَلِفِهِ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و هـ ش ) وَكَذَا نَذْرٌ مُبَاحٌ ، كَلُبْسِ ثَوْبِهِ مُنْجِزًا أَوْ مُعَلِّقًا ، وَمَكْرُوهٌ كَطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، وَمُحَرَّمٌ كَإِسْرَاجِ بِئْرٍ وَشَجَرَةٍ [ مُجَاوِرٍ ] عِنْدَهُ ، وَمَنْ يُعَظِّمُ شَجَرَةً أَوْ جَبَلًا أَوْ مَغَارَةً أَوْ قَبْرًا إذَا نَذَرَ لَهُ أَوْ لِسُكَّانِهِ أَوْ لِلْمُضَافَيْنِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ إجْمَاعًا قَالَهُ شَيْخُنَا : كَقَبْرٍ ، وَكَصَدَقَتِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَصَوْمِ يَوْمِ حَيْضٍ ، وَفِيهِ وَجْهٌ كَصَوْمِ [ يَوْمِ ] عِيدٍ ( خ ) ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ .
وَالْمَذْهَبُ : يُكَفِّرُ فِي الثَّلَاثَةِ ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : { لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } ، حَدِيثُ الْمَرْأَةِ حِينَ نَذَرَتْ فِي النَّاقَةِ لَتَنْحَرَنهَا إنْ سَلِمَتْ ، لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ ، لَا ، نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَإِنْ كَانَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَكَذَا اُحْتُجَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ نَذَرَ يَهْدِمُ دَارَ فُلَانٍ : يُكَفِّرُ يَمِينَهُ ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ غُلَامُ فُلَانٍ حُرٌّ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ } فَهَذَا مِمَّا لَا يَمْلِكُ ، وَإِنْ كَفَّرَ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : الْكَفَّارَةُ أَوْلَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ .
وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ } وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، كَذَا قَالَ ، وَهَذَا الْخَبَرُ لَمْ أَجِدْهُ وَلَا يَصِحُّ .
وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ : إذَا نَذَرَ نَذْرًا يَجْمَعُ فِي يَمِينِهِ الْبِرَّ وَالْمَعْصِيَةَ يُنَفِّذُ فِي الْبِرِّ وَيُكَفِّرُ فِي الْمَعْصِيَةِ .
وَإِذَا نَذَرُوا نُذُورًا كَثِيرَةً لَا يُطِيقُهَا ، أَوْ مَا لَا يَمْلِكُ ، فَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَفِي الْإِرْشَادِ : فِيهِ فِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَنْعَقِدُ بِمَالِ غَيْرِهِ .
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ : يُكْرَهُ إشْعَالُ الْقُبُورِ وَالتَّبْخِيرُ ، وَنَصَّ أَنَّهُ إنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ ذَبَحَ كَبْشًا ، قِيلَ : مَكَانَهُ ، وَقِيلَ : كَهَدْيٍ ( م 2 ) وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : يَلْزَمَانِهِ ، وَعَنْهُ : إنْ قَالَ إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ كَذَا أَوْ نَحْوَهُ وَقَصَدَ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ ، وَإِلَّا فَنَذْرُ مَعْصِيَةٍ فَيَذْبَحُ فِي مَسْأَلَةِ الذَّبْحِ كَبْشًا ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ : عَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِ ، قَالَ : وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) فِيمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ وَقُلْنَا يَذْبَحُ كَبْشًا ، فَقَالَ : " قِيلَ : مَكَانَهُ ، وَقِيلَ : كَهَدْيٍ " ، انْتَهَى .
: ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ يَذْبَحُهُ مَكَانَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) حُكْمُهُ حُكْمُ الْهَدْيِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ وَنَحْوِهِ .
قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَمَصْرِفُهُ كَزَكَاةٍ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَيْضِ لَمَّا ذَكَرَ كَفَّارَةَ الْوَطْءِ فِيهِ ، وَمَا يَجِبُ بِذَلِكَ قَالَ : وَهُوَ كَفَّارَةٌ قَالَ الْأَكْثَرُ : يَجُوزُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ ، كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا ، وَمَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ ، انْتَهَى .
فَجَعَلَ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا ، وَحُكِيَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَسَاكِينَ مَصْرِفُ الصَّدَقَاتِ ، وَحُقُوقُ اللَّهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا ، فَإِذَا وُجِدَتْ صَدَقَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةِ الصَّرْفِ انْصَرَفَتْ إلَيْهِمْ ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً .
وَلَوْ نَذَرَ طَاعَةً حَالِفًا بِهَا أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَحْمَدَ ، فَكَيْفَ لَا يُجْزِئُهُ إذَا نَذَرَ مَعْصِيَةً حَالِفًا بِهَا ، فَعَلَى هَذَا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَلْزَمَانِ النَّاذِرَ ، وَالْحَالِفُ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، فَتَصِيرُ سِتَّةَ أَقْوَالٍ ، وَذَكَرَ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ : نَذَرَ شُرْبِ الْخَمْرِ لَغْوٌ ، فَلَا كَفَّارَةَ ، وَنَذْرُ ذَبْحِ وَلَدِهِ يُكَفَّرُ ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ : نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَغْوٌ ، قَالَ : وَنَذْرُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَنَذْرِهِ لِشَيْخٍ مُعَيَّنٍ حَيٍّ لِلِاسْتِعَانَةِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْهُ ، كَحَلِفِهِ بِغَيْرِهِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا أَيْضًا ، وَأَبُوهُ وَكُلُّ مَعْصُومٍ كَالْوَلَدِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، مَا لَمْ نَقِسْ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : وَعَلَى قِيَاسِهِ الْعَمُّ وَالْأَخُ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وِلَايَةً .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ نَذَرَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُصْرَفُ لِجِيرَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيمَتُهُ ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْخَتْمَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ كَمَنْ وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ ، لَا يَصِحُّ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ، عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَيُكْسَرُ ، وَهُوَ لِمَصْلَحَتِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي النَّذْرِ لِلْقُبُورِ : هُوَ لِلْمَصَالِحِ مَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهُ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ ، وَأَنَّ مِنْ الْحُسْنِ صَرْفُهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ فَإِنْ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ لَمْ يُكَفِّرْ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي : بَلَى ، لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِدَارِ غَصْبٍ ، وَقِيلَ : حَتَّى الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
وَفِي الْعُدَّةِ : قَاسَ أَحْمَدُ ذَبْحَ نَفْسِهِ عَلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ ، ثَبَتَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : إنْ قَالَ لِوَلَدِهِ وَاَللَّهِ لَأَذْبَحَنك فَهَلْ يَذْبَحُ كَبْشًا أَوْ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّذْرِ أَنَّ فِي نَذَرَ قَتْلِ نَفْسٍ مُحَرَّمَةِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ : كَمَا تَقَدَّمَ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ عِيدٍ قَضَاهُ ( و هـ ) نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَعَنْهُ : لَا ( و م ش ) وَعَلَيْهِمَا : يُكَفِّرُ عَلَى الْأَصَحِّ ( خ ) وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : يَنْعَقِدُ وَلَا يَصُومُهُ وَيَقْضِي صَحَّ مِنْهُ الْقِرْبَةُ وَلَغَا تَعْيِينَهُ ، لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً ، كَنَذْرِ مَرِيضٍ صَوْمَ يَوْمٍ يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ ، يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ ، وَالطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ صَادَفَ التَّحْرِيمَ ، يَنْعَقِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ ، وَرِوَايَةٌ لَنَا ، كَذَا هُنَا .
وَنَذْرُ صَوْمِ لَيْلَةٍ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا كَفَّارَةَ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَنِ صَوْمٍ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمِ الْحَيْضِ ، وَصَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ وَقَدْ أَكَلَ ، كَذَا قَالَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَالصَّلَاةُ زَمَنَ الْحَيْضِ وَنَذْرَهُ صَوْمَ يَوْمِ تَشْرِيقٍ كَعِيدٍ وَفِي الْمُحَرَّرِ تَخْرِيجٌ وَلَوْ جَازَ ، كَنَذْرِ صَلَاةِ وَقْتٍ نُهِيَ ، وَنَذْرِ صَوْمِ اللَّيْلِ ، مُنْعَقِدٌ فِي النَّوَادِرِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ : لَا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَنٍ لِلصَّوْمِ ، وَفِي الْخِلَافِ وَمُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ، وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ قَضَى ( و ش ) وَعَنْهُ : لَا ( و هـ م ) كَقُدُومِهِ لَيْلًا لَا يَصُومُ صَبِيحَتَهُ ( م ) .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : يُسْتَحَبُّ ، وَإِنْ قَدِمَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَنَوَى فَكَذَلِكَ ( و ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُوجِبَ النَّذْرِ الصَّوْمُ مِنْ قُدُومِهِ أَوْ كُلَّ الْيَوْمِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ النَّفَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَدِمَ بَعْدَهُ فَلَغْوٌ ( و هـ ) فَعَلَى الْقَضَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يُكَفِّرُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَعَنْهُ : لَا ( و ) كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ ( م 3 ) قَضَى ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : وَيُكَفِّرُ ، وَفِيهِ أَيْضًا : لَا يَصِحُّ كَحَيْضٍ : وَإِنَّ فِي إمْسَاكِهِ أَوْجُهًا ، الثَّالِثُ : يَلْزَمُ فِي الثَّانِيَةِ .
وَإِنْ قَدِمَ فِي رَمَضَانَ انْعَقَدَ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، فَيَقْضِي .
وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ ( م 4 ) وَيُكَفِّرُ إنْ لَمْ يَصُمْهُ ، وَعَنْهُ : يَكْفِيهِ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ ، وَفِي نِيَّةِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ ( م 5 ) وَفِي الْفُصُولِ : لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ آخَرُ .
لَا لِأَنَّ صَوْمَهُ أَغْنَى عَنْهُمَا ، بَلْ لِتَعَذُّرِهِ فِيهِ ، نَصَّ : عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا نَوَى صَوْمَهُ عَنْهُمَا ، فَقِيلَ : لَغْوٌ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ .
وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ قُدُومِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ وَبَيْنَ نَذْرِهِ صَوْمَ يَوْمِ
قُدُومِهِ أَبَدًا ، فَقَدِمَ يَوْمَ اثْنَيْنِ ، فَإِنَّ أَثَانِينَ رَمَضَانَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ نَذْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ : لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَثَانِينَ ، فَلِهَذَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ ، وَهُنَا يَنْفَكُّ قُدُومُهُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا يَنْفَكُّ يَوْمُ الْخَمِيسِ عَمَّنْ نَذَرَتْ أَنْ تَصُومَهُ فَحَاضَتْ فِيهِ أَنَّهَا تَقْضِي ، وَافَقَ عَلَيْهَا أَبُو يُوسُفَ .
وَإِنْ قَدِمَ وَهُوَ صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فَعَنْهُ : يَكْفِيهِ لَهُمَا ( و هـ ) وَالْأَصَحُّ يُتِمُّهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ .
بَلْ يَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ ، كَصَوْمِهِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ ( و هـ ش ) أَوْ كَفَّارَةٌ ( و هـ ش ) أَوْ نَذْرٌ مُطْلَقٌ ( و هـ ش ) وَإِنْ قَدِمَ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ قَضَى وَكَفَّرَ ( خ ) وَعَنْهُ : لَا ، وَعَنْهُ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَقِيلَ عَكْسُهُ ، وَإِنْ سَمِعَ قُدُومَهُ فَبَيَّتَ لِصَوْمِ نَهَارِ قُدُومِهِ كَفَاهُ ( و ) وَنَذْرُ اعْتِكَافِهِ ، كَصَوْمِهِ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْفُصُولِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهَا : يَقْضِي بَقِيَّةَ الْيَوْمِ ، لِصِحَّتِهِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ لِصَوْمٍ فَكَنَذْرِ صَوْمِهِ .
وَفِي صِحَّةِ نَذْرِ الْيَوْمِ قَبْلَ يَوْمِ قُدُومِهِ وَجْهَانِ ( م 6 ) .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ قَضَى ، وَعَنْهُ : لَا وَإِنْ قَدِمَ وَلَمْ يُفْطِرْ [ فَنَوَى ] فَكَذَلِكَ .
وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ النَّفَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَقَدِمَ بَعْدَهُ فَلَغْوٌ ، فَعَلَى [ الْقَضَاءِ فِي ] الْمَسْأَلَتَيْنِ يُكَفِّرُ وَعَنْهُ : لَا ، كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ .
هَلْ يَقْضِي أَمْ لَا ؟ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) : الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ مَنْ نَذَرَتْ صَوْمَ حَيْضٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ ، وَأَنَّ النَّذْرَ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا تَقْضِي ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، ثُمَّ وَجَدْته فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ، قَالَ : لَوْ قَالَتْ نَذَرْت صَوْمَ يَوْمِ الْحَيْضِ بِمُفْرَدِهِ ، أَوْ نَذَرَ الْمُكَلَّفُ صَوْمَ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ ، ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ مَحَلَّ وِفَاقٍ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِيدِ ، وَذَكَرَ الْفَرْقَ ، وَحَكَى مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا : لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ صَوْمَ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ كَحَيْضٍ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : يَقْضِي ، ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ قَدِمَ فِي رَمَضَانَ انْعَقَدَ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، فَيَقْضِي ، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ .
( إحْدَاهُمَا ) عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ .
( وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ) لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَعَنْهُ يَكْفِيهِ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ .
وَفِي نِيَّةٍ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ لِفَرْضِهِ وَنَذْرِهِ .
قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ
فِي الْقَوَاعِدِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ النَّذْرِ .
قَالَ الْمَجْدُ : لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ النَّذْرِ وَقَالَ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ .
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ : وَفِي تَعْلِيلِهِ بَعْدُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَفِي صِحَّةِ نَذْرِ الْيَوْمِ قَبْلَ يَوْمِ قُدُومِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِي الْغَالِبِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَصِحُّ
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَزِمَهُ يَوْمٌ ( و هـ ) وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ .
وَإِنْ نَذَرَ عِبَادَةً وَطَاعَةً لَزِمَتْهُ ، وَذَكَر أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إنْ وَجَبَ جِنْسُهَا بِالشَّرْعِ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَقِيلَ : إنْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا ، أَوْ الصَّلَاةَ بِالْبَقَرَةِ ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ، أَوْ يَعُودُ مَرِيضًا ، أَوْ يَشْهَدَ جِنَازَةً ، أَوْ يُسَلِّمَ عَلَى زَيْدٍ ، احْتَمَلَ اللُّزُومُ وَالتَّخْيِيرُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ نَذَرَ صِفَةً فِي الْوَاجِبِ ، كَحَجِّهِ مَاشِيًا ، وَالصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ كَثِيرَةٍ ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ : اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ ، فَيُكَفِّرُ .
قَالَ : وَلَوْ نَذَرَ الْجِهَادَ فِي جِهَةٍ لَزِمَهُ فِيهَا ، وَمِثْلُهُ تَجْهِيزُ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ ، فَأَمَّا مَا لَا مَالَ فِيهِ ، كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَالْأَمْرِ بِمَعْرُوفٍ ، فَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ ، وَإِنْ عَيَّنَ وَقْتًا تَعَيَّنَ ، وَلَا يُجْزِئُهُ قَبْلَهُ ( و هـ ) كَيَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ ( و ) .
وَلَهُ تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ ( و ) وَعِنْدَ شَيْخِنَا : الِانْتِقَالُ إلَى زَمَنٍ أَفْضَلَ ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَلَهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ ، كَالْمَكَانِ ، قَالَ : وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِمَنْ نَذَرَ الْحَجَّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَنْ يَتَمَتَّعَ ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ تَعَيَّنَ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يَصُومَهُ بِعَيْنِهِ .
وَفِي النَّوَادِرِ : وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي يَوْمٍ قَبْلَهُ صَامَهُ ، وَإِنْ أَفْطَرَهُ ، أَوْ مِنْ أَوَّلِهِ ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ ، قَضَاهُ ، وَلَوْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرِ مَرَضٍ ( م ) أَوْ حَيْضٍ ( م ) كَنَذْرِ اعْتِكَافِهِ ( و ) ، وَابْتَدَأَهُ مُتَتَابِعًا مُوَاصِلًا لِتَتِمَّتِهِ .
وَعَنْهُ : لَهُ تَفْرِيقُهُ ( و هـ م ) وَوَافَقَا فِي الِاعْتِكَافِ ، وَعَنْهُ : وَتَرْكُ مُوَاصَلَتِهِ ( و ) وَيَنْبَنِي مَنْ لَا يُقْطَعُ عُذْرُهُ تَتَابُعُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَيُكَفِّرُ ( ش ) وَلَوْ لَمْ يَنْوِ يَمِينًا ( هـ ) وَعَنْهُ : يُكَفِّرُ غَيْرُ الْمَعْذُورِ ، وَعَنْهُ فِيهِ : يَفْدِي فَقَطْ ، ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ ، وَإِنْ جُنَّ الشَّهْرُ لَمْ يَقْضِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ( هـ ) وَصَوْمُهُ فِي ظِهَارٍ كَفِطْرِهِ ، وَقِيلَ : لَا يُكَفِّرُ ( و هـ ) وَإِنْ قَيَّدَهُ بِالتَّتَابُعِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ يَوْمًا ابْتَدَأَ وَيُكَفِّرُ ( ش ) وَلَا يَقْضِيهِ وَحْدَهُ ( هـ ) وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُطْلَقٍ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَيَّامًا غَيْرَ ثَلَاثِينَ ، وَعَنْهُ : أَوْ هِيَ ، لَزِمَهُ التَّتَابُعُ ( خ ) وَعَنْهُ : شَرْطٌ أَوْ نِيَّةٌ ( و ) وَفِي إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْهُمَا رِوَايَتَا الْحَجِّ ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ فَإِنْ قَطَعَ تَتَابُعَهُ بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَهُ ( و ) وَمَعَ الْعُذْرِ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ بِلَا كَفَّارَةٍ ، أَوْ يُبْنَى ، فَهَلْ يُتِمُّ ثَلَاثِينَ أَوْ الْأَيَّامَ الْفَائِتَةَ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 7 ) وَيُكَفِّرُ ، وَفِيهَا رِوَايَةٌ ( و م ش ) كَشَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرَّوْضَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ أَفْطَرَهُ بِلَا عُذْرٍ كَفَّرَ .
وَهَلْ يَنْقَطِعُ فَيَسْتَأْنِفُهُ أَمْ لَا فَيَقْضِي مَا تَرَكَهُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ : هَلْ يُتِمُّهُ أَوْ يَسْتَأْنِفُهُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ يُكَفِّرُ وَيَسْتَأْنِفُهُ .
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَعُمَّ رَمَضَانَ وَأَيَّامَ النَّهْيِ .
وَعَنْهُ : بَلَى ، فَيَقْضِي وَيُكَفِّرُ ، وَفِيهَا وَجْهٌ ، وَعَنْهُ : يَعُمُّ أَيَّامَ النَّهْيِ خَاصَّةً ، كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ أَبَدًا ، فَيَقْدَمُ يَوْمَ اثْنَيْنِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ .
وَفِي الرَّوْضَةِ : لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَدَاخَلُ فِي أَثَانِينَ رَمَضَانَ ، وَإِنْ قَالَ : سَنَةً ، وَأَطْلَقَ ، فَفِي التَّتَابُعِ مَا فِي شَهْرٍ وَيَصُومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ وَأَيَّامِ النَّهْيِ ، فَيَقْضِي ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : يَصُومُ مَعَ التَّفَرُّقِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ صِيَامَهَا مُتَتَابِعَةً ، وَهِيَ عَلَى مَا بِهَا مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ تَمَامٍ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : لَا يَعُمُّ الْعِيدَ وَرَمَضَانَ ، وَفِي التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ وَعَنْهُ : يَقْضِي الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ إنْ أَفْطَرَهَا .
وَفِي الْكَافِي : إنْ لَزِمَ التَّتَابُعَ فَكَمُعَيَّنَةٍ ، وَإِنْ قَالَ سَنَةً الْآنَ أَوْ وَقْتَ كَذَا فَكَمُعَيَّنَةٍ ، وَقِيلَ كَمُطْلَقَةٍ .
وَيَلْزَمُ صَوْمُ الدَّهْرِ بِنَذْرِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ إنْ اسْتَحَبَّ ، فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ ، فَإِنْ كَفَّرَ بِصِيَامٍ فَاحْتِمَالَانِ ( م 8 ) وَلَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ وَقِيلَ : بَلْ قَضَى فِطْرَهُ مِنْهُ لِعُذْرٍ وَيَوْمِ نَهْيٍ وَصَوْمِ ظِهَارٍ وَنَحْوِهِ فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ ، أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُهَا مَعَ صَوْمِ ظِهَارٍ ، لِأَنَّهُ سَبَبُهُ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُطْلَقٍ ، وَعَنْهُ : أَوْ أَيَّامًا غَيْرَ ثَلَاثِينَ ، وَعَنْهُ : أَوْ هِيَ ، لَزِمَهُ التَّتَابُعُ ، وَفِي إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ : قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ " انْتَهَى .
( قُلْت ) قَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ : لَوْ حَجَّ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَجٌّ مَنْذُورٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَنْذُورَةِ مَعَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، بَلْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يُجْزِئُ عَنْهُمَا ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي أَرَادَهَا فِي الْوَاضِحِ ، فِيمَا يَظْهَرُ ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا فِيهَا الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ قَطَعَ تَتَابُعَهُ بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَهُ ، وَمَعَ عُذْرٍ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ بِلَا كَفَّارَةٍ ، أَوْ يَبْنِي ، فَهَلْ يُتِمُّ ثَلَاثِينَ أَوْ الْأَيَّامَ الْفَائِتَةَ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ " انْتَهَى .
( قُلْت ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مِثْلُ مَا إذَا آجَرَهُ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ ، هَلْ يَسْتَوْفِي بِالْعَدَدِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، أَوْ يُكْمِلُ الشَّهْرَ ؟ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ : يُكْمِلُ الشَّهْرَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ : يُتِمُّ ثَلَاثِينَ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ " وَإِنْ قَالَ سَنَةً وَأَطْلَقَ فَفِي التَّتَابُعِ مَا فِي شَهْرٍ " انْتَهَى .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لُزُومُ التَّتَابُعِ فِي الشَّهْرِ ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، فَكَذَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : " وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ الدَّهْرِ بِنَذْرِهِ ، فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ ، فَإِنْ كَفَّرَ بِصِيَامٍ فَاحْتِمَالَانِ " انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا ) لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِنَذْرِهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ .
( وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي ) صَحَّ .
وَإِنْ نَذَرَ صَوْمًا فَتَرَكَهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، وَكَفَّرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يُطْعِمُ فَقَطْ ، وَقِيلَ : يُكَفِّرُ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً كَغَيْرِ صَوْمٍ .
وَفِي النَّوَادِرِ احْتِمَالٌ بِصِيَامٍ عَنْهُ ، وَسَبَقَ فِي فِعْلِ الْوَلِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ، وَكَذَا إنْ نَذَرَهُ عَاجِزًا ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ مَا كَانَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ الشَّالَنْجِيِّ ، وَمُرَادُهُمْ غَيْرُ الْحَجِّ ، وَإِلَّا فَلَوْ نَذَرَ مَعْضُوبٌ أَوْ صَحِيحٌ أَلْفَ حَجَّةٍ لَزِمَهُ .
وَيُحَجُّ عَنْهُ ، وَالْمُرَادُ : لَا يُطِيقُهُ ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ ، وَإِلَّا أَتَى بِمَا يُطِيقُهُ مِنْهُ وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي ، وَكَذَا أَطْلَقَ شَيْخُنَا فَقَالَ : الْقَادِرُ عَلَى فِعْلِ الْمَنْذُورِ يَلْزَمُهُ وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } وَلِأَمْرِهِ لِأُخْتِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنْ تَمْشِيَ وَتُكَفِّرَ ، فَأَمَّا إنْ نَذَرَ مَنْ لَا يَجِدُ زَادًا وَلَا رَاحِلَةً الْحَجَّ فَإِنْ وَجَدَهُمَا لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ السَّابِقِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ ، كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ ، فِي فِعْلِ الْوَلِيِّ عَنْهُ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي ضَمَانِ الْمَجْهُولِ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَعْجَزُ عَنْ أَدَائِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الضَّمَانِ ، كَمَا لَوْ نَذَرَا أَلْفَ حَجَّةٍ ، أَوْ الصَّدَقَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَلَا يَمْلِكُ قِيرَاطًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ بِرِضَاهُ ، وَقِيلَ : لَا يَنْعَقِدُ ، وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ اللَّهِ فَأَتْلَفَهُ كَفَّرَ ، كَتَلَفِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ فِي الْفَائِتِ وَمَا عَجَزَ عَنْهُ ، لِأَنَّ غَايَةَ الْعِتْقِ جِهَةُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ ، وَلَا غَايَةَ بَعْدَهُ ، بِخِلَافِ أُضْحِيَّةٍ نَذَرَ ، لِبَقَاءِ جِهَةِ الْفُقَرَاءِ
الْمُسْتَحَقِّينَ ، وَقِيلَ : قِيمَتُهُ فِي رِقَابٍ .
وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ أَوْ مَكَّةَ وَأَطْلَقَ ، أَوْ قَالَ .
غَيْرَ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ ، لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي أَحَدِهِمَا ، لِأَنَّهُ مَشَى إلَى عِبَادَةٍ ، وَالْمَشْيُ إلَى الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ مَا لَمْ يَنْوِ إتْيَانَهُ ، لَا حَقِيقَةَ مَشْيٍ مِنْ مَكَانِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا ، مُحْتَجًّا بِهِ وَبِمَا لَوْ نَذَرَهُ مِنْ مَحَلِّهِ لَمْ يَجُزْ مِنْ مِيقَاتِهِ عَلَى قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَبْعَدِ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ مِيقَاتِهِ ، وَقِيلَ هُنَا : أَوْ مِنْ إحْرَامِهِ إلَى أَمْنِهِ فَسَادَهُ بِوَطْئِهِ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ فَرَغَ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالتَّحَلُّلَيْنِ ، عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ تَرَكَهُ وَرَكِبَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ، لِأَنَّ الْمَشْيَ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّرْعُ بِمَوْضِعٍ كَنَذْرِ التَّحَفِّي وَنَحْوِهِ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَادِرًا .
وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً ثَالِثَةً : لَا كَفَّارَةَ .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ أَبُو عَامِرٍ ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ ، عَنْ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ : { مَا قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ ، قَالَ : وَقَالَ أَلَا وَإِنَّ مِنْ الْمُثْلَةِ أَنْ يَنْذُرَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرِمَ أَنْفَهُ ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ الْمُثْلَةِ أَنْ يَنْذُرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا ، فَإِذَا نَذَرَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هَدْيًا وَلْيَرْكَبْ } وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ صَالِحٍ ، وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ صَالِحٍ .
وَقَالَ : { فَلْيُهْدِ بَدَنَةً وَلْيَرْكَبْ } .
وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ أَنَّ عِنْدَ ابْنِ مَعِينٍ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ
وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ عَنْ الْحَسَنِ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ، فَذَكَرَ حَدِيثًا سَبَقَ فِي التَّدَاوِي ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : كُنْت أَمْشِي مَعَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، فَذَكَرَ حَدِيثَ { اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ بِهِ ، فَإِنَّ مَنْ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ } وَهَذَا إسْنَادٌ مَشْهُورٌ جَيِّدٌ ، وَشَرِيكٌ حَدِيثُهُ حَسَنٌ .
وَعَنْهُ : دَمٌ .
وَفِي الْمُغْنِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَسْتَأْنِفُهُ مَاشِيًا ، لِتَرْكِهِ صِفَةَ الْمَنْذُورِ ، كَتَفْرِيقِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا .
وَإِنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ فَمَشَى فَالرِّوَايَتَانِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ طَاعَةٍ ، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لَزِمَهُ وَالصَّلَاةُ ، وَيَتَوَجَّهُ مُرَادُهُمْ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ ، لِأَفْضَلِيِّهِ بَيْتِهَا ، وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ حَرَمٍ لَزِمَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ رَكْعَتَانِ ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ وَمَذْهَبُ ( م ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ : مَنْ قَالَ : عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا يَأْتِيهِمَا أَصْلًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا فَلْيَأْتِهِمَا .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ فَمَشَى فَالرِّوَايَتَانِ " ، يَعْنِي اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَبْلُ فِي وُجُوبِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ دَمٍ ، وَقَدَّمَ وُجُوبَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ .
وَإِنْ نَذَرَ الطَّوَافَ فَأَقَلُّهُ أُسْبُوعٌ ، وَإِنْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ فَطَوَافَانِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
قَالَ شَيْخُنَا : هَذَا بَدَلُ وَاجِبٍ ، وَعَنْهُ : وَاحِدٌ ، عَلَى رِجْلَيْهِ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ ( م 9 ) وَمِثْلُهُ نَذَرَ السَّعْيِ عَلَى أَرْبَعٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ .
وَكَذَا لَوْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَنَذْرِهِ صَلَاةً عُرْيَانًا ، أَوْ الْحَجَّ حَافِيًا حَاسِرًا .
أَوْ الْمَرْأَةُ الْحَجَّ حَاسِرَةً وَفِي بِالطَّاعَةِ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ لِتَرْكِهِ الْمَنْهِيَّ وَجْهَانِ .
مَسْأَلَةٌ 9 ) [ قَوْلُهُ ] " وَإِنْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ فَطَوَافَانِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : هَذَا بَدَلٌ وَاجِبٌ ، وَعَنْهُ : وَاحِدٌ ، عَلَى رِجْلَيْهِ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ : بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَقَالَا : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ لِإِخْلَالِهِ بِصِفَةِ نَذْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ( مَسْأَلَةٌ 10 و 11 ) قَوْلُهُ : " وَمِثْلُهُ نَذْرُ السَّعْيِ عَلَى أَرْبَعٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ ، كَنَذْرِهِ صَلَاةً عُرْيَانًا ، أَوْ حَجًّا حَافِيًا حَاسِرًا ، أَوْ الْمَرْأَةُ الْحَجَّ حَاسِرَةً وَفَّى بِالطَّاعَةِ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ لِتَرْكِهِ الْمَنْهِيَّ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ : ( مَسْأَلَةُ 10 ) السَّعْيِ عَلَى أَرْبَعٍ .
( وَمَسْأَلَةُ 11 ) نَذْرُ الطَّاعَةِ عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ .
وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .
وَقَالَ أَيْضًا : فَإِنْ كَانَ حَافِيًا حَاسِرًا كَفَّرَ وَلَمْ يَفْعَلْ الصِّفَةَ ، وَقِيلَ : يَمْشِي مُنْذُ أَحْرَمَ ، انْتَهَى .
وَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَعَدَدَهَا وَقَالَ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْوَفَاءُ بِالطَّاعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَإِلْغَاءٌ لِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَيَخْرُجُ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ ، وَلَكِنْ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِ : يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَلَا يَقْرَأُ ، انْتَهَى .
وَالصَّوَابُ الْإِتْيَانُ بِالطَّاعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ، وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ قَاسَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى
الَّتِي قَبْلَهَا ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ مَا قَبْلَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ
( م 10 و 11 ) وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ هَذَا الْعَامَ فَلَمْ يَحُجَّ ثُمَّ نَذَرَ أُخْرَى فِي الْعَامِ الثَّانِي فَيَتَوَجَّهُ : يَصِحُّ وَأَنَّهُ يَبْدَأُ بِالثَّانِيَةِ لِفَوْتِهَا ، وَيُكَفِّرُ لِتَأْخِيرِ الْأُولَى .
وَفِي الْمَعْذُورِ الْخِلَافُ .
فَصْلٌ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ش ) لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا : يَلْزَمُ ، وَاخْتَارَهُ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مِنْ تَأْجِيلِ الْعَارِيَّةِ وَالصُّلْحِ عَنْ عِوَضِ الْمُتْلِفِ بِمُؤَجَّلٍ ، وَلَمَّا قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ : بِمَ يُعْرَفُ الْكَذَّابُونَ ؟ قَالَ بِخُلْفِ الْمَوَاعِيدِ وَهَذَا مُتَّجَهٌ ، وَقَالَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ ابْنُ شُبْرُمَةَ .
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ : أَجَلْ مَنْ قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِقَوْلِهِ { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ } الْآيَةَ ، وَلِخَبَرِ { آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ } وَحَمْلًا عَلَى وَعْدٍ وَاجِبٍ وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ } وَبِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ { الْعِدَةُ دَيْنٌ } وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَالْبَرْقَانِيُّ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى { وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ يُخْلِفُهُ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { ثُمَّ لَا يَفِي لَهُ } ، { فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ } وَفِيهِ { وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ } وَفِيهِ عُبَيْدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيُّ ، رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : مَجْهُولٌ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَا تُمَارِ أَخَاك وَلَا تُمَازِحْهُ وَلَا تَعِدْهُ ثُمَّ تُخْلِفْهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْكَذِبِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ كَقَوْلِهِ { سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ لَمَّا قِيلَ لَهُ : إنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ عُوقِبُوا عَلَى تَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْقَسَمِ ، قَالَ : لَا ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ ، وَعَلَى أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَيْهِمَا .
وَمَذْهَبُ ( م ) : يَلْزَمُ لِسَبَبٍ ، كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ
تَزَوَّجْ وَأُعْطِيك كَذَا ، وَاحْلِفْ لَا تَشْتُمْنِي وَلَك كَذَا ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي وَقَّاصٍ وَلَا يُعْرَفَانِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا { إذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ وَلَمْ يَجِئْ لِلْمِيعَادِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَتَقَدَّمَ آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ الْعَهْدُ وَأَنَّهُ غَيْرُ الْوَعْدِ ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ وَالْأَمَانِ وَالذِّمَّةِ وَالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَفِي سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ { وَإِنَّا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتَطَعْت } قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : الْعَهْدُ الَّذِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ الَّذِي يَحْسُنُ فِعْلُهُ ، وَالْوَعْدُ مِنْ الْعَهْدِ .
وَقَالَ فِي { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ } : عَامٌّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَبَيْنَ النَّاسِ ، ثُمَّ قَالَ الزَّجَّاجُ : كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ فَهُوَ مِنْ الْعَهْدِ .
كِتَابُ الْقَضَاءِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْإِمَامِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ { أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ } ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاحْتِمَالِ ، وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهَا دِينًا وَقُرْبَةً ، فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ ، وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الْأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا ، وَمَنْ فَعَلَ مَا يُمْكِنُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ } .
وَعَنْهُ : سُنَّةً ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَعَنْهُ : لَا يُسَنُّ دُخُولُهُ فِيهِ ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا يُعْجِبُنِي ، هُوَ أَسْلَمُ ، وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { لَيَأْتِيَن عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ } .
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يُنَصِّبَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا ، أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا ، وَيَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَتَحَرِّي الْعَدْلَ ، وَأَنْ يَسْتَخْلِفَ بِكُلِّ صُقْعٍ أَصْلَحَ مَنْ يَجِدُ لَهُمْ .
وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ : عَلَى الْإِمَامِ نَصْبُ مَنْ يَكْتَفِي بِهِ ، وَمَنْ طَلَبَ وَلَمْ يُوثَقْ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ أَهَمَّ مِنْهُ تَعَيَّنَ ، وَقِيلَ : وَيَلْزَمُهُ طَلَبُهُ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنْ كَانَ فِيهِ غَيْرُ أَهْلٍ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إزَالَتَهُ أُثِيبَ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ لِيَخْتَصَّ بِالنَّظَرِ أُبِيحَ ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ تَمْكِينِهِ فَاحْتِمَالَانِ .
وَقِيلَ : يَحْرُمُ بِخَوْفِهِ مَيْلًا ، وَإِنْ وَثِقَ بِغَيْرِهِ فَيَتَوَجَّهُ ، كَالشَّهَادَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ ( م 1 ) فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ ، وَعَنْهُ : لَا ، لِقَصْدِ الْحَقِّ وَدَفْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ .
وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ : بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَنْ .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ :
وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ : يَحْرُمُ بِدُونِهِ ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لِقَصْدِ الْمَنْزِلَةِ وَالْمُبَاهَاةِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ طَائِفَةٌ كَرِهَتْهُ إذَنْ ، وَطَائِقَةٌ لَا .
قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ } وَالْمُرَادُ : إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلٌ لَهُ وَإِلَّا حَرُمَ ، وَقَدَحَ فِيهِ ( و ش ) وَغَيْرُهُمْ ، وَإِنْ طَلَبَ لَمْ يُجَبْ ، وَقِيلَ : الْإِجَابَةُ أَفْضَلُ إنْ أَمِنَ نَفْسَهُ ، وَقِيلَ : مَعَ خُمُولِهِ ، وَقِيلَ : أَوْ فَقْرِهِ ، وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد : الرَّجُلُ فِي الْغَزْوِ يُرِيدُ الْوَالِي يَجْعَلُهُ عَلَى الثُّغَرِ أَوْ عَلَى ضُعَفَاءَ ، وَهُوَ لَا يُحِبُّ يَعْرِفُهُ الْوَالِي ، قَالَ : لَا بَأْسَ ، فَرَاجَعْته فَقَالَ : أَرَى إنْ كَانَ عِنْدَهُ نَجْدَةٌ يَرْجُو أَنْ يَنْجُوَا بِسَبَبِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ ، مَا أَحْسَنَهُ .
كِتَابُ الْقَضَاءِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ وَثِقَ بِغَيْرِهِ فَيَتَوَجَّهُ كَالشَّهَادَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ " ، انْتَهَى .
( قُلْت ) الصَّوَابُ التَّرْكُ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ الْآنَ
وَيَحْرُمُ بَذْلُ مَالٍ فِيهِ وَأَخْذُهُ وَطَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ .
وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمْ الْكَرَاهَةُ بِالطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَوْلِيَةُ الْحَرِيصِ ، وَلَا يَنْفِي أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ : يُكْرَهُ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { إنَّا وَاَللَّهِ لَا نُوَلِّي هَذَا الْعَمَلَ أَحَدًا سَأَلَهُ ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ } وَقَدْ قَالَ فِي الْغُنْيَةِ فِي إمَامِ الصَّلَاةِ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إمَامًا مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا وَلَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ لِمَا رَآهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِقَوْمِهِ لَا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ، وَيَصِحُّ وِلَايَةُ مَفْضُولٍ ، وَقِيلَ : لِلْمَصْلَحَةِ .
وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ تَوْلِيَةُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ ، وَأَنْ يُعْرَفَ الْمُوَلَّى صَالِحًا لِلْقَضَاءِ ، وَتَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ وَبَلَدٍ ، وَعَنْهُ : وَعَدَالَةُ الْمُوَلَّى وَعَنْهُ : سِوَى الْإِمَامِ .
وَصَرِيحُ التَّوْلِيَةِ : وَلَّيْتُك الْحُكْمَ ، أَوْ قَلَّدْتُكَهُ ، أَوْ فَوَّضْت ، أَوْ رَدَدْت ، أَوْ جَعَلْت إلَيْك الْحُكْمَ ، أَوْ اسْتَخْلَفْتُك ، أَوْ اسْتَنَبْتُكَ فِي الْحُكْمِ ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُهَا وَقَبِلَ الْمُوَلَّى الْحَاضِرُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ الْغَائِبُ بَعْدَهُ ، وَالْأَصَحُّ أَوْ شَرَعَ غَائِبٌ فِي الْعَمَلِ انْعَقَدَتْ .
وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ : يَشْتَرِطُ فَوْرِيَّةَ الْقَبُولِ مَعَ الْحُضُورِ .
وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ : اعْتَمَدْت ، أَوْ عَوَّلْت عَلَيْك ، وَوَكَّلْت ، أَوْ أَسْنَدْت إلَيْك ، فَتَنْعَقِدُ بِقَرِينَةٍ ، نَحْوُ : فَاحْكُمْ .
وَالْأَوْلَى مُكَاتَبَتُهُ بِهَا إنْ كَانَ بِبَلَدٍ آخَرَ .
وَتَثْبُتُ بِشَاهِدِينَ ، وَالْأَصَحُّ : وَبِاسْتِفَاضَةٍ مَعَ قُرْبِ مَا بَيْنَهُمَا ، كَخَمْسَةِ أَيَّامٍ ، وَأَطْلَقَ الْآدَمِيُّ : وَاسْتِفَاضَةٌ ، وَظَاهِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ .
فَصْلٌ وَتُقَيَّدُ وِلَايَةُ الْحُكْمِ الْعَامَّةِ ، وَيَلْزَمُ بِهَا فَصْلُ الْخُصُومَةِ ، وَأَخْذُ الْحَقِّ وَدَفْعُهُ لِرَبِّهِ ، وَالْحَجْرُ لِفَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ ، وَالنَّظَرُ فِي مَالِ غَيْرِ رَشِيدٍ ، وَالنَّظَرُ فِي وُقُوفِ عَمَلِهِ لِيَعْمَلَ بِشَرْطِهَا ، وَفِي مَصَالِحِ طُرُقِ عَمَلِهِ وَأَفْنِيَتِهِ ، وَتَنْفِيذُ الْوَصَايَا ، وَتَزْوِيجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ، وَتَصَفُّحُ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ ، وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ مَا لَمْ يُخَصَّا بِإِمَامٍ ، وَكَذَا جِبَايَةُ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَقِيلَ : فِي الْخَرَاجِ ، قَالَ التَّبْصِرَةُ : وَالِاحْتِسَابُ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ وَإِلْزَامُهُمْ بِالشَّرْعِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْوِلَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا ، بَلْ يُتَلَقَّى مِنْ اللَّفْظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : أَمِيرُ الْبَلَدِ إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَدَبِ ، وَلَيْسَ إلَيْهِ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالْحُدُودُ وَالرَّجْمُ ، إنَّمَا يَكُونُ هَذَا إلَى الْقَاضِي .
وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ ، وَأَنْ يُوَلِّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِيهِمَا ، فَيُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ أَوْ خَاصَّهُ بِمَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي مُقِيمٍ بِهَا وَطَارِئٍ إلَيْهَا فَقَطْ ، وَلَا يَسْمَعُ بَيِّنَةً فِي غَيْرِ عَمَلِهِ وَهُوَ مَحَلُّ حُكْمِهِ ، وَتَجِبُ إعَادَةُ الشَّهَادَةِ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا ، كَتَعْدِيلِهَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَلَهُ تَوْلِيَةُ حَاكِمَيْنِ فَأَكْثَرَ بِبَلَدٍ ، قِيلَ : إنْ اتَّحَدَ عِلْمُهُمَا ، وَقِيلَ : أَوْ الزَّمَنُ أَوْ الْمَحَلُّ فَلَا ، وَيُقَدَّمُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَلَوْ عِنْدَ نَائِبٍ ( و ) فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ ثُمَّ الْقُرْعَةُ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا .
قَالَ حَرْمَلَةُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَوْ لَا شُعْبَةُ مَا عُرِفَ الْحَدِيثُ بِالْعِرَاقِ ، كَانَ يَجِيءُ إلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَهُ لَا تُحَدِّثْ وَإِلَّا اسْتَعْدَيْت
عَلَيْك السُّلْطَانَ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُقَدَّمُ مِنْهُمَا مَنْ طَلَبَ حُكْمَ الْمُسْتَنِيبِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ تَنَازَعَا أَقَرَعَ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ كَانَا فِي الْحَاجِزِ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ لَيْسَ الْحَاكِمُ فِي وِلَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمَا فَإِلَى الْوَالِي الْأَعْظَمُ .
وَقَالَ شَافِعِيٌّ : أَيُّهُمَا سَبَقَ إلَيْهِ بِالدَّعْوَى تَعَيَّنَ حُكْمُهُ عَلَى الْخَصْمِ ، وَلَا وَجْهَ لَهُ ، لِأَنَّ الْمَكَانَ لَيْسَ تَحْتَ وِلَايَتِهِمَا ، فَلَا عَدْوَى .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنِ الْقَاضِي بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا مُسْلِمًا عَدْلًا ، وَلَوْ تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : إنْ فُسِّقَ بِشُبْهَةٍ فَوَجْهَانِ ، مُتَكَلِّمًا سَمِيعًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْفَرَجِ فِي كُتُبِهِ كَوْنَهُ بَالِغًا .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ : لَا نَعْرِفُ فِيهِ رِوَايَةً فَإِنْ سَلِمَ .
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ ، وَإِنْ سَلِمَ ، بَصِيرًا حُرًّا ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ ، وَقِيلَ بِهِ فِي عَبْدٍ ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ .
وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ : بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، مُجْتَهِدًا إجْمَاعًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ ، وَأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ فَلَا يَحْكُمُ وَلَا يُفْتِي إلَّا بِقَوْلِهِ .
وَفِي الْإِفْصَاحِ : أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ، وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ ، وَيَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ لُزُومُ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ ، وَجَوَازُ الِانْتِقَالِ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ : النِّسْبَةُ إلَى إمَامٍ فِي الْفُرُوعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ ، فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ ، وَاتِّفَاقَهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ ، قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مَا فَهِمَهُ هَذَا ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ : رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ } ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْوَصَايَا ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْبِرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ الضَّحَّاكِ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَلْقَهُ مَرْفُوعًا { مَهْمَا أُوتِيتُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَالْعَمَلُ بِهِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَسُنَّةِ نَبِيٍّ مَاضِيَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّةُ نَبِيٍّ فَمَا قَالَ أَصْحَابِي ، إنَّ أَصْحَابِي بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ فَأَيُّهَا أَخَذْتُمْ بِهِ اهْتَدَيْتُمْ ،
وَاخْتِلَافُ أَصْحَابِي لَكُمْ رَحْمَةٌ } ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْبِرٍ أَيْضًا عَنْ جَوَابِ ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا بِنَحْوِهِ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : حَدِيثٌ مَشْهُورٌ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ إسْنَادٌ .
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ الدَّارِمِيَّ صَحَّحَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنِي أُبَيٌّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَقُولُ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَلِفُوا لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا لَمْ تَكُنْ رُخْصَةٌ .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ لِعِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : أَهْلُ الْعِلْمِ أَهْلُ تَوْسِعَةٍ .
وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ : وَمُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ ، لِلضَّرُورَةِ ، وَاخْتِيَارٌ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرِّعَايَةِ : أَوْ مُقَلِّدًا ، وَقِيلَ فِيهِ : يُفْتِي ضَرُورَةً .
وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ : مَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ لِأَحْمَدَ يُفْتِي بِهَا ، وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ : يُفْتِي غَيْرُ مُجْتَهِدٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَحَمَلَهُ شَيْخُنَا عَلَى الْحَاجَةِ .
نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ عِنْدَهُ كَتَبَ فِيهَا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ : لَا يَجُوزُ عَمَلُهُ وَقَضَاؤُهُ بِمَا يَشَاءُ حَتَّى يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ ، فَعَلَى هَذَا يُرَاعِي أَلْفَاظَ إمَامِهِ وَمُتَأَخِّرِهَا ، وَيُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ ، لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الظَّاهِرِ عَنْهُ ، فَيَتَوَجَّهُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ الْخِلَافُ فِي مُجْتَهِدٍ ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْأَثْرَمُ : قَوْمٌ يُفْتُونَ هَكَذَا يَتَقَلَّدُونَ قَوْلَ الرَّجُلِ وَلَا يُبَالُونَ بِالْحَدِيثِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ لِأَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ : أَلَا تَعْجَبُ ؟ يُقَالُ لِلرَّجُلِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَقْنَعُ ، وَقَالَ فُلَانٌ فَيَقْنَعُ .
وَقَالَ لَهُ أَبُو دَاوُد : الرَّجُلُ يَسْأَلُ أَدِلَّةً عَلَى إنْسَانٍ يَسْأَلُهُ ، قَالَ : إذَا كَانَ يُفْتِي بِالسُّنَّةِ لَا يُعْجِبُنِي رَأْيُ أَحَدٍ .
نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : عَجَبًا لِقَوْمٍ عَرَفُوا الْإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ يَدَعُونَهُ وَيَذْهَبُونَ إلَى رَأْيِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } الْفِتْنَةُ الْكُفْرُ .
وَيَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِالْهَوَى إجْمَاعًا ، وَبِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ ، إجْمَاعًا ، وَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ ، إجْمَاعًا ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَارِفًا بِالْكِتَابَةِ .
وَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَابْنُ رَزِينٍ وَشَيْخُنَا : وَرِعًا ، وَقِيلَ : وَزَاهِدًا ، وَأَطْلَقَ فِيهِمَا فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا مُغَفَّلًا ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ : لَا بَلِيدًا .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا نَافِيًا لِلْقِيَاسِ ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ : الْقُوَّةُ وَالْأَمَانَةُ ، فَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ تَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ وَتَنْفِيذِ الْحُكْمِ ، وَالْأَمَانَةُ تَرْجِعُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ .
وَيَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ وَأَنَّ عَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ ، فَيُوَلِّي لِعَدَمٍ أَنْفَعَ الْفَاسِقِينَ وَأَقَلِّهِمَا شَرًّا ، وَأَعْدَلَ الْمُقَلِّدِينَ وَأَعْرَفَهُمَا بِالتَّقْلِيدِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، فَإِنَّ الْمَرُّوذِيَّ نَقَلَ فِيمَنْ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ : يَصِيرُ الْحُكْمُ إلَى أَعْدِلَ مِنْهُ ، قَالَ شَيْخُنَا : قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا فَاسِقٌ عَالِمٌ ، أَوْ جَاهِلُ دِينٍ قُدِّمَ مَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرُ إذَنْ ، وَقَدْ وَجَدْت بَعْضَ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا فِي زَمَنِنَا كَتَبَ لِلْأُنْسِ بِهِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيُّ : لِوِلَايَةِ أُنْثَى تَكْبُرُ وَتَصْغُرُ بِوَالِيهَا ، وَمَطِيَّةٍ تَحْسُنُ وَتَقْبُحُ بِمُمْتَطِيهَا .
فَالْأَعْمَالُ بِالْعُمَّالِ كَمَا أَنَّ النِّسَاءَ بِالرِّجَالِ ، وَالصُّدُورُ مَجْلِسُ ذَوِي الْكَمَالِ .
وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، فَالشَّابُّ الْمُتَّصِفُ بِالصِّفَاتِ كَغَيْرِهِ ، لَكِنَّ الْأَسَنَّ أَوْلَى مَعَ التَّسَاوِي ، وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِحُسْنِ الْخَلْقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَمَنْ كَانَ أَكْمَلُ فِي الصِّفَاتِ .
وَيُوَلَّى الْمُوَلَّى مَعَ أَهْلِيَّتِهِ ، وَكَانَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ خِلَافًا لِلْوَاقِدِيِّ عَامِلًا لِعُمَرَ ، عَلَى مَكَّةَ ، فَلَقِيَهُ بِعُسْفَانَ ، فَقَالَ لَهُ : مَنْ اسْتَعْمَلْت عَلَى أَهْلِ الْوَادِي ؟ يَعْنِي مَكَّةَ ، لِأَنَّ الْوَادِيَ مُنْفَرِجٌ مَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، فَقَالَ : ابْنُ أَبْزَى يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى مَوْلَى نَافِعٍ هَذَا ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى ؟ فَقَالَ : مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا ، فَقَالَ : اسْتَخْلَفْت عَلَيْهِمْ مَوْلًى ؟ فَقَالَ : إنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ ، عَالَمٌ بِالْفَرَائِضِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَمَا إنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ } رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ ، وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ : عَالَمٌ بِالْفَرَائِضِ .
" قَاضٍ " وَلَا يَمْنَعُ ذَهَابُ عَيْنِ وِلَايَةِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا .
فَصْلٌ وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ يَعْرِفُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْحَقِيقِيَّةَ وَالْمَجَازَ ، وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ ، وَالْمُبَيَّنَ وَالْمُجْمَلَ ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ ، وَالْعَامَّ وَالْخَاصَّ ، وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ ، وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ ، وَالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَصَحِيحَ السُّنَّةِ وَسَقِيمَهَا ، وَتَوَاتُرَهَا وَآحَادَهَا ، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ ، وَالْمُجْمَعَ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ ، وَالْقِيَاسَ وَشُرُوطَهُ وَكَيْفَ يَسْتَنْبِطُ ، وَالْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِحِجَازٍ وَشَامٍ وَعِرَاقٍ .
فَمَنْ عَرَفَ أَكْثَرَهُ صَلُحَ لَلْفَتَيَا وَالْقَضَاءِ ، وَقِيلَ : وَيَعْرِفُ أَكْثَرَ الْفِقْهِ ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ : مَنْ حَصَّلَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا .
وَعَنْهُ : يَجُوزُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَهُ لِخَوْفِهِ عَلَى خُصُومٍ مُسَافِرِينَ فَوْتُ رُفْقَتِهِمْ فِي الْأَصَحِّ ، وَيَتَجَزَّأُ الِاجْتِهَادُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : فِي بَابٍ لَا مَسْأَلَةٍ .
وَيَلْزَمُ وَلِيَّ الْأَمْرِ مَنْعُ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا ، قَالَ شَيْخُنَا : وَأَكْثَرُ مَنْ تَمَيَّزَ فِي الْعِلْمِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِينَ إذَا نَظَرَ وَتَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الْفَرِيقَيْنِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ ، وَنَظَرٍ تَامٍّ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا ، لَكِنْ قَدْ لَا يَثِقُ بِنَظَرِهِ ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَعْرِفُ جَوَابَهُ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مُوَافَقَتُهُ لِلْقَوْلِ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِلَا دَعْوَى مِنْهُ لِلِاجْتِهَادِ ، كَمُجْتَهِدٍ فِي أَعْيَانِ الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا قَلَّدَهُ .
وَالدَّلِيلُ الْخَاصُّ الَّذِي يُرَجِّحُ بِهِ قَوْلًا عَلَى قَوْلٍ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ دَلِيلٍ عَامٍ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ .
وَعِلْمُ أَكْثَرِ النَّاسِ بِتَرْجِيحِ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ أَيْسَرُ مِنْ عِلْمِ أَحَدِهِمْ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ ، لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ .
وَيَجِبُ أَنْ يُنَصِّبَ اللَّهُ عَلَى الْحُكْمِ دَلِيلًا ، وَأَدِلَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ، وَتَكَلَّمَ فِيهَا الصَّحَابَةُ إلَى الْآنَ بِقَصْدٍ حَسَنٍ ، بِخِلَافِ الْإِمَامَيْنِ .
وَقَالَ أَيْضًا : النَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ وَأَدِلَّتَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَهُ مَا يَعْرِفُ بِهِ رُجْحَانَ الْقَوْلِ ، قَالَ : وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ وَغَيْرِهِ أَنْ يَبْتَدِئَ النَّاسَ بِقَهْرِهِمْ عَلَى تَرْكِ مَا يُسَوِّغُ وَإِلْزَامِهِمْ بِرَأْيِهِ وَاعْتِقَادِهِ ، اتِّفَاقًا ، فَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ وَأَفْضَى إلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ .
نَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَبِّهَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إلَّا رَجُلٌ عَالِمٌ كَبِيرٌ يَعْرِفُ كَيْفَ يُشَبِّهُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : لَا يَجُوزُ الِاخْتِيَارُ إلَّا لِعَالِمٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُمَيِّزٍ ، فَيَخْتَارُ الْأَقْرَبَ وَالْأَشْبَهَ بِهِمَا فَيَعْمَلُ بِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ حَاكِمًا ، وَلَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ
يَحْكُمَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ ، حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَعَامِّهِ وَخَاصِّهِ ، وَفَرْضِهِ وَأَدَبِهِ ، عَالِمًا بِالسُّنَنِ وَأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، عَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ ، عَاقِلًا ، يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُشْتَبِهِ ؛ وَيَعْقِلُ الْقِيَاسَ ، عَدْلًا ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَاشْتَرَطَ فِي الْقَدِيمِ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا كَيْفَ يَأْخُذُ الْأَحَادِيثَ ، فَلَا يَرُدُّ مِنْهَا ثَابِتًا ، وَلَا يُثْبِتُ مِنْهَا ضَعِيفًا ، وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : مَتَى يُفْتِي الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ : إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَثَرِ ، بَصِيرًا بِالرَّأْيِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إمَامًا حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِمَّا لَا يَصِحُّ ، حَتَّى لَا يَحْتَجَّ بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مَخَارِجَ الْعِلْمِ .
وَفِي وُجُوبِ تَقْدِيمِ مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ عَلَى أُصُولِهِ وَجْهَانِ ( م 2 ) .
وَيُقَلِّدُ الْعَامِّيُّ مَنْ ظَنَّهُ عَالِمًا .
فَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ فَوَجْهَانِ ( م 3 ) وَمَيِّتًا ، فِي الْأَصَحِّ ، وَالْعَامِّيُّ يُخْبِرُ فَقَطْ فَيَقُولُ : مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .
وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا : النَّاظِرُ الْمُجَرِّدُ يَكُونُ حَاكِيًا لِمَا رَآهُ لَا مُفْتِيًا .
وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ إنْ كَانَ الْفَقِيهُ مُجْتَهِدًا يَعْرِفُ صِحَّةَ الدَّلِيلِ كَتَبَ الْجَوَابَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الدَّلِيلَ قَالَ : مَذْهَبُ أَحْمَدَ كَذَا ، مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا ، فَيَكُونُ مُخْبِرًا لَا مُفْتِيًا .
وَفِي الْمُغْنِي إنْ قِيلَ الْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا سَمِعَ ، قُلْنَا : لَيْسَ إذًا مُفْتِيًا ، بَلْ مُخْبِرٌ ، فَيَحْتَاجُ يُخْبِرُ عَنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مُجْتَهِدٍ فَيَكُونُ مَعْمُولًا بِخَبَرِهِ لَا بِفُتْيَاهُ ، بَحَثَهُ لَمَّا اعْتَبَرَ الِاجْتِهَادَ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " وَفِي وُجُوبِ تَقْدِيمِ [ مَعْرِفَةِ ] الْفِقْهِ عَلَى أُصُولِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) يَجِبُ تَقْدِيمُ مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي : وَهُوَ أَوْلَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَجِبُ تَقْدِيمُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا ، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي : وَقَدْ أَوْجَبَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمَ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى فُرُوعِهِ ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا فِي أَوَائِلِ كُتُبِهِمْ الْفُرُوعِيَّةِ .
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ : أَبْلَغُ مَا تَوَصَّلَ بِهِ إلَى أَحْكَامِ الْأَحْكَامِ إتْقَانُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَطَرَفٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ الْقَاضِي شَرَفُ الدِّينِ مِنْ قَاضِي الْجَبَلِ فِي أُصُولِهِ تَبَعًا لِمُسْوَدَّةِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى : تَقْدِيمُ مَعْرِفَتِهَا عَلَى الْفُرُوعِ أَوْلَى عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ ، ( قُلْت ) : فِي غَيْرِ فَرْضِ الْعَيْنِ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ عَكْسُهُ ، انْتَهَى .
فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْوُجُوبِ ، وَهُوَ أَوْلَى كَلَامِ غَيْرِهِمْ فِي الْوُجُوبِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قُلْنَا .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : " وَيُقَلِّدُ الْعَامِّيُّ مَنْ ظَنَّهُ عَالِمًا ، فَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ فَوَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) عَدَمُ الْجَوَازِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، نَصَرَهُ الشَّيْخُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَقَدَّمَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَالْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) الْجَوَازُ قَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي ، ( قُلْت ) : وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ هَلْ هُوَ الْعَدَالَةُ أَوْ الْفِسْقُ ، وَقَدْ نَقَلْت فِي ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْإِنْصَافِ فِي بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ، فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَطْلُبْهُ هُنَاكَ
وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا ( بِبَلَدِهِ ) وَغَيْرِهِ فَحُكْمُهُ مَا قِيلَ : الشَّرْعُ .
وَقِيلَ يُفْتِي مَسْتُورُ الْحَالِ ، وَيُفْتِي الْفَاسِقُ نَفْسَهُ ، وَيَحْرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ وَتَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ : قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : أَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَنْ يَتَهَجَّمُ فِي الْمَسَائِلِ وَالْجَوَابَاتِ : وَقَالَ : لِيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدٌ وَلْيَنْظُرْ مَا يَقُولُ ، فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ : وَقَالَ : يَتَقَلَّدُ أَمْرًا عَظِيمًا : وَقَالَ عَرَّضَهَا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَجِيءُ ضَرُورَةٌ ، قَالَ الْحَسَنُ : إنْ تَرَكْنَاهُمْ وَكَّلْنَاهُمْ إلَى غَيْرِ سَدِيدٍ : وَقَالَ شَيْخُنَا : لَا يَجُوزُ اسْتِفْتَاءٌ إلَّا مِمَّنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى .
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ عَنْهُ : لَسْت أُفْتِي فِي الطَّلَاقِ بِشَيْءٍ .
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ سُئِلَ عَمَّنْ يُفْتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ قَالَ : يُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى : يَمْرُقُ مِنْ دِينِهِ .
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ ذَكَرَ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ ، يُنْقِلُ عَنْ الْمِلَّةِ .
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَ .
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي اللِّعَانِ فَقَالَ : مَثِّلْ رَحِمَك اللَّهُ عَمَّا تَنْتَفِعُ بِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : دَعْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ خُذْ فِيمَا فِيهِ حَدِيثٌ : وَقَالَ شَيْخُنَا : فِيمَنْ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَوْلَدَ أَمَةً ثُمَّ وَقَفَهَا فِي حَيَاتِهِ هَلْ يَكُونُ وَقْفًا بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ قَالَ : السَّائِلُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الَّذِي يَزْجُرُهُ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْجُهَّالِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ .
فَإِنَّ هَذَا السَّائِلَ إنَّمَا قَصَدَ التَّغْلِيطَ لَا الِاسْتِفْتَاءَ ، وَقَدْ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُغْلُوطَاتِ الْمَسَائِلِ } ، إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا لَكَانَ حَقُّهُ
أَنْ يَقُولَ هَلْ يَصِحُّ وَقْفُهَا أَمْ لَا ؟ أَمَّا سُؤَالُهُ عَنْ الْوَقْفِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَطْ مَعَ ظُهُورِ حُكْمِهِ فَتَلْبِيسٌ عَلَى الْمُفْتِي ، وَتَغْلِيطُ حَتَّى أَظُنَّ أَنَّ وَقْفَهَا فِي الْحَيَاةِ صَحِيحٌ .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ قَوْلِ أَبِي مُوسَى : { سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا ، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ } .
الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ : يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ كَثْرَةِ السُّؤَالِ ، قَالَ : وَلَا أَرَى ذَلِكَ مَكْرُوهًا إلَّا السُّؤَالَ عَمَّا لَا يَعْنِي ، أَوْ تَصْوِيرَ أَحْدَاثٍ لَمْ تَقَعْ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا إلَّا نَادِرًا ، فَلَا يُشْغَلُ بِهَا الْوَقْتُ الْعَزِيزُ ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِأَجْلِهَا عَنْ أَهَمَّ مِنْهَا .
وَإِنْ اعْتَدَلَ عِنْدَهُ قَوْلَانِ وَقُلْنَا : يَجُوزُ أَفْتَى بِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْأَحْوَطُ .
وَلَهُ تَخْيِيرُ مَنْ أَفْتَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ ، رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقِيلَ : يَأْخُذُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَوْ كَانَ أَرْجَحَ ، سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ، أَدُلُّهُ عَلَى إنْسَانٍ يَسْأَلُهُ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ الَّذِي أَرْشَدَ إلَيْهِ يَتَّبِعُ وَيُفْتِي بِالسُّنَّةِ ، فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُ يُرِيدُ الِاتِّبَاعَ وَلَيْسَ كُلُّ قَوْلِهِ يُصِيبُ ، قَالَ : وَمَنْ يُصِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ؟ قُلْت : يُفْتِي بِرَأْيِ مَالِكٍ ؟ قَالَ : لَا يُتَقَلَّدْ مِنْ مِثْلِ هَذَا بِشَيْءٍ .
وَمُرَادُهُ أَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ أَحْمَدَ غَايَةٌ ، وَلِهَذَا نَقَلَ أَبُو دَاوُد ، وَعَنْهُ : مَالِكٌ أَتْبَعُ مِنْ سُفْيَانَ .
وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا : لَا يُعْجِبُنِي رَأْيُ مَالِكٍ وَلَا رَأْيُ أَحَدٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرُّ الْمَكْتُومُ : هَذِهِ الْفُصُولُ هِيَ أُصُولُ الْأُصُولِ ( وَهِيَ ) ظَاهِرَةُ الْبُرْهَانِ ، لَا يَهُولَنك مُخَالَفَتُهَا لِقَوْلٍ مُعَظَّمٍ فِي النَّفْسِ وَلِطَعَامٍ وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَتَظُنُّ أَنَّا نَظُنُّ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ عَلَى الْخَطَإِ وَأَنْتَ
عَلَى الصَّوَابِ ؟ فَقَالَ : إنَّهُ مَلْبُوسٌ عَلَيْك ، اعْرَفْ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ .
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ كَذَا ، فَقَالَ : إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ السَّمَاءِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : مِنْ ضِيقٍ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : وَقَالَ أَيْضًا : لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى أَقْوَمِ مِنْهَاجٍ ، وَأَحْسَنِ الْآدَابِ ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ ، ثُمَّ دَخَلَتْ آفَاتٌ وَبِدَعٌ ، فَأَكْثَرُ السَّلَاطِينِ يَعْمَلُونَ بِأَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ ، لَا بِالْعِلْمِ ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ سِيَاسَةً ، وَالسِّيَاسَةُ هِيَ الشَّرِيعَةُ .
وَالتُّجَّارُ يَدْخُلُونَ فِي الرِّبَا وَلَا يَعْلَمُونَ وَقَدْ يَعْلَمُونَ وَلَا يُبَالُونَ ، وَصَارَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي تَخْلِيطٍ ، مِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى صُورَةِ الْعِلْمِ وَيَتْرُكُ الْعَمَلَ بِهِ ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يُسَامَحُ لِكَوْنِهِ عَالِمًا ، وَقَدْ نَسِيَ أَنَّ الْعِلْمَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ لِلرِّيَاسَةِ لَا لِلْعَمَلِ بِهِ ، فَيُنَاظِرُ ، وَمَقْصُودُهُ الْغَلَبَةُ لَا بَيَانُ الْحَقِّ ، فَيَنْصُرُ الْخَطَأَ ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَجْتَرِئُ عَلَى الْفُتْيَا وَمَا حَصَّلَ شُرُوطَهَا ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُدَاخِلُ السَّلَاطِينَ فَيَتَأَذَّى هُوَ مِمَّا يَرَى مِنْ الظُّلْمِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ ، وَيَتَأَذَّى فَيَقُولُ : لَوْلَا أَنِّي عَلَى صَوَابٍ مَا جَالَسَنِي هَذَا ، وَيَتَأَذَّى ، الْعَوَامُّ بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ : لَوْلَا أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ قَرِيبٌ مَا خَالَطَهُ هَذَا الْعَالِمُ ، وَرَأَيْت الْأَشْرَافَ يَثِقُونَ بِشَفَاعَةِ آبَائِهِمْ وَيَنْسَوْنَ أَنَّ الْيَهُودَ بَنُو إسْرَائِيلَ ، وَرَأَيْت الْقُصَّاصَ لَا يَنْظُرُونَ فِي الصَّحِيحِ ، وَيَبِيعُونَ بِسُوقِ الْوَقْتِ وَرَأَيْت أَكْثَرَ الْعِبَادِ عَلَى غَيْرِ الْجَادَّةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّ قَصْدُهُ ، وَلَا يَنْظُرُونَ فِي سِيرَةِ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ ، وَلَا فِي أَخْلَاقِ الْأَئِمَّةِ
الْمُقْتَدَى بِهِمْ ، بَلْ قَدْ وَضَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ لَهُمْ كُتُبًا فِيهِ رَقَائِقُ قَبِيحَةٌ ، وَأَحَادِيثُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ ، وَوَاقِعَاتٌ تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ ، مِثْلُ كُتُبِ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ ، فَيَسْمَعُ الْمُبْتَدِئُ ذَمَّ الدُّنْيَا وَلَا يَدْرِي مَا الْمَذْمُومُ ، فَيَتَصَوَّرُ ذَمَّ ذَاتِ الدُّنْيَا ، فَيَنْقَطِعُ فِي الْجَبَلِ ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْبَلُّوطِ وَالْكُمَّثْرَى أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الْعَدَسِ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يُرْفِقَ بِالنَّاقَةِ لِيَصِلَ .
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَا نَنْقُلُ عَنْ أَبِي يَزِيدَ [ وَدَاوُد الطَّائِيِّ وَبِشْرٌ وَغَيْرُهُمْ فَحَلَفَ أَبُو يَزِيدَ ] لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ سَنَةً .
وَكَانَ دَاوُد يَشْرَبُ الْمَاءَ الْحَارَّ مِنْ دَنٍّ ، وَيَقُولُ بِشْرٌ : أَشْتَهِي مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً الشِّوَاءَ فَمَا صَفَا لِي دِرْهَمَهُ ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ وَقَالَ : التَّقْلِيدُ لِلْأَكَابِرِ أَفْسَدَ الْعَقَائِدَ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَاظَرَ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ ، إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّبِعَ الدَّلِيلَ ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَخَذَ فِي الْجَدِّ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَخَالَفَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : اعْرَفْ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَلِمَاتٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ فَقَالَ : وَقَفْنَا فِي ثَنِيَّاتِ الطَّرِيقِ ، عَلَيْك مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ، وَتَكَلَّمَ أَحْمَدُ فِي الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ ، وَبَلَغَهُ عَنْ سَرِيٍّ السَّقَطِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُرُوفَ وَقَفَ الْأَلِفُ وَسَجَدَتْ الْبَاءُ .
فَقَالَ : نُفِّرُوا النَّاسَ عَنْهُ ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّ عَلَى مَالِكٍ .
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَزَهِّدِينَ ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ ، وَلَا سَلَكُوا مَا رَتَّبَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي
الرِّيَاضَةِ .
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَزَهِّدِينَ إنْ رَأَوْا عَالِمًا لَبِسَ ثَوْبًا جَمِيلًا أَوْ تَزَوَّجَ مُسْتَحْسَنَةً أَوْ ضَحِكَ ، عَابُوهُ ، وَهَذَا فِي أَوَائِلِ الصُّوفِيَّةِ ، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَعْرِفُونَ التَّعَبُّدَ وَلَا التَّقَلُّلَ ، وَقَنَعُوا فِي إظْهَارِ الزُّهْدِ بِالْقَمِيصِ الْمُرَقَّعِ ، فَمَا الْعَجَبُ فِي نِفَاقِهِمْ ، إنَّمَا الْعَجَبُ نِفَاقُهُمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي قَوْله تَعَالَى { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } وَكَيْفَ لَا يُوصَفُ بِالِاسْتِدْرَاجِ مَنْ يَعْمَلُ لِثُبُوتِ الْجَاهِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَيُمْضِي عُمُرَهُ فِي تَرْبِيَةِ رِيَاسَتِهِ لِيُقَالَ هَذَا فُلَانٌ ، أَوْ فِي تَحْصِيلِ شَهَوَاتِهِ الْفَانِيَةِ مَعَ سُوءِ الْقَصْدِ ، وَقَالَ : طَلَبُ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَدُّمِ بِالْعِلْمِ مَهْلَكَةٌ لِطَالِبِي ذَلِكَ ، فَتَرَى أَكْثَرَ الْمُتَفَقِّهِينَ يَتَشَاغَلُونَ بِالْجَدَلِ وَيَكْثُرُ مِنْهُمْ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْغَلَبَةُ وَالرِّفْعَةُ ، فَهُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ، أَوْ لِيَصْرِفَ وَجْهَ النَّاسِ إلَيْهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } وَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتِي وَلَا يَبْلُغُ دَرَجَةَ الْفَتْوَى ، وَيُرِي النَّاسَ صُورَةَ تَقَدُّمِهِ فَيَسْتَفْتُونَهُ وَلَوْ نَظَرَ حَقَّ النَّظَرِ وَخَافَ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ .
وَإِنْ حَدَثَ مَا لَا قَوْلَ فِيهِ تَكَلَّمَ فِيهِ حَاكِمٌ وَمُجْتَهِدٌ وَمَضَتْ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ، وَقِيلَ : فِي الْأُصُولِ ، وَلَهُ رَدُّ الْفُتْيَا إنْ كَانَ بِالْبَلَدِ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْفُتْيَا ، وَهُوَ جَاهِلٌ ، تَعَيَّنَ الْجَوَابُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْأَظْهَرُ : لَا يَجِبُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، كَسُؤَالِ عَامِّيٍّ عَمَّا لَمْ يَقَعْ ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَاكِمٌ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ .
وَفِي
عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ : الْحُكْمُ يَتَعَيَّنُ بِوِلَايَتِهِ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ رَدُّ مُحْتَكِمِينَ إلَيْهِ ، وَيُمْكِنُهُ رَدُّ مَنْ يَسْتَشْهِدُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَحَمِّلًا لِشَهَادَةٍ فَنَادِرٌ أَنْ لَا يَكُونَ سِوَاهُ ، وَفِي الْحُكْمِ لَا يَنُوبُ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ ، وَلَا يَقُولُ لِمَنْ ارْتَفَعَ إلَيْهِ : امْضِ إلَى غَيْرِي مِنْ الْحُكَّامِ .
وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ تَخْرِيجٌ مِنْ الْوَجْهِ فِي إثْمِ مَنْ دُعِيَ إلَى شَهَادَةٍ ، قَالُوا : لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِدُعَائِهِ ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إثْمُ كُلِّ مَنْ عَيَّنَ فِي كُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ فَامْتَنَعَ ، وَكَلَامُهُمْ فِي الْحَاكِمِ وَدَعْوَةُ الْوَلِيمَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ خِلَافُهُ ، وَإِنْ تَوَجَّهَ تَخْرِيجٌ فِي الْكُلِّ ، وَإِلَّا قِيلَ : الْأَصْلُ عَدَمُ التَّعْيِينِ بِالتَّعْيِينِ ، وَفِي الْكُلِّ خُولِفَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهٍ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ كَسُؤَالٍ عَمَّا لَمْ يَقَعْ ، وَمِنْ قَوِيٍّ عِنْدَهُ مَذْهَبُ غَيْرِ إمَامِهِ أَفْتَى بِهِ وَأَعْلَمَ السَّائِلَ ، وَمَنْ أَرَادَ كِتَابَةً فِي فُتْيَا أَوْ شَهَادَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلَا حَاجَةَ ، كَمَا لَوْ أَبَاحَهُ قَمِيصَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ بِلَا حَاجَةٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ : إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَكْتُبَ شَهَادَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُوَسِّعَ الْأَسْطُرَ ، وَلَا يُكْثِرَ إذَا أَمْكَنَ الِاخْتِصَارُ ، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ، وَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ .
وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْفُتْيَا فِي اسْمٍ مُشْتَرَكٍ إجْمَاعًا بَلْ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ فَلَوْ سُئِلَ هَلْ لَهُ الْأَكْلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ : يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي ، وَأَرْسَلَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَبِي يُوسُفَ سَأَلَهُ عَمَّنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ فَقَصَرَهُ وَجَحَدَهُ ، هَلْ لَهُ الْأُجْرَةُ مَعَ جَحْدِهِ إنْ عَادَ وَسَلَّمَهُ إلَى رَبِّهِ ، وَقَالَ : إنْ قَالَ نَعَمْ أَوْ لَا أَخْطَأَ ، فَفَطِنَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ : إنْ قَصَرَهُ قَبْلَ جُحُودِهِ فَلَهُ ، وَبَعْدَهُ لَا ، لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ ، وَسَأَلَ أَبُو الطَّيِّبِ قَوْمًا عَنْ بَيْعِ رِطْلِ تَمْرٍ بِرِطْلِ تَمْرٍ ، فَقَالُوا : يَجُوزُ ، فَخَطَّأَهُمْ ، فَقَالُوا : لَا ، فَخَطَّأَهُمْ ، فَقَالَ : إنْ تُسَاوَيَا كَيْلًا جَازَ ، فَهَذَا يُوَضِّحُ خَطَأَ مُطْلَقِ الْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةٍ احْتَمَلَتْ التَّفْصِيلَ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ ، وَإِنَّ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ أَوْجَبَا التَّحَرُّزَ مِنْ الْعَوَامّ بِالتَّقِيَّةِ ، وَأَنَّهُ لَا إقَالَةَ لَعَالِمٍ زَلَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَكْرَهُونَهُ ، وَقَالَ لَهُ قَائِلُ : يَنْبَغِي أَنْ تُفْتِيَ بِظَاهِرِ الَّذِي تَسْمَعُ ، فَقَالَ : لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنِّي لَوْ سُئِلْت عَمَّنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا عَالِمُ يَا فَاضِلُ يَا كَرِيمُ هَلْ هُوَ مَدْحٌ أَمْ لَا ؟ فَإِنَّا لَا نُفْتِي حَتَّى نَعْلَمَ ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَعَانٍ تَنْطَبِقُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَوْصَافُ وَإِلَّا فَهِيَ مَجَانَةٌ وَاسْتِهْزَاءٌ ، وَقِيلَ لَهُ فِي مُفْرَدَاتِهِ عَنْ جِمَاعِ الْأَعْرَابِيِّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا ؟ فَقَالَ : شَاهِدُهُ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ حَاضِرٌ ، فَعَلَامَةُ ذَلِكَ وَدَلَالَتُهُ أَغْنَتْهُ .
وَمَا مَنَعَ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ مَنَعَ دَوَامَهَا ، فَيَنْعَزِلُ بِهِ ، وَفِي الْمُحَرَّرِ : فَقَدْ سَمِعَ أَوْ بَصَرَ بَعْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ .
وَقَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي فَقْدِ بَصَرٍ ، وَقِيلَ : إنْ تَابَ فَاسِقٌ أَوْ أَفَاقَ مِنْ جِنٍّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقُلْنَا يَنْعَزِلُ بِالْإِغْمَاءِ فَوِلَايَتُهُ بَاقِيَةٌ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ .
وَفِي الْمُعْتَمَدِ : إنْ طَرَأَ جُنُونٌ فَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا لَمْ يَنْعَزِلْ ، كَالْإِغْمَاءِ ، وَإِنْ أَطْبَقَ بِهِ وَجَبَ عَزْلُهُ ، وَاخْتَلَفَتْ الشَّافِعِيَّةُ فَقِيلَ : بِمُدَّةِ سَنَةٍ لِتَكْمِيلِ إيجَابِ الْعِبَادَاتِ ، وَقِيلَ : شَهْرٌ ، لِإِيجَابِ رَمَضَانَ مَعَ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ : يَوْمًا وَلَيْلَةً لِإِيجَابِ الصَّلَاةِ ، وَالْأَشْبَهُ بِقَوْلِنَا الشَّهْرُ ، لِأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ شَهَادَةَ مَنْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا ، وَقَالَ : فِي الشَّهْرِ مَرَّةً كَذَا قَالَ .
وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ تَعَيَّنَ عَزْلُهُ ، فِي الْمُغْنِي : يُعْزَلُ .
وَإِنْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْمَوْلَى أَوْ عُزِلَ مَنْ وَلَّاهُ أَوْ غَيْرُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوِلَايَةِ ، وَالْأَشْهَرُ : بَلْ الصَّالِحُ لَهَا ، لَمْ يَنْعَزِلْ الْحَاكِمُ ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ، كَعَقْدِهِ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ لَمْ يَفْسَخْهُ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَقِيلَ : بَلَى ، كَنَائِبِهِ بِزَوَالِ وِلَايَةِ مُسْتَنِيبِهِ ، وَفِيهِ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قَوْلٌ : لَا .
وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ فِي أَمْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ سَمَاعِ شَهَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَإِحْضَارِ مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ عَزَلَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ ، وَقِيلَ : لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ بَلْ بِعَزْلِهِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : كَالْوَالِي ، قَالَ شَيْخُنَا : كَعَقْدِ وَصِيٍّ وَنَاظِرٍ عَقْدًا جَائِزًا ، كَوَكَالَةٍ وَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ ، وَمِثْلِهِ كُلُّ عَقْدٍ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ، كَوَالٍ ، وَمَنْ يُنَصِّبُهُ لِجِبَايَةِ مَالٍ وَصَرْفِهِ ، وَأَمْرِ الْجِهَادِ وَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُحْتَسِبِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكُلِّ : لَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِ الْمُسْتَنِيبِ وَمَوْتِهِ حَتَّى يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ فِي نَائِبِهِ فِي الْحُكْمِ وَقَيِّمِ الْأَيْتَامِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِمْ أَوْجُهٌ ، ثَالِثُهَا إنْ اسْتَخْلَفَهُمْ بِإِذْنِ مَنْ وَلَّاهُ ، وَقِيلَ : وَقَالَ اسْتَخْلِفْ عَنْك ، انْعَزَلُوا ، وَلَا يَبْطُلُ مَا فَرَضَهُ فَارِضٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَفِي عَزْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ وَجْهَانِ ( م 4 ) وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : إنْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَفِيهَا لَهُ عَزْلُ نَائِبِهِ بِأَفْضَلَ ، وَقِيلَ بِمِثْلِهِ ، وَقِيلَ بِدُونِهِ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : عَزْلُ نَفْسِهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ وَكِيلٌ
لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي خَطَإِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ قُلْنَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ وَكِيلٌ ، فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَاحْتُجَّ لِلْمَنْعِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّسُولِ عَزْلُ نَفْسِهِ عَنْ الرِّسَالَةِ ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَإِلَى إسْقَاطِ الْحُدُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عِنْدَهُ فِي دَارٍ خَلَتْ مِنْ إمَامٍ ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَوْ مَلَكَ عَزْلَ نَفْسِهِ لِمَا سَأَلَهُمْ ذَلِكَ ، وَاحْتُجَّ لِلْجَوَازِ بِقَوْلِهِمْ لِعُثْمَانَ اخْلَعْ نَفْسَك ، فَقَالَ : لَا أَفْعَلُ ، فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمْ يَمْتَنِعْ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي هَلْ لِمَنْ وَلَّاهُ عَزْلُهُ الْخِلَافُ ، وَاحْتَجُّوا لِلْجَوَازِ بِوُقُوعِهِ ، لَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : لَأَعْزِلَن أَبَا مَرْيَمَ وَأُوَلِّيَن رَجُلًا إذَا رَآهُ الْفَاجِرُ فَرَقَ ، فَعَزَلَهُ عَنْ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ وَوَلَّى كَعْبَ بْنَ سَوْرٍ مَكَانَهُ ، وَعَزَلَ عَلِيٌّ أَبَا الْأَسْوَدِ ، فَقَالَ : لِمَ عَزَلْتنِي وَمَا جَنَيْت ؟ قَالَ : رَأَيْت كَلَامَك يَعْلُو عَلَى الْخَصْمَيْنِ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إذَا بَلَغَهُ عَنْ عَامِلِهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ الْمَرِيضَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الضَّعِيفُ عَزَلَهُ ، فَأَمَّا إنْ خَافَ مَفْسَدَةً بِاسْتِمْرَارِهِ وَوُقُوعِ فِتْنَةٍ فَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ ، وَأَنَّهُ لَا يَعْزِلْهُ كَغَيْرِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ : لَهُ عَزْلُهُ لِأَنَّ عُمَرَ عَزَلَ سَعْدًا عَنْ الْكُوفَةِ وَقَالَ : لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : " وَفِي عَزْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، فَبَنَاهُمَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ وَعَدَمِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا ، فَيَكُونُ الْمُرَجَّحُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَزْلَهُ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ أَيْضًا ، وَذَكَرَهُمَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَالْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِمْ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ مَحْمُولًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ أُولَئِكَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ .
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ : ( أَحَدُهُمَا ) يَنْعَزِلُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنْ انْعَزِلْ الْوَكِيلُ ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَقَالَ : هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ ، قَالَ : لِأَنَّ فِي وِلَايَتِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ قِيلَ هُوَ وَكِيلٌ فَهُوَ تَبَعِيَّةٌ بِنَسْخِ الْأَحْكَامِ ، وَهِيَ لَا تَثْبُتُ قَبْلَ بُلُوغِ النَّاسِخِ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْوِكَالَةِ الْمَحْضَةِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي الْعُقُودُ وَالْفُسُوخُ ، فَتَعْظُمُ الْبَلْوَى بِإِبْطَالِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ، انْتَهَى .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَقَالَ الْقَاضِي : عَزْلُ نَفْسِهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ وَكِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ
، نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي خَطَإِ الْإِمَامِ فَإِنْ قُلْنَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ وَكِيلٌ ، فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلَا " ، انْتَهَى .
قَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ عَزْلَ نَفْسِهِ ، وَكَذَا ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْعَاقِلَةِ وَخَطَإِ إمَامٍ وَحَاكِمٍ فِي حُكْمٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَعَلَيْهَا لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، انْتَهَى .
وَحَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ .
وَمَنْ أَخْبَرَ بِمَوْتِ قَاضِي بَلَدٍ وَوَلِيَ غَيْرُهُ فَبَانَ حَيًّا لَمْ يَنْعَزِلْ ، وَقِيلَ : بَلَى .
وَإِنْ قَالَ : مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَدْ وَلَّيْته ، فَلَا وِلَايَةَ لِمَنْ نَظَرَ ، لِجَهَالَةِ الْمُوَلِّي ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَيْضًا بِأَنَّهُ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا لِلْخَبَرِ { أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ } وَالْمَعْرُوفُ صِحَّتُهَا بِشَرْطٍ وَأَنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَسَبَقَ فِي الْمُوصَى إلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ : وَلَّيْتهمَا فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي فَقَدْ وَلَّاهُمَا ، ثُمَّ عَيَّنَ مَنْ سَبَقَ فَتَعَيَّنَ .
وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ ، وَعَنْهُ : بِقَدْرِ عَمَلِهِ مَعَ الْحَاجَةِ ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ وَبِدُونِهَا وَقِيلَ : إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا يَأْخُذُ أُجْرَةً عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ فَفِي أَخْذِهِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَجْهَانِ ( م 5 ) .
وَإِنْ تَعَيَّنَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ فَوَجْهَانِ ( م 6 ) وَمَنْ أَخَذَ لَمْ يَأْخُذْ أُجْرَةً ، وَفِي أُجْرَةِ خَطِّهِ وَجْهَانِ ( م 7 ) وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يَسْأَلُ عَنْ الْعِلْمِ فَرُبَّمَا أُهْدِيَ لَهُ : لَا يَقْبَلُ إلَّا أَنْ يُكَافِئَ ، وَإِنْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا مَنْ يَصْلُحُ لَهُ نَفَذَ حُكْمُهُ وَهُوَ كَحَاكِمِ الْإِمَامِ .
وَعَنْهُ : لَا يَنْفُذُ فِي قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَلِعَانٍ وَنِكَاحٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : يَنْفُذُ فِي غَيْرِ فَرْجٍ ، كَتَصَرُّفِهِ ضَرُورَةً فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ فِي غَيْرِ فَرْجٍ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمُدِ الْأَدِلَّةِ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا نُفُوذَ حُكْمِهِ بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمٍ لَا إمَامٍ ، وَأَنَّهُ إنْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا خَصْمَهُ أَوْ حَكَّمَا مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ جَازَ ، وَأَنَّهُ يَكْفِي وَصْفُ الْقِصَّةِ لَهُ ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ : نَازَعَنِي ابْنُ عَمِّي الْأَذَانَ فَتَحَاكَمْنَا إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : اقْتَرِعَا .
قَالَ شَيْخُنَا : خَصُّوا اللِّعَانَ لِأَنَّهُ فِيهِ دَعْوَى وَإِنْكَارٌ ، وَبَقِيَّةُ الْفُسُوخِ كَإِعْسَارٍ قَدْ يَتَصَادَقَانِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ إنْشَاءً لَا إبْدَاءً ، وَنَظِيرُهُ لَوْ حَكَّمَاهُ فِي التَّدَاعِي بِدَيْنٍ وَأَقَرَّ بِهِ الْوَرَثَةُ ، وَفِي عُمُدِ الْأَدِلَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّحْكِيمِ : وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مُتَقَدِّمُو الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ الْوَسَاطَاتِ وَالصُّلْحَ عِنْدَ الْفَوْزَةِ وَالْمُخَاصَمَةَ ، وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَتَفْوِيضَ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَوْصِيَاءِ ، وَتَفْرِقَةَ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى رَقِيقِهِ ، وَخُرُوجَ طَائِفَةٍ إلَى الْجِهَادِ تَلَصُّصًا وَبَيَاتًا ، وَعِمَارَةَ الْمَسَاجِدِ ، وَالْأَمْرَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَالتَّعْزِيرَ لِعَبْدٍ وَإِمَاءٍ ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ .
مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ فَفِي أَخْذِهِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ : ( أَحَدُهُمَا ) يَجُوزُ ، قَالَ فِي الْكَافِي : وَإِذَا قُلْنَا : يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ شَيْءٌ ، فَقَالَ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إلَّا بِجُعْلٍ جَازَ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي رِزْقٌ فَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي جُعْلًا جَازَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، انْتَهَى .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالنَّظْمِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ تَعَيَّنَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ فَوَجْهَانِ " انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَآدَابِ الْمُفْتِي وَأُصُولِ الْمُصَنِّفِ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَجُوزُ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : " وَمَنْ أَخَذَ لَمْ يَأْخُذْ أُجْرَةً ، وَفِي أُجْرَةِ خَطِّهِ وَجْهَانِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَجُوزُ ، قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ .
فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ
بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي يُسَنُّ كَوْنُهُ قَوِيًّا بِلَا عُنْفٍ ، لَيِّنًا بِلَا ضَعْفٍ .
وَظَاهِرُ الْفُصُولِ : يَجِبُ ذَلِكَ ، حَكِيمًا مُتَأَنِّيًا فَطِنًا ، وَإِنْ افْتَاتَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ فَفِي الْمُغْنِي : لَهُ تَأْدِيبُهُ وَالْعَفْوُ .
وَفِي الْفُصُولِ : يَزْبُرُهُ ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ ، وَاعْتَبَرَهُ بِدَفْعِ الصَّائِلِ وَالنُّشُوزِ وَفِي الرِّعَايَةِ : يَنْتَهِرُهُ وَيَصِيحُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ ، لَكِنْ هَلْ ظَاهِرُهُ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ ؟ فِيهِ نَظَرٌ ، كَالْإِقْرَارِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ، أَوْ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُتَظَلِّمِينَ عَلَى الْحُكَّامِ وَأَعْدَائِهِمْ فَجَازَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا شَقَّ رَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَدَّبَهُ بِنَفْسِهِ ، مَعَ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا : أَنَّ مَا يَشُقُّ رَفْعُهُ لَا يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ .
وَيُسَنُّ كَوْنُهُ بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ ، وَسُؤَالُهُ إنْ وَلِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ عَنْ عُلَمَائِهِ وَعُدُولِهِ وَإِعْلَامِهِمْ بِيَوْمِ دُخُولِهِ ، لِيَتَلَقَّوْهُ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : وَيَأْمُرُهُمْ بِتَلَقِّيه .
وَدُخُولُهُ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ سَبْتٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يَوْمَ اثْنَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَخَمِيسٍ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : أَوْ سَبْتٍ ، لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : وَكَذَا أَصْحَابُهُ وَأَنَّ جَمِيعَهَا سُودٌ وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ ضَحْوَةً لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ ، وَلَا يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ ، فَيَأْتِيَ الْجَامِعَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ .
قَالَ كَعْبٌ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ مَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إلَّا ضُحًى ، وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ } وَقَالَ جَابِرٌ { : لَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : غَيْرُ السَّوَادِ أَوْلَى ، لِلْأَخْبَارِ ، وَكَانَ اسْتِقْبَالُ الشَّهْرِ تَفَاؤُلًا ، كَأَوَّلِ النَّهَارِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا الْأَصْحَابُ .
وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ، وَيَأْمُرُ بِعَهْدِهِ فَيُقْرَأَ عَلَى النَّاسِ ، وَمَنْ يُنَادِي بِيَوْمِ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : وَلْيُقْلِلْ مِنْ كَلَامِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ ، ثُمَّ يَرُوحُ إلَى مَنْزِلِهِ ، وَيَنْفُذُ فَيُسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِمَّنْ قَبْلَهُ ، قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : وَلْيَأْمُرْ كَاتِبًا ثِقَةً يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ ، ثُمَّ يَخْرُجُ يَوْمَ الْوَعْدِ بِأَعْدَلِ أَحْوَالِهِ ، غَيْرَ غَضْبَانَ وَلَا جَائِعٍ وَلَا حَاقِنٍ ، وَلَا مَهْمُومٍ بِمَا يَشْغَلُهُ عَنْ الْفَهْمِ ، فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ مَرَّ بِهِ وَلَوْ صِبْيَانًا ، ثُمَّ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ ، وَيُصَلِّي تَحِيَّتَهُ مَسْجِدٍ وَإِلَّا خُيِّرَ ، وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ ، وَالْأَشْهَرُ : وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ ، وَيَدْعُو بِالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ سِرًّا ، وَلْيَكُنْ
مَجْلِسُهُ فَسِيحًا وَسَطَ الْبَلَدِ ، كَجَامِعٍ وَيَصُونُهُ مِمَّا يُكْرَهُ فِيهِ ، وَدَارٍ وَاسِعَةٍ ، وَلَا يَتَّخِذُ فِيهِ عَلَى بَابِهِ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا بِلَا عُذْرٍ .
وَفِي الْمُذْهَبِ : يَتْرُكُهُ نَدْبًا .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الْحُضُورِ إذَا تَنَازَعُوا إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ ، وَلَا لَهُ أَنْ يَحْتَجِبَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يَنْبَغِي عَلَى رَأْسِهِ مَنْ يُرَتِّبُ النَّاسَ ، وَلَهُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ .
وَفِي الْكَافِي : عَارِفًا يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ ، وَالْقِمْطَرُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَخْتُومًا وَيَكُونُ الْأَعْوَانُ أَهْلَ دِينٍ ، وَيُوصِيهِمْ ، وَيُقَدِّمُ السَّابِقَ فِي حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ ( و ش ) كَسَبْقِهِ إلَى مُبَاحٍ ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ : يُقَدِّمُ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لِئَلَّا تَضَجَّرَ الْبَيِّنَةُ ( و هـ ) ، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ تَقْدِيمُ مُتَأَخِّرٍ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا أَقْرَعَ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : يُقَدِّمُ الْمُسَافِرَ الْمُرْتَحِلَ .
وَفِي الْكَافِي : مَعَ قِلَّتِهِمْ ، وَيَلْزَمُ فِي الْأَصَحِّ الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ ، وَالْأَشْهَرُ : يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ عَلَى كَافِرٍ دُخُولًا وَجُلُوسًا ، وَقِيلَ : دُخُولًا فَقَطْ ، فَيَحْرُمُ أَنْ يُسَارَّ أَحَدَهُمَا أَوْ يُلَقِّنَهُ حُجَّتَهُ أَوْ يُضَيِّفَهُ أَوْ يُعْلِمَهُ الدَّعْوَى ، وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا جَازَ .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ : يُسَوِّي بَيْنَ خَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِهِ وَلَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَلَوْ ذِمِّيٌّ ، فِي وَجْهٍ ، وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا رَدَّ عَلَيْهِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يَصْبِرُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا ، إلَّا أَنْ يَتَمَادَى عُرْفًا ، وَقِيلَ : يُكْرَهُ قِيَامُهُ لَهُمَا ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : سُنَّةُ الْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهُمَا بِهِ ، وَلِلْحَاكِمِ السُّؤَالُ عَنْ شَرْطِ عَقْدٍ وَنَحْوِهِ تُرِكَ لِيُتَحَرَّزَ ، وَأَنْ يَزِنَ عَنْهُ ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ ، وَسُؤَالُ خَصْمِهِ الْوَضْعَ عَنْهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، كَسُؤَالِهِ إنْظَارَهُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ { أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا عَلَيْهِ ، فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ دَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِك ، قَالَ : قَدْ فَعَلْت ، قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُمْ فَأَعْطِهِ } ، قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا حُكْمٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ فَعَلَهُ قَاضٍ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ وَالنَّظَرِ لَهُمَا .
وَيُسَنُّ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ وَيُشَاوِرَهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَحْسَنَهُ لَوْ فَعَلَهُ ، الْحُكَّامُ يُشَاوِرُونَ وَيَنْتَظِرُونَ ، وَيَحْرُمُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ مُطْلَقًا ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ : عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ ، قَالَ عُمَرُ : وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ .
وَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِحُكْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ هَذَا .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : لَا تُقَلِّدْ أَمْرَك أَحَدًا ، وَعَلَيْك بِالْأَثَرِ ، وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ : لَا تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَالَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْلَمُوا أَنْ يَغْلَطُوا ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ ، وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا ، وَأَجَازَ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ مِمَّا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا كَالصَّلَاةِ فَعَلَهَا بِحَسَبِ حَالِهِ ، وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْلِيدِ ، وَلِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ وَهُوَ التَّقْلِيدُ بِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ ، وَمِنْ الْعَجَبِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ إلَى السُّنَنِ عَنْ الْمَرُّوذِيِّ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا أَعْرِفُ فِيهَا خَبَرًا قُلْت فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، لِأَنَّهُ إمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا } وَذَكَرَ فِي الْخَبَرِ { أَنَّ اللَّهَ يُقَيِّضُ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ رَجُلًا يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ } ، فَكَانَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِي الثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ ، وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ فِي إسْنَادِهَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَاسِينَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَرَوِيُّ ، كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَقَالَ الْإِدْرِيسِيُّ : سَمِعْت أَهْلَ بَلَدِهِ يَطْعَنُونَ فِيهِ وَلَا يَرْضَوْنَهُ ، وَالْخَبَرُ
الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ، وَفِي إسْنَادِهَا ضَعْفٌ .
وَأَمَّا الْخَبَرُ الثَّانِي فَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْمَهْرِيِّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا } قَالَ أَبُو دَاوُد : رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الإسكندراني ، لَمْ يُخْبِرْ بِهِ شَرَاحِيلُ ، كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدَعَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الشَّرْعِ لِقَوْلِ أَحَدٍ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي النَّاسَ بِالْمُتْعَةِ ، زَادَ مُسْلِمٌ : فَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي مُوسَى : رُوَيْدُك بَعْضَ فُتْيَاك فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدَك ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ فُتْيَا فَلْيَتَّئِدْ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فِيهِ ، فَأَتِمُّوا : قَالَ فَقَدِمَ عُمَرُ ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : أَنْ تَأْخُذَ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَأَنْ تَأْخُذَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحِلَّ حَتَّى نَحْرَ الْهَدْيَ ، وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ : قَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابَهُ ، وَلَكِنِّي كَرِهْت أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِيهِ : إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَالِمِ إذَا كَانَ يُفْتِي بِمَا كَانَ الْإِمَامُ عَلَى
خِلَافِهِ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ الْمَوْطِنِ أَنْ يَتْرُكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيَصِيرَ إلَى مَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ ، قَالَ : وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِحْسَانِ .
وَإِنْ حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِالْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْقَصْرِ مِنْ الْفُصُولِ ، وَلَا يَحْكُمُ مَعَ مَا يَشْغَلُ فَهْمَهُ ، كَغَضَبٍ كَثِيرٍ وَجُوعٍ وَأَلَمٍ ، وَصَرَّحَ فِي الِانْتِصَارِ : يَحْرُمُ ، فَإِنْ حَكَمَ نَفَذَ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : إنْ عَرَضَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ .
وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ رِشْوَةً ، وَكَذَا هَدِيَّةً بِخِلَافِ مُفْتٍ .
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : كَانَتْ الْهَدِيَّةُ فِيمَا مَضَى هَدِيَّةً ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَهِيَ رِشْوَةٌ .
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ : قَرَأْت فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ : الْهَدِيَّةُ تَفْقَأُ عَيْنَ الْحُكْمِ ، قَالَ الشَّاعِرُ : إذَا أَتَتْ الْهَدِيَّةُ دَارَ قَوْمٍ تَطَايَرَتْ الْأَمَانَةُ مِنْ كُوَاهَا وَقَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ : إذَا رِشْوَةٌ مِنْ بَابِ بَيْتٍ تَقَحَّمَتْ لِتَدْخُلَ فِيهِ وَالْأَمَانَةُ فِيهِ سَعَتْ هَرَبًا مِنْهُ وَوَلَّتْ كَأَنَّهَا حَلِيمٌ تَنَحَّى عَنْ جِوَارِ سَفِيهِ فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فَقِيلَ : تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ ، وَقِيلَ : تُرَدُّ ، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَقِيلَ : تَمَلَّكَ بِتَعْجِيلِهِ الْمُكَافَأَةَ ( م 1 ) فَعَلَى الْأَوَّلِ : هَدِيَّةُ الْعَامِلِ لِلصَّدَقَاتِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، فَدَلَّ أَنَّ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَجْهَيْنِ ( م 2 ) وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مَا فِي الرِّعَايَةِ أَنَّ السَّاعِيَ يُعِيدُ لِرَبِّ الْمَالِ بِمَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا ، مَأْخَذُهُ ذَلِكَ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ وَكِيلٍ فَوَهَبَهُ شَيْئًا أَنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ يَدُلُّ لِكَلَامِ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ الْخِلَافُ ، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ بِرِشْوَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَخَذَهَا الْإِمَامُ لَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ ، وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، ثُمَّ قَالَ : قُلْت إنْ عَرَفُوا رُدَّ إلَيْهِمْ ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ وُلِّيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ : لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَيْئًا ، يَرْوِي : { هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ } ، وَالْحَاكِمُ خَاصَّةً لَا أُحِبُّهُ لَهُ إلَّا مِمَّنْ كَانَ لَهُ بِهِ خُلْطَةٌ وَوَصْلَةٌ وَمُكَافَأَةٌ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِيمَنْ كَسَبَ مَالًا مُحَرَّمًا بِرِضَا الدَّافِعِ ثُمَّ تَابَ كَثَمَنِ خَمْرٍ وَمَهْرِ بِغَيٍّ وَحُلْوَانُ
كَاهِنٍ أَنَّ لَهُ مَا سَلَفَ ، لِلْآيَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ : فَمَنْ أَسْلَمَ ، وَلَا مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ التَّحْرِيمُ ، قَالَ أَيْضًا : لَا يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَلَا يَرُدُّهُ لِقَبْضِهِ عِوَضَهُ ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي حَامِلِ الْخَمْرِ ، وَقَالَ فِي مَالٍ مُكْتَسَبٍ مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ : يَتَصَدَّقُ بِهِ ، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهِ فَلِلْفَقِيرِ أَكْلُهُ ، وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَعْوَانَهُ .
وَقَالَ أَيْضًا : فِيمَنْ تَابَ إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِلَّا صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَهُ مَعَ حَاجَتِهِ أَخْذُ كِفَايَتِهِ ، وَفِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ فِي بَيْعِ سِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ وَعِنَبٍ لِخَمْرٍ : يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وَأَنَّهُ قَوْلُ مُحَقِّقِي الْفُقَهَاءِ ، كَذَا قَالَ ، وَقَوْلُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ .
وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا الطَّيِّبَ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا } .
قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَّمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إلَّا مَنْ يُحِبُّ ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ، قَالَ : قُلْت : وَمَا بَوَائِقُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : غِشُّهُ وَظُلْمُهُ ، وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقُ مِنْهُ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ
ظَهْرِهِ إلَّا كَانَ زَادَهُ إلَى النَّارِ ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ ، وَلَكِنَّهُ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ ، إنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ } أَبَانُ قَالَ : ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَزْدِيِّ إنَّهُ مَتْرُوكٌ ، وَالصَّبَّاحُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِجُرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ ، كَذَا قَالَ ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ حُمَيْدٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { لَا يُعْجِبَنك رَحْبُ الذِّرَاعَيْنِ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَاتِلًا أَوْ قَتِيلًا لَا يَمُوتُ ، وَلَا يُعْجِبَنك امْرُؤٌ كَسَبَ مَالًا مِنْ حَرَامٍ ، فَإِنَّهُ إنْ أَنْفَقَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ زَادَهُ إلَى النَّارِ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ إسْنَادٌ مَتْرُوكٌ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَرْسَلَ إلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ نَزَلَ بِي مَا قَدْ تَرَوْنَ ، وَلَا أَرَانِي إلَّا لِمَا بِي ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِي ؟ فَقَالُوا : قَدْ كُنْت تُعْطِي الْفَقِيرَ وَالسَّائِلَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَحَفَرْت الْآبَارَ بِالْفَلَوَاتِ لِابْنِ السَّبِيلِ ، وَبَنَيْت الْحَوْضَ بِعَرَفَةَ يَشْرَعُ فِيهِ حَاجُّ بَيْتِ اللَّهِ ، فَمَا نَشُكُّ لَك فِي النَّجَاةِ .
وَعَيْنُهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَاكِتٌ ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ بِالْكَلَامِ قَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، مَالَك لَا تَتَكَلَّمُ ؟ قَالَ : إذَا طَابَ الْمَكْسَبُ
زَكَتْ النَّفَقَةُ ، وَسَتُرَدُّ فَتَعْلَمُ ، إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ سِيرِينَ قَالَ : دَخَلَ ابْنُ عَامِرٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ : الرَّجُلُ يُصِيبُ الْمَالَ فَيَصِلُ مِنْهُ الرَّحِمَ وَيَفْعَلُ مِنْهُ وَيَفْعَلُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : إنَّك مَا عَلِمْت لَمَنْ أَجْدَرُهُمْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ اُنْظُرْ مَا أَوَّلُهُ ، فَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُ خَبِيثًا ، فَإِنَّ الْخَبِيثَ كُلَّهُ خَبِيثٌ .
وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ مُعْتَادَةٍ قَبْلَ وِلَايَتِهِ ، مَعَ أَنَّ رَدَّهَا أَوْلَى ، وَالْمَذْهَبُ : إنْ لَمْ يَكُنْ حُكُومَةً .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : أَوْ أَحَسَّ بِهَا .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : الْمُحَرَّمُ كَالْعَادَةِ .
وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ كَالْعَادَةِ .
بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : فِي الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ " فَإِنْ قَبِلَ فَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَقِيلَ : تُرَدُّ .
وَقِيلَ : تُمْلَكُ بِتَعْجِيلِ الْمُكَافَأَةِ " ، انْتَهَى .
: ( وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ) احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) هُوَ الصَّوَابُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : " فَعَلَى الْأَوَّلِ هَدِيَّةُ الْعَامِلِ لِلصَّدَقَاتِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، فَدَلَّ أَنَّ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَجْهَيْنِ " ، انْتَهَى .
( أَحَدُهُمَا ) عَدَمُ الِانْتِقَالِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) يَنْتَقِلُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ .
وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ كَمَجْلِسِ حُكْمِهِ إلَّا بِوَكِيلٍ لَا يُعْرَفُ بِهِ ، وَجَعَلَهَا الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ كَهَدِيَّةٍ كَالْوَالِي ، سَأَلَهُ حَرْبٌ : هَلْ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يَتَّجِرَ ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ فِي الْوَالِي .
وَيَعُودُ الْمَرْضَى ، وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : وَيُوَدِّعُ الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ ، وَهُوَ فِي الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ ، وَلَا يُجِيبُ قَوْمًا وَيَدَعُ قَوْمًا بِلَا عُذْرٍ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ يُكْرَهُ لَهُ مُسَارَعَتُهُ إلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ عُرْسٍ ، وَيَجُوزُ : وَفِي التَّرْغِيبِ : يُكْرَهُ ، وَقَدَّمَ : لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ عُرْسٍ ، وَذَكَرَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ : إنْ كَثُرَتْ الْوَلَائِمُ صَانَ نَفْسَهُ وَتَرَكَهَا ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَوْ تَضَيَّفَ رَجُلًا ، وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ يَجُوزُ ، وَيَتَوَجَّهُ : كَالْمُقْرِضِ ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى .
وَيُسَنُّ حُكْمُهُ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ ، وَيَحْرُمُ تَعْيِينُهُ قَوْمًا بِالْقَبُولِ ، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا ، كَنَفْسِهِ ، فَيَحْكُمُ نَائِبُهُ .
وَفِي الْمُبْهِجِ رِوَايَةٌ : بَلَى ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَقِيلَ : بَيْنَ وَالِدَيْهِ أَوْ وَلَدَيْهِ ، وَلَهُ اسْتِخْلَافُهُمَا ، كَحُكْمِهِ لِغَيْرِهِ بِشَهَادَتِهِمَا ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَأَبُو الْوَفَا وَزَادَ : إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِمَا مِنْ ذَلِكَ تُهْمَةٌ ، وَلَمْ يُوجِبْ لَهُمَا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا رِيبَةً لَمْ تَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّزْكِيَةِ ، وَقِيلَ : لَا ، وَلَا يَحْكُمُ ، وَقِيلَ : وَلَا يُفْتِي عَلَى عَدُوِّهِ ، وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ حُكْمَهُ عَلَى عَدُوِّهِ ، لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ ، وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ ، وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي عَمُودَيْ نَسَبِهِ ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ : لَا يَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ ، كَالشَّهَادَةِ ، وَلَا نَقُلْ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمَنَعَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ ، كَالشَّهَادَةِ : وَيَحْكُمُ لِيَتِيمِهِ ، عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
وَقِيلَ : وَغَيْرُهُ .
فَصْلٌ وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَحْبُوسِينَ ، فَيُنْفِذُ ثِقَةً يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ ، وَمَنْ حَبَسَهُمْ ، وَفِيمَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُنَادِي بِالْبَلَدِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ ، فَإِذَا حَضَرَ فَمَنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ نَظَرَ بَيْنَهُمَا : فَإِنْ حَبَسَ لِتَعْدِلَ الْبَيِّنَةُ فَإِعَادَتُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى حَبْسِهِ فِي ذَلِكَ ، وَيَتَوَجَّهُ إعَادَتُهُ : وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَكَمَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَحْبُوسِ حُكْمٌ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَفِعْلِهِ ، وَأَنَّ مِثْلَهُ تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ وَنَحْوِهِ ( و م ) وَالْمُرَادُ إذًا لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَأْذَنْ بِحَبْسِهِ وَإِطْلَاقِهِ ، وَإِلَّا فَأَمْرُهُ وَإِذْنُهُ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ ، كَمَا يَأْتِي : قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : لَمَّا حُبِسَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَهُ السَّجَّانُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، الْحَدِيثَ الَّذِي يُرْوَى فِي الظَّلَمَةِ وَأَعْوَانِهِمْ صَحِيحٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : فَأَنَا مِنْهُمْ ؟ قَالَ أَحْمَدُ : أَعْوَانُهُمْ مَنْ يَأْخُذُ شَعْرَك وَيَغْسِلُ ثَوْبَك وَيُصْلِحُ طَعَامَك وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي مِنْك ، فَأَمَّا أَنْتَ فَمِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَيَقْبَلُ قَوْلَ خَصْمِهِ فِي أَنَّهُ حَبَسَهُ بَعْدَ تَكْمِيلِ بَيِّنَتِهِ وَتَعْدِيلِهَا : وَإِنْ حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ وَخَمْرٍ ذِمِّيٌّ فَفِي تَخْلِيَتِهِ وَتَبْقِيَتِهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) وَقِيلَ : يَقِفُهُ وَإِنْ بَانَ حَبْسُهُ فِي تُهْمَةٍ أَوْ تَعْزِيرًا عَمِلَ بِرَأْيِهِ فِي تَخْلِيَتِهِ وَتَبْقِيَتِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ خَصْمَهُ وَأَنْكَرَهُ نُودِيَ بِذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَلَّفَهُ وَخَلَّاهُ ، وَمَعَ غِيبَةِ خَصْمِهِ يَبْعَثُ إلَيْهِ ، وَقِيلَ : يُخَلِّيهِ ، كَجَهْلِهِ مَكَانَهُ أَوْ تَأَخُّرِهِ بِلَا عُذْرٍ ، وَالْأَوْلَى بِكَفِيلٍ ، وَإِطْلَاقُهُ حُكْمٌ ، وَكَذَا أَمْرُهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ ، ذَكَرَهَا فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْمُحْتَسِبِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ إذْنَهُ فِي مِيزَابٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ يَمْنَعُ الضَّمَانَ ، لِأَنَّهُ كَإِذْنِ الْجَمِيعِ ، وَمَنْ مَنَعَ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ
يَأْذَنَ ، لَا لِأَنَّ إذْنَهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِإِذْنِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يَضْمَنُ بِإِذْنِهِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى لَقِيطٍ وَغَيْرِهِ ، بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ ضَمِنَ لِعَدَمِهَا .
وَلِهَذَا إذْنُ الْإِمَامِ فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَافٍ ، بِلَا خِلَافٍ ، وَسَبَقَ قَوْلُ شَيْخِنَا : الْحَاكِمُ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ ، وَإِنَّمَا يَأْذَنُ أَوْ يَحْكُمُ بِهِ ، فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ فَعَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ ، بِلَا نِزَاعٍ ، لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَخَ فَهُوَ فِعْلُهُ ، وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ ؛ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ ، هَذَا كَلَامُهُ : وَكَذَا فِعْلُهُ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي حِمَى الْأَئِمَّةِ أَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ ، وَذَكَرُوا خَلَا الشَّيْخِ أَنَّ الْمِيزَابَ وَنَحْوَهُ يَجُوزُ بِإِذْنٍ وَاحْتَجُّوا بِنَصِّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِيزَابَ الْعَبَّاسِ .
وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً : إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا صَحَّ ، لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَفِيهِ أَيْضًا : لَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ .
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ تَرْكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لَهَا ، وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ تَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ ، وَفِعْلُهُ حُكْمٌ ، كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ ، وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَغَيْرِهِ .
وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَقُلْنَا يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لَمْ
يَصِحَّ ، لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ الْمَنْسِيَّةِ أَنَّ قُرْعَةَ الْحَاكِمِ كَحُكْمِهِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ .
وَفِي التَّعْلِيقِ وَالْمُحَرَّرِ : فِعْلُهُ حُكْمٌ إنْ حَكَمَ بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ( و ) كَفُتْيَاهُ ، فَإِذَا قَالَ حَكَمْت بِصِحَّتِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : حُكْمُهُ يَلْزَمُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ : أَلْزَمْتُك ، أَوْ قَضَيْت لَهُ بِهِ عَلَيْك ، أَوْ أَخْرَجَ إلَيْهِ مِنْهُ ، وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ كَحُكْمِهِ .
ثُمَّ بِالْيَتَامَى وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ وَالْوَصَايَا ، فَلَوْ نَفَّذَ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ لَمْ يَعُدْ لَهُ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَةُ أَهْلِيَّتِهِ ، لَكِنْ نُرَاعِيهِ .
فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجَرْحٍ وَأَهْلِيَّةِ وَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا حُكْمٌ ، خِلَافًا لِمَالِكٍ ، يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ آخَرُ ، خِلَافًا لِمَالِكٍ وَإِنَّ لَهُ إثْبَاتَ خِلَافِهِ ، وَقَدْ ذَكَرُوا إذَا بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ وَسَيَأْتِي يُعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِ أَوْ بِحُكْمٍ .
وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ لِلْأَطْفَالِ أَوْ الْوَصَايَا الَّتِي لَا وَصِيَّ لَهَا وَنَحْوِهِ بِحَالِهِ أَقَرَّهُ ، لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَّاهُ ، وَمَنْ فَسَقَ عَزَلَهُ ، وَيَضُمُّ إلَى الضَّعِيفِ أَمِينًا ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ النَّائِبِ ، وَجَعَلَ فِي التَّرْغِيبِ أُمَنَاءَ الْأَطْفَالِ كَنَائِبِهِ ، فِيهِ الْخِلَافُ ، وَأَنَّهُ يَضُمُّ إلَى وَصِيٍّ فَاسِقٍ أَوْ ضَعِيفٍ أَمِينًا ، وَلَهُ إبْدَالُهُ .