كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي
الرامينى ثم الصالحي
فَصْلٌ النِّصَابُ الزَّكَوِيُّ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَكَمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ تَمَامُ الْمِلْكِ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ، أَوْ يُقَالُ : الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلسَّبَبِ ، فَعَدَمُهُمَا مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ السَّبَبِ وَانْعِقَادِهِ ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ شُرُوطًا لِلْوُجُوبِ ، كَالْحَوْلِ فَإِنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ بِلَا خِلَافٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي السَّبَبِ ، وَأَمَّا إمْكَانُ الْأَدَاءِ فَشَرْطٌ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ ، وَعَنْهُ : لِلْوُجُوبِ ، كَمَا سَبَقَ .
فَصْلٌ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ، وَفِي حُكْمِهِ الْعَسَلُ وَنَحْوُهُ ، وَالْأَثْمَانُ وَقِيمَةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي أَبْوَابِهِ ، وَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ، وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابٍ بَعْدَهُ حُكْمُ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءِ وَالْخَيْلِ .
بَاب زَكَاةُ السَّائِمَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ [ ( ع ) ] وَالْبَقَرِ [ ( عِ ) ] وَالْغَنَمِ ( ع ) السَّائِمَةِ ( و هـ ش ) لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ زَادَ بَعْضُهُمْ : وَالتَّسْمِينِ ، وَقِيلَ : وَالْعَمَلِ ، كَالْإِبِلِ الَّتِي تُكْرَى ، وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ : لَا ( و هـ ش ) وَقِيلَ : تَجِبُ فِي الْمَعْلُوفَةِ ( و م ) كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ .
.
( وَ ) وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ فِيمَا إذَا كَانَ نِتَاجُ النِّصَابِ رَضِيعًا سَائِمًا وَجْهَيْنِ وَبَعْضُهُمْ : احْتِمَالَيْنِ ، وَسَيَأْتِي .
.
بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ فِيمَا إذَا كَانَ نِتَاجُ السَّائِمَةِ رَضِيعًا سَائِمًا وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
لَعَلَّهُ : رَضِيعًا غَيْرَ سَائِمٍ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَيُعْتَبَرُ السَّوْمُ بِأَنْ تَرْعَى الْمُبَاحَ .
فَلَوْ اشْتَرَى لَهَا مَا تَرْعَاهُ وَجَمَعَ لَهَا مَا تَأْكُلُ فَلَا زَكَاةَ .
وَلَا زَكَاةَ فِي مَاشِيَةٍ فِي الذِّمَّةِ .
كَمَا سَبَقَ .
و لِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ : هَلْ السَّوْمُ شَرْطٌ ، أَوْ عَدَمُهُ مَانِعٌ ؟ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَيَصِحُّ عَلَى الثَّانِي ( م 1 ) .
.
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَلِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ ، هَلْ السَّوْمُ شَرْطٌ ، أَوْ عَدَمُهُ مَانِعٌ ؟ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَيَصِحُّ عَلَى الثَّانِي ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَبَنَوْا هَذَا الْفَرْعَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ ، أَحَدُهُمَا عَدَمُ السَّوْمِ مَانِعٌ .
( قُلْت ) : فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ عَدَمَ السَّوْمِ مَانِعٌ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي السَّوْمُ شَرْطٌ .
تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي هَذَا الْكِتَابِ : فِي تَحَقُّقِ هَذَا الْخِلَافِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا كَانَ عَدَمُهُ مَانِعًا ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ فَعَدَمُهُ شَرْطٌ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا ، بَلْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ عَكْسُ الشَّرْطِ ، فَوُجُودُ الْمَانِعِ كَعَدَمِ الشَّرْطِ ، فَلَزِمَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ ، وَوُجُودُ الشَّرْطِ كَعَدَمِ الْمَانِعِ ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُودُ الْحُكْمِ ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الِاخْتِلَافِ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ ، فَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِ عَدَمِ السَّوْمِ مَانِعًا أَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ شَرْطًا أَنَّهُ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهِ ، فَإِنْ كَانَ انْعِقَادُ الْحَوْلِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّعْجِيلِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ عَدَمِ السَّوْمِ ، لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ ، وَصَحَّ مَعَ وُجُودِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْعِقَادُ الْحَوْلِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّعْجِيلِ صَحَّ مَعَ عَدَمِ السَّوْمِ ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يُعْرَفُ ، أَعْنِي كَوْنَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّعْجِيلِ ، وَعَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، مِنْ أَنَّ وُجُودَ مَانِعِ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ لَوْ كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ ، صَحَّ تَعْجِيلُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ
مَانِعٌ ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ ، قَالَ : وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ بِخَمْسِ وَرَقَاتٍ فِي أَوَّلِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى : مَتَى أُبْرِئَ الْمَدِينُ أَوْ قَضَى مِنْ مَالٍ مُسْتَحْدَثٍ ابْتَدَأَ حَوْلًا ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مَنَعَ انْعِقَادَ الْحَوْلِ وَقَطَعَهُ ، وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْحُكْمِ ، انْتَهَى .
وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ ، بَلْ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ ثِقَةٌ فِيمَا يَنْقُلُ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ ، وَكَذَلِكَ الْفَرْعُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ ، بَلْ قَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ ، وَقَدْ تَابَعَهُمْ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُمْ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ ، وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّ التَّعْجِيلَ يَصِحُّ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ النِّصَابُ ، مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ حَوَلَانِ الْحَوْلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا : يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ ، وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا ، بَلْ التَّعْجِيلُ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَامِلًا ، كَمُضِيِّ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ بِلَا نِزَاعٍ ، وَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ بَعْدَ وُجُودِهِ ، لِوُجُوبِهَا إذَنْ ، فَهَذَا شَرْطٌ لَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ بَعْدَ وُجُودِهِ ، وَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا مَانِعٌ يَصِحُّ التَّعْجِيلُ مَعَ وُجُودِهِ ، وَهَذِهِ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْمُحَشِّي يَصِحُّ التَّعْجِيلُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ ، وَهُوَ عَدَمُ حَوَلَانِ الْحَوْلِ ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ حُصُولِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ مُضِيُّ الْحَوْلِ ، فَإِنْ عَجَّلَ لِحَوْلٍ مُسْتَقْبَلٍ فَالشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ ، وَالْمَانِعُ مَوْجُودٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُ الْمُحَشِّي " لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا كَانَ عَدَمُهُ مَانِعًا ،
كَمَا أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ فَعَدَمُهُ شَرْطٌ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا بَلْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ عَكْسُ الشَّرْطِ " انْتَهَى .
هَذَا صَحِيحٌ ، قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ لَكِنْ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْ تَرْتِيبِ حُكْمٍ عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَانْتِفَائِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ بَعْضِهِ .
وَقَوْلُهُ " فَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِ عَدَمِ السَّوْمِ مَانِعًا أَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، بَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ وَيَكُونُ مُرَاعًى ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبِلَ مَثَلًا إذَا لَمْ تَرْعَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ ، كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مَثَلًا ، ثُمَّ رَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْحَوْلِ ، نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْحَوْلَ انْعَقَدَ عَنْ أَوَّلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَعَتْ فِيهِ ، فَلَيْسَ عَدَمُ السَّوْمِ مَانِعًا مِنْ انْعِقَادِ الْحَوْلِ مُطْلَقًا ، بَلْ مِنْ الْوُجُوبِ ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا ، " مَعْنَى كَوْنِ وُجُودِهِ شَرْطًا أَنَّهُ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهِ " غَيْرُ مُسْلِمٍ أَيْضًا ، بَلْ قَدْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، كَمَا مَثَّلْنَا قَبْلُ ، وَقَدْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ ، كَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ .
وَقَوْلُهُ " فَإِنْ كَانَ انْعِقَادُ الْحَوْلِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّعْجِيلِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ عَدَمِ السَّوْمِ ، لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ ، وَصَحَّ مَعَ وُجُودِهِ " فَنَقُولُ : لَيْسَ بَيْنَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ وَعَدَمِ السَّوْمِ مُلَازَمَةٌ ، لِصِحَّةِ التَّعْجِيلِ ، بَلْ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْهُ وَهُوَ وُجُودُ الْحَوْلِ مَعَ عَدَمِ السَّوْمِ ، كَمَا مَثَّلْنَا بِهِ قَبْلُ ، وَقَوْلُهُ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْعِقَادُ الْحَوْلِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّعْجِيلِ صَحَّ مَعَ عَدَمِ السَّوْمِ " فَنَقُولُ : هَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ عَدَمَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّعْجِيلِ ، بَلْ يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْحَابَ جَوَّزُوا التَّعْجِيلَ عَنْ الْحَوْلِ الثَّانِي قَبْلَ دُخُولِهِ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَقَدَّمَهُ
الْمُصَنِّفُ ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْحَوْلِ الثَّالِثِ عَلَى رَأْيٍ ، وَقَدْ صَحَّ انْعِقَادُ الْحَوْلِ مَعَ عَدَمِ السَّوْمِ ، وَقَوْلُهُ " وَلَكِنْ هَذَا لَا يُعْرَفُ أَعْنِي كَوْنَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّعْجِيلِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، بَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ ، وَقَدْ قَالَهُ الْأَصْحَابُ ، كَمَا قُلْنَا إذَا عَجَّلَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ النِّصَابُ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ النِّصَابُ ، مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ حَوَلَانِ الْحَوْلِ ، وَأَمَّا وُجُودُ بَعْضِ الشُّرُوطِ كَامِلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ ، كَحَوَلَانِ الْحَوْلِ مَثَلًا ، وَقَدْ يُتَصَوَّر إذَا وُجِدَ بَعْضُ الشَّرْطِ ، كَالسَّوْمِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ شَرْطٌ وَشَرَعَ فِيهِ ، وَكَذَا الشُّرُوعُ فِي الْحَوْلِ فِي زَكَاةِ النَّقْدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا ، وَقَوْلُهُ " وَعَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ وُجُودَ مَانِعِ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ لَوْ كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ ، صَحَّ تَعْجِيلُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَانِعٌ فَلْيُنْظَرْ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَلْتَزِمْ أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ مَعَهُ ، بَلْ قَالَ : وَذَلِكَ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ .
وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ لِوُجُودِ الدَّيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُعْتَبَرُ السَّوْمُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ ، وَفِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ نَقْصِ النِّصَابِ : فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِيمَنْ بَعْدَهُ ( و هـ ) وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ كُلُّهُ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : وَلَا أَثَرَ لِعَلَفِ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ ( و ش ) وَلَا يُعْتَبَرُ لِلسَّوْمِ .
.
وَالْعَلَفُ نِيَّةٌ ، فِي وَجْهٍ ، فَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ، كَغَصْبِهِ حَبًّا وَزَرْعًا فِي أَرْضِ رَبِّهِ فِيهِ الْعُشْرُ عَلَى مَالِكِهِ ، كَنَبَاتِهِ بِلَا زَرْعٍ ، وَإِنْ اعْتَلَفَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا غَاصِبٌ فَلَا زَكَاةَ ، لِفَقْدِ السَّوْمِ الْمُشْتَرَطِ ، وَالْمُحَرَّمُ الْغَصْبُ لَا الْعَلَفُ ، وَيُعْتَبَرُ لَهُمَا النِّيَّةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ ، فَلَا زَكَاةَ إذَا سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ ( م 2 ) لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَرْضَ بِإِسَامَتِهَا فَفُقِدَ قَصْدُ الْإِسَامَةِ الْمُشْتَرَطَةِ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ : كَمَا لَوْ سَامَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيمَهَا ، فَجَعَلَاهُ أَصْلًا قَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي ، وَتَجِبُ إذَا اعْتَلَفَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا غَاصِبٌ ، لِأَنَّ فِعْلَهُ مُحَرَّمٌ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ أَثْمَانًا وَصَاغَهَا حُلِيًّا ، وَلِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ ، كَمَا لَوْ ضَلَّتْ فَأَكَلَتْ مِنْ الْمُبَاحِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَطَرْدُهُ : مَا لَوْ سَلَّمَهَا إلَى رَاعٍ لِيُسِيمَهَا فَعَلَفَهَا ، وَعَكْسُهُ : مَا لَوْ تَبَرَّعَ حَاكِمٌ وَوَصَّى بِعَلَفِ مَاشِيَةِ يَتِيمٍ وَصَدِيقٍ بِذَلِكَ ، بِإِذْنِ صَدِيقِهِ ، لِفَقْدِ قَصْدِ الْإِسَامَةِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْهُ ، وَقِيلَ : تَجِبُ إذَا عَلَفَهَا غَاصِبٌ ، اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، فَقِيلَ : لِتَحْرِيمِ فِعْلِهِ ، وَقِيلَ لِانْتِفَاءِ الْمُؤْنَةِ عَنْ رَبِّهَا ( م 3 ) وَقِيلَ : تَجِبُ إنْ أَسَامَهَا ، لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ ، كَمَا لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ بِيَدِ الْغَاصِبِ ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي مَسَائِلِ السَّوْمِ الْخَمْسَةِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَلَا يُعْتَبَرُ لِلسَّوْمِ وَالْعَلَفِ نِيَّةٌ فِي وَجْهٍ ، فَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ، وَإِنْ اعْتَلَفَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا غَاصِبٌ فَلَا زَكَاةَ ، لِفَقْدِ السَّوْمِ الْمُشْتَرَطِ ، وَالْمُحَرَّمُ الْغَصْبُ لَا الْعَلَفُ ، وَيُعْتَبَرُ لَهَا النِّيَّةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ ، فَلَا زَكَاةَ إذَا سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْلُوفَةً عِنْدَ الْمَالِكِ سَائِمَةً عِنْدَ الْغَاصِبِ ، وَقَدَّمُوا فِي عَكْسِهَا عَدَمَ الزَّكَاةِ ، وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، أَحَدُهُمَا لَا يُعْتَبَرُ لَهُمَا النِّيَّةُ ، وَحَجَّهُ أَبُو الْمَعَالِي ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْمُصَنِّفِ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ : لَا يُعْتَبَرُ فِي السَّوْمِ وَالْعَلَفِ نِيَّةٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُعْتَبَرُ لَهَا النِّيَّةُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَصَحُّ ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَقِيلَ : تَجِبُ إذَا عَلَفَهَا غَاصِبٌ ، اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، فَقِيلَ : لِتَحْرِيمِ فِعْلِهِ ، وَقِيلَ : لِانْتِفَاءِ الْمُؤْنَةِ عَنْ رَبِّهَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا إنَّمَا تَجِبُ لِتَحْرِيمِ فِعْلِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِانْتِفَاءِ الْمُؤْنَةِ ، اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَأَبْطَلَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ التَّعْلِيلَيْنِ بِنَاءً مِنْهُمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ إذَا عَلَفَهَا الْغَاصِبُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِسَوْمِ الْغَاصِبِ فَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ سَوْمِ الْمَالِكِ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَجْهَانِ ( م 4 ) .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ فَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ سَوْمِ الْمَالِكِ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً عِنْدَ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُعْتَبَرُ .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَهُوَ قَوِيٌّ .
قَالَ الْأَصْحَابُ : يَسْتَوِي غَصْبُ النِّصَابِ وَضَيَاعُهُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ بَعْضَهُ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ السَّوْمُ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ فَالرِّوَايَتَانِ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ رَبِّهَا أَكْثَرُ وَجَبَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً عِنْدَهُمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَإِنْ غَصَبَ رَبُّ السَّائِمَةِ عَلَفَهَا ، فَعَلَفَهَا وَقَطَعَ السَّوْمَ ، فَفِي اعْتِبَارِ انْقِطَاعِهِ شَرْعًا وَجْهَانِ ( م 5 ) وَكَذَا لَوْ قَطَعَ مَاشِيَتَهُ عَنْ السَّوْمِ لِقَصْدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِهَا وَنَحْوِهِ ، أَوْ نَوَى قِنْيَةَ عَبِيدِ التِّجَارَةِ كَذَلِكَ ، أَوْ نَوَى بِثِيَابِ الْحَرِيرِ لِلتِّجَارَةِ لُبْسَهَا ( م 6 ) .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ غَصَبَ رَبُّ السَّائِمَةِ عَلَفًا ، فَعَلَفَهَا وَقَطَعَ السَّوْمَ ، فَفِي انْقِطَاعِهِ شَرْعًا وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ ، أَحَدُهُمَا يَنْقَطِعُ ، وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي بَحْثِهِمَا ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ السَّوْمُ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ قَطَعَ مَاشِيَتَهُ عَنْ السَّوْمِ لِقَصْدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِهَا وَنَحْوِهِ ، أَوْ نَوَى قِنْيَةَ عَبِيدِ التِّجَارَةِ كَذَلِكَ ، أَوْ نَوَى بِثِيَابِ الْحَرِيرِ لِلتِّجَارَةِ لُبْسَهَا ، انْتَهَى .
وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ، فَكَذَا الْمَقِيسُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، أَعْنِي أَنَّ الصَّحِيحَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ بِذَلِكَ .
وَفِي ، الرَّوْضَةِ : إنْ أَسَامَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ ثُمَّ نَوَاهَا لِعَمَلٍ أَوْ حَمْلٍ فَلَا زَكَاةَ ، كَسُقُوطِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ ، كَذَا قَالَ ، وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ مَنْ نَوَى بِسَائِمَةٍ عَمَلًا لَمْ تَصِرْ لَهُ بِهِ قَبْلَهُ ، وَإِنْ غَصَبَ حُلِيًّا فَكَسَرَهُ أَوْ ضَرَبَهُ نَقْدًا وَجَبَتْ ، فِي الْأَصَحِّ ، لِزَوَالِ الْمُسْقِطِ لَهَا ، وَإِنْ غَصَبَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَاتَّجَرَ فِيهِ لَمْ تَجِبْ ، لِأَنَّ بَقَاءَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ شَرْطٌ ، فَإِنْ نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ فَوَجْهَانِ ( م 7 ) .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ غَصَبَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَاتَّجَرَ فِيهِ لَمْ تَجِبْ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ شَرْطٌ ، فَإِنْ نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَجِبُ الزَّكَاةُ ، وَتُؤَثِّرُ النِّيَّةُ .
فَصْلٌ أَقَلُّ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ ( ع ) فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ ( ع ) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ تُجْزِئُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ شَاةِ الْجُبْرَانِ ، كَذَا أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : لَا تُجْزِئُهُ مَعَ وُجُودِ الشَّاةِ فِي مِلْكِهِ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ .
وَلَا تُعْتَبَرُ الشَّاةُ بِغَالِبِ غَنَمِ الْبَلَدِ ( م ) وَتُعْتَبَرُ الشَّاةُ بِصِفَةِ الْإِبِلِ ، فَفِي كِرَامٍ سِمَانٍ كَرِيمَةٌ سَمِينَةٌ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مَعِيبَةً فَقِيلَ الشَّاةُ كَشَاةِ الصِّحَاحِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَشَاةِ الْفِدْيَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ ، وَقِيلَ : بَلْ صِحَّتُهَا بِقَدْرِ الْمَالِ ، تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِقَدْرِ نَقْصِ الْإِبِلِ كَشَاةِ الْغَنَمِ ، وَقِيلَ : شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ ( م 8 ) وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ، وَلَا يُجْزِئُ بَعِيرٌ ، نَصَّ .
عَلَيْهِ ( و م ) كَبَقَرَةٍ ، وَكَنِصْفَيْ شَاتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : بَلَى إنْ كَانَتْ ، قِيمَتُهُ قِيمَةَ شَاةٍ وَسَطٍ فَأَكْثَرَ ، بِنَاءً عَلَى إخْرَاجِ الْقِيمَةِ ( و هـ ) وَقِيلَ : تُجْزِئُ إنْ أَجْزَأَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ( و ش ) .
وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ ( ع ) وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ( عِ ) وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ( عِ ) وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ ( ع ) وَلَهَا سَنَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا قَدْ حَمَلَتْ غَالِبًا ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ فَإِنْ عَدِمَهَا فِي مَالِهِ أَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ ، وَالْأَشْهَرُ أَوْ خُنْثَى ، وَلَهُ سَنَتَانِ ، وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْهَا ( هـ ) ، أَوْ حِقٌ ، أَوْ جَذَعٌ ، أَوْ ثَنِيٌّ وَأَوْلَى ، لِزِيَادَةِ السِّنِّ ، وَفِي بِنْتِ لَبُونٍ وَلَهُ جُبْرَانُ وَجْهَانِ ، لِاسْتِغْنَائِهِ بِابْنِ اللَّبُونِ عَنْ الْجُبْرَانِ .
وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْجَوَازِ ( م 9 ) ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَحَدِهِمَا عَدَمَ الْآخَرِ .
وَفِي جُبْرَانِ الْأُنُوثَةِ بِزِيَادَةِ سِنٍّ فِي غَيْرِهَا وَجْهَانِ ( م 10 ) وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ
لَمْ يُجْزِهِ ابْنُ لَبُونٍ ( ش ) وَالْأَشْهَرُ : وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا ، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ شِرَاءِ بِنْتِ مَخَاضٍ بِصِفَةِ الْوَاجِبِ ، وَإِنْ عَدِمَ ابْنَ لَبُونٍ لَزِمَهُ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ ، وَلَا يُجْزِئُهُ هُوَ ( ش ) لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ الصَّحِيحِ : فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا ، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ ، وَيَأْتِي قَوْلُ أَبِي الْمَعَالِي فِيمَنْ عَدِمَ الْوَاجِبَ .
وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ ( ع ) سُمِّيَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا وَضَعَتْ فَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ وَقِيلَ : وَيُجْزِئُ ابْنُ لَبُونٍ بِجُبْرَانٍ لِعَدَمٍ ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ ( ع ) وَلَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا وَيَطْرُقَهَا الْفَحْلُ وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ ( عِ ) وَلَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهَا تَجْذَعُ إذَا سَقَطَتْ سِنُّهَا وَتُجْزِئُ ثَنِيَّةٌ بِلَا جُبْرَانٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ ثَنِيَّتَهَا ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْجُبْرَانِ وَجْهَانِ .
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَلَا يُجْزِئُ فَوْقَهَا ، وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبْرَانِ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَقِيلَ : تُجْزِئُ حِقَّتَانِ أَوْ ابْنَتَا لَبُونٍ ( و ش ) وَابْنَتَا لَبُونٍ عَنْ الْحِقَّةِ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُنْتَقَضُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ عَنْ عِشْرِينَ ، وَبِثَلَاثِ بَنَاتِ مَخَاضٍ عَنْ الْجَذَعَةِ .
وَالْأَسْنَانُ الْمَذْكُورَةُ لِلْإِبِلِ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ ( وَ ) وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِبِنْتِ مَخَاضٍ سَنَتَانِ ، وَلِبِنْتِ لَبُونٍ ثَلَاثٌ ، وَلِحِقَّةٍ أَرْبَعٌ ، وَلِجَذَعَةٍ خَمْسٌ كَامِلَةٌ ، فَكَيْفَ يَحْمِلُهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى بَعْضِ السَّنَةِ مَعَ قَوْلِهِ : كَامِلَةٌ ، وَقِيلَ : لِبِنْتِ مَخَاضٍ : نِصْفُ سَنَةٍ ، وَلِبِنْتِ لَبُونٍ : سَنَةٌ ، وَلِحِقَّةٍ : سَنَتَانِ .
وَلِجَذَعَةٍ : ثَلَاثٌ .
وَقِيلَ : بَلْ سِتٌّ .
وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ ( ع ) وَفِي
إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ ( ع ) وَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَهَلْ الْوَاحِدَةُ عَفْوٌ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا الْفَرْضُ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 11 ) ثُمَّ تَسْتَقِرُّ الْفَرِيضَةُ ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ ، هَذَا الْمَذْهَبُ ، لِلْأَخْبَارِ ، مِنْهَا خَبَرُ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ ( و ش م ر ) وَعَنْهُ : الْحِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ ، فَتَسْتَقِرُّ الْفَرِيضَةُ كَمَا سَبَقَ ، فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْخِلَافِ وَأَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ ( و م ر ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ ، فَإِنْ صَحَّ عُورِضَ بِرِوَايَتِهِ الْأُخْرَى ، وَبِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَصَحُّ ، وَلَا أَثَرَ لِزِيَادَةِ بَعْضِ بَعِيرٍ وَبَقَرَةٍ وَشَاةٍ .
وَمَذْهَبُ ( هـ ) تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ، فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ ، إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ ، ثُمَّ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الزِّيَادَةِ شَاةٌ ، إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ الْحِقَاقِ ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مَعَ ثَلَاثِ الْحِقَاقِ ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ مَعَ ثَلَاثِ الْحِقَاقِ ، فَيَصِيرُ أَرْبَعًا ، إلَى مِائَتَيْنِ ، فَإِذَا زَادَتْ اُسْتُؤْنِفَتْ الْفَرِيضَةُ كَمَا بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ إلَى الْمِائَتَيْنِ هَكَذَا أَبَدًا ، لِرِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
.
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مَعِيبَةً ، فَقِيلَ : الشَّاةُ كَشَاةِ الصِّحَاحِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَشَاةِ الْفِدْيَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ ، وَقِيلَ : بَلْ صِحَّتُهَا بِقَدْرِ الْمَالِ ، تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِقَدْرِ نَقْصِ الْإِبِلِ ، كَشَاةِ الْغَنَمِ ، وَقِيلَ : شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ كَشَاةِ الصِّحَاحِ ، لِمَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ .
( قُلْت ) : وَهُوَ أَضْعَفُهَا ، وَمَا قِيسَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ لُزُومُ شَاةٍ صِحَّتُهَا بِقَدْرِ الْمَالِ هُوَ الْعَدْلُ وَالصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَفِيهِ مَا فِيهِ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : فَإِنْ عَدِمَهَا يَعْنِي بِنْتَ الْمَخَاضِ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ .
أَوْ حِقٌّ ، أَوْ جَذَعٌ ، أَوْ ثَنِيٌّ وَأَوْلَى ، لِزِيَادَةِ السِّنِّ ، وَفِي بِنْتِ لَبُونٍ وَجْهَانِ ، لِاسْتِغْنَائِهِ بِابْنِ لَبُونٍ عَنْ الْجُبْرَانِ ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْجَوَازِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا ، يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَابْنِ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَحَدِهِمَا عَدَمَ الْآخَرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُ .
مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَفِي جُبْرَانِ الْأُنُوثَةِ بِزِيَادَةِ سِنٍّ فِي غَيْرِهَا وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي هَلْ يُجْبَرُ فَقْدُ الْأُنُوثَةِ بِزِيَادَةِ سِنٍّ فِي غَيْرِ بِنْتِ الْمَخَاضِ ، وَتُجْزِئُ ، أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا لَا يُجْبَرُ وَلَا يُجْزِئُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَصَرُوهُ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .
وَقَالَ : ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ
الْفُصُولِ جَوَازَ الْجَذَعِ عَنْ الْحِقَّةِ وَعَنْ بِنْتِ لَبُونٍ ، لِجَوَازِ الْحِقِّ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ ، وَعَلَّلَهُ ، قَالَ الْمَجْدُ : وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْحُقِّ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَهْوٌ ، وَبَيَّنَ وَجْهَ السَّهْوِ .
وَقَالَ فِي الْفَائِقِ : وَلَا يُجْبَرُ نَقْصُ الذُّكُورِيَّةِ بِزِيَادَةِ سِنٍّ ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
قُلْت : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْبَرُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْفُصُولِ ، وَمَا رَدَّهُ بِهِ الْمَجْدُ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ : اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُمَا اخْتِيَارَيْنِ ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ عَنْهُمَا ، وَالثَّانِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْهُمَا أَيْضًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَهَلْ الْوَاحِدَةُ عَفْوٌ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا الْفَرْضُ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَهُمَا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، أَحَدُهُمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي هِيَ عَفْوٌ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا الْفَرْضُ .
فَصْلٌ فَإِذَا بَلَغَتْ الْمِائَتَيْنِ اتَّفَقَ الْفَرْضَانِ ، فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ ، لِلْأَخْبَارِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَالْأَكْثَرُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ : تَجِبُ الْحِقَاقُ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ ، وَهُوَ قَوْلُ ( هـ ) عَلَى أَصْلِهِ ، كَمَا سَبَقَ ، وَأَوَّلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى صِفَةِ التَّخْيِيرِ ، وَقَدَّمَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ أَفْضَلَهُمَا ( و م ش ) وَعَيَّنَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا مَا وُجِدَ [ عِنْدَهُ ] مِنْهُمَا .
وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّاعِيَ لَيْسَ لَهُ تَكْلِيفُ الْمَالِكِ سِوَاهُ ( وَ ) وَفِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا ، وَلَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا بِخِلَافِهِ ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِهِ مُطْلَقًا بَعِيدٌ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ ، وَلَا وَجْهَ لَهُ .
وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ النَّوْعَيْنِ كَأَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ عَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ جَازَ .
هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ ، فَإِطْلَاقُ وَجْهَيْنِ سَهْوٌ ، أَمَّا مَعَ الْكَسْرِ فَلَا ، كَحِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفًا عَنْ مِائَتَيْنِ ، وَفِيهِ تَخْرِيجُ مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ كَامِلًا ، وَالْآخَرُ نَاقِصًا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ جُبْرَانٍ ، تَعَيَّنَ الْكَامِلُ ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ بَدَلٌ ، فَعَلَى هَذَا مَعَ نَقْصِهَا أَقَلَّ عَدَدٍ مِنْ الْجُبْرَانِ لَا تَجُوزُ مُجَاوَزَتُهُ ، وَقِيلَ : تَجُوزُ ، لِكَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْ الْجُبْرَانِ ، وَمَعَ عَدَمِ الْفَرْضَيْنِ أَوْ عَيَّنَهُمَا لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُمَا مَعَ الْجُبْرَانِ ، فَيُخْرِجُ خَمْسَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَخَمْسَ جُبْرَانَاتٍ عَشْرُ شِيَاهٍ أَوْ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، أَوْ يُخْرِجُ أَرْبَعَ جَذَعَاتٍ وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ ثَمَانِ شِيَاهٍ أَوْ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ بَنَاتِ الْمَخَاضِ عَنْ الْحِقَاقِ وَيَضْعُفُ الْجُبْرَانُ ، وَلَا الْجَذَعَاتِ عَنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ وَيَأْخُذُ الْجُبْرَانَ مُضَاعَفًا ، لِمَا سَبَقَ ( و ش ) فَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ الضَّعِيفُ ، وَاحْتَجَّ بِالْمَنْعِ هُنَا عَلَى الْمَنْعِ فِي سِنٍّ لَا تَلِي الْوَاجِبَ ، وَلَا يُخْرِجُ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ مَعَ جُبْرَانٍ ، وَلَا خَمْسَ حِقَاقٍ وَيَأْخُذُ الْجُبْرَانَ .
.
فَصْلٌ مَنْ عَدِمَ سِنًّا وَاجِبًا لَمْ يُكَلَّفْ تَحْصِيلُهُ ( م ) وَيُخْرِجُ دُونَهُ سِنًّا يَلِيهِ وَمَعَهُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، أَوْ يُخْرِجُ فَوْقَهُ سِنًّا يَلِيهِ وَيَأْخُذُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ السَّاعِي ( و ش ) وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ مَا عَدَلَ إلَيْهِ فِي مِلْكِهِ ، فَإِنْ عَدِمَهَا حَصَلَ الْأَصْلُ ، كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ عَدِمَ ابْنَ لَبُونٍ يُحَصِّلُ بِنْتَ مَخَاضٍ لَا هُوَ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : لَا يُعْتَبَرُ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) لَهُ دَفْعُ سِنٍّ فَوْقَ الْوَاجِبِ أَوْ دُونَهُ ، فَيَدْفَعُ وَيَأْخُذُ قِيمَةَ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْمُقَوِّمِينَ ، كَانَ السِّنُّ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ أَوْ لَا ، بِنَاءً عَلَى الْقِيمَةِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ : مَنْ لَزِمَهُ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ أَخَذَ الْمُصَّدِّقُ الْأَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ ، أَوْ أَخَذَ دُونَهَا وَأَخَذَ الْفَضْلَ بِنَاءً عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ ، إلَّا أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيُطَالِبَ بِعَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُخَيَّرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِيهِ ، بَلْ هُوَ إعْطَاءٌ بِالْقِيمَةِ .
.
.
وَمَنْ جَبَرَ بِشَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، أَوْ أَخْرَجَ سِنًّا لَا تَلِي الْوَاجِبَ لِعَدَمٍ ، عَلَى مَا سَبَقَ وَأَخَذَ الْجُبْرَانَ أَوْ أَعْطَاهُ ، فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ ( م 12 ، 13 ) وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ لَا عَكْسُهُ ( ش ) وَحَيْثُ تَعَذَّرَ الْجُبْرَانُ جَازَ جُبْرَانٌ غَنَمًا وَجُبْرَانٌ دَرَاهِمَ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ، وَالْمَسْأَلَةُ كَالْكَفَّارَاتِ ، وَفِي الْجُبْرَانِ الْوَاحِدِ الْخِلَافُ ، وَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ ، وَكَذَا فِي الشَّاةِ وَالدَّرَاهِمِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَالْمُحَرَّرِ : يُخَيَّرُ مُعْطِي الْجُبْرَانِ ( و ش ) وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ فِي الَّتِي قَبْلَهَا : يُخَيَّرُ السَّاعِي ( و ش ) .
.
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ جَبَرَ بِشَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، أَوْ أَخْرَجَ سِنًّا لَا تَلِي الْوَاجِبَ لِعَدَمِ ، عَلَى مَا سَبَقَ وَأَخَذَ الْجُبْرَانَ أَوْ أَعْطَاهُ ، فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ .
انْتَهَى .
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) هَلْ يَصِحُّ الْجُبْرَانُ بِشَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا يَصِحُّ ، وَيُجْزِئُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ : أَجْزَأَهُ فِي الْأَظْهَرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَصَحَّحَهُ ، فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَمَالَا إلَيْهِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ .
( الْمَسْأَلَةُ 13 الثَّانِيَةُ ) هَلْ يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى سِنٍّ لَا تَلِي الْوَاجِبَ مِنْ فَوْقٍ أَوْ أَسْفَلَ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ وَالْإِجْزَاءُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، قَالَ النَّاظِمُ : هَذَا الْأَقْوَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَ غَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْمُغْنِي ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا
جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .
وَإِنْ عُدِمَتْ الْفَرِيضَةُ وَالنِّصَابُ مَعِيبٌ فَلَهُ دَفْعُ السِّنِّ السُّفْلِيِّ مَعَ الْجُبْرَانِ ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ مَا فَوْقَهَا مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ وَفْقَ مَا بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ ، وَمَا بَيْنَ الْمَعِيبَيْنِ أَقَلَّ مِنْهُ ، فَإِذَا دَفَعَهُ الْمَالِكُ جَازَ ، لِتَطَوُّعِهِ بِالزَّائِدِ ، بِخِلَافِ السَّاعِي وَبِخِلَافِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا إخْرَاجُ الْأَدْوَنِ ، وَهُوَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ ، كَمَا لَا يَتَبَرَّعُ .
وَلَا جُبْرَانَ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ ( وَ ) وَلِأَنَّ النَّصَّ فِيهَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ .
وَإِنْ جَبَرَ صِفَةَ الْوَاجِبِ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ فَأَخْرَجَ الرَّدِيءَ عَنْ الْجَيِّدِ وَزَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ النَّفْعُ بِعَيْنِهَا ، فَيَفُوتُ بَعْضُ الْمَقْصُودِ ، وَمِنْ الْأَثْمَانِ الْقِيمَةُ .
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ : يُحْتَمَلُ فِي الْمَاشِيَةِ كَمَسْأَلَةِ الْأَثْمَانِ ، عَلَى مَا يَأْتِي .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ فِي الْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمَكْسُورَةِ عَنْ الصِّحَاحِ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصِّحَاحِ قَالَ فِي الْخِلَافِ : لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ نِصَابُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ هَذَا .
.
فَصْلٌ أَقَلُّ نِصَابِ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ ( وَ ) فَيَجِبُ فِيهَا تَبِيعٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ ، حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ جَذَعُ الْبَقَرَةِ الَّذِي اسْتَوَى قَرْنَاهُ وَحَاذَى قَرْنُهُ أُذُنَهُ غَالِبًا أَوْ تَبِيعَةٌ ( و ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَنَةٌ ، ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ ( و هـ ش ) وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : نِصْفُ سَنَةٍ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى سَنَتَانِ ( و م ) وَيُجْزِئُ مُسِنٌّ .
وَفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْجَذَعَ لِوَلَدِ الْبَقَرَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ .
وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ ( وَ ) أَلْقَتْ سِنًّا غَالِبًا ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ ، وَلَهَا سَنَتَانِ ( و هـ ش ) وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ سَنَتَانِ ، وَقِيلَ : ثَلَاثٌ ( و م ) وَقِيلَ : أَرْبَعٌ ، وَتُجْزِئُ أَعْلَى مِنْهَا سِنًّا ، وَلَا يُجْزِئُ مُسِنٌّ ( هـ ) وَقِيلَ : يُجْزِئُ عَنْهَا تَبِيعَانِ ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، فَيُجْزِئُ ثَلَاثَةٌ عَنْ مُسِنَّتَيْنِ ( و ش ) وَفِي سِتِّينَ تَبِيعَانِ ( وَ ) ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ [ ( وَ ) ] وَإِنْ اجْتَمَعَ الْفَرْضَانِ ، كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ ، فَكَالْإِبِلِ ( وَ ) وَنَصَّ أَحْمَدُ هُنَا : التَّخْيِيرَ ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَقَوْلِنَا ، وَعَنْ ( هـ ) أَيْضًا فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِحِسَابِهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ ، وَعَنْ ( هـ ) أَيْضًا : لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ ، فَتَجِبَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ .
.
فَصْلٌ أَقَلُّ نِصَابِ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ ( ع ) فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ ( ع ) وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ ( ع ) وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ( وَ ) إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَتَجِبُ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ( وَ ) ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ [ شَاةٌ ] ( وَ ) وَعَنْهُ : فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ ، فَعَلَيْهِمَا فِي خَمْسِمِائَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ ، وَعَنْهُ أَنَّ الْمِائَةَ زَائِدَةٌ ، فَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ ، وَفِي خَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ سِتُّ شِيَاهٍ ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا ، فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ : اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا سَهْوٌ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الثَّانِيَةَ وَقَدْ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّالِثَةَ ، وَذَكَرَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْمَذْهَبُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى ، نَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ ، وَسَبَقَ حُكْمُ الْأَوْقَاصِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ .
.
فَصْلٌ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الشَّاةُ فِي إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ( و ش ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةً عَنْ ( هـ ) وَلَهُ نِصْفُ سَنَةٍ ( و هـ ش ) وَقِيلَ : ثُلُثَاهَا ، لَا سَنَةٌ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ ( و ش ) وَلَهُ سَنَةٌ ( و هـ ش ) لَا سَنَتَانِ ( م ) وَلَا يُعْتَبَرُ الثَّنِيُّ مِنْهُمَا ( هـ ) وَلَا يَكْفِي الْجَذَعُ مِنْهُمَا ( م ) وَقَدَّمَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْجَذَعَ لِوَلَدِ الشَّاةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ مِثْلِهِ ، وِفَاقًا لِلْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .
وَلَا يُجْزِئُ فِي مَاشِيَةِ إنَاثٍ إخْرَاجُ ذَكَرٍ ، إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ابْنِ لَبُونٍ وَتَبِيعٍ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُ ذَكَرُ الْغَنَمِ عَنْ الْإِبِلِ ( و هـ ) وَقِيلَ : وَعَنْ الْغَنَمِ [ ( و هـ ) ] وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا أَجْزَأَ الذَّكَرُ ( و م ش ) وَقِيلَ : لَا [ فَيُخْرِجُ أُنْثَى بِقِيمَةِ الذَّكَرِ ، فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْإِنَاثِ ، وَيُقَوَّمُ نِصَابُ الذُّكُورِ ، فَيُؤْخَذُ أُنْثَى بِقِسْطِهِ ] وَقِيلَ : يُجْزِئُ عَنْ الْغَنَمِ لَا عَنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُ عَنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ ، لِئَلَّا يُخْرِجَ ابْنَ لَبُونٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَعَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَيَتَسَاوَى الْفَرْضَانِ ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ : الْفَرْضُ نِصْفُهُ الْمَالِ ، وَقِيمَتُهُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ دُونَ قِيمَتِهِ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ، بَيَّنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ كَمَا بَيَّنَهُمَا فِي الْعَدَدِ ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّسْوِيَةِ ، كَالْغَنَمِ .
وَقِيلَ : يُخْرِجُ ابْنَ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ، فَيَقُومُ الذَّكَرُ مَقَامَ الْأُنْثَى الَّتِي فِي سِنِّهِ ، كَسَائِرِ النُّصُبِ ، وَحَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ الْقَاضِي ، وَأَنَّهُ أَصَحُّ ، وَقَالَ : قَالَ الْقَاضِي : يُخْرِجُ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنَ لَبُونٍ زَائِدَ الْقِيمَةِ عَلَى ابْنِ مَخَاضٍ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ ، وَلَا تُؤْخَذُ الرُّبَّى وَهِيَ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ تُرَبِّيهِ ( وَ ) وَلَا الْحَامِلُ ، وَلَا طَرُوقَةُ الْفَحْلِ ( وَ ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْبَلُ غَالِبًا إلَّا بِرَضِي رَبِّ الْمَالِ ( وَ ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلَوْ كَانَ الْمَالُ كَذَلِكَ ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْدُودَةِ ، وَكَذَا خِيَارُ الْمَالِ .
وَالْأَكُولَةُ وَهِيَ السَّمِينَةُ ( وَ ) مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ الْفَرِيضَةِ عَلَى صِفَتِهِ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِالسِّنِّ الْمَنْصُوصَةِ عَلَيْهِ .
وَكَذَا لَا تُؤْخَذُ سِنٌّ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ أَعْلَى مِنْهُ إلَّا بِرِضَى رَبِّهِ ( وَ ) كَبِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ ، نَقَلَ حَنْبَلٌ : إنْ أَخْرَجَ أَجْوَدَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَذَلِكَ فَضْلٌ لَهُ ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَجْهًا ، وَقَدْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ : إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَخْرَجَ الْأَكُولَةَ وَهِيَ السَّمِينَةُ فَلِلسَّاعِي قَبُولُهَا ، وَعَنْهُ : لَا ؛ لِأَنَّهَا قِيمَةٌ ، كَذَا قَالَ ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ .
وَفَحْلُ الضَّرْبِ لَا يُؤْخَذُ ، لِجَبْرِهِ ( وَ ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، فَلَوْ بَذَلَهُ الْمَالِكُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ حَيْثُ يُقْبَلُ الذَّكَرُ ، وَقِيلَ : لَا ، لِنَقْصِهِ وَفَسَادِ لَحْمِهِ ، كَتَيْسٍ لَا يَضْرِبُ .
وَلَا تُجْزِئُ مَعِيبَةٌ لَا يُضَحَّى بِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ .
وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الشَّيْخُ يُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا تُؤْخَذُ عَوْرَاءُ وَلَا عَرْجَاءُ وَلَا نَاقِصَةُ الْخَلْقِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ جَوَازَهُ إنْ رَآهُ السَّاعِي أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ ، لِزِيَادَةِ صِفَةٍ فِيهِ ( و م ش ) وَأَنَّهُ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا إخْرَاجَ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصِّحَاحِ وَرَدِيءَ الْحَبِّ عَنْ جَيِّدِهِ إذَا زَادَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، وَسَبَقَ آخِرَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ قَبْلَهُ .
وَلَا تُؤْخَذُ صَغِيرَةٌ ( وَ ) وَإِنْ كَانَ النِّصَابُ مَعِيبًا بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صِغَارًا جَازَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يُجْزِئُ إلَّا سَلِيمَةٌ كَبِيرَةٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَالِ ( و م ) وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ ، قَالَ لِقَوْلِ : أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ : لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا ، قَالَ الْقَاضِي : وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْوَاضِحِ رِوَايَةً ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، كَشَاةِ الْإِبِلِ ، لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ ، فَلَا يَرْتَفِقُ الْمَالِكُ ، وَهُنَا مِنْ جِنْسِهِ ، فَهُوَ كَالْحُبُوبِ ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُتَصَوَّرُ أَخْذُ الصَّغِيرَةِ إذَا بَدَّلَ الْكِبَارَ بِالصِّغَارِ أَوْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَتْ الصِّغَارُ ، وَذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ عَلَى الصِّغَارِ مُفْرَدَةً كَمَا يَأْتِي ، وَإِلَّا انْقَطَعَ ، .
.
وَالْفُصْلَانُ وَالْعَجَاجِيلُ كَالسِّخَالِ ، فِي وَجْهٍ ، فَلَا أَثَرَ لِلسِّنِّ ، وَيُعْتَبَرُ الْعَدَدُ ، فَيُؤْخَذُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى إحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَةٌ [ مِنْهَا ] ثُمَّ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ ، وَكَذَا فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ ، وَفِي ثَلَاثِينَ عِجْلًا إلَى تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَاحِدٌ .
وَفِي سِتِّينَ إلَى تِسْعٍ و ثَمَانِينَ اثْنَانِ ، وَفِي التِّسْعِينَ ثَلَاثٌ مِنْهَا ، وَالتَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ ، مَكَانُ زِيَادَةِ السِّنِّ ، كَمَا سَبَقَ فِي إخْرَاجِ الذَّكَرِ مِنْ الذُّكُورِ ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَسْوِيَةِ النُّصُبِ الَّتِي غَايَرَ الشَّرْعُ الْأَحْكَامَ فِيهَا بِاخْتِلَافِهَا ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ فُصْلَانٍ وَعَجَاجِيلَ ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْكِبَارِ ، وَيُقَوَّمُ فَرْضُهُ .
ثُمَّ يُقَوَّمُ الصِّغَارُ ، وَتُؤْخَذُ عَنْهَا كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ ( و ش ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَسْوِيَةِ النُّصُبِ فِي سِنِّ الْمُخْرَجِ ، وَقِيلَ : تُضَاعَفُ زِيَادَةُ السِّنِّ لِكُلِّ رُتْبَةٍ مِنْ الْإِبِل ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَزَادَ فِي الِانْتِصَارِ : وَفِي الْبَقَرِ كَمُضَاعَفَةِ السِّنِّ فِي الْفَرْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ بِالْجُبْرَانِ الشَّرْعِيِّ فِي الْإِبِلِ ، وَيُضَاعَفُ لِكُلِّ رُتْبَةٍ ( م 14 ) ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْفَرِيضَةِ زِيَادَةُ الْمَالِ بِالسِّنِّ أَوْ بِالْعَدَدِ ، وَلَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُهُمَا ، فَاعْتُبِرْنَاهُمَا بِجُبْرَانٍ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْرُ الْوَاجِبِ الَّذِي يُوجِبُ الزِّيَادَةَ بِالسِّنِّ ، وَلَا يُقَالُ هَذَا الْجُبْرَانُ إذَا كَانَ الْمُزَكَّى كِبَارًا ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَلَا فَرْقَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ صِغَارًا مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ ، كَالْكِبَارِ .
جَزَمَ بِهَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَزَادَ : وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّرْعُ بِالْجُبْرَانِ فِي الْبَقَرِ ، وَلَا يُؤْخَذُ وَاحِدٌ مِنْهَا كَمَا يُجْزِئُهُ مِنْ ثَلَاثِينَ ، فَيُؤْخَذُ مَعَهُ ثُلُثُ قِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا
لِلضَّرُورَةِ ، قَالَ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَرْبٍ : إذَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِ مَاشِيَةٍ سِنٌّ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ يُعْطِيهِ مَا عِنْدَهُ وَزِيَادَةً ، وَلَا يَشْتَرِي لَهُ ، عَلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا قَالَ : إنَّ قَوْلَهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ .
( مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَالْفُصْلَانُ وَالْعَجَاجِيلُ كَالسِّخَالِ فِي وَجْهٍ ، فَلَا أَثَرَ لِلسِّنِّ ، وَيُعْتَبَرُ الْعَدَدُ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ فُصْلَانٍ وَعَجَاجِيلَ ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَقِيلَ : تَضَاعُفُ زِيَادَةِ السِّنِّ لِكُلِّ رُتْبَةٍ فِي الْإِبِلِ وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَزَادَ فِي الِانْتِصَارِ : وَفِي الْبَقَرِ كَمُضَاعَفَةِ السِّنِّ فِي الْفَرْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ بِالْجُبْرَانِ الشَّرْعِيِّ فِي الْإِبِلِ ، وَيُضَاعَفُ لِكُلِّ رُتْبَةٍ ، انْتَهَى .
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ : هَذَا الْوَجْهُ أَقْوَى عِنْدِي ، وَعَلَّلَهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا أَصْلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ .
وَأَطْلَقَهُنَّ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَوَّى الْوَجْهَ الثَّانِي ، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا ، وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ لِصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَاخْتَارَهُ .
هَذَا وَإِنْ اجْتَمَعَ كِبَارٌ وَصِغَارٌ وَمَعِيبَاتٌ وَصِحَاحٌ وَجَبَتْ كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ قِيمَتُهَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ ( وَ ) فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ إذَا كَانَ الْمُزَكَّى كُلُّهُ كِبَارًا صِحَاحًا عِشْرِينَ ، وَقِيمَتُهُ بِالْعَكْسِ عَشَرَةٌ ، وَجَبَ كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ ، هَذَا مَعَ تَسَاوِي الْعَدَدَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ أَعْلَى وَالثُّلُثَانِ أَدْنَى فَشَاةٌ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ ، وَبِالْعَكْسِ قِيمَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ ، لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْمَعِيبِ وَكَرَائِمِ الْمَالِ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ } وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : مَنْ لَزِمَهُ رَأْسَانِ فِيمَا نِصْفُهُ صَحِيحٌ وَمَعِيبٌ إخْرَاجُ صَحِيحَةٍ وَمَعِيبَةٍ ( خ ) كَنِصَابِ مَعِيبٍ مُفْرَدٍ ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ، بِدَلِيلِ الْخُلْطَةِ ، وَلِأَنَّ فِي مَالِهِ صَحِيحًا يَفِي بِفَرْضِهِ .
بِخِلَافِ مَا لَوْ لَزِمَا مَنْ مَالُهُ مَعِيبٌ إلَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ صَحِيحَةٌ وَمَعِيبَةٌ .
( وَ ) وَكَذَا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَخْلَةٍ وَشَاةٍ كَبِيرَةٍ شَاةٌ كَبِيرَةٌ وَسَخْلَةٌ إنْ وَجَبَتْ فِي سِخَالٍ مُفْرَدَةٍ ، وَإِلَّا كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ صَحِيحًا بِقَدْرِ الْمَالِ ، فَيَجِبُ مِنْ كِرَامٍ وَلِئَامٍ وَسِمَانٍ وَمَهَازِيلَ وَسَطٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ ، كَمَا سَبَقَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : مِنْ أَحَدِهِمَا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ هِيَ الْمَقْصُودَةُ ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي هَزِيلَةٍ بِقِيمَةِ سَمِينَةٍ ، وَكَذَا إنْ كَانَ نَوْعَيْنِ ، كَبَخَاتِيٍّ وَعِرَابٍ ، وَبَقَرٍ وَجَوَامِيسَ ، وَضَأْنٍ وَمَعْزٍ ، أَخْرَجَ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا ، كَمَا سَبَقَ .
وَيَتَوَجَّهُ فِي حِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ بِجَامُوسٍ ، الْخِلَافُ لَنَا فِي تَعَارُضِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ ؟ .
وَفِي
الْهِدَايَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ : لَا يَحْنَثُ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَفْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ فِي دِيَارِنَا ، لِقِلَّتِهِ وَقِيلَ : يُخَيَّرُ السَّاعِي ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي ضَأْنٍ وَمَعْزٍ : يُخَيَّرُ السَّاعِي لِاتِّحَادِ الْوَاجِبِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو بَكْرٍ الْقِيمَةَ فِي النَّوْعَيْنِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٌ ( و م ) وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَكْثَرِهِمَا عَدَدًا ( م ) .
وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ مِمَّا لَيْسَ فِي مَالِهِ مِنْهُ جَازَ إنْ لَمْ يَنْقُصْ قِيمَةُ الْمُخْرَجِ عَنْ النَّوْعِ الْوَاجِبِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ : وَلَوْ نَقَصَتْ ، وَقِيلَ : لَا تُجْزِئُ هُنَا مُطْلَقًا ، كَغَيْرِ الْجِنْسِ .
وَجَازَ مِنْ أَحَدِ نَوْعَيْ مَالِهِ لِتَشْقِيصِ الْفَرْضِ ، وَقِيلَ : تُجْزِئُ ثَنِيَّةٌ مِنْ الضَّأْنِ عَنْ الْمَعْزِ وَجْهًا وَاحِدًا .
.
فَصْلٌ الْمَذْهَبُ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى صِغَارِ مَاشِيَةٍ مُفْرَدَةٍ مُنْذُ مِلْكِهِ ( و م ش ) فَلَوْ تَغَذَّتْ بِاللَّبَنِ فَقَطْ فَقِيلَ : يَجِبُ ، لِوُجُوبِهَا فِيهَا تَبَعًا لِلْأُمَّاتِ كَمَا تَتْبَعُهَا فِي الْحَوْلِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِعَدَمِ السَّوْمِ الْمُعْتَبَرِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ ( م 15 ) وَقَدْ سَبَقَا ، وَعَنْهُ : لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى تَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ ( و هـ ) وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ : تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحِقَاقِ ، وَفِي بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَاللَّبُونِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى السِّخَالِ .
وَنَقَلَ حَرْبٌ : لَا زَكَاةَ فِي بَنَاتِ الْمَخَاضِ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا كَبِيرٌ ، كَذَا قَالَ ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ مَا لَمْ تَبْقَ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأُمَّاتِ ، نَصَّ عَلَيْهِ [ وَقِيلَ : مَا لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ مِنْ الْأُمَّاتِ ] .
وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَنْقَطِعُ كَمَا سَبَقَ ، وَيَتْبَعُ النِّتَاجُ الْأُمَّاتِ فِي الْحَوْلِ إذَا كَانَتْ الْأُمَّاتُ نِصَابًا ( وَ ) فَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأُمَّاتِ فَنَتَجَتْ سَخْلَةٌ انْقَطَعَ ، وَلَوْ نَتَجَتْ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ لَمْ يَنْقَطِعْ ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ جَمِيعُهَا انْقَطَعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْوُجُودِ فِي الزَّكَاةِ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا فَكَمُلَتْ بِنِتَاجِهَا فَحَوْلُ الْكُلِّ مِنْ الْكَمَالِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ ش ) كَغَيْرِ النِّتَاجِ ( و ) وَكَرِبْحِ التِّجَارَةِ ( م ) وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : حَوْلُ الْكُلِّ مُنْذُ مُلِكَتْ الْأُمَّاتُ ( و م ) كَنَمَاءِ النِّصَابِ ، وَرَدَ : إنَّمَا ضُمَّ إلَيْهِ لِانْعِقَادِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ ، فَصَلُحَ لِاسْتِتْبَاعِ غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا ضُمَّ إلَيْهِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْجِنْسِ بِسَبَبٍ مُنْتَقِلٍ وَلَا إلَى مَا دُونَ النِّصَابِ ( وَ ) وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي رِبْحِ التِّجَارَةِ ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ أَبْدَلَ بَعْضَ نِصَابٍ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ
، كَعِشْرِينَ شَاةً بِأَرْبَعِينَ ، احْتَمَلَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَوْلِ الْأُولَى ( و م ) وَاحْتَمَلَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَوْلَ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَمَاءٍ مِنْ عَيْنِهِ ، كَرِبْحِ التِّجَارَةِ ( م 16 ) وَيَتَوَجَّهُ [ مِنْ ] الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَخْرِيجٌ فِي رِبْحِ التِّجَارَةِ ، وَسَبَقَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ .
( مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ : الْمَذْهَبُ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى صِغَارِ مَاشِيَةٍ مُفْرَدَةٍ مُنْذُ مِلْكِهِ ، فَلَوْ تَغَذَّتْ بِاللَّبَنِ [ فَقَطْ ] فَقِيلَ تَجِبُ لِوُجُوبِهَا فِيهَا تَبَعًا لِلْأُمَّاتِ كَمَا تَتْبَعُهَا فِي الْحَوْلِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِعَدَمِ السَّوْمِ الْمُعْتَبَرِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهَا ، لِعَدَمِ السَّوْمِ الْمُعْتَبَرِ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ ، حَيْثُ قَالَ : تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ فِيمَا إذَا كَانَ نِتَاجُ النِّصَابِ رَضِيعًا غَيْرَ سَائِمٍ وَجْهَيْنِ ، وَبَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ ، وَسَتَأْتِي ، فَجَعَلَ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا طَرِيقَةً مُؤَخَّرَةً فِي أَوَّلِ الْبَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَجِبُ فِيهَا تَبَعًا لِلْأُمَّاتِ .
مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا فَكَمُلَتْ بِنِتَاجِهَا فَحَوْلُ الْكُلِّ مِنْ الْكَمَالِ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : حَوْلُ الْكُلِّ مِنْ مِلْكِ الْأُمَّاتِ .
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ أَبْدَلَ بَعْضَ نِصَابٍ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ كَعِشْرِينَ شَاةً بِأَرْبَعِينَ احْتَمَلَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَوْلِ الْأُولَى ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَوْلُ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَمَاءٍ مِنْ عَيْنِهِ ، كَرِبْحِ التِّجَارَةِ ، انْتَهَى ، وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَرِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الْأُولَى فَأَشْبَهَ النِّتَاجَ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَبْتَدِئُ الْحَوْلُ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْكَمَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَصَلَ مِنْ نَفْسِ الْعَيْنِ ،
وَحَصَلَ الْكَمَالُ هُنَا بِسَبَبِ الْعَيْنِ ، وَهُوَ الْبَدَلُ ، فَأَشْبَهَ رِبْحَ التِّجَارَةِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَتَحَ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا .
فَصْلٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ ، وَلَمْ أَجِدْ بِهِ نَصًّا ، تَغْلِيبًا وَاحْتِيَاطًا ، كَتَحْرِيمِ قَتْلِهِ ، وَإِيجَابِهِ الْجَزَاءَ ، وَالنُّصُوصُ تَتَنَاوَلُهُ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : بِلَا شَكٍّ ، وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ وَجْهَيْنِ ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَتَيْنِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : لَا تَجِبُ ( و ش ) وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، قَالَ : وَالْوَاجِبَاتُ لَا تَثْبُتُ احْتِيَاطًا بِالشَّكِّ ، فَيَلْزَمُ صَوْمُ لَيْلَةِ الْغَيْمِ ، وَمَغْشُوشٌ شُكَّ فِي بُلُوغِهِ نِصَابًا ، قَالَ : وَلِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ وَجِنْسِهِ ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ النُّصُوصُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي هَدْيٍ ، وَلَا أُضْحِيَّةٍ وَدِيَةٍ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي وَكَالَةٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا نَسْلَ لَهُ ، وَمَذْهَبُ ( هـ م ) إنْ كَانَتْ الْأُمَّاتُ أَهْلِيَّةً وَجَبَتْ .
وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا تَجِبُ فِي نِصَابٍ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بَقَرُ وَحْشٍ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يُسَمَّى بَقَرًا حَقِيقَةً ، فَدَخَلَ تَحْتَ .
الظَّاهِرِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَاخْتِصَاصُهَا بِتَقْيِيدٍ وَاسْمٍ لَا يَمْنَعُ دُخُولَهَا ، كَالْجَوَامِيسِ وَالْبَخَاتِيِّ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّحْمُ ، فَنُقْصَانُ لَحْمِهَا كَالْعَيْبِ ، ثُمَّ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ ، كَصَغِيرٍ وَمَعِيبٍ ، وَكَذَا هَلْ يَفْدِي فِي حَرَمٍ وَإِحْرَامٍ ؟ وَقِيلَ : يَفْدِي .
لِتَأْثِيرِ الْحَرَمِ فِي عِصْمَةِ كُلِّ دَمٍ مُبَاحٍ ، كَالْمُلْتَجِئِ .
وَلَا يُفَادِي بِهَا ، وَمَنَعَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَعَنْهُ : لَا زَكَاةَ فِيهَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ [ ( وَ ) ] وَكَذَا الْغَنَمُ الْوَحْشِيَّةُ .
.
( وَ ) وَلَا زَكَاةَ فِي الظِّبَاءِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ ) كَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ ، وَعَنْ ابْنِ حَامِدٍ : تَجِبُ ، وَحَكَى رِوَايَةً ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْغَنَمَ ، وَالظَّبْيَةُ تُسَمَّى عَنْزًا .
وَلَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ ( و م ش ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) تَجِبُ إذَا كَانَتْ سَائِمَةً إنَاثًا ، عَلَى الْأَصَحِّ عَنْهُ ، أَوْ بَعْضُهَا إنَاثًا ، عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، أَوْ يُقَوِّمُهُ بِدَرَاهِمَ وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً ، وَلَا نِصَابَ لَهَا ، وَعَنْ ( هـ ) أَيْضًا رِوَايَةٌ : تَجِبُ فِي ذُكُورِهَا الْمُفْرَدَةِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ } .
وَلِأَبِي دَاوُد { لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ زَكَاةٌ إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ } .
وَلِأَحْمَدَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ : جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ فَقَالُوا : إنَّا أَصَبْنَا أَمْوَالًا وَخَيْلًا وَرَقِيقًا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِيهِ زَكَاةٌ وَطَهُورٌ ؟ قَالَ : مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَافْعَلْهُ ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ عَلِيٌّ فَقَالَ عَلِيٌّ : هُوَ حَسَنٌ إنْ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةٌ رَاتِبَةٌ يُؤْخَذُونَ بِهَا مِنْ بَعْدِك .
حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { فِيمَنْ لَهُ الْخَيْلُ سَتْرٌ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا } .
.
وَفِيهِمَا أَيْضًا : { فِي ظُهُورِهَا وَبُطُونِهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا } .
فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ الْجِهَادُ بِهَا إذَا تَعَيَّنَ ، وَقِيلَ : الْحَقُّ فِي رِقَابِهَا الْإِحْسَانُ إلَيْهَا وَالْقِيَامُ بِهَا ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِحَقِّ اللَّهِ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ ، وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الْحَقَّ عَلَى الْجِهَادِ بِهَا أَحْيَانَا ، وَالْإِرْفَاقَ بِهَا فِيهِ ، وَإِعَارَتَهَا ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْمُنْقَطِعُ ، أَوْ يَتَطَوَّعُ عَنْهَا بِالصَّدَقَةِ ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْحَقِّ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمَنْدُوبَاتِ جَائِزٌ ، مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ { مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ
قَرْقَرٍ } الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : { قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ : إطْرَاقُ فَحْلِهَا ، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا ، وَمَنِيحَتُهَا ، وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ ، وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، كَذَا قَالَ ، وَيَأْتِي أَوَّلَ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِالْجِهَادِ بِهَا وَبِإِعَارَتِهَا وَحَمْلِ الْمُنْقَطِعِ وَالصَّدَقَةِ بِأَنَّ إخْبَارَنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَا بَيَانَ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ .
بَابُ حُكْمِ الْخُلْطَةِ الْخُلْطَةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي الزَّكَاةِ ( هـ ) وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ مَالُ كُلِّ خَلِيطٍ بِمُفْرَدِهِ نِصَابًا ( م ) وَلَا أَثَرَ ، خُلْطَةٍ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ( وَ ) وَلَا فِي دُونِ نِصَابٍ ( وَ ) وَلَا خُلْطَةَ لِغَاصِبٍ بِمَغْصُوبٍ ، فَإِذَا خَلَطَ نَفْسَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ مَاشِيَةً لَهُمْ جَمِيعَ الْحَوْلِ فَبَلَغَتْ نِصَابًا فَأَكْثَرَ ، خُلْطَةَ أَعْيَانٍ ، بِأَنْ يَمْلِكَا مَالًا مُشَاعًا بِإِرْثٍ أَوْ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ ، بِأَنْ يَتَمَيَّزَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ الْآخَرِ [ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِشَاةٍ مِنْهَا ، فَحَالَ وَلَمْ يُفْرِدْهَا ، فَهُمَا خَلِيطَانِ ، وَإِنْ أَفْرَدَهَا فَنَقَصَ النِّصَابُ فَلَا زَكَاةَ ] لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ فِي الْمَرْعَى وَالْمَسْرَحِ ، وَالْمَبِيتِ ، وَهُوَ الْمُرَاحُ ، وَالْمَحْلَبُ ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُحْلَبُ فِيهِ .
وَقِيلَ : وَآنِيَتُهُ ، وَالْفَحْلُ ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْمُحَرَّرِ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ إسْقَاطَ الْمَحْلَبِ ، وَزَادَ : الرَّاعِي ، وَفَسَّرَ الْمَسْرَحَ بِمَوْضِعِ رَعْيِهَا وَشُرْبِهَا ، وَأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ، وَفَسَّرَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ الْمَسْرَحَ بِمَوْضِعِ الرَّعْيِ ، مَعَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ مُتَابَعَةً لِلْخِرَقِيِّ ، وَقَالَ : إنَّ الْخِرَقِيَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَرْعَى الرَّعْيَ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ لَا الْمَكَانَ ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْرَحِ الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ السُّرُوحُ لَا الْمَكَانَ ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا وَاحِدٌ بِمَعْنَى الْمَكَانِ ، فَإِذَا حَمَلْنَا أَحَدَهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ زَالَ التَّكْرَارُ ، وَحَصَلَ بِهِ اتِّحَادُ الرَّاعِي وَالْمَشْرَبِ أَيْضًا ، كَذَا قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : الْمَرْعَى وَالْمَسْرَحُ شَرْطٌ وَاحِدٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَحْمَدُ الْمَسْرَحَ لِيَكُونَ فِيهِ رَاعٍ وَاحِدٌ ، وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي بِمَا سَبَقَ فِي الْخِرَقِيِّ وَالْمُسْتَوْعِبِ ( و ش ) وَقِيلَ : لَا يُعْتَبَرُ
الْمَسْرَحُ ، وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهَا لِتَذْهَبَ لِلرَّعْيِ ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ اعْتِبَارَهُ ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ فِي الْمَشْرَبِ الْآنِيَةُ أَيْضًا ، وَعَنْهُ : يُعْتَبَرُ الْحَوْضُ وَالرَّاعِي وَالْمُرَاحُ فَقَطْ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْوَاضِحِ الْفَحْلَ وَالرَّاعِيَ وَالْمَحْلَبَ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْإِيضَاحِ الْفَحْلَ وَالْمُرَاحَ وَالْمَسْرَحَ وَالْمَبِيتَ ، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ الْمُرَاحَ وَالْمَسْرَحَ وَالْفَحْلَ وَالْمَرْعَى ، وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ الرَّاعِي فَقَطْ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ ، وَذَكَرَ رِوَايَةً : يُعْتَبَرُ الرَّاعِي وَالْمَبِيتَ فَقَطْ .
وَقِيلَ : يَلْزَمُ خَلْطُ اللَّبَنِ ( و ش ) وَهَذَا فِيهِ مَشَقَّةٌ ، لِلْحَاجَةِ إلَى قِسْمَتِهِ ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ لِوَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ لَبَنِهِ ، فَيُفْضِي إلَى الرِّبَا ، فَلِهَذَا اعْتَبَرَ جَمَاعَةٌ تَمْيِيزَهُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ ثَلَاثَةٌ مِنْ رَاعٍ وَفَحْلٍ وَدَلْوٍ وَمُرَاحٍ وَمَبِيتٍ مَعَ السِّنِّ وَالنَّوْعِ ( م ) وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِاعْتِبَارِ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { الْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا عَلَى الْحَوْضِ وَالْفَحْلِ وَالرَّاعِي } رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَجَعَلَ بَدَلَ الرَّاعِي الْمَرْعَى .
وَهَذَا الْخَبَرُ ضَعِيفٌ ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ، وَلَمْ يَرَهُ حَدِيثًا ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ ، فَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ الْعَمَلُ بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّ خُلْطَةَ الْأَوْصَافِ لَا أَثَرَ لَهَا ، كَمَا يُرْوَى عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْمَالِ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا خَلَطَا الْمَالَ كَمَا سَبَقَ فَحُكْمُهُمَا فِي الزَّكَاةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ ، سَوَاءٌ أَثَّرَتْ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ أَوْ إسْقَاطِهَا أَوْ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ ، فَلَوْ كَانَ لَأَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَرْبَعُونَ شَاةً لَزِمَهُمْ شَاةٌ ، وَمَعَ انْفِرَادِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ ، وَلَوْ كَانَ لِثَلَاثَةِ مِائَةٍ وَعِشْرُونَ لَزِمَهُمْ شَاةٌ ، وَمَعَ انْفِرَادِهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَيُوَزَّعُ الْوَاجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ
مَعَ الْوَقْصِ ، فَسِتَّةُ أَبْعِرَةٍ ، مَعَ تِسْعَةٍ يَلْزَمُ رَبَّ السِّتِّ شَاةٌ وَخُمُسُ شَاةٍ ، وَيَلْزَمُ الْآخَرَ شَاةٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ .
وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ فِي خُلْطَةِ الْأَعْيَانِ ( ع ) وَكَذَا فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخِ ، وَاحْتَجَّ بِنِيَّةِ السَّوْمِ فِي السَّائِمَةِ ، وَكَنِيَّةِ السَّقْيِ فِي الْمُعَشَّرَاتِ ، وَيُعْتَبَرُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالْمُجَرَّدِ ، وَاحْتَجَّ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْإِسَامَةِ شَرْطٌ ، وَجَزَمَ أَبُو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالثَّانِي ( م 1 ) وَيُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ خَلْطٌ وَقَعَ اتِّفَاقًا ، أَوْ فَعَلَهُ رَاعٍ ، وَتَأَخُّرُ النِّيَّةِ عَنْ الْمِلْكِ ، وَقِيلَ : لَا يَضُرُّ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كَتَقْدِيمِهَا عَلَى الْمِلْكِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ .
بَابُ الْخُلْطَةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ فِي خُلْطَةِ الْأَعْيَانِ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخِ وَيُعْتَبَرُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُجَرَّدِ وَالْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ أَبُو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالثَّانِي ، انْتَهَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي اخْتَارَهُ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
وَإِنْ بَطَلَتْ الْخُلْطَةُ بِفَوَاتِ شَرْطٍ مِمَّا سَبَقَ ضَمَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ مَالَهُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ ، وَزَكَّاهُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا .
وَإِلَّا فَلَا .
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ : إنْ تَصَوَّرَ بِضَمِّ حَوْلٍ إلَى آخَرَ نَوْعَ نَفْعٍ ، فَكَمَسْأَلَتِنَا ، يَعْنِي كَمَسْأَلَةِ الْخُلْطَةِ ، كَذَا قَالَ
وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ بِحَالٍ ، بِأَنْ يَمْلِكَا الْمَالَ مَعًا بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ ، أَوْ غَيْرِهِ فَزَكَاتُهُمَا زَكَاةُ الْخُلْطَةِ ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، بِأَنْ خَلَطَا فِي أَثْنَائِهِ نِصَابَيْنِ ثَمَانِينَ شَاةً ، زَكَّى كُلُّ وَاحِدٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ الْأَوَّلُ زَكَاةَ انْفِرَادٍ ( و ش ) لِلِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، كَخُلْطَةٍ قَبْلَ آخِرِهِ بِيَوْمَيْنِ .
فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ ، بِالِاتِّفَاقِ ، وَلِأَنَّ الْخُلْطَةَ يَتَعَلَّقُ إيجَابُ الزَّكَاةِ بِهَا ، فَاعْتَبَرَتْ جَمِيعَ الْحَوْلِ كَالنِّصَابِ لَا زَكَاةَ خُلْطَةٍ ، خِلَافًا لِقَدِيمِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .
وَلَوْ خَلَطَا قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ فَأَكْثَرَ ( م ) ، وَفِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةُ خُلْطَةٍ ، وَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَخْرَجَا شَاةً عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ فَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ شَاةٍ أَيْضًا إذَا تَمَّ حَوْلُهُ ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَالِ فَقَدْ تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي عَلَى تِسْعٍ وَسَبْعِينَ شَاةً وَنِصْفِ شَاةٍ ، لَهُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَاةً ، فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا وَنِصْفِ جُزْءٍ مِنْ شَاةٍ ، فَيُضَعِّفُهَا فَتَكُونُ ثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ ، ثُمَّ كُلُّ مَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ ، وَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَحْدَهُ ، بِأَنْ يَمْلِكَا نِصَابَيْنِ فَيَخْلِطَاهُمَا ، ثُمَّ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَجْنَبِيًّا ، فَقَدْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي أَرْبَعِينَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ زَكَاةُ انْفِرَادٍ ، شَاةٌ ، وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي لَزِمَهُ زَكَاةُ خُلْطَةٍ نِصْفُ شَاةٍ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَ شَاةً مِنْ غَيْرِ الْمِلْكِ .
وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ مِنْهُ
لَزِمَ الثَّانِيَ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ ، ثُمَّ يُزَكِّيَانِ بَعْدَ الْحَوْلِ [ الْأَوَّلِ ] زَكَاةَ خُلْطَةٍ ، كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا زَكَّى بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَقِيلَ : يُزَكِّي الثَّانِي عَنْ حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ انْفِرَادٍ ؛ لِأَنَّ خَلِيطَهُ لَمْ يَنْتَفِعْ فِيهِ بِالْخُلْطَةِ ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا حُكْمُ الِانْفِرَادِ لِأَحَدِهِمَا بِخُلْطَةِ مَنْ لَهُ دُونَ نِصَابٍ بِنِصَابٍ لِآخَرَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، وَمَنْ أَبْدَلَ نِصَابًا مُنْفَرِدًا بِنِصَابٍ مُخْتَلَطٍ مِنْ جِنْسِهِ ، وَقُلْنَا : لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِذَلِكَ ، زَكَّيَا زَكَاةَ انْفِرَادٍ ، كَمَالٍ وَاحِدٍ حَصَلَ الِانْفِرَادُ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ حَوْلِهِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ بِأَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةً أَرْبَعِينَ مُنْفَرِدَةً وَخَلَطَهَا فِي الْحَوْلِ ، لِوُجُودِ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، وَقِيلَ : يُزَكِّي زَكَاةَ خُلْطَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ خُلْطَةٍ ، وَزَمَنُ الِانْفِرَادِ يَسِيرٌ .
فَصْلٌ وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصَابَانِ خُلْطَتُهُ ثَمَانُونَ شَاةً ، فَبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ غَنَمَهُ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُمَا ، وَلَمْ تَزُلْ خُلْطَتُهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ إبْدَالَ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ ، وَكَذَا لَوْ تَبَايَعَا الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَغَيْرُ الْمَبِيعِ تَبْقَى الْخُلْطَةُ فِيهِ إنْ كَانَ نِصَابًا ، فَيُزَكِّي بِشَاةٍ زَكَاةَ انْفِرَادٍ عَلَيْهِمَا لِتَمَامِ حَوْلِهِ ، وَإِذَا حَالَ حَوْلُ الْمَبِيعِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَهَلْ فِيهِ زَكَاةٌ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 2 و 3 ) فَأَمَّا إنْ أَفْرَدَاهَا ثُمَّ تَبَايَعَاهَا ثُمَّ خَلَطَاهَا ، فَإِنْ طَالَ زَمَنُ الِانْفِرَادِ بَطَلَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ( م 4 ) .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصَابَانِ خُلْطَتُهُ ثَمَانُونَ شَاةً ، فَبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ غَنَمَهُ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ ، وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ ، لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُمَا ، وَلَمْ تَزُلْ خُلْطَتُهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَكَذَا لَوْ تَبَايَعَا الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَغَيْرُ الْمَبِيعِ تَبْقَى الْخُلْطَةُ فِيهِ إنْ كَانَ نِصَابًا ، فَيُزْكِي بِشَاةٍ زَكَاةَ انْفِرَادٍ عَلَيْهِمَا لِتَمَامِ حَوْلِهِ ، وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمَبِيعِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَهَلْ فِيهِ زَكَاةٌ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا زَكَاةَ فِيهِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهَلْ هِيَ زَكَاةُ خُلْطَةٍ فَيَلْزَمُهَا نِصْفُ شَاةٍ ، أَوْ زَكَاةُ انْفِرَادٍ فَيَلْزَمُهَا شَاةٌ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَهِيَ : ( مَسْأَلَةٌ 3 ) أُخْرَى ، إحْدَاهُمَا هِيَ زَكَاةُ خُلْطَةٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي زَكَاةُ انْفِرَادٍ ، فَتَجِبُ شَاةٌ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : فَأَمَّا إنْ أَفْرَدَاهَا ثُمَّ تَبَايَعَاهَا ثُمَّ خَلَطَاهَا ، فَإِنْ طَالَ زَمَنُ الِانْفِرَادِ بَطَلَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ : وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا أَنَّهُ يَبْطُلُ ، فَقَالَ : الصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ فَقَالَا : لَوْ بَاعَ بَعْضَ نِصَابِهِ فِي حَوْلِهِ ، مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا ، بِوَصْفٍ ، أَوْ بَعْدَ إفْرَادِهِ ثُمَّ
خَلَطَهُ سَرِيعًا انْقَطَعَ ، وَقِيلَ : لَا انْتَهَى ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ .
387 - 387 وَإِنْ أَفْرَدَا بَعْضَ النِّصَابِ وَتَبَايَعَاهُ ، وَكَانَ الْبَاقِي عَلَى الْخُلْطَةِ نِصَابًا ، بَقِيَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ نِصَابٌ ، وَهَلْ يَنْقَطِعُ فِي الْمَبِيعِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ فِي ضَمِّ مَالِ الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ إلَى مَالِهِ الْمُخْتَلِطِ ، وَإِنْ بَقِيَ دُونَ نِصَابٍ بَطَلَتْ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ : تَبْطُلُ الْخُلْطَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، بِنَاءً عَلَى انْقِطَاعِ الْحَوْلِ بِبَيْعِ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ .
وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي كَالْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَرَدَّ فِي الْكَافِي هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْخُلْطَةِ .
فَصْلٌ وَمَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا ، مُعَيَّنًا مُخْتَلَطًا أَوْ مُشَاعًا ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَاسْتَأْنَفَ حَوْلًا مِنْ حِينِ الْبَيْعِ ، عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ فِي النِّصْفِ الْمَبِيعِ ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ : لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا لَمْ يَبِعْ ( م 5 ) ( و ش ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُخَالِطًا لِمَالِ جَارٍ فِي الْحَوْلِ ، فَعَلَى هَذَا يُزَكِّي نِصْفَ شَاةٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ زَكَّى الْمُشْتَرِي بِنِصْفِ شَاةٍ ، إذَا تَمَّ حَوْلُهُ ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ ، بِاتِّفَاقِنَا ، بِدَلِيلِ مَنْ لَزِمَتْهُ زَكَاةُ نِصَابٍ فَأَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ أَشْهُرٍ ، ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَانِيَةً ، وَيَحْتَسِبُ الْحَوْلَ الثَّانِيَ مِنْ عَقِبِ الْأَوَّلِ ، لَا مِنْ الْإِخْرَاجِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخِ فِي كُتُبِهِ ، وَأَبُو الْمَعَالِي : أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ ، لِنَقْصِهِ بِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَوْضِعٌ يُخَالِفُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُعَيَّنًا مُخْتَلِطًا أَوْ مُشَاعًا ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَاسْتَأْنَفَ حَوْلًا مِنْ حِينِ الْبَيْعِ ، عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ : وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ : لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا لَمْ يَبِعْ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي الْمَجْدِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَيَسْتَأْنِفَانِ حَوْلًا مِنْ حِينِ الْبَيْعِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا لَمْ يَبِعْ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ .
وَإِنْ أَخْرَجَ الْبَائِعُ مِنْ النِّصَابِ بَطَلَ حَوْلُ الْمُشْتَرِي ( و ) وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( ع ) لِنَقْصِ النِّصَابِ ، إلَّا أَنْ يَسْتَدِيمَ الْفَقِيرُ الْخُلْطَةَ بِنَصِيبِهِ ، وَقِيلَ : إنْ زَكَّى الْبَائِعُ مِنْهُ إلَى فَقِيرٍ زَكَّى الْمُشْتَرِي ، وَقِيلَ : يَسْقُطُ ، كَأَخْذِ السَّاعِي مِنْهُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ ضَمَّهَا إلَى حِصَّتِهِ فِي الْخُلْطَةِ ، وَزَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ انْفِرَادٍ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا حُكْمُ الْبَائِعِ بَعْدَ حَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، مَا دَامَ نِصَابُ الْخُلْطَةِ نَاقِصًا ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعٌ اسْتَدَانَ مَا أَخْرَجَهُ وَلَا مَالَ لَهُ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ إلَّا مَالَ الْخُلْطَةِ ، أَوْ لَمْ يُخْرِجْ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ حَتَّى تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ قُلْنَا : الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ، أَوْ قُلْنَا : يَمْنَعُ لَكِنْ لِلْبَائِعِ مَالٌ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِ الزَّكَاةِ ، زَكَّى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى : إذَا أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَيَسْتَأْنِفَانِ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الْإِخْرَاجِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ ، بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ ، وَالثَّانِي وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَلَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ وُجُوبَهَا ، مَا لَمْ يُجْعَلْ حَوْلُهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا ، وَلَا انْعِقَادَ الْحَوْلِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَمْضِيَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ ، فَلَا تَجِبَ الزَّكَاةُ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَ حَتَّى تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي فَهِيَ مِنْ صُوَرِ تَكَرُّرِ الْحَوْلِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ ، وَاقْتَصَرَ فِي مَسْأَلَةِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ : أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ انْعِقَادَ الْحَوْلِ
الثَّانِي قَبْلَ الْإِخْرَاجِ ، قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْمَالُ ثَمَانِينَ شَاةً ، فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ يُزَكِّي الْبَائِعُ نِصْفَ شَاةٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ سِتِّينَ ، وَالْمَبِيعُ ثُلُثَهَا ، زَكَّى ثُلُثَيْ شَاةٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ يُزَكِّي فِي الصُّورَتَيْنِ شَاةً شَاةً .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : إنَّ الشَّيْخَ خَرَّجَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَإِنَّ الْأَوْلَى وُجُوبُ شَاةٍ ، كَذَا قَالَ ، وَهَذَا التَّخْرِيجُ لَا يَخْتَصُّ بِالشَّيْخِ ، فَأَمَّا إنْ أَفْرَدَ بَعْضَ النِّصَابِ وَبَاعَهُ ثُمَّ خَلَطَاهُ انْقَطَعَ حَوْلُهَا ، لِوُجُودِ التَّفْرِقَةِ ، كَحُدُوثِ بَعْضِ مَبِيعٍ بَعْدَ سَاعَةٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَحْتَمِلُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ كَبَيْعِهَا مُخْتَلِطَةً ؛ لِأَنَّ هَذَا زَمَنٌ يَسِيرٌ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ سِتِّينَ وَالْمَبِيعُ ثُلُثَهَا زَكَّى ثُلُثَ شَاةٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ " صَوَابُهُ ثُلُثَيْ شَاةٍ بِالْيَاءِ ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْفَاعِلِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
وَلَوْ كَانَ النِّصَابُ لِرَجُلَيْنِ ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَجْنَبِيًّا ، فَإِنَّ الْخَلِيطَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ كَبَائِعٍ نِصْفَ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي لَهُ ، فِيمَا لَمْ يَبِعْهُ ، وَالْمُشْتَرِي هُنَا كَالْمُشْتَرِي هُنَاكَ فِيمَا سَبَقَ .
وَلَوْ مَلَكَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ فِي نِصَابٍ فَأَكْثَرَ حِصَّةَ الْآخَرِ مِنْهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَاسْتَدَامَ الْخُلْطَةَ فَهِيَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ فِي الْمَعْنَى لَا فِي الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ كَانَ خَلِيطَ نَفْسِهِ ، فَصَارَ خَلِيطَ أَجْنَبِيٍّ ، وَهُنَا بِالْعَكْسِ ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَا زَكَاةَ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُ الْمَالَيْنِ مِنْ كَمَالِ مِلْكِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا فَيُزَكِّيَهُ زَكَاةَ انْفِرَادٍ ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ يُزَكِّي مِلْكَهُ الْأَوَّلَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ وَابْنِهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَمَاتَ الْأَبُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، وَوَرِثَهُ الِابْنُ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأَبِ فِيمَا وَرِثَهُ ، وَيُزَكِّيهِ
فَصْلٌ وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ لَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ ، بِأَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ بِسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ ، ثُمَّ أَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ ، فَفِي الْأُولَى لِتَمَامِ حَوْلِهَا شَاةٌ فِي الْمُحَرَّمِ ، لِانْفِرَادِهَا فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، وَلَا شَيْءَ فِي الثَّانِيَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ، فِي وَجْهٍ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، لِلْعُمُومِ فِي الْأَوْقَاصِ ، كَمَمْلُوكٍ دَفَعَهُ ، وَقِيلَ : شَاةٌ كَالْأُولَى كَمَالِكٍ مُنْفَرِدٍ ، وَقِيلَ : زَكَاةُ خُلْطَةٍ نِصْفُ شَاةٍ كَأَجْنَبِيٍّ ( م 6 ) وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ يُزَكِّيهَا زَكَاةَ خُلْطَةٍ ، كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا أَخْرَجَ قِسْطَهَا نِصْفَ شَاةٍ ، وَلَوْ مَلَكَ أَيْضًا أَرْبَعِينَ فِي رَبِيعٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ سِوَى الشَّاةِ الْأُولَى ، وَعَلَى الثَّانِي شَاةٌ ، وَعَلَى الثَّالِثِ زَكَاةُ خُلْطَةٍ ، ثَلَاثُ شِيَاهٍ لَا ثُلُثُ الْجَمِيعِ ، وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي كُلِّ ثَلَاثِ شِيَاهٍ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ، وَإِنْ مَلَكَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ بَعْدَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ سِوَى بِنْتِ مَخَاضٍ لِلْأُولَى ، وَعَلَى الثَّانِي شَاةٌ ، وَعَلَى الثَّالِثُ سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ ، وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ، وَسُدُسُهَا فِي الْخَمْسِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ، وَإِنْ مَلَكَ مَعَ ذَلِكَ سِتًّا فِي رَبِيعٍ ، فَعَلَى الْأُولَى بِنْتُ مَخَاضٍ ، وَفِي الْإِحْدَى عَشْرَةَ لِتَمَامِ حَوْلِهَا رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَنِصْفُ تُسْعِهَا ، وَعَلَى الثَّانِي لِكُلٍّ مِنْ الْخَمْسِ وَالسِّتِّ شَاةٌ ، لِتَمَامِ حَوْلِهَا ، وَعَلَى الثَّالِثِ فِي الْخَمْسِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ ، وَفِي السِّتِّ لِتَمَامِ حَوْلِهَا سُدُسُ بِنْتِ لَبُونٍ ، وَإِنْ نَقَصَ الثَّانِي عَنْ نِصَابٍ وَلَمْ يُغَيِّرْ الْفَرْضَ فَلَا زَكَاةَ ؛ لِأَنَّهُ وَقْصٌ ، وَقِيلَ : بَلْ زَكَاةُ خُلْطَةٍ كَأَجْنَبِيٍّ ، فَفِي عِشْرِينَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ ثُلُثُ شَاةٍ ، وَفِي عَشْرٍ مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ خُمُسُ مُسِنَّةٍ ، وَفِي
خَمْسٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سُبْعُ تَبِيعٍ ، وَإِنَّ غَيَّرَ الْفَرْضَ وَلَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا ، كَعَشْرٍ مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ ، فَفِي الْأَوَّلِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا تَبِيعٌ ، وَفِي الْعَشْرِ زَكَاةُ خُلْطَةٍ رُبْعُ مُسِنَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ نِصَابُ الْمُسِنَّةِ فَأَخْرَجَ بِقِسْطِهَا .
وَقِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا شَيْءَ ، وَإِنْ غَيَّرَ الْفَرْضَ ، وَبَلَغَ نِصَابًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ ، وَقَدْرُهَا يُبْنَى عَلَى الْوُجُوهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُغَيَّرْ الْفَرْضُ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هُنَاكَ يُنْظَرُ هُنَا إلَى زَكَاةِ الْجَمِيعِ ، فَيَسْقُطُ مِنْهَا مَا وَجَبَ فِي الْأُولَى ، وَيَجِبُ الْبَاقِي فِي الثَّانِي ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُنَاكَ يُعْتَبَرُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ ، فَكَذَا هُنَا ، وَعَلَى الثَّالِثِ تَجِبُ زَكَاةُ خُلْطَةٍ ، فَكَذَا هُنَا ، فَفِي مِائَةِ شَاةٍ بَعْدَ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ شَاةٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ شَاةٍ ؛ لِأَنَّ فِي الْكُلِّ شَاتَيْنِ ، وَالْمِائَةُ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْكُلِّ ، فَحِصَّتُهَا مِنْ فَرْضِهِ خَمْسَةُ أَسْبَاعِهِ ، وَإِنْ مَلَكَ مِائَةً أُخْرَى فِي رَبِيعٍ فَفِيهَا شَاةٌ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ شَاةٌ وَرُبْعٌ ؛ لِأَنَّ فِي الْكُلِّ ثَلَاثَ شِيَاهٍ ، وَالْمِائَةُ رُبْعُ الْكُلِّ وَسُدُسُهُ ، فَحِصَّتُهَا مِنْ فَرْضِهِ رُبْعُهُ وَسُدُسُهُ ، وَفِي إحْدَى وَثَمَانِينَ شَاةٍ بَعْدَ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ ، وَعَلَى الثَّالِثِ شَاةٌ وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ ، كَخَلِيطٍ ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاتَانِ ، أَوْ شَاةٌ وَنِصْفٌ ، وَفِي خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ بَعْدَ عِشْرِينَ بَعِيرًا شَاةٌ عَلَى الثَّانِي ، زَادَ الشَّيْخُ : وَالْأَوَّلُ .
وَعَلَى الثَّالِثِ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَالْأَوَّلُ ، وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ خَمْسِينَ تَبِيعٌ عَلَى الثَّانِي ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ عَلَى الثَّالِثِ ، وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ لَا يَجِيءُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي فِي الْأَوَّلِ إلَى
إيجَابِ مَا يَبْقَى مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ بَعْدَ إسْقَاطِ أَرْبَعِ شِيَاهٍ ، وَهِيَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ إلَى إيجَابِ فَرْضِ نِصَابٍ عَمَّا دُونَهُ ، فَلِهَذَا قَالَ : الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَصَحُّ ، لِعَدَمِ اطِّرَادِ الْأَوَّلِ ، وَضَعَّفَ الثَّانِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْرَدُ الْأَجْنَبِيُّ الْمُخَالِطُ بِالْإِيجَابِ عَنْ مَالِ خَلِيطِهِ ، فَمَالُ الْوَاحِدِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ ضَمَّ مِلْكِهِ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ أَوْلَى مِنْ خَلِيطٍ إلَى خَلِيطٍ ، وَلِهَذَا ضُعِّفَ فِي الْمُغْنِي الْوَجْهُ الثَّانِي .
مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ لَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ ، بِأَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ بِسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ ، ثُمَّ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي صَفَرٍ ، فَفِي الْأُولَى لِتَمَامِ حَوْلِهَا شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ ؛ لِانْفِرَادِهَا فِي بَعْضِ الْحَوْلِ ، وَلَا شَيْءَ فِي الثَّانِيَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا ، فِي وَجْهٍ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ شَاةٌ كَالْأُولَى كَمَالِكٍ مُنْفَرِدٍ ، وَقِيلَ : زَكَاةُ خُلْطَةِ نِصْفِ شَاةٍ كَالْأَجْنَبِيِّ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ ، أَحَدُهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهَذَا وَجْهُ الضَّمِّ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَلَيْهِ لِلثَّانِي زَكَاةُ خُلْطَةٍ ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، قَالَ الْمَجْدُ : وَهَذَا أَصَحُّ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ كَمَالِكٍ مُنْفَرِدٍ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ ، وَهَذَا وَجْهُ الِانْفِرَادِ ، وَتَفْرِيعُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ ، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ فِي الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ : الْمُسْتَفَادُ بَعْدَ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَلْ يُضَمُّ إلَى النِّصَابِ أَوْ يُفْرَدُ عَنْهُ ؟ فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا زَكَوِيًّا مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ بِحَوْلٍ ، عِنْدَنَا ، لَكِنْ هَلْ يَضُمُّهُ إلَى النِّصَابِ فِي الْعَدَدِ ، أَوْ يُخْلَطُ بِهِ وَيُزَكِّيهِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ ، أَوْ يُفْرِدُهُ بِالزَّكَاةِ كَمَا أَفْرَدَهُ بِالْحَوْلِ ؟ فِيهِ ثَلَاثُهُ أَوْجُهٍ ، أَحَدُهَا : يُفْرِدُهُ بِالزَّكَاةِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا كَانَ
الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا أَوْ دُونَ نِصَابٍ ، وَلَا يُغَيِّرُ فَرْضَ النِّصَابِ ، أَمَّا إنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ وَيُغَيِّرُ فَرْضَ النِّصَابِ لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ هَذَا الْوَجْهُ ، صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَيَخْتَصُّ هَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا بِالْحَوْلِ الْأَوَّلِ ، صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُشْعِرُ بِاطِّرَادِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ بِحِكَايَةِ ذَلِكَ وَجْهَانِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يُزَكِّي ذَلِكَ زَكَاةَ خُلْطَةٍ ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ ، وَزَعَمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُغْنِي ضَعَّفَهُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا ضَعَّفَ الْأَوَّلَ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يُضَمُّ النِّصَابُ ، فَيُزَكِّي زَكَاةَ ضَمٍّ ، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ الزِّيَادَةُ كَنِصَابٍ مُنْفَرِدٍ ، أَوْ الْكُلُّ نِصَابٌ وَاحِدٌ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَنِصَابٍ مُنْفَرِدٍ ، وَلَوْ [ كَانَ ] ذَلِكَ لَزَكَّى النِّصَابَ عَقِيبَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ فَرْضِ الْمَجْمُوعِ ، وَلَمْ يُزَكِّ زَكَاةَ انْفِرَادٍ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ نِصَابٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَاسْتَطْرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ وَأَجَادَ ، وَذَكَرَ فَوَائِدَ الِاخْتِلَافِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ تَحْقِيقَهُ ، وَأَغْزَرَ عِلْمَهُ ، فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فِيمَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ وَلَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا : عَلَيْهِ زَكَاةُ خُلْطَةٍ ، قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، [ قَالَ ] وَقَالَ : إنْ كَانَ يَبْلُغُ نِصَابًا وَجَبَ فِيهِ زَكَاةُ انْفِرَادٍ ، فِي وَجْهٍ ، وَخُلْطَةٍ ، فِي آخَرَ ، وَلَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ فِيمَا [ بِهِ ] فِيهِمَا وَجْهًا وَاحِدًا إذَا كَانَ الضَّمُّ يُوجِبُ تَغْيِيرَ جِنْسِ الزَّكَاةِ أَوْ نَوْعِهَا ، كَثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ خَمْسِينَ ، فَيَجِبُ إمَّا تَبِيعٌ أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ ، وَلَا تَجِبُ الْمُسِنَّةُ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا يَجِبُ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ ، وَيُخْرِجُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ ، فَيَجِبُ هَاهُنَا الْمُسِنَّةُ [ قَالَ ] وَهُوَ أَحْسَنُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فِي بَلَدٍ وَأَرْبَعُونَ فِي بَلَدٍ آخَرَ ، وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ ، لَزِمَهُ شَاتَانِ ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ بَلَدٍ عِشْرُونَ فَلَا زَكَاةَ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ ، فَجَعَلَ التَّفْرِقَةَ فِي الْبَلَدَيْنِ كَالتَّفْرِقَةِ فِي الْمِلْكَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ اجْتِمَاعُ مَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ كَمَالِ الْوَاحِدِ ، كَذَا فِي الِافْتِرَاقِ الْفَاحِشِ فِي مَالِ الْوَاحِدِ يَجْعَلُهُ كَالْمَالَيْنِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ } .
وَعِنْدَنَا مَنْ جَمَعَ أَوْ فَرَّقَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ يَنْبَغِي تَفْرِقَتُهُ بِبَلَدِهِ ، فَتَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِهِ ، وَعَنْهُ : الْكُلُّ كَسَائِمَةٍ مُجْتَمِعَةٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( و ) لِلْعُمُومِ ، كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( ع ) وَكَغَيْرِ السَّائِمَةِ ( ع ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ ، وَحَمَلَ كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ لَا يَأْخُذُهَا ، فَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَيُخْرِجُ إذَا بَلَغَ مَالُهُ نِصَابًا ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ الْمَيْمُونِيِّ وَحَنْبَلٍ : لَا يَأْخُذُ الْمُصَّدِّقُ مِنْهَا شَيْئًا ، وَهُوَ إذَا عَرَفَ ذَلِكَ وَضَبَطَهُ أَخْرَجَ ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : بِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَقُولُ ، وَلَوْ جَازَ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ إذَا ضَبَطَهُ وَعَرَفَهُ لَجَازَ أَنْ لَا يُعْطِيَ عَنْ ثَمَانِينَ شَاتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَاةٌ ، فَلَمَّا أَخَذَ مِنْهُ شَاتَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُعْطِيَ شَاةً ، كَذَا قَالَ ، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ رِوَايَتَيْنِ ، كَالْمَاشِيَةِ ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَكْفِي شَاةٌ ، بِبَلَدِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ حَاجَةٌ ، وَقِيلَ بِالْقِسْطِ .
وَمَنْ لَهُ سِتُّونَ شَاةً فِي كُلِّ بَلَدٍ عِشْرُونَ خُلْطَةٍ بِعِشْرِينَ لِآخَرَ ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَعَلَى الْأَشْهَرِ تَجِبُ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ، عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ شَاةٌ وَنِصْفٌ ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ ، أَوْ كَانَ وَقُلْنَا بِرِوَايَةِ .
اخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ ، فَفِي الْجَمِيعِ شَاةٌ ، نِصْفُهَا عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ سُدُسُ شَاةٍ ، هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ ضَمًّا لِمَالِ كُلِّ خَلِيطٍ إلَى مَالِ الْكُلِّ ، فَيَصِيرُ كَمَالٍ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ : فِي الْجَمِيعِ شَاتَانِ وَرُبْعٌ ، عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ ثَلَاثُهُ أَرْبَاعِ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ لِعِشْرِينَ خَلْطَةٍ وَنِصْفٍ ، وَلِأَرْبَعِينَ بِجِهَةِ الْمِلْكِ ، وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ مِنْ زَكَاةِ الثَّمَانِينَ رُبْعُ شَاةٍ ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِطُ الْعِشْرِينَ فَقَطْ .
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَاحْتَجَّ هُوَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَبْلُغَ مَالُ كُلِّ خُلْطَةٍ نِصَابًا ، فَلَوْ كَانَتْ كُلُّ عِشْرِينَ مِنْ السِّتِّينَ خُلْطَةً بِعَشْرٍ لِآخَرَ لَزِمَهُ شَاةٌ .
وَلَا يَلْزَمُ الْخُلَطَاءَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِطُوا فِي نِصَابٍ .
وَلَوْ ضُمَّ مَالُ الْخَلِيطِ إلَى مَالٍ مُنْفَرِدٍ لِخَلِيطِهِ ، أَوْ إلَى مَالِ خَلِيطِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ ، وَلَصَحَّتْ الْخُلْطَةُ اعْتِبَارًا بِالْمَجْمُوعِ .
وَقَالَ الْآمِدِيُّ بِهَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ خَلِيطٍ رُبْعُ شَاةٍ ، لِمَا سَبَقَ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْوَاحِدِ يُضَمُّ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : فِي الْجَمِيعِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ، عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ [ شَاةٌ ] وَنِصْفٌ ، جَعْلًا لِلْخُلْطَةِ قَاطِعَةً بَعْضَ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضٍ ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ اُعْتُبِرَ فِي تَزْكِيَتِهِ وَحْدَهُ ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهُ سِوَى عِشْرِينَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : تَفْرِيقُ مِلْكِ الْوَاحِدِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى أَصْلِنَا ، بِدَلِيلِ تَفْرِقَتِهِمَا فِي الْبُلْدَانِ وَلَوْ لَمْ
يُخَالِطْ رَبُّ السِّتِّينَ مِنْهَا إلَّا بِعِشْرِينَ لِعِشْرِينَ لِآخَرَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ ، عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ، وَعَلَى رَبِّ الْعِشْرِينَ رُبْعُهَا ، وَعَلَى الثَّانِي ، عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ فِي الْأَرْبَعِينَ الْمُفْرَدَةِ ثُلُثَا شَاةٍ ، ضَمًّا إلَى بَقِيَّةِ مِلْكِهِ ، وَفِي الْعِشْرِينَ رُبْعُ شَاةٍ ، ضَمًّا لَهَا إلَى بَقِيَّةِ مَالِهِ الْأَرْبَعِينَ الْمُفْرَدَةِ وَإِلَى عِشْرِينَ الْآخَرِ ، لِمُخَالَطَتِهَا ، بَعْضَهُ وَصْفًا ، وَبَعْضَهُ مِلْكًا ، وَعَلَى رَبِّ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ ، وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ .
وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الثَّالِثِ ، كَالْأَوَّلِ هُنَا ، وَعَلَى الرَّابِعِ فِي الْأَرْبَعِينَ الْمُخْتَلِطَةِ شَاةٌ ، بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ الْمُفْرَدَةِ شَاةٌ ، عَلَى رَبِّهَا ، وَمَنْ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا كُلُّ خَمْسِ خُلْطَةٍ بِخَمْسٍ لِآخَرَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ عَلَيْهِ نِصْفُ حِقَّةٍ ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ عُشْرُهَا ، وَعَلَى الثَّانِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ شَاةٌ ، وَعَلَى الثَّالِثِ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ سُدُسٌ ، وَعَلَى الرَّابِعِ [ عَلَيْهِ ] خَمْسُ شِيَاهٍ وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ شَاةٌ ، وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ : الضَّمُّ مُطْلَقًا وَعَدَمُهُ .
فَصْلٌ وَلَا أَثَرَ لِلْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ ( و م ) فِي غَيْرِ الْمُسَاقَاةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ إلَّا ضَرَرًا بِرَبِّ الْمَالِ ، لِعَدَمِ الْوَقْصِ فِيهَا ، بِخِلَافِ السَّائِمَةِ ، وَعَنْهُ : تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ فِي السَّائِمَةِ ( و ش ) وَقِيلَ : وَخُلْطَةُ الْأَوْصَافِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : نَقَلَ حَنْبَلٌ : تُضَمُّ كَالْمَوَاشِي فَقَالَ : إذَا كَانَا رَجُلَيْنِ لَهُمَا مِنْ الْمَالِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَعَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ بِالْحِصَصِ ، فَيُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اتِّحَادُ الْمُؤَنِ وَمَرَافِقُ الْمِلْكِ ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْآجُرِّيُّ ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَخَصَّهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ .
فَصْلٌ وَلِلسَّاعِي أَخْذُ الْفَرْضِ مِنْ مَالِ أَيْ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ بَعْدَ قَسْمِهِ فِي خُلْطَةِ أَعْيَانٍ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ ، وَقَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَفِي الْمُجَرَّدِ : لَا [ وَلَا ] وَجْهَ لَهُ إلَّا عَدَمَ الْحَاجَةِ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ اعْتِبَارُ الْحَاجَةِ لِأَخْذِ السَّاعِي ، وَمَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَذِمِّيٍّ وَمُكَاتَبٍ لَا أَثَرَ لِخُلْطَتِهِ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ ( و ) ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي خَلِيطَيْنِ يُمْكِنُ رُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَلَا مَشَقَّةَ ، لِنُدْرَتِهَا ، وَحَيْثُ جَازَ الْأَخْذُ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ يَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ ( و ) يَوْمَ أُخِذَتْ مِنْهُ ، لِزَوَالِ مِلْكِهِ إذًا ، فَيَرْجِعُ بِالْقِسْطِ الَّذِي قَابَلَ مَالَهُ مِنْ الْمُخْرَجِ ، فَإِذَا أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ مَالِ رَبِّ الثُّلُثِ رَجَعَ بِقِيمَةِ ثُلُثَيْ الْمُخْرَجِ عَلَى شَرِيكِهِ ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِقِيمَةِ ثُلُثِهِ ، فَيَرْجِعُ رَبُّ عَشْرَةِ أَبْعِرَةٍ أُخِذَتْ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى رَبِّ الْعِشْرِينَ بِقِيمَةِ ثُلُثَيْهَا ، وَبِالْعَكْسِ بِقِيمَةِ ثُلُثِهَا .
[ وَبِثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ عَلَى رَبِّ أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ تَبِيعٍ وَمُسِنَّةٍ ، وَبِالْعَكْسِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا ] .
وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ فِي الْقِيمَةِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَدَمِ بَيِّنَةٍ إذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ غَارِمٌ ، وَقَدْ ثَبَتَ التَّرَاجُعُ فِي شَرِكَةِ الْأَعْيَانِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ ، كَشَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَكَذَا مِنْ بَيْنِهِمَا ثَمَانُونَ شَاةً نِصْفَيْنِ ، وَعَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ بِقِيمَةِ عِشْرِينَ مِنْهَا ، فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ ، عَلَى الْمَدِينِ ثُلُثُهَا ، وَعَلَى الْآخَرِ ثُلُثَاهَا .
فَصْلٌ وَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ بِلَا تَأْوِيلٍ ، كَأَخْذِهِ عَنْ أَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةٍ شَاتَيْنِ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا ، وَعَنْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا الْجَذَعَةَ ، رَجَعَ عَلَى خَلِيطِهِ فِي الْأُولَى بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقِيمَةِ نِصْفِ بِنْتِ مَخَاضٍ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ظُلْمٌ ، فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ ( و ) وَأَطْلَقَ شَيْخُنَا فِي رُجُوعِهِ عَلَى شَرِيكِهِ قَوْلَيْنِ ، وَمُرَادُهُ لِلْعُلَمَاءِ ، قَالَ : أَظْهَرُهُمَا يَرْجِعُ .
وَقَالَ فِي الْمَظَالِمِ الْمُشْتَرَكَةِ ، تُطْلَبُ مِنْ الشُّرَكَاءِ ، يَطْلُبُهَا الْوُلَاةُ وَالظَّلَمَةُ مِنْ الْبُلْدَانِ أَوْ التُّجَّارِ أَوْ الْحَجِيجِ أَوْ غَيْرِهِمْ ، وَالْكُلَفِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، عَلَى الْأَنْفُسِ أَوْ الْأَمْوَالِ أَوْ الدَّوَابِّ : يَلْزَمُهُمْ الْتِزَامُ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ ، كَمَا يَلْزَمُ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِحَقٍّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدٌ مِنْ أَدَاءِ قِسْطِهِ مِنْ ذَلِكَ ، بِحَيْثُ يُؤْخَذُ قِسْطُهُ مِنْ الشُّرَكَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الظُّلْمَ عَنْهُ إلَّا بِظُلْمِ شُرَكَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُظْلَمُ فِيهِ غَيْرُهُ ، كَمَنْ يُوَلِّي أَوْ يُوَكِّلُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَظْلِمُ وَيَأْمُرُهُ بِعَدَمِ الظُّلْمِ ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَدْلَ فِي هَذَا الظُّلْمِ ، وَلِأَنَّ النُّفُوسَ [ لَا ] تَرْضَى بِالتَّخْصِيصِ ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَخْذِ الْجَمِيعِ مِنْ الضُّعَفَاءِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى جَمْعِ مَالٍ لِدَفْعِ عَدُوٍّ كَافِرٍ لَزِمَ الْقَادِرَ ، الِاشْتِرَاكُ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى ، فَمَنْ تَغَيَّبَ أَوْ امْتَنَعَ وَأَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ حِصَّتَهُ ، رَجَعَ عَلَى مَنْ أَدَّى عَنْهُ ، فِي الْأَظْهَرِ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَبَرُّعًا .
وَلَا شُبْهَةَ عَلَى الْآخِذِ فِي الْأَخْذِ ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ ، كَعَامِلِ الزَّكَاةِ ، وَنَاظِرِ الْوَقْفِ ، وَالْوَصِيِّ ، وَالْمُضَارِبِ ، وَالشَّرِيكِ ، وَالْوَكِيلِ ، وَسَائِرِ مَنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ ، إذَا طَلَبَ
مِنْهُ حِصَّةَ ، مَا يَنُوبُ ذَلِكَ الْمَالُ مِنْ الْكُلَفِ ، فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ ، بَلْ إنْ كَانَ لَمْ يُؤَدُّوهُ ، أَخَذَ الظَّلَمَةُ أَكْثَرَ وَجَبَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ ، وَلَوْ قُدِّرَ غَيْبَةُ الْمَالِ ، فَاقْتَرَضُوا عَلَيْهِ ، وَأَدَّوْا مِنْ مَالِهِمْ ، رَجَعُوا بِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلِ .
وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ لَزِمَ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ .
قَالَ : وَغَايَةُ هَذَا أَنْ يُشَبَّهَ بِغَصْبِ الْمُشَاعِ ، فَالْغَاصِبُ إذَا قَبَضَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ ذَلِكَ الشَّرِيكِ ، فِي الْأَظْهَرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ لَزِمَ الْمُقِرَّ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُقَرِّ بِهِ مَا فَضَلَ عَنْ حَقِّهِ ، وَهُوَ السُّدُسُ ، فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، جَعَلُوا مَا غَصَبَهُ الْأَخُ الْمُنْكِرُ مِنْ مَالِ الْمُقَرِّ بِهِ خَاصَّةً لِأَجْلِ النِّيَّةِ .
وَكَذَا هَاهُنَا إنَّمَا قَبَضَ الظَّالِمُ عَنْ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذَ مَالِ الدَّافِعِ ، لَكِنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي غَصْبِ الْمُشَاعِ : مَا قَبَضَهُ الْغَاصِبُ يَكُونُ مِنْهُمَا ، اعْتِبَارًا بِصُورَةِ الْقَبْضِ ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الَّذِي غَصَبَهُ الْأَخُ الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، قَالَ : وَمِنْ صُودِرَ عَلَى مَالٍ فَأُكْرِهَ أَقَارِبُهُ أَوْ أَصْدِقَاؤُهُ أَوْ جِيرَانُهُ أَوْ شُرَكَاؤُهُ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا عَنْهُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا لِأَجْلِهِ وَلِأَجْلِ مَالِهِ ، وَالطَّالِبُ مَقْصُودُهُ مَالُهُ لَا مَالُهُمْ ، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ ، وَقَالَ : فَلَمَّا كَانُوا إنَّمَا أَعْطَوْهُ وَأَهْدَوْا إلَيْهِ لِأَجْلِ وِلَايَتِهِ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الْمُسْتَحَقِّ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ أَمْوَالِهِمْ قَبَضَ ، وَلَمْ يُخَصَّ بِهِ الْعَامِلُ ، فَكَذَا مَا قُبِضَ بِسَبَبِ مَالِ بَعْضِ النَّاسِ ، فَعَنْهَا بِحَسَبٍ ،
فَكَأَنَّمَا أُعْطِيَ لِأَجْلِهَا فَهُوَ مَغْنَمٌ وَنَمَاءٌ لَهَا ، لَا لِمَنْ أَخَذَهُ ، فَمَا أَخَذَ لِأَجْلِهَا فَهُوَ مَغْرَمٌ مِنْهَا ، لَا عَلَى مَنْ أَعْطَاهُ ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يُخَلِّصْ مَالَ غَيْرِهِ مِنْ التَّلَفِ إلَّا بِمَا أَدَّى عَنْهُ رَجَعَ بِهِ فِي أَظْهَرْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ حَسَنٌ وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
فَصْلٌ وَإِنْ أَخَذَهُ بِتَأْوِيلٍ ، كَأَخْذِهِ صَحِيحَةً عَنْ مِرَاضٍ ، أَوْ كَبِيرَةً عَنْ صِغَارٍ ، أَوْ قِيمَةَ الْوَاجِبِ ، رَجَعَ عَلَيْهِ [ ( و ) ] لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فَلَا يُنْقَضُ ، كَمَا فِي الْحَاكِمِ ، قَالَ الشَّيْخُ : مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ وَجَبَ دَفْعُهُ ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ ، وَاقْتَصَرَ غَيْرُهُ عَلَى أَنْ فِعْلَهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ سَائِغٌ نَافِذٌ ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ ، لِسَوَغَانِهِ ، وَفِي الْخِلَافِ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ : مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُخَالِفَ لَهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَافَقُوا عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ مِنْهَا ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ وَجَازَ أَخْذُهَا رَجَعَ بِنِصْفِهَا ، إنْ قُلْنَا الْقِيمَةُ أَصْلٌ ، وَإِنْ قُلْنَا بَدَلٌ فَبِنِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ ، وَإِنْ لَمْ تُجْزِئْ الْقِيمَةُ فَلَا رُجُوعَ ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : إنْ أَخَذَ السَّاعِي فَوْقَ الْوَاجِبِ ، بِتَأْوِيلٍ ، أَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ ، أَجْزَأَتْ فِي الْأَظْهَرِ ، وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَأْخُوذُ ، مِنْهُ عَدَمَهُ ، وَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ ، وَصَوَّبَ شَيْخُنَا الْإِجْزَاءَ ، وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَالصَّلَاةِ خَلْفَ تَارِكِ رُكْنٍ عِنْدَ الْمَأْمُومِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَإِنْ طَلَبَهَا مِنْهُ فَكَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الشَّيْخِ ، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ طَرِيقِ الْحُكْمِ خِلَافٌ فِيمَنْ حُكِمَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ .
وَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي فَرْضًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ ، لَكِنَّهُ مُخْتَلِفٌ هَلْ هُوَ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا ، عَمِلَ كُلٌّ فِي التَّرَاجُعِ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْضَ فِيهِ لِفِعْلِ السَّاعِي ، فَعِشْرُونَ خُلْطَةٍ لِسِتَّيْنِ فِيهَا رُبْعُ شَاةٍ ، فَإِذَا أَخَذَ الشَّاةَ مِنْ السِّتِّينَ رَجَعَ رَبُّهَا بِرُبْعِ الشَّاةِ ( هـ م ) وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْعِشْرِينَ رَجَعَ رَبُّهَا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ، لَا بِقِيمَتِهَا كُلِّهَا ( هـ م ) وَهَذِهِ الصُّورَةُ إنْ وَقَعَتْ فَنَادِرَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَكْثَرُ .
وَلَا تَسْقُطُ زِيَادَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِأَخْذِ السَّاعِي مُجْمَعًا عَلَيْهِ ، كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ خُلْطَةٍ بَيْنَهُمَا ، تَلِفَ سِتُّونَ عَقِبَ الْحَوْلِ يَأْخُذُ نِصْفَ شَاةٍ ، بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ ، وَجَعْلًا لِلْخُلْطَةِ وَالتَّلَفِ تَأْثِيرًا لَزِمَهُمَا إخْرَاجُ نِصْفِ شَاةٍ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) يُلْزِمُهُمَا إخْرَاجَ شَاةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ شَاتَانِ ، سَقَطَ بِالتَّلَفِ نِصْفُ ، وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالنِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ ، كَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ : وَلَوْ كَانَ مَا أَخَذَهُ فِي الْأُولَى يَرَاهُ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَالسَّاعِي فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يَقُولُ : أَنَا أَعْلَمُ الْخِلَافَ فِي هَذَا ، وَأَنَا أَجْتَهِدُ فِيهِ ، وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ دُونَ هَذَا ، وَالْوَاجِبُ كَذَا لَا أَكْثَرَ ، فَآخُذُهُ لِلْفَرْضِ ، فَفِعْلُهُ وَقَوْلُهُ اجْتِهَادٌ ، فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَالَفَ وَلَا يُنْقَضَ ، كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَكَبَقِيَّةِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ، لَا سِيَّمَا قَوْلُ الشَّيْخِ : مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ وَجَبَ دَفْعُهُ ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ
الْوَاجِبِ فَيَتَعَيَّنُ .
فَوُجُوبُ دَفْعِ مَا طَلَبَهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ غَيْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَوْ بَقِيَ غَيْرُهُ وَاجِبًا لَمْ يَتَعَيَّنْ ؛ لِأَنَّ بَاذِلَهُ يَكُونُ بَاذِلًا لِلْوَاجِبِ ، وَمَنْ بَذَلَ الْوَاجِبَ لَزِمَ قَبُولُهُ وَلَا تَبَعَةَ عَلَيْهِ .
ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يَأْخُذُ وُلَاةُ الْأَمْرِ الزَّكَاةَ مِنْ إنْسَانٍ طُولَ عُمْرِهِ .
ثُمَّ يُؤْخَذُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَدْرِ الزَّائِدِ عَنْ جَمِيعِ مَا مَضَى ، بَلْ وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ ، وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ ، وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْجِزْيَةُ ، فَيَأْخُذُ وُلَاةُ الْأَمْرِ الْجِزْيَةَ مِنْ إنْسَانٍ طُولَ عُمْرِهِ ، ثُمَّ يُطَالِبُ بِالْقَدْرِ الزَّائِدِ عَنْ جَمِيعِ مَا مَضَى ، بَلْ وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، بَلْ وَالْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ ، و يَأْتِي فِي النِّصْفِ الثَّالِثِ مِنْ الزَّكَاةِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا أَسْقَطَ أَوْ أَخَذَ دُونَ مَا يَعْتَقِدُ الْمَالِكُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْإِخْرَاجُ ، زَادَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْمَالِكَ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا لَمْ يُلْزَمْ بِشَيْءٍ ، وَيَعْمَلُ بِرَأْيِ الْعَامِلِ ظَاهِرًا ، وَإِنْ اعْتَقَدَ لَزِمَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، فَلَا يُنْتَقَضُ اجْتِهَادُ الْعَامِلِ ظَاهِرًا ، وَعَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ غَيْرِ الْقَاضِي يَلْزَمُ مُطْلَقًا ، وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ ، وَيَأْتِي هُنَاكَ : إذَا اجْتَهَدَ رَبُّ الْمَالِ وَأَخْرَجَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ فَاتَ ، مَجِيءُ السَّاعِي لَا يُعْتَبَرُ اجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ اجْتِهَادُ السَّاعِي هُنَا ، وَلِهَذَا السَّبَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَهَذَا أَشْبَهَ إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَعْزِيرَ وَاحِدٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا فِعْلَهُ أَوْلَى ، هَلْ لِغَيْرِهِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ؟ وَسَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُمَا فَوْقَ الْوَاجِبِ لَمْ يَرْجِعْ بِزِيَادَةٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : عَقْدُ الْخُلْطَةِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْإِذْنِ لِخَلِيطِهِ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْهُ ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ : يُجْزِئُ [ إخْرَاجُ ] أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ ، حَضَرَ أَوْ غَابَ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : لَا يُجْزِئُ ، وَسَبَقَ فِي الْمُضَارَبَةِ : لَا زَكَاةَ فِي الْمَنْصُوصِ بِلَا إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَوْلَا الْمَانِعُ ، وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ فِي إذْنِ كُلِّ شَرِيكٍ لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ يُوَافِقُ مَا اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَيُشْبِهُ هَذَا أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
بَابُ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَحُكْمِ بَيْعِ الْمُسْلِمِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ الْعَقَارَ وَغَيْرَهُ وَزَكَاةِ الْعَسَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَضْمِينِ أَمْوَالِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَكَذَا نَقَلَ صَالِحٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ : مَا كَانَ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ ، وَيَقَعُ فِيهِ الْقَفِيزُ ، فَفِيهِ الْعُشْرُ ، و مَا كَانَ مِثْلَ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالرَّيَاحِينِ وَالْبَصَلِ وَالرُّمَّانِ فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يُبَاعَ وَيَحُولَ عَلَى ثَمَنِهِ الْحَوْلُ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ : مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ ، كَالْحُبُوبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالسُّمَّاقِ وَالْبُزُورِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الزَّكَاةِ فِي اللَّوْزِ ، وَعَلَّلَ أَنَّهُ مَكِيلٌ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : لَا تَجِبُ فِي حَبِّ الْبُقُولِ كَحَبِّ الرَّشَادِ وَحَبِّ الْفُجْلِ وَالْقُرْطُمِ ، وَالْأَبَازِيرِ كَالْكُسْفُرَةِ وَالْكَمُّونِ وَالْبُزُورِ ، وَكَبِذْرِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالرَّيَاحِينِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُوتٍ وَلَا أُدْمٍ ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا بِزْرُ الْيَقْطِينِ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : مِنْ الْمُقْتَاتِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَيُخْرِجُ الصَّعْتَرَ وَالْأُشْنَانَ وَنَحْوَهُمَا ، وَحَبَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ ، وَكَذَا كُلُّ وَرَقٍ مَقْصُودٍ ، كَوَرَقِ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْآسِ .
وَلَا زَكَاةَ فِي الْأَشْهَرِ فِي الْجَوْزِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ .
وَالتِّينِ وَالْمِشْمِشِ وَالتُّوتِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ ، وَكَذَا الْعُنَّابُ ، وَجَزَمَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي بِالزَّكَاةِ فِيهِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، فَالتِّينُ وَالْمِشْمِشُ وَالتُّوتُ مِثْلُهُ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا فِي التِّينِ ؛ لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ كَالتَّمْرِ .
وَهَلْ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ ( و هـ م ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا ، أَمْ لَا ( و ش ) اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ؟ ( م 1 )
بَابُ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا ، أَمْ لَا ؟ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّخْلِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا أَصَحُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ فِيهِ ، صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي الْخُلَاصَةِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ ، وَالشِّيرَازِيِّ فِي الْإِيضَاحِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَكَذَلِكَ الْقُطْنُ ( م 2 ) فَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ ( و م ش ) وَجَبَتْ فِي حَبِّهِ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ عَدَمَ الْوُجُوبِ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ الْقُطْنُ ، يَعْنِي أَنَّهُ كَالزَّيْتُونِ ، فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُطْلَقَتَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَحَكَاهُمَا فِي الْإِيضَاحِ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ فِيهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ .
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا أَصَحُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ فِيهِ ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَصَحَّحَهَا فِي الْمُبْهِجِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَهِيَ الصَّوَابُ .
وَالْكَتَّانُ مِثْلُهُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَكَذَا الْقِنَّبُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : إنْ وَجَبَتْ فِيهِ فَفِيهِمَا احْتِمَالَانِ ( م 3 )
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَالْكَتَّانُ مِثْلُهُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَكَذَا الْقِنَّبُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : إنْ وَجَبَتْ فِيهِ فَفِيهِمَا احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ : وَفِي الْكَتَّانِ وَالْقِنَّبِ وَجْهَانِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْكَتَّانِ ، أَحَدُهُمَا يَجِبُ فِيهِمَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْقِنَّبِ ، قَالَ الشَّارِحُ : وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْقُطْنِ احْتَمَلَ أَنْ تَجِبَ فِي الْكَتَّانِ وَالْقِنَّبِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَجِبُ .
وَالرِّوَايَتَانِ فِي الزَّعْفَرَانِ ( م 4 ) وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : لَا تَجِبُ ( و م ش ) وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ ، وَيُخَرَّجُ [ عَلَيْهِ الْعُصْفُرُ وَالْوَرْسُ وَالنِّيلِ ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ : وَالْفُوَّةُ ] .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَالرِّوَايَتَانِ فِي الزَّعْفَرَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَا تَجِبُ فِيهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَصَحُّ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ فِيهِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَفِي الْحِنَّاءِ الْخِلَافُ ( م 5 ) .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَفِي الْحِنَّاءِ الْخِلَافُ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُ فِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَحَكَوْهُ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَجِبُ فِيهِ أَيْضًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
[ وَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ مَكِيلٍ ] مُدَّخَرٍ ، كَبَقِيَّةِ الْفَوَاكِهِ ( هـ ) وَالْخُضَرِ ( هـ ) وَالْبُقُولِ ( هـ ) كَالزَّهْرِ وَالْوَرَقِ ( و ) وَطَلْعِ الْفُحَّالِ ( و ) وَالسَّعَفِ وَالْخُوصِ وَقُشُورِ الْحَبِّ ( و ) وَالتِّبْنِ ( و ) وَالْحَطَبِ ( و ) وَالْخَشَبِ ( و ) وَأَغْصَانِ الْخِلَافِ ( و ) وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فِيهِ وَفِي [ وَرَقِ ] التُّوتِ ( ع ) وَالْحَشِيشِ ( و ) وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ ( و ) وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ ( عِ ) وَصُوفِهَا ( ع ) وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْحَرِيرُ وَدُودُ الْقَزِّ ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى : لَا زَكَاةَ إلَّا فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ ، وَلَا يَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ ( ش م ) .
وَزَادَ مَالِكٌ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ : السِّمْسِمُ وَالتُّرْمُسُ ، وَنَقَضَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِهِمَا ، فَإِنَّهَا مُقْتَاتٌ يُدَّخَرُ وَمَاشٌ وَلُوبِيَا ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُمَا مُقْتَاتَانِ ، وَتَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي كُلِّ مَا يَبِسَ وَبَقِيَ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا ، كَالتِّينِ وَنَحْوِهِ ، لَا فِي الْخَضْرَاوَاتِ وَبِزْرِهَا .
فَصْلٌ وَمَا نَبَتَ مِنْ الْمُبَاحِ فِي أَرْضِهِ ، وَقُلْنَا عَلَى الْأَشْهَرِ : لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ ، بَلْ بِأَخْذِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ كَالْبُطْمِ وَالْعَفْصِ وَالزَّعْبَلِ وَهُوَ شَعِيرُ الْجَبَلِ وَبِذَرِّ قَطُونَا وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَغَيْرِهِمْ ( م ش ) ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ لَا يُمْلَكُ ، فَأَشْبَهَ مَا يَلْتَقِطُهُ اللَّقَّاطُ مِنْ السُّنْبُلِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، أَوْ يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِحَصَادِهِ وَمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْعَسَلِ لِلْأَثَرِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : فِي الْمَذْهَبِ تَجِبُ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ ( و هـ ) قَالَ الْقَاضِي : هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ( م 6 ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا فِي الْعَسَلِ ، فَيَكْفِي تَمَلُّكُهُ وَقْتَ الْأَخْذِ ، كَالْعَسَلِ ، وَإِنْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ مَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّ ، كَمَنْ سَقَطَ لَهُ حَبُّ حِنْطَةٍ فِي أَرْضِهِ أَوْ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ زَكَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ وَقْتَ الْوُجُوبِ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَمَا نَبَتَ مِنْ الْمُبَاحِ فِي أَرْضِهِ ، وَقُلْنَا عَلَى الْأَشْهَرِ : لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ ، بَلْ يَأْخُذُهُ ، أَوْ فِي مَوَاتٍ كَالْبُطْمِ وَالْعَفْصِ وَالزَّعْبَلِ وَبِزْرِ قَطُونَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَغَيْرُهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : فِي الْمُذَهَّبِ يَجِبُ ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ ، قَالَ الْقَاضِي : هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ : هَذَا الصَّحِيحُ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَجْتَنِبُهُ مِنْ الْمُبَاحِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي اخْتَارَهُ فِي الْمُذَهَّبِ فَقَالَ فِيهِ : الْمَذْهَبُ تَجِبُ فِي ذَلِكَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْوُجُوبُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِهِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَرِيحًا ، قَالَهُ الْمَجْدُ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْخِلَافِ وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا فِي الْعَسَلِ ، فَيُكْتَفَى بِمِلْكِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ كَالْعَسَلِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .
فَصْلٌ وَلَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا ، قَدْرُهُ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ ( و م ش ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، فَلَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ( هـ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالِهِ وَلُزُومِ الْإِخْرَاجِ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ الْحَوْلُ ( عِ ) لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ عِنْدَ الْوُجُوبِ ، وَعَنْهُ : يُعْتَبَرُ نِصَابُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ رُطَبًا وَعِنَبًا ، ( خ ) اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَيُؤْخَذُ عُشْرُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ ، وَعَنْهُ : عُشْرُهُ يَابِسًا
وَالْوَسْقُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا سِتُّونَ صَاعًا ( ع ) لِنَصِّ الْخَبَرِ ، فَيَكُونُ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ ، وَالصَّاعُ رِطْلٌ وَسُبْعٌ دِمَشْقِيٌّ ، فَزِدْ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ سُبْعَهَا ، يَكُنْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَسِتَّةَ أَسْبَاعِ رِطْلٍ بِالدِّمَشْقِيِّ ، وَالرِّطْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَةٌ .
وَسَبَقَ قَدْرُ الرِّطْلِ الْعِرَاقِيِّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ، وَقَدْرُ الصَّاعِ فِي آخِرِ الْغُسْلِ ، وَالْوَسْقُ وَالصَّاعُ كَيْلَانِ لَا صَنْجَتَانِ ، نُقِلَ إلَى الْوَزْنِ لِيُحْفَظَ وَيُنْقَلَ ، وَالْمَكِيلُ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ ، فَمِنْهُ الثَّقِيلُ كَالْأُرْزِ وَالتَّمْرِ ، وَالْمُتَوَسِّطُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ ، وَالْخَفِيفُ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ ، وَأَكْثَرُ التَّمْرِ أَخَفُّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُكَالُ شَرْعًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى هَيْئَتِهِ غَيْرُ مَكْبُوسٍ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْحِنْطَةِ ، أَيْ بِالرَّزِينِ مِنْ الْحِنْطَةِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي وَزْنِهِ ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْخَفِيفِ إذَا قَارَبَ هَذَا الْوَزْنَ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْكَيْلِ كَالرَّزِينِ .
وَمَنْ اتَّخَذَ مَكِيلًا يَسَعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا مِنْ جَيِّدِ الْحِنْطَةِ ، كَمَا سَبَقَ ، ثُمَّ كَالَ بِهِ مَا شَاءَ ، عَرَفَ مَا بَلَغَ حَدَّ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِهِ ، نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ : يُعْتَبَرُ أَبْعَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ .
قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ وَمَتَى شَكَّ فِي بُلُوغِ قَدْرِ النِّصَابِ احْتَاطَ وَأَخْرَجَ ، وَلَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ ، وَسَبَقَ : هَلْ النِّصَابُ تَحْدِيدٌ ؟ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ .
وَإِنْ كَانَ الْحَبُّ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ عَادَةً لَحَفِظَهُ ، وَهُوَ الْأُرْزُ وَالْعَلْسُ فَقَطْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَمَثَّلَ بَعْضُهُمْ بِهِمَا ، فَنِصَابُهُمَا فِي قِشْرِهِمَا عَشْرَةُ أَوْسُقٍ ، وَإِنْ صُفِّيَا فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي ثِقَلٍ وَخِفَّةٍ ، وَمَتَى شَكَّ فِي بُلُوغِ النِّصَابِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُحْتَاطَ وَيُخْرِجَ عَشْرَةً قَبْلَ قِشْرِهِ ، وَبَيْنَ قِشْرِهِ وَاعْتِبَارِهِ بِنَفْسِهِ ، كَمَغْشُوشِ الْأَثْمَانِ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، وَقِيلَ : يُرْجَعُ فِي نِصَابِ الْأُرْزِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ، وَالْعَلْسُ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ ( و ) مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ .
وَالذُّرَةُ بِقِشْرِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ .
وَنِصَابُ الزَّيْتُونِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَيْلًا ، نَقَلَهُ صَالِحٌ ( و ش ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ : نِصَابُهُ سِتُّونَ صَاعًا ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ : وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ .
وَفِي الْهِدَايَةِ : لَا نَصَّ فِيهِ ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْقُطْنِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ .
وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ : هَلْ يُعْتَبَرُ بِالزَّيْتِ ؟ أَوْ بِالزَّيْتُونِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ بِالزَّيْتِ فَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ كَذَا قَالَ ، وَهُوَ غَرِيبٌ ، وَيُخْرِجُ مِنْهُ ، وَإِخْرَاجُ زَيْتِهِ أَفْضَلُ ( و هـ ش ) هَذَا الْمَشْهُورُ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ( م ) لِاعْتِبَارِهِ الْأَوْسَاقَ بِالزَّيْتِ فِيمَا لَهُ زَيْتٌ ، وَقِيلَ : يُخْرِجُ زَيْتُونًا ، كَمَا لَا زَيْتَ فِيهِ ، لِوُجُوبِهَا فِيهِ ( م ر ) وَكَدُبْسٍ عَنْ تَمْرٍ ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي ، عَلَى الْأَوَّلِ : وَيُخْرِجُ عُشْرَ كُسْبِهِ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ ، بِخِلَافِ التِّينِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : هَلْ يُخْرِجُ مِنْ الزَّيْتُونِ أَوْ مِنْ دُهْنِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ ، وَيَحْتَمِلُ الْأَفْضَلِيَّةَ ، وَظَاهِرُهُ : لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُ غَيْرِ الدُّهْنِ ، وَإِلَّا فَلَوْ أَخْرَجَهُ وَالْكُسْبَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَجْهِ الْآخَرِ وَجْهٌ ، وَلِأَنَّ الْكُسْبَ يَصِيرُ وَقُودًا كَالتِّبْنِ ، وَقَدْ يُنْبَذُ وَيُرْمَى رَغْبَةً عَنْهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يُجْزِئُ شَيْرَجٌ عَنْ سِمْسِمٍ ، وَظَاهِرُهُ كَمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي ، و أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الشَّيْرَجَ وَالْكُسْبَ أَجْزَأَ ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ زَكَاةَ السِّمْسِمِ مِنْهُ كَغَيْرِهِ ، فَظَاهِرُهُ : لَا يُخْرَجُ شَيْرَجٌ وَكُسْبٌ بِعَيْنِهِمَا ، لِفَسَادِهِمَا بِالِادِّخَارِ ، كَإِخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ ، بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَكُسْبِهِ ، وَهَذَا وَاضِحٌ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : إنْ كَانَ الزَّيْتُونُ لَا زَيْتَ فِيهِ أُخْرِجَ حَبُّهُ ، وَإِلَّا خُيِّرَ ، وَفِيهِ وَجْهٌ : يُخْرَجُ
مِنْ دُهْنِهِ ، قَالَ : وَلَا يُخْرَجُ مِنْ دُهْنِ السِّمْسِمِ وَجْهًا وَاحِدًا
وَنِصَابُ مَا لَا يُكَالُ كَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ بِالْوَزْنِ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ ، فِي اخْتِيَارِهِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي ، وَاخْتَارَ فِي الْخِلَافِ [ وَالْهِدَايَةِ ( م 7 ) وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ بُلُوغُ قِيمَتِهِ قِيمَةَ أَدْنَى نَبَاتٍ يُزَكَّى ، زَادَ فِي الْخِلَافِ ] : إلَّا الْعُصْفُرَ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْقُرْطُمِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ ، فَاعْتُبِرَ بِهِ ، فَإِنْ بَلَغَ الْقُرْطُمُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زَكَّى ، وَتَبِعَهُ الْعُصْفُرُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ : يُزَكَّى قَلِيلُ مَا لَا يُكَالُ وَكَثِيرُهُ ( و ش ) وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالزَّعْفَرَانِ ، وَلَا فَرْقَ ، وَقِيلَ نِصَابُ زَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ وَعُصْفُرٍ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ ، جَمْعُ مَنَا ، وَهُوَ رِطْلَانِ ، وَهُوَ الْمَنُّ وَجَمْعُهُ أَمْنَانٌ .
مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَنِصَابُ مَا لَا يُكَالُ ، كَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ ، [ بِالْوَزْنِ ] أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ ، فِي اخْتِيَارِهِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي ، وَاخْتَارَ فِي الْخِلَافِ وَالْهِدَايَةِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ بُلُوغُ قِيمَتِهِ أَدْنَى نَبَاتٍ يُزَكَّى ، زَادَ فِي الْخِلَافِ : إلَّا الْعُصْفُرُ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْقُرْطُمِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذَهَّبِ ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي احْتِمَالُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ .
فَصْلٌ وَتُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ ( و ) فَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحُبُوبَ فِي صُورَتِهِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَوْنُهُ لَوْنُ الْحِنْطَةِ وَطَبْعُهُ طَبْعُ الشَّعِيرِ فِي الْبُرُودَةِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ ، أَوْ [ هَلْ ] يُعْمَلُ بِلَوْنِهِ أَوْ طَبْعِهِ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : أَنَّ السُّلْتَ يَكْمُلُ بِالشَّعِيرِ ، وَقِيلَ : لَا ، يَعْنِي أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ .
وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ ، وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ أَنَّ الْعَلْسَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ ، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهَيْنِ فِي ضَمِّ الْعَلْسِ إلَى الْحِنْطَةِ .
وَيُضَمُّ زَرْعُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ ، اتَّفَقَ وَقْتُ إطْلَاعِهِ وَإِدْرَاكِهِ أَوْ اخْتَلَفَ ( و م ق ) كَمَا لَوْ تَفَاوَتَ وَتُضَمُّ ذُرَةٌ حُصِدَتْ ثُمَّ نَبَتَتْ ، وَلَا يَخْتَصُّ الضَّمُّ بِمَا اتَّفَقَ زَرْعُهُ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ مِنْ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ ( ق ) وَالْحَنَفِيَّةُ ، وَلَا بِمَا اتَّفَقَ حَصَادُهُ فِي فَصْلٍ مِنْهَا ( ق )
وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ( و ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَكَمَا لَوْ بَدَا صَلَاحُ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى ، وَسَوَاءٌ تَعَدَّدَ الْبَلَدُ أَوْ لَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَلِعَامِلِ الْبَلَدِ الْأَخْذُ مِنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ ( و م ش ) وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، لِنَقْصِ مَا فِي وِلَايَتِهِ عَنْ نِصَابٍ ، فَيُخْرِجُ الْمَالِكُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ( و هـ ) وَكَذَا الْمَاشِيَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ حَيْثُ قُلْنَا بِزَكَاتِهَا .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : النَّخْلُ التِّهَامِيُّ يَتَقَدَّمُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ ، فَلَوْ أَطْلَعَ وَجُذَّ ، ثُمَّ أَطْلَعَ النَّجْدِيُّ ، ثُمَّ لَمْ يُجَذَّ حَتَّى أَطْلَعَ التِّهَامِيُّ ، ضُمَّ النَّجْدِيُّ إلَى التِّهَامِيِّ الْأَوَّلِ لَا إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّخْلِ يَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً ، فَيَكُونُ التِّهَامِيُّ الثَّانِي ثَمَرَةَ عَامٍ ثَانٍ ، قَالَ : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ، بَلْ وَقْتُ اسْتِغْلَالِ الْمُغَلِّ مِنْ الْعَامِ عُرْفًا ، وَأَكْثَرُ عَادَةً نَحْوُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، بِقَدْرِ فَصْلَيْنِ ، وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا أَنَّ مَنْ اسْتَغَلَّ حِنْطَةً أَوْ رُطَبًا آخِرَ تَمُوزَ مِنْ عَامٍ ، ثُمَّ عَادَ اسْتَغَلَّ مِثْلَهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ [ آخِرَ ] تَمُوزَ أَوْ حُزَيْرَانَ لَمْ يُضَمَّا ، مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا دُونَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ ، وَحَكَى عَنْ ابْنُ حَامِدٍ : لَا يُضَمُّ صَيْفِيٌّ إلَى شَتْوِيٍّ إذَا زُرِعَ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ .
قَالَ الْأَصْحَابُ : وَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ [ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كَزَرْعِ الْعَامِ الْوَاحِدِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يُضَمُّ ، لِنُدْرَتِهِ ، مَعَ تَنَافِي أَصْلِهِ ، فَهُوَ كَثَمَرَةِ عَامٍ آخَرَ ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ ] بَعْضُهُ فِي السَّنَةِ حِمْلًا ، وَبَعْضُهُ [ فِي السَّنَة ] حِمْلَيْنِ ضُمَّ مَا يَحْمِلُ حِمْلًا إلَى أَيِّهِمَا بَلَغَ مَعَهُ ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَإِلَى أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ ( و ش ) وَفِي كِتَابِ ابْنِ تَمِيمٍ : وَفِي ضَمِّ حِمْلِ نَخْلٍ إلَى حِمْلِ نَخْلٍ آخَرَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَجْهَانِ ، كَذَا قَالَ ، وَلَا تُضَمُّ ثَمَرَةُ عَامٍ أَوْ زَرْعُهُ إلَى آخَرَ .
فَصْلٌ وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى جِنْسٍ آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ( و ش هـ ) وَالْحَنَفِيَّةُ كَأَجْنَاسِ الثِّمَارِ [ ( عِ ) ] وَأَجْنَاسِ الْمَاشِيَةِ ( ع ) وَعَنْهُ : تُضَمُّ الْحُبُوبُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، رَوَاهَا صَالِحٌ وَأَبُو الْحَارِثِ وَالْمَيْمُونِيُّ ، وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَأَوْمَأَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ إلَى الْأَوَّلِ .
وَقَالَ أَيْضًا : رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ : يُضَمُّ ، وَهُوَ أَحْفَظُ ، قَالَ الْقَاضِي : فَظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ عَنْ مَنْعِ الضَّمِّ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ اخْتِيَارُ أَبُو بَكْرٍ ، لِاتِّفَاقِهِمَا فِي قَدْرِ النِّصَابِ وَالْمُخْرَجِ ، كَضَمِّ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ .
وَعَنْهُ : تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ ، وَالْقَطَانِيُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي [ ( و م ) ] فَعَلَيْهَا تُضَمُّ الْأَبَازِيرُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، وَحَبُّ الْبُقُولِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، لِتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ ، فَكَذَا يُضَمُّ [ كُلُّ ] مَا تَقَارَبَ ، وَمَعَ الشَّكِّ فِيهِ لَا ضَمَّ ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ رِوَايَةً : تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ ، وَلَعَلَّهُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ ، قَالَ : وَعَنْهُ : يُضَمُّ مَا تَقَارَبَ فِي الْمَنْبَتِ وَالْمَحْصَدِ ( م 8 ) وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ ضَمَّ التَّمْرِ إلَى الزَّبِيبِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحُبُوبِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلَا يَصِحُّ ، لِتَصْرِيحِ أَحْمَدَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُبُوبِ ، عَلَى قَوْلِهِ بِالضَّمِّ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَحْفُوظِ عَنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ : وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَتَوَقَّفَ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ : تُضَمُّ الْحُبُوبُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، نَقَلَهَا صَالِحٌ وَأَبُو الْحَارِثِ الْمَيْمُونِيُّ وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَأَوْمَأَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ إلَى الْأَوَّلِ .
وَقَالَ أَيْضًا : رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ يُضَمُّ ، وَهُوَ أَحْوَطُ ، قَالَ الْقَاضِي : فَظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ عَنْ مَنْعِ الضَّمِّ ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ اخْتِيَارَ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْهُ : تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ ، وَالْقَطَانِيُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي .
وَعَنْهُ : يُضَمُّ مَا تَقَارَبَ فِي الْمَنْبَتِ وَالْمَحْصَدِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، الرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ ، وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، اخْتَارَهَا الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَصَحَّحَهَا فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُقْنِعِ وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَابْنِ تَمِيمٍ وَالنَّاظِمُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ صَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَرَأَيْته صَحَّحَهَا فِي التَّعْلِيقِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَنِهَايَتِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ، قَالَ فِي الْمُبْهِجِ : يُضَمُّ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَجْدِ هَذَا الصَّحِيحُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ،
وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ اخْتَارَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَيُؤْخَذُ الْوَاجِبُ مِنْ الزَّرْعِ وَالتَّمْرِ بِحَسَبِهِ ، جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا ، مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ( و ) وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ ( و ) وَلَا إلْزَامُهُ بِإِخْرَاجِ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ ( و ) وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ حِصَّتُهُ ( و هـ ) اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَحَكَاهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّشْقِيصِ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْقِيمَةِ ، كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ : إنْ شَقَّ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ حِصَّتُهُ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَاخْتِلَافِهَا أَخَذَ الْوَسَطَ ( م 9 ) ( و م ش ) وَقِيلَ : مِنْ الْأَكْثَرِ ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْوَسَطَ عَنْ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ بِقَدْرِ قِيمَتَيْ الْوَاجِبِ مِنْهُمَا ، أَوْ أَخْرَجَ الرَّدِيءَ عَنْ الْجَيِّدِ بِالْقِيمَةِ ، فَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ زَكَاةِ الْإِبِلِ ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ جِنْسٍ عَنْ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ ، وَلَا مَشَقَّةَ ، وَلَوْ قُلْنَا بِالضَّمِّ ( و م ) ؛ لِأَنَّهُ احْتِيَاطٌ لِلْفُقَرَاءِ ، اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ قُلْنَا بِالضَّمِّ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ حِصَّتُهُ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْقِيمَةِ ، كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ، وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ : إنْ شَقَّ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ حِصَّتَهُ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَاخْتِلَافِهَا أَخَذَ الْوَسَطَ ، انْتَهَى ، مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي ، وَصَحَّحَهُ فِيهِمَا ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَنَصَرَهُ ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ .
فَصْلٌ وَيَجِبُ الْعُشْرُ [ ( ع ) ] فِي وَاحِدٍ مِنْ عَشْرَةٍ ( ع ) فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ ، كَالسُّيُوحِ ، وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ ، كَالْبَعْلِ ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ ( ع ) كَدَالِيَةٍ وَهُوَ الدَّلْوُ الصَّغِيرُ وَدُولَابٍ وَنَاعُورَةٍ وَسَانِيَةٍ وَنَاضِحٍ وَهُمَا الْبَعِيرُ الَّذِي سُقِيَ عَلَيْهِ وَمَا يَحْتَاجُ فِي تَرْقِيَةِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ إلَى آلَةٍ مِنْ غَرَّافَةٍ أَوْ غَيْرِهِ .
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ : وَلَا تُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ حَفْرِ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي ، لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ ، وَكَذَا مَنْ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي السَّوَاقِي ؛ لِأَنَّهُ كَحَرْثِ الْأَرْضِ .
وَإِنْ اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أَوْ حَفِيرٍ وَسَقَى سَيْحًا فَالْعُشْرُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، لِنُدْرَةِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ ، وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمَاءِ لَا فِي السَّقْيِ بِهِ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ نِصْفُ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّهُ سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهَيْنِ .
وَإِنْ جَمَعَهُ وَسَقَى بِهِ فَالْعُشْرُ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَإِطْلَاقُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ يَقْتَضِيهِ ، كَعَمَلِ الْعَيْنِ ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ .
و ذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ : إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ أَوْ الْقَنَاةُ يَكْثُرُ نُضُوبُ مَائِهَا وَيُحْتَاجُ إلَى حَفْرٍ مُتَوَالٍ فَذَلِكَ مُؤْنَةٌ .
وَإِنْ سُقِيَتْ [ أَرْضَ الْعُشْرِ بِمَاءِ الْخَرَاجِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ وَإِنْ سُقِيَتْ ] أَرْضَ الْخَرَاجِ بِمَاءِ الْعُشْرِ لَمْ يَسْقُطْ خَرَاجُهَا ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ سَقْيِ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَاءِ الْأُخْرَى ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَإِنْ سَقَى نِصْفَ السَّنَةِ بِكُلْفَةٍ ، وَنِصْفَهَا بِغَيْرِهَا ، وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ لَهُ ( و هـ م ش ) فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ ذَلِكَ وَجَبَ الْعُشْرُ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَجَبَ الْقِسْطُ ( و ق ) فَإِنْ جَهِلَ الْقَدْرَ جُعِلَ بِكُلْفَةِ الْمُتَيَقَّنِ ، وَالْبَاقِي سَيْحًا ، وَيُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ ، وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ ، وَكَذَا كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْعُشْرِ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي جَهْلِ الْقَدْرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ ، لِتَقَابُلِ الْأَمْرَيْنِ ( و ش ) وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ فِيمَا يُغَذِّيهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي .
وَقَالَ أَيْضًا : بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ ، وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ .
وَمَنْ لَهُ حَائِطَانِ ضُمَّا فِي النِّصَابِ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ فِي سَقْيِهِ بِمُؤْنَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا ، وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِيمَا سَقَى بِهِ ، وَقِيلَ : يُحَلَّفُ ، لَكِنْ إنْ نَكَلَ يَلْزَمُهُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ فَقَطْ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : يُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ ، فِيمَا يَظْهَرُ ، وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ فِيمَا يَأْتِي ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ هَذَا وَجْهًا ، كَذَا قَالَ .
فَصْلٌ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ( و م ش ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِلْأَكْلِ ، كَالْيَابِسِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ خَرْصِ الثَّمَرَةِ ، لِحِفْظِ الزَّكَاةِ ، وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ لَوْ أَتْلَفَهُ لَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْخَرْصِ وَبَعْدَهُ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ ، وَلَوْ وَرِثَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مَدْيُونٌ لَمْ يَمْتَنِعْ بِذَلِكَ الدَّيْنِ ، [ ( و ) ] وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَهُوَ مُرَادُهُ فِي الْخِلَافِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ : وَانْعِقَادُ الْحَبِّ انْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ ، وَلَا زَكَاةَ ( و ) إلَّا أَنْ يُقْصَدَ الْفِرَارُ مِنْهَا ، فَلَا تَسْقُطُ ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ ، فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ، فَلَيْسَ وَقْتُ الْوُجُوبِ ظُهُورَ الثَّمَرَةِ وَنَبَاتَ الزَّرْعِ [ ( هـ ) ] فَلَوْ أَتْلَفَهُ إذَنْ ضَمِنَ زَكَاتَهُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْخَضْرَاوَاتِ الزَّكَاةَ عِنْدَهُ ، وَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ، أَوْ وَرِثَ عَنْهُ زَكَّاهُ الثَّانِي ، وَأَوْجَبَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الزَّكَاةَ يَوْمَ الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ ، لِلْآيَةِ .
فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي ، لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ فِي مِلْكِهِ .
وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ لَا سِيَّمَا الشَّيْخُ لَا يَصِحُّ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( و م ) وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَصِحُّ ، لِلْعِلْمِ بِهَا ، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا ، وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِهَا ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْمُشْتَرِي وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَلْزَمَ بِهَا الْبَائِعَ ، وَتُفَارِقُ إذَا اسْتَثْنَى زَكَاةَ نِصَابِ مَاشِيَةٍ ، لِلْجَهَالَةِ ، أَوْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِأَصْلِهِ ، لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْمُشْتَرِي زَكَاتَهُ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعِوَضِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ ، وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِجَعْلِهِ فِي الْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ ، وَعَنْهُ : بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ ، كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ، لِلُزُومِ الْإِخْرَاجِ إذَنْ ( ق ) ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفًّى ، وَالتَّمْرِ يَابِسًا ( و ) .
وَفِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ : يُجْزِئُ رُطَبُهُ ، وَقِيلَ : فِيمَا لَا يُتَمَّرُ وَلَا يُزَبَّبُ كَذَا قَالَ ، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا بِمَا انْفَرَدَ بِهِ بِالتَّصْرِيحِ ، وَكَذَا يُقَيِّدُ فِي مَوْضِعِ الْإِطْلَاقِ ، وَيُطْلِقُ فِي مَوْضِعِ التَّقْيِيدِ ، وَيُسَوِّي بَيْنَ شَيْئَيْنِ الْمَعْرُوفُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَعَكْسُهُ ، فَلِهَذَا وَأَمْثَالِهِ حَصَلَ الْخَوْفُ وَعَدَمُ الِاعْتِمَادِ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ ابْنِ بَطَّةَ : لَهُ أَنْ يُخْرِجَ رُطَبًا وَعِنَبًا [ وَسِيَاقُ كَلَامِهِ إذَا اعْتَبَرْنَا نِصَابِهِ كَذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ لَوْ أَمْكَنَهُ ، وَإِنْ أَخْرَجَ سُنْبُلًا وَعِنَبًا ] لَمْ يُجْزِهِ وَوَقَعَ نَفْلًا ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ السَّاعِي فَجَفَّفَهُ وَصَفَّاهُ ، وَكَانَ قَدْرُ الزَّكَاةِ ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْوَاجِبَ ، وَإِلَّا أَخَذَ الْبَاقِيَ وَرَدَّ الْفَضْلَ ، وَإِنْ كَانَ رُطَبًا بِحَالِهِ رَدَّهُ ، وَإِنْ تَلِفَ رَدَّ مِثْلَهُ ، عِنْدَ الْأَصْحَابِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَالَ :
وَعِنْدِي إنْ أَخَذَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَتَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَقَدَّمَ : يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِمِثْلِهِ ، كَذَا قَالَ :
وَلَوْ مَلَكَ ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ثُمَّ صَلُحَتْ بِيَدِهِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ كَمَنْ اشْتَرَى شَجَرَةً مُثْمِرَةً ، وَشَرَطَ الثَّمَرَةَ ، أَوْ قَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ بِهَا ، قَالَ الشَّيْخُ : أَوْ ذَهَبَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بِيَدِهِ لَزِمَهُ زَكَاتُهَا ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ فِي مِلْكِهِ ، وَلَوْ صَلُحَتْ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ زَكَّاهَا مَنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ ، وَمَتَى صَلُحَتْ بِيَدِ مَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ قَصَدَ الْفِرَارَ ، عَلَى مَا سَبَقَ .
وَإِنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ صَلَاحِهَا ، بِشَرْطِ الْقَطْعِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى صَلُحَتْ بِيَدِهِ ، فَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَحُكْمِ زَكَاتِهِ كَلَامٌ يَأْتِي فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ ، أَنَّ صَلَاحَ الثَّمَرِ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْعِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : صَلَاحُ اللَّوْزِ وَنَحْوِهِ إذَا انْعَقَدَ ، وَالزَّيْتُونُ جَرَيَانُ الزَّيْتِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَيْتٌ فَبِأَنْ يَصْلُحَ لِلْكَبْسِ .
وَمَنْ لَهُ شَجَرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَاتَ ثُمَّ أَثْمَرَتْ ، فَالثَّمَرَةُ لِلْوَارِثِ ، وَفِيهَا الزَّكَاةُ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ مَعَ الدَّيْنِ تَعَلَّقَ بِالثَّمَرِ وَلَا زَكَاةَ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَتْ تَعَلَّقَ بِهَا الدَّيْنُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَفِي الزَّكَاةِ رِوَايَتَانِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ قَبْلَهُ وَقُلْنَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ مَعَ الدَّيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ ( م 10 )
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَتْ تَعَلَّقَ بِهَا الدَّيْنُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَفِي الزَّكَاةِ رِوَايَتَانِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ قَبْلَهُ وَقُلْنَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ مَعَ الدَّيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ : عَلَى رِوَايَتَيْنِ سَبَقَتَا ، إحْدَاهُمَا تَجِبُ إذَا مَاتَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِ قَوَاعِدِهِ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ : لَوْ كَانَ لَهُ شَجَرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَمَاتَ بَعْدَمَا أَثْمَرَتْ ، تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالثَّمَرَةِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، إلَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ ، فَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ مَعَ الدَّيْنِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَيْهِمْ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ ، انْتَهَى ، فَقَطَعَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَجِبُ .
فَصْلٌ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِ ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاحِهِ ، قَبْلَ كَمَالِهِ لِخَوْفِ عَطَشٍ ، أَوْ لِضَعْفِ أَصْلٍ ، أَوْ لِتَحْسِينِ بَقِيَّتِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ ، وَلِأَنَّ حِفْظَ الْأَصْلِ أَحَظُّ ، لِتَكَرُّرِ الْحَقِّ ، قَالَ الشَّيْخُ : وَإِنْ كَفَى التَّخْفِيفُ لَمْ يَجُزْ قَطْعُ الْكُلِّ ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إطْلَاقٌ ، وَكَذَا إنْ كَانَ رُطَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ ، أَوْ عِنَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ زَادَ فِي الْكَافِي : أَوْ زَبِيبُهُ رَدِيءٌ جَازَ قَطْعُهُ ، وَإِنَّمَا قَالَ : جَازَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ ، وَمُرَادُهُ [ يَجِبُ ] لِإِضَاعَةِ الْمَالِ ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ إلَّا بِإِذْنِ السَّاعِي إنْ كَانَ .
وَتَجِبُ زَكَاةُ ذَلِكَ عَمَلًا بِالْغَالِبِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخُضَرِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَاحْتِمَالٌ فِيمَا لَا يُثْمِرُ وَلَا يَصِيرُ زَبِيبًا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ ( م ) [ ثُمَّ ] هَلْ يُعْتَبَرُ نِصَابًا يَابِسًا مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، كَغَيْرِهِ أَمْ يُعْتَبَرُ رُطَبًا وَعِنَبًا ؟ اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَتُهُ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَتَانِ ( م 11 ) وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَاجِبَ مِنْهُ مُشَاعًا أَوْ مَقْسُومًا بَعْدَ الْجُذَاذِ ، أَوْ قَبْلَهُ بِالْخَرْصِ ( و م ش ) ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ ، فَيَتَخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ مُقَاسَمَةِ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْجُذَاذِ بِالْخَرْصِ ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ شَجَرَاتٍ مُفْرَدَةً ، وَبَيْنَ مُقَاسَمَتِهِ الثَّمَرَةَ بَعْدَ جَذِّهَا بِالْكَيْلِ ، اخْتَارَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ يَابِسًا ( م 12 ) ( خ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { يُخْرَصُ الْعِنَبُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا } .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِ ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاحِهِ قَبْلَ كَمَالِهِ لِخَوْفِ عَطَشٍ وَنَحْوِهِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ إلَّا بِإِذْنِ السَّاعِي ثُمَّ هَلْ يُعْتَبَرُ نِصَابًا يَابِسًا مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، كَغَيْرِهِ أَمْ يُعْتَبَرُ رُطَبًا وَعِنَبًا ؟ اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَتُهُ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَهُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَهُمَا فِي شَرْحِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : فَيَتَخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ مُقَاسَمَةِ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْجُذَاذِ بِالْخَرْصِ ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ شَجَرَاتٍ مُفْرَدَةً ، وَبَيْنَ مُقَاسَمَةِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ جَذِّهَا بِالْكَيْلِ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرَجَ يَابِسًا ، انْتَهَى ، الْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ
فَلَوْ أَتْلَفَ رَبُّ [ الْمَالِ ] هَذِهِ الثَّمَرَةَ ضَمِنَ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا ، كَغَيْرِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ، فَهَلْ يُخْرِجُ قِيمَتَهُ ، أَوْ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ [ يُخْرِجُهُ ] إذَا قَدَرَ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، فِي الْإِرْشَادِ ، وَقِيلَ : فِيهِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَاجِبِ ( م 13 ) وَعَلَى الْأَوَّلِ : إذَا أَتْلَفَهَا رَبُّ الْمَالِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ ، كَأَجْنَبِيٍّ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ فِي الْكَافِي ( و م ش ) وَإِنْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ هُنَا ، وَمَنَعْنَا إخْرَاجَ الْقِيمَةِ ، فَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، كَغَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ ، لِمَشَقَّةِ إخْرَاجِهِ رُطَبًا ، لِئَلَّا يَفْسُدَ بِالتَّأْخِيرِ ، لِعَدَمِ السَّاعِي أَوْ الْفَقِيرِ ( م 14 ) وَصَحَّحَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْقَاضِي السَّابِقَ فِيمَا يَصِيرُ تَمْرًا وَزَبِيبًا ، وَيَأْتِي فِي آخِرِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ حُكْمُ رُجُوعِ زَكَاتِهِ إلَيْهِ .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : فَلَوْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ هَذِهِ الثَّمَرَةَ ضَمِنَ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَغَيْرِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ، فَهَلْ يُخْرِجُ قِيمَتَهُ ، أَوْ يُبْقِي فِي ذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إذَا قَدَرَ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، فِي الْإِرْشَادِ ، وَقِيلَ : فِيهِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَاجِبِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَحَكَاهَا عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ .
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ ، وَالثَّانِي يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ ، فَيَأْتِي بِهِ ، وَأَصْلُهُمَا : هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الْقِيمَةِ عِنْدَ إعْوَازِ الْفَرْضِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَقَدْ سَبَقَتْ ، انْتَهَى .
فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِصِيغَةِ قِيلَ .
وَقَالَ الْمَجْدُ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ .
قَبْلَ الْخُطْبَةِ : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْفَرْضُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِيَةُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ هُنَا ، لِلضَّرُورَةِ ، وَدَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَالِكِ وَالْفَقِيرِ ، انْتَهَى ، فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَيْضًا .
قُلْت : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْجَوَازِ .
وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا مِثْلُهَا ، كَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ يَابِسًا : لَوْ عَجَزَ عَنْ تَمْرٍ وَجَبَ عَنْ رُطَبٍ أَخْرَجَ عَنْ قِيمَةِ الرُّطَبِ ، وَعَنْهُ : مَتَى وُجِدَ التَّمْرُ لَزِمَهُ ، انْتَهَى ، وَهِيَ كَمَسْأَلَتِنَا .
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكُبْرَى فِي مَكَان آخَرَ : وَهَلْ الْخَرْصُ لِلِاعْتِبَارِ
أَوْ التَّضْمِينِ ؟ قُلْت : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، فَإِنْ قُلْنَا لِلتَّضْمِينِ وَجَبَ مِنْ جِنْسِ مَا أُتْلِفَ ، وَإِلَّا وَجَبَ قِيمَةُ الْوَاجِبِ يَوْمَ أَتْلَفَهُ ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْخَرْصِ وَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَدَا الصَّلَاحُ وَجَبَ قِيمَةُ الْوَاجِبِ رُطَبًا يَوْمَ أَتْلَفَهُ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي ، فَهَلْ تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى ، قُلْت : الصَّوَابُ عَدَمُ إخْرَاجِ قِيمَتِهِ هُنَا أَيْضًا وَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ هُنَا ، وَمَنَعْنَا إخْرَاجَ الْقِيمَةِ ، فَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ، كَغَيْرِهِ ، وَعَنْهُ يَجُوزُ ، لِمَشَقَّةِ إخْرَاجِهِ رُطَبًا ، لِئَلَّا يَفْسُدَ بِالتَّأْخِيرِ ، لِعَدَمِ السَّاعِي أَوْ الْفَقِيرِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، وَلِرِوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَجُوزُ .
فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ خَارِصًا إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ ( و م ش ) لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِالظَّنِّ ، لِلْحَاجَةِ كَغَيْرِهِ ، وَأَنْكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَتَخْمِينٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ تَخْوِيفًا لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لِئَلَّا يَخُونُوا ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّى أَنَّ نَخْلَ الْبَصْرَةِ لَا يُخْرَصُ ، وَأَنَّهُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ ، وَعُلِّلَ بِالْمَشَقَّةِ وَبِغَيْرِهَا ، كَذَا قَالَ ،
وَيَكْفِي خَارِصٌ ( ق ) ؛ لِأَنَّهُ يُنَفِّذُ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ، كَحَاكِمٍ وَقَائِفٍ ، فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ قَائِفٍ ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا ، أَمِينًا لَا يُتَّهَمُ ، خَبِيرًا ، وَقِيلَ : حُرًّا وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ وَاحِدٍ : لَا يُتَّهَمُ وَلَهُ خَرْصُ كُلِّ شَجَرَةٍ مُنْفَرِدَةً ، وَالْكُلُّ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَيَلْزَمُ خَرْصُ كُلِّ نَوْعٍ وَحْدَهُ ، لِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَقْتَ الْجَفَافِ .
ثُمَّ يُعَرَّفُ الْمَالِكُ قَدْرَ الزَّكَاةِ ، وَيُخَيَّرُ [ بَيْنَ ] أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَا يَشَاءُ وَيَضْمَنُ قَدْرَهَا ، وَبَيْنَ حِفْظِهَا إلَى وَقْتِ الْجَفَافِ ، فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ وَتَصَرَّفَ صَحَّ تَصَرُّفُهُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَكُرِهَ ، وَقِيلَ : يُبَاحُ ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ الْقَاضِي : لَا يُبَاحُ التَّصَرُّفُ ، كَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ الْخَرْصِ ، وَأَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ ضَمِنَهَا ، وَعَلَيْهِمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أُتْلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَ زَكَاتَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا ( و م ش هـ ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ هَذَا الرُّطَبِ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَعَنْهُ : رُطَبًا فَقَطْ ( و ق ) لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ : إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ضَمِنَ عُشْرَ قِيمَتِهَا ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ رُطَبًا يَوْمَ التَّلَفِ ، وَقِيلَ : بِقِيمَتِهِ رُطَبًا ، قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَلَوْ حَفِظَهَا إلَى وَقْتِ الْإِخْرَاجِ زَكَّى الْمَوْجُودَ فَقَطْ ، وَافَقَ قَوْلَ الْخَارِصِ أَوْ لَا ، سَوَاءٌ اخْتَارَ حِفْظَهَا ضَمَانًا بِأَنْ يَتَصَرَّفَ أَوْ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ عَدَمِ تَبْيِينِ الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِصَابَةُ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُ مَا قَالَهُ الْخَارِصُ مَعَ تَفَاوُتِ قَدْرٍ يَسِيرٍ ، يُخْطِئُ فِي مِثْلِهِ ( و م ) لِانْتِقَالِ الْحُكْمِ إلَى قَوْلِهِ ، بِدَلِيلِ وُجُوبِهِ عِنْدَ التَّلَفِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَا يَغْرَمُ مَا لَمْ يَفْرُطْ وَلَوْ خُرِصَتْ .
وَعَنْهُ : بَلَى .
وَلَا زَكَاةَ لِمَا تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ قَبْلَ الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ( ع ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي الْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ الْيَدُ عَلَيْهِ ، بِدَلِيلِ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْجَائِحَةِ ، فَاسْتُصْحِبَ حُكْمُ الْعَدَمِ [ فِيهِ ] ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ نِصَابٌ زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهَيْنِ إنْ لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ ، اخْتَارَ الشَّيْخُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ ، قَالَ : وَهُوَ أَصَحُّ ، كَتَلَفِ بَعْضِ نِصَابٍ غَيْرِ زَرْعٍ وَثَمَرٍ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ [ مِنْ الْإِخْرَاجِ ] لِمَا سَبَقَ مِنْ سُقُوطِ الزَّكَاةِ بِالتَّلَفِ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى نِصَابٍ وُجِدَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَصَادَفَهُ الْوُجُوبُ ثُمَّ تَلِفَ بَعْضُهُ ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَقِيلَ : لَا يَسْقُطُ ، وَهُوَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ رِوَايَةً ، وَأَظُنُّ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ [ قَالَ ] : قِيَاسُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَ الْوُجُوبِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ أَنَّهُ كَنَقْصِ نِصَابٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ( و م ش ) وَأَبِي يُوسُفَ ، وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ ( و ) بِلَا يَمِينٍ ، وَلَوْ اُتُّهِمَ ( م ش ) نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ : بِيَمِينِهِ .
وَفِي دَعْوَى غَلَطٍ مُمْكِنٍ مِنْ الْخَارِصِ ، فَإِنْ فَحَشَ فَقِيلَ : يُرَدُّ قَوْلُهُ ، وَقِيلَ : ضَمَانًا كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً يُرَدُّ فِي الْفَاحِشِ فَقَطْ ( م 15 ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : كَمَا لَوْ ادَّعَى كَذِبَهُ عَمْدًا لَمْ يُقْبَلْ ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَإِنْ قَالَ إنَّمَا حَصَلَ بِيَدَيَّ [ كَذَا ] قُبِلَ مِنْهُ ، وَيُكَلَّفُ بَيِّنَةً فِي دَعْوَاهُ جَائِحَةً ظَاهِرَةً تَظْهَرُ عَادَةً ( و ) ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ ( و ) وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي جَائِحَةٍ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، ثُمَّ حَكَى الْأَوَّلَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ ، وَأَنَّهُ إنْ ادَّعَى مَا يُخَالِفُ الْعَادَةَ لَمْ يُقْبَلْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ ، وَسَبَقَ قَرِيبًا بِمَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : ضَمَانًا كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً .
الضَّمَانُ أَنْ يَخْتَارَ التَّصَرُّفَ وَيَضْمَنَ قَدْرَ الزَّكَاةِ .
وَالْأَمَانَةُ : أَنْ يَخْتَارَ حِفْظَهُمَا إلَى وَقْتِ الْجَفَافِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْمُتَحَصِّلِ .
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ضَمَانًا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُرَدُّ قَوْلُهُ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عِنْدَهُ أَمَانَةٌ إذَا فَحَشَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَلَا يُرَدُّ إذَا كَانَتْ ضَمَانًا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَيَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي أَنْ يُرَدَّ قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ ضَمَانًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَلَا يُرَدُّ إذَا كَانَتْ أَمَانَةً عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَوْلَى ، لِأَنَّ الْأَمِيرَ يَقْبَلُ قَوْلَهُ .
ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا ادَّعَى غَلَطًا فَاحِشًا يَرُدُّ قَوْلَهُ مُطْلَقًا ، بِحَيْثُ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ مَا قَالَهُ الْخَارِصُ بِأَجْمَعِهِ ، وَالْقَوْلَ الثَّانِيَ يَرُدُّ قَوْلَهُ فِي الْفَاحِشِ فَقَطْ ، بِحَيْثُ إنَّهُ يُسْقِطُ عَنْهُ زَكَاةَ مَا دُونَ الْفَاحِشِ مِمَّا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ إذَا ادَّعَاهُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الصَّوَابُ ، وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي : تُرَدُّ فِي الْفَاحِشِ فَقَطْ ، فَقَيَّدَهُ بِذَلِكَ ، وَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ : يُرَدُّ قَوْلُهُ ، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ ، أَيْ مُطْلَقًا ، يَعْنِي فِي الْفَاحِشِ وَغَيْرِهِ ، وَيَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَبَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ صَحَّ وَضَمِنَ .
وَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هُوَ بَيْنَ مَا بَاعَ بِهِ وَثَمَنِ الْمِثْلِ ، وَالثَّانِي هُوَ بَيْنَ مَا يَتَغَابَنُ
بِهِ النَّاسُ وَمَا لَا يَتَغَابَنُونَ ، وَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فِيمَا إذَا كَسَرَهُ كَسْرًا يُمْكِنُهُ الِاسْتِعْلَامُ بِدُونِهِ ، فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ ، وَالصَّحِيحُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَكَالَةِ ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا ، فَكَذَا يَكُونُ فِي هَذِهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَعُمُومُ كَلَامِ ، الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى غَلَطٍ مُمْكِنٍ مِنْ الْخَارِصِ ، فَإِنْ فَحَشَ ، فَقِيلَ : يُرَدُّ قَوْلُهُ ، وَقِيلَ ضَمَانًا كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً يُرَدُّ فِي الْفَاحِشِ فَقَطْ ، انْتَهَى ، لَمْ يَظْهَرْ لِي الْآنَ تَحْرِيرُ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَإِنْ ادَّعَى فِي الْخَرْصِ غَلَطًا يَقَعُ مِثْلُهُ عَادَةً ، كَالسُّدُسِ وَنَحْوِهِ ، قُبِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ كَثُرَ كَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُقْبَلْ ، لَكِنْ إنْ قَالَ : مَا حَصَلَ فِي يَدَيَّ غَيْرُ كَذَا ، قُبِلَ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فَإِنْ ادَّعَى رَبُّهُ غَلَطَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَالَ : غَلِطَ بِالسُّدُسِ وَنَحْوِهِ ، صُدِّقَ ، فَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْهُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ فَلَا ، وَقِيلَ : إنْ ادَّعَى غَلَطًا مُحْتَمَلًا قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ : فَإِنْ ادَّعَى غَلَطًا فِي السُّدُسِ وَنَحْوِهِ صُدِّقَ ، وَقِيلَ : إنْ ادَّعَى مُحْتَمَلًا قُبِلَ بِلَا يَمِينٍ .
وَقَالَهُ أَيْضًا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ : وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ غَلَطَ الْخَارِصِ ، وَكَانَ مَا ادَّعَى مُحْتَمَلًا ، قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمَلًا مِثْلُ أَنْ ادَّعَى غَلَطَ
النِّصْفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَإِنْ قَالَ : لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدَيَّ غَيْرُ كَذَا قُبِلَ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ ، انْتَهَى .
فَهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ قَالُوا : حَيْثُ ادَّعَى غَلَطًا كَثِيرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَأَطْلَقُوا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ فَحَشَ " وَقَوْلُهُ " يُرَدُّ فِي الْفَاحِشِ " ( قُلْت ) : وَهَذَا الصَّحِيحُ ، وَلَا نَعْلَمُ مَا يُنَافِيهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ أَمَانَةً أَوْ ضَمَانًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ فِي الْخَرْصِ لِرَبِّ الْمَال الثُّلُثُ أَوْ الرُّبْعُ ، بِحَسَبِ اجْتِهَادِ السَّاعِي ، بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ : الثُّلُثُ كَثِيرٌ لَا يَتْرُكُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْآمِدِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ يُتْرَكُ قَدْرُ أَكْلِهِمْ وَهَدِيَّتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا تَحْدِيدٍ ، لِلْأَخْبَارِ الْخَاصَّةِ ، وَلِلْحَاجَةِ إلَى الْأَكْلِ وَالْإِطْعَامِ وَأَكْلِ الْمَارَّةِ وَالطَّيْرِ وَتَنَاثُرِ الثِّمَارِ ، وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنَّمَا يُتْرَكُ فِي الْخَرْصِ إذَا زَادَتْ الثَّمَرَةُ عَنْ النِّصَابِ ، فَإِنْ كَانَتْ نِصَابًا فَلَا ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَمَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ : يُحْتَسَبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا أَكَلَ وَأَطْعَمَ ، لِلْعُمُومِ ، وَكَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ عَيْثًا ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، بَلْ هُوَ كَالتَّلَفِ بِجَائِحَةٍ ، وَهَذَا الْقَدْرُ الْمَتْرُوكُ لَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَدَلَّ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا لَمْ يَتْرُكْهُ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَأَظُنُّ بَعْضَهُمْ جَزَمَ بِهِ وَقَدَّمَهُ ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا لَهُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يُحْتَسَبُ مِنْ النِّصَابِ ، فَيَكْمُلُ بِهِ ، ثُمَّ تُؤْخَذُ زَكَاةُ الْبَاقِي سِوَاهُ بِالْقِسْطِ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّا قُلْنَا لَوْ بَقَّوْهُ لَأَخَذْنَا زَكَاتَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّالِمِ مِنْ شَيْءٍ أَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ ، وَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْخَارِصُ شَيْئًا فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
.
وَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ الْإِمَامُ خَارِصًا فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْخَرْصِ مَا يَفْعَلُهُ السَّاعِي ، لِيُعْرَفَ قَدْرُ الْوَاجِبِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فِيهِ .
وَلَا يُخْرَصُ غَيْرُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ ( و م ر ش ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ فِيهِمَا .
وَلَا يُخْرَصُ الزَّيْتُونُ ( خ ) وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : يُخْرَصُ كَغَيْرِهِ ، كَذَا قَالَ .
وَلَا يُخْرَصُ الْحُبُوبُ ، ( ع ) وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ خَبَرَ الْخَرْصِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا ، وَإِنْ خَرَصَ الْخَارِصُ بِاطِّرَادِ الْعَادَةِ وَالْإِدْمَانِ كَالْمِكْيَالِ ، وَهَذَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَابَسَ أَرْبَابَ الصَّنَائِعِ ، كَقَطْعِ الْخَبَّازِينَ الْكُبَّةَ الْعَجِينَ لَا تُرَجَّحُ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ ، فَتَصِيرُ يَدُهُ كَالْمِيزَانِ ، كَذَا تَصِيرُ عَيْنُ الْخَارِصِ مَعَ قَلْبِهِ وَفَهْمِهِ كَالْمِكْيَالِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلِلْمَالِكِ الْأَكْلُ مِنْهَا هُوَ وَعِيَالُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، كَالْفَرِيكِ وَمَا يَحْتَاجُهُ ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُهْدِي ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : أَسْقَطَ أَحْمَدُ عَنْ أَرْبَابِ الزَّرْعِ الزَّكَاةَ فِي مِقْدَارِ مَا يَأْكُلُونَ ، كَمَا أَسْقَطَ فِي الثِّمَارِ قَالَ : وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ ، وَجَعَلَ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءً وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُصُولِ وَغَيْرِهِمَا : تُحْسَبُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ ( و م ) وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ ظَاهِرُهُ كَلَامُهُ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ الزَّرْعِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ ، وَالْحَبُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ ، وَحَكَى رِوَايَةً لَا يُزَكِّي مَا يُهْدِيهِ أَيْضًا ، وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُزَكِّي مَا يُهْدِيهِ مِنْ الثَّمَرَةِ ، وَجَزَمَ الْأَئِمَّةُ بِخِلَافِهِ ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ : مَا يَأْكُلُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ ، وَمَا يُطْعِمُهُ جَارَهُ وَصَدِيقَهُ يُحْسَبُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ : لَا زَكَاةَ فِيمَا يَأْكُلُهُ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ ، وَفِيمَا يُطْعِمُهُ رِوَايَتَانِ ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ مِنْ زَرْعِهِ وَجْهَيْنِ ، وَالْخَرْصُ عَلَيْهِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا يَأْتِي فِي حَصَادِهِ .
وَكَرِهَ [ الْإِمَامُ ] أُحْمَدُ الْحَصَادَ وَالْجُذَاذَ لَيْلًا .
وَإِنْ تَرَكَ السَّاعِي شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبِ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ وَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ مَالِكِ الْأَرْضِ ( و م ش ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، لِلْعُمُومِ ، وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلزَّرْعِ ، كَالْمُسْتَعِيرِ ( و ) دُونَ الْمُعِيرِ وَكَتَاجِرٍ اسْتَأْجَرَ [ حَانُوتًا ] وَلِأَنَّ فِي إيجَابِهِ عَلَى الْمَالِكِ إجْحَافًا يُنَافِي الْمُوَاسَاةَ ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِ الزَّرْعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ [ لَا يَجِبُ إذَا لَمْ يَزْرَعْ ] وَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْخَرَاجِ ، فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ ، فَلِهَذَا كَانَ خَرَاجُ الْعَنْوَةِ عَلَى رَبِّهَا ( و ) وَعَنْهُ : الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ [ ( خ ) ] أَيْضًا وَقِيلَ : وَعَنْهُ : وَمُسْتَعِيرِهَا ، وَقِيلَ : عَلَى الْمُسْتَعِيرِ دُونَهُ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ : أَرْضُ الْعُشْرِ تُؤْجَرُ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ ؟ قَالَ : عَلَى الرَّقَبَةِ .
وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي الْحَبِّ وَالثَّمَرِ إذَا سُقِيَ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ الْعُشْرُ ، وَبِكُلْفَةٍ نِصْفُهُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ : ( بَابٌ : إنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا إنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ عَلَيْهِ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ ) وَسَاقَ قَوْلَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الصَّقْرِ فِي أَرْضِ السَّوَادِ يَتَقَبَّلُهَا الرَّجُلُ يُؤَدِّي وَظِيفَةَ عُمَرَ ، وَيُؤَدِّي الْعُشْرَ بَعْدَ وَظِيفَةِ عُمَرَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، قَالَ : وَقَدْ جُعِلَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَجِّرِ ، قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ لَا يَقْتَضِي مَا قَالَهُ أَبُو حَفْصٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى رَجُلٍ تَقَبَّلَ أَرْضًا مِنْ السُّلْطَانِ ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ بِالْخَرَاجِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ أُجْرَتَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِأُجْرَةٍ ، بَلْ كَانَتْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ بِيَدِ مُسْلِمٍ بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ فَأَجَّرَهَا ، فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَلْزَمُهُ الْخَرَاجُ ، بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهَا بِيَدِهِ
بِأُجْرَةٍ هِيَ الْخَرَاجُ .
وَتَلْزَمُ [ الزَّكَاةُ ] فِي الْمُزَارَعَةِ مَنْ يُحْكَمُ بِالزَّرْعِ لَهُ ، وَإِنْ صَحَّتْ فَبَلَغَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا نِصَابًا زَكَّاهُ ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَا الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) : رَبُّ الْأَرْضِ كَمُؤَجِّرٍ ، لِثُبُوتِ الْأُجْرَةِ لَهُ ، فَالْعُشْرُ عَلَيْهِ .
وَمَتَى حَصَدَ غَاصِبُ الْأَرْضِ زَرْعَهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ وَزَكَّاهُ ، وَإِنْ تَمَلَّكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ زَكَّاهُ ، وَكَذَا قِيلَ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ إذَنْ ، وَقِيلَ : يُزَكِّيهِ الْغَاصِبُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ ، وَيَأْتِي قَوْلٌ إنَّ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ فَيُزَكِّيهِ ( و ش ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ ( هـ ) إلَّا أَنْ تَنْقُصَ الْأَرْضُ بِالزَّرْعِ ، فَيَكُونُ لَهُ أُجْرَة النَّقْصِ ، وَيَصِيرُ كَالْمُؤَجِّرِ عَلَى أَصْلِهِ .
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ ذِمِّيٌّ أَرْضَ مُسْلِمٍ فَزَرَعَهَا فَلَا زَكَاةَ ( و م ش ) وَمَذْهَبُ ( هـ ) الْعُشْرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَعَلَى الْمُعِيرِ هُنَا ، لِتَعَذُّرِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِفِعْلِهِ ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ الْحَقُّ عَلَى الذِّمِّيِّ ( خ ) فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرَانِ ، كَقَوْلِهِمَا فِي الشِّرَاءِ [ وَفِي كِتَابِ ابْنِ تَمِيمٍ احْتِمَالٌ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالشِّرَاءِ ] وَفَرَّقَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي بِأَنَّ مَضَرَّةَ الْإِسْقَاطِ تَتَأَبَّدُ غَالِبًا هُنَاكَ ، أَمَّا هُنَا فَكَشِرَائِهِمْ مَنْقُولَ زَكَوِيٍّ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَرَاهَةِ ، وَمَعْنَى كَلَامِ الْأَكْثَرِ كَقَوْلِهِ ، وَظَاهِرُهُ لَا كَرَاهَةَ ، كَمَنْقُولٍ زَكَوِيٍّ ، وَسَوَّى الشَّيْخِ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ ، وَأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ ، و قَالَ : لَا تُؤَجَّرُ مِنْهُ ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِالضَّرَرِ ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ ، ثُمَّ خَصَّ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ الْمَنْعِ بِالشِّرَاءِ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَتَعْطِيلُ الْعُشْرِ بِاسْتِئْجَارِ الذِّمِّيِّ الْأَرْضَ أَوْ مُزَارَعَتِهِ فِيهَا كَتَعْطِيلِهِ بِالِابْتِيَاعِ ، وَمَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ يُوَافِقُ قَوْلَهُ ، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ ، وَمَنْ بِدَارِهِ شَجَرَةٌ مُثْمِرَةٌ زَكَّاهَا ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ كَغَيْرِهَا ، وَكَوْنُهَا غَيْرَ مُتَّخَذَةٍ لِلِاسْتِنْمَاءِ بِالزِّرَاعَةِ مَنَعَ أَخْذَ الْخَرَاجِ مِنْهَا ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) لَا زَكَاةَ [ فِيهَا ] كَالْخَرَاجِ .
فَصْلٌ وَيَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً ، وَكُلُّ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَالْخَرَاجُ فِي رَقَبَتِهَا ، وَالْعُشْرُ فِي غَلَّتِهَا ( و م ش ) لِلْعُمُومِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ التَّمْكِينُ مِنْ النَّفْعِ ، لِوُجُوبِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُزْرَعْ ، وَسَبَبُ الْعُشْرِ الزَّرْعُ ، كَأُجْرَةِ الْمَتْجَرِ مَعَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ ، لِوُجُوبِهِمَا ، بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ ، فَاجْتَمَعَا ، كَالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) لَا عُشْرَ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ ، وَلَا زَكَاةَ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُقَابِلُهُ ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَذْهَبِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : لِأَنَّهُ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ ، وَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ ، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ ، كَنَفَقَةِ زَرْعِهِ ، وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الرِّوَايَاتُ .
وَمَتَى لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى غَلَّةِ الْأَرْضِ ، وَفِيهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ، كَالْخُضَرِ ، جَعَلَ الْخَرَاجَ فِي مُقَابَلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ .
وَلَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْهُ ، لِسَبْقِ الْوُجُوبِ .
وَقَالَ : صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يُحْتَمَلُ ضِدُّهُ ، كَالْخَرَاجِ ، وَيَأْتِي فِي مُؤْنَةِ الْمَعْدِنِ .
فَصْلٌ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ فِي رِوَايَةٍ ( و ش م ر ) ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَازِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : وَيُكْرَهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ : يَمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ( م 16 و 17 ) فَعَلَيْهَا يَصِحُّ ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَحَكَى أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : يَمْنَعُونَ مِنْ الشِّرَاءِ ، فَإِنْ اشْتَرَوْا لَمْ يَصِحَّ ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا فِي ( اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ) يُعْطِي أَنَّ عَلَى الْمَنْعِ لَا يَصِحُّ ( و م ر ) فَعَلَى عَدَمِ الْمَنْعِ : لَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ ( و م ر ش ) ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ ، فَلَا مَنْعَ ، وَلَا زَكَاةَ السَّائِمَةِ وَغَيْرِهَا ، وَذَكَرَ ( الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ ) أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ ، سَوَاءٌ اتَّجَرَ بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يَتَّجِرْ بِهِ ، مِنْ مَالِهِ وَثَمَرِهِ وَمَاشِيَتِهِ ، وَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ .
وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي ( اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ) عَلَى هَذَا : هَلْ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ أَمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَهَذَا غَرِيبٌ ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ لَفْظِ ( الْمُقْنِعِ ) ، وَعَلَى الْمَنْعِ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَدَفْعَ الضَّرَرِ الْمُؤَبَّدِ عَنْ الْفُقَرَاءِ بِوُجُوبِ الْحَقِّ فِيهِ ، وَكَانَ ضِعْفَ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا يَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ نِصْفُ الْعُشْرِ ، ضِعْفُ الزَّكَاةِ ، وَعَنْهُ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ، قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، وَعَنْهُ : عُشْرٌ وَاحِدٌ ، ذَكَرَهَا فِي الْخِلَافِ كَمَا كَانَ ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَرْضِ ، كَبَقَاءِ الْخَرَاجِ إذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً مِنْ ذِمِّيٍّ ، فَلَا وَجْهَ لِتَقْدِيمِ هَذَا فِي الرِّعَايَةِ ، وَلَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً ؛ لِأَنَّهَا أَرْضُ عُشْرٍ ، كَمَا لَوْ كَانَ
مُشْتَرِيهَا مُسْلِمًا ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً أَبَدًا ، وَلَوْ أَسْلَمَ رَبُّهَا أَوْ مَلَكَهَا مُسْلِمٌ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي الْخَرَاجَ ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ بَنِي تَغْلِبَ جَازَ ، نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، خَرَاجِيَّةً كَانَتْ أَوْ عُشْرِيَّةً ، وَلَزِمَهُ الْعُشْرَانِ ( و ) كَالْمَاشِيَةِ ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهَا مُسْلِمًا سَقَطَ عُشْرٌ وَبَقِيَ عُشْرُ الزَّكَاةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ ، وَلِأَنَّهُ أَخَذَ بِحُكْمِ الْكُفْرِ ، لِحَقْنِ الدَّمِ ، فَأَشْبَهَ الْجِزْيَةَ ، وَلِأَنَّهُ مِنْ حَقِّ الزَّرْعِ ، فَأَشْبَهَ بَقِيَّةَ أَمْوَالِهِمْ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) الْحُكْمُ كَمَا كَانَ ، كَالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَذَا مَذْهَبُهُ إنْ بَاعَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ ، وَعِنْدَنَا لَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَاشِيَةً ، وَلَنَا وَجْهٌ فِي الْخَارِجِ مِنْهَا عُشْرَانِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الْحَاضِرِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ثَمَرٌ صَلَاحُهُ بَادٍ أَوْ زَرْعٌ مُشْتَدٌّ بَقِيَ الْعُشْرَانِ عَلَى بَائِعِهِ ، وَيَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ ( هـ ش ) كَسُقُوطِ جِزْيَةِ الرُّءُوسِ ( ش ) وَجِزْيَةُ الْأَرْضِ وَهُوَ خَرَاجُهَا بِالْإِسْلَامِ ( هـ ) وَلَمْ يَكُنْ وَقْتُ الْوُجُوبِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً : لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ ( و هـ ش ) وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الذِّمِّيُّ هَذِهِ الْأَرْضَ ، فَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ [ الَّذِي ] قَبْلَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ بَيْعُهُ مَنْقُولًا زَكَوِيًّا ، وَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ فِي الْإِجَارَةِ لَا سِيَّمَا الْكَرَاهَةَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهَا ، وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ بَيْعُهُ وَإِيجَارُهُ عَقَارًا وَمَنْقُولًا ، وَفِيمَا مَلَكَهُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ الرِّوَايَتَانِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ ، وَمَصْرَفُ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ ، وَأَلْحَقَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي شَرْحِهِ بِالْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ .
مَسْأَلَةٌ 16 - 17 ) قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ فِي رِوَايَةٍ ، ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَازِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : وَيُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ : يَمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، انْتَهَى .
دَخَلَ فِي ضِمْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَانِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) هَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَمْ لَا يَجُوزُ ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْهَادِي ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنِ مُنَجَّى وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ .
( الْمَسْأَلَةُ 17 الثَّانِيَةُ ) إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ ، فَهَلْ هُوَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَمْ لَا ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ : مِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَازِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : وَيُكْرَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، انْتَهَى .
قَالَ فِي الْكَافِي : وَيَجُوزُ وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا لَهُمْ .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ : وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا لَهُمْ ، وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ : يَجُوزُ ، وَعَنْهُ : وَيُكْرَهُ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، فَذَكَرَ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ وَرِوَايَةً بِالْكَرَاهَةِ .
فَصْلٌ وَالْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ مَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ تُقْسَمْ ، وَمَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا ، وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ السَّوَادِ لَا خَرَاجَ فِيهِ ( ش )
وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا ، نَقَلَهُ حَرْبٌ ، كَالْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا ، وَمَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَطُّوهُ ، نَقَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ ، كَالْبَصْرَةِ ، وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِ ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ ، كَأَرْضِ الْيَمَنِ ، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ ، { كَنِصْفِ خَيْبَرَ ، قَسَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَكَذَا مَا أَقْطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ السَّوَادِ إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ( و م ش ) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، قَالَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ .
قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ : وَالْأَرْضُونَ الَّتِي يَمْلِكُهَا أَرْبَابُهَا لَيْسَ فِيهَا خَرَاجٌ ، مِثْلُ هَذِهِ الْقَطَائِعِ الَّتِي أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي السَّوَادِ لِسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَخَبَّابٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ فِي قَطَائِعِ السَّوَادِ خَرَاجًا ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَقْطَعَهُمْ مَنَافِعَهَا وَخَرَاجَهَا
وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُسْقِطَ الْخَرَاجَ ، عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ ، وَلَعَلَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا أَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْأَرْضَ بَلْ أُقْطِعُوا الْمَنْفَعَةَ ، وَأُسْقِطَ الْخَرَاجُ لِلْمَصْلَحَةِ ] وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ ، وَقَدْ قَالَ : مَا فَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ وَقْفٍ أَوْ قِسْمَةٍ ، أَوْ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ : إنَّ حُكْمَ إقْطَاعِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ ، فَيَجُوزُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ بِفِعْلِ الْإِمَامِ لِمَصْلَحَةٍ ، أَوْ بِإِذْنِهِ ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ ، وَمَا سَبَقَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لَيْسَ فِيهِ نَقْضٌ ، لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ نَصِّ أَحْمَدَ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ ، وَحُكْمُ مَكَّةَ فِي حُكْمِ الْأَرْضِ الْمَغْنُومَةِ مِنْ الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبَيَانُ أَرْضِ الصُّلْحِ وَأَرْضِ الْعَنْوَةِ .
وَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الصَّقْرِ : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فِي غَيْرِ السَّوَادِ فَلِلسُّلْطَانِ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ ، لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَإِنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ يَجْتَمِعَانِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ ، كَمَا سَبَقَ ، فَلِهَذَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ : الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ : مَا يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ خَرَاجِيَّةً أَوْ غَيْرَ خَرَاجِيَّةٍ ، وَجَعَلَهَا أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ الْمُنَجَّى قَوْلَيْنِ ، وَإِنَّ قَوْلَ غَيْرِ الشَّيْخِ ظَاهِرٌ فِي هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ أَرْضٍ بِلَا عُشْرٍ وَلَا خَرَاجٍ ، بِالِاتِّفَاقِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، فَيُخْرِجُ مَنْ أَقْطَعَ أَرْضًا بِأَرْضِ مِصْرَ أَوْ غَيْرِهَا الْعُشْرَ ، وَالْمُرَادُ إلَّا أَرْضَ الذِّمِّيِّ ، فَإِنَّهُ لَوْ جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا أَوْ مَزْرَعَةً ، أَوْ رَضَخَ الْإِمَامُ لَهُ أَرْضًا مِنْ الْغَنِيمَةِ ، أَوْ أَحْيَا مَوَاتًا ، وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا ، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ ، وَعَنْهُ : فِيهَا الْعُشْرُ وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ عَنْ أَرْضِ مُسْلِمٍ ، كَخَرَاجِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَوْ لِكُفْرِهِ لِحَقْنِ دَمِهِ ، كَجِزْيَةِ الرُّءُوسِ ، فَيُعْتَبَرُ الشَّرْطُ وَالِالْتِزَامُ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) عَلَيْهَا الْخَرَاجُ ، لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ ، وَمَتَى أَسْلَمَ أَوْ مَلَكَهَا مُسْلِمٌ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ الْخَرَاجُ بِحَالِهِ ، كَخَرَاجِ الْعَنْوَةِ .
فَصْلٌ وَإِنْ بَاعَ أَوْ آجَرَ مُسْلِمٌ دَارِهِ مِنْ كَافِرٍ ، فَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا تُبَاعُ ، يُضْرَبُ فِيهَا بِالنَّاقُوسِ وَيُنْصَبُ فِيهَا الصُّلْبَانُ ؟ وَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَشَدَّدَ فِيهِ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : لَا أَرَى ذَلِكَ ، يَبِيعُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ إجَارَتِهَا مِنْ ذِمِّيٍّ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْرَبُ فِيهَا الْخَمْرَ وَيُشْرِكُ فِيهَا ، فَقَالَ : كَانَ ابْنُ عَوْنٍ لَا يُكْرِي إلَّا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، يَقُولُ : نُرَغِّبُهُمْ ، قِيلَ لَهُ : كَأَنَّهُ أَرَادَ إذْلَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِهَذَا قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُرَغِّبَ الْمُسْلِمِينَ ، وَجَعَلَ يَعْجَبُ مِنْ ابْنِ عَوْنٍ ، وَكَذَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ ، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا : يُكْرِي الْمَجُوسِيَّ دَارِهِ أَوْ دُكَّانَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَزْنُونَ ؟ فَقَالَ : كَانَ ابْنُ عَوْنٍ لَا يَرَى أَنْ يُكْرِيَ الْمُسْلِمَ يَقُولُ : أُرَغِّبُهُمْ بِأَخْذِ الْغَلَّةِ ، وَيُكْرِي غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ الْخَلَّالُ : كُلُّ مَنْ حَكَى عَنْهُ فِي الْكِرَاءِ : فَإِنَّمَا أَجَابَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَوْنٍ ، وَلَمْ يُنْقَلْ لَهُ فِيهِ قَوْلٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ مُعْجَبًا بِقَوْلِ ابْنِ عَوْنٍ ، و الَّذِي رَوَوْهُ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً ، فَلَوْ نُقِلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَوْلٌ فِي السُّكْنَى كَانَ السُّكْنَى وَالْبَيْعُ عِنْدِي وَاحِدًا ، وَالْأَمْرُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَا تُبَاعُ مِنْهُ ، وَالْأَمْرُ عِنْدِي لَا تُبَاعُ مِنْهُ وَلَا تُكْرَى ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ ، ثُمَّ رَوَى الْخَلَّالُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِأَحْمَدَ : حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ : سَمِعْت أَبَا خَالِدٍ الْأَحْمَرَ يَقُولُ : حَفْصٌ بَاعَ دَارَ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَابِدِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ عَوْنٍ الْبَصْرِيِّ ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : حَفْصٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَعَجِبَ أَحْمَدُ ، يَعْنِي مِنْ حَفْصِ بْنِ غَيَّاثٍ ، قَالَ الْخَلَّالُ : وَهَذَا تَقْوِيَةٌ لِمَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، فَإِذَا
كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَهَا مِنْ فَاسِقٍ فَكَذَلِكَ مِنْ كَافِرٍ ، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ يُقَرُّ ، وَالْفَاسِقُ لَا يُقَرُّ ، وَلَكِنْ مَا يَفْعَلُهُ الذِّمِّيُّ فِيهَا أَعْظَمَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ : لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ عِنْدَهُ ، فَإِذَا أَجَازَ الْبَيْعَ أَجَازَ الْإِجَارَةَ وَإِذَا مَنَعَ الْبَيْعَ مَنَعَ الْإِجَارَةَ ، قَالَ شَيْخُنَا وَوَافَقَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ : قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : كَرِهَ أَحْمَدُ أَنْ يَبِيعَ ، دَارِهِ مِنْ ذِمِّيٍّ يَكْفُرُ فِيهَا وَيَسْتَبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا ، وَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ ، قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ أَوْ بَيْتَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ بَيْتَ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةً ، أَوْ يَبِيعُ فِيهِ الْخَمْرَ [ سَوَاءٌ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَ فِيهِ الْخَمْرَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ، لَكِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ فِيهِ الْخَمْرَ ] وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ دَارِهِ مِنْ كَافِرٍ يَكْفُرُ فِيهَا ، يَبِيعُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَحَبُّ إلَيَّ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي نَصَارَى وَقَفُوا ضَيْعَةً لَهُمْ لِلْبِيعَةِ : لَا يَسْتَأْجِرُهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ ، يُعِينُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ ، قَالَ شَيْخُنَا : فَقَدْ حَرَّمَ الْقَاضِي إجَارَتَهَا لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ فِيهَا الْخَمْرَ ، مُسْتَشْهِدًا عَلَى ذَلِكَ بِنَصِّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا لِكَافِرٍ ، وَلَا يَكْتَرِي وَقْفَ الْكَنِيسَةِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ عِنْدَهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَنْعُ تَحْرِيمٍ ، قَالَ الْقَاضِي فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ : فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ قَدْ أَجَازَ أَحْمَدُ إجَارَتَهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِيهَا ؟ قِيلَ : الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ حَكَى قَوْلَ ابْنِ عَوْنٍ وَعَجِبَ مِنْهُ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجَوِّزُ إجَارَتَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ ،
وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ جَوَازُ ذَلِكَ ، فَإِنَّ إعْجَابَهُ بِالْفِعْلِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَهُ ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْجَوَابِ بِفِعْلِ رَجُلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَذْهَبُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .
وَقَالَ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ مَا فِي الْإِجَارَةِ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِعَانَةِ عَارَضَتْ مَصْلَحَةً ، وَهِيَ صَرْفُ إرْغَابِ الْمُطَالَبَةِ بِالْكِرَاءِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَإِنْزَالُهُ بِالْكُفَّارِ ، كَإِقْرَارِهِ بِالْجِزْيَةِ ، فَإِنَّهُ إقْرَارٌ لِكَافِرٍ ، لَكِنْ جَازَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، وَلِذَلِكَ جَازَتْ مُهَادَنَةُ الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْبَيْعِ ، قَالَ : فَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ لَمْ يَخُصَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ كَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِ الْجَوَازُ ( م 18 ) كَمَا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَكْثَرِ فِيمَا إذَا مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ تُنْقَضْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ ، كَمَا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ فِي تَخْصِيصِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ بِالذِّكْرِ جَوَازُ غَيْرِهَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَلْبُوسَ يَكْفُرُ فِيهِ الذِّمِّيُّ وَيَعْصِي ، فَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ الْمَنْعُ تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْيَوْمِ يُبَاعُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ شَائِعًا ، لَمْ يَتَوَرَّعْ مِنْهُ أَحَدٌ ، وَكَالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ ، فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ ، قِيلَ : الْغَرَضُ فِي غَيْرِهَا ، مَعَ أَنَّ الْمَلْبُوسَ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَكَذَا الْإِيوَاءُ وَالسَّكَنُ ، [ وَإِنْ ] قِيلَ : هُوَ كَمَسْأَلَتِنَا ، قِيلَ هَذَا مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ : لَا نَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَجُوسِ : لَا تَبْنِ لَهُمْ ، وَقَالَ لَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ : سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الرَّجُلِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لِنِظَارَةِ كَرْمِ النَّصَارَى ،
فَكَرِهَ ذَلِكَ ، فَقَالَ أَحْمَدُ : مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْخَمْرِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُبَاعُ لِغَيْرِ الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ .
وَيَتَوَجَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّهُ فِي اسْتِئْجَارِ وَقْفِ الْكَنِيسَةِ ، وَقَوْلُهُ : " إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُبَاعُ لِغَيْرِ الْخَمْرِ " ، لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 18 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ بَاعَ أَوْ آجَرَ مُسْلِمٌ دَارِهِ مِنْ كَافِرٍ ، فَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا تُبَاعُ ، يُضْرَبُ فِيهَا بِالنَّاقُوسِ وَيُنْصَبُ فِيهَا الصُّلْبَانُ ؟ وَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَشَدَّدَ فِيهِ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : لَا أَرَى ذَلِكَ ، يَبِيعُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَحَبُّ إلَيَّ ، قَالَ الْخَلَّالُ : الْأَمْرُ عِنْدِي لَا تُبَاعُ مِنْهُ وَلَا تُكْرَى ، لِأَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ : لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَإِذَا مَنَعَ الْبَيْعَ مَنَعَ الْإِجَارَةَ ، قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ : قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : كَرِهَ أَحْمَدُ أَنْ يَبِيعَ دَارِهِ مِنْ ذِمِّيٍّ يَكْفُرُ فِيهَا وَيَسْتَبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ ، وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا ، وَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ ، قَالَهُ شَيْخُنَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ أَوْ بَيْتَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ بَيْتَ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ يَبِيعُ فِيهِ الْخَمْرَ ، قَالَ شَيْخُنَا : فَقَدْ حَرَّمَ الْقَاضِي إجَارَتَهَا لِمَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ فِيهَا الْخَمْرَ ، مُسْتَشْهِدًا عَلَى ذَلِكَ بِنَصِّ أَحْمَدَ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ عِنْدَهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَنْعُ تَحْرِيمٍ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ لَمْ يَخُصَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ كَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِ الْجَوَازُ ، انْتَهَى ، قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّوَابُ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِمَسَائِلَ ، وَمَالَ إلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَيَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ أَمْ مِنْ مِلْكِهِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : أَوْ مَلَكَ غَيْرَهُ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ : الْعَسَلُ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ الْعُشْرُ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ، وَلَوْ مِنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ ( هـ ) لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ عِنْدَهُ ، وَمَذْهَبُ ( م هـ ش ) لَا شَيْءَ فِيهِ ، احْتَجَّ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِخَبَرِ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، رَوَاهُ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَشْدَقُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّ عِنْدَهُ مَنَاكِيرَ كَمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَبِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ [ عَنْ ] جَدِّهِ قَالَ : { جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَخْلِهِ ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سَلَبَةُ ، فَحَمَى لَهُ ذَلِكَ الْوَادِيَ } ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَتَبَ إلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَكَتَبَ إلَيْهِ : إنْ أَدَّى إلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُشُورِ نَخْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَهُ ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَعَمْرٌو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ لِلْمُحَدِّثِينَ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : رُبَّمَا احْتَجَجْنَا بِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَهُ مَنَاكِيرُ ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ يُعْتَبَرُ بِهِ ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فَلَا ، وَرَوَاهُ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ ، وَهُوَ إمَامٌ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : رَأَيْت لَهُ مَنَاكِيرَ ، .
وَلِأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى بِإِسْنَادَيْنِ آخَرَيْنِ إلَى عَمْرٍو ، وَفِيهِمَا مَقَالٌ ، وَفِيهِمَا : { مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ
قِرْبَةٌ } ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَأَنَّ الْأَدَاءَ لِأَجْلِ الْحِمَى صُلْحًا أَوْ عِوَضًا لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ بِالْحِمَى إنْ أَدَّى الْعُشْرَ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَخْذِ الْعُشْرِ مُطْلَقًا ، وَلَوْ أَخَذَ الْعُشْرَ مُطْلَقًا لَكَانَ دَفْعُهُ مَعَ الْحِمَى أَصْلَحَ لِهِلَالٍ ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَجْلِ الْحِمَى ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ، وَأَمَّا أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّمَا احْتَجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : إنَّهُمْ تَطَوَّعُوا بِهِ ، قَالَ : لَا ، بَلْ أَخَذَ مِنْهُمْ ، وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ عِنْدَهُ فِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ فِي ذَلِكَ ، لِضَعْفِ إسْنَادِهِ أَوْ دَلَالَتِهِ ، أَوْ لَهُمَا ، وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ، وَقَوْلُ عُمَرَ فِي هَذَا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ صِحَّتِهِ وَصِحَّةِ دَلَالَتِهِ ، ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِأَخْذِ الْعُشْرِ مُطْلَقًا ، فَيَتَعَارَضُ قَوْلَاهُ ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ إجْمَاعًا فِي الصَّحَابَةِ ، وَلَا حُجَّةَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ ، ثُمَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ رِوَايَتَانِ ، أَشْهَرُهُمَا يَحْتَجُّ بِهِ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا وَغَيْرَهُ ظَهَرَ لَهُ ضَعْفُ الْمَسْأَلَةِ ، وَأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ لِأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى : لَا زَكَاةَ فِيهِ ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ، وَسَبَقَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي التَّمْرِ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُبَاحِ يُزَكِّيهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْعَسَلِ ، فَقَدْ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ ، فَدَلَّ أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ مِنْ الْمُبَاحِ عِنْدَ أَحْمَدَ ، كَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَدْ اعْتَرَفَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ الْقِيَاسُ ، لَوْلَا الْأَثَرُ .
فَيُقَالُ : قَدْ تَبَيَّنَ الْكَلَامُ فِي الْأَثَرِ ، ثُمَّ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَعْنَى تَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ ، وَتَرْكِ
الْقِيَاسِ ، كَمَا تَعَدَّى فِي الْعَرَايَا إلَى بَقِيَّةِ الثِّمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : فَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ ، كَالْمَنِّ والترنجبين والشيرخشك وَشَبَهِهَا ، وَمِنْهُ اللَّاذَنُ وَهُوَ طَلٌّ وَنَدًى يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمِعْزَى ، فَتَتَعَلَّقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بِهَا فَيُؤْخَذُ فِيهِ الْعُشْرُ ، كَالْعَسَلِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَقِيلَ : لَا عُشْرَ فِيهِ ، لِعَدَمِ النَّصِّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ ( م 19 ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنَّ قِصَّةَ هِلَالٍ الْمَذْكُورَةَ تَرُدُّ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَهُ مِنْ عَسَلٍ فِي وَادٍ مُبَاحٍ ؛ لِأَنَّ الْإِقْطَاعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُبَاحِ ، فَيُقَالُ : الْفَرْقُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَسَلِ بَيْنَ أَخْذِهِ مِنْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُبَاحَةٍ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّحْلُ مَمْلُوكًا ، كَقِصَّةِ هِلَالٍ ، فَالْعَسَلُ نَمَاؤُهُ تَابِعٌ لَهُ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُجْنَى مِنْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُبَاحَةٍ ، أَوْ مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ عِنْدَهُ .
وَلَا زَكَاةَ فِي قَلِيلِهِ ( هـ ) وَيُعْتَبَرُ فِيهِ نِصَابٌ قَدْرُهُ عَشْرَةُ أَفْرَاقٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ عُمَرَ .
وَسَبَقَ قَوْلٌ فِي نِصَابِ الزَّيْتِ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِيهِ ، فَاعْتُبِرَ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ كَالْوَسْقِ ، وَالْفَرَقُ ، بِفَتْحِ الرَّاءِ ، وَقِيلَ : وَبِسُكُونِهَا ، سِتَّةَ عَشْرَ رِطْلًا عِرَاقِيَّةً ، وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَثَعْلَبٌ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ ، وَحَمْلُ كَلَامِ عُمَرَ فِي الْمُتَعَارَفِ بِبَلَدِهِ أَوْلَى ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : قَالَ الزُّهْرِيُّ : فِي عَشْرَةِ أَفْرَاقٍ فَرَقٌ ، وَالْفَرَقُ سِتَّةَ عَشْرَ رِطْلًا ،
وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، وَفِي الْخِلَافِ : الْفَرَقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا عِرَاقِيَّةً .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : هُوَ سِتُّونَ رِطْلًا عِرَاقِيَّةً وَأَمَّا الْفَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ فَمِكْيَالٌ ضَخْمٌ مِنْ مَكَايِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، قَالَهُ الْخَلِيلُ ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ : يَسَعُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رِطْلًا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا قَائِلَ بِهِ هُنَا ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ، وَحَكَى قَوْلَ : مِائَةٌ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ ، وَقِيلَ : نِصَابُهُ أَلْفُ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةً ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ .
مَسْأَلَةٌ 19 ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الْعَسَلِ وَأَنَّهُ هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا ، وَمَالَ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ ، قَالَ : وَقَدْ اعْتَرَفَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ الْقِيَاسُ ، لَوْلَا الْأَثَرُ ، فَيُقَالُ : قَدْ تَبَيَّنَ الْكَلَامُ فِي الْأَثَرِ ، ثُمَّ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَعْنَى تَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ وَتَرْكِ الْقِيَاسِ يَعْنِي بِكَلَامِهِ هَذَا لِأَجْلِ تَخْرِيجِ قَوْلٍ آخَرَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْعَسَلِ قَالَ كَمَا تَعَدَّى فِي الْعَرَايَا إلَى بَقِيَّةِ الثِّمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : فَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ كَالْمَنِّ والترنجبين والشيرخشك وَشَبَهِهَا وَمِنْهُ اللَّاذَنُ ، وَهُوَ طَلٌّ وَنَدًى يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمِعْزَى ، فَتَتَعَلَّقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بِهَا ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ ، كَالْعَسَلِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَقِيلَ : لَا عُشْرَ فِيهِ ، لِعَدَمِ النَّصِّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَنِّ والترنجبين والشيرخشك تَقْدِيمُ حُكْمٍ عَلَى آخَرَ ، مَعَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مَعَ الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّارِحُ ، وَغَيْرُهُمْ ، فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا مَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْعَسَلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ تَجِبُ فِيهِ ، كَالْعَسَلِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ ،
وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فِيهِ وَجْهَانِ ، أَشْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ ، وَقِيلَ : عَدَمُهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ ، فَهَذِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ صُحِّحَ مُعْظَمُهَا ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
فَصْلٌ وَمَنْ زَكَّى مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ مَرَّةً فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ( وَ ) خِلَافًا لِلْحَسَنِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ ، فَهُوَ كَالْقِنْيَةِ ، بَلْ أَوْلَى ، لِنَقْصِهِ بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ إخْرَاجِ عُشْرِهِ ( م ) ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ كَالْمَعْدُومَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا ، وَأَوْجَبَ الْعُشْرَ ، وَإِذَا انْتَهَى وُجُوبُ الْعُشْرِ فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَالرِّوَايَتَانِ فِي عَرْضِ قِنْيَةٍ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ .
فَصْلٌ وَتَضْمِينُ أَمْوَالِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بَاطِلٌ ، نَصَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ ، وَعَلَّلَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ ضَمَانَهَا بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ فِي تَمَلُّكِ مَا زَادَ وَغُرْمِ مَا نَقَصَ ، وَهَذَا مُنَافٍ لِمَعْلُومِ الْعِمَالَةِ وَحُكْمِ الْأَمَانَةِ ، سُئِلَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْقَبَالَاتُ رِبًا " قَالَ : هُوَ أَنْ يَتَقَبَّلَ بِالْقَرْيَةِ وَفِيهَا الْعُلُوجُ وَالنَّخْلُ ، فَسَمَّاهُ رِبًا ، أَيْ فِي حُكْمِهِ فِي الْبُطْلَانِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : إيَّاكُمْ وَالرِّبَا ، أَلَا وَهِيَ الْقَبَالَاتُ ، أَلَا وَهِيَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْقَبِيلُ : الْكَفِيلُ وَالْعَرِيفُ ، وَقَدْ قَبَلَ بِهِ : يَقْبِلُ وَيَقْبُلُ قَبَالَةً ، وَنَحْنُ فِي قَبَالَتِهِ ، أَيْ فِي عِرَافَتِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبَيَانِ حُكْمِ الْمَصُوغِ ، وَالتَّحَلِّي بِذَلِكَ [ وَبِغَيْرِهِ ] وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ تَجِبُ زَكَاةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( ع ) وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ ( ع )
فَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا ( وَ ) وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ، وَنِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ ( ع ) وَفِيهِمَا رُبْعُ الْعُشْرِ ( ع ) وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ حُكْمُ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ .
وَالِاعْتِبَارُ بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي وَزْنُهُ سِتَّةُ دَوَانِيقَ ، وَالْعَشَرَةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ ( وَ ) وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ صِنْفَيْنِ : سُودًا ، الدِّرْهَمُ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ ، وَطَبَرِيَّةٌ ، الدِّرْهَمُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ ، فَجَمَعَهَا بَنُو أُمَيَّةَ وَجَعَلُوا الدِّرْهَمَ سِتَّةَ دَوَانِيقَ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَذَكَرَ دَرَاهِمَ بِالْيَمَنِ صِغَارًا الدِّرْهَمُ مِنْهَا دَانَقَانِ وَنِصْفٌ ، فَقَالَ : تُرَدُّ إلَى الْمَثَاقِيلِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَمَّنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَزْنُهُ دِرْهَمٌ سَوَاءٌ ، وَشَيْءٌ وَزْنُهُ دَانَقَانِ ، وَهِيَ تُخَرَّجُ فِي مَوَاضِعَ ، ذَا مَعَ وَزْنِهِ وَذَا مَعَ نُقْصَانِهِ ، عَلَى الْوَزْنِ سَوَاءٌ ؟ فَقَالَ : يَجْمَعُهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُخْرِجُهَا عَلَى سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : قَدْ اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى دَرَاهِمِنَا وَدَنَانِيرِنَا هَذِهِ ، وَالدَّنَانِيرُ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا ، فَيُزَكِّي الرَّجُلُ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ دَرَاهِمِنَا هَذِهِ ، فَيُعْطِي مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ الدَّرَاهِمِ السُّودِ ، فَقَالَ : إذَا حَلَّتْ الزَّكَاةُ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ دَرَاهِمِنَا هَذِهِ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ ، فَأَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ ، فَأَمَّا الدِّيَةُ فَأَخَافُ عَلَيْهِ ، وَأَعْجَبَهُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ مِائَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ .
وَإِنْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ دِيَةٌ أَنْ يُعْطِيَ السُّودَ الْوَافِيَةَ ، وَقَالَ : هَذَا كَلَامٌ لَا تَحْتَمِلُهُ الْعَامَّةُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ وَزْنَهُ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ فِي الزَّكَاةِ ، وَالْخَرَاجُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ، وَاعْتُبِرَ فِي الدِّيَةِ أَوْفَى مِنْ
ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الشِّفَاءِ الْمَالِكِيُّ : لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا ، وَتَقَعُ بِهَا الْبِيَاعَاتُ وَالْأَنْكِحَةُ ، كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ ، وَجَعَلَ وَزْنَ الدِّرْهَمِ سِتَّةَ دَوَانِيقَ قَوْلٌ بَاطِلٌ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ ، وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ ، فَرَأَوْا صَرْفَهَا إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ ، فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : قَالَ أَصْحَابُنَا : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ ، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ الْمَثَاقِيلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ .
وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا أَوَّلَ الْحَيْضِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَتَّبُوا عَلَى الدِّرْهَمِ أَحْكَامًا ، فَمُحَالٌ أَنْ يَنْصَرِفَ كَلَامُهُمْ إلَى غَيْرِ الْمَوْجُودِ بِبَلَدِهِمْ أَوْ زَمَنِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَعْرِفُهُ الْمُخَاطَبُ ، فَلَا يُقْصَدُ وَلَا يُرَادُ وَلَا يُفْهَمُ ، وَغَايَتُهُ الْعُمُومُ ، فَيَعُمُّ كُلَّ بَلَدٍ وَزَمَنٍ بِحَسَبِهِ وَعَادَتِهِ وَعُرْفِهِ ، أَمَّا تَقْيِيدُ كَلَامِهِمْ وَاعْتِبَارُهُ بِأَمْرٍ حَادِثٍ خَاصَّةً غَيْرِ مَوْجُودٍ بِبَلَدِهِمْ وَزَمَنِهِمْ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَنْهُمْ كَيْفَ يُمْكِنُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَلَا زَكَاةَ مِنْ مَغْشُوشِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ النَّقْدُ الْخَالِصُ فِيهِ نِصَابًا ( و م ش ) نَقَلَ حَنْبَلٌ فِي دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ لَوْ خَلَصَتْ نَقَصَتْ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبْعُ : لَا زَكَاةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمِائَتَيْنِ مِمَّا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا تَمَّتْ فَفِيهَا الزَّكَاةُ ، وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا : إنْ بَلَغَ مَضْرُوبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ ( و هـ ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَانَ الْغِشُّ أَكْثَرَ ( هـ ) وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : يُقَوَّمُ مَضْرُوبُهُ كَعَرْضٍ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ شَكَّ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ فَإِنْ بَلَغَ قَدْرُ النَّقْدِ نِصَابًا زَكَّاهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَظْهِرَ وَيُخْرِجَ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ .
وَقِيلَ : لَا زَكَاةَ .
وَإِنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَشَكَّ فِي زِيَادَةٍ اسْتَظْهَرَ ، فَأَلْفُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا ، يُزَكِّي سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً ، وَإِنْ لَمْ يُجْزِئْ ذَهَبٌ عَنْ فِضَّةٍ زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَسِتَّمِائَةٍ فِضَّةً ، وَمَتَى أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَغْشُوشَةَ مِنْهَا وَعَلِمَ قَدْرَ الْغِشِّ فِي كُلِّ دِينَارٍ جَازَ ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ ، إلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ فَيُخْرِجَ قَدْرَ الزَّكَاةِ بِيَقِينٍ ، وَإِنْ أَخْرَجَ مَا لَا غِشَّ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَإِنْ أَسْقَطَ الْغِشَّ وَزَكَّى عَلَى قَدْرِ الذَّهَبِ كَمَنْ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا سُدُسُهَا غِشٌّ ، فَأَسْقَطَهُ ، وَأَخْرَجَ نِصْفَ دِينَارٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي غِشِّهَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غِشُّهَا فِيهِ الزَّكَاةُ ، بِأَنْ يَكُونَ فِضَّةً وَلَهُ مِنْ الْفِضَّةِ مَا يَتِمُّ بِهِ نِصَابًا ، أَوْ نَقُولُ بِرِوَايَةِ ضَمِّهِ إلَى الذَّهَبِ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ يَكُونُ غِشُّهَا لِلتِّجَارَةِ ، فَيُزَكِّي الْغِشَّ حِينَئِذٍ ، قَالَ : فَثَلَاثُونَ مِثْقَالًا مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ نُحَاسٌ ، وَالْبَاقِي ذَهَبٌ ، قِيمَتُهَا عِشْرُونَ بِغَيْرِ غِشٍّ ، إنْ كَانَتْ زِيَادَةُ الدِّينَارَيْنِ كَزِيَادَةِ قِيمَةِ النُّحَاسِ دُونَ الذَّهَبِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَسَائِرِ عَرْضِ التِّجَارَةِ ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ النَّقْدِ بِالصِّنَاعَةِ وَالضَّرْبُ لَا يَكْمُلُ بَعْضُ نِصَابِهِ فِي الْقَدْرِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : مَنْ ضَمَّ بِالْأَجْزَاءِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِقِيمَةِ الْغِشِّ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْشُوشِ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ بِالْأَجْزَاءِ ، كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِصِنَاعَتِهِ ، وَيُعْرَفُ غِشُّهُ بِوَضْعِ ذَهَبٍ وَزْنُهُ فِي مَاءٍ ، ثُمَّ فِضَّةٍ كَذَلِكَ ، وَهِيَ أَضْخَمُ ، ثُمَّ الْمَغْشُوشُ ، وَيُعْلَمُ عُلُوُّ الْمَاءِ ، وَيُمْسَحُ بَيْنَ كُلِّ عَلَامَتَيْنِ فَمَعَ اسْتِوَاءِ الْمَمْسُوحَيْنِ نِصْفُهُ ذَهَبٌ ، وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ ، وَمَعَ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ بِحِسَابِهِ .
وَيُكْرَهُ ضَرْبُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَاِتِّخَاذُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي : لَيْسَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَضْرِبُوا إلَّا جَيِّدًا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِ الْعَجَمِ ، فَكَانَتْ إذَا زَافَتْ عَلَيْهِمْ أَتَوْا بِهَا السُّوقَ فَقَالُوا : مَنْ يَبِيعُنَا بِهَذِهِ ؟ وَذَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَعَلَّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَيَأْتِي حُكْمُ إنْفَاقِهِ آخِرَ بَابِ الرِّبَا .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَيُكْرَهُ الضَّرْبُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ ، كَذَا قَالَ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : لَا يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إلَّا فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ وَيُخْرِجُ عَنْ جَيِّدٍ صَحِيحٍ وَرَدِيءٍ مِنْ جِنْسِهِ ، وَمِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ وَقِيلَ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ إنْ شَقَّ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ فَمِنْ الْوَسَطِ ، كَالْمَاشِيَةِ وَإِنْ أَخْرَجَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْأَعْلَى كَانَ أَفْضَلَ ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ الْأَعْلَى مِنْ الْأَدْنَى أَوْ الْوَسَطِ ، وَزَادَ قَدْرَ الْقِيمَةِ جَازَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا ( هـ ) جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَالرِّعَايَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ ، وَتَعْلِيلُهُمْ أَنَّهَا كَمَغْشُوشٍ عَنْ جَيِّدٍ ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَعْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَزْنِ لَمْ يُجْزِئْهُ ( وَ ) وَيُجْزِئُ قَلِيلُ الْقِيمَةِ عَنْ كَثِيرِهَا مَعَ الْوَزْنِ وَقِيلَ : وَزِيَادَةُ قَدْرِ الْقِيمَةِ ، وَيُجْزِئُ مَغْشُوشٌ قِيلَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَنْ جَيِّدٍ ، وَمُكَسَّرٌ عَنْ صَحِيحٍ ، وَسُودٌ عَنْ بِيضٍ ، مَعَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لَا مُطْلَقًا ( هـ ) .
وَقِيلَ : يَجِبُ الْمِثْلُ ، اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ ( و م ش ) وَاخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ فِي غَيْرِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ : قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَا رِبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ كَعَبْدٍ وَسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُمَا حَقِيقَةً ، وَالرِّبَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ ، وَلَا حَقِيقَةَ مُعَاوَضَةٍ ، فَلَا رِبَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ هَذَا إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ ، وَإِلَّا جَرَى بَيْنَهُمَا كَمُكَاتَبٍ وَسَيِّدِهِ ، وَلِأَنَّهُ يُزَكِّي مَا يُقَابِلُ الصَّنْعَةَ ، وَهُوَ تَقْوِيمٌ يُمْنَعُ مِنْهُ فِي الرِّبَا ، وَلِأَنَّهُ لَا بَيْعَ بَلْ مُوَاسَاةٌ ، كَجَبْرِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بِزِيَادَةٍ لِأَجْلِ الرَّدَاءَةِ فِي الْأَقْوَاتِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْخِلَافِ : الرِّبَا فِيمَا طَرِيقَتُهُ الْمُعَاوَضَاتُ ، وَلَا مُعَاوَضَةَ هُنَا ، فَجَرَتْ الزِّيَادَةُ مَجْرَى زِيَادَةٍ عَلَى نَفَقَةٍ مُقَدَّرَةٍ ، وَمَجْرَى الْهِبَةِ ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَّقَ تَحْرِيمَ الرِّبَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَقَالَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا
بِمِثْلٍ } قَالَ : وَأَجَابَ أَبُو إِسْحَاقَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرِبًا ؛ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ ، وَلَيْسَ هُنَا زِيَادَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ النَّقْصِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ رَدِيءٍ عَنْ جَيِّدٍ فِي عَقْدٍ وَغَيْرِهِ ( وَ ) وَيَثْبُتُ الْفَسْخُ ( وَ ) قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : لَا يَلْزَمُ أَخْذُ الْمَكْسُورِ ، لِالْتِبَاسِهِ وَجَوَازِ اخْتِلَاطِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ الْمَضْرُوبِ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ : إذَا شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَهُ دَرَاهِمُ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَدَنَانِيرُ ذَلِكَ الْبَلَدِ ، قَالَ أَحْمَدُ : جَيِّدٌ ، قَالَ الْقَاضِي : فَقَدْ اُعْتُبِرَ نَقْدُ الْبَلَدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الصِّحَاحِ .
وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا يُرْجَعُ فِيمَا أَخْرَجَهُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ أَصْحَابِنَا ، وَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الشَّرِيكِ وَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ خِلَافٌ ، وَلَا فَرْقَ .
فَصْلٌ وَيَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ : الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ ( و هـ م ) حَاضِرًا أَوْ دَيْنًا فِيهِ زَكَاةٌ ؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَهُمَا وَزَكَاتَهُمَا مُتَّفِقَةٌ ، فَهُمَا كَنَوْعَيْ الْجِنْسِ ، وَعَنْهُ : لَا يَكْمُلُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُرْوَى أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ إلَيْهَا أَخِيرًا ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَابْنِ تَمِيمٍ ( م 1 ) ( و ش ) لِلْعُمُومِ فَعَلَى الْأُولَى يَكْمُلُ بِالْأَجْزَاءِ ( و م ) وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ ( هـ ) وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ عَنْهُ الْقِيمَةَ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : بِالْقِيمَةِ ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ وَالرِّعَايَةِ إلَى وَزْنِ الْآخَرِ ، فَيُقَوَّمُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى ، وَعَنْهُ : يُضَمُّ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا إلَى الْأَكْثَرِ ، ذَكَرَهَا فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، فَيُقَوَّمُ بِقِيمَةِ الْأَكْثَرِ ، نَقَلَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ ، وَعَنْهُ : يَكْمُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِالْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَوْ الْقِيمَةِ ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ( و هـ ) فَعَلَيْهَا : لَوْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا يَضُمُّ إلَيْهِ مَا نَقَصَ عَنْهُ مِنْ الْآخَرِ ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، فَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ يُضَمَّانِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا دُونَ مِائَةٍ ضُمَّا عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْقِيمَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ ثَمَانِيَةً قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ ضُمَّا ، عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْأَجْزَاءِ .
وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا ضَمَّ ، وَيُضَمُّ جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ وَمَضْرُوبُهُ إلَى رَدِيئِهِ وَتِبْرِهِ ( وَ ) .
بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَيَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ : الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ .
وَعَنْهُ : لَا يَكْمُلُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُرْوَى أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهَا أَخِيرًا ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَابْنِ تَمِيمٍ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبَلَاغَةِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَشَرْحِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَلَى الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا يُضَمُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَيْهَا الْأَكْثَرُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمْ الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : الشَّرِيفُ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا ، وَالشِّيرَازِيُّ ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ ، وَابْنُ الْبَنَّا ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ ، وَغَيْرُهُمْ وَنَصَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ رَزِينٍ فَقَالَ : هَذَا أَظْهَرُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَكْمُلُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : يُرْوَى أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْهَا أَخِيرًا وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ : رَجَعَ إلَيْهَا أَخِيرًا وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ مَعَ اخْتِيَارِهِ فِي الْحُبُوبِ الضَّمَّ ، قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَلَا يُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، انْتَهَى ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا أَصَحُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَصَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي
وَابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ .
وَتُضَمُّ قِيمَةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، قَالَ : وَلَوْ كَانَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ ضُمَّ الْجَمِيعُ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ ، وَكَذَا فِي الْكَافِي : يَكْمُلُ نِصَابُ التِّجَارَةِ بِالْأَثْمَانِ ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَجَعَلَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ أَصْلًا لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ : وَلِأَنَّهُمَا يُضَمَّانِ إلَى مَا يُضَمُّ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ كَأَنْوَاعِ الْجِنْسِ ، وَأَجَابَ عَنْ الْعُمُومِ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ ، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَنَا ، وَهَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِالتَّسْوِيَةِ ، فَيُقَالُ : فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ التَّخْرِيجُ ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ الْفَرْقِ ، وَيُقَالُ : كَيْفَ يَعْتَرِفُ بِالتَّسْوِيَةِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ ، فَلَيْسَ هَذَا فَرْقًا مُؤَثِّرًا ، وَإِنْ كَانَ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ أَظُنُّهُ أَبَا الْمَعَالِي بْنَ الْمُنَجَّى بِأَنَّ مَا قُوِّمَ بِهِ الْعَرْضُ كَنَاضٍّ عِنْدَهُ ، فَفِي ضَمِّهِ إلَى غَيْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ، وَقَدَّمَ فِي كِتَابِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ هَذَا ، فَقَالَا فِيمَنْ مَعَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعَرْضٌ لِلتِّجَارَةِ : ضُمَّ الْجَمِيعُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ لِلتِّجَارَةِ : ضُمَّ الْعَرْضُ إلَى أَحَدِهِمَا ، وَقِيلَ : إلَيْهِمَا ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ : إنْ قُلْنَا بِضَمِّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ ، كَذَا قَالَ ، قَالَا : وَيُضَمُّ الْعَرْضُ إلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا أَوْ لَا .
فَصْلٌ لَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ قَالَ جَمَاعَةٌ : مُعْتَادٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ إنْ أُعِدَّ لِلُبْسٍ مُبَاحٍ أَوْ إعَارَةٍ ( و م ش ) وَلَوْ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ، كَرَجُلٍ يَتَّخِذُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِإِعَارَتِهِنَّ ، أَوْ امْرَأَةٍ تَتَّخِذُ حُلِيَّ الرِّجَالِ لِإِعَارَتِهِمْ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ : صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ( م ) مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا يَتَّخِذُهُ لِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا فَارًّا مِنْ زَكَاتِهِ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَعَنْهُ : تَجِبُ زَكَاتُهُ ، وَعَنْهُ : إذَا لَمْ يُعَرْ وَلَمْ يُلْبَسْ ، وَقَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ : زَكَاتُهُ عَارِيَّتُهُ ، وَقَالَ : هُوَ قَوْلُ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَسِيلَةِ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ جَوَابًا ، وَكَذَا فِي الْخِلَافِ ، لَكِنْ قَالَ : لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ مُبَاحَةً وَيَتَوَعَّدُ ، عَلَى مَنْعِهَا ، لِقَوْلِهِ { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } وَحَدِيثُ : { وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ : إعَارَةُ دَلْوِهَا وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا } فَتَوَعَّدَ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ مُبَاحَةٌ ، كَذَا قَالَ وَأَجَابَ أَيْضًا هُوَ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى وَقْتٍ كَانَ الذَّهَبُ فِيهِ مُحَرَّمًا عَلَى النِّسَاءِ ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِبَاحَتِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ فَلِوَلِيِّهِ إعَارَتُهُ ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا زَكَاةَ ، وَإِنْ لَمْ يُعِرْهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُعِيرِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ ، فَهَذَانِ قَوْلَانِ ، أَوْ أَنَّ هَذَا لِمَصْلَحَةِ مَالِهِ ، وَيُقَالُ : قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ كَذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الثَّوَابِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ كَالْفَرْضِ .
وَتَجِبُ فِيمَا أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ ( وَ ) كَحُلِيِّ الصَّيَارِفِ أَوْ قِنْيَةٍ وَادِّخَارٍ [ ( وَ ) ] وَنَفَقَةٍ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ رَبُّهُ شَيْئًا ، وَكَذَا مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( م ش ) حَلَّ ، لَهُ لُبْسُهُ أَوْ لَا ( و م ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنْسِهِ الزَّكَاةُ ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالْعَقَارِ يُقْصَدُ نَمَاؤُهَا بِالْكِرَاءِ ، وَقِيلَ : مَا اتَّخَذَ مِنْ ذَلِكَ لِسَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ كَرِهَ ، وَزُكِّيَ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي الْآتِي فِيمَنْ اتَّخَذَ خَوَاتِيمَ ، وَمُرَادُهُ مَعَ نِيَّةِ لُبْسٍ أَوْ إعَارَةٍ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ : لَا زَكَاةَ ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ اتَّخَذَهُ لِسَرَفٍ وَمُبَاهَاةٍ فَقَطْ فَالْمَذْهَبُ قَوْلًا وَاحِدًا : تَجِبُ الزَّكَاةُ ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَعُمَدِ الْأَدِلَّةِ : زَكَاةً فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ .
وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ : لَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لَمْ يُعَدَّ لِلتَّكَسُّبِ بِهِ ، وَتَجِبُ فِي الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ وَآنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( وَ ) حَرُمَ اسْتِعْمَالُهَا أَوْ اتِّخَاذُهَا أَوْ هُمَا ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ لَمَّا كَانَتْ لِمُحَرَّمٍ جُعِلَتْ كَالْعَدَمِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الِاتِّخَاذِ جَوَازُ الصَّنْعَةِ ، كَتَحْرِيمِ تَصْوِيرِ مَا يُدَاسُ مَعَ جَوَازِ اتِّخَاذِهِ ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيَّ قَالَ : إنْ اتَّخَذَ رَجُلٌ حُلِيَّ امْرَأَةٍ فَفِي زَكَاتِهِ رِوَايَتَانِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ السَّابِقِ : وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَإِنْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَأَمْكَنَ لُبْسُهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ ( وَ ) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لُبْسُهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجَّ فِي إصْلَاحِهِ إلَى سَبْكٍ وَتَجْدِيدِ صَنْعَةٍ فَقَالَ الْقَاضِي : إنْ نَوَى إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ كَالصَّحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا ( ق ) ؛ لِأَنَّهُ إلَى حَالَةِ لُبْسِهِ وَإِصْلَاحِهِ أَقْرَبُ ، فَأُلْحِقَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا وَقَالَ : مَا لَمْ يَنْوِ كَسْرَهُ ، فَيُزَكِّيهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ : يُزَكِّيهِ وَلَوْ نَوَى إصْلَاحَهُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ ، كَنِيَّةِ صِيَاغَةِ مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا بِسَبْكٍ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ صُنْعِهِ زَكَّاهُ ( وَ ) وَقِيلَ : لَا ، إنْ نَوَى ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْكَسْرُ اللُّبْسَ وَنَوَى إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ ، كَذَا حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ وَلَا زَائِدَةَ غَلَطٌ وَإِنْ وُجِدَ الْكَسْرُ الْمُسْقِطُ مِنْ غَاصِبٍ قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : أَوْ بِأَمْرٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْمَالِكُ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَجَبَتْ ، فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ غَصَبَ مَعْلُوفَةً وَسَامَهَا ، وَمَا سَقَطَتْ زَكَاتُهُ فَنَوَى مَا يُوجِبُهَا وَجَبَتْ ، فَإِنْ عَادَ وَنَوَى مَا يُسْقِطُهَا سَقَطَتْ .
( تَنْبِيهَانِ : الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ عَنْ كَلَامِ أَبِي الْفَرَجِ " وَلَا زَائِدَهُ غَلَطٌ " كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ " وَلِمَ زَائِدُهُ غَلَطًا " لِأَنَّهَا فِي كَلَامِ أَبِي الْفَرَجِ .
وَيُعْتَبَرُ نِصَابُ الْكُلِّ بِوَزْنِهِ ، هَذَا الْمَذْهَبُ ( وَ ) وَقِيلَ : بِقِيمَتِهِ ، وَحَكَى رِوَايَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ ، وَيَضْمَنُ صَنْعَتَهُ بِالْكَسْرِ وَقِيلَ ، بِقِيمَةِ الْمُبَاحِ وَبِوَزْنِ الْمُحَرَّمِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَحَلَّى الرَّجُلُ بِحُلِيِّ الْمَرْأَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ ، أَوْ اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا حُلِيَّ الْآخَرِ قَاصِدًا لُبْسَهُ ، أَوْ اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا مَا يُبَاحُ لَهُ لِمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ، لِإِبَاحَةِ الصَّنْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ فِي حُلِيِّ الْكِرَاءِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ .
وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ لِلتِّجَارَةِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ نَقْدٌ مُعَدٌّ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ عَرْضٌ يُقَوَّمُ بِالْآخَرِ إنْ كَانَ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ ، أَوْ نَقَصَ عَنْ نِصَابِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ ظَاهِرُ .
نَقْلِ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَثْرَمُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، قَالَ : فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، وَأَظُنُّ هَذَا مِنْ كَلَامِ وَلَدِهِ ، وَحَمَلَ الْقَاضِي بَعْضَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَظُنُّهُ فِي الْمُغْنِي مَعَ جَزْمِهِ بِالْأَوَّلِ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ .
وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي الْإِخْرَاجِ إنْ اُعْتُبِرَتْ فِي النِّصَابِ ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي النِّصَابِ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْإِخْرَاجِ ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ [ ( وَ ) ] لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ ، أَوْ تَكْلِيفِهِ أَجْوَدَ لِيُقَابَلَ الصَّنْعَةَ ، فَجَعَلَ الْوَاجِبَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُفْرَدًا مُمَيَّزًا مِنْ الْمَضْرُوبِ الرَّابِحِ ، وَالْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا : يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاحِ خَاصَّةً ( و م ر ) وَقَالَ الْقَاضِي : هُوَ قِيَاسُ
قَوْلِ أَحْمَدَ إذَا أُخْرِجَ عَنْ صِحَاحٍ مُكَسَّرَةٍ يُعْطِي مَا بَيْنَهُمَا ، فَاعْتَبَرَ الصَّنْعَةَ دُونَ الْوَزْنِ ، كَزِيَادَةِ الْقِيمَةِ لِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ ، فَإِنْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا ، أَوْ مِثْلَهُ وَزْنًا مِمَّا يُقَابِلُ جَوْدَتُهُ زِيَادَةَ الصَّنْعَةِ جَازَ ، وَإِنْ جَبَرَ زِيَادَةَ الصَّنْعَةِ بِزِيَادَةٍ فِي الْمُخْرَجِ فَكَمُكَسَّرَةٍ عَنْ صِحَاحٍ ، عَلَى مَا سَبَقَ ( وَ ) وَإِنْ أَرَادَ كَسْرَهُ مُنِعَ ، لِنَقْصِ قِيمَتِهِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : إنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ بِقَدْرِهِ جَازَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْكَسْرِ ، وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ، وَكَذَا حُكْمُ السَّبَائِكِ .
فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الذَّهَبِ ( وَ ) وَالْفِضَّةِ ( وَ ) كَمَا سَبَقَ فِي اللِّبَاسِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَسَبَقَ فِيهِ حُكْمُ الْمَنْسُوخِ بِذَلِكَ وَالْمُمَوَّهِ بِهِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَيَسِيرُ ذَلِكَ تَبَعًا ، كَزِرِّ الذَّهَبِ وَالطَّرْزِ وَمِسْمَارِ خَاتَمٍ وَفَصِّهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَيَسِيرُهُ فِي الْآنِيَةِ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ : لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ ذَلِكَ ، وَالْخِرَقِيُّ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ ، وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا .
وَفِي جَامِعِ الْقَاضِي وَالْوَسِيلَةِ : ظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : وَتَحْرِيمُ الْآنِيَةِ أَشَدُّ مِنْ اللِّبَاسِ ، لِتَحْرِيمِهَا عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَلَمْ أَجِدْهُمْ احْتَجُّوا عَلَى تَحْرِيمِ لِبَاسِ الْفِضَّةِ عَلَى الرِّجَالِ ، وَلَا أَعْرِفُ التَّحْرِيمَ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِهَا لِلرِّجَالِ ، إلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ .
وَقَالَ أَيْضًا : لُبْسُ الْفِضَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌّ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، فَإِذَا أَبَاحَتْ السُّنَّةُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ مَا فِي مَعْنَاهُ ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى { خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } وَالتَّحْرِيمُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَقَلُوا عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتِعْمَالَ يَسِيرِ الْفِضَّةِ ، فِي أَخْبَارٍ مَشْهُورَةٍ ، لِيَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْإِبَاحَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْفِضَّةُ مُبَاحَةً لَمْ يَكُنْ ، فِي نَقْلِهِمْ اسْتِعْمَالَ الْيَسِيرِ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرَ فَائِدَةٍ ، وَيُقَالُ : قَوْلُكُمْ " كَبِيرَ فَائِدَةٍ " دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ فِيهِ فَائِدَةً سِوَى الْمَطْلُوبِ ، فَنَقَلُوهُ لِأَجْلِهَا ، وَلَا يُقَالُ لِلْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ [ وَهَذَا ] كَمَا نَقَلُوا أَجْنَاسَ آنِيَتِهِ وَمَلَابِسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ أَنَسٍ : { انْكَسَرَ قَدَحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشِّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ } حُجَّةً فِي إبَاحَةِ الْيَسِيرِ فِي الْآنِيَةِ ، لِعُمُومِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِ .
وَلِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْخَاتَمِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ ؟ قَالَ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمُّهُ مِثْقَالًا } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ ، قَالَ أَحْمَدُ : حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، ثُمَّ أَيْنَ التَّحْرِيمُ فِيهِ ؟ وَلِأَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْفِضَّةِ ، وَنَهَاهُنَّ عَنْ الذَّهَبِ } ، فِي أَخْبَارٍ رَوَاهَا أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَبَعْضُهَا إسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وَلَوْ كَانَتْ إبَاحَتُهَا عَامَّةً لِمَا خَصَّهُنَّ بِالذِّكْرِ ، وَلَعَمَّ ، لِعُمُومِ الْفَائِدَةِ ، بَلْ وَلَصَرَّحَ بِذِكْرِ الرِّجَالِ ، لِإِزَالَةِ اللَّبْسِ وَإِيضَاحِ الْحَقِّ .
وَيُقَالُ إنَّمَا خَصَّهُنَّ ؛ لِأَنَّهُنَّ السَّبَبُ ؛ لِأَنَّهُ نَهَاهُنَّ عَنْ الذَّهَبِ وَأَبَاحَ لَهُنَّ الْفِضَّةَ ، فَلَا حُجَّةَ إذًا ، بَلْ يُقَالُ : إبَاحَتُهَا لَهُنَّ إبَاحَةٌ لِلرِّجَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّسَاوِي .
فِي الْأَحْكَامِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ .
وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ مِنْهَا فَحَرُمَ لُبْسُهَا ، كَالذَّهَبِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَسْوِيَةَ الشَّارِعِ بَيْنَهُمَا فِي تَحْرِيمِ الْإِنَاءِ دَلِيلٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي غَيْرِهِ ، وَيُقَالُ : تَحْرِيمُ الذَّهَبِ آكَدُ بِلَا شَكٍّ ، فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ ، وَتَسْوِيَةُ الشَّارِعِ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَكَّدِ وَهُوَ الْآنِيَةُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي غَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ [ ( وَ ) ] وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ ، وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى ، وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَحَدَّثَ بِحَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ عَشْرَ خِصَالٍ ، وَفِيهَا الْخَاتَمَ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ } فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْمَوْضِعَ تَبَسَّمَ كَالْمُتَعَجِّبِ ، وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ شُفَيٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : خَرَجْت أَنَا وَصَاحِبٌ لِي يُسَمَّى أَبَا عَامِرٍ ، رَجُلٌ مِنْ الْمَعَافِرِ ، لِنُصَلِّيَ بِإِيلْيَاءَ ، وَكَانَ قَاضِيهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ أَبُو رَيْحَانَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، قَالَ أَبُو الْحُصَيْنِ ، فَسَبَقَنِي صَاحِبِي إلَى الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ أَدْرَكْته فَجَلَسْت إلَى جَنْبِهِ ، فَسَأَلَنِي : هَلْ أَدْرَكْت قَصَصَ أَبِي رَيْحَانَةَ ؟ فَقُلْت : لَا ، فَقَالَ : سَمِعْته يَقُولُ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَشْرَةٍ : عَنْ الْوَشْرِ ، وَالْوَشْمِ ، وَالنَّتْفِ ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ ، وَمُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثَوْبِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ ، وَعَنْ النُّهْبَى وَعَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ ، وَلُبُوسِ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُفَضَّلِ أَبُو عَامِرٍ رَوَى عَنْهُ الْهَيْثَمُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيُّ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلَامًا ، وَبَاقِي إسْنَادِهِ جَيِّدٌ ، فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَلَمْ
يُضَعِّفْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ ، وَقَالَ : النَّهْيُ عَنْ الْخَاتَمِ لِيَتَمَيَّزَ السُّلْطَانُ بِمَا تَخَتَّمَ بِهِ .
وَسَبَقَتْ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ النَّصِّ الْأَوَّلِ : فَظَاهِرُهُ لَا فَضْلَ فِيهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ : يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا
وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ فَصِّهِ يَلِي كَفَّهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ يَلِي ظَهْرَ كَفِّهِ ، وَلَهُ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ فَصُّهُ مِنْهُ } .
وَلِمُسْلِمٍ : { كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا } وَلُبْسُهُ فِي خِنْصَرِ يَدٍ مِنْهُمَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ { النَّبِيَّ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ } .
وَلِمُسْلِمٍ : فِي يَسَارِهِ .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا لَبِسَ خَاتَمَ الذَّهَبِ جَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ ، وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ : فِي يَسَارِهِ ( و م ) وَهَذَا نَصُّ أَحْمَدَ نَقَلَهُ صَالِحٌ وَالْفَضْلُ ، وَأَنَّهُ أَقَرُّ وَأَثْبَتُ ، وَضَعَّفَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ حَدِيثَ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ : الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي الْخِنْصَرِ ، لِكَوْنِهِ طَرَفًا ، فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الِامْتِهَانِ فِيمَا تَتَنَاوَلُهُ الْيَدُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُ الْيَدَ عَمَّا تَتَنَاوَلُهُ وَقِيلَ : فِي الْيُمْنَى أَفْضَلُ ( و ش ) ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرَّجُلِ ، وَلِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ ذَلِكَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصّ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَالْإِبْهَامُ مِثْلُهُمَا فَالْبِنْصِرُ مِثْلُهُ ، وَلَا فَرْقَ .