كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي
الرامينى ثم الصالحي
رَحْلٍ خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْقَصِيرِ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ ، وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا ( م 7 ) ( و م ) وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ : يُكْرَهُ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ فِي التَّخْلِيصِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ : يُكْرَهُ إلَى الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي الْمَشَاهِدَ وَيَذْهَبُ إلَيْهَا : تَرَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : أَمَّا عَلَى { حَدِيثِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى يَتَّخِذَ ذَلِكَ مُصَلًّى } ، وَعَلَى نَحْوِ مَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ يَتْبَعُ مَوَاضِعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثَرَهُ ، فَلَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ ، إلَّا أَنَّ النَّاسَ أَفْرَطُوا فِي هَذَا جِدًّا وَأَكْثَرُوا ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، فَذَكَرَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ وَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ عِنْدَهُ ، وَحَكَى شَيْخُنَا وَجْهًا : يَجِبُ السَّفَرُ الْمَنْذُورُ إلَى الْمَشَاهِدِ ، وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا : مَا شُرِعَ جِنْسُهُ وَالْبِدْعَةُ اتِّخَاذُهُ عَادَةً كَأَنَّهُ وَاجِبٌ كَصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ [ وَدُعَاءٍ ] وَذِكْرٍ جَمَاعَةً وَفُرَادَى وَقَصْدِ بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَنَحْوِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَثِيرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ وَالْقَلِيلِ الْخَفِيِّ وَالْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ : وَيَتَرَتَّبُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَكَرَاهَتِهِ حُكْمُ نَذْرِهِ وَشَرْطِهِ فِي وَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَمَّا مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ فَيُخَيَّرُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ .
وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ : الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ ، وَهَذَا
أَظْهَرُ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ .
أَمَّا مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي يَلْزَمُ فِيهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الِانْتِصَارِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : الْقِيَاسُ لُزُومُهُ تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِهِ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ } ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ لِلصَّلَاةِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ تَعْيِينَهُ لَهَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّهُ أَفْضَلُ ، قَالَ : وَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ مِثْلُهُ ، وَأَطْلَقَ شَيْخُنَا وَجْهَيْنِ فِي تَعْيِينِ مَا امْتَازَ بِمَزِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ ، كَقِدَمٍ وَكَثْرَةِ جَمْعٍ ، وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَتَعَيَّنُ وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ : الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ لَا يَخْتَصَّانِ بِمَكَانٍ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ ، كَذَا قَالَا ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي مَسْجِدٍ وَلَمْ يَحْتَجْ ، إلَى شَدَّ رَحْلٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ أَمْ لَا ؟ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ، بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلٌ : فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ إنْ وَجَبَتْ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ ، وَكَذَا الصَّلَاةُ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِق وَالْمُجَرَّدِ ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ النَّذْرِ ، إحْدَاهُمَا لَا كَفَّارَةَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الْمُقْنِعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ : وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، فِي وَجْهٍ ، فَدَلَّ عَلَى أَنْ الْمُقَدَّمَ وَالْمَشْهُورَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَالْوَجْهُ
الثَّانِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَرَادَ الذَّهَابَ إلَى مَا عَيَّنَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْقَصِيرِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا ، انْتَهَى ، مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ هُوَ الصَّوَابُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا .
فَصْلٌ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُعَيَّنًا مُتَتَابِعًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مُطْلَقًا ، أَوْ شَرَطَ تَتَابُعَهُ ، أَوْ نَوَاهُ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، أَوْ أَطْلَقَ وَقُلْنَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ فِي وَجْهٍ كَمَا يَأْتِي لَزِمَهُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَطْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ ، وَاللَّيْلَةَ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ ، وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تَكْرَارُ الْوَاحِدِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَا تَخَلَّلَهُ مِنْ الْأَيَّامِ أَوْ اللَّيَالِي تَبَعًا لِلُّزُومِ التَّتَابُعِ ضِمْنًا ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَلْزَمُهُ مَا تَخَلَّلَهُ ، لِأَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ وَخَرَّجَهُ مِنْ اعْتِكَافِ يَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ مَعَهُ لَيْلَةٌ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَحُكِيَ لَنَا قَوْلٌ : لَا يَلْزَمُهُ لَيْلًا ، وَمَذْهَبُ ( هـ م ) يَلْزَمُهُ بِعَدَدِ مَا لَفَظَ بِهِ ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَدَدِ مِنْ أَحَدِ جِنْسَيْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي عِبَارَةٌ عَنْهُمَا مَعَ الْإِطْلَاقِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { آيَتُك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } وَقَالَ : { ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } وَأُجِيبُ بِأَنَّ اللَّهَ نَصَّ عَلَيْهِمَا ، كَمَا يُعْمَلُ بِالنِّيَّةِ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ ( وَ ) .
وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ فَجْرِهِ الثَّانِي وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِهِ ( و هـ ش ) لِأَنَّهُ اسْمُ الْيَوْمِ ، قَالَهُ الْخَلِيلُ ، وَلَا تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَبْلَهُ ( م ) لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْيَوْمِ ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً : يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ إنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً لَزِمَتْهُ بِيَوْمِهَا .
وَتَلْزَمُهُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةُ فَقَطْ ، فَيَدْخُلُ قَبْلَ الْغُرُوبِ ، وَيَخْرُجُ بَعْدَ فَجْرِهَا الثَّانِي ( و ش ) وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصَّوْمَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ( و هـ ) .
وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ مِنْ الْأَيَّامِ (
و هـ م ) لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ ، كَقَوْلِهِ : مُتَتَابِعًا .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ قَالَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ ، لِتَعْيِينِهِ ذَلِكَ بِنَذْرِهِ .
وَفِي دُخُولِ اللَّيْلِ الْخِلَافُ السَّابِقُ .
وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَمِنْ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ .
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ ) وَعَنْهُ : أَوْ يَدْخُلُ قَبْلَ فَجْرِهَا الثَّانِي ، رُوِيَ عَنْ اللَّيْثِ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ .
وَإِنْ نَذَرَ عَشْرًا مُعَيَّنًا دَخَلَ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى ( وَ ) وَعَنْهُ : أَوْ قَبْلَ فَجْرِهَا الثَّانِي ، وَعَنْهُ : أَوْ بَعْدَ صَلَاتِهِ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ تَطَوُّعًا دَخَلَ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِرُؤْيَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ ، فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، وَحَضَّ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى اعْتِكَافِ الْعَشْرِ ، وَلَيْلَتُهُ الْأُولَى كَغَيْرِهَا وَهُوَ عَدَدٌ مُؤَنَّثٌ وَعَنْهُ : بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ { : كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى الْجَوَازِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْعِشْرِينَ لِيَسْتَظْهِرَ بِبَيَاضِ يَوْمٍ زِيَادَةً قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ ، قَالَ : وَنُقِلَ هَذَا عَنْهُ ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ .
وَيَخْرُجُ بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ ( ع ) فَإِنْ اعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ ، وَيَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : هَكَذَا حَدِيثُ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا .
وَقَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِيَصِلَ طَاعَةً بِطَاعَةٍ ، قَالَ فِي الْكَافِي : وَلِأَنَّهَا لَيْلَةٌ تَتْلُو الْعَشْرَ ، وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّرْغِيبِ فِي قِيَامِهَا فَأَشْبَهَتْ لَيَالِيَ الْعَشْرِ ، وَأَوْجَبَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ وَقَالَ : إنَّهُ السُّنَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا ، فَإِنْ خَرَجَ لَيْلَةَ الْعِيدِ بِنِيَّةٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِهِمَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ، لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، كَالْعَشْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَوْسَطِ .
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامَ الْعَشْرِ لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ لَيَالِيهِ لَا لَيْلَتِهِ الْأُولَى ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِيهَا وَفِي لَيَالِيه الْمُتَخَلِّلَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ أَوَّلَ الْفَصْلِ ، وَفِي الْكَافِي : إنْ نَذَرَ أَيَّامَ الشَّهْرِ أَوْ لَيَالِيَهُ أَوْ شَهْرًا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ لَزِمَهُ مَا نَذَرَهُ فَقَطْ ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا ، وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ تَتَابُعُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ) لِأَنَّهُ مَعْنًى يَصِحُّ لَيْلًا وَنَهَارًا ، كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ وَالْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ ، وَلِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ ، بِدَلِيلِ فَهْمِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ فِي الْعِدَّةِ وَالْإِيلَاءِ ، فَعَلِمَ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ تَأْكِيدٌ وَعَنْهُ : لَا يَلْزَمُهُ ، اخْتَارَهُ
الْآجُرِّيُّ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ ( و ش ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالتَّتَابُعِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ فِيهِ عَقِبَ النَّذْرِ ، بِخِلَافِ لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا شَهْرًا وَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ .
وَعَنْهُ : أَوْ وَقْتَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى .
وَعَنْهُ : أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ .
وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ أَيَّامِهِ .
وَيَكْفِي شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ بِلَيَالِيِهِ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا ثَلَاثِينَ لَيْلَةً .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ : يَجُوزُ إفْرَادُ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ لَمْ يَجُزْ وَوَجَبَ اعْتِكَافُ كُلِّ يَوْمٍ مَعَ لَيْلَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ ابْتَدَأَ الثَّلَاثِينَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَتَمَامُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ [ وَإِنْ ابْتَدَأَهُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ تَمَّ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ ] إنْ لَمْ نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ فَثَلَاثِينَ لَيْلَةً صِحَاحًا بِأَيَّامِهَا الْكَامِلَةِ ، فَيَتِمُّ اعْتِكَافُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ، أَوْ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الثَّانِيَةِ ، لِئَلَّا يَعْتَكِفَ بَعْضَ يَوْمٍ أَوْ بَعْضَ لَيْلَةٍ دُونَ يَوْمِهَا الَّذِي يَلِيهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ أَوْ لَيَالٍ مَعْدُودَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهَا عَلَيْهِ ، وَكَذَا احْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } وَعِنْدَ الْقَاضِي : يَلْزَمُهُ ( و هـ م ) كَلَفْظِ الشَّهْرِ ، وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ إلَّا فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، لِلْقَرِينَةِ ، لِأَنَّ
الْعَادَةَ فِيهِ لَفْظُ الشَّهْرِ ، فَإِنْ تَابَعَ لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، فِي الْأَشْهَرِ ، وَيَدْخُلُ فِي الْأَيَّامِ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ الثَّانِي ، وَعَنْهُ : أَوْ بَعْدَ صَلَاتِهِ .
وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُتَفَرِّقًا فَلَهُ تَتَابُعُهُ ( و ش ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّهُ أَفْضَلُ كَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ نَذْرِ غَيْرِهِ ، قَالَ : وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَوْصَى بِحَجَّتَيْنِ فِي عَامَيْنِ فَأُخْرِجَا فِي عَامٍ : جَازَ ، فَهَذَا أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْقِيَاسِ ، فَدَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ لَفْظُ الْمُوصِي لِلْأَفْضَلِيَّةِ لِمَصْلَحَتِهِ ، فَمَعَ إطْلَاقِهِ أَوْلَى ، وَسَبَقَ فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَيَأْتِي كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِلَفْظِ الْمُوصِي ، وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ كَلَامُ شَيْخِنَا .
تَنْبِيهَانِ : أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ : فَإِنْ خَرَجَ لَيْلَةَ الْعِيدِ بِنِيَّةٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ ، انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ .
كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَلَعَلَّهُ إلَى بَيْتِهِ ، انْتَهَى ، ( قُلْت ) : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ ، وَتَقْدِيرُهُ بِنِيَّةِ إقَامَتِهِ ، أَوْ بِنِيَّةِ قَطْعِهِ ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَصِحُّ بِهِ الْحُكْمُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ تَتَابُعُ اعْتِكَافِهِ لَمْ يَجُزْ خُرُوجُهُ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَيَخْرُجُ لِبَوْلٍ وَغَائِطٍ ( ع ) وَقَيْءٍ بَغْتَةً ، وَغُسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ ، وَلَهُ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ وَقَصْدٍ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ لَا ضَرَرَ [ عَلَيْهِ ] فِيهِ وَلَا مِنَّةَ ، كَسِقَايَةٍ لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ ، قَالُوا : وَلَا مُخَالَفَةَ لِعَادَتِهِ ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ ، وَيَلْزَمُهُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ مِنْهُ ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِ لِلِاعْتِكَافِ ، وَإِنْ بَذَلَ لَهُ صَدِيقُهُ أَوْ غَيْرُهُ مَنْزِلَةَ الْقَرِيبِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ، لِلْمَشَقَّةِ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَالِاحْتِشَامِ مِنْهُ .
وَيَحْرُمُ بَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ ، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ } أَوْ كَمَا قَالَ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ ، وَصَحَّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ ، وَاحْتِمَالٌ آخَرُ : لِكِبَرٍ وَضَعْفٍ وِفَاقًا لِإِسْحَاقَ ، وَكَذَا فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ ، فَيَخْرُجُ لِحَاجَةٍ كَثِيرَةٍ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، كَمَرَضٍ يُمْكِنُهُ احْتِمَالُهُ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالًا : يَجُوزُ فِي إنَاءٍ ( و ش ) كَالْمُسْتَحَاضَةِ ( و ) مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزُ مِنْهُ إلَّا بِتَرْكِ الِاعْتِكَافِ ، وَقِيلَ : الْجَوَازُ لِضَرُورَةٍ ، وَكَذَا النَّجَاسَةُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ ، كَالْقَتْلِ عَلَى نِطْعٍ ، وَدَمٍ فِي قِنْدِيلٍ ، أَظُنُّهُ فِي الْفُصُولِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ وَالْبَوْلُ عَلَيْهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِجَارَةِ فِي الْفُصُولِ فِي التَّمَسُّحِ بِحَائِطِهِ : مُرَادُهُ الْحَظْرُ فَإِنْ بَالَ خَارِجًا وَجَسَدُهُ فِيهِ لَا ذَكَرُهُ كُرِهَ ، وَعَنْهُ : يَحْرُمُ ، وَقِيلَ : فِيهِ وَجْهَانِ ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وَيَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِغُسْلِ جَنَابَةٍ ، وَكَذَا غُسْلُ جُمُعَةٍ إنْ وَجَبَ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ( وَ ) كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ ، وَيَخْرُجُ لِلْوُضُوءِ لِحَدَثٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُكْرَهُ [ فِيهِ ] فِعْلُهُ فِيهِ بِلَا ضَرَرٍ ، وَسَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ ، وَيَخْرُجُ لِيَأْتِيَ بِمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ يَحْتَاجُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ش ) وَعِنْدَ ( م ) لَا يَخْرُجُ وَلَا يَعْتَكِفُ حَتَّى يُعِدَّ مَا يُصْلِحُهُ ، كَذَا قَالَ ، وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ فِي بَيْتِهِ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ [ و هـ ] لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِإِبَاحَتِهِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُتَوَجَّهُ الْجَوَازُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ ، وَحَمَلَ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ ( و ش ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَيَسْتَحْيِ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيُرِيدَ أَنْ يُخْفِيَ جِنْسَ قُوَّتِهِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى مَنْزِلِهِ أَكَلَ فِيهِ يَسِيرًا كَلُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ ، لَا كُلَّ أَكْلِهِ .
وَلَهُ غَسْلُ يَدِهِ فِي إنَاءٍ مِنْ وَسَخٍ وَزَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَفِي غَيْرِ إنَاءٍ ، وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لِغَسْلِهَا ، وَسَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ هَلْ يَخْرُجُ لِلْجُمُعَةِ ؟ وَلَهُ التَّكْبِيرُ إلَيْهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِطَالَةُ الْمَقَامِ بَعْدَهَا ( و هـ ) وَلَا يُكْرَهُ ، لِصَلَاحِيَةِ الْمَوْضِعِ لِلِاعْتِكَافِ ، وَيُسْتَحَبُّ عَكْسُ ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ احْتِمَالًا : يُخَيَّرُ فِي الْإِسْرَاعِ إلَى مُعْتَكَفِهِ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ احْتِمَالُ تَبْكِيرِهِ أَفْضَلُ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْمُعْتَكِفَ .
وَفِي الْفُصُولِ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ .
وَأَنَّهُ إنْ تَنَفَّلَ بَعْدَهَا فَلَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي التَّبْكِيرِ : أَرْجُو .
وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَهَا عَادَتَهُ ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّبْكِيرُ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَتَقْدِيمِ وُضُوءِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ .
وَلَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يَلْزَمُهُ ، كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : الْأَفْضَلُ خُرُوجُهُ كَذَلِكَ وَعَوْدُهُ فِي أَقْصَرِ طَرِيقٍ لَا سِيَّمَا فِي النَّذْرِ ، وَالْأَفْضَلُ سُلُوكُ أَطْوَلِ الطُّرُقِ إنْ خَرَجَ لِجُمُعَةٍ وَعِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ فِي بَيْتِهِ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ ، وَحَمَلَ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ ، انْتَهَى .
ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَدَمُ الْجَوَازِ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ .
وَيَخْرُجُ لِمَرَضٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْقِيَامُ فِيهِ ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ .
بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى خِدْمَةٍ وَفِرَاشٍ ( وَ ) وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ لَمْ يَجُزْ ( وَ ) إلَّا أَنْ يُبَاحَ بِهِ الْفِطْرُ فَيُفْطِرُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا ، وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ ( وَ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ [ لِلْمَسْجِدِ ] رَحَبَةٌ رَجَعَتْ إلَى بَيْتِهَا ، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ ( وَ ) وَإِنْ كَانَ لَهُ رَحَبَةٌ يُمْكِنُهَا ضَرْبُ خِبَاءٍ فِيهَا بِلَا ضَرَرٍ فَعَلَتْ ذَلِكَ ، فَإِذَا طَهُرَتْ عَادَتْ إلَى الْمَسْجِدِ ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى ، لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ ابْنُ بَطَّةَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { : كُنَّ الْمُعْتَكِفَاتُ إذَا حِضْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِنَّ عَنْ الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَضْرِبْنَ الْأَخْبِيَةَ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَطْهُرْنَ } ، إسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ أَيْضًا ، وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : { النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ تُضْرَبَ قُبَّةٌ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ } ، رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْخَبَرِ عِنْدَهُ ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ : تَذْهَبُ إلَى بَيْتِهَا فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى اعْتِكَافِهَا ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ ، وَكَبَقِيَّةِ الْأَعْذَارِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ تِلْكَ الْأَعْذَارِ لَا يَحْصُلُ مَعَ الْكَوْنِ فِي الرَّحَبَةِ ، وَعَلَى
الْأَوَّلِ : إقَامَتُهَا فِي الرَّحَبَةِ اسْتِحْبَابٌ ، فِي اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ، لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ : كَانَ لَهَا الْمُضِيُّ إلَى مَنْزِلِهَا ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَائِضِ تُوَدِّعُ الْبَيْتَ تَقِفُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَتَدْعُو ، فَكَذَا هُنَا ، لِتَقْرَبَ مِنْ مَحَلِّ الْعِبَادَةِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ يُسَنُّ أَنْ تَجْلِسَ فِي الرَّحَبَةِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ .
وَإِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ فَأَيْنَ شَاءَتْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يَخْرُجُ لِشَهَادَةٍ ( وَ ) إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا فَيَلْزَمَ الْخُرُوجُ ( م ) لِظَوَاهِرِ الْآيَاتِ ، وَكَالْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ ( م ) وَلَوْ لَمْ يُعَيَّنْ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ ( ش ) كَالنِّفَاسِ ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ اخْتِيَارِيًّا : وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ إنْ كَانَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا خَرَجَ لَهَا وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِهَا ، لِوُجُوبِهِ شَرْعًا ( م ) كَالْجُمُعَةِ ، وَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ وَلِآدَمِيٍّ لَا يُسْتَدْرَكُ إذَا تُرِكَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ ( ق ) .
وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِجِهَادٍ مُتَعَيَّنٍ ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ ، لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا إنْ تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ أَوْ إنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوَهُ ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ خَافَ مِنْهَا إنْ أَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ نَهْبًا أَوْ حَرِيقًا وَنَحْوَهُ فَلَهُ الْخُرُوجُ ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ ، لِأَنَّهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ ، فَهُنَا أَوْلَى .
وَمَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْخُرُوجِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ بِنَفْسِهِ ( ق ) كَحَائِضٍ ، وَمَرِيضٍ ، وَخَائِفٍ أَنْ يَأْخُذَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا فَخَرَجَ وَاخْتَفَى ( و ش ) وَإِنْ أَخْرَجَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ( وَ ) وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ ( م ) لِأَنَّهُ خُرُوجٌ وَاجِبٌ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ : إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ .
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ ، كَالصَّوْمِ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَذَكَرَ فِي الْخِلَافِ وَالْفُصُولِ : يَبْطُلُ ، لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ ، كَالْجِمَاعِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ : لَا يَنْقَطِعُ وَيَبْنِي ، كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ، وَذَكَرَهُ قِيَاسَ مَذْهَبِنَا فِي الْمُظَاهِرِ يَطَأُ فِي نَهَارِ صَوْمِهِ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا نَاسِيًا ، أَوْ يَأْكُلُ فِيهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَيَبِينُ نَهَارًا يَقْضِي الْيَوْمَ وَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ ، جَعْلًا لَهُ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ كَالْمَرِيضِ .
فَكَذَا هُنَا ، وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، كَصَوْمِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْخُرُوجَ لِعُذْرٍ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ لَا يُبْطِلُ الْمَاضِيَ مِنْ الِاعْتِكَافِ ، بِخِلَافِ صَوْمِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَعِبَادَاتٍ ، قَالَ : فَنَظِيرُ صَوْمِ الْيَوْمِ مِنْ الِاعْتِكَافِ أَنْ يَطَأَ فِي يَوْمٍ مِنْهُ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ وَقُلْنَا مِنْ شَرْطِهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ اعْتِكَافَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلَّهُ ، وَلَا يُفْسِدُ مَا مَضَى ، عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ الْمُكْرَهِ ، كَمَا سَبَقَ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ ، وَلَا فَرْقَ ، وَمَتَى زَالَ الْعُذْرُ رَجَعَ وَقْتَ إمْكَانِهِ ، فَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ مَا مَضَى ، عَلَى مَا يَأْتِي فِيمَنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، وَلَا
يَبْطُلُ بِدُخُولِهِ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ ( وَ ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ : لَا يَدْخُلُ تَحْتَ سَقْفٍ ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ ، وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ : يَبْطُلُ ، وَقَيَّدَهُ الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَإِسْحَاقُ بِسَقْفٍ لَيْسَ فِيهِ مَمَرُّهُ ، لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، فَهُوَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَمَنْ أَرَادَ الْمَنْعَ مُطْلَقًا فَلَا وَجْهَ لَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَالْمُعْتَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ وَهُوَ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ ( عِ ) وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ ( عِ ) وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ ( عِ ) وَالْجُمُعَةُ ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ ، فَلَا تَنْقُصُ مُدَّتُهُ وَلَا يَقْضِي شَيْئًا مِنْهُ ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهُ كَالْمُسْتَثْنَى ، لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا ، وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ، وَبَقِيَّةُ الْأَعْذَارِ إنْ لَمْ تَطُلْ ، فَذَكَرَ الشَّيْخُ لَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ بِذَلِكَ ، لِكَوْنِهِ يَسِيرًا مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا ، كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَاضِي فِي النَّاسِي ، فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ ، وَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ : لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا أَنْ يُخَرَّجَ بُطْلَانُهُ عَلَى الصَّوْمِ ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لِقَضَاءِ زَمَنِ الْخُرُوجِ فِيهِ بِالْإِكْرَاهِ ، وَفِي الصَّوْمِ يَعْتَدُّ بِزَمَنِ الْإِكْرَاهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْضِي ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( و ش ) كَمَا لَوْ طَالَتْ ( م 8 ) وَذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ الْمَذْكُورَ مُوهِمٌ ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا ، وَأَنَّهُ أَرَادَ الْبِنَاءَ مَعَ قَضَاءِ زَمَنِ الْخُرُوجِ ، قَالَ : وَكَنَذْرِهِ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَخَرَجَ لِبَقِيَّةِ الْأَعْذَارِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ ، كَذَا قَالَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ خِلَافُهُ ، كَمَا لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ، قَالَ : وَكَالْأَجِيرِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَا تَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ الْمُعْتَادَ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، كَذَا هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَالِاعْتِكَافُ مَنْذُورٌ فَلَهُ أَحْوَالٌ : أَحَدُهَا ، نَذَرَ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ و م ش ) مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، لِكَوْنِ النَّذْرِ حَلْفَةً ( م ش ) وَبَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ بِلَا كَفَّارَةٍ ( وَ ) كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَشَرَعَ ثُمَّ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ : يَبْنِي ، وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ ، وَقِيلَ : أَوْ يَسْتَأْنِفُهُ إنْ شَاءَ كَذَا
قَالَ .
وَمَذْهَبُ ( هـ ) يَلْزَمُ الِاسْتِئْنَافُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ ، كَمَذْهَبِهِ فِي الْمَرَضِ فِي شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ ، وَيَتَخَرَّجُ كَقَوْلِهِ فِي مَرَضٍ يُبَاحُ الْفِطْرُ بِهِ ، وَلَا يَجِبُ ، بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي انْقِطَاعِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ مِمَّا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَلَا يُوجِبُهُ وَوَافَقَتْ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عُذْرِ الْحَيْضِ هُنَا وَفِي شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ ، وَاخْتَارَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ كُلَّ خُرُوجٍ لِوَاجِبٍ كَمَرَضٍ لَا يُؤْمَنُ مَعَ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ ، وَإِلَّا فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا لِعُذْرِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ ، لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ، وَضَعَّفَهُمَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّا سَوَّيْنَا فِي نَذْرِ الصَّوْمِ بَيْنَ الْأَعْذَارِ ، وَبِأَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَا زَمَنَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ ، كَذَا قَالَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ : لَا يَقْضِي ، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ وَيَتَوَجَّهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي هُنَا فِي الصَّوْمِ ، وَلَا فَرْقَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالثَّانِيَةُ : نَذَرَ اعْتِكَافًا مُعَيَّنًا فَيَقْضِي مَا تَرَكَهُ وَيُكَفِّرُ ، لِتَرْكِهِ فِي النَّذْرِ فِي وَقْتِهِ ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِيهَا وَالْخُرُوجُ لِنَفِيرٍ وَعِدَّةٍ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي عِدَّةٍ ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فِيهِ أَوْ حَاضَتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ ، وَالِاعْتِكَافُ مِثْلُهُ ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا .
قَالَ : فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ( و م ش ) كَرَمَضَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِطْرَهُ لَا كَفَّارَهُ فِيهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَحَنْبَلٌ عَدَمَ الْكَفَّارَةِ فِي الِاعْتِكَافِ .
وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الصَّوْمِ
وَسَائِرِ الْمَنْذُورَاتِ ، وَكَلَامِ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ وَالْحَنَفِيَّةِ هُنَا أَيْضًا .
وَإِنْ تَرَكَ اعْتِكَافَ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَضَاهُ مُتَتَابِعًا ( و م ش ) بِنَاءً عَلَى التَّتَابُعِ فِي الْأَيَّامِ الْمُطْلَقَةِ ، أَوْ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِ النَّاذِرِ ، لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ الْمُطْلَقِ فَتَضَمَّنَ نَذْرُهُ التَّتَابُعَ وَالتَّعْيِينَ ، وَالْقَضَاءَ يُحْكَى الْأَدَاءُ فِيمَا يُمْكِنُ ، وَعَنْهُ : لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِشَرْطِهِ أَوْ بِنِيَّتِهِ ( و ش ) كَرَمَضَانَ ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ : لَا يَلْزَمُهُ تَتَابُعٌ وَلَوْ شَرَطَهُ ، لِأَنَّ ذِكْرَهُ فِي الْمُعِينِ لَغْوٌ وَمَذْهَبُ ( م ) لَا يَقْضِي مَعْذُورٌ .
فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا ( ش ) مُتَّصِلًا بِهَا ( ش ) .
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ نَذَرَ أَيَّامًا مُطْلَقَةً ، فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ التَّتَابُعُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي السَّابِقِ فَكَالْحَالَةِ الْأُولَى ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ تَمَّمَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ ، لَكِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ لِيَكُونَ مُتَتَابِعًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ ، وَيُكَفِّرُ ، وَقِيَاسُ مَذْهَبِ ( ش ) يَبْنِي بِلَا كَفَّارَةٍ .
مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ وَهُوَ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجُمُعَةِ وَبَقِيَّةُ الْأَعْذَارِ إنْ لَمْ تَطُلْ ، فَذَكَرَ الشَّيْخُ لَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ بِذَلِكَ ، لِكَوْنِهِ يَسِيرًا مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَاضِي فِي النَّاسِي .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْضِي ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، كَمَا لَوْ طَالَتْ ، انْتَهَى .
مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ هُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ .
تَنْبِيهَانِ : الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : وَيَتَخَرَّجُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَرَضٍ يُبَاحُ الْفِطْرُ بِهِ وَلَا يَجِبُ ، بِنَاءٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي انْقِطَاعِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِمَا يُبِيحُ الْفِطْرُ وَلَا يُوجِبُهُ ، انْتَهَى ، هَذَانِ الْوَجْهَانِ لَيْسَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ اسْتِشْهَادًا ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ ، قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الظُّهْرِ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ لَا يَقْضِي ، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ " قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ : صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي بِأَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ فَأَتَمَّتْ اعْتِكَافَهَا وَقَضَتْ مَا فَاتَهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، هَذَا لَفْظٌ بِحُرُوفِهِ ، فَكَيْفَ يَقُولُ : ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ لَا يَقْضِي ؟ انْتَهَى .
( الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ : " فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ " صَوَابُهُ رِوَايَتَيْ عَدَمِ ، بِإِسْقَاطِ النُّونِ لِلْإِضَافَةِ .
( الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ فِيمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُعَيَّنًا وَخَرَجَ وَتَطَاوَلَ : يَقْضِي مَا تَرَكَهُ وَيُكَفِّرُ ، لِتَرْكِهِ النَّذْرَ فِي وَقْتِهِ ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِيهَا
وَفِي الْخُرُوجِ لِنَفِيرٍ وَعِدَّةٍ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي عِدَّةٍ ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فِيهِ أَوْ حَاضَتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ ، وَالِاعْتِكَافُ مِثْلُهُ ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا ، قَالَ : فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَرَمَضَانَ ، انْتَهَى ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْجَمِيعِ مَعَ الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْخُرُوجِ لِأَجْلِ الْفِتْنَةِ ، وَالْخِرَقِيُّ فِيهَا وَفِي النَّفِيرِ وَالْعِدَّةِ ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَشْهَدَ بِمَا يُعْطِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَلَا يَخْرُجَ لِكُلِّ قُرْبَةٍ لَا تَتَعَيَّنُ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَزِيَارَةٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا وَتَغْسِيلِ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ ( وَ ) لِمَا سَبَقَ أَوَّلُ الْبَابِ ، وَلِأَنَّ مِنْهُ بُدًّا كَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ فَرِيضَةٍ وَهُوَ النَّذْرُ لِفَضِيلَةٍ ، وَعَنْهُ : لَهُ ذَلِكَ ، رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَشْهَدُ الْجُمُعَةَ .
إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، قَالَ أَحْمَدُ : عَاصِمٌ حُجَّةٌ وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { الْمُعْتَكِفُ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ } ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ .
وَرَوَى سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا يُحِبُّونَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَرِط هَذِهِ الْخِصَالَ ، وَهِيَ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ .
وَلَا يَدْخُلُ سَقْفًا وَيَأْتِي الْجُمُعَةَ وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَخْرُجُ فِي الْحَاجَةِ وَقَاسَ الشَّيْخُ عَلَى الْمَشْيِ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ لِيَقْضِيَهَا ، كَذَا قَالَ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ لِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ، وَمُقَامُهُ عَلَى اعْتِكَافِهِ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كَانَ لَا يَخْرُجُ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ } ، { وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ لَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْ الْمَرِيضِ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : خُرُوجُهُ لِجِنَازَةٍ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ .
وَإِنْ تَعَيَّنَتْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ دَفْنُ مَيْتٍ وَتَغْسِيلِهِ فَكَشَهَادَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ ، عَلَى مَا سَبَقَ .
وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَلَهُ فِعْلَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ
بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، وَالثَّوْرِيِّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، جَمَعَا بَيْنَ مَا سَبَقَ ، وَلِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ : وَلْيَأْتِ أَهْلَهُ وَلْيَأْمُرْهُمْ بِالْحَاجَةِ وَهُوَ قَائِمٌ .
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعَ ( وَ ) لِمَا سَبَقَ .
فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَقْضِي زُمْنَ الْخُرُوجِ إذَا نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَوْ قَضَاهَا صَارَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمَشْرُوط فِي غَيْر الشَّهْرِ .
وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ : يَقْضِي ، لِإِمْكَانِ حَمْلِ شَرْطِهِ عَلَى نَفْيِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فَقَطْ ، فَنَزَلَ عَلَى الْأَقَلِّ .
فَأَمَّا إنْ شَرْطَ مَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَلَيْسَ بِقُرْبَةِ وَيَحْتَاجُهُ كَالْعَشَاءِ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمَبِيتِ [ فِيهِ ] فَعَنْهُ : يَجُوزُ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، لِأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ ، كَالْوَقْفِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ نَذَرَ مَا أَقَامَهُ ، وَلِتَأَكُّدِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَامْتِنَاعِ النِّيَابَةِ فِيهَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ .
وَعَنْهُ : الْمَنْعُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ [ وَغَيْرُهُمَا ] وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ( م 9 ) لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ صُورَةً وَمَعْنًى ، كَشَرْطِ تَرْكِ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالنُّزْهَةِ وَالْفُرْجَةِ ، لِأَنَّهُ زَمَنُ الْخُرُوجِ فِي حُكْمِ الْمُعْتَكِفِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ .
وَشَرْطُهُ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ يُلَائِمُ الِاعْتِكَافَ بِخِلَافِ هَذَا ، وَالْوَقْفُ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ مَا يُنَافِيهِ ، فَكَذَا الِاعْتِكَافُ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : فَأَمَّا إنْ شَرَطَ مَالَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَيَحْتَاجُهُ كَالْعَشَاءِ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمَبِيتِ ، فَعَنْهُ : يَجُوزُ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، انْتَهَى ، إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَإِنْ ( شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلتِّجَارَةِ ) ، أَوْ التَّكَسُّبِ بِالصِّنَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، لَمْ يَجُزْ ، بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، سَأَلَ أَبُو طَالِبٍ لِأَحْمَدَ : الْمُعْتَكِفُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ مِنْ الْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا ، قَالَ : مَا يُعْجِبُنِي ، قُلْت : إنْ كَانَ يَحْتَاجُ ؟ قَالَ : إنْ كَانَ يَحْتَاجُ فَلَا يَعْتَكِفُ .
وَسَبَقَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ ، وَأَجَازَ هُوَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ شَرْطَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ قَالَ : مَتَى مَرِضْتُ أَوْ عَرَضَ لَيَّ عَارِضٌ خَرَجْتُ ، فَلَهُ شَرْطُهُ ( م ) أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ، كَالشَّرْطِ فِي الْإِحْرَامِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فَائِدَةُ الشَّرْطِ هُنَا سُقُوطُ الْقَضَاءِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ ، فَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ ، كَنَذْرِ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا لِمَرَضٍ ، فَإِنَّهُ يَقْضِي زَمَنَ الْمَرَضِ ، لِإِمْكَانِ حَمْلُ شَرْطِهِ هُنَا عَلَى نَفْيِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فَقَطْ ، فَنَزَلَ عَلَى الْأَقَلِّ ، وَيَكُونُ الشَّرْطُ أَفَادَ هُنَا الْبِنَاءَ مَعَ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ ، عَلَى أَصْلِنَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ السَّابِقِ ، فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ
فَصْلٌ وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَسَأَلَ عَنْ الْمَرِيضِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ : أَوْ غَيْرِهِ فِي طَرِيقِهِ وَلَمْ يَعْرِجْ جَازَ ( وَ ) لِمَا سَبَقَ ، وَكَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَلَمْ يَقِفْ لِذَلِكَ ، فَأَمَّا إنْ وَقَفَ لِمَسْأَلَتِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ( وَ ) وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ : لَا بَأْسَ بِقَدْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، وَعَنْ مَالِكٍ : إنْ خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلَقِيَهُ وَلَدُهُ أَوْ شَرِبَ مَاءً وَهُوَ قَائِمٌ أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ ، وَلَمْ يَرَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَأْسًا إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : الْمَسْأَلَةُ هَذِهِ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَمَعْنَاهَا ، وَالْخُرُوجُ لِمَرَضٍ وَحَيْضٍ لَهُ الْوَقْفَةُ وَالتَّعْرِيجُ وَغَيْرُهُمَا ، فَالْخُرُوجُ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ مَعَهُ مَا يُزَادُ بِهِ زَمَانُهُ مِمَّا مِنْهُ بُدٌّ ، لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِهِ جُزْءًا مُسْتَحَقًّا مِنْ اللُّبْثِ بِلَا عُذْرٍ ، كَمَا لَوْ خَرَجَ لَهُ ، وَيَجُوزُ مَعَهُ مَا لَا يَزْدَادُ بِهِ زَمَانُهُ غَيْرُ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا ، فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْضَى وَقْتُهُ ، وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ ، وَإِلَّا جَازَتْ ( م ) كَغَيْرِهَا ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ ، لَا تُحْتَسَبُ لَهُ وَيَقْضِيهَا ، بِخِلَافِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا فَخَرَجَ لِعُذْرٍ يَقْضِي زَمَنَهُ عَشْرًا لَمْ يَبَرَّ مَا لَمْ يَعْتَكِفْ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ فِي لَيَالِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَدَّتِهِ ، كَذَا هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَدَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافُهُ فِيهِ جَازَ إنْ كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَانِ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ ( و ش ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا ، كَانْهِدَامِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فَأَتَمَّ فِيهِ ، أَوْ خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ وَأَقَامَ فِي الْجَامِعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ( وَ ) لِتَرْكِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا .
وَلَمْ يُبْطِلْهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْحَالَتَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ ، عَلَى مَا يَأْتِي .
وَأَبْطَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِمَا ، لِتَعَيُّنِ الْمَسْجِدِ ، كَتَعْيِينِ يَوْمٍ بِشُرُوعِهِ فِي صَوْمٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَتَعَيَّنُ بِنَذْرِهِ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ ، وَالصَّوْمُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مَعَ نَقْلِهِ ، بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ .
وَلَوْ تَلَاصَقَ مَسْجِدَانِ فَانْتَقَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ ، فَإِنْ مَشَى فِي انْتِقَالِهِ خَارِجًا مِنْهُمَا بَطَلَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَيَبْطُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَكْسُهُ .
فَصْلٌ وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ سَبَقَ فِي الْأَعْذَارِ ، وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ ، فِي الْمَنْصُوصِ ( وَ ) لِأَنَّ عَائِشَةَ { كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلهَا رَأْسَهُ } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَإِنْ أَخْرَجَ جَمِيعَهُ مُخْتَارًا عَمْدًا بَطَلَ وَإِنْ قَلَّ ( وَ ) كَالْجِمَاعِ ، لِتَحْرِيمِهِمَا ، وَكَمَا لَوْ زَادَ عَلَى نِصْفِ يَوْمٍ ، وَأَبْطَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَقَطْ ، وَأَبْطَلَهُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إنْ دَخَلَ تَحْتَ سَقْفٍ لَيْسَ مَمَرُّهُ فِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ إنْ كَانَ مُتَتَابِعًا بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ ، أَوْ قُلْنَا تَتَابَعَ فِي الْمُطْلَقِ ، اسْتَأْنَفَ ( و ) لِإِمْكَانِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى صِفَتِهِ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ، وَكَمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ فِي كَفَّارَةٍ ، أَوْ نَذْرٍ فِي الذِّمَّةِ وَلَا وَكَفَّارَةِ ( وَ ) .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : يَسْتَأْنِفُ الْمُطْلَقُ الْمُتَتَابِعُ بِلَا كَفَّارَةٍ ، وَقِيلَ : أَوْ يَبْنِي وَيُكَفِّرُ ، كَذَا قَالَ وَإِنْ كَانَ مُتَتَابِعٌ مُتَعَيِّنًا كَنَذْرِهِ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا ، اسْتَأْنَفَ : ( و م ش ) كَالْقَسَمِ قَبْلِهِ .
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا ، وَالتَّتَابُعُ أَوْلَى مِنْ الْوَقْتِ ، لِكَوْنِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً ، وَيُكَفِّرُ ( م ش ) .
وَمَذْهَبُ ( هـ ) وَصَاحِبَيْهِ يَبْنِي وَلَا يَسْتَأْنِفُ ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ أَصْلٌ ، وَالتَّتَابُعُ وَصْفٌ ، وَحِفْظُ الْأَصْلِ أَوْلَى ، وَلَا كَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ فَيُكَفِّرَ مَعَ الْقَضَاءِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ كَفَّرَ بِلَا قَضَاءٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ كَانَ مُتَعَيِّنًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِهِ اعْتِكَافِ شَهْرِ شَعْبَانَ فَقِيلَ : يَبْنِي ( و هـ ش ) لِأَنَّ التَّتَابُعَ هُنَا حَصَلَ ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ ، فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ كَقَضَاءُ رَمَضَانَ ، وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَصَاحِبَاهُ عَلَى تَتَابُعِ قَضَائِهِ إذَا فَوَّتَهُ ، وَقِيلَ : يَسْتَأْنِفُ لِتَضَمُّنِ نَذْرِهِ التَّتَابُعَ ، وَلِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمُدَّةِ الْمُطْلَقَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ : يَسْتَأْنِفُ هُنَا دُونَ الصَّوْمِ ، لِعَدَمِ تَقْيِيدِ الْأَيَّامِ الْمُطْلَقَةِ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ عِنْدَهُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ( م 10 ) وَيُكَفِّرُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ( م ش ) لِتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا سَبَقَ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِ اعْتِكَافِ شَهْرِ شَعْبَانَ فَقِيلَ : يَبْنِي .
وَقِيلَ : يَسْتَأْنِفُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّارِحُ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ، أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَبْنِي .
فَصْلٌ وَإِنْ وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْفَرْجِ عَمْدًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ( ع ) لِلْآيَةِ ، وَالنَّهْيُ لِلْفَسَادِ ، وَكَذَا إنْ وَطِئَ نَاسِيًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ، رَوَاهُ حَرْبٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَكَالْعَمْدِ وَكَالْحَجِّ ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ .
وَقَالَ : الصَّحِيحُ عِنْدِي [ أَنَّهُ ] يَبْنِي ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْإِعْذَارِ ، وَفِي الْفَصْلِ بَعْدهَا الْوَطْءُ زَمَنَ الْعُذْرِ ، وَلَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ( وَ ) نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَكَالصَّلَاةِ وَأَنْوَاعِ الصَّوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ ، كَرَمَضَانَ وَالْحَجِّ ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ ، وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا ، عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ ، وَخَصَّ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ الْوُجُوبَ بِالْمَنْذُورِ ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي التَّطَوُّعِ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا وَجْهَ لَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقَاضِي وَلَا وَقَفْتُ عَلَى لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا عَنْ أَحْمَدَ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ، وَهِيَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَفِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَحَكَى رِوَايَةً ، وَمُرَادُهُ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ أَفْسَدَ الْمَنْذُورَ بِالْوَطْءِ ، وَهُوَ كَمَا أَفْسَدَهُ بِالْخُرُوجِ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قِيلَ : إنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي نَذْرٍ ، وَقِيلَ : مُعَيَّنٍ ، فَلِهَذَا قِيلَ : تَجِبُ الْكَفَّارَتَانِ ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ يَلْزَمُهُ
كَفَّارَةٌ لِلْوَطْءِ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ لِلنَّذْرِ .
وَلَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ بِلَا شَهْوَةٍ ( و ) وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا : تَحْرُمُ ، كَشَهْوَةٍ ، فِي الْمَنْصُوصِ ( وَ ) وَمَتَى أَنْزَلَ بِهَا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ ( ق ) وَإِلَّا فَلَا ( م ق ) كَالصَّوْمِ ، وَمَتَى فَسَدَ خَرَجَ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ الْخِلَافُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ : يَجِبُ بِالْإِنْزَالِ عَنْ وَطْءٍ لَا عَنْ لَمْسٍ وَقُبْلَةٍ ، قَالَ : وَمُبَاشَرَةُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ ، عَلَى إطْلَاقِ أَصْحَابِنَا ( و هـ م ) وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ هُنَا لَا يُبْطِلُهُ ، كَالصَّوْمِ
( تَنْبِيهَانِ ) : الْأَوَّلُ قَوْلِهِ : وَمَتَى فَسَدَ خَرَجَ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ الْخِلَافُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
مُرَادُهُ بِالْخِلَافِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الصَّوْمِ .
ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .
فَصْلٌ وَإِنْ سَكِرَ فِي اعْتِكَافِهِ فَسَدَ ، وَلَوْ سَكِرَ لَيْلًا ( هـ ) لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ كَالْحَيْضِ .
وَلَا يَبْنِي ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ ، وَإِنْ ارْتَدَّ [ فِيهِ ] فَسَدَ ، كَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ ، وَمَذْهَبٌ ( ش ) لَا يَفْسُدُ وَيَبْنِي ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمُقَامِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِيهِ كَذِمِّيٍّ ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَحْكَامِهِمْ .
وَإِنْ شَرِبَ خَمْرًا وَلَمْ يَسْكَرْ أَوْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لَا يَفْسُدُ ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالْمُقَامِ فِيهِ ، وَمَذْهَبٌ ( م ) يَفْسُدُ ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ( هـ ش ) وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ : إنْ أَتَى ذَنْبًا فَسَدَ .
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ وَاجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيهِ [ ( وَ ) ] مِنْ جِدَالٍ وَمِرَاءٍ وَكَثْرَةِ كَلَامٍ وَغَيْرِهِ ، قَالَ الشَّيْخُ : لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ فَفِيهِ أَوْلَى ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَزُورَهُ زَوْجَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَتَتَحَدَّثَ مَعَهُ وَتُصْلِحَ رَأْسَهُ أَوْ غَيْرُهُ ، مَا لَمْ يَلْتَذَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ ، مَا لَمْ يُكْثِرْ ، لِأَنَّ صَفِيَّةَ زَارَتْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَحَدَّثَتْ مَعَهُ ، وَرَجَّلَتْ عَائِشَةُ رَأْسَهُ ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا لَا يَشْغَلَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَ ) وَلَيْسَ الصَّمْتُ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُكْرَهُ الصَّمْتُ إلَى اللَّيْلِ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ : وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ، رَأَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَةً لَا تَتَكَلَّمُ فَقِيلَ لَهُ : حَجَّتْ مُصْمِتَةٌ ، فَقَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَدٍ الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : حَفَظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ : لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ .
وَإِنْ نَذَرَهُ لَمْ يَفِ بِهِ ( وَ ) لِمَا سَبَقَ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ : لَهُ فِعْلُهُ إذَا كَانَ أَسْلَمَ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَنْ صَمَتَ نَجَا } وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّمْتِ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ ، كَتَوَسُّدِ الْمُصْحَفِ أَوْ الْوَزْنِ بِهِ ، وَجَاءَ : لَا تُنَاظِرْ بِكِتَابِ اللَّهِ .
قِيلَ : مَعْنَاهُ لَا تَتَكَلَّمُ بِهِ عِنْدَ الشَّيْءِ تَرَاهُ ، مِثْلَ أَنْ تَرَى رَجُلًا جَاءَ فِي وَقْتِهِ فَتَقُولَ : وَ { جِئْت عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى } ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى ، وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا إنْ قَرَأَ عِنْدَ الْحُكْمِ الَّذِي أُنْزِلَ لَهُ أَوْ مَا يُنَاسِبُهُ وَنَحْوَهُ فَحَسَنٌ كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَعَاهُ لِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ { مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا } وَقَوْلُهُ عِنْدَمَا أَهَمَّهُ { إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَ ثَابِتٌ وَجَمَاعَةٌ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ ، فَدَخَلُوا عَلَى الْحَسَنِ فَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ : هِيهِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ فِي اسْتِزَادَةِ الْحَدِيثِ : إيهِ ، وَيُقَالُ هِيهِ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : إيهِ اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا اسْتَزَدْتَهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ : إيهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : فَإِنْ وَصَلْت نَوَّنْت فَقُلْت إيهٍ حَدِّثْنَا ، قَالَ ابْنُ السَّرِيِّ : إذَا قُلْت إيهِ ، فَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ أَنْ يَزِيدَك مِنْ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ بَيْنكُمَا وَإِنْ قُلْت إيهٍ بِالتَّنْوِينِ ، كَأَنَّك قُلْت : هَاتِ حَدِيثًا مَا ، لِأَنَّ التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ ، فَأَمَّا إذَا أَسْكَنْتَهُ وَكَفَفْتَهُ قُلْتَ : إلَيْهَا عَنَّا قَالُوا لِلْحَسَنِ : قُلْنَا مَا زَادَنَا ، قَالَ : قَدْ حَدَّثَنَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ ، أَيْ مُجْتَمَعُ الْقُوَّةِ وَالْحِفْظِ ، وَلَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدَّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا
، قُلْنَا : فَحَدِّثْنَا ، فَضَحِكَ وَقَالَ : { خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } مَا ذَكَرْت لَكُمْ هَذَا إلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ [ إنَّهُ ] لَا بَأْسَ بِضَحِكِ الْعَالِمِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أُنْسٌ ، وَلَمْ يَخْرُجْ ضَحِكُهُ إلَى حَدٍّ يُعَدُّ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ ، وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ ، وَفِي الصَّحِيحِ مِثْلِهِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا طَرَقَ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } قَالَ : وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ ، وَنَزَلَتْ { خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } لَمَّا اسْتَعْجَلَتْ قُرَيْشٌ الْعَذَابَ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَقِيلَ : آدَم [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ] فَعَلَى هَذَا قَالَ الْأَكْثَرُ : خُلُقَ عَجُولًا فَوَجَدَ فِي أَوْلَادِهِ وَأَوْرَثَهُمْ الْعَجَلَةَ ، وَقِيلَ : خُلِقَ بِعَجَلٍ ، اسْتَعْجَلَ بِخَلْقِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقِيلَ : الْإِنْسَانُ اسْمُ جِنْسٍ ، فَقِيلَ : الْمَعْنَى خُلِقَ عَجُولًا قَالَ الزَّجَّاجُ : الْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ اللَّعِبُ إنَّمَا خُلِقْتَ مِنْ لَعِبٍ ، يُرِيدُونَ الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ ، وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، وَالْمَعْنَى خُلِقَتْ الْعَجَلَةُ فِي الْإِنْسَانِ ، وَالْآيَةُ الْأُخْرَى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ ، وَكَانَ جِدَالُهُ فِي الْقُرْآنِ ، وَقِيلَ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ، وَكَانَ جِدَالُهُ فِي الْبَعْثِ ، قَالَ الزَّجَّاجُ : كُلُّ مَا يَعْقِلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُجَادِلُ ، وَالْإِنْسَانُ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَدَلًا .
فَصْلٌ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ وَنَحْوِهِ ( و م ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَصْحَابِنَا ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يُقْرِئُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَيْضًا : يُقْرِئُ [ الْقُرْآنَ ] أَعْجَبُ إلَى مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ ، لِأَنَّهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَوْلَا أَنَّ الْإِقْرَاءَ يُكْرَهُ فِيهِ لَقَالَ يَعْتَكِفُ وَيُقْرِئُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يُقْرِئُ وَلَا يَكْتُبُ الْحَدِيثَ وَلَا يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحْتَجِبُ فِيهِ ، وَاعْتَكَفَ فِي قُبَّةٍ ، وَكَالطَّوَافِ ، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا يُسْتَحَبُّ ( و هـ ش ) لِظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ ، وَكَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ ، وَلَا يَتَّسِعُ الطَّوَافُ لِمَقْصُودِ الْإِقْرَاءِ وَنَحْوِهِ ، بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ .
فَعَلَى الْأَوَّلِ فِعْلُهُ لِذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ ، لِتَعَدِّي نَفْعِهِ ، كَمَا سَبَقَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَيَتَخَرَّجُ فِي كَرَاهَةِ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَاءِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَقْضِي إلَّا فِيمَا خَفَّ .
فَصْلٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ، وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ ، وَيُصْلِحَ بَيْنَ الْقَوْمِ ، وَيَعُودَ الْمَرِيضَ ، وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ ، وَيُعَزِّيَ ، وَيُهَنِّئَ وَيُؤَذِّنَ ، وَيُقِيمَ ، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ ( و ش ) وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ إلَّا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ، لِكَرَاهَتِهَا عِنْدَهُمْ فِيهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَعُودُ مَرِيضًا فِيهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ إلَى جَنْبِهِ ، وَلَا يَقُومَ لِيُهَنِّئَ ، أَوْ يُعَزِّيَ أَوْ يَعْقِدَ نِكَاحًا فِيهِ إلَّا أَنْ يَغْشَاهُ فِي مَجْلِسِهِ ، وَلَا يُصْلِحَ فِيهِ بَيْنَ الْقَوْمِ إلَّا فِي مَجْلِسِهِ خَفِيفًا ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُؤَذِّنِينَ ، لِأَنَّهُ يَمْشِي ، وَهُوَ عَمَلٌ ، وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ فِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَعَلَّ ظَاهِرَ الْإِيضَاحِ : يَحْرُمُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يُزَوِّجَ .
فَصْلٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : قَالَ أَصْحَابُنَا : يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ لِبْسِ رَفِيعِ الثِّيَابِ ، وَالتَّلَذُّذِ بِمَا يُبَاحُ لَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ .
وَأَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عَنْ غَلَبَةٍ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ ، وَأَنْ لَا يَنَامَ مُضْطَجِعًا بَلْ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا .
وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَرِهَ لَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ [ لِبْسَ ] رَفِيعِ الثِّيَابِ ، وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ، فِي قِيَاسِ مَذْهَبِنَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، كَغَسْلِ يَدِهِ فِي طِشْتٍ وَتَرْجِيلِ شَعْرِهِ ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَلَوْ جَمَعَهُ وَأَلْقَاهُ ، لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ ، وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ إزَالَةَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا صِيَانَةً لَهُ .
وَذَكَرَ غَيْرُهُ : يُسَنُّ ذَلِكَ ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا ، وَإِلَّا يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِيهِ .
وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ .
نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : لَا يَتَطَيَّبُ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : لَا يُعْجِبُنِي وَقَالَهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَقَالَهُ عَطَاءٌ فِي الْمُعْتَكِفَةِ .
وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ : يَتَطَيَّبُ ( وَ ) كَالتَّنَظُّفِ ، وَلِظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَقَاسَ أَصْحَابُنَا الْكَرَاهِيَةَ عَلَى الْحَجِّ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ عَلَى الصَّوْمِ ، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي كَرَاهَةِ لِبْسِ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ وَالتَّطَيُّبِ وَجْهَيْنِ .
فَصْلٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْإِفْصَاحِ وَغَيْرُهُمْ ، كَمَا رَوَى أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ ، وَعَنْ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ } .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ إنْشَادَ الضَّالَّةِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَصَحَّتْ الْأَخْبَارُ بِالْمَنْعِ مِنْ إنْشَادِ الضَّالَّةِ ، فَالْبَيْعُ فِي الِاعْتِكَافِ أَوْلَى ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : مَنَعَ صِحَّتَهُ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ ، وَقِيلَ : إنْ حُرِّمَ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ ، وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ ( و م ش ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ .
وَيُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلَعِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى قَوْلِنَا يُكْرَهُ وَيُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ فِيهِ الْيَسِيرُ ( خ ) كَالْكَثِيرِ ( وَ ) وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا عُقِدَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِد لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ ، كَذَا قَالَ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ ، كَمَا سَبَقَ فِي الْأَعْذَارِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، فَأَمَّا التِّجَارَةُ وَالْأَخْذُ وَالْعَطَاءُ فَلَا يَجُوزُ ، فَهَذَا عَامٌّ فِي الْمَسْجِدِ
وَغَيْرِهِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ ، وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْهُ ، وَلَوْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقِفْ لَهُ وَسَبَقَ جَوَازُهُ فِي فَصْلٍ لَهُ السُّؤَالُ عَنْ الْمَرِيضِ فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يُعَرِّجْ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجُ لَهُ ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ فَلَا يَخْرُجُ لَهُ ( وَ ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ .
وَيَخْرُجُ مِنْهُ ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ وَلَا يَخْرُجُ لَهُ انْتَهَى .
لَعَلَّهُ : فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ ، وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ ، لِأَنَّهُ قَدْ صَدَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِلَا يَجُوزُ وَبِيُكْرَهُ فَلَوْ جَعَلْنَا الْبِنَاءَ كَذَلِكَ لَكَانَ عَيْنَ الْأَوَّلِ وَتَحَصَّلَ الْحَاصِلُ وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ قَدَّمَ الْمَصَفُّ هُنَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الْوُقُوفِ ، فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا ، فَيَكُونُ قَدْ قَدَّمَ حُكْمًا فِي مَكَان وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا ، وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَالْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ( و م ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْإِفْصَاحِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : قَالَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ فِي اشْتِرَاطِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : يُشْتَرَطُ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي .
وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ : تَرَى أَنْ يَخِيطَ ؟ قَالَ : مَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَكِفَ إذَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ فَلَا يَعْتَكِفُ .
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ : لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ وَلَا يَصْنَعَ الصَّنَائِعَ ، قَالَ : وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الْإِقْرَاءِ وَإِمْلَاءِ الْحَدِيثِ ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ : يُكْرَهُ أَنْ يَتَّجِرَ أَوْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ ، حَكَاهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَأَبَاحَهُ الْحَسَنُ وَأَهْلُ الرَّأْيِ كَالْكَلَامِ وَالنَّوْمِ .
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْيَسِيرِ ، وَكَرِهَ الْكَثِيرَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ خِيَاطَةً أَوْ غَيْرَهَا لَا لِلتَّكَسُّبِ فَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ : لَا يَجُوزُ ، وَحَكَاهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا يَجُوزُ ( م 11 ) قَالُوا : وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ ، كَلَفِّ عِمَامَتِهِ وَالتَّنْظِيفِ .
وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالْبَيْعِ وَعَمَلِ الصَّنْعَةِ لِلتَّكَسُّبِ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنَافِي حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ ، وَلِهَذَا أُبِيحَ فِي مَمَرِّهِ ، وَذَكَر فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ قَوْلًا : يَبْطُلُ .
إنْ حُرِّمَ ، لِخُرُوجِهِ بِالْمَعْصِيَةِ عَنْ وُقُوعِهِ قُرْبَةً ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مُطْلَقًا ، لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ خِيَاطَةً أَوْ غَيْرَهَا لَا لِلتَّكَسُّبِ فَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ لَا يَجُوزُ ، حَكَاهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا [ يَجُوزُ .
انْتَهَى قَوْلُ ابْنِ الْبَنَّاءِ ] هُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَيْضًا ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَا يَتَكَسَّبُ بِالصَّنْعَةِ ، وَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْقَاضِي فَقَالَ : لَا تَجُوزُ الْخِيَاطَةُ فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، انْتَهَى ، فَجَعَلَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ فِي الْخِيَاطَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ لِلُبْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَيَأْتِي آخِرَ الْوَقْفِ هَلْ يَجُوزُ عَمَلُ الصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ ؟ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ ، وَقَدَّمَ هُنَا عَدَمَ الْجَوَازِ فَحَصَلَ الْخَلَلُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ ، فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ يَنْبَغِي لِمَنْ قَصْدَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ فِيهِ ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ ، وَمَعْنَاهُ فِي الْغُنْيَةِ ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَلَمْ يَرَهُ شَيْخُنَا [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .
كِتَابُ الْمَنَاسِكِ الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا بِكَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ ، وَعَكْسُهُ شَهْرُ الْحِجَّةِ .
وَالْحَجُّ لُغَةً : الْقَصْدُ إلَى مَنْ تُعَظِّمُهُ ، وَقِيلَ : كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ .
وَشَرْعًا : قَصْدُ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ .
وَالْعُمْرَةُ لُغَةً الزِّيَارَةُ ، يُقَالُ : اعْتَمَرَهُ إذَا زَارَهُ .
وَقِيلَ : الْقَصْدُ .
وَشَرْعًا : زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .
وَالْحَجُّ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ ، فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً .
وَفَرْضُ الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ : سَنَةَ عَشْرَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : سَنَةَ سِتٍّ ، وَبَعْضُهُمْ : سَنَةَ خَمْسٍ : وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ كَالْحَجِّ ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : أَطْلَقَ أَحْمَدُ وُجُوبَهَا فِي مَوَاضِعَ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَكِّيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِنَا ، فَدَلَّ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يُصَرِّحْ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَكِّيِّ ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَتَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ .
وَفَرْضُ الْعُمْرَةِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ( و ش ) فِي الْجَدِيدِ ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ ، { لِقَوْلِ عَائِشَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ : الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَعَنْ { أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الطَّعْنَ ، فَقَالَ : حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
{ وَجَاءَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا الْإِسْلَامُ ؟ قَالَ : أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ ، رَوَاهُ
ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ : إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ ، وَعَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ : أَتَيْت عُمَرَ فَقُلْت : إنِّي وَجَدْت الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَهْلَلْت بِهِمَا ، فَقَالَ عُمَرُ : هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } .
وَعَنْهُ : الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ ( و هـ م ق ) اخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، لِأَنَّ { رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : زَعَمَ رَسُولُك أَنَّ عَلَيْنَا .
فَذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَحَجَّ الْبَيْتِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ ، فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أُنْقِصُ مِنْهُنَّ ، فَقَالَ : لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْمَ الْحَجِّ يَتَنَاوَلُ الْعُمْرَةَ ، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ، وَفِي { كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَإِنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَعَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ ؟ قَالَ : لَا ، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِهِ ، وَحَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ ، ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ مُدَلِّسٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ اتِّفَاقًا ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ حَجَّاجٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
عُفَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدٍ وَجَعْفَرِ بْنِ مُسَافِرَ وَيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ ابْنُ عُفَيْرٍ ، فَذَكَرَهُ .
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ثِقَةٌ ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، لَكِنْ لَهُ مَنَاكِيرُ عِنْدَهُمْ كَهَذَا الْحَدِيثِ ، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ [ قَدْ ] قَالَ فِيهِ : سَيِّئُ الْحِفْظِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ ، وَأَمَّا تَضْعِيفُ خَبَرِ جَابِرٍ لِضَعْفِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ مُتَابَعَةً لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فَلَا يَتَوَجَّهُ ، لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ ، وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : صَدُوقٌ ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ أَوْ الْعُمْرَةَ مَعَ حَجَّتِهِمْ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ اعْتَمَرَ ، وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ مُرْسَلًا وَقَالَ : لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : رُوِيَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لَا تَصِحُّ وَلَا تَقُومُ بِمِثْلِهَا الْحُجَّةُ ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ إتْمَامُهَا ، كَمَا سَبَقَ آخِرَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ .
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ : تَجِبُ إلَّا عَلَى الْمَكِّيِّ ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ شَيْخُنَا : عَلَيْهِ نُصُوصُهُ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمْ دَمَ التَّمَتُّعِ ، كَذَا قَالَ ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ : مِنْ أَيْنَ يَعْتَمِرُ أَهْلُ مَكَّةَ ؟ قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِمْ عُمْرَةٌ ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ ، لِأَنَّ مُعْظَمَهَا الطَّوَافُ وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَطُفْ ، وَمَنْ طَافَ يَجِبُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْهَا ، كَالْآفَاقِيِّ .
فَصْلٌ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ ( ع ) وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ ( و ش ) كَالتَّوْحِيدِ ( ع ) .
وَعَنْهُ : لَا ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ وَجْهَانِ وَعَنْهُ : يُعَاقَبُ عَلَى النَّوَاهِي لَا الْأَوَامِرِ ، وَالْمُرْتَدُّ مِثْلُهُ ، ( و ) وَهَلْ يَلْزَمُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَةٍ فِي رِدَّتِهِ إذَا أَسْلَمَ ، إنْ قُلْنَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ لَزِمَهُ ( و ش ) وَإِلَّا فَلَا ؟ ( و هـ م ) وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِرِدَّتِهِ إنْ قَضَى صَلَاةً تَرَكَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ ( هـ م ) وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ حَجٌّ ثَانٍ ؟ ( و هـ م ) أَمْ لَا ؟ ( و ش ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ ( م 1 ) وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ مِنْ كَافِرٍ ( ع ) وَيَبْطُلُ إحْرَامُهُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِرِدَّتِهِ فِيهِ ( و هـ ) كَالصَّوْمِ ، وَالْجِمَاعِ قَدْ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ مَعَهُ ، وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ مَعَهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الرِّدَّةِ ( ع ) وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي خُرُوجِهِ مِنْهُ وَكَوْنِهِ كَالْمُجَامِعِ وَبَقَائِهِ إذَا أَسْلَمَ أَوْجُهٌ
كِتَابُ الْمَنَاسِكِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ حَجٌّ ثَانٍ أَمْ لَا ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَنْ اخْتَارَ كُلَّ رِوَايَةٍ ، فَلْيُرَاجَعْ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ .
فَصْلٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ ( ع ) وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِجُنُونِهِ ( و ) وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ مِنْهُ إنْ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ ( ع ) وَكَذَا إنْ عَقَدَهُ لَهُ الْوَلِيُّ ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ فِي الطِّفْلِ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ .
وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ( و م ش ) وَهَلْ يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ ( م ) أَمْ لَا ؟ كَالْمَوْتِ ، فِيهِ وَجْهَانِ ( م 3 ) فَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ فَكَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ فِي بُطْلَانِهِ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ ، وَالْمَعْرُوفُ لَا يَبْطُلُ بِإِغْمَاءٍ ، كَالسُّكْرِ ، فَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مِثْلُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ أَمْ لَا ؟ كَالْمَوْتِ ، فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ ( قُلْت ) : وَهُوَ قِيَاسُ الصَّوْمِ إذَا أَفَاقَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ ، وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ الصِّحَّةُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْطُلُ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْمَجْدِ فِي الصَّوْمِ .
فَصْلٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ ( و ) كَالْجِهَادِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ ، وَلِلْخَبَرِ الْآتِي فِي الْأَمْرِ بِإِعَادَتِهِ إذَا عَتَقَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ، وَيَصِحُّ مِنْهُ ( و ) وَكَذَا مُكَاتَبٌ وَمُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٌ بَعْضُهُ ( و ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ( و ) لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ ، فَإِنْ فَعَلَ انْعَقَدَ ( و ) خِلَافًا لِدَاوُدَ ، كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ كَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ بِغَصْبِهِ لِنَفْسِهِ ، فَيَكُونُ قَدْ حَجَّ فِي بَدَنٍ غُصِبَ فَهُوَ آكَدُ مِنْ الْحَجِّ بِمَالٍ غُصِبَ ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ ، فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبَ ، وَسَبَقَ مِثْلُهُ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْ جَمَاعَةٍ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ عِبَادَةٍ قَدْ تُفَوِّتُ حَقَّ السَّيِّدِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَمِنْهُ صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ، وَقَدْ يَكُونُ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ أَقَلَّ ، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، وَحَقُّ السَّيِّدِ آكَدُ ، وَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ لِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَدَلَّ اعْتِبَارُ الْمَسْأَلَةِ بِالْغَصْبِ عَلَى تَخْرِيجِ رِوَايَةِ : إنْ أُجِيزَ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ : لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ ، فِي رِوَايَةِ ( و ) اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهَا آخَرُونَ ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ ، وَقَاسَ الشَّيْخُ عَلَى صَوْمٍ يَضُرُّ بَدَنَهُ ، وَمُرَادُهُ لَا يُفَوَّتُ بِهِ حَقٌّ ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ ، فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ ( 3 م ) كَتَطَوُّعِ نَفْسِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلَ أَحْمَدَ : لَا يُعْجِبُنِي مَنْعُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي الْإِحْرَامِ زَمَنَ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ، وَقَالَ : إنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ وُجُوبَ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ كَانَ بَلَاهَةً ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ لَمْ
يَجُزْ لَهُ تَحْلِيلُهُ ( هـ ) لِلُزُومِهِ ، كَنِكَاحٍ وَإِعَارَةٍ لِرَهْنٍ ، وَعَنْهُ : لَهُ تَحْلِيلُهُ ، وَإِنْ بَاعَهُ فَمُشْتَرِيهِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ ، وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ بَائِعُهُ تَحْلِيلَهُ فَيُحَلِّلَهُ ، وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِ سَيِّدِهِ عَنْ إذْنِهِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ عَنْ الْعَبْدِ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ .
فَإِنْ فَعَلَ انْعَقَدَ فَعَلَى هَذِهِ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهَا آخَرُونَ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، إحْدَاهُمَا لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ ، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ : هَذَا الْأَشْهَرُ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ .
وَإِنْ نَذَرَ الْعَبْدُ الْحَجَّ لَزِمَهُ ( و ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَهَلْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذْرُهُ بِإِذْنِهِ ( و ش ) أَمْ لَا ؟ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَوَاجِبِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَقِيلَ : إنْ كَانَ النَّذْرُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَمْنَعْهُ ( م 4 ) وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ فِي مَمْلُوكٍ قَالَ : امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يُحْرِمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ، قَالَ : يُحْرِمُ وَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ، قُلْت : فَإِنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ ؟ قَالَ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ مِنْهُ رُشْدًا .
ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْ حَقِّ مَوْلَاهُ وَمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ .
وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ، وَسَبَقَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْجَنَائِزِ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَذَرَ الْعَبْدُ الْحَجَّ لَزِمَهُ وَهَلْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَهُ بِإِذْنِهِ ؟ أَمْ لَا ؟ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَوَاجِبِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ النَّذْرُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَمْنَعْهُ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، إحْدَاهُمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ .
وَإِنْ أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ ( و ش ) كَالْحُرِّ ، وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي رِقِّهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، لِلُزُومِهِ لَهُ ، كَالنَّذْرِ ، بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ ، لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجَبِهِ ، وَمِنْ مُوجَبِهِ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِي مَنْعِهِ مِنْ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ ، كَالْمَنْذُورِ ( م 5 )
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : " وَإِنْ أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ [ كَالْحُرِّ ] وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي رِقِّهِ .
وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ إنْ كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِي مَنْعِهِ مِنْ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ ، كَالْمَنْذُورِ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 5 ) إذَا كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا وَأَفْسَدَهُ فَهَلْ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، أَحَدُهُمَا لَهُ مَنْعُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا ، وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الْخِلَافَ وَقَدَّمَ فِيهَا حُكْمًا ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 6 ) إذَا كَانَ حَجُّهُ مَنْذُورًا وَأَفْسَدَهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مَا يُشَابِهُ هَذِهِ ، وَلَكِنْ تِلْكَ الْخِلَافُ فِي مَنْعِهِ مِنْ فِعْلِهِ ، وَهُنَا مَنْعُهُ مِنْ قَضَائِهِ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتٍ أَوْ إحْصَارٍ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ ، كَالْحُرِّ .
وَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ خَالَفَ فَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ يَبْدَأُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ أُعْتِقَ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ فِي حَالٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا ، وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ ( و ش ) وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ لَوْ صَحَّتْ أَجْزَأَتْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَضَاؤُهَا كَهِيَ ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ ، فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ، فَإِنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يُجْزِئُهُ عَنْ النَّذْرِ وَالْفَرْضِ لَوْ أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ ، وَلَا يَكُونُ الِاعْتِبَارُ فِي الْقَضَاءِ بِمَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ جِنَايَتِهِ ، كَحُرٍّ مُعْسِرٍ ، وَإِنْ تَحَلَّلَ بِحَصْرٍ أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ الصَّوْمِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ فِي إذْنِهِ فِيهِ وَفِي صَوْمٍ آخَرَ فِي إحْرَامٍ بِلَا إذْنِهِ وَجْهَانِ ، كَنَذْرٍ ، وَسَيَأْتِي ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ : إنْ تَعَمَّدَ الْمَأْذُونُ السَّبَبَ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ ، فِي الْأَشْهَرِ عِنْدَهُمْ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ مِثْلِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَوَجَدَ الْهَدْيَ لَزِمَهُ .
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ صَامَ ، وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ ، لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ كَالْمَرْأَةِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَ فِيهِ ، كَمَا لَوْ فَعَلَهُ نَائِبٌ بِإِذْنِ مُسْتَنِيبٍ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتٍ أَوْ إحْصَارٍ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ ، كَالْحُرِّ ، يَعْنِي كَالْحُرِّ الصَّغِيرِ ، وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحُرِّ الصَّغِيرِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِفَوَاتٍ أَوْ إحْصَارٍ ، فَكَذَا هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ ، وَيَصِحُّ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ ، وَإِلَّا أَحْرَمَ وَلِيُّهُ عَنْهُ ، وَيَقَعُ لَازِمًا ، وَحُكْمُهُ كَالْمُكَلَّفِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ { إنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا فَقَالَتْ : أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَك أَجْرٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ زَيْدٍ { : حُجَّ بِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ } ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى ، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى .
وَانْفَرَدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ بِرَفْعِهِ وَهُوَ يُحْتَجُّ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَكَانَ آيَةً فِي الْحِفْظِ وَلِهَذَا صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ ، وَأَجَابَ بِنَسْخِهِ لِكَوْنِ فِيهِ الْأَعْرَابِيَّ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدِ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ بِخُرَاسَانَ ، قَالَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ : دَرَسَ الْفِقْهَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ .
صَنَّفَ الْمُخَرَّجَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْمُخَرَّجَ عَلَى الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ ، وَكَانَ أَزْهَدَ مَنْ رَأَيْت مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرَهُمْ تَقَشُّفًا وَلُزُومًا لِمَدْرَسَتِهِ وَبَيْتِهِ وَأَكْثَرَهُمْ اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ ، سَمِعْت أَبَا الْوَلِيدِ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا هَاجَرَ } قَالَ : مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَعَبَّرَ بِاسْمِ الْهِجْرَةِ عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَسْلَمُوا هَاجَرُوا ، وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ بِاسْمِ الْهِجْرَةِ ، وَإِنَّمَا سُمُّوا مُهَاجِرِينَ
لِأَنَّهُمْ هَجَرُوا الْكُفَّارَ إجْلَالًا لِلْإِسْلَامِ .
سَمِعْت أَبَا الْوَلِيدِ سَمِعْت ابْنَ سُرَيْجٍ سَمِعْت إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَقُولُ : دَخَلْت عَلَى الْمُعْتَضِدِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا نَظَرْت فِيهِ ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ لَهُ الزَّلَلَ مِنْ رُخَصِ الْعُلَمَاءِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ ، فَقُلْت لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ زِنْدِيقٌ ، فَقَالَ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ؟ قُلْت : الْأَحَادِيثُ عَلَى مَا رُوِيَتْ ، وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ لَمْ يُبِحْ الْمُتْعَةَ .
وَمَنْ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبِحْ الْغِنَاءَ وَالْمُسْكِرَ ، وَمَا مِنْ عَالِمٍ إلَّا وَلَهُ زَلَّةٌ ، وَمَنْ جَمَعَ زَلَلَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا ذَهَبَ دِينُهُ ، فَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ فَأُحْرِقَ ذَلِكَ الْكِتَابُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ : ذَكَرَهُ هِبَةُ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ : أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ كَالْبَالِغِ ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ ، وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ إحْرَامُهُ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى حُكْمِ الْبَالِغِ فِي الضَّمَانِ ، كَالنِّكَاحِ ، وَلِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِالْفِعْلِ ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ ، بِخِلَافِ نَذْرِهِ وَيَمِينِهِ .
وَكَفَّارَةُ الْحَجِّ تَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ وَتُحْرِمُ رُفْقَةُ ، الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَنْهُ عِنْدَهُمْ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِيهِمَا ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا يَلْزَمُ ، فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةٌ .
وَيُرْتَفَضُ بِرَفْضِهِ ، وَيُجْتَنَبُ الطِّيبُ اسْتِحْبَابًا ، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ مِنْ ثَوَابِ الْحَجِّ ، وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَّجَهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ إذَا أَتَمَّهُ صَحِيحًا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ ، وَلَيْسَ عَلَى لُزُومِهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ .
وَيُحْرِمُ مُمَيِّزٌ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ، كَالْبَيْعِ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ مِنْهُ بِدُونِهِ ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ ، فَعَلَى هَذَا يُحَلِّلُهُ الْوَلِيُّ مِنْهُ إنْ رَآهُ ضَرَرًا ، فِي الْأَصَحِّ ، كَعَبْدٍ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ كَالْوَجْهَيْنِ ، وَلَا يُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ مُمَيِّزٍ ( و م ش ) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ، وَالْوَالِي مَنْ يَلِي مَالَهُ ، وَيَصِحُّ عَنْ الطِّفْلِ وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ لَمْ يَحُجَّ كَعَقْدِ النِّكَاحِ لَهُ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا ( و ش ) لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَصَبَتِهِ كَالْعَمِّ وَابْنِهِ وَجْهَانِ ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الصِّحَّةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَكُلُّ مَا أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ كَالْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ لَزِمَهُ ، وَسَوَاءٌ أَحْضَرَهُ الْوَلِيُّ : فِيهَا أَوْ غَيْرُهُ ، وَمَا عَجَزَ عَنْهُ عَمِلَهُ عَنْهُ الْوَلِيُّ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الرَّمْيِ ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ طَافَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِرْقَةٍ ، رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ .
وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُجَرِّدُ الصِّبْيَانَ لِلْإِحْرَامِ ، وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ ، إلَّا الصَّلَاةَ ، وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ التَّلْبِيَةَ أَيْضًا ، وَعَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ { جَابِرٍ قَالَ : حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَأَحْرَمْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ } .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ : { فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ } .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ : { فَكُنَّا نُلَبِّي عَنْ النِّسَاءِ وَنَرْمِي عَنْ الصِّبْيَانِ } .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ إلَّا مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ ، كَالنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا ، وَإِلَّا وَقَعَ الرَّمْيُ عَنْ
نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِفَرْضٍ ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا يَقَعُ الْإِحْرَامُ بَاطِلًا هُنَاكَ فَكَذَا الرَّمْيُ هُنَا .
وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّبِيَّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَى نَاوَلَهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ أَنْ تُوضَعَ الْحَصَاةُ فِي كَفِّهِ ثُمَّ تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتُرْمَى عَنْهُ .
فَإِنْ وَضَعَهَا النَّائِبُ فِي يَدِهِ وَرَمَى بِهَا فَجَعَلَ يَدَهُ كَالْآلَةِ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَطُوفَ فَعَلَهُ وَإِلَّا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا .
وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ الطَّائِفِ بِهِ وَكَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ ، فَإِنْ نَوَى الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الصَّبِيِّ وَقَعَ عَنْ الصَّبِيِّ ، كَالْكَبِيرِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ عَنْهُ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ ، طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا ( و م ش ) لِوُجُودِ الطَّوَافِ مِنْ الصَّبِيِّ ، كَمَحْمُولٍ مَرِيضٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْحَامِلِ إلَّا النِّيَّةُ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا لَا يُجْزِئُ [ عَنْ الصَّبِيِّ ] كَالرَّمْيِ عَنْ الْغَيْرِ ، فَعَلَى هَذَا يَقَعُ عَنْ الْحَامِلِ ، لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا شَرْطٌ ، فَهِيَ كَجُزْءٍ مِنْهُ شَرْعًا ، وَقِيلَ : يَقَعُ هُنَا عَنْ نَفْسِهِ ، كَمَا لَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ ، وَالْمَحْمُولُ الْمَعْذُورُ وُجِدَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ ، وَهُوَ أَهْلٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَلْغُوَ نِيَّتُهُ هُنَا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ ، لِكَوْنِ الطَّوَافِ لَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ .
وَنَفَقَةُ الْحَجِّ فِي مَالِ وَلِيِّهِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ ( و م ق ) لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ كَإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لَهُ ، وَمِنْهُ : فِي مَالِهِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي ( م 7 ) لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ كَأُجْرَةِ حَامِلِهِ إلَى الْجَامِعِ وَالطَّبِيبِ وَنَحْوِهِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ يَخْتَصُّ بِمَا يَزِيدُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ ، وَإِنْشَاءِ السَّفَرِ لِلْحَجِّ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ .
زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَمَالُهُ كَثِيرٌ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، فَأَمَّا سَفَرُهُ مَعَهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ إلَى مَكَّةَ لِاسْتِيطَانِهَا أَوْ الْإِقَامَةِ بِهَا لِعِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْوَلِيِّ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، بَلْ عَلَى الْجِهَةِ الْوَاجِبَةِ فِيهَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِحْرَامِ .
وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِمَصْلَحَتِهِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَكَذَا الْمَالِكِيَّةُ وَإِنْ كَانُوا اسْتَثْنَوْا خَوْفَ الضَّيْعَةِ عَلَيْهِ فَقَطْ
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَنَفَقَةُ الْحَجِّ فِي مَالِ وَلِيِّهِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ .
وَعَنْهُ : فِي مَالِهِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا هِيَ فِي مَالِ وَلِيِّهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ : يَلْزَمُ ذَلِكَ الْوَلِيَّ ، فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ : فَعَلَى وَلِيِّهِ إجْمَاعًا ، ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ ( قُلْت ) : وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَمَا عُلِّلَتْ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ نَظَرٌ .
وَهَلْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى الْوَلِيِّ كَنَفَقَتِهِ ؟ أَمْ عَلَيْهِ كَحِنَايَتِهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 8 ) وَلِلشَّافِعِيِّ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَسَوَّى جَمَاعَةٌ بَيْنَهُمَا وَيَخْتَصُّ الْخِلَافُ بِمَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) [ قَوْلُهُ ] وَهَلْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى الْوَلِيِّ كَنَفَقَتِهِ ؟ أَمْ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا يَكُونُ فِي مَالِ وَلِيِّهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ : يَلْزَمُ الْوَلِيَّ ، فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى : هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ : نَفَقَةُ الْحَجِّ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ الْمُجْحِفَةُ بِالصَّبِيِّ تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَحَكَاهُ إجْمَاعًا ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ .
( تَنْبِيهٌ ) : حُكْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ حُكْمُ نَفَقَةِ الْحَجِّ ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا ، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ، وَحَكَوْا الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ ، لِقَوْلِهِ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى " كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ " وَلَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ هَلْ يُلْحَقَانِ بِالنَّفَقَةِ فَيَكُونَ فِيهِمَا الْخِلَافُ الَّذِي فِيهَا ؟ أَوْ يَكُونَانِ كَجِنَايَتِهِ فَيَجِبَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا ؟ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ وَجَمَاعَةٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ ضَعِيفَةٌ .
وَيَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مَعَ خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَوْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ ، كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ أَوْ تَطْيِيبِهِ لِمَرَضٍ .
وَإِنْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ ، وَمَا لَا يَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مَعَ خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ ، لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ .
وَمَتَى وَجَبَتْ عَلَى الْوَلِيِّ وَدَخَلَهَا الصَّوْمُ صَامَ عَنْهُ ، لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً ، كَصَوْمِهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ .
لَا يَفْدِي إلَّا بِالْمَالِ ، لِأَنَّ الْغَيْرَ لَا يُصَامُ عَنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَوَطْءُ الصَّبِيِّ كَوَطْءِ الْبَالِغِ نَاسِيًا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ .
وَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ، وَنَظِيرُهُ احْتِلَامُ الْمَجْنُونِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّتِهِ إفَاقَتُهُ ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ .
وَقِيلَ : يَصِحُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَالْبَالِغِ .
وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ، لِئَلَّا تَلْزَمَهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ .
وَكَذَا قَضَاؤُهُ لِفَوَاتٍ أَوْ إحْصَارٍ ، وَصِحَّتُهُ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْقَضَاءِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَإِجْزَائِهِ عَنْهُ وَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَبْدِ .
فَصْلٌ وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ إحْرَامِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ وَهُوَ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ فَعَادَ فَوَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَإِلَّا فَلَا ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ( و ش ) وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَمَا لَوْ أَحْرَمَ إذَنْ ، وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ تَصْلُحُ لِتَعْيِينِ الْإِحْرَامِ ، كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ ، قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : إنَّمَا اُعْتُدَّ لَهُ بِإِحْرَامِهِ الْمَوْجُودِ إذَنْ وَمَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ لَمْ يَنْقَلِبْ فَرْضًا ، وَمِثْلُهُ الْوُقُوفُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ مَوْقُوفًا فَتَتَبَيَّنُ الْفَرْضِيَّةُ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ ، وَكَالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَكَذَا فِي الْخِلَافِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الزَّكَاةَ ، وَكَذَا فِي الِانْتِصَارِ ، قَالَا : كَمَا يَقِفُ عَلَى الْوُقُوفِ فِي إدْرَاكِ الْحَجِّ وَفَوَاتِهِ ، فَقِيلَ لَهُمَا : يَلْزَمُ بَعْدَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ ، فَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْأَفْعَالَ وُجِدَتْ فِي حَالِ النَّقْصِ ، وَهُنَا فِي الْكَمَالِ .
وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، تَرَكْنَاهُ لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَأَجَابَ أَيْضًا عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ : بِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ شُرِطَ عَلَى وَجْهٍ لَنَا .
فَهُوَ كَوُضُوءِ الصَّبِيِّ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلَيْسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ .
وَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُهُ ( و م ) وَقَالَهُ ( هـ ) فِي الْعَبْدِ .
وَقَالَ فِي الصَّبِيِّ : إنْ جَدَّدَ إحْرَامًا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا ، لِعَدَمِ لُزُومِهِ عِنْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقُلْنَا السَّعْيُ رُكْنٌ فَقِيلَ : يُجْزِئُهُ ، لِحُصُولِ الْكَمَالِ فِي مُعْظَمِ الْحَجِّ ، وَقِيلَ : لَا يُجْزِئُهُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، قَالَ : وَهُوَ أَشْبَهُ بِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ ( م 9 ) : الْإِجْزَاءُ بِاجْتِمَاعِ الْأَرْكَانِ حَالَ الْكَمَالِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ إنْ أَعَادَ
السَّعْيَ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، لِأَنَّهُ لَا يُشْرِعُ مُجَاوَزَةَ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرَارَهُ ، وَاسْتِدَامَةُ الْوُقُوفِ مَشْرُوعٌ ، وَلَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقُلْنَا السَّعْيُ رُكْنٌ فَقِيلَ : يُجْزِئُهُ ، لِحُصُولِ الْكَمَالِ فِي مُعْظَمِ الْحَجِّ ، وَقِيلَ : لَا يُجْزِئُهُ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، قَالَ : وَهُوَ أَشْبَهَ بِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ ، وَذَكَرَهُ ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ ، أَحَدُهُمَا يُجْزِئُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ : وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ : يُعِيدُهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا أَجْزَأَهُ ، عَلَى الْخِلَافِ ( و ) وَإِلَّا فَلَا ( و ) وَفِي أَثْنَاءِ طَوَافِهَا ( و ) وَلَا أَثَرَ لِإِعَادَتِهِ ( و ) وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ فَلَا دَمَ ( ق ) لِنَقْصِهِمَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ كَاسْتِمْرَارِهِ ( و ش ) .
فَصْلٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ وَلَا تَحْلِيلُهُ ، وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى [ نَفَقَةِ ] حَضَرِهِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ فَقِيلَ كَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ ، وَقِيلَ : لَهُ فِي الْأَصَحِّ مَنْعُهُ مِنْهُ وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ ، وَإِلَّا فَلَا ( م 10 ) فَإِنْ مَنَعَهُ فَأَحْرَمَ فَهُوَ كَمَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَحْرَمَ أَيْ السَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفَقَةِ حَضَرِهِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ فَقِيلَ كَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ ، وَقِيلَ : لَهُ فِي الْأَصَحِّ مَنْعُهُ وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ ، وَإِلَّا فَلَا [ انْتَهَى ] أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْحَجْرِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ مَنْعُهُ مِنْهُ وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي بَابِ الْحَجْرِ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَلِوَلِيِّهِ تَحْلِيلُهُ ، لِمَا فِي مُضِيِّهِ فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ مَالِهِ ، وَيَتَحَلَّلُ بِالصِّيَامِ كَالْمُعْسِرِ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ تَحْلِيلَهُ بِنَاءً عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، انْتَهَى .
فَصْلٌ وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الْمَرْأَةِ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةٍ ( و ) اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَتَكُونُ كَالْمُحْصَرِ ، كَالْعَبْدِ يُحْرِمُ بِلَا إذْنٍ ، وَظَاهِرُهُ حُكْمُهَا حُكْمُهُ فِي التَّحْرِيمِ وَالصِّحَّةِ ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ ، وَقَاسَ الشَّيْخُ عَلَى الْمَدِينَةِ تُحْرِمُ بِلَا إذْنِ غَرِيمِهَا عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُهُ إيفَاءَ دَيْنِهِ الْحَالِّ عَلَيْهَا ، وَمُرَادُهُ لَهُ تَحْلِيلُهَا ، أَيْ مَنْعُهَا ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلُّلُ ، وَعَنْهُ : لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلُهَا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ( م 11 ) كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا ( و ) وَلَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ تُحْرِمْ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ الْمَنْذُورِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ : يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ ( م 12 ) وَإِنْ حَلَّلَهَا فَلَمْ تَقْبَلْ أَثِمَتْ ، وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا ، وَذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْإِحْرَامِ بِهَا إنْ لَمْ تَكْمُلْ شُرُوطُهَا ، فَلَوْ أَحْرَمَتْ إذَنْ بِلَا إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا ، فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ كَمَلَتْ شُرُوطُهَا لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا وَلَا تَحْلِيلَهَا ( و ) وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ قَدْرَ نَفَقَةِ الْحَضَرِ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ : لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَسْتَأْذِنَهُ ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : إنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ ، فَإِنْ أَذِنَ وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ ، وَعَنْهُ : لَهُ تَحْلِيلُهَا ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ مَنْعُهَا ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ ( و ) وَقَضَاءِ رَمَضَانَ ( و ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ، وَالْأَشْهَرُ لِلْمَالِكِيَّةِ لَهُ تَحْلِيلُهَا ، وَمَنْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا تَحُجُّ الْعَامَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُحِلَّ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ ، هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ ، وَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ ،
وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى كَمَا لَوْ مَنَعَهَا عَدُوٌّ مِنْ الْحَجِّ إلَّا أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهَا ، وَنَقَلَ مُهَنَّا وَسُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : قَالَ عَطَاءٌ : الطَّلَاقُ هَلَاكٌ ، هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ ، وَسَبَقَ ` أَوَّلَ الْجَنَائِزِ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الْمَرْأَةِ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ : لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَهُ تَحْلِيلُهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَاخْتَارَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالنَّظْمِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ : هَذَا أَشْهَرُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هِيَ أَصْرَحُهُمَا ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ الْمَنْذُورِ رِوَايَتَانِ ، وَقِيلَ : يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ فِي الْمُغْنِي فِي مَكَان : وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخَانِ ، انْتَهَى .
وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي فِي مَكَان آخَرَ ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الْقَطْعِ بِهِ فِي الْمَكَانِ الْآخَرِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : " وَقِيلَ : يُفَرَّقُ بَيْنَ
الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا إنْ كَانَ وَقْتُهُ مُعَيَّنًا وَإِلَّا مَلَكَهُ ، انْتَهَى ، مَعَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَمُرَادُهُ فِيهِمَا غَيْرُ مَا جَزَمَ بِهِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِوَالِدٍ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ حَجٍّ وَاجِبٍ ، وَلَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُ فِيهِ ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ التَّطَوُّعِ ، كَالْجِهَادِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ سَفَرٌ مُسْتَحَبٌّ بِلَا إذْنٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ ، وَيَتَوَجَّهُ : يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ .
فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَنْضَرُّ بِهِ وَجَبَ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ لِلْجِهَادِ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلشَّهَادَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، كَمَا فَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ السَّفَرِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ ، وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيلُهُ مِنْهُ ، لِوُجُوبِهِ بِشُرُوعِهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْفَرْضِ : إنْ لَمْ تَأْذَنْ لَك أُمُّك وَكَانَ عِنْدَك زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَحُجَّ وَلَا تَلْتَفِتْ إلَى إذْنِهَا وَاخْضَعْ لَهَا وَدَارِهَا .
وَيَلْزَمُهُ طَاعَةُ وَالِدَيْهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَيَحْرُمُ فِيهَا ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَهَا ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ ، وَهُوَ إطْلَاقُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : هَذَا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِسُقُوطِ فَرَائِضِ اللَّهِ بِالضَّرَرِ ، وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا تَمَلُّكَهُ مِنْ مَالِهِ ، فَنَفْعُهُ كَمَالِهِ ، فَلَيْسَ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ ، هَذَا كَلَامُهُ ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ تَسْأَلُهُ أُمُّهُ شِرَاءَ مِلْحَفَةٍ لِلْخُرُوجِ إنْ كَانَ خُرُوجُهَا فِي بِرٍّ وَإِلَّا فَلَا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ : إنْ أَمَرَنِي أَبِي بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ لَهُ عَلَيَّ طَاعَةٌ ؟ قَالَ : لَا ، فَيُحْمَلُ فِي هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَمَظِنَّةٌ فِي الْمُحَرَّمِ ، فَلَا مُخَالَفَةَ لِمَا سَبَقَ ، وَظَاهِرُهُمَا الْمُخَالَفَةُ ، وَأَنَّهُ لَا طَاعَةَ إلَّا فِي الْبِرِّ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : مَا أُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمَا عَلَى الشُّبْهَةِ
، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : { مَنْ تَرَكَ الشُّبْهَةَ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ } وَلَكِنْ يُدَارِي ، فَظَاهِرُهُ لَا طَاعَةَ فِي مَكْرُوهٍ ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ فِيمَنْ تَعْرِضُ عَلَيْهِ أُمُّهُ شُبْهَةً بِأَكْلٍ فَقَالَ : إنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ فَلَا يَأْكُلْ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إنْ مَنَعَاهُ الصَّلَاةَ نَفْلًا يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي ، فَظَاهِرُهُ لَا طَاعَةَ فِي تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ .
وَقَالَ : إنْ نَهَاهُ أَبُوهُ عَنْ الصَّوْمِ لَا يُعْجِبُنِي صَوْمُهُ وَلَا أُحِبُّ لِأَبِيهِ أَنْ يَنْهَاهُ ، فَظَاهِرُهُ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي تَرْكِهِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ لَا يَجُوزُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ وَأَنَّ مِثْلَهُ الْمُكْتَرِي وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الْإِثْمِ بِتَرْكِ سُنَّةٍ [ رَاتِبَة ] وَيَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَةِ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَفِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَإِهْدَاءِ الْقُرَبِ ، وَقَوْلُهُ : نُدِبَ إلَى طَاعَةِ أَبِيهِ ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِيمَنْ يَتَأَخَّرُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ أَبِيهِ : لَا يُعْجِبُنِي ، هُوَ يَقْدِرُ يَبَرُّ أَبَاهُ بِغَيْرِ هَذَا ، وَيَأْتِي أَوَّلَ الطَّلَاقِ [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] [ كَلَامُ أَحْمَدَ ] فِيمَنْ يَأْمُرُهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِالطَّلَاقِ ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا فِي أَمْرِهِ بِنِكَاحِ مُعَيَّنَةٍ .
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ : يَجُوزُ تَرْكُ النَّوَافِلِ لِطَاعَتِهِمَا ، بَلْ الْأَفْضَلُ طَاعَتُهُمَا ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوَ ثُلُثِ الْكِتَابِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ش ) وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَمَذْهَبُ ( م ) لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ يَعْجَزُ عَنْ السَّفَرِ وَلَا حِرْفَةَ لَهُ ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ ، وَفِيمَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ وَالْعَادَةُ إعْطَاؤُهُ قَوْلَانِ لِلْمَالِكِيَّةِ ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي حَقِّ مَنْ يَحْتَاجُهُمَا كَقَوْلِ مَالِكٍ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ : مَنْ قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ، لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ ، فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ فِي حِرْمَانِ الزَّكَاةِ وَوُجُوبِ الْجِزْيَةِ وَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ الزَّمِنِ وَالْمَدِينِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ ، فَكَذَا هُنَا .
وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَوَّلِينَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالْكَسْبُ بِالصَّنْعَةِ ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ : وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي قَوْلِهِ : لَا أُحِبُّ ، هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ ؟ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَاجِبٌ .
قَالَ شَيْخُنَا : بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ .
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا { قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا السَّبِيلُ ؟ قَالَ : الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ } وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ هُشَيْمٍ ، سَأَلَ مُهَنَّا أَحْمَدَ : هَلْ شَيْءٌ يَجِيءُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : هُوَ صَحِيحٌ مَا نَكَادُ نَجِدُهَا إلَّا صَحِيحَةً وَلَا سِيَّمَا مِثْلَ هَذَا الْمُرْسَلِ ، فَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ : لَيْسَ فِي
الْمُرْسَلَاتِ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلَاتِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ ، كَأَنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ كُلٍّ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مُرْسَلَاتٍ خَاصَّةً ، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، لَهُ غَيْرُ طَرِيقٍ .
وَبَعْضُهَا جَيِّدٌ ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : الْمَحْفُوظُ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ : بَعْضُ طُرُقِهِ لَا بَأْسَ بِهَا .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعًا ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَتَوَقَّفَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ مِنْهَا ، وَرَدَّدَ النَّظَرَ فِيهِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ : وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَيْسَ بِحَسَنٍ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِيهِ عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ وَرَّازٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زَادٌ وَلَا رَاحِلَةٌ ، فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلَهُمْ } الْآيَةَ ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ ، فَكَذَا الْحَجُّ ، وَقَدْ تَزُولُ الْقُدْرَةُ فِي الطَّرِيقِ فَيُفْضِي إلَى ضَرَرٍ كَثِيرٍ ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُعْتَبَرُ الزَّادُ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ ( و هـ ش ) وَالْمُرَادُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : الْحَجُّ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ ، وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ ، وَهُوَ الْمُصَحِّحُ لِلْمَشْرُوطِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ وَلَا مَالَ ،
وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ .
وَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ مَعَ بُعْدِهَا وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَقَطْ ، ( و هـ ش ) إلَّا مَعَ عَجْزٍ ، كَشَيْخٍ كَبِيرٍ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ، قَالَ فِي الْكَافِي : لَا حَبْوًا وَلَوْ أَمْكَنَهُ ، وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ .
وَيُعْتَبَرُ مِلْكُ الزَّادِ ، فَإِنْ وَجَدَهُ فِي الْمَنَازِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ ( و هـ ش ) وَأَنْ يَجِدَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ ، كَمَا سَبَقَ ( و هـ ش ) وَفَرَّقَ أَبُو الْخَطَّابِ فَاشْتَرَطَ لِوُجُوبِ بَذْلِ الزِّيَادَةِ كَوْنَهَا يَسِيرَةً فِي الْمَاءِ ، لِتَكَرُّرِ عَدَمِهِ ، وَلَهُ بَدَلٌ ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ، وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِيهِ الْمَشَاقَّ ، فَكَذَا زِيَادَةُ ثَمَنٍ لَا يُجْحِفُ ، لِئَلَّا يَفُوتَ ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا .
وَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى وِعَاءِ الزَّادِ ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْ آلَتِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ صَالِحًا لِمِثْلِهِ عَادَةً ، لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الرَّاحِلَةِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ، كَالشَّيْخِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ ، لِظَاهِرِ النَّصِّ ، وَاعْتَبَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ إمْكَانَ الرُّكُوبِ ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ : رَاحِلَةٌ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ اعْتَبَرَ مَنْ يَخْدُمُهُ ، لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ، وَظَاهِرُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ [ لَزِمَهُ ] عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ ، لِعَدَمِ الْفَرْقِ ، وَالْمُرَادُ بِالزَّادِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مَعَهُ ضَرَرٌ لِرَدَاءَتِهِ ، وَأَمَّا عَادَةُ مِثْلِهِ فَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَالرَّاحِلَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَلْزَمُهُ ، لِظَاهِرِ النَّصِّ ، وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْحَجِّ ، بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ .
وَيَعْتَبِرُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لِذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ ،
خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَلَدِهِ أَهْلٌ لَمْ يَعْتَبِرْ لِلْعَوْدِ ، لِأَنَّهُ وَإِنْ تَسَاوَى الْمَكَانَانِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْحِشُ الْوَطَنَ وَالْمُقَامَ بِالْغُرْبَةِ ( و هـ ش ) .
وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ وَالْعَلَفَ فِي الْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ لِجَمِيعِ سَفَرِهِ ، لِمَشَقَّتِهِ عَادَةً ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَلْزَمُهُ حَمْلُ عَلَفِ الْبَهَائِمِ إنْ أَمْكَنَهُ ، كَالزَّادِ ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَاءِ أَيْضًا .
وَيَعْتَبِرُ كَوْنَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَعَائِلَتِهِ مِنْ مَسْكَنٍ ( و ش ) وَخَادِمٍ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ( و هـ ش ) خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَيَشْتَرِيهِمَا بِنَقْدٍ بِيَدِهِ ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْكَنِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ فِي دَيْنِ الْآدَمِيِّ ، عَلَى مَا يَأْتِي ، وَتَضَرُّرُهُ بِذَلِكَ فَوْقَ مَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ مَا يَحُجُّ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ لَزِمَهُ .
وَيَعْتَبِرُ كَوْنَهُ فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ ، وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ ( و هـ ش ) وَأَنْ يَكُونَ لَهُ إذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ وَجَمَاعَةٌ ، لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ ، كَمَا سَبَقَ .
وَكَالْمُفْلِسِ [ عَلَى ] مَا يَأْتِي [ إنْ شَاءَ اللَّهُ ] وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْكَافِي : إلَى أَنْ يَعُودَ فَقَطْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ( و هـ ش ) فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ مِثْلُهُ وَأَوْلَى .
وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا كَانَ مَعَهُ نَفَقَةٌ تُبَلِّغُهُ مَكَّةَ وَيَرْجِعُ ، وَيُخَلِّفُ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ .
وَيُقَدِّمُ النِّكَاحَ مَنْ خَافَ الْعَنَتَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ش ) لِوُجُوبِهِ إذَنْ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِحَاجَتِهِ إلَيْهِ .
وَقِيلَ : يُقَدِّمُ الْحَجَّ ( و م ) كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْهُ ( ع ) وَلِأَنَّهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَيْنِ ، وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصَالِحِهِ بَعْدَ إحْرَازِ الْحَجِّ ، قَالَ الشَّيْخُ : وَمَنْ احْتَاجَ إلَى كُتُبِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا .
وَمَنْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْنِ بِكِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى ، وَسَبَقَ ذَلِكَ وَحُكْمُ الْحُلِيِّ أَوَّلَ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .
فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَجِدَ طَرِيقًا آمِنًا وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ وَيُمْكِنُ سُلُوكُهُ بَرًّا أَوْ بَحْرًا [ خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ] غَالِبُهُ السَّلَامَةُ ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ : لَا يَصِحُّ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا يُصَحِّحُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ ، رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُونَ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : ضَعَّفُوهُ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُمَا مَنَعَا مِنْ رُكُوبِهِ مُدَّةَ زَمَانِهِمَا ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكُهُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى ، فَأَشْبَهَ الْبَرَّ ، وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ قَوْمٌ وَلَا غَالِبَ ، فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي : يَلْزَمُهُ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : لَا يَلْزَمُهُ .
وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : الظَّاهِرُ يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ وَالْكَتَّانُ ( م 13 ) وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : الْعَاقِلُ إذَا أَرَادَ سُلُوكَ طَرِيقٍ يَسْتَوِي فِيهَا احْتِمَالُ السَّلَامَةِ وَالْهَلَاكِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْ سُلُوكِهَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ : أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا ، وَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ لَمْ يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ ، كَذَا ذَكَرُوهُ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إجْمَاعًا فِي الْبَحْرِ ، وَأَنَّ عَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا : { مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } وَيَعْتَبِرُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ خِفَارَةٌ ، لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَمْنُ بِبَذْلِهَا وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ كَانَتْ الْخِفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهَا ، وَقَيَّدَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِالْيَسِيرَةِ ، وَأَمْنِ الْغَدْرِ مِنْ الْمَبْذُولِ لَهُ ، لِتَوَقُّفِ
إمْكَانِ الْحَجِّ عَلَيْهَا ، كَثَمَنِ الْمَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : الْخِفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنْ الْمُخْفَرِ ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا ، كَمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الرَّعَايَا .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ قَوْمٌ وَلَا غَالِبَ فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي : يَلْزَمُهُ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : لَا يَلْزَمُهُ .
وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ : الظَّاهِرُ يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ وَالْكَتَّانُ ، انْتَهَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ عَقِيلٍ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ ، وَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَيَرْكَبُ الْبَحْرَ مَعَ أَمْنِهِ غَالِبًا .
( قَوْلُهُ ) : " وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ قَوْمٌ " لَيْسَ هَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنَّمَا فِيهَا " وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَنَجَا قَوْمٌ " فَأُصْلِحَ كَمَا تَرَى ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَقْتِ مُتَّسِعًا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ فِيهِ وَالسَّيْرُ حَسَبَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، فَعَنْهُ : هُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ .
وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ( و هـ ش ) لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ ، وَلِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْحَجِّ مَعَهُ ، كَعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَلَوْ حَجَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ تَبَيَّنَّا عَدَمَهُ ( و هـ ش ) وَعَنْهُ : مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ( م 14 ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَّرَ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ ، كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ ، وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ إذَا قَدَرَ ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ كَمَا نَقُولُ فِي طَرَآنِ الْحَيْضِ وَتَلَفِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ ، وَالْعَزْمُ فِي الْعِبَادَاتِ مَعَ الْعَجْزِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ .
( مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ ، فَعَنْهُ : هُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ .
وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ .
[ وَعَنْهُ ] : مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا هُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هُمَا مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا : اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَنَّهُ قَالَ : الْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَحَرْبٍ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ [ وِفَاقًا وَأَنْكَرَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ التَّفْرِقَةَ فَقَالَ : مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ ؟ ] لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ ، قَالَ اُخْرُجْ مَعَهَا } عَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الصَّحِيحَيْنِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظُ أَحْمَدَ ، وَفِيهِمَا : { إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا ، قَالَ انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَهَا } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ " ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا " وَلَهُ أَيْضًا { مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا } وَلَهُ أَيْضًا { مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا } وَلِأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ " بَرِيدًا " وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا " ثَلَاثًا " وَهَذَا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ خَاصٌّ ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ سَمِعْت حَجَّاجًا يَقُولُ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ } أَبُو حُمَيْدٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ تَمِيمٍ ، وَحَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ، ثِقَتَانِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ حَسَنٌ .
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي ، وَكَالسَّفَرِ لِحَجٍّ التَّطَوُّعُ ( و )
وَالزِّيَارَةُ ( و ) وَالتِّجَارَةُ ( و ) وَلِأَنَّ تَقْيِيدَ الْآيَةِ بِمَا سَبَقَ أَوْلَى مِنْ مُجَرَّدِ الرَّأْيِ .
وَيَأْتِي حُكْمُ سَفَرِ الْهِجْرَةِ وَتَغْرِيبِ الزَّانِيَةِ .
وَعَنْهُ : الْمَحْرَمُ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ .
وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ، لِوُجُودِ السَّبَبِ فَهُوَ كَسَلَامَتِهَا مِنْ مَرَضٍ ، فَعَلَى هَذَا يُحَجُّ عَنْهَا لِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ .
وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُوصِيَ بِهِ ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ ، حَيْثُ شَرْطُهُ دُونَهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ ، وَشَرَطَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ لِلْوُجُوبِ ، وَذَكَرَ فِي الْمَحْرَمِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ ؟ رِوَايَتَيْنِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَالتَّفْرِقَةُ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ مُشْكِلَةٌ .
وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ إمَّا نَفْيًا وَإِمَّا إثْبَاتًا ، لِمَا سَبَقَ ، وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ ، وَلِذَا سَوَّى ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا تُرَادُ لِلْحِفْظِ ، وَالرَّاحِلَةُ لِنَفْسِ السَّعْيِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ النِّسَاءِ وَمَعَ كُلِّ مَنْ أَمِنَتْهُ .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : مَعَ مُسْلِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : مَعَ قَوْمٍ عُدُولٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ : مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ النِّسَاءِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : مَعَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ثِقَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : وَحْدَهَا مَعَ الْأَمْنِ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ يَلْزَمُهَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ ، وَيَجُوزُ لَهَا مَعَ وَاحِدَةٍ لِتَفْسِيرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ، وَقَوْلِهِ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { إنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَجِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ الْوَاقِعِ .
وَاحْتَجَّ ابْنُ حَزْمٍ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ
اللَّهِ } وَقَوْلِهِ { إذَا اسْتَأْذَنَتْكُمْ نِسَاؤُكُمْ إلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ } وَقَالَ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ : لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهَا ، وَلَا عَابَ سَفَرَهَا ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عُرِفَ مِنْ النَّهْيِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهَا لِأَمْرِ الزَّوْجِ بِالسَّفَرِ مَعَهَا .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ : لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ فِي الْقَوَاعِدِ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ وَلَا عَلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ .
سُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ عَنْ امْرَأَةٍ عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ وَوَجَدْت قَوْمًا صَالِحِينَ فَقَالَ : إنْ تَوَلَّتْ هِيَ النُّزُولَ وَالرُّكُوبَ وَلَمْ يَأْخُذْ رَجُلٌ بِيَدِهَا فَأَرْجُو لِأَنَّهَا تُفَارِقُ غَيْرَهَا فِي جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا ، لِلْأَمْنِ مِنْ الْمَحْذُورِ ، فَكَذَا هُنَا ، كَذَا قَالَ ، فَأُخِذَ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ الْجَوَازُ هُنَا ، فَتَلْزَمُهُ فِي شَابَّةٍ قَبِيحَةٍ وَفِي كُلِّ سَفَرٍ وَالْخَلْوَةِ ، كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْعَدَدِ ، مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَعِنْدَ شَيْخِنَا : تَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةٍ مَعَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ ، وَقَالَ : إنَّ هَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ ، كَذَا قَالَ ، وَنَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِيهِ وَفِي كُلِّ سَفَرٍ غَيْرِ وَاجِبٍ ، كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ ، وَقَالَهُ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كَبِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةَ الْمَرُّوذِيِّ ثُمَّ قَالَ : وَظَاهِرُهُ جَوَازُ خُرُوجِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَجُوزِ تَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ ، هَذَا كَلَامُهُ ، وَعَنْهُ : لَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ إلَّا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ ( و هـ ) كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ ( و ) وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ
مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أَيْضًا " ثَلَاثَةً " وَفِي رِوَايَةٍ " فَوْقَ ثَلَاثٍ " وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " يَوْمَيْنِ " وَلَهُ أَيْضًا " ثَلَاثَةً " وَلَهُ أَيْضًا " أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ " .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَسُؤَالِهِمْ ، فَخَرَجَتْ جَوَابًا .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ : يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ لِلْمَرْأَةِ مَنْ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ .
وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ وَآخِرِ الْعَدَدِ [ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ] قَالَ الْقَاضِي : اعْتَبَرَ أَحْمَدُ الْمَحْرَمَ فِيمَنْ يُخَافُ أَنْ يَنَالَهَا الرِّجَالُ ، فَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ : مَتَى لَا يَحِلُّ سَفَرُهَا إلَّا بِمَحْرَمٍ ؟ قَالَ : إذَا صَارَ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ ، أَوْ قَالَ : تِسْعٌ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ شَيْخُنَا : إمَاءُ الْمَرْأَةِ يُسَافِرْنَ مَعَهَا وَلَا يَفْتَقِرْنَ إلَى مَحْرَمٍ ، لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ .
فَأَمَّا عُتَقَاؤُهَا مِنْ الْإِمَاءِ .
وَبَيَّضَ لِذَلِكَ .
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُنَّ كَالْإِمَاءِ ، عَلَى مَا قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَحْرَمٌ ، وَاحْتِمَالُ عَكْسِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَمِلْكِ أَنْفُسِهِنَّ بِالْعِتْقِ ، فَلَا حَاجَةَ ، بِخِلَافِ الْإِمَاءِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْكُلِّ ، وَعَدَمُهُ كَعَدَمِ الْمَحْرَمِ لِلْحُرَّةِ ، لِمَا سَبَقَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَالْمَحْرَمُ زَوْجُهَا أَوْ مَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ ، كَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ وَوَطْءٍ مُبَاحٍ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَرَابُّهَا وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهَا وَرَبِيبُهَا وَهُوَ ابْنُ زَوْجِهَا نَصَّ عَلَيْهِمَا ( و ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي ابْنِ زَوْجِهَا ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي أُمِّ امْرَأَتِهِ يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ فَقَطْ ( خ ) قَالَ الْأَثْرَمُ : كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي قَوْلِهِ { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } الْآيَةَ ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي نَظَرِ شَعْرِهَا وَشَعْرِ الرَّبِيبَةِ ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمَا فِي الْآيَةِ ، ( خ ) ، وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ، فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَابْنَتِهَا ، لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مُبَاحٍ ، قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : كَالتَّحْرِيمِ بِاللِّعَانِ ، وَأَوْلَى ، لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تَعُمُّهُ فَاعْتُبِرَ إبَاحَةُ سَبَبِهَا كَسَائِرِ الرُّخَصِ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُصُولِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا الزِّنَا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَذَكَرَهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، لِثُبُوتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ ، بِخِلَافِ الزِّنَا .
وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالشُّبْهَةِ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ : الْوَطْءُ الْحَرَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَحْوِهَا ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ فِي فَاسِدٍ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ ، وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ ، لِلْمُلَاعَنَةِ ، مَعَ دُخُولِهَا فِي إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ ، فَلِهَذَا قِيلَ : سَبَبٌ مُبَاحٌ لِحُرْمَتِهَا ، وَذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْآدَمِيِّ الْبَغْدَادِيَّانِ ، وَلَمْ أَجِدْ الْحَنَفِيَّةَ اسْتَثْنَوْهَا بَلْ الشَّافِعِيَّةَ .
قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ : وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ ( و ) .
وَلَيْسَ الْعَبْدُ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ ، لِأَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ أَبَدًا ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ الْمَحْرَمِيَّةُ ، وَرَوَى سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ بُزَيْعِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ } بَزِيعٌ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَعَنْهُ : هُوَ مَحْرَمٌ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَحْرَمٌ ( و ش ) .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُسْلِمًا ( هـ ش ) نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ، كَالْحَضَانَةِ ، وَكَالْمَجُوسِيِّ ، لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا ( و ) وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مِثْلَهُ مُسْلِمٌ لَا يُؤْمَنُ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ إسْلَامُهُ إنْ أُمِنَ عَلَيْهَا ، لِمَا سَبَقَ ، وَالْحَضَانَةُ يُنَافِيهَا الْكُفْرُ ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ، وَلِهَذَا نَافَاهَا الْفِسْقُ ، وَلِأَنَّهُ يُرَبِّيهِ وَيَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ ، بِخِلَافِ هَذَا .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ أَنَّ الذِّمِّيَّ الْكِتَابِيَّ مَحْرَمٌ لِابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ إنْ قُلْنَا يَلِي نِكَاحَهَا كَالْمُسْلِمِ
وَنَفَقَةُ الْمَحْرَمِ عَلَيْهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا .
وَذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ الْحَنَفِيُّ ، فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَهُمَا ، وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ : لَا نَفَقَةَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهَا حَجٌّ ، وَإِنْ بَذَلَتْ النَّفَقَةَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَحْرَمَ غَيْرَ عَبْدِهَا السَّفَرُ بِهَا ، عَلَى الْأَصَحِّ ، لِلْمَشَقَّةِ ، كَحَجِّهِ عَنْ مَرِيضِهِ .
وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلزَّوْجِ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ ، أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ وَعَلِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُسَافِرَ .
وَإِنْ أَرَادَ أُجْرَةً فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهَا ، وَيَتَوَجَّهُ : كَنَفَقَتِهِ ، كَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَا وَفِي قَائِدِ الْأَعْمَى ، فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لَمْ يَلْزَمْهَا ، لِلْمِنَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ لِلْمَحْرَمِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا النَّفَقَةُ ، كَقَائِدِ الْأَعْمَى ، وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ .
فَصْلٌ فَإِنْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ بِلَا مَحْرَمٍ حُرِّمَ وَأَجْزَأَ ( و ) وَإِنْ أَيِسَتْ مِنْهُ فَيَأْتِيَ فِي الْمَعْضُوبِ ، لِأَنَّهُ لِحِفْظِهَا .
وَمَنْ تَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ حُرِّمَ وَأَجْزَأَ ، لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ .
وَيَصِحُّ مِنْ مَعْضُوبٍ وَأَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا ، وَتَاجِرٍ وَلَا إثْمَ .
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ( و ) .
وَقَالَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمَا : وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ الْإِخْلَاصِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَك تِجَارَةٌ كَانَ أَخْلَصَ ، وَرَخَّصَ فِي التِّجَارَةِ وَالْعَمَلِ فِي الْغَزْوِ ثُمَّ قَالَ : لَيْسَ كَمَنْ لَا يَشُوبُ غَزْوَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا .
وَسَبَقَ فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ .
وَسَبَقَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْحَجُّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ ، وَالْأَبَوَانِ كَغَيْرِهِمَا إلَّا مَنْ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ فَيَتَمَلَّكَ .
وَقِيلَ : مَا فَعَلَ بِمَالِ ابْنِهِ جَازَ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ]
فَصْلٌ يَلْزَمُ الْأَعْمَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ ( هـ ) بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ ، لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، كَالْبَصِيرِ ، بِخِلَافِ الْجِهَادِ ، وَيُعْتَبَرُ لَهُ قَائِدٌ ، كَبَصِيرٍ يَجْهَلُ الطَّرِيقَ ، وَقَائِدُهُ كَالْمَحْرَمِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَطْلَقُوا الْقَائِدَ .
وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ : يَشْتَرِطُ لِلْأَدَاءِ قَائِدًا يُلَائِمُهُ ، أَيْ يُوَافِقُهُ .
وَقَدْ { قَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي ، وَأَمَرَهُ بِالْجَمَاعَةِ } ، فَقَدْ يَحْتَمِلُ مِثْلُهُ هَاهُنَا ، وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ قَائِدٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ، وَقِيلَ : وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ ، وَقِيلَ : وَغَيْرُ مُجْحِفَةٍ ، وَلَوْ بِتَبَرُّعٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ، لِلْمِنَّةِ .
فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ ، بَلْ يَأْتِي بِهِ عَلَى الْفَوْرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ر ) وَأَبِي يُوسُفَ وَدَاوُد ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْفَوْرِ ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ } يَعْنِي الْفَرِيضَةَ ، وَحَدِيثُهُ أَوْ حَدِيثُ الْفَضْلِ { مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ ، وَلِابْنِ مَاجَهْ الثَّانِي ، وَفِيهِمَا أَبُو إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ إسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيفَةَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ مَعِينٍ ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ ، رَوَاهُ عَنْهُ مِهْرَانُ ، تَفَرَّدَ عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَلِمَا يَأْتِي فِي الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ ، وَكَالْجِهَادِ وَكَحَجِّ الْمَعْضُوبِ بِالِاسْتِنَابَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَاصِيًا ، لِلْأَخْبَارِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَقِيلَ : لَا .
وَقِيلَ : لَا ، فِي الشَّابِّ .
وَكَذَا الْخِلَافُ لَهُمْ فِي صَحِيحٍ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى زَمِنَ ، قَالُوا : فَإِنْ عَصَى اُسْتُنِيبَ عَنْهُ عَلَى الْفَوْرِ ، لِخُرُوجِهِ بِتَقْصِيرِهِ عَنْ اسْتِحْقَاقِ التَّرَفُّهِ ، وَقِيلَ : لَا ، كَمَنْ بَلَغَ مَعْضُوبًا .
وَيَعْصِي عِنْدَهُمْ مِنْ السَّنَةِ الْآخِرَةِ مِنْ [ آخِرِ ] سِنِي الْإِمْكَانِ ، لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا ، وَقِيلَ : مِنْ الْأُولَى ، لِاسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ فِيهَا ، وَقِيلَ : لَا يُسْنَدُ عِصْيَانُهُ إلَى سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَحَيْثُ عَصَى لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، لِبَيَانِ فِسْقِهِ ، وَإِنْ حُكِمَ بِهَا فِيمَا بَيْنَ الْأُولَى وَالْآخِرَةِ .
وَقِيلَ : يَعْصِي ، فَقَدْ بَانَ فِسْقُهُ ، فَفِي نَقْضِهِ الْقَوْلَانِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقِيلَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَخِّرْهُ ، فَإِنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ عَشْرٍ ، وَالْأَشْهَرُ سَنَةَ تِسْعٍ ، فَقِيلَ : أَخَّرَهُ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ كَرِهَ رُؤْيَةَ الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً حَوْلَ الْبَيْتِ ، وَقِيلَ : بِأَمْرِ
اللَّهِ لِتَكُونَ حَجَّتُهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي اسْتَدَارَ فِيهَا الزَّمَانُ وَتَتَعَلَّمَ مِنْهُ أُمَّتُهُ الْمَنَاسِكَ الَّتِي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهَا ( م 15 ) وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } يَقْتَضِي الْإِتْمَامَ بَعْدَ الشُّرُوعِ ، وَلِهَذَا قَالَ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } وَلَا حَصْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ ، وَسَبَبُ النُّزُولِ إحْرَامُهُمْ بِالْعُمْرَةِ وَحَصْرُهُمْ عَنْهَا ، فَبَيَّنَ حُكْمَ النُّسُكَيْنِ ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ : إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك عَلَى النَّدْبِ عِنْدَهُمَا ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ ( و ش ) وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، لِمَا سَبَقَ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ لَمْ يُسَمَّ قَضَاءً ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُسَمَّى فِيهِ وَفِي الزَّكَاةِ ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا ثُمَّ يَبْطُلُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى سَنَةٍ يَظُنُّ مَوْتَهُ فِيهَا ، وَسَبَقَ الْعَزْمُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ .
( مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ : وَقِيلَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَخِّرْهُ فَإِنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ عَشْرٍ ، وَالْأَشْهَرُ سَنَةَ تِسْعٍ : فَقِيلَ : أَخَّرَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ وَقِيلَ : لِأَنَّهُ كَرِهَ رُؤْيَةَ الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً حَوْلَ الْبَيْتِ ، وَقِيلَ : بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَكُونَ حَجَّتُهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي اسْتَدَارَ فِيهَا الزَّمَانُ وَتَتَعَلَّمُ مِنْهُ أُمَّتُهُ الْمَنَاسِكَ الَّتِي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهَا ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ حَكَاهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ احْتِمَالًا ، قَالَ الْمَجْدُ : حَكَى ذَلِكَ جَدِّي فِي تَفْسِيرِهِ .
فَقَالَ : يَكُونُ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ ، إمَّا فِي حَقِّهِ وَحَقِّ اللَّهِ لِخَوْفِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ ، وَإِمَّا لِحَاجَةٍ وَفَقْرٍ فِي حَقِّهِ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ ، وَمَنَعَ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا خَوْفًا عَلَيْهِ ، انْتَهَى مَا حَكَاهُ الْمَجْدُ عَنْ جَدِّهِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي احْتِمَالٌ أَيْضًا لِلشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَوَّاهُ الْمَجْدُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَشْيَاءَ وَمَالَ إلَيْهِ ( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) احْتِمَالٌ أَيْضًا لِمَنْ ذَكَرْنَا ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ( قُلْت ) : وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا ، قَالَ الْمَجْدُ : وَقَالَهُ أَبُو زَيْدٍ الْحَنَفِيُّ .
( قُلْت ) : تَأْخِيرُ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ ، وَفِي تَأْخِيرِهِ حِكَمٌ كَثِيرَةٌ ، مِنْهَا : لِئَلَّا يَرَى الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَتَكُونُ حِكْمَةُ اللَّهِ فِي تَأْخِيرِهِ لِمَجْمُوعِ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَّرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ حَجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، فَاكْتَفَى بِهِ فِي حَقِّهِ ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَاصَّةً لِاخْتِصَاصِهِ بِالدِّينِ الْحَنِيفِيِّ ، فَكَمُلَتْ أَرْكَانُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ ،
لِعَدَمِ حَجِّ غَيْرِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ قَبْلَ فَرْضِهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ .
فَصْلٌ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ، زَادَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : أَوْ كَانَ نِضْوَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ قَالَ أَحْمَدُ : أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَقِيلَةً لَا يَقْدِرُ مِثْلُهَا يَرْكَبُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الْقُدْرَةِ ، وَيُسَمَّى الْمَعْضُوبُ وَوَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً ، جَازَ وَصَحَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَأْتِي بِهِ عَنْهُ ( م ) وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا ( و هـ ر ش ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { إنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : فَحُجِّي عَنْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَسَبَقَ خَبَرُ أَبِي رَزِينٍ فِي الْعُمْرَةِ ، وَخَبَرُ : { مَا السَّبِيلُ ؟ قَالَ : الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ } وَكَالصَّوْمِ يُفْدَى مَنْ عَجَزَ عَنْهُ ، سَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ الْعَجْزِ ( هـ ر م ) أَوْ قَبْلَهُ ( م ) وَيَلْزَمُهُ عَلَى الْفَوْرِ ( ش ) كَنَفْسِهِ ، مِنْ حَيْثُ وَجَبَ أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ ، كَمَا يَأْتِي ، وَإِنْ وَجَدَ نَفَقَةَ رَاجِلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ، خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ .
وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا فَفِي وُجُوبِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى إمْكَانِ الْمَسِيرِ ( م 16 ) زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فَإِنْ قُلْنَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَطُ فِي الْإِيجَابِ عَلَى الْمَعْضُوبِ بِقَدْرِ مَا نُوجِبُهُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ اُشْتُرِطَ لِلْمَالِ الْمُوجِبِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِلنَّائِبِ ، لِئَلَّا يَكُونَ النَّائِبُ بَاذِلًا لِلطَّاعَةِ فِي الْبَعْضِ .
وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ وُجُودَ مَالٍ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحُجُّ بِهِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُؤْنَةَ أَهْلِهِ بَعْدَ فَرَاغِ النَّائِبِ مِنْ الْحَجِّ ، وَالْأَصَحُّ لَهُمْ : وَلَا مُدَّةَ ذَهَابِهِ ، لِإِمْكَانِهِ تَحْصِيلَ نَفَقَتِهِمْ .
وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِبْ فَلَهُمْ فِي الْحَاكِمِ وَجْهَانِ ، وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ ، وَعِنْدَهُمْ : إنْ طَلَبَ الْأَجِيرُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ الِاسْتِئْجَارُ ، وَيَلْزَمُ إنْ رَضِيَ بِأَقَلَّ .
( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا فَفِي وُجُوبِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى إمْكَانِ الْمَسِيرِ ، انْتَهَى .
تَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي سَعَةِ الْوَقْتِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ ، قَرِيبًا ، فَلْيُعَاوَدْ .
وَتَنُوبُ امْرَأَةٌ عَنْ رَجُلٍ ، خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ : لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ .
وَلَا إسَاءَةَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي نِيَابَتِهَا عَنْهُ ( و م ش ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ مِثْلِهِ لِفَوَاتِ رَمَلٍ وَحَلْقٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِتَلْبِيَةٍ وَنَحْوِهَا .
وَيُجْزِئُ الْحَجُّ عَنْ الْمَعْضُوبِ وَلَوْ عُوفِيَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ش ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ ، وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ الْإِيَاسُ ظَاهِرًا .
وَلَوْ اعْتَدَّتْ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَمْ تَبْطُلْ عِدَّتُهَا بِعَوْدِهِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ [ وَغَيْرُهُ ] : وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا ، فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا لِلْخِلَافِ هُنَاكَ ، كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ وَإِنْ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَجْزَأَهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ الشُّرُوعَ هُنَا مُلْزِمٌ ، وَإِنْ بَرِئَ قَبْلَ إحْرَامِ النَّائِبِ لَمْ يُجْزِئْهُ و ) .
لَيْسَ لِمَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ ( و ) خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ ( هـ ) وَلَا يَكُونُ مُرَاعًى ( هـ ) وَقَالَهُ أَصْحَابُهُ أَيْضًا فِي مَحْبُوسٍ دَامَ حَبْسُهُ ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ مَحْرَمٍ وَدَامَ عَدَمُهُ ، لِأَنَّهُ يَرْجُو الْحَجَّ بِنَفْسِهِ ، فَهُوَ كَصَحِيحٍ مُوسِرٌ افْتَقَرَ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ ( و ) وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ وَإِنْ أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحْرَمٍ وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِلُّزُومِ السَّعْيُ ، أَوْ كَانَ وُجِدَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى عُدِمَ ، فَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم فِي الْمَرْأَةِ لَا مَحْرَمَ لَهَا هَلْ تَدْفَعُ إلَى رَجُلٍ يَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ : إذَا كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ فَأَرَى أَنْ تُجَهِّزَ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْهَا ، وَكَذَا نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ : تُعْطِي مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا فِي حَيَاتِهَا .
وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي امْرَأَةٍ لَهَا خَمْسُونَ سَنَةً لَا مَحْرَمَ لَهَا : لَا تَخْرُجُ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ ، وَأَرْجُو أَنْ تُرْزَقَ زَوْجًا ( م 17 ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُمْكِنُ حَمْلُ الْمَنْعِ عَلَى أَنَّ تَزَوُّجَهَا لَا يَبْعُدُ عَادَةً وَالْجَوَازُ عَلَى مَنْ أَيِسَتْ مِنْهُ ظَاهِرًا وَعَادَةً ، لِزِيَادَةِ سِنٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهَا عَدَمُهُ .
ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَنَابَتْ مَنْ لَهَا مَحْرَمٌ ثُمَّ فُقِدَ فَكَالْمَعْضُوبِ ، وَإِنْ جَهِلَتْ الْمَحْرَمَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهَا رَحِمٌ مَحْرَمٌ .
وَبَيَّضَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ .
وَيَتَوَجَّهُ إنْ ظَنَّتْ عَدَمَهُ أَجْزَأَهَا ، عَلَى مَا سَبَقَ وَإِلَّا فَلَا ، أَوْ كَجَهْلِ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، وَقَدْ قَالَ الْآجُرِّيُّ : إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمٌ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ بِبَدَنِهَا وَوَجَبَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا غَيْرُهَا ، وَكَذَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ ، وَكَلَامُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيَاسِ .
وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ : إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَرِوَايَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِتَرَدُّدِ النَّظَرِ فِي حُصُولِ الْإِيَاسِ مِنْهُ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] .
( مَسْأَلَةٌ 17 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحْرَمٍ وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِلُّزُومِ السَّعْيُ ، أَوْ كَانَ وُجِدَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى عُدِمَ ، فَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم فِي الْمَرْأَةِ لَا مَحْرَمَ لَهَا هَلْ تَدْفَعُ إلَى رَجُلٍ يَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ : إذَا كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ فَأَرَى أَنْ تُجَهِّزَ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْهَا ، وَكَذَا نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ : تُعْطِي مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا فِي حَيَاتِهَا ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ ، نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي امْرَأَةٍ لَهَا خَمْسُونَ سَنَةً لَا مَحْرَمَ لَهَا : لَا تَخْرُجُ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ ، وَأَرْجُو أَنْ تُرْزَقَ زَوْجًا ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا كَالْمَعْضُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ ، وَهُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
فَصْلٌ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ ( و هـ م ) لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ ، وَكَالْبَذْلِ فِي الزَّكَاةِ ، وَكَذَا الْكَفَّارَةُ ، بِلَا خِلَافٍ ، لِلْمِنَّةِ ، وَهِيَ هُنَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ ، وَلَا يَجِبُ ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ، وَكَتَمَكُّنِهِ مِنْ حِيَازَةِ مَالٍ مُبَاحٍ ، وَلَا يَلْزَمُ بَذْلُ إعَانَةِ الْمَعْضُوبِ فِي وُضُوئِهِ ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُهُ ، ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لَوْ وَجَدَهُ مُبَاحًا ، ذَكَرَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، وَجَزَمَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : بِلُزُومِهِ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِنَفْسِهَا ، وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ عِنْدَ بَذْلِ الْمَاءِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ طَاعَةُ غَيْرِهِ فِي الْوُجُوبِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دَلِيلِ الْوُجُوبِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يُلْزِمُ هَذَا الْمَعْضُوبَ بِبَذْلِ وَلَدِهِ لَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ يَجِدُ زَادًا وَرَاحِلَةً وَقَدْ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ فَرْضَ الْحَجِّ ، وَيَلْزَمُهُ .
أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ ، وَلِأَصْحَابِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ فَقِيرًا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ بَذَلَ الْمَالَ وَجْهَانِ ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ جَوَازُ الرُّجُوعِ لِلْبَاذِلِ مَا لَمْ يُحْرِمْ ، وَلَا وَجْهَ لِتَمَسُّكِهِمْ بِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مُطْلَقَةٌ وَبِخَبَرِ الْخَثْعَمِيَّةِ ، وَكَقُدْرَتِهِ بِنَفْسِهِ ، لِمَا سَبَقَ .
فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ فَرَّطَ أَوْ لَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ كَالزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ ، وَسَبَقَ فِي الزَّكَاةِ وَفِي فِعْلِهِ عَنْ مَيِّتٍ ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ امْرَأَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا ، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ ؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ } .
وَيُخَرَّجُ عَنْهُ حَيْثُ وَجَبَ ، نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ .
وَقَاسَ الْقَاضِي عَلَى مَعْضُوبٍ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ .
وَيُسْتَنَابُ مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ لِتَخْيِيرِ الْمَنُوبِ عَنْهُ ، وَقِيلَ : مَنْ لَزِمَهُ بِخُرَاسَانَ فَمَاتَ بِبَغْدَادَ أُحِجَّ مِنْهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، كَحَيَاتِهِ ، وَقِيلَ : هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ ، لَكِنْ اُحْتُسِبَ لَهُ سَفَرُهُ مِنْ بَلَدِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ مُتَّجِهٌ لَوْ سَافَرَ لِلْحَجِّ .
وَيُجْزِئُ دُونَ الْوَاجِبِ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ ، لِأَنَّهُ كَحَاضِرٍ ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الْوَاجِبَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دُونَ مَحَلِّ وُجُوبِهِ وَقِيلَ : يُجْزِئُهُ ، كَمَنْ أَحْرَمَ دُونَ مِيقَاتٍ ، وَقِيلَ : يُجْزِئُ [ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ لَا مِنْ حَيْثُ وَجَبَ ( و م ش ) وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمَحْجُوجِ ] عَنْهُ
تَنْبِيهَانِ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ : وَقِيلَ " يُجْزِئُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ " كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ " وَقِيلَ : يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ " بِزِيَادَةِ أَنْ .
وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ بِلَا مَالٍ ( و م ش ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ [ وَتَشْبِيهُهُ بِالدَّيْنِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ كَقَوْلِنَا : قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَهُمْ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ] وَلَهُمْ : يَقَعُ الْحَجُّ لِلْحَاجِّ ، وَلِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَقَطْ .
ثُمَّ فِي إجْزَائِهِ لِلْحَاجِّ قَوْلَانِ .
وَعِنْدَهُمْ : يَجِبُ أَنْ يُحِجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ مِنْ بَلَدِهِ رَاكِبًا ، وَلَا يُجْزِئُهُ مَاشِيًا إلَّا أَنْ لَا يَبْلُغَ مِنْهُ إلَّا مَاشِيًا ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : يُخَيَّرُ رَاكِبًا مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ، وَمَاشِيًا مِنْ بَلَدِهِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ : رَاكِبًا .
وَلَوْ أَوْصَى بِبَعِيرِهِ لِرَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَأَكْرَاهُ الرَّجُلُ وَأَنْفَقَهُ فِي طَرِيقِهِ وَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا جَازَ اسْتِحْسَانًا .
ثُمَّ يُرَدُّ الْبَعِيرُ إلَى وَرَثَتِهِ .
وَيُكْرَهُ [ حَجُّهُ ] عَلَى حِمَارٍ ، كَذَا قَالُوا
وَإِنْ مَاتَ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ فِي الطَّرِيقِ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِيَ نَصَّ عَلَيْهِ مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : مِنْ مَنْزِلِهِ ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَفَرَهُ هَلْ بَطَلَ أَمْ لَا ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَيُحَجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ : بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَجَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ : إنْ مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ بَطَلَ مَا أَتَى بِهِ إلَّا فِي الثَّوَابِ ، وَلَا بِنَاءَ بَعْدَ التَّحْلِيلَيْنِ ، عِنْدَهُمْ ، وَيُجْبَرُ بِدَمٍ ، وَمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَإِنْ صُدَّ فَعِنْدَنَا : فِيمَا بَقِيَ ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ وَمَنْ ضَاقَ مَالُهُ أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَعَنْهُ : يَسْقُطُ الْحَجُّ عُيِّنَ فَاعِلُهُ أَمْ لَا .
وَعَنْهُ : يُقَدَّمُ الدَّيْنُ ، لِتَأَكُّدِهِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ سَمَّى الْمُوصِي مَا لَا يَبْلُغُ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا ، وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا .
وَمَنْ وَصَّى بِحَجِّ نَفْلٍ وَأَطْلَقَ جَازَ مِنْ مِيقَاتٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، مَا لَمْ تَمْنَعْ قَرِينَةٌ ، وَقِيلَ : مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، كَحَجٍّ وَاجِبٍ ، وَمَعْنَاهُ لِلشَّيْخِ .
فَصْلٌ مَنْ نَابَ بِلَا إجَارَةٍ وَلَا جُعْلٍ جَازَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) كَالْغَزْوِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ وَيَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ ، وَمُرَادُهُ الْإِجَارَةُ أَوْ حَجَّةٌ بِكَذَا ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ ، لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ .
وَالنَّائِبُ أَمِينٌ ، يَرْكَبُ وَيُنْفِقُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْهُ أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَهُ أَوْ اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ عَلَى رَبِّهِ ، أَوْ يُنْفِقُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَنْوِي رُجُوعَهُ بِهِ ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ : يَرْجِعُ إنْ أَنْفَقَ بِحَاكِمٍ ، وَكَذَا يَنْبَغِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ لَنَا الْخِلَافُ فِيمَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبًا ، وَلَوْ تَرَكَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ نَفْسِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يَضْمَنُ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ كَانَ مِنْ نَفْسِهِ أَكْثَرُ أَوْ مَشَى أَكْثَرَ الطَّرِيقِ ضَمِنَ ، وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ الْأَصْحَابُ : وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى الْمَعْرُوفِ ، وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ بَلْ أَبَاحَهُ .
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ : لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْتَنِيبُهُ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ ، وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ ، وَيَتَوَجَّهُ : لَا ، لِلُّزُومِ مَا أَذِنَ فِيهِ ، قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ فِي : حُجَّ عَنِّي بِهَذَا فَمَا فَضَلَ فَلَكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ [ بِهِ ] تِجَارَةً قَبْلَ حَجِّهِ .
وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ ، قَالُوا : فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَأَجْزَأَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَيَتَوَجَّهُ : يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ نَقْدٍ بِآخِرٍ لِمَصْلَحَةٍ وَشِرَاءِ مَاءٍ لِطَهَارَةٍ وَتَدَاوٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ ، وَمَنَعَ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَلَهُمْ فِي دُهْنِ سِرَاجٍ خِلَافٌ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهِ إنْ كَانَ مِثْلَهُ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ ضَلَّ أَوْ صُدَّ أَوْ مَرِضَ [ أَوْ تَلِفَ ] بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ أُعْوِزَ بَعْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ .
وَيَتَوَجَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ :
يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا فَيُبَيِّنَهُ ، وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَعَنْهُ : إنْ رَجَعَ لِمَرَضٍ رَدَّ مَا أَخَذَ ، كَرُجُوعِهِ لِخَوْفِهِ مَرَضًا ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالٌ ، وَإِنْ سَلَكَ مَا يُمْكِنُهُ أَقْرَبُ مِنْهُ بِلَا ضَرَرٍ ضَمِنَ مَا زَادَ ، قَالَ الشَّيْخُ : أَوْ تَعَجَّلَ عَجَلَةً يُمْكِنُهُ تَرْكُهَا [ كَذَا قَالَ ] وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : يَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى مَا أُمِرَ بِسُلُوكِهِ ، وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مَحِلًّا ثُمَّ رَجَعَ لِيُحْرِمَ ضَمِنَ نَفَقَةَ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ ، وَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَوْقَ مُدَّةِ قَصْرٍ بِلَا عُذْرٍ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : وَلَا عَادَةَ بِهِ ، كَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فَمِنْ مَالِهِ ، وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ ، خِلَافًا لِمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَبِي يُوسُفَ ، إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا وَلَوْ سَاعَةً فَلَا ، لِسُقُوطِهَا فَلَمْ تُعَدَّ إنْفَاقًا ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ ضَمِنَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ مَتَاعٍ إلَى مِنًى يَبِيعُهُ بَعْدَ الْمَوْسِمِ قَالَ : لَا يُنْفِقُ فِي إقَامَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا .
وَظَاهِرُهُ : كَثُرَتْ إقَامَتُهُ أَوْ لَا ، وَأَنَّ لَهُ نَفَقَةَ رُجُوعِهِ .
وَهَلْ الْوَحْدَةُ عُذْرٌ إنْ قَدَرَ أَنْ يَخْرُجَ وَحْدَهُ ؟ يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ كَالْحَنَفِيَّةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفٌ ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ عُذْرٌ ، وَمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ، لِلنَّهْيِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْخَوْفِ [ فِيهِ نَظَرٌ ] لِأَنَّ مِنْهُ الْمَبِيتَ وَحْدَهُ ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا : يَضْمَنُ إنْ خَرَجَ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ إنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى أَجِيرِهِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ الْقَافِلَةِ وَلَا يَسِيرُ فِي آخِرِهَا أَوْ وَقْتَ الْقَائِلَةِ أَوْ لَيْلًا فَخَالَفَ ضَمِنَ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا شَرْطٍ ، وَالْمُرَادُ مَعَ الْأَمْنِ ، وَمَتَى وَجَبَ الْقَضَاءُ فَمِنْهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ ، لِأَنَّ الْحَجَّةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ ، لِخِيَانَتِهِ وَتَفْرِيطِهِ ، كَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ : نَفَقَةُ الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءِ عَلَى النَّائِبِ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : يَضْمَنُ ، فَإِنْ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ ، وَمَعَ عُذْرٍ ذَكَرَ الشَّيْخُ إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ اُحْتُسِبَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ .
فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَعَلَيْهِ ، كَدُخُولِهِ فِي حَجٍّ ظَنَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ وَفَاتَهُ .
وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ : إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا إلَّا وَاجِبًا عَلَى مُسْتَنِيبٍ فَيُؤَدِّي عَنْهُ بِوُجُوبٍ سَابِقٍ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لَا يَضْمَنُ إنْ فَاتَ ، لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ ، بَلْ إنْ أَفْسَدَهُ .
وَعَلَيْهِ فِيهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ ، وَالدِّمَاءُ عَلَيْهِ ، وَالْمَنْصُوصُ : وَدَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ ، كَنَهْيِهِ عَنْهُ ، وَعَلَى مُسْتَنِيبِهِ إنْ أَذِنَ ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ كَدَمِ الْإِحْصَارِ ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي دَمِ إحْصَارٍ وَجْهَيْنِ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : إنْ أَمَرَ مَرِيضٌ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ فَنَسِيَ الْمَأْمُورُ أَسَاءَ وَالدَّمُ عَلَى الْآمِرِ .
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ نَفَقَةِ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ وَالدَّمِ
مَعَ عُذْرٍ عَلَى مُسْتَنِيبِهِ ، كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَةِ فِي فَوَاتِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ .
وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ ، كَأَجْنَبِيٍّ .
وَيَتَوَجَّهُ : إنْ شَرَطَهُ عَلَى نَائِبٍ لَمْ يَصِحَّ ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ : يَصِحُّ عَكْسُهُ
وَفِي صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ رِوَايَتَا الْإِجَارَةِ عَلَى الْقُرَبِ أَشْهَرُهُمَا لَا يَصِحُّ ( م ش ) لِاخْتِصَاصِ كَوْنِ فَاعِلِهِ مُسْلِمًا ، كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَكَعِتْقٍ بِعِوَضٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَةٍ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ إلَّا عِبَادَةً ، فَيَخْرُجَ عَنْهَا بِالْأُجْرَةِ ، بِخِلَافِ بِنَاءِ مَسْجِدٍ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِنَابَةٍ إجَارَةٌ ، بِدَلِيلِ اسْتِنَابَةِ قَاضٍ وَفِي عَمَلِ مَجْهُولٍ وَمُحْدِثٍ فِي صَلَاةٍ ، كَذَا قَالُوا ، وَيَأْتِي فِي إجَارَةٍ .
وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا : يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَجِيرٍ بِخِلَافٍ أَذَانٌ وَنَحْوُهُ ، وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ الصِّحَّةَ عَنْهُ وَعَنْ الْخِرَقِيِّ ، فَعَلَى هَذَا تُعْتَبَرُ شُرُوطُ إجَارَةٍ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِنَفْسِهِ فَتَأَتَّى ، وَالْمَنْعُ قَوْلُ ( ش ) وَالْجَوَازُ قَوْلُ ( م ) .
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَهُ لَمْ يَسْتَنِبْ ، وَيَتَوَجَّهُ كَتَوْكِيلٍ وَأَنْ يَسْتَنِيبَ لِعُذْرٍ .
وَإِنْ لَزِمَ ذِمَّتَهُ تَحْصِيلُ حَجَّةٍ لَهُ اسْتَنَابَ ، فَإِنْ قَالَ بِنَفْسِك فَيَتَوَجَّهُ فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ تَرَدُّدٌ ، فَإِنْ صَحَّتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ ، كَمَا سَبَقَ ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إجَارَةُ الْعَيْنِ : اسْتَأْجَرْتُك لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي ، فَإِنْ قَالَ : بِنَفْسِك ، فَتَأْكِيدٌ .
وَالذِّمَّةُ : أَلْزَمْت ذِمَّتَك تَحْصِيلَ الْحَجِّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ يُعَيِّنُ زَمَنَ الْعَمَلِ وَقَدْ لَا .
فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى صَحَّ إلَّا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، عَلَى أَصْلِهِمْ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْمُسْتَقْبِلِ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي سَنَةٍ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فِيهِمَا حُمِلَ عَلَى السَّنَةِ الْأُولَى ، وَلَا يَسْتَنِيبُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، وَيَجُوزُ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنْ قَالَ فِيهَا : بِنَفْسِك ، لَمْ يَجُزْ ، فِي وَجْهٍ ، وَفِي آخَرَ : تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ ، لِتَنَاقُضِ الذِّمَّةِ مَعَ الرَّبْطِ بِمُعَيَّنٍ ، كَمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ حَسَنٌ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ فِي النِّيَابَةِ " وَلَا يَسْتَنِيبُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ ، وَيَجُوزُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ قَالَ فِيهَا : بِنَفْسِك ، لَمْ يَجُزْ فِي وَجْهٍ ، وَفِي آخَرَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ ، لِتَنَاقُضِ الذِّمَّةِ مَعَ الرَّبْطِ بِمُعَيَّنٍ ، كَمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ " انْتَهَى ، هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذَلِكَ : وَمَا ذَكَرُوهُ حَسَنٌ .
قَالَ الْآجُرِّيُّ : وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فَقَالَ : يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقُولَ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِ كَذَا [ وَإِلَّا ] فَمَجْهُولَةٌ ، فَإِذَا وَقَّتَ مَكَانًا يُحْرِمُ مِنْهُ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَمَاتَ فَلَا أُجْرَةَ ، وَالْأُجْرَةُ مِنْ إحْرَامِهِ مِمَّا عَيَّنَهُ إلَى فَرَاغِهِ ، وَيَتَوَجَّهُ : لَا جَهَالَةَ ، وَيُحْمَلُ عَلَى عَادَةِ ذَلِكَ الْبَلَدِ غَالِبًا ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ أَصْحَابِنَا وَمُرَادُهُمْ ( و ش ) وَيَتَوَجَّهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ إلَّا مِيقَاتٌ وَاحِدٌ جَازَ ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ ، وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ النُّسُكِ وَانْفِسَاخُهَا بِتَأْخِيرٍ يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ ، وَإِنْ قَدِمَ فَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِمَصْلَحَةٍ ، وَعَدَمُهُ بِعَدَمِهَا ، وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ ، أَظْهَرُهُمَا يَجُوزُ .
وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ ، وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا ، وَمَعْنَاهُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ ، وَيَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ وَيَتَصَرَّفُ ، وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ ؛ وَلَوْ أُحْصِرَ أَوْ ضَلَّ أَوْ تَلِفَ مَا أَخَذَهُ فَرَّطَ أَوْ لَا ، وَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِشَيْءٍ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : لَا يَضْمَنُ بِلَا تَفْرِيطٍ .
وَالدِّمَاءُ عَلَيْهِ [ وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي دَمِ إحْصَارٍ وَجْهَيْنِ ] وَمِثْلُهُ مَنْ ضَمِنَ الْحَجَّةَ ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ كَفَّرَ وَمَضَى فِيهِ وَقَضَاهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ وَقَضَاهُ الْأَجِيرُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ فَعَنْهُ أَيْضًا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ، لِوُقُوعِ الْأَدَاءِ عَنْهُ ، فَيَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى لِلْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنْ أُحْصِرَ ، فَإِنْ تَحَلَّلَ فَمَا أَتَى بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالْأُجْرَةُ ، كَمَوْتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ انْقَلَبَ إلَيْهِ بِأَحْكَامِهِ ، وَإِنْ فَاتَ بِغَيْرِ حَصْرٍ انْقَلَبَ إلَيْهِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ هُنَا عِنْدَهُمْ .
وَمَا فَضَلَ لَهُ ، وَيَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ ، كَبَهِيمَةٍ ، وَعَنْهُ وَارِثُهُ مِثْلُهُ ،
وَتَجِبُ أُجْرَةُ مَسَافَةٍ قَبْلَ إحْرَامِهِ ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ( و م ) وَقِيلَ : لَا ( و ش ) وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ : قَسَّطَ مَا سَارَهُ ، لَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ ، خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رُكْنٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْبَاقِي ، وَيَسْتَحِقُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ ، فَيُقَسِّطُ عَلَى السَّيْرِ ، وَقِيلَ : عَلَى الْعَمَلِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَيْنِ انْفَسَخَتْ .
وَلَا يَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْ يَبْنِي فِي جَدِيدِ قَوْلَيْهِ ، وَفِي الذِّمَّةِ : تَبْنِي وَرَثَتُهُ ، إنْ جَازَ الْبِنَاءُ ، وَإِلَّا اسْتَأْجَرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُهُ ، فَإِنْ تَأَخَّرَ إلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ ، وَمَنْ ضَمِنَ الْحَجَّةَ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ ، كَمَا سَبَقَ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ مَاتَ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَ ، لِوُجُودِ أَكْثَرِهِ ، قَالُوا : لَوْ رَجَعَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَمُحْرِمٌ أَبَدًا عَنْ النِّسَاءِ ، فَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ ، وَيَقْضِي مَا بَقِيَ ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَتِهِ وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مِيقَاتٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ اُحْتُسِبَ مِنْهُ إلَى مَوْتِهِ .
وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَيِّتٍ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَمْ لَا وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ ( 18 م ) .
( مَسْأَلَةٌ 18 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَيِّتٍ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ ، انْتَهَى ، يَعْنِي إذَا قُلْنَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، فَهُوَ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْإِقَالَةِ مِنْهُمَا ، فَكَذَا هُنَا .
فَصْلٌ فِي مُخَالَفَةِ النَّائِبِ مَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ ( و هـ ) وَنَصَّ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : إنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مِيقَاتٍ فَلَا ( و ش ) وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ مَا بَيْنَهُمَا ( م 19 ) وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ : تُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ عَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ إحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَعَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ إحْرَامُهَا مِنْ مَكَّةَ ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُولَى مِائَةً وَالثَّانِيَةُ خَمْسِينَ حَطَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِمِيقَاتِهِ .
وَمَنْ أُمِرَ بِإِفْرَادٍ فَقَرَنَ لَمْ يَضْمَنْ ( هـ ) وَوَافَقَنَا صَاحِبَاهُ ، لِأَنَّهُ زَادَ ، لِوُقُوعِ الْعُمْرَةِ عَنْهُ كَتَمَتُّعِهِ كَبَيْعِ وَكِيلٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى .
وَفِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ هَدَرٌ ، كَذَا قَالَ ، وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِمُخَالَفَتِهِ لِأَمْرِهِ بِنَفَقَتِهِ فِي سَفَرِهِ لِلْحَجِّ فَقَطْ .
وَلَا تَقَعُ الْعُمْرَةُ لِلْمَيِّتِ ، كَذَا قَالُوا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ وَالْعُمْرَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا ، وَإِلَّا لَزِمَ الْأَجِيرَ الدَّمُ ، وَفِي جَبْرِ الْخَلَلِ بِهِ الْخِلَافُ .
وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَيْنِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ أَمَرَهُ بَعْدَ حَجَّةٍ بِعُمْرَةٍ فَتَرَكَهَا رَدَّ بِقَدْرِهَا مِنْ النَّفَقَةِ .
وَمَنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ لَمْ يَضْمَنْ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إنْ لَمْ تَتَعَدَّدْ أَفْعَالُ النُّسُكَيْنِ فَفِي نَقْصِ الْأُجْرَةِ وَأَيِّهِمَا يَلْزَمُ الدَّمُ وَجْهَانِ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ ، لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ .
وَعُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ كَإِفْرَادِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ ، لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ ، لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنْ لَمْ
يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ دَمٌ .
وَفِي نَقْصِ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ .
وَمَنْ أُمِرَ بِقِرَانٍ فَتَمَتَّعَ أَوْ أَفْرَدَ فَلِلْآمِرِ .
وَيَرُدُّ نَفَقَةَ قَدْرِ مَا تَرَكَهُ ، مِنْ إحْرَامِ النُّسُكِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ .
وَفِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا : يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ ، وَأَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ لَا يَضْمَنُ ، لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إنْ تَمَتَّعَ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ لَمْ يَقَعْ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَمُخَالِفٌ ، فِي الْأَصَحِّ ، فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ ، وَفِي نَقْصِ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ .
وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ رَدَّ حِصَّتَهَا مِنْ الْأُجْرَةِ ، لِتَأْخِيرِ الْعَمَلِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ دَمٌ .
وَفِي نَقْصِ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ .
( مَسْأَلَةٌ 19 ) قَوْلُهُ فِي مُخَالَفَةِ النَّائِبِ : مَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ وَنَصَّ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : إنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مِيقَاتٍ فَلَا ، وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ مَا بَيْنَهُمَا .
انْتَهَى ، مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْإِحْرَامِ ، وَقَالَ هُوَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي : تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ الْمُسْتَنِيبِ ، وَضَمِنَ جَمِيعَ مَا أَنْفَقَ ، هَذَا إنْ كَانَ الْمَنُوبُ عَنْهُ حَيًّا ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مَيِّتًا وَقَعَتْ الْحَجَّةُ عَنْهُ وَضَمِنَ النَّائِبُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ أَيْضًا ، انْتَهَى .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَنَصَرَهُ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
وَإِنْ اسْتَنَابَهُ [ وَاحِدٌ ] فِي حَجٍّ وَآخَرُ فِي عُمْرَةٍ فَقَرَنَ وَلَمْ يَأْذَنَا [ لَهُ ] صَحَّا لَهُ وَضَمِنَ الْجَمِيعَ ، كَمَنْ أَمَرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أَوْ عَكْسِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : يَقَعُ عَنْهُمَا وَيَرُدُّ نِصْفَ نَفَقَةِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ ، لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ ، وَفِي الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ مَنْ أُمِرَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ ، وَالتَّفْرِقَةُ بِأَنَّ النُّسُكَيْنِ هُنَاكَ عَنْ وَاحِدٍ لَا أَثَرَ لَهُ .
وَسَبَقَ قَوْلُهُمَا فِي ذَلِكَ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا : لَا ضَمَانَ هُنَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ إنْ عَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ ( م 20 ) وَإِنْ أُمِرَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَرَنَ لِنَفْسِهِ فَالْخِلَافُ .
وَإِنْ فَرَّغَهُ ثُمَّ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ وَلَمْ يَضْمَنْ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ أَرَادُوا إقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ فَوَاضِحٌ ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إقَامَتِهِ عَبَثًا أَوْ لِمَصْلَحَتِهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ التَّفْرِقَةُ بِذَلِكَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
( مَسْأَلَةٌ 20 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَنَابَهُ فِي حَجٍّ وَآخَرُ فِي عُمْرَةٍ فَقَرَنَ وَلَمْ يَأْذَنَا لَهُ صَحَّا لَهُ وَضَمِنَ الْجَمِيعَ ، كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أَوْ عَكْسِهِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : يَقَعُ عَنْهُمَا وَيَرُدُّ نِصْفَ نَفَقَةِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ ، لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ ، وَفِي الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ مَنْ أُمِرَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ ، وَالتَّفْرِقَةُ بِأَنَّ النُّسُكَيْنِ هُنَاكَ عَنْ وَاحِدٍ لَا أَثَرَ لَهُ ، وَسَبَقَ قَوْلُهُمَا فِي ذَلِكَ ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا : لَا ضَمَانَ هُنَا ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ إنْ عَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ ، وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ ، انْتَهَى .
مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّارِحُ وَنَصَرَهُ ، وَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَمَا وَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ قَوِيٌّ يُقَابِلُ قَوْلَيْهِمَا فِي الْقُوَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَأَوْلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الضَّمَانُ .
فَصْلٌ وَإِنْ أُمِرَ بِإِحْرَامٍ مِنْ مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ فِي عَامٍ أَوْ فِي شَهْرٍ فَخَالَفَ ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يَجُوزُ ، لِإِذْنِهِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : لَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَجَبَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ .
وَفِيهِ فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ بِلَا أَمْرِهِ لَا يَضْمَنُ بِتَفْوِيتِ الْفَضْلِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، كَحَبْسِهِ عَنْ تَبْكِيرِ الْجُمُعَةِ ، وَقَوْلِهِ : اشْتَرِ لِي أَفْضَلَ الرِّقَابِ وَأَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَتِي فَاشْتَرَى مَا يُجْزِئُهُ ، وَيَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ فِي تَرْكِهِ الْأَفْضَلَ شَرْعًا ، وَمَنْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي أَمْرِهِ بِشِرَاءِ أَفْضَلِ رَقَبَةٍ .
فَعَلَى هَذَا [ الْمُخْتَارِ ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ دَمٌ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ النُّسُكُ لِلنَّائِبِ وَيَرُدَّ مَا أَخَذَهُ ، لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ، كَتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ ، وَيَحْتَمِلُ وُقُوعُهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَتَنْجَبِرُ الْمُخَالَفَةُ بِنَقْصِ النَّفَقَةِ بِقِسْطِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَرُدَّ شَيْئًا ، لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ يَسِيرٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( م 21 ) وَيُشْبِهُ شَرْطُ الْإِحْرَامِ مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ ، أَوْ نَظِيرِهِ شَرْطَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ رَاكِبًا أَوْ اللُّبْثِ فِيهَا أَوْ الْمَبِيتِ جَمِيعَ اللَّيْلِ أَوْ أَكْثَرَهُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَيُخَالِفُ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِنْ لَزِمَهُ بِمُخَالَفَتِهِ زِيَادَةٌ فَمِنْ النَّائِبِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إنْ أَخَذَ طَرِيقًا أَبْعَدَ وَأَكْثَرَ نَفَقَةً وَهِيَ مَسْلُوكَةٌ جَازَ .
وَلَوْ عَيَّنَ سَنَةً فَحَجَّ بَعْدَهَا جَازَ ، كَبِعْهُ غَدًا فَيَبِيعُهُ بَعْدَهُ ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ ، وَلَوْ وَصَّى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِهِ كُلَّ سَنَةٍ حَجَّةً فَعَنْ مُحَمَّدٍ كَإِطْلَاقِهِ يُحَجُّ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ حِجَجًا ، وَهُوَ أَفْضَلُ ، لِلْمُسَارَعَةِ إلَى
الطَّاعَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ مِنْ كُتُبِهِمْ : إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا ضَمِنَ الْوَصِيُّ ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِهِمْ : أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْمُسَمَّى ، فَلَوْ أَحَجَّ الْوَصِيُّ عَنْهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ جَازَ ، لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ الْحَجُّ لَا يَخْتَلِفُ .
وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى مِنْ كُتُبِهِمْ : أَحِجُّوا مِنْ ثُلُثِي حَجَّتَيْنِ يَكْتَفِي بِوَاحِدَةٍ ، وَمَا فَضَلَ لِوَرَثَتِهِ .
مَسْأَلَةٌ 21 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أُمِرَ بِإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ فِي عَامٍ أَوْ فِي شَهْرٍ فَخَالَفَ ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ يَجُوزُ ، لِإِذْنِهِ [ فِيهِ ] فِي الْجُمْلَةِ ، وَفِي الِانْتِصَارِ : لَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ وَجَبَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيُتَوَجَّهُ الْمَنْعُ فِي تَرْكِهِ الْأَفْضَلَ شَرْعًا فَعَلَى هَذَا الْمُخْتَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ دَمٌ ، لِلْمُخَالَفَةِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ النُّسُكُ لِلنَّائِبِ وَيَرُدَّ مَا أَخَذَهُ ، لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ، كَتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ ، وَيَحْتَمِلُ وُقُوعُهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَتَنْجَبِرُ الْمُخَالَفَةُ بِنَقْصِ النَّفَقَةِ بِقِسْطِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَرُدَّ شَيْئًا ، لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ يَسِيرٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، انْتَهَى ، جَزَمَ بِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( قُلْت ) : الصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ مَا فَعَلَهُ أَفْضَلَ ، وَلَعَلَّهُ كَمَا لَوْ أُمِرَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا إسَاءَةَ فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ فَعَلَ الْأَفْضَلَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا بَنَاهُ الْمُصَنِّفُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ " وَيَسْتَخِيرُ هَلْ يَحُجُّ الْعَامَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا أَوْ لَا يَحُجُّ " كَذَا فِي النُّسَخِ " وَإِنْ " بِزِيَادَةِ وَاوٍ ، وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا ، فَهَذِهِ إحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً فِي الْبَابِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : إنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَمْ يَضْمَنْ النَّفَقَةَ ، لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْأَمْرِ ، وَعَلَى الْحَاجِّ دَمُ جِنَايَتِهِ ، لِأَنَّهُ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ ، وَكَذَا سَائِرُ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ : هَلْ الْمَشْرُوطُ كَالشَّرْعِيِّ ؟ فَلَوْ عَيَّنَّا الْكُوفَةَ لَزِمَ الْأَجِيرَ الدَّمُ بِمُجَاوَزَتِهَا ، فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ ، فَلَا يَنْجَبِرُ بِهِ الْخَلَلُ حَتَّى لَا تُنْقَصَ الْأُجْرَةُ ، فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ، فَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةِ الْكُوفَةِ إحْرَامُهَا مِنْهُ ، وَعَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلَدِهِ إحْرَامُهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الدَّمُ نُقِصَ قِسْطٌ مِنْ الْأُجْرَةِ .
وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ دَمٌ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ .
وَلَا تَنْقُصُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ ، وَإِنْ شَرَطَ الْإِحْرَامَ أَوَّلَ شَوَّالٍ فَأَخَّرَهُ فَالْخِلَافُ ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَحَجَّ رَاكِبًا ، لِأَنَّهُ تَرَكَ مَقْصُودًا ، كَذَا خَصُّوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَكْسُهَا مِثْلَهَا وَأَوْلَى ، لِأَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ ، وَلَهُمْ فِيهِ قَصْدٌ صَحِيحٌ ، قَالُوا : وَلَوْ صَرَفَ إحْرَامَهُ إلَى نَفْسِهِ ظَنًّا مِنْهُ يَنْصَرِفُ وَأَتَمَّ الْحَجَّ عَلَى هَذَا لَمْ يَضُرَّ ، وَقِيلَ : لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً ، لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا ، وَسَبَقَ قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا عَيَّنَ عَامًا فَقَدِمَ عَلَيْهِ .
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ لِعَمَلِ قُرْبَةٍ عَلَى وَجْهِ النَّفَقَةِ وَالرِّزْقِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ سَوَاءٌ ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الشَّرْطُ وَالصِّفَةُ فِيهِ أَوْ لَا ، أَوْ يُعْتَبَرُ الْأَفْضَلُ شَرْعًا لَا الْمَفْضُولُ .
وَلَا يَظْهَرُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَجْهٌ شَرْعِيٌّ ، وَلَمْ أَجِدْهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ .
وَهَذَا إلْزَامٌ لِلْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَاحِدٌ ، وَقَدْ ذَكَرُوا مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَنَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا نَقُولُ بِهِ ، وَلَيْسَ الْوَقْفُ
عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ ، فَمَا الْفَرْقُ ؟ وَنَفْرِضُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى الْحَجِّ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ ، أَوْ شَرَطَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَكَان أَوْ فِي زَمَانٍ ، فَإِنْ قِيلَ فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَيَجِبُ تَعْمِيمُهُ فِي كُلِّ وَقْفٍ عَلَى عَمَلِ قُرْبَةٍ ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ عَسِرٌ جِدًّا ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي الْوَقْفِ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ لِعَمَلِ قُرْبَةٍ هَلْ هُوَ إجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ أَوْ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ فَمَا خَرَجَ حُكْمُهُ عَنْ ذَلِكَ .
وَهَذَا عِنْدَ تَأَمُّلِ الْعَالِمِ الْمُنْصِفِ قَاطِعٌ ، فَإِنْ لَمْ يُسَوَّ بَيْنَ الْجَمِيعِ أُعْطِيَ حُكْمُ كُلِّ بَابٍ مَا فِي الْآخَرِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ ، وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي وَقْفٍ لَا يَكُونُ تَرْكُهُ مَانِعًا مِنْ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ رَأْسًا ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ ، وَقَدْ يُقَالُ : إنَّمَا يُوَزَّعُ وَيُنْقَصُ بِقَدْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَرْضًا أَوْ نَذْرًا أَوْ نَفْلًا لَمْ يَجُزْ وَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ نَفْسِهِ ، هَذَا الْمَذْهَبُ ( و ش ) لِحَدِيثِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ] { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ ، قَالَ : حَجَجْت عَنْ نَفْسِك ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ : ذَاكَ خَطَأٌ ، رَوَاهُ عَبْدَةُ مَوْقُوفًا ، وَنَقَلَ مُهَنَّا : لَا يَصِحُّ ، إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا ، وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلًا ، وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلًا ، قَالَ لَهُ مُهَنَّا : سَمِعَ أَبُو قِلَابَةَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ رَآهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ عَنْهُ ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ .
وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ ، كَمَا سَبَقَ ، فَمَنْ يُصَحِّحُهُ يَقُولُ : تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ مُتَّصِلًا عَبْدَةُ وَقَدْ تَابَعَهُ ، غَيْرُهُ ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ الْأَثْبَاتِ ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ ، وَعَزْرَةُ هُوَ ابْنُ ثَابِتٍ كَمَا فِي إسْنَادِ ابْنِ مَاجَهْ ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَمَنْ يُضَعِّفُهُ يَقُولُ .
رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ مَوْقُوفًا وَمُرْسَلًا ، وَقَتَادَةُ مُدَلِّسٌ ، وَعَزْرَةُ قِيلَ : لَيْسَ بِابْنِ ثَابِتٍ ، وَقِيلَ : لَا يُعْرَفُ حَالُهُ .
وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ ابْنُ
الْمُنْذِرِ ، وَلَكِنْ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ { حُجَّ عَنْ نَفْسِك } أَيْ اسْتَدِمْهُ .
كَقَوْلِهِ لِلْمُؤْمِنِ : آمِنْ .
وَلِهَذَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَفِيهِ ضَعْفٌ { هَذِهِ عَنْك وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ } وَخَبَرُ الْخَثْعَمِيَّةِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ ، وَلِأَنَّ ، الْإِحْرَامَ رُكْنٌ ، فَبَقَاؤُهُ يَمْنَعُ أَدَاءَهُ عَنْ غَيْرِهِ .
كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ .
فَإِنَّهُ لَا يَطُوفُ مَنْ لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَنُوبُ فِيهَا مَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا ، لَا يُقَالُ : الطَّوَافُ مُوجَبٌ بِالْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، وَيَجُوزُ قَبْلَهُ ، كَالصَّلَاةِ لَوْ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ مُوجَبِهَا مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ إلَى الْفَرْضِ ، وَلَهُ صَرْفُهَا إلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، لِأَنَّهُ يُقَالُ : مُوجَبُهَا يَتْبَعُ إحْرَامَهَا ، لِأَنَّهُ لَا يُنْفَرَدُ بِنِيَّةٍ وَوَقْتٍ وَمَكَانٍ ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّبِيِّ لَا يَتَّجِهُ .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ : يَنْعَقِدُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثُمَّ يَقْبَلُهُ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ ، نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ : لَا يُجْزِئُهُ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ لِمَنْ لَبَّى عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ صَرُورَةٌ اجْعَلْهَا عَنْ نَفْسِك } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدَةَ السَّابِقِ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي : أَرَادَ التَّلْبِيَةَ ، لِقَوْلِهِ { هَذِهِ عَنْك } .
وَلَمْ يَجُزْ فَسْخُ حَجٍّ إلَى حَجٍّ ، وَعَنْهُ : يَقَعُ بَاطِلًا ، نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، لِتَعْيِينِ النِّيَّةِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ ، وَعَنْهُ : يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَقَعُ عَنْهُ ، جَعَلَهَا الْقَاضِي ظَاهِرَ نَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا مَالَ لَهُ : أَيَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ( و هـ م ) وَدَاوُد ، وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً : عَمَّا نَوَاهُ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عَنْ حَجِّهِ لِنَفْسِهِ ، وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ .
فَعَلَى الْأَوَّلِ : لَا يَنُوبُ مَنْ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ نَفْسِهِ .
وَيَتَوَجَّهُ مَا قِيلَ يَنُوبُ فِي نَفْلٍ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ وَيُحْرِمُ ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمَنْعَ ، وَمَتَى وَقَعَ الْحَجُّ لِلْحَاجِّ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا .
وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ ، كَمَنْ بَنَى حَائِطًا يَعْتَقِدُهُ الْبَانِي لِنَفْسِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْأُجْرَةُ بِاعْتِقَادِهِ ، كَذَا قَالَ : وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ : لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ، فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ، قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِهِ : وَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ الْأَجِيرُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، بِلَا خِلَافٍ ، قَالَ : وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمَعْضُوبِ ، فَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِنَفْلٍ وَقُلْنَا لَا نِيَابَةَ وَقَعَ حَجُّ الْأَجِيرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ ، بِلَا خِلَافٍ ، كَذَا قَالَ .
وَلَمْ أَجِدْ خِلَافَهُ ، وَتَتَوَجَّهُ لَنَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَغَيْرِهِ وَبِعَدَمِهِ مِنْ الشُّرُوطِ [ فِي الْبَيْعِ ]
فَصْلٌ وَإِنْ أَحْرَمَ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ لَمْ يَجُزْ ، وَيَقَعُ عَنْهَا ، هَذَا الْمَذْهَبُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ ، فَإِنْ صَحَّ انْبَنَى عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ، وَكَإِحْرَامٍ مُطْلَقٍ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ ، فَانْصَرَفَ إلَى الْمَعْرُوفِ ، كَمَا فِي نَقْدٍ غَالِبٍ ، فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ ، كَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَفَرَّقُوا بِتَعْيِينِهِ ، بِخِلَافِ الْحَجِّ ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَيُزَادَ فِي الْقِيَاسِ ، فَإِنْ مَنَعَ اُسْتُدِلَّ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ : عَمَّا نَوَاهُ ( و هـ م ) لِقَوْلِهِ { وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى } وَأُجِيبُ : الْمُرَادُ : لَا قُرْبَةَ إلَّا بِنِيَّةٍ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْحَجِّ ، لِمَا سَبَقَ ، وَعَنْهُ : [ يَقَعُ ] بَاطِلًا ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا بَعْضُهُمْ [ هُنَا ] ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَنْذُورَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ [ هُنَا ] قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ ، وَكَنَذْرِ حَجَّتَيْنِ ، فَيَحُجُّ وَاحِدَةً ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : تُجْزِئُهُ عَنْهُمَا ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ .
وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَصَلَّى الْعَصْرَ أَلَيْسَ يُجْزِئُ عَنْهُمَا ؟ قَالَ : وَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : أَصَبْت أَوْ أَحْسَنْت كَذَا قَالَ ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْمَنْعُ وَاضِحٌ ، وَلَا دَلِيلَ ، وَغَايَتُهُ كَمَسْأَلَتِنَا ، قَالَ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : وَصَارَ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَنَوَاهُ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي رِوَايَةٍ ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ .
كَذَا قَالَ : نَوَاهُ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ ، وَالْمَنْقُولُ هُنَا : نَوَاهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ .
وَيَأْتِي مَا ذَكَرَهُ فِي النَّذْرِ ، وَمَذْهَبُ ( م ) : إنْ نَوَاهُمَا فَعَنْ الْمَنْذُورَةِ ، وَإِنْ
أَحْرَمَ بِنَفْلٍ مَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ فَالرِّوَايَاتُ .
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هَذَا وَغَيْرَهُ الْأَشْهَرُ فِي أَنَّهُ سَلَكَ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ لَا النَّفْلِ ، وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ ، فِيمَا سَبَقَ ، وَمَنْ أَتَى بِوَاجِبِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ فِعْلُ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ قَبْلَ الْآخَرِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِوُجُوبِهِمَا عَلَى الْفَوْرِ ، وَالنَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ عَمَّنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عَنْهَا ، عَلَى الْمَذْهَبِ .
وَلَوْ اسْتَنَابَ عَنْهُ أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَاحِدًا فِي فَرْضِهِ وَآخَرَ فِي نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ جَازَ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ ، لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ كَذَا قَالَ ، فَيَلْزَمُهُ وُجُوبُهُ إذَنْ ، وَلْيُحْرِمْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْآخَرِ ، وَأَيُّهُمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْأُخْرَى عَنْ النَّذْرِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ : يَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءُ ، لِأَنَّهُ قَدْ يُعْفَى عَنْ التَّعْيِينِ فِي بَابِ الْحَجِّ وَيَنْعَقِدُ مُبْهَمًا ثُمَّ يُعَيَّنُ ، قَالَ : وَهُوَ أَشْبَهُ ، وَيَحْتَمِلُ عَكْسُهُ ، لِاعْتِبَارِ تَعْيِينِهِ ، بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
فَصْلٌ تَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ عَنْ الْمَعْضُوبِ وَالْمَيِّتِ فِي النَّفْلِ ( و ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ : لَا .
وَقَوْلٌ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ حَجَّ وَلَا لَزِمَهُ .
وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَالِانْتِصَارِ رِوَايَةً : لَا نِيَابَةَ فِي نَفْلٍ مُطْلَقًا لَا يَثْبُتُ فِي الْوَاجِبِ لِلْحَاجَةِ ، وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَنِيبَ الْقَادِرُ بِنَفْسِهِ فِيهِ وَفِي بَعْضِهِ ، عَلَى الْأَصَحِّ ( ش ) كَالصَّدَقَةِ .
وَالْخِلَافُ فِي عَجْزِ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يَجُوزُ ، لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ أَوْ يَفُوتَ ، وَفِي آخِرِ الْفَصْلِ قَبْلَ الْفَصْلِ قَبْلَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَمَنْ أَوْقَعَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ أَوْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَأَمْرِهِ بِحَجٍّ فَيَعْتَمِرُ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَجُزْ ، كَالزَّكَاةِ ، فَيَقَعُ عَنْهُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ .
وَيَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَقَعُ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْرٌ بِالْحَجِّ عَنْهُ وَلَا إذْنَ لَهُ ، وَكَالصَّدَقَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ ، قَالَ : لِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا عُزِّيَ إلَيْهِ الْعِبَادَةُ وَقَعَتْ عَنْهُ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مُهْدٍ إلَيْهِ ثَوَابَهَا ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ ، بِخِلَافِ الْحَيِّ .
وَسَوَّى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بَيْنَهُمَا ، لِعَدَمِ الْإِذْنِ ، وَالْأَوْلَى مَا سَبَقَ [ فِي ] آخِرِ الْجَنَائِزِ فِي وُصُولِ الْقُرَبِ ، وَيَتَعَيَّنُ النَّائِبُ بِتَعْيِينِ وَصِيٍّ جُعِلَ إلَيْهِ التَّعْيِينُ ، فَإِنْ أَبَى عَيَّنَ غَيْرُهُ ، وَيَكْفِي النَّائِبَ أَنْ يَنْوِيَ الْمُسْتَنِيبُ ، فَلَا تُعْتَبَرُ تَسْمِيَتُهُ لَفْظًا ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَإِنْ جَهِلَ اسْمَهُ أَوْ نَسَبَهُ لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ .
وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ : إذَا حَجَّ عَنْ رَجُلٍ فَيَقُولُ أَوَّلَ مَا يُحْرِمُ ، ثُمَّ لَا يُبَالِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ .
[ ذَلِكَ ] وَالْمُرَادُ يُسْتَحَبُّ .
فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ ، إنْ لَمْ يَحُجَّا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَغَيْرُهُمَا ، وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ .
وَيُقَدِّمُ وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، نَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ : مَنْ حَجَّ وَيُرِيدُ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ وَالِدُهُ يَجْعَلُ حَجَّةَ التَّطَوُّعِ عَنْهُمَا ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ حَجَّةً ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُقَدِّمُ دَيْنَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهِ لِنَفْسِهِ ، فَأُمُّهُ أَوْلَى ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : { أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ عَنْ أُمِّي أَتَرْجُو أَنْ يَكُونَ لِي أَجْرُ حَجَّةٍ أَيْضًا ، قَالَ : نَعَمْ ، تَقْضِي عَنْهَا دَيْنًا عَلَيْهَا .
وَقِيلَ لَهُ : أَحُجُّ عَنْهَا فَأُنْفِقُ مِنْ مَالِي وَأَنْوِي عَنْهَا أَلَيْسَ جَائِزًا ؟ قَالَ : نَعَمْ } .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا { إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدَيْهِ قُبِلَ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا } فِيهِ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ ضَعِيفَانِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ } فِيهِ صِلَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ مَتْرُوكٌ ، وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْبَصْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ } ضَعِيفٌ ، رَوَاهُنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ نَفْلٍ لَا تَحْلِيلُهُ ، لِلُزُومِهِ بِشُرُوعِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي الْفَرْضِ : إنْ لَمْ تَأْذَنْ لَك أُمُّك وَكَانَ عِنْدَك زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَحُجَّ وَلَا تَلْتَفِتْ إلَى إذْنِهَا وَاخْضَعْ لَهَا وَدَارِهَا .
وَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَيَحْرُمُ فِيهَا ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَ ، نَصَّ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : هَذَا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ
لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، لِسُقُوطِ فَرَائِضِ اللَّهِ بِالضَّرَرِ ، وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا تَمَلُّكَهُ مِنْ مَالِهِ ، فَنَفْعُهُ كَمَالِهِ فَلَيْسَ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ .
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ تَسْأَلُهُ أُمُّهُ شِرَاءَ مِلْحَفَةٍ لِلْخُرُوجِ : إنْ كَانَ خُرُوجُهَا فِي بِرٍّ وَإِلَّا فَلَا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ .
وَنَقَلَ جَعْفَرٌ : إنْ أَمَرَنِي أَبِي بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ ، لَهُ عَلَيَّ طَاعَةٌ ؟ قَالَ : لَا ، وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ خَاصَّانِ ، فَلَعَلَّهُ لِمَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ ، فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ وَكَذَا مَا نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ : مَا أُحِبُّ يُقِيمُ مَعَهَا عَلَى الشُّبْهَةِ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { مَنْ تَرَكَ الشُّبْهَةَ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَلَكِنْ يُدَارِي } وَهَذَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا نَقَلَ غَيْرُهُ فِيمَنْ تَعْرِضُ عَلَيْهِ أُمُّهُ شُبْهَةً بِأَكْلٍ فَقَالَ : إنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ فَلَا يَأْكُلُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إنْ مَنَعَاهُ الصَّلَاةَ نَفْلًا يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي .
وَقَالَ : إنْ نَهَاهُ عَنْ الصَّوْمِ لَا يُعْجِبُنِي صَوْمَهُ وَلَا أُحِبُّ لِأَبِيهِ أَنْ يَنْهَاهُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ : لَا يَجُوزُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ .
وَأَنَّ مِثْلَهُ مُكْرٍ وَزَوْجٌ وَسَيِّدٌ ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِإِثْمِهِ بِتَرْكِهَا ، كَمَا يَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا فَلِتَغَيُّرِ أَوْضَاعِ الشَّرْعِ ، كَأَمْرِهِ يُسِرُّ فِي الْفَجْرِ وَيَجْهَرُ فِي الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ .
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ : يَجُوزُ تَرْكُ النَّوَافِلِ لِطَاعَتِهِمَا ، بَلْ الْأَفْضَلُ طَاعَتُهُمَا .
فَإِنْ أَرَادَ ظَاهِرَهُ فَخِلَافُ مَا سَبَقَ .
فَصْلٌ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُبَادِرْ وَلْيَجْتَهِدْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيَجْتَهِدُ فِي رَفِيقٍ حَسَنٍ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ يُبَادِرُ بِهِ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ : يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَسْتَخِيرُ فِي خُرُوجِهِ ، وَيُبَكِّرُ ، وَيَكُونُ يَوْمَ خَمِيسٍ ، وَيُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَقُولُ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا أَوْ دَخَلَ بَلَدًا مَا وَرَدَ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ ، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَدْعُو بَعْدَهُمَا بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ ، وَيُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ هَذَا دِينِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَدِيعَةٌ عِنْدَك .
اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ .
وَإِنَّهُ يَخْرُجُ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا : يَدْعُو قَبْلَ السَّلَامِ أَفْضَلُ ، وَمَا سَبَقَ مِنْ الِاسْتِخَارَةِ فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ جَابِرٍ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيَسْتَخِيرُ : هَلْ يَحُجُّ الْعَامَ أَوْ غَيْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا ، أَوْ لَا يَحُجُّ ، وَتَوْدِيعُ الْمَنْزِلِ بِرَكْعَتَيْنِ لَمْ أَجِدْهَا فِي السُّنَّةِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ قَالَ لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ثُمَّ قَنَعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ } .
وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ قَوْلُ أَحْمَدَ لَا يُقِيمُ بِهَا ، وَحُكْمُ مَائِهَا .
بَابُ الْمَوَاقِيتِ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِلْمَدِينَةِ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَيَلِيه فِي الْبُعْدِ الْجُحْفَةُ وَهِيَ لِلشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ .
ثُمَّ يَلَمْلَمَ لِلْيَمَنِ وَقَرْنٌ لِنَجْدِ الْيَمَنِ وَبِحَدِّ الْحِجَازِ وَالطَّائِفِ .
وَذَاتِ عِرْقٍ لِلْعِرَاقِ وَخُرَاسَانُ وَالْمَشْرِقِ .
وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مِنْ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ .
وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ [ و ] عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ [ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ ] ذَاتُ عِرْقٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَفِيُّ النَّصِّ فَوَافَقَهُ ، فَإِنَّهُ مُوَفَّقٌ لِلصَّوَابِ .
وَلَيْسَ الْأَفْضَلُ لِلْعِرَاقِيِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْعَقِيقِ وَهُوَ وَادٍ وَرَاءَ ذَاتِ عِرْقٍ يَلِي الشَّرْقَ ( ش ) وَغَيْرُهُ ، كَبَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ ، وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ } تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، شِيعِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ .
وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ : سَمِعْتُهُمْ يُضَعِّفُونَهُ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ : وَقَالَ أَبُو دَاوُد : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ حَدِيثَهُ .
وَقَالَ الْعِجْلِيُّ ، جَائِزُ الْحَدِيثِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : ذَاتُ عِرْقٍ مِيقَاتُهُمْ بِإِجْمَاعٍ ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاضِعِهَا .
وَهُنَّ مَوَاقِيتُ لِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، كَالشَّامِّي يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ مِنْهَا ، نُصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ النَّوَاوِيُّ : بِلَا خِلَافٍ ، كَذَا قَالَ ، وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ : لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ ، وَيَتَوَجَّهُ لَنَا مِثْلُهُ ، فَإِنَّهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ { هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ،
وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، يَعُمُّ مِنْ مِيقَاتِهِ بَيْنِ يَدِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي مَرَّ بِهَا وَمَنْ لَا وَقَوْلُهُ : لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ ، يَعُمُّ مَنْ مَرَّ بِمِيقَاتٍ آخَرَ أَوْ لَا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، وَعِنْدَ دَاوُد : لَا حَجَّ لَهُ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : يُحْرِمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ شَامِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَلَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ الْجُحْفَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ دَمٌ ، وَلِلشَّافِعِيِّ أَنْبَأْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنْ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ ، مَرَّةً مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَرَّةً مِنْ الْجُحْفَةِ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ كَانَتْ إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ مِنْ الْجُحْفَةِ ، قَالَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لِذَلِكَ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ لِلْآفَاقِيِّ .
وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ هُنَا نَظَرٌ .
وَقَوْلُهُ آفَاقِيُّ ، وَصَوَابُهُ أُفُقِيُّ ، قِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ وَقِيلَ بِضَمَّتَيْنِ ( م 1 ) نِسْبَةً إلَى الْمُفْرَدِ ، وَالْآفَاقُ الْجَمْعُ فَأَمَّا إنْ مَرَّ الشَّامِيُّ أَوْ الْمَدَنِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَمِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ ، لِلْخَبَرِ .
وَمَنْ عَرَجَ عَنْ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَاذَى أَقْرَبَهَا مِنْهُ ، وَيُسْتَحَبُّ [ لَهُ ] الِاحْتِيَاطُ ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ فَمِنْ أَبْعَدِهِمَا عَنْ مَكَّةَ ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ مِيقَاتَ مَنْ عَرَجَ إذَا حَاذَى الْمَوَاقِيتَ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ : وَمَنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ .
وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ مِثْلَهُ إنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْمُحَاذَاةِ .
وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَهَا فَمِنْهُ
لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَيَجُوزُ مِنْ أَقْرَبِهِ إلَى الْبَيْتِ ، وَالْبَعِيدُ أَوْلَى ، وَقِيلَ : سَوَاءٌ ، وَكُلُّ مِيقَاتٍ فَحَذْوُهُ مِثْلُهُ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَهَا لَهُ تَأْخِيرُ إحْرَامِهِ إلَى الْحَرَمِ ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ إلَّا مُحْرِمًا لِمَنْ قَصَدَ النُّسُكَ ، وَلَمْ يُجِيبُوا عَنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ .
وَمِيقَاتُ مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَكِّيٌّ أَوْ لَا مِنْهَا .
وَظَاهِرُهُ : وَلَا تَرْجِيحَ ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ : مِنْ بَابِ دَارِهِ .
وَيَأْتِي الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا وَالثَّانِي : مِنْهُ ، كَالْحَنَفِيَّةِ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ خِلَافَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا فِي الْإِيضَاحِ ، قَالَ : يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيزَابِ ، وَيَجُوزُ مِنْ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَنْصُورٍ ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ( و م ) كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ ، وَكَالْعُمْرَةِ ، وَمَنَعُوا وُجُوبَ إحْرَامِهِ مِنْ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ .
وَعَنْهُ : عَلَيْهِ دَمٌ ، وَعَنْهُ : إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، لِإِحْرَامِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ ، قَالَ : وَإِنْ مَرَّ فِي الْحَرَمِ يَعْنِي قَبْلَ مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ ، لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ مِيقَاتِهِ ، كَمُحْرِمٍ .
قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ ( و هـ ش ) إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ عَنْهُ كَرِوَايَتِنَا قَبْلَ هَذِهِ نَفْسُ مَكَّةَ ، فَيَلْزَمُ لِدَمِ مَنْ أَحْرَمَ مُفَارِقًا بُنْيَانَهَا إنْ لَمْ يَعُدْ .
وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ : { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ مُرُورَهُ فِي الْحَرَمِ مُلَبِّيًا .
وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ صَاحِبَاهُ .
وَعَنْ أَحْمَدَ : الْمُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا قَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا ، أَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ إنْسَانٍ ثُمَّ عَنْ آخَرَ ، يَخْرُجُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ .
وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ ،
اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : لَا خِلَافَ فِيهِ ، كَذَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَأَحْرَمَ [ مِنْ ] دُونِهِ ، وَإِحْرَامُهُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ خِلَافَ هَذَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا أَحْمَدَ ، لَكِنْ أَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَالْمَكِّيِّ ، كَمَا سَبَقَ ، وَكَالنُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بِأَنَّ الثَّانِيَ تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ ، فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ ، كَذَا قَالَ ، وَعَنْهُ : مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَطْلَقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
وَزَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ : مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ .
وَأَوَّلهَا .
بَعْضُهُمْ بِسُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عَنْ الْآفَاقِيِّ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى مَنْ [ كَانَ ] بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا إنْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً فَمِنْ الْمِيقَاتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ ، كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ .
وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مِيقَاتَ مَنْ بِمَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ، { لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَ عَائِشَةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِتَعْتَمِرَ } وَلِيَجْمَعَ فِي النُّسُكِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ الْحَجِّ ، قِيلَ التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ ( و هـ ) وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : الْجِعْرَانَةُ ، لِاعْتِمَارِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهَا ، ثُمَّ مِنْهُ ، ثُمَّ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ( و ش ) ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ .
بَابُ الْمَوَاقِيتِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَصَوَابُهُ أُفُقِيٌّ قِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ وَقِيلَ بِضَمَّتَيْنِ ، انْتَهَى .
لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْخُطْبَةِ ، وَلَكِنْ لِعُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِيهِ قَوْلَانِ ، وَلَمَّا كَانَ أَحَدُهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدَّمَةِ ، وَالْأَفْصَحُ الضَّمُّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا فَتَحُوا ذَلِكَ تَخْفِيفًا ، قَالَهُ ابْنُ خَطِيبِ الدَّهْشَةِ مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ فِي أَحْكَامِ الْعُمْرَةِ : قِيلَ التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : الْجِعْرَانَةُ يَعْنِي أَفْضَلَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمُقْنِعِ ، رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وَابْنِ مُنَجَّى .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) الْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : " وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمُغْنِي وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نُسْخَةِ الْمُقْنِعِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ ، مَعَ أَنَّ كِتَابَ الْمُصَنِّفِ الْمُقْنِعُ وَهُوَ مِنْ حَافِظِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( م 2 ) وَعَيَّنَ مَالِكٌ التَّنْعِيمَ لِمَنْ بِمَكَّةَ ، وَالْعُلَمَاءُ بِخِلَافِهِ .
وَقَدْ نَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ فِي الْمَكِّيِّ : أَفْضَلُهُ الْبَعْدُ ، هِيَ عَلَى قَدْرِ تَعَبِهَا قَالَ فِي الْخِلَافِ : مُرَادُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ ، بَيْنَهُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : يَخْرُجُ إلَى الْمَوَاقِيتِ أَحَبُّ إلَيَّ ؛ لِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ ، وَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ رُخْصَةٌ لِلْمَكِّيِّ ، وَمُرَادُهُ فِي الْوَاجِبَةِ .
كَمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، كَذَا قَالَ .
وَقَدْ ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ { هِيَ عَلَى قَدْرِ سَفَرِك وَنَفَقَتِك } وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ : أَحْرِمْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ .
مُحْتَجًّا بِذَلِكَ .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ هَذِهِ الْعُمْرَةِ أَيُّ شَيْءٍ فِيهَا ؟ إنَّمَا الْعُمْرَةُ الَّتِي تَعْتَمِرُ مِنْ مَنْزِلِك ، وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الَّتِي يُنْشِئُ لَهَا السَّفَرَ ، وَإِحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَجِّ : وَمَا الْفَرْقُ ؟ وَكَفِعْلِهِ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَتَّجِهُ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، وَنَقَلَ صَالِحٌ : لَا بَأْسَ قَبْلَهُ ، وَنَقَلَ [ ابْنُ ] إبْرَاهِيمَ : كُلَّمَا تَبَاعَدْت فَلَكَ أَجْرٌ ، وَمُرَادُهُ الْمَكِّيُّ .
وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ ، خِلَافًا لِعَطَاءٍ ، وَيُجَزِّئُهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ طَوَافِهَا ، وَكَذَا بَعْدَهُ ، كَإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِ الْحَجِّ بِهِ [ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] وَلَنَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ : ( و م ) ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ، كَالْحَجِّ ، فَيَخْرُجُ ثُمَّ يَعُودُ يَأْتِي بِهَا ، وَلَا عِبْرَةَ بِفِعْلِهِ قَبْلَهُ
وَإِنْ حَلَقَ أَوْ أَتَى مَحْظُورًا فَدَى .
وَإِنْ وَطِئَ فَدَى وَمَضَى فِي فَاسِدِهَا وَقَضَاهَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ وَيُجَزِّئُهُ عَنْهَا ، وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ بِخُرُوجِهِ ، وَالْمُرَادُ عَلَى الرَّاجِحِ ( ش ) وَلِلْحَنَفِيَّةِ الْخِلَافُ .
فَصْلٌ إذَا أَرَادَ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ نُسُكًا أَوْ مَكَّةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ الْحَرَمَ لَزِمَهُ إحْرَامٌ مِنْ مِيقَاتِهِ ( و هـ م ) إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ لِمَنْ مَنْزِلُهُ الْمِيقَاتُ أَوْ دَاخِلُهُ مِنْ أُفُقِيٍّ وَغَيْرِهِ دُخُولَ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نُسُكًا ، وَلَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مُطْلَقًا لَا أَنْ يُرِيدَ نُسُكًا ، وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَهِيَ أَظْهَرُ ، لِلْخَبَرِ السَّابِقِ .
وَيَنْبَنِي عَلَى عُمُومِ الْمَفْهُومِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ .
وَجْهِ الْأَوَّلِ : رَوَى حَرْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا يَدْخُلَن إنْسَانٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا إلَّا الْحَمَّالِينَ وَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابُ مَنَافِعِهَا ، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَقَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : يَدْخُلُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ } فِيهِ حَجَّاجٌ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ ، وَابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ : لَا أَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إلَّا بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى لُزُومِ الْإِحْرَامِ بِنَذْرِ دُخُولِهَا ، وَفِيهِ الْخِلَافُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ .
ثُمَّ النَّذْرُ قَرِينَةٌ فِي إرَادَةِ النُّسُكِ الْمُخْتَصِّ بِهَا كَالسَّبَبِ الدَّالِّ عَلَى النِّيَّةِ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِتَحْرِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَكَّةَ ، وَذَا فِي الْقِتَالِ ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَمَعْنَاهُ فِي الْخِلَافِ : الْإِحْرَامُ شَرْطُ إبَاحَةِ دُخُولِهِ وَلَا نُوجِبُهُ لِدُخُولِهِ ، لِئَلَّا يُقَالَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ إحْرَامٌ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ ، كَمَا لَمْ يَنُبْ عَنْ مَنْذُورَةٍ ، أَيْ كَمَا قَالَهُ زُفَرُ .
وَمِنْ تَجَاوَزَهُ بِلَا إحْرَامٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ، وَجَزَمَ
بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ ( و م ش ) كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ رَاتِبَةً وَلَا تُقْضَى ، احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا ، وَالْمُرَادُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : مُطْلَقًا ، وَسَبَقَ دُخُولُهُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْحَرَمَ .
وَذَكَر الْقَاضِي أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ : يَقْضِيه وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ كَنَذْرِ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ أَدَّى بِهِ نُسُكًا مِنْ سَنَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَدَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يُجَزِّئْهُ وَلَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ ، لِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( و هـ )
وَمَنْ أَرَادَ مَكَّةَ لِقِتَالٍ مُبَاحٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ حَاجَةٍ تُكَرَّرُ ، وَتَرَدَّدَ الْمَكِّيُّ إلَى قَرِيبِهِ بِالْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ ، لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ بِلَا إحْرَامٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقٍّ قَيَّمَهُ لِمَا تَكَرَّرَ لِلْمَشَقَّةِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعُ لِمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِيقَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ الْحَرَمَ إنْ بَدَا لَهُ أَحْرَمَ حَيْثُ بَدَا لَهُ ( و م ش ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّ مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَعَنْ أَحْمَدَ : يَلْزَمُهُ كَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : يُحْرِمُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحِلِّ ، وَكَذَا تَجَدُّدُ إسْلَامٍ وَعِتْقٌ وَبُلُوغٌ نُصَّ عَلَيْهِنَّ ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ [ مِنْهُ ] كَالْقِسْمِ قَبْلَهُ ، وَكَالْمَجْنُونِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَلِهَذَا نَقُولُ : لَوْ أَذِنَ لَهُمَا الْوَلِيُّ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَمْ يُحْرِمَا لَزِمَهُمَا دَمٌ ، كَذَا قَالَ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ .
وَعَنْهُ : يَلْزَمُهُ دَمٌ ، كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ : يَلْزَمُ مَنْ أَسْلَمَ ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ ، كَالْمُسْلِمِ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ ؛ وَلِهَذَا مَنْ لَمْ يَصِلْ مَعَ حَدَثِهِ كَتَرْكِهَا مُتَطَهِّرًا .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : عَلَى الْعَبْدِ دَمٌ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : عَلَى الْكَافِرِ ، وَفِيهِمَا قَوْلَانِ ، وَمَنْ جَاوَزَهُ مَرِيدًا لِلنُّسُكِ أَوْ كَانَ فَرْضُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُحْرِمَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ غَيْرَهُ ، وَأُطْلِقَ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهَيْنِ ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُمَا بَعْدَ إحْرَامِهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ ، فَإِنْ رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ ، وَحُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ .
وَإِنْ أَحْرَمَ دُونَهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ وَلَزِمَهُ دَمٌ ( و ) .
وَعَنْ عَطَاءٍ
وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ : لَا يَلْزَمُهُ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالظَّاهِرِيَّةِ : لَا يَصِحُّ نُسُكُهُ ، وَلَمْ أَجِدْ لِمَنْ احْتَجَّ لِلصِّحَّةِ دَلِيلًا صَحِيحًا ، ثُمَّ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ) لِظَاهِرِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا { مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ } وَلِأَنَّهُ وَجَبَ لِتَرْكِ إحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ أَوْ لَمْ يَطُفْ أَوْ لَمْ يُلَبِّ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَ : وَعَنْ أَحْمَدَ : .
يَسْقُطُ : وَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ : إنْ رَجَعَ قَبْلَ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ عَرَفَةَ سَقَطَ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ مُلَبِّيًا ، وَالْجَاهِلُ وَالنَّاسِي كَالْعَالَمِ الْعَامِدِ ، وَلَا يَأْثَمُ نَاسٍ .
وَسَبَقَ حُكْمُ الْجَاهِلِ آخَرَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَأْثَم ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا دَمَ عَلَى مُكْرَهٍ ، أَوْ أَنَّهُ كَإِتْلَافٍ ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَلْزَمُهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ هَذَا لَمْ يَسْقُطُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، كَدَمٍ مَحْظُورٍ ؛ وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا يَسْقُطُ بِقَضَائِهِ ( و هـ ) لِفِعْلِ الْمَتْرُوكِ وَهُوَ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَأُجِيبُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا .
.
فَصْلٌ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَيَصِحُّ ، قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُغْنِي وَالْمُسْتَوْعِبُ وَغَيْرُهُمْ ( و م ) { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ، وَحَجَّ مَرَّةً وَاعْتَمَرَ مِرَارًا } ، وَكَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِهِ ، وَأَنْكَرَهُ عُمَرُ عَلَى عِمْرَانَ ، وَعُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ ، كَرِهَهُ عُثْمَانُ ، وَكَإِحْرَامِهِ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ ، وَلِعَدَمِ أَمْنِهِ مِنْ مَحْظُورٍ ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ ، كَوِصَالِ الصَّوْمِ ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْأَمْنُ مَعَ احْتِمَالِ مَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنْبَأْنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ قَالَ يَسْتَمْتِعُ الْمَرْءُ بِأَهْلِهِ وَثِيَابِهِ حَتَّى يَأْتِيَ كَذَا وَكَذَا } لِلْمَوَاقِيتِ ، وَرَوَاهُ .
أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْجَوَازَ ، وَالْمُسْتَحَبُّ الْمِيقَاتُ ، هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ .
وَنَقَلَ صَالِحٌ .
إنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : إنْ أَمِنَ مَحْظُورًا ، وَلِلشَّافِعِيِّ خِلَافٌ فِي الْأَفْضَلِ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي التَّرْجِيحِ ، وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ : يَكْرَهُ ، وَبَعْضُهُمْ : يَسْتَحِبُّ إنْ أَمِنَ مَحْظُورًا ، لِخَبَرِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ مُدَلِّسِ [ الْحَدِيثِ ] وَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَتِهِ وَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ { مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } فَرَكِبَتْ أُمُّ حَكِيمٍ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حَتَّى أَهَلَّتْ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ .
وَفِي لَفْظٍ لَهُ مِنْ رِوَايَةٍ ابْنِ لَهِيعَةَ { مَنْ
أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غَفَرَ لَهُ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } وَفِي لَفْظِ { مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ } أَوْ { وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ } شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَّتَهمَا قَالَ : إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، لَيْسَ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَلَا وَجْهَ لِلْكَلَامِ فِيهِ مِنْ قِبَلِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ ، وَانْفَرَدَ ابْنُ سَعْدٍ بِقَوْلِهِ : لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ .
بِتَضْعِيفِهِ نَظَرٌ ، وَكَذَا جَوَابُ الْقَاضِي : قَوْلُهُ : " مَنْ أَهَلَّ " مَعْنَاهُ : مَنْ قَصْدَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَيَكُونُ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : يَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ هَذَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ ، وَلِذَلِكَ أَحْرَمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ يُحْرِمُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ .
وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ : لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الصِّحَّةَ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَبْلَ الْمُخَالِفِ : لَا يَصِحُّ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٍ ، كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَصَوَابُهُ : وَهُوَ مُدَلِّسٌ ، أَوْ وَابْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ .
فَصْلٌ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ ، وَيَصِحُّ حَجُّهُ ( و هـ م ) نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَشِنْدِيّ : يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ .
قَالَ الْقَاضِي : بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : تَنْعَقِدُ عُمْرَةً ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ حَامِدٍ ( و ش ) وَدَاوُد ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : يَجْعَلُهُ عُمْرَةً ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ أَجْزَأَ عَنْهَا وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجَزِّئُ عَنْهَا .
وَقَوْلُ : يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجَزِّئُ عَنْهَا .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : يُكْرَهُ ، قَالَ الْقَاضِي : أَرَادَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ رِوَايَةً : لَا يَجُوزُ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } وَكُلُّهَا مَوَاقِيتُ .
لِلنَّاسِ ، فَكَذَا لِلْحَجِّ ، وَأَحَدُ الْمِيقَاتَيْنِ كَمِيقَاتِ الْمَكَانِ ، وَقَوْلُهُ { الْحَجُّ أَشْهُرٌ } أَيْ مُعْظَمُهُ فِيهَا ، كَقَوْلِهِ : { الْحَجُّ عَرَفَةَ } ، أَوْ أَرَادَ حَجَّ الْمُتَمَتِّعِ .
وَإِنْ أَضْمَرَ الْإِحْرَامَ أَضْمَرْنَا الْفَضِيلَةَ .
وَالْخَصْمُ يُضْمِرُ الْجَوَازَ ، وَالْمُضْمَرُ لَا يَعُمُّ ، وَقَوْلُ الْخَصْمِ : الْحَجُّ مُجْمَلٌ فِي الْقُرْآنِ بَيَّنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِفِعْلِهِ وَقَالَ { خُذُوا عَنِي مَنَاسِكَكُمْ } أَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : بَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَخْذُ الْمُسِنُّونَ مِنْهُ كَالْوَاجِبِ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي شَهْرِ الْحَجِّ ، عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَالْإِحْرَامُ تَتَرَاخَى الْأَفْعَالُ عَنْهُ ، فَهُوَ كَالطَّهَارَةِ وَنِيَّةِ الصَّوْمِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، وَأَمَّا أَبُو الْخَطَّابِ فَقَالَ : الْإِحْرَامُ عِنْدَنَا شَرْطٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ ، وَهِيَ مُجَرَّدُ الْعَزْمِ أَوْ الْقَصْدِ إلَى فِعْلِ الْحَجِّ ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ غَيْرُ الْفِعْلِ ،
فَلَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ الْفِعْلِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى وَقْتِ الْعِبَادَةِ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ .
فَصْلٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ [ ذِي ] ، الْحِجَّةِ .
مِنْهُ يَوْمُ النَّحْرِ ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ [ أَحْمَدُ ] ، ( و هـ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : آخِرُهُ لَيْلَةُ النَّحْرِ ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ : جَمِيعُ الْحِجَّةُ مِنْهَا .
وَجْهُ الْأَوَّلِ : رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ } وَلِلنَّجَّادِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ .
وَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ خِلَافِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ ، قَالَ الْقَاضِي : وَالْعَشْرُ بِإِطْلَاقِهِ لِلْأَيَّامِ شَرْعًا .
قَالَ تَعَالَى { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وَقَالَ هُوَ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا : الْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لَسَبَقَ اللَّيَالِي فَتَقُولُ : سِرْنَا عَشْرًا : وقَوْله تَعَالَى { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } أَيْ فِي أَكْثَرِهِنَّ ، وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْم النَّحْرِ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ لَا لِخُرُوجِ وَقْتِ الْحَجِّ .
وَقَوْلُهُ { الْحَجُّ أَشْهُرٌ } أَيْ فِي بَعْضِهَا ، كَقَوْلِهِ { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا } ثُمَّ الْجَمْعُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى بَعْضٍ آخَرَ كَعِدَّةِ ذَات الْقُرُوءِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ : شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا .
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الْحِنْثِ بِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْإِحْرَامِ فِيهَا ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ ، عَلَى خِلَافٍ سَبَقَ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ : تَعَلُّقُ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْهَا .
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ : لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا فِي كَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فِيهَا .
وَحُجَّةُ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فِي ذِي الْحِجَّة ، عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ أُنَادِي يَوْم الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ، قَالَ أَحْمَدُ : فَهَلْ هَذَا إلَّا فِي ذِي الْحِجَّةِ ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبَ أَحْمَدَ ، وَالْأَشْهَرُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا اتِّفَاقًا ، فَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْخِلَافِ : مَنْ حَجَّ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحُجَّ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ الْإِجْزَاءُ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ احْتَجَّ مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ } فَأَجَابَ : يَحْتَمِلُ .
أَنَّهُ قَالَهُ لِمَنْ حَجَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ ، كَذَا قَالَ ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَا نُسَلِّمُ صِحَّتَهُ ، وَالْمَعْرُوفُ { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ فِي عُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ } .
( الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ ثُمَّ الْجَمْعُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى بَعْضٍ آخَرَ .
كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضٍ آخَرَ .
بِإِسْقَاطِ ( عَلَى ) نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا ، فَفِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَتَانِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ ، فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حِجَّةً } أَوْ قَالَ : { حِجَّةً مَعِي } وَرَوَوْا أَيْضًا " تَعْدِلُ " ، وَلِأَبِي دَاوُد { تَعْدِلُ حِجَّةً مَعِي عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ } ، قَالَ بَعْضُهُمْ : فِي الثَّوَابِ ، وَقَالَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ لِزَوْجِهَا { : قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَلَيَّ حِجَّةٌ ، إلَى أَنْ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ قَدْ سَقِمْت وَكَبِرْت ، فَهَلْ مِنْ عَمَلٍ يُجْزِئُ عَنِّي مِنْ حِجَّتِي ؟ فَقَالَ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تُجْزِئُ حِجَّةً } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ عِنْدَنَا ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ يَكْثُرُ الْقَصْدُ إلَى الْبَيْتِ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَيَتَّسِعُ الْخَيْرُ عَلَى أَهْلِ الْحَرَمِ ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، نَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ [ هِيَ ] فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ ، وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِ .
الْحَجِّ أَفْضَلُ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ، قَالَ : لِأَنَّهَا أَتَمُّ ؛ لِأَنَّهُ يُنْشِئُ لَهَا سَفَرًا ، وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ : إنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ ذَلِكَ فِي عُمْرَةٍ لَا تَمَتُّعَ بِهَا ، بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَا عَنْهُ مِنْ الْقَوْلِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ التَّسْوِيَةِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : يُحْمَلُ قَوْلُهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَكُونُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهَا أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ التَّشَاغُلَ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ ، وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ : عُمْرَةً فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ } .
وَلِلشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ : { فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ } ، وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي عَنْ مَالِكٍ .
وَلَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ : يَعْتَمِرُ مَتَى شَاءَ ( و م ش ) وَدَاوُد ، كَالْإِحْرَامِ
بِالْحَجِّ ، وَكَالطَّوَافِ الْمُجَرَّدِ ، وَكَبَقِيَّةِ الْأَيَّامِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَا دَلِيلَ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً : يُكْرَهُ ( و هـ ) رَوَاهُ النِّجَادُ عَنْ عَائِشَةَ ، وَلِلْأَثْرَمِ عَنْهَا : يَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ التَّشْرِيقِ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إحْرَامِهَا وَلَيْسَ مِنْهَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً : يُكْرَهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ وَاقَعَ قَبْلَ الزِّيَارَةِ : يَعْتَمِرُ إذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، قَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُهُ لَمْ يَرَ الْعُمْرَةَ فِيهَا ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ، لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : الْعُمْرَةُ بَعْدَ الْحَجِّ لَا بَأْسَ بِهَا ، كَذَا قَالَ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ لَا يُحْرِمُ بِهَا مَعَ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مِنًى فِي الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ ، وَالِاخْتِيَارُ تَرْكُهُ .
.
بَابُ الْإِحْرَامِ وَهُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ ، لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِنِيَّةٍ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ : يَنْعَقِدُ بِالتَّلْبِيَةِ وَنِيَّةُ النُّسُكُ كَافِيَةٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ : مَعَ تَلْبِيَةٍ أَوْ سَوْقِ هَدْيٍ ( و هـ ) اخْتَارَهَا شَيْخُنَا ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ، وَحَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَبَعْضُهُمْ حَكَى قَوْلًا : يَجِبُ ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ، وَابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ اعْتَبَرَ مَعَ النِّيَّةِ التَّلْبِيَةِ .
وَجْهُ الْأَوَّلِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَيْسَ فِي آخِرِهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ ، فَكَذَا أَوَّلُهَا ، كَصَوْمٍ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَبِخِلَافِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ فَإِنَّهُ إيجَابُ مَالٍ ، كَالنَّذْرِ .
وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ تَابِعُهُ ، ثُمَّ لِلنَّدَبِ ، لِمَا سَبَقَ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ : تَجِبُ التَّلْبِيَةُ ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَاهُ لَا بِمَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ ( و ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : الِاعْتِبَارُ بِالْعَقْدِ دُونَ النِّيَّةِ .
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَهُ التَّنَظُّفُ لَهُ بِأَخْذِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَنَحْوِهِمَا وَقَطْعِ رَائِحَةٍ ، قَالَ إبْرَاهِيمُ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ .
ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَسَبَقَ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ لَهُ .
وَهَلْ يَتَيَمَّمُ لِعَدَمٍ أَمْ لَا ؟ وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ .
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْحَنَفِيَّةِ : لَمْ يَنَلْ فَضْلَهُ ، كَالْجُمُعَةِ ، كَذَا فِي كَلَامِهِمْ .
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّطَيُّبُ ، سَوَاءً بَقِيَ عَيْنُهُ .
كَالْمِسْكِ ، أَوْ أَثَرُهُ كَالْبَخُورِ ( و هـ ش ) وَلَفْظُ أَحْمَدَ ، لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ، { لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ، وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ } .
وَلِمُسْلِمٍ : { كَأَنِّي