كتاب : الفروع
المؤلف : محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي
الرامينى ثم الصالحي
وَهَلْ يُعْتَبَرُ الذَّهَبُ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحُدَّهُ ؟ أَوْ يُقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ لِتَعَلُّقِهِ بِالزَّكَاةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 1 ) وَنَصَّ أَحْمَدُ فِيمَنْ مَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ : لَا يَأْخُذُ ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَلَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ أَخْذِهِ الزَّكَاةَ مِلْكُهُ نِصَابًا أَوْ قِيمَتَهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ فَقَطْ ( هـ ) أَوْ مِلْكُهُ كِفَايَتُهُ ( م ش ) ، وَعِيَالُهُ مِثْلُهُ ، فَيَأْخُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ أَوْ قَدْرَ كِفَايَتِهِ ، عَلَى الْخِلَافِ ، وَإِنْ ادَّعَاهُمْ قَلَّدَ وَأَعْطَى ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَدَقَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ كَذِبُهُ غَالِبًا ، وَتَشُقُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْغَرِيبِ ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْبَيِّنَةَ ( و ش ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، وَإِنْ ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ عُرِفَ غِنَاهُ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُهُودٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، لِخَبَرِ قَبِيصَةَ ، وَقِيلَ : يُقْبَلُ بِاثْنَيْنِ ( وَ ) كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ قَبِيصَةَ فِي حَلِّ الْمَسْأَلَةِ ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ ، أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ ، وَعَنْهُ : يُعْتَبَرُ فِي الْإِعْسَارِ ثَلَاثَةٌ ، وَاسْتَحْسَنَهُ شَيْخُنَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ آكَدُ ، وَلِخَفَائِهِ ، فَاسْتَظْهَرَ بِالثَّالِثِ ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَلَا يَكْفِي فِي الْإِعْسَارِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : فِيهِ نَظَرٌ ، وَمَنْ جُهِلَ حَالُهُ وَقَالَ لَا كَسْبَ لِي وَلَوْ كَانَ جِلْدًا يُخْبِرُهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ( هـ م ) وَيُعْطِيه بِلَا يَمِينٍ ( وَ ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ ، وَإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ يُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ ، وَقَوْلُهُمْ : أَخْبَرَهُ وَأَعْطَاهُ ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَاحْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعِلْمِ ، وَفِي السُّؤَالِ الْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ
التَّرْجِيحِ ، فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِالشَّكِّ ، وَعَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، مَرْفُوعًا : { لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ : لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ أَبِي يَحْيَى ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ، وَاخْتَلَفَ فِي سَمَاعِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى : وَهُوَ حُجَّةٌ فِي قَبُولِ قَوْلِ السَّائِلِ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ وَإِحْسَانِ الظَّنِّ بِهِ وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَرْفِهِ ، وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ لِلْعِلْمِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَقِيلَ : لِعِلْمٍ يَلْزَمُهُ أُعْطِيَ ، وَإِنْ تَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ فَلَا .
وَهَلْ يُعْتَبَرُ الذَّهَبُ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحُدَّهُ ؟ أَوْ يُقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ لِتَعَلُّقِهَا بِالزَّكَاةِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ : ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِيمَا وَجَدْته بِخَطِّهِ عَلَى تَعْلِيقِهِ ، وَاخْتَارَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ الْوَجْهَ الثَّانِي ، انْتَهَى ، الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ كَمَا قَالَ الْمَجْدُ .
وَلَوْ سَأَلَهُ مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ فَقِيلَ : يُقْبَلُ قَوْلُ الدَّافِعِ فِي كَوْنِهِ فَرْضًا ، كَسُؤَالِهِ مُقَدَّرًا كَعَشَرَةٍ دَرَاهِمَ ، وَقِيلَ : لَا يُقْبَلُ ، كَقَوْلِهِ : شَيْئًا ، إنِّي فَقِيرٌ ، ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَبُو الْمَعَالِي ( م 2 ) .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَلَوْ سَأَلَهُ مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ فَقِيلَ : يُقْبَلُ قَوْلُ الدَّافِعِ فِي كَوْنِهِ فَرْضًا ، كَسُؤَالِهِ مُقَدَّرًا كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَقِيلَ : لَا يُقْبَلُ ، كَقَوْلِهِ شَيْئًا ، إنِّي فَقِيرٌ ، ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَبُو الْمَعَالِي ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَبُولُ قَوْلِ الدَّافِعِ .
قَالَ شَيْخُنَا ، وَإِعْطَاءُ السُّؤَالِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ صَدَقُوا ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { لَوْ صَدَقَ لَمَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ } وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا ، وَأَجَابَ بِأَنَّ السَّائِلَ إذَا قَالَ : أَنَا جَائِعٌ ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ ، وَجَبَ إطْعَامُهُ ، وَهَذَا مِنْ تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } وَإِنْ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ لَمْ يَجِبْ إعْطَاؤُهُمْ ، وَلَوْ سَأَلُوا مُطْلَقًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجِبْ إعْطَاؤُهُمْ وَلَوْ أَقْسَمُوا ؛ لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى مُعَيَّنٍ ، وَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا مِنْ الْخَبَرِ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ : { لَوْلَا أَنَّ الْمَسَاكِينَ يَكْذِبُونَ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُمْ } وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : لَيْسَ بِصَحِيحٍ .
وَإِطْعَامُ الْجَائِعِ وَنَحْوِهِ وَاجِبٌ ( عِ ) مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِك فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا ، وَلِمَالِكٍ هَذَا الْمَعْنَى ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ } وَذَكَرَ عِقَابَهُ .
وَفِيهِمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ { مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ } وَذَكَرَ عِقَابَهُ وَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ { أَنَا مَالُك أَنَا كَنْزُك } قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ بَعْدَ
أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ الْمَالِ إلَيْهَا ، قَالَ ( م ) يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فِدَاءُ أَسْرَاهُمْ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ أَمْوَالَهُمْ ، وَهَذَا ( ع ) أَيْضًا ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ : نَحْوُ مُوَاسَاةِ قَرَابَةٍ وَصِلَةِ إخْوَانٍ وَإِعْطَاءِ سَائِلٍ وَإِعَارَةِ مُحْتَاجٍ دَلْوهَا ، وَرُكُوبِ ظَهْرِهَا ، وَإِطْرَاقِ فَحْلِهَا وَسَقْيِ مُنْقَطِعٍ حَضَرَ حِلَابَهَا حَتَّى يُرْوَى .
وَسَبَقَ حَدِيثُ جَابِرٍ آخِرُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ ، فَالْعَمَلُ بِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ أَوْلَى .
وَقَدْ قِيلَ فِي مَوْضِعٍ : إنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُوَاسَاةُ ، وَهَذَا يُبْطِلُ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ ، وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّهُ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ إنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ مَكِّيَّةً ، وَإِنْ كَانَتْ مَدَنِيَّةً فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا } وَالزَّكَاةُ وَجَبَتْ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَتَيْنِ ، بِلَا شَكٍّ ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِهِ إنْ صَحَّ { إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِك فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا : إنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْآيَةَ الْمُرَادُ بِهَا الزَّكَاةُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقُّ سِوَى الزَّكَاةِ ، وَمَا جَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَقِيلَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ ، قَالَ : وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمَسْرُوقٌ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ ، وَأَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ، مِنْ فَكِّ الْأَسِيرِ وَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَالْمُوَاسَاةِ فِي الْعُسْرِ وَصِلَةِ الْقَرَابَةِ ، كَذَا قَالَ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ، وَهَذَا عَجِيبٌ ، وَهُوَ غَرِيبٌ .
وَلَوْ جُهِلَ حَالُ السَّائِلِ ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كَيَّتَانِ لِمَنْ خَلَفَ دِينَارَيْنِ } قَالَ : لَعَلَّ ذَلِكَ إلَى مَنْ كَانَ يُظْهِرُ التَّجَرُّدَ وَالْفَقْرَ لِحَالِهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ لِمَكَانِ التَّزْوِيرِ لَا لِتَحْرِيمِ الِادِّخَارِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ عَقِيلٍ : أَظْهَرَ [ ذَلِكَ ] لِيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ لِيُطْعَمَ وَنَحْوُهُ .
مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و م ش ) فَالْغَنِيُّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يُوجِبُهَا ، وَنَوْعٌ يَمْنَعُهَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى السُّؤَالِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا ، وَلِكَثْرَةِ التَّأَذِّي بِتَكْرَارِ السُّؤَالِ .
وَعَنْهُ : يَحْرُمُ السُّؤَالُ لَا الْأَخْذُ عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ غَدَاءً وَعِشَاءً ، ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( و هـ ) فَيَكُونُ غَنِيٌّ ثَالِثًا يُمْنَعُ السُّؤَالُ ، وَعَنْهُ : غَدَاءٌ أَوْ عِشَاءٌ ، لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الْخَبَرِ .
وَعَنْهُ : خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْخَلَّالُ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ : إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُعْطِيه أَوْ خَافَ أَنْ يَعْجَزَ عَنْ السُّؤَالِ أُبِيحَ لَهُ السُّؤَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَسْأَلَ فَوْقَ مَا يَكْفِيه لِسَنَتِهِ ، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ الْحَدِيثُ فِي الْغَنِيِّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا ، فَإِنَّهَا تَكْفِي الْمُنْفَرِدَ الْمُقْتَصِدَ لِسَنَتِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةٌ تُحَرِّمُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَنْ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : اتَّفَقُوا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ قَوِيٍّ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ غَنِيٍّ إلَّا مَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً أَوْ سَأَلَ سُلْطَانًا أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ قُوتِ الْيَوْمِ فَلَيْسَ غَنِيٌّ ، كَذَا قَالَ ، نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرَّجُلِ لَهُ الْأَخُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَيَرَى عِنْدَهُ الشَّيْءَ يُعْجِبُهُ فَيَقُولُ : هَبْ هَذَا لِي ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَهُمَا ، وَلَعَلَّ الْمَسْئُولَ يُحِبُّ أَنْ يَسْأَلَهُ أَخُوهُ ذَلِكَ ، قَالَ : أَكْرَهُ الْمَسْأَلَةَ كُلَّهَا ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَلَدِ أَيْسَرُ ، وَذَلِكَ { أَنَّ
فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَتْهُ } : وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَالَ : قَدْ أَخَذْتُهُ بِكَذَا فَهَبْ لِي فِيهِ كَذَا ، فَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ : لَا تُعْجِبُنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِثَلَاثٍ } وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْحَاجَةَ فَيُسْتَوْهَبُ عَلَيْهَا : لَا يُعْجِبُنِي ، وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى رُبَّمَا اشْتَرَيْت الشَّيْءَ : وَأَقُولُ لَهُ أَرْجِحْ لِي ، فَقَالَ : هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا تُعْجِبُنِي ، وَنَقَلَ حَرْبٌ : إنْ اسْتَوْضَعَهُ أَوْ اسْتَوْهَبَهُ لَا يَجُوزُ ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : يُكْرَهُ ، قَالَ الْقَاضِي : كَرِهَهُ أَحْمَدُ وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ مَا سَأَلَهُ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَّائِلُ إمْضَاءَ الْعَقْدِ بِدُونِهَا ، فَيَصِيرُ ثَمَنًا لَا هِبَةً .
وَسُؤَالُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَشِسْعِ النَّعْلِ أَوْ الْحِذَاءِ هَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْمَنْعِ أَمْ يُرَخَّصُ فِيهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 3 ) وَلَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ شُرْبِ الْمَاءِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَالَ فِي الْعَطْشَانِ لَا يُسْتَسْقَى : يَكُونُ أَحْمَقُ .
وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَارَةِ وَالِاقْتِرَاضِ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا ، قَالَ الْآجُرِّيُّ : يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حِلَّ الْمَسْأَلَةِ وَمَتَى تَحِلُّ ، وَمَا قَالَهُ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ فِي أَنْ تَعْلَمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ لِدِينِهِ فَرْضٌ ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ السَّابِقِ فِي آخِرِ الْإِمَامَةِ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ جَوَازُهُ ، قَالَ الْآجُرِّيُّ : وَلَمَّا عَلِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ ذَلِكَ السَّائِلِ كَانَتْ اسْتِكْثَارًا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ فَنَثَرَ ذَلِكَ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ ، الْمُرَادُ : لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهُ فَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ .
( مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَسُؤَالُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَشِسْعِ النَّعْلِ أَوْ الْحِذَاءِ هَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْمَنْعِ أَمْ يُرَخَّصُ فِيهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، إحْدَاهُمَا يُرَخَّصُ فِيهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُمْنَعُ مَنْ طَلَبَهُ كَغَيْرِهِ .
وَهِيَ بَعِيدَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ : وَإِنْ أَخَذَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ [ إنَّمَا ] أَعْطَاهُ حَيَاءً لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ ، فَدَلَّ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ ، وَعُمُومُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ ، وَلَنَا خِلَافٌ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ ، وَهَذَا أَوْلَى أَوْ مِثْلُهُ ، وَقَدْ { أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السُّؤَالِ مَنْ لَا يُرِيدُ إعْطَاءَهُ } ، وَعَدَمُ الْبَرَكَةِ فِيهِ لَا تَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ ، كَأَخْذِهِ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمٍ لَمَّا { سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا فَأَعْطَاهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بِوَرِكِ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ } وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : إنَّ طِيبَ النَّفْسِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الدَّافِعِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ الْآخِذِ وَفِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ : عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ قَالَ : مَا جَاءَ بِمَسْأَلَتِك فَإِنَّك اكْتَسَبْت فِيهِ السُّؤَالَ ، وَلَعَلَّ الْمَسْئُولَ اسْتَحَى أَوْ خَافَ رَدَّك .
وَلَا خَيْرَ فِي مَالٍ خَرَجَ لَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ : أَنَّ الشِّبْلِيَّ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ بَعْضِ أَرْبَابِ الدُّنْيَا ، فَقَالَ لَهُ : يَا شِبْلِيُّ ، اُطْلُبْ مَنْ لِلَّهِ ، فَقَالَ : أَنَا أَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ وَأَطْلُبُ الدُّنْيَا مِنْ خَسِيسٍ مِثْلِك ، فَبَعَثَ إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ كَانَ بَعَثَ إلَيْهِ اتِّقَاءَ ذَمِّهِ فَقَدْ أَكَلَ الشِّبْلِيُّ الْحَرَامَ .
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ الْقَوْلَ بِتَحْرِيمِ الْجُلُوسِ عِنْدَ مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا ، قَالَ : وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ إذْنُهُ اسْتِحْيَاءً ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا { إنَّمَا أَنَا خَازِنٌ فَمَنْ أَعْطَيْته عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَعْطَيْته عَنْ مَسْأَلَةٍ وَشَرَهٍ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ لَا يَشْبَعُ } ، وَفِي لَفْظٍ { لَا تُلْحِفُوا
فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاَللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتَخْرُجُ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْته } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ ذَكَرِهِمْ مَا سَبَقَ مِنْ إشْرَافِ النَّفْسِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، مَعَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ فِيهِمَا وَاحِدٌ ، فَقَدْ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ ، وَلَا مُنَافَاةَ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُبَاحَةِ .
{ وَكُرِهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثْرَةُ الْمَسْأَلَةِ مَعَ إمْكَانِ الصَّبْرِ وَالتَّعَفُّفِ } ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَدَمِ الْبَرَكَةِ ، كَإِشْرَافِ النَّفْسِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ نَقْلُ الْمِلْكِ ، وَلَا يَنْتَقِلُ مَعَ تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ .
عَلَى مَا سَيَأْتِي ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { فَمَنْ يَأْخُذُ مَالًا بِحَقِّهِ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ يَأْخُذُ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ } وَفِي لَفْظٍ { إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ } وَفِي لَفْظٍ { إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكَيْنِ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ } أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ وَيُتَوَجَّهُ عُدُولُ مَنْ أُبِيحَ لَهُ السُّؤَالُ إلَى رَفْعِ قِصَّةٍ أَوْ مُرَاسَلَةٍ ، قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ فِيمَنْ لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ : لِيَرْفَعَهَا فِي رُقْعَةٍ وَلَا يُوَاجِهُنِي فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَرَى فِي وَجْهِ أَحَدِكُمْ ذُلَّ الْمَسْأَلَةِ .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ وَتَمَثَّلَ فَقَالَ : مَا اعْتَاضَ بَاذِلٌ وَجْهَهُ بِسُؤَالِهِ عِوَضًا وَلَوْ نَالَ الْغِنَى بِسُؤَالِ وَإِذَا السُّؤَالُ مَعَ النَّوَالِ وَزَنْته رَجَحَ السُّؤَالُ وَخَفَّ كُلُّ نَوَالِ .
وَمَا جَاءَهُ مِنْ مَالٍ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ وَجَبَ أَخْذُهُ ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ : عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ ، { لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْهُ } وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ إنْ كَانَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَيْضًا هَذَا الْخَبَرَ وَقَالَ : هَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالٍ طَيِّبٍ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : أَخَافُ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ رَدَّهُ ، وَقَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : لَا بَأْسَ إذَا كَانَ عَنْ غَيْرِ اسْتِشْرَافٍ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَأْخُذَ ، هُوَ بِالْخِيَارِ ، كَذَا تَرْجَمَ الْخَلَّالُ أَنَّ الْقَبُولَ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْرَافٍ ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ وَقَالَ : دَعْنَا نَكُونُ أَعِزَّاءَ ، وَرَدَّ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ : أَيُّ شَيْءٍ تَكُونُ الْحُجَّةُ أَوْ كَيْفَ يَجُوزُ ؟ فَقَالَ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ الرَّجُلَ يَجُوزُ إذَا تَعَوَّدَ لَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ .
وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي كَرَاهَةِ الرَّدِّ رِوَايَتَيْنِ ، وَعَلَّلَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ بِمَا فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ رِوَايَةً بِجَوَازِ الرَّدِّ وَقَالَ : قَدْ بَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَأَنَّ هَذَا يَحْمِلُ النُّصُوصَ الْمَذْكُورَةَ لِلْوُجُوبِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ إذَا سَلِمَ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالْآفَاتِ ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَخْذُهُ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ سَلَامَتِهِ مِنْ الشُّبْهَةِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَلَا يَجِبُ قَبُولُ الْمَكْرُوهِ ، وَهَذَا مَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَائِزَةِ السُّلْطَانِ ، مَعَ قَوْلِهِ : هِيَ خَيْرٌ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ : يَجِبُ مَا لَمْ يَحْرُمْ ، وَقَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ ، قَالَ : لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي وُجُوبِ النَّصِيحَةِ ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ عَلَيْهِ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ اتَّقَاهُ
فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ فَيُؤْجَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، ثُمَّ مِنْ الْجَهْلِ اسْتِسْهَالَ الْمَرْءِ أَخْذَ مَالِ زَيْدٍ فِي بَيْعٍ أَوْ أُجْرَةٍ ثُمَّ يَتَجَنَّبُهُ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِطِيبِ نَفْسٍ ، ثُمَّ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } قَالَ : وَكَانَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرُدَّانِ مَا أُعْطِيَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ كَغَيْرِهِ ، وَحُصُولُ الْخِلَافِ فِيهَا ، وَتَشْدِيدُ أَحْمَدَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ : يُسْتَحَبُّ الْقَبُولُ فِي غَيْرِ عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ وَأَمَّا عَطِيَّةُ السُّلْطَانِ فَحَرَّمَهَا قَوْمٌ ، وَأَبَاحَهَا قَوْمٌ ، وَكَرِهَهَا قَوْمٌ ، قَالَ : وَالصَّحِيحُ إنْ غَلَبَ الْحَرَامُ فِيمَا فِي يَدِ السُّلْطَانِ حُرِّمَتْ ، وَإِلَّا أُبِيحَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَابِضِ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ الْأَخْذَ مِنْ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ ، وَاسْتَحَبَّهُ آخَرُونَ فِي عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهِ .
وَإِنْ اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ : سَيَبْعَثُ لِي فُلَانٌ أَوْ لَعَلَّهُ يَبْعَثُ لِي وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَوْ تَعَرَّضَ بِقَلْبِهِ عَسَى أَنْ يَفْعَلَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : لَا بَأْسَ بِالرَّدِّ ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد : وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ الرَّدَّ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ رَدَّهَا ، وَقَالَ لَهُ الْأَثْرَمُ : فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا يَرُدُّ الْمَسْأَلَةَ ؟ قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ ، وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ : يَحْرُمُ أَخْذُهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم : لَا يَأْخُذُهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هَذَا لِلِاسْتِحْبَابِ ، وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ، لِعَدَمِ الْمَسْأَلَةِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ أَخْذُهُ ، وَقِيلَ : رَدُّهُ أَوْلَى ( م 4 ) وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ وَكَلَامُ أَبِي الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالْمَسْأَلَةِ ، لِتَحْرِيمِ سَبَبِهِ وَهُوَ السُّؤَالُ ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَلَهُمْ وَجْهٌ ضَعِيفٌ : لَا يُحَرِّمَانِ ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : بِشَرْطِ أَنْ لَا يُذَلَّ وَلَا يَلِحَّ وَلَا يُؤْذَى الْمَسْئُولُ ، وَإِلَّا حَرُمَ اتِّفَاقًا .
وَإِنْ سَأَلَ لِرَجُلٍ مُحْتَاجٍ فِي صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ ، فَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَكَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ لِغَيْرِهِ ؟ التَّعْرِيضُ أَعْجَبُ إلَيَّ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا ، وَلَكِنْ يَعْرِضُ ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَسْأَلْ ، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ : رُبَّمَا سَأَلَ رَجُلًا فَمَنَعَهُ فَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهُ قَالَ لِسَائِلٍ : لَيْسَ هَذَا عَلَيْك .
وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ .
مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إلَى الْأَخْذِ بِأَنْ قَالَ سَيَبْعَثُ لِي فُلَانٌ أَوْ لَعَلَّهُ يَبْعَثُ لِي وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَوْ تَعَرَّضَ بِقَلْبِهِ عَسَى أَنْ يَفْعَلَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ لَا بَأْسَ بِالرَّدِّ ، زَادَ أَبُو دَاوُد : وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ الرَّدَّ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ رَدَّهَا ، وَقَالَ لَهُ الْأَثْرَمُ : فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا يَرُدُّ الْمَسْأَلَةَ ؟ قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ ، وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ : يَحْرُمُ أَخْذُهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم : لَا يَأْخُذُهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هَذَا لِلِاسْتِحْبَابِ ، وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ الرَّوِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ، لِعَدَمِ الْمَسْأَلَةِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ أَخْذُهُ ، وَقِيلَ : رَدُّهُ أَوْلَى ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ .
( قُلْت ) : قَوَاعِدُ الْإِمَامِ وَمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ وَفِعْلِهِ مَعَ النَّاسِ كَرَاهَةُ قَبُولِ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ ، وَالْقَبُولَ مُبَاحٌ ، وَحُمِلَ مَا وَرَدَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ مَنْعِ الْأَخْذِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لِلْمُحْتَاجِ أَمْ لَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ( م 5 ) .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ سَأَلَ لِرَجُلٍ مُحْتَاجٍ فِي صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ ، فَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَكَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ لِغَيْرِهِ ؟ التَّعْرِيضُ أَعْجَبُ إلَيَّ ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَجَمَاعَةٌ : لَا ، وَلَكِنْ يُعَرِّضُ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لِلْمُحْتَاجِ أَمْ لَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، انْتَهَى كَلَامُهُمَا ، إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ إنْ عَلِمَ حَاجَةَ مَنْ طَلَبَ لِأَجْلِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ السُّؤَالُ لَهُ ، وَالتَّعْرِيضُ لَا يَكْفِي ، خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُحْتَاجُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ الْحَيَاءِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ وَلَكِنْ يَعْرِضُ .
وَمَنْ أُعْطِي شَيْئًا لِيُفَرِّقَهُ فَهَلْ الْأَوْلَى أَخْذُهُ أَوْ عَدَمُهُ ؟ حَسَّنَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمَ الْأَخْذِ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَأَخَذَ هُوَ وَفَرَّقَ ، فِي رِوَايَةٍ ( م 6 )
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ أَعْطَى شَيْئًا لِيُفَرِّقَهُ ، فَهَلْ الْأَوْلَى أَخْذُهُ أَمْ عَدَمُهُ ؟ حَسَّنَ أَحْمَدُ عَدَمَ الْأَخْذِ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَأَخَذَ هُوَ وَفَرَّقَ فِي رِوَايَةٍ ، انْتَهَى ، ( قُلْت ) : طَرِيقَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي أَغْلِبْ أَحْوَالِهِ عَدَمُ الْأَخْذِ ، وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ إنْ كَانَ يَحْصُلُ بِالْأَخْذِ إعْطَاءُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِمَّنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ بِعَدَمِ أَخْذِهِ تَوَجَّهَ رُجْحَانُ الْأَخْذِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَمَنْ سَأَلَ غَيْرَهُ الدُّعَاءَ لِنَفْعِهِ أَوْ نَفْعِهِمَا أَثْبَتَ ، وَإِنْ قَصَدَ نَفَعَ نَفْسِهِ فَقَطْ نَهَى عَنْهُ ، كَالْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ لَا يَأْثَمُ ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ ، وَيَأْتِي قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : كَانُوا يَغْتَنِمُونَ أَدْعِيَةَ الْحَاجِّ قَبْلَ أَنْ يَتَلَطَّخُوا بِالذُّنُوبِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أُمَّ أَنَسٍ قَالَتْ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ لَهُ ، قَالَ : فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ ، وَكَانَ مِنْ آخِرِهِ اللَّهُمَّ أَكْثَرِ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِمَا } قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِيهِ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ ، وَجَوَازُ الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ مَعَ الْبَرَكَةِ فِيهِمَا ، وَفِي مُسْلِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ } وَلَهُ رِوَايَةٌ : قَالَ لِعُمَرَ { إنْ اسْتَطَعْت أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَك فَافْعَلْ } قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِيهِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ .
وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ ، لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الدُّعَاءِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، لَكِنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ يَنْوُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَطْلُبُونَ مِنْهُ الدُّعَاءَ إذَا دَعَا لَهُمْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ عَلَى دُعَائِهِ لَهُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَجْرِهِ لَوْ دَعَا لِنَفْسِهِ وَحْدَهَا ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ مَلَكًا كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِدَعْوَةٍ قَالَ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَك بِمِثْلٍ } { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا عَلِيُّ ، عُمَّ ، فَإِنَّ فَضْلَ الْعُمُومِ عَلَى الْخُصُوصِ كَفَضْلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ } { وَقَوْلُهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَنْسَنَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِك } قَالَ : وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ
يَسْأَلُونَهُ الدُّعَاءَ لَهُمْ .
فَصْلٌ الثَّالِثُ الْعَامِلُ عَلَيْهَا كَالْجَابِي وَالْكَاتِبِ وَالْقَاسِمِ وَالْحَاشِرِ وَالْحَافِظِ وَالْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَالْعَدَّادِ وَمَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : الْكَتَبَةُ مِنْ الْعَامِلِينَ ؟ قَالَ : مَا سَمِعْت .
وَأُجْرَةُ كَيْلِ الزَّكَاةِ وَوَزْنِهَا وَمُؤْنَةِ دَفْعِهَا عَلَى الْمَالِكِ .
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعَامِلِ مُكَلَّفًا [ ( و ) ] أَمِينًا [ ( وَ ) ] وَكَذَا إسْلَامُهُ ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ ( وَ ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ، وَلِاشْتِرَاطِ الْأَمَانَةِ ، فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تَأْمَنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ .
وَعَنْهُ : لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( م 7 ) .
مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعَامِلِ مُكَلَّفًا أَمِينًا ، وَكَذَا إسْلَامُهُ فِي رِوَايَةٍ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ .
وَعَنْهُ .
لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَفِي الْكَافِرِ وَقِيلَ الذِّمِّيُّ رِوَايَتَانِ ، إحْدَاهُمَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : أَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : هَذَا الْمَذْهَبِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ .
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، انْتَهَى ( قُلْت ) مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْفُصُولِ وَالتَّذْكِرَةِ وَالْمُبْهِجِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّاءِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَامِلًا فِي زَكَاةٍ خَاصَّةٍ عُرِفَ قَدْرُهَا وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) بَنَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ هُنَا عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ : إنْ قُلْنَا مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ لَمْ يُشْتَرَطْ إسْلَامُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ زَكَاةٌ اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ
أُجْرَةٌ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ بَيْعًا وَابْتِيَاعًا ، كَذَا قَالَ ، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ : إنَّمَا هِيَ إجَارَةٌ أَوْ وَكَالَةٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَلَّى لَمْ يَأْخُذْ بِحَقِّ عِمَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ السَّاعِي بِحَقِّ جِبَايَتِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَيُتَوَجَّهُ مِنْ هَذَا فِي الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ الْأَمِينِ تَخْرِيجُ ، وَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ إذَا عَمِلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى الزَّكَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ : الْعَامِلُ هُوَ السُّلْطَانُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الثَّمَنَ فِي كِتَابِهِ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ نَحْوَهُ ، كَذَا ذُكِرَ ، وَمُرَادُ أَحْمَدَ : إذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا فَلَا اخْتِلَافَ ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ .
وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى وَجْهَانِ ، الْأَشْهَرُ لَا .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، كَقَرَابَةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ ، وَالْأَظْهَرُ بَلَى ( ش ) .
وَقَالَ الشَّيْخُ : إنْ أَخَذَ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ ، وَقِيلَ : إنْ مُنِعَ مِنْ الْخُمُسِ جَازَ ( م 8 ) وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ ( هـ ش ) وَلَا فَقْرُهُ ( وَ ) وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( ع ) فِيهِ ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ ، وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ فِي عِمَالَةِ تَفْوِيضٍ لَا تَنْفِيذٍ وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَامِلًا فِي زَكَاةٍ خَاصَّةٍ عُرِفَ قَدْرُهَا ، وَإِلَّا فَلَا .
وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ : مِنْ شَرْطِ الْعَامِلِ الْفِقْهِ ؟ فَقَالَ : مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَجِنْسُهُ ، كَمَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ مَعْرِفَةَ كَيْفَ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ مِنْ عُمَّالِ التَّفْوِيضِ ، وَإِنْ كَانَ مُنَفِّذًا فَقَدْ عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ مَا يَأْخُذُهُ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطْ إذَا كَتَبَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ ، كَسُعَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَمَانَةِ الْعَدَالَةُ ، وَجَزَمَ بِاشْتِرَاطِهَا فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَسَبَقَ قَوْلُهُمْ إنَّهَا وِلَايَةٌ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُوَكِّلُ إلَّا أَمِينًا ، وَأَنَّ الْفِسْقَ يُنَافِي ذَلِكَ ، وَيُتَوَجَّهُ مِنْ جَوَازِ كَوْنِهِ كَافِرًا كَوْنُهُ فَاسِقًا مَعَ الْأَمَانَةِ ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ ، وَإِلَّا فَلَا يُتَوَجَّهُ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ مَعَ الْأَمَانَةِ دُونَ الْإِسْلَامِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَالْحَمَّالُ وَنَحْوُهُمَا كَافِرًا أَوْ عَبْدًا وَغَيْرَهُمَا ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ
كَافِيًا وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ لَا يُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ ، وَمَنْ وَكَّلَ مَنْ يُفَرِّقُ زَكَاتَهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً فِي الْمَنْصُوصِ ( وَ ) وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) وَعَنْهُ : الثَّمَنُ مِمَّا يُجِيبُهُ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فَعَلَيْهَا إنْ جَاوَزَتْ أُجْرَتُهُ الثَّمَنَ أُعْطِيَهُ مِنْ مَالِ الْمُصَالِحِ [ ( ش ) ] وَيُقَدَّمُ بِأُجْرَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَهُ الْأَخْذُ وَإِنْ تَطَوَّعَ بِعَمَلِهِ ، ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَمْرَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعِمَالَةٍ فَقَالَ : إنَّمَا عَمِلْت لِلَّهِ .
فَقَالَ إذَا أُعْطِيت شَيْئًا مِنْ غَيْرِ تَسْآلَ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْعَامِلِ حَقَّهُ مِنْ تَحْتَ يَدِهِ ، فَيَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَمَا قَالَهُ مُتَوَجِّهٌ ، وَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى } وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا { الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ كَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَحَسَّنَهُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ .
وَفِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { إنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الْأَمِينَ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَى الَّذِي أَمَرَ لَهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَسَبَقَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ { الْمُتَعَدِّي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا } وَعَنْ جَرِيرٍ { أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَعْرَابِ قَالُوا
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ نَاسًا مِنْ الْمُصَدِّقِينَ يَأْتُونَا فَيَظْلِمُونَنَا ، فَقَالَ أَرْضُوا مُصَدِّقَكُمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ : { قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَإِنْ ظَلَمُونَا ؟ قَالَ : وَإِنْ ظُلِمْتُمْ } وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ بَعْضَ الظُّلْمِ لَا يَفْسُقُ ، وَإِلَّا لَانْعَزَلَ وَلَمْ يُجْزِئْ الدَّفْعُ .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : قَدْ يَكُونُ الظُّلْمُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، كَذَا قَالَ ، وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ : { قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ ، عَلَيْنَا ، أَفَنَتَكَتَّمُ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ : لَا } وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الظُّفْرِ آخِرَ طَرِيقِ الْحُكْمِ .
مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى وَجْهَانِ ، الْأَشْهَرُ لَا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ : وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، كَقَرَابَةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ ، وَالْأَظْهَرُ بَلَى .
وَقَالَ الشَّيْخُ : إنْ أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ ، وَقِيلَ : إنْ مُنِعَ مِنْ الْخُمُسِ جَازَ .
انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ ، إحْدَاهُمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، عَلَى مَا اصْطَلَحْته فِي الْخُطْبَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ الْمُسَدِّدُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهُوَ الْأَشْهَرُ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ : قَالَهُ أَصْحَابُنَا ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : هَذَا الْأَظْهَرُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّاءِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُ فِي الشُّرُوطِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ أَيْضًا : إنْ أَخَذَ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ تَمِيمٍ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِذَا تَلِفَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ ، وَيُعْطَى أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَقِيلَ : لَا يُعْطَى شَيْئًا [ ( و هـ ) ] قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ لَهُ جُعْلٌ عَلَى عَمَلِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَبْلَ تَكْمِيلِهِ ، وَإِنْ عَقَدَ لَهُ إجَارَةً وَعَيَّنَ أُجْرَتَهُ مِمَّا يَأْخُذُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ تَلَفِ مَا أَخَذَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَوْ بَعَثَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا أُعْطِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
وَيُخَيِّرُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ نَفَلَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا تَسْمِيَةِ شَيْءٍ ، وَإِنْ شَاءَ عَقَدَ لَهُ إجَارَةً ، وَلِلْعَامِلِ تَفْرِقَةُ الزَّكَاةِ إنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ ، لِخَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِذَا تَأَخَّرَ الْعَامِلُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ تَشَاغُلًا بِأَخْذِهَا مِنْ نَاحِيَةٍ اُقْتُصِرَ عَلَى هَذَا فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ : أَوْ عُذْرٌ غَيْرُهُ انْتَظَرَهُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ وَلَمْ يَخْرُجُوا ، وَإِلَّا أَخْرَجُوا بِأَنْفُسِهِمْ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْعَامِلُ وَقَدْ أَخْرَجُوا ، وَكَانَ اجْتِهَادُهُ مُؤَدِّيًا إلَى إيجَابِ مَا أَسْقَطَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ نَظَرٌ : فَإِنْ كَانَ وَقْتَ مَجِيئِهِ بَاقِيًا فَاجْتِهَادُ الْعَامِلِ أَمْضَى ، وَإِنْ كَانَ فَانِيًا فَاجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ أَنْفَذُ ، وَأَبْدَلُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَقْتُ مَجِيئِهِ " : وَقْتُ الْإِمْكَانِ .
وَإِنْ أَسْقَطَ الْعَامِلُ أَوْ أَخَذَ دُونَ مَا يَعْتَقِدُ الْمَالِكُ وُجُوبَهُ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ ، زَادَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا آخِرُ الْخَلْطَةِ ، وَلَا وَجْهَ لِتَعَلُّقِ الْقَاضِي بِمَا نَقَلَهُ حَرْبٌ : إذَا لَمْ يَأْخُذْ السُّلْطَانُ مِنْهُ تَمَامَ الْعُشْرِ يُخْرِجُ تَمَامَ الْعُشْر يَتَصَدَّقُ بِهِ .
تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ قَوْلُهُ : وَإِذَا تَلْفِتْ الزَّكَاةُ بِيَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ ، وَيُعْطَى أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَقِيلَ : لَا يُعْطَى شَيْئًا ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَالْأَصَحُّ إلَى آخِرِهِ هَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ ، وَصَوَابُهُ : وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ إلَى آخِرِهِ ، بِزِيَادَةِ وَاوٍ قَبْلُ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، فَهُوَ مُغَايِرٌ لَهُمَا ، لِأَنَّهُ مُفَصَّلٌ ، وَحَذَفَ الْهَاءَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَاخْتَارَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا اخْتَارَهُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَزِيَادَةِ " هُوَ " قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالْأَصَحُّ " كَمَا قَرَرْنَاهُ أَوَّلًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ دَفْعَ زَكَاتِهِ إلَى الْعَامِلِ فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ ، وَحَلَفَ الْعَامِلُ وَبَرِئَ ، وَإِنْ ادَّعَى الْعَامِلُ الدَّفْعَ إلَى فَقِيرٍ صُدِّقَ الْعَامِلُ فِي الدَّفْعِ ، وَالْفَقِيرُ فِي عَدَمِهِ ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهَا وَلَوْ عُزِلَ ، وَيَأْتِي حُكْمُ هَدَيْته فِي الْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ عَلَيْهِ فِي وَضْعِهَا غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَا فِي أَخْذِهَا مِنْهُمْ ، وَإِنْ شَهِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَبْلَ التَّنَاكُرِ وَالتَّخَاصُمِ قُبِلَ وَغُرِّمَ الْعَامِلُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ شَهِدَ أَهْلُ السَّهْمَانِ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ حِسَابِ مَا تَوَلَّاهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يُحْتَمَلُ ضِدُّهُ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ } ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِيهِ مُحَاسَبَةُ الْعُمَّالِ لِيَعْلَمَ مَا قَبَضُوهُ وَمَا صَرَفُوهُ ، وَكَالْخَرَاجِ ، وَقَالَهُ ( هـ ) فِي الْعُشْرِ ، وَيُتَوَجَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ : يَلْزَمُهُ مَعَ التُّهْمَةِ ، وَيَأْتِي حُكْمُ نَاظِرِ الْوَقْفِ .
فَصْلٌ الرَّابِعُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ ، وِفَاقًا لِلْأَصَحِّ لِلْمَالِكِيَّةِ .
وَهُمْ رُؤَسَاءُ قَوْمِهِمْ مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ أَوْ كَفُّ شَرِّهِ ، وَمُسْلِمٌ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ أَوْ إسْلَامُ نَظِيرِهِ أَوْ نُصْحُهُ فِي الْجِهَادِ أَوْ ذَبُّهُ عَنْ الدِّينِ أَوْ قُوَّةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ مَانِعِهَا أَوْ كَفُّ شَرِّهِ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ضَعْفِ إسْلَامِهِ لَا أَنَّهُ مُطَاعٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَيُعْطِي الْغَنِيُّ مَا يَرَى الْإِمَامُ ، أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ ، وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ : مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ ، وَلَا يُزَادُ ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ .
وَعَنْهُ .
انْقِطَاعُ حُكْمِهِمْ ( و هـ م ) وَعَنْهُ : مَعَ كُفْرِهِمْ ( و ش ) فَعَلَيْهَا يُرَدُّ سَهْمُهُمْ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ أَوْ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ فَقَطْ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا رَوَاهُ حَنْبَلٌ ، وَذَكَرَ النَّصَّ السَّابِقَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ دَلِيلًا ، ثُمَّ هَلْ يَحِلُّ لِلْمُؤَلَّفِ مَا يَأْخُذُهُ ؟ يُتَوَجَّهُ إنْ أَعْطَى الْمُسْلِمُ لِيَكُفَّ ظُلْمُهُ لَمْ يَحِلَّ ، كَقَوْلِنَا فِي الْهَدِيَّةِ لِلْعَامِلِ لِيَكُفَّ ظُلْمُهُ ، وَإِلَّا حَلَّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ الْخَامِسُ الرِّقَابُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ .
قَالَ جَمَاعَةٌ : وَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ الْمَالِ فَيَأْخُذُونَ مَا يُؤَدُّونَ لِعَجْزِهِمْ وَلَوْ مَعَ الْقُوَّةِ وَالْكَسْبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : إذَا حَلَّ نَجْمٌ ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ فِي الْمُؤَجَّلِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ مُكَاتَبٌ بِلَا بَيِّنَةٍ ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ [ لِلتُّهْمَةِ ] وَفِيهِ وَجْهٌ ، لِبُعْدِ احْتِمَالِ الْمُوَاطَأَةِ مَعَ وُجُودِهِ مَعَ الْبَيِّنَةِ .
وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : لَا ( و هـ ش ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهِيَ أَقْيَسُ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقَّهُ بِمَالِهِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَالِدِ بِمَالِ الْوَلَدِ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ مُكَاتَبٌ بِلَا بَيِّنَةٍ وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ ، لِلتُّهْمَةِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى [ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ] قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ : عَدَمُ قَبُولِ قَوْلِهِ وَلَوْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ ، وَالْآدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوَّرِهِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ ، وَالْإِفَادَاتِ ، وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَقَدَّمَهُ فِي مُحَرَّرِهِ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ :
وَإِنْ عَتَقَ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ ، فَمَا فَضُلَ مَعَهُ فَهَلْ هُوَ لَهُ ؟ وَكَمَا لَوْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ ، أَوْ لِلْمُعْطِي ؟ كَمَا لَوْ أُعْطِي شَيْئًا لِفَكِّ رَقَبَتِهِ ، فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : رِوَايَتَانِ ( م 9 ) وَقِيلَ : لِلْمُكَاتِبِينَ غَيْرُهُ ، وَلَوْ اسْتَدَانَ مَا عَتَقَ بِهِ وَبِيَدِهِ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَهُ صَرْفُهُ فِيهِ ، لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ .
وَإِنْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَقْ بِمِلْكِهِ ، فَعَنْهُ : مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ ( و هـ ) وَعَنْهُ : لِلْمُكَاتِبِينَ ، وَقِيلَ : لِلْمُعْطِي ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي : وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ اسْتَرْجَعَهُ الْمُعْطِي ( و م ش ) وَقِيلَ : لَا يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ( م 10 )
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ وَإِنْ أُعْتِقَ يَعْنِي الْمُكَاتَبَ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ ، فَمَا فَضَلَ مَعَهُ فَهَلْ هُوَ لَهُ ؟ كَمَا لَوْ فَضُلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ ، أَوْ لِلْمُعْطِي ؟ كَمَا لَوْ أُعْطِي شَيْئًا لِفَكِّ رَقَبَتِهِ ، فِيهِ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ، أَحَدُهُمَا يَرُدُّ مَا فَضُلَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ .
هَذَا الْمَذْهَبُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَرُدُّ بَلْ يَأْخُذُ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ .
( مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَقْ بِمِلْكِهِ ، فَعَنْهُ : مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ ، وَعَنْهُ : لِلْمُكَاتِبِينَ ، وَقِيلَ : لِلْمُعْطِي ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي : وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ اسْتَرْجَعَهُ الْمُعْطِي ، وَقِيلَ : لَا يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ، انْتَهَى .
إحْدَاهُمَا مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ : هَذَا أَصَحُّ ، زَادَ فِي الْكُبْرَى : وَأَشْهُرُ ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ فِيمَا إذَا عَجَزَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا تُسْتَرَدُّ إذَا عَجَزَ ، انْتَهَى ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُرَدُّ لِلْمُكَاتِبِينَ ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَيَحْتَمِلُهُ تَقْدِيمُهُ فِي الْمُحَرَّرِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ فِيمَا إذَا عَجَزَ حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا سَيِّدُهُ ، وَأَطْلَقَهُمَا
فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ ، وَمَالَ إلَى الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى فِيمَا إذَا كَانَ مَا مَعَهُ مِنْ صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ ، وَقَطَعَ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَنَّهُ لِسَيِّدِهِ ، وَقِيلَ : هُوَ لِلْمُعْطِي ، حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي : وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ ، وَقِيلَ : لَا تُؤْخَذُ مِنْ سَيِّدِهِ ، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ، جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ .
وَإِنْ اشْتَرَى بِالزَّكَاةِ شَيْئًا ثُمَّ عَجَزَ وَالْعِوَضُ بِيَدِهِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ ، عَلَى الْأَوْلَى ، وَفِيهِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ ( م 11 ) وَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنِهِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَهُوَ الْأَوْلَى ، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ ، فَإِنْ رَقَّ لِعَجْزِهِ أُخِذَتْ مِنْ سَيِّدِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنَّمَا يَجُوزُ بِلَا إذْنِهِ إنْ جَازَ الْعِتْقُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ وَلَا إلَى نَائِبِهِ ، كَقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِهِ ، وَلَوْ تَلِفَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ أَجْزَأَتْ وَلَمْ يَغْرَمْهَا ، عَتَقَ أَوْ رُدَّ رَقِيقًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ الزَّكَاةِ أَسِيرًا مُسْلِمًا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ .
وَعَنْهُ : لَا .
قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ( وَ ) وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ .
( مَسْأَلَةٌ 11 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ اشْتَرَى بِالزَّكَاةِ شَيْئًا ثُمَّ عَجَزَ وَالْعِوَضُ بِيَدِهِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ عَلَى الْأَوْلَى ، وَفِيهِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْمُكَاتِبِينَ ، كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَابْنُ رَزِينٍ قَطَعُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَقَالُوا : حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا وَجَدَ الْمَأْخُوذَ بِعَيْنِهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُصْرَفُ لِلْمُكَاتِبِينَ .
وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا بِغَيْرِ رَحِمٍ ؟ ( و م ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ .
وَكَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكَوْنُ الْعِتْقِ إسْقَاطًا لَا يَمْنَعُ سُقُوطَ الْفَرْضِ بِهِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ التَّمْلِيكُ فِي غَيْرِهِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ أَمْ لَا يَجُوزُ ؛ ( و هـ ش ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَلِعَدَمِ التَّمْلِيكِ الْمُسْتَحَقِّ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 12 ) فَإِنْ جَازَ فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْ زَكَاتِهِ فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ ثُمَّ نَوَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَمْ يُجْزِئْهُ ( و ) .
جَعَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَصْلًا لِلْعِتْقِ بِالرَّحِمِ ( و ) خِلَافًا لِلْحَسَنِ ، وَعَنْهُ : الرِّقَابُ عَبِيدٌ يُشْتَرَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ وَيُعْتَقُونَ خَاصَّةً [ ( و م ) ] مَا لَمْ يُعْطَ الْمُكَاتَبُ مِنْهَا فِي آخِرِ نَجْمٍ ، وَمَنْ عَتَقَ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ بَعْضُهُمْ : حَتَّى الْمُكَاتَبِ ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَجْهًا رَدَّ مَا رَجَعَ مِنْ وَلَائِهِ فِي عِتْقِ مِثْلِهِ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ .
وَقِيلَ : وَفِي الصَّدَقَاتِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَهَلْ يَعْقِلُ عَنْهُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 13 ) وَعَنْهُ : وَلَاؤُهُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ .
وَمَا أَعْتَقَهُ السَّاعِي مِنْ الزَّكَاةِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ .
وَعَنْهُ : لَا يُعْتَقُ مِنْ زَكَاتِهِ رَقَبَةً لَكِنْ يُعَيِّنُ فِي ثَمَنِهَا وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَعْتِقُ رَقَبَةً كَامِلَةً ، وَلَا يُعْطِي الْمُكَاتَبَ لِجِهَةِ الْفَقْرِ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
( مَسْأَلَةٌ 12 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِي مِنْهَا رَقَبَةً تُعْتَقُ بِغَيْرِ رَحِمٍ أَمْ لَا يَجُوزُ ؟ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ الْمُسْتَحِقِّ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُقْنِعِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْعِتْقِ ، حَكَاهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى وَابْنِ الْقَاسِمِ ، وَسَنَدِي وُرُودُهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَعَنْهُ : لَا يُعْتَقُ مِنْ زَكَاتِهِ رَقَبَةٌ ، لَكِنْ يُعَيِّنُ فِي ثَمَنِهَا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يُعْتَقُ رَقَبَةٌ كَامِلَةٌ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَعَنْهُ : لَا يُعْتَقُ مِنْهَا رَقَبَةٌ تَامَّةٌ ، وَعَنْهُ ، وَلَا بَعْضُهَا ، بَلْ يُعَيِّنُ فِي ثَمَنِهَا ، انْتَهَى .
وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا .
( مَسْأَلَةٌ 13 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ عَتَقَ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ بَعْضُهُمْ : حَتَّى الْمُكَاتَبُ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَجْهًا رَدَّ مَا رَجَعَ مِنْ وَلَائِهِ فِي عِتْقِ مِثْلِهِ ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَقِيلَ : وَفِي الصَّدَقَاتِ ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ ، وَهَلْ يَعْقِلُ عَنْهُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، إحْدَاهُمَا لَا يَعْقِلُ عَنْهُ ( قُلْت ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، ثُمَّ وَجَدْت الشَّيْخَ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَنَصَرَهُ وَقَالَ : اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ قِسْمَةِ الْفَيْءِ
وَالصَّدَقَةِ ، فَقَالَ : فَصْلٌ : وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَعَنْهُ : أَنَّهُ يَعْقِلُ عَنْهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ فَيَعْقِلُ عَنْهُ ، كَاَلَّذِي أَعْتَقَهُ مِنْ مَالِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ مِيرَاثِهِ بِالْوَلَاءِ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِزَكَاتِهِ ، وَالْعَقْلُ عَنْهُ لَيْسَ بِانْتِفَاعٍ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَنَا أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ وَكِيلًا فِي الْعِتْقِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَرِثُهُ ، فَلَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ دِينَهُمَا ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْوَكِيلِ وَالسَّاعِي إذَا أُعْتِقَ مِنْ الزَّكَاةِ .
انْتَهَى ، وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَلَاءِ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي .
السَّادِسُ الْغَارِمُونَ إمَّا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ قَالَ فِي الْعُمْدَةِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَأْخُذُ مَا غَرِمَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَإِمَّا غَارِمٌ لِنَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ ، أَوْ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ الْكُفَّارِ ، فَيُعْطَى قَدْرَهُ مَعَ فَقْرِهِ ، فَلَوْ فَضَلَ عَنْ الْكِفَايَةِ بِقَدْرِ بَعْضِهِ أُعْطِيَ بِقَدْرِ بَقِيَّتِهِ وَقِيلَ : وَغِنَاهُ ( و ق ) وَنَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ ، وَإِذَا قُلْنَا الْغَنِيُّ مِنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْأَخْذُ بِالْغُرْمِ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ .
فَعَلَى هَذَا مَنْ لَهُ مِائَةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا أُعْطِيَ خَمْسِينَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ تُرِكَ لَهُ مِمَّا مَعَهُ خَمْسُونَ وَأُعْطِي تَمَامَ دَيْنِهِ ، وَالثَّانِيَةُ يُمْنَعُ ، فَلَا يُعْطَى حَتَّى يَصْرِفَ مَا فِي يَدِهِ ، وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسِينَ ، فَإِذَا صَرَفَهَا فِي دَيْنِهِ أُعْطِي مِثْلَهَا حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ وَمَذْهَبُ ( م ) مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعَهُ بِقَدْرِهِ أَوْ قَدْرِ بَعْضِهِ أُعْطِيَ بِقَدْرِ كَمَالِ وَفَاءِ الدَّيْنِ ، وَمَنْ لَهُ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفَانِ وَلَهُ دَارٌ أَوْ خَادِمٌ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا ، فَإِنْ أَدَّى الْأَلْفَ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَوْ الْخَادِمِ فَضْلٌ يُغْنِيه أُعْطِي وَكَانَ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ ، هَذَا مَذْهَبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ غَارِمٌ ، بِلَا بَيِّنَةٍ ، وَيُقْبَلُ إنْ صَدَّقَهُ غَرِيمُهُ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَمَنْ غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ ، فَإِنْ تَابَ دُفِعَ إلَيْهِ ، فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى افْتَقَرَ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ ، وَإِنْ دُفِعَ إلَى الْغَارِمِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْغَازِي لَا يَصْرِفُ مَا يَأْخُذُهُ إلَّا لِجِهَةِ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ دُفِعَ إلَى
الْغَارِمِ لِفَقْرِهِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ ، وَحُكِيَ وَجْهٌ ، وَإِنْ أُبْرِئَ الْغَرِيمُ أَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ( و ش ) ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ : هُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُكَاتَبِ ، فَإِنْ قُلْنَا أَخَذَهُ هُنَاكَ مُسْتَقَرٌّ فَكَذَا هُنَا ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرَهُ ، قَالَ : فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُ إمْسَاكُهَا وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ وَقَالَهُ غَيْرُهُ : إذَا اجْتَمَعَ الْغُرْمُ وَالْفَقْرُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أُخِذَ بِهِمَا ، فَإِنْ أَعُطِيَ لِلْفَقْرِ فَلَهُ صَرْفُهُ فِي الدَّيْنِ ، وَإِنْ أُعْطِيَ لِلْغُرْمِ لَمْ يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِسَبَبٍ يَسْتَقِرُّ الْأَخْذُ بِهِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَالْعِمَالَةُ وَالتَّأْلِيفُ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ كَسَائِرِ مَالِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ صَرْفُهُ فِيمَا أَخَذَهُ لَهُ خَاصَّةً ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلِهَذَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ إذَا أُبْرِئَ ، أَوْ لَمْ يَغْرَمْ وَمَنْ تَحَمَّلَ بِسَبَبِ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَهْبٍ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَكَذَا إنْ ضَمِنَ عَنْ غَيْرِهِ مَالًا وَهُمَا مُعْسِرَانِ جَازَ الدَّفْعُ إلَى كُلِّ [ وَاحِدٍ ] مِنْهُمَا .
وَقِيلَ : يَجُوزُ الدَّفْعُ أَيْضًا إنْ كَانَ الْأَصِيلُ مُعْسِرًا وَالْحَمِيلُ مُوسِرًا .
وَفِي التَّرْغِيبِ : يَجُوزُ إنْ ضَمِنَ مُعْسِرٌ مُوسِرًا بِلَا أَمْرِهِ ، وَيَأْخُذُ الْغَارِمُ لِذَاتِ الْبَيْنِ قَبْلَ حُلُولِ دَيْنِهِ ، وَفِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ الْوَجْهَانِ .
تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا ) قَوْلُهُ " يَأْخُذُ الْغَرِيمُ لِذَاتِ الْبَيْنِ قَبْلَ حُلُولِ دَيْنِهِ ، وَفِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ الْوَجْهَانِ " لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّجْمُ ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْأَخْذِ قَبْلَ حِلِّهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ .
، وَلَوْ وَكَّلَ الْغَارِمُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ لِوَكِيلِهِ فِي دَفْعِهَا إلَى الْغَرِيمِ عَنْ دَيْنِهِ جَازَ ، نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : وَيُحْتَمَلُ ضِدُّهُ وَسَبَقَ فِي فُصُولِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا قَبْضُ الْفَقِيرِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ وَكَّلَ الْمَالِكُ ، قِيلَ : فَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ فَيَصِيرُ قَدْ وَكَّلَهُ أَيْضًا ، وَلَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ قَبْضِهَا ، وَلَا فَرْقَ ، فَيُتَوَجَّهُ فِيهِمَا التَّسْوِيَةُ وَتَخْرِيجُهُمَا عَلَى قَوْلِهِ لِغَرِيمِهِ : تَصَدَّقْ بِدَيْنِي عَلَيْك أَوْ ضَارَبَ بِهِ ، لَا يَصِحُّ ، لِعَدَمِ قَبْضِهِ ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ : يَصِحُّ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَيَأْتِي فِي التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ " فِيهِ تَخْرِيجٌ يَصِحُّ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَيَأْتِي فِي التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ " انْتَهَى ، يَأْتِي هَذَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ السَّلَمِ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الصِّحَّةَ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ : إنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَإِنْ دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِ الْفَقِيرِ ، فَعَنْهُ : يَصِحُّ ، صَحَّحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ ، كَدَفْعِهَا إلَى الْفَقِيرِ ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ وَعَنْهُ : لَا ( م 14 ) ( و هـ ) لِمَا سَبَقَ ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْغَارِمِ ، وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ ، وَأَظُنُّ الشَّيْخَ ذَكَرَ هَذَا أَيْضًا ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ ، وَلِلْإِمَامِ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ بِلَا وَكَالَةٍ ، لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي إيفَائِهِ ، وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ ، وَيُشْتَرَطُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ تَمْلِيكُ الْمُعْطَى ( و ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَ الْفُقَرَاءَ ، وَالْمَسَاكِينَ ، وَيُعَشِّيَهُمْ ، وَلَا يَقْضِي مِنْهَا دَيْنَ مَيِّتٍ غَرِمَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِقَبُولِهَا ، كَمَا لَوْ كَفَّنَهُ مِنْهَا ( ع ) وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ : يَجُوزُ .
وَعَنْ مَالِكٍ أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ مِثْلُهُ .
وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التِّبْيَانِ الشَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَذِكْرُهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ لَا يُشْتَرَطُ تَمْلِيكُهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { وَالْغَارِمِينَ } وَلَمْ يَقُلْ : وَلِلْغَارِمِينَ .
( مَسْأَلَةٌ 14 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِ الْفَقِيرِ ، فَعَنْهُ : يَصِحُّ ، صَحَّحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ ، كَدَفْعِهَا إلَى الْفَقِيرِ ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ ، وَعَنْهُ : لَا ، انْتَهَى ، إحْدَاهُمَا يَصِحُّ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ : جَازَ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْعَارٌ بِمَيْلِهِ إلَيْهِ .
وَإِنْ أَبْرَأَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْرَجُ عَنْهُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا ( و م ش ) خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَعَطَاءٍ ، وَيُتَوَجَّهُ لَنَا احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ كَقَوْلِهِمَا ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَمْ لَا ؟ وَقِيلَ : تُجْزِئُهُ مِنْ زَكَاةِ دَيْنِهِ ، حَكَاهُ شَيْخُنَا ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : تَسْقُطُ زَكَاةُ الدَّيْنِ بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَلَوْ بِلَا نِيَّةٍ .
وَلَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ بِهَا ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ ، وَسَبَقَ فِي تَمَامِ الْمِلْكِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ : هَلْ الْحَوَالَةُ وَفَاءٌ ؟ وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي انْتِقَالِ الْحَقِّ بِالْحَوَالَةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا فَارَقَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ فَأَحَالَهُ بِهِ فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ بَرِيءَ أَنَّهُ كَالنَّاسِي ، وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى غَرِيمِهِ لِيَقْضِيَ بِهَا دَيْنَهُ ، سَوَاءٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَ الْمُقْرِضِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا أَرَادَ إحْيَاءَ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَقَالَ أَيْضًا : إنْ كَانَ حِيلَةً فَلَا يُعْجِبُنِي .
وَقَالَ أَيْضًا : أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً فَلَا أَرَاهُ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذَا أَرَادَ الْحِيلَةَ لَمْ يَصْلُحْ وَلَا يَجُوزُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يَعْنِي بِالْحِيلَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ ، فَلَا تُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَمْلِيكًا صَحِيحًا ، فَإِذَا شَرَطَ لِرُجُوعٍ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تُجْزِئْهُ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ وَاسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهَا لِلَّهِ ، فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى : إنْ قَضَاهُ بِلَا شَرْطٍ صَحَّ ، كَمَا لَوْ قَضَى
دَيْنَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ زَكَاةً ، وَيُكْرَهُ حِيلَةً ، كَذَا قَالَ ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الصِّحَّةَ وِفَاقًا ، إلَّا بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ كَذَا قَالَ ، وَاخْتَارَ فِي النِّهَايَةِ الْإِجْزَاءَ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّدِّ لَا يَمْنَعُ التَّمْلِيكَ التَّامَّ ؛ لِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، فَلَيْسَ مُسْتَحِقًّا وَقَالَ : وَكَذَا الْكَلَامُ إنْ أَبْرَأَ الْمَدِينَ مُحْتَسِبًا مِنْ الزَّكَاةِ ، كَذَا قَالَ ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ كَلَامَ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ لِجِهَةِ الْغُرْمِ لَمْ يَمْنَع الشَّرْطُ الْإِجْزَاءَ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الشَّيْخِ ثُمَّ قَالَ : وَإِنْ رَدَّ الْغَرِيمُ [ إلَيْهِ ] مَا قَبَضَهُ وَفَاءً عَنْ دَيْنِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى غَرِيمِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ قَبَضَهَا مِنْهُ وَفَاءً عَنْ دَيْنِهِ : لَا أَرَاهُ ، أَخَافَ أَنْ تَكُونَ حِيلَةً .
وَدَيْنُ اللَّهِ فِي الْأَخْذِ لِقَضَائِهِ كَدِينِ الْآدَمِيِّ [ لِعُمُومِ الْآيَةِ ] { وَلِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ بِصَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ لِتُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ }
فَصْلٌ السَّابِعُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَهُمْ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ رِزْقٌ رَاتِبٌ يَكْفِيه مُسْتَغْنٍ بِذَلِكَ ( و ) فَيُدْفَعُ إلَيْهِمْ كِفَايَةُ غَزْوِهِمْ وَعَوْدِهِمْ ، وَلَوْ مَعَ غِنَاهُمْ ( هـ ) نَقَلَ صَالِحٌ : إذَا أَوْصَى بِفَرَسٍ تُدْفَعُ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا كَانَ ثِقَةً .
وَفِي جَوَازِ شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ رِوَايَتَانِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو حَفْصٍ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ ، الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ، وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : يَجُوزُ ( م 15 ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتَبِرْ صِفَةَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَهُوَ فَقْرُهُ لَمْ يَعْتَبِرْ صِفَةَ الْمَالِ ، وَغَيْرُ الْغَازِي بِخِلَافِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الزَّكَاةِ فَرَسًا يَكُونُ حَبِيسًا فِي الْجِهَادِ ، وَلَا دَارًا أَوْ ضَيْعَةَ الرِّبَاطِ أَوْ يَقِفُهَا عَلَى الْغُزَاةِ ، وَلَا غَزَوْهُ عَلَى فَرَسٍ أَخْرَجَهُ مِنْ زَكَاتِهِ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ( و ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا لِأَحَدٍ وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مَصْرِفًا ، وَلَا يُغْزَى بِهَا عَنْهُ ، وَكَذَا لَا يَحُجُّ [ هُوَ ] بِهَا وَلَا يُحَجُّ بِهَا عَنْهُ ( و ) وَإِنْ اشْتَرَى الْإِمَامُ بِزَكَاةِ رَجُلٍ فَرَسًا فَلَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ يَغْزُو عَلَيْهَا ، كَمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهُ لِفَقْرِهِ أَوْ غُرْمِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ رَدَّهُ ( و ) ؛ لِأَنَّهُ أُعْطِيَ عَلَى عَمَلٍ لَمْ يَعْمَلْهُ ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَكَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ .
مَسْأَلَةٌ 15 ) قَوْلُهُ : وَفِي جَوَازِ شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ رِوَايَتَانِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو حَفْصٍ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ ، لِأَنَّهُ قِيمَةٌ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : يَجُوزُ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَشْهُرُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : هَذَا أَشْهُرُ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ أَيْضًا ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ زَكَاتِهِ خَيْلًا وَسِلَاحًا وَيَجْعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ مِنْهُ ، انْتَهَى .
وَهَلْ يَرُدُّونَ مَا فَضُلَ بَعْدَ غَزْوِهِمْ وَعَوْدِهِمْ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ ؟ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، أَمْ لَا ؟ جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ جُعْلٌ عَمِلَ مَا أَخَذَهُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ أَخَذَ كِفَايَتَهُ ، وَإِنَّمَا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ ، فِيهِ وَجْهَانِ ( م 16 )
( مَسْأَلَةٌ 16 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَرُدُّونَ مَا فَضَلَ بَعْدَ غَزْوِهِمْ وَعَوْدِهِمْ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ ؟ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، أَمْ لَا ؟ جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَرُدُّهُ ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ رَزِينٍ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ : وَإِنْ قَضَى الْغَارِمُونَ وَالرِّقَابُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ حَاجَتَهُمْ بِهَا وَفَضَلَ مَعَهُمْ فَضْلٌ رَدُّوا الْفَضْلَ ، إلَّا الْغَازِي فَإِنَّ مَا فَضَلَ مَعَهُ بَعْدَ غَزْوِهِ فَهُوَ لَهُ ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي بَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَةِ : وَيَدْفَعُ إلَى الْغَازِي دَفْعًا مُرَاعًا ، فَإِنْ لَمْ يَغْزُ رَدَّهُ ، وَإِنْ غَزَا وَعَادَ فَقَدْ مَلَكَ مَا أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّا دَفَعْنَا إلَيْهِ قَدْرَ الْكِفَايَةِ ، وَإِنَّمَا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ ، انْتَهَى ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ : قَالَ الْخِرَقِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ : لَا يُسْتَرَدُّ ، انْتَهَى ، وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ فِي الْجِهَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّكَاةِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : كَلَامُهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَمَنْ أَعْطَى شَيْئًا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غُزَاتِهِ فَمَا فَضُلَ فَهُوَ لَهُ ، انْتَهَى .
يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الزَّكَاةَ وَغَيْرَهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَادَتِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ الزَّكَاةِ ، وَاحْتِمَالُهُ إرَادَةُ الزَّكَاةِ فَقَطْ بَعِيدٌ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ فِي
الْمُغْنِي فِي الْجِهَادِ إلَى مَا أَرَادَ بِذَلِكَ ، بَلْ أَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ غَازٍ ؟ جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ، أَمْ بِبَيِّنَةٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( م 17 ) وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الرِّبَاطَ كَالْغَزْوِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ : يَأْخُذُ نَفَقَةَ ذَهَابِهِ وَمَا أَمْكَنَ مِنْ نَفَقَةِ إقَامَتِهِ .
وَالْحَجُّ مِنْ السَّبِيلِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ ، وَعَنْهُ : لَا ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ ( و ) فَعَلَى الْأُولَى يَأْخُذُ الْفَقِيرُ ، وَقِيلَ : وَالْغَنِيُّ ، كَوَصِيَّتِهِ بِثُلُثِهِ فِي السَّبِيلِ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْوَقْفِ مَا يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ ، جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَعَنْهُ : وَالنَّفَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ ، وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي ذَلِكَ ، نَقَلَ جَعْفَرُ : الْعُمْرَةُ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ .
وَعَنْهُ : هِيَ سُنَّةٌ .
( مَسْأَلَةٌ 17 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ غَازٍ ؟ جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ ، أَمْ بِنِيَّتِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ يُقْبَلُ : قَوْلُهُ ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ( قُلْت ) : الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَرَائِنِ فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ قَبِلْنَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ الثَّامِنُ ابْنُ السَّبِيلِ ، وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ ، وَفِي نُزْهَةٍ وَجْهَانِ ( م 18 ) وَعَلَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يُعْطَى فِي سَفَرٍ مَكْرُوهٍ ، وَهُوَ نَظِيرُ إبَاحَةِ التَّرَخُّصِ فِيهِ ، لَا سَفَرِ مَعْصِيَةٍ ، فَإِنْ تَابَ مِنْهُ دُفِعَ إلَيْهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : بَلْ سَفَرُ طَاعَةٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ، كَذَا قَالَ ، وَعَنْهُ : وَمَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْ بَلَدِهِ ( و ش ) فَيَأْخُذُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ وَلَوْ مَعَ غِنَاهُ بِبَلَدِهِ ، وَيَأْخُذُ أَيْضًا لِمُنْتَهَى قَصْدِهِ وَعَوْدِهِ إلَى بَلَدِهِ ، فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا ، حَكَاهُ الشَّيْخُ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَارَقَ وَطَنَهُ لِقَصْدٍ صَحِيحٍ ، فَلَوْ قَطَعْنَاهُ عَلَيْهِ أَضْرَرْنَا بِهِ ، بِخِلَافِ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ : لَا يَأْخُذُ ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ .
( مَسْأَلَةٌ 18 ) قَوْلُهُ : وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ ، وَفِي نُزْهَةٍ وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ ، أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : فَيُعْطَى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَهُوَ مَنْ انْقَطَعَ بِهِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْطَى ، لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُبَاحِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ وَلَا يُعْطَى ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ .
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ : وَالصَّحِيحُ وَالْجَوَازُ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ دُونَ التَّنَزُّهِ ( قُلْت ) : وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ .
وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ : إنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ ، فِي وَجْهٍ قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ : بِبَيِّنَةٍ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ ( م 19 ) وَتُعْتَبَرُ بَيِّنَةٌ فِي أَنَّهُ فَقِيرٌ إنْ كَانَ عُرِفَ بِمَالٍ وَإِلَّا فَلَا ، وَيُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ بِلَا يَمِينٍ ، وَيَرُدُّ مَا فَضُلَ بَعْدَ وُصُولِهِ ( و ش ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ قَارَنَهُ يَسَارٌ سَابِقٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لَوْلَا الْحَاجَةُ الْمُعَارِضَةُ ، فَيَظْهَرُ عَمَلُ الْمُقْتَضِي لَوْلَا الْمُعَارِضُ ، وَعَنْهُ : هُوَ لَهُ وَيَكُونُ أَخَذَهُ مُسْتَقِرًّا كَالْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ ، عَلَى مَا سَبَقَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ : يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ ، كَذَا قَالَ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ : مَعَ جَهْلِ أَرْبَابِهِ .
( مَسْأَلَةٌ 19 ) قَوْلُهُ " وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ ، فِي وَجْهٍ قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ : بِبَيِّنَةٍ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، انْتَهَى ، أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ .
فَصْلٌ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ ( و هـ م ) وَيُسَنُّ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ بِهَا ، لِكُلِّ صِنْفٍ ثَمَنُهَا إنْ وُجِدَ ، حَيْثُ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ ، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ( و هـ م ) كَمَا لَوْ فَرَّقَهَا السَّاعِي ( و ) وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيهِ ( عِ ) وَكَوَصِيَّةٍ لِجَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ ( و ) وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ ، وَكَقَوْلِهِ ، إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَمَالِي صَدَقَةٌ ، فَشُفِيَ مَرِيضُهُ ، وَعَنْهُ : يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ ( و ش ) فَلَا يُجْزِئُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ دُونَ ثَلَاثَةٍ ( و ش ) فَعَلَى هَذَا إنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ نَصِيبَ الثَّالِثِ ، وَهَلْ يَضْمَنُ بِالثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَبُّ ؟ أَوْ بِأَقَلَّ جُزْءٍ مِنْ السَّهْمِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُجْزِئُ ؟ يَتَخَرَّجُ وَجْهَانِ ( ق ) كَالْأُضْحِيَّةِ ، إذَا أَكَلَهَا ، وَعَنْهُ : يُجْزِئُ وَاحِدٌ ، اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِغْرَاقُ حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ ، كَقَوْلِهِ لَا تَزَوَّجْت النِّسَاءَ ، وَكَالْعَامِلِ ( و ) مَعَ أَنَّهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْن السَّبِيلِ لَا جَمَعَ فِيهِ .
وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ : إذَا وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ فِيهِ لِمَ لَا نَقُولُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ ( خ ) وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ إنْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ ، كَتَفْضِيلِ بَعْضِ صِنْفٍ عَلَى بَعْضٍ ، وَكَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ بِإِعْطَاءِ الْعَامِلِ الثُّمُنَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وُجُوبِهِ ( و ش ) وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : إنْ قُلْنَا مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً أَجْزَأَ وَاحِدٌ ، وَإِلَّا فَلَا ( خ ) وَيَسْقُطُ سَهْمُهُ إنْ أَخْرَجَهَا رَبُّهَا بِنَفْسِهِ ( و ) ، وَإِنْ حَرُمَ نَقْلُ الزَّكَاةِ كَفَى
الْمَوْجُودِ بِبَلَدِهِ ، فِي الْأَصَحِّ ، وَمَنْ فِيهِ سَبَبَانِ أَخَذَ بِهِمَا ( و ) وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ، ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ لِفَقْرِهِ } وَدَيْنِ الْكَفَّارَةِ ، وَلِلْعُمُومِ ، كَشَخْصَيْنِ ، كَالْمِيرَاثِ وَتَعْلِيقِ طَلَاقٍ بِصِفَاتٍ تَجْتَمِعُ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ، لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ يُتَعَذَّرُ الِاسْتِيعَابُ فَلَا يُعْلَمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَإِنْ أَعْطَى بِهِمَا وَعَيَّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرًا وَإِلَّا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَلَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَعَنْهُ : يَجِبُ ، فَعَلَى هَذَا إنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ نَصِيبَ الثَّالِثِ ، وَهَلْ يَضْمَنُهُ بِالثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُسْتَحَبُّ ؟ أَوْ بِأَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ السَّهْمِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُجْزِئُ ؟ يَتَخَرَّجُ وَجْهَانِ ، كَالْأُضْحِيَّةِ ، انْتَهَى .
وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَب فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَقَلَّ جُزْءٍ يُجَزِّئُ مِنْهَا ، فَكَذَا هُنَا ، وَلَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَيُسَنُّ صَرْفُ زَكَاتِهِ إلَى قَرِيبٍ لَا يَرِثُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، بِقَدْرِ حَاجَتِهِ ، ( و ) وَفِي مَذْهَبِ ( م ) أَيْضًا الْكَرَاهَةُ وَالْجَوَازُ ، وَإِذَا أَحْضَرَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْعَامِلِ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِيَدْفَعَ إلَيْهِمْ زَكَاتَهُ دَفَعَهَا قَبْلَ خَلْطِهَا بِغَيْرِهَا ، وَبَعْدَهُ هُمْ كَغَيْرِهِمْ ، وَلَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَا هُمْ بِهِ أَخَصُّ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ ( و ) وَالْأَحْوَجُ ( و ) وَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ أَحْوَجُ أُعْطِي الْكُلَّ وَلَمْ يُحَابِ بِهَا قَرِيبَهُ ، وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ الْجَارِ ( و ) وَالْقَرِيبُ أَوْلَى مِنْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( ش ) كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ كَمَذْهَبِنَا ، وَيُقَدَّمُ الْعَالِمُ وَالدَّيِّنُ عَلَى ضِدِّهِمَا ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ عَلَوَا وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ فِي حَالٍ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا ( ع ) وَكَذَا إنْ لَمْ تُجِبْ ، حَتَّى وَلَدِ الْبِنْتِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ م ) لِاتِّصَالِ مَنَافِعِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا عَادَةً ، فَيَكُونُ صَارِفًا لِنَفْسِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ، وَكَقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ ، احْتَجَّ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَشَيْخُنَا ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ ( و ش ) وَمَذْهَبُ ( م ) : لَا نَفَقَةَ لِجَدٍّ وَوَلَدِ وَلَدٍ ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَاضِحِ فِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ مَحْجُوبَيْنِ وَجْهَيْنِ ، وَمَذْهَبُ ( ش ) لَا نَفَقَةَ لِغَيْرِ عَمُودِي نَسَبِهِ ، وَلَا يُعْطِي عَمُودِي نَسَبِهِ لِغُرْمٍ لِنَفْسِهِ أَوْ كِتَابَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ( و ش ) وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ابْنَ سَبِيلٍ كَذَلِكَ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا ، وَسَبَقَ كَلَامُهُمْ فِي كَوْنِهِ عَامِلًا .
وَفِي جَوَازِ دَفْعِهَا إلَى مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبِ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ كَالْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ .
وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ : وَبِنْتُ الِابْنِ وَابْنُ الْبِنْتِ فِيهِ رِوَايَاتٌ ، الْجَوَازُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ ) كَمَا لَوْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ ، وَإِذَا قَبِلَ زَكَاةً دَفَعَهَا إلَيْهِ قَرِيبُهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَطَالَبَهُ بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ أُجْبِرَ ، وَلَا يُجْزِئُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ جَعْلُهَا زَكَاةً ، وَالثَّانِيَةُ الْمَنْعُ ، وَالثَّالِثَةُ الْمَنْعُ إنْ كَانَ يَرِثُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَالرَّابِعَةُ الْمَنْعُ إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً وَإِلَّا فَلَا .
اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( م 20 ) .
مَسْأَلَةٌ 20 ) قَوْلُهُ : وَفِي جَوَازِ دَفْعِهَا إلَى مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ كَالْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ .
وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ : وَبِنْتُ الِابْنِ وَابْنُ الْبِنْتِ فِيهِ رِوَايَاتٌ ، الْجَوَازُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ ، وَالثَّانِيَةُ الْمَنْعُ ، وَالثَّالِثَةُ الْمَنْعُ إنْ كَانَ يَرِثُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَالرَّابِعَةُ الْمَنْعُ إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً وَإِلَّا فَلَا ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، انْتَهَى .
إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَسَرَدَهَا ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا وَالْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالتَّسْهِيلِ ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدْ قَالَ : بَنَيْتهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَقَالَ : هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهُرُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ ، هِيَ أَشْهُرُ وَأَنَصُّ ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : هِيَ الْأَظْهَرُ ، وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَصَحَّحَهَا فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا : اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ ، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ ، رَوَاهَا عَنْهُ الْجَمَاعَةُ ، وَهُوَ عَكْسُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، فَيَكُونُ قَدْ نَصَّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى
اخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، فَالْمَنْعُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً ، وَالْجَوَازُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : الْأَوَّلُ : الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ ، ثُمَّ فَرَّقَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ بَيْنَ مَنْ يَرِثُ وَمَنْ لَا يَرِثُ ، فَقَالَ : الثَّالِثَةُ الْمَنْعُ إنْ كَانَ يَرِثُهُ وَإِلَّا فَلَا ، فَأَدْخَلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْ لَا يَرِثُ ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ أَيْضًا أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى مَنْ يَرِثْ وَمَنْ لَا يَرِثْ ، فَيَحْصُلُ التَّنَاقُضُ أَيْضًا بِهِمَا لَمَّا صَدَّرَ بِهِ الْمَسْأَلَةَ ، وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا كَوْنُ الْمُصَنِّفِ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ اسْتِحْبَابَ صَرْفِهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ ، وِفَاقًا ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : بِلَا نِزَاعٍ ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ الْمَسْأَلَةَ مَنْ يَرِثُهُ حَالًا أَوْ مَآلًا ، وَبِمَا قَبْلَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مَنْ لَا يَرِثُ حَالًا وَمَآلًا ، لِبُعْدِهِ وَنَحْوِهِ ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ بِصَدْرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ مَنْ يَرِثُهُ حَالًا ، وَبِعَجْزِهَا مَنْ يَرِثُهُ مَآلًا ، لِكَوْنِهِ مَحْجُوبًا ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْفَائِقِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصٌ ، وَتَقْدِيرُهُ الثَّالِثَةُ الْمَنْعُ إنْ كَانَ يَرِثُهُ حَالًا وَإِلَّا فَلَا ، فَلَفْظَةُ " حَالًا " سَاقِطَةٌ مِنْ الْكَاتِبِ ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ مِنْ قَوْلِهِ " وَعَكْسُهُ
الْآخَرُ " وَبِمَا مَثَّلَ بِهِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ مَثَّلَ بِالْأَخِ وَالْعَمِّ ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَ بَعْدَ هَذَا " وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ .
كَأَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ " .
وَيُشْكِلُ أَيْضًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ كَوْنُهُ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِمَا فِي حَمْلِهِ مَا أَطْلَقَ مِنْ الرِّوَايَاتِ ، وَقَدْ الْتَزَمَ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ الْخِلَافَ إلَّا إذَا اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا تَشْمَلُ مَنْ لَا يَرِثُ حَالًا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ دَفْعِهَا إلَيْهِ ، قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ، وَالشَّارِحُ ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ ، بَلْ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا اخْتَارَ ذَلِكَ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ نَظَرٌ أَيْضًا .
( الْوَجْهُ الثَّانِي ) مِنْ النَّظَرِ كَوْنُهُ حَكَى رِوَايَةً رَابِعَةً بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَمَنْ لَا تَجِبُ ، فَقَالَ : الرَّابِعَةُ الْمَنْعُ إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً وَإِلَّا فَلَا .
فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا عَلَى مُصْطَلَحِهِ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَتَانِ الْأُولَتَانِ مُشْتَمِلَتَيْنِ عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، مَعَ إطْلَاقِهِ لَهُمَا فِي جُمْلَةِ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ ، وَرِوَايَةُ الْمَنْعِ مِنْهُمَا ضَعِيفَةٌ فِيمَنْ نَفَقَتُهُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ لِكَوْنِ مَالِهِ لَا يَتَّسِعُ لَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَطَعَا بِجَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ ، لِتَقْيِيدِهِمْ الْخِلَافَ بِمِنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِزَاعٌ ،
لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " الْجَوَازُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ " وَمِنْ جُمْلَةِ تَعَذُّرِ النَّفَقَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ لَا يَتَّسِعُ لِنَفَقَتِهِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَابَعَ الْمَجْدَ ، وَالْمَجْدُ مَثَّلَ بِذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ حَمَلْنَا الرِّوَايَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا ، أَعْنِي رِوَايَةَ الْمَنْعِ ، نَاقَضَ مَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي جُمْلَةِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى مُصْطَلَحِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَعَنْ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ الرِّوَايَةَ بِمَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِهِ ، بَلْ أَضَافَهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى ، الْخِلَافُ فِيهَا قَوِيٌّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( التَّنْبِيهُ الثَّانِي ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ مِمَّنْ اطَّلَعْنَا عَلَى كَلَامِهِ لَمْ يَحْكِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا إلَّا رِوَايَتَيْنِ فِيمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ إلَّا صَاحِبُ الْفَائِقِ فَإِنَّهُ حَكَى الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : وَفِيمَنْ يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ رِوَايَاتٌ ، الثَّالِثَةُ إنْ وَجَبَ حَالًا مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا ، الرَّابِعَةُ إنْ كَانَ يُمَوِّنُهُمْ عَادَةً مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا ، ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، انْتَهَى ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ مُصْطَلَحِ صَاحِبِ الْفَائِقِ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ الْخِلَافَ إلَّا إذَا اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ ، بِخِلَافِ الْمُصَنِّفِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّوَايَةَ الرَّابِعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ( قُلْت ) : تُؤْخَذُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي
نَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ ، فَإِنَّهُمْ حَكَوْا رِوَايَةً بِوُجُوبِ نَفَقَةِ مَنْ يَرِثُهُ فِي الْمَآلِ ، لِكَوْنِهِ مَحْجُوبًا وَهُوَ مُوسِرٌ .
لَكِنْ إذَا أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ يَرِثُ فِي الْمَآلِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ فَتُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ النُّصُوصَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْعَامَّةَ فِي الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ قَالَ : يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، فَالْمَنْعُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً ، وَالْجَوَازُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ ، انْتَهَى .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَجْرَى النُّصُوصَ عَلَى عُمُومِهَا ، فَشَمِلَتْ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَمَنْ لَا تَجِبُ ، لِكَوْنِ مَالِهِ لَا يَسَعُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْكَلَامُ مَعَ الْمُصَنِّفِ فِي إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ .
وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَعَمَّةٍ وَابْنِ أَخِيهَا ، وَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ وَأَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ ، عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ الْخِلَافُ ، وَعَكْسُهُ الْآخَرُ .
( التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ " وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَعَمَّةٍ وَابْنِ أَخِيهَا ، وَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ ، وَأَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ ، عَلَى الْأَصَحِّ " فَتَلْزَمُ النَّفَقَةُ ابْنَ أَخِيهَا لَهَا وَالْمُعْتِقُ لِعَتِيقِهِ وَأَبَا الِابْنِ لِأَخِيهِ ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَوْلُهُ " وَفِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ الْخِلَافُ " يَعْنِي بِهِ الْخِلَافَ الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ لَا تَتَأَتَّى الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ هُنَا ، فَلَا تَأْتِي الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ وَلَا الرَّابِعَةُ أَيْضًا ، فِيمَا يَظْهَرُ ، وَقَوْلُهُ " وَعَكْسُهُ الْآخَرُ " يَعْنِي أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْعَتِيقَ وَالْأَخَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ لَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لَا لِابْنِ أَخِيهَا وَلَا لِلْمُعْتِقِ وَلَا لِلْأَخِ الَّذِي لَهُ ابْنٌ ، عَلَى الصَّحِيحِ ، لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ لَا يَرِثُ أَلْبَتَّةَ وَبَعْضُهُمْ مَحْجُوبًا ، وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ هَذَا الْعَكْسُ الَّذِي عَنَاهُ الْمُصَنِّفُ ، وَهَذَا الْأَخِيرُ وَهُوَ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُنَافِي مَا أَجَبْنَا بِهِ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْأَخِ الَّذِي لَهُ ابْنٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَهَذَا مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ .
وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَوْ وَرِثُوا ، عَلَى الْأَصَحِّ ، لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ ، وَفِي الْإِرْثِ بِالرَّدِّ الْخِلَافُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يَجُوزُ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ، وَسَبَقَ كَوْنُ الْقَرِيبِ عَامِلًا .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ يُعْطِي لِغَيْرِ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ ، نَحْوُ كَوْنِهِ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ ابْنَ السَّبِيلِ ، بِخِلَافِ عَمُودِي النَّسَبِ ، لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ ، وَجَعْلِهَا فِي الرِّعَايَةِ كَعَمُودِي نَسَبِهِ فِي الْإِعْطَاءِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ ، فِي قَوْلٍ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُعْطِي قَرَابَتَهُ لِعِمَالَةِ وَتَأْلِيفٍ وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَغَزْوٍ ، وَلَا يُعْطِي لِغَيْرِ ذَلِكَ .
( التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ ) قَوْلُهُ " وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَوْ وَرِثُوا ، عَلَى الْأَصَحِّ ، لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ " مُرَادُهُ غَيْرُ عَمُودِيِّ النَّسَبِ ، وَقَوْلُهُ " وَفِي الْإِرْثِ بِالرَّدِّ الْخِلَافُ " مُرَادُهُ بِالْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا : لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أُمٌّ وَأُخْتٌ إنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمَا أَخْمَاسًا .
فَفِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى الْمُعْسِرِ الْخِلَافُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، لِكَوْنِ نَفَقَتِهِ وَاجِبَةً عَلَيْهِمَا وَهُمَا يَرِثَانِهِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ .
( التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ ) قَوْلُهُ " وَجَعَلَهَا فِي الرِّعَايَةِ كَعَمُودِي نَسَبِهِ فِي الْإِعْطَاءِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ " كَذَا فِي النُّسَخِ ، وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ : لِغَزْوٍ وَكِتَابَةٍ " وَرَأَيْتهَا فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُمْ أَصْلَحُوهَا " لِغُرْمٍ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَإِنْ تَبَرَّعَ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَمَّهُ إلَى عِيَالِهِ فَعَنْهُ : يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( و هـ ش ) وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ : لَا ، اخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْإِرْشَادِ ( م 21 ) ( و م ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلِأَنَّهُ يُذَمُّ عَلَى تَرْكِهِ فَيَكُونُ قَدْ وَقَى بِهَا مَالَهُ أَوْ عِرْضَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ مُؤْنَتِهِ الَّتِي عَوَّدَهُ إيَّاهَا تَبَرُّعًا جَازَ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : كَانَتْ الْعُلَمَاءُ تَقُولُ فِي الزَّكَاةِ : لَا يَدْفَعُ بِهَا مَذَمَّةً وَلَا يُحَابِي بِهَا قَرِيبًا ، احْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ هُنَا ، وَرَدَّ الشَّيْخُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ نَفْعٌ لَا يُسْقِطُ بِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَلَا يَجْتَلِبُ بِهِ مَالًا إلَيْهِ كَمَا [ لَمْ ] يَكُنْ فِي عَائِلَتِهِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : لَا يَجُوزُ إنْ بَقِيَ مَالُهُ بِزَكَاتِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَوَّدَ قَوْمًا بِرًّا مِنْ مَالِهِ فَيُعْطِيهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ لِيَدْفَعَ مَا عَوَّدَهُمْ ، هَذَا وَاجِبٌ وَذَاكَ تَطَوُّعٌ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلزَّكَاةِ ، قَالُوا : وَقَالَ أَحْمَدُ : سَمِعْت ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : لَا يَدْفَعُ بِهَا مَذَمَّةً وَلَا يُحَابِي بِهَا قَرِيبًا وَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا بَعِيدًا ، قَالَ أَحْمَدُ : دَفْعُ الْمَذَمَّةِ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِ قَرَابَتِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ فَيُكَافِئَهُ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَإِذَا كَانَ لَهُ قَرِيبٌ مُحْتَاجٌ وَغَيْرُهُ أَحْوَجُ مِنْهُ فَلَا يُعْطِي الْقَرِيبَ وَيَمْنَعُ الْبَعِيدَ ، بَلْ يُعْطِي الْجَمِيعَ .
( مَسْأَلَةٌ 21 ) قَوْلُهُ " وَإِنْ تَبَرَّعَ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَمَّهُ إلَى عِيَالِهِ ، فَعَنْهُ : يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ : لَا ، اخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْإِرْشَادِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ .
انْتَهَى ، وَالْمُصَنِّفِ قَالَ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ( قُلْت ) : اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ، وَنَقَلَهَا الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى زَوْجَتِهِ ( ع ) وَفِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ : بَلَى ، وَالنَّاشِزُ كَغَيْرِهَا ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ .
وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ دَفْعُ زَكَاتِهَا إلَى زَوْجِهَا ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ ( و ش ) أَمْ لَا ؟ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ ( و هـ م ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 22 ) وَلَمْ يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ شَيْئًا ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَقِيلَ فِي الزَّوْجَيْنِ : يَجُوزُ لِغُرْمٍ لِنَفْسِهِ وَكِتَابَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ نَفَقَةً وَاجِبَةً ( و ش ) كَعَمُودَيْ نَسَبِهِ ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ ( هـ ) كَغِنَاهَا بِدَيْنِهَا عَلَيْهِ ( و ) وَكَوَلَدٍ صَغِيرٍ فَقِيرٍ أَبُوهُ مُوسِرٌ ( و ) بَلْ أَوْلَى ، لِلْمُعَاوَضَةِ وَثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .
وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ ، وَجَوَّزَهُ فِي الْكَافِي ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلنَّفَقَةِ مَشْرُوطٌ بِفَقْرِهِ ، فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهَا لَهُ وُجُودُ الْفَقْرِ ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَلَا أَحْسِبُ مَا قَالَهُ إلَّا مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فِي الْوَلَدِ الصَّغِيرِ ، وَقِيلَ : وَفِي غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ تَبَرَّعَ بِهَا قَرِيبُهُ أَوْ غَيْرُهُ وَجْهَانِ ، وَإِنْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرِيبٍ بِغَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ الْأَخْذُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) كَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ أَوْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ عَقَارِهِ ،
مَسْأَلَةٌ 22 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ دَفْعُ زَكَاتِهَا إلَى زَوْجِهَا ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ ، أَمْ لَا ؟ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ : وَهِيَ الصَّحِيحَةُ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَالَ : اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ ، انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْعُمْدَةُ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَاخْتَارَهُ ، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ، انْتَهَى ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ أَيْضًا وَقَالَ : هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ ، فَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ ، عَلَى مَا زَعَمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ : هَذَا أَظْهَرُ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّصْحِيحِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " اخْتَارَهُ الشَّيْخُ " فِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَكِنْ فِي الْمُغْنِي ، نَوْعُ إيمَاءٍ لِكَوْنِهِ لَمَّا اعْتَرَضَ عَلَى رِوَايَةِ حَمْلِ الْجَوَازِ أَجَابَ
عَنْهُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ اخْتَارَهُ ، لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوَّلًا ، وَعَلَّلَ كُلَّ رِوَايَةٍ بِعِلَلِهَا ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا نَسَبَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ إلَّا مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهِ عَامِلًا أَوْ مُؤَلَّفًا ، لَمْ يَسْتَثْنِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا سِوَى هَذَيْنِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَمْلُوكٍ وَلَا كَافِرٍ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا أَوْ مُؤَلَّفًا أَوْ غَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَازِيًا ، وَكُلُّ مَنْ حَرَّمْنَا الزَّكَاةَ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ إذَا كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا ، كَذَا قَالَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ ، زَادَ شَيْخُنَا : وَفِي الْحَجِّ الْخِلَافُ ، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ : لَا يُدْفَعُ إلَى غَارِمٍ لِنَفْسِهِ كَافِرٍ ، فَظَاهِرُهُ يَجُوزُ لِذَاتِ الْبَيْنِ ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَنْعَ فِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يُدْفَعُ إلَى كَافِرٍ ( ع ) وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَزُفَرَ : يَجُوزُ ، وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ ذِمِّيًّا ( هـ ) لَا إلَى عَبْدٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) إلَّا مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهِ عَامِلًا ، لَمْ يَسْتَثْنِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا سِوَى هَذَا ، وَلَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ فَقِيرًا ( هـ ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ دَفْعٌ إلَى سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ ، وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ أَوْ أَمَانَةٌ ، فَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَفِي الْكِتَابَةِ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي فِي الْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُكَاتِبُهُ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ ، وَمَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَنِصْفُهُ يُلَاقِي نِصْفَهُ الْمُكَاتَبِ فَيَجُوزُ ، وَمَا يُلَاقِي نِصْفَ السَّيِّدِ الْآخَرِ إنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ فِي حِصَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَكَذَا إنْ كَاتَبَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ يَكُونُ لِلْحِصَّةِ الْمُكَاتَبَةِ مِنْهُ بِقَدْرِهَا ، وَالْبَاقِي لِحِصَّةِ
السَّيِّدِ مَعَ فَقْرِهِ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ دَفْعَ الزَّكَاةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ إلَى غَرِيمِهِ ، هَلْ يَجُوزُ ؟ وَجَزَمَ غَيْرُ الْقَاضِي بِصَرْفِهِ جَمِيعَ مَا يَأْخُذُهُ فِي كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيهِ ، كَمَا يَرِثُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ، وَيَأْخُذُ مِنْ بَعْضِهِ حُرٌّ بِقَدْرِ نِسْبَتِهِ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ مِنْ كِفَايَتِهِ ، عَلَى الْخِلَافِ ، فَمِنْ نِصْفِهِ حُرٌّ يَأْخُذُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَوْ نِصْفَ كِفَايَتِهِ .
وَسَبَقَ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى غَنِيٍّ إلَّا مَا سَبَقَ ، وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مَا خَالَطَتْ الزَّكَاةُ مَالًا إلَّا أَهْلَكَتْهُ } فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ ، ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ، وَالْحُمَيْدِيُّ وَزَادَ : قَالَ : يَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْك فِي مَالِك صَدَقَةٌ فَلَا تُخْرِجُهَا فَيُهْلِكُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ : وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : كُنَّا نُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، وَمُحَمَّدٌ مَكِّيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ : تَفْسِيرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَهُوَ غَنِيٌّ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْفُقَرَاءِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ : { لَا تَدْخُلُ الصَّدَقَةُ فِي مَالٍ إلَّا مَحَقَتْهُ } .
وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى بَنِي هَاشِمٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ [ ( و ) ] كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ع ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ، وَفِي مَذْهَبِ ( م ) أَيْضًا الْجَوَازُ ، وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّهُمْ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ أَخَذُوا الزَّكَاةَ ، وَرُبَّمَا مَالَ إلَيْهِ أَبُو الْبَقَاءِ .
وَقَالَ : إنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي يَعْقُوبَ مِنْ أَصْحَابِنَا ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي مُنْتَخَبِ الْفُنُونِ ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ النَّصِيحَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ .
وَقَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنَشٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَغِبْت لَكُمْ عَنْ غُسَالَةِ الْأَيْدِي ؛ لِأَنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ أَوْ يَكْفِيكُمْ } حَنَشٌ اسْمُهُ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ اتِّفَاقًا ، قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ : مَتْرُوكٌ ، وَفِي كِتَابِ الْمُرْتَضَى فِي الْفِقْهِ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ يَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْفُقَرَاءِ أَخْذُ زَكَاةِ بَنِي هَاشِمٍ ، وَسَبَقَ كَوْنُ الْهَاشِمِيِّ عَامِلًا ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ جَمَاعَةً سِوَاهُ .
وَقَالَ الشَّيْخُ : يُعْطَى لِغَزْوٍ أَوْ حَمَالَةٍ ، وَأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا : يُعْطَى لِغُرْمِ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا : لَا يَجُوزُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَظْهَرُ .
وَبَنُو هَاشِمٍ مَنْ كَانَ مِنْ سُلَالَتِهِ ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ } وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ ، وَفِي مَذْهَبِ ( م ) : فِيمَا بَيْنَ غَالِبٍ وَهَاشِمٍ قَوْلَانِ ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ :
هُمْ آلُ عَبَّاسٍ وَآلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِيهِمْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و هـ ) وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَفِي مَذْهَبِ ( م ) قَوْلَانِ ، لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ { إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَيَأْتِي فِي الْوَلَاءِ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي أَحْكَامٍ ، فَغَلَبَ الْحَظْرُ ، وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ إلَى الْجَوَازِ ( و م ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَكَمَوَالِي مَوَالِيهِمْ ، وَيَجُوزُ إلَى وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، وَقَالَهُ الْقَاضِي اعْتِبَارًا بِالْأَبِ ( و ) وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ : فِي التَّنْبِيهِ لَا يَجُوزُ ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ { ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَا تَحْرُمُ الزَّكَاةُ عَلَى أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ ( و ) كَمَوَالِيهِنَّ ( ع ) لِلْأَخْبَارِ فِيهِمْ .
وَفِي الْمُغْنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بَعَثَ إلَى عَائِشَةَ بِسُفْرَةِ مِنْ الصَّدَقَةِ فَرَدَّتْهَا وَقَالَتْ : إنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ، قَالَ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَلَمْ يُذْكَرْ مَا يُخَالِفُهُ ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : أَزْوَاجُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، ثُمَّ احْتَجَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ ، وَكَالدَّفْعِ إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِنَّهُنَّ فِي حَبْسِهِ وَنَفَقَتِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَلِهَذَا كُنَّ يُعْطَيْنَ مِنْ سَهْمِهِ مِنْ الْفَيْءِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَقْسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا ، مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِنَّ : وَكَوْنِهِنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ ، أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ ، وَكَوْنُهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، كَذَا قَالَ .
وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ ؟ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ ، أَمْ لَا ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ( و ش ) فِيهِ رِوَايَتَانِ ( م 23 ) وَلَمْ يَذْكُرُوا مَوَالِيَهُمْ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ ، وَالْقِيَاسِ وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ الْجَوَازَ ( ع ) وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ مَوْلَى قُرَيْشٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ ؟ قَالَ : مَا يُعْجِبُنِي .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ كَانَ مَوْلَى مَوْلَى ؟ قَالَ : هَذَا أَبْعَدُ ، فَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ .
وِفَاقًا لِلْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْوَصَايَا لِلْفُقَرَاءِ نَصَّ عَلَيْهِمَا ( ع ) وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ أَيْضًا ، فَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْلَى .
وَفِي مَذْهَبِ ( م ) الْمَنْعِ أَيْضًا ، وَالْمَنْعُ مَعَ جَوَازِ الْفَرْضِ ، وَالْعَكْسُ ، وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ فِي الْوَرَعِ ، عَنْ الْمِسْوَرِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى فِي الْمَسْجِدِ وَيَكْرَهُهُ ، يَرَى أَنَّهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَفَّارَةُ كَزَكَاةٍ فِي هَذَا ، لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ ، وَقِيلَ : هِيَ كَالتَّطَوُّعِ ، وَالنَّذْرُ كَالْوَصِيَّةِ ، وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَحْرِيمِ النَّفْلِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ ، وَأَنَّ النَّذْرَ وَالْكَفَّارَةَ كَالزَّكَاةِ ، وَإِنْ حُرِّمَتْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ : وَكَذَا إنْ لَمْ تَحْرُمْ ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ : لَا تَحْرُمُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي ، كَاصْطِنَاعِ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ [ ( ع ) ] وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } وَأَطْلَقَ ابْنُ الْبَنَّا فِي تَحْرِيمِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَيْنِ ، وَمُرَادُهُمْ بِجَوَازِ الْمَعْرُوفِ الِاسْتِحْبَابُ ، وَلِهَذَا احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لِلِاسْتِحْبَابِ ( ع ) وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِالْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لِمَا اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ ، وَهَذَا وَاضِحٌ ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ : قُلْت : يُسْتَحَبُّ .
وَمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِمَا سَبَقَ فَلَهُ أَخْذُهَا هَدِيَّةً مِمَّنْ أَخَذَهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا ( و ) { لِأَكْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى أُمِّ عَطِيَّةَ وَقَالَ إنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحَلَّهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
مَسْأَلَةٌ 23 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ ، أَمْ لَا ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ أَعْنِي مُوَفَّقَ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ ، قَالَ فِي الْعُمْدَةِ : وَآلِ مُحَمَّدٍ بَنُو هَاشِمٍ وَمَوَالِيهمْ ، فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الدَّفْعِ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ ، وَإِلَيْهِ مَال الزَّرْكَشِيّ ، قَالَ فِي الْإِرْشَادِ : لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ بَنُو الْمُطَّلِبِ الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَاتُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
{ تَنْبِيهٌ } قَوْلُهُ " وَلَمْ يَذْكُرُوا مَوَالِيَهُمْ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ ، انْتَهَى الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ الْقَاضِي ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ : لَا نَعْرِفُ فِيهِمْ رِوَايَةً ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ فِيهِمْ مَا نَقُولُ فِي بَنِي هَاشِمٍ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ ، فَقَدْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِشَارَةِ وَالْخِصَالِ لَهُ : تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهِمْ ، وَكَذَا قَالَ
فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ .
وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ : وَلَا تُدْفَعُ إلَى هَاشِمِيٍّ وَمَطْلَبِي وَمُوَالَيْهِمَا ، انْتَهَى .
فَصْلٌ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ ، وَالصَّغِيرُ كَالْكَبِيرِ ، وَعَنْهُ : إنْ أَكَلَ الطَّعَامَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَنَقَلَهَا صَالِحٌ وَغَيْرُهُ ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ، لِلْعُمُومِ ، فَيُصْرَفُ ذَلِكَ فِي أُجْرَةِ رَضَاعَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ .
وَيُقْبَلُ وَيُقْبَضُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ الزَّكَاةَ وَالْهِبَةَ وَالْكَفَّارَةَ مَنْ يَلِي مَالَهُ ، وَهُوَ وَلِيُّهُ وَوَكِيلُهُ الْأَمِينُ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ ، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ : قُلْت لِأَحْمَدَ : قَالَ سُفْيَانُ : وَلَا يَقْبِضُ لِلصَّبِيِّ إلَّا الْأَبُ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ قَاضٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : جَيِّدٌ ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ قَبَضَتْ الْأُمُّ وَأَبُوهُ حَاضِرٌ ، فَقَالَ : لَا أَعْرِفُ لِلْأُمِّ قَبْضًا ، وَلَا يَكُونُ إلَّا لِلْأَبِ ، وَلَمْ أَجِدْ [ عَنْ أَحْمَدَ ] تَصْرِيحًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُ غَيْرِ الْوَلِيِّ مَعَ عَدَمِهِ ، مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُ مَنْ يَلِيه مِنْ أُمٍّ وَقَرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ ، نَقَلَ هَارُونُ الْحَمَّالُ فِي الصِّغَارِ يُعْطَى أَوْلِيَاؤُهُمْ فَقُلْت : لَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ ، قَالَ : يُعْطَى مَنْ يُعْنَى بِأَمْرِهِمْ .
وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ قُلْت : لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ .
قَالَ : الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ نَصَّا ثَالِثًا بِصِحَّةِ الْقَبْضِ مُطْلَقًا ، قَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : سُئِلَ أَحْمَدُ : يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يُعْطَى أَبَاهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِشَأْنِهِ ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ثُمَّ قَالَ : قُلْت .
إنْ تَعَذَّرَ وَإِلَّا فَلَا ، وَالْمُمَيِّزُ كَغَيْرِهِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ
قَبْضِهِ أَنَّهُ ظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمَرُّوذِيِّ يَجُوزُ ، قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَحْمَدَ : يُعْطَى غُلَامًا يَتِيمًا مِنْ الزَّكَاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَدْفَعُهَا إلَى الْغُلَامِ ، قُلْت : فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَيِّعَهُ ، قَالَ : يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ ، وَأَشَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : { قَدِمَ عَلَيْنَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا ، فَجَعَلَهَا فِي فُقَرَائِنَا ، فَكُنْت غُلَامًا ، فَأَعْطَانِي مِنْهَا قَلُوصًا } .
فِيهِ أَشْعَثُ هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي بِصِحَّةِ قَبُولِهِ بِلَا إذْنٍ ، وَكَذَا قَبْضُهُ ، كَكَسْبِهِ مُبَاحًا مِنْ حَشِيشٍ وَصَيْدٍ ، وَيُحْتَمَلُ صِحَّتُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ الْمَالَ .
فَصْلٌ يَحْرُمُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَشْهُرُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَهْلُ الظَّاهِرِ بِأَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَشْتَرِ وَلَا تُعِدْ فِي صَدَقَتِك } وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ رَغْبَةً أَوْ رَهْبَةً ، وَعَنْهُ : يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ( و م ش ) لِشِرَاءِ ابْنِ عُمَرَ ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ ، وَعَنْهُ : يُبَاحُ ( و هـ ) كَمَا لَوْ وَرِثَهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) لِلْخَبَرِ ، وَعَلَّلَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ : أَنَّ مَا كَانَ بِفِعْلِهِ كَالْبَيْعِ ( و ش ) وَنُصُوصُ أَحْمَدَ إنَّمَا هِيَ فِي الشِّرَاءِ ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْهِبَةَ كَالْمِيرَاثِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَلَا ، إذَا كَانَ شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ وَتَأْتِي رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ ، وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لِصِحَّةِ الشِّرَاءِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ دَيْنِهِ وَبِهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ ، فَبِعِوَضٍ أَوْلَى ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ ، وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُد فِي فَرَسٍ جَمِيلٍ ، وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ يَقْتَضِي الْفَرْقَ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْهُ ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِهَا ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : وَمَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ فَلَا ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَشْتَرِهَا وَلَا شَيْئًا مِنْ نَسْلِهَا } نَهَى عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَمْ أَجِدْ فِي حَدِيثِ عُمَرَ النَّهْيَ عَنْ شِرَاءِ نَسْلِهَا .
وَرَوَى أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي التَّيْمِيَّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ ، عَنْ
الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّ رَجُلًا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهُ غَمْرَةُ أَوْ غَمْرَاءُ قَالَ .
فَوَجَدَ فَرَسًا أَوْ مُهْرًا يُبَاعُ ، فَنُسِبَ إلَى تِلْكَ الْفَرَسِ ، فَنَهَى عَنْهَا .
أَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ الْإِمَامُ ، فَالظَّاهِرُ رِوَايَتُهُ عَنْ مَعْرُوفٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : لَعَلَّهُ ابْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الثِّقَةُ الْمَشْهُورُ ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ ، وَالصَّدَقَةُ كَالزَّكَاةِ ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرِهِ : إذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ لَا يَرْجِعُ فِيهَا ، إنَّمَا يَرْجِعُ بِالْمِيرَاثِ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ فِي صَدَقَتِهِ .
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَا تَرْجِعُ وَلَا تَشْتَرِهَا ، كُلُّ مَا كَانَ مِنْ صَدَقَةٍ فَهَذَا سَبِيلُهُ } فَإِنْ رَجَعَ بِإِرْثٍ جَازَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى قَرِيبِهِ بِدَارِ أَوْ غُلَامٍ أَوْ شَيْءٍ : إنْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَرِثَهُ فَلَا ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ : لَا أُجِيزُهُ لَهُ .
وَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ ؟ أَوْ يُخْرِجُهَا الْفَقِيرُ عَنْ نَفْسِهِ إلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ ؟ كَمَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ ، أَمْ لَا يَجُوزُ ؟ ( و ش ) لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَالِكُ صَارِفًا لِنَفْسِهِ ، كَمَا لَوْ تُرِكَتْ لَهُ ، وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِمَا قَدْ تَطَهَّرَ بِهِ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ( 24 و 25 ) وَسَبَقَ هَذَا وَنَحْوُهُ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ ، وَمَذْهَبٌ ( هـ ) .
يَجُوزُ فِي حَقِّ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فَيْءٌ ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ ، كَوَضْعِ الْخَرَاجِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْعُشْرِ وَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَقَدْ أَمَرَ بِالتَّقَرُّبِ بِبَعْضِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ هُوَ الْمَصْرُوفُ [ إلَيْهِ ] وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ هَلْ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ ؟ وَمَنْ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ فَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاةِ قِيمَتِهِ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ فَلَهُ دَفْعُ زَكَاةِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَانِعٌ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
مَسْأَلَةٌ 24 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ ؟ أَوْ يُخْرِجُهَا الْفَقِيرُ عَنْ نَفْسِهِ إلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ ؟ كَمَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ ، أَمْ لَا يَجُوزُ ؟ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَالِكُ صَارِفًا لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ تُرِكَتْ لَهُ ، لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِمَا قَدْ تَطَهَّرَ بِهِ ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى ، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) هَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ فَقَالَ فِي الرِّكَازِ : وَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى وَاجِدِهِ ، وَكَذَا زَكَاةُ الْمَعْدِنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الزَّكَوَاتِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ فَقَالَ : وَيَجُوزُ لِلسَّاعِي أَنْ يُعْطِيَهُ عَيْنَ زَكَاتِهِ ، وَعَنْهُ : الْمَنْعُ ، كَإِسْقَاطِهَا عَنْهُ ، انْتَهَى .
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ ، فَقَالَ : وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ صَرْفُ الرِّكَازِ إلَى وَاجِدِهِ ، وَكَذَا صَرْفُ الْعُشْرِ وَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ إلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، وَنَصَرَهُ .
وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالْخِلَافِ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ فِي الرِّكَازِ وَالْعُشْرِ ، وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَذَكَرَهُ الْمَذْهَبُ ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الرِّكَازِ مَا يُوهِمُ دُخُولَ جَمِيعِ الزَّكَوَاتِ ، وَكَذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، فَفِي كَلَامِهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 25 ) هَلْ يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ نَفْسِهِ إلَى مَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ أَمْ لَا ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ، وَالْحُكْمُ
كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ( قُلْت ) : الصَّوَابُ الْجَوَازُ ، إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ ، فَهَذِهِ سِتٌّ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً ، قَدْ فَتَحَ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِتَصْحِيحِهَا .
بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ تُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ ( ع ) وَهِيَ أَفْضَلُ سِرًّا [ ( و ) ] بِطِيبِ نَفْسٍ ( و ) فِي الصِّحَّةِ [ ( و ) ] وَفِي رَمَضَانَ وَأَوْقَاتِ الْحَاجَاتِ ، وَفِي كُلِّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان فَاضِلٍ ، كَالْعَشَرَةِ وَالْحَرَمَيْنِ ، وَذَوُو رَحِمِهِ وَالْجَارُ أَفْضَلُ ، لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَاوَتِهِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ : صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ } وَقَوْلُهُ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ مَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَقَالَ { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا } وَقَالَ { اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ } وَقَالَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدُ الْمُقِلِّ وَدِرْهَمٌ سَبَقَ مِائَةَ أَلْفٍ } .
وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ مِمَّا فَضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ ، أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دَائِمًا ، كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةِ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ صَنْعَةٍ ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالصَّنْعَةِ نَظَرٌ ، وَفِي مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ : لَا يَكْفِي ، وَقَالَهُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ أَيْضًا وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَوْجُهٌ : الِاسْتِحْبَابُ ، وَعَدَمُهُ ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ أَصَحُّ إنْ صَبَرَ عَلَى الضِّيقِ اُسْتُحِبَّ لَهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوَاضِعَ : أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَوْ عَبَسَ الزَّمَانُ فِي وَجْهِك مَرَّةً لَعَبَسَ فِي وَجْهِك أَهْلُك وَجِيرَانُك .
ثُمَّ حَثَّ عَلَى إمْسَاكِ الْمَالِ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدَّخِرَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ وَأَنَّهُ قَدْ يُتَّفَقُ لَهُ مُرْفَقٌ فَيَخْرُجُ مَا فِي يَدِهِ فَيَنْقَطِعُ
مِرْفَقُهُ فَيُلَاقِي مِنْ الضَّرَّاءِ وَمِنْ الذُّلِّ مَا يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ ، فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرَةِ ، بَلْ يُصَوِّرُ كُلَّ مَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَنْظُرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ ، وَقَدْ تَزَهَّدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَأَخْرَجُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ احْتَاجُوا فَدَخَلُوا فِي مَكْرُوهَاتٍ .
وَالْحَازِمُ مَنْ يَحْفَظُ مَا فِي يَدِهِ ، وَالْإِمْسَاكُ فِي حَقِّ الْكَرِيمِ جِهَادٌ ، كَمَا أَنَّ إخْرَاجَ مَا فِي يَدِ الْبَخِيلِ جِهَادٌ ، وَالْحَاجَةُ تُحْوِجُ إلَى كُلِّ مِحْنَةٍ ، قَالَ بِشْرٌ الْحَافِي : لَوْ أَنَّ لِي دَجَاجَةً أَعُولُهَا خِفْت أَنْ أَكُونَ عَشَّارًا عَلَى الْجِسْرِ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : مَنْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ فَلْيَجْعَلْهُ فِي قَرْنِ ثَوْرٍ ، فَإِنَّهُ زَمَانٌ مَنْ احْتَاجَ فِيهِ كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْذُلُ دِينَهُ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَبَعْدُ فَإِذَا صَدَقَتْ نِيَّةُ الْعَبْدِ وَقَصْدُهُ رَزَقَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ مِنْ الذُّلِّ ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ } الْآيَةَ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِكَفَالَتِهِ أَثِمَ ( و هـ م ) وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَوْجُهٌ ، ثَالِثُهَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُمَوِّنُهُ لَا فِي نَفْسِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ لَمْ يَضُرَّ فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْبَابُ ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَالْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ جَازَ وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ جَوَّزَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ ، وَعَنْ عُمَرَ رَدَّ جَمِيعَ صَدَقَتِهِ ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ
الشَّامِ يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ ، وَعَنْ مَكْحُولٍ فِي النِّصْفِ .
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : الْمُسْتَحَبُّ الثُّلُثُ .
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ : يُكْرَهُ ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَائِلَةٌ وَلَهُمْ كِفَايَةٌ أَوْ يَكْفِيهِمْ بِمَكْسَبِهِ جَازَ ، لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ وَلَا عَادَةَ لَهُ بِهِ أَنْ يُنْقِصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ وَيَتَصَدَّقُ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرِيبِهِ وَلِيمَةٌ : يَسْتَقْرِضُ وَيَهْدِي لَهُ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ ، قَالَ شَيْخُنَا : فِيهِ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْقَرْضِ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَظُنُّ وَفَاءً .
وَيُسْتَحَبُّ التَّعَفُّفُ فَلَا يَأْخُذُ الْغَنِيُّ صَدَقَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا ، فَإِنْ أَخَذَهَا مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ فَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ .
وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ كَبِيرَةٌ ، عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ : الْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ ، لِلْآيَةِ ، وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ وَفِي بُطْلَانِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ ، وَذَكَرَهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ ، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي ؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي ؟ فَقَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ ، فَقَالَ : أَلَا تُجِيبُونَ ؟ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ : جِئْتنَا كَذَا وَكَذَا } الْحَدِيثُ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ : لَا يَحِلُّ أَنْ يَمُنَّ إلَّا مِنْ كُفِرَ إحْسَانُهُ وَأُسِيءَ إلَيْهِ ، فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَهُ شَارِحُ الْأَحْكَامِ الصُّغْرَى إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إقَامَةِ الْحُجَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا عَلَى الْخَصْمِ ، وَلَمَّا كَانَتْ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ أَعْظَمُ قَدَّمَهَا ، ثُمَّ نِعْمَةُ الْأُلْفَةِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُبْذَلُ فِي تَحْصِيلِهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ بَدَا لَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ ، وَلَا يَجِبُ ، وَسَبَقَ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَعْجِيلِهَا ، نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْهُ الرَّسُولُ فَبَدَا لَلْمُرْسَلِ أَنْ يُمْسِكَهَا ، قَالَ : مَا أَحْسَنُهُ أَنْ يُمْضِيَهُ [ وَكَذَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ : مَا أَحْسَنَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ ] وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَا لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَمَاتَ الْمُعْطِي .
قَالَ : مِيرَاثٌ قَالَ أَحْمَدُ : أَقُولُ : إنَّهُ لَيْسَ بِمِيرَاثٍ إذَا كَانَ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ شَيْءٍ أَخْرَجَهُ لِلْحَجِّ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ مِيرَاثٌ .
قَالَهُ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ ، وَكَذَا نَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ ، وَلَمْ يَرُدَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَكِيلَ يُخْرِجُهُ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ مَا عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ ، أَوْ يَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ رِوَايَةٌ بِالتَّفْرِقَةِ ، وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، قَالَ حُبَيْشٌ : إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ : رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ تَصَدَّق بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ إنَّ الدَّافِعَ جَاءَ إلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ : رُدَّ عَلَيَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ ، مَا يَصْنَعُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ ؟ فَقَالَ : لَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِ ، يَمْضِيهَا فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةً مِنْ مَالِهِ ، فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُوضَعَ فِي أَهْلِ السِّكَّةِ ، أَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ؟ قَالَ : مَضَى ، فَرَاجَعَهُ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ فِي ذَلِكَ .
وَتَرْجَمَ الْخَلَّالُ : الرَّجُلُ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ فَلَا يَرُدُّهَا إلَى مَالِهِ بَعْدَ أَنْ سَمَّاهَا صَدَقَةً ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَالرِّوَايَتَانِ ، وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ بِذَلِكَ كَالنَّذْرِ أَمْ لَا ؟ وَإِنْ لَمْ
يَتَكَلَّمْ فَقَدْ نَوَى خَيْرًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَهُ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إذَا أُخْرِجَ الطَّعَامُ لِلسَّائِلِ فَوَجَدَهُ قَدْ ذَهَبَ عَزْلُهُ حَتَّى يَجِيءَ سَائِلٌ آخَرُ ، وَصَحَّ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ ، وَرَوَاهُ لَيْثٌ عَنْ طَاوُسٍ ، وَصَحَّ عَنْ حُمَيْدٍ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَا : لَا يُعْطِيه سَائِلًا آخَرَ ، رَوَى ذَلِكَ الْأَثْرَمُ ، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَمَنْ سَأَلَ فَأَعْطَى فَقَبَضَهُ فَسَخِطَهُ لَمْ يُعْطِ لِغَيْرِهِ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ ، وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ ، فَإِنْ صَحَّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ عُقُوبَةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ سُخْطَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَارُ تَمَلُّكَهُ ، فَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ عَلَى أَصْلِنَا ، كَبَيْعِ التَّلْجِئَةِ ، وَيُتَوَجَّهُ فِي الْأَظْهَرِ أَنَّ أَخْذَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ ، وَأَنَّ أَخْذَهَا سِرًّا أَوْلَى ، وَفِيهِمَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَظُنُّ عُلَمَاءَ الصُّوفِيَّةِ
وَتَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى كَافِرٍ وَغَنِيٍّ وَغَيْرِهِمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَهُمْ أَخْذُهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَالصَّدَقَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ عَلَى الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَيْمُونَةَ وَقَدْ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ { لَوْ كُنْت أَعْطَيْتهَا أَخْوَالَك كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِك } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالْعِتْقُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ إلَّا زَمَنَ الْغَلَاءِ وَالْحَاجَةِ ، نَقَلَهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو دَاوُد ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْحَلْوَانِيِّ أَوَّلَ الْعِتْقِ .
وَهَلْ حَجُّ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ؟ سَأَلَ حَرْبٌ لِأَحْمَدَ أَيَحُجُّ نَفْلًا أَمْ يَصِلُ قَرَابَتَهُ ؟ قَالَ : إنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ يَصِلُهُمْ أَحَبُّ إلَيَّ ، قِيلَ : فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَرَابَةً ؟ قَالَ : الْحَجُّ .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا أَعْدِلُ بِالْمُشَاهَدِ شَيْئًا .
وَتَرْجَمَ أَبُو بَكْرٍ : فَضْلَ صِلَةِ الْقَرَابَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ .
وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : وَإِنْ قَرَابَتُهُ فُقَرَاءُ ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ : يَضَعُهَا فِي أَكْبَادِ جَائِعَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ .
فَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ ، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا هَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ ؟ أَمْ الصَّدَقَةُ مَعَ الْحَاجَةِ ؟ أَمْ مَعَ الْحَاجَةِ عَلَى الْقَرِيبِ ؟ أَمْ عَلَى الْقَرِيبِ مُطْلَقًا ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ أَرْبَعٌ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَصِيَّتُهُ بِالصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ بِلَا حَاجَةٍ ( م 1 ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ الضَّرُورَةُ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا تَطَوُّعٌ ، وَفِي الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَحُجُّ أَحُجُّ ، قَدْ حَجَجْت ، صِلْ رَحِمًا ، تَصَدَّقْ عَلَى مَغْمُومٍ ، أَحْسِنْ إلَى جَارٍ .
وَفِي كِتَابِ الصُّفْوَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ الْجِهَادِ ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا سِرٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَسَبَقَ أَوَّلُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ ، فَحَيْثُ قُدِّمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْحَجِّ فَعَلَى الْعِتْقِ أَوْلَى ، وَحَيْثُ قُدِّمَ الْعِتْقُ عَلَى الصَّدَقَةِ فَالْحَجُّ أَوْلَى ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ التَّابِعِينَ قَوْلَيْنِ : هَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ ؟ وَرَوَى أَيْضًا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ
قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ إذَا حَجَّ مِرَارًا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ .
بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَهَلْ حَجُّ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا ؟ أَمْ الصَّدَقَةُ مَعَ الْحَاجَةِ ؟ أَمْ مَعَ الْحَاجَةِ عَلَى الْقَرِيبِ ؟ أَمْ عَلَى الْقَرِيبِ مُطْلَقًا ؟ رِوَايَاتٌ أَرْبَعٌ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَصِيَّتُهُ بِالصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ بِلَا حَاجَةٍ ، انْتَهَى ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ ، وَإِنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الصُّفْوَةِ : الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ الْجِهَادِ ، انْتَهَى ( قُلْت ) الصَّوَابُ : أَنَّ الصَّدَقَةَ زَمَنُ الْمَجَاعَةِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ أَفْضَلُ ، لَا سِيَّمَا الْجَارُ خُصُوصًا صَاحِبُ الْعَائِلَةِ ، وَأَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ الْقَرَابَةَ ، فَهَذَا فِيمَا يَظْهَرُ لَا يُعَدُّ لَهُ الْحَجُّ التَّطَوُّعُ ، بَلْ النَّفْسُ تَقْطَعُ بِهَذَا ، وَهَذَا نَفْعٌ عَامٌّ ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ ، وَهُوَ قَاصِرٌ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ .
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى الْقَرِيبِ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ فَالْحَجُّ التَّطَوُّعُ أَفْضَلُ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ قَوْلًا إنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ ، وَذَكَرَ أَدِلَّةَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَمِنْ الْعِتْقِ وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْأُضْحِيَّةِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : مَا قَالَ مُسْلِمٌ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ ، فَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَلَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ قَدْ سَبَقَ فِي ذَكَرِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةُ مَنْ جَاءَهُ مَالٌ بِسُؤَالٍ أَوْ إشْرَافِ نَفْسٍ أَوْ بِهِمَا ، وَهَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ بِدُونِهِمَا ؟ فَأَمَّا إنْ شَكَّ فِي تَحْرِيمِ الْمَالِ ، فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ كَالذَّبِيحَةِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ فَمُحَرَّمٌ ، لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ هَلْ هُوَ بِنَجَاسَةٍ أَوْ لَا عَمِلَ بِالْأَصْلِ ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ : { شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ : لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَصْلٌ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَحَلَالًا كَمَنْ فِي مَالِهِ هَذَا وَهَذَا فَقِيلَ بِالتَّحْرِيمِ ، قَطَعَ بِهِ شَرَفُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَخَبِ ، ذَكَرَهُ قُبَيْلَ بَابِ الصَّيْدِ [ وَعَلَّلَ الْقَاضِي ] وُجُوبَ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِتَحْرِيمِ الْكَسْبِ عَلَيْهِ هُنَاكَ ، لِاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِهِمْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ .
وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَمَا قُلْنَا فِي اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي الطَّاهِرَةِ بِالنَّجِسَةِ ، وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ، وَسَأَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الَّذِي يُعَامَلُ بِالرِّبَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ ؟ قَالَ : لَا ، قَدْ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ .
وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ } ، وَمُرَادُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَنَسٌ : إذَا دَخَلْت عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ ، وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ .
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { دَعْ مَا يَرِيبُك ، إلَى مَا لَا يَرِيبُك } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
( وَالثَّانِي ) إنْ زَادَ الْحَرَامُ عَلَى الثُّلُثِ حَرُمَ الْكُلُّ وَإِلَّا فَلَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ ضَابِطٌ فِي مَوَاضِعَ .
( وَالثَّالِثُ ) إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ الْحَرَامُ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا ، إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا : إنْ غَلَبَ الْحَرَامُ هَلْ تَحْرُمُ مُعَامَلَتُهُ ؟ أَوْ تُكْرَهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا : إنْ عَرَفَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ رَدَّهُ ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْفَسَادُ تَنَزَّهَ عَنْهُ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِي الرَّجُلِ يَخْلُفُ مَالًا : إنْ كَانَ غَالِبُهُ نَهْبًا أَوْ رِبًا يَنْبَغِي لِوَارِثِهِ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُعْرَفُ ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا : هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ وَرَثَةِ إنْسَانٍ مَالًا مُضَارَبَةً يَنْفَعُهُمْ وَيَنْتَفِعُ ؟ قَالَ : إنْ كَانَ غَالِبُهُ الْحَرَامُ فَلَا .
( وَالرَّابِعُ ) عَدَمُ التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا ، قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ ، لَكِنْ يُكْرَهُ ، وَتَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ ( م 2 ) ، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ }
وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ ذِرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ : لِي جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا وَلَا يَزَالُ يَدْعُونِي ، فَقَالَ : مَهَنُوهُ لَك وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ .
قَالَ الثَّوْرِيُّ : إنْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ فَلَا تَأْكُلُهُ ، وَمُرَادُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَلَامُهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا .
وَرَوَى جَمَاعَةٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : إذَا كَانَ لَك صِدِّيقٌ عَامِلٌ فَدَعَاك إلَى طَعَامِ فَاقْبَلْهُ ، فَإِنَّ مُهَنَّأَهُ لَك وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ قَالَ مَعْمَرٌ : وَكَانَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ عَامِلُ الْبَصْرَةِ يَبْعَثُ إلَى الْحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ بِجِفَانِ ثَرِيدٍ ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا وَيُطْعِمُ أَصْحَابَهُ ، وَيَبْعَثُ عَدِيٌّ إلَى الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ ، فَقِبَلَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَرَدَّ ابْنُ سِيرِينَ .
قَالَ : وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ طَعَامِ الصَّيَارِفَةِ فَقَالَ : قَدْ أَخْبَرَكُمْ اللَّهُ عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الرَّبَّا وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ .
وَقَالَ مَنْصُورٌ : قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ اللَّخْمِيِّ : عَرِيفٌ لَنَا يُصِيبُ مِنْ الظُّلْمِ فَيَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُهُ ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ : لِلشَّيْطَانِ غَرَضٌ بِهَذَا لِيُوقِعَ عَدَاوَةً ، وَقَدْ كَانَ الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ .
قُلْت : نَزَلْت بِعَامِلٍ فَنَزَلَنِي وَأَجَازَ لِي قَالَ [ اقْبَلْ ] قُلْت : فَصَاحِبُ رِبًا ، قَالَ : اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْهَمْطُ الظُّلْمُ وَالْخَلْطُ وَيُقَالُ : هَمَطَ النَّاسَ فُلَانٌ يَهْمِطُهُمْ إذَا ظَلَمَهُمْ حَقَّهُمْ ، وَالْهَمْطُ أَيْضًا الْأَخْذُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ : وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ حُكْمُ مُعَامَلَتِهِ وَقَبُولُ صَدَقَتِهِ وَهِبَتِهِ وَإِجَابَةُ دَعَوْته وَنَحْوُ ذَلِكَ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ الْحَرَامُ يَجِبُ السُّؤَالُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ فَالْوَرَعُ التَّفْتِيشُ وَلَا
يَجِبُ ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَسْئُولُ وَعَلِمْت إنَّ لَهُ غَرَضًا فِي حُضُورِك وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِ فَلَا ثِقَةَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَالِ حَرَامًا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ ، وَلَا تَحْرِيمَ بِالِاحْتِمَالِ ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِلشَّكِّ فِيهِ ، وَإِنْ قَوِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فَظَنَّهُ فَيُتَوَجَّهُ فِيهِ كَآنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامِهِمْ .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ : وَإِذَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِ الْمَالِ وَعَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَحَلَالًا كَمَنْ فِي مَالِهِ هَذَا وَهَذَا ، فَقِيلَ بِالتَّحْرِيمِ ، قَطَعَ بِهِ شَرَفُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ فِي كِتَابِ الْمُنْتَخَبِ ، ذَكَرَهُ قُبَيْلَ بَابِ الصَّيْدِ وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي ، وَالثَّانِي إنْ زَادَ الْحَرَامُ عَلَى الثُّلُثِ حَرَّمَ الْكُلَّ وَإِلَّا فَلَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ الْحَرَامُ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا : إنْ غَلَبَ الْحَرَامُ هَلْ تَحْرُمُ مُعَامَلَتُهُ ؟ أَمْ تُكْرَهُ ، عَلَى وَجْهَيْنِ .
وَالرَّابِعُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا ، قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ ، لَكِنْ يُكْرَهُ ، وَتَقْوَى الْكَرَاهِيَةُ وَتَضْعُفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ ، انْتَهَى ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ ( قُلْت ) : الصَّحِيحُ الْأَخِيرُ ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ .
وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ ، وَغَيْرُهُ ، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ : وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ ، وَقَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، ثُمَّ قَالَ : قَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، انْتَهَى ، وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ { دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك } وَقَدْ قَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَلَا يَأْكُلُ مُخْتَلِطًا بِحَرَامٍ بِلَا ضَرُورَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَا يَسْعَنَا إلَّا حِلْمُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ .
تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا حُكْمُ مُعَامَلَتِهِ وَقَبُولِ صَدَقَتِهِ وَإِجَابَةِ دَعَوْته وَنَحْوِ ذَلِكَ ، انْتَهَى قَدْ عَلِمْت
الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ ،
فَصْلٌ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ إنْ عَلِمَهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا ، أَوْ عَلِمَهُمَا فِيهِ ، أَوْ شَكَّ فِي الْحَرَامِ فِيهِ ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ ، فَلَا يُتَّجَهُ إطْلَاقُ الْحُكْمِ فِيهِ ، لَكِنْ خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْغَالِبِ ، وَالْغَالِبُ أَنَّ فِيهِ حَلَالًا وَحَرَامًا ، وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ السَّابِقُ ، فَلِهَذَا كَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : يَجُوزُ الْعَمَلُ مَعَ السُّلْطَانِ وَقَبُولُ جَوَائِزِهِ ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّرْغِيبِ بِالْعَادِلِ ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّبْصِرَةِ بِمَنْ غَلَبَ عَدْلُهُ ، وَأَنَّهَا تُكْرَهُ ، فِي رِوَايَةٍ ، وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَائِزَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ ، فَقَالَ : أَكْرَهُهُمَا ، وَجَائِزَتُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّدَقَةِ ، وَقَالَ : هِيَ خَيْرٌ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ ، وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ خَيْرٌ مِنْهُمَا ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا .
وَقَالَ أَيْضًا : لَيْسَ بِحَرَامٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : يَمُوتُ بِدِينِهِ وَلَا يَعْمَلُ مَعَهُمْ ، وَقَالَ بِهِجْرَانِهِ ، وَيَخْرُجُهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ ، وَهَجَرَ أَحْمَدُ أَوْلَادَهُ وَعَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ لَمَّا أَخَذُوهَا ، قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْهَجْرِ بِأَخْذِ الشُّبْهَةِ ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَجَرَتْ بِمَا فِي مَعْنَاهُ ، كَهَجْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ ضَحِكَ فِي جِنَازَةٍ ، وَحُذَيْفَةُ بِشَدِّ الْخَيْطِ لِلْحُمَّى ، وَعُمَرُ أَمَرَ بِهَجْرِ صَبِيغٍ بِسُؤَالِهِ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالنَّازِعَاتِ .
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : لِتَنْتَهِ عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا .
فَهَجَرَتْهُ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : كَأَنَّ أَحْمَدَ تَوَسَّعَ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا لِحَاجَةٍ ، فَلَمَّا أَخَذُوهَا مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ هَجَرَهُمْ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ ، وَهُوَ عِنْدِي عَلَى غَيْرِ قَطْعِ الْمُصَارَمَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ اسْتَغْنَوْا فَلَهُمْ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ : تَرَى أَنْ يُعِيدَ مَنْ حَجَّ مِنْ الدِّيوَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَكَذَا كَرِهَ مُعَامَلَةَ الْجُنْدِيِّ وَإِجَابَةَ دَعَوْته ، وَمُرَادُهُ مَنْ
يَتَنَاوَلُ الْحَرَامَ الظَّالِمُ .
وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ فُورَانَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَالِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَالزُّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ قَالَا : كُلْ ، فَهَذَا عِنْدِي مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ ، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : بَيْتُ الْمَالِ يَدْخُلُهُ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ فَيَصِلُ إلَى الرَّجُلِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ ، فَإِمَّا حَلَالٌ وَحَرَامٌ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ أَفَادَ ذَلِكَ رَجُلٌ مَالًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ تَصَدَّقَ بِهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا مُسْتَحَقَّ لَهُ مُعَيَّنٌ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ ، وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ ، وَامْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ فَمِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ بِأَنَّ بَاقِي الْمُسْتَحَقِّينَ لَمْ يَأْخُذْ ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، قَالَ : وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّهُ وَيَبْقَى حَقُّ أُولَئِكَ ، مَقَامٌ مَعْلُومٌ فِي مَقَامٍ مَظْلُومٍ ، وَلَيْسَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا ، وَقَبِلَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرُهُمْ ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَسُئِلَ عُثْمَانُ عَنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ ، فَقَالَ : لَحْمُ ظَبْيٍ ذَكِيٍّ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَكَانَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَقْبَلُونَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ ، وَكَانَ الثَّوْرِيُّ مَعَ وَرَعِهِ وَفَضْلِهِ يَقُولُ : هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ .
وَمَنْ دَفَعَ جَائِزَتَهُ إلَى آخَرَ فَعِنْدَ أَحْمَدَ لَا يُكْرَهُ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ لِلْأَوَّلِ لِلْمُحَابَاةِ ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، وَتَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَنْ أَحْمَدَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ .
وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَهُ : وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ إنْ شَكَّ فِي الْحَرَامِ فِيهِ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ ، انْتَهَى ، يَعْنِي بِالْحُكْمِ هَذَا الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَإِنْ أَرَادَ مَنْ مَعَهُ مَالٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إثْمِ الْحَرَامِ أَوْ يَتَصَرَّفَ ، فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَلَالُ ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّيْدِ السَّابِقِ ، كَذَا قَالَ ، مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي الصَّيْدِ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : إنَّمَا قِلَّتُهُ فِي دِرْهَمٍ حَرَامٍ مَعَ آخَرَ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : فِي عَشَرَةٍ فَأَقَلَّ لَا تُجْحِفُ بِهِ .
وَقَالَ فِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي الطَّاهِرَةِ بِالنَّجِسَةِ : ظَاهِرُ مَقَالَةِ أَصْحَابِنَا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَأَبَا عَلِيٍّ النَّجَّادَ وَأَبَا إِسْحَاقَ : يَتَحَرَّى فِي عَشَرَةٍ طَاهِرَةٍ فِيهَا إنَاءٌ نَجِسٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ فِيهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ ، فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةٌ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ امْتَنَعَ مِنْ جَمِيعِهَا ، قَالَ : وَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا حَدًّا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِمَا كَثُرَ عَادَةً ، وَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : قَدْ قُلْتُمْ : إذَا اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ بِدَرَاهِمَ يَعْزِلُ قَدْرَ الْحَرَامِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَاقِي .
فَقَالَ : إنْ كَانَ لِلدَّرَاهِمِ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا ، وَإِلَّا عَزَلَ قَدْرَ الْحَرَامِ وَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَهُوَ شَرِيكٌ مَعَهُ ، فَهُوَ يَتَوَصَّلُ إلَى مُقَاسَمَتِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَالٌ لِلْفُقَرَاءِ ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ لَيْسَ لِلتَّحْدِيدِ ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ ( م 3 ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ لَعَيْنِهِ ، وَإِنَّمَا حَرُمَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ ، فَإِذَا أَخْرَجَ عِوَضَهُ زَالَ التَّحْرِيمُ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا فَرَضِيَ بِعِوَضِهِ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ عَلِمَ صَاحِبُهُ ،
وَلَيْسَ بِمُرَادٍ ، وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْقَاضِي ، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْغَصْبِ الْخِلَافُ فِي الْمَغْصُوبِ إذَا خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ ، كَدَرَاهِمَ وَزَيْتٍ ، هَلْ يَلْزَمُ مِثْلُهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ ؟ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَحْمَدَ : إذَا اخْتَلَطَ زَيْتٌ حَرَامٌ بِمُبَاحٍ تَصَدَّقَ بِهِ ، هَذَا مُسْتَهْلَكٌ ، وَالنَّقْدُ يُتَحَرَّى ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي الزَّيْتِ : أَعْجَبُ [ إلَيَّ ] أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ ، هَذَا غَيْرُ الدَّرَاهِمِ ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنَّ الْوَرَعَ تَرْكُ الْجَمِيعِ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : لَا يَتَبَيَّنُ لِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَرَعِ ، وَمَتَى جَهِلَ قَدْرَ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِمَا يَرَاهُ حَرَامًا ، نَقَلَهُ فُورَانُ فَدَلَّ هَذَا أَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ ، وَقَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا كَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ ، لِكَثْرَةِ اخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ ، فَتَعُمُّ الْبَلْوَى ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ ، فَهُوَ خَيْرٌ ، وَبِأَكْلِ الْحَلَالِ تُطَمْئِنُ الْقُلُوبُ وَتَلِينُ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَرَادَ مَنْ مَعَهُ مَالٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إثْمِ الْحَرَامِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَلَالُ وَعَنْهُ أَيْضًا : إنَّمَا قُلْته فِي دِرْهَمٍ حَرَامٍ مَعَ آخَرَ ، وَعَنْهُ أَيْضًا : فِي عَشَرَةٍ فَأَقَلَّ لَا تُجْحِفُ بِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الِاعْتِبَارُ بِمَا كَثُرَ عَادَةً وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ لَيْسَ لِلتَّحْدِيدِ ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَتَصَرَّفَ خَرَجَ مِنْ الْإِثْمِ وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) حَصَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَكْرَارٌ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا هُنَا بِعَيْنِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّرِكَةِ ، وَحَصَلَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ ، مِنْهَا قَوْلُهُ هُنَا " نَقَلَ جَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَلَالُ " وَقَالَ هُنَاكَ " نَقَلَ الْجَمَاعَةُ " بِالتَّعْرِيفِ و " جَمَاعَةٌ " غَيْرُ " الْجَمَاعَةِ " فِي مُصْطَلَحِهِ وَمُصْطَلَحِ غَيْرِهِ ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ هُنَا " وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّوَادِرِ " وَذَكَرَ هُنَاكَ " وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالنَّوَادِرِ " وَهُوَ الصَّوَابُ ، إذْ ابْنُ عَقِيلٍ لَيْسَ لَهُ نَوَادِرُ ، وَلَا ذَكَرَهَا أَحَدٌ فِي مُصَنَّفَاتِهِ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِابْنِ الصَّيْرَفِيِّ ، وَمِنْهَا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ هُنَا إطْلَاقُ الْخِلَافِ ، وَهُنَاكَ قَدَّمَ حُكْمًا ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ هُنَا " وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ لَيْسَ لِلتَّحْدِيدِ ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ " وَقَالَ هُنَاكَ " وَاخْتَارَ الْأَصْحَابُ : لَا يَخْرُجُ قَدْرَ الْحَرَامِ " وَقَالَ أَيْضًا هُنَا " وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنَّ الْوَرَعَ تَرْكُ الْجَمِيعِ " فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى .
فَصْلٌ وَالْوَاجِبُ فِي الْمَالِ الْحَرَامِ التَّوْبَةُ وَإِخْرَاجُهُ عَلَى الْفَوْرِ ، يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَارِثِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ عَجَزَ دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ ، وَهَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ ؟ تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْغَصْبِ ، وَمَتَى تَمَادَى بِبَقَائِهِ بِيَدِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ أَوَّلًا عَظُمَ إثْمُهُ .
وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ صَدَقَةٌ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ صَدَقَتُهُ وَيَأْثَمُ ، وَإِنْ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَفِي رَدِّهِ إعَانَةُ الظَّالِمِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، فَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَارِثِهِ ، وَإِلَّا دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ، عَلَى الْخِلَافِ ، وَهَذَا نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ ، وَزَادَ : إنْ رَدَّهُ فَسَقَ ، فَإِنْ عَرَفَ صَاحِبَهُ فَقَدْ زَادَ فِسْقُهُ وَأَتَى كَبِيرَةً ، كَذَا قَالَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَرَأَ بَعْدَ آيَةِ غَضِّ الْبَصَرِ { إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ } يَتَّقِي الْأَشْيَاءَ ، لَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَّقِي الْكُفْرَ وَالرِّيَاءَ وَالْمَعَاصِيَ ، فَتَحْبَطُ الطَّاعَةُ بِالْمَعْصِيَةِ مِثْلِهَا ، فَيَكُونُ كَمَا لَمْ تُقْبَلْ ، وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ : الْمُرَادُ الْمُوَحِّدِينَ ، قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ : إلَّا مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي عَمَلِهِ فَفَعَلَهُ كَمَا أُمِرَ خَالِصًا ، وَإِنَّهُ قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ .
وَعَنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ : إلَّا مِمَّنْ اتَّقَى الْكَبَائِرَ .
وَعِنْدَ الْمُرْجِئَةِ : إلَّا مِمَّنْ اتَّقَى الشِّرْكَ [ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ] .
كِتَابُ الصِّيَامِ الصَّوْمُ لُغَةً : الْإِمْسَاكُ ، وَمِنْهُ { إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ : صَائِمٌ ، لِإِمْسَاكِهِ عَنْ الصَّهِيلِ فِي مَوْضِعِهِ ، وَكَذَا عَنْ الْعَلَفِ .
وَشَرْعًا : إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ .
قِيلَ : سُمِّيَ رَمَضَانُ لِحَرِّ جَوْفِ الصَّائِمِ فِيهِ وَرَمَضِهِ ، وَالرَّمْضَاءُ : شِدَّةُ الْحَرِّ ، وَقِيلَ : لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ سَمَّوْهَا بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا ، فَوَافَقَ هَذَا الشَّهْرُ أَيَّامَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَرَمَضِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يَحْرِقُ الذُّنُوبَ ، وَقِيلَ : مَوْضُوعٌ لِغَيْرِ مَعْنًى كَسَائِرِ الشُّهُورِ ، كَذَا قِيلَ ، وَقِيلَ فِي الشُّهُورِ مَعَانٍ أَيْضًا ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَجَمْعُهُ رَمَضَانَاتٌ وَأَرْمِضَةٌ وَرَمَاضِينُ وَأَرْمُضٌ وَرِمَاضٌ وَرَمَاضِيٌّ وَأَرَامِيضُ .
وَالْمُسْتَحَبُّ قَوْلُ شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { شَهْرُ رَمَضَانَ } وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانَ ، بِإِسْقَاطِ الشَّهْرِ ( و هـ ) وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ : يُكْرَهُ إلَّا مَعَ قَرِينَةِ الشَّهْرِ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا : يُكْرَهُ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ ، وَقَالَا : لَعَلَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : لَا يَجُوزُ ، وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ } قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : مَوْضُوعٌ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ ( ع ) وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَوْ صَحَّ مِنْ أَسْمَائِهِ لَمْ يُمْنَعْ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ ، كَالْأَسْمَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُشَارَكَةُ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ
إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " وَمَا تَأَخَّرَ " .
وَحَمَّادٌ لَهُ أَوْهَامٌ ، وَمُحَمَّدٌ تُكُلِّمَ فِيهِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ } وَفِي لَفْظٍ : { فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا { فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ } يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ الْخَيْرِ أَوْ كَثْرَةُ أَسْبَابِهِ .
وَمَعْنَى صُفِّدَتْ غُلَّتْ ، وَالصَّفَدُ : الْغُلُّ ، وَهُوَ مَعْنَى سُلْسِلَتْ ، وَالْمُرَادُ الْمَرَدَةُ ، فَلَيْسَ فِيهِ إعْدَامُ الشَّرِّ بَلْ قِلَّتُهُ ، لِضَعْفِهِمْ ، وَلِهَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { : صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ } وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ : { وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ } فَلَا يَرُدُّ قَوْلَ الْقَائِلِ : إنَّ الْمَجْنُونَ يُصْرَعُ فِيهِ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ هَذَا فَقَالَ : هَكَذَا الْحَدِيثُ وَلَا تَكَلُّمَ فِي ذَا .
وَرَوَى أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُعْطِيت أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ قَبْلَهَا : خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ ثُمَّ يَقُولُ : يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إلَيْك ، وَتُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلَا
يَخْلُصُونَ فِيهِ إلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إلَيْهِ فِي غَيْرِهِ ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ قِيلَ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إذَا قَضَى عَمَلَهُ } قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ : حَدِيثٌ حَسَنٌ أَسْنَادُهُ عُدُولٌ .
فَصْلٌ صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ ( ع ) فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ ( ع ) فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ ( ع ) وَيَجِبُ صَوْمُهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَكْمَلُوهُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ صَامُوا وَصَلَّوْا التَّرَاوِيحَ ( و ) كَمَا لَوْ رَأَوْهُ ، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ أَوْ غَيْرُهُمَا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَجَبَ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ ، اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ ، وَذَكَرُوهُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ ، وَأَنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ عَلَيْهِ ، كَذَا قَالُوا ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ وَلَا أَمَرَ بِهِ ، فَلَا تَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا : لَا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِعْلِهِ ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الْوُجُوبِ ، وَإِنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ قَدْ عُورِضَ بِنَهْيٍ ، وَاحْتَجُّوا بِأَقْيِسَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَاتِ يُحْتَاطُ لَهَا ، وَاسْتَشْهَدُوا بِمَسَائِلَ ، وَهِيَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فِيمَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ أَوْ كَانَ الْأَصْلُ ، كَثَلَاثِينَ رَمَضَانَ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّهْرِ .
وَمِمَّا ذَكَرُوهُ : الشَّكُّ فِي انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ يَمْنَعُ الْمَسْحَ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْغُسْلُ ، فَمَعَ الشَّكِّ يُعْمَلُ بِهِ .
وَيَأْتِي : هَلْ يُتَسَحَّرُ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ ؟ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الطَّهَارَةُ مَعَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ ، فَلَا يُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ ، فَيُقَالُ : وَجَوَازُ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يُحَرِّمُهُ بِالشَّكِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ شِهَابٍ : وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ : الطَّهَارَةُ مَقْصُودَةٌ ؟ فِي نَفْسِهَا ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهَا ، بِخِلَافِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، وَتَأْتِي فِيمَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَقِيلَ لِمَنْ نَصَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ : صَوْمُ يَوْمِ الْغَيْمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ نَذْرُ صَوْمِ رَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ : فَإِنَّهُ إذَا غُمَّ أَوَّلُهُ لَمْ يَلْزَمْ ، فَقَالَ : كَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا : وَالنُّذُورُ لَا تُبْنَى إلَّا عَلَى أُصُولِهَا مِنْ الْفُرُوضِ ، كَذَا قَالَ وَيَتَوَجَّهُ : يَلْزَمُ ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَهُمْ ، فَعَلَى هَذَا يَصُومُهُ حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا ، وَيُجْزِئُهُ .
وَقِيلَ لِلْقَاضِي : لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمَعَ الشَّكِّ فِيهَا لَا يُجْزَمُ بِهَا ، فَقَالَ : لَا يَمْتَنِعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ ، كَالْأَسِيرِ وَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ ، كَذَا قَالَ .
وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّةُ التَّعْيِينِ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَذَا قَالَ ، وَتُصَلَّى التَّرَاوِيحُ لَيْلَتئِذٍ ، فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ : الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ احْتِيَاطًا لِسُنَّةِ قِيَامِهِ وَلَا يَتَضَمَّنُ مَحْذُورًا ، وَالصَّوْمُ نُهِيَ عَنْ تَقَدُّمِهِ ، وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالتَّمِيمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ لَا تُصَلَّى ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ ( م 1 ) وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ وَوُقُوعِ الْمُعَلَّقَاتِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا : تَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ الصَّوْمُ وَتَوَابِعُهُ مِنْ النِّيَّةِ وَتَبْيِيتُهَا وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ خُولِفَ لِلنَّصِّ وَاحْتِيَاطًا لِعِبَادَةٍ عَامَّةٍ ، وَعَنْهُ : يَنْوِيهِ حُكْمًا جَازِمًا بِوُجُوبِهِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، فَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ إذَنْ ، وَقِيلَ : لَا ، وَعَنْهُ : لَا
يَجِبُ صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَشَيْخُنَا .
وَقَالَ : هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْهُ ، وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَوْجَبَ طَلَبَ الْهِلَالِ لَيْلَتئِذٍ ، وَعَنْهُ : النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ ، فَإِنْ صَامَ وَجَبَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا ، فَيُتَحَرَّى فِي كَثْرَةِ كَمَالِ الشُّهُورِ قَبْلَهُ وَنَقْصِهَا ، وَإِخْبَارِهِ بِمَنْ لَا يُكْتَفَى بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ ، وَيُعْمَلُ بِظَنِّهِ ، وَيَأْتِي : الْمُنْفَرِدُ بِرُؤْيَتِهِ هَلْ يَصُومُهُ ؟ وَعَنْهُ : صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ ، فَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً ، وَعُمِلَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْفُنُونِ بِعَادَةٍ غَالِبَةٍ ، كَمُضِيِّ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ فَالثَّالِثُ نَاقِصٌ ، وَأَنَّهُ مَعْنِيٌّ التَّقْدِيرُ .
وَقَالَ أَيْضًا : الْبُعْدُ مَانِعٌ كَالْغَيْمِ ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَنْبَلِيٍّ يَصُومُ مَعَ الْغَيْمِ أَنْ يَصُومَ مَعَ الْبُعْدِ ، لِاحْتِمَالِهِ ، وَالشُّهُورُ كُلُّهَا مَعَ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمَطْمُورِ كَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ فِي التَّحَرُّزِ وَطَلَبِ التَّحْقِيقِ ، وَلَا أَحَدَ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ ، بَلْ بِالتَّأْخِيرِ ، لِيَقَعَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً .
كِتَابُ الصِّيَام ( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ لَيْلَتئِذٍ فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْمَيْمُونِي وَغَيْرُهُمْ : لَا تُصَلَّى ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ ، انْتَهَى .
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ : هَذَا الْأَقْوَى عِنْدِي قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ : وَتُصَلِّي التَّرَاوِيحَ لَيْلَتئِذٍ فِي الْأَظْهَرِ .
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : فُعِلَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ ( دَرْءِ الضَّيْمِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ ) وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَالْقَوْلُ الثَّانِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : وَهُوَ أَظْهَرُ ، قَالَ النَّاظِمُ : وَهُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ .
كَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ يَوْمٍ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ رَمَضَانَ ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ : أَوْ يَظُنُّهُ ، لِقَبُولِنَا شَهَادَةَ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ : النَّهْيُ عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي ( م 2 ) ( و م ش ) وَأَوْجَبَ ( م ) الصَّوْمَ عَلَى مَنْ شَكَّتْ فِي انْقِطَاعِ حَيْضِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ وَجَبَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهَا .
مَسْأَلَةٌ 2 ) قَوْلُهُ وَعَنْهُ : صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ يَعْنِي صَوْمَ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ ، فَقِيلَ : يُكْرَهُ .
وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَقِيلَ : النَّهْيُ عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فَقَالَ : وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فَهَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ، اخْتَارَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ ، انْتَهَى .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : اخْتَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ : حُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ أَخِيرًا إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنَّهُ يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ ، فَتَجِيءُ فِي صِيَامِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَقَوْلٌ سَادِسٌ بِالتَّبَعِيَّةِ .
وَمَنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَبَانَ مِنْهُ فَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُهُ ( و م ش ) وَعَنْهُ : بَلَى ( و هـ ) وَعَنْهُ : يُجْزِئُهُ وَلَوْ اعْتَبَرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ ، وَقِيلَ : فِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ ( م 3 ) وَيَدْخُلُ فِيهَا قَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ : مَنْ صَامَ بِنُجُومٍ أَوْ حِسَابٍ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ أَصَابَ ، وَلَا يُحْكَمُ بِطُلُوعِ الْهِلَالِ بِهِمَا وَلَوْ كَثُرَتْ إصَابَتُهُمَا وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ .
مَسْأَلَةٌ 3 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَبَانَ مِنْهُ فَعَنْهُ : لَا يُجْزِئُهُ ، وَعَنْهُ : بَلَى ، وَعَنْهُ : يُجْزِئُهُ وَلَوْ اعْتَبَرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ ، وَقِيلَ : فِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ نِيَّةِ الصَّوْمِ : فَإِنْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ كَصَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ فَبَانَ مِنْهُ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ تَرَدَّدَ أَوْ نَوَى مُطْلَقًا ، انْتَهَى .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّرَدُّدِ ، وَالْإِطْلَاقُ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ ، فَكَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، إذَا عَلِمَ ذَلِكَ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ " وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا نَوَى احْتِيَاطًا بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ الصَّوْمَ بِنُجُومٍ أَوْ حِسَابٍ وَنَحْوِهِ ، وَأَرَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ الْمُسْتَنَدِ الشَّرْعِيِّ الصَّوْمَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ كَانَ غَيْمٌ وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ ، وَفِيهِ بُعْدٌ ، وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَإِنْ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ ( و ) هَذَا الْمَشْهُورُ ، فَلَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ ، وَلَا يُبَاحُ بِهِ فِطْرٌ ، وَعَنْهُ : بَعْدَ الزَّوَالِ لِلْمُقْبِلَةِ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، وَعَنْهُ : بَعْدَ الزَّوَالِ آخِرَ الشَّهْرِ لِلْمُقْبِلَةِ ، وَعَنْهُ : آخِرَ الشَّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِلْمُقْبِلَةِ .
وَيُقَالُ مِنْ الصَّبَاحِ إلَى الزَّوَالِ : رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ ، كَمَا { فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا رَأَيْت اللَّيْلَةَ } وَبَعْدَ الزَّوَالِ يُقَالُ : رَأَيْت الْبَارِحَةَ ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ ، قَالُوا : وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَرِحَ إذَا زَالَ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَمُرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا } فَيَكُونُ مُرَادُ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ الْحَقِيقَةَ ، وَإِلَّا فَالْمَنْعُ مُطْلَقًا بَاطِلٌ ، وَبَعْضُ الْعَوَامّ يَحْذِفُ الْهَاءَ مِنْ الْبَارِحَةِ ، وَاللُّغَةُ إثْبَاتُهَا .
( تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَمُرَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا } لَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ ذِكْرُ الْبَارِحَةِ
فَصْلٌ وَإِنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ لَزِمَ جَمِيعَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ ، وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَمَنْ رَآهُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، ( و ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، لِلْعُمُومِ ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ بِثُبُوتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ ، فَكَذَا الصَّوْمُ ، كَذَا ذَكَرُوهُ ، وَمَنْ يُخَالِفُ فِي الصَّوْمِ مَعَ الِاحْتِيَاطِ لِلْعِبَادَةِ لَا أَظُنُّهُ يُسَلِّمُ هَذَا ، وَلِهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ يَجِبُ مَعَ الْغَيْمِ وَلَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ضَابِطَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ مِنْ جِهَةِ الْمُنَجِّمِينَ ، كَذَا قَالَ ، وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ : الْهِلَالُ يَجْرِي مَجْرَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ .
كَذَا الْهِلَالُ فَقَالَ : يَتَكَرَّرُ مُرَاعَاتُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ ، فَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِي اعْتِبَارِ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا ، فَيُؤَدِّي إلَى قَضَاءِ الْعِبَادَاتِ ، وَالْهِلَالُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ ، فَلَيْسَ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ ، وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُمُومِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ، وَسَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ أَوَّلَ الْمَوَاقِيتِ : الزَّوَالُ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ ، لَعَلَّهُ أَرَادَ هَذَا ، وَإِلَّا فَالْوَاقِعُ خِلَافَهُ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا ، قَالَ : فَإِنْ اتَّفَقَتْ لَزِمَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا ، وِفَاقًا لِلْأَصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْبُعْدَ مَسَافَةَ قَصْرٍ ، فَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ .
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْبُعْدَ اخْتِلَافَ الْإِقْلِيمِ وَعَنْ ( م ) وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَلْزَمُ بَلَدَ الرُّؤْيَةِ وَعَمَلَهُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ الْإِمَامُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( ع ) أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تُرَاعَى مَعَ الْبُعْدِ ، كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ خُرَاسَانَ ، كَذَا قَالَ : قَالَ فِي
الرِّعَايَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ : وَاخْتِيَارُهُ لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَبَعُدَ وَتَمَّ شَهْرُهُ وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ صَامَ مَعَهُمْ ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُفْطِرُ ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ أَفْطَرُوا مَعَهُ ، عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَبَعُدَ أَفْطَرَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْمًا ، عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَمْ يُفْطِرْ عَلَى الثَّانِي ، وَلَوْ عَيَّدَ بِبَلَدٍ بِمُقْتَضَى الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِهِ ، وَسَارَتْ بِهِ سَفِينَةٌ أَوْ غَيْرُهَا سَرِيعًا فِي يَوْمِهِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَبَعُدَ أَمْسَكَ مَعَهُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ، لَا عَلَى الْمَذْهَبِ ، كَذَا قَالَ .
وَمَا ذَكَرَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاضِحٌ ، وَعَلَى اخْتِيَارِهِ فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ ، لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ ، وَفِي الثَّانِيَةِ اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَهُ .
وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ اعْتِبَارُ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ ، وَالثَّانِي مَا انْتَقَلَ مِنْهُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا أَفْطَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ : وَلْيَكُنْ خُفْيَةً .
فَصْلٌ وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ش ) وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ ، وَهُوَ أَحْوَطُ ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ ، بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ ، وَلِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ ، وَلِهَذَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا ( و هـ ) وَفِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ حَتَّى مَعَ غَيْمٍ وَقَتَرٍ ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ ، وَالْمَذْهَبَ التَّسْوِيَةُ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ رَآهُ فِيهِ لَا فِي جَمَاعَةٍ قُبِلَ وَاحِدٌ ، وَإِلَّا اثْنَانِ ، وَحَكَى رِوَايَةً .
وَفِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : لَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ ، وَلَمْ يَقُلْ : وَإِلَّا اثْنَانِ .
وَمَذْهَبُ ( هـ ) يُقْبَلُ وَاحِدٌ فِي غَيْمٍ أَوْ رَآهُ خَارِجَهُ أَوْ أَعْلَى مَكَان مِنْهُ كَالْمَنَارَةِ ، وَمَعَ الصَّحْوِ التَّوَاتُرُ ، وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُعْتَبَرُ عَدْلَانِ ( و م ق ) فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ : هُوَ خَبَرٌ ، فَتُقْبَلُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَلَا يُخْتَصُّ بِحَاكِمٍ ، فَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عَدْلٍ ، زَادَ بَعْضُهُمْ : وَلَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ فِي شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ لَا خَبَرٌ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ ، وَهَذَا أَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمَسْتُورِ وَالْمُمَيَّزِ الْخِلَافُ ، وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : لَا يُقْبَلُ صَبِيٌّ .
وَفِي الْكَافِي : يُقْبَلُ الْعَبْدُ ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ ، وَفِي الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ .
وَالثَّانِي لَا ، لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ ، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدُ الْفَرْعِ ، مَعَ إمْكَانِ شَاهِدِ الْأَصْلِ ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ، كَهِلَالِ شَوَّالٍ ، كَذَا قَالَ .
وَإِذَا ثَبَتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ثَبَتَتْ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ ، جَزَمَ
بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ مُفَرِّقًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ : قَدْ يَثْبُتُ الصَّوْمُ بِمَا لَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَيَحِلُّ الدَّيْنُ وَهُوَ شَهَادَةُ عَدْلٍ ، وَيَأْتِي إذَا عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِالْحَمْلِ فَشَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ هَلْ تَطْلُقُ ؟ وَلَا يُقْبَلُ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ إلَّا رَجُلَانِ ( و م ش ) لَا وَاحِدٌ ، حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ ( ع ) خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : وَعَنْهُ : يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ، لَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ( هـ ) لِأَنَّهُ يُقْبَلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعُقُوبَاتِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّوَاتُرُ فِي الْعِيدَيْنِ مَعَ الْغَيْمِ .
فَصْلٌ وَمَنْ صَامَ بِشَاهِدَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَهُ إذَنْ أَحَدٌ أَفْطَرَ ، وَقِيلَ : لَا ، مَعَ صَحْوٍ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ لِأَنَّ عَدَمَ الْهِلَالِ يَقِينٌ ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الظَّنِّ وَهِيَ الشَّهَادَةُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيمَنْ صَامَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ : رِوَايَتَانِ ( م 4 ) وَقِيلَ : لَا فِطْرَ مَعَ الْغَيْمِ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( و هـ ) وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ لَمْ يُفْطِرُوا ، لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا ، فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ رَمَضَانَ أَوْلَى ، وَقِيلَ : بَلَى ، قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : إنْ صَامُوا جَزْمًا مَعَ الْغَيْمِ أَفْطَرُوا وَإِلَّا فَلَا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَهِلَالُ رَمَضَانَ فَقَدْ نَصُومُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ، حَيْثُ نَقَصْنَا رَجَبًا وَشَعْبَانَ وَكَانَا كَامِلَيْنِ ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ إنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَا نَاقِصَيْنِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَعَلَى هَذَا فَقِسْ ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا ، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ .
قَالُوا يَعْنِي الْعُلَمَاءَ لَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ { شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ } نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا : لَا يَجْتَمِعُ نُقْصَانُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ : غَالِبًا ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى السَّنَةِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِيهَا ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد : لَا أَدْرِي مَا هَذَا ؟ قَدْ رَأَيْنَاهُمَا يَنْقُصَانِ .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : مَعْنَاهُ ثَوَابُ الْعَامِلِ فِيهِمَا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالْيَوْمُ وَاحِدٌ ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُمَا وَإِنْ نَقَصَ الْعَدَدُ ، وِفَاقًا لِإِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ ، قَالَ : وَيَزِيدُهُمَا فَضْلًا إنْ كَانَا كَامِلَيْنِ ، قَالَ الْقَاضِي : الْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى مُعْجِزَةِ النُّبُوَّةِ ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يَكُونُ فِي الثَّانِي ، وَمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ حُكْمٍ كَذَا قَالَ .
وَإِنْ صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ قَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلِبُعْدِ الْغَلَطِ بِيَوْمَيْنِ .
وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ وَمَنْ صَامَ بِشَاهِدَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَهُ إذَنْ أَحَدٌ أَفْطَرَ ، وَقِيلَ : لَا ، مَعَ صَحْوٍ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ ، انْتَهَى .
لَيْسَ كَمَا قَالَ عَنْ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ : وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَفْطَرُوا وَجْهًا ، وَاحِدًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ أَوْ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ أَوْ وُجِدَ فِي نُسْخَةٍ ، ثُمَّ وَجَدْته فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ 4 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ صَامَ بِشَاهِدَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَهُ إذَنْ أَحَدٌ أَفْطَرَ ، وَقِيلَ : لَا ، مَعَ صَحْوٍ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيمَنْ صَامَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ رِوَايَتَانِ ، انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ ، أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُونَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ : لَا يُفْطِرُونَ ، فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُونَ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ أَنَّ عَلَى هَذَا الْأَصْحَابُ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِمَا : وَمَنْ صَامَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَهُ مَعَ الْغَيْمِ أَفْطَرَ ، وَمَعَ الصَّحْوِ يَصُومُ الْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَهُ الْفِطْرُ بَعْدَ إكْمَالِ الثَّلَاثِينَ ، صَحْوًا كَانَ أَوْ غَيْمًا ، وَإِنْ صَامَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ ، وَقِيلَ : لَا
يُفْطِرُ بِحَالٍ ، انْتَهَى .
وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَحُكْمُهُ ( و ) لِلْعُمُومِ ، وَكَعِلْمِ فَاسِقٍ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَوْرُوثِهِ ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إمْسَاكُهُ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ ، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ الْمُعَلَّقُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرَّمَضَانِيَّةِ ، وَلِهَذَا فَارَقَ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ ، وَلَيْسَتْ الْكَفَّارَةُ عُقُوبَةً مَحْضَةً ، بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ أَوْ فِيهَا شَائِبَةُ الْعِبَادَةِ ، بِخِلَافِ الْحَدِّ ، وَيَأْتِي فِي صَوْمِ الْمُسَافِرِ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِهَا ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : { صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ ، فَذَكَرَ الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى فَقَطْ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) إنْ وَطِئَ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، كَذَا قَالَ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا .
قَالَ : وَلَا غَيْرُهُ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صِيَامِ النَّاسِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ ( م 5 ) ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وُقُوعُ طَلَاقِهِ وَحِلُّ دَيْنِهِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ يَقَعُ وَيَحِلُّ ، وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و هـ م ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ، وَقَالَهُ عُمَرُ وَعَائِشَةُ ، وَاحْتِمَالُ خَطَئِهِ وَتُهْمَتِهِ ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ ، قَالَ شَيْخُنَا : وَكَمَا لَا يُعَرِّفُ وَحْدَهُ وَلَا يُضَحِّيَ وَحْدَهُ ، قَالَ : وَالنِّزَاعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْهِلَالَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ
وَإِنْ لَمْ يُشْتَهَرْ [ وَلَمْ يُرَ ] أَوْ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هِلَالًا إلَّا بِالظُّهُورِ وَالِاشْتِهَارِ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ .
وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ : يَتَخَرَّجُ أَنْ يُفْطِرَ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَجِبُ أَنْ يُفْطِرَ سِرًّا ( و ش ) لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُهُ يَوْمَ الْعِيدِ ، وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ ، كَتَرْكِهِ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَقَتْلَ الْمُنَافِقِينَ ، قَالَ : وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ فِيمَا يَخُصُّهُ ، كَذَا الْفِطْرُ ، وَلَمَّا اُحْتُجَّ عَلَى الْقَاضِي بِثُبُوتِ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ أَجَابَ بِأَنَّا لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّهَا عَلَيْهِ وَالْفِطْرُ حَقٌّ لَهُ ، كَاللَّقِيطِ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ عَبْدٌ يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِ وَهُوَ الرِّقُّ ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِيمَا لَهُ مِنْ إبْطَالِ الْعُقُودِ .
قِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ : فَيَجِبُ مَنْعُ مُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ وَحَائِضٍ مِنْ الْفِطْرِ ظَاهِرًا ، لِئَلَّا يُتَّهَمَ ، فَقَالَ : إنْ كَانَتْ أَعْذَارًا خَفِيَّةً مُنِعَ مِنْ إظْهَارِهِ ، كَمَرَضٍ لَا أَمَارَةَ لَهُ وَمُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ظَاهِرًا ، وَإِنْ جَازَ هُنَاكَ عُذْرٌ فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَكْرَهُ الْمَدْخَلَ السُّوءَ .
وَفِي الرِّعَايَةِ فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ .
وَعَنْهُ : يُفْطِرُ ، وَقِيلَ : سِرًّا ، كَذَا قَالَ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِطْرِ [ ( ع ) ] قَالَ : وَالْمُنْفَرِدُ بِمَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهِ بَلَدٌ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ رُؤْيَتِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ بَلْ الظَّاهِرُ الرُّؤْيَةُ بِمَكَانٍ آخَرَ .
( مَسْأَلَةٌ 5 ) قَوْلُهُ : مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ هَلْ يُفْطِرُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صِيَامِ النَّاسِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ ، انْتَهَى ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ : قُلْت : فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ أَوْ قَبْلَهُمْ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ : ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ ، وَقَوَاعِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ تَقْتَضِيهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ ، لِلُزُومِهِ بِالصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ بِرُؤْيَتِهِ .
وَإِنْ رَآهُ عَدْلَانِ وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ شَهِدَا فَرَدَّهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، لِمَا سَبَقَ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ وَجَعْلِ مَرْتَبَةِ الْحَاكِمِ لِكُلِّ إنْسَانٍ ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ بِالْجَوَازِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
فَصْلٌ وَإِذَا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ وَالْمَطْمُورِ وَمَنْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِمْ تَحَرَّى وَصَامَ ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ ( و ) فَلَوْ وَافَقَ رَمَضَانُ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ اعْتَبَرْنَا مِنْهُ التَّعْيِينَ ، وَإِلَّا وَقَعَ الثَّانِي وَقَضَى الْأَوَّلَ ، وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) لَا أَنَّهُ ، إنْ تَكَرَّرَ قَبْلَهُ يَقْضِي السَّنَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَطْ ( هـ ) .
وَلَوْ صَامَ شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً ثُمَّ عَلِمَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ، كُلُّ شَهْرٍ عَلَى أَثَرِ شَهْرٍ ، كَالصَّلَاةِ إذَا فَاتَتْهُ ، نَقَلَهُ مُهَنَّا ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ ، وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالشَّكِّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، عَلَى مَا سَبَقَ ، وَسَبَقَ فِي بَابِ النِّيَّةِ : تَصِحُّ نِيَّةُ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ لِلْعَجْزِ عَنْهَا .
وَإِنْ تَحَرَّى وَشَكَّ وَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ ، كَمَنْ تَحَرَّى فِي الْغَيْمِ وَصَلَّى ، وَمَنْ صَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ فَكَمَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ فَصَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَصَابَ ، وَسَبَقَ فِيهِ فِي الْقِبْلَةِ وَجْهٌ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، كَذَا قَالَ .
وَنَقَلَ مُهَنَّا : إنْ صَامَ لَا يَدْرِي هُوَ رَمَضَانُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَقْضِي إذَا كَانَ لَا يَدْرِي ، وَيَأْتِي حُكْمُ الْقَضَاءِ فِي بَابِهِ .
فَصْلٌ صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ قَادِرٍ مُقِيمٍ ( ع ) وَسَبَقَ حُكْمُ الْكَافِرِ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ ( و ) وَعَنْهُ : بَلَى إنْ أَطَاقَهُ ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى .
وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْمُرَادُ الْمُمَيِّزُ ، كَمَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ .
وَحَدَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى طَاقَتَهُ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ ، لِخَبَرٍ مُرْسَلٍ ، وَعَنْهُ : يَلْزَمُ مَنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَطَاقَهُ ، وَقَدْ قَالَ الْخِرَقِيُّ : يُؤْخَذُ بِهِ إذَنْ ، قَالَ الْأَكْثَرُ : يُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ إذَا أَطَاقَهُ ( م ) وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ ، أَيْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ وَقَالَ : اعْتِبَارُهُ بِالْعَشْرِ أَوْلَى ، لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَهَا .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : لَا يُؤْخَذُ بِهِ ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ كَالصَّلَاةِ ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا سَبَقَ [ مِنْهُ ] خِلَافًا لِعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ .
وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي النَّهَارِ لَزِمَهُ إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ ( م ش ) وَقَضَاؤُهُ ( خ ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِمْسَاكِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَلِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ، وَكَقِيَامِ بَيِّنَةٍ فِيهِ بِالرُّؤْيَةِ ، كَمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِآخِرِ وَقْتِهَا ، وَكَالْمُحْرِمِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ عَنْ بَعْضِ مَدٍّ فِي الْفِدْيَةِ ، وَعَنْهُ : لَا يَجِبَانِ ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْمَجْنُونِ : هَلْ يَقْضِي ؟ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الصَّبِيِّ عَصَى بِالْفِطْرِ وَأَمْسَكَ ، وَيَقْضِي كَالْبَالِغِ .
وَإِنْ نَوَى الْمُمَيِّزُ الصَّوْمَ ثُمَّ بَلَغَ فِي النَّهَارِ بِسِنٍّ أَوْ احْتِلَامٍ وَقُلْنَا يَقْضِي لَوْ بَلَغَ مُفْطِرًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، كَنَذْرِهِ إتْمَامَ نَفْلٍ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ، كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَهُوَ فِي نَفْلٍ مُعْتَادٍ ( م 6 ) ، وَسَبَقَ الْوُجُوبُ فِي أَحَدِهِمَا وَتَجَدُّدُهُ فِي الْآخَرِ مُلْغًى بِمَا لَوْ كَانَا مُفْطِرَيْنِ ، وَكَبُلُوغِهِ فِي صَلَاةٍ وَحَجٍّ ، فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ صَائِمًا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَحُكِيَ قَوْلٌ هُنَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَبُلُوغِهِ مُفْطِرًا .
( مَسْأَلَةٌ 6 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَى الْمُمَيِّزُ الصَّوْمَ ثُمَّ بَلَغَ فِي النَّهَارِ بِسِنٍّ أَوْ احْتِلَامٍ وَقُلْنَا يَقْضِي لَوْ بَلَغَ مُفْطِرًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، كَنَذْرِهِ إتْمَامَ نَفْلٍ ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ : يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ، كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَهُوَ فِي نَفْلٍ مُعْتَادٍ .
انْتَهَى .
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
قَوْلُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ : لَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنُ مُنَجَّى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ .
( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَمَا قِيسَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُشَابِهُ مَسْأَلَتَنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ .
تَنْبِيهَانِ : ( الْأَوَّلُ ) قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ صَائِمًا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَعَلَى الْأَوَّلِ ، هُوَ كَبُلُوغِهِ مُفْطِرًا ، انْتَهَى ، هَذَا سَهْوٌ ، وَصَوَابُهُ : فَعَلَى الْأَوَّلِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ، هُوَ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ صَائِمًا ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ ، هُوَ كَبُلُوغِهِ مُفْطِرًا .
وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ
وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ ، أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ أَقَامَ مُفْطِرًا ، أَوْ بَرِئَ مَرِيضٌ مُفْطِرًا ، لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ عَلَى الْأَصَحِّ ( و هـ ) كَالْقَضَاءِ ( ع ) وَكَمُقِيمٍ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ ( و ) سَافَرَ ، أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ لَا .
نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَنْبَلٌ ، وَيُعَايَى بِهَا ، وَيَتَوَجَّهُ : لَا إمْسَاكَ مَعَ حَيْضٍ ، وَمَعَ السَّفَرِ خِلَافٌ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ فِي صَائِمٍ أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ حَتَّى أَصْبَحَ : لَا إمْسَاكَ عَلَيْهِ ، كَذَا قَالَ ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِمْسَاكِ ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : يُمْسِكُ مَنْ لَمْ يُفْطِرْ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ .
وَنَقَلَ الْحَلْوَانِيُّ : إذَا قَالَ الْمُسَافِرُ : أُفْطِرُ غَدًا ، كَقُدُومِهِ مُفْطِرًا .
وَجَعَلَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ فَقَدِمَ مُسَافِرٌ مُفْطِرًا فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا لَهُ أَنْ يَطَأَهَا ، وَإِنْ بَرِئَ مَرِيضٌ صَائِمًا أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ أَقَامَ صَائِمًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ( و ) وَأَجْزَأَ ( و ) كَمُقِيمٍ صَائِمٍ مَرِضَ ثُمَّ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى عُوفِيَ ( و ) وَلَوْ وَطِئَهَا فِيهِ كَفَّرَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ( هـ ) كَمُقِيمٍ وَطِئَ ثُمَّ سَافَرَ ، وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَأَبُو دَاوُد ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدُمُ فُلَانٌ وَعَلِمَ قُدُومَهُ فِي غَدٍ ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِي غَدٍ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ( و ) لِوُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ أَقْيَسُ ، لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ لَهُ الْفِطْرُ ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالرُّؤْيَةِ فِي يَوْمٍ مِنْهُ أَمْسَكَ ( و ) وَقَضَى ( و ) وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً : لَا يَلْزَمُ الْإِمْسَاكُ ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ ، وَخَرَّجَ فِي الْمُغْنِي عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ طَلَعَ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَقَالَ شَيْخُنَا : يُمْسِكُ وَلَا يَقْضِي ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرُّؤْيَةِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَقْضِ .
وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ ( ع ) فَلَوْ ارْتَدَّ فِي يَوْمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ ارْتَدَّ فِي لَيْلَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِ فَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ بِقَضَائِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْمُوجِبُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ ، فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ وَجَبَ هُنَا وَإِلَّا فَلَا ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) لَا يَقْضِي ، لِوُجُوبِ الْمُسْقِطِ ، وَمَذْهَبُ ( ش ) يَقْضِي ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ .
وَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَوْمٍ فَقَالَ أَحْمَدُ : تُمْسِكُ ، كَمُسَافِرٍ قَدِمَ ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي كَعَكْسِهَا ، تَغْلِيبًا لِلْمُوجِبِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا طَرَأَ الْمَانِعُ رِوَايَتَيْنِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ
إنْ طَرَأَ جُنُونٌ وَقُلْنَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَإِنَّهُ لَا يَقْضِي أَنَّهُ هَلْ يَقْضِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إفَاقَتِهِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ ، بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا إمْسَاكَ مَعَ الْمَانِعِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
وَلَا يَلْزَمُ الْإِمْسَاكُ مَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ غَيْرِ رَمَضَانَ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُمْسِكُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ ، وَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْمَعْذُورِ فَغَيْرُ الْمَعْذُورِ أَوْلَى ، قَالَ : وَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا لِلْعِبَادَةِ خَاصَّةً ، وَقَدْ فُقِدَتْ ، كَذَا قَالَ ، وَلَا يَلْزَمُ التَّعْيِينُ زَمَنَ الْعِبَادَةِ ، فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ ، كَرَمَضَانَ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَقَالَ فِيهَا فِي الْخِلَافِ : وَفِي صَوْمِ النَّذْرِ لَا يَلْزَمُ الْإِمْسَاكُ ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَوْ أَفْطَرَ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ، لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ ، بِخِلَافِ رَمَضَانَ ، كَذَا قَالَ
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ ( هـ ) لِأَنَّ الصَّوْمَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ رِوَايَةٍ صِحَّةَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا بَعْدَ نِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ ؛ وَإِنْ أَفَاقَ الْمُغْمًى عَلَيْهِ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ ، لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي } وَمَذْهَبُ ( م ق ) ، إنْ كَانَ مُفِيقًا أَوَّلَ الْيَوْمِ صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا ، لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ أَحَدُ رُكْنَيْ الصَّوْمِ ، فَاعْتُبِرَ لِأَوَّلِهِ كَالنِّيَّةِ ، وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إفَاقَتَهُ أَكْثَرَ الْيَوْمِ ، وَلَا يُفْسِدُ قَلِيلُ الْإِغْمَاءِ الصَّوْمَ ( ق ) ، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ ( و ) وَقِيلَ : يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِقَلِيلِهِ ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( و ق ) الْجَدِيدُ ، كَالْحَيْضِ ، بَلْ أَوْلَى ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ .
وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ : هَلْ مِنْ شَرْطِ إفَاقَتِهِ جَمِيعَ يَوْمِهِ أَوْ يَكْفِي بَعْضُهُ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَإِنْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ ( و ) خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ الشَّافِعِيِّ .
لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّهُ مُعْتَادٌ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ ، فَهُوَ كَذَاهِلٍ وَسَاهٍ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصَّوْمُ مَعَ الْإِغْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ ( و ) لِأَنَّهُ مَرِضَ ، وَلِأَنَّهُ يُغَطِّي الْعَقْلَ ، وَلَا يَرْفَعُ التَّكْلِيفَ ، وَلَا تَطُولُ مُدَّتُهُ ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَيَدْخُلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ؛ بِخِلَافِ الْجُنُونِ .
وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ فَاتَ بِالْجُنُونِ الشَّهْرُ أَوْ بَعْضُهُ ( و ش ) وَعَنْهُ : يَقْضِي ( و م ) وَعَنْهُ : إنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ قَضَى وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ لَمْ يَقْضِ ( و هـ ) لِعِظَمِ مَشَقَّةِ الْقَضَاءِ .
وَمَنْ جُنَّ فِي صَوْمِ قَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَضَاهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ .
فَصْلٌ يُكْرَهُ الصَّوْمُ وَإِتْمَامُهُ لِمَرِيضٍ يَخَافُ زِيَادَةَ مَرَضِهِ أَوْ طُولَهُ وَالصَّحِيحُ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ أَوْ خَافَ مَرَضًا بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ ( ع ) وَيُجْزِئُهُ ( و ) كَمَرِيضٍ يُبَاحُ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ صَوْمَ الْمُسَافِرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّ الْمَرِيضَ كَذَلِكَ وَأَوْلَى .
وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ وَتَرْكُهُ يَضُرُّ بِهِ فَلَهُ التَّدَاوِي ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ فِي مَنْ بِهِ رَمَدٌ يَخَافُ الضَّرَرَ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ لِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ كَتَضَرُّرِهِ بِمُجَرَّدِ الصَّوْمِ .
( الثَّانِي ) قَوْلُهُ : " مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ " كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي صَوْمِهِ .
أَوْ : وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ إلَّا بِفِطْرِهِ ، فَيَكُونُ فِيهِ نَقْصٌ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ .
وَلَا يُفْطِرُ مَرِيضٌ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ ( و ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي وَجَعِ رَأْسٍ وَحُمَّى ثُمَّ قَالَ : قُلْت إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ ، كَذَا قَالَ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ : مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ ؟ قَالَ " إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ [ الصَّوْمَ ] قِيلَ : مِثْلُ الْحُمَّى ؟ قَالَ : وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى ؟
وَمَنْ خَافَ تَلَفًا بِصَوْمِهِ كُرِهَ وَأَجْزَأهُ .
وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : يَحْرُمُ ( و م ) وَلَمْ أَجِدْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَنَّهُ يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ .
وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ يَوْمَ الْعِيدِ يَحْرُمُ صَوْمُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَيَّامِ فَقَالَ : هَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمٍ هُوَ مَرِيضٌ فِيهِ مَرَضًا مَخُوفًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً .
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ : مَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ فَإِنْ خَافَ تَلَفًا أَفْطَرَ وَقَضَى ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ تَرْكُهَا أَثِمَ ، وَإِلَّا فَلَا ، قَالَ : هَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى فِي تَرْتِيبِ الصَّلَوَاتِ .
وَإِنْ خَافَ بِالصَّوْمِ ذَهَابَ مَالِهِ فَسَبَقَ أَنَّهُ عُذِرَ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ ، وَإِنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُمْ فَهَلْ يَجُوزُ الْفِطْرُ ( و م ) ؟ ذَكَرَ الْخَلَّالُ رِوَايَتَيْنِ .
وَيُعَايَى بِهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدًا أَوْ قَصَدُوا عَدُوًّا بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : إذَا كَانُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ بِالْقُرْبِ أَفْطَرُوا عِنْدَ الْقِتَالِ ( م 7 )
( مَسْأَلَةٌ 7 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُمْ فَهَلْ يَجُوزُ الْفِطْرُ ؟ ذَكَرَ الْخَلَّالُ رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدًا أَوْ قَصَدُوا عَدُوًّا بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا كَانُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُوَ بِالْقُرْبِ أَفْطَرُوا عِنْدَ الْقَوْلِ ، انْتَهَى .
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : قَالَ الْقَاضِي : فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ ، ذَكَرَهُمَا الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ التَّيْسِيرِ ، نَقَلْت ذَلِكَ مِنْ خَطِّ الْقَاضِي عَلَى ظَهْرِ الْجُزْءِ الْعِشْرِينَ مِنْ تَعَالِيقِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْجَارِيَةِ فِي النَّظَرِ ، وَالْخَطُّ مَقْلُوبٌ ، انْتَهَى ، إحْدَاهُمَا يَجُوزُ الْفِطْرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، وَقَدْ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفِطْرَ ، لِلتَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ وَفَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ لَمَّا نَازَلَ الْعَدُوَّ دِمَشْقَ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ .
وَقَالَ : نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ مِنْ الشَّافِي ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ ( قُلْت ) : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الْغَزْوِ وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ ، فَعَنْهُ : يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ .
وَعَنْهُ : لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ .
وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ، وَسَبَقَ فِي التَّيَمُّمِ ( م 8 ) .
( مَسْأَلَةٌ 8 ) قَوْلُهُ : وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الْغَزْوِ وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ ، فَعَنْهُ : يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعَنْهُ : لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ ، وَعَنْهُ : إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ، وَسَبَقَ فِي التَّيَمُّمِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي الْغَازِي إذَا كَانَ بِقُرْبِهِ الْمَاءُ وَيَخَافُ إنْ ذَهَبَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَأَطْلَقَ هُنَاكَ فِي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَصَحَّحْنَا هُنَاكَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَلَكِنَّ إتْيَانَهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَكَى هَذِهِ الطَّرِيقَةَ عَلَى ضَعْفِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَتَى بِهَا كَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمَنْ بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ تَنْشَقَّ مَثَانَتُهُ جَامَعَ وَقَضَى وَلَا يُكَفِّرُ ، نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : هَذَا إنْ لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ لِلضَّرُورَةِ ، وَمَعَ الضَّرُورَةِ إلَى وَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ فَقِيلَ : الصَّائِمَةُ أَوْلَى ، لِتَحْرِيمِ الْحَائِضِ بِالْكِتَابِ .
وَقِيلَ : يَتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا ( م 9 ) ، وَإِنْ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ لِدَوَامِ شَبَقِهِ فَكَالشَّيْخِ الْهَرِمِ عَلَى مَا يَأْتِي .
( مَسْأَلَةٌ 9 ) قَوْلُهُ : وَمَعَ الضَّرُورَةِ إلَى وَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ ، فَقِيلَ ، الصَّائِمَةُ أَوْلَى ، لِتَحْرِيمِ الْحَائِضِ بِالْكِتَابِ ، وَقِيلَ : يُتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا ، انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا وَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي ، لِأَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِعَيْنِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَبْقَى فِي إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ شَيْءٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ ( ع ) وَهُوَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ ( و ) وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ ( و ) وَنَقَلَ حَنْبَلٌ : لَا يُعْجِبُنِي ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ } وَعُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرَانِهِ بِالْإِعَادَةِ ، وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّةُ ، وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ ، وَرِوَايَةُ حَنْبَلٍ تَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ ، وَيُؤَيِّدُهُ كَثْرَةُ تَفَرُّدِ حَنْبَلٍ ، وَحَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى ، وَلِهَذَا نَقَلَ حَرْبٌ : لَا يَصُومُ .
قَالَ حَرْبٌ : يَقُولُهُ بِتَوْكِيدٍ ، وَنَقَلَ أَيْضًا : إنْ صَامَ أَجْزَأَهُ ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ .
وَسَأَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَنْ الصَّوْمِ فِيهِ لِمَنْ قَوِيَ فَقَالَ : لَا يَصُومُ ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، قَالَ : وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَغَيْرِهِ : لَا يَكُونُ بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَلَيْسَ الْفِطْرُ أَفْضَلَ ( خ ) وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ ، وَرُدَّ بِصَوْمِ الْمَرِيضِ وَبِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ ، وَسَبَقَ فِي الْقَصْرِ حُكْمُ مَنْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ فِي فَصْلٍ : لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ " وَلَيْسَ الْفِطْرُ أَفْضَلَ " صَوَابُهُ وَلَيْسَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ .
وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ " فَكَمَغْصُوبٍ حَجَّ ثُمَّ عُوفِيَ " صَوَابُهُ حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ .
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قِيَاسِ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي : كَمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ لَا تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ثُمَّ تَحِيضُ وَفِيهَا أَيْضًا وَجْهَانِ ، انْتَهَى .
قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَأَطْلَقَهُمَا ، وَيَأْتِي تَصْحِيحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ ( و م ش ) كَالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ ( و ) لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ صَوْمًا مِنْ الْمَعْذُورِ قَبِلَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، كَسَائِرِ الزَّمَانِ الْمُتَضَيِّقِ لِعِبَادَةٍ ، وَلِأَنَّ الْعَزِيمَةَ تَتَعَيَّنُ بِرَدِّ الرُّخْصَةِ ، كَتَرْكِ الْجُمُعَةِ لِعُذْرٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي غَيْرِهِ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَقَعُ صَوْمُهُ بَاطِلًا ؟ ( و م ش ) أَمْ يَقَعُ مَا نَوَاهُ ؟ هِيَ مَسْأَلَةُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ ، وَمَذْهَبُ ( هـ ) يَجُوزُ عَنْ وَاجِبٍ لِلْمُسَافِرِ ، وَلِأَصْحَابِهِ خِلَافٌ فِي الْمَرِيضِ ، لِأَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ ، بَلْ إنْ تَضَرَّرَ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الصَّوْمُ ، وَالْأَصَحُّ عَنْ ( هـ ) لَا يَصِحُّ النَّفَلُ ، وَلَنَا قَوْلٌ : لِلْمُسَافِرِ صَوْمُ النَّفْلِ فِيهِ ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ : لَوْ قَلَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ إلَى نَفْلٍ لَمْ يَصِحَّ لَهُ النَّفَلُ وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّعْيِينِ .
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ ( و ) بِمَا شَاءَ ( و هـ ش ) لِفِطْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ، وَلِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ لَهُ الْجِمَاعُ ، كَمَنْ لَمْ يَنْوِ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْفِطْرِ ، فَعَلَى هَذَا لَا كَفَّارَةَ بِالْجِمَاعِ ( و هـ ش ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً : يُكَفِّرُ ، وَجَزَمَ بِهِ عَلَى هَذَا ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ بِالْجِمَاعِ ( و م ) لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى السَّفَرِ ، فَعَلَى هَذَا إنْ جَامَعَ كَفَّرَ ( و م ر ) .
وَعَنْهُ : لَا ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ ( و م ر ) ، لَكِنْ لَهُ الْجِمَاعُ بَعْدَ فِطْرِهِ بِغَيْرِهِ ، كَفِطْرِهِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ ، وَمَذْهَبُ ( م ) الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ كَالْجِمَاعِ .
وَالْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَالْمُسَافِرِ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا ، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ شِهَابٍ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ أَصْلًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُسَافِرِ بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى النَّفْلِ ، وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الْمَرِيضِ يُفْطِرُ بِأَكْلٍ ، فَقُلْت : يُجَامِعُ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي ، فَأَعَدْت عَلَيْهِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنِّي ، وَالْمَرَضُ الَّذِي يُنْتَفَعُ فِيهِ بِالْجِمَاعِ كَمَنْ يَخَافُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ لَا يُكَفِّرُ .
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُفْطِرَ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ ، وَيُعَايَى بِهَا ، وَلَهُ الْفِطْرُ ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ ، وَكَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ بِفِعْلِهِ ، وَالصَّلَاةِ لَا يُشَقُّ إتْمَامُهَا وَهِيَ آكَدُ ، لِأَنَّهَا مَتَى وَجَبَ إتْمَامُهَا لَمْ تُقْصَرْ بِحَالٍ ، وَكَمَا يُفْطِرُ بَعْدَ يَوْمِ سَفَرِهِ ( و ) خِلَافًا لِعُبَيْدَةَ وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ وَأَبِي مِجْلَزٍ ، فَعَلَى هَذَا لَا يُفْطِرُ قَبْلَ خُرُوجِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ ، خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ وَعَطَاءٍ ، وَزَادَ : وَيَقْصُرُ .
وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ ( و ) .
وَعَنْهُ : لَا يَجُوزُ بِجِمَاعٍ ، فَعَلَى الْمَنْعِ يُكَفِّرُ مَنْ وَطِئَ ( هـ م ر ) وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ كَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ ، وَدَعْوَى أَنَّ الْخِلَافَ شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ مَمْنُوعٌ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَأَبْطَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فَإِنَّهُ زَمَنٌ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ ، فَإِنَّ الْأَعْمَشَ وَغَيْرَهُ لَمْ يُوجِبُوهُ ، وَيَبْطُلُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ بِوَطْئِهِ فِي مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ ، وَيَبْطُلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ عِنْدَ إرَادَةِ سَفَرِهِ ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ : لَا كَفَّارَةَ ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ : وَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ .
فَصْلٌ مَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ وَهُوَ الْهِمُّ وَالْهِمَّةُ ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَلَهُ الْفِطْرُ ( ع ) وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ( م ) مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ .
هِيَ لِلْكَبِيرِ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ [ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ] رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَكَذَا أَبُو دَاوُد ، وَرَوَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى : حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَهُ .
وَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ ، وَلَا قَضَاءَ ، لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَيُعَايَى بِهَا ، وَإِنْ أَطْعَمَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَمَعْضُوبٍ حَجَّ ثُمَّ عُوفِيَ ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي يَقْضِي ، كَمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ثُمَّ تَحِيضُ ، وَفِيهَا أَيْضًا وَجْهَانِ .
وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مَعَ خَوْفِ الضَّرَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى الْوَلَدِ ، وَيُجْزِئُ ( و ) فَإِنْ أَفْطَرَتَا قَضَتَا ( و ) لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ ، قَالَ أَحْمَدُ : أَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَعْنِي لَا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ .
وَخَبَرُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ { إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ } أَيْ زَمَنَ عُذْرِهِمَا وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النُّسَخِ : إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ حَالَ الرَّضَاعِ لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ .
وَإِنْ لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ .
وَلَا إطْعَامَ إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا ( و ) كَالْمَرِيضِ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً : إنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَطْعَمَتَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ ، وَلِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ الصَّوْمِ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ كَالشَّيْخِ الْهِمِّ ( و ش ) وَلَهُ قَوْلٌ : لَا إطْعَامَ ( و هـ م ر ) ، وَقَوْلٌ ثَالِثٌ : لَا تُطْعِمُ الْحَامِلُ ( و م ر ) وَخَيَّرَهُمَا إِسْحَاقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْإِطْعَامِ لِشَبَهِهِمَا بِمَرِيضٍ وَكَبِيرٍ .
وَيَجُوزُ الْفِطْرُ لِلظِّئْرِ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَ غَيْرِهَا ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ، لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ يُسَوَّى فِيهِ ، كَالسَّفَرِ لِحَاجَتِهِ وَلِحَاجَةِ غَيْرِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ : لَا تُفْطِرُ الظِّئْرُ إذَا خَافَتْ عَلَى رَضِيعِهَا ، وَحَكَاهُ فِي الْفُنُونِ عَنْ قَوْمٍ .
وَإِنْ قَبِلَ وَلَدُ الْمُرْضِعَةِ غَيْرَهَا وَقَدَرَتْ تَسْتَأْجِرُ لَهُ أَوْ لَهُ مَا تُسْتَأْجَرُ مِنْهُ فَلْتَفْعَلْ وَلْتَصُمْ وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفِطْرُ ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، وَالْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ يَمُونُهُ .
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى
الْأُمِّ ، وَهُوَ أَشْبَهُ ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا ، وَلِهَذَا وَجَبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مِنْ مَالِهِ ، لِأَنَّ الْإِرْفَاقَ لَهُمَا ، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ ، فَإِنْ لَمْ تُفْطِرْ فَتَغَيَّرَ لَبَنُهَا أَوْ نَقَصَ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ .
فَإِنْ قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ أَثِمَتْ وَكَانَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهَا الْفِطْرَ بِطَلَبِ الْمُسْتَأْجِرِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أَوْ تَغْيِيرِهِ لَزِمَهَا الْفِطْرُ ، فَإِنْ أَبَتْ فَلِأَهْلِهِ الْفَسْخُ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنْ يُلْزِمَ الْحَاكِمُ إلْزَامَهَا بِمَا يَلْزَمُهَا وَإِنْ لَمْ تَقْصِدْ الضَّرَرَ بِلَا طَلَبٍ قُبِلَ الْفَسْخُ ، وَهَذَا مُتَّجَهٌ .
وَيَجُوزُ صَرْفُ الْإِطْعَامِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إخْرَاجُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْفَوْرِ ، لِوُجُوبِهِ ، وَهَذَا أَقْيَسُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ ، لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ .
وَلَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ، كَالدَّيْنِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ : يَسْقُطُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ : يَسْقُطُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ ، بَلْ أَوْلَى ، لِلْعُذْرِ هُنَا ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْكَبِيرِ وَالْمَأْيُوسِ ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ ، فَكَذَا بَدَلُهُ .
وَكَذَا إطْعَامُ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ غَيْرُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ .
وَمَنْ وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فِي مَهْلَكَةٍ كَغَرِيقٍ وَنَحْوِهِ فَفِي فَتَاوَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ : يَلْزَمُهُ إنْقَاذُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ ، وَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا [ عَلَى الْمُنْقِذِ ] وَجْهَيْنِ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْضِعِ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقِذِ ؟ قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ( م 10 - 12 ) .
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَإِنْقَاذِهِ مِنْ الْكُفَّارِ ، وَنَفَقَتِهِ عَلَى الْآبِقِ [ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ]
مَسْأَلَةٌ 10 ) قَوْلُهُ : وَمَنْ وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فِي مَهْلَكَةٍ كَغَرِيقٍ وَنَحْوِهِ فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : يَلْزَمُهُ إنْقَاذُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ ، وَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا وَجْهَيْنِ ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْضِعِ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقِذِ ؟ قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسَائِلَ : ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَمْ لَا ؟ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ : يَلْزَمُهُ الْإِنْقَاذُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَفْطَرَ ( قُلْت ) : وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِلْخَوْفِ عَلَى جَنِينِهَا .
وَهَلْ يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْإِفْطَارِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : الصَّوَابُ أَنَّ إفْطَارَهُ أَوْلَى مِنْ إفْطَارِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ .
وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا وَجْهَيْنِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا قَدَرَ عَلَى إنْقَاذِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ فِي ضَمَانِهِ وَجْهَيْنِ ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الضَّمَانُ ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا عَدَمُ الضَّمَانِ ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ الْإِنْقَاذِ وَعَدَمِهِ .
( الْمَسْأَلَةُ 11 الثَّانِيَةُ ) هَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إذَا أَفْطَرَ ؟ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .
( قُلْت ) : قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ : لَوْ نَجَّى غَرِيقًا فِي رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَقُلْنَا يُفْطِرُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ ضَعْفٌ فِي نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا فِدْيَةَ ، كَالْمَرِيضِ فِي قِيَاسِ
الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، يَعْنِي بِهَا مَسْأَلَةَ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ أَوَّلًا هُوَ الصَّوَابُ ، قِيَاسًا عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 12 ) إذَا قُلْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَفَّرَ ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقِذِ ؟ قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ : وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَإِنْقَاذِهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْآبِقِ ، انْتَهَى .
( قُلْت ) : بَلْ هُنَا أَوْلَى بِلَا شَكٍّ مِنْ إنْقَاذِهِ مِنْ الْكُفَّارِ ، وَأَوْلَى مِنْ الْمُرْضِعِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا ، وَقَالُوا فِي حَقِّ الْمُرْضِعِ : إنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ يُمَوِّنُ الْوَلَدَ ، وَكَوْنُ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَإِنْقَاذُ مَنْ فِي مَهْلَكَةٍ أَوْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا .
بَابُ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لَا يَصِحُّ صَوْمٌ إلَّا بِنِيَّةٍ ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ( ع ) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ، وَخَالَفَ زُفَرُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ ، وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ ( و م ش ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ ، وَلَمْ يُثْبِتْ أَحْمَدُ رَفْعَهُ بَلْ عَنْ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ أَبُو الزِّنْبَاعِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عُمَرَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، وَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ } قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ الْمُفَضَّلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ ابْنُ حِبَّانَ : رَوَى عَنْهُ أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحٌ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهَا مَوْقُوفًا ، وَعَنْ حَفْصَةَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ [ مَوْقُوفًا ] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ ، وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ تُجْزِئُ النِّيَّةُ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَأَبْطَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْخَبَرِ ، وَبِأَنَّ الشَّرْطَ يَسْبِقُ الْمَشْرُوطَ ، قَالَ : وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَا بُدَّ أَنْ تُوجَدَ النِّيَّةُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِيهَا ، كَذَا قَالَ ، وَسَبَقَ
كَلَامُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ : الْأَفْضَلُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ يُجْزِئُ رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ يُجْزِئُ كُلُّ صَوْمٍ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ .
بَابُ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهُ : وَسَبَقَ كَلَامُهُ أَيْ كَلَامُ الْمَجْدِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ : الْأَفْضَلُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ .
لَمْ يَسْبِقْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي النِّيَّةِ : وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرَيْنِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ .
فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ الْمُقَارَنَةُ لَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ .
وَإِنْ أَتَى بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ لَمْ يَبْطُلْ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( و ) خِلَافًا لِابْنِ حَامِد وَبَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ ، فَلَوْ بَطَلَتْ بِهِ [ النِّيَّةُ ] فَاتَ مَحَلُّهَا .
وَإِنْ نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ وَقَدْ عَرَفَتْ الطُّهْرَ لَيْلًا فَقِيلَ : يَصِحُّ ، لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا ( م 1 ) لِلصَّوْمِ .
( مَسْأَلَةٌ 1 ) قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ وَقَدْ عَرَفَتْ الطُّهْرَ لَيْلًا فَقِيلَ : يَصِحُّ ، لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ ، وَقِيلَ : لَا ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا .
انْتَهَى .
أَحَدُهُمَا : يَصِحُّ ( قُلْت ) : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ ، لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا يَصِحُّ ، لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : فَإِنْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ فَرْضٍ لَيْلًا وَقَدْ انْقَطَعَ دَمُهَا أَوْ تَمَّتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهَا وَإِلَّا فَلَا ، انْتَهَى .
وَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي نَهَارِ يَوْمٍ لِصَوْمِ الْغَدِ ( و ) لِلْخَبَرِ ، وَكَنِيَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ صَوْمَ بَعْدَ غَدٍ ، وَعَنْهُ : يَصِحُّ ؛ نَقَلَهَا ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَفِيهَا : لَمْ يَنْوِهِ مِنْ اللَّيْلِ ، فَبَطَلَ بِهِ تَأْوِيلُ الْقَاضِي ، وَهِيَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ ، فَيَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ ابْنِ عَقِيلٍ ، عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لِرَمَضَانَ نِيَّةٌ فِي أَوَّلِهِ ، وَأَقَرَّهَا ، أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَتُعْتَبَرُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ مُفْرَدَةٌ ، لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ يَوْمٌ بِفَسَادِ آخَرَ ، وَكَالْقَضَاءِ ، وَعَنْهُ : يُجْزِئُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّهِ ( و م ) نَصَرَهَا أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ ، وَعَلَى قِيَاسِهِ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَنَحْوُهُ .
فَعَلَيْهَا لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ ( و م ) مَعَ بَقَاءِ التَّتَابُعِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَقَالَ : وَقِيلَ : مَا لَمْ يَفْسَخْهَا أَوْ يُفْطِرْ فِيهِ يَوْمًا .
وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ ( و م ش ) وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ قَضَائِهِ أَوْ نَذْرِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الْخِلَافِ : اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَالْأَصْحَابُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي ، لِقَوْلِهِ : { وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } وَكَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ ، وَالتَّعْيِينُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ ، لِاعْتِبَارِهِ لِصَلَاةٍ يَضِيقُ وَقْتُهَا كَغَيْرِهَا .
وَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَاتَتْهُ فَنَوَى مُطْلَقَ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَالْحَجُّ يُخَالِفُ الْعِبَادَاتِ .
وَعَنْهُ : لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ ( و هـ ) لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ ، وَهَذَا الزَّمَانُ مُتَعَيَّنٌ ، وَكَالْحَجِّ ، فَعَلَيْهَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ ، وَنِيَّةِ نَفْلٍ ( و هـ ) لَيْلًا ، وَنِيَّةُ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فِيهَا ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ ، لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِ نِيَّةِ رَمَضَانَ ، فَصُرِفَ إلَيْهِ لِئَلَّا يَبْطُلَ قَصْدُهُ وَعَمَلُهُ ، لَا بِنِيَّةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْلٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ نَاوٍ تَرْكَهُ ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ كَنِيَّةِ الْفِعْلِ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا إنْ كَانَ جَاهِلًا ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا ، قَالَ : كَمَنْ دَفَعَ وَدِيعَةَ رَجُلٍ إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّعِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَقَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْطَاءٍ ثَانٍ ، بَلْ يَقُولُ لَهُ : الَّذِي وَصَلَ إلَيْك هُوَ حَقٌّ كَانَ لَك عِنْدِي .
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الصَّوْمِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ : يَتَخَرَّجُ أَنْ لَا تَجِبَ نِيَّةُ التَّعْيِينِ ، وَقَوْلُهُمْ : نِيَّةُ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فِيهَا ، بِأَنْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ : إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ نَفْلٌ ، لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْزِمَ
بِأَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ( و م ش ) وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُجْزِئُهُ ( و هـ ) قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِصِحَّةِ النِّيَّةِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ مَعَ الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ ، لِوُجُوبِ صَوْمِهِ ، وَإِنْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ ، وَفِي إجْزَائِهِ عَنْ رَمَضَانَ إنْ بَانَ مِنْهُ الرِّوَايَتَانِ ، وَإِنْ قَالَ : وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ ، لَمْ يَصِحَّ ، وَفِيهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَجْهَانِ ، لِلشَّكِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ ( م 2 ) ( و ش ) وَإِنْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ كَصَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ ، فَبَانَ مِنْهُ ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ تَرَدَّدَ أَوْ نَوَى مُطْلَقًا ( و ) وَظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْأَثْرَمِ تُجْزِئُهُ ، مَعَ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ لِوُجُودِهَا ، وَإِنْ نَوَى الرَّمَضَانِيَّةَ عَنْ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ أَجْزَأَهُ ، كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْوَقْتِ ، وَمَنْ قَالَ : أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ فَسَدَتْ نِيَّتُهُ ، وَإِلَّا لَمْ تَفْسُدْ ، ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْفُنُونِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ أَنَّ فِعْلَهُ لِلصَّوْمِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ ، كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ : أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ .
ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي : وَكَذَا نَقُولُ : سَائِرُ الْعِبَادَاتِ لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا ، وَمَنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَمَعْنَاهُ [ لِغَيْرِهِ ] : الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّةٌ عِنْدَنَا ، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى ، يَتَعَشَّى عَشَاءَ