كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
فَصْلُ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ ( قِسْمَةُ إجْبَارٍ ، وَهِيَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا ) عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ ( وَلَا رَدَّ عِوَضٍ ) مِنْ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا إذَا كَمُلَتْ شُرُوطُهُ ( يُجْبِرُ شَرِيكَهُ أَوْ وَلِيَّهُ ) إنْ كَانَ الشَّرِيكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهُ حَاكِمًا بِطَلَبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ أَوْ وَلِيِّهِ ، ( وَيَقْسِمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ مِنْهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكِ وَوَلِيِّهِ ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ .
فَجَازَ الْحُكْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( بِطَلَبِ شَرِيكٍ لِلْغَائِبِ أَوْ وَلِيِّهِ ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ( قَسْمَ مُشْتَرَكٍ ) مَفْعُولُ طَلَبَ ( مِنْ مَكِيلِ جِنْسٍ ) كَحُبُوبٍ وَمَائِعٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُكَالُ مِنْ الثِّمَارِ ، وَكَذَا اثْنَانِ وَنَحْوُهُ ( أَوْ مَوْزُونَةٍ ) أَيْ الْجِنْسِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَنَحْوِهِ ( مَسَّتْهُ النَّارُ كَدِبْسٍ وَخَلٍّ وَتَمْرٍ ) وَسُكَّرٍ ( أَوْ لَا كَدُهْنٍ ) مِنْ سَمْنٍ وَزَيْتٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَلَبَنٍ وَخَلِّ عِنَبٍ ، وَمِنْ قَرْيَةٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ ، وَدُكَّانٍ وَأَرْضٍ وَاسِعَتَيْنِ وَبَسَاتِينَ ، وَلَوْ لَمْ تَتَسَاوَ أَجْزَاؤُهُمَا إذَا أَمْكَنَ قَسْمُهُمَا بِالتَّعْدِيلِ بِأَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مَعَهُمَا )
وَيُشْتَرَطُ لِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ : ثُبُوتُ مِلْكِ الشُّرَكَاءِ وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ، وَثُبُوتُ أَنْ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَثُبُوتُ إمْكَانَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْمَقْسُومِ بِلَا شَيْءٍ يُجْعَلُ مَعَهَا ، وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِتَضَمُّنِهَا إزَالَةَ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَحُصُولَ النَّفْعِ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمْ إذَا تَمَيَّزَ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِحَسْبِ اخْتِيَارِهِ وَأَنْ يَغْرِسْ وَيَبْنِيَ وَيَجْعَلَ سَاقِيَةً وَمَا شَاءَ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ الِاشْتِرَاكِ
( وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ إلَى قَسْمِ شَجَرَةٍ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ أَرْضِهِ ( لَمْ يُجْبَرْ ) شَرِيكُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ تَابِعٌ لِأَرْضِهِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ ، وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ فِيهِ شُفْعَةٌ إذَا بِيعَ بِدُونِ أَرْضِهِ ، ( وَإِنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ إلَى قَسْمِ أَرْضٍ أُجْبِرَ وَدَخَلَ الشَّجَرُ ) فِي الْقِسْمَةِ ( تَبَعًا ) لِلْأَرْضِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ
( وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فِي بَعْضِهَا نَخْلٌ وَفِي بَعْضِهَا شَجَرٌ غَيْرُهُ ) أَيْ النَّخْلِ كَالْمِشْمِشِ وَالْجَوْزِ ( أَوْ ) بَعْضُهَا ( يُشْرَبُ سَيْحًا وَبَعْضُهَا ) يُشْرَبُ ( بَعْلًا ) وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَتَهَا أَعْيَانَا بِالْقِيمَةِ ، ( قُدِّمَ مَنْ طَلَبَ قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ إنْ أَمْكَنَتْ تَسْوِيَةٌ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْدِيلِ ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْجَمِيعِ ، ( وَإِلَّا ) يُمْكِنَ التَّسْوِيَةُ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ ( قُسِمَتْ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ إنْ أَمْكَنَ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ ) ، وَ ( إلَّا ) يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ بِهَا ( فَأَبَى أَحَدُهُمَا ) الْقِسْمَةَ ( لَمْ يُجْبَرْ ) لِعَدَمِ إمْكَانَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا
( وَهَذَا النَّوْعُ ) أَيْ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ ( إفْرَازُ ) حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ يُقَالُ : فَرَزْتُ الشَّيْءَ وَأَفْرَزُوهُ إذَا عَزَلْتُهُ مِنْ الْفُرْزَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ ، فَكَأَنَّ الْإِفْرَازَ اقْتِطَاعٌ لِحَقِّ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا لِمُخَالَفَتِهَا لَهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكِ وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَلِمَا لَزِمَتْ بِالْقُرْعَةِ ( فَيَصِحُّ قَسْمُ لَحْمِ هَدْيٍ وَ ) لَحْمُ ( أَضَاحِيٍّ ) مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا ، وَ ( لَا ) يَصِحُّ قَسْمُ ( رَطْبٍ مِنْ شَيْءٍ ) رِبَوِيٍّ ( بِيَابِسِهِ ) كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَفِيزُ رُطَبٍ وَقَفِيزُ تَمْرٍ أَوْ رِطْلُ لَحْمٍ نِيءٍ وَرِطْلُ لَحْمٍ مَشْوِيٍّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أَوْ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْآخَرَ الرُّطَبَ أَوْ اللَّحْمَ النِّيءَ لِوُجُودِ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا تَقَعُ بَدَلًا عَنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَفُوتُ التَّسَاوِي الْمُعْتَبَرُ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ
( وَ ) يَصِحُّ قَسْمُ ( ثَمَرٍ يُخْرَصُ ) مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ ( خَرْصًا وَ ) يَصِحُّ قَسْمُ ( مَا يُكَالُ ) مِنْ رِبَوِيٍّ وَغَيْرِهِ ( وَزْنًا وَعَكْسَهُ ) أَيْ مَا يُوزَنُ كَيْلًا .
وَيَصِحُّ أَيْضًا قَسْمُ مَا يُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ قَبْضُهُ بِالْمَجْلِسِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، ( وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ ) الْمَقْسُومُ مِنْ ذَلِكَ ( بِالْمَجْلِسِ .
وَ )
يَصِحُّ قَسْمُ ( مَرْهُونٍ وَ ) قَسْمُ ( مَوْقُوفٍ وَلَوْ ) كَانَ مَوْقُوفًا ( عَلَى جِهَةٍ ) وَاحِدَةً فِي اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ .
قَالَ عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ : صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إذَا كَانَ عَلَى جِهَتَيْنِ ، فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُقْسَمُ عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً اتِّفَاقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، لَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ بِلَا مُنَاقَلَةٍ .
ثُمَّ قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهٌ يَعْنِي كَغَيْرِهِ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَحْكِيَّةِ .
قَالَ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْ الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ أَيْ بَيْنَ كَوْنِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ أَوَجِهَتَيْنِ .
قَالَ : وَهُوَ أَظْهَرُ .
وَفِي الْمُبْهِجِ لُزُومُهَا إذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ انْتَهَى .
قُلْت : بَلْ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَقْفِ إذَا كَانَ عَلَى جِهَةٍ أَوْ أَكْثَرَ ( بِلَا رَدِّ ) عِوَضٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَرُدُّهُ مَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ أَرْجَحَ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ ، فَهُوَ اعْتِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ كَبَيْعِهِ
( وَ ) يَصِحُّ قَسْمُ ( مَا ) أَيْ مَكَان ( بَعْضُهُ وَقْفٌ ) وَبَعْضُهُ طِلْقٌ ( بِلَا رَدٍّ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ ، وَهُوَ لُغَةً : الْحَلَالُ وَسَمَّى الْمَمْلُوكَ طِلْقًا لِحِلِّ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ مِنْ بَيْعِ هِبَةٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهَا ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ .
فَإِنَّ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يَبْذُلُهُ لِأَخْذِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْوَقْفِ ، وَبَيْعُهُ غَيْرُ جَائِزٍ ( وَتَصِحُّ ) الْقِسْمَةُ ( إنْ تَرَاضَيَا ) أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَرَبُّ الطِّلْقِ ( يُرَدُّ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ) ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بَعْضَ الطِّلْقِ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ ( وَلَا يَحْنَثُ بِهَا ) أَيْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ( مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ) ؛ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ لَا بَيْعٌ
( وَمَتَى ظَهَرَ فِيهَا ) أَيْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ( غَبْنٌ فَاحِشٌ بَطَلَتْ ) لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْإِفْرَازِ ، ( وَلَا شُفْعَةَ فِي نَوْعَيْهَا ) أَيْ قِسْمَةِ التَّرَاضِي وَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَتْ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ فَيَتَنَافَيَانِ ( وَيَتَفَاسَخَانِ بِعَيْبٍ ) ظَهَرَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا
( وَيَصِحُّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( أَنْ يَتَقَاسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَأَنْ يَنْصِبَا قَاسِمًا ) بِأَنْفُسِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا ( وَ ) لَهُمَا ( أَنْ يَسْأَلَا حَاكِمًا نَصْبَهُ ) أَيْ لِقَاسِمٍ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِلْقِسْمَةِ وَإِذَا سَأَلُوهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إجَابَتُهُمْ لِقَطْعِ النِّزَاعِ
( وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ ) أَيْ الْقَاسِمِ إذَا نَصَّبَهُ حَاكِمٌ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( عَدَالَتُهُ ) لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْقِسْمَةِ ، .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( مَعْرِفَتُهُ بِهَا ) أَيْ بِالْقِسْمَةِ لِيَحْصُلَ مِنْهُ الْمَقْصُودُ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَارِفِ لَا يُمْكِنُهُ تَعْدِيلُ السِّهَامِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينُهُ لِلسِّهَامِ مَقْبُولًا كَحَاكِمٍ يَجْهَلُ مَا يَحْكُمُ بِهِ لَا حُرِّيَّتَهُ ، فَتَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ ( وَيَكْفِي ) قَاسِمٌ ( وَاحِدٌ ) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاكِمِ وَ ( لَا ) يَكْفِي وَاحِدٌ ( مَعَ تَقْوِيمٍ ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ فَاعْتُبِرَ النِّصَابُ كَبَاقِي الشَّهَادَاتِ
( وَتُبَاحُ أُجْرَتُهُ ) أَيْ إعْطَاؤُهَا وَأَخْذُهَا ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ ( وَتُسَمَّى ) أُجْرَةُ الْقَاسِمِ ( الْقُسَامَةُ بِضَمِّ الْقَافِ ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيِّ .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا : " { إيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةُ قِيلَ : وَمَا الْقُسَامَةُ ؟ قَالَ : الشَّيْءُ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنْتَقَصُ مِنْهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ الْخَطَّابِيِّ : وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ وَكَانَ عَرِيفًا لَهُمْ أَوْ نَقِيبًا لَهُمْ ، فَإِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ سِهَامَهُمْ أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ يَسْتَأْثِرُ بِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا نَحْوَهُ قَالَ فِيهِ : الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الْفِئَامِ مِنْ النَّاسِ فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَمِنْ حَظِّ هَذَا ، الْفِئَامِ الْجَمَاعَاتُ ( وَهِيَ ) أَيْ : أُجْرَةُ الْقَسْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ ( بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ ) نَصًّا ( وَلَوْ شُرِطَ خِلَافُهُ ) فَالشَّرْطُ لَاغٍ .
( وَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُ ) الشُّرَكَاءِ ( بِاسْتِئْجَارِ ) قَاسِمٍ ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ ( وَكَقَاسِمٍ ) فِي أَخْذِ أُجْرَةٍ وَكَوْنُهَا عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ ( حَافِظٍ وَنَحْوُهُ ) فَتَكُونُ أُجْرَةَ شَاهِدٍ يَخْرُجُ لِقَسْمِ الْبِلَادِ وَأُجْرَةَ وَكِيلٍ وَأَمِينٍ لِلْحِفْظِ عَلَى مَالِكٍ وَفَلَّاحٍ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ : فَإِذَا مَا نُهِمَ الْفَلَّاحُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُضِيفُ حَلَّ لَهُمْ ( وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ ) بِبَيِّنَةٍ ( عِنْدَ حَاكِمٍ أَنَّهُ ) أَيْ مَا تُرَادُ قِسْمَتُهُ ( لَهُمْ ) أَيْ لِمُرِيدِي قِسْمَتِهِ ، ( قَسَمَهُ ) بِتَرَاضِيهِمْ لِإِقْرَارِهِمْ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ ظَاهِرًا وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ لَا عَلَى غَيْرِهِمْ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْقَاضِي ( فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهَا ) أَيْ الْقِسْمَةَ ( بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ مِلْكَهُ ) أَيْ
الْمَقْسُومِ لِئَلَّا يُوهَمَ مِنْ بَعْدِهِ صُدُورُ الْقِسْمَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ ، فَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ مَنْ يَدَّعِي فِي الْعَيْنِ حَقًّا ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَلَا إجْبَارَ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ الشُّرَكَاءِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِخَصْمِهِ بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَا .
فَصْلٌ وَتُعَدَّلُ سِهَامُ الْقِسْمَةِ أَيْ يُعَدِّلُهَا الْقَاسِمُ ( بِالْأَجْزَاءِ ) أَيْ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ ( إنْ تَسَاوَتْ ) كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ بَعْضُهَا أَجْوَدَ مِنْ بَعْضٍ ، وَلَا بِنَاءَ وَلَا شَجَرَ بِهَا سَوَاءٌ اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ أَوْ اخْتَلَفَتْ ، ( وَ ) تُعَدَّلُ سِهَامٌ ( بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ ) أَجْزَاءُ الْمَقْسُومِ قِيمَةً اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ أَيْضًا أَوْ اخْتَلَفَتْ فَيُجْعَلُ السَّهْمُ مِنْ الرَّدِيءِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَيِّدِ ، بِحَيْثُ تَتَسَاوَى قِيمَتُهَا كَأَرْضٍ بَعْضُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ أَوْ بِبَعْضِهَا بِنَاءٌ أَوْ بِهَا شَجَرٌ مُخْتَلِفٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّعْدِيلُ بِالْأَجْزَاءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ السِّهَامُ أَوْ اخْتَلَفَتْ ، ( وَ ) تُعَدَّلُ سِهَامٌ ( بِالرَّدِّ إنْ اقْتَصَّتْهُ ) أَيْ الرَّدَّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلٌ بِالْأَجْزَاءِ وَلَا بِالْقِيمَةِ ، فَتُعَدَّلُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يُجْعَلَ لِمَنْ يَأْخُذُ الرَّدِيءَ أَوْ الْقَلِيلَ دَرَاهِمَ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الْجَيِّدَ أَوْ الْأَكْثَرَ ( ثُمَّ يُقْرَعُ ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لِإِزَالَةِ الْإِبْهَامِ ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ صَارَ لَهُ ( وَكَيْفَ مَا أُقْرِعَ جَازَ ) قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : إنْ شَاءَ رِقَاعًا وَإِنْ شَاءَ خَوَاتِيمَ يَطْرَحُ ذَلِكَ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ أَوْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَاتَمٌ مُعَيَّنٌ ثُمَّ يُقَالُ : أَخْرِجْ خَاتَمًا عَلَى هَذَا السَّهْمِ ، فَمَنْ خَرَجَ خَاتَمُهُ فَهُوَ لَهُ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أُقْرِعَ بِالْحَصَا وَغَيْرِهِ جَازَ .
( وَالْأَحْوَطُ كِتَابَةُ اسْمِ كُلِّ شَرِيكٍ بِرُقْعَةٍ ثُمَّ تُدْرَجُ ) الرِّقَاعُ ( فِي بَنَادِقَ مِنْ طِينٍ أَوْ شَمْعٍ مُتَسَاوِيَةً قَدْرًا ) أَيْ حَجْمًا ( وَوَزْنًا وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ ) أَيْ عَمَلَ الْبَنَادِقِ بَعْدَ طَرْحِهَا فِي حِجْرِهِ أَوْ نَحْوِهِ ( أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فَهُوَ ) أَيْ السَّهْمُ الَّذِي خَرَجَ اسْمُهُ عَلَيْهِ ( لَهُ ) ، لِتَمَيُّزِ سَهْمِهِ بِخُرُوجِ اسْمِهِ عَلَيْهِ ، (
ثُمَّ كَذَلِكَ ) الشَّرِيكُ ( الثَّانِي ) يُفْعَلُ بِهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْأَوَّلِ ، ( وَ ) السَّهْمُ ( الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إذَا اسْتَوَتْ سِهَامُهُمْ .
وَكَانُوا ) أَيْ الشُّرَكَاءُ ( ثَلَاثَةً ) لِتَعَيُّنِ السَّهْمِ الثَّالِثِ لِلْمُتَأَخِّرِ خُرُوجُ اسْمِهِ ؛ لِزَوَالِ الْإِبْهَامِ بِخُرُوجِ اسْمِ الْأَوَّلَيْنِ ، ( وَإِنْ كَتَبَ كُلَّ سَهْمٍ بِرُقْعَةٍ ) فَيَكْتُبُ فِي رُقْعَةِ السَّهْمِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ كَذَا وَفِي أُخْرَى السَّهْمُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ كَذَا إلَى آخِرِ السِّهَامِ وَدَرَجَهَا فِي بَنَادِقَ كَمَا تَقَدَّمَ ، ( ثُمَّ يُقَالُ ) لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ عَلَى الْبَنَادِقِ ( أَخْرِجْ بُنْدُقَةً لِفُلَانٍ وَبُنْدُقَةً لِفُلَانٍ ) ، وَهَكَذَا ( إلَى أَنْ يَنْتَهُوا جَازَ ) ذَلِكَ ، فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ السَّهْمِ الَّذِي فِي بُنْدُقَتِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا بُنْدُقَةٌ فَالسَّهْمُ الَّذِي فِيهَا لِمَنْ يَتَأَخَّرُ اسْمُهُ مِنْ الشُّرَكَاءِ ، ( وَإِنْ اخْتَلَفَتْ سِهَامُهُمْ كَنِصْفٍ ) لِوَاحِدٍ ( وَثُلُثٍ ) لِآخَرَ ( وَسُدُسٍ ) لِآخَرَ ( جُزِّئَ مَقْسُومٌ بِحَسَبِ أَقَلِّهَا ) أَيْ السِّهَامِ ( وَهُوَ هُنَا ) أَيْ فِي الْمِثَالِ ( سِتَّةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا مَخْرَجُ السُّدُسِ ( وَلَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ ) أَيْ أَسْمَاءِ الشُّرَكَاءِ ( عَلَى السِّهَامِ ) لِمَا يَأْتِي ( فَيَكْتُبُ بِاسْمِ رَبِّ النِّصْفِ ثَلَاثَ رِقَاعٍ ، وَ ) بِاسْمِ رَبِّ ( الثُّلُثِ ) ثِنْتَيْنِ ، ( وَ ) بِاسْمِ رَبِّ ( السُّدُسِ رُقْعَةً بِحَسْبِ التَّجْزِئَةِ ثُمَّ يُخْرِجُ بُنْدُقَةً عَلَى أَوَّلِ سَهْمٍ ، فَإِنَّ خَرَجَ سَهْمُ رَبِّ النِّصْفِ أَخَذَهُ مَعَ ثَانٍ وَثَالِثٍ ) يَلِيَانِهِ ( وَ ) يُخْرِجُ الرُّقْعَةَ ( الثَّانِيَةَ عَلَى ) السَّهْمِ ( الرَّابِعِ فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ رَبِّ الثُّلُثِ أَخَذَهُ مَعَ ) سَهْمٍ ( ثَانٍ ) يَلِيهِ ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ السُّدُسِ وَإِنْ خَرَجَتْ الرُّقْعَةُ ابْتِدَاءً لِرَبِّ السُّدُسِ أَخَذَ السَّهْمَ وَحْدَهُ وَإِنْ خَرَجَتْ لِرَبِّ الثُّلُثِ أَخَذَهُ مَعَ مَا يَلِيهِ ( ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرِينَ كَذَلِكَ وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ ) ، وَإِنَّمَا لَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ عَلَى السِّهَامِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ
رُقْعَةٌ فِيهَا اسْمُ الثَّانِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَأُخْرَى لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ فِيهَا السَّهْمُ الْأَوَّلُ احْتَاجَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مُتَفَرِّقًا فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ ، ثُمَّ الْقِسْمَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ تَتَسَاوَى السِّهَامُ وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ .
الثَّانِي : أَنْ تَخْتَلِفَ السِّهَامُ وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ تَقَدَّمَا فِي الْمَتْنِ .
الثَّالِثُ : أَنْ تَتَسَاوَى السِّهَامُ وَتَخْتَلِفَ قِيمَةُ الْأَجْزَاءِ فَتُعَدَّلَ الْأَرْضُ بِالْقِيمَةِ وَتُجْعَلَ أَسْهُمًا مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ وَيُفْعَلُ فِي إخْرَاجِ السِّهَامِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ .
الرَّابِعُ : أَنْ تَخْتَلِفَ الْقِيمَةُ وَالسِّهَامُ فَتُعَدَّلَ السِّهَامُ بِالْقِيمَةِ وَتُجْعَلَ السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ وَتُخْرَجَ الْأَسْمَاءُ عَلَى السِّهَامِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي ، إلَّا أَنَّ التَّعْدِيلَ هُنَا بِالْقِيمَةِ وَكُلُّهُ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ
( وَتَلْزَمُ الْقِسْمَةَ ) بِخُرُوجِ ( قُرْعَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاسِمَ كَحَاكِمٍ وَقُرْعَتَهُ حُكْمٌ نَصَّ عَلَيْهِ ، ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْقِسْمَةُ ( فِيمَا فِيهِ رَدُّ ) عِوَضٍ ( أَوْ ضَرَرٌ ) إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهَا ، وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ إذْ الْقَاسِمُ يَجْتَهِدُ فِي تَعْدِيلِ السِّهَامِ كَاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ قُرْعَتُهُ كَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ ، فَلَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَاسَمَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ، ( وَإِنْ خَيَّرَ أَحَدَهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( الْآخَرَ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ : اخْتَرْ أَيَّ الْقِسْمَيْنِ شِئْت بِلَا قُرْعَةٍ وَلَمْ يَكُنْ ثُمَّ قَاسِمٌ ( فَ ) الْقِسْمَةُ تَلْزَمُ ( بِرِضَاهُمَا وَتَفَرُّقِهِمَا ) بِأَبْدَانِهِمَا كَتَفَرُّقِ مُتَبَايِعَيْنِ .
فَصْلٌ وَمَنْ ادَّعَى مِنْ الشُّرَكَاءِ غَلَطًا أَوْ حَيْفًا ( فِيمَا تَقَاسَمَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَأَشْهَدَا عَلَى رِضَاهُمَا بِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ ) ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَحْلِفُ غَرِيمُهُ لِرِضَاهُ بِالْقِسْمَةِ عَلَى مَا وَقَعَ ، فَيَلْزَمُ رِضَاهُ بِزِيَادَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، ( وَتُقْبَلُ ) دَعْوَاهُ غَلَطًا أَوْ حَيْفًا بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِهِ ( فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمٌ حَاكِمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ وَسُكُوتُهُ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرِ حَالِ الْقَاسِمِ ، فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِغَلَطِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا غَلِطَ بِهِ كَمَنْ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ ظَانًّا أَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ فَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَقْصَهُ ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِنَقْصِهِ ، ( وَإِلَّا ) تَكُنْ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ بِالْغَلَطِ ( حَلَفَ مُنْكِرُ ) الْغَلَطَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْقِسْمَةِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ فِيهَا .
( وَكَذَا قَاسِمٌ نَصَّبَاهُ ) بِأَنْفُسِهِمَا فَقَسَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ ، فَيُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا حَلَفَ مُنْكِرٌ ( وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهَا ) أَيْ الْقِسْمَةِ ( مُعَيَّنٌ مِنْ حِصَّتَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ تَبْطُلْ ) الْقِسْمَةُ ( فِيمَا بَقِيَ ) ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا ( إلَّا أَنَّ كَوْنَ ضَرَرِ ) الْمُعَيَّنِ ( الْمُسْتَحَقِّ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( أَكْثَرَ ) مِنْ ضَرَرِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ ، ( كَسَدِّ طَرِيقِهِ أَوْ ) سَدِّ ( مَجْرَى مَائِهِ أَوْ ) سَدِّ ( ضَوْئِهِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا فِيهِ الضَّرَرُ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرَ ، ( فَتَبْطُلُ ) الْقِسْمَةُ لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ ( كَمَا لَوْ كَانَ ) الْمُسْتَحَقُّ ( فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ النَّصِيبَيْنِ وَحْدَهُ ( أَوْ ) كَانَ ( شَائِعًا وَلَوْ فِيهِمَا ) أَيْ النَّصِيبَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لَمْ يَرْضَ فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي فَثَمَّ شَرِيكٌ يَرْضَى ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْإِجْبَارِ فَالثَّالِثُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ
( وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( شَيْئًا ) مِنْ الْمَقْسُومِ ( أَنَّهُ مِنْ سَهْمِهِ ) وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ ( تَحَالَفَا ) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ ( وَنُقِضَتْ ) الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكَيْهِمَا وَلَا سَبِيلَ لِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْهُمَا بِدُونِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ
( وَمَنْ كَانَ ) مِنْ الْمُقْتَسِمَيْنِ ( بَنَى أَوْ غَرَسَ ) فِي نَصِيبِهِ ( فَخَرَجَ ) الْمَقْسُومُ ( مُسْتَحَقًّا فَقُلِعَ ) غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ ( رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ فَقَطْ ) نَحْوَ أَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارَانِ سَوِيَّةً فَتَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَارًا مِنْهُمَا ، فَخَرَجَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَحَقَّةً فَقَلَعَ مُسْتَحَقُّهَا مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ فِيهَا الشَّرِيكُ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَحُكْمُهَا حُكْمُهُ ، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ، فَإِنَّهَا إفْرَازٌ فَإِذَا ظَهَرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مُسْتَحَقًّا وَقُلِعَ غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا أَفْرَزَ حَقَّهُ مِنْ حَقِّهِ
( وَلِمَنْ خَرَجَ فِي نَصِيبِهِ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ( عَيْبٌ جَهِلَهُ ) وَقْتَ الْقِسْمَةِ ( إمْسَاكُ نَصِيبِهِ ) الْمَعِيبِ ( مَعَ أَخْذِ أَرْشِ ) الْعَيْبِ مِنْ شَرِيكِهِ ( كَفَسْخٍ ) أَيْ كَمَا لَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ كَالْمُشْتَرِي لِوُجُودِ النَّقْصِ ، ( وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ نَقْلَ ) مِلْكِ ( تَرِكَتِهِ ) إلَى مِلْكِ وَرَثَتِهِ نَصًّا فِيمَنْ أَفْلَسَ ثُمَّ مَاتَ ، ( بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهَا ) أَيْ التَّرِكَةِ ( مِنْ مُعَيَّنٍ مُوصًى بِهِ ) لِفُقَرَاءَ أَوْ نَحْوِ مَسْجِدٍ ، فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمُوصَى بِهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي .
وَأَمَّا الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ كَفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ مِلْكُهُ لِلْوَرَثَةِ وَنَمَاؤُهُ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا ، وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ ( فَظُهُورُهُ ) أَيْ الدَّيْنِ ( بَعْدَ قِسْمَةِ ) التَّرِكَةِ ( لَا يُبْطِلُهَا ) أَيْ الْقِسْمَةَ لِصُدُورِهَا مِنْ الْمَالِكِ
( وَيَصِحُّ بَيْعُهَا ) أَيْ التَّرِكَةِ ( قَبْلَ قَضَائِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ ( إنْ قَضَى ) الدَّيْنَ وَإِلَّا نُقِضَ الْبَيْعُ ، وَكَذَا هِبَتُهَا وَنَحْوُهَا كَالْعَبْدِ الْجَانِي ( فَالنَّمَاءُ ) فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَلَّاتِهَا أَوْ أَثْمَارِ شَجَرٍ أَوْ نِتَاجِ مَاشِيَةٍ وَنَحْوِهِ ( لِوَارِثٍ ) ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ مِلْكِهِ ( كَنَمَاءِ جَانٍ ) لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ ، ( وَيَصِحُّ عِتْقُهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ مِنْ التَّرِكَةِ مَعَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَلَا يُنْقَضُ الْعِتْقُ وَلَوْ أُعْسِرَ الْوَارِثُ أَوْ كَانَ مُعْسَرًا كَعِتْقِ الرَّاهِنِ وَالْجَانِي وَأَوْلَى
( وَمَتَى اقْتَسَمَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ نَحْوَ دَارٍ ( فَحَصَلَتْ الطَّرِيقُ فِي حِصَّةِ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا بِأَنْ حَصَلَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَلِي الْبَابَ وَلِلْآخَرِ النِّصْفُ الدَّاخِلُ ، ( وَلَا مَنْفَذَ لِلْآخَرِ ) الَّذِي حَصَلَ لَهُ الدَّاخِلُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، وَلَا مِلْكَ لَهُ يُجَاوِرُهُ يَنْفُذُ إلَيْهِ ( بَطَلَتْ ) الْقِسْمَةُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الدَّاخِلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ ، فَلَا تَكُونُ السِّهَامُ مُعَدَّلَةً لِوُجُوبِ التَّعْدِيلِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ ( وَأَيْ ) الشُّرَكَاءِ ( وَقَعَتْ ظُلَّةُ دَارٍ فِي نَصِيبِهِ ) عِنْدَ الْقِسْمَةِ ( فَهِيَ لَهُ ) بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لِوُقُوعِ الْقِسْمَةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَالظُّلَّةُ شَيْءٌ كَالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ بِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ .
بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيَانَاتِ الدَّعَاوَى جَمْعُ دَعْوَى مِنْ الدَّعَاوَى فَهِيَ الطَّلَبُ قَالَ تَعَالَى : { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } أَيْ يَتَمَنُّونَ وَيَطْلُبُونَ ، وَمِنْهُ حَدِيثُ : " { مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ } ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ بِهَا عِنْدَ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمْ : يَا لَفُلَانٍ .
وَ ( الدَّعْوَى ) اصْطِلَاحًا : ( إضَافَةُ الْإِنْسَانِ إلَى نَفْسِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ) إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا ( أَوْ ) فِي ( ذِمَّتِهِ ) أَيْ الْغَيْرِ إنْ كَانَ دَيْنًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ ، ( وَالْمُدَّعِي مَنْ يَطْلُبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ ( يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ ) وَيُقَالُ : أَيْضًا مَنْ إذَا تَرَكَ تَرَكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( الْمُطَالَبُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ : مَنْ يُطَالِبُهُ غَيْرُهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ .
وَيُقَالُ : مَنْ إذَا تَرَكَ لَمْ يَتْرُكْ ( وَالْبَيِّنَةُ ) وَاحِدَةُ الْبَيِّنَاتِ مِنْ بَانَ الشَّيْءُ فَهُوَ بَيِّنٌ وَالْأُنْثَى بَيِّنَةٌ .
وَعُرْفًا : ( الْعَلَامَةُ الْوَاضِحَةُ كَالشَّاهِدِ فَأَكْثَرُ ) وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : " { لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى أُنَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
( وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مِنْ ) إنْسَانٍ ( جَائِزِ التَّصَرُّفِ ) أَيْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ .
( وَكَذَا إنْكَارٌ ) فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ( سِوَى إنْكَارِ سَفِيهٍ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ ) لَوْ أَقَرَّ بِهِ ( إذَنْ ) أَيْ حَالَ سَفَهِهِ ( وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرٍ ) عَنْهُ ، وَهُوَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ كَطَلَاقٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَيَصِحُّ مِنْهُ إنْكَارُهُ ( وَيَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ ) حَيْثُ تَجِبُ الْيَمِينُ .
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الدَّعْوَى عَلَى نَحْوِ صَغِيرٍ وَيَأْتِي فِي الْأَقْدَارِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الدَّعْوَى عَلَى الْقِنِّ
( وَإِذَا تَدَاعَيَا ) أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ ( عَيْنًا ) أَنَّهَا لَهُ ( لَمْ تَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ ، أَحَدِهِمَا : أَنْ لَا تَكُونَ ) الْعَيْنُ ( بِيَدِ أَحَدٍ وَلَا ثَمَّ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ ( ظَاهِرٌ ) يُعْمَلُ بِهِ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لِأَحَدِهِمَا ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا كُلَّهَا لَهُ ( تَحَالَفَا ) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ لِلْآخَرِ فِيهَا ( وَتَنَاصَفَاهَا ) أَيْ قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِهَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ يَدٍ وَغَيْرِهَا ، ( وَإِنْ وُجِدَ ) أَمْرٌ ( ظَاهِرٌ ) يُرَجِّحُ أَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا ( عُمِلَ بِهِ ) أَيْ بِهَذَا الظَّاهِرِ فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُهَا ، ( فَلَوْ تَنَازَعَا عَرْصَةً بِهَا شَجَرٌ ) لَهُمَا ( أَوْ ) بِهَا ( بِنَاءٌ لَهُمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ( فَهِيَ ) أَيْ الْعَرْصَةُ ( لَهُمَا ) بِحَسْبِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْبِنَاءِ ، أَوْ الشَّجَرُ اسْتِيفَاءٌ لِمَنْفَعَةِ الْعَرْصَةِ وَاسْتِيلَاءٌ عَلَيْهَا بِالتَّصَرُّفِ .
( وَ ) إنْ كَانَ الشَّجَرُ أَوْ الْبِنَاءُ ( لِأَحَدِهِمَا فَ ) الْعَرْصَةُ ( لَهُ ) أَيْ رَبِّ الشَّجَرِ أَوْ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ لِمَا سَبَقَ ( وَإِنْ تَنَازَعَا مَسْنَاةً ) أَيْ سَدًّا يَرِدُ مَاءُ النَّهْرِ مِنْ جَانِبِهِ ( بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ ) حَلَفَ كُلٌّ أَنَّ نِصْفَهَا لَهُ وَتَنَاصَفَاهَا ؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا ، يَنْتَفِعُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ
( أَوْ ) تَنَازَعَا ( جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا حَلَفَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ وَيُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا ( إنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِي مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ ؟ } " قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : هَذَا فِيمَنْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِ مُدَّعِيهِ ، وَيُرِيدُ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّهُ ( وَلَا يُقْدَحُ ) فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ( إنْ حَلَفَ ) أَحَدُهُمَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( أَنَّ كُلَّهُ ) أَيْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ( لَهُ وَتَنَاصَفَاهُ ) أَيْ الْجِدَارَ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا ( كَ ) حَائِطٍ ( مَعْقُودٍ بِبِنَائِهِمَا ) إذَا تَنَازَعَاهُ ، فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيَتَنَاصَفَانِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُهُ عَلَى نِصْفِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْحَائِطُ ( مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ ) أَيْ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا ( اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ عَادَةً أَوْ ) كَانَ ( لَهُ ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا ( عَلَيْهِ أَزَجٌ ) .
قَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ : هُوَ الْقَبْوُ ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : ضَرْبٌ مِنْ الْأَبْنِيَةِ ( أَوْ ) كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ( سُتْرَةٌ ) مَبْنِيَّةٌ أَوْ قُبَّةٌ ( فَ ) الْجِدَارُ ( لَهُ ) أَيْ لِمَنْ لَهُ ذَلِكَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ لَا يَقِينٌ إذْ يُحْتَمَلُ بِنَاءُ الْآخَرِ لَهُ الْحَائِطَ تَبَرُّعًا أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهُ إيَّاهُ وَنَحْوُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا عَقْدًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ كَالْبِنَاءِ بِاللَّبِنِ ، وَالْآجُرِّ لَمْ يُرَجَّحْ بِهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْحَائِطِ الْمَبْنِيِّ نِصْفَ لَبِنَةٍ أَوْ آجُرَّةٍ وَيُجْعَلَ مَكَانَهَا لَبِنَةً صَحِيحَةً ، ( وَلَا تَرْجِيحَ ) لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ ( بِوَضْعِ خَشَبَةٍ ) عَلَى الْجِدَارِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْمَحُ بِهِ الْجَارُ .
وَوَرَدَ الْخَبَرُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَنْعِ
مِنْهُ كَإِسْنَادِ مَتَاعِهِ إلَيْهِ ( وَلَا بِوُجُودِ آخَرَ ) أَوْ حِجَارَةٍ ، وَلَا كَوْنِ الْآجُرَّةِ الصَّحِيحَةِ مِمَّا يَلِي أَحَدَهُمَا وَقَطْعِ الْآجُرِّ مِمَّا يَلِي الْآخَرَ .
( وَ ) لَا ( بِتَزْوِيقٍ وَتَجْصِيصٍ وَمَعَاقِدِ قِمْطٍ فِي خُصٍّ ) لِعُمُومِ حَدِيثِ : " { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَلِأَنَّ وُجُوهَ الْآجُرِّ وَمَعَاقِد الْقِمْطِ إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْجِدَارِ وَالْخُصِّ .
لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إلَى أَحَدِهِمَا ، إذْ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَبَطَلَتْ دَلَالَتُهُ كَالتَّزْوِيقِ وَالتَّجْصِيصِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ ، ( وَإِنْ تَنَازَعَ رَبُّ عُلُوٍّ وَرَبُّ سُفْلٍ فِي سَقْفٍ بَيْنَهُمَا ) تَحَالَفَا وَ ( تَنَاصَفَاهُ ) لِحَجْزِهِ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا وَانْتِفَاعِهِمَا بِهِ وَاتِّصَالِهِ بِبِنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْحَائِطِ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا
( وَ ) إنْ تَنَازَعَ رَبُّ عُلُوٍّ وَرَبُّ سُفْلٍ ( فِي سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ أَوْ ) فِي ( دَرَجَةٍ ) يَصْعَدُ مِنْهَا وَلَيْسَ تَحْتَهَا مِرْفَقٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ كَدَكَّةٍ أَوْ سُلَّمٍ مُسَمَّرٍ ، ( فَ ) السُّلَّمُ ( لِرَبِّ الْعُلُوِّ ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَرَافِقِهِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهَا ) أَيْ الدَّرَجَةِ ( مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَ ) يَتَحَالَفَانِ وَ ( يَتَنَاصَفَاهَا ) أَيْ الدَّرَجَةِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّهَا سَقْفُ السُّفْلَانِي وَمَوْطِئُ لِلْفَوْقَانِيِّ ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهَا طَاقٌ صَغِيرٌ لَمْ تُبْنَ الدَّرَجَةُ لِأَجْلِهِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِرْفَقًا تُجْعَلُ فِيهِ جِرَارُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ .
( وَإِنْ تَنَازَعَا ) أَيْ رَبُّ الْعُلُوِّ وَرَبُّ السُّفْلِ ( الصَّحْنَ ) الْمُتَوَصَّلَ مِنْهُ إلَى الدَّرَجَةِ ( وَ ) الْحَالُ أَنَّ ( الدَّرَجَةَ بِصَدْرِهِ ) أَيْ الصَّحْنِ ( فَ ) الصَّحْنُ ( بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ يَدَيْهِمَا عَلَيْهِ ( وَإِنْ كَانَتْ ) الدَّرَجَةُ ( فِي الْوَسَطِ ) أَيْ وَسَطِ الصِّحْنِ ( فَمَا إلَيْهَا ) أَيْ الدَّرَجَةِ مِنْ الصَّحْنِ ( بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ ( وَمَا وَرَاءَهُ ) أَيْ الْمَكَانَ الَّذِي بِهِ الدَّرَجَةُ مِنْ بَاقِي الصَّحْنِ ( لِرَبِّ السُّفْلِ ) وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِرَبِّ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ .
( وَكَذَا لَوْ تَنَازَعَ رَبُّ بَابٍ بِصَدْرِ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ ، وَدَرْبِ بَابٍ بِوَسْطَةٍ ) أَيْ الدَّرْبِ ( فِي الدَّرْبِ ) فَمِنْ أَوَّلِهِ إلَى الْبَابِ وَسَطُهُ بَيْنَهُمَا وَمَا وَرَاءَ الْبَابِ بِوَسَطِهِ إلَى صَدْرِهِ لِمَنْ بَابُهُ بِصَدْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ .
فَصْلٌ الْحَالُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ( فَهِيَ لَهُ وَيَحْلِفُ ) أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا لِلْآخَرِ ، لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ ( إنْ لَمْ تَكُنْ ) لِمَنْ الْعَيْنُ بِغَيْرِ يَدِهِ ( بَيِّنَةٌ ) لِخَبَرِ " { شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ } وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا ، ( وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاكِمَ كِتَابَةَ مَحْضَرٍ مِمَّا جَرَى إيجَابُهُ ) إلَيْهِ وُجُوبًا ( وَذَكَرَ فِيهِ ) أَيْ الْمَحْضَرِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْحَاكِمَ ( بَقَّى الْعَيْنَ بِيَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَرْفَعُهَا ) أَيْ يَدَهُ عَنْهَا ، ( وَلَا يَثْبُتُ مِلْكٌ بِذَلِكَ ) أَيْ وَضْعِ الْيَدِ ( كَمَا يَثْبُتُ ) الْمِلْكُ ( بِبَيِّنَةٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ) أَيْ رَبِّ الْيَدِ ( بِمُجَرَّدِ الْيَدِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ لِاحْتِمَالِ خِلَافِهِ إنَّمَا تُرَجَّحُ بِهِ الدَّعْوَى .
فَصْلٌ .
الْحَالُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا بِيَدَيْهِمَا أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ( كَطِفْلٍ ) مَجْهُولٍ نَسَبُهُ ( كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( مُمْسِكٌ لِبَعْضِهِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( كَمَا مَرَّ ) أَيْ : أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ ( فِيمَا يَنْتَصِفُ ) أَيْ فِي الْحَالِ الْأُولَى ( وَتَنَاصَفَاهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى : " { أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارٍ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ .
وَكَذَا إنْ نَكِلَا ؛ لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهَا فَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا نِصْفًا ) مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ( فَأَقَلُّ ) مِنْ النِّصْفِ ، ( أَوْ ) يَدَّعِيَ ( الْآخَرُ الْجَمِيعَ ) أَيْ جَمِيعَ الْمُدَّعَى بِهِ ( أَوْ ) يَدَّعِيَ الْآخَرُ ( أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ ) مِمَّا يَدَّعِيه الْآخَرُ ، كَأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ ( فَيَحْلِفُ مُدَّعِي الْأَقَلَّ ) وَحْدَهُ ، ( وَيَأْخُذُهُ ) أَيْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَقَلَّ مِمَّا بِيَدِهِ ظَاهِرًا أَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْيَدِ ( وَإِنْ كَانَ ) مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي بِيَدَيْهِمَا ( مُمَيِّزًا فَقَالَ : إنِّي حُرٌّ خُلِّيَ ) سَبِيلَهُ وَمُنِعَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالْوَصِيَّةِ وَيُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ أَشْبَهَ الْبَالِغَ ( حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ طَارِئٌ ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِمُدَّعِي رِقِّهِ عُمِلَ بِهَا لِشَهَادَتِهَا بِزِيَادَةٍ ، ( فَإِنْ قَوِيَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ بِأَيْدِيهِمَا ( كَحَيَوَانٍ ) ادَّعَاهُ اثْنَانِ ( وَاحِدٌ ) مِنْهُمَا ( سَائِقُهُ أَوْ آخِذٌ بِزِمَامِهِ وَآخَرُ رَاكِبُهُ أَوْ عَلَيْهِ حِمْلُهُ ) فَلِلثَّانِي الرَّاكِبِ وَصَاحِبِ الْحِمْلِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ
تَصَرُّفَهُ أَقْوَى وَيَدَهُ آكَدُ وَهُوَ الْمُسْتَوْفِي لِمَنْفَعَةِ الْحَيَوَانِ ( أَوْ وَاحِدٌ ) مِنْهَا ( عَلَيْهِ حِمْلُهُ وَآخَرُ رَاكِبُهُ ) فَلِلثَّانِي الرَّاكِبِ بِيَمِينِهِ لِقُوَّةِ تَصَرُّفِهِ ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ لِلرَّاكِبِ وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهَا مِنْ الْحِمْلِ فَهُوَ لِلرَّاكِبِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْحِمْلِ مَعًا بِخِلَافِ السَّرْجِ ، ( أَوْ ) ك ( قَمِيصٍ وَاحِدٌ آخِذٌ بِكُمِّهِ وَآخَرُ لَابِسُهُ فَ ) هُوَ ( لِلثَّانِي ) اللَّابِسِ لَهُ ( بِيَمِينِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ كَانَ كُمَّهُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهِ بِيَدِ الْآخَرِ ، أَوْ تَنَازَعَا عِمَامَةً طَرَفُهَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهَا بِيَدِ الْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُمْسِكِ لِلطَّرَفِ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ كَانَ بَاقِيهَا عَلَى الْأَرْضِ فَنَازَعَهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَانَتْ لَهُ ، وَإِنْ تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا فِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ أَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْهَا وَالْآخَرُ سَاكِنٌ فِي الثَّلَاثَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَنْفَصِلُ عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا يُشَارِكُ الْخَارِجُ مِنْهُ السَّاكِنَ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ تَنَازَعَا السَّاحَةَ الَّتِي يَتَطَرَّقُ مِنْهَا إلَى الْبُيُوتِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا .
( وَيُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ ) أَيْ ظَاهِرِ الْحَالِ ( فِيمَا بِيَدَيْهِمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ( مُشَاهَدَةً أَوْ ) بِيَدَيْهِمَا ( حُكْمًا أَوْ بِيَدِ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( مُشَاهَدَةً وَ ) بِيَدِ ( الْآخَرِ حُكْمًا ) .
وَتَأْتِي أَمْثِلَةُ ذَلِكَ ( فَلَوْ نُوزِعَ رَبُّ دَابَّةٍ فِي رَحْلٍ عَلَيْهَا ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا آخِذٌ بِبَعْضِهِ فَهُوَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ عَادَةً أَنَّ الرَّحْلَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ ، ( أَوْ ) نُوزِعَ ( رَبُّ قِدْرٍ وَنَحْوِهِ ) مِنْ الْأَوَانِي وَالظُّرُوفِ ( فِي شَيْءٍ فِيهِ ) مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ أَوْ تَمْرٍ ، وَالْقِدْرُ وَنَحْوُهُ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْقِدْرَ لِأَحَدِهِمَا ، ( فَ ) مَا فِيهِ ( لَهُ ) أَيْ لِرَبِّ الْقِدْرِ وَنَحْوِهِ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ .
( وَلَوْ نَازَعَ رَبُّ دَارٍ خَيَّاطًا فِيهَا ) أَيْ الدَّارِ ( فِي إبْرَةٍ أَوْ ) فِي ( مِقَصٍّ ) فَلِلثَّانِي أَيْ الْخَيَّاطِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ الْخَيَّاطَ إذَا دُعِيَ لِلْخِيَاطَةِ يَحْمِلُ مَعَهُ إبْرَتَهُ وَمِقَصَّهُ ، ( أَوْ ) نَازَعَ رَبُّ دَارٍ ( قَرَّابًا فِي قِرْبَةٍ ) فِي الدَّارِ ( فَ ) هِيَ ( لِلثَّانِي ) أَيْ الْقِرَابُ لِمَا تَقَدَّمَ ، ( وَعَكْسُهُ ) أَيْ مَا سَبَقَ وَلَوْ تَنَازَعَ ( الثَّوْبَ ) الْمَخِيطَ ( وَالْخَابِيَةَ ) الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا الْمَاءُ فَهُمَا لِرَبِّ الدَّارِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ( وَإِنْ تَنَازَعَ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ ) لِدَارٍ ( فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ ) لَهُ شَكْلٌ فِي الدَّارِ ( أَوْ ) تَنَازَعَا فِي ( مِصْرَاعٍ ) مَقْلُوعٍ ( لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٍ فِي الدَّارِ فَ ) هُوَ ( لِرَبِّهَا ) مَعَ يَمِينه ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوبَ تَابِعٌ لِلدَّارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الرَّفَّيْنِ أَوْ أَحَدَ الْمِصْرَاعَيْنِ لِمَنْ لَهُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَاحِبِهِ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيّ فِي الرَّحَا وَالْمِفْتَاحِ مَعَ الْقُفْلِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مَعَ الرَّفِّ الْمَقْلُوعِ أَوْ الْمِصْرَاعِ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ ( فَ ) هُوَ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي بِيَمِينِهِمَا ، ( وَمَا جَرَتْ
عَادَةٌ بِهِ ) أَيْ بِأَنَّهُ الْمُكْرِي ( وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعِ ) الدَّارِ كَمِفْتَاحِهَا ( فَ ) هُوَ ( لِرَبِّهَا ) كَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ وَالرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ وَالرَّحَا الْمَنْصُوبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ أَشْبَهَ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ ( وَإِلَّا ) إنْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لِلْمُكْرِي كَالْأَثَاثِ وَالْأَوَانِي وَالْكُتُبِ وَالْحَبْلِ الَّذِي يَسْتَقِي بِهِ مِنْ بِئْرٍ ( فَ ) هُوَ ( لِمُكْتَرٍ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُكْرِي دَارِهِ فَارِغَةً
( وَلَوْ تَنَازَعَ زَوْجَانِ أَوْ ) تَنَازَعَ ( وَرَثَتُهُمَا أَوْ ) تَنَازَعَ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ( وَوَرَثَةُ الْآخَرِ وَلَوْ مَعَ رِقِّ أَحَدِهِمَا ) نَصًّا ( فِي قُمَاشِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ ) فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ كُلَّهُ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ بَيِّنَةٌ ( فَمَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ ) كَعِمَامَةٍ وَقُمْصَانِ رِجَالٍ وَجَبَابِهِمْ وَأَقْبِيَتِهِمْ وَالطَّيَالِسَةِ وَالسِّلَاحِ وَأَشْبَاهِهَا ، ( فَ ) هُوَ ( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ .
( وَ ) مَا يَصْلُحُ ( لَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ مِنْ حُلِيٍّ وَخُمُرٍ وَقُمُصِ نِسَاءٍ وَمَقَانِعِهِنَّ وَمَغَازِلِهُنَّ ( فَلَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ، ( وَ ) مَا يَصْلُحُ ( لَهُمَا ) كَفُرُشٍ وَقُمَاشٍ لَمْ يُفَصَّلْ وَأَوَانٍ وَنَحْوِهِمَا ( فَ ) هُوَ ( لَهُمَا ) أَيْ : بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ بِيَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَوْ الْمُشَاهَدَةِ نَقَلَ الْأَثْرَمُ : الْمُصْحَفُ لَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَعْرِفُ بِذَلِكَ فَلَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ بِيَدِ غَيْرِهِمَا فَمَنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ أُقْرِعَ فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهُ
( وَكَذَا ) إذَا تَنَازَعَ ( صَانِعَانِ فِي آلَةِ دُكَّانِهِمَا ، فَآلَةُ كُلِّ صَنْعَةٍ لِصَانِعِهَا ) كَنَجَّارٍ وَحَدَّادٍ بِدُكَّا وَتَنَازَعَا فِي آلَتِهِمَا أَوْ بَعْضِهَا فَآلَةُ النَّجَّارِ لِلنَّجَّارِ وَآلَةُ الْحَدَّادِ لِلْحَدَّادِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْآلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَوْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ كَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَنَازَعَا شَيْئًا لَيْسَ بِدَارِهِمَا ، أَوْ صَانِعَانِ آلَةً لَيْسَتْ بِدُكَّانِهِمَا فَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ ، بَلْ إنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ أَوْ بِيَدَيْهِمَا فَبَيْنَهُمَا وَفِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يُنَازَعْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا .
( وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هُوَ ) أَيْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ( لَهُ فَ ) هُوَ لَهُ ( بِيَمِينِهِ ) ، لِاحْتِمَالِ صِدْقِ غَرِيمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ ، ( وَمَتَى كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ وَلَمْ يَحْلِفْ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إحْدَى حُجَّتَيْ الدَّعْوَى فَيُكْتَفَى بِهَا كَالْيَمِينِ
( وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ ) مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ ( بَيِّنَةٌ ) بِهَا ( وَتَسَاوَتَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ ( مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الْأُخْرَى ، فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَلَا بِأَحَدِهِمَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا ( فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَنَاصَفَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا ) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى : " { أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، ( وَيُقْرَعُ ) بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً ( فِيمَا لَيْسَ بِيَدِ أَحَدٍ أَوْ بِيَدِ ثَالِثٍ ، وَلَمْ يُنَازِعْ ) الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِيهِ فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ حَلَفَ وَأَخَذَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ
( وَإِنْ كَانَ ) الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ( بِيَدِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ ( حُكِمَ بِهِ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهُوَ الْخَارِجُ بِبَيِّنَةٍ سَوَاءٌ أُقِيمَتْ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ ) أَيْ رَبِّ الْيَدِ ، ( وَهُوَ الدَّاخِلُ بَعْدَ رَفْعِ يَدِهِ أَوْ لَا ، وَسَوَاءٌ شَهِدَتْ لَهُ ) أَيْ لِرَبِّ الْيَدِ ( أَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ ) أَنَّهَا ( قَطِيعَةٌ مِنْ إمَامٍ أَوْ لَا ) ، بِأَنْ لَمْ تَشْهَدْ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ : " { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } فَجَعَلَ جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعِي ، فَلَا يَبْقَى فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ؛ وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ ، وَوَجْهُ كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا أَنَّهَا تُثْبِتُ سَبَبًا لَمْ يَكُنْ ، وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ ، وَلَا يَحْلِفُ الْخَارِجُ مَعَ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ ( وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ ) أَيْ رَبِّ الْيَدِ ( وَهُوَ مُنْكِرٌ ) لِدَعْوَى الْخَارِجِ ( لِادِّعَائِهِ الْمِلْكَ ) لِمَا بِيَدِهِ
( وَكَذَا مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ تَعَدِّيًا بِبَلَدٍ وَوَقْتٍ مُعَيَّنَيْنِ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَادَّعَى كَذِبَهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْوَقْتِ ( بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ ) فَتُسْمَعُ وَيُعْمَلُ بِهَا .
قَالَ فِي الِانْتِصَارِ : لَا تُسْمَعُ إلَّا بَيِّنَةُ مُدَّعٍ بِاتِّفَاقِنَا وَفِيهِ وَقَدْ تَثْبُتُ فِي جَنْبَةِ مُنْكِرٍ وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا بِيَدِهِ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقِيمَهَا فِي الدَّيْنِ لِعَدَمِ إحَاطَتِهَا بِهِ ، ( وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةِ خَارِجٍ ) لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ .
قُلْتُ : بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِدَفْعِ التُّهْمَةِ وَالْيَمِينِ عَنْهُ ( وَمَعَ حُضُورِ الْبَيِّنَتَيْنِ ) بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ ( لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ قَبْلَ بَيِّنَةِ خَارِجٍ وَتَعْدِيلِهَا ) ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَلَعَلَّهُ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ هِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا ، وَمُعْتَمَدُ الْحُكْمِ وَبَيِّنَةُ الدَّاخِلِ لَا تُسْمَعُ إلَّا مَعَهَا فَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا .
( وَتُسْمَعُ ) بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ ( بَعْدَ التَّعْدِيلِ ) لِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ( قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ) ، وَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ( وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ غَائِبَةً حِينَ رَفَعْنَا يَدَهُ ) عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ ، ( فَجَاءَتْ وَقَدْ ادَّعَى ) فِيهِ ( مِلْكًا مُطْلَقًا ) غَيْرَ مُسْتَنِدٍ لِحَالٍ وَضَعَ فِيهِ يَدَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً ، ( فَهِيَ بَيِّنَةُ خَارِجٍ ) فَتُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ ، ( فَإِنَّ ادَّعَاهُ ) أَيْ الْمِلْكَ ( مُسْتَنِدًا لِمَا قَبْلَ يَدِهِ ) وَأَقَامَهَا ( فَ ) هِيَ ( بَيِّنَةُ دَاخِلٍ ) فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا لِاسْتِنَادِ دَعْوَى الْمُنْكِرِ إلَى حَالِ وَضْعِ يَدِهِ ، ( وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ ) غَيْرُ وَاضِعِ الْيَدِ ( بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الدَّاخِلِ ) وَاضِعِ الْيَدِ ، ( وَأَقَامَ
الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ ؛ لِأَنَّهُ الْخَارِجُ مَعْنًى ) لِإِثْبَاتِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ صَاحِبُ الْيَدِ وَأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ نَائِبَةٌ عَنْهُ ، ( وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَ ) أَقَامَ ( الْآخَرُ ) أَيْ الدَّاخِلُ ( بَيِّنَةَ أَنَّهُ ) أَيْ الْخَارِجَ ( بَاعَهَا مِنْهُ ) أَيْ الدَّاخِلِ ( أَوْ وَقَّفَهَا عَلَيْهِ ) أَيْ الدَّاخِلِ ( أَوْ أَعْتَقَهَا ) أَيْ الرَّقَبَةَ ، ( قُدِّمَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( الثَّانِيَةُ ) لِشَهَادَتِهَا بِأَمْرٍ حَدَثَ عَلَى الْمِلْكِ خَفِيَ عَلَى الْأُولَى فَثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ أَوْ الْوَقْفُ أَوْ الْعِتْقُ مِنْهُ ، ( وَلَمْ تُرْفَعْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ يَدَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( كَقَوْلِهِ : أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّيْنِ ) وَيُقِيمُ بِهِ بَيِّنَةً .
( أَمَّا لَوْ قَالَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ ) بِأَنَّهُ بَاعَهُ مِنِّي أَوْ أَوْقَفَهُ عَلَيَّ أَوَأَعْتَقَهُ ( طُولِبَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( بِالتَّسْلِيمِ ) لِلْمُدَّعَى بِهِ ( لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ يَطُولُ ) ، وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا ، ( وَمَتَى أُرِّخَتَا ) أَيْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ( وَالْعَيْنُ بِيَدَيْهِمَا فِي شَهَادَةٍ بِمِلْكٍ ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ : مَلَكَ الْعَيْنَ وَقْتَ كَذَا ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى : مَلَكَهَا وَقْتَ كَذَا ، ( أَوْ ) أُرِّخَتَا ( فِي شَهَادَةٍ بِيَدٍ ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ : الْعَيْنُ بِيَدِهِ مُنْذُ كَذَا وَقَالَتْ الْأُخْرَى : بِيَدِهِ مُنْذُ كَذَا ( أَوْ ) أُرِّخَتْ ( إحْدَاهُمَا فَقَطْ ) أَيْ وَلَمْ تُؤَرَّخْ الْأُخْرَى ، ( فَهُمَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ ( سَوَاءٌ ) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى : " { أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعِيرٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَعِيرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ خَارِجٌ فِي نِصْفِهَا ، ( إلَّا أَنْ
تَشْهَدَ الْمُتَأَخِّرَةُ ) تَأْرِيخًا إذَا أُرِّخَتَا ( بِانْتِقَالِهِ ) أَيْ الْمِلْكِ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ ، ( وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ ( بِزِيَادَةِ نِتَاجٍ ) بِأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا بِنْتُ فَرَسِهِ أَوْ بَقَرَتِهِ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ .
وَالْأُخْرَى شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ فَقَطْ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِزِيَادَةِ ( سَبَبِ مِلْكٍ ) بِأَنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالْأُخْرَى بِالْمِلْكِ فَقَطْ ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ لِتَسَاوِيهِمَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَهُوَ مَلَكَ الْعَيْنَ الْآنَ فَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِ ( اشْتِهَارِ عَدَالَةٍ أَوْ كَثِيرِ عَدَدٍ ) كَأَرْبَعَةِ رِجَالٍ وَالْأُخْرَى رَجُلَيْنِ ، ( وَلَا ) يُقَدَّمُ ( رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ) عَلَى رَجُلٍ ( وَيَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ
( وَمَتَى ادَّعَى أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ ( أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ وَ ) ادَّعَى ( الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرو وَهِيَ مِلْكُهُ وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ( تَعَارَضَتَا ) ، إنْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِأَيْدِيهِمَا تَحَالَفَا وَتَنَاصَفَاهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ ثَالِثٍ لَمْ يُنَازِعْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ ، وَأَخَذَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لِلْخَارِجِ بَيِّنَتُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فَأَنْكَرَهُمَا وَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ حَلَفَ وَهِيَ لَهُ لِتَسَاقُطِ الْبَيِّنَيْنِ .
وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا فَالْمُقَرُّ لَهُ كَدَاخِلٍ وَالْآخَرُ كَخَارِجٍ عَلَى مَا يَأْتِي ، ( وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ ) فِي الْعَيْنِ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ ، ( وَ ) شَهِدَتْ ( الْأُخْرَى بِانْتِقَالِهِ ) أَيْ الْمِلْكِ ( عَنْهُ لَهُ ) أَيْ لِلْآخَرِ ، ( كَمَا لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً وَأَقَامَتْ امْرَأَتُهُ ) أَيْ الْأَبِ ( بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا ) أَيْ الدَّارَ ، ( قُدِّمَتْ النَّاقِلَةُ ) ، وَحُكِمَ بِالْمِلْكِ لِلْمَرْأَةِ لِشَهَادَتِهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمِلْكِ خَفِيَ عَلَى الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ ( كَ ) تَقَدُّمِ ( بَيِّنَةِ مِلْكٍ عَلَى بَيِّنَةِ يَدٍ ) قَالَ فِي شَرْحِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ .
فَصْلٌ .
الْحَالُ الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا ( بِيَدِ ثَالِثٍ ، فَإِنْ ادَّعَاهَا ) الثَّالِثُ ( لِنَفْسِهِ ) وَأَنْكَرَهُمَا ( حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ لَهُ ( يَمِينًا ) ؛ لِأَنَّهُمَا اثْنَانِ كُلٌّ يَدَّعِيهَا ، ( فَإِنْ نَكَلَ عَنْهُمَا ) أَيْ الْيَمِينَيْنِ ( أَخَذَاهَا ) أَيْ : الْعَيْنَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا ( مِنْهُ ، وَ ) أَخَذَا مِنْهُ ( بَدَلَهَا ) أَيْ مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ قِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوَّمَةً لِتَلَفِ الْعَيْنِ بِتَفْرِيطِهِ ، وَهُوَ تَرْكُ الْيَمِينِ لِلْأَوَّلِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا ، ( وَاقْتَرَعَا عَلَيْهِمَا ) أَيْ الْعَيْنِ وَبَدَلِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ بِالْعَيْنِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، ( وَإِنْ أَقَرَّ ) الثَّالِثُ ( بِهَا ) أَيْ الْعَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا ( لَهُمَا ) أَخَذَاهَا مِنْهُ وَ ( اقْتَسَمَاهَا ) نِصْفَيْنِ ( وَحَلَفَ لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( يَمِينًا بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِصَاحِبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيه لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِلْآخَرِ ( وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ) يَمِينًا ( لِصَاحِبِهِ عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ ) ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِأَيْدِيهِمَا ابْتِدَاءً .
( وَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ ) بِالْعَيْنِ لَهُمَا ( عَنْ الْيَمِينِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ الْعَيْنَ ( أَخَذَا مِنْهُ بَدَلَهَا وَاقْتَسَمَاهُ أَيْضًا ) ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَيْنِ .
( وَ ) إنْ أَقَرَّ ( لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ) بِالْعَيْنِ جَمِيعَهَا ( حَلَفَ ) الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا ( وَأَخَذَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ صَارَ كَأَنَّ الْعَيْنَ بِيَدِهِ وَالْآخَرُ مُدَّعٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ ، فَيَحْلِفُ لَهُ لِنَفْيِ دَعْوَاهُ ( وَيَحْلِفُ الْمُقِرُّ لِلْآخَرِ ) إنْ طَلَبَ يَمِينَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَخَافَ مِنْ الْيَمِينِ ، فَيُقِرُّ لَهُ فَيَغْرَمُ لَهُ بَدَلَهَا .
( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ لِلْآخَرِ ( أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا ) أَيْ الْعَيْنِ بِالْحُكْمِ بِنُكُولِهِ
، ( وَإِذَا أَخَذَهَا ) أَيْ الْعَيْنَ الْمُقَرُّ لَهُ بِهَا بِمُقْتَضَى إقْرَارِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَهُ ، ( فَأَقَامَ ) الْمُدَّعِي ( الْآخَرُ بَيِّنَةً ) أَنَّهَا مِلْكُهُ ( أَخَذَهَا مِنْهُ ) أَيْ : الْمُقَرِّ لَهُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ لَهَا .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : ( وَلِلْمُقَرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ ) قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لِغَيْرِ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ انْتَهَى وَهُوَ بَعِيدٌ ، ( وَإِنْ قَالَ ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ ( هِيَ لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ( وَأَجْهَلُهُ فَصَدَّقَاهُ ) عَلَى جَهْلِهِ بِهِ ( لَمْ يَحْلِفْ ) لِتَصْدِيقِهِمَا لَهُ فِي دَعْوَاهُ ، ( وَإِلَّا ) يُصَدِّقَاهُ ( حَلَفَ ) لَهُمَا ( يَمِينًا وَاحِدَةً ) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إلَّا بِطَلَبِهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مِنْهُمَا لِلْيَمِينِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، ( وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ لِلْعَيْنِ .
( فَمَنْ قُرِعَ ) صَاحِبُهُ ( حَلَفَ وَأَخَذَهَا ) نَصًّا لِحَدِيثِ : " { أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ أَحَبَّا أَوْ كَرِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ؛ وَلِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِهَا يَصِيرُ صَاحِبَ الْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، فَعُيِّنَ بِالْقُرْعَةِ ، ( ثُمَّ إنْ بَيَّنَ ) أَيْ بَيَّنَ مَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا مِنْهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِ : هِيَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلُهُ ( قُبِلَ ) كَتَبْيِينِهِ ابْتِدَاءً .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِهَا لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَالشَّهَادَةِ بِهَا كَذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ لِمَجْهُولٍ وَلَا بِهِ ، ( وَلَهُمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ : هِيَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلُهُ ( الْقُرْعَةُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ الْوَاجِبِ وَقَبْلَهُ ) أَيْ التَّحْلِيفِ ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى يَمِينِهِ وَلِذَلِكَ لَوْ صَدَّقَاهُ لَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ .
(
فَإِنْ نَكَلَ ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ عَنْ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا مِنْهُمَا ( قُدِّمَتْ الْقُرْعَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الْمُقَرَّ لَهُ مِنْهُمَا ، فَإِذَا خَرَجَ كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ لَهُ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ ، ( وَيَحْلِفُ لِلْمَقْرُوعِ إنْ كَذَّبَهُ ) فِي عَدَمِ الْعِلْمِ ، ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ لَهُ ( أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا ) كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ .
( وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا ) ثَالِثٌ فَقَالَ : لَيْسَتْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا ( وَلَمْ يُنَازِعْ أُقْرِعَ ) بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ كَإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ( فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا ) أَيْ الْعَيْنَ ( لِلْآخَرِ ) الْمَقْرُوعِ ( فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ ) لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ ، ( وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ( بَيِّنَةٌ ) بِالْعَيْنِ ( حُكِمَ لَهُ بِهَا ) كَمَا لَوْ أَنْكَرَهُمَا رَبُّ الْيَدِ وَنَازَعَ .
( وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ ) مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ( بَيِّنَةٌ تَعَارَضَتَا ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي عَدَمِ الْيَدِ فَيَسْقُطَانِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا ، ( سَوَاءٌ أَقَرَّ ) رَبُّ الْيَدِ ( لَهُمَا أَوْ ) أَقَرَّ ( لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ، أَوْ ) كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا ( لَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدٍ ) فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا .
( وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا ) رَبُّ الْيَدِ ( فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُرَجَّحْ ) بَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ ( بِذَلِكَ ، وَحُكْمُ التَّعَارُضِ بِحَالِهِ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ ، وَرُجُوعُ الْيَدِ إلَى صَاحِبِهَا طَارِئٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ، ( وَإِقْرَارُهُ ) لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ( صَحِيحٌ ) فَيُعْمَلُ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ .
( وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ ) بِالْعَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ( قَبْلَ إقَامَتِهِمَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ ، ( فَالْمُقَرُّ لَهُ كَدَاخِلٍ ) لِانْتِقَالِ الْيَدِ إلَيْهِ بِإِقْرَارِ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ ابْتِدَاءً ( وَالْآخَرُ ) غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ ( كَخَارِجٍ ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا ، ( وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهَا ) أَيْ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ ، ( وَلَمْ يُقِرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ وَلَا بَيِّنَةَ ) لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ( فَهِيَ لِأَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الدَّعْوَى وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْيَدِ ، ( فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُكَلَّفًا وَأَقَامَا بَيِّنَةً بِرِقِّهِ وَأَقَامَ ) الْمُكَلَّفُ ( بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ تَعَارَضَتَا ) لِتَسَاوِيهِمَا ، ( وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ ) الْمُكَلَّفُ ( حُرِّيَّةً فَأَقَرَّ ) بِالرِّقِّ ( لِأَحَدِهِمَا ، فَهُوَ لَهُ ) كَمُدَّعٍ وَاحِدٍ ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ إقْرَارِ الْمُكَلَّفِ بِالرِّقِّ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ اللَّقِيطِ ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ مُطْلَقًا ، ( وَ ) إنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ ( لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا ) لِمَا تَقَدَّمَ ، ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مُكَلَّفًا فَقَالَ : أَنَا
عَبْدُهُمَا أَوْ عَبْدُ أَحَدِهِمَا ( لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ ) بِالرِّقِّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ
( وَمَنْ ادَّعَى دَارًا وَ ) ادَّعَى ( آخَرُ نِصْفَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ ) الدَّارُ ( بِأَيْدِيهِمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ( وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ( فَهِيَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ ) ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ مُقِرٌّ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لِصَاحِبِهِ ، فَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَدَّعِيهِ صَاحِبُ الْكُلِّ ، وَيَدُ مُدَّعِي النِّصْفِ عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ ، فَمُدَّعِي الْكُلِّ هُوَ الْخَارِجُ وَبَيِّنَتُهُ مُقَدَّمَةٌ .
( وَإِنْ كَانَتْ ) الدَّارُ ( بِيَدِ ثَالِثٍ فَإِنْ نَازَعَ ) الثَّالِثُ ( فَلِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفٌ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ .
( وَ ) النِّصْفُ ( الْآخَرُ لِرَبِّ الْيَدِ بِيَمِينِهِ ) لِرُجْحَانِهِ بِالْيَدِ ، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّعِيهِ لِسُقُوطِ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ ، ( وَإِنْ لَمْ يُنَازِعْ ) الثَّالِثُ ( فَقَدْ ثَبَتَ أَخْذُ نِصْفِهَا لِمُدَّعِي الْكُلِّ ) لِمَا سَبَقَ ، ( وَيَقْتَرِعَانِ ) أَيْ الْمُدَّعِيَانِ ( عَلَى ) النِّصْفِ ( الْبَاقِي ) لِسُقُوطِ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ ، ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( بَيِّنَةٌ ) وَهِيَ بِيَدِ ثَالِثٍ لَمْ يُنَازِعْ ( فَلِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفُهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ ، ( وَيَقْتَرِعَانِ ) عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ ( فَمَنْ قُرِعَ ) أَيْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ( فِي النِّصْفِ ) الْآخَرِ ( حَلَفَ ) أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ ، ( وَأَخَذَهُ ) كَالْعَيْنِ الْكَامِلَةِ ، ( وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفَهَا ) أَيْ الدَّارِ وَنَحْوِهَا ( وَصَدَّقَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ أَحَدَهُمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ، ( وَكَذَّبَ الْآخَرَ وَلَمْ يُنَازِعْ ) مَنْ كَذَّبَهُ فِي نِصْفِهِ أَخَذَ الْمُصَدَّقُ نِصْفَهُ ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ ( فَقِيلَ : يُسَلَّمُ إلَيْهِ ) أَيْ مُدَّعِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُدَّعِيَ لَهُ غَيْرُهُ ( وَقِيلَ : يَحْفَظُهُ حَاكِمٌ ) كَمَالٍ ضَائِعٍ ( وَقِيلَ : يَبْقَى بِحَالِهِ ) بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ لِيَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ .
وَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ ، إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ ، ( أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ زَيْدًا بَاعَهُ ) أَيْ الْعَبْدَ لَهُ ( أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَهُ وَأَقَامَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( بَيِّنَةً ) بِدَعْوَاهُ ، ( صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ ) لِمُصَادَفَةِ التَّصَرُّفِ الثَّانِي مِلْكَ غَيْرِهِ فَوَجَبَ بُطْلَانُهُ ، ( وَإِلَّا ) يُعْلَمَ التَّارِيخُ أَوْ اتَّفَقَ ( تَسَاقَطَتَا ) لِتَعَارُضِهِمَا وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ .
( وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ نَفْسِهِ ) نَصًّا إلْغَاءً لِهَذِهِ الْيَدِ لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنَدِهَا وَهُوَ الدَّعْوَى ، وَلَمْ تَثْبُتْ كَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَذِهِ الْيَدِ
( وَلَوْ ادَّعَيَا ) أَيْ اثْنَانِ ( زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ) فَأَنْكَرَتْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، ( وَأَقَامَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( بَيِّنَةً ) بِدَعْوَاهُ ، ( وَلَوْ كَانَتْ ) الْمَرْأَةُ ( بِيَدِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ( سَقَطَتَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ لِتَعَارُضِهِمَا ، وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى الْحُرِّ وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ وَحْدَهُ حُكِمَ لَهُ بِهَا ، وَإِنْ ادَّعَاهَا وَاحِدٌ فَصَدَّقَتْهُ قُبِلَ إقْرَارُهَا ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ إذَنْ .
( وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِمَّنْ الْعَيْنُ بِيَدَيْهِمَا بَيِّنَةً بِشِرَائِهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ ) أَيْ الْعَيْنُ ( مِلْكُهُ بِكَذَا ، وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ ( تَحَالَفَا وَتَنَاصَفَاهَا ) ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا دَاخِلَةٌ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ خَارِجَةٌ فِي الْآخَرِ ، ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( أَنْ يَرْجِعَ عَلَى زَيْدٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ) الَّذِي لَهُ دَفَعَهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ سِوَى نِصْفِ الْمَبِيعِ ، ( وَ ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( أَنْ يَفْسَخَ ) الْبَيْعَ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ ( وَيَرْجِعَ ) مَنْ فَسَخَ مِنْهُمَا ( بِكُلِّهِ ) أَيْ الثَّمَنِ ، ( وَ ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا ) أَيْ الْعَيْنَ بِكُلِّ الثَّمَنِ ( مَعَ فَسْخِ الْآخَرِ ) الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ ، ( وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ ) بَيِّنَةِ ( أَحَدِهِمَا فَهِيَ ) أَيْ الْعَيْنُ ( لَهُ ) لِصِحَّةِ عَقْدِهِ بِسَبْقِهِ ، ( وَلِلثَّانِي ) عَلَى بَائِعِهِ ( الثَّمَنُ ) إنْ كَانَ قَبَضَهُ مِنْهُ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ بَيْعِهِ ، ( وَإِنْ أُطْلِقَتَا ) أَيْ بَيِّنَتَاهُمَا ( أَوْ ) أُطْلِقَتْ ( إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا فِي مِلْكٍ ) أَيْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِيَيْنِ ( إذَنْ لَا فِي شِرَاءٍ ) لِجَوَازِ تَعَدُّدِهِ بِخِلَافِ الْمِلِكِ ، ( فَيُقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ ) الْبَائِعِ لَهُمَا ( دَعْوَاهَا ) لِنَفْسِهِ ( بِيَمِينٍ ) وَاحِدَةٍ ( لَهُمَا ) أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ .
( وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ ثَمَنَ عَيْنٍ بِيَدِ ثَالِثٍ كُلٌّ مِنْهُمَا ) يَقُولُ ( إنَّهُ اشْتَرَاهَا ) كُلَّهَا ( مِنْهُ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ ) فِي دَعْوَاهُ ، ( فَمَنْ صَدَّقَهُ ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ مِنْهُمَا أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ ، ( أَوْ ) مَنْ ( أَقَامَ ) مِنْهُمَا ( بَيِّنَةً ) بِدَعْوَاهُ ( أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ ) مِنْ الثَّمَنِ ، ( وَإِلَّا ) يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً ( حَلَفَ ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعَقْدِ ، ( وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَهُوَ مُنْكِرٌ ) دَعْوَاهُمَا ، ( فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَ ( تَسَاقَطَتَا ) لِعَدَمِ إمْكَانَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا أَوْ أُطْلِقَتَا ) بِأَنْ شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا ، وَلَمْ تَذْكُرْ تَارِيخًا ( أَوْ ) أُطْلِقَتْ ( إحْدَاهُمَا ) بِأَنْ قَالَتْ : اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِكَذَا فَقَطْ وَأَرَّخَتْ الْأُخْرَى ( عُمِلَ بِهِمَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا عَقْدَانِ شَهِدَ بِهِمَا بَيِّنَتَانِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مُشْتَرٍ وَاحِدٍ ، وَعَقْدُ الشِّرَاءِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ إلَى الثَّانِي ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي ، فَلَا تَعَارُضَ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ الْمُدَّعَى بِهِمَا ، ( وَإِنْ ) كَانَتْ عَيْنٌ بِيَدِ إنْسَانٍ فَادَّعَاهَا اثْنَانِ فَ ( قَالَ أَحَدُهُمَا : غَصَبَنِيهَا وَ ) قَالَ ( الْآخَرُ : مَلَّكَنِيهَا أَوْ أَقَرَّ لِي بِهَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ( فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْيَدِ .
وَالْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَشْهَدُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا فَلَا تُعَارِضُهَا ( وَلَا يَغْرَمُ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لِلْآخَرِ ) الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ مَلَّكَهُ
الْعَيْنَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا ( شَيْئًا ) لِعَدَمِ مُقْتَضِيهِ ، إذْ بُطْلَانُ التَّمْلِيكِ أَوْ الْإِقْرَارِ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَعَّيَيْنِ : غَصَبَنِيهَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَكَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عَلَى مَا سَبَقَ .
( وَإِنْ ادَّعَى ) رَبُّ دَارٍ عَلَى آخَرَ ( أَنَّهُ آجَرَهُ الْبَيْتَ ) أَيْ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ ( بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ : بَلْ ) آجَرَتْنِي ( كُلَّ الدَّارِ ) بِالْعَشَرَةِ ( وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) شَهِدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِمَنْ أَقَامَهَا بِدَعْوَاهُ ، ( تَعَارَضَتَا وَلَا قِسْمَةَ هُنَا ) أَيْ لَا يُقَسِّمَانِ بَقِيَّةَ مَنْفَعَةِ الدَّارِ قُلْت : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إجَارَةَ غَيْرِ الْبَيْتِ ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا بِعَشَرَةٍ وَالْآخَرُ بِعِشْرِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا ثَوْبُ هَذَا مِنْ ثَوْبِ هَذَا ، أَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْأَجْوَدَ أَنَّهُ لَهُ فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ : يُقْرَعُ بَيْنهمَا فَأَيُّهُمَا أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَأَخَذَ الثَّوْبَ الْجَيِّدَ وَالْآخَرُ لِلْآخِرِ ، أَيْ : لِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا عَيْنًا بِيَدِ غَيْرِهِمَا .
بَابٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَهُوَ التَّعَادُلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
يُقَالُ : تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ إذَا تَقَابَلَتَا أَيْ أَثْبَتَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا نَفَتْهُ الْأُخْرَى فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَتَسْقُطَانِ ، وَعَارَضَ زَيْدٌ عَمْرًا إذَا كَانَ أَتَاهُ بِمِثْلِ مَا أَتَاهُ
( مَنْ قَالَ ) لِقِنِّهِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( مَتَى قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى قِنِّهِ ) بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ( قَتْلَهُ ) أَيْ أَنَّهُ مَاتَ قَتِيلًا ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ، ( وَتُقَدَّمُ ) بَيِّنَةُ قِنٍّ بِقَتْلِهِ ( عَلَى بَيِّنَةِ وَارِثٍ ) بِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ؛ لِأَنَّ مَعَ الْأُولَى زِيَادَةَ عِلْمٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَلِقِنٍّ تَحْلِيفُ وَارِثٍ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ .
( وَإِنْ ) قَالَ سَيِّدُ عَبْدَيْنِ فَأَكْثَرَ : إنْ ( مِتَّ فِي الْمُحَرَّمِ فَسَالِمٌ حُرٌّ وَ ) إنْ مِتَّ ( فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ حُرٌّ ) ثُمَّ مَاتَ ( وَأَقَامَ كُلٌّ ) مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ ( بَيِّنَةً بِمُوجَبِ عِتْقِهِ تَسَاقَطَتَا ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الْأُخْرَى ( وَرَقَّا ) لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِي غَيْرِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ لِمَا سَبَقَ ( كَمَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَجُهِلَ وَقْتُهُ ) أَيْ : وَقْتُ مَوْتِهِ ، فَيَرِقَّانِ لِمَا سَبَقَ ، ( وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّهْرَيْنِ وَجُهِلَ أَهُوَ الْمُحَرَّمُ أَوْ صَفَرٌ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ .
( وَ ) إنْ قَالَ : ( إنْ مِتَّ فِي مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ .
وَإِنْ بَرِئْتُ ) مِنْهُ ( فَغَانِمٌ ) حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ ( وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمُوجَبِ عِتْقِهِ ( تَسَاقَطَتَا ) أَيْ بَيِّنَتَاهُمَا ( وَرَقَّا ) لِنَفْيِ كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى حَكَاهُ الْمُقْنِعُ عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ : وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ ، وَزَيَّفَ فِي الشَّرْحِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، إذْ لَا يَخْلُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَاتَ فِي الْمَرَضِ أَوْ بَرِئَ مِنْهُ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ، ( وَإِنْ جُهِلَ مِمَّا مَاتَ وَلَا بَيِّنَةَ أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا ، فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ ، فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ .
( وَكَذَا إذَا أَتَى بِمَنْ بَدَّلَ فِي ) بِأَنْ قَالَ : " إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ ، وَإِنْ بَرِئْتُ مِنْهُ فَغَانِمٌ حُرٌّ ( فِي التَّعَارُضِ ) إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجَبِ عِتْقِهِ فَيَسْقُطَانِ وَيَبْقَيَانِ فِي الرِّقِّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فِي الْمَرَضِ بِحَادِثٍ كَلَسْعٍ ، ( وَمَا فِي ) صُورَةِ ( الْجَهْلِ ) وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ ( فَيَعْتِقُ سَالِمٌ ) ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ دَوَامُ الْمَرَضِ وَعَدَمُ الْبُرْءِ .
( وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَى مَيِّتٍ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَ ) شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ( أُخْرَى أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ ) مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ ( ثُلُثُ مَالِهِ ) أَيْ الْمُوصِي ( وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ) عِتْقَهُمَا ( عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ ) لِثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَالْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، فَكَذَا الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى فِيهِمَا فَإِنَّ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ عَتَقَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقُوهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، ( وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ وَارِثَةً فَاسِقَةً ) وَلَمْ تُكَذِّبْ الْأَجْنَبِيَّةَ ( عَتَقَ سَالِمٌ ) بِلَا قُرْعَةٍ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ غَانِمٍ الْفَاسِقَةَ لَا تُعَارِضُهَا ، ( وَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِقُرْعَةٍ ) بِأَنْ يَكْتُبَ بِرُقْعَةٍ يَعْتِقُ وَبِأُخْرَى لَا يَعْتِقُ ، وَتُدْرَجُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِبُنْدُقَةٍ مِنْ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى ، وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ : أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا وَبُنْدُقَةً عَلَى هَذَا ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ رُقْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْوَارِثَةَ مُقَرَّةٌ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ أَيْضًا ، ( وَإِنْ كَانَتْ ) الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ ( عَادِلَةً وَكَذَبَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( الْأَجْنَبِيَّةُ عُمِلَ بِشَهَادَتِهَا ) لِعَدَالَتِهَا ، ( وَلَغَا تَكْذِيبُهَا ) الْأَجْنَبِيَّةَ ( فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ ) فَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِلَا قُرْعَةٍ لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ سِوَاهُ ، وَيَقِفُ عِتْقُ سَالِمٍ عَلَى الْقُرْعَةِ ، ( وَلَوْ كَانَتْ ) الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ ( فَاسِقَةً ، وَكَذَّبَتْ ) الْعَادِلَةُ الْأَجْنَبِيَّةَ ( أَوْ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ عَتَقَا ) أَمَّا سَالِمٌ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ عِتْقَ غَانِمٍ وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِعِتْقِهِ وَحْدَهُ ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا
بِالرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ وَحْدَهُ ، كَمَا لَوْ كَذَبَتْ الْأُخْرَى ، ( وَلَوْ شَهِدَتْ ) الْوَارِثَةُ ( بِرُجُوعِهِ ) عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ ( وَلَا فِسْقَ ) بِهَا ( وَلَا تَكْذِيبَ ) مِنْهَا لِبَيِّنَةِ سَالِمٍ ( عَتَقَ غَانِمٌ ) وَحْدَهُ لِثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ بِلَا تُهْمَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا .
وَأَمَّا جَرُّهَا وَلَاءَ غَانِمٍ فَيُعَادِلُهُ إسْقَاطُ وَلَاءِ سَالِمٍ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ سَبَبِ الْإِرْثِ وَمِثْلُهُ لَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ فِيهِ ، كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالشَّهَادَةِ .
وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِأَخِيهِ بِالْمَالِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرِثَهُ ( وَلَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ) وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْوَارِثَةُ الْعَادِلَةُ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ ( وَغَانِمٍ ) أَيْ قِيمَتِهِ ( سُدُسُ مَالِهِ عَتَقَا ) أَيْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ ، ( وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ) بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِدَفْعِ السُّدُسِ الْآخَرِ عَنْهَا ، ( وَخَبَرُ وَارِثَةٍ عَادِلَةٍ كَ ) شَهَادَةِ وَارِثَةٍ ( فَاسِقَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْفَاسِقُ ( وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعِتْقِ سَالِمٍ فِي مَرَضِهِ وَ ) شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ( أُخْرَى بِعِتْقِ غَانِمٍ فِيهِ عَتَقَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا تَارِيخًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ الْمُنَجَّزَةَ يَبْدَأُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ ، ( فَإِنَّ جُهِلَ ) التَّارِيخُ بِأَنْ أُطْلِقَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا ( فَأَحَدُهُمَا ) يَعْتِقُ ( بِقُرْعَةٍ ) كَمَا لَوْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا .
لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، أَوْ يَكُونَ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَشْكَلَ فَيَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ كَنَظَائِرِهِ .
( وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ
أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْعَبْدَيْنِ ( وَارِثَةً ) وَلَمْ تُنْكِرْ الْأَجْنَبِيَّةُ فَيُعْتَقُ السَّابِقُ إنْ عَلِمَ التَّارِيخَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّابِقُ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ ، ( فَإِنْ سَبَقَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( الْأَجْنَبِيَّةُ ) تَارِيخًا بِأَنْ قَالَتْ : أَعْتَقَ سَالِمًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ ، أَوْ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي ثَانِيهِ ( فَكَذَّبَتْهَا الْوَارِثَةُ ) بِأَنْ قَالَتْ : مَا أَعْتَقَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ إلَّا غَانِمًا عَتَقَ الْعَبْدَانِ .
أَمَّا سَالِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ السَّابِقُ ، وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَحْدَهُ لِسَبْقِ عِتْقِهِ ، ( أَوْ سَبَقَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( الْوَارِثَةُ ) الْبَيِّنَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ ، ( وَهِيَ ) أَيْ الْوَارِثَةُ ( فَاسِقَةٌ عَتَقَا ) ، أَمَّا غَانِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِسَبْقِ عِتْقِهِ ، وَأَمَّا سَالِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَحْدَهُ ، ( وَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا ) أَيْ الْعَبْدَيْنِ عَتَقَا بِأَنْ اتَّفَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَسْبَقَهُمَا عِتْقًا ( عَتَقَ وَاحِدٌ ) مِنْهُمَا ( بِقُرْعَةٍ ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، ( وَإِنْ قَالَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( الْوَارِثَةُ : مَا أَعْتَقَ إلَّا غَانِمًا ) طَعْنًا فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ ( عَتَقَ ) غَانِمٌ ( كُلُّهُ ) لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِعِتْقِهِ .
( وَحُكْمُ سَالِمٍ إذَنْ كَحُكْمِهِ لَوْ لَمْ تَطْعَنْ ) الْوَرَثَةُ ( فِي بَيِّنَةٍ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ إنْ تَقَدَّمَ ) تَارِيخُ ( عِتْقِهِ أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ) لِعَدَمِ قَبُولِ طَعْنِ الْوَارِثَةِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ مُثْبِتَةٌ ، وَالْوَارِثَةَ نَافِيَةٌ ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي ، ( وَإِنْ كَانَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً وَلَمْ تَطْعَنْ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ عَتَقَ ) سَالِمٌ ( كُلُّهُ ) لِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِعِتْقِهِ ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُمَا ، ( وَيُنْظَرُ فِي غَانِمٍ فَمَعَ
سَبْقِ ) تَارِيخِ ( عِتْقٍ أَوْ ) مَعَ ( خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ ) لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ دُونَ غَيْرِهِ ، ( وَمَعَ تَأَخُّرِهِ ) أَيْ عِتْقِ غَانِمٍ ( أَوْ خُرُوجِهَا ) أَيْ الْقُرْعَةِ ( لِسَالِمٍ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ ) أَيْ غَانِمٍ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَوْ كَانَتْ عَادِلَةً لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إذَنْ شَيْءٌ فَأَوْلَى إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً ، ( وَإِنْ كَذَّبَتْ ) الْوَارِثَةُ ( بَيِّنَةَ سَالِمٍ ) الْأَجْنَبِيَّةَ ( عَتَقَا ) ؛ لِأَنَّ سَالِمًا مَشْهُودٌ بِعِتْقِهِ وَغَانِمًا مُقَرٌّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ سَوَاءٌ ، ( وَتَدْبِيرُ ) رَقِيقٍ ( مَعَ تَنْجِيزِ ) عِتْقِ آخَرَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ( كَآخَرَ تَنْجِيزَيْنِ مَعَ أَسْبَقِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ ، فَوَجَبَ تَأَخُّرُهُ عَنْ الْمُنَجَّزِ فِي الْحَيَاةِ .
فَصْلٌ .
وَمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَادَّعَى كُلٌّ .
مِنْ الِابْنَيْنِ ( أَنَّهُ ) أَيْ أَبَاهُ ( مَاتَ عَلَى دِينِهِ ، فَإِنَّ عُرِفَ أَصْلُهُ ) مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ ( قُبِلَ قَوْلُ مُدَّعِيهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ ، ( وَإِلَّا ) يُعْرَفُ أَصْلُ دِينِهِ ( فَمِيرَاثُهُ لِلْكَافِرِ إنْ اعْتَرَفَ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ أَوْ ثَبَتَتْ ) أُخُوَّتُهُ لَهُ ( بَيِّنَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِاعْتِرَافِهِ بِكُفْرِ أَبِيهِ فِيمَا مَضَى وَادِّعَائِهِ إسْلَامَهُ ، فَجُعِلَ أَصْلَ دِينِهِ الْكُفْرَ ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) يَعْتَرِفُ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ وَلَا ثَبَتَتْ بَيِّنَتُهُ ( فَ ) مِيرَاثُهُ ( بَيْنَهُمَا ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ وَالدَّعْوَى ، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِأَيْدِيهِمَا ، ( وَإِنْ جُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ وَأَقَامَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ تَسَاقَطَتَا ) وَتَنَاصَفَا التَّرِكَةَ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ( وَإِنْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ تَعْرِفُهُ مُسْلِمًا ، وَ ) قَالَتْ بَيِّنَةٌ ( أُخْرَى تَعْرِفُهُ كَافِرًا وَلَمْ يُؤَرِّخَا ) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ مَعْرِفَتَهُمَا لَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُودِ بِهِ ، ( وَجُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِ ) لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ إذْ الْإِسْلَامُ يَطْرَأُ عَلَى الْكُفْرِ وَعَكْسِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ .
( وَتُقَدَّمُ ) الْبَيِّنَةُ ( النَّاقِلَةُ إذَا عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ فِيهِنَّ ) ؛ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا لَمْ تَعْلَمْهُ الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِره ( وَلَوْ شَهِدَتْ ) بَيِّنَةٌ ( أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَ ) شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ( أُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ تَسَاقَطَتَا ) سَوَاءٌ ( عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَرَّخَتَا وَقْتًا وَاحِدًا هُوَ سَاعَةُ مَوْتِهِ فَتَعَارَضَتَا ، ( وَكَذَا ) أَيْ كَمَنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا ، فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ
مَاتَ عَلَى دِينِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ( إنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ ) خَلَّفَ ( أَخًا وَزَوْجَةً مُسْلِمَيْنِ وَابْنًا كَافِرًا ) ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ ثُبُوتِ دَعْوَاهُمْ وَرَثَةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُمْ وَدَعْوَى الِابْنِ .
قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَا تَقَدَّمَ : إنَّ الْمُسْلِمَ إنْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ حُكِمَ بِهِ لِلْكَافِرِ ، فَلَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ وَالْأَخُ الْمُسْلِمَانِ بِكَوْنِ الْكَافِرِ ابْنًا لِلْمَيِّتِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ ، لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ ، فَبَقَاؤُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِهِ لِلْكَافِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ .
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَعَلَى كُلٍّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ .
وَفِي الْفُرُوعِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لَهُ مَعَ الِاشْتِبَاه .
قَالَ الْقَاضِي : وَيُدْفَنُ مَعَنَا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَيُدْفَنُ وَحْدَهُ ( وَمَتَى نَصَّفْنَا الْمَالَ ) الْمُخَلَّفَ عَنْ الْمُخْتَلَفِ فِي دِينِهِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي ( فَنِصْفُهُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ) لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ وَبَاقِيهِ لِلْأَبِ وَلِلِابْنَيْنِ نِصْفُهُ ، ( وَ ) مَتَى نَصَّفْنَاهُ فِي الْمِثَالِ الثَّالِث فَ ( نِصْفُهُ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَخِ عَلَى أَرْبَعَةٍ ) رُبْعُهُ لِلزَّوْجَةِ وَبَاقِيهِ لِلْأَخِ
( وَمَنْ ) أَسْلَمَ وَ ( ادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَى مَوْتِ مُورِثِهِ الْمُسْلِمِ أَوْ ) ادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ ( عَلَى قَسْمِ تَرِكَتِهِ ) أَيْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ ( قُبِلَ ) ذَلِكَ مِنْهُ ( بِبَيِّنَةٍ ) تَشْهَدُ لَهُ ( أَوْ تَصْدِيقِ وَارِثٍ ) مَعَهُ لِدَعْوَاهُ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى كُفْرِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، ( وَإِنْ قَالَ ) مَنْ كَانَ كَافِرًا : ( أَسْلَمْتُ فِي مُحَرَّمٍ وَمَاتَ ) مُورِثِي ( فِي صَفَرٍ وَقَالَ الْوَارِثُ ) غَيْرَهُ ( مَاتَ ) مُورِثُنَا ( قَبْلَ مُحَرَّمٍ وَرِثَ ) ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمُحَرَّمِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَوْتِ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ؟ .
وَالْأَصْلُ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي تَأَخُّرِ الْمَوْتِ
( وَلَوْ خَلَّفَ حُرٌّ ابْنًا حُرًّا وَابْنًا كَانَ قِنًّا فَادَّعَى ) الَّذِي كَانَ قِنًّا ( أَنَّهُ عَتَقَ وَأَبُوهُ حَيٌّ ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ) بِدَعْوَاهُ ( صُدِّقَ أَخُوهُ فِي عَدَمِ ذَلِكَ ) أَيْ الْعِتْقِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ ، ( وَإِنْ ثَبَتَ عِتْقُهُ بِرَمَضَانَ فَقَالَ الْحُرُّ : مَاتَ أَبِي فِي شَعْبَانَ وَقَالَ الْعَتِيقُ : بَلْ فِي شَوَّالٍ صُدِّقَ الْعَتِيقُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ إلَى شَوَّالٍ ، ( وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّ مَعَ التَّعَارُضِ ) بِأَنْ أَقَامَ الْعَتِيقُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مَاتَ بِشَوَّالٍ وَأَقَامَ الْحُرُّ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِشَعْبَانَ ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَةِ الْحُرِّ زِيَادَةَ عِلْمٍ
( وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلٍ فَشَهِدَا ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا ( عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ) الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا ( بِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ ( فَصَدَّقَ الْوَلِيُّ ) أَيْ : مُسْتَحِقُّ الدَّمِ الشَّاهِدَيْنِ ( الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا ( حُكِمَ لَهُ بِهِمَا ) أَيْ بِالشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِرُجْحَانِهِمَا بِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ لَهُ ، ( وَإِلَّا ) بِأَنْ صَدَّقَ الْجَمِيعُ أَوْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعُ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ ، ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) لِسُقُوطِ شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا ؛ لِاتِّهَامِهِمَا بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِذَلِكَ .
وَتَصْدِيقُ الْوَلِيِّ لَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ بِأَنْ قَالَ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا الْقَتْلَ بِالشَّهَادَةِ ، فَلَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ ، ( وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِ ثَوْبٍ وَقَالَتْ : قِيمَتُهُ عِشْرُونَ وَ ) شَهِدَتْ ( أُخْرَى ) أَنَّ قِيمَتَهُ ( ثَلَاثُونَ ثَبَتَ الْأَقَلُّ ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ دُونَ الزَّائِدِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ .
( وَكَذَا لَوْ كَانَ بِكُلِّ قِيمَةٍ شَاهِدٌ ) وَاحِدٌ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ لِمَا تَقَدَّمَ ، ( وَ ) الْعَيْنُ ( الْقَائِمَةُ كَعَيْنِ الْيَتِيمِ يُرِيدُ الْوَصِيُّ بَيْعَهَا أَوْ ) يُرِيدُ ( إجَارَتَهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهَا ) عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا ( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي ( أُجْرَةٍ مِثْلِهَا ) عِنْدَ إرَادَةِ إجَارَتِهَا ، ( أُخِذَ ) أَيْ عُمِلَ ( بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ ) مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ ، ( فَإِنَّ احْتَمَلَ مَا شَهِدَتْ بِهِ أَخَذَ بَيِّنَةَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَجَّرَ حِصَّةَ مُوَلِّيهِ ) أَيْ مَحْجُورِهِ ( بِأُجْرَةٍ مِثْلِهَا ، وَ ) شَهِدَتْ ( بَيِّنَةٌ ) أُخْرَى أَنَّهُ أَجَّرَهَا ( بِنِصْفِهَا ) أَيْ نِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا فَيُؤْخَذُ بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ فَإِنْ اُحْتُمِلَ فَبَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ .
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ ( وَاحِدُهَا شَهَادَةٌ ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَشَاهِدِ لِإِخْبَارِ الشَّاهِدِ عَمَّا يُشَاهِدُهُ يُقَالُ : شَهِدَ الشَّيْءَ إذَا رَآهُ ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَحْضَرِ النَّاسِ مَشْهَدٌ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِيهِ مَا يَحْضُرُونَهُ وقَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } أَيْ عَلِمَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالَهُ أَوْ إخْبَارِ مَنْ رَآهُ وَنَحْوَهُ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَوْلِهِ { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } ، وَلِحَدِيثِ " { شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ } " وَتَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ ، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ قَالَ شُرَيْحٌ : الْقَضَاءُ جَمْرٌ فَنَحِّهِ عَنْكَ بِعُودَيْنِ يَعْنِي الشَّاهِدَيْنِ ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ دَاءٌ وَالشُّهُودُ شِفَاءٌ فَأَفْرِغْ الشِّفَاءَ عَلَى الدَّاءِ ، ( وَهِيَ ) أَيْ الشَّهَادَةُ لَهُ ( حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( تُظْهِرُ الْحَقَّ ) الْمُدَّعَى بِهِ أَيْ تُبَيِّنُهُ ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بَيِّنَةً ( وَلَا تُوجِبُهُ ) أَيْ الْحَقَّ بَلْ الْحَاكِمُ يُلْزِمُهُ بِهِ بِشَرْطِهِ ، ( فَهِيَ ) أَيْ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ ( الْإِخْبَارُ بِمَا عَلِمَهُ ) الشَّاهِدُ ( بِلَفْظٍ خَاصٍّ ) كَشَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ وَيَأْتِي
( تَحَمُّلُ ) الشَّهَادَةِ عَلَى ( الْمَشْهُودِ بِهِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ) لَا مَا كَانَ حَقَّ الْآدَمِيِّ كَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ كَحَدِّ قَذْفٍ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَبْدًا ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ : الْمُرَادُ بِهِ التَّحَمُّلُ لِلشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَالْعُقُودِ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى امْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ تَحَمُّلِهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ ، ( وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَعَلَى الْأَدَاءِ ) فَيَكُونُ الْأَدَاءُ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ قَدَّمَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ .
وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وَخَصَّ الْقَلْبَ بِالْإِثْمِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ بِهَا
( وَيَجِبَانِ ) أَيْ التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ ( إذَا دُعِيَ ) إلَيْهِمَا ( أَهْلٌ لَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ لَا يَحْصُلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ( بِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ ) عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يُخَافُ تَعَدِّيهِ نَقَلَ مِنْهَا أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ ، ( وَقَدَرَ ) عَلَى التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ ( بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ ) ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى التَّبَذُّلِ فِي التَّزْكِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِقَوْلِهِ : { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } " وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَالَ أَحْمَدُ : كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا لَا أَشْهَدُ .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ وَوُزَرَاءُ فَسَقَةٌ وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ كَاتِبًا وَلَا عَرِّيفًا وَلَا شُرْطِيًّا } "
( فَلَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ ) الشَّهَادَةَ ( وَقَالَ ) لِلْمَشْهُودِ لَهُ : ( احْلِفْ بِهِ لِي أَثِمَ ) اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ ، وَيَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ
( وَلَا يُقِيمُهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُهُ بِهِ ، ( وَمَتَى وَجَبَتْ ) الشَّهَادَةُ ( وَجَبَتْ كِتَابَتُهَا عَلَى مَنْ وَجَبَتْ ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْسَاهَا
( وَإِنْ دُعِيَ فَاسِقٌ لِتَحَمُّلِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ ( فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ ) ، إذْ التَّحَمُّلُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ ( وَلَا يَحْرُمُ أَدَاؤُهُ ) أَيْ الْفَاسِقِ الشَّهَادَةَ ، ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِسْقُهُ ظَاهِرًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ .
وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ
( وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ ) عَلَى شَهَادَةٍ ( وَ ) أَخْذُ ( جُعْلٍ عَلَيْهَا ، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ .
وَمَنْ قَامَ بِهِ فَقَدْ قَامَ بِفَرْضٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَلَا الْجُعْلِ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، ( لَكِنْ إنْ عَجَزَ ) الشَّاهِدُ ( عَنْ الْمَشْيِ ) إلَى مَحَلِّهَا ( أَوْ تَأَذَّى بِهِ ) أَيْ الْمَشْيِ ( فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ مَرْكُوبٍ ) مِنْ رَبِّ الشَّهَادَةِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : فَأُجْرَةُ مَرْكُوبٍ وَالنَّفَقَةُ عَلَى رَبِّهَا ، ثُمَّ قَالَ : قُلْت هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ خَفَرٍ ، وَقَالَ أَيْضًا : وَكَذَا حُكْمُ مُزَكٍّ وَمُعَرِّفٍ وَمُتَرْجِمٍ وَمُفْتٍ وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَحَافِظِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مُحْتَسِبِ الْخَلِيفَةِ انْتَهَى .
لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي تَفْصِيلُ
( وَ ) يُبَاحُ ( لِمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَدٍّ لِلَّهِ ) تَعَالَى كَزِنًى وَشُرْبِ خَمْرٍ ( إقَامَتُهَا وَتَرْكُهَا ) ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهَا عَلَى أَحَدٍ ، وَالسَّتْرُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ ، وَشَدَّدَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ مَا لَمْ يُشَدِّدْ عَلَى غَيْرِهِمْ طَلَبًا لِلسَّتْرِ ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْفَرَجِ وَالشَّيْخُ وَالتَّرْغِيبُ تَرْكَهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ .
وَفِي آخِرِ الرِّعَايَةِ وُجُوبُ الْإِغْضَاءِ عَمَّنْ سَتَرَ الْمَعْصِيَةَ ، ( وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ ) أَيْ الشُّهُودِ ( بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ ( كَتَعْرِيضِهِ لِمُقِرٍّ ) بِحَدِّ لَلَهُ ( لِيَرْجِعَ ) عَنْ إقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا وَجَاءَ زِيَادٌ لِيَشْهَدَ عَرَّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ وَقَالَ : " مَا عِنْدَكَ يَا سَلْحَ الْعُقَابِ " وَصَاحَ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَقَالَ : رَأَيْتُ أَمْرًا قَبِيحًا فَرِحَ عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّارِقِ : " { مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ مَرَّتَيْنِ } وَأَعْرَضَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا
( وَتُقْبَلُ ) الشَّهَادَةُ ( بِحَدٍّ قَدِيمٍ ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ انْتَهَى .
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْقَبُولُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ انْتَهَى .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ فَجَازَتْ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ حِينَهَا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ
( وَمَنْ قَالَ ) لِرَجُلَيْنِ ( اُحْضُرَا لِتَسْمَعَا قَذْفَ زَيْدٍ لِي لَزِمَهُمَا ) ذَلِكَ ، وَإِنْ دَعَا زَوْجٌ أَرْبَعَةً لِتَحَمُّلِهَا بِزِنَا امْرَأَتِهِ جَازَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ } الْآيَةَ ( وَمَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ ) رَبُّ الشَّهَادَةِ إقَامَتَهَا ، { وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ؛ وَلِأَنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِرِضَاهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ، ( وَإِلَّا ) يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا ( اُسْتُحِبَّ ) لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ ( إعْلَامُهُ ) أَيْ رَبِّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَهَادَةً ( قَبْلَ إقَامَتِهَا ) ، وَلَهُ إقَامَتُهَا قَبْلَ إعْلَامِهِ لِحَدِيثِ : " { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ رَبُّ الشَّهَادَةِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا .
( وَيَحْرُمُ ) عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ آدَمِيٍّ لَا يَعْلَمُهَا ( كَتْمُهَا ) لِلْآيَةِ ( فَيُقِيمُهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( بِطَلَبِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ ، ( وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا حَاكِمٌ ) مِنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ ، ( وَلَا يَقْدَحُ ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِلَا طَلَبِ حَاكِمٍ وَبِلَا طَلَبِ مَشْهُودٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ( فِيهِ كَشَهَادَةِ حِسْبَةً ) بِحَقٍّ لَلَهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى
( وَيَجِبُ إشْهَادُ ) اثْنَيْنِ ( عَلَى نِكَاحٍ ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا وَتَقَدَّمَ ( وَيُسَنُّ ) الْإِشْهَادُ ( فِي كُلِّ عَقْدٍ سِوَاهُ ) مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } ، وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ .
}
( وَيَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدَ ) أَحَدٌ ( إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا وَهُوَ يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ عَنْ بَصِيرَةٍ وَإِيقَانٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشَّهَادَةِ ؟ فَقَالَ { تَرَى الشَّمْسَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ } رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ ، وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ لَا فِي دَوَامِهِ ، وَلِذَلِكَ يُشْهَدُ بِالدَّيْنِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِ الْمَدِينِ لَهُ وَبِالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ وَنَحْوِهَا .
أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ .
فَمُدْرِكُ الْعِلْمِ الَّذِي تَقَعُ بِهِ الشَّهَادَاتُ يَكُونُ ( بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ غَالِبًا لِجَوَازِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ ( بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ ) كَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ ( قَلِيلًا ) كَدَعْوَى مُشْتَرٍ مَأْكُولًا عَيَّبَهُ لِمَرَارَتِهِ وَنَحْوِهَا ، فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ ، ( فَإِنَّ ) تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ ، وَإِنْ ( جَهِلَ ) الشَّاهِدُ ( حَاضِرًا ) أَيْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ ( جَازَ أَنْ يَشْهَدَ ) عَلَيْهِ ( فِي حَضْرَتِهِ ) فَقَطْ ( لِمَعْرِفَتِهِ عَيْنَهُ ) نَصًّا ، ( وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَ ) لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَعْرِفَ اسْمَهُ ، فَإِنْ عَرَفَهُ أَيْ الشَّاهِدُ ( بِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( مَنْ يَسْكُنُ ) أَيْ يَطْمَئِنُّ الشَّاهِدُ ( إلَيْهِ ) وَلَوْ وَاحِدًا ، ( جَازَ ) لَهُ ( أَنْ يَشْهَدَ ) عَلَيْهِ ، ( وَلَوْ عَلَى امْرَأَةٍ ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ ، ( وَلَا تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ ) أَيْ الشَّاهِدِ حَالَ الشَّهَادَةِ ( إلَى ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ ( حَاضِرٍ مَعَ ) ذِكْرِ ( نَسَبِهِ وَوَصْفِهِ ) اكْتِفَاءً بِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ ، ( وَإِنْ شَهِدَ ) شَاهِدٌ ( بِإِقْرَارٍ بِحَقٍّ لَمْ يُعْتَبَرْ ) لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ ( ذِكْرُ سَبَبِهِ ) أَيْ الْحَقِّ
أَوْ الْإِقْرَارِ ( ك ) مَا لَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ ذِكْرُ ( اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ ) بِأَنْ يَقُولَ : أُقِرُّ لَهُ بِكَذَا وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَهُ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ ، ( وَلَا يُعْتَبَرُ ) لِلشَّهَادَةِ بِالْإِقْرَارِ ( قَوْلُهُ ) أَيْ الشَّاهِدِ أُقِرُّ ( طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ) أَيْ ظَاهِرِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِتِلْكَ الْحَالِ
( وَإِنْ شَهِدَ ) شَاهِدٌ ( بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْحَقَّ ) كَتَفْرِيطٍ فِي أَمَانَةٍ ( أَوْ ) شَهِدَ بِ ( اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ ) كَقَوْلِهِ : أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا يَسْتَحِقُّ بِذِمَّةِ عَمْرو كَذَا ( ذِكْرُهُ ) أَيْ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا ، ( وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَرَضَاعٍ وَوِلَادَةٍ ) وَعُيُوبٍ مَرْئِيَّةٍ فِي نَحْوِ مَبِيعٍ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ قَطْعًا فَلَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ ، ( وَالسَّمَاعُ ضَرْبَانِ .
) الْأَوَّلُ : ( سَمَاعٌ مِنْ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَعَقْدٍ ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَإِقْرَارٌ ) بِمَالٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَوَدٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( وَحُكْمُ حَاكِمٍ وَإِنْفَاذُهُ ) حُكْمَ غَيْرِهِ ، فَإِذَا سَمِعَ إنْسَانٌ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَعَرَفَ الْقَائِلَ يَقِينًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ( فَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الشَّخْصَ ( الشَّهَادَةُ بِمَا سَمِعَ ) مِنْ قَائِلٍ عَرَفَهُ يَقِينًا ، كَمَا فِي الْكَافِي ( سَوَاءٌ وَقَّتَ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ ) بِأَنْ قَالَ : حَكَمْتُ بِكَذَا فِي زَمَنِ كَذَا ، أَوْ لَمْ يُؤَقِّتْهُ ، ( أَوْ اسْتَشْهَدَهُ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ ) ، أَوْ لَمْ يَسْتَشْهِدْهُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ الْغَصْبِ وَسَائِرُ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُدْوَانَ ، فَإِنَّ فَاعِلَهَا لَا يَشْهَدُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ ، ( أَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مُسْتَخْفِيًا حِينَ تَحَمُّلِهِ ) الشَّهَادَةَ ( أَوْ لَا ) ، فَمَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ يُنْكِرُهُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَسَمِعَ إقْرَارَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ الْمُقِرُّ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِسَمَاعِهِ الْمُقِرَّ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَشْهُودِ بِهِ كَمَا لَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْفَاعِلَ أَنَّ أَحَدًا رَآهُ .
( وَ ) الثَّانِي : ( سَمَاعٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ ) بِأَنْ يَشْتَهِرَ الْمَشْهُودُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَيَتَسَامَعُونَ بِهِ بِإِخْبَارِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَّا ( فِيمَا
يُتَعَذَّرُ عِلْمُهُ غَالِبًا بِدُونِهَا ) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ ( كَنَسَبٍ ) إجْمَاعًا وَإِلَّا لَاسْتَحَالَتْ مَعْرِفَتُهُ بِهِ ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ فِيهِ ، وَكَوِلَادَةٍ ( وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ ) ، إذْ الْوِلَادَةُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهَا إلَّا الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ ، وَالْمَوْتُ قَدْ لَا يُبَاشِرُهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَيَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ ، وَالْمِلْكُ قَدْ يَتَقَادَمُ سَبَبُهُ فَتُوقَفُ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ يُؤَدِّي إلَى الْعُسْرِ خُصُوصًا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ ، وَخَرَجَ بِالْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ : مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ ، فَلَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ .
( وَ ) كَ ( عِتْقٍ ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا عَتِيقُ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ( وَ ) كَ ( وَلَاءٍ وَوِلَايَةٍ وَعَزْلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا آحَادُ النَّاسِ ، وَلَكِنَّ انْتِشَارَهُ فِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهُ عِنْدَ الشَّاهِدِ ، بَلْ رُبَمَا قَطَعَ بِهِ لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، ( وَ ) كَ ( نِكَاحٍ ) عَقْدًا وَدَوَامًا ( وَخُلْعٍ وَطَلَاقٍ ) نَصًّا فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَشِيعُ وَيَشْتَهِرُ غَالِبًا ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ ، ( وَ ) كَ ( وَقْفٍ ) بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ هَذَا وَقْفُ زَيْدٍ لَا أَنَّهُ أَوْقَفَهُ ، ( وَ ) كَ ( مَصْرِفِهِ ) أَيْ الْوَقْفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ : الْخِرَقِيِّ : وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَتَعَذَّرُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا غَالِبًا بِمُشَاهَدَتِهَا وَمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا أَشْبَهَتْ النَّسَبَ ، وَكَوْنُهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِمُشَاهَدَةِ سَبَبِهِ لَا يُنَافِي التَّعَذُّرَ غَالِبًا ، .
( وَ ) يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ ( يَشْهَدَ بِاسْتِفَاضَةٍ إلَّا ) إنْ سَمِعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ ( عَنْ عَدَدٍ يَقَعُ بِهِمْ ) أَيْ : بِخَبَرِهِمْ ( الْعِلْمُ ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاسْتِفَاضَةِ
مَأْخُوذٌ مِنْ فَيْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَدُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } .
( وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يُعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ ، وَمَنْ قَالَ شَهِدْتُ بِهَا ) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ ( فَفَرْعٌ ) ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ ، .
وَفِي الْمُغْنِي شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ يَعْنِي الشُّهُودَ اسْتِفَاضَةً لَا شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ ، فَيُكْتَفَى بِمَنْ شَهِدَ بِهَا كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ ، وَفِي التَّرْغِيبِ لَيْسَ فِيهَا فَرْعٌ ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ ، وَأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَهِيَ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ ، وَكَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَيُحْكَمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ اسْتِفَاضَةٍ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ
( وَمَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ وَنَحْوِهِمَا ، فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ) جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ لِتَوَافُقِ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ، ( أَوْ سَكَتَ ) الْمُقَرُّ لَهُ ( جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَسَكَتَ لَحِقَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الِانْتِسَابِ الْبَاطِلِ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ ، وَ ( لَا ) يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالنَّسَبِ ( إنْ كَذَّبَهُ ) الْمُقَرُّ لَهُ لَبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالتَّكْذِيبِ ، ( وَإِنْ قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ ) لِمَنْ حَضَرَهُمَا : ( لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ ) عَلَيْهِمَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا ، ( وَ ) لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ ( لُزُومَ إقَامَتِهَا ) ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَهُ ، وَلَا أَثَرَ لِمَنْعِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَقَالَ لِمَنْ يَرَاهُ : لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ
( وَمَنْ رَأَى شَيْئًا بِيَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً ) كَ ( تَصَرُّفِ ) مَالِكٍ مِنْ نَقْضٍ وَبِنَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِلَا مُنَازِعٍ دَلِيلُ صِحَّةِ الْمِلْكِ ( كَمُعَايَنَةِ السَّبَبِ ) أَيْ سَبَبِ الْمِلْكِ ( مِنْ بَيْعٍ وَإِرْثٍ ) ، وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْبَائِعِ وَالْمَوْرُوثِ لَيْسَ مَالِكًا ، ( وَإِلَّا ) يَرَهُ يَتَصَرَّفُ كَمَا ذَكَرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةَ ، ( فَ ) إنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ ( لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا ) .
فَصْلٌ .
وَمَنْ شَهِدَ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( اُعْتُبِرَ ) لِصِحَّةِ شَهَادَتِهِ بِهِ ( ذِكْرُ شُرُوطِهِ ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا ، فَرُبَمَا اعْتَقَدَ الشَّاهِدُ صِحَّةَ مَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقَاضِي ، ( فَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحٍ ) شَهِدَا بِهِ ( أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً ) ، وَذِكْرُ ( بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ ) كَوُقُوعِهِ بِوَلِيٍّ رَشِيدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ حَالَ خُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ ، ( وَ ) يُعْتَبَرُ ( فِي ) شَهَادَةٍ بِ ( رَضَاعٍ ) ذِكْرُ شَاهِدَيْهِ ( عَدَدَ الرَّضْعَاتِ وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ ) لِلِاخْتِلَافِ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُ فِي الْحَوْلَيْنِ ، فَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَكْفِ ، ( وَ ) يُعْتَبَرُ ( فِي ) شَهَادَةٍ بِ ( قَتْلٍ ذُكِرَ الْقَاتِلِ وَأَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ ) فَقَتَلَهُ ( أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ ، أَوْ ) شَهِدَ أَنَّهُ ( مَاتَ مِنْ ذَلِكَ ) الْجُرْحِ ، ( وَلَا يَكْفِي ) أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ ( جَرَحَهُ فَمَاتَ ) لِجَوَازِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ جُرْحِهِ ، .
( وَ ) يُعْتَبَرُ ( فِي ) شَهَادَةٍ بِ ( زِنًى ذِكْرُ مَزْنِيٍّ بِهَا ، وَأَيْنَ ) أَيْ : فِي أَيِّ مَكَانَ ؟ ( وَكَيْفَ ) زَنَى بِهَا مِنْ كَوْنِهِمَا نَائِمَيْنِ أَوْ جَالِسَيْنِ أَوْ قَائِمَيْنِ ؟ ( وَفِي أَيِّ وَقْتٍ ) زَنَى بِهَا ؟ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ غَيْرُهُ ، فَلَا تُلَفَّقُ ، ( وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا ) لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًا زِنًا ، وَيُقَالُ : زَنَتْ الْعَيْنُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) يُعْتَبَرُ ( فِي ) شَهَادَةٍ بِ ( سَرِقَةٍ ذِكْرُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ .
وَ ) ذِكْرُ ( نِصَابٍ وَ ) ذِكْرُ ( حِرْزٍ وَ ) ذِكْرُ ( صِفَتِهَا ) أَيْ السَّرِقَةِ كَقَوْلِهِ : خَلَعَ الْبَابَ لَيْلًا وَأَخَذَ الْغَرْسَ أَوْ أَزَالَ رَأْسَهُ عَنْ رِدَائِهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِمَحَلِّ كَذَا وَأَخَذَهُ وَنَحْوِهِ ؛ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ السَّرِقَةِ ، وَلِتَمَيُّزِ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ عَنْ غَيْرِهَا
، .
( وَ ) يُعْتَبَرُ ( فِي ) شَهَادَةٍ بِ ( قَذْفٍ ذِكْرُ مَقْذُوفٍ ) لِيُعْلَمَ هَلْ يَجِبُ بِقَذْفِهِ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ ، ( وَ ) ذِكْرُ ( صِفَةِ قَذْفٍ ) كَقَوْلِهِ : قَالَ لَهُ : يَا زَانِي أَوْ يَا عَاهِرُ ؛ لِيُعْلَمَ هَلْ الصِّيغَةُ صَرِيحٌ فِيهِ أَوْ كِنَايَةٌ ، .
( وَ ) يُعْتَبَرُ ( فِي ) شَهَادَةٍ بِ ( إكْرَاهٍ ) عَلَى فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يُؤَاخَذُ بِهِ لَوْ كَانَ طَائِعًا ذِكْرُ ( أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَوْ هَدَّدَهُ ) عَلَيْهِ ، ( وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ ) لِلْمَشْهُودِ ( لَهُ بِهِ ) لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا ( حَتَّى يَقُولَا ) ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ ( فِي مِلْكِهِ ) ، وَكَذَا ثَمَرَةُ شَجَرَتِهِ ، فَإِذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ أَوْ أَثْمَرَتْهُ فِي مِلْكِهِ قُبِلَتْ لِشَهَادَتِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ نَمَاءُ مِلْكِهِ ، وَهُوَ لَهُ مَا لَمْ يَرِدْ سَبَبٌ بِنَقْلِهِ عَنْهُ ؛ وَلِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَتْ : أَقْرَضَهُ أَلْفًا أَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَلْفٍ ، بِخِلَافٍ كَانَ مِلْكُهُ أَمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ ، ( وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ ، أَوْ ) شَهِدَا أَنَّ هَذَا ( الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ ، أَوْ ) شَهِدَا أَنَّ هَذَا ( الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْغَزْلُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الطَّيْرُ مِنْ قُطْنِهِ أَوْ حِنْطَتِهِ أَوْ بَيْضَتِهِ قَبْلَ مِلْكِهِ لِلْقُطْنِ أَوْ الْحِنْطَةِ أَوْ الْبَيْضَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْغَزْلَ هُوَ الْقُطْنُ لَكِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ .
وَكَذَا الدَّقِيقُ وَالطَّيْرُ فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ : هَذَا غَزْلُهُ وَدَقِيقُهُ وَطَيْرُهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ وَالثَّمَرَةُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأُمِّ وَالشَّجَرَةِ ، وَ ( لَا ) يُحْكَمُ بِهِ بِالْبَيْضَةِ ( إنْ شَهِدَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ ) حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهَا بَاضَتْهَا فِي مِلْكِهِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الطَّيْرَةُ بَاضَتْهَا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا ، ( أَوْ ) شَهِدَا ( أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ ) أَوْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ ( مِنْ زَيْدٍ ) حَتَّى يَقُولَا :
وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ، ( أَوْ ) شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا ( وَقَفَهُ ) أَيْ الْعَبْدَ وَنَحْوَهُ ( عَلَيْهِ ، أَوْ ) شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا ( أَعْتَقَهُ ) أَيْ الْقِنَّ لَمْ يُحْكَمْ بِذَلِكَ ( حَتَّى يَقُولَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ : بَاعَ ذَلِكَ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ( وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ) ؛ لِجَوَازِ بَيْعِهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ عِتْقِهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ شَيْءٍ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَ شَخْصٍ وَيَبِيعَهُ إيَّاهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ يَنْتَزِعُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ رَبِّهِ وَيُقَاسِمَ بَائِعَهُ فِيهِ ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمِثْلِهِ
( وَمَنْ ادَّعَى إرْثَ مَيِّتٍ فَشَهِدَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمَانِ وَارِثًا غَيْرَهُ ) وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا سُلِّمَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ عِلْمُهُ فَكَفَى فِيهِ الظَّاهِرُ ، ( أَوْ قَالَا : ) لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ ( فِي هَذَا الْبَلَدِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَلَدِ ، وَقَدْ نَفَيَا الْعِلْمَ بِهِ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُطْلَقِ ( سَوَاءٌ كَانَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَا سُلِّمَ ) الْمَالُ ( إلَيْهِ بِغَيْرِ كَفِيلٍ ) لِثُبُوتِ إرْثِهِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الشَّرِيكِ ، ( وَ ) سُلِّمَ إلَيْهِ الْمَالُ ( بِهِ ) أَيْ الْكَفِيلِ ( إنْ كَانَ شَهِدَا بِإِرْثِهِ ) أَيْ بِأَنَّهُ وَارِثُهُ ( فَقَطْ ) بِأَنْ لَمْ يَقُولَا : وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ .
{ تَتِمَّةٌ } قَالَ الْأَزَجِيُّ : فِيمَنْ ادَّعَى إرْثًا لَا يَحْتَاجُ فِي دَعْوَاهُ إلَى بَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْإِرْثَ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ أَنْ يَرِثَهُ بِالرَّحِمِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِنَا فَإِذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدَتْ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِهِ وَارِثًا حُكِمَ لَهُ بِهِ انْتَهَى ، وَفِيهِ شَيْءٌ ، ( ثُمَّ إنْ شَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَارِثُهُ شَارَكَ الْأَوَّلَ ) فِي إرْثِ الْمَيِّتِ .
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ : إنَّمَا احْتَاجَ إلَى بَيَانٍ لَا وَارِثَ سِوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا ، فَإِنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْلَمُهُ جَارُهُ ، وَمَنْ يَعْلَمُ بَاطِنَ أَمْرِهِ بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ لِخَفَاءِ الدَّيْنِ ؛ وَلِأَنَّ جِهَاتِ الْإِرْثِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا عَنْ يَقِينٍ ، ( وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيٍ مَحْصُورٍ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَ ) مَسْأَلَةِ ( الْإِعْسَارِ وَغَيْرِهِمَا ) ، وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ تُثْبِتُ مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ ، وَنَظِيرُهُ - أَيْ نَظِيرُ نَفْيِ الْمَحْصُورِ -
قَوْلُ الصَّحَابِيِّ { دَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ : فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ .
} قَالَ الْقَاضِي فِي نَحْوِ هَذَا : وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَلِهَذَا تَقُولُ إنَّ مَنْ قَالَ : صَحِبَتْ فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا ، فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ ، ( وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ ابْنُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَ ) شَهِدَ ( آخَرَانِ أَنَّ هَذَا ) الْآخَرَ ( ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ قُسِمَ الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا ) ، وَلَا تَعَارُضَ لِجَوَازِ أَنْ يَعْلَمَ كُلٌّ بَيِّنَةَ مَا لَمْ تَعَلُّمُهُ الْأُخْرَى .
فَصْلٌ وَإِنْ شَهِدَا أَيْ الْعَدْلَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ مِنْ نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا ( أَوْ ) أَنَّهُ ( أَعْتَقَ ) مِنْ أَرِقَّائِهِ رَقَبَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا ( أَوْ ) أَنَّهُ ( أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا لَمْ تُقْبَلْ ) شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا كَقَوْلِهِمَا : إحْدَى هَاتَيْنِ الْأَمَتَيْنِ عَتِيقَةٌ
( وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْعَدْلَيْنِ عَلَى زَيْدٍ ( بِغَصْبِ ثَوْبٍ أَحْمَرَ وَ ) شَهِدَ ( الْآخَرُ بِغَصْبِ ) ثَوْبٍ ( أَبْيَضَ أَوْ ) شَهِدَ ( أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ ) الثَّوْبَ ( الْيَوْمَ وَ ) شَهِدَ ( الْآخَرُ أَنَّهُ ) غَصَبَهُ ( أَمْسِ لَمْ تَكْمُلْ ) الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ ، ( وَلِهَذَا كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى فِعْلٍ مُتَّحِدٍ فِي نَفْسِهِ كَقَتْلِ زَيْدٍ ) ، إذْ لَا يَكُونُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ( أَوْ ) عَلَى فِعْلٍ مُتَّحِدٍ ( بِاتِّفَاقِهِمَا ) أَيْ : الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَالْغَصْبِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ ، وَ ( كَسَرِقَةٍ ) وَنَحْوِهَا ( إذَا اخْتَلَفَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( فِي وَقْتِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( أَوْ مَكَانِهِ أَوْ صِفَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ بِهِ ( كَلَوْنِهِ وَآلَةِ قَتْلٍ ) وَنَحْوِهِ ( مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ ) فَلَا تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ لِلتَّنَافِي ، وَكُلٌّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يُكَذِّبُ الْآخَرَ فَيَتَعَارَضَانِ وَيَسْقُطَانِ ، ( وَإِنْ أَمْكَنَ تَعَدُّدُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ، ( وَلَمْ يُشْهَدْ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْفِعْلَ ( مُتَّحِدٌ ) ، وَلَمْ يَقُلْ الْمَشْهُودُ لَهُ إنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ ( فَبِكُلِّ شَيْءٍ شَاهِدٌ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ ) ، فَإِنْ ادَّعَى الْفِعْلَيْنِ وَأَقَامَ أَيْضًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يَمِينًا ثَبَتَا ، ( وَلَا تَنَافِيَ ) بَيْنَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ ؛ لِتَغَايُرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
( وَلَوْ كَانَ بَدَلُهُ ) أَيْ كُلُّ شَاهِدٍ مِنْهُمَا ( بَيِّنَةً ثَبَتَا ) أَيْ الْفِعْلَانِ ( هُنَا ) أَيْ : فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ غَيْرَ مُتَّحِدٍ لَا فِي نَفْسِهِ وَلَا بِاتِّفَاقِهِمَا ، لِتَمَامِ نِصَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَدَمِ التَّنَافِي ( إنْ ادَّعَاهُمَا ) أَيْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ لَهُ الْفِعْلَيْنِ ، ( وَإِلَّا ) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدَهُمَا فَقَطْ ثَبَتَ ( مَا ادَّعَاهُ ) دُونَ الْآخَرِ ، ( وَتَسَاقَطَتَا
فِي الْأُولَى ) أَيْ : مَسْأَلَةِ اتِّحَادِ الْفِعْلِ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمَا ، ( وَكَفِعْلٍ مِنْ قَوْلِ نِكَاحٍ وَقَذْفٍ فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَقْوَالِ ، فَإِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوْ قَذَفَهُ أَمْسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ الْيَوْمَ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالْقَذْفَ الْوَاقِعَيْنِ أَمْسِ غَيْرُ الْوَاقِعَيْنِ الْيَوْمَ ، فَلَمْ يَبْقَ بِكُلِّ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ إلَّا شَاهِدٌ ، فَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ ؛ وَلِأَنَّ شَرْطَ النِّكَاحِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ لَمْ يَتَحَقَّقْ حُصُولُهُ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قُذِفَ غُدْوَةً أَوْ خَارِجَ الْبَلَدِ أَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ فَلَا حَدَّ ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، ( وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارٍ بِفِعْلٍ ) كَغَصْبٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ ( أَوْ غَيْرِهِ ) كَإِقْرَارٍ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ، ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ ( نِكَاحًا أَوْ قَذْفًا ) كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ بَاعَهُ كَذَا ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ بِمِصْرَ وَنَحْوِهِ جُمِعَتْ وَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهَا ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ وَاحِدٌ .
وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْفِعْلِ ، فَإِنَّهَا عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا هَهُنَا ، ( أَوْ شَهِدَ ) شَاهِدٌ ( وَاحِدٌ بِالْفِعْلِ ، وَ ) شَهِدَ شَاهِدٌ ( آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ ) بِذَلِكَ الْفِعْلِ ، ( جُمِعَتْ ) وَحُكِمَ بِهَا لِعَدَمِ التَّنَافِي ، وَ ( لَا ) تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ
( إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَتْلٍ خَطَأٍ ، وَ ) شَهِدَ ( آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ ) بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ ؛ وَلِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْوُجُوبِ فِي الْقَتْلِ ، ( وَلِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ ( وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ ) لِثُبُوتِ الْقَتْلِ ، ( وَمَتَى حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْفِعْلِ ) أَيْ الْقَتْلِ ( فَ ) الدِّيَةُ ( عَلَى الْعَاقِلَةِ ) لِثُبُوتِ الْقَتْلِ بِيَمِينِهِ ، .
( وَ ) مَتَى حَلَفَ ( مَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ ) بِالْقَتْلِ ( فَ ) الدِّيَةُ ( فِي مَالِ الْقَاتِلِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ اعْتِرَافًا ، وَالْقَتْلُ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ ، ( وَلَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ أَوْ ) شَهِدَا بِ ( الْإِقْرَارِ بِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ ، ( وَزَادَ أَحَدُهُمَا ) فِي شَهَادَتِهِ كَوْنَ الْقَتْلِ ( عَمْدًا ) ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَفِيقُهُ كَوْنَهُ عَمْدًا وَلَا خَطَأً ( ثَبَتَ الْقَتْلُ ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ ( وَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) الْقَتْلَ ( فِي صِفَتِهِ ) أَيْ كَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهَا ، ( وَمَتَى جَمَعْنَا ) شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ ( مَعَ اخْتِلَافِ ) الشَّاهِدَيْنِ فِي ( وَقْتٍ ) ، وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ ( فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ ) أَوْ خُلْعٍ ( فَالْإِرْثُ وَالْعِدَّةُ يَلِيَانِ آخِرَ الْمُدَّتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالزَّوْجِيَّةِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ
( وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَقَرَّ لَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( بِأَلْفٍ أَمْسِ ، وَ ) شَهِدَ ( الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ ) أَيْ الْأَلْفِ ( الْيَوْمَ ) كَمُلَتْ ، ( أَوْ ) شَهِدَ ( أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارِهِ أَمْسِ وَ ) شَهِدَ ( الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا الْيَوْمَ كَمُلَتْ ) الْبَيِّنَةُ وَثَبَتَ الْإِقْرَارُ أَوْ الْبَيْعُ ؛ لِاتِّحَادِ الْأَلْفِ وَالْبَيْعِ الْمَشْهُودِ بِهِمَا ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ سَاقَى أَمْسِ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ الْيَوْمَ ، إذْ الْمَشْهُودُ بِهِ وَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُعَادَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَوْ بَاعَ أَوْ طَلَّقَ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَوْ بَاعَ أَوْ طَلَّقَ بِالْفَارِسِيَّةِ .
( وَكَذَا كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى قَوْلٍ غَيْرِ نِكَاحٍ وَقَذْفٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ
( وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ وَ ) شَهِدَ ( الْآخِرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ ) كَمُلَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَلْفٍ ، ( أَوْ ) شَهِدَ ( أَحَدُهُمَا أَنَّ ) لَهُ ( عَلَيْهِ أَلْفًا ، وَ ) شَهِدَ ( الْآخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ كَمُلَتْ ) الْبَيِّنَةُ ( بِأَلْفٍ ) وَاحِدٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ ، ( وَلَهُ ) أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ ( أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْأَلْفِ الْآخَرِ مَعَ شَاهِدِهِ ) ، وَيَسْتَحِقَّهُ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ السَّبَبُ وَلَا الصِّفَةُ كَمَا يَأْتِي ، ( وَلَوْ شَهِدَا ) لِشَخْصٍ ( بِمِائَةٍ وَ ) شَهِدَ ( آخَرَانِ لَهُ بِعَدَدٍ أَقَلَّ ) مِنْ الْمِائَةِ ، ( دَخَلَ ) الْأَقَلُّ مِنْ الْمِائَةِ فِيهَا ( إلَّا مَعَ مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ ) ، كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِمِائَةٍ قَرْضًا وَآخَرَانِ بِخَمْسِينَ ثَمَنَ مَبِيعٍ ( فَيَلْزَمَانِهِ ) ؛ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا ، ( وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ ) وَأَطْلَقَ ( وَشَهِدَ ) آخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ ( كَمُلَتْ ) شَهَادَتُهُمَا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَ ( لَا ) تَكْمُلُ ( إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ ، وَ ) شَهِدَ ( آخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَسْتَحِقَّهُمَا أَوْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَيَسْتَحِقَّ مَا شَهِدَ بِهِ
( وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَلْفًا ) لِلْمُدَّعِي ( وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ بَعْضَهُ بَطُلَتْ شَهَادَتُهُ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَضَاهُ بَعْضَهُ يُنَاقِضُ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ فَأَفْسَدَهَا ، ( وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ نِصْفَهُ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِقْرَارٌ بِغَلَطِ نَفْسِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : بِأَلْفٍ بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ أَحْمَدُ : وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْضَى الشَّهَادَةَ قَالَ فِي الشَّرْحِ : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا جَاءَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَشَهِدَ بِالْقَضَاءِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ قَدْ وَجَبَ بِشَهَادَتِهِمَا وَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ ، فَأَمَّا إنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي بَاقِي الْأَلْفِ وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِ وَلَا اخْتِلَافَ ، ( وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ ) تَحَمَّلَ شَهَادَةَ بِحَقٍّ وَ ( أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِاقْتِضَاءِ الْحَقِّ أَوْ انْتِقَالِهِ ) بِنَحْوِ حَوَالَةٍ ( أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ) أَيْ بِالْحَقِّ الَّذِي تَحَمَّلَهُ نَصًّا ، وَلَوْ قَضَاهُ نِصْفَهُ ثُمَّ جَحَدَهُ بَقِيَّتَهُ فَقَالَ أَحْمَدُ : يَدَّعِيهِ كُلَّهُ وَتَقُومُ الْبَيِّنَةُ فَتَشْهَدُ عَلَى حَقِّهِ كُلِّهِ ثُمَّ يَقُولُ لِلْحَاكِمِ : قَضَانِي نِصْفَهُ
( وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ ) نَحْوِ ( صَغِيرٍ أَلْفًا ) مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا ، ( وَ ) شَهِدَ ( آخَرَانِ عَلَى ) شَخْصٍ ( آخَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الصَّغِيرِ أَلْفًا ) مِنْ جِنْسِ الْأُولَى ( لَزِمَ وَلِيَّهُ ) أَيْ الصَّغِيرَ ( مُطَالَبَتُهُمَا ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا ( بِأَلْفَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الَّذِي أَخَذَهُ الْآخَرُ ، ( إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَلْفٍ بِعَيْنِهَا ) أَيْ بِأَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ الْآخَرُ ( فَيَطْلُبُهَا ) الْوَلِيُّ ( مِنْ أَيِّهِمَا ) أَيْ الْآخِذَيْنِ ( شَاءَ ) ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا
( وَمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ فَقَالَ ) لَهُمَا ( أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ ) لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِالْخَمْسِمِائَةِ لَهُ ، ( وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُولِ الْحُكْمَ فَوْقَهَا ) أَيْ الْخَمْسِمِائَةِ نَصًّا ؛ لِأَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ نَقْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا شَهِدَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا } ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ لَسَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ
( وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ ) أَيْ مُجْتَمَعٍ ( عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ عَلَى خَطِيبٍ أَنَّهُ قَالَ ) عَلَى الْمِنْبَرِ ( أَوْ فَعَلَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ قُبِلَا ) ، لِكَمَالِ النِّصَابِ ( وَلَا يُعَارِضُهُ ) أَيْ قَبُولَهَا ( قَوْلُ الْأَصْحَابِ إذَا انْفَرَدَ ) شَاهِدٌ ( وَاحِدٌ فِيمَا ) أَيْ نَقْلِ شَيْءٍ ( تَتَوَقَّفُ الدَّوَاعِي عَلَى مَا نَقَلَهُ ) أَيْ : تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهِ ( مَعَ مُشَارَكَةِ ) خَلْقٍ ( كَثِيرِينَ ) لَهُ ( رُدَّ ) وَلَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ وَبَيْنَ مَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ ، وَبَيْنَ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مِمَّا تَتَوَافَرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ ذَلِكَ الْقَيْدِ .
بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَهِيَ أَيْ شُرُوطُهُ ( سِتَّةٌ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ وَاعْتُبِرَ فِي الشَّاهِدِ خُلُوُّهُ عَمَّا يُوجِبُ التُّهْمَةَ فِيهِ وَوُجُودِ مَا يُوجِبُ تَيَقُّظَهُ وَتَحَرُّزَهُ ؛ لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَشْهَدَ بَعْضُ الْفُجَّارِ لِبَعْضٍ فَتُؤْخَذَ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ وَالْأَعْرَاضُ بِغَيْرِ حَقٍّ
( أَحَدُهَا : الْبُلُوغُ فَلَا تُقْبَلُ ) الشَّهَادَةُ ( مِنْ صَغِيرٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، ( وَلَوْ ) كَانَ الصَّغِيرُ ( فِي حَالِ أَهْلِ الْعَدَالَةِ ) بِأَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمُكَلَّفُ الْعَدْلُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ فِي جِرَاحٍ ، إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقُ عَنْ الْحَالِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَالصَّبِيُّ لَيْسَ رَجُلًا ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ الْعَقْلِ
( الثَّانِي : الْعَقْلُ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ ) أَيْ : غَرِيزَةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا ذَلِكَ يُسْتَعَدُّ بِهَا لِفَهْمِ دَقِيقِ الْعُلُومِ وَتَدْبِيرِ الصَّنَائِعِ الْفِكْرِيَّةِ .
وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ وُرُودُ الشَّكِّ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُمْ نَوْعٌ مِنْهَا لَا مِنْ جَمِيعِهَا وَإِلَّا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَاقِدُ لِلْعِلْمِ بِالْمُدْرَكَاتِ ؛ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِمَا غَيْرَ عَاقِلٍ ، ( وَالْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ الْوَاجِبَ عَقْلًا الضَّرُورِيَّ وَغَيْرَهُ ، وَ ) عَرَفَ ( الْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ ) كَوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَكَوْنِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ لَيْسَ فِي مَكَانَيْنِ وَأَنَّ الْوَاحِدَ أَقَلُّ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَأَنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ ، ( وَ ) عَرَفَ ( مَا يَضُرُّهُ وَ ) مَا ( يَنْفَعُهُ غَالِبًا ) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ ، ( فَلَا تُقْبَلُ ) الشَّهَادَةُ ( مِنْ مَعْتُوهٍ وَلَا مَجْنُونٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَلَا أَدَاؤُهَا لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الضَّبْطِ ، وَهُوَ لَا يَعْقِلُهُ ( إلَّا مَنْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا إذَا شَهِدَ ) أَيْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَأَدَّاهَا ( فِي إفَاقَتِهِ ) فَتُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ عَاقِلٍ .
أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُجَنَّ
( الثَّالِثُ : النُّطْقُ ) أَيْ كَوْنُ الشَّاهِدِ مُتَكَلِّمًا ( فَلَا تُقْبَلُ ) الشَّهَادَةُ ( مِنْ أَخْرَسَ ) بِإِشَارَتِهِ كَإِشَارَةِ النَّاطِقِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَقِينُ ، وَإِنَّمَا اكْتَفِي بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ فِي أَحْكَامِهِ كَنِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ لِلضَّرُورَةِ ، ( إلَّا إذَا أَدَّاهَا ) الْأَخْرَسُ ( بِخَطِّهِ ) فَتُقْبَلُ لِدَلَالَةِ الْخَطِّ عَلَى الْأَلْفَاظِ
( الرَّابِعُ : الْحِفْظُ فَلَا تُقْبَلُ ) الشَّهَادَةُ ( مِنْ مُغَفَّلٍ وَ ) لَا مِنْ ( مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ غَلَطٍ وَ ) كَثْرَةِ ( سَهْوٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَلَطِهِ ، وَتُقْبَلُ مِمَّنْ يَقِلُّ مِنْهُ الْغَلَطُ وَالسَّهْوُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ
( الْخَامِسُ الْإِسْلَامُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَوْلِهِ : { فَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ رِجَالِنَا وَغَيْرُ مَأْمُونٍ ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ ، وَإِنْ سَلِمَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَةً قَالَ تَعَالَى : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } ( فَلَا تُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ عَلَى ) كَافِرٍ ( مِثْلِهِ غَيْرِ رَجُلَيْنِ ) لَا نِسَاءٍ ( كِتَابِيَّيْنِ ) لَا مَجُوسِيَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا ( عِنْدَ عَدَمِ ) مُسْلِمٍ لَا مَعَ وُجُودِهِ ( بِوَصِيَّةِ مَيِّتٍ بِسَفَرِ مُسْلِمٍ ) أَيْ الْمُوصِي ( أَوْ كَافِرٍ وَيُحَلِّفُهُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ الْكِتَابِيَّيْنِ ( حَاكِمٌ وُجُوبًا بَعْدَ الْعَصْرِ ) لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ فَيَحْلِفَانِ ( لَا نَشْتَرِي بِهِ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْحَلِفِ أَوْ تَحْرِيفِ الشَّهَادَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ ( ثَمَنًا ، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَمَا خَانَا وَمَا حَرَّفَا وَأَنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ ) أَيْ الْمُوصِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ - الْآيَةَ } وَقَضَى بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الْمَاضِينَ ، ( فَإِنْ عُثِرَ ) أَيْ اُطُّلِعَ ( عَلَى أَنَّهُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ الْكِتَابِيَّيْنِ ( اسْتَحَقَّا إثْمًا ) أَيْ كَذَبَا فِي شَهَادَتِهِمَا ( فَآخَرَانِ ) أَيْ رَجُلَانِ ( مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمُوصِي ) أَيْ وَرَثَتِهِ ( فَحَلَفَا بِاللَّهِ تَعَالَى لَشَهَادَتُنَا ) أَيْ يَمِينُنَا ( أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا ، وَلَقَدْ خَانَا وَكَتَمَا وَيُقْضَى لَهُمْ ) لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " خَرَجَ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُّوا جَامَ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِذَهَبٍ فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْجَامَ بِمَكَّةَ فَقَالُوا : اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ ، فَقَامَ رَجُلَانِ أَوْلِيَاءُ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } الْآيَةَ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَضَى بِذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ ، وَأَيْضًا فَالْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ .
الشَّرْطُ ( السَّادِسُ : الْعَدَالَةُ وَهِيَ : ) لُغَةً الِاسْتِقَامَةُ وَالِاسْتِوَاءُ مَصْدَرٌ عُدِلَ بِضَمِّ الدَّالِ ، إذْ الْعَدْلُ ضِدُّ الْجَوْرِ أَيْ الْمَيْلِ .
وَشَرْعًا : ( اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ ) أَيْ الشَّخْصِ ( فِي دِينِهِ ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ، وَيُعْتَبَرُ لَهَا ) أَيْ الْعَدَالَةِ ( شَيْئَانِ ) أَحَدُهُمَا : ( الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ ، وَهُوَ ) نَوْعَانِ ( أَدَاءُ الْفَرَائِضِ ) أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ .
قُلْتُ : وَمَا وَجَبَ مِنْ صَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِهِمْ ( بِرَوَاتِبِهَا ) أَيْ سُنَنِ الصَّلَاةِ الرَّاتِبَةِ ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ الْوَتْرُ سُنَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً أَيْ دَائِمًا مِنْ سُنَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ ، ( فَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا ) أَيْ الرَّوَاتِبِ ، فَإِنَّ تَهَاوُنَهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُحَافَظَتِهِ عَلَى أَسْبَابِ دِينِهِ ، وَرُبَمَا جَرَّهُ التَّهَاوُنُ بِهَا إلَى التَّهَاوُنِ بِالْفَرَائِضِ ، وَتُقْبَلُ مِمَّنْ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ، .
( وَ ) النَّوْعُ الثَّانِي : ( اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلَا يُدْمِنَ ) عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ بِدَوَامٍ ( عَلَى صَغِيرَةٍ ) ، .
وَفِي التَّرْغِيبِ بِأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْهَا وَلَا يُصِرَّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا .
وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ لِكَوْنِ الْقَذْفِ كَبِيرًا فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يُعْتَبَرُ الْعَدْلُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِحَسْبِهِ لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُقُوقُ ، ( وَالْكَذِبُ صَغِيرَةٌ ) فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إنْ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ ، ( إلَّا ) الْكَذِبُ ( فِي شَهَادَةِ زُورٍ وَ الْكَذِبُ عَلَى نَبِيٍّ ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، ( وَ ) الْكَذِبُ فِي ( زَمَنِ فِتَنٍ وَنَحْوِهِ ) كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدِ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ حَاكِمٍ ظَالِمٍ ( فَكَبِيرَةٌ ) قَالَ أَحْمَدُ : وَيُعْرَفُ الْكَذَّابُ بِخُلْفِ الْمَوَاعِيدِ نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ ، (
وَيَجِبُ ) الْكَذِبُ ( لِتَخْلِيصِ مُسْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ ) .
جُزِمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ وَاجِبًا ( وَيُبَاحُ ) الْكَذِبُ ( لِإِصْلَاحٍ ) بَيْنَ النَّاسِ ( وَلِحَرْبٍ وَلِزَوْجَةٍ فَقَطْ ) .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَكُلُّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ .
وَمَنْ جَاءَهُ طَعَامٌ فَقَالَ : لَا آكُلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَكَذِبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَمَنْ كَتَبَ لِغَيْرِهِ كِتَابًا فَأَمْلَى عَلَيْهِ كَذِبًا لَمْ يَكْتُبْهُ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ الْكَافِي الْعَدْلُ مَنْ رُجِّحَ خَيْرُهُ وَلَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً ؛ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تَقَعُ مُكَفَّرَةً أَوَّلًا فَأَوَّلًا فَلَا تَجْتَمِعُ ، ( وَالْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا ) كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ ( أَوْ ) فِيهِ ( وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ ) كَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَنَحْوِهَا ، وَالصَّغِيرَةُ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالتَّجَسُّسِ وَسَبِّ النَّاسِ بِغَيْرِ قَذْفٍ وَالنَّظَرِ الْمُحَرَّمِ وَالنَّبْزِ بِاللَّقَبِ أَيْ الدُّعَاءِ بِاللَّقَبِ السُّوءِ ، وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مِنْ الْكَبَائِرِ ( فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ بِفِعْلٍ كَزَانٍ وَدَيُّوثٍ أَوْ بِاعْتِقَادٍ كَمُقَلِّدٍ فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ ) فِي ( نَفْيِ الرُّؤْيَةِ ) أَيْ : رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ ( أَوْ ) فِي ( الرَّفْضِ ) كَتَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ أَوْ تَفْسِيقِهِمْ بِتَقْدِيمِ غَيْرِ عَلِيٍّ أَيْ فِي الْخِلَافَةِ عَلَيْهِ ( أَوْ ) فِي ( التَّجَهُّمِ ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ أَيْ اعْتِقَادِ مَذْهَبِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ ( وَنَحْوِهِ ) كَمُقَلِّدٍ فِي التَّجْسِيمِ وَمَا يَعْتَقِدُهُ الْخَوَارِجُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ ، ( وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ ) أَيْ مُجْتَهِدُ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ( الدَّاعِيَةِ ) قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي جَهْمِيَّةٍ وَوَاقِفِيَّةٍ وَحَرُورِيَّةٍ وَقَدَرِيَّةٍ
وَرَافِضِيَّةٍ : إنْ نَاظَرَ وَدَعَا كَفَرَ وَإِلَّا لَمْ يَفْسُقْ ، لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ : يُسْمَعُ حَدِيثُهُ وَيُصَلَّى خَلْفَهُ .
قَالَ : وَعِنْدِي أَنَّ عَامَّةَ الْمُبْتَدِعَةِ فَسَقَةٌ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كُفَّارٌ مَعَ جَهْلِهِمْ ، وَالصَّحِيحُ لَا كُفْرَ ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ ، ( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( قَاذِفٍ حُدَّ أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يُحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } الْآيَةَ ( حَتَّى يَتُوبَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ " شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ أَبُو بَكْرَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَنَكَلَ زِيَادٌ فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ لَهُمْ : تُوبُوا تُقْبَلْ شَهَادَتُكُمْ .
فَتَابَ رَجُلَانِ فَقَبِلَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ، " وَكَانَ قَدْ عَادَ مِثْلَ النَّصْلِ مِنْ الْعِبَادَةِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُحَقِّقْ الْقَاذِفُ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ مَقْذُوفٍ أَوْ لِعَانٍ إنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا ، فَإِنْ حَقَّقَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَذْفِهِ فِسْقٌ وَلَا حَدٌّ وَلَا رَدُّ شَهَادَةٍ ، ( وَتَوْبَتُهُ ) أَيْ الْقَاذِفِ ( تَكْذِيبٌ لِنَفْسِهِ وَلَوْ ) كَانَ ( صِدْقًا ) فَيَقُولُ : كَذَبْت فِيمَا قُلْت لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } قَالَ : " تَوْبَتُهُ إكْذَابُ نَفْسِهِ " وَلِتَلْوِيثِ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ بِقَذْفِهِ فَإِكْذَابُهُ نَفْسَهُ يُزِيلُ ذَلِكَ التَّلْوِيثَ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : " وَالْقَاذِفُ فِي الشَّتْمِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ حَتَّى يَتُوبَ " وَالشَّاهِدُ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ دُونَ شَهَادَتِهِ .
( وَتَوْبَةُ غَيْرِهِ ) أَيْ الْقَاذِفِ ( نَدَمٌ ) بِقَلْبِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ ذَنْبِهِ ( وَإِقْلَاعٌ ) بِأَنْ يَتْرُكَ فِعْلَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ
مِنْهُ ( وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ ) إلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ إصْلَاحُ الْعَمَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ، } وَمَعَ وُجُوبِ الْمَغْفِرَةِ يَجِبُ أَنْ تَتَرَتَّبَ الْأَحْكَامُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْهَا وَهُوَ الْفِسْقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فِسْقَ مَعَ زَوَالِ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ ، ( وَإِنْ كَانَ ) فِسْقُ الْفَاسِقِ ( بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَلَا بُدَّ ) لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ ( مِنْ فِعْلِهِ ) أَيْ : الْوَاجِبِ الَّذِي تَرَكَهُ ( وَيُسَارِعُ ) وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَرْكِ حَقِّ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْكِينِ مِنْ نَقْصِهِ بِبَذْلِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ .
( وَيُعْتَبَرُ رَدَّ مَظْلِمَةً ) فَسَقَ بِتَرْكِ رَدِّهَا كَمَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّ عَجَزَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ ( أَوْ يَسْتَحِلُّهُ ) أَيْ رَبُّ الْمَظْلِمَةِ بِأَنْ يَطْلُبَ أَنْ يُحْلِلَهُ ( أَوْ يَسْتَمْهِلَهُ ) تَائِبٌ ( مُعْسِرٌ ) أَيْ يَطْلُبَ الْمُهْلَةَ مِنْ رَبِّ الْمَظْلِمَةِ ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْبِدْعَةِ الِاعْتِرَافُ بِهَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا وَاعْتِقَادُ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ ( وَلَا تَصِحُّ ) التَّوْبَةُ ( مُعَلَّقَةً ) بِشَرْطٍ فِي الْحَالِ ، وَلَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ النَّدَمَ وَالْعَزْمَ فِعْلُ الْقَلْبِ وَلَا يَتَأَتَّى تَعْلِيقُهُ .
وَكَذَا الْإِقْلَاعُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا ) أَيْ التَّوْبَةِ ( مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَنَمِيمَةٍ وَشَتْمٍ ( إعْلَامُهُ ) أَيْ الْمَقْذُوفِ وَالْمُغْتَابِ وَنَحْوِهِمَا ( وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ ) قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَذَفَهُ ثُمَّ تَابَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ : قَدْ قَذَفْتُكَ ، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيذَاءً صَرِيحًا ، وَإِذَا اسْتَحَلَّهُ يَأْتِي بِلَفْظٍ مُبْهَمٍ لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ ، ( وَمَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ ) أَيْ تَتَبَّعَهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ فَعَمِلَ بِهَا ( فَسَقَ ) نَصًّا ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
إجْمَاعًا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي : غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ ، وَلُزُومُ الْمَذْهَبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ الْأَشْهَرُ عَدَمُهُ ، وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ، وَإِنْ قَالَ : يَنْبَغِي ، كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا ، وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ وَأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : ( وَمَنْ أَتَى فَرْعًا ) فِقْهِيًّا ( مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ ) تَزَوَّجَ ( بِنْتَهُ مِنْ زِنًا أَوْ شَرِبَ مِنْ نَبِيذٍ مَا لَا يُسْكِرُهُ ، أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ قَادِرًا ) أَيْ مُسْتَطِيعًا ( إنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ ) أَيْ مَا فَعَلَهُ مِمَّا ذُكِرَ ( رُدَّتْ ) شَهَادَتُهُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ عَمْدًا ، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ ، ( وَإِنْ تَأَوَّلَ ) أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا عَلَى حِلِّهِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ مُقَلِّدًا لِقَائِلٍ بِحِلِّهِ ، ( فَلَا ) تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ سَائِغٌ فَلَا يَفْسُقُ بِهِ مَنْ فَعَلَهُ أَوْ قَلَّدَ فِيهِ .
الشَّيْءُ ( الثَّانِي ) مِمَّا يُعْتَبَرُ لِلْعَدَالَةِ ( اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ ) بِوَزْنِ سُهُولَةٍ أَيْ الْإِنْسَانِيَّةِ ( بِفِعْلِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ ) عَادَةً كَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ وَبَذْلِ الْجَاهِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَنَحْوِهِ ، ( وَتَرْكِ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ ) أَيْ : يَعِيبُهُ ( عَادَةً ) مِنْ الْأُمُورِ الدَّنِيئَةِ الْمُزْرِيَةِ بِهِ ، ( فَلَا شَهَادَةَ ) مَقْبُولَةٌ ( لِمُصَافَعٍ ) أَيْ يَصْفَعُهُ غَيْرُهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ( وَمُتَمَسْخَرٍ ) يُقَالُ : سَخِرَ مِنْهُ وَبِهِ كَفَرِحَ وَسَخِرَ هَزِئَ كَاسْتَسْخَرَ ( وَرَقَّاصٍ ) كَثِيرِ الرَّقْصِ ( وَمُشَعْبِذٍ ) الشَّعْبَذَةُ وَالشَّعْوَذَةُ خِفَّةٌ فِي الْيَدَيْنِ كَالسِّحْرِ ( وَمُغَنٍّ وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ، .
( وَ ) يُكْرَهُ ( اسْتِمَاعُهُ ) أَيْ الْغِنَاءِ إلَّا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ ، وَكَذَا يَحْرُمُ مِنْ آلَةِ لَهْوٍ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ ، .
( وَ ) كَ ( طُفَيْلِيٍّ ) الَّذِي يَتْبَعُ الضِّيفَانَ ( وَمُتَزَيٍّ بِزِيٍّ يُسْخَرُ مِنْهُ ) أَيْ يُهْزَأُ بِهِ ، ( وَلَا ) شَهَادَةَ ( لِشَاعِرٍ يُفْرِطُ ) أَيْ يُكْثِرُ ( فِي مَدْحٍ بِإِعْطَاءٍ وَ ) يُفْرِطُ ( فِي ذَمٍّ بِمَنْعٍ ) مِنْ إعْطَاءٍ ، ( أَوْ يُشَبِّبُ بِمَدْحِ خَمْرٍ أَوْ بِأَمْرَدَ أَوْ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ ، وَيَفْسُقُ بِذَلِكَ وَلَا تَحْرُمُ رِوَايَتُهُ ، وَلَا ) شَهَادَةَ ( لِلَاعِبٍ بِشِطْرَنْجٍ غَيْرِ مُقَلِّدٍ ) مَنْ يَرَى إبَاحَتَهُ حَالَ لَعِبِهِ لِتَحْرِيمِ لَعِبِهِ ( كَ ) مَا يَحْرُمُ ( بِعِوَضٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ ) ، وَلَوْ بِإِيذَاءِ مَنْ يَلْعَبُ مَعَهُ ( إجْمَاعًا أَوْ ) لَاعِبٍ ( بِنَرْدٍ .
وَيَحْرُمَانِ ) أَيْ الشِّطْرَنْجُ وَالنَّرْدُ ، أَيْ اللَّعِبُ بِهِمَا ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فِي مَعْنَاهُ ، ( وَ ) لَاعِبٍ ( بِكُلِّ مَا فِيهِ دَنَاءَةٌ حَتَّى فِي أُرْجُوحَةٍ ، أَوْ رَفْعِ ثَقِيلٍ ، وَتَحْرُمُ مُخَاطَرَتُهُ بِنَفْسِهِ فِيهِ ) أَيْ : رَفْعِ الثَّقِيلِ ، .
( وَ ) تَحْرُمُ
مُخَاطَرَتُهُ بِنَفْسِهِ ( فِي ثِقَافٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } ( أَوْ ) أَيْ وَلَا شَهَادَةَ لِلَاعِبٍ ( بِحَمَامٍ طَيَّارَةٍ وَلَا لِمُسْتَرْعِيهَا ) أَيْ الْحَمَامِ ( مِنْ الْمَزَارِعِ أَوْ ) لِ ( مَنْ يَصِيدُ بِهَا حَمَامَ غَيْرِهِ ، وَيُبَاحُ ) اقْتِنَاءُ الْحَمَامِ ( لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهَا أَوْ ) لِ ( اسْتِفْرَاخِهَا وَ ) لِ ( حَمْلِ كُتُبٍ ، وَيُكْرَهُ حَبْسُ طَيْرٍ لِنَغْمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَعْذِيبٍ لَهُ .
( وَلَا ) شَهَادَةَ ( لِمَنْ يَأْكُلُ بِالسُّوقِ ) كَثِيرًا ( لَا يَسِيرًا كَلُقْمَةٍ وَتُفَّاحَةٍ وَنَحْوِهِمَا ) مِنْ الْيَسِيرِ ، ( وَلَا ) شَهَادَةَ ( لِمَنْ يَمُدُّ رِجْلَهُ بِمَجْمَعِ النَّاسِ أَوْ يَكْشِفُ مِنْ بَدَنِهِ مَا لِلْعَادَةِ تَغْطِيَتُهُ ) كَصَدْرِهِ وَظَهْرِهِ ، ( أَوْ يُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ ) أَيْ زَوْجَتِهِ ( أَوْ ) بِمُبَاضَعَةِ ( سُرِّيَّتِهِ أَوْ يُخَاطِبُهُمَا بِ ) خِطَابٍ ( فَاحِشٍ بَيْنَ النَّاسِ ، أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ ، أَوْ يَنَامُ بَيْنَ جَالِسِينَ ، أَوْ يَخْرُجُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ ، أَوْ يَحْكِي الْمُضْحِكَاتِ وَنَحْوِهِ ) مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ سَخَفٌ وَدَنَاءَةٌ ، لِأَنَّ مَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَخَفَّهُ فَلَيْسَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ .
وَلِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مَرْفُوعًا " { إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى : إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ } ؛ وَلِأَنَّ الْمُرُوءَةَ تَمْنَعُ الْكَذِبَ وَتَزْجُرُ عَنْهُ ، وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ عَنْهُ ذُو الْمُرُوءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَدَيِّنًا .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا مُخْتَفِيًا بِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ مُرُوءَتَهُ لَا تَسْقُطُ بِهِ ، وَكَذَا إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ شَيْئًا قَلِيلًا انْتَهَى .
وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ، وَقَدْ تُكْسَرُ أَيْ الْإِنْشَادُ الَّذِي تُسَاقُ بِهِ الْإِبِلُ ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِنْشَادِ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْغِنَاءِ ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
" { إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً } " وَكَانَ يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَهْجُوَ مَنْ هَجَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْشَدَهُ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَتَهُ بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ } وَنَحْوُهُ مِمَّا وَرَدَ فِي ذَمِّ الشِّعْرِ ، فَالْمُرَادُ مَنْ أَسْرَفَ وَكَذَبَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدُ ، وَمَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنْ الْعَادَاتِ وَالنَّزَاهَةِ الَّتِي لَمْ يُقَبِّحْهَا السَّلَفُ وَلَا اجْتَنَبَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَقَذُّرِهِمْ مِنْ حَمْلِ الْحَوَائِجِ وَالْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ وَلُبْسِ الصُّوفِ وَرُكُوبِ الْحِمَارِ وَحَمْلِ الْمَاءِ عَلَى الظَّهْرِ وَالرِّزْمَةِ إلَى السُّوقِ ، فَلَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ بِلَا تَلْحِينٍ لَا بَأْسَ بِهَا وَإِنْ حَسُنَ صَوْتُهُ بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ ؛ لِحَدِيثِ : " { زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ } " وَلِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَتَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ اللَّعِبِ فِي أَوَّلِ الْمُسَابِقَةِ ، ( وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ ) أَيْ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهِ قُبِلَ ( بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ أَوْ عَقِلَ مَجْنُونٌ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ تَابَ فَاسِقٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ) ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .
فَصْلُ وَلَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ ( الْحُرِّيَّةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عَبْدٍ ، وَ ) شَهَادَةُ ( أَمَةٍ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ حُرٌّ وَحُرَّةٌ ) لِعُمُومِ آيَاتِ الشَّهَادَةِ وَأَخْبَارِهَا ، وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِنَا ، وَهُوَ عَدْلٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَفَتْوَاهُ وَأَخْبَارُهُ الدِّينِيَّةُ ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : " { تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ : قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ : لَيْسَ لِلْقِنِّ مُرُوءَةٌ مَمْنُوعٌ ، بَلْ هُوَ كَالْحُرِّ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَرِقَّاءِ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْأُمَرَاءُ ، ( وَمَتَى تَعَيَّنَتْ ) الشَّهَادَةُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( حَرُمَ ) عَلَى سَيِّدِهِ ( مَنْعُهُ ) مِنْهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ ، ( وَلَا ) يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ ( كَوْنُ الصِّنَاعَةِ ) أَيْ صِنَاعَةِ الشَّاهِدِ ( غَيْرَ دَنِيئَةٍ عُرْفًا ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ حَجَّامٍ وَحَدَّادٍ وَزَبَّالٍ ) يَجْمَعُ الزِّبْلَ ، ( وَقَمَّامٍ ) يَقُمُّ الْمَكَانَ مِنْ زِبْلٍ وَغَيْرِهِ ، ( وَكَنَّاسٍ ) يَكْنِسُ الْأَسْوَاقَ وَغَيْرَهَا ، ( وَكَبَّاشٍ ) يُرَبِّي الْكِبَاشَ ، ( وَقَرَّادٍ ) يُرَبِّي الْقُرُودَ وَيَطُوفُ بِهَا لِلتَّكَسُّبِ ، ( وَدَبَّابٍ ) يَفْعَلُ بِالدُّبِّ كَمَا يَفْعَلُ الْقَرَّادُ ، ( وَنَفَّاطٍ ) يَلْعَبُ بِالنَّفْطِ ، ( وَنَخَّالٍ ) أَيْ يُغَرْ بِلُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى فُلُوسٍ وَغَيْرِهَا وَتُسَمِّيه الْعَامَّةُ الْمُقَلِّشُ ، ( وَصَبَّاغٍ وَدَبَّاغٍ وَجَمَّالٍ وَجَزَّارٍ وَكَسَّاحٍ ) يُنَظِّفُ الْحُشُوشَ ، ( وَحَائِكٍ وَحَارِسٍ وَصَائِغٍ وَمَكَّارٍ وَقَيِّمٍ ) أَيْ خَدَّامٍ إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى هَذِهِ الصَّنَائِعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَلِيهَا بِنَفْسِهِ فَلَوْ رُدَّتْ بِهَا الشَّهَادَةُ أَفْضَى إلَى تَرْكِ النَّاسِ لَهَا فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ
( وَكَذَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( مَنْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّ بَلْدَةٍ يَسْكُنُهَا أَوْ ) لَبِسَ غَيْرَ ( زِيِّهِ الْمُعْتَادِ بِلَا عُذْرٍ ، إذَا حَسُنْت طَرِيقَتُهُمْ ) بِأَنْ حَافَظُوا عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَالرِّيَبِ
( وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ زِنًا ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ ( حَتَّى بِهِ ) أَيْ الزِّنَا إذَا شَهِدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ
( وَ ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( بِدَوِيٍّ عَلَى قَرَوِيٍّ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ } مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ
( وَ ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( أَعْمَى بِمَا سَمِعَ إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَبِالِاسْتِفَاضَةِ ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْبَصِيرِ " فَإِنْ جَوَّزَ الْأَعْمَى أَنْ يَكُونَ صَوْتَ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الصَّوْتِ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْبَصِيرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، .
( وَ ) تَصِحُّ شَهَادَةُ أَعْمَى ( بِمَرْئِيَّاتٍ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ عَمَاهُ ) إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لَا تُخِلُّ بِالتَّكْلِيفِ ، فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالصَّمَمِ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ ، ( وَ ) كَذَا ( لَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَّا بِعَيْنِهِ إذَا وَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَمْيِيزُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ .
( وَكَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ لَهُ ) لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ فَوَصَفَهُ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى مِنْ نَحْوِ وَارِثِهِ أَوْ وَكِيلِهِ ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ لَا تَكْفِي فِيهِ الصِّفَةُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْهُ دَعْوَى ( أَوْ ) تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ مَشْهُودٍ ( بِهِ أَوْ ) مَشْهُودٍ ( عَلَيْهِ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ ) ، فَوَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ، ( وَالْأَصَمُّ كَسَمِيعٍ فِيمَا رَآهُ ) الْأَصَمُّ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ ( أَوْ ) فِيمَا ( سَمِعَهُ قَبْلَ صَمَمِهِ ) كَسَمِيعٍ ، ( وَإِنْ شَهِدَ بِحَقٍّ عِنْدَ حَاكِمٍ ثُمَّ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ صُمَّ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ لَمْ يَمْنَعْ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تُهْمَتَهُ حَالَ شَهَادَتِهِ بِخِلَافِ الْفِسْقِ ، ( وَإِنْ حَدَثَ ) بِشَاهِدٍ ( مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ تُهْمَةٍ ) كَعَدَاوَةٍ وَعَصَبِيَّةٍ ( قَبْلَ الْحُكْمِ مَنَعَهُ ) أَيْ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهَادَةِ ، وَانْتِفَاؤُهُ حِينِهَا شَرْطٌ
فِيهَا ( غَيْرُ عَدَاوَةٍ ابْتَدَأَهَا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِأَنْ قَذَفَ الْبَيِّنَةَ أَوْ قَاوَلَهَا عِنْدَ الْحُكُومَةِ ) بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ ، فَلَا تَمْنَعُ الْحُكْمَ ؛ لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ .
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ .
( وَ ) إنْ حَدَثَ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ وَفِسْقٍ وَغَيْرِهِمَا ( بَعْدَهُ ) أَيْ : الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَحْكُومٍ بِهِ ( يُسْتَوْفَى مَالٌ ) حُكِمَ بِهِ ( لِأَحَدٍ مُطْلَقًا ) أَيْ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ ( وَلَا قَوَدَ ) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيَهُ ، ( وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَحَاكِمٍ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ وَقَاسِمٍ وَمُرْضِعَةٍ عَلَى قِسْمَتِهِ وَإِرْضَاعِهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ فَتُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ، وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الرَّضَاعِ وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي .
بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْمَوَانِعُ جَمْعُ مَانِعٍ وَهُوَ مَا يَحُولُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَمَقْصُودِهِ .
وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ تَحُولُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهَا ، وَهُوَ قَبُولُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا ، ( وَهِيَ سَبْعَةٌ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ ( أَحَدُهَا : كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ يَمْلِكُهُ ) أَيْ الشَّاهِدُ لَهُ ( أَوْ ) يَمْلِكُ ( بَعْضَهُ ) ، إذْ الْقِنُّ يَتَبَسَّطُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ ، ( أَوْ ) كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ ( زَوْجًا ) لِشَاهِدٍ لِتَبَسُّطِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ وَاتِّسَاعِهِ بِسَعَتِهِ ( وَلَوْ فِي الْمَاضِي ) ، بِأَنْ يَشْهَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ بَعْدَ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ خُلْعٍ فَلَا تُقْبَلُ ، سَوَاءٌ كَانَ شَهِدَ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ فَرُدَّتْ أَوْ لَا ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ بَيْنُونَتِهَا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ يُعِيدُهَا ، ( أَوْ ) كَوْنُ مَشْهُودٍ لَهُ ( مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ وَعَكْسِهِ ، ( وَلَوْ لَمْ يَجُرَّ ) الشَّاهِدُ بِمَا شَهِدَ بِهِ ( نَفْعًا غَالِبًا ) لِمَشْهُودٍ لَهُ ( كَ ) شَهَادَتِهِ لَهُ ( بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ ) ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ بِإِذْنِ مُوَلِّيَتِهِ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا ، لِعُمُومِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا : " { لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ - أَيْ حِقْدٍ - عَلَى أَخِيهِ وَلَا ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ } " وَفِي إسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالظَّنِينُ : الْمُتَّهَمُ ، وَكُلٌّ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهِ بِطَبْعِهِ لِحَدِيثِ " { فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا } وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ دِينُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ ، ( وَتُقْبَلُ ) شَهَادَةُ الشَّخْصِ ( لِبَاقِي أَقَارِبِهِ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ ) ؛ لِعُمُومِ
الْآيَاتِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ جَائِزَةٌ
( وَ ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ ( لِوَلَدِهِ ) مِنْ زِنًا أَوْ رَضَاعٍ ، ( وَ ) لِ ( وَالِدِهِ مِنْ زِنًا أَوْ رَضَاعٍ ) ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَعَدَمِ التَّبَسُّطِ فِي مَالِهِ
( وَ ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ ( لِصَدِيقِهِ وَعَتِيقِهِ وَمَوْلَاهُ ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، وَرَدَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ بِصَدَاقَةٍ وَكَيْدَةٍ وَعَاشِقٍ لِمَعْشُوقِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ يَطِيشُ ( وَإِنْ شَهِدَا ) أَيْ الْعَدْلَانِ ( عَلَى أَبِيهِمَا بِقَذْفِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا وَهِيَ ) أَيْ أُمُّهُمَا ( تَحْتَهُ ) أَيْ أَبِيهِمَا قَبْلًا ، ( أَوْ ) شَهِدَا عَلَيْهِ بِ ( طَلَاقِهَا ) أَيْ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا ( قَبْلًا ) ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَبِيهِمَا .
( وَمَنْ ادَّعَى عَلَى مُعْتِقِ عَبْدَيْنِ أَنَّهُ غَصَبَهُمَا ) أَيْ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ عِتْقِهِمَا ( مِنْهُ فَشَهِدَ الْعَتِيقَانِ بِصِدْقِهِ ) أَيْ مُدَّعِي غَصْبِهِمَا ( لَمْ تُقْبَلْ ) شَهَادَتُهُمَا ( لِعَوْدِهِمَا ) بِقَبُولِهِمَا ( إلَى الرِّقِّ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا ) أَيْ الْعَتِيقَانِ ( أَنَّ مُعْتَقَهُمَا كَانَ حِينَ الْعِتْقِ ) لَهُمَا ( غَيْرَ بَالِغٍ وَنَحْوِهِ ) كَجُنُونِهِ ، ( أَوْ جَرَّحَا شَاهِدَيْ حُرِّيَّتِهِمَا ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا ذَلِكَ ؛ لِعَوْدِهِمَا إلَى الرِّقِّ بِهِ ( وَلَوْ عَتَقَا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَشَهِدَا ) أَيْ الْعَتِيقَانِ ( بِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي الرِّقِّ لَمْ تُقْبَلْ ) شَهَادَتُهُمَا ( لِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِرِقِّهِمَا لِغَيْرِ سَيِّدٍ ) ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ .
( الثَّانِي ) : مِنْ الْمَوَانِعِ ( أَنْ يَجُرَّ ) الشَّاهِدُ ( بِهَا ) أَيْ شَهَادَتِهِ ( نَفْعًا لِنَفْسِهِ كَشَهَادَتِهِ ) أَيْ الشَّخْصِ ( لِرَقِيقِهِ ، وَلَوْ ) مَأْذُونًا لَهُ أَوْ ( مُكَاتَبًا ) ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقُهُ لِحَدِيثِ " { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } ( أَوْ ) شَهَادَتِهِ ( لِمُورِثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ انْدِمَالِهِ ) فَلَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ رُبَمَا يَسْرِي الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِلشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ ( أَوْ ) شَهَادَتِهِ ( لِمُوصِيهِ ؛ ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ ، ( أَوْ ) شَهَادَتِهِ لِ ( مُوَكِّلِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، ( وَلَوْ ) كَانَتْ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ ( بَعْدَ انْحِلَالِهِمَا ) أَيْ الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ لِلتُّهْمَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ يَشْهَدُ ( أَوْ ) شَهَادَتِهِ ( لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِاتِّهَامِهِ ، وَكَذَا مُضَارِبٌ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ .
انْتَهَى ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ ( أَوْ ) شَهَادَةٌ ( لِمُسْتَأْجِرِهِ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ ) نَصًّا كَمَنْ نُوزِعَ فِي ثَوْبٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ أَوْ قَصْرِهِ ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ بِهِ لِمُسْتَأْجِرِهِ لِلتُّهْمَةِ ، ( أَوْ ) شَهَادَةِ وَلِيِّ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ لِ ( مَنْ فِي حِجْرِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِشَيْءٍ هُوَ خَصْمٌ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ ، ( أَوْ ) شَهَادَةِ ( غَرِيمٍ بِمَالٍ لِمُفْلِسٍ بَعْدَ حَجْرٍ ) أَوْ مَوْتٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غُرَمَائِهِ بِمَالِهِ بِذَلِكَ ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ ، ( أَوْ ) شَهَادَةِ ( أَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ ) لِاتِّهَامِهِ بِأَخْذِ الشَّخْصِ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ ، ( أَوْ ) شَهَادَةِ ( مَنْ لَهُ كَلَامٌ أَوْ اسْتِحْقَاقٌ وَإِنْ قَلَّ ) الِاسْتِحْقَاقُ ( فِي رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ ) أَوْ مَسْجِدٍ ( لِمَصْلَحَةٍ لَهُمَا ) قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَا شَهَادَةِ دِيوَانِ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ عَلَى الْخُصُومِ
( وَتُقْبَلُ ) شَهَادَةُ وَارِثٍ ( لِمُورِثِهِ فِي مَرَضِهِ ) ، وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ ، وَحَالَ جُرْحِهِ ( بِدَيْنٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِ حِينَ الشَّهَادَةِ ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَقٌّ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَشَهَادَتِهِ لِامْرَأَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ غَرِيمٍ لَهُ بِمَالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُوفِيَهُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَفْعٌ عِنْدَ الشَّهَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنْ شَهَادَتِهِ لِمُورِثِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَالِ ؛ فَلِأَنَّ الدِّيَةَ إذَا وَجَبَتْ تَجِبُ لِلْوَارِثِ الشَّاهِدِ بِهِ ابْتِدَاءً فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ .
ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، إذْ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ تَجِبُ لِلْمُورِثِ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَهِيَ كَالدَّيْنِ فِي ذَلِكَ ، ( وَإِنْ حُكِمَ ) بِهَا ( بِشَهَادَتِهِ ) أَيْ بِشَهَادَةِ الْوَارِثِ لِمُورِثِهِ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ ( ثُمَّ مَاتَ ) الْمَشْهُودُ لَهُ ( فَوَرِثَهُ ) الشَّاهِدُ ( لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ
( الثَّالِثُ ) مِنْ الْمَوَانِعِ : ( أَنْ يَدْفَعَ بِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ ( ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ كَ ) شَهَادَةِ ( الْعَاقِلَةِ بِجَرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَأِ ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي دَفْعِ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ فَقِيرًا أَوْ بَعِيدًا لِجَوَازِ أَنْ يُؤْسَرَ أَوْ يَمُوتَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ ، .
( وَ ) كَشَهَادَةِ الْغُرَمَاءِ ( بِجَرْحِ شُهُودِ دَيْنٍ عَلَى مُفْلِسٍ ) أَوْ مَيِّتٍ تَضِيقُ تَرِكَتُهُ عَنْ دُيُونِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ ، وَكَشَهَادَةِ الْوَلِيِّ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى مَحْجُورِهِ وَالشَّرِيكِ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى شَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ ، .
( وَ ) كَشَهَادَةِ ( كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إذَا شَهِدَ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَيْهِ ) كَسَيِّدٍ يَشْهَدُ بِجَرْحِ شَاهِدٍ عَلَى قِنِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ .
قَالَ الزُّهْرِيُّ : " مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ " وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ " { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِخَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ } .
( الرَّابِعُ ) مِنْ الْمَوَانِعِ ( الْعَدَاوَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْرُوثَةً أَوْ مُكْتَسَبَةً ، كَفَرَحِهِ بِمُسَاءَتِهِ أَوْ غَمِّهِ بِفَرَحِهِ وَطَلَبِهِ لَهُ الشَّرَّ ، فَلَا تُقْبَلُ ) مِمَّنْ شَهِدَ ( عَلَى عَدُوِّهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ ) ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ( فَتَلْغُوَ ) الشَّهَادَةُ ( مِنْ مَقْذُوفٍ عَلَى قَاذِفِهِ ، وَ ) مِنْ ( مَقْطُوعٍ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى قَاطِعِهِ ) ، فَلَا تُقْبَلُ إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى الْقَافِلَةِ ، بَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ هَلْ قَطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ أَوْ لَمْ يَقْطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ ؟ لِأَنَّهُ لَا يَبْحَثُ عَمَّا شَهِدَتْ بِهِ الشُّهُودُ ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ عَرَضُوا لَنَا وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِنَا فَفِي الْفُصُولِ تُقْبَلُ ، قَالَ : وَعِنْدِي لَا ، أَيْ لَا تُقْبَلُ .
فَإِنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ تُمْنَعْ فَيُقْبَلُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ ، وَالْمُحِقُّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى الْبِدْعِيِّ ؛ لِأَنَّ الدِّينَ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ فِي دِينِهِ ، ( وَ ) تَلْغُوَ الشَّهَادَةُ ( مِنْ زَوْجٍ ) إذَا شَهِدَ عَلَى امْرَأَتِهِ ( فِي زِنًا ) ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَتِهِ لَهَا لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ ، ( بِخِلَافِ ) شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا فِي ( قَتْلٍ وَغَيْرِهِ ) كَسَرِقَةٍ وَقَوَدٍ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ ، ( وَكُلُّ مَنْ ) قُلْنَا ( لَا تُقْبَلُ ) شَهَادَتُهُ ( لَهُ ) كَعَمُودَيْ نَسَبِهِ وَمُكَاتَبِهِ ، ( فَإِنَّهَا ) أَيْ شَهَادَتَهُ ( تُقْبَلُ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَالْحَاكِمِ عَلَى مَنْ فِي حِجْرِهِ .
( الْخَامِسُ ) مِنْ الْمَوَانِعِ ( الْحِرْصُ عَلَى أَدَائِهَا قَبْلَ اسْتِشْهَادِ مَنْ يَعْلَمُ بِهَا ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَشْهُودٌ لَهُ بِهَا لَمْ يَقْدَحْ ، وَتَقَدَّمَ ( قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا ) فَتُرَدُّ ، وَهَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فِي التَّرْغِيبِ ( إلَّا فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَظِهَارٍ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى فِيهَا عَلَى الشَّهَادَةِ
( السَّادِسُ ) مِنْ الْمَوَانِعِ ( الْعَصَبِيَّةُ .
فَلَا شَهَادَةَ لِمَنْ عُرِفَ بِهَا ، وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ ) كَتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ
( السَّابِعُ ) مِنْ الْمَوَانِعِ ( أَنْ تُرَدَّ ) شَهَادَتُهُ ( لِفِسْقِهِ ثُمَّ يَتُوبَ ثُمَّ يُعِيدَهَا ، فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَابَ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَلِإِزَالَةِ الْعَارِ الَّذِي لَحِقَهُ بِرَدِّهَا ؛ وَلِأَنَّ رَدَّهُ ) لِفِسْقِهِ حُكْمٌ فَلَا يَنْتَقِضُ بِقَبُولِهِ ( وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ مَنْ تَحَمَّلَهَا فَاسِقًا ( حَتَّى تَابَ قُبِلَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلتَّحَمُّلِ وَلَا تُهْمَةً ، ( وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ أَخْرَسُ فَزَالَ ) ذَلِكَ الْمَانِعُ بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ كُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ نَطَقَ الْأَخْرَسُ ( وَأَعَادُوهَا ) أَيْ : الشَّهَادَةَ ( قُبِلَتْ ) ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا لِهَذِهِ الْمَوَانِعِ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ فَلَا تُهْمَةَ ، بِخِلَافِ رَدِّهَا لِلْفِسْقِ ، ( لَا إنْ شَهِدَ لِمُورِثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ ) فَرُدَّتْ ( أَوْ ) شَهِدَ ( لِمُكَاتَبِهِ ) بِشَيْءٍ فَرُدَّتْ ( أَوْ ) شَهِدَ شَرِيكٌ ( بِعَفْوِ شَرِيكِهِ فِي شُفْعَةٍ عَنْهَا ) أَيْ الشُّفْعَةِ ( فَرُدَّتْ ) شَهَادَتُهُ ، ( أَوْ رُدَّتْ ) شَهَادَتُهُ ( لِدَفْعِ ضَرَرٍ ) عَنْهُ ( أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ ) لَهُ ( أَوْ ) لِ ( عَدَاوَةٍ فَبَرِئَ مُورِثُهُ ) مِنْ جُرْحِهِ ( وَعَتَقَ مُكَاتَبُهُ وَعَفَا الشَّاهِدُ عَنْ شُفْعَتِهِ وَزَالَ الْمَانِعُ ) مِنْ دَفْعِ ضَرَرٍ وَجَلْبِ نَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ ( ثُمَّ أَعَادُوهَا ) ، فَلَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا كَانَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ ، فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ ثَانٍ ، وَلِأَنَّهَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ كَالرَّدِّ لِلْفِسْقِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْبَلُ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَرَدَ فِي الْمُغْنِي التَّعْلِيلُ السَّابِقُ بِمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ ، ( وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَهُ ) كَأَبِيهِ ( وَأَجْنَبِيٍّ رُدَّتْ ) نَصًّا ؛ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( لَا تَتَبَعَّضُ فِي نَفْسِهَا ) ، قُلْت : وَقِيَاسُهُ لَوْ حُكِمَ لَهُ وَلِأَجْنَبِيٍّ
بَابُ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ حَيْثُ عَدَدِ شُهُودِهِ لِاخْتِلَافِ الشُّهُودِ بِاخْتِلَافِ الشُّهُودِ بِهِ ( وَهِيَ ) أَيْ أَقْسَامُهُ ( سَبْعَةٌ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ ( أَحَدُهَا : الزِّنَا وَمُوجِبُ حَدِّهِ ) أَيْ اللِّوَاطُ ( فَلَا بُدَّ ) فِي ثُبُوتِهِ ( مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ بِهِ ) أَيْ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ ( أَوْ ) يَشْهَدُونَ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ : الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ( أَقَرَّ ) بِهِ ( أَرْبَعًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ " { أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك } وَاعْتِبَارُ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لَهُ فَاعْتُبِرُوا فِيهِ كَشُهُودِ الْفِعْلِ ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ الْأَرْبَعَةُ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعَةٍ ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا .
الْقِسْمُ ( الثَّانِي : إذَا ادَّعَى مَنْ عُرِفَ بِغِنًى أَنَّهُ فَقِيرٌ ) لِأَخْذِ زَكَاةٍ ( فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ ) يَشْهَدُونَ لَهُ ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ : { حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ } وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاة .
الْقِسْمُ ( الثَّالِثُ ) مَا يُوجِبُ ( الْقَوَدَ وَالْإِعْسَارَ ، وَوَطْءٌ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ ) كَوَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَبَهِيمَةٍ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ وَطْءُ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمٍ ، وَأَمَّا وَطْءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ أَيْ يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ النِّسَاءُ غَالِبًا .
قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّه فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ ، ( وَبَقِيَّةُ الْحُدُودِ ) كَحَدِّ قَذْفٍ وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ ( فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ وَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِنَقْصِهِنَّ ( وَيَثْبُتُ قَوَدٌ ) وَقَذْفٌ وَشُرْبٌ ( بِإِقْرَارٍ مَرَّةً ) ، وَتَقَدَّمَ بِخِلَافِ زِنًا وَسَرِقَةٍ وَقَطْعِ طَرِيقٍ .
الْقِسْمُ ( الرَّابِعُ : مَا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَلَا مَالٍ ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا ، كَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَخُلْعٍ وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ ، وَكَذَا تَوْكِيلٌ وَإِيصَاءٌ فِي غَيْرِ مَالٍ فَكَاَلَّذِي قَبْلَهُ ) أَيْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ، فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ كَالْقِصَاصِ .
الْقِسْمُ ( الْخَامِسُ : الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَكَقَرْضٍ وَرَهْنٍ الْوَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَشَرِكَةٍ وَحَوَالَةٍ وَصُلْحٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَمَهْرٍ وَتَسْمِيَتِهِ وَرِقٍّ مَجْهُولٍ وَعَارِيَّةٍ وَشُفْعَةٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ وَضَمَانَةٍ وَتَوْكِيلٍ ) فِيهِ ( وَإِيصَاءٍ فِيهِ وَوَصِيَّةٍ بِهِ لِعَيْنٍ وَوَقْفٍ عَلَيْهِ وَبَيْعٍ وَأَجَلِهِ وَخِيَارٍ فِيهِ وَجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا يُوجِبُ قَوَدًا بِحَالٍ ) كَجَائِفَةٍ ( أَوْ ) جِنَايَةٍ ( تُوجِبُ مَالًا ، وَفِي بَعْضِهَا قَوَدٌ كَمَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ لَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ فِي ذَلِكَ ) وَأَخْذِ تَفَاوُتِ الدِّيَةِ ( وَكَ ) فَسْخِ ( عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ لَا عَقْدِ نِكَاحٍ ، ( وَ ) كَ ( دَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِأَخْذِ سَلَبِهِ ، وَ ) كَ ( دَعْوَى أَسِيرٍ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ لِمَنْعِ رِقِّهِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ( فَيَثْبُتُ الْمَالُ ) فِي مَأْمُومَةٍ وَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ لَا قَوَدِ الْمُوضِحَةِ ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ( بِرَجُلَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، } وَسِيَاقُ الْآيَةِ فِي الدَّيْنِ ، وَأُلْحِقَ بِهِ سَائِرُ الْأَمْوَالِ لِانْحِلَالِ رُتْبَةِ الْمَالِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ ، وَتَكْثُرُ فِيهِ الْمُعَامَلَةُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ؛ فَوَسَّعَ الشَّرْعُ بَابَ ثُبُوتِهِ .
( وَ ) يَثْبُتُ ذَلِكَ ( بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ : إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا .
وَهَذَا الْحَدِيثِ يُرْوَى عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ : عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُبَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَنْ
عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ ، وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً و ( لَا ) يَثْبُتُ الْمَالُ وَنَحْوُهُ بِشَهَادَةِ ( امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ ) لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدَاتٍ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ لَمْ يُقْبَلْنَ ( وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّهَادَةِ ) أَيْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى جَانِبُهُ إلَّا بِشَهَادَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ مُدَّعٍ فِي حَلِفِهِ : وَأَنَّ شَاهِدِي صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ : أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ وَالْإِيصَاءِ وَالْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ ( وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ ) أَيْ الْيَمِينِ ( مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا حَلَفَ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْحَقُّ ) أَيْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ ( فَإِنْ نَكَلَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ ( حُكِمَ عَلَيْهِ ) بِالنُّكُولِ نَصًّا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي جَنَبَتِهِ وَقَدْ أَسْقَطَهَا بِنُكُولِهِ عَنْهَا وَصَارَتْ فِي جَنَبَةِ غَيْرِهِ فَلَمْ تَعُدْ إلَيْهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْهَا ( وَلَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقٌّ ) مَالِيٌّ ( بِشَاهِدٍ فَأَقَامُوهُ فَمَنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ ) لِكَمَالِ النِّصَابِ مِنْ جِهَتِهِ ( وَلَا يُشَارِكُهُ ) فِيمَا أَخَذَهُ ( مَنْ لَمْ يَحْلِفْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ قَبْلَ حَلِفِهِ ( وَلَا يَحْلِفُ وَرَثَةُ نَاكِلٍ ) عَنْ يَمِينٍ بَعْدَ إقَامَتِهِ شَاهِدًا بِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَارِثِهِ حَالَ حَيَاتِهِ ، فَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ الدَّعْوَى وَإِقَامَةُ الشَّاهِدِ وَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَأْخُذُ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ .
الْقِسْمُ ( السَّادِسُ ) مِنْ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ ( دَاءُ دَابَّةٍ وَ ) دَاءُ ( مُوضِحَةٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَدَاءٍ بِعَيْنٍ ( فَيُقْبَلُ قَوْلُ طَبِيبٍ ) وَاحِدٍ ( وَبَيْطَارٍ وَاحِدٍ ) وَكَحَّالٍ وَاحِدٍ ( لِعَدَمِ غَيْرِهِ فِي مَعْرِفَتِهِ ) أَيْ الدَّاءِ نَصًّا لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اجْتِهَادِهِ كَالْقَاضِي يُخْبِرُ عَنْ حُكْمِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ ) بِأَنْ كَانَ بِالْبَلَدِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ ( فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ) ( اثْنَانِ ) كَسَائِرِ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَيْسَ بِمَالٍ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِوُجُودِ الدَّاءِ وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ ( قُدِّمَ قَوْلُ مُثْبِتٍ عَلَى ) قَوْلِ ( نَافٍ ) لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ لَمْ يُدْرِكْهَا النَّافِي .
الْقِسْمُ ( السَّابِعُ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ ، الرَّضَاعِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ ) كَبَرَصٍ بِظَهْرِ أَوْ بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَرَتَقٍ وَقَرْنٍ وَعَفَلٍ وَنَحْوِهِ ( وَكَذَا جِرَاحَةٌ وَغَيْرُهَا ) كَعَارِيَّةٍ الْوَدِيعَةٍ وَقَرْضٍ وَنَحْوِهِ ( فِي حَمَّامٍ وَبُرْسٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ فَيَكْفِي فِيهِ امْرَأَةٌ عَدْلٌ ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ " { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا } ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ .
وَرَوَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا " { يَجْزِي فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ } وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنًى يَثْبُتُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ ( وَالْأَحْوَطُ ) أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ( اثْنَانِ ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ ( وَإِنْ شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ فَ ) هُوَ ( أَوْلَى ) بِالْقَبُولِ مِنْ الْمَرْأَةِ ( لِكَمَالِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْمَرْأَةِ ، وَكُلُّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ كَالرِّوَايَةِ .
فَصْلٌ وَمَنْ ادَّعَتْ إقْرَارَ زَوْجِهَا بِأُخُوَّةِ رَضَاعٍ أَيْ بِأَنَّهُ أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ ( فَأَنْكَرَ ) الزَّوْجُ الْإِقْرَارَ بِهِ ( لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا ( وَإِنْ شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ ) أَيْ لَا قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ لِأَنَّ الْعَمْدَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْمَالُ بَدَلٌ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَجِبْ بَدَلُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا : مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِذَلِكَ لَوَجَبَ الْمُعَيَّنُ بِدُونِ اخْتِيَارٍ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ أَخَاهُ بِسَهْمٍ عَمْدًا فَقَتَلَهُ وَنَفَذَ إلَى أَخِيهِ الْآخَرَ فَقَتَلَهُ خَطَأً وَأَقَامَ بِذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَحَلَفَ مَعَهُ ثَبَتَ قَتْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ خَطَأٌ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ .
( وَإِنْ شَهِدُوا ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ ( بِسَرِقَةٍ ثَبَتَ الْمَالُ ) لِكَمَالِ نِصَابِهِ ( دُونَ الْقَطْعِ ) لِلسَّرِقَةِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ وَالسَّرِقَةُ تُوجِبُ الْمَالَ وَالْقَطْعَ وَقُصُورُ الْبَيِّنَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْآخَرِ ( وَيُغَرِّمُهُ بِنِكْلٍ ) أَيْ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِسَرِقَةِ مَالٍ فَأَنْكَرَ فَالْتَمَسَ يَمِينَهُ فَنَكَلَ غَرِمَ الْمَالَ ( وَإِنْ ادَّعَى زَوْجٌ خُلْعًا قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ ) رَجُلٌ ( وَيَمِينُهُ ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمَالَ ( فَيَثْبُتُ الْعِوَضُ ) بِذَلِكَ ( وَتَبِينُ ) الْمَرْأَةُ ( بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ( وَإِنْ ادَّعَتْهُ ) أَيْ الْخُلْعَ الزَّوْجَةُ ( لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ ) لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْفَسْخُ وَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ رَجُلَيْنِ ( وَإِنْ أَقَامَتْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ) شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ ( بِتَزْوِيجِهَا بِمَهْرٍ ) عَيَّنَتْهُ ( ثَبَتَ الْمَهْرُ ) دُونَ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلرَّجُلِ فَلَا تَدَّعِيهِ وَلَا
يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ
( وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا سَرَقَ أَوْ مَا غَصَبَ وَنَحْوَهُ ) نَحْوُ مَا بَاعَ أَوْ مَا اشْتَرَى أَوْ وَهَبَ أَوْ قَتَلَ ( فَثَبَتَ فِعْلُهُ ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ ( بِرَجُلٍ ) وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِرَجُلٍ ( وَيَمِينٍ ثَبَتَ الْمَالُ ) لِكَمَالِ النِّصَابِ ( وَلَمْ تَطْلُقْ ) زَوْجَتُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ ( وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ ) أَنَّ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ ( أَوْ ) شَهِدَ ( رَجُلٌ وَحَلَفَ مَعَهُ أَنَّ فُلَانَةَ أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ قُضِيَ لَهُ بِهَا ) أَيْ الْجَارِيَةِ ( أُمِّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَالِاسْتِيلَاءُ بِإِقْرَارِهِ لِنُفُوذِهِ فِي مِلْكِهِ ( وَلَا تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا وَلَا نَسَبُهُ ) مِنْ مُدَّعٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ فَيُقِرُّ الْوَلَدُ بِيَدِ مُنْكِرٍ مَمْلُوكًا لَهُ ( وَلَوْ وُجِدَ عَلَى دَابَّةٍ مَكْتُوبٌ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) حُكِمَ بِهِ نَصًّا ( أَوْ ) وُجِدَ ( عَلَى أُسْكُفَّةِ دَارٍ ) مَكْتُوبُ وَقْفٍ أَوْ مَسْجِدٌ حُكِمَ بِهِ ( أَوْ ) وُجِدَ عَلَى ( حَائِطِهَا ) أَيْ حَائِطِ دَارٍ مَكْتُوبُ ( وَقْفٍ ، أَوْ مَسْجِدٌ حُكِمَ بِهِ ) نَصًّا حَيْثُ لَا مُعَارِضَ أَقْوَى مِنْهُ كَبَيِّنَةٍ ( وَلَوْ وَجَدَهُ ) أَيْ وَجَدَ الْحَاكِمُ مَكْتُوبًا ( عَلَى كُتُبِ عِلْمٍ فِي خِزَانَةٍ مُدَّةً طَوِيلَةً ) هَذَا وَقْفٌ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ يُحْكَمُ بِهِ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ مُدَّتُهَا طَوِيلَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ بِخِزَانَةٍ ( عُمِلَ بِالْقَرَائِنِ ) فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى تَظْهَرَ لَهُ قَرِينَةٌ يُعْمَلُ بِهَا .
بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبَابُ الرُّجُوعِ عَنْهَا وَبَابُ أَدَائِهَا أَيْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُؤَدَّى بِهَا الشَّهَادَةُ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى إمْضَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ مُسْتَدَامَةٌ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ لِمَا قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الشَّاهِدِ مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الشَّهَادَةِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ ضَيَاعَ حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ فَاسْتُدْرِكَ ذَلِكَ بِتَجْوِيزِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِتَدُومَ الْوَثِيقَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأْبِيدِ كَالْوَقْفِ وَالشَّاهِدُ لَا يَعِيشُ أَبَدًا ( لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ ) لَخَّصَهَا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ ( أَحَدُهَا : كَوْنُهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ( فِي حَقٍّ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ ) وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السِّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَكَذِبِ شُهُودِ الْفَرْعِ فِيهَا مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ وَهَذَا احْتِمَالٌ زَائِدٌ لَا يُوجَدُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا فِي الْحَدِّ ؛ لِأَنَّ سِتْرَ صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي : تَعَذُّرُ ) شَهَادَةِ ( شُهُودِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْبَةِ مَسَافَةِ قَصْرٍ ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ تُثْبِتُ نَفْسَ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفَرْعِ إنَّمَا تُثْبِتُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ وَلِاسْتِغْنَاءِ الْحَاكِمِ بِسَمَاعِ الْأَصْلِ عَنْ تَعْدِيلِ الْفَرْعِ وَسَمَاعُهُ مِنْ الْأَصْلِ مَعْلُومٌ وَصِدْقُ شَاهِدِ الْفَرْعِ عَلَيْهِ
مَظْنُونٌ وَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْيَقِينِ مَعَ إمْكَانِهِ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ : دَوَامُ تَعَذُّرِهِمْ ) أَيْ شُهُودِ الْأَصْلِ ( إلَى صُدُورِ الْحُكْمِ فَمَتَى أَمْكَنَتْ شَهَادَتُهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( وُقِفَ ) الْحُكْمُ ( عَلَى سَمَاعِهَا ) لِزَوَالِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ أَصِحَّاءَ .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ : دَوَامُ عَدَالَةِ ) شَاهِدِ ( أَصْلٍ وَ ) شَاهِدِ ( فَرْعٍ إلَيْهِ ) أَيْ صُدُورِ الْحَكَمِ ( فَمَتَى حَدَثَ قَبْلَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مِنْ أَحَدِهِمْ ) أَيْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَشُهُودِ الْفَرْعِ ( مَا يَمْنَعُ قَبُولَهُ ) مِنْ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ جُنُونٍ ( وُقِفَ ) الْحُكْمُ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَهَادَةِ الْجَمِيعِ وَإِذَا فُقِدَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا .
الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ : اسْتِرْعَاءُ ) شَاهِدِ ( الْأَصْلِ ) شَاهِدَ ( الْفَرْعِ أَوْ ) اسْتِرْعَاءُ ( غَيْرِهِ وَهُوَ ) أَيْ الْفَرْعُ ( يَسْتَمِعُ ) اسْتِرْعَاءَ الْأَصْلِ لِغَيْرِهِ وَأَصْلُ الِاسْتِرْعَاءِ مِنْ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ : أَرِعْنِي سَمْعَك ، يُرِيدُ : اسْمَعْ مِنِّي ، مَأْخُوذٌ مِنْ رَعَيْتُ الشَّيْءَ : حَفِظْتَهُ ، فَشَاهِدُ الْأَصْلِ يَطْلُبُ مِنْ شَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَحْفَظَ شَهَادَتَهُ وَيُؤَدِّيَهَا وَصِفَةُ الِاسْتِرْعَاءِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَيَقُولُ ) شَاهِدُ الْأَصْلِ لِمَنْ يَسْتَرْعِيهِ ( اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي ) أَنِّي أَشْهَدُ .
( أَوْ ) يَقُولُ لَهُ : ( اشْهَدْ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ وَقَدْ عَرَفْتَهُ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ) يَقُولُ ( شَهِدْت عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَإِلَّا ) يَسْتَرْعِهِ وَلَا غَيْرَهُ مَعَ سَمَاعِهِ ( لَمْ يَشْهَدْ ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا مَعْنَى النِّيَابَةِ وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ ( إلَّا إنْ سَمِعَهُ ) أَيْ سَمِعَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ ( يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ يَعْزُوهَا ) أَيْ شَهَادَتَهُ ( إلَى سَبَبٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَنَحْوِهِمَا ) فَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ بِشَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبِنِسْبَتِهِ الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ
يَزُولُ الِاحْتِمَالُ كَالِاسْتِرْعَاءِ .
الشَّرْطُ ( السَّادِسُ : أَنْ يُؤَدِّيَهَا ) أَيْ الشَّاهِدُ ( الْفَرْعُ بِصِفَةِ ) تَحَمُّلِهِ وَإِلَّا لَمْ يُحْكَمْ بِهَا ( وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِفَرْعَيْنِ وَلَوْ عَلَى كُلِّ ) شَاهِدِ ( أَصْلٍ ) شَاهِدُ ( فَرْعٍ ) نَصًّا كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحَقِّ وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلُ الْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ بِمِثْلِ عَدَدِهِ وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ لَا يَنْقُلَانِ عَنْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ حَقًّا عَلَيْهَا فَكَفَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ كَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ ( وَيَثْبُتُ الْحَقُّ بِ ) شَهَادَةِ ( فَرْعٍ ) وَاحِدٍ ( مَعَ أَصْلٍ آخَرَ ) كَأَصْلَيْنِ أَوْ فَرَعَيْنَ ( وَيَصِحُّ تَحَمُّلُ فَرْعٍ عَلَى فَرْعٍ ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَ ) يَصِحُّ ( أَنْ يَشْهَدَ النِّسَاءُ ) حَيْثُ يُقْبَلْنَ ( فِي أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَفَرْعٍ وَفَرْعٍ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ مَا يَشْهَدُ بِهِ الْأُصُولُ فَدَخَلَ فِيهِ النِّسَاءُ ( فَيُقْبَلُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى مِثْلِهِمْ أَوْ عَلَى رَجُلَيْنِ أَصْلَيْنِ أَوْ فَرَعَيْنَ ) فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ ( وَ ) تُقْبَلُ ( امْرَأَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
الشَّرْطُ ( السَّابِعُ : تَعْيِينُ شَاهِدَيْ فَرْعٍ لِأَصْلِهِ ) قَالَ الْقَاضِي : حَتَّى لَوْ قَالَ تَابِعِيَّانِ : أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ ، لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَهُمَا .
الشَّرْطُ ( الثَّامِنُ : ثُبُوتُ عَدَالَةِ الْجَمِيعِ ) أَيْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَتَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِمَا بِدُونِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ ، لِانْبِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ جَمِيعًا ( فَلَا يَجِبُ عَلَى ) شَاهِدِ ( فَرْعٍ تَعْدِيلُ ) شَاهِدِ ( أَصْلٍ ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ فَيَبْحَثَ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْرِفَا عَدَالَتَهُمَا وَيَتْرُكَاهَا اكْتِفَاءً ، بِمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ عَدَالَتِهِمَا ( تُقْبَلُ ) شَهَادَةُ الْفَرْعِ ( بِهِ ) أَيْ بِتَعْدِيلِ أَصْلِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ : بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ( وَ ) تُقْبَلُ
شَهَادَةُ الْفَرْعِ ( بِمَوْتِهِ ) أَيْ الْأَصْلِ ( وَنَحْوِهِ ) كَمَرَضِهِ وَغَيْبَتِهِ كَتَعْدِيلِهِمْ وَ ( لَا ) يُقْبَلُ ( تَعْدِيلُ شَاهِدٍ لِرَفِيقِهِ ) بَعْدَ شَهَادَتِهِ أَصْلًا كَانَ أَوْ فَرْعًا لِإِفْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ .
فَلَوْ كَانَ قَدْ زَكَّاهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ شَهِدَ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذَنْ ( وَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدُ أَفْرُعٍ عَلَى أَصْلٍ ) وَاحِدٍ ( وَتَعَذَّرَ ) الْأَصْلُ ( وَالْآخَرُ ) وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ ( حَلَفَ ) مَشْهُودٌ لَهُ ( وَاسْتَحَقَّ ) مَا شَهِدَا لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ أَصْلُهُمَا ( وَإِذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ : إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ .
( وَيَضْمَنُ شُهُودُ الْفَرْعِ ) مَحْكُومًا بِهِ يَتْلَفُ بِشَهَادَتِهِمْ ( بِرُجُوعِهِمْ بَعْدَ الْحُكْمِ ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ كَمَا لَوْ بَاشَرُوا التَّلَفَ بِأَيْدِيهِمْ ( مَا لَمْ يَقُولُوا : بَانَ لَنَا كَذِبُ الْأُصُولِ أَوْ غَلَطُهُمْ ) فَلَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْأُصُولِ ( وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ بَعْدَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( لَمْ يَضْمَنُوا ) شَيْئًا لِحُصُولِ الْإِتْلَافِ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ ضَمَانٌ كَالْمُتَسَبِّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُلْجِئُوا الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ ( إلَّا إنْ قَالُوا : كَذَبْنَا أَوْ ) قَالُوا ( غَلِطْنَا ) فَيَلْزَمُهُمْ الضَّمَانُ لِاعْتِرَافِهِمْ بِتَعَمُّدِ الْإِتْلَافِ بِقَوْلِهِمْ : كَذَبْنَا ، أَوْ بِخَطَئِهِمْ بِقَوْلِهِمْ : غَلِطْنَا ( وَإِنْ قَالَا ) أَيْ شَاهِدَا الْأَصْلِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مَا أَشْهَدْنَاهُمَا ) أَيْ الْفَرْعَيْنِ ( بِشَيْءٍ ) مِمَّا شَهِدَا بِهِ عَلَى شَهَادَتِنَا ( لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ ) لَا شَاهِدُ الْأَصْلِ وَلَا شَاهِدُ الْفَرْعِ ( شَيْئًا ) مِمَّا حَكَمَ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ
يَثْبُتْ كَذِبُ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ وَلَا رُجُوعُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ ؛ إذْ الرُّجُوعُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُشَاهَدَةٍ وَهُمَا أَنْكَرَا أَصْلَ الشَّهَادَةِ .
فَصْلٌ وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ كَأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ : هِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ( أَوْ نَقَصَ ) فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْ شَهِدَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ : هِيَ تِسْعُونَ بِحَضْرَةِ حَاكِمٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ إلَيْهِ ( لَا بَعْدَ حُكْمِ ) حَاكِمٍ بِشَهَادَتِهِ قُبِلَ نَصًّا وَحُكِمَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَخِيرًا لِأَنَّهَا شَهَادَةُ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا مَا أَشْبَهَ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يُخَالِفُهَا وَلَا تُعَارِضُهَا الشَّهَادَةُ الْأُولَى لِبُطْلَانِهَا بِرُجُوعِهِ عَنْهَا ( أَوْ أَدَّى ) الشَّهَادَةَ ( بَعْدَ إنْكَارِهَا ) بِأَنْ شَهِدَ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ قَوْلِهِ : لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَهَادَةٌ ، وَقَالَ : كُنْتُ نَسِيتهَا ( قُبِلَ ) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } فَقَبِلَهَا بَعْدَ إثْبَاتِ الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ فِي حَقِّهِمَا ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ بِتَقَادُمِ عَهْدِهَا ( وَكَذَا قَوْلُهُ لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ ثُمَّ يَشْهَدُ ) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِمَّا قَبْلَهَا
( فَإِنْ رَجَعَ ) شَاهِدٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ بِهَا ( لَغَتْ ) شَهَادَتُهُ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْهَا يُوجِبُ ظَنَّ بُطْلَانِهَا وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا مَعَ ظَنِّهِ ( وَلَا حُكْمَ ) يَجُوزُ بِشَهَادَةٍ بَعْدَ رُجُوعٍ عَنْهَا وَلَوْ أَدَّاهَا بَعْدُ ( وَلَمْ يَضْمَنْ ) رَاجِعٌ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ ( وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ ) شَاهِدٌ ( بِرُجُوعٍ ) عَنْ شَهَادَتِهِ ( بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ تَوَقَّفْ ) عَنْ الْحُكْمِ ( فَتَوَقَّفَ ) الْحَاكِمُ عَنْهُ ( ثُمَّ أَعَادَهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( قُبِلَتْ ) لِاحْتِمَالِ زَوَالِ رِيبَةٍ عَرَضَتْ لَهُ وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِعَادَةِ
( وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ أَوْ ) رَجَعَ شُهُودُ ( عِتْقٍ بَعْدَ حُكْمٍ ) بِشَهَادَتِهِمْ ( قَبْلَ اسْتِيفَاءِ ) مَالٍ ( أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ ) الْحُكْمُ لِتَمَامِهِ وَوُجُوبِ الْمَشْهُودِ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ، وَرُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْدُ الْحُكْمُ لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُمْ إنْ قَالُوا عَمِدْنَا فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفِسْقِ فَهُمَا مُتَّهَمَانِ بِإِرَادَةِ نَقْضِ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ شَهِدَ فَاسِقَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْفِسْقِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا لَمْ يَلْزَمْ نَقْضُهُ أَيْضًا لِجَوَازِ خَطَئِهِمَا فِي قَوْلِهِمَا الثَّانِي بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْحَالُ ( وَيَضْمَنُونَ ) بَدَلَ مَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الْمَالِ قُبِضَ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ قَائِمًا كَانَ أَوْ تَالِفًا وَقِيمَةُ مَا شَهِدُوا بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوهُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ ( مَا لَمْ يُصَدِّقْهُمْ ) عَلَى بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ ( مَشْهُودٌ لَهُ ) فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ وَيَرُدُّ الْمَشْهُودُ لَهُ مَا قَبَضَهُ مِنْ مَالِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلَفَ لِاعْتِرَافِهِ بِأَخْذِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ ( أَوْ ) مَا لَمْ ( تَكُنْ الشَّهَادَةُ لِاثْنَيْنِ فَبَرَأَ مِنْهُ ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ( قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَا ) عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا .
وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى سَيِّدِ عَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ قِيمَتُهُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ شَيْئًا ( وَلَوْ قَبَضَهُ ) أَيْ الدَّيْنَ الْمَشْهُودَ بِهِ ( مَشْهُودٌ لَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ لِمَشْهُودٍ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا ) عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِهِ ( غَرِمَاهُ ) كَمَا لَوْ تَنَصَّفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ هِبَتِهَا إيَّاهُ لِلزَّوْجِ ( وَلَا يَغْرَمُ مُزَكٍّ ) شَيْئًا ( بِرُجُوعِ مُزَكًّى ) عَنْ شَهَادَتِهِ لِمَشْهُودٍ بَعْدَ الْحُكْمِ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ
بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لَا الْمُزَكِّينَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِظَاهِرِ الْحَالِ ، وَأَمَّا بَاطِنُهُ فَعِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
( وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ شُهُودِ طَلَاقٍ ) بَعْدَ دُخُولٍ ( فَلَا غُرْمَ ) عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَرِّرُوا عَلَيْهِ شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمْ لِتَقَرُّرِهِ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ وَلَمْ يُخْرِجُوا عَنْ مِلْكِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا كَمَنْ قَتَلَهَا وَكَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ ( إلَّا ) إنْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِالطَّلَاقِ ( قَبْلَ الدُّخُولِ ) أَيْ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ ( نِصْفَ الْمُسَمَّى أَوْ ) يَغْرَمُونَ ( بَدَلَهُ ) أَيْ بَدَلَ مَهْرِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَهُوَ الْمُتْعَةُ لِأَنَّ الشُّهُودَ أَلْزَمُوهُ لِلزَّوْجِ بِشَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقِهَا كَمَا يَغْرَمُ ذَلِكَ مَنْ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا بِنَحْوِ رِضَاعٍ قَبْلَ دُخُولٍ
( وَإِنْ ) شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْقِنَّ وَآخَرَانِ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ وَنَحْوَهُ ثُمَّ حُكِمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ ( رَجَعَ شُهُودُ الْقَرَابَةِ وَشُهُودُ الشِّرَاءِ ) عَنْ شَهَادَتِهِمْ ( فَالْغُرْمُ ) لَقِيمَةِ الْعَتِيقِ ( عَلَى شُهُودِ الْقَرَابَةِ ) لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِعِتْقِهِ دُونَ شُهُودِ الشِّرَاءِ
( وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ قَوَدٍ أَوْ ) شُهُودُ ( حَدٍّ بَعْدَ حُكْمٍ ) بِشَهَادَتِهِمْ ( وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ ) قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ ( لَمْ يُسْتَوْفَ ) قَوَدٌ وَلَا حَدٌّ ، لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَا سَبِيلَ إلَى جَبْرِهَا إذَا اُسْتُوْفِيَتْ بِخِلَافِ الْمَالِ وَلِأَنَّ رُجُوعَهُمْ شُبْهَةٌ ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا وَالْقَوَدُ فِي مَعْنَاهُ ( وَوَجَبَتْ دِيَةُ قَوَدٍ ) شَهِدُوا بِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ .
فَإِذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ وَيَرْجِعُ غَارِمٌ عَلَى شُهُودٍ ( وَإِنْ اُسْتُوْفِيَ قَوَدٌ أَوْ حَدٌّ حُكِمَ بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ قَالُوا أَخْطَأْنَا غَرِمُوا دِيَةَ مَا تَلِفَ ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا ( أَوْ أَرْشَ الضَّرْبِ ) نَصًّا وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْهُ .
شَيْئًا
( وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ ) لِحُصُولِ التَّفْوِيتِ مِنْ جَمِيعِهِمْ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جَمَاعَةٌ مَالًا ( فَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ ) شَهِدُوا ( فِي مَالٍ غَرِمَ ) الرَّجُلُ ( سُدُسًا وَهُنَّ ) أَيْ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ ( الْبَقِيَّةَ ) كُلُّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ سُدُسٍ ( وَكَذَا إرْضَاعٌ ) شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فُرِّقَ بَيْنهمَا قَبْلَ دُخُولٍ ثُمَّ رَجَعُوا وُزِّعَ الصَّدَاقُ عَلَيْهِمْ عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُهُ وَعَلَيْهِنَّ الْبَقِيَّةُ سَوِيَّةً لِمَا تَقَدَّمَ
( وَلَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِزِنًا ) فَرُجِمَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعُوا ( أَوْ ) شَهِدَ ( أَرْبَعَةٌ ) بِزِنًا ( وَاثْنَانِ ) مِنْ غَيْرِهِمْ ( بِإِحْصَانِ ) زَانٍ ( فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا ) أَيْ السِّتَّةُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ ( لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا ) لِأَنَّهُ قُتِلَ بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ ( وَإِنْ كَانُوا ) أَيْ الشُّهُودُ ( خَمْسَةً بِزِنًا فَأَخْمَاسًا ) يَغْرَمُونَ دِيَتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَلَوْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الشُّهُودِ ( غَرِمَ بِقِسْطِهِ ) فَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةٍ سُدُسٌ وَمِنْ خَمْسَةٍ خَمْسٌ وَهَكَذَا .
( وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنًا وَ ) شَهِدَ ( اثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ ) وَالزِّنَا ( ثُلُثَا الدِّيَةِ ) ثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالْإِحْصَانِ وَثُلُثٌ لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا ( وَعَلَى الْآخَرَيْنِ ثُلُثُهُمَا ) لِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا وَحْدَهُ ( فَإِنْ رَجَعَ زَائِدٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ ) كَأَنْ شَهِدَ خَمْسَةٌ بِزِنًا ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ ( قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ اُسْتُوْفِيَ ) حَدُّ الزِّنَا لِبَقَاءِ نِصَابِهِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ ( وَيُحَدُّ الرَّاجِعُ ) مِنْهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ ( لِقَذْفِهِ ) الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا ( وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ زِنًا ) دُونَ إحْصَانٍ غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً لِأَنَّهُ رُجِمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَشَرْطٌ لَا مُوجِبٌ ( أَوْ ) رَجَعَ شُهُودُ ( إحْصَانٍ ) فَقَطْ ( غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً ) لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِشَهَادَتِهِمْ إذْ لَوْلَا ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ لَمْ يُقْتَلْ ( وَرُجُوعُ شُهُودِ تَزْكِيَةٍ كَرُجُوعِ مَنْ زَكَّوْهُمْ ) فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ
( وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ كِتَابَةٍ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْكِتَابَةِ ( قِنًّا وَمُكَاتَبًا ) لِنَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ عَنْ الْقِنِّ الْحَاصِلِ بِشَهَادَتِهِمْ ( فَإِنْ عَتَقَ ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِهَا ( فَ ) عَلَيْهِمْ غُرْمُ ( مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ ) قِنًّا ( وَمَالُ كِتَابَةٍ ) إنْ نَقَصَ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا غُرْمَ ( وَكَذَا شُهُودٌ بِاسْتِيلَادٍ ) بِهَا إذَا رَجَعُوا فَيَغْرَمُونَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قِنًّا وَأُمَّ وَلَدٍ وَبَعْدَ عِتْقٍ كُلَّ قِيمَتِهَا وَلَوْ شَهِدَا بِتَأْجِيلٍ وَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا تَفَاوَتَ مَا بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ
( وَلَا ضَمَانَ بِرُجُوعِ شُهُودِ كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا ) أَيْ الْكَفَالَةِ بِنَفْسٍ ( أَوْ ) رُجُوعٍ عَنْ شَهَادَةٍ ( أَنَّهَا ) أَيْ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ ( زَوْجَتُهُ أَوْ ) رُجُوعُ شُهُودٍ عَنْ شَهَادَةٍ عَلَى وَلِيِّ دَمٍّ ( أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمِّ عَمْدٍ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ ) أَيْ الْمَشْهُودِ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ( مَالًا ) قَالَ فِي الْمُبْهِجِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَضَمَّنُ الْمَالَ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ بِهِ مَالٌ
( وَمَنْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ الْأُولَى ) كَأَنْ شَهِدَ بِقَرْضٍ وَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَفَّاهُ قَبْلُ ( فَكَرُجُوعٍ ) عَنْ شَهَادَتِهِ ( وَأَوْلَى ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ فِي شَاهِدٍ فَاسِقٍ قَاسَ بَلَدًا وَكَتَبَ خَطَّهُ بِالصِّحَّةِ فَاسْتَخْرَجَ الْوَكِيلُ عَلَى حُكْمِهِ ثُمَّ قَاسَ وَكَتَبَ خَطَّهُ بِزِيَادَةٍ فَغَرِمَ الْوَكِيلُ الزِّيَادَةَ قَالَ يَضْمَنُ الشَّاهِدُ مَا غَرِمَهُ الْوَكِيلُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِسَبَبِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ أَوْ أَخْطَأَ كَالرُّجُوعِ
( وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَرَجَعَ الشَّاهِدُ غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ ) نَصًّا لِأَنَّهُ حُجَّةُ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ فَجَرَى مَجْرَى طَلَبِ الْحُكْمِ .
وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى آخَرَ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ بِصَدَاقٍ مُعَيَّنٍ وَآخَرَانِ بِدُخُولِهِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا غَرِمَهُ شُهُودُ النِّكَاحِ دُونَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الْمُسَمَّى .
وَإِنْ شَهِدَ مَعَ ذَلِكَ آخَرَانِ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ عَنْ مِائَةٍ وَآخَرُ عَنْ مِائَتَيْنِ وَالثَّالِثُ عَنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَالرَّابِعُ عَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ غَرِمَ كُلٌّ مِنْهُمْ رُبْعَ مَا رَجَعَ عَنْهُ
( وَإِنْ بَعْدَ حُكْمٍ كَفَرَ شَاهِدٌ بِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( أَوْ ) بَانَ ( فِسْقُهُمَا أَوْ ) بَانَ ( أَنَّهُمَا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبٍ مَحْكُومٍ لَهُ أَوْ ) بَانَ أَنَّهُمَا ( عَدُّوا مَحْكُومٍ عَلَيْهِ نُقِضَ ) الْحُكْمُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ فَيَنْقُضُهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ انْتَهَى .
وَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ يَقْضِهِ حَاكِمُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبِ ( وَرَجَعَ بِمَالٍ ) قَائِمٍ ( أَوْ بِبَدَلِهِ ) إنْ تَلَفَ عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ ( وَ ) رَجَعَ ( بِبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى عَلَى مَحْكُومٍ لَهُ ) لِنَقْضِ الْحُكْمِ فَيَرْجِعُ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ ( وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافِ حَيٍّ ) كَرَجْمٍ فِي زِنًا وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ ( أَوْ بِمَا يَسْرِي إلَيْهِ ) كَجَلْدٍ فِي شُرْبٍ سَرَى إلَى النَّفْسِ ( ضَمِنَهُ مُزَكُّونَ إنْ كَانُوا ) أَيْ الْمُزَكُّونَ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ قَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ ، وَشُهُودُ التَّزْكِيَةِ أَلْجَأَ الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ فَلَزِمَهُمْ الضَّمَانُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ مِنْ تَزْكِيَةِ الشُّهُودِ وَلَا عَلَى شَاهِدَيْ الْأَصْلِ لِأَنَّهُمَا مُقِيمَانِ عَلَى أَنَّهُمَا صَادِقَانِ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ مَنَعَ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِخِلَافِ الرَّاجِعَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا لِاعْتِرَافِهِمَا بِكَذِبِهِمَا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مُزَكَّوْنَ فَحَاكِمٌ ( أَوْ كَانُوا ) أَيْ الْمُزَكُّونَ ( فَسَقَةً فَحَاكِمٌ ) يَضْمَنُ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ حُكْمُهُ .
وَقَدْ فَرَّطَ بِتَرْكِهِ التَّزْكِيَةَ
( وَإِذَا عَلِمَ حَاكِمٌ بِشَاهِدِ زُورٍ بِإِقْرَارِهِ ) عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ ( أَوْ بِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ يَقِينًا ) كَأَنْ شَهِدَ بِقَتْلِ زَيْدٍ فَإِذَا هُوَ حَيٌّ أَوْ بِأَنَّ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ لِفُلَانٍ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَسِنُّهَا دُونَهَا .
وَإِنَّ زَيْدًا فَعَلَ كَذَا وَقْتَ كَذَا وَعُلِمَ مَوْتُهُ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُهُ وَعُلِمَ تَعَمُّدُهُ لِذَلِكَ ( عَزَّرَهُ ) حَاكِمٌ ( وَلَوْ تَابَ ) كَمَنْ تَابَ مِنْ حَدٍّ بَعْدَ رَفْعِهِ لِحَاكِمٍ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } وَرَوَى أَبُو بَكْرَةَ مَرْفُوعًا { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ : أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَا يَتَقَدَّرُ تَعْزِيرُهُ بَلْ يَكُونُ ( بِمَا يَرَاهُ ) حَاكِمٌ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ كَشْفِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ ( مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا أَوْ مَعْنَاهُ ) كَحَلْقِ لِحْيَةٍ أَوْ قَطْعِ طَرْفٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ ( وَطِيفَ بِهِ ) أَيْ شَاهِدِ الزُّورِ ( فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا ) كَإِتْيَانِهِ فِي سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ وَنَحْوِهَا وَيُنَادِي عَلَيْهِ ( فَيُقَالُ : إنَّا وَجَدْنَاهُ شَاهِدَ زُورٍ فَاجْتَنِبُوهُ ) وَنَحْوَهُ ( وَلَا يُعَزَّرُ ) شَاهِدٌ ( بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا ( وَلَا يُغَلِّطُهُ فِي شَهَادَتِهِ ) لِأَنَّ الْغَلَطَ قَدْ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْلِ وَلَا يَتَعَمَّدُهُ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يُعَزَّرُ شَاهِدٌ ( بِرُجُوعِهِ ) عَنْ شَهَادَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجَعَ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا لِظُهُورِ فِسْقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ ( وَمَتَى ادَّعَى شُهُودُ قَوَدٍ خَطَأً عُزِّرُوا ) قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ .
فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ( وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ) مِنْ نَاطِقٍ ( إلَّا بِ ) لَفْظِ ( أَشْهَدُ أَوْ ) بِلَفْظِ ( شَهِدْتُ ) لِأَنَّهُ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ شَهَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنًى لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِاللِّعَانِ وَتَقَدَّمَ لَوْ أَدَّاهَا أَخْرَسُ بِخَطِّهِ قُبِلَتْ ( فَلَا يَكْفِي ) قَوْلُهُ ( أَنَا شَاهِدٌ ) بِكَذَا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا اتَّصَفَ بِهِ كَقَوْلِهِ أَنَا مُتَحَمِّلٌ شَهَادَةً عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا بِخِلَافِ أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ بِكَذَا فَإِنَّهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ ( وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ أَعْلَمُ أَوْ أَحِقُّ ) أَوْ أَعْرِفُ أَوْ أَتَحَقَّقُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ ( وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِمَا وَضَعْتُ بِهِ خَطِّي أَوْ ) قَالَ ( مَنْ تَقَدَّمَهُ غَيْرُهُ ) بِشَهَادَةٍ ( أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ ) لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ وَالْإِبْهَامِ ( أَوْ ) أَيْ وَإِنْ قَالَ ( وَبِذَلِكَ أَشْهَدُ أَوْ ) قَالَ ( كَذَلِكَ أَشْهَدُ صَحَّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَطْ ) لِاتِّضَاحِ مَعْنَاهُ .
فِي النُّكَتِ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْجَمْعِ أَوْلَى .
( وَهِيَ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ حَالًا ) أَيْ عِنْدَ النِّزَاعِ ( وَلَا تُسْقِطُ حَقًّا ) فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بَعْدَهَا وَإِنْ رَجَعَ حَالِفٌ وَأَدَّى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ قُبِلَ مِنْهُ وَحَلَّ لِمُدَّعٍ أَخْذُهُ ( وَيُسْتَحْلَفُ مُنْكِرٌ ) تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ ( فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ ) لِحَدِيثِ { لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ }
( غَيْرَ نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ ) إلَّا إذَا أَنْكَرَ مُولٍ مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ ( وَأَصْلُ رِقٍّ كَدَعْوَى رِقِّ لَقِيطٍ ) وَمَجْهُولِ نَسَبٍ فَلَا يُسْتَحْلَفُ إذَا أَنْكَرَ ( وَ ) غَيْرُ ( وَلَاءٍ وَاسْتِيلَادِ ) فَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَلْ هِيَ الدَّعِيَّةُ ( وَنَسَبٍ وَقَذْفٍ وَقِصَاصٍ فِي غَيْرِ قَسَامَةٍ ) فَلَا يَمِينَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهَا لَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ
( وَيُقْضَى فِي مَالٍ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ بِنُكُولِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرُ ذَلِكَ يُخْلَى سَبِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي اللِّعَانِ إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ وَنَكَلَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا أَوْ تُلَاعِنَ وَتَقَدَّمَ
( وَلَا يُسْتَحْلَفُ ) مُنْكِرٌ ( فِي حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ ) زِنًا أَوْ شُرْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ قُبِلَ مِنْهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ بِلَا يَمِينٍ فَلِئَلَّا يُسْتَحْلَفَ مَعَ عَدَمِ الْإِقْرَارِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ سِتْرُهُ وَالتَّعْرِيضُ لِلْمُقِرِّ بِهِ لِيَرْجِعَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهُزَالٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ " لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَك " .
( وَ ) لَا يُسْتَحْلَفُ فِي ( عِبَادَةٍ ) كَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا ( وَ ) لَا فِي ( صَدَقَةِ ) زَكَاةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ ( وَ ) لَا فِي ( كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَشْبَهَ الْحَدَّ
( وَلَا ) يُسْتَحْلَفُ ( شَاهِدٌ ) أَنْكَرَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ أَوْ شَهِدَ وَطَلَبَ يَمِينَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ فَلَا يَحْلِفُ .
( وَ ) لَا ( حَاكِمٌ ) أَنْكَرَ أَنَّهُ حَكَمَ وَطُلِبَ يَمِينُهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِحَقٍّ ( وَلَا وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى مُوصِيهِ وَلَا ) يُسْتَحْلَفُ ( مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَلَّفَنِي أَنِّي مَا أُحَلِّفُهُ وَلَا ) يُسْتَحْلَفُ ( مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَقَالَ لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِنُكُولٍ فَلَا فَائِدَةَ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ فِيهِ
( وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّةً لِلْفُقَرَاءِ فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ ) أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ وَصَّى بِهَا ( حَلَفُوا ) عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ( فَإِنْ نَكَلُوا ) عَنْ الْيَمِينِ ( قَضَى عَلَيْهِمْ ) بِالنُّكُولِ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِمَالٍ ( وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ) كَأَنْ ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا أَغَصَبَهُ نَحْوَ ثَوْبٍ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَنَحْوَهُ فَأَنْكَرَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِدَعْوَاهُ وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ( أَوْ ) حَلَفَ عَلَى ( دَعْوَى عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى غَيْرِهِ ( فِي إثْبَاتٍ ) كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى زَيْدٍ مِنْ نَحْوِ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ أَرْشٍ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَأَرَادَ الْحَلِفَ مَعَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ( أَوْ ) حَلَفَ عَلَى ( فِعْلِ نَفْسِهِ ) كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ إنْسَانٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَنَحْوَهُ شَيْئًا فَأَنْكَرَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ( أَوْ ) حَلَفَ عَلَى الدَّعْوَى عَلَيْهِ كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ وَأَرَادَ يَمِينَهُ ( حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ) أَيْ الْقَطْعِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ : قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَالَهُ عِنْدِي شَيْءٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ بِيَدِهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَا يَكْفِي وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهَا مِلْكِي
( وَمَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ ) كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ أَبَاهُ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ كَذَا فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ( أَوْ ) حَلَفَ عَلَى ( نَفْيِ دَعْوَى عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى غَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مُوَرِّثِهِ فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ ( فَ ) إنَّهُ يَحْلِفُ ( عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ) لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ وَاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي اغْتَصَبَهَا أَبُوهُ فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَأَقَرَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ الْإِحَاطَةُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ نَفْسِهِ فَتَكْلِيفُهُ الْيَمِينَ عَلَى الْبَتِّ حَمْلٌ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ
( وَرَقِيقُهُ كَأَجْنَبِيٍّ فِي حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ ) فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ عَبْدَ زَيْدٍ جَنَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ رَبُّهُ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ جَنَى عَلَى الْمُدَّعِي ( وَأَمَّا بَهِيمَتُهُ ) إذَا ادَّعَى أَنَّهَا جَنَتْ ( فَمَا يُنْسَبُ ) إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( إلَى تَقْصِيرٍ أَوْ تَفْرِيطٍ ) فِيهِ كَمَنْ ادَّعَى أَنَّ بَهَائِمَ زَيْدٍ أَفْسَدَتْ زَرْعَهُ لَيْلًا لِتَرْكِهِمَا بِلَا حَبْسٍ فَأَنْكَرَ رَبُّهَا ذَلِكَ ( فَ ) إنَّهُ يَحْلِفُ ( عَلَى الْبَتِّ ) بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ وَلَا فَرَّطَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ( وَإِلَّا ) يُنْسَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ بَهِيمَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ ( فَ ) إنَّهُ يَحْلِفُ ( عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ) كَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَاكِبِ بَهِيمَةٍ أَوْ سَائِقِهَا أَوْ قَائِدِهَا أَنَّهَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِوَطْئِهَا بِيَدِهَا فَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ
( وَمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَلَفَ لِجَمَاعَةٍ ) ادَّعَوْا عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ نَحْوَهُ ( حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينَهَا ) لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمْ غَيْرُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ ( مَا لَمْ يَرْضُوا ) جَمِيعُهُمْ ( بِ ) يَمِينٍ ( وَاحِدَةٍ ) فَيَكْتَفِي بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَقَدْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ فَسَقَطَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُمْ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بَعْضًا كَالْحُقُوقِ إذَا قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ لِجَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْضُ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ حُقُوقًا عَلَى وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ إلَّا أَنْ تَتَّحِدَ الدَّعْوَى فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ .
وَتُجْزِئُ الْيَمِينُ ( بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا } .
وَقَوْلِهِ : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا } وَقَوْلِهِ : { وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ فَقَدْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ جَهْدَ الْيَمِينِ وَاسْتَحْلَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتَهُ وَمَا بِهِ دَاءٌ تَعْلَمُهُ وَلِأَنَّ فِي اللَّهِ كِفَايَةً فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِاسْمِهِ فِي الْيَمِينِ ( وَلِحُكْمِ تَغْلِيظِهَا فِيمَا فِيهِ خَطَرٌ ) أَيْ مِثْلُ الْغُلُوِّ كَالْخَطِيرِ ( كَجِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ قَوَدًا وَعِتْقًا وَنِصَابَ زَكَاةٍ ) لَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَتَغْلِيظُهَا يَكُونُ ( بِلَفْظِ كَوَ اللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ ) أَيْ الْقَاهِرِ ( الضَّارِّ النَّافِعِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ) أَيْ مَا يُضْمَرُ فِي النَّفْسِ وَيَكُفُّ عَنْهُ اللِّسَانُ وَيُومِئُ إلَيْهِ بِالْعَيْنِ .
( وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُهُمْ يُؤَكِّدُونَ الْيَمِينَ بِالْمُصْحَفِ وَرَأَيْتُ ابْنَ مَازِنٍ قَاضِي صَنْعَاءَ يَلْفِظُ الْيَمِينَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا تُتْرَكُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفِعْلِ ابْنِ مَازِنٍ وَلَا غَيْرِهِ ( وَيَقُولُ يَهُودِيٌّ ) غُلِّظَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ ( وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ وَيَقُولُ نَصْرَانِيٌّ ) غُلِّظَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ ( وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيَقُولُ مَجُوسِيٌّ وَوَثَنِيٌّ ) فِي التَّغْلِيظِ بِاللَّفْظِ ( وَاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَصَوَّرَنِي وَرَزَقَنِي ) لِأَنَّهُ يُعَظِّمُ
خَالِقَهُ وَرَازِقَهُ أَشْبَهَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ ( وَيَحْلِفُ صَابِئٌ ) يُعَظِّمُ النُّجُومَ ( وَمَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِاَللَّهِ تَعَالَى ) لِحَدِيثِ { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى } .
( وَ ) التَّغْلِيظُ بِزَمَنٍ ك ( بَعْدِ الْعَصْرِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ } قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَيْ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَلِفِعْلِ أَبِي مُوسَى وَتَقَدَّمَ ( أَوْ بَيْنَ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ) لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُرْجَى فِيهِ إجَابَةُ الدُّعَاءِ فَتُرْجَى فِيهِ مُعَاجَلَةُ الْكَاذِبِ بِالْعُقُوبَةِ .
( وَ ) التَّغْلِيظُ ( بِمَكَانِ فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ) لِزِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْفَضِيلَةِ ( وَبِالْقُدْسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ ) لِفَضِيلَتِهَا ، .
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مَرْفُوعًا مِنْ الْجَنَّةِ ( وَبَقِيَّةِ الْبِلَادِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ) لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } وَقِيسَ عَلَيْهِ بَاقِي مَنَابِرِ الْمَسَاجِدِ ( وَبِحَلِفِ ذِمِّيٍّ بِمَوْضِعٍ يُعَظِّمُهُ ) كَمَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ .
قَالَ الشَّعْبِيُّ لِنَصْرَانِيٍّ : اذْهَبْ إلَى الْبَيْعَةِ .
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ فِي نَصْرَانِيٍّ : اذْهَبُوا بِهِ إلَى الْمَذْبَحِ ( زَادَ بَعْضُهُمْ وَ ) تُغَلَّظُ ( بِهَيْئَةٍ كَتَحْلِيفِهِ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ) كَاللِّعَانِ ( وَمَنْ أَبَى تَغْلِيظًا ) بِأَنْ قَالَ : مَا أَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَطْ ( لَمْ يَكُنْ نَاكِلًا ) عَنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ ( وَإِنْ رَأَى حَاكِمٌ تَرْكَهُ ) أَيْ التَّغْلِيظَ ( فَتَرَكَهُ كَانَ مُصِيبًا ) لِمُوَافَقَتِهِ مُطْلَقَ النَّصِّ ، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ وَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ أُعِيدَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُزِيلُ حُكْمَهَا ، وَكَذَا إنْ وَصَلَ يَمِينَهُ بِشَرْطٍ أَوْ كَلَامٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ وَتَقَدَّمَ .
الْإِقْرَارُ وَهُوَ الِاعْتِرَافُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَقَرِّ وَهُوَ الْمَكَانُ ، كَأَنَّ الْمُقِرَّ جَعَلَ الْحَقَّ فِي مَوْضِعِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْحَقِّ عَلَى وَجْهٍ مَنْفِيَّةٍ مِنْهُ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ كَذِبًا يَضُرُّهَا ، فَلِهَذَا قُدِّمَ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَا تُسْمَعُ مَعَ إقْرَارِ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَلَوْ أَكْذَبَ مُدَّعٍ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ وَلَوْ أَنْكَرَ .
ثُمَّ أَقَرَّ سُمِعَ إقْرَارُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِقْرَارُ شَرْعًا ( إظْهَارُ مُكَلَّفٍ ) لَا صَغِيرٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ وَمَجْنُونٍ لِحَدِيثِ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ } وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَلَمْ يَصِحَّ كَفِعْلِهِ ( مُخْتَارٍ ) لِمَفْهُومِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ، وَكَالْبَيْعِ ( مَا ) أَيْ حَقًّا ( عَلَيْهِ ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ( بِلَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ أَوْ ) إظْهَارِ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ مَا ( عَلَى مُوَكِّلِهِ ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ ( أَوْ ) مَا عَلَى ( مُوَلِّيهِ ) مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَإِقْرَارِهِ بِبَيْعِ عَيْنِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ ( أَوْ ) مَا عَلَى ( مُوَرِّثِهِ بِمَا ) أَيْ شَيْءٍ ( يُمْكِنُ صِدْقُهُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَسِنُّهُ عِشْرُونَ فَمَا دُونَهَا ( وَلَيْسَ ) الْإِقْرَارُ ( بِإِنْشَاءٍ ) بَلْ إخْبَارٍ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( فَيَصِحُّ ) الْإِقْرَارُ ( وَلَوْ مَعَ إضَافَةِ ) الْمُقِرِّ ( الْمِلْكَ إلَيْهِ ) كَقَوْلِهِ " عَبْدِي هَذَا وَدَارِي لِزَيْدٍ " إذْ الْإِضَافَةُ تَكُونُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَلَا تُنَافِي الْإِقْرَارَ بِهِ
( وَ ) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَلَوْ ( مِنْ سَكْرَانَ ) وَكَذَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ كَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُهُ عَمْدًا بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ كَطَلَاقِهِ وَبَيْعِهِ ( أَوْ ) مِنْ ( أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مَعْلُومَةٍ ) لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ كَكِتَابَتِهِ .
وَلَا يَصِحُّ مِنْ نَاطِقٍ بِإِشَارَةٍ ( أَوْ ) مِنْ ( صَغِيرٍ ) مُمَيِّزٍ ( أَوْ قِنٍّ أُذِنَ لَهُمَا فِي تِجَارَةٍ فِي قَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ ) مِنْ الْمَالِ لِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا فِيهِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ ( مُكْرَهٍ عَلَيْهِ ) لِلْخَبَرِ ( وَلَا ) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ ( بِإِشَارَةِ مُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ ) لِأَنَّهُ كَالنَّاطِقِ لِكَوْنِهِ يُرْتَجَى نُطْقُهُ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ ( بِمُتَصَوَّرٍ مِنْ مُقِرٍّ الْتِزَامُهُ ) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ نَسَبُهُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَهُوَ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ وَنَحْوَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إقْرَارِهِ ( بِشَرْطِ كَوْنِهِ ) إنْ كَانَ عَيْنًا ( بِيَدِهِ ) أَيْ الْمُقِرِّ ( وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ ) أَيْ أَوْ وَوِلَايَتِهِ أَوْ اخْتِصَاصِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ بِهِ ( مَعْلُومًا ) فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَيَأْتِي
( وَتُقْبَلُ ) مِنْ مُقِرٍّ وَنَحْوِهِ ( دَعْوَى إكْرَاهٍ ) عَلَى إقْرَارٍ ( بِقَرِينَةٍ ) دَالَّةٍ عَلَى إكْرَاهٍ ( كَتَوْكِيلٍ بِهِ ) أَيْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ أَوْ سِجْنِهِ ( أَوْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ تَهْدِيدِ قَادِرٍ ) عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ وَنَحْوِهِ ، لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي النُّكَتِ : وَعَلَى هَذَا تَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَكَتْبُ حُجَّةٍ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالِ .
وَقَالَ الْأَزَجِيُّ : " لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ ( وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ إكْرَاهٍ عَلَى ) بَيِّنَةِ ( طَوَاعِيَةٍ ) لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ ( وَلَوْ قَالَ مَنْ ) أَيْ مُقِرٌّ ( ظَاهِرُ الْإِكْرَاهِ ) لِتَوْكِيلٍ وَنَحْوَهُ ( عَلِمْتُ أَنِّي لَوْ لَمْ أُقِرَّ أَيْضًا أَطْلَقُونِي فَلَمْ أَكُنْ مُكْرَهًا لَمْ يَصِحَّ ) مِنْهُ ذَلِكَ ( لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْهُ فَلَا يُعَارَضُ بِيَقِينِ الْإِكْرَاهِ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ طَوْعًا وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ تَقَدَّمَ إلَى سُلْطَانٍ فَهَدَّدَهُ فَيُدْهَشُ فَيُقِرُّ فَيُؤْخَذُ بِهِ فَيَرْجِعُ وَيَقُولُ : هَدَّدَنِي وَدُهِشْتُ يُؤْخَذُ .
وَمَا عَلِمَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْجَزَعِ وَالْفَزَعِ .
( وَمَنْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِدِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِدِينَارٍ أَوْ ) أُكْرِهَ لِيُقِرَّ ( لِزَيْدٍ فَأَقَرَّ لِعَمْرٍو ) أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِدَارٍ فَأَقَرَّ بِدَابَّةٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ أَقَرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ صَحَّ إقْرَارُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ ( أَوْ ) أُكْرِهَ ( عَلَى وَزْنِ مَالٍ ) بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ ( فَبَاعَ دَارِهِ وَنَحْوَهَا ) كَثَوْبٍ ( فِي ذَلِكَ ) الْمَالِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِهِ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ ( وَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَيْهِ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ
( وَيَصِحُّ إقْرَارُ صَبِيٍّ أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ إذَا بَلَغَ عَشْرًا ) مِنْ السِّنِينَ يَعْنِي تَمَّتْ لَهُ وَمِثْلُهُ جَارِيَةٌ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِاحْتِلَامٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ صُدِّقَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ( وَلَا يُقْبَلُ ) قَوْلُهُ أَنَّهُ بَلَغَ ( بِسِنٍّ ) أَيْ تَمَّ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عِلْمُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ ( وَإِنْ أَقَرَّ ) مَنْ جَهِلَ بُلُوغَهُ حَالَ إقْرَارِهِ ( بِمَالٍ وَقَالَ بَعْدَ ) تَيَقُّنِ ( بُلُوغِهِ لَمْ أَكُنْ حِينَ إقْرَارِي بَالِغًا لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ : كُنْتُ حِينَ الْبَيْعِ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لِي وَنَحْوَهُ ، وَأَنْكَرَ مُشْتَرٍ وَتَقَدَّمَ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ فَادَّعَى أَنَّهُ بَالِغٌ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ إلَى حِينِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالْبُلُوغِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ ارْتَجَعَهَا .
قَالَ : وَهَذَا يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِثْلُ الْإِسْلَامِ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ ، أَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَكَانَ رَشِيدًا أَوْ بَعْدَ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ
( وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ بُلُوغَهُ حَالَ الشَّكِّ صُدِّقَ ) فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ ( بِلَا يَمِينٍ ) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعَدَمِ بُلُوغِهِ ( وَإِنْ ادَّعَى ) مَنْ أَنْبَتَ وَقَدْ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ وَنَحْوَهُ أَوْ لَا ( أَنَّهُ أَنْبَتَ بِعِلَاجٍ أَوْ دَوَاءٍ لَا بِبُلُوغٍ لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ وَحُكِمَ بِبُلُوغِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ
( وَمَنْ ادَّعَى جُنُونًا ) حَالَ إقْرَارِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ طَلَاقِهِ وَنَحْوِهِ لِإِبْطَالِ مَا وَقَعَ مِنْهُ ( لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَقَالَ الْأَزَجِيُّ : يُقْبَلُ إنْ عُهِدَ مِنْهُ جُنُونٌ فِي بَعْضِ أَوَانِهِ وَإِلَّا فَلَا .
وَفِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُهُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ
( وَالْمَرِيضُ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ صُورَةِ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ هَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ : هَذَا وَارِثِي وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ إرْثِهِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ ابْنِي أَوْ مَوْلَايَ فَيَذْكُرُ سَبَبَ الْإِرْثِ ، وَحِينَئِذٍ إذَا كَانَ نَسَبًا اُعْتُبِرَ بِالْإِمْكَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَأَنْ لَا يَدْفَعَ نَسَبًا انْتَهَى .
قُلْتُ : تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزَجِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِلَا بَيَانِ سَبَبٍ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ إرْثُهُ بِالرَّحِمِ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى أَصْلِنَا .
فَالْإِقْرَارُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ
( وَ ) يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ( بِأَخْذِ دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ وَارِثِهِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهِ .
( وَ ) يَصِحُّ إقْرَارُهُ ( بِمَالٍ لَهُ ) أَيْ لِغَيْرِ وَارِثِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ بِمَا يُرَادُ مِنْهُ وَتَحَرَّى الصِّدْقَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ ( وَلَا يُحَاصُّ مُقَرٌّ لَهُ ) فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ( غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ ) أَيْ مَنْ أَقَرَّ لَهُمْ حَالَ صِحَّتِهِ ، بَلْ يَبْدَأُ بِهِمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِلُزُومِهِ لَهُ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَهُ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِتَرِكَتِهِ كَإِقْرَارِ مُفْلِسٍ بِدَيْنٍ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ( لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ ) مَرِيضٌ ( فِي مَرَضِهِ بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَكْسِهِ ) بِأَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِعَيْنٍ ( فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ بِهَا ) مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِهَا فَهُوَ أَقْوَى وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا لَمْ يَصِحَّ وَمُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ رَبِّهَا
( وَلَوْ أَعْتَقَ ) مَرِيضٌ مَرَضَ مَوْتٍ مَخُوفٍ ( عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ ) لِلْعَبْدِ ( وَلَمْ يُنْقَضَا بِإِقْرَارِهِ بَعْدُ ) نَصًّا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُنَجَّزٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا فَلَا يَنْقُضُهُ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَنْقُضْ الدَّيْنُ عِتْقَهُ وَهِبَتَهُ كَالصَّحِيحِ .
( وَإِنْ أَقَرَّ ) الْمَرِيضُ ( بِمَالٍ لِوَارِثٍ لَمْ يُقْبَلْ ) إقْرَارُهُ بِهِ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إجَازَةِ ) بَاقِي ( الْوَرَثَةِ ) كَالْعَطِيَّةِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُ ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ إنْ كَانَ حَقًّا وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ ( فَلَوْ أَقَرَّ ) الْمَرِيضُ ( لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا لَزِمَهُ ) نَصًّا ( بِالزَّوْجِيَّةِ ) إلَّا بِمُقْتَضَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَهْرِ وَوُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ فَأَخْبَرَ بِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ وَ ( لَا ) يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ ( بِإِقْرَارِهِ ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِوَارِثٍ وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا رَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ أَوْ يُجِيزُوا لَهَا .
( وَإِنْ أَقَرَّ ) الْمَرِيضُ ( لَهَا ) أَيْ لِزَوْجَتِهِ ( بِدَيْنٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ) أَوَّلًا ( لَمْ يُقْبَلْ ) إقْرَارُهُ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا لَوْ بَيَّنَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ
( وَإِنْ أَقَرَّتْ ) مَرِيضَةٌ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ( أَنَّهَا لَا مَهْرَ لَهَا ) أَيْ عَلَى زَوْجِهَا ( لَمْ يَصِحَّ ) إقْرَارُهَا لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لِوَارِثٍ فِي الْمَرَضِ فَلِوَرَثَتِهَا مُطَالَبَتُهُ بِمَهْرِهَا ( إلَّا أَنْ يُقِيمَ ) الزَّوْجُ ( بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ ) أَيْ الْمَهْرِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ ( أَوْ ) يُقِيمَ بَيِّنَةً بِ ( إسْقَاطِهِ ) بِنَحْوِ حَوَالَةٍ وَكَذَا بِإِبْرَاءٍ فِي غَيْرِ مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ ( وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَى وَارِثٍ ) إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ .
( وَإِنْ أَقَرَّ ) الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ( لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ صَحَّ ) إقْرَارُهُ ( لَلْأَجْنَبِيِّ ) بِحِصَّتِهِ دُونَ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِلَفْظَتَيْنِ أَوْ كَمَا لَوْ جَحَدَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْهَا وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْتَبَرْ لَهُ الْعَدَالَةُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ فَتَبِينُ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ ( وَالِاعْتِبَارُ ) يَكُونُ الْمُقِرُّ لَهُ وَارِثَهُ أَوْ لَا ( بِحَالَةِ إقْرَارِهِ ) لِأَنَّهُ قَوْلٌ تُعْتَبَرُ فِيهِ التُّهْمَةُ فَاعْتُبِرَتْ حَالَ وُجُودِهِ كَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِمَا بِوَقْتِ الْمَوْتِ وَتَقَدَّمَ ( فَلَوْ أَقَرَّ ) بِمَالٍ ( لِوَارِثٍ ) حَالَ إقْرَارِهِ ( فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ ) كَمَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ أَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ ( لَمْ يَلْزَمْ ) إقْرَارُهُ لِاقْتِرَانِ التُّهْمَةِ بِهِ حِينَ وُجُودِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ لَازِمًا .
( وَإِنْ أَقَرَّ ) الْمَرِيضُ ( لِغَيْرِ وَارِثٍ ) كَأَخِيهِ مَعَ ابْنِهِ ( لَزِمَ ) إقْرَارُهُ ( وَلَوْ صَارَ ) الْمُقِرُّ لَهُ ( وَارِثًا ) بِأَنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْمُقِرِّ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخٍ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مُقِرٍّ لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَهْلِهِ خَالِيًا مِنْ التُّهْمَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ بِإِحْبَالِ أَمَتِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ .
وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ وَلَوْ آبِقًا حَالَ إقْرَارِهِ ( بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ ) كَمُوجِبِ تَعْزِيرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ ( صَحَّ ) إقْرَارُهُ ( وَأُخِذَ ) الْقِنُّ ( بِهِ فِي الْحَالِ ) لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ بَدَنِهِ وَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا الْمَالَ وَلِحَدِيثِ { الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ } وَمَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ ( مَا لَمْ يَكُنْ الْقَوَدُ فِي نَفْسٍ ) وَيُكَذِّبُهُ سَيِّدُهُ ( فَ ) يُؤْخَذُ بِهِ ( بَعْدَ عِتْقٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ سَيِّدِهِ أَشْبَهَ إقْرَارَهُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لِإِنْسَانٍ لِيَعْفُوَ عَنْهُ وَيَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ فَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ ( فَطَلَبَ جَوَابَ دَعْوَاهُ ) أَيْ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْقِنِّ ( وَمِنْ سَيِّدِهِ جَمِيعًا ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ ) أَيْ الْقِنِّ ( عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَا يُوجِبُ مَالًا فَقَطْ ) كَالْعُقُوبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِ الْمُقِرِّ أَشْبَهَ إقْرَارَ غَيْرِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ إقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ مَالًا لِإِيجَابِ حَقٍّ فِي مَالِ السَّيِّدِ فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ .
وَفِي الْكَافِي إنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِقَوَدٍ عَلَى الْعَبْدِ وَجَبَ الْمَالُ وَيَفْدِي السَّيِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ .
( وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَا يُوجِبُهُ ) أَيْ الْمَالَ كَجِنَايَةِ خَطَأٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ وَعَارِيَّةٍ وَقَرْضٍ ( أَوْ ) أَقَرَّ قِنٌّ ( مَأْذُونٌ لَهُ ) فِي تِجَارَةٍ ( بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالتِّجَارَةِ فَكَ ) إقْرَارِ ( مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ) لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا ( يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ) نَصًّا عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُفْلِسِ ( وَمَا صَحَّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ ) كَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَطَلَاقٍ ( فَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ ) دُونَ سَيِّدِهِ ( وَإِلَّا ) يَصِحَّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ كَاَلَّذِي يُوجِبُ مَالًا ( فَسَيِّدُهُ ) الْخَصْمُ فِيهِ وَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ هُمَا خَصْمَانِ فِيهِ كَمَا سَبَقَ
( وَإِنْ أَقَرَّ مُكَاتَبٌ بِجِنَايَةٍ ) أَيْ بِأَنَّهُ جَنَى ( تَعَلَّقَتْ ) الْجِنَايَةُ أَيْ أَرْشُهَا ( بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ ) جَمِيعًا فَإِنْ عَتَقَ اُتُّبِعَ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِلَّا فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ ( وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ ( عَلَيْهِ ) بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّهُ جَنَى لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ
( وَ ) إنْ أَقَرَّ ( قِنٌّ بِسَرِقَةِ مَالِ سَيِّدِهِ ) أَيْ الْقَنِّ ( وَكَذَّبَهُ سَيِّدُهُ ) فِي إقْرَارِهِ ( قُبِلَ ) إقْرَارُهُ ( فِي قَطْعِ ) يَدِهِ فِي السَّرِقَةِ بِشَرْطِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( دُونَ مَالٍ ) فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ سَيِّدِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُعْتَقَ أَيْ إنْ صَدَّقَهُ وَيُتْبَعَ بِالْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَحَكَاهُ فِي الْإِنْصَافِ قَوْلًا وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ وَيُقْطَعُ فِي الْحَالِ وَجَزَمَ بِهِ الْإِقْنَاعُ أَيْضًا وَذَكَرَهُ أَيْضًا نَصُّ الْإِمَامِ
( وَإِنْ أَقَرَّ ) عَبْدٌ ( غَيْرُ مُكَاتَبٍ لِسَيِّدِهِ ) لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ ) أَقَرَّ ( سَيِّدُهُ لَهُ بِمَالٍ لَمْ يَصِحَّ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَفْدِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا يُقِرُّ بِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ
( وَإِنْ أَقَرَّ ) سَيِّدُ قِنٍّ ( أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ عَتَقَ ) الْقِنُّ لِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ بِمَا يُوجِبُهُ ( ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ ) أَيْ السَّيِّدَ قِنُّهُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ ( لَزِمَهُ ) الْأَلْفُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِتَصْدِيقِهِ ( وَإِلَّا ) يُصَدِّقْهُ الْقِنُّ ( حَلَفَ ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ ( وَالْإِقْرَارُ ) بِشَيْءٍ ( لِقِنِّ غَيْرِهِ إقْرَارٌ ) بِهِ ( لِسَيِّدِهِ ) لِأَنَّهُ الْجِهَةُ الَّتِي يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا فَتَعَيَّنَ جَعْلُ الْمَالِ لَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ
( وَ ) الْإِقْرَارُ ( لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ) كَثَغْرٍ وَقَنْطَرَةٍ ( يَصِحُّ وَلَوْ أَطْلَقَ ) مُقِرٌّ فَلَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا كَغَلَّةِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَ السَّبَبَ وَيَكُونُ لِمَصَالِحِهَا
( وَلَا يَصِحُّ ) الْإِقْرَارُ ( لِدَارٍ إلَّا مَعَ ) ذِكْرِ ( السَّبَبِ ) كَغَصْبٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَجْرِي عَلَيْهَا صَدَقَةٌ غَالِبًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَسْجِدِ ( وَلَا ) يَصِحُّ إقْرَارُهُ ( لِبَهِيمَةٍ إلَّا إنْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِهَا ) زَادَ فِي الْمُغْنِي لِمَالِكِهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ .
( وَ ) إنْ قَالَ مُقِرٌّ ( لِمَالِكِهَا ) أَيْ الْبَهِيمَةِ ( عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ حَمْلِهَا ) وَهِيَ حَامِلٌ ( فَانْفَصَلَ ) حَمْلُهَا ( مَيِّتًا وَادَّعَى ) مَالِكُهَا ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُقَرَّ بِهِ ( بِسَبَبِهِ ) أَيْ الْحَمْلِ الْمُنْفَصِلِ مَيِّتًا ( صَحَّ ) إقْرَارُهُ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ( وَإِلَّا ) يَنْفَصِلَ حَمْلُهَا مَيِّتًا أَوْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا أَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ بِسَبَبِهِ ( فَلَا يَصِحُّ ) إقْرَارُهُ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ
( وَيَصِحُّ ) الْإِقْرَارُ ( لِحَمْلِ ) آدَمِيَّةٍ ( بِمَالٍ ) وَإِنْ لَمْ يَعْزُهُ إلَى سَبَبٍ لِجَوَازِ مِلْكِهِ إيَّاهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ كَالطِّفْلِ ( فَإِنْ وُضِعَ ) الْحَمْلُ ( مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ) بِبَطْنِهَا ( حَمْلٌ بَطَلَ ) إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ ( وَإِنْ وَلَدَتْ ) الْمُقَرُّ لِحَمْلِهَا ( حَيًّا وَمَيِّتًا فَ ) الْمُقَرُّ بِهِ جَمِيعُهُ ( لِلْحَيِّ ) بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فِي الْمَيِّتِ ( وَ ) إنْ وَلَدَتْ ( حَيَّيْنِ فَ ) الْمُقِرُّ بِهِ ( لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَوْ ) كَانَا ( ذَكَرًا وَأُنْثَى ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ ( مَا لَمْ يَعْزُهُ ) أَيْ الْإِقْرَارَ ( إلَى مَا ) أَيْ سَبَبٍ ( يُوجِبُ تَفَاضُلًا كَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ يَقْتَضِيَانِهِ ) أَيْ التَّفَاضُلَ ( فَيُعْمَلُ بِهِ ) أَيْ بِمُقْتَضَى السَّبَبِ الَّذِي عَزَاهُ إلَيْهِ مِنْ التَّفَاضُلِ لِاسْتِنَادِ الْإِقْرَارِ إلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ .
( وَ ) إنْ قَالَ مُكَلَّفٌ ( لَهُ ) أَيْ الْحَمْلِ ( عَلَى أَلْفٍ جَعَلْتُهَا لَهُ وَنَحْوَهُ ) كَوَهَبْتُهُ إيَّاهَا أَوْ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْدَدْتُهَا لَهُ ( فَ ) هُوَ ( وَعْدٌ ) لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ .
( وَ ) لَوْ قَالَ ( لِلْحَمْلِ عَلَى أَلْفٍ أَقْرِضْنِيهِ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ ) لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْحَمْلِ عَلَى أَلْفٍ إقْرَارٌ صَحِيحٌ وَقَدْ وَصَلَهُ بِمَا يُغَيِّرُهُ فَلَا يُبْطِلُهُ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ وَ ( لَا ) يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِقَوْلِهِ ( أَقْرِضْنِي ) الْحَمْلَ ( أَلْفًا ) فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ قَرْضٌ
( وَمَنْ أَقَرَّ لِمُكَلَّفٍ بِمَالٍ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِرِقِّ نَفْسِهِ ) مَعَ جَهْلِ نَسَبِهِ ( أَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ قِنًّا فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ) فِي إقْرَارِهِ ( بَطَلَ ) إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِهِ ( وَيَقِرُّ ) الْمُقَرُّ بِهِ ( بِيَدِ الْمُقِرِّ ) لِأَنَّهُ مَالٌ بِيَدِهِ لَا يَدَّعِيهِ غَيْرُهُ أَشْبَهَ اللُّقَطَةَ وَكَذَا يَبْقَى مَنْ أَقَرَّ بِرِقِّ نَفْسِهِ وَكَذَّبَهُ مُقَرٌّ لَهُ بِيَدِ نَفْسِهِ ( وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُ مُقَرٍّ لَهُ إلَى دَعْوَاهُ ) أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ بِأَنْ رَجَعَ فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ ( وَإِنْ عَادَ الْمُقِرُّ فَادَّعَاهُ ) أَيْ الْمُقَرَّ بِهِ ( لِنَفْسِهِ أَوْ ) ادَّعَاهُ ( لِثَالِثٍ قُبِلَ ) مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ .
وَمَنْ تَزَوَّجَ مَنْ جَهِلَ نَسَبَهَا فَأَقَرَّتْ بِرِقٍّ لَمْ يُقْبَلْ مُطْلَقًا أَيْ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَلَا فِي حَقِّ زَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَرْتَفِعُ بِقَوْلِ أَحَدٍ كَالْإِقْرَارِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ
( وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مِلْكِهِ ( لَمْ تَضُرَّ بِهِ ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ كَذَلِكَ ( أُمُّ وَلَدٍ ) فَلَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا بِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ( إلَّا بِقَرِينَةٍ ) تَدُلُّ عَلَى حَمْلِهَا بِهِ فِي مِلْكِهِ كَأَنْ مَلَكَهَا صَغِيرَةً وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ
( وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأُبُوَّةِ صَغِيرٍ أَوْ ) بِأُبُوَّةِ ( مَجْنُونٍ أَوْ ) أَقَرَّ شَخْصٌ ( بِأَبٍ أَوْ ) أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ بِ ( زَوْجٍ أَوْ ) أَقَرَّ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ بِ ( مَوْلًى أَعْتَقَهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ وَلَوْ أَسْقَطَ بِهِ وَارِثًا مَعْرُوفًا ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِابْنٍ وَلَهُ أَخٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُسْقِطِ وَيُشْتَرَطُ لِلْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ ( إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ ) أَيْ الْمُقِرِّ بِأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ كَإِقْرَارِهِ بِأُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ بِمَنْ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَمْ يَدْفَعْ بِهِ نَسَبًا لِغَيْرِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولَ النَّسَبِ الثَّالِثُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَصَدَّقَهُ ) أَيْ الْمُقِرَّ ( مُقَرٌّ بِهِ ) مُكَلَّفٌ لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا صَحِيحًا وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ ( أَوْ كَانَ ) الْمُقِرُّ بِهِ ( مَيِّتًا ) وَيَرِثُهُ الْمُقِرُّ ( وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ وَلَدٍ ) مُقَرٍّ بِهِ ( مَعَ صِغَرِ ) الْوَلَدِ ( أَوْ جُنُونِهِ وَلَوْ بَلَغَ ) صَغِيرٌ ( وَعَقَلَ ) مَجْنُونٌ ( وَأَنْكَرَ ) كَوْنَهُ ابْنًا لِمُقِرٍّ ( لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِقْرَارِ ( وَيَكْفِي فِي تَصْدِيقِ وَالِدٍ بِوَلَدٍ وَعَكْسِهِ ) أَيْ تَصْدِيقِ وَلَدٍ بِوَالِدٍ ( سُكُوتُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ ) لِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِي ذَلِكَ ظَنُّ التَّصْدِيقِ .
وَ ( لَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا ) بِالْآخَرِ ( تَكْرَارُهُ ) أَيْ التَّصْدِيقِ بِالسُّكُوتِ نَصًّا ( وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِنَسَبِهِمَا بِدُونِهِ ) أَيْ تَكْرَارِ التَّصْدِيقِ بِالسُّكُوتِ ( وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ ) أَيْ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى كَإِقْرَارِ جَدٍّ بِابْنِ ابْنٍ أَوْ ابْنِ ابْنٍ بِجَدٍّ وَكَأَخٍ يُقِرُّ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ بِابْنِ أَخٍ ( الْوَرَثَةِ أَقَرُّوا بِمَنْ لَوْ أَقَرَّ
بِهِ مُوَرِّثُهُمْ ثَبَتَ نَسَبُهُ ) كَبَنِينَ أَقَرُّوا بِابْنٍ وَإِخْوَةٍ بِأَخٍ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِي حَقِّهِمْ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُقِرُّ بِمَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ بِلَا حَقٍّ وَلِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ وَدُيُونِهِ الَّتِي لَهُ وَعَلَيْهِ وَدَعَاوِيهِ وَغَيْرِهَا فَكَذَا فِي النَّسَبِ .
( وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِ مُقِرٍّ فَادَّعَتْ زَوْجِيَّتَهُ ) أَيْ الْمُقِرِّ ( أَوْ ) جَاءَتْ ( أُخْتُهُ غَيْرَ تَوْأَمَتِهِ ) فَادَّعَتْ ( الْبُنُوَّةَ لَمْ تَثْبُتْ بِذَلِكَ ) لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ دَعْوَى كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِهِمْ لَكِنْ يُعْطَى الْمُقَرُّ لَهُ مَا فَضَلَ بِيَدِ مُقِرٍّ وَتَقَدَّمَ وَيَأْتِي
( وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ ) أَقَرَّ ( بِعَمٍّ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ لَمْ يُقْبَلْ ) لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ نَسَبًا لَا يُقِرُّ بِهِ .
( وَ ) إنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ ( بَعْدَ مَوْتِهِمَا ) أَيْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ ( وَمَعَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلِلْمُقِرِّ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ مَا فَضَلَ بِيَدِ مُقِرٍّ أَوْ كُلِّهِ ) أَيْ كُلِّ مَا بِيَدِهِ ( إنْ أَسْقَطَهُ ) مُقِرٌّ بِهِ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مَعَ مُقِرٍّ وَارِثٌ غَيْرُهُ كَابْنٍ أَوْ بِنْتٍ لَا وَارِثَ غَيْرَهَا أَقَرَّتْ بِأَخٍ ( ثَبَتَ ) نَسَبُهُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَوَرِثَ
( وَإِنْ أَقَرَّ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ بِنَسَبِ وَارِثٍ حَتَّى ) بِنَسَبِ ( أَخٍ وَعَمٍّ فَصَدَّقَهُ ) الْمُقَرُّ بِهِ ( وَأَمْكَنَ ) صِدْقُهُ ( قُبِلَ ) إقْرَارهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحَقِّ غَيْرِهِ وَ ( لَا ) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِنَسَبِ وَارِثٍ ( مَعَ وَلَاءٍ حَتَّى يُصَدِّقَهُ مَوْلَاهُ ) نَصًّا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ مَوْلَاهُ مِنْ إرْثِهِ فَلَا يُقْبَلُ بِلَا تَصْدِيقِهِ لِلتُّهْمَةِ