كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
( وَتُسَنُّ مُوَالَاةٌ ) فِي غُسْلٍ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجِبُ كَالتَّرْتِيبِ ، لِأَنَّ الْبَدَنَ شَيْءٌ وَاحِدٌ ( فَإِنْ فَاتَتْ ) الْمُوَالَاةُ بِأَنْ أَخَّرَ غُسْلَ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ زَمَنًا يَجِفُّ فِيهِ مَا غَسَلَهُ قَبْلَهُ " جَدَّدَ لِإِتْمَامِهِ " أَيْ الْغُسْلِ " نِيَّةً " لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ فَيَقَعُ غَسْلُ مَا بَقِيَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ .
( وَ ) يُسَنُّ ( سِدْرٌ فِي غُسْلِ كَافِرٍ أَسْلَمَ ) لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ .
وَتَقَدَّمَ
( كَ ) مَا يُسَنُّ لِكَافِرٍ أَسْلَمَ ( إزَالَةُ شَعْرِهِ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
( وَ ) يُسَنُّ أَيْضًا سِدْرٌ فِي غُسْلِ ( حَائِضٍ طَهُرَتْ ) مِنْ حَيْضٍ وَمِثْلُهَا نُفَسَاءُ .
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ
( وَ ) يُسَنُّ أَيْضًا ( أَخْذُهَا ) أَيْ الْحَائِضِ ( مِسْكًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ) مِسْكًا ( فَطِيبًا ) أَيَّ طِيبٍ كَانَ ، إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْرِمَةً ، أَوْ كَانَتْ حَادَّةً أَيْضًا ( فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ) طِيبًا ( فَطِينًا تَجْعَلُهُ ) أَيْ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ مِسْكٍ أَوْ طِيبٍ أَوْ طِينٍ ( فِي فَرْجِهَا ) لِيَقْطَعَ رَائِحَةَ الْحَيْضِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ ( فِي قُطْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) مِمَّا يُمْسِكُهُ .
وَ يَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ ( بَعْدَ غُسْلِهَا ) لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ أَسْمَاءُ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا " وَالْفِرْصَةُ : الْقِطْعَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ ، كَمَا يَأْتِي ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الطِّينَ فَبِمَاءٍ طَهُورٍ
( وَسُنَّ تَوَضُّؤٌ بِمُدٍّ ) مِنْ مَاءٍ ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَزِنَتُهُ ) أَيْ ( الْمُدِّ ) ( مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ ) دِرْهَمًا ( وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ) إسْلَامِيٍّ ( وَهِيَ ) بِالْمَثَاقِيلِ ( مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا وَ ) بِالْأَرْطَالِ ( رِطْلٌ وَثُلُثٌ عِرَاقِيٌّ وَمَا وَافَقَهُ ) فِي زِنَتِهِ مِنْ الْبُلْدَانِ ( وَرِطْلٌ وَسُبُعُ ) رِطْلٍ ( وَثُلُثُ سُبُعِ ) رِطْلٍ ( مِصْرِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ ) كَالْمَكِّيِّ .
وَذَلِكَ رِطْلٌ وَأُوقِيَّتَانِ وَسُبُعَا أُوقِيَّةٍ ( وَهِيَ ثَلَاثُ أَوَاقٍ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ بِوَزْنِ دِمِشْقَ وَمَا وَافَقَهُ .
وَهِيَ أُوقِيَّتَانِ وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ ) أُوقِيَّةٍ ( ب ) الْوَزْنِ ( الْحَلَبِيِّ وَمَا وَافَقَهُ .
وَ ) هِيَ ( أُوقِيَّتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ بِالْقُدْسِيِّ وَمَا وَافَقَهُ ) وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمِيَاهِ بَيَانُ الْمُوَافِقِ لِمَا ذُكِرَ
( وَ ) سُنَّ ( اغْتِسَالٌ ( بِصَاعٍ ) ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ ، فَتَكُونُ ( زِنَتُهُ ) بِالدِّرْهَمِ ( سِتُّمِائَةِ ) دِرْهَمٍ ( وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ ) دِرْهَمًا ( وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ) إسْلَامِيٍّ ( وَهِيَ بِالْمَثَاقِيلِ أَرْبَعُمِائَةِ ) مِثْقَالٍ ( وَثَمَانُونَ مِثْقَالًا .
وَ ) بِالْأَرْطَالِ ( خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثِ ) رِطْلٍ ( عِرَاقِيَّةٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبٍ " أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ ، .
وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ : سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ .
وَيُعْتَبَرُ ( بِالْبُرِّ الرَّزِينِ ) أَيْ الْجَيِّدِ .
وَيَأْتِي أَنَّهُ مَا يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي زِنَتِهِ ( وَ ) ذَلِكَ ( أَرْبَعَةُ ) أَرْطَالٍ ( وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ ) رِطْلٍ ( وَثُلُثُ سُبْعِ رِطْلٍ مِصْرِيٍّ ) وَمَا وَافَقَهُ ، أَيْ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ وَتِسْعُ أَوَاقٍ وَسُبْعُ أُوقِيَّةٍ مِصْرِيَّةٍ ( وَ ) ذَلِكَ ( رِطْلٌ وَسُبْعُ رِطْلٍ دِمَشْقِيٍّ ) وَمَا وَافَقَهُ ( وَ ) ذَلِكَ ( إحْدَى عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ ) أُوقِيَّةٍ ( حَلَبِيَّةٍ ) وَمَا وَافَقَهَا ( وَ ) ذَلِكَ ( عَشْرُ أَوَاقٍ وَسُبْعَانِ ) مِنْ أُوقِيَّةٍ ( قُدْسِيَّةٍ ) وَمَا وَافَقَهَا .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَهَذَا ) أَيْ بَيَانُ قَدْرِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ بِهَذِهِ الْأَوْزَانِ ( يَنْفَعُكَ هُنَا وَفِي الْفِطْرَةِ ) أَيْ زَكَاةِ الْفِطْرِ ( وَ ) فِي ( الْفِدْيَةِ ) فِي الْحَجِّ وَفِي الْعُمْرَةِ ( وَ ) فِي ( الْكَفَّارَةِ ) أَيْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَيَمِينٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَ ) فِي ( غَيْرِهَا ) كَنَذْرِ الصَّدَقَةِ بِمُدٍّ أَوْ صَاعٍ ( وَكُرِهَ ) اغْتِسَالٌ ( عُرْيَانًا ) إنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَإِلَّا حُرِّمَ .
قَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ، وَقَدْ دَخَلَا الْمَاءَ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَانِ " إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا " وَفِي الْإِقْنَاعِ : لَا بَأْسَ خَالِيًا وَالسَّتْرُ أَفْضُلُ
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( إسْرَافٌ ) فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ ، وَلَوْ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ ؟ فَقَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ }
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( إسْبَاغٌ ) فِي وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ ( بِدُونِ مَا ذُكِرَ ) مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمُدِّ وَالْغُسْلِ بِالصَّاعِ .
لِحَدِيثِ { عَائِشَةَ كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَالْإِسْبَاغُ : تَعْمِيمُ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ ، بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ ؛ فَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ وَلَا إمْرَارُ الثَّلْجِ عَلَيْهِ وَلَوْ ابْتَلَّ بِهِ الْعُضْوُ إنْ لَمْ يَذُبْ .
وَيَجْرِي عَلَيْهِ
( وَمَنْ نَوَى بِغُسْلٍ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَاغْتَسَلَ أَجْزَأَ عَنْهُمَا
( أَوْ ) نَوَى بِغُسْلِهِ رَفْعَ ( الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ ) فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْأَكْبَرِ وَلَا بِالْأَصْغَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا
( أَوْ نَوَى بِغُسْلِهِ أَمْرًا ) أَيْ فِعْلَ أَمْرٍ ( لَا يُبَاحُ إلَّا بِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ ) كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَاغْتَسَلَ ( أَجْزَأَ ) الْغُسْلُ ( عَنْهُمَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } جَعَلَ الْغُسْلَ غَايَةً لِلْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ .
فَإِذَا اغْتَسَلَ وَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْهَا وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ فَدَخَلَتْ الصُّغْرَى فِي الْكُبْرَى ، كَالْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ إذَا كَانَ قَارِنًا .
وَإِنْ نَوَى الْغُسْلَ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ لِقِرَاءَةٍ ؛ لَمْ يَرْتَفِعْ الْأَصْغَرُ .
وَإِنْ نَوَتْ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا حِلَّ الْوَطْءُ بِغُسْلِهَا صَحَّ .
وَإِنْ أَحْدَثَ مَنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ وَنَحْوَهُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ ؛ أَتَمَّ غُسْلَهُ ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ تَوَضَّأَ .
وَفُهِمَ مِنْهُ : سُقُوطُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ .
وَصَرَّحَ بِهِ قَبْلُ ، فَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ غُسْلَهَا مِنْ الْحَدَثَيْنِ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِيهَا وَلَا الْمُوَالَاةُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ بَاقٍ
( وَسُنَّ لِكُلِّ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ ( مِنْ جُنُبٍ وَلَوْ ) كَانَ ( أُنْثَى ، وَ ) مِنْ ( حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا : غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ لِنَوْمٍ ) لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ } .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : " { ذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيَّةَ الْجَنَابَةِ مِنْ اللَّيْلِ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ، ثُمَّ نَمْ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( وَكُرِهَ تَرْكُهُ ) أَيْ تَرْكُ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ الْوُضُوءَ ( لَهُ ) أَيْ لِلنَّوْمِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ .
( وَ ) سُنَّ لِجُنُبٍ أَيْضًا الْوُضُوءُ ( لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَاكِمُ ، وَزَادَ " فَإِنَّهُ أَنْشَطُ " ( وَالْغُسْلُ ) لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ ( أَفْضَلُ ) لِأَنَّهُ أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ ( وَ ) سُنَّ أَيْضًا لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا الْوُضُوءُ ( لِأَكْلٍ وَشُرْبٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا فِي مَعْنَاهُ ( وَلَا يَضُرُّ نَقْضُهُ ) أَيْ الْوُضُوءُ ( بَعْدُ ) فَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ .
وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْفِيفِ الْحَدَثِ أَوْ النَّشَاطِ ، وَقَدْ حَصَلَ
فَصْلٌ فِي ( الْحَمَّامِ ) وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْحَمِيمِ ، أَيْ الْمَاءِ الْحَارِّ .
وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهُ : سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ( يُكْرَهُ بِنَاءُ الْحَمَّامِ وَبَيْعُهُ وَإِجَارَتِهِ ) لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ وَغَيْرِهِ .
قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ : لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ بَنَاهُ لِلنِّسَاءِ .
( وَ ) تُكْرَه ( الْقِرَاءَةُ ) فِيهِ .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ خَفَضَ صَوْتَهُ .
( وَ ) يُكْرَهُ ( السَّلَامُ فِيهِ ) .
رَدًّا وَابْتِدَاءً .
وَفِي الشَّرْحِ : الْأَوْلَى جَوَازُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ } وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ .
وَالْأَشْيَاءُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( الذِّكْرُ ) فِيهِ .
لِمَا رَوَى النَّخَعِيّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ " دَخَلَ الْحَمَّامَ فَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " ( وَدُخُولُهُ ) أَيْ دُخُولُ ذَكَرٍ حَمَّامًا ( بِسُتْرَةٍ مَعَ أَمْنِ الْوُقُوعِ فِي مُحَرَّمٍ مُبَاحٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا كَانَ بِالْجُحْفَةِ .
{ وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ ، يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ } ( وَإِنْ خِيفَ ) بِدُخُولِهِ الْوُقُوعُ فِي مَحْرَمٍ ( كُرِهَ ) دُخُولُهُ ، خَشْيَةَ الْمَحْظُورِ .
وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ " بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُبْدِي الْعَوْرَةَ ، وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ " رَوَاهُ ابْن أَبِي شَيْبَة فِي مُصَنَّفِهِ ( وَإِنْ عَلِمَ ) الْوُقُوعَ فِي مُحَرَّمٍ بِدُخُولِهِ ( حَرُمَ ) لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا أَحْكَامُ الْمَقَاصِدِ ( أَوْ دَخَلَتْهُ أُنْثَى بِلَا عُذْرٍ ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ ( حَرُمَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا حَمَّامَاتٍ ؛ فَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ ، إلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَأَمِنَتْ الْوُقُوعَ فِي مُحَرَّمٍ جَازَ .
وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ غُسْلُهَا بِبَيْتِهَا ، خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ
وَغَيْرِهِ وَالْإِقْنَاعِ .
وَلَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ قُرْبَ الْغُرُوبِ وَلَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي دُخُولِهِ ، وَيَقْصِدُ مَوْضِعًا خَالِيًا وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَارًّا حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ ، وَيُقِلُّ الِالْتِفَاتَ وَلَا يُطِيلُ الْمَقَامَ ، بَلْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا خَرَجَ بِمَاءٍ بَارِدٍ وَيَغْسِلُ أَيْضًا قَدَمَيْهِ وَإِبِطَيْهِ عِنْدَ دُخُولِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ .
بَابُ ( التَّيَمُّمِ ) لُغَةً : الْقَصْدُ ، قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } وَشَرْعًا ( اسْتِعْمَالُ تُرَابٍ مَخْصُوصٍ ) أَيْ طَهُورٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مُحْتَرِقٍ لَهُ غُبَارٌ ( لِ ) مَسْحِ ( وَجْهٍ وَيَدَيْنِ ) عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ، وَهُوَ ( بَدَلُ طَهَارَةِ مَاءٍ ) أَيْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ غُسْلِ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ ( لِ ) فِعْلِ ( كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ ) أَيْ بِالْمَاءِ ، أَيْ بِطَهَارَتِهِ ، كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ ، وَقِرَاءَةٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ ، وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ ( عِنْدَ عَجْزٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالٍ ، أَوْ صِفَةٌ لِبَدَلٍ ( عَنْهُ أَيْ الْمَاءِ ( شَرْعًا ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ .
وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ حِسًّا ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا أَصْلًا ( سِوَى نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ ) كَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ .
فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا ؛ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ .
( وَ ) سِوَى ( لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ لَحَاجَةٍ ) لِلُّبْثِ فِيهِ مَعَ تَعَذُّرِ الْمَاءِ ، فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمَ لِذَلِكَ .
وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ : لِكُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ .
وَالتَّيَمُّمُ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ .
وَسَنَدُهُ : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّيَمُّمِ ( عَزِيمَةٌ ) كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ .
فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ .
وَ ( يَجُوزُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ ) كَالسَّفَرِ الْمُبَاحِ ، بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ ، وَالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ بِالسَّفَرِ ، وَهُوَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ لِلْحَدَثِ
( وَشُرُوطُهُ ) أَيْ التَّيَمُّمِ الزَّائِدَةُ عَلَى شُرُوطِ مُبْدَلِهِ ( ثَلَاثَةٌ ) أَحَدُهَا ( دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ ) يُرِيدُ التَّيَمُّمَ لَهَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( مَنْذُورَةً ب ) زَمَنٍ ( مُعَيَّنٍ ) كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَشْرِ دَرَجٍ مَثَلًا ( فَلَا يَصِحُّ ) التَّيَمُّمُ لِهَذِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ .
وَلَا ( ل ) صَلَاةٍ ( حَاضِرَةٍ ) أَيْ مُؤَدَّاةٍ ( وَلَا ) لِصَلَاةِ ( عِيدٍ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُمَا .
وَلَا ل ) فَرِيضَةٍ ( فَائِتَةٍ إلَّا إذَا ذَكَرَهَا وَأَرَادَ فِعْلَهَا ، وَلَا ل ) صَلَاةِ ( كُسُوفٍ قَبْلَ وُجُودِهِ ) أَيْ الْكُسُوفِ ( وَلَا ل ) صَلَاةِ ( اسْتِسْقَاءٍ مَا لَمْ يَجْتَمِعُوا ) أَيْ النَّاسُ لَهَا ( وَلَا ل ) صَلَاةِ ( جِنَازَةٍ إلَّا إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ ) إنْ أَمْكَنَ ( أَوْ يُمِّمَ لِعُذْرٍ ) وَيُعَانِي بِهَا .
فَيُقَالُ : شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ تَيَمُّمِ غَيْرِهِ ، وَهِيَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ نَحْوِ تَقَطُّعٍ أَوْ عَدَمِ مَاءٍ ( وَلَا لِ ) صَلَاةِ ( نَفْلِ وَقْتٍ نُهِيَ عَنْهَا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ ، فَتُقَيَّدُ بِالْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ .
فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي : تَعَذُّرُ ) اسْتِعْمَالِ ( الْمَاءِ لِعَدَمِهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( وَلَوْ بِحَبْسٍ ) لِلْمَاءِ ، بِأَنْ يُوضَعُ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ يَعْجِزُ الشَّخْصُ عَنْ الْخُرُوج فِي طَلَبِهِ ( أَوْ ) كَانَ عَدَمُ الْمَاءِ بِسَبَبِ ( قَطْعِ عَدُوٍّ مَاءَ بَلَدِهِ أَوْ ) بِسَبَبِ ( عَجْزٍ عَنْ تَنَاوُلِهِ ) أَيْ الْمَاءِ مِنْ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ .
فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا عَامٌّ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ .
وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ
الْمُسَافِرَ .
فَأَمَّا لِلْآيَةِ فَلَعَلَّ ذِكْرَ السَّفَرِ فِيهَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ، كَذِكْرِهِ فِي الرَّهْنِ .
فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ مُعْتَبَرًا ( وَلَوْ بِفَمٍ لِفَقْدِ آلَةٍ ) كَمَقْطُوعِ يَدَيْنِ ، وَصَحِيحٍ عَدِمَ مَا يَسْتَقِي بِهِ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ ، أَوْ يَدَاهُ نَجِسَتَانِ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ .
فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَنَاوُلِهِ بِنَحْوِ فَمٍ أَوْ عَلَى غَمْسِ أَعْضَائِهِ بِمَاءٍ كَثِيرٍ ، لَزِمَهُ لِأَنَّهُ فَرَضَهُ ( أَوْ ) تَعَذَّرَ الْمَاءُ مَعَ وُجُودِهِ ( ل ) عَارِضٍ مِنْ ( مَرَضٍ ) يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ ( مَعَ عَدَمِ مُوَضِّئٍ ) لَهُ ، أَوْ مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ ( أَوْ ) غَيْبَتِهِ عَنْهُ مَعَ ( خَوْفِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ بِانْتِظَارِهِ ) أَيْ الْمُوَضِّئِ أَوْ الصَّابِّ ( أَوْ خَوْفِهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( بِاسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( بُطْءَ بُرْءٍ ) أَيْ طُولَ مَرَضٍ ( أَوْ ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ ( بَقَاءَ شَيْنٍ ) أَيْ أَثَرَ قُرُوحٍ تَفْحُشُ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا ا هـ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى } وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ ذَهَابَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ .
فَهُنَا أَوْلَى ( أَوْ ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ ( ضَرَرَ بَدَنِهِ مِنْ جُرْحٍ ) فِيهِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ ( أَوْ ) مِنْ ( بَرْدٍ شَدِيدٍ ) وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ ( أَوْ ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ( فَوْتَ رِفْقَةٍ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوَاتِ الرِّفْقَةِ ، لِفَوَاتِ الْأُلْفِ وَالْأُنْسِ ( أَوْ ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوْتَ ( مَالِهِ ، أَوْ ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ( عَطَشَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَيْنِ ) بِخِلَافِ نَحْوِ حَرْبِيٍّ وَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ
، أَوْ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَمَنْ مَعَهُ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَخَافَ عَطَشًا ؛ حَبَسَ الطَّاهِرَ وَأَرَاقَ النَّجِسَ ، إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ ، وَإِلَّا حَبَسَهُ ( أَوْ ) خَوْفِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ( احْتِيَاجَهُ ) أَيْ الْمَاءَ ( لِعَجْنٍ أَوْ طَبْخٍ ) .
فَمَنْ خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَفِيقِهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَخَشِيَ الْعَطَشَ : أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ وَيَتَيَمَّمُ ( أَوْ ) تَعَذَّرَ الْمَاءُ ( لِعَدَمِ بَذْلِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي مَكَانِهِ ) لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ .
فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَحَمُّلُهُ ، كَضَرَرِ النَّفْسِ ( وَلَا إعَادَةَ فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسَائِلِ .
لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ ( وَيَلْزَمُ ) مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَاحْتِيَاجِهِ ( شِرَاءُ مَاءٍ أَوْ ) شِرَاءُ ( حَبْلٍ وَدَلْوٍ ) احْتَاجَ إلَيْهِمَا لِيَسْتَسْقِيَ بِهِمَا ( بِثَمَنِ مِثْلٍ أَوْ ) شَيْءٍ ( زَائِدٍ ) عَنْهُ ( يَسِيرًا ) عَادَةً فِي مَكَانِهِ ( فَاضِلٍ ) صِفَةٌ لِثَمَنٍ ( عَنْ حَاجَتِهِ ) كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةٍ وَمُؤْنَةِ سَفَرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَدَلِ .
وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ لَا أَثَرَ لَهَا إذْ الضَّرَرُ الْيَسِيرُ قَدْ اُغْتُفِرَ فِي النَّفْسِ ، فَفِي الْمَالِ أَحْرَى .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ، وَلَوْ وَجَدَهُ يُبَاعُ فِي الذِّمَّةِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ ، لَكِنْ إنْ اشْتَرَى إذَنْ فَهُوَ أَفْضُلُ .
وَلَيْسَ إسْرَافًا بِخِلَافِ عَطْشَانَ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَشْرَبْ فَيَأْثَمُ .
( وَ ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا ( اسْتَعَارَتُهُمَا ) أَيْ طَلَبُ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ عَارِيَّةً مِمَّنْ هُمَا مَعَهُ .
( وَ ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا ( قَبُولُهُمَا ) إنْ بُذِلَا لَهُ (
عَارِيَّةً ، وَ ) قَبُولُ ( مَاءٍ قَرْضًا ) لِاسْتِقْرَاضِهِ .
( وَ ) يَلْزَمُهُ قَبُولُ ( هِبَةٍ ) لِاسْتِيهَابِهِ ( وَ ) يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِهِ فَرْضًا وَلَهُ وَفَاءٌ ) لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ يَسِيرَةٌ فِي الْعَادَةِ ، فَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُهَا .
وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِهِ هِبَةً لَلْمِنَّةَ ، وَلَا اسْتِقْرَاضُ ثَمَنِهِ ( وَيَجِبُ ) عَلَى مَنْ مَعَهُ مَاءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ شُرْبِهِ ( بَذْلُهُ لِعَطْشَانَ ) وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا ؛ لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ مِنْ هَلَكَةٍ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ .
( وَيُيَمَّمُ رَبُّ مَاءٍ مَاتَ ) بَدَلَ غُسْلِهِ ( لِعَطَشِ رَفِيقِهِ ) كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا ( وَيَغْرَمُ ) رَفِيقُهُ ( ثَمَنَهُ ) أَيْ قِيمَةَ الْمَاءِ ( مَكَانَهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ ) لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ قُلْنَا : الْمَاءُ مِثْلِيٌّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْوَارِثِ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النِّهَايَةِ : إنْ غَرِمَهُ مَكَانَهُ فَبِمِثْلِهِ ( وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ ) بَعْدَ وُضُوئِهِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ ( وَمَنْ قَدَرَ عَلَى مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ يُدَلِّيهِ فِيهَا يَبُلُّهُ ثُمَّ ) يُخْرِجُهُ فَ ( يَعْصِرُهُ لَزِمَهُ ) ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ ( مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ ) أَيْ الثَّوْبِ بِذَلِكَ ( أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ ، كَشِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ فَعَلَ .
( وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُعْتَادَةُ ( وَمَنْ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحٌ وَنَحْوُهُ ) بِأَنْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ أَوْ رَمَدٌ ، وَتَضَرَّرَ بِغُسْلِ ذَلِكَ ، وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ ( وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِمَسْحِهِ بِالْمَاءِ وَجَبَ ) الْمَسْحُ بِالْمَاءِ ، إنْ لَمْ يَكُنْ الْجُرْحُ نَجِسًا .
قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ .
( وَأَجْزَأَ ) لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْمَاءِ بَعْضُ الْغُسْلِ ، وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ .
لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ }
وَكَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَقَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تَضَرَّرَ بِمَسْحِهِ أَيْضًا ( تَيَمَّمَ لَهُ ) أَيْ لِلْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ ( وَ ) يَتَيَمَّمُ أَيْضًا ( لِمَا يَتَضَرَّرُ بِغُسْلِهِ مِمَّا قَرُبَ ) مِنْ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ .
( وَ ) يَتَيَمَّمُ أَيْضًا ( لِمَا يَتَضَرَّرُ بِغُسْلِهِ مِمَّا قَرُبَ ) مِنْ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ ( وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ضَبْطِهِ ) أَيْ الْجَرِيحِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ ( وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَضْبِطُهُ ) وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ حَاجَتِهِ ( لَزِمَهُ ) أَنْ يَسْتَنِيبَ لِيُؤَدِّيَ الْفَرْضَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ أَيْضًا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ ( وَيَلْزَمُ مَنْ جُرْحُهُ ) وَنَحْوَهُ ( بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ تَرْتِيبٌ ) لِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ ( فَيَتَيَمَّمُ لَهُ ) أَيْ لِلْعُضْوِ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ ( عِنْدَ غَسْلِهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا ) فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ وَنَحْوُهُ فِي الْوَجْهِ وَعَمَّهُ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَغْسِلَ صَحِيحَهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ لِجُرْحِهِ وَعَكْسِهِ ، ثُمَّ يُتِمَّ وُضُوءَهُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ عُضْوٍ آخَرَ لَزِمَهُ غُسْلُ مَا قَبْلَهُ ، ثُمَّ كَانَ فِيهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْوَجْهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ احْتَاجَ فِي كُلِّ عُضْوٍ إلَى تَيَمُّمٍ فِي مَحَلِّ غُسْلِهِ ، لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ ، فَإِنْ غَسَلَ صَحِيحٌ وَجْهَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ لَهُ وَلِيَدَيْهِ تَيَمُّمًا .
لَمْ يُجْزِهِ ، لِأَدَائِهِ إلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ عَنْ جُمْلَةِ الطَّهَارَةِ فَالْحُكْمُ لَهُ دُونَهَا .
( وَ ) يَلْزَمُ أَيْضًا مَنْ جُرْحُهُ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ ( مُوَالَاةٌ ) لِوُجُوبِهَا فِيهِ فَلَوْ كَانَ بِرِجْلِهِ ، وَتَيَمَّمَ لَهُ عِنْدَ غُسْلِهَا وَمَضَى مَا تَفُوتُ فِيهِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ ( فَ ) يُعِيدُهُ ( وَيُعِيدُ غَسْلَ الصَّحِيحَ عِنْدَ
كُلِّ تَيَمُّمٍ ) كَمَا لَوْ أَخَّرَ غَسْلَهُ حَتَّى فَاتَتْ وَلَوْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ جُرْحٍ وَخَرَجَ الْوَقْتُ .
لَمْ يَعُدْ سِوَى التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَرْتِيبٌ ، وَلَا مُوَالَاةٌ ( وَإِنْ وَجَدَ ) مَنْ لَزِمَهُ طَهَارَةٌ ( حَتَّى الْمُحْدِثُ ) حَدَثًا أَصْغَرَ ( مَاءً لَا يَكْفِي لِطَهَارَةٍ اسْتَعْمَلَهُ ) وُجُوبًا ( ثُمَّ تَيَمَّمَ ) لِلْبَاقِي ، لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ لَمْ يَصِحَّ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ ، اسْتَعْمَلَهُ وَصَلَّى وَيُعِيدُ إذَا وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ .
قُلْت : مُقْتَضَى مَا يَأْتِي : لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ ، وَلَا إعَادَةَ وَإِنْ وَجَدَ جُنُبٌ مَا يَكْفِي أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ فَقَطْ اسْتَعْمَلَهُ فِيهَا نَاوِيًا رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ وَمَنْ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا غَسَلَ بِهِ النَّجَاسَةَ ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ نَصًّا .
قَالَ الْمَجْدُ : إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلٍّ يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ مِنْ الْحَدَثِ ، فَيَسْتَعْمِلُهُ فِيهِ عَنْهُمَا وَكَذَا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ .
أَزَالَهَا بِهِ ، ثُمَّ تَيَمَّمَ ( وَمَنْ ) لَزِمَتْهُ طَهَارَةٌ وَ ( عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ إذَا ) أَيْ كُلَّمَا ( خُوطِبَ بِصَلَاةٍ ) بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُهَا فَلَا أَثَرَ لِلطَّلَبِ قَبْلَهُ .
لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالطَّهَارَةِ إذَنْ ( طَلَبُهُ فِي رَحْلِهِ ) بِأَنْ يُفَتِّشُ مِنْ مَسْكَنِهِ وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ أَثَاثِهِ وَرَحْلِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ .
( وَمَا قَرُبَ ) مِنْهُ ( عَادَةً ) بِأَنْ يَنْظُرَ أَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا طَلَبَهُ أَمَامَهُ ، فَإِنْ رَأَى خُضْرَةً أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ .
( وَ ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا : طَلَبُهُ ( مِنْ رَفِيقِهِ )
فَيَسْأَلُ عَنْ مَوَارِدِهِ ، أَوْ عَنْ مَاءٍ مَعَهُ يَبِيعُهُ ، أَوْ يَبْذُلُهُ لَهُ .
فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَمْ يَصِحَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وَلَا يُقَالُ : لَمْ يَجِدْ إلَّا لِمَنْ طَلَبَ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُهُ وَسَوَاءٌ تَحَقَّقَ وُجُودَهُ أَوْ ظَنَّهُ ، أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ ، أَوْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ ( مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُهُ ) أَيْ الْمَاءِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ ، لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ ( وَمَنْ تَيَمَّمَ ) لِعَدَمِ الْمَاءِ ( ثُمَّ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ فِي ) وُجُودِ ( الْمَاءِ ) كَخُضْرَةٍ وَرَكْبٍ قَادِمٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَاءٌ ( لَا فِي صَلَاةٍ ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ ) لِوُجُوبِ طَلَبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَلَا تَبْطُلُ وَلَا تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ إذَنْ ( فَإِنْ دَلَّهُ ) أَيْ عَادِمَ الْمَاءِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( ثِقَةٌ ) قَرِيبًا عُرْفًا لَزِمَهُ قَصْدُهُ ( أَوْ عَلِمَهُ ) أَيْ عَلِمَ الْمَاءَ عَادِمُهُ ( قَرِيبًا عُرْفًا ) مِنْهُ ( وَلَمْ يَخَفْ ) بِقَصْدِهِ إيَّاهُ ( فَوْتَ وَقْتٍ وَلَوْ ) كَانَ الْوَقْتُ الْمَخُوفُ فَوَاتُهُ ( لِلِاخْتِيَارِ ) بِأَنْ ظَنَّ أَنْ لَا يُدْرِكَ الصَّلَاةَ بِوُضُوءٍ إلَّا وَقْتَ الضَّرُورَةِ ( أَوْ ) لَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ فَوْتَ ( رِفْقَةٍ ، أَوْ ) فَوْتَ ( عَدُوٍّ ، أَوْ ) فَوْتَ ( مَالٍ ، أَوْ ) لَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ ( عَلَى نَفْسِهِ ) نَحْوَ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ .
( وَلَوْ ) كَانَ الْمَخُوفُ مِنْهُ ( فُسَّاقًا ) يَفْسُقُونَ بِطَالِبِ الْمَاءِ ( غَيْرَ جَبَانٍ ) يَخَافُ بِلَا سَبَبٍ يُخَافُ مِنْهُ ( أَوْ ) لَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ عَلَى ( مَالِهِ ) كَشُرُودِ دَابَّتِهِ ، أَوْ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ ( لَزِمَهُ قَصْدُهُ ) أَيْ الْمَاءِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِلَا ضَرَرٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ خَافَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ ( تَيَمَّمَ ) وَسَقَطَ طَلَبُهُ ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ بِلَا ضَرَرٍ فَأَشْبَهَ عَادِمَهُ إعَادَةً وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى
الْأَمْنِ .
وَإِذَا تَيَمَّمَ لِسَوَادٍ بِاللَّيْلِ يَظُنُّهُ عَدُوًّا ، فَتَبَيَّنَ عَدَمَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَلَا إعَادَةَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي الْأَسْفَارِ ( وَلَا يَتَيَمَّمُ ) مَعَ الْمَاءِ ( لِخَوْفِ فَوْتِ جِنَازَةٍ ) بِالْوُضُوءِ ( وَلَا ) لِخَوْفِ فَوْتِ وَقْتِ ( فَرْضٍ ) إنْ تَوَضَّأَ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } ( إلَّا هُنَا ) أَيْ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ أَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ ثِقَةٌ قَرِيبًا وَخَافَ بِقَصْدِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ .
( وَ ) إلَّا فِيمَا ( إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ ) عَنْ طَهَارَتِهِ ( أَوْ ) لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْهَا لَكِنْ ( عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ ) لِيَسْتَعْمِلَهُ ( إلَّا بَعْدَهُ ) أَيْ الْوَقْتِ ، فَيَتَيَمَّمُ ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ .
فَاسْتُصْحِبَ حَالُ عَدَمِهِ لَهُ ، بِخِلَافِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ ، ثُمَّ أَخَّرَ حَتَّى ضَاقَ فَكَحَاضِرٍ لِتَحَقُّقِ قُدْرَتِهِ ( وَمَنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ) مِنْ مَاءٍ أَوْ ثَمَنِهِ أَوْ آلَتِهِ ( أَوْ ) تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ ( تَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ ) كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ ( وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى .
أَعَادَ ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَاحِقٍ لَهُ .
فَلَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ ، كَوَاجِدِهِ ( وَمَنْ خَرَجَ ) إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِ بَلَدِهِ ( لِحَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ وَنَحْوِهِ ) كَاحْتِطَابٍ ( حَمَلَهُ ) أَيْ الْمَاءَ مَعَهُ ( إنْ أَمْكَنَهُ ) لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ إذَنْ .
وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ ( وَ ) مَتَى حَمَلَهُ وَفَقَدَهُ ، أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ ( تَيَمَّمَ إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ ) الَّتِي خَرَجَ إلَيْهَا ( بِرُجُوعِهِ ) إلَى الْمَاءِ ( وَلَا يُعِيدُ ) صَلَاتَهُ بِهِ ، لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُسَافِرِ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى .
( وَمَنْ فِي الْوَقْتِ ) لِلصَّلَاةِ ( أَرَاقَهُ ) أَيْ الْمَاءَ ( أَوْ مَرَّ بِهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ ) مِنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ ( وَ ) هُوَ ( يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا
يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ ) فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مَنْ يَلْزَمُ بَذْلُهُ لَهُ ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ ذَلِكَ ( وَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ كَأُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ ( ثُمَّ إنْ تَيَمَّمَ ) لِعَدَمِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ ( وَصَلَّى لَمْ يُعِدْ ) لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْتِ ، فَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا إثْمَ لَهُ وَلَا إعَادَةَ بِالْأَوْلَى ( وَمَنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ وَبِهِ الْمَاءُ .
وَقَدْ طَلَبَهُ ) أَيْ رَحْلَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ ، فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ أَوْ ضَلَّ ( عَنْ مَوْضِعِ بِئْرٍ كَانَ يَعْرِفُهَا فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ ) وَلَا إعَادَةَ بَعْدَ وُجُودِ مَاءٍ ضَلَّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ تَيَمُّمِهِ عَادِمُ الْمَاءِ .
فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ ( وَلَوْ بَانَ بَعْدَ ) التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ ( بِقُرْبِهِ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ لَمْ يَعْرِفْهَا ) فَلَا إعَادَةَ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا ظَاهِرَةً أَوْ كَانَ يَعْرِفُهَا ( لَا إنْ نَسِيَهُ أَيْ الْمَاءَ ) أَوْ جَهِلَهُ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ ( وَلَوْ مَعَ نَحْوِ عَبْدِهِ ( وَتَيَمَّمَ ) وَصَلَّى .
فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فَلَا تَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ ، كَمَنْ صَلَّى نَاسِيًا حَدَثَهُ وَ ( كَمُصَلٍّ عُرْيَانًا وَمُكَفِّرٍ بِصَوْمٍ نَاسِيًا لِلسُّتْرَةِ وَالرَّقَبَةِ ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ ، وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ( وَيُتَيَمَّمُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ، أَيْ يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ ( لِكُلِّ حَدَثٍ ) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ .
لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ { : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ فَقَالَ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ ؟ فَقَالَ
أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ، وَلَا مَاءَ قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ .
فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ ، وَحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا كَجُنُبٍ ( وَ ) تَيَمَّمَ ( ل ) كُلِّ ( نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ ) مُتَيَمِّمٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ بِمُنْزِلَةِ الْجُنُبِ ( لِعَدَمِ مَاءٍ أَوْ لِضَرَرٍ ) فِي بَدَنِهِ وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ ( مِنْ بَرْدٍ حَضَرَا ) مَعَ عَدَمِ مَا يُسَخَّنُ بِهِ الْمَاءُ ( بَعْدَ تَخْفِيفِهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ عَنْ بَدَنِهِ ( مَا أَمْكَنَ ) بِمَسْحِ رَطْبِهِ أَوْ حَكِّ يَابِسِهِ ( لُزُومًا وَلَا إعَادَةَ ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَحَلٍّ صَحِيحٍ أَوْ جَرِيحٍ ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ { : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ } وَقَوْلِهِ : { جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا } وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فِي الْبَدَنِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ ، فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا تَيَمُّمَ لِغَيْرِ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ وَتَقَدَّمَ ( وَإِنْ تَعَذَّرَ ) عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ ( الْمَاءُ وَالتُّرَابُ لِعَدَمٍ ) كَمَنْ حُبِسَ بِمَحَلٍّ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا تُرَابَ ( أَوْ لِقُرُوحٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِمَاءٍ وَلَا تُرَابٍ ( وَنَحْوِهَا ) أَيْ الْقُرُوحِ كَجِرَاحَاتٍ لَا يُمْكِنُ مَسُّهَا وَكَذَا مَرِيضٌ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ أَوْ عَمَّنْ يُطَهِّرُهُ بِأَحَدِهِمَا ( صَلَّى الْفَرْضَ فَقَطْ ) دُونَ النَّوَافِلِ ( عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ) لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فَلَمْ تُؤَخَّرْ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالسُّتْرَةِ .
( وَلَا يَزِيدُ ) عَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ ( عَلَى مَا يُجْزِئُ ) فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَقْرَأُ زَائِدًا عَلَى الْفَاتِحَةِ وَلَا يَسْتَفْتِحُ ، وَلَا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُبَسْمِلُ ، وَلَا يُسَبِّحُ زَائِدًا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ رَكَعَ فِي الْحَالِ ، وَإِذَا فَرَغَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي التَّشَهُّدِ نَهَضَ أَوْ سَلَّمَ فِي الْحَالِ
لِأَنَّهَا صَلَاةُ ضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَاجِبِ .
إذْ لَا ضَرُورَةَ لِزَائِدٍ وَلَا يَقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ جُنُبًا ( وَلَا يَؤُمُّ ) عَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ ( مُتَطَهِّرًا بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يَؤُمُّ قَادِرًا عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التُّرَابِ ، فِي الصَّلَاةِ فَكَالْمُتَيَمِّمِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ ( وَلَا إعَادَةَ ) عَلَى مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ ( وَتَبْطُلُ ) صَلَاتُهُ ( بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ ) كَنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا ( فِيهَا ) لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ ، فَأَبْطَلَهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ .
وَتَبْطُلُ صَلَاةٌ عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُيَمَّمْ بِغُسْلِهِ مُطْلَقًا ، وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِهِ وَيُيَمَّمُ ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِأَحَدِهِمَا مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ ( وَإِنْ وَجَدَ ) عَادِمٌ ( ثَلْجًا وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ مَسَحَ بِهِ أَعْضَاءَهُ ) لُزُومًا ، لِأَنَّهُ مَاءٌ جَامِدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا كَذَلِكَ ، فَوَجَبَ ، لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } .
وَظَاهِرُهُ : لَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ ، لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ ( وَصَلَّى وَلَمْ يُعِدْ ) صَلَاتَهُ ( إنْ جَرَى ) الثَّلْجُ أَيْ سَالَ ( بِمَسِّ الْأَعْضَاءِ ) الْوَاجِبِ غَسْلُهَا ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَسْلًا خَفِيفًا ، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ بِمَسٍّ .
أَعَادَ ، وَمِثْلُهُ لَوْ صَلَّى بِلَا تَيَمُّمٍ وَعِنْدَهُ : طِينٌ يَابِسٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَقِّهِ لِيَكُونَ لَهُ غُبَارٌ الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ : تُرَابٌ ) فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِرَمْلٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ جِصٍّ ، أَوْ نَحْتِ حِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِ ( طَهُورٌ ) بِخِلَافِ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ ، لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ ، أَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ ، وَإِنْ تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ،
صَحَّ ، كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ ( مُبَاحٌ ) فَلَا يَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ ، كَالْوُضُوءِ بِهِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تُرَابَ مَسْجِدٍ ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِتُرَابِ زَمْزَمَ ، مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ ( غَيْرُ مُحْتَرِقٍ ) فَلَا يَصِحُّ بِمَا دَقَّ مِنْ نَحْوِ خَزَفٍ ، لِأَنَّ الطَّبْخَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ ( يَعْلَقُ غُبَارُهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ لَا يُمْسَحُ بِشَيْءٍ مِنْهُ " فَلَوْ ضَرَبَ عَلَى نَحْوِ لَبَدٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ صَخْرَةٍ أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ أَوْ عَدْلِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا عَلَيْهِ غُبَارٌ طَهُورٌ يَعْلَقُ بِيَدِهِ ، صَحَّ تَيَمُّمُهُ بِخِلَافِ سَبَخَةٍ وَنَحْوِهَا لَا غُبَارَ لَهَا .
( فَإِنْ خَالَطَهُ ) أَيْ التُّرَابَ الطَّهُورُ ( ذُو غُبَارٍ ) غَيْرُهُ ، كَالْجِصِّ ، وَالنُّورَةِ ( فَكَمَاءٍ ) طَهُورٍ ( خَالَطَهُ طَاهِرٌ ) فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُخَالَطِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ كَانَ الْمُخَالَطُ لَا غُبَارَ لَهُ لَمْ يُمْنَعْ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ ، كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ ، وَإِنْ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ .
ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا ، وَإِلَّا جَازَ وَإِنْ شَكَّ فِي التَّكْرَارِ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ ، وَلَا بِطِينٍ ، لَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُ تَجْفِيفُهُ ، وَالتَّيَمُّمُ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ جَازَ ، لَا بَعْدَهُ وَأَعْجَبَ أَحْمَدَ حَمْلُ التُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَا يَحْمِلُهُ وَظَهَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، إذْ لَمْ يَنْقُلْ .
فَصْلٌ وَفَرَائِضُهُ أَيْ التَّيَمُّمِ خَمْسَةٌ فِي الْجُمْلَةِ أَحَدُهَا ( مَسْحُ وَجْهِهِ ) وَمِنْهُ اللِّحْيَةُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ } ( سِوَى مَا تَحْتَ ) شَعْرٍ ، وَلَوْ كَانَ الشَّعْرُ ( خَفِيفًا وَ ) سِوَى ( دَاخِلِ فَمٍ وَأَنْفٍ ، وَيُكْرَهُ ) إدْخَالُ التُّرَابِ فَمَهُ وَأَنْفَهُ لِتَقْذِيرِهِ .
( وَ ) الثَّانِي مَسْحُ ( يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَيْدِيكُمْ } وَإِذَا عُلِّقَ حُكْمٌ بِمُطْلَقِ الْيَدَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الذِّرَاعُ ، كَقَطْعِ السَّارِقِ وَمَسِّ الْفَرْجِ .
وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ : { بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت ، فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ ؛ فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدِك هَكَذَا ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَلَوْ أَمَرَّ الْمَحَلَّ ) الْمَمْسُوحَ فِي التَّيَمُّمِ ( عَلَى تُرَابٍ ) وَمَسَحَهُ بِهِ صَحَّ ( أَوْ صَمَدَهُ ) أَيْ نَصَبَ الْمَحَلَّ الَّذِي يَمْسَحُ فِي التَّيَمُّمِ ( لِرِيحٍ فَعَمَّهُ ) التُّرَابُ ( وَمَسَحَهُ بِهِ صَحَّ ) تَيَمُّمُهُ إنْ نَوَاهُ ، كَمَا لَوْ صَمَّدَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لِمَاءٍ فَجَرَى عَلَيْهَا ( لَا إنْ سَفَتْهُ ) أَيْ سَفَتْ رِيحٌ الْمَحَلَّ بِتُرَابٍ مِنْ غَيْرِ تَصْمِيدٍ ( فَمَسَحَهُ بِهِ ) لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِقَصْدِ الصَّعِيدِ .
( وَإِنْ تَيَمَّمَ بِبَعْضِ يَدَيْهِ ، أَوْ ) تَيَمَّمَ ( بِحَائِلٍ ) كَخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا ، فَكَوُضُوءٍ يَصِحُّ حَيْثُ مَسَحَ مَا يَجِبُ مَسْحُهُ ، لِوُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( أَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَكَوُضُوءٍ ) يَصِحُّ حَيْثُ نَوَاهُ الْمُتَيَمِّمُ ، وَلَمْ يُكْرَهْ مُيَمَّمٌ .
( وَ ) الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ ( تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ لِحَدَثٍ أَصْغَرَ ) دُونَ حَدَثٍ أَكْبَرَ وَنَجَاسَةِ بَدَنٍ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ ، وَهُمَا فَرْضَانِ فِي
الْوُضُوءِ دُونَ مَا سِوَاهُ ( وَهِيَ ) أَيْ الْمُوَالَاةُ ( هُنَا بِقَدْرِهَا ) زَمَنًا ( فِي وُضُوءٍ ) فَهِيَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ مَسْحَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا قَبْلَهُ لَوْ كَانَ مَغْسُولًا بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ .
( وَ ) الْخَامِسُ ( تَعْيِينُ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ ) كَصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا ( مِنْ ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِبَاحَةِ ( حَدَثٍ ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ ، جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ نَجَاسَةٍ ) بِبَدَنٍ ، وَيَكْفِيهِ لَهَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ .
وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مَوَاضِعُهَا .
فَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ ( فَلَا يَكْفِي ) مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ وَبِبَدَنِهِ نَجَاسَةُ التَّيَمُّمِ ( لِأَحَدِهِمَا ) عَنْ الْآخَر .
( وَ ) لَا يَكْفِي مَنْ هُوَ مُحْدِثٌ وَجُنُبٌ التَّيَمُّمُ عَنْ غُسْلِهِ لِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } .
وَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ : مِنْ قِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ دُونَ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَإِذَا أَحْدَثَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي هَذَا التَّيَمُّمِ .
( وَإِنْ نَوَاهُمَا ) أَيْ الْحَدَثَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ ( أَوْ ) نَوَى الْحَدَثَ وَنَجَاسَةً بِبَدَنٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ عَنْهُمَا أَوْ نَوَى ( أَحَدَ أَسْبَابِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْحَدَثَيْنِ ، بِأَنْ بَالَ وَتَغَوَّطَ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ ، وَنَوَى وَاحِدًا مِنْهُمَا وَتَيَمَّمَ ( أَجْزَأَ ) التَّيَمُّمُ ( عَنْ الْجَمِيع ) وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ مُوجِبَانِ لِلْغُسْلِ وَنَوَى أَحَدَهُمَا ، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ : لَا إنْ نَوَى أَنْ لَا يَسْتَبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ .
( وَمَنْ نَوَى ) بِتَيَمُّمِهِ ( شَيْئًا ) تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا ( اسْتِبَاحَةً ) أَيْ مَا نَوَاهُ .
( وَ ) اسْتَبَاحَ ( مِثْلَهُ ) فَمَنْ تَيَمَّمَ لِظُهْرٍ اسْتَبَاحَهَا وَمَا يُجْمَعُ إلَيْهَا وَفَائِتَةٍ فَأَكْثَرَ ( وَ ) اسْتَبَاحَ ( دُونَهُ ) كَمَنْذُورَةٍ وَنَافِلَةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ بِالْأَوْلَى ( فَأَعْلَاهُ ) أَيْ أَعْلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ ( فَرْضُ عَيْنٍ ) كَوَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ ( فَنَذْرٌ فَ ) فَرْضُ ( كِفَايَةٍ ) كَصَلَاةِ عِيدٍ ( فَنَافِلَةٌ ) كَرَاتِبَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ( فَطَوَافُ ) فَرْضٍ ، فَطَوَافُ ( نَفْلٍ ) كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ( فَمَسُّ مُصْحَفٍ ، فَقِرَاءَةُ ) قُرْآنٍ ( فَلُبْثِ ) بِمَسْجِدٍ .
وَلَمْ يَذْكُرُوا وَطْءَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ اللُّبْثِ .
وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَا يَسْتَبِيحُ مَا فَوْقَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ ، وَلَا تَابِعَ لِمَا نَوَاهُ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " .
( وَإِنْ أَطْلَقَهَا ) أَيْ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ ( لِصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ ) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَرْضَهُمَا وَلَا نَفْلَهُمَا وَتَيَمَّمَ ( لَمْ يَفْعَلْ إلَّا نَفْلَهُمَا ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ ، فَلَمْ يَحْصُل لَهُ .
وَفَارَقَ طَهَارَةَ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ فَيُبَاحُ لَهُ جَمِيعُ مَا يَمْنَعُهُ .
( وَتَسْمِيَةٌ فِيهِ ) أَيْ التَّيَمُّمِ ( ك ) تَسْمِيَةٍ فِي ( وُضُوءٍ ) فَتَجِبُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ عَنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ كَالنِّيَّةِ وَتَسْقُطُ سَهْوًا .
( وَيَبْطُلُ ) التَّيَمُّمُ ( حَتَّى تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِقِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ وَ ) حَتَّى تَيَمَّمَ ( حَائِضٌ لِوَطْءٍ : بِخُرُوجِ وَقْتٍ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ " التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ " وَلِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ .
فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَأَوْلَى .
فَلَوْ تَيَمَّمَ وَقْتَ الصُّبْحِ بَطَلَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ .
وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ بَعْدَ الشُّرُوقِ ، بَطَلَ بِالزَّوَالِ ( ك ) لَوْ تَيَمَّمَ ل ( طَوَافٍ ، وَ ) لِصَلَاةِ ( جِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَسُجُودِ شُكْرٍ ( وَ ) كَذَا لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ ( نَجَاسَةٍ ) بِبَدَنٍ ، فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ، لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهِ كَمَسْحِ الْخُفِّ ، فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ ( مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ ) فَلَا تَبْطُلُ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى ( أَوْ ) مَا لَمْ ( يَنْوِ الْجَمْعَ فِي وَقْتٍ ثَانِيَةٍ ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ .
فَإِنْ نَوَاهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَهَا أَوْ لِفَائِتَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِخُرُوجِهِ .
لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ صَيَّرَتْ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ ( وَ ) يَبْطُلُ أَيْضًا ( بِوُجُودِ مَاءٍ ) مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِلَا ضَرَرٍ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا وَلَوْ انْدَفَقَ أَوْ كَانَ قَلِيلًا فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي .
( وَ ) يَبْطُلُ أَيْضًا ب ( زَوَالِ مُبِيحٍ ) كَبُرْءِ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ تَيَمَّمَ لَهُ ، لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ ، فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا .
( وَ ) يَبْطُلُ أَيْضًا ب ( مُبْطِلٍ مَا تَيَمَّمَ لَهُ ) مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ ، فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ عَنْ وُضُوءٍ بِمَا يُبْطِلُهُ مِنْ نَوْمٍ وَنَحْوِهِ ، وَعَنْ غُسْلٍ بِمَا يُنْقِضُهُ كَخُرُوجِ مَنِيٍّ بِلَذَّةٍ ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ وَبَقِيَ لِلْجَنَابَةِ بِحَالِهِ .
( وَ ) يَبْطُلُ أَيْضًا ( بِخَلْعِ مَا يُمْسَحُ ) كَخُفٍّ وَعِمَامَةٍ وَجَبِيرَةٍ لُبِسَتْ عَلَى طَهَارَةِ مَاءٍ ( إنْ تَيَمَّمَ ) بَعْدَ حَدَثِهِ .
( وَهُوَ عَلَيْهِ ) سَوَاءٌ
مَسَحَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَا ، لِقِيَامِ تَيَمُّمِهِ مَقَامَ وُضُوئِهِ وَهُوَ يَبْطُلُ بِخَلْعِ ذَلِكَ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِنْ اُخْتُصَّ بِعُضْوَيْنِ صُورَةً فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْبَعَةِ حُكْمًا ، وَكَذَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحٍ وَ ( لَا ) يَبْطُلُ تَيَمُّمٌ ( عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ بِحَدَثِ غَيْرِهِمَا ) كَجِمَاعٍ وَإِنْزَالٍ كَالْغُسْلِ لَهُمَا .
وَالْوَطْءُ وَنَحْوُهُ يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ .
( وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ ) مَنْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِهِ ( فِي صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ بَطَلَا ) لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ ، فَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ ، وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ أَوْ الطَّوَافَ .
( وَ ) إنْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ ( أَنْ انْقَضَيَا ) أَيْ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ ( لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهُمَا ) وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ وَهُوَ يَرَى بُيُوتَ الْمَدِينَةِ .
فَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ وَلِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةٌ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ .
( وَ ) إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِعَدَمِ مَاءٍ ثُمَّ وَجَدَهُ ( فِي قِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ ( يَجِبُ التَّرْكُ ) أَيْ تَرْكُ قِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهِمَا لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ( وَبِغُسْلِ مَيِّتٍ ) يُمِّمَ لِعَدَمِ مَاءٍ ( وَلَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ ) وَلَمْ يُدْفَنْ حَتَّى وُجِدَ مَاءٌ ( وَتُعَادُ ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِتَيَمُّمٍ وَالْأَوْلَى بِوُضُوءٍ .
( وَسُنَّ لِعَالِمٍ ) وُجُودَ مَاءٍ ( وَلِرَاجٍ وُجُودَ مَاءٍ ، أَوْ مُسْتَوٍ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ ) أَيْ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ( تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ ) أَيْ يَمْكُثُ وَيَنْتَظِرُ لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجُنُبِ " يَتَلَوَّمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ " فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ ، وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدُ ، كَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى السُّتْرَةِ ، أَوْ لِمَرَضٍ جَالِسًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ .
( وَصِفَتُهُ ) أَيْ التَّيَمُّمِ ( أَنْ يَنْوِيَ ) اسْتِبَاحَةَ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ نَحْوِهِ ( ثُمَّ يُسَمِّي ) وُجُوبًا ( وَيَضْرِبُ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مَفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ ) لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَا بَيْنَهُمَا ، وَيَنْزِعُ نَحْوَ خَاتَمٍ ( ضَرْبَةً وَاحِدَةً ) فَإِنْ كَانَ التُّرَابُ نَاعِمًا فَوَضَعَ يَدَيْهِ بِلَا ضَرْبٍ .
فَعَلِقَ بِهِمَا كَفَى .
وَيُكْرَهُ نَفْخُ التُّرَابِ إنْ كَانَ قَلِيلًا .
فَإِنْ ذَهَبَ بِهِ أَعَادَ الضَّرْبَ ( ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ ) جَمِيعَهُ .
فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَصِلْ التُّرَابُ إلَيْهَا أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَفْصِلْ رَاحَتَهُ .
فَإِنْ فَصَلَهَا فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهَا غُبَارٌ جَازَ أَيْضًا الْمَسْحُ بِهَا .
وَإِلَّا ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى ( بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ .
وَ ) يَمْسَحُ ظَاهِرَ ( كَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ ) لِحَدِيثِ عَمَّارٍ .
وَتَقَدَّمَ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ، وَمَنْ قَالَ ضَرْبَتَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ زَادَهُ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قِيلَ فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَتَكُونُ مُفَسِّرَةً لِلْمُرَادِ بِالْكَفَّيْنِ ؟ أُجِيبَ : بِأَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيث إنَّمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ وَشَكَّ فِيهِ .
ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ مَعَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ ، وَخَالَفَ بِهِ سَائِرَ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ .
وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَأُخْرَى لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ
( وَإِنْ بُذِلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ - مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ : ( أَوْ نُذِرَ ) مَاءٌ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ ( أَوْ وُقِفَ ) مَاءٌ عَلَى أَوْلَى جَمَاعَةٍ ( أَوْ وُصِّيَ بِمَاءٍ لِأَوْلَى جَمَاعَةٍ : قُدِّمَ ) بِهِ مِنْهُمْ ( غُسْلُ طِيبِ مُحْرِمٍ ) لِأَنَّ تَأْخِيرَ غُسْلِهِ بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ .
( فَ ) إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَ غُسْلُ ( نَجَاسَةِ ثَوْبٍ ) لِوُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى عَادِمِ غَيْرِهِ ( فَ ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ غُسْلُ نَجَاسَةِ ( بُقْعَةٍ ) تَعَذَّرَتْ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فِيهَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا ( فَ ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ غُسْلُ نَجَاسَةِ ( بَدَنٍ ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَهَا ، بِخِلَافِ حَدَثٍ ( فَ ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ ( مَيِّتٌ ) فَيُغَسَّلُ بِهِ .
لِأَنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ .
وَالْأَحْيَاءُ يَرْجِعُونَ إلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِلُونَ ( فَ ) إنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ قُدِّمَتْ بِهِ ( حَائِضٌ ) انْقَطَعَ دَمُهَا ، لِغُسْلِهَا مِنْ الْحَيْضِ .
لِأَنَّهُ أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ ( فَ ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُدِّمَ بِهِ ( جُنُبٌ ) لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ .
وَأَيْضًا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْجُنُبُ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُحْدِثُ بِهِ .
( فَ ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ تَوَضَّأَ بِهِ ( مُحْدِثٌ لَا إنْ كَفَاهُ ) أَيْ الْمُحْدِثَ لِلْوُضُوءِ ( وَحْدَهُ ) أَيْ دُونَ الْجُنُبِ ، بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ ( فَيُقَدَّمُ ) بِهِ الْمُحْدِثُ ( عَلَى جُنُبٍ ) لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ طَهَارَةٍ ، بِأَنْ لَمْ يَكْفِ كُلًّا مِنْهُمَا قُدِّمَ بِهِ جُنُبٌ .
لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ فِي تَطْهِير بَعْضِ أَعْضَائِهِ .
( وَيُقْرَعُ مَعَ التَّسَاوِي ) كَحَائِضَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَمُحْدِثَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا ، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَمَنْ قَرَعَ رَفِيقَهُ رُجِّحَ بِالْقُرْعَةِ ( وَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ ) أَيْ الْمَاءِ الْمَذْكُور ( غَيْرُ الْأَوْلَى )
بِهِ ، كَمُحْدِثٍ مَعَ ذِي نَجَسٍ ( أَسَاءَ ) لِفِعْلِهِ مَا لَيْسَ لَهُ ( وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ بِكَوْنِهِ أَوْلَى وَإِنَّمَا رُجِّحَ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ .
وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ تَعَيَّنَ لَهُ .
وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بِهِ ، وَلَوْ أَبَاهُ .
إنْ كَانَ مُشْتَرَكًا ، تَطَهَّرَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلْبَاقِي ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غُسِّلَ بِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِوَارِثِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَلِلْحَاضِرِ أَخْذُهُ لِلطَّهَارَةِ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعِهِ
( وَالثَّوْبُ ) الْمَبْذُولُ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يَحْتَاجَانِهِ ( يُصَلِّي فِيهِ ) الْحَيُّ ( ثُمَّ يُكَفَّنُ بِهِ ) الْمَيِّتُ ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَإِنْ احْتَاجَ حَيٌّ لِكَفَنِ مَيِّتٍ ، لِنَحْوِ بَرْدٍ ، قُدِّمَ الْحَيُّ عَلَيْهِ .
وَيُصَلِّي فِيهِ عَادِمُ السُّتْرَةِ عُرْيَانًا لَا فِي إحْدَى لِفَافَتَيْهِ .
بَابٌ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ أَيْ الطَّارِئَةِ عَلَى عَيْنٍ طَاهِرَةٍ .
وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا النَّجَاسَاتِ ، وَمَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا .
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( يُشْتَرَطُ ل ) تَطْهِيرِ ( كُلِّ مُتَنَجِّسٍ حَتَّى أَسْفَلَ خُفٍّ ، وَ ) أَسْفَلَ ( حِذَاءٍ ) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلُهُ ، أَيْ نَعْلٌ ( وَ ) حَتَّى ( ذَيْلِ امْرَأَةٍ سَبْعُ غَسَلَاتٍ ) لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { أُمِرْنَا بِغُسْلِ الْأَنْجَاسِ سَبْعًا } فَيَنْصَرِفُ إلَى أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَاسًا عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ .
وَقِيسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ عَلَى الرَّجُلِ ، وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى بَقِيَّةِ ثَوْبِهَا وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ ، أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْمَحَلَّ .
فَيَجِبُ الْعَدَدُ مِنْ أَوَّلِ غَسْلَةٍ ، وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهَا .
فَيُجْزِئُ ( إنْ أَنْقَتْ ) السَّبْعُ غَسَلَاتٍ النَّجَاسَةَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُنْقَ بِهَا ( فَ ) يَزِيدُ عَلَى السَّبْعِ ( حَتَّى تُنْقَى ) النَّجَاسَةُ ( بِمَاءٍ طَهُورٍ ) أَيْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ غَسْلَةٍ مِنْ السَّبْعِ بِمَاءٍ طَهُورٍ .
لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ قَالَتْ { جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ .
كَيْفَ تَصْنَعُ ؟ قَالَ : تَحُتُّهُ ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ " ( وَأَمَرَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ " وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُشْتَرَطَةٌ .
فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ .
فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْغَسَلَاتِ بِغَيْرِ مَاءٍ طَهُورٍ .
لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا ( مَعَ حَتٍّ وَقَرْصٍ ) لِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ ، وَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ : الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ ( لِحَاجَةٍ ) إلَى ذَلِكَ وَلَوْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ( إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْمَحَلُّ ) بِالْحَتِّ أَوْ الْقَرْصِ فَيَسْقُطُ .
( وَ ) مَعَ ( عَصْرٍ مَعَ إمْكَانِ ) الْعَصْرِ ( فِيمَا تَشْرَبُ )
النَّجَاسَةُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، بِحَيْثُ لَا يُخَافُ فَسَادُهُ ( كُلَّ مَرَّةٍ ) مِنْ السَّبْعِ ( خَارِجَ الْمَاءِ ) لِيَحْصُلَ انْفِصَالُ الْمَاءِ عَنْهُ ( وَإِلَّا ) يَعْصِرْهُ خَارِجَ الْمَاءِ ، بَلْ عَصَرَهُ فِيهِ وَلَوْ سَبْعًا ( فَ ) هِيَ ( غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْنِي عَلَيْهَا ) مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعِ ( أَوْ دَقُّهُ ) أَيْ مَا تَشْرَبُ النَّجَاسَةُ ( أَوْ تَقْلِيبُهُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ عَصْرُهُ ( أَوْ تَثْقِيلُهُ ) كُلَّ غَسْلَةٍ ، حَتَّى يَذْهَبَ أَكْثَرُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ .
وَلَا يَكْفِي عَنْ عَصْرِهِ وَنَحْوِهِ تَجْفِيفُهُ ، وَمَا لَا يَتَشَرَّبُ يَطْهُرُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( كَوْنُ إحْدَاهَا ) أَيْ السَّبْعِ غَسَلَاتٍ ( فِي مُتَنَجِّسٍ بِكَلْبٍ أَوْ ) مُتَنَجِّسٍ ب ( خِنْزِيرٍ أَوْ مُتَوَلِّدٍ ) مِنْهُمَا أَوْ ( مِنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ ( بِتُرَابٍ طَهُورٍ ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ } .
وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ وَلَا مُسْتَعْمَلٌ ( يَسْتَوْعِبُ ) أَيْ يَعُمُّ التُّرَابُ ( الْمَحَلَّ ) الْمُتَنَجِّسَ .
لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعُمَّهُ لَمْ تَكُنْ غَسْلَةً ( إلَّا فِيمَا ) أَيْ مَحَلٍّ ( يَضُرُّهُ ) التُّرَابُ ( فَيَكْفِي مُسَمَّاهُ ) أَيْ مَا يُسَمَّى تُرَابًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ ( وَيُعْتَبَرُ مَائِعٌ يُوصِلُهُ ) أَيْ التُّرَابَ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْمَحَلِّ النَّجَسِ ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَذُرَّهُ عَلَيْهِ وَيُتْبِعَهُ الْمَاءَ .
وَالْمُرَادُ بِالْمَائِعِ هُنَا : الْمَاءُ الطَّهُورُ ، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ ابْنِ قُنْدُسٍ ( وَ ) الْغَسْلَةُ ( الْأُولَى ) يُجْعَلُ التُّرَابُ فِيهَا ( أَوْلَى ) مِمَّا بَعْدَهَا ، لِمُوَافَقَةِ لَفْظِ الْخَبَرِ .
وَلِيَأْتِيَ الْمَاءُ بَعْدَهُ فَيُنَظِّفَهُ .
فَإِنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ .
لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ " إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " .
وَفِي حَدِيثٍ " أُولَاهُنَّ " .
وَفِي حَدِيثٍ " فِي الثَّامِنَةِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ التُّرَابِ مِنْ
الْغَسَلَاتِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ ( وَيَقُومُ أُشْنَانٌ وَنَحْوُهُ ) كَصَابُونٍ وَنُخَالَةٍ ( مَقَامَهُ ) أَيْ التُّرَابِ .
لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الْإِزَالَةِ .
فَنَصُّهُ عَلَى التُّرَابِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهَا .
وَلِأَنَّهُ جَامِدٌ أُمِرَ بِهِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ .
فَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُمَاثِلُهُ ، كَالْحَجَرِ فِي الِاسْتِجْمَارِ ( وَيَضُرُّ بَقَاءُ طَعْمِ ) النَّجَاسَةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاء الْعَيْنِ ، وَلِسُهُولَةِ إزَالَتِهِ .
فَلَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ مَعَ بَقَائِهِ .
وَ ( لَا ) يَضُرُّ ( بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ بَقَاؤُهُمَا عَجْزًا ) عَنْ إزَالَتِهِمَا ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ .
وَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ ( وَإِنْ لَمْ تُزَلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمِلْحٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَأُشْنَانٍ ( مَعَ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ ) اسْتِعْمَالُهُ مَعَهُ ( وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَطْعُوم ) كَدَقِيقٍ ( فِي إزَالَتِهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ .
لِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ الطَّعَامِ بِالتَّنْجِيسِ ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ النُّخَالَةِ الْخَالِصَةِ وَنَحْوِهَا فِي غَسْلِ الْأَيْدِي وَنَحْوِهَا لِلتَّنْظِيفِ ( وَمَا تَنَجَّسَ ب ) إصَابَةِ مَاءِ ( غَسْلَةٍ يُغْسَلُ عَدَدَ مَا بَقِيَ بَعْدَهَا ) أَيْ تِلْكَ الْغَسْلَة لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ تَطْهُرُ فِي مَحَلِّهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْغَسَلَاتِ .
فَطَهُرَتْ بِهِ فِي مِثْلِهِ .
فَمَا تَنَجَّسَ بِرَابِعَةٍ مَثَلًا غُسِلَ ثَلَاثًا ، إحْدَاهُنَّ ( بِتُرَابٍ طَهُورٍ حَيْثُ اُشْتُرِطَ ) التُّرَابُ ، كَنَجَاسَةِ كَلْبٍ ( وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ ) قَبْلَ تَنَجُّسِ الثَّانِي .
فَإِنْ كَانَ اُسْتُعْمِلَ لَمْ يُعِدْ ( وَيُغْسَلُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( بِخُرُوجِ مَذْيٍ ) مِنْ ذَكَرٍ ( ذَكَرٍ وَأُنْثَيَانِ مَرَّةً ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ .
قِيلَ لِتَبْرِيدِهِمَا .
وَقِيلَ : لِتَلْوِيثِهِمَا غَالِبًا .
لِنُزُولِهِ مُتَسَبِّبًا ( وَ ) يُغْسَلُ ( مَا أَصَابَهُ ) الْمَذْيُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ ، وَمِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ ( سَبْعًا ) كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ ( وَيُجْزِي فِي بَوْلِ غُلَامٍ ) وَمِثْلُهُ قَيْئُهُ ( لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا لِشَهْوَةٍ نَضْحُهُ ، وَهُوَ غَمْرُهُ بِمَاءٍ ) وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ
شَيْءٌ .
وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَرْسٍ وَعَصْرٍ .
لِحَدِيثِ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مُحْصِنٍ " أَنَّهَا { أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى ، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ الْغَائِطِ مُطْلَقًا وَبَوْلِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَبَوْلِ صَبِيٍّ أَكَلَ الطَّعَامَ لِشَهْوَةٍ .
فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ نُضِحَ .
لِأَنَّهُ قَدْ يَلْعَقُ الْعَسَلَ سَاعَةَ يُولَدُ .
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّكَ بِالتَّمْرِ .
( وَ ) يُجْزِئُ ( فِي صَخْرٍ وَأَجْرِنَةٍ صِغَارٍ ) مَبْنِيَّةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ مُطْلَقًا ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ( وَأَحْوَاضٍ وَنَحْوِهَا ) كَحِيطَانٍ ( وَأَرْضٍ تَنَجَّسَتْ بِمَائِعٍ وَلَوْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ : مُكَاثَرَتُهَا بِالْمَاءِ ، حَتَّى يَذْهَبَ لَوْنُ نَجَاسَةٍ وَرِيحُهَا ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ { جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ .
فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَإِنْ بَقِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ تَطْهُرْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ بَقَائِهَا ( مَا لَمْ يُعْجَزْ ) عَنْ إذْهَابِهِمَا أَوْ إذْهَابِ أَحَدِهِمَا .
فَتَطْهُرُ كَغَيْرِ الْأَرْضِ ( وَلَوْ لَمْ يُزَلْ ) الْمَاءُ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْضُوحِ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ ، وَمَسْأَلَةِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا .
فَيَطْهُرَانِ مَعَ بَقَاء الْمَاءِ عَلَيْهِمَا .
لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ
( وَلَا يَطْهُرُ دُهْنٌ ) تَنَجَّسَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ عَنْ السَّمْنِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ لَمَا أُمِرْنَا بِإِرَاقَتِهِ ( وَلَا ) تَطْهُرُ ( أَرْضٌ اخْتَلَطَتْ بِنَجَاسَةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ ) مُتَفَرِّقَةٍ ، كَالرِّمَمِ وَالدَّمِ إذَا جَفَّ ، وَالرَّوْثِ إذَا اخْتَلَطَ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ .
فَلَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ .
لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تَنْقَلِبُ ، بَلْ بِإِزَالَةِ أَجْزَاءِ الْمَكَانِ ، بِحَيْثُ يُتَيَقَّنُ زَوَالُ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ ( وَلَا ) يَطْهُرُ ( بَاطِنُ حَبٍّ وَلَا إنَاءٌ وَعَجِينٌ وَلَحْمٌ تَشَرَّبَهَا ) أَيْ النَّجَاسَةَ بِغَسْلٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَأْصِلُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ مِمَّا ذُكِرَ ( وَ ) لَا تَطْهُرُ ( سِكِّينٌ سَقَيْتهَا ) النَّجَاسَةَ ( بِغَسْلٍ ) .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي الْعَجِينِ : يُطْعَمُ النَّوَاضِحَ وَلَا يُطْعَمُ الشَّيْءَ يُؤْكَلُ فِي الْحَالِ وَلَا يُحْلَبُ لَبَنُهُ ، لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِهِ ، وَهُوَ يَصِيرُ كَالْجَلَّالَةِ ( وَ ) لَا يَطْهُرُ ( صَقِيلٌ كَالسَّيْفِ ) وَمِرْآةٌ وَزُجَاجٌ ( بِمَسْحٍ ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَالْأَوَانِي فَإِنْ قَطَعَ بِهِ قَبْلَ غَسْلِهِ مَا فِيهِ بَلَلٌ كَبِطِّيخٍ نَجَّسَهُ .
وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَا بَلَلَ فِيهِ كَجَيْنٍ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ ( وَ ) لَا تَطْهُرُ ( أَرْضٌ بِشَمْسٍ وَرِيحٍ وَجَفَافٍ ) لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَبَّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ نَجَسٍ فَلَمْ يَطْهُرْ بِغَيْرِ الْغَسْلِ كَالثِّيَابِ ( وَ ) لَا تَطْهُرُ ( نَجَاسَةٌ بِنَارٍ فَرَمَادُهَا ) وَدُخَانُهَا وَبُخَارُهَا وَغُبَارُهَا ( نَجَسٌ ) إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ إلَّا هَيْئَةُ جِسْمُهَا ، كَالْمَيْتَةِ تَصِيرُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَنِ تُرَابًا .
وَكَذَا صَابُونٌ عُمِلَ مِنْ زَيْتٍ نَجَسٍ ( وَلَا ) تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ أَيْضًا ( بِاسْتِحَالَةٍ فَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهَا كَدُودِ جُرْحٍ وَصَرَاصِيرَ كُنُفٍ ) جَمْعُ كَنِيفٍ ، وَكَالْكِلَابِ تُلْقَى فِي مَلَّاحَةٍ فَتَكُونُ مِلْحًا ( نَجِسَةٌ ) كَالدَّمِ
يَسْتَحِيلُ قَيْحًا { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا } لِأَكْلِهَا النَّجَاسَةَ .
فَلَوْ كَانَتْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَكْلُهَا النَّجَاسَةَ لِأَنَّهَا تَسْتَحِيلُ ( إلَّا عَلَقَةٌ يُخْلَقُ مِنْهَا ) حَيَوَانٌ ( طَاهِرٌ ) فَيَتَطَهَّرُ بِذَلِكَ ( وَ ) إلَّا ( خَمْرَةٌ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا ) فَتَطْهُرُ لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ الْحَادِثَةِ لَهَا .
وَقَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا ، كَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ الْكَثِيرِ يَزُولُ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ .
بِخِلَافِ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ ( أَوْ ) انْقَلَبَتْ خَلًّا ( بِنَقْلٍ ) مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ ، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ .
فَتَطْهُرُ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَ ( لَا ) تَطْهُرُ بِنَقْلٍ مِمَّا ذُكِرَ ( لِقَصْدِ تَخْلِيلٍ ) لِخَبَرِ النَّهْيِ عَنْ تَخْلِيلِهَا .
فَلَا تَطْهُرُ ( وَدَنُّهَا ) أَيْ الْخَمْرِ وَهُوَ وِعَاؤُهَا ( مِثْلُهَا ) يَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا .
لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ ، حَتَّى مَا لَمْ يُلَاقِ الْخَلَّ مِمَّا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي غَلَيَانِهِ ( كَمُحْتَفَرٍ ) فِي أَرْضٍ فِيهِ مَاءٌ كَثِيرٌ تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ ، فَيَتَطَهَّرُ هُوَ وَمَحَلُّهُ تَبَعًا لَهُ .
وَكَذَا مَا بُنِيَ بِالْأَرْضِ كَالصَّهَارِيجِ وَالْبَحَرَاتِ ( وَلَا ) يَطْهُرُ ( إنَاءٌ طَهُرَ مَاؤُهُ ) بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِضَافَةٍ أَوْ نَزْحٍ .
لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَطْهُرُ إلَّا بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ .
فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ الْمَاءُ حَسَبَ غَسْلَهُ ثُمَّ تُكْمَلُ ، وَلَا يَطْهُرُ الْإِنَاءُ بِدُونِ إرَاقَتِهِ ( وَيُمْنَعُ غَيْرُ خَلَّالٍ ) أَيْ صَانِعِ الْخَلِّ ( مِنْ إمْسَاكِهَا ) أَيْ الْخَمْرِ ( لِتُخَلَّلَ ) أَيْ لِتَصِيرَ خَلًّا ، لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إمْسَاكِهَا وَهِيَ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا .
وَأَمَّا الْخَلَّالُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ ، وَالْخَلُّ الْمُبَاحُ أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوْ الْعَصِيرِ خَلٌّ
قَبْلَ غَلَيَانِهِ ، حَتَّى لَا يَغْلِيَ ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، قِيلَ لَهُ : فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ خَلٌّ فَغَلَى ؟ فَقَالَ يُهْرَاقُ ( ثُمَّ إنْ تَخَلَّلَتْ ) الْخَمْرَةُ بِنَفْسِهَا بِيَدِ مُمْسِكِهَا وَلَوْ غَيْرَ خَلَّال حَلَّتْ ( أَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِتَخْمِيرٍ فَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ ) مِنْ غَيْرِ ضَمِّ شَيْءٍ إلَيْهِ ، وَلَا نُقِلَ بِقَصْدِ تَخْلِيلٍ ( حَلَّ ) أَيْ طَهُرَ ، لِمَا تَقَدَّمَ
( وَمَنْ بَلَعَ لَوْزًا أَوْ نَحْوَهُ ) كَبُنْدُقٍ ( فِي قِشْرِهِ ثُمَّ قَاءَهُ أَوْ نَحْوِهِ ) بِأَنْ خَرَجَ مِنْ أَيَّ مَحَلٍّ كَانَ ( لَمْ يَنْجُسْ بَاطِنُهُ ) لِصَلَابَةِ الْحَائِطِ ( كَبَيْضٍ فِي خَمْرٍ صُلِقَ ) وَنَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ ، فَلَا يَنْجُسُ بَاطِنُهُ ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ نَحْوِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ
( وَأَيُّ نَجَاسَةٍ خَفِيَتْ ) فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ ( غُسِلَ ) مَا احْتَمَلَ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَصَابَتْهُ ( حَتَّى يَتَيَقَّنَ غَسْلَهَا ) لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ ، فَإِنْ جَهِلَ جِهَتَهَا مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ ، غَسَلَهُ كُلَّهُ وَإِنْ عَلِمَهَا فِي إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ إحْدَى كُمَّيْهِ وَنَسِيَهُ ، وَإِنْ عَلِمَهَا غَسَلَهُمَا .
فِيمَا يُدْرِكُهُ بَصَرُهُ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ ، غَسَلَ مَا يُدْرِكُهُ مِنْهَا فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ ، لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْمَانِعَ فَهُوَ كَمَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَ ( لَا ) يَلْزَمُهُ غَسْلٌ إنْ خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ ( فِي صَحْرَاءَ وَنَحْوِهَا ) كَالْحُوشِ الْوَاسِعِ ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ ( وَيُصَلِّي فِيهَا بِلَا تَحَرٍّ ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَالْبَيْتِ وَالْحُوشِ الصَّغِيرِ وَخَفِيَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ ، لَزِمَهُ غَسْلُهُ كُلِّهِ كَالثَّوْبِ .
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( الْمُسْكِرُ ) نَجَسٌ ، خَمْرًا كَانَ أَوْ نَبِيذًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ - إلَى قَوْلِهِ - رِجْسٌ " وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ .
أَشْبَهَ الدَّمَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ النَّبِيذَ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ .
أَشْبَهَ الْخَمْرَةَ .
وَكَذَا الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ .
قَالَهُ فِي شَرْحِهِ .
( وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ الطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ فَمَا فَوْقَ الْخَمْرِ خِلْقَةً ) نَجَسٌ ، كَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَالْحِدَأَةِ وَالْبُومَةِ وَالنَّسْرِ وَالرَّخَمِ وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ وَالْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَابْنِ آوَى وَالدُّبِّ وَالْقِرْدِ وَالسِّمْعِ وَالْعِسْبَارِ .
وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ ، كَالنِّمْسِ وَالنَّسْنَاسِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالْقُنْفُذِ وَالْفَأْرِ
( وَمَيْتَةُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ ، وَ ) غَيْرِ ( سَمَكٍ ، وَ ) غَيْرِ ( جَرَادٍ ، وَ ) غَيْرِ ( مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَالْعَقْرَبِ ) نَجِسَةٌ .
وَأَمَّا مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرَةٌ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } وَلِحَدِيثِ { إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ } لِأَنَّهُ لَوْ نَجِسَ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ .
وَأَجْزَاؤُهُ وَأَبْعَاضُهُ كَجُمْلَتِهِ .
وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَسَائِرِ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ وَالْجَرَادِ طَاهِرَةٌ أَيْضًا .
لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا ، بِخِلَافِ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، فَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ ، كَالضُّفْدَعِ .
وَمَيْتَةُ مَا لَا نَفْسَ أَيْ دَمَ لَهُ يَسِيلُ ، كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالذُّبَابِ وَالنَّحْلِ وَالزُّنْبُورِ وَالنَّمْلِ وَالدُّودِ مِنْ طَاهِرٍ وَالْقَمْلِ وَالصَّرَاصِيرِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا طَاهِرَةٌ .
لِحَدِيثِ { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَفِي لَفْظٍ " فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ " وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ بَارِدٍ وَحَارٍّ وَدُهْنٍ مِمَّا يَمُوتُ الذُّبَابُ بِغَمْسِهِ فِيهِ .
فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ كَانَ آمِرًا بِإِفْسَادِهِ ( إلَّا الْوَزَغُ وَالْحَيَّةُ ) فَمَيْتَتُهُمَا نَجِسَةٌ لِأَنَّ لَهُمَا نَفْسًا سَائِلَةً
( وَالْعَلَقَةُ يُخْلَقُ مِنْهَا حَيَوَانٌ .
وَلَوْ ) كَانَ ( آدَمِيًّا أَوْ طَاهِرًا ) نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ ( وَالْبَيْضَةُ تَصِيرُ دَمًا ) نَجِسَةٌ كَالْعَلَقَةِ .
وَكَذَا بَيْضُ مَذَرٍ ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي .
وَفِي التَّلْخِيصِ : وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ .
وَنَقَلَ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ أَنَّ الصَّحِيحَ : طَهَارَتُهَا
( وَلَبَنُ ) غَيْرِ آدَمِيٍّ وَمَأْكُولٍ كَلَبَنِ هِرٍّ نَجَسٌ ( وَمَنِيُّ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَمَأْكُولٍ ) نَجَسٌ .
وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ .
وَكَذَا مَنِيُّ الْآدَمِيِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى عَنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا .
فَلَا يَجِبُ فَرْكٌ وَلَا غُسْلٌ .
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَنْ اسْتِجْمَارٍ .
وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَخْرَجِ نَجَاسَةٌ ، فَالْمَنِيُّ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ( وَبَيْضُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ نَجَسٌ ( وَالْقَيْءُ ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجَسٌ ( وَالْوَدْيُ ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجَسٌ ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ غَيْرُ لَزِجٍ ( وَالْمَذْيُ ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ نَجَسٌ ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٍ ، كَمَاءِ السَّيْسَبَانِ يَخْرُجُ عِنْدَ مَبَادِي الشَّهْوَةِ وَالِانْتِشَارِ
( وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ أَوْ ) مِنْ ( آدَمِيٍّ ) نَجَسٌ .
وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ .
لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي الْإِبِلِ .
وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي .
وَكَذَا مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ( وَالنَّجَسُ هُنَا ) كَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ( طَاهِرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ ) مِنْ ( سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ) عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَكْرِيمًا لَهُمْ
( وَمَاءُ قُرُوحٍ ) نَجَسٌ كَدَمٍ ( وَدَمٌ ) نَجَسٌ ( غَيْرِ ) مَا يَبْقَى مِنْهُ ( فِي عِرْقٍ مَأْكُولٍ ) بَعْدَ ذَبْحِهِ ( وَلَوْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ ) أَيْ حُمْرَةُ دَمِ عِرْقِ الْمَأْكُولِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ .
وَكَذَا مَا يَبْقَى فِي خَلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ طَاهِرٌ ( وَ ) غَيْرُ دَمِ ( سَمَكٍ وَ ) غَيْرُ دَمِ ( بَقٍّ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيث وَذُبَابٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ فَدَمُهُ طَاهِرٌ ( وَ ) غَيْرُ دَمِ ( شَهِيدٍ عَلَيْهِ ) فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ .
فَإِنْ فُصِلَ عَنْهُ فَنَجَسٌ ( وَقَيْحٌ ) نَجَسٌ ( وَصَدِيدٌ نَجَسٌ ) لِأَنَّهُمَا مُتَوَلِّدَانِ مِنْ الدَّمِ النَّجَسِ ( وَيُعْفَى فِي غَيْرِ مَائِعٍ ، وَ ) غَيْرُ ( مَطْعُومٍ عَنْ يَسِيرٍ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ ) خُرُوجُ قَدْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ ( مِنْ دَمٍ .
وَلَوْ ) كَانَ الدَّمُ ( حَيْضًا وَنِفَاسًا وَاسْتِحَاضَةً ) كَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ( وَ ) يُعْفَى أَيْضًا فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ يَسِيرٍ مِنْ ( قَيْحٍ وَصَدِيدٍ ) لِتَوَلُّدِهِمَا مِنْهُ ، فَهُمَا أَوْلَى مِنْهُ بِالْعَفْوِ ( وَلَوْ ) كَانَ الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ ( مِنْ غَيْرِ مُصَلٍّ ) بِأَنْ أَصَابَتْ الْمُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْهُ .
وَ ( لَا ) يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ صَدِيدٍ ( مِنْ حَيَوَانٍ نَجَسٍ ) كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ ، لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ فَضَلَاتِهِ ، كَعَرَقِهِ وَرِيقِهِ ، فَدَمُهُ أَوْلَى ( أَوْ ) كَانَ الدَّمُ أَوْ الْقَيْحُ أَوْ الصَّدِيدُ مِنْ ( سَبِيلٍ ) قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ : فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ .
لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ .
( وَ ) يُعْفَى ( عَنْ أَثَرِ اسْتِجْمَارٍ بِمَحَلِّهِ ) بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِلَا خِلَافٍ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى مَحَلُّهُ إلَى الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ ، وَيُعْفَى أَيْضًا عَنْ يَسِيرِ سَلَسِ بَوْلٍ بَعْدَ كَمَالِ التَّحَفُّظِ ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ .
( وَ ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ ( دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَغُبَارِهَا وَبُخَارِهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ ) أَيْ الدُّخَانِ وَالْغُبَارِ وَالْبُخَارِ ( صِفَةٌ ) فِي الشَّيْءِ الطَّاهِرِ ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ
( وَ ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ ( يَسِيرِ مَاءٍ نَجَسٍ بِمَا ) أَيْ بِشَيْءٍ ( عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ ) كَدَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ ( قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ ) فِي رِعَايَتِهِ ، وَعِبَارَتُهُ : وَعَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجَسِ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ ( وَأَطْلَقَهُ ) أَيْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجَسِ ( الْمُنَقَّحُ ) فِي التَّنْقِيحِ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ ابْنِ حَمْدَانَ ، فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ بَلْ كُلَّ مُتَنَجِّسٍ حُكْمُهُ حُكْمُ نَجَاسَتِهِ .
فَإِنْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهَا كَالدَّمِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ ، وَإِلَّا كَالْبَوْلِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ .
لِأَنَّهُ فَرْعُهَا .
وَالْفَرْعُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ ( وَيُضَمُّ ) نَجَسٌ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ ( مُتَفَرِّقٌ بِثَوْبٍ ) وَاحِدٍ .
فَإِنْ كَانَ فِيهِ بُقَعٌ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ صَدِيدٍ .
فَإِنْ صَارَ بِالضَّمِّ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ ، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ .
( وَلَا ) يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي ( أَكْثَرَ ) بَلْ يُعْتَبَرُ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَى حِدَتِهِ ( وَ ) يُعْفَى عَنْ ( نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ ) وَتَقَدَّمَ : لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لِلتَّضَرُّرِ بِهِ ( وَ ) يُعْفَى أَيْضًا عَنْ ( حَمْلِ كَثِيرِهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ ( فِي صَلَاةِ خَوْفٍ ) لِلضَّرُورَةِ ( وَعَرَقٍ وَرِيقٍ مِنْ ) حَيَوَانٍ ( طَاهِرٍ ) مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ .
( وَالْبَلْغَمُ ) مِنْ صَدْرٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ مَعِدَةٍ طَاهِرٌ ( وَلَوْ أَزْرَقَ ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ : مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ ؟ أَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا - وَوَصَفَهُ الْقَاسِمُ - فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ } " وَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي
ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَحْتَ قَدَمِهِ ، وَلَوْ كَانَ نَجَسًا لَنَجَّسَ الْفَمَ ؛ وَلِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْأَبْخِرَةِ أَشْبَهَ الْمُخَاطَ ( وَرُطُوبَةُ فَرْجِ آدَمِيَّةٍ ) طَاهِرَةٌ ، لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ ، وَلَوْ عَنْ جِمَاعٍ ، فَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَكَانَ نَجِسًا لِخُرُوجِهِ مِنْهُ ( وَسَائِلٌ مِنْ فَمِ ) : ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ( وَقْتَ نَوْمٍ ) طَاهِرٌ كَالْبُصَاقِ ( وَدُودُ قَزٍّ ) وَبُزَيْرُهُ طَاهِرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ : بِلَا خِلَافٍ ( وَمِسْكٌ وَفَأْرَتُهُ ) طَاهِرَانِ ، وَهُوَ سُرَّةُ الْغَزَالِ .
وَانْفِصَالُهُ بِطَبْعِهِ كَالْجَنِينِ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَكَذَا .
الزَّبَادُ طَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ ، وَقِيلَ : لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : نَجَسٌ ؛ لِأَنَّهُ عِرْقُ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ .
قَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ فِي مُفْرَدَاتِهِ : قَالَ الشَّرِيفُ الْإِدْرِيسِيُّ : ( الزَّبَادُ ) نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْمَعُ مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ ، يُصَادُ وَيُطْعَمُ اللَّحْمَ ، ثُمَّ يَعْرَقُ فَيَكُونُ مِنْ عَرَقٍ بَيْنَ فَخِذَيْهِ حِينَئِذٍ .
وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ .
( وَالْعَنْبَرُ ) طَاهِرٌ ، وَطِينُ شَارِعٍ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ طَاهِرٌ .
وَكَذَا تُرَابُهُ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ .
فَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ ، وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ ، وَهُوَ فَضْلُ مَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُ دَجَاجَةٍ مُخْلَاةٍ ، أَيْ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ فَيُكْرَهُ سُؤْرُهَا ، احْتِيَاطًا .
وَقِيلَ : وَسُؤْرُ الْفَأْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْسِي .
وَلَوْ أَكَلَ هِرٌّ وَنَحْوُهُ ، وَكَنِمْسٍ وَفَأْرٍ وَقُنْفُذٍ ، وَدَجَاجَةٍ وَبَهِيمَةٍ : نَجَاسَةً ( أَوْ أَكَلَ طِفْلٌ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَ ) الْهِرُّ وَنَحْوُهُ أَوْ الطِّفْلُ ( وَلَوْ قَبْلَ ، أَنْ يَغِيبَ ) بَعْدَ أَكْلِ النَّجَاسَةِ ( مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ ) أَوْ مَائِعٍ لَا يُؤَثِّرُ ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ .
( أَوْ وَقَعَ فِيهِ ) أَيْ الْمَاءِ الْيَسِيرِ أَوْ مَائِعٍ غَيْرِهِ ( هِرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا
يَنْضَمَّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ فِي مَائِعٍ ) كَالْفَأْرِ ( وَخَرَجَ حَيًّا .
لَمْ يُؤَثِّرْ ) لِعَدَمِ وُصُولِ نَجَاسَةٍ إلَيْهِ ( وَكَذَا ) لَوْ وَقَعَ ( فِي جَامِدٍ ) وَخَرَجَ حَيًّا .
لَمْ يُؤَثِّرْ ( وَهُوَ ) أَيْ الْجَامِدُ ( مَا يَمْنَعُ انْتِقَالَهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ ( فِيهِ ) لِكَثَافَتِهِ
( وَإِنْ مَاتَ ) حَيَوَانٌ يَنْجُسُ بِمَوْتٍ ، ( أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ ) كَسَمْنٍ جَامِدٍ ( أَلْقَى ) الْمَيِّتَ ( وَمَا حَوْلَهُ ) مِنْ دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ ، لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَسَ وَاسْتُعْمِلَ الْبَاقِي ( وَإِنْ اخْتَلَطَ ) النَّجَسُ بِغَيْرِهِ ( وَلَمْ يَنْضَبِطْ .
حَرُمَ ) الْكُلُّ ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ مَائِعًا لِلْخَبَرِ .
بَابُ ( الْحَيْضِ ) لُغَةً : السَّيَلَانُ ، مَصْدَرُ حَاضَ ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَاضَ الْوَادِي .
إذَا سَالَ .
وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ مِنْهَا شِبْهُ الدَّمِ وَهُوَ الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ ، وَتَحَيَّضَتْ : قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا عَنْ نَحْوِ صَلَاةٍ .
وَمِنْ أَسْمَائِهِ : الطَّمْثُ وَالْعِرَاكُ وَالضَّحِكُ وَالْإِعْصَارُ وَالْإِكْبَارُ وَالنِّفَاسُ وَالْفِرَاكُ وَالدِّرَاسُ ، وَاسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا .
وَشَرْعًا ( دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا ، أَيْ سَجِيَّةً وَخِلْقَةً .
جَبَلَ اللَّهُ بَنَاتِ آدَمَ عَلَيْهَا ( تُرْخِيهِ الرَّحِمُ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا فِيهِمَا ، بَيْتُ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَائِهِ ، وَمَخْرَجُهُ مِنْ قَعْرِهِ ( يَعْتَادُ ) ذَلِكَ الدَّمُ ( أُنْثَى إذَا بَلَغَتْ ، فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ ) فِي الْغَالِبِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ ، أَوْ سَبْعَةً ، إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا وَلَا مُرْضِعًا ، وَلِأَنَّهُ لَا مَصْرِفَ لَهُ إذَنْ ، فَإِذَا حَمَلَتْ صَرَفَهُ اللَّهُ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ .
وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ .
فَإِذَا أَرْضَعَتْ قَلَبَهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ ، وَلِذَلِكَ قَلَّ أَنْ تَحِيضَ الْمُرْضِعُ ( وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ ) اثْنَيْ عَشَرَ شَيْئًا ( الْغُسْلَ لَهُ ، فَلَا ) يَصِحُّ لِقِيَامِ مُوجِبِهِ .
( وَلَا ) يَمْنَعُ الْغُسْلَ ( لِجَنَابَةٍ ) أَوْ نَحْوِ إحْرَامٍ ( بَلْ يُسَنُّ ) الْغُسْلُ لِذَلِكَ ، تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ .
( وَ ) يَمْنَعُ ( الْوُضُوءَ ) فَلَا يَصِحُّ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) يَمْنَعُ ( وُجُوبَ الصَّلَاةِ ) إجْمَاعًا فَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا .
قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا ؟ قَالَ : لَا ، هَذَا خِلَافٌ .
أَيْ بِدْعَةٌ .
وَتَفْعَلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ بِمَعْنَاهُ .
( وَ ) يَمْنَعُ أَيْضًا ( فِعْلَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِمُسْتَمِعَةٍ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهَا .
( وَ ) يَمْنَعُ أَيْضًا ( فِعْلَ طَوَافٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ } وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَوُجُوبُهُ بَاقٍ فَتَفْعَلُهُ إذَا طَهُرَتْ أَدَاءً ، لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ .
وَيَسْقُطُ عَنْهَا وُجُوبُ طَوَافٍ لِلْوَدَاعِ .
كَمَا يَأْتِي .
( وَ ) يَمْنَعُ أَيْضًا فِعْلَ ( صَوْمٍ ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَيْسَتْ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ وَلَمْ تُصَلِّ ؟ قُلْنَ : بَلَى } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَ ( لَا ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ ( وُجُوبَهُ ) أَيْ الصَّوْمِ ، فَتَقْضِيهِ إجْمَاعًا .
لِحَدِيثِ مُعَاذَةَ قَالَتْ " سَأَلْت عَائِشَةَ ، فَقُلْت : { مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ ؟ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ فَقُلْت : لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ .
فَقَالَتْ : كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَضَاؤُهُ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ ، لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ ( وَ ) يَمْنَعُ أَيْضًا ( مَسَّ مُصْحَفٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ( وَ ) يَمْنَعُ أَيْضًا ( قِرَاءَةَ قُرْآنٍ ) مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
( وَ ) يَمْنَعُ أَيْضًا ( اللُّبْثَ بِمَسْجِدٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَلَوْ ) كَانَ ( اللُّبْثُ ) بِوُضُوءٍ ، مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ .
فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا وَ ( لَا ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ ( الْمُرُورَ ) بِالْمَسْجِدِ ( إنْ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ نَصًّا ) فَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُ مُنِعَتْ .
( وَ ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا وَطْئًا فِي فَرْجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } الْآيَةَ وَهُوَ مَوْضِع الْحَيْضِ ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ .
وَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ .
وَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْهُ قُبِلَ مِنْهَا .
نَصًّا إنْ أَمْكَنَ كَطُهْرِهَا (
إلَّا لِمَنْ بِهِ شَبَقٌ ) مَرَضٌ مَعْرُوفٌ .
فَيُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ ( بِشَرْطِهِ ) بِأَنْ يُخَافَ تَشَقُّقُ أُنْثَيَيْهِ ، إنْ لَمْ يَطَأْ ، وَلَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ فِي الْفَرْجِ .
وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ .
( وَ ) يَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا ( سُنَّةَ طَلَاقٍ ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ .
كَمَا يَأْتِي مُوَضَّحًا فِي بَابِهِ ( مَا لَمْ تَسْأَلْهُ ) أَيْ الْحَائِضُ الزَّوْجَ ( خُلْعًا أَوْ طَلَاقًا عَلَى عِوَضٍ ) فَيُبَاحُ لَهُ إجَابَتُهَا .
لِأَنَّ الْمَنْعَ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ ، وَمَعَ سُؤَالِهَا قَدْ أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقًا بِلَا عِوَضٍ .
وَلَا إنْ كَانَ السَّائِلُ غَيْرَهَا .
( وَ ) يَمْنَعُ أَيْضًا ( اعْتِدَادًا بِأَشْهُرٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ بِالْقُرُوءِ ، وَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ } الْآيَةَ ( إلَّا ) الِاعْتِدَادُ ( لِوَفَاةٍ ) فَبِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا ، وَلَوْ أَنَّهَا تَحِيضُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا }
( وَيُوجِبُ ) الْحَيْضُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ ( الْغُسْلَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا .
ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) يُوجِبُ ( الْبُلُوغَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، فَأَوْجَبَ أَنْ تَسْتَتِرَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ .
( وَ ) يُوجِبُ ( الِاعْتِدَادَ بِهِ إلَّا لِوَفَاةٍ ) وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ .
زَادَ فِي الْإِقْنَاعِ الْحُكْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الِاعْتِدَادِ وَالِاسْتِبْرَاءِ إذْ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ .
وَالْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ فِيهِ ( وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ الْحَيْضِ فِيمَا يَمْنَعُهُ وَيُوجِبُهُ ( إلَّا ) فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ ( اعْتِدَادٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرُوءٍ ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ النِّفَاسِ ( لَا يُوجِبُ بُلُوغًا ) لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْإِنْزَالِ السَّابِقِ لِلْحَمْلِ ( وَ ) كَوْنُهُ ( لَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي مُدَّةِ إيلَاءٍ ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمَوْلَى لِطُولِ مُدَّتِهِ ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ ( وَلَا يُبَاحُ قَبْلَ غُسْلٍ بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ غَيْرَ صَوْمٍ ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ فِعْلَهُ كَالْجَنَابَةِ ( وَ ) غَيْرَ ( طَلَاقٍ ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ .
وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَيُبَاحُ أَيْضًا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ : لُبْثٌ بِمَسْجِدٍ بِوُضُوءٍ .
وَتَقَدَّمَ ( وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ ( مِنْ حَائِضٍ بِدُونِ فَرْجٍ ) مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتَيْهَا .
لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } أَيْ اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ .
وَلِأَنَّ الْمَحِيضَ اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ ، فَيُخَصُّ التَّحْرِيمُ بِهِ .
وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ
إلَّا النِّكَاحَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ " إلَّا الْجِمَاعَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ { أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَحِلُّ مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ ؟ فَقَالَ : لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، فَأُجِيبَ عَنْهُ : بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ .
وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ ، وَبِهِ تَسْلِيمُ صِحَّتِهِ فَإِنَّهُ يُؤَوَّلُ بِالْمَفْهُومِ .
وَالْمَنْطُوقُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ { أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ } فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا لِلتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحِ تَعَذُّرًا ، كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ ( وَيُسَنُّ سَتْرُهُ ) أَيْ الْفَرْجِ ( إذَا ) أَيْ حِينَ اسْتِمْتَاعِهِ بِمَا دُونَهُ ، لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( فَإِنْ أَوْلَجَ ) فِي فَرْجِ حَائِضٍ ( قَبْلَ انْقِطَاعِهِ ) أَيْ الْحَيْضِ ( مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ : حَشَفَتَهُ ، أَوْ قَدْرَهَا إنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا ( وَلَوْ بِحَائِلٍ ) لَفَّهُ عَلَى ذَكَرِهِ ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمُولِجِ ( كَفَّارَةُ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنِصْفِهِ ، كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ .
وَالدِّينَارُ هُنَا : الْمِثْقَالُ مِنْ الذَّهَبِ مَضْرُوبًا أَوْ لَا .
وَيُجْزِي قِيمَتُهُ مِنْ الْفِضَّةِ فَقَطْ ، سَوَاءٌ وَطِئَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ أَوْ آخِرِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَكَذَا لَوْ جَامَعَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَحَاضَتْ ، فَنَزَعَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ ( وَلَوْ ) كَانَ
الْوَاطِئُ ( مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا ) الْحَيْضَ ( أَوْ جَاهِلًا الْحَيْضَ وَالتَّحْرِيمَ ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَكَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ ( وَكَذَا هِيَ ) أَيْ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْكَفَّارَةِ ، قِيَاسًا عَلَيْهِ ( إنْ طَاوَعَتْهُ ) عَلَى الْوَطْءِ .
فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا وَقِيَاسُهُ : لَوْ كَانَتْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً ( وَتُجْزِئُ ) الْكَفَّارَةُ إنْ دَفَعَهَا ( إلَى ) مِسْكِينٍ ( وَاحِدٍ ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ ( كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ ) أَيْ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِشَيْءٍ ، وَأَطْلَقَ .
جَازَ دَفْعُهُ لِوَاحِدٍ ( وَتَسْقُطُ ) الْكَفَّارَةُ ( بِعَجْزٍ ) عَنْهَا كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، وَإِنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَكَالصَّوْمِ .
وَبَدَنُ الْحَائِضِ طَاهِرٌ ، وَلَا يُكْرَهُ عَجْنُهَا وَنَحْوُهُ ، وَلَا وَضْعُ يَدِهَا فِي مَائِعٍ
( وَأَقَلُّ سِنِّ حَيْضٍ ) أَيْ مِنْ امْرَأَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ ( تَمَامُ تِسْعِ سِنِينَ ) تَحْدِيدًا .
لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ .
وَلِأَنَّهُ خُلِقَ لِحِكْمَةِ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ ، وَهَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ ، فَلَا تُوجَدُ فِيهَا حِكْمَتُهُ .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ { إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ } وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَالْمُرَادُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ .
فَمَتَى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَبِبُلُوغِهَا وَإِنْ رَأَتْهُ قَبْلَ هَذَا السِّنِّ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ( وَأَكْثَرُهُ ) أَيْ أَكْثَرُ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ ( خَمْسُونَ سَنَةً ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ " إذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ " وَعَنْهَا أَيْضًا " لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ " ( وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا } فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ ، كَالطُّهْرِ .
احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .
وَقَالَ : إنَّمَا تَعْرِفُ النِّسَاءُ الْحَمْلَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ .
وَلِأَنَّهُ زَمَنٌ لَا يُرَى فِيهِ الدَّمُ غَالِبًا ، فَلَمْ يَكُنْ مَا تَرَاهُ حَيْضًا كَالْآيِسَةِ .
فَإِذَا رَأَتْ دَمًا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ ، فَلَا تُتْرَكُ لَهُ الصَّلَاةُ وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا مِنْ وَطْئِهَا .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَغْتَسِلَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ نَصًّا ( وَأَقَلُّهُ ) أَيْ أَقَلُّ زَمَنٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَمُهُ حَيْضًا ( يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ) بِلَيَالِيِهَا .
لِقَوْلِ عَلِيٍّ " مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ ،
وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ " ( وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتٍ } ( وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ " عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ .
فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ : قُلْ فِيهَا .
فَقَالَ شُرَيْحٌ : إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ .
فَقَالَ عَلِيٌّ : قالون " أَيْ جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ .
وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا .
وَانْتَشَرَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ يَقِينًا .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ ( وَ ) أَقَلُّ الطُّهْرِ ( زَمَنُ حَيْضٍ ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِ ( خُلُوصُ النَّقَاءِ ، بِأَنْ لَا تَتَغَيَّرَ مَعَهُ قُطْنَةٌ احْتَشَتْ بِهَا ) طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ ( وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا ) أَيْ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا وَاغْتَسَلَتْ ( زَمَنَهُ ) أَيْ زَمَنَ طُهْرِهَا فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا .
لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَاغْتَسَلَتْ فَقَدْ زَالَ الْأَذَى ( وَغَالِبُهُ ) أَيْ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ( بَقِيَّةُ الشَّهْرِ ) بَعْدَ مَا حَاضَتْهُ مِنْهُ .
إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً ، فَمَنْ تَحِيضُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً مِنْ الشَّهْرِ ، فَغَالِبُ طُهْرِهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ( وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ ) أَيْ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ شَرْعًا .
وَمِنْ النِّسَاءِ مَنْ
لَا تَحِيضُ الشَّهْرَ وَالثَّلَاثَ وَالسَّنَةَ فَأَكْثَرَ ، وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا .
فَصْلٌ وَالْمُبْتَدَأَةُ بِدَمٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ أَيْ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ ( تَجْلِسُ ) أَيْ تَدَعُ نَحْوَ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَوَافٍ وَقِرَاءَةٍ ( بِمُجَرَّدِ مَا تَرَاهُ ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ دَمٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ .
لِأَنَّ الْحَيْضَ جِبِلَّةٌ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْفَسَادِ .
فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ أَقَلِّ الْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ لَهُ غُسْلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا ، وَإِلَّا جَلَسَتْ ( أَقَلَّهُ ) يَوْمًا وَلَيْلَةً ( ثُمَّ تَغْتَسِلُ ) بَعْدَهُ ، سَوَاءٌ انْقَطَعَ لِذَلِكَ أَوْ لَا ( وَتُصَلِّي ) وَتَصُومُ وَنَحْوَهُمَا .
لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّهِ يَحْتَمِلُ الِاسْتِحَاضَةَ ، فَلَا تَتْرُكُ الْوَاجِبَ بِالشَّكِّ ، وَلَا تُصَلِّي قَبْلَ الْغُسْلِ ، لِوُجُوبِهِ لِلْحَيْضِ .
( فَإِذَا ) جَاوَزَ الدَّمُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثُمَّ انْقَطَعَ ( وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ ) أَيْ الْحَيْضِ ، بِأَنْ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَ ( اغْتَسَلَتْ أَيْضًا ) وُجُوبًا لِصَلَاحِيَّتِهِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ( تَفْعَلُهُ ) أَيْ مَا ذُكِرَ وَهُوَ جُلُوسُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَغُسْلُهَا عِنْدَ آخِرِهِمَا وَغُسْلُهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ ( ثَلَاثًا ) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ } وَهِيَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ ، فَلَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِدُونِهَا ، وَلِأَنَّ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ التَّكْرَارُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الثَّلَاثُ ، كَالْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ ، وَكَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ ، وَمُهْلَةِ الْمُرْتَدِّ ( فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ ) حَيْضُهَا فِي الشُّهُورِ الثَّلَاثَةِ ( صَارَ عَادَةً تَنْتَقِلُ إلَيْهِ ) فَتَجْلِسُ جَمِيعَهُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ ، لِتَيَقُّنِهِ حَيْضًا ( وَتُعِيدُ صَوْمَ فَرْضٍ ) كَرَمَضَانَ وَقَضَائِهِ وَنَذْرٍ ( وَنَحْوَهُ ) كَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبَيْنِ إذَا ( وَقَعَ ) ذَلِكَ ( فِيهِ ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ ، لِكَوْنِهِ فِي الْحَيْضِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَ ، فَمَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ثَلَاثَةٌ ، فَحَيْضٌ مُرَتَّبًا كَانَ ،
كَخَمْسَةٍ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ ، وَسِتَّةٍ فِي ثَانٍ ، وَسَبْعَةٍ فِي ثَالِثٍ ، أَوْ غَيْرِ مُرَتَّبٍ .
و ( لَا ) تُعِيدُ ذَلِكَ ( إنْ أَيِسَتْ قَبْلَ تَكْرَارِهِ ) ثَلَاثًا ( أَوْ لَمْ يَعُدْ ) الدَّمُ إلَيْهَا إلَّا بِأَنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ حَيْضًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا ( وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا ) وَالدَّمُ بَاقٍ ، وَلَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ( قَبْلَ تَكْرَارِهِ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ ، وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ احْتِيَاطًا ، فَيَجِبُ أَيْضًا تَرْكُ وَطْئِهَا احْتِيَاطًا .
( وَلَا يُكْرَهُ ) وَطْؤُهَا ( إنْ طَهُرَتْ ) فِي أَثْنَائِهِ ( يَوْمًا فَأَكْثَرَ ) بَعْدَ غُسْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ النَّقَاءَ الْخَالِصَ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَمَفْهُومُهُ : يُكْرَهُ إنْ كَانَ دُونَ يَوْمٍ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا سَبَقَ لِأَنَّهُ فِي الْمُعْتَادَةِ ، وَهَذَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ .
وَظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ : لَا فَرْقَ ( وَإِنْ جَاوَزَهُ ) أَيْ جَاوَزَ دَمُ مُبْتَدَأَةٍ أَكْثَرَ حِيَضٍ ( فَ ) هِيَ ( مُسْتَحَاضَةٌ ) لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالِاسْتِحَاضَةُ : سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ مِنْ عِرْقٍ ، يُقَالُ لَهُ : الْعَاذِلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ .
وَقِيلَ : بِالْمُهْمَلَةِ ، حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ وَالْعَاذِرُ لُغَةٌ فِيهِ مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ ، دُونَ قَعْرِهِ ، إذْ الْمَرْأَةُ لَهَا فَرْجَانِ : دَاخِلٌ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ مِنْهُ الْحَيْضُ .
وَخَارِجٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْيَتَيْنِ ، مِنْهُ الِاسْتِحَاضَةُ .
وَالْمُسْتَحَاضَةُ مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَالدَّمُ الْفَاسِدُ أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ ، ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ بِمَعْنَاهُ .
ثُمَّ لَا تَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ ، إمَّا أَنْ تَكُونَ مُمَيَّزَةً وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ : ( فَمَا بَعْضُهُ ) أَيْ بَعْضُ دَمِهَا ( ثَخِينٌ ) وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ ( أَوْ ) بَعْضُهُ ( أَسْوَدُ ) وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ ( أَوْ ) بَعْضُهُ ( مُنْتِنٌ ) وَبَعْضُهُ غَيْرُ مُنْتِنٍ .
( وَصَلُحَ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ الثَّخِينُ أَوْ الْأَسْوَدُ أَوْ الْمُنْتِنُ ( حَيْضًا ) بِأَنْ لَمْ يَنْقُصْ
عَنْ أَقَلِّهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ ( تَجْلِسُهُ ) أَيْ تَدَعُ زَمَنَهُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَنَحْوَهُمَا ، مِمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ ، فَإِذَا مَضَى اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : { جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ .
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أُسْتَحَاضُ ، فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا ذَلِكَ دَمُ عِرْقٍ ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ .
فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُد { إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ ، فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ } فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ، إنَّهَا وَاَللَّهِ إنْ تَرَى الدَّمَ بَعْدَ أَيَّامِ مَحِيضِهَا إلَّا كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ " وَحَيْثُ صَلُحَ ذَلِكَ جَلَسَتْهُ .
( وَلَوْ لَمْ يَتَوَالَ ) بِأَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ ، إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونُ ، ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ ، فَتَضُمُّ الْأَسْوَدَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَتَجْلِسُهُ ، وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَسِتَّةً أَحْمَرَ ، فَتَجْلِسُ الثَّلَاثَةَ فِي زَمَنِ الْأَسْوَدِ ( أَوْ ) لَمْ ( يَتَكَرَّرْ ) فَتَجْلِسُ زَمَنَ الْأَسْوَدِ الصَّالِحِ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ وَمَا بَعْدَهُ ، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْرَارِهِ وَتَجْلِسُهُ أَيْضًا وَلَوْ انْتَفَى التَّوَالِي وَالتَّكْرَارُ مَعًا لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَمَارَةٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا تَحْتَاجُ ضَمَّ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ، فَتَجْلِسُهُ فِي الرَّابِعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا .
الْحَالُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ دَمِهَا ثَخِينًا
أَوْ أَسْوَدَ أَوْ مُنْتِنًا ، وَصَلُحَ حَيْضًا بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ الْأَسْوَدُ مِنْهُ وَنَحْوُهُ دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، أَوْ جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ( فَ ) تَجْلِسُ ( أَقَلَّ الْحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ( حَتَّى يَتَكَرَّرَ ) دَمُهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِدُونِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
( فَتَجْلِسُ ) إذَا تَكَرَّرَ ( مِنْ ) مِثْلِ ( أَوَّلِ وَقْتِ ابْتِدَائِهَا ) إنْ عَلِمَتْهُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِتَحَرٍّ ( أَوْ ) تَجْلِسُ مِنْ ( أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ إنْ جَهِلَتْهُ ) أَيْ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا بِالدَّمِ ( سِتًّا أَوْ سَبْعًا ) مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا ( بِتَحَرٍّ أَيْ بِاجْتِهَادٍ ) فِي حَالِ الدَّمِ ، وَعَادَةِ أَقَارِبِهَا مِنْ النِّسَاءِ ، لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ، قَالَتْ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ .
فَقَالَ : تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا ، ثُمَّ اغْتَسِلِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَعَمَلًا بِالْغَالِبِ
( وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ مَنْ لَهَا عَادَةٌ جَلَسَتْهَا ) أَيْ عَادَتَهَا وَلَوْ كَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَالِحٌ لِعُمُومِ { قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ : إذْ سَأَلَتْهُ عَنْ الدَّمِ اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُك حَيْضَتُك ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَقْوَى ، لِكَوْنِهَا لَا تُبْطِلُ دَلَالَتَهَا ، بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّوْنِ إذَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ بَطُلَتْ دَلَالَتُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً .
و ( لَا ) تَجْلِسُ ( مَا نَقَصَتْهُ ) عَادَتُهَا ( قَبْلَ ) اسْتِحَاضَتِهَا فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ جَلَسَتْ الْأَرْبَعَةَ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ النَّقْصُ وَإِنَّمَا تَجْلِسُ الْمُسْتَحَاضَةُ عَادَتَهَا ( إنْ عَلِمَتْهَا ) بِأَنْ تَعْرِفَ شَهْرَهَا ، وَيَأْتِي وَتَعْرِفَ وَقْتَ حَيْضِهَا مِنْهُ وَوَقْتَ طُهْرِهَا وَعَدَدَ أَيَّامِهَا ( وَإِلَّا ) تَعْلَمْ عَادَتَهَا بِأَنْ جَهِلَتْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ ( عَمِلَتْ ) وُجُوبًا ( بِتَمْيِيزٍ صَالِحٍ ) لِلْحَيْضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَتَقَدَّمَ ( وَلَوْ تَنَقَّلَ ) التَّمْيِيزُ ، بِأَنْ لَمْ يَتَوَالَ ( أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ ( وَلَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ ) أَيْ التَّمْيِيزِ الصَّالِحِ ( بِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ ) وَهُمَا الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ وَالثَّخِينُ وَالرَّقِيقُ أَوْ الْمُنْتِنُ وَغَيْرُهُ ( عَلَى شَهْرٍ ) أَيْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، نَحْوُ أَنْ تَرَى عَشَرَةً أَسْوَدَ وَثَلَاثِينَ فَأَكْثَرَ أَحْمَرَ دَائِمًا ، فَتَجْلِسَ الْأَسْوَدَ لِأَنَّ الْأَحْمَرَ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ ( وَلَا يُلْتَفَتُ لِتَمْيِيزٍ إلَّا مَعَ اسْتِحَاضَةٍ ) فَتَجْلِسَ جَمِيعَ دَمٍ لَا يُجَاوِزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ صِفَةً لِأَنَّهُ يَصْلُحُ حَيْضًا كُلُّهُ ( فَإِنْ عُدِمَ ) التَّمْيِيزُ وَجِهَاتُ عَادَتِهَا ( فِ ) هِيَ ( مُتَحَيِّرَةٌ ) لِتَحَيُّرِهَا فِي حَيْضِهَا ، لِجَهْلِ عَادَتِهَا وَعَدَمِ
تَمْيِيزِهَا ( لَا تَفْتَقِرُ اسْتِحَاضَتُهَا إلَى تَكْرَارٍ ) بِخِلَافِ الْمُبْتَدَأَةِ .
وَلِلْمُتَحَيِّرَةِ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا : أَنْ تَنْسَى عَدَدَ أَيَّامِهَا دُونَ مَوْضِعِ حَيْضِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ ( وَتَجْلِسُ نَاسِيَةُ الْعَدَدِ فَقَطْ غَالِبَ الْحَيْضِ ) سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِالتَّحَرِّي ( فِي مَوْضِع حَيْضِهَا ) مِنْ أَوَّلِهِ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَتَقَدَّمَ ( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ إلَّا شَهْرَهَا ، وَهُوَ مَا يَجْتَمِعُ ) لَهَا ( فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ ) وَأَقَلُّهُ : أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ( فَ ) تَجْلِسُ ( فِيهِ ) سِتًّا أَوْ سَبْعًا ( إنْ اتَّسَعَ لَهُ ) أَيْ لِغَالِبِ الْحَيْضِ كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا عِشْرِينَ فَأَكْثَرَ فَتَجْلِسَ فِي أَوَّلِهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِالتَّحَرِّي ، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ بَقِيَّةَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ تَعُودَ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ أَبَدًا .
( وَإِلَّا ) يَتَّسِعْ شَهْرُهَا لِغَالِبِ الْحَيْضِ بِأَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَ ( جَلَسَتْ الْفَاضِلَ بَعْدَ أَقَلِّ الطُّهْرِ ) وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ .
فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جَلَسَتْ يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ جَلَسَتْ يَوْمَيْنِ .
وَهَكَذَا .
ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي بَقِيَّتَهُ .
الثَّانِي : أَنْ تَذْكُرَ عَدَدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَتَنْسَى مَوْضِعَهُ ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( وَتَجْلِسُ الْعَدَدَ بِهِ ) أَيْ بِشَهْرِهَا ، أَيْ فِيهِ ( مَنْ ذَكَرَتْهُ ) أَيْ الْعَدَدَ ( وَنَسِيَتْ الْوَقْتَ ) مِنْ أَوَّلِ مُدَّةٍ عُلِمَ الْحَيْضُ فِيهَا وَضَاعَ مَوْضِعُهُ ، كَنِصْفِ الشَّهْرِ الثَّانِي ، وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالِيٍّ ، حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ .
الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لَهُمَا .
وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( وَ ) تَجْلِسُ ( غَالِبَ الْحَيْضِ مَنْ نَسِيَتْهُمَا ) أَيْ الْعَدَدَ وَالْوَقْتَ ( مِنْ أَوَّلِ كُلِّ مُدَّةٍ عُلِمَ الْحَيْضُ فِيهَا .
وَضَاعَ مَوْضِعُهُ ، كَنِصْفِ الشَّهْرِ الثَّانِي ) أَوْ الْأَوَّلِ أَوْ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْهُ ( فَإِنْ جَهِلَتْ ) مُدَّةَ حَيْضِهَا ( فَ ) لَمْ تَدْرِ : أَكَانَتْ تَحِيضُ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ ؟ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ أَيْضًا ( مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ
هِلَالِيٍّ كَمُبْتَدَأَةٍ ) أَيْ كَمَا تَفْعَلُ الْمُبْتَدَأَةُ ذَلِكَ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ { تَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ، وَأَيَّامَهَا وَصُومِي } فَقَدَّمَ حَيْضَهَا عَلَى الطُّهْرِ ، ثُمَّ أَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ ( وَمَتَى ذَكَرَتْ ) النَّاسِيَةُ ( عَادَتَهَا رَجَعَتْ إلَيْهَا ) فَجَلَسَتْهَا ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجُلُوسِ فِيهَا كَانَ لِعَارِضِ النِّسْيَانِ وَقَدْ زَالَ فَرَجَعَتْ إلَى الْأَصْلِ ( وَقَضَتْ الْوَاجِبَ ) مِنْ نَحْوِ صَوْمِ ( زَمَنِهَا ) أَيْ زَمَنِ عَادَتِهَا ، لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ ، بِكَوْنِهِ صَادَفَ حَيْضَهَا ( وَ ) قَضَتْ الْوَاجِبَ أَيْضًا مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ ( زَمَنَ جُلُوسِهَا فِي غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ عَادَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَيْضَهَا .
فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً إلَى آخِرِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ فَجَلَسَتْ سَبْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَتْ .
لَزِمَهَا قَضَاءُ مَا تَرَكَتْ مِنْ صَلَاةٍ وَالصِّيَامُ الْوَاجِبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى ، وَقَضَاءُ مَا صَامَتْ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ ( وَمَا تَجْلِسُهُ نَاسِيَةً ) لِعَادَتِهَا ( مِنْ ) حَيْضٍ ( مَشْكُوكٍ فِيهِ ، فَهُوَ كَحَيْضٍ يَقِينًا ) فِي أَحْكَامِهِ ، مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالْوَطْءِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا ( وَمَا زَادَ ) عَلَى مَا تَجْلِسُهُ ( إلَى أَكْثَرِهِ ) أَيْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ .
فَهُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ .
وَحُكْمُهُ ( كَطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ ) فِي أَحْكَامِهِ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِمَا كَالْيَقِينِ ، فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُكْرَهُ وَيَجِبُ وَيُسْتَحَبُّ وَيُبَاحُ .
وَيَسْقُطُ .
وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْوَطْءُ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، كَالِاسْتِحَاضَةِ ( وَغَيْرِهِمَا ) أَيْ غَيْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِمَا ( اسْتِحَاضَةٌ ) لِخَبَرِ حَمْنَةَ .
وَلِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ تَطُولُ مُدَّتُهَا غَالِبًا .
وَلَا غَايَةَ لِانْقِطَاعِهَا
تُنْتَظَرُ فَيَعْظُمُ مَشَقَّةُ قَضَاءِ مَا فَعَلَتْهُ فِي الطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ غَالِبًا .
وَبِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الْأَقَلِّ فِي الْمُبْتَدَأَةِ ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْأَكْثَرَ .
وَعَلَى عَادَةِ الْمُعْتَادَةِ لِانْكِشَافِ أَمْرِهِ بِالتَّكْرَارِ
( وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَادَةٌ ) مُعْتَادَةٌ ( مُطْلَقًا ) بِزِيَادَةٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ ( فَ ) الدَّمُ الزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا أَوْ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهَا ( كَدَمٍ زَائِدٍ عَلَى أَقَلِّ حَيْضٍ مِنْ مُبْتَدَأَةٍ فِي ) أَنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي فِيهِ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ ، إنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ ، حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا .
وَفِي ( إعَادَةِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ ) كَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبَيْنِ فَعَلَتْهُ فِيهِ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا ، لِأَنَّهُ زَمَنُ حَيْضٍ ، وَصَارَ عَادَةً لَهَا ، فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ ( وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا ) فِي عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ كَالطَّاهِرَةِ ( ثُمَّ ) إنْ ( عَادَ ) الدَّمُ ( فِي عَادَتِهَا جَلَسَتْهُ ) وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ لِأَنَّهُ صَادَفَ عَادَتَهَا .
أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ و ( لَا ) تَجْلِسُ ( مَا جَاوَزَهَا ) أَيْ الْعَادَةَ ( وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَكْثَرِهِ ) أَيْ الْحَيْضِ ( حَتَّى يَتَكَرَّرَ ) فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، فَتَجْلِسَهُ بَعْدُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ ( وَصُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ ) أَيْ شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ ( فِي أَيَّامِهَا ) أَيْ الْعَادَةِ ( حَيْضٌ ) تَجْلِسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } وَهُوَ يَتَنَاوَلُهُمَا .
وَلِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ " يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ ، فَتَقُولُ : لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ " تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مَنْ الْحَيْضِ .
وَفِي الْكَافِي : قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ : هِيَ مَاءٌ أَبِيضُ يَتْبَعُ الْحَيْضَةَ ( لَا بَعْدَ ) الْعَادَةِ ، فَلَيْسَ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضًا ( وَلَوْ تَكَرَّرَ ) ذَلِكَ .
فَلَا تَجْلِسُهُ لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ " كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ ، وَلَمْ يَذْكُرْ " بَعْدَ الطُّهْرِ " .
( وَمَنْ تَرَى يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ دَمًا ) مُتَفَرِّقًا ( يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ ) أَيْ الدَّمِ ( أَقَلَّهُ ) أَيْ الْحَيْضِ .
(
وَ ) تَرَى ( نَقَاءً مُتَخَلِّلًا ) لِتِلْكَ الدِّمَاءِ لَا يَبْلُغُ أَقَلَّ الطُّهْرِ ( فَالدَّمُ حَيْضٌ ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لَهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ ، وَالنَّقَاءُ طُهْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَمَتَى انْقَطَعَ ) الدَّمُ ( قَبْلَ بُلُوغِ الْأَقَلِّ وَجَبَ الْغُسْلُ ) إذَنْ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ حَيْضٌ لَا فَسَادٌ .
( فَإِنْ جَاوَزَ ) الْمَجْمُوعُ أَيْ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنَّقَاءِ ( أَكْثَرَهُ ) أَيْ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ( كَمَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ) يَوْمًا ( مَثَلًا فَ ) هِيَ ( مُسْتَحَاضَةٌ ) تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا إنْ عَلِمَتْهَا ، وَإِلَّا فَبِالتَّمْيِيزِ إنْ كَانَ ، وَإِلَّا فَمُتَحَيِّرَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَلَا تَمْيِيزَ جَلَسَتْ أَقَلَّ الْحَيْضِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى غَالِبِهِ ، قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَهَلْ تُلَفَّقُ لَهَا السَّبْعَةُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ تَجْلِسُ أَرْبَعَةً مِنْ سَبْعَةٍ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ا هـ .
وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِالثَّانِي .
فَصْلٌ يَلْزَمُ كُلُّ مَنْ دَامَ حَدَثُهُ مِنْ مُسْتَحَاضَةٍ ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ ، أَوْ مَذْيٍ ، أَوْ رِيحٍ ، أَوْ جُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ ، أَوْ رُعَافٌ ( غَسْلُ الْمَحَلِّ ) الْمُلَوَّثِ بِالْحَدَثِ ، لِإِزَالَتِهِ عَنْهُ ( وَتَعْصِيبُهُ ) أَيْ فِعْلُ مَا يَمْنَعُ الْخَارِجَ حَسَبَ الْإِمْكَانِ : مِنْ حَشْوٍ بِقُطْنٍ ، وَشَدَّهُ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ ، وَتَسْتَثْفِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ إنْ كَثُرَ دَمُهَا بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ ، تَشُدُّهَا عَلَى جَنْبَيْهَا وَوَسَطِهَا عَلَى الْفَرْجِ ، لِأَنَّ فِي حَدِيثٍ { تَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ } وَقَالَ لِحَمْنَةَ ، حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ كَثْرَةَ الدَّمِ { أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ } يَعِنِي الْقُطْنَ " تَحْشِي بِهِ الْمَكَانَ قَالَتْ : إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ : تَلَجَّمِي " فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ شَدُّهُ كَبَاسُورٍ وَنَاصُورٍ وَجُرْحٍ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ ، صَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ .
و ( لَا ) يَلْزَمُهُ ( إعَادَتُهُمَا ) أَيْ الْغُسْلِ وَالْعَصْبِ ( لِكُلِّ صَلَاةٍ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ ) ، لِأَنَّ الْحَدَثَ مَعَ غَلَبَتِهِ وَقُوَّتِهِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : { اعْتَكَفَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ .
فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ ، وَالطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَيَتَوَضَّأُ ) مِنْ حَدَثٍ دَائِمٍ ( لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إنْ خَرَجَ شَيْءٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ { وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ .
وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ { وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ ، كَالتَّيَمُّمِ .
فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ لَمْ يَبْطُلْ ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا : أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لَوْ كَانَتْ تَوَضَّأَتْ قَبْلَهُ .
قَالَ الْمَجْدُ
وَغَيْرُهُ : وَهُوَ أَوْلَى .
وَجَزَمَ بِهِ فِي نَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ ، وَسَوَّى فِي الْإِقْنَاعِ بَيْنَهُمَا ، تَبَعًا لِأَبِي يَعْلَى .
وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي الْإِنْصَافِ .
وَيُصَلِّي دَائِمُ الْحَدَثِ عَقِبَ طُهْرِهِ نَدْبًا ( وَإِنْ اُعْتِيدَ انْقِطَاعُهُ ) أَيْ الْحَدَثِ الدَّائِمِ ( زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ ) أَيْ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ لَهَا ( تَعَيَّنَ ) فِعْلُ الْمَفْرُوضَةِ فِيهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا عُذْرَ مَعَهُ وَلَا ضَرُورَةَ .
فَتَعَيَّنَ كَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ ( وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ ) أَيْ انْقِطَاعُ الْحَدَثِ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ ( لِمَنْ عَادَتُهُ الِاتِّصَالُ ) لِلْحَدَثِ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ ( بَطَلَ وُضُوءُهُ ) لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ فِي حُكْمِ مَنْ حَدَثُهُ غَيْرُ دَائِمٍ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّ انْقِطَاعَهُ زَمَنًا لَا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ لَا أَثَرَ لَهُ ، لَكِنَّهُ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُضِيَّ فِيهَا ، لِاحْتِمَالِ دَوَامِهِ ( وَمَنْ تَمْتَنِعُ قِرَاءَتُهُ ) فِي الصَّلَاةِ ( قَائِمًا ) لَا قَاعِدًا صَلَّى قَاعِدًا ( أَوْ يَلْحَقُهُ السَّلَسُ ) فِي الصَّلَاةِ ( قَائِمًا ) لَا قَاعِدًا ( صَلَّى قَاعِدًا ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بَدَلَ لَهَا ، وَالْقِيَامَ بَدَلُهُ الْقُعُودُ .
وَإِنْ كَانَ لَوْ قَامَ لَمْ يَحْبِسْهُ وَإِنْ اسْتَلْقَى حَبَسَهُ ، صَلَّى قَائِمًا ، لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا ( وَمَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ ) السَّلَسُ ( إلَّا رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ ) نَصًّا ، كَالْمَكَانِ النَّجِسِ ، وَلَا يَكْفِيه الْإِيمَاءُ ( وَحَرُمَ وَطْءُ مُسْتَحَاضَةٍ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ عَنَتٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ " الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا " فَإِنْ خَافَهُ أَوْ خَافَتْهُ أُبِيحَ وَطْؤُهَا ، وَلَوْ لِوَاجِدِ الطَّوْلِ ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ .
وَكَذَا إنْ كَانَ بِهِ شَبَقٌ شَدِيدٌ .
لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْحَيْضِ .
وَمُدَّتُهُ تَطُولُ ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ .
وَلِأَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ يَتَعَدَّى إلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ مَجْذُومًا .
وَحَيْثُ حَرُمَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ ( وَلِرَجُلٍ
شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ ) كَكَافُورٍ .
لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ ( وَلِأُنْثَى شُرْبُهُ ) أَيْ الْمُبَاحِ ( لِإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ وَحُصُولِ حَيْضٍ ) إذْ الْأَصْلُ الْحِلُّ حَتَّى يَرِدَ التَّحْرِيمُ .
وَلَمْ يَرِدْ .
و ( لَا ) تَشْرَبُ مُبَاحًا ( لِحُصُولِ حَيْضٍ قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ ) أَيْ رَمَضَانَ كَالسَّفَرِ لِتُفْطِرَ .
( وَ ) الْأُنْثَى أَيْضًا تَشْرَبُ مُبَاحًا ( لِقَطْعِهِ ) أَيْ الْحَيْضِ لِمَا تَقَدَّمَ و ( لَا ) يَجُوزُ لِأَحَدٍ ( فِعْلُ الْأَخِيرِ ) أَيْ مَا يَقَعُ الْحَيْضُ ( بِهَا بِلَا عِلْمِهَا ) بِهِ : لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهَا مِنْ النَّسْلِ الْمَقْصُودِ .
وَفِي الْفَائِقِ : لَا يَجُوزُ مَا يَقْطَعُ الْحَمْلَ .
ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ .
فَصْلٌ النِّفَاسُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ .
فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ .
وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا .
.
وَرُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَرَ دَمًا .
فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْجُفُوفِ } وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ دَمٌ وُجِدَ عَقِبَ سَبَبِهِ .
فَكَانَ نِفَاسًا كَالْكَثِيرِ ( وَهُوَ ) أَيْ النِّفَاسُ بَقِيَّةٌ لِلدَّمِ الَّذِي اُحْتُبِسَ فِي مُدَّة الْحَمْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّفَسِ .
وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْجَوْفِ ، أَوْ مِنْ نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ ، أَيْ فَرَّجَهَا ، وَعُرْفًا ( دَمٌ تُرْخِيهِ الرَّحِمُ مَعَ وِلَادَةٍ وَقَبْلَهَا ) أَيْ الْوِلَادَةِ ( بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِأَمَارَةٍ ) أَيْ عَلَامَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ ، كَالتَّأَلُّمِ .
وَإِلَّا فَلَا تَجْلِسُهُ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ .
فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمَهُ أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ ( وَبَعْدَهَا ) أَيْ الْوِلَادَةِ ( إلَى تَمَامِ أَرْبَعِينَ ) يَوْمًا ( مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ ) فَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ " .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ ( وَإِنْ جَاوَزَهَا ) أَيْ الْأَرْبَعِينَ دَمُ النِّفَاسِ ( وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا وَلَمْ يَزِدْ ) عَنْ عَادَتِهَا .
فَالْمُجَاوِزُ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي عَادَتِهَا .
أَشْبَهُ مَا لَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِنِفَاسٍ ( أَوْ زَادَ ) الدَّمُ الْمُجَاوِزُ لِلْأَرْبَعِينَ عَنْ الْعَادَةِ ( وَتَكَرَّرَ ) ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ( وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ ) أَيْ الْحَيْضِ ( فَهُوَ حَيْضٌ ) لِأَنَّهُ دَمٌ مُتَكَرِّرٌ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ نِفَاسٌ .
( وَإِلَّا ) بِأَنْ زَادَ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ ، أَوْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَتَكَرَّرَ أَوَّلًا ( أَوْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ ) حَيْضٍ ( فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ ) إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ لِأَنَّهُ لَا
يَصْلُحُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا ، فَإِنْ تَكَرَّرَ وَصَلُحَ حَيْضًا فَحَيْضٌ ( وَلَا تَدْخُلُ اسْتِحَاضَةٌ فِي مُدَّةِ نِفَاسٍ ) كَمَا لَا تَدْخُلُ فِي مُدَّةِ حَيْضٍ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَقْوَى ( وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ ) أَيْ النِّفَاسِ ( بِوَضْعِ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ ) وَلَوْ خَفِيًّا ؛ لِأَنَّهُ وِلَادَةٌ ، لَا عَلَقَةٌ أَوْ مُضْغَةٌ لَا تَخْطِيطَ فِيهِمَا .
وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُهُ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا ، وَيَأْتِي وَغَالِبُهُ كَمَا .
قَالَ الْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ : ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ( وَالنَّقَاءُ زَمَنُهُ ) أَيْ النِّفَاسِ ( طُهْرٌ ) كَالْحَيْضِ .
فَتَغْتَسِلُ وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الطَّاهِرَاتُ ( وَيُكْرَهُ وَطْؤُهَا فِيهِ ) أَيْ النَّقَاءِ زَمَنُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ .
قَالَ أَحْمَدُ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا ، عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ " أَنَّهَا أَتَتْهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ .
فَقَالَ : " لَا تَقْرَبِينِي " وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْعَوْدَ مِنْ الْوَطْءِ ( فَإِنْ عَادَ الدَّمُ فِي الْأَرْبَعِينَ ) بَعْدَ انْقِطَاعِهِ ( أَوْ لَمْ تَرَهُ ) عِنْدَ الْوِلَادَةِ ( ثُمَّ رَأَتْهُ فِيهَا ) أَيْ الْأَرْبَعِينَ ، فَهُوَ ( مَشْكُوكٌ فِيهِ ) ، أَيْ كَوْنِهِ نِفَاسًا أَوْ فَسَادًا ، لِتَعَارُضِ الْأَمَارَتَيْنِ فِيهِ ( فَتَصُومُ وَتُصَلِّي ) مَعَهُ .
لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مُتَيَقَّنٌ ، وَسُقُوطُهُ بِهَذَا الدَّمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَالْحَيْضِ لِتَكَرُّرِهِ ( وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ وَنَحْوَهُ ) احْتِيَاطًا .
لِأَنَّهَا تَيَقَّنَتْ شُغْلَ ذِمَّتِهَا بِهِ .
فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ ( وَلَا تُوطَأُ ) فِي هَذَا الدَّمِ كَالْمُبْتَدَأَةِ فِي الزَّائِدِ عَلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ قَلَّ تَكَرُّرُهُ ( وَإِنْ صَارَتْ نُفَسَاءَ بِتَعَدِّيهَا ) عَلَى نَفْسِهَا بِضَرْبٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِمَا ( لَمْ تَقْضِ ) الصَّلَاةَ فِي زَمَنِ نِفَاسِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ التَّعَدِّي مِنْ غَيْرِهَا .
لِأَنَّ وُجُودَ الدَّمِ لَيْسَ مَعْصِيَةً مِنْ جِهَتِهَا .
وَلَا يُمْكِنُهَا قَطْعُهُ ، بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ يُمْكِنُ قَطْعُهُ
بِالتَّوْبَةِ .
وَأَمَّا السُّكْرُ فَجُعِلَ شَرْعًا كَمَعْصِيَةٍ مُسْتَدَامَةٍ يَفْعَلُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْإِثْمِ وَالتَّكْلِيفِ .
وَالشُّرْبُ أَيْضًا يُسْكِرُ غَالِبًا .
فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَالْقَتْلِ ، يَحْصُلُ مَعَهُ خُرُوج الرُّوحِ .
فَأُضِيفَ إلَيْهِ ( وَفِي وَطْءِ نُفَسَاءَ مَا فِي وَطْءِ حَائِضٍ ) مِنْ الْكَفَّارَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِ ( وَمَنْ وَضَعَتْ تَوْأَمَيْنِ ) أَيْ وَلَدَيْنِ ( فَأَكْثَرَ ، فَأَوَّلُ نِفَاسٍ وَآخِرُهُ مِنْ ) ابْتِدَاءِ خُرُوجِ ( الْأَوَّلِ ) كَمَا لَوْ انْفَرَدَ الْحَمْلُ ( فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْوَلَدَيْنِ ( أَرْبَعُونَ ) يَوْمًا فَأَكْثَرَ ( فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي ) بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ .
فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ .
كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَوَّلِهِ .
كِتَابُ الصَّلَاةِ لُغَةً الدُّعَاءُ ، قَالَ تَعَالَى : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أَيْ اُدْعُ لَهُمْ ، وَعُدِّيَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِنْزَالِ ، أَيْ أَنْزِلْ رَحْمَتَك عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَصِلْ } .
وَشَرْعًا ( أَقْوَالٌ ) وَلَوْ مُقَدَّرَةً ، كَمَنْ أُخْرِسَ ( وَأَفْعَالٌ ) مَعْلُومَةٌ ( مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ ) لِلْخَبَرِ ، سُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ تَثْنِيَةُ صَلَا كَعَصَا .
وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ ، أَوْ عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ صَلَوَى إمَامِهِ .
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ : إنَّهَا مِنْ صَلَيْت الْعُودَ ، إذَا لَيَّنْته ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَلِينُ وَيَخْشَعُ .
وَفَرْضُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بَعْدَ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ ، وَهِيَ آكَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ ( وَتَجِبُ ) الصَّلَاةُ ( الْخَمْسُ ) فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُبَعَّضٍ ( مُكَلَّفٍ ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ ( غَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا .
كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا لَأُمِرَتَا بِقَضَائِهَا ( وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ ) أَيْ الْمُسْلِمَ الْمَذْكُورَ ( الشَّرْعُ ) كَمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ حَرْبٍ وَلَمْ يَبْلُغْهُ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا إذَا عَلِمَ ، كَالنَّائِمِ ( أَوْ ) كَانَ ( نَائِمًا ) أَوْ سَاهِيًا لِحَدِيثِ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( أَوْ ) كَانَ ( مُغَطًّى عَقْلُهُ بِإِغْمَاءٍ ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عَمَّارًا أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : هَلْ صَلَّيْتُ ؟ قَالُوا : مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ " وَعَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ .
وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ غَالِبًا .
وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ .
وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا يُسْقِطُ الصَّوْمَ .
فَكَذَا الصَّلَاةُ ، كَالنَّوْمِ ( أَوْ ) كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ ( بِشُرْبِ ) دَوَاءٍ فَيَقْضِي كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَأَوْلَى أَوْ كَانَ مُغَطًّى عَقْلُهُ بِشُرْبِ ( مُحَرَّمٍ ) اخْتِيَارًا ، لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ .
فَلَا يُنَاسِبُهَا إسْقَاطُ الْوَاجِبِ ، أَوْ كُرْهًا ، إلْحَاقًا لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ ( فَيَقْضِي ) السَّكْرَانُ زَمَنَ سُكْرِهِ ( حَتَّى زَمَنَ جُنُونٍ طَرَأَ ) عَلَى السُّكْرِ ( مُتَّصِلًا بِهِ ) تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ .
الصَّوْمُ وَغَيْرُهُ ( وَيَلْزَمُ ) مُتَيَقِّظًا ( إعْلَامُ نَائِمٍ بِدُخُولِ وَقْتِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( مَعَ ضِيقِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، فِي قَوْله تَعَالَى : { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ } وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ : أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ ، بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا حَالَ كُفْرِهِ وَلَا بِقَضَائِهَا إذَا أَسْلَمَ ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ .
وَإِلَّا فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالتَّوْحِيدِ ( وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ ) لِعَدَمِ النِّيَّةِ ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَجُنَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ، وَلَا عَلَى الْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يُفِيقُ .
( وَإِذَا صَلَّى ) كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ .
حُكِمَ بِهِ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
فَظَاهِرُهُ : أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ بِالصَّلَاةِ ، وَهِيَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِ أَنَسٍ " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا ، وَصَلَّى صَلَاتَنَا ، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ .
لَهُ مَا
لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا .
وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ " وَصَلَّى صَلَاتَنَا " أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بِدُونِهَا ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْرُوعَةِ تَخْتَصُّ بِشَرْعِنَا أَشْبَهَتْ الْأَذَانَ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِدَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا ، بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ أَذَّنَ وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ ) أَيْ الْأَذَانِ ( كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ ) وَهُوَ الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْقِلُهُ ( حُكِمَ بِهِ ) أَيْ إسْلَامِهِ ، لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ .
وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِهِ : أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِنَا ، وَوَرِثَهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ ، دُونَ الْكُفَّارِ .
وَلَوْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ ، وَقَالَ : صَلَّيْت مُسْتَهْزِئًا وَنَحْوَهُ .
لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ( وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ ) أَيْ الْكَافِرِ ( ظَاهِرًا ) فَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا : لِفَقْدِ شَرْطِهَا ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَاغْتَسَلَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَهِيَ صَحِيحَةٍ ( وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ .
وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ وَفِطْرٍ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ ، وَلَا حَجِّهِ ، وَلَا صَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ
( وَلَا تَجِبُ ) الصَّلَاةُ ( عَلَى صَغِيرٍ ) لِحَدِيثِ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ } وَلِضَعْفِ عَقْلِهِ وَنِيَّتِهِ .
وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِفَقْدِ شَرْطِهَا ( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( مِنْ مُمَيِّزٍ ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ ) أَيْ اسْتَكْمَلَ ( سَبْعًا ) مِنْ السِّنِينَ .
وَفِي الْمَطْلَعِ : مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ .
وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِتٍّ ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِفْهَامِ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، وَقَالَ : إنَّ الِاشْتِقَاقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ ا هـ .
وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُمَيِّزِ .
وَيُشْتَرَطُ لِصَلَاتِهِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْكَبِيرِ ، إلَّا فِي السُّتْرَةِ ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا ( وَالثَّوَابُ ) أَيْ ثَوَابُ عَمَلِ الْمُمَيِّزِ ( لَهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ } فَهُوَ يُكْتَبُ لَهُ ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ ( وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَمْرُهُ ) أَيْ الْمُمَيِّزِ ( بِهَا ) أَيْ بِالصَّلَاةِ ( ل ) تَمَامِ ( سَبْعِ ) سِنِينَ ( وَ ) يَلْزَمُهُ ( تَعْلِيمُهُ إيَّاهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ .
( وَ ) تَعْلِيمُهُ ( الطَّهَارَةَ ك ) مَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ فِعْلُ مَا فِيهِ ( إصْلَاحُ مَالِهِ .
و ) كَمَا يَلْزَمُهُ ( كَفُّهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ ) لِيَنْشَأَ عَلَى الْكَمَالِ ( وَ ) لَزِمَهُ أَيْضًا ( ضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرِ ) سِنِينَ تَامَّةٍ ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَالْأَمْرُ وَالتَّأْدِيبُ لِتَمْرِينِهِ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا ، فَلَا يَتْرُكَهَا .
وَأَمَّا وُجُوبُ تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا وَالطَّهَارَةَ فَلِتَوَقُّفِ فِعْلِهَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ
تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ( وَإِنْ بَلَغَ ) الصَّغِيرُ ( فِي ) صَلَاةٍ ( مَفْرُوضَةٍ ) بِأَنْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْبُلُوغِ وَهُوَ فِيهَا فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا .
وَسُمِّيَ بُلُوغًا لِبُلُوغِهِ حَدَّ التَّكْلِيفِ ( أَوْ ) بَلَغَ ( بَعْدَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا ) كَالْحَجِّ .
وَلِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ .
فَلَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْفَرِيضَةِ ، فَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ الْوَقْتِ ، فَلَا إعَادَةَ عَلَى مَا يَأْتِي ( مَعَ ) إعَادَةِ ( تَيَمُّمٍ ) لَهَا ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَانَ لِنَافِلَةٍ ، فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرِيضَةَ ( وَ ) لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ ( وُضُوءٍ ) وَلَا غُسْلِ نَحْوِ جِمَاعٍ ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ .
( وَ ) لَا إعَادَةَ ( إسْلَامٍ ) لِأَنَّهُ أَصْلُ الدِّينِ ، فَلَا يَصِحُّ نَفْلًا .
فَإِذَا وُجِدَ فَعَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَأَبِيهِ ( وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَزِمَتْهُ ) فَرِيضَةٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ ( تَأْخِيرُهَا ) عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ ( أَوْ ) تَأْخِيرُ ( بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ ) وَهُوَ وَقْتُهَا الْمَعْلُومُ مِمَّا يَأْتِي ، أَوْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فِيمَا لَهَا وَقْتَانِ ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ ، وَلِئَلَّا تَفُوتَ فَائِدَةُ التَّأْقِيتِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ ( ذَاكِرًا ) لِلصَّلَاةِ عِنْدَ تَأْخِيرِهَا ( قَادِرًا عَلَى فِعْلِهَا ) بِخِلَافِ نَحْوِ نَائِمٍ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا { لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( إلَّا لِمَنْ لَهُ الْجَمْعُ ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لِنَحْوِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ ( وَيَنْوِيه ) أَيْ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى الْمُتَّسِعِ لَهَا ، فَيَجُوزُ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكُونُ الْأُولَى أَدَاءً ( أَوْ مُشْتَغِلٌ بِشَرْطِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( الَّذِي يُحَصِّلُهُ ) أَيْ الشَّرْطُ ( قَرِيبًا ) كَمَنْ بِسُتْرَتِهِ خَرْقٌ ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهَا .
وَاشْتَغَلَ بِخِيَاطَتِهِ حَتَّى خَرَجَ
الْوَقْتُ وَنَحْوُهُ ، فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ .
بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ تَحْصِيلُ الشَّرْطِ بَعِيدًا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ .
( وَ ) يَجُوزُ ( لَهُ ) أَيْ لِمَنْ لَزِمَتْهُ صَلَاةٌ
( تَأْخِيرُ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ ) أَيْ وَقْتِ الْجَوَازِ ( مَعَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ ) أَيْ فِعْلِهَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيث السَّابِقِ .
فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ أَثِمَ ( مَا لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا ) مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ ( كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ ) فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الْوَقْتِ .
لِئَلَّا تَفُوتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، أَوْ أَدَاؤُهَا ( أَوْ ) مَا لَمْ يَعُدْ ( سُتْرَةَ أَوَّلِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ ( فَقَطْ ) دُونَ آخِرِهِ .
فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ ( أَوْ لَا يَبْقَى وُضُوءُ عَادِمِ الْمَاءِ سَفَرًا ) أَوْ حَضَرًا ( إلَى آخِرِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ ( وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ ) أَيْ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ .
فَيَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ شَرْطُهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ( وَمَنْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ) الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا .
وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا أَوْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ .
( تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ) لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ .
فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي الذِّمَّةِ ، بِخِلَافِ زَكَاةٍ وَحَجٍّ ( وَلَمْ يَأْثَمْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ فَهُوَ آثِمٌ ، مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ ، وَمَتَى فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِهَا فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً
( وَمَنْ تَرَكَهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ ( جُحُودًا ) يَعْنِي مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ تَرَكَهَا أَوْ فَعَلَهَا ( وَلَوْ ) كَانَ جَحْدُهُ لِوُجُوبِهَا ( جَهْلًا ) بِهِ ( وَعَرَفَ ) الْوُجُوبَ ( وَأَصَرَّ ) عَلَى جُحُودِهِ ( كَفَرَ ) أَيْ صَارَ مُرْتَدًّا ، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ( وَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا إذَا دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ لِفِعْلِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( وَأَبَى ) فِعْلَهَا ( حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا ) بِأَنْ يُدْعَى لِلظُّهْرِ مَثَلًا ، فَيَأْبَى حَتَّى يَتَضَايَقَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَنْهَا ، فَيُقْتَلُ كُفْرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَلِقَوْلِهِ { أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ } قَالَ أَحْمَدُ : كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبِقَ مِنْهُ شَيْءٌ .
وَقَالَ عُمَرُ " لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ " وَقَالَ عَلِيٌّ " مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ " لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " وَلَا قَتْلَ وَلَا تَكْفِيرَ قَبْلَ الدِّعَايَةَ ، وَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْأُولَى ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى تَرْكِهَا إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا .
فَإِذَا خَرَجَ عُلِمَ تَرْكُهُ لَهَا ، لَكِنَّهَا فَائِتَةٌ لَا يُقْتَلُ بِهَا ، فَإِذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَة وَجَبَ قَتْلُهُ ( وَيُسْتَتَابَانِ ) أَيْ الْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا بَعْدَ الدِّعَايَةِ ( وَالْإِبَاءِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) بِلَيَالِيِهَا ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمَا وَيُدْعَيَانِ كُلَّ وَقْتِ صَلَاةٍ إلَيْهَا ( فَإِنْ تَابَا بِفِعْلِهَا ) مَعَ
إقْرَارِ الْجَاحِدِ لِوُجُوبِهَا بِهِ ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ خُلِّيَ سَبِيلُهُمَا .
وَإِنْ قَالَ : أُصَلِّي بِمَنْزِلِي مَثَلًا تُرِكَ وَأُمِرَ بِهَا ، وَوُكِلَ إلَى أَمَانَتِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتُوبَا بِذَلِكَ ( ضُرِبَتْ عُنُقُهُمَا ) بِالسَّيْفِ .
لِحَدِيثِ { إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
أَيْ الْهَيْئَةَ مِنْ الْقَتْلِ ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ .
( وَكَذَا ) أَيْ كَتَرْكِ الصَّلَاةِ جُحُودًا أَوْ تَهَاوُنًا أَوْ كَسَلًا ( تَرْكُ رُكْنٍ ) لِلصَّلَاةِ ( أَوْ ) تَرْكُ ( شَرْطٍ ) لَهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ( يَعْتَقِدُ ) التَّارِكُ ( وُجُوبَهُ ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ : لَا يُكَفَّرُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ ، وَلَا يُكَفَّرُ بِتَرْكِ فَائِتَةٍ وَنَذْرٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا زَكَاةٍ ، إلَّا بِجَحْدِ وُجُوبِهَا .
بَابُ الْأَذَانِ لُغَةً الْإِعْلَامُ .
قَالَ تَعَالَى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } أَيْ أَعْلِمْهُمْ بِهِ يُقَالُ : أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا وَأَذِينًا كَعَلِيمٍ ، إذَا أَعْلَمَ بِهِ ، فَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ .
كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ .
وَشَرْعًا ( إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ ) أَوْ إعْلَامُ ( قُرْبِهِ ) أَيْ وَقْتِهَا ( كَفَجْرٍ ) فَقَطْ ( وَالْإِقَامَةُ ) مَصْدَر قَامَ .
وَحَقِيقَتُهُ : إقَامَةُ الْقَاعِدِ ، فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ ، إذَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ .
وَشَرْعًا ( إعْلَامٌ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ فِيهِمَا ) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ .
وَيُطْلَقَانِ عَلَى نَفْسِ الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَذَانُ ( أَفْضَلُ مِنْهَا ) أَيْ الْإِقَامَةِ .
لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَلْفَاظًا .
وَأَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ ( وَ ) الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَيْضًا ( مِنْ الْإِمَامَةِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ .
وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ الْأَذَانَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ .
قَالَ عُمَرُ : " لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت " وَيَشْهَدُ لِفَضْلِ الْأَذَانِ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُؤَذِّنُ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَوْلُهُ { مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ .
وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ .
مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ : { لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعَلِّمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ .
فَذَكَرُوا أَنْ
يُوقِدُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا ؟ فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ( وَسُنَّ أَذَانٌ فِي يَمِينِ أُذُنِ مَوْلُودٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( حِينَ يُولَدُ .
و ) سُنَّ ( إقَامَةٌ فِي ) الْأُذُنِ ( الْيُسْرَى ) لِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ مَرْفُوعًا { مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ } أَيْ التَّابِعَةِ مِنْ الْجِنِّ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ حِينَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَاطِمَةُ } وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَلِيَكُونَ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا .
كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا ، وَلِأَنَّهُ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ .
وَفِي مُسْنَدِ رَزِينٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ } قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَالْمُرَادُ أُذُنُهُ الْيُمْنَى ( وَهُمَا ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِحَدِيثِ { إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ .
وَلِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ كَالْجِهَادِ وَلَا يُشْرَعَانِ لِكُلِّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ .
بَلْ تَكْفِيهِمْ الْمُتَابَعَةُ ، وَتَحْصُلُ لَهُمْ الْفَضِيلَةُ .
كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمَأْمُومِ ( لِل ) صَلَوَاتِ ( الْخَمْسِ ) دُونَ الْمَنْذُورَةِ وَغَيْرِهَا ( الْمُؤَدَّاةِ ) لَا الْمُقْتَضَيَاتِ ؟ ( وَالْجُمُعَةِ ) عَطْفٌ عَلَى الْخَمْسِ .
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدُخُولِهَا فِي الْخَمْسِ ،
وَإِنَّمَا لَمْ يُفْرَضَا فِي غَيْرِهَا ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا : الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْقِيَامُ إلَيْهَا ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا ( عَلَى الرِّجَالِ ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ، لَا الْوَاحِدِ ، وَلَا النِّسَاءِ وَلَا الْخَنَاثَى ( الْأَحْرَارِ ) لَا الْأَرِقَّاءِ وَالْمُبَعَّضِينَ ( إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا ) لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ مَالِكِهِمْ ، أَيْ فِي الْجُمْلَةِ .
وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ نَحْوِ رَدِّ سَلَامٍ ، وَتَغْسِيلِ مَيِّتٍ ، وَصَلَاةٍ عَلَى رَقِيقٍ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِتَعَيُّنِ أَخْذِ اللَّقِيطِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ ( حَضَرًا ) فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ ، وَمَنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ صَحَّتْ ، لَكِنْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ : ؟ وَيُكْرَهُ .
وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ
( وَيُسَنَّانِ ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ ( لِمُنْفَرِدٍ ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ ، يَخَافُ مِنِّي .
أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي وَأَدْخَلْته الْجَنَّةَ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
( وَ ) يُسَنَّانِ أَيْضًا ( سَفَرًا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ { إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَ ) يُسَنَّانِ أَيْضًا ( لِمَقْضِيَّةٍ ) مِنْ الْخَمْسِ .
لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ : { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ .
فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ ، حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، فَاسْتَيْقَظَ ، فَقَالَ : تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ .
ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ إنْ خَافَ تَلْبِيسًا .
كَمَا لَوْ أَذَّنَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ .
( وَيُكْرَهَانِ ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ ( لِخَنَاثَى وَنِسَاءٍ ، وَلَوْ ) كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْهُمَا ( بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ ) لِأَنَّهُمَا وَظِيفَةُ الرِّجَالِ ، فَفِيهِ نَوْعُ تَشَبُّهٍ بِهِمْ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ فِي التَّحْرِيمِ جَهْرًا الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ ، انْتَهَى .
وَيَأْتِي : لَا يَصِحَّانِ مِنْهُمَا ( وَلَا يُنَادَى ) بِأَذَانٍ وَلَا غَيْرِهِ ( لِ ) صَلَاةِ ( جِنَازَةٍ وَتَرَاوِيحَ ) نَصًّا .
لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ( بَلْ ) يُنَادَى ( لِعِيدٍ ) " الصَّلَاةَ جَامِعَةً " أَوْ الصَّلَاةُ قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ { لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَمَا يَخْرُجُ ، وَلَا إقَامَةَ ، وَلَا نِدَاءَ ، وَلَا شَيْءَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) يُنَادَى لِصَلَاةِ ( كُسُوفٍ ) لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( وَ ) يُنَادَى أَيْضًا لِصَلَاةِ ( اسْتِسْقَاءٍ ) بِأَنْ يُقَالَ : ( الصَّلَاةَ جَامِعَةً ) بِنَصْبِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : بِنَصْبِهِمَا وَرَفْعِهِمَا ( أَوْ ) يُقَالُ ( الصَّلَاةَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَوَّلِ ، أَوْ بِهِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الثَّانِي ( وَكُرِهَ ) النِّدَاءُ فِي عِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ ( بِحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ( وَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا ) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ ، كَالْعِيدِ ، فَيُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ .
وَإِذَا قَامَ بِهِمَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ غَالِبًا ، وَلَوْ وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْ الْكُلِّ نَصًّا .
وَمَنْ صَلَّى بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ .
لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا قَالَا : " دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَصَلَّى بِنَا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ لَكِنْ يُكْرَهُ ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرُهُ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : إلَّا بِمَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ ، وَإِنْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ
أَوْ مُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ .
( وَتَحْرُمُ الْأُجْرَةُ ) أَيْ أَخْذُهَا ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ { وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَالْإِقَامَةِ كَأَذَانٍ مَعْنًى وَحُكْمًا ( فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ ) بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ( رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ ( مَنْ يَقُومُ بِهِمَا ) لِأَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَّةً إلَيْهِمَا .
وَهَذَا الْمَالُ مُعَدٌّ لِلْمَصَالِحِ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمُتَطَوِّعُ لَمْ يُعْطَ غَيْرُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ .
( وَشُرِطَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ : فِي الْمُؤَذِّنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ ( كَوْنُهُ مُسْلِمًا ) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ .
وَكَوْنُهُ ( ذَكَرًا ) فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ أُنْثَى وَخُنْثَى .
قَالَ جَمَاعَةٌ : وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، كَالْحِكَايَةِ .
وَكَوْنُهُ ( عَاقِلًا ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ( وَبَصِيرًا أَوْلَى ) بِالْأَذَانِ مِنْ أَعْمَى .
لِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَنْ يَقِينٍ ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى .
فَرُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ .
وَمِثْلُهُ عَارِفٌ بِالْوَقْتِ مَعَ جَاهِلٍ بِهِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : صِحَّةُ أَذَانِ أَعْمَى .
لِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : { وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُقَالَ : أَصْبَحَتْ أَصْبَحَتْ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بَصِيرٌ ، كَمَا كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، يُؤَذِّنُ بَعْدَ بِلَالٍ ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ .
( وَسُنَّ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ ( صَيِّتًا ) أَيْ رَفِيعَ الصَّوْتِ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ { أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ .
فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك } وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ الْمَقْصُود بِالْأَذَانِ ، وَسُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ ( أَمِينًا ) لِحَدِيثِ { أُمَنَاءُ النَّاسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَسُحُورِهِمْ الْمُؤَذِّنُونَ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ .
وَفِيهِ كَلَامٌ ( وَ ) سُنَّ أَيْضًا كَوْنُهُ ( عَالِمًا بِالْوَقْتِ ) لِيُؤْمَنَ خَطَؤُهُ ( وَيُقَدَّمُ مَعَ التَّشَاحِّ ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْأَذَانِ ( الْأَفْضَلُ فِي ذَلِكَ ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْخِصَالِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدَّمَ بِلَالًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ } لِأَنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْهُ .
وَقَدَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِصَوْتِهِ .
وَقِيسَ عَلَيْهِ بَاقِي الْخِصَالِ ( ثُمَّ ) يُقَدَّمُ ( إنْ اسْتَوَوْا ) فِي الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ وَالْأَفْضَلُ ( فِي دِينٍ وَعَقْلٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ( ثُمَّ ) يُقَدَّمُ مَعَ التَّسَاوِي فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ( مَنْ يَخْتَارُهُ أَكْثَرَ الْجِيرَانِ ) الْمُصَلِّينَ ، لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِهِمْ .
وَلِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَبْلُغُهُمْ صَوْتُهُ ، وَمَنْ هُوَ أَعَفُّ نَظَرًا ( ثُمَّ ) مَعَ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي رِضَا الْجِيرَانِ ( يُقْرَعُ ) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قُدِّمَ .
لِحَدِيثِ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْأَذَانِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ ( وَيَكْفِي مُؤَذِّنٌ ) فِي الْمِصْرِ ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَى زِيَادَةٍ نَصًّا .
وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى اثْنَيْنِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : عَلَى أَرْبَعَةٍ لِفِعْلِ عُثْمَانَ ، إلَّا مِنْ حَاجَةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ ( وَيُزَادُ ) مَعَ الْحَاجَةِ أَكْثَرُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ ( بِقَدْرِهَا ) أَيْ الْحَاجَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً ( وَيُقِيمُ ) الصَّلَاةَ ( مَنْ يَكْفِي ) فِي الْإِقَامَةِ ، وَيُقَدَّمُ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَذَانُ ( خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً ) أَيْ جُمْلَةً ( بِلَا تَرْجِيعٍ ) لِلشَّهَادَتَيْنِ ، بِأَنْ يَخْفِضَ بِهِمَا صَوْتَهُ ، ثُمَّ يُعِيدُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ ، فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعًا .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ : إلَى أَيْ الْأَذَانِ تَذْهَبُ ؟ فَقَالَ : إلَى أَذَانِ بِلَالٍ .
فَقِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ؟ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ؟ ( وَهِيَ ) أَيْ الْإِقَامَةُ ( إحْدَى عَشْرَةَ جُمْلَةً بِلَا تَثْنِيَةٍ ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ .
وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً
مَرَّةً ، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ : قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ { أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَفِيهِ إجْمَالٌ فَسَّرَهُ مَا سَبَقَ
( وَيُبَاحُ تَرْجِيعُهُ ) أَيْ الْأَذَانُ .
لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ ( وَ ) يُبَاحُ ( تَثْنِيَتُهَا ) أَيْ الْإِقَامَةِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ { كَانَ أَذَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ } فَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَل ( وَسُنَّ ) أَذَانٌ ( أَوَّلَ الْوَقْتِ ) لِيُصَلِّيَ الْمُتَعَجِّلُ .
وَظَاهِرُهُ : أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا مَا دَامَ الْوَقْتُ .
وَيَتَوَجَّهُ سُقُوطُ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ( وَ ) سُنَّ ( تَرَسُّلٌ فِيهِ ) أَيْ تَمَهُّلٌ فِي الْأَذَانِ ، وَتَأَنٍّ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِمْ : جَاءَ فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ .
( وَ ) سُنَّ ( حَدْرُهَا ) أَيْ إسْرَاعُ إقَامَةٍ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ { إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : إسْنَادُهُ مَجْهُولٌ .
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ : " إذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ " وَأَصْلُ الْحَدْرِ فِي الشَّيْءِ : الْإِسْرَاعُ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ إعْلَامُ الْغَائِبِينَ فَالتَّثَبُّتُ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ ، وَالْإِقَامَةُ إعْلَامُ الْحَاضِرِينَ ، فَلَا حَاجَةَ فِيهَا لَهُ .
( وَ ) يُسَنُّ فِيهِمَا ( الْوَقْفُ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ ) قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا : الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ .
وَقَالَ أَيْضًا : الْأَذَانُ جَزْمٌ وَمَعْنَاهُ : اسْتِحْبَابُ تَقْطِيعِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَقْفِ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ " تَتِمَّةٌ " لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا .
( وَ ) يُسَنُّ ( قَوْلُ ) مُؤَذِّنٍ ( الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ .
بَعْدَ حَيْعَلَةِ أَذَانِ الْفَجْرِ ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ قَبْلَ طُلُوعِهِ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ { فَإِذَا كَانَ أَذَانُ الْفَجْرِ فَقُلْ : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَالْحَيْعَلَةُ : قَوْلُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى
الْفَلَاحِ " ( وَيُسَمَّى ) قَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ ( التَّثْوِيبُ ) مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِالتَّثْوِيبِ .
وَيُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ أَذَانِ فَجْرٍ ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالنِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذَانِ ، وَنِدَاءُ الْأَمِيرِ بَعْدَ الْأَذَانِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ .
وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ " { وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الْآيَةَ وَوَصَلَهُ بَعْدَهُ بِذِكْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْعُمْدَةِ .
وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْإِقَامَةِ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا مَا يُفْعَلُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالنَّشِيدِ وَالدُّعَاءِ .
وَلَا بَأْسَ بِالنَّحْنَحَةِ قَبْلَهُمَا .
( وَ ) يُسَنُّ ( كَوْنُهُ قَائِمًا فِيهِمَا ) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ " قُمْ فَأَذِّنْ " وَكَانَ مُؤَذِّنُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا وَالْإِقَامَةُ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ ( فَيُكْرَهَانِ ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ ( قَاعِدًا ) أَيْ مِنْ قَاعِدٍ ( لِغَيْرِ مُسَافِرٍ وَمَعْذُورٍ ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ .
وَكَذَا رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَمُضْطَجِعًا ، وَصَحَّا مِنْ نَحْوِ قَاعِدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِآكَدَ مِنْ الْخُطْبَةِ ( وَ ) يُسَنُّ كَوْنُهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ( مُتَطَهِّرًا ) مِنْ الْحَدَثَيْنِ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ .
.
وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّ .
وَالْإِقَامَةُ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّلَاةِ ( فَيُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ ) لَا مُحْدِثٍ نَصًّا .
( وَ ) تُكْرَهُ ( إقَامَةُ مُحْدِثٍ ) لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ ( وَ ) يُسَنُّ كَوْنُ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ( عَلَى عُلْوٍ ) أَيْ مَوْضِعٍ عَالٍ ، كَمَنَارَةٍ ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ .
وَرُوِيَ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ : " كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ ، فَيَنْتَظِرُ إلَى الْفَجْرِ ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُك وَأَسْتَهْدِيك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَك .
قَالَتْ : ثُمَّ يُؤَذِّنُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( وَ ) يُسَنُّ ( كَوْنُهُ رَافِعًا وَجْهَهُ ) إلَى السَّمَاءِ فِي أَذَانِهِ كُلِّهِ .
وَيُسَنُّ أَيْضًا كَوْنُهُ ( جَاعِلًا سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ " إنَّ بِلَالًا وَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ
فِي أُذُنَيْهِ ، وَقَالَ : إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
( وَ ) يُسَنّ أَيْضًا كَوْنُهُ ( مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ) لِفِعْلِ مُؤَذِّنِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ كُرِهَ .
( وَ ) يُسَنُّ كَوْنُهُ ( يَتَلَفَّتْ ) بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ وَصَدْرِهِ ( يَمِينًا لُحَيٌّ عَلَى الصَّلَاةِ ، وَشِمَالًا لُحَيٌّ عَلَى الْفَلَاحِ ) فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ( وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ ) لِقَوْلِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : " رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ ، فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا ، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا ) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ رَجُلٌ ( وَاحِدٌ ) أَيْ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ مَنْ يَقُولُ الْأَذَانَ .
لِمَا فِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ حِينَ أَذَّنَ قَالَ : فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يُقِيمُ أَخُو صُدَاءٍ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَكَالْخُطْبَتَيْنِ وَيُسَنُّ أَيْضًا كَوْنُهُمَا ( بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ ) بِأَنْ يُقِيمَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ .
لِقَوْلِ بِلَالٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ } لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ بِالْمَسْجِدِ لَمَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ بِهَا ، كَذَا اسْتَنْبَطَهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ .
وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ ، وَكَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ ( مَا لَمْ يَشُقَّ ) ذَلِكَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ ، كَمَنْ أَذَّنَ فِي مَنَارَةٍ أَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ ، فَيُقِيمُ فِيهِ ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ ، لَكِنْ لَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ .
وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ ، إنْ أَقَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهَا .
وَيَجُوزُ الْكَلَامُ
بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ .
.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ .
( وَ ) يُسَنُّ أَيْضًا ( أَنْ يَجْلِسَ ) مُؤَذِّنٌ ( بَعْدَ أَذَانٍ مَا ) أَيْ صَلَاةٍ ( يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا ) كَمَغْرِبٍ ( جِلْسَةً خَفِيفَةً ، ثُمَّ يُقِيمُ ) الصَّلَاةَ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا { يَا بِلَالُ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِك نَفَسًا ، يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ } رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ .
وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ { اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَلِيَتَمَكَّنَ الْآكِلُ مِنْ نَحْوِ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ
( وَلَا يَصِحُّ ) الْأَذَانُ ( إلَّا مُرَتَّبًا ) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُعْتَدُّ بِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِنَظْمِهِ .
كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ ( مُتَوَالِيًا عُرْفًا ) لِيَحْصُلَ الْإِعْلَامُ .
وَلِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ كَانَتْ كَذَلِكَ ( فَإِنْ تَكَلَّمَ ) فِي أَثْنَاءِ أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ ( ب ) كَلَامٍ ( مُحَرَّمٍ ) كَقَذْفٍ وَغِيبَةٍ .
بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا فِيهِ ، فَكَمَا لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهِ لَا بَعْدَهُ .
وَلَا بِجُنُونِهِ إنْ أَفَاقَ سَرِيعًا وَأَتَمَّهُ ( أَوْ سَكَتَ ) سُكُوتًا ( طَوِيلًا بَطَلَ ) لِلْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ .
وَكَذَا إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، أَوْ نَامَ طَوِيلًا ( وَكُرِهَ ) فِي أَثْنَائِهِ كَلَامٌ ( يَسِيرٌ غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ مُحَرَّمٍ .
وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ بِرَدِّ السَّلَامِ بِلَا كَرَاهَةٍ .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا فِي أَثْنَائِهِ ( سُكُوتٌ ) يَسِيرٌ ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَيْهِ ، وَكَذَا إقَامَةٌ ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ أَيْضًا إلَّا ( مَنْوِيًّا ) لِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } ( مِنْ ) شَخْصٍ ( وَاحِدٍ ) فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْضَهُ وَكَمَّلَهُ آخَرُ .
لَمْ يَصِحَّ ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ ( عَدْلٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ ، وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ .
وَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ ، قَالَ فِي الشَّرْحِ : بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ أَيْضًا لِغَيْرِ فَجْرٍ ، إلَّا ( فِي الْوَقْتِ ) لِحَدِيثِ { إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ } وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ ( وَيَصِحُّ ) الْأَذَانُ ( لِفَجْرٍ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ) لِحَدِيثِ { أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلْيَتَهَيَّأْ جُنُبٌ وَنَحْوُهُ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ ( وَيُكْرَهُ ) أَذَانُ الْفَجْرِ ( فِي رَمَضَانَ قَبْلَ ) طُلُوعِ ( فَجْرٍ ثَانٍ إنْ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ بَعْدَهُ ) لِئَلَّا يَغُرَّ النَّاسَ فَيَتْرُكُوا سُحُورَهُمْ .
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ .
لِلْخَبَرِ .
وَأَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ النَّاسُ ( وَرَفْعُ الصَّوْتِ ) بِأَذَانٍ ( رُكْنٌ لِيَحْصُلَ السَّمَاعُ ) الْمَقْصُودُ لِلْإِعْلَامِ ( مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِحَاضِرٍ ) فَبِقَدْرِ مَا يُسْمِعُهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ صَوْتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ ، وَإِنْ خَافَتَ بِالْبَعْضِ جَازَ .
وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ قَدْرَ طَاقَتِهِ ، مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ .
وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الطَّاقَةِ
( وَمَنْ جَمَعَ ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( أَوْ قَضَى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلْأُولَى ، وَأَقَامَ لِلْكُلِّ ) لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ { إنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَغَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ، ثُمَّ أَقَامَ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَلَفْظُهُ لَهُ وَقَالَ : لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
( وَيُجْزِي أَذَانُ مُمَيِّزٍ ) لِبَالِغِينَ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ " كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ لَهُمْ وَأَنَا غُلَامٌ لَمْ أَحْتَلِمْ " وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ ، وَكَالْبَالِغِ و ( لَا ) يُجْزِئُ أَذَانُ ( فَاسِقٍ ) ظَاهِرِ الْفِسْقِ ، لِمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) لَا أَذَانُ ( خُنْثَى ) مُشْكِلٍ .
لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى ، فَإِنْ اتَّضَحَتْ ذُكُورِيَّتُهُ صَحَّ .
( وَ ) لَا أَذَانُ ( امْرَأَةٍ ) لِلنَّهْيِ عَنْ رَفْعِ صَوْتِهَا فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً .
فَيَصِيرُ كَالْحِكَايَةِ ( وَيُكْرَهُ ) أَذَانُ ( مُلْحِنٍ ) بِأَنْ يُطْرِبَ فِيهِ ، يُقَالُ : لَحَنَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا أَطْرَبَ بِهَا وَغَرَّدَ .
قَالَ أَحْمَدُ : كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ أَكْرَهُهُ ، كَالتَّطْرِيبِ .
وَيَصِحُّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ( وَ ) يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا ( مَلْحُونًا ) لَحْنًا لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى .
كَرَفْعِ تَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ نَصْبِهَا أَوْ حَاءِ الْفَلَاحِ .
( وَ ) يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا ( مِنْ ذِي لُثْغَةٍ فَاحِشَةٍ ) كَالْمَلْحُونِ وَأَوْلَى ، فَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ لَمْ يُكْرَهْ ( وَبَطَلَ ) الْأَذَانُ ( إنْ أُحِيلَ الْمَعْنَى ) بِاللَّحْنِ أَوْ اللُّثْغَةِ مِثَالُ الْأَوَّلِ : مَدُّ هَمْزَةِ اللَّهِ ، أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ ، وَمِثَالُ الثَّانِي : إبْدَالُ الْكَافِ قَافًا أَوْ هَمْزَةً .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُؤَذِّنُ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ قُلْنَا : كَيْفَ يَقُولُ ؟ قَالَ : يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ .
وَفِيهِ إسْقَاطُ الْهَاءِ مِنْ كَلِمَةِ " اللَّهِ " وَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَذِّنَ غَيْرُ الرَّاتِبِ بِلَا إذْنِهِ إلَّا إنْ خِيفَ فَوْتُ وَقْتِ التَّأْذِينِ وَمَتَى جَاءَ وَقَدْ أُذِّنَ قَبْلَهُ أَعَادَهُ اسْتِحْبَابًا .
( وَيُسَنُّ لِمُؤَذِّنٍ ) مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا بِمِثْلِهِ ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ إجْرَاءِ الْأَذَانِ وَالْمُتَابَعَةِ ( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ل ( سَامِعِهِ ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا : لِحَدِيثِ عُمَرَ
مَرْفُوعًا { إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، ثُمَّ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَلَوْ ) سَمِعَ مُؤَذِّنًا ( ثَانِيًا و ) مُؤَذِّنًا ( ثَالِثًا ) حَيْثُ اُسْتُحِبَّ .
وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى جَمَاعَةً لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، فَإِنْ صَلَّى كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ .
لِأَنَّهُ لَيْسَ مَدْعُوًّا بِهَذَا الْأَذَانِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( لِمُقِيمِ ) الصَّلَاةِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ أَجْرِهِمَا .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ل ( سَامِعِهِ ) أَيْ الْمُقِيمِ ( وَلَوْ ) كَانَ السَّامِعُ لِأَذَانٍ أَوْ إقَامَةٍ ( فِي طَوَافٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ ) كَانَ السَّامِعُ لِمَفْهُومٍ ( امْرَأَةً ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ
( مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ ( سِرًّا بِمِثْلِهِ ) أَيْ مِثْلِ قَوْلِهِ .
( وَلَا ) تُسَنُّ الْإِجَابَةُ ( مُصَلٍّ ) لِاشْتِغَالِهِ بِهَا ، فَإِنْ أَجَابَ بَطَلَتْ بِلَفْظِ الْحَيْعَلَةِ ، وَصَدَقْتَ وَبَرِرْتَ فِي التَّثْوِيبِ .
لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ .
( وَ ) لَا ل ( مُتَخَلٍّ ) لِاشْتِغَالِهِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ ( وَيَقْضِيَانِهِ ) أَيْ يَقْضِي الْمُصَلِّي وَالْمُتَخَلِّي مَا فَاتَهُمَا إذَا فَرَغَا وَخَرَجَ الْمُتَخَلِّي مِنْ الْخَلَاءِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ( إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ فَيَقُولَانِ ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَسَامِعُهُ أَوْ الْمُقِيمُ وَسَامِعُهُ ( لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ) لِلْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ خِطَابٌ فَإِعَادَتُهُ عَبَثٌ ، بَلْ سَبِيلُهُ الطَّاعَةُ وَسُؤَالُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَمَعْنَاهُمَا : إظْهَارُ الْعَجْزِ ، وَطَلَبُ الْمَعُونَةِ مِنْهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ .
وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ ( وَ ) إلَّا ( فِي التَّثْوِيبِ ) وَهُوَ قَوْلُ : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي أَذَانِ فَجْرٍ ، فَيَقُولَانِ ( صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى .
( وَ ) إلَّا ( فِي لَفْظِ الْإِقَامَةِ ) وَهُوَ قَوْلُ الْمُقِيمِ : قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ، فَيَقُولُ هُوَ وَسَامِعُهُ ( أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ : قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا } وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ ( ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ ، أَيْ دَعْوَةِ الْأَذَانِ ( التَّامَّةِ ) لِكَمَالِهَا وَعِظَمِ مَوْقِعِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا .
وَلِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُدْعَى بِهَا إلَى طَاعَةٍ ( وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ ) أَيْ الَّتِي سَتَقُومُ ( آتِ
مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ ) مَنْزِلَةً عِنْدَ الْمَلِكِ ، وَهِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ( وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته ) وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ .
لِأَنَّهُ يَحْمَدَهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ .
وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى : إظْهَارُ كَرَامَتِهِ ، وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ .
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَدِيث مُنَكَّرًا تَأَدُّبًا مَعَ الْقُرْآنِ فَقَوْلُهُ : " الَّذِي وَعَدْته " نُصِبَ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ أَوْ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ ، وَرُفِعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا { إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ( ثُمَّ يَدْعُو هُنَا ) أَيْ بَعْدَ الْأَذَانِ .
لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ( وَ ) يَدْعُو ( عِنْدَ إقَامَةٍ ) فَعَلَهُ أَحْمَدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ .
وَيَقُول عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ " اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهَارِك ، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك فَاغْفِرْ لِي " لِلْخَبَرِ
( وَيَحْرُمُ خُرُوجُهُ ) أَيْ خُرُوجُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أُذِّنَ لَهَا مَعَ صِحَّتِهَا مِنْهُ إذَنْ ( مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ ) أَيْ الْأَذَانِ قَبْلَهَا ( بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ ) إلَى الْمَسْجِدِ ، لِلْخَبَرِ ، فَإِنْ كَانَ لِفَجْرٍ قَبْلَ وَقْتِهِ ، أَوْ لِعُذْرٍ ، أَوْ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ قَبْلَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْرُمْ .
وَلَا بَأْسَ بِأَذَانٍ عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ قَرِيبٍ ، فَإِنْ بَعُدَ كُرِهَ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ ، فَيَغْتَرُّ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَسْجِدَ فَيُضَيِّعَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُومَ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي الْأَذَانِ ، بَلْ يَصْبِرُ قَلِيلًا لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالشَّيْطَانِ .
بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ( مَا ) أَيْ أَشْيَاءٌ ( يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ) أَيْ الْأَشْيَاءِ ( صِحَّتُهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ .
وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى شُرُوطِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ يَعْجِزُ بِهِ عَنْ تَحْصِيلِ شَرْطٍ وَالشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ كَفَلْسِ وَفُلُوسٍ ، وَالشَّرَائِطُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ .
كَفَرَائِضَ وَفَرِيضَةٍ ، وَالْأَشْرَاطُ جَمْعُ شَرَطٍ ، كَأَقْمَارٍ وَقَمَرٍ ، وَهُوَ لُغَةً : الْعَلَامَةُ ، وَعُرْفًا : مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِهِ .
وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ ( وَلَيْسَتْ ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ ( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ ، بِخِلَافِ أَرْكَانِهَا ( بَلْ تَجِبُ ) شُرُوطُ الصَّلَاةِ ( لَهَا قَبْلَهَا ) فَتَسْبِقُهَا ، وَتَسْتَمِرُّ فِيهَا وُجُوبًا إلَى انْقِضَائِهَا ، بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : إلَّا النِّيَّةَ ) فَتَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لِلتَّحْرِيمَةِ ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ ( وَهِيَ ) أَيْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ تِسْعَةٌ ( إسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَتَمْيِيزٌ ) وَهَذِهِ شُرُوطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرِ الْحَجِّ فَيَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ .
وَيَأْتِي .
( وَ ) الرَّابِعُ : ( طَهَارَةٌ ) لِحَدِيثِ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا
( و ) الْخَامِسُ ( دُخُولُ وَقْتِ ) صَلَاةٍ مُؤَقَّتَةٍ .
وَهَذَا الْمَقْصُودُ هُنَا وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ : بِالْمَوَاقِيتِ .
قَالَ تَعَالَى : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " دُلُوكُهَا إذَا فَاءَ الْفَيْءُ " وَقَالَ عُمَرُ " الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ " وَهُوَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، ثُمَّ قَالَ " يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك " وَالْوَقْتُ أَيْضًا : سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ ، لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ ، وَشَرْطٌ لِلْوُجُوبِ كَالْأَدَاءِ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرُوطِ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ فَقَطْ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَقْتُ ( لِظُهْرٍ ) .
وَهُوَ لُغَةً الْوَقْتُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَشَرْعًا : صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ مُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ لِأَنَّ فِعْلَهَا يَكُونُ ظَاهِرًا وَسَطَ النَّهَارِ ، وَتُسَمَّى أَيْضًا : الْهَجِيرُ ، لِفِعْلِهَا وَقْتَ الْهَاجِرَةِ ( وَهِيَ الْأُولَى ) لِبُدَاءَةِ جِبْرِيلَ بِهَا لَمَّا صَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ ظَهَرَ أَمْرُهُ وَسَطَعَ نُورُهُ ، وَخَتَمَ بِالْفَجْرِ ، لِأَنَّهُ وَقْتُ ظُهُورٍ فِيهِ ضَعْفٌ ( مِنْ الزَّوَالِ ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ طُولِ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ ) لِأَنَّ الظِّلَّ يَكُونُ طَوِيلًا عِنْدَ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَكُلَّمَا صَعِدَتْ قَصَرَ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ .
فَإِذَا أَخَذَتْ فِي النُّزُولِ مُغْرِبَةً طَالَ ، لِمُحَاذَاةِ الْمُنْتَصِبِ قُرْصَهَا ، فَهَذَا أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ .
وَيَقْصُرُ الظِّلُّ فِي الصَّيْفِ لِارْتِفَاعِهَا إلَى الْجَوِّ ، وَيَطُولُ فِي الشِّتَاءِ ( لَكِنْ لَا يَقْصُرُ الظِّلُّ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ .
لِسَيْرِ الشَّمْسِ نَاحِيَةً عَنْهَا ) فَصَيْفُهَا كَشِتَاءِ غَيْرِهَا .
فَيُعْتَبَرُ الْوَقْتُ بِالزَّوَالِ ، وَهُوَ مَيْلُهَا لِلْغُرُوبِ ( وَيَخْتَلِفُ ) ظِلُّ الزَّوَالِ ( بِالشَّهْرِ وَالْبَلَدِ ) فَيَقْصُرُ فِي الصَّيْفِ .
وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ الْبِلَاد مِنْ وَسَطِ
الْفُلْكِ ، وَيَطُولُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ ( فَأَقَلُّهُ ) أَيْ أَقَلُّ ظِلِّ آدَمِيٍّ تَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ( بِإِقْلِيمِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ : قَدَمٌ وَثُلُثٌ ) قَدَمٌ بِقَدَمِ ذَلِكَ الْآدَمِيِّ ( فِي نِصْفِ حُزَيْرَانَ ) وَسَابِعَ عَشَرَةَ أَطْوَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ .
( وَيَتَزَايَدُ ) بِقِصَرِ النَّهَارِ ( إلَى عَشَرَةِ أَقْدَامٍ ) ( وَسُدُسِ ) قَدَمٍ ( فِي نِصْفِ كَانُونَ الْأَوَّلِ ) وَسَابِعَ عَشَرَةَ أَقْصَرُ أَيَّامِ السَّنَةِ ( وَيَكُونُ ) الظِّلُّ ( أَقَلَّ ) قِصَرًا ( وَأَكْثَرُ ) طُولًا ( فِي غَيْرِ ذَلِكَ ) الْمُسَمَّى مِنْ الشُّهُورِ وَالْبُلْدَانِ ( وَطُولُ كُلِّ إنْسَانٍ بِقَدَمِهِ ) نَفْسِهِ ( سِتَّةُ ) أَقْدَامٍ ( وَثُلُثَانِ تَقْرِيبًا ) فَقَدْ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ يَسِيرًا ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا مِنْ الزَّوَالِ ( حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْئُهُ ) أَيْ ظِلُّهُ ( سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ ) فَإِذَا ضَبَطْت الظِّلَّ الَّذِي زَالَ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَبَلَغَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ قَدْرَ الشَّاخِصِ ، فَقَدْ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ .
وَتَجِبُ الْفَرِيضَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهَا بِأَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَّا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ ( وَالْأَفْضَلُ : تَعْجِيلُهَا ) أَيْ الظُّهْرِ لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ ، الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى ، حِينَ تُدْحَضُ الشَّمْسُ } وَقَالَ جَابِرٌ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ( إلَّا مَعَ حَرٍّ مُطْلَقًا ) سَوَاءٌ كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا أَوْ لَا ، صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ .
لِعُمُومِ حَدِيثِ { إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنْ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ } مُتَّفَق عَلَيْهِ ، وَفَيْحُهَا غَلَيَانُهَا وَانْتِشَارُ لَهَبِهَا وَوَهَجِهَا .
فَتُؤَخَّرُ مَعَ حَرٍّ ( حَتَّى يَنْكَسِرَ ) الْحَرُّ لِلْخَبَرِ ( وَ ) إلَّا ( مَعَ غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ
إبْرَاهِيمَ قَالَ " كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ وَيُعَجِّلُونَ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَغِيمِ " فَتُؤَخَّرُ فِيهِ ( لِقُرْبِ وَقْتِ الْعَصْرِ ) طَلَبًا لِلسُّهُولَةِ .
لِأَنَّهُ يَخَافُ فِيهِ الْعَوَارِضَ مِنْ مَطَرٍ وَرِيحٍ فَيَشُقُّ الْخُرُوجُ بِتَكَرُّرِهِ ، فَاسْتُحِبَّ تَأْخِيرُ الْأُولَى لِيَقْرُبَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ ، فَيَخْرُجُ لَهُمَا خُرُوجًا وَاحِدًا ( فَيُسَنُّ ) التَّأْخِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
لِمَا تَقَدَّمَ ( غَيْرِ جُمُعَةٍ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْحَرِّ وَالْغَيْمِ ، فَيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا .
مُطْلَقًا لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ { مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ } وَقَوْلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ { كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
( وَتَأْخِيرُهَا ) أَيْ الظُّهْرِ ( لِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ ) كَعَبْدٍ ( أَوْ ) لِمَنْ ( يَرْمِي الْجَمَرَاتِ حَتَّى يَفْعَلَا ) أَيْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَيَرْمِيَ الْجَمَرَاتِ ( أَفْضَلُ ) مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَهُمَا لِمَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ ( وَيَلِيهِ ) أَيْ وَقْتَ الظُّهْرِ : الْوَقْتُ ( الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ ) فَلَا فَصْلَ ، وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا ( وَهِيَ ) أَيْ الْعَصْرُ الصَّلَاةُ ( الْوُسْطَى ) لِلْخَبَرِ ، بِلَا خِلَافٍ عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ فِيمَا أَعْلَمُهُ .
ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ فَهِيَ بِمَعْنَى الْفُضْلَى وَالْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ صَلَاةٍ نَهَارِيَّةٍ وَصَلَاةٍ لَيْلِيَّةٍ ، أَوْ بَيْنَ رُبَاعِيَّتَيْنِ ، وَيَمْتَدُّ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ ( حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ، سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ ) أَيْ ظِلِّ الشَّاخِصِ الَّذِي زَالَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ " صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ، وَقَالَ : الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ " ( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ الْوَقْتُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ ( وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى الْغُرُوبِ ) مَصْدَرُ
غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا .
فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً .
لِحَدِيثِ { مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ ، إلَّا فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ فَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ ( وَتَعْجِيلُهَا ) أَيْ الْعَصْرِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ مَعَ حَرٍّ وَغَيْمٍ وَغَيْرِهِمَا ( أَفْضَلُ ) لِلْأَخْبَارِ ( وَيَلِيهِ ) أَيْ وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعَصْرِ الْوَقْتُ ( لِلْمَغْرِبِ ) وَأَصْلُهُ وَقْتُ الْغُرُوبِ ، أَوْ مَكَانُهُ أَوْ هُوَ نَفْسُهُ ، ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِصَلَاةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَنَظَائِرِهِ .
( وَهِيَ ) أَيْ الْمَغْرِبُ ( وِتْرُ النَّهَارِ ) لِلْخَبَرِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَاتِّصَالِهَا بِهِ .
وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا ( حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَيْضًا { الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ( وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا ) أَيْ الْمَغْرِبِ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ { كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا ، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِعْلُ جِبْرِيلَ لَهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ دَلِيلٌ لِتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِ اسْتِعْجَالِهَا ( إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ ) أَيْ مُزْدَلِفَةَ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا .
وَهِيَ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا ( لِمُحْرِمٍ ) يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ ( قَصَدَهَا ) أَيْ مُزْدَلِفَةَ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : إجْمَاعًا ( إنْ لَمْ يُوَافِهَا ) أَيْ مُزْدَلِفَةَ ( وَقْتَ الْغُرُوبِ ) فَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا وَلَا يُؤَخِّرُهَا ( وَ ) لَا ( فِي غَيْمٍ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً ) فَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِقُرْبِ وَقْتِ الْعِشَاءِ ( كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي الظُّهْرِ ( وَ ) لَا فِي ( جَمْعِ تَأْخِيرٍ إنْ كَانَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ أَرْفَقَ
) لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ .
وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ ( وَيَلِيهِ ) أَيْ وَقْتَ الْمَغْرِبِ ( الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ ) وَهُوَ أَوَّلُ الظَّلَامِ وَعُرْفًا : صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ يُقَالُ لَهَا : عِشَاءُ الْأَخِيرَة ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ ( إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ) لِأَنَّ جِبْرِيلَ { صَلَّاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ .
وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ قَالَ : الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَصَلَاتُهَا ) أَيْ الْعِشَاءِ ( آخِرَ الثُّلُثِ ) الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ ( أَفْضَلُ ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( مَا لَمْ يُؤَخَّرْ الْمَغْرِبُ ) حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُهَا لِنَحْوِ جَمْعٍ فَتُقَدَّمُ الْعِشَاءُ ( وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إنْ شَقَّ وَلَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ .
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّخْفِيفِ " رِفْقًا بِالْمَأْمُومِينَ ( وَ ) يُكْرَهُ ( النَّوْمُ قَبْلَهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ ( و ) يُكْرَهُ ( الْحَدِيثُ بَعْدَهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ .
لِحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ .
وَفِيهِ { وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( إلَّا ) حَدِيثًا ( يَسِيرًا ) وَإِلَّا حَدِيثًا مَعَ ( أَهْلٍ ) وَضَيْفٍ ، لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِتَوَهُّمِ مَفْسَدَةٍ ( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ الْوَقْتُ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ ( وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي ) لِحَدِيثِ { لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ
صَلَاةً إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ .
وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِشَاءِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْفَجْرُ الثَّانِي الْمُسْتَطِيلُ ( الْبَيَاضُ الْمُعْتَرَضُ بِالْمَشْرِقِ وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ ) وَيُقَالُ لَهُ : الْفَجْرُ الصَّادِقُ ( و ) الْفَجْرُ ( الْأَوَّلُ ) وَيُقَالُ لَهُ : الْكَاذِبُ ( مُسْتَطِيلٌ ) بِلَا اعْتِرَاضٍ ( أَزْرَقُ لَهُ شُعَاعٌ ثُمَّ يُظْلِمُ ) وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحَانِ ، وَهُوَ الذِّئْبُ ( وَيَلِيهِ ) أَيْ وَقْتَ الضَّرُورَةِ لِلْعِشَاءِ الْوَقْتُ ( لِلْفَجْرِ ) إجْمَاعًا ، وَيَمْتَدُّ ( إلَى الشُّرُوقِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { وَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَتَعْجِيلُهَا ) أَيْ الْفَجْرِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ صَيْفًا وَشِتَاءً ( أَفْضَلُ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْسِلُونَ بِالْفَجْرِ .
وَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ وَهُمْ النِّهَايَةُ فِي إتْيَانِ الْفَضَائِلِ .
وَحَدِيثُ { أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ : أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنَّهُ يُضِيءُ الْفَجْرُ فَلَا يُشَكُّ فِيهِ .
وَيُسَنُّ جُلُوسُهُ بِمُصَلَّاهُ بَعْدَ عَصْرٍ إلَى الْغُرُوبِ وَبَعْدَ فَجْرِ الشُّرُوقِ ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ .
وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ .
ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ( وَتَأْخِيرُ الْكُلِّ ) أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ( مَعَ أَمْنِ فَوْتِ ) الْوَقْتِ بِأَنْ يَبْقَى مِنْهُ مَا يَتَّسِعُ لَهَا كُلِّهَا ( لِمُصَلِّي كُسُوفٍ ) لِشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَفُوتَهُ الْكُسُوفُ .
( وَ ) تَأْخِيرُ الْكُلِّ مَعَ أَمْنِ فَوْتٍ ل ( مَعْذُورٍ ، كَحَاقِنٍ ) بِبَوْلٍ أَوْ نَحْوِهِ ( وَتَائِقٍ ) إلَى طَعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ ( أَفْضَلُ ) لِيُزِيلَ ذَلِكَ ، وَيَأْتِيَ
الصَّلَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ تَعَيَّنَتْ ( وَلَوْ أَمَرَهُ بِهِ ) أَيْ التَّأْخِيرِ ( وَالِدُهُ لِيُصَلِّيَ بِهِ ) الصَّلَاةَ الَّتِي طَلَبَ تَأْخِيرَهَا مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ ( أَخَّرَ ) لِيُصَلِّيَ بِهِ وَظَاهِرُهُ وُجُوبًا لِطَاعَةِ وَالِدِهِ .
وَأَنَّهُ إنْ أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُؤَخِّرْ ( فَ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ : أَنَّهُ ( لَا يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ أَبَاهُ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( وَيَجِبُ ) التَّأْخِيرُ ( لِتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ ، و ) تَعَلُّمِ ( ذِكْرٍ وَاجِبٍ ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ ( وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ التَّعْجِيلِ بِالتَّأَهُّبِ ) لِلصَّلَاةِ ( أَوَّلَ الْوَقْتِ ) بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ دُخُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا إعْرَاضَ مِنْهُ ( وَيُقَدِّرُ لِلصَّلَاةِ أَيَّامَ الدَّجَّالِ ) الطِّوَالِ ، وَهِيَ يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ( قَدْرَ ) الزَّمَنِ ( الْمُعْتَادِ ) لَا أَنَّهُ لِلظُّهْرِ بِالزَّوَالِ وَانْتِصَافِ النَّهَارِ ، وَلَا لِلْعَصْرِ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ .
وَهَكَذَا ، بَلْ يُقَدِّرُ الْوَقْتَ بِزَمَنٍ يُسَاوِي الزَّمَنَ الَّذِي كَانَ فِي الْأَيَّامِ الْمُعْتَادَةِ ، وَاللَّيْلَةُ فِي ذَلِكَ كَالْيَوْمِ إنْ طَالَتْ ، قُلْت : وَقِيَاسُهُ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ .
فَصْلٌ فِيمَا يُدْرَكُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَحُكْمُ قَضَائِهَا ( أَدَاءُ الصَّلَاةِ ، حَتَّى ) صَلَاةُ ( الْجُمُعَةِ يُدْرَكُ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ ) فِي الْوَقْتِ ، سَوَاءٌ أَخَّرَهَا الْعُذْرُ أَوْ لَا .
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِلْبُخَارِيِّ " فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ " وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ ، كَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي كَبَّرَ فِيهِ لِلْإِحْرَامِ ( آخِرَ وَقْتِ ثَانِيَةٍ فِي جَمْعٍ ) فَتَكُونُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا فِيهِ أَدَاءً ، كَمَا لَوْ لَمْ يَجْمَعْ ، فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا لِخُرُوجِ وَقْتِهَا ، بَلْ يُتِمُّهَا أَدَاءً ( وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ ) فَلَمْ يَدْرِ : أَدَخَلَ أَمْ لَا ؟ ( وَلَا تُمْكِنُهُ مُشَاهَدَةُ ) مَا يُعْرَفُ بِهِ الْوَقْتُ لِعَمًى أَوْ مَانِعٍ مَا .
( وَلَا مُخْبِرَ عَنْ يَقِينٍ ) بِدُخُولِ الْوَقْتِ ( صَلَّى إذَا ظَنَّ دُخُولَهُ ) أَيْ الْوَقْتِ ، بِدَلِيلٍ : مِنْ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْدِيرِ الزَّمَنِ بِصَنْعَةٍ .
أَوْ قِرَاءَةٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ .
فَاكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَغَيْرِهِ .
وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ : فَإِنْ صَلَّى مَعَ الشَّكِّ أَعَادَ مُطْلَقًا ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ .
وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ مُخْبِرٌ عَنْ يَقِينٍ عَمِلَ بِهِ دُونَ ظَنِّهِ ( وَيُعِيدُ إنْ ) اجْتَهَدَ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ( أَخْطَأَ ) الْوَقْتَ ( فَصَلَّى قَبْلَهُ ) لِوُقُوعِهَا نَفْلًا وَبَقَاءِ فَرْضِهِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّن لَهُ الْخَطَأُ ، فَلَا إعَادَةَ ( وَيُعِيدُ أَعْمَى عَاجِزٌ ) عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ ( عَدِمَ مُقَلَّدًا ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مَنْ يُقَلِّدُهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَفُهِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ الْأَعْمَى عَلَى الِاسْتِدْلَالِ
لِلْوَقْتِ فَفَعَلَ .
لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ : مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْخَطَأُ ( وَيَعْمَلُ بِأَذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ ) بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِالسَّاعَاتِ .
لِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِ لَمْ تَحْصُلَ فَائِدَتُهُ .
وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَعْمَلُونَ بِالْأَذَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَكَذَا يُعْمَلُ بِأَذَانِهِ إذَا كَانَ يُقَلِّدُ عَارِفًا ، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ .
وَفِي الْمُبْدِعِ : يَعْمَلُ بِالْأَذَانِ فِي دَارِنَا وَكَذَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، إنْ عَلِمَ إسْلَامَهُ ( وَكَذَا إخْبَارُهُ ) أَيْ الثِّقَةِ الْعَارِفِ بِالْوَقْتِ ( بِدُخُولِهِ ) عَنْ يَقِينٍ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ ، فَقَلَّ فِيهِ الْوَاحِدُ كَالرِّوَايَةِ ، و ( لَا ) يُعْمَلُ بِإِخْبَارِهِ بِهِ ( عَنْ ظَنٍّ ) بَلْ يَجْتَهِدُ هُوَ حَيْثُ أَمْكَنَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ عُمِلَ بِقَوْلِهِ .
ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ ( وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ ) مَكْتُوبَةٍ ( بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ ) كَمَا لَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ ( ثُمَّ ) بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ ( طَرَأَ مَانِعٌ ) فِي الصَّلَاةِ ( كَجُنُونٍ وَحَيْضٍ ) ثُمَّ زَالَ ( قُضِيَتْ ) تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي أَدْرَكَ وَقْتَهَا ، لِوُجُوبِهَا بِدُخُولِهِ عَلَى مُكَلَّفٍ ، لَا مَانِعَ بِهِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا ، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا .
فَوَجَبَ قَضَاؤُهَا عِنْدَ زَوَالِهِ .
وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا بَعْدَهَا ، وَلَوْ جَمَعَ إلَيْهَا ( وَإِنْ طَرَأَ ) عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ ( تَكْلِيفٌ كَبُلُوغِ ) صَغِيرٍ وَعَقْلِ مَجْنُونٍ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ طَرَأَ نَحْوُ التَّكْلِيفِ كَزَوَالِ مَانِعٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ كُفْرٍ ( وَقَدْ بَقِيَ ) مِنْ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ ( بِقَدْرِهَا ) أَيْ التَّكْبِيرَةِ ( قُضِيَتْ ) تِلْكَ الصَّلَاةُ ( مَعَ مَجْمُوعَةٍ إلَيْهَا قَبْلَهَا ) إنْ كَانَتْ ، فَإِنْ طَرَأَ ذَلِكَ قُبَيْلَ الْعَصْرِ قَضَى الظُّهْرَ وَحْدَهَا ، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ قَضَى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ .
وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَ الْعِشَاءِ قَضَى الْمَغْرِبَ ، وَإِنْ كَانَ
قُبَيْلَ الْفَجْرِ قَضَى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَ الشَّمْسِ قَضَى الْفَجْرَ فَقَطْ .
أَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ التَّكْبِيرَةِ مِنْ الْوَقْتِ : فَلِأَنَّهُ إدْرَاكٌ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ ، كَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ لِلْمَسْبُوقِ ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا .
فَاعْتُبِرَ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ فِي الْجَمَاعَةِ ، لِئَلَّا يَفُوتَهُ الشَّرْطُ فِي أَكْثَرِهَا .
وَأَمَّا وُجُوبُ قَضَائِهَا مَعَ مَجْمُوعَةٍ إلَيْهَا قَبْلَهَا ، فَلِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَهُ فَرْضُهَا .
كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ
( وَيَجِبُ ) عَلَى مُكَلَّفٍ لَا مَانِعَ بِهِ ( قَضَاءُ فَائِتَةٍ فَأَكْثَرَ ) مِنْ الْخَمْسِ ( مُرَتَّبًا ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ أَحْمَدَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْت الْعَصْرَ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا .
فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ وَقَدْ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } وَكَالْمَجْمُوعَتِي نِ ( وَلَوْ كَثُرَتْ ) الْفَوَائِتُ كَمَا لَوْ قَلَّتْ ، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ كَتَرْتِيبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( إلَّا إذَا خَشِيَ ) إنْ رَتَّبَ ( فَوَاتَ ) صَلَاةٍ ( حَاضِرَةٍ ) بِخُرُوجِ وَقْتِهَا ، فَيُقَدِّمُهَا ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ ، وَتَرْكُهُ أَيْسَرُ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ ( أَوْ ) إلَّا إذَا خَشِيَ ( خُرُوجَ وَقْتِ اخْتِيَارٍ ) لِصَلَاةٍ ذَاتِ وَقْتَيْنِ فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَار ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَقْتِ الْوَاحِد فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ .
فَإِنْ صَلَّى الْفَائِتَةَ مَعَ خَشْيَةِ فَوَاتِ الْوَقْتِ صَحَّتْ نَصًّا ( وَلَا يَصِحُّ تَنَفُّلُهُ ) بِرَاتِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ( إذَنْ ) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِتَحْرِيمِهِ ، كَأَوْقَاتِ النَّهْيِ ( أَوْ نَسِيَهُ ) أَيْ التَّرْتِيبَ ( بَيْنَ فَوَائِتَ حَالَ قَضَائِهَا ) فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَى الْمَنْسِيَّةِ تُعْلَمُ بِهَا فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا النِّسْيَانُ ، كَالصِّيَامِ بِخِلَافِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ النِّسْيَانِ ( أَوْ ) إلَّا إذَا نَسِيَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ ( حَاضِرَةٍ وَفَائِتَةٍ حَتَّى فَرَغَ ) مِنْ الْحَاضِرَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا نَصًّا .
وَأَمَّا حَدِيثُ : صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ السَّابِقِ : فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي الصَّلَاةِ و ( لَا ) يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ ( إنْ جَهِلَ ) مَنْ عَلَيْهِ
فَائِتَةٌ فَأَكْثَرُ ( وُجُوبَهُ ) أَيْ التَّرْتِيبَ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْأَحْكَامِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ لَا يُسْقِطُهَا ، كَالْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ كَتَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ وَالْمَجْمُوعَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ الْفَجْرَ جَاهِلًا ثُمَّ الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا صَحَّتْ عَصْرُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ .
كَمَا لَوْ صَلَّاهَا أَيْ الْعَصْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ .
وَيَجِبُ قَضَاءُ فَائِتَةٍ فَأَكْثَرَ ( فَوْرًا ) لِحَدِيثِ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي بَدَنِهِ ) بِضَعْفِهِ ( أَوْ ) مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي ( مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا ) لَهُ أَوْ لِعِيَالِهِ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ .
وَيُسَنُّ لَهُ التَّحَوُّلُ مِنْ مَوْضِعٍ نَامَ فِيهِ حَتَّى فَاتَتْهُ ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوْ ) مَا لَمْ ( يَحْضُرْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ ) فَيُكْرَهُ لَهُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ بِمَوْضِعِهَا .
لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ ( وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ مُطْلَقٌ إذَنْ ) أَيْ حَيْثُ جَازَ التَّأْخِيرُ لِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ، كَصَوْمِ نَفْلٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ .
وَفُهِمَ مِنْهُ : صِحَّةُ نَحْوِ وِتْرٍ وَرَوَاتِبَ ( وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ ) لِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ ( لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، كَانْتِظَارِ رُفْقَةٍ ، أَوْ ) انْتِظَارِ ( جَمَاعَةٍ لَهَا ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَحِينَ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَلَا تَسْقُطُ فَائِتَةٌ بِحَجٍّ ، وَلَا بِتَضْعِيفِ صَلَاةٍ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ ( وَإِنْ ذَكَرَ فَائِتَةً إمَامٌ أَحْرَمَ ) ( ب ) مَكْتُوبَةٍ ( حَاضِرَةٍ لَمْ يَضِقْ وَقْتُهَا ) أَيْ الْحَاضِرَةِ عَنْهَا وَعَنْ الْفَائِتَةِ بِأَنْ اتَّسَعَ لَهُمَا ( قَطَعَهَا ) أَيْ قَطَعَ الْإِمَامُ الْحَاضِرَةَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا وُجُوبًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْطَعْهَا كَانَتْ نَفْلًا .
وَالْمَأْمُومُونَ مُفْتَرِضُونَ خَلْفَهُ ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا الْمَأْمُومُونَ ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ
الْحَاضِرَةِ أَتَمَّهَا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ : لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذَنْ ( كَغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْإِمَامِ ، وَهُوَ الْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ إذَا أَحْرَمَ بِحَاضِرَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ فَائِتَةً ، فَيَقْطَعُهَا ( إذَا ضَاقَ ) الْوَقْتُ ( عَنْهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا ( وَعَنْ الْمُسْتَأْنَفَةِ ) أَيْ الْفَائِتَةِ وَالْحَاضِرَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا .
وَلَا يَصِحُّ النَّفَلُ إذَنْ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا غَيْرُ الْإِمَامِ ، وَعَنْ الْمُسْتَأْنَفَةِ بِأَنْ اتَّسَعَ لِذَلِكَ ( أَتَمَّهَا ) أَيْ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ ( نَفْلًا ) اسْتِحْبَابًا لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا ، ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ ، ثُمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ ، وَيَأْتِي : تُؤَخِّرُ فَجْرَ فَائِتَةٍ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ .
وَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِخَشْيَةِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ ( وَمَنْ شَكَّ فِي ) قَدْرِ ( مَا عَلَيْهِ ) مِنْ فَوَائِتَ ( وَتَيَقَّنَ سَبْقَ الْوُجُوبِ ) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ سَنَةِ كَذَا ، وَصَلَّى الْبَعْضَ مِنْهَا ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ مِنْهَا ( أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ ) أَيْ قَضَى مَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ ( يَقِينًا ) لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِيَقِينٍ .
فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِمِثْلِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَقْتَ الْوُجُوبِ ، بِأَنْ لَمْ يَدْرِ مَتَى بَلَغَ وَلَا مَا صَلَّى بَعْدَ بُلُوغِهِ ( فَيَلْزَمُهُ ) أَنْ يَقْضِيَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ ( مِمَّا تَيَقَّنَ وُجُوبَهُ ) أَيْ مِنْ الْفَرْضِ الَّذِي تَيَقَّنَ وُجُوبَهُ فَيَقْضِي مُنْذُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ بَلَغَ لَا مَا زَادَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ عَدَمِ وُجُوبِ أَدَائِهِ فَضْلًا عَنْ قَضَائِهِ ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ الْوُجُوبَ وَشَكَّ فِي الْفِعْلِ .
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ( فَلَوْ تَرَكَ ) مُكَلَّفٌ ( عَشْرَ سَجَدَاتٍ مِنْ صَلَاةِ شَهْرٍ ) مَكْتُوبَةٍ ( قَضَى صَلَاةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ سَجْدَةٍ مِنْ يَوْمٍ ( وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً ) وَاحِدَةً ( مِنْ
يَوْمٍ ) وَلَيْلَةٍ ( وَجَهِلَهَا ) أَيْ عَيْنَ الْمَنْسِيَّةِ ( قَضَى خَمْسًا ) يَنْوِي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا الْفَائِتَةُ ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ .
فَلَزِمَهُ ( وَ ) مَنْ نَسِيَ ( ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ ، وَجَهِلَ السَّابِقَةَ ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَدْرِ الظُّهْرَ مِنْ الْيَوْمِ وَالْعَصْرَ مِنْ الثَّانِي ، أَوْ بِالْعَكْسِ ( تَحَرَّى بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ ) أَيْ اجْتَهَدَ أَيَّتَهُمَا نَسِيَ أَوَّلًا فَيَبْدَأُ بِهَا ثُمَّ يَقْضِي الْأُخْرَى نَصًّا ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) بِأَنْ تَحَرَّى ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ ( فَ ) إنَّهُ يَبْدَأُ ( بِمَا شَاءَ ) مِنْهُمَا ، لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ لِلْعُذْرِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَهَذَا مِنْهُ وَلَوْ تَرَكَ ظُهْرًا مِنْ يَوْمٍ وَأُخْرَى مِنْهُ ، وَلَا يَدْرِي : هِيَ الْفَجْرُ أَمْ الْمَغْرِبُ ؟ صَلَّى الْفَجْرَ ، ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأ بِالظُّهْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَرَاءَتَهُ مِمَّا قَبْلَهَا ( وَلَوْ شَكَّ مَأْمُومٌ ، هَلْ صَلَّى الْإِمَامُ بِهِ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ ؟ .
اعْتَبَرَ بِالْوَقْتِ ) فَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَهِيَ الظُّهْرُ .
وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْعَصْرِ فَهِيَ الْعَصْرُ ، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ( فَإِنْ أَشْكَلَ ) الْوَقْتُ عَلَى الْمَأْمُومِ نَحْوُ غَيْمٍ ( فَالْأَصْلُ عَدَمُ ) وُجُوبِ ( الْإِعَادَةِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ .
" تَتِمَّةٌ " لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا مِنْ إحْدَى طَهَارَتَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا لَزِمَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَتَوَضَّأَ لِلثَّانِيَةِ تَجْدِيدًا لَزِمَهُ إعَادَةُ الْأُولَى خَاصَّةً .
لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ .
بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ السَّتْرُ بِفَتْحِ السِّينِ مَصْدَرُ سَتَرَ ، وَبِكَسْرِهَا : مَا يُسْتَرُ بِهِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْعَوْرَةُ لُغَةً النُّقْصَانُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ .
وَمِنْهُ كَلِمَةٌ عَوْرَاءُ ، أَيْ قَبِيحَةٌ .
وَشَرْعًا ( سَوْأَةُ الْإِنْسَانِ ) أَيْ قُبُلُهُ أَوْ دُبُرُهُ ( وَكُلُّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ ) إذَا نُظِرَ إلَيْهِ ، أَيْ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ .
سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُبْحِ ظُهُورِهِ ( حَتَّى فِي نَفْسِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ ( مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَكْشُوفِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى سَتْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } وَحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ : { قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ وَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ قَالَ : نَعَمْ وَازِرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ } رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ فِيهِمَا : حَسَنٌ صَحِيحٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ ، فَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا خَالِيًا أَوْ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ وَلَمْ يُزِرَّهُ وَلَمْ يَشُدَّ عَلَيْهِ وَسَطَهُ ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَرَى مِنْهُ عَوْرَةَ نَفْسِهِ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ وَنَحْوِهِ : لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، كَمَا لَوْ رَآهَا غَيْرُهُ ( وَيَجِبُ ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ ( حَتَّى خَارِجَهَا ، وَحَتَّى فِي خَلْوَةٍ ، وَحَتَّى فِي ظُلْمَةٍ ) لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : { قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ : احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ .
قَالَ قُلْتُ : فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ : إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا تُرِيَنَّهَا قُلْت : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ : اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ .
و ( لَا ) يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ ( مِنْ أَسْفَلَ ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الرِّجْلَيْنِ ، وَإِنْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ مِنْ أَسْفَلَ ، كَمَنْ صَلَّى عَلَى حَائِطٍ ( بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ ) مُتَعَلِّقٌ ب يَجِبُ ، أَمَّا لَوْنُهَا مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ وَنَحْوِهِ .
وَلَوْ كَانَ السَّاتِرُ صَفِيقًا ( وَلَوْ ) كَانَ السِّتْرُ ( ب ) غَيْرِ مَنْسُوجٍ مِنْ ( نَبَاتٍ وَنَحْوِهِ ) كَوَرِقٍ وَلِيفٍ وَجِلْدٍ وَمَضْفُورٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ جُلُودٍ ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ ثَوْبٍ .
( وَ ) لَوْ كَانَ السِّتْرُ ( مُتَّصِلًا بِهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( كَيَدِهِ ) إذَا وَضَعَهَا عَلَى خَرْقٍ فِي ثَوْبِهِ ( وَلِحْيَتِهِ ) الْمُسْتَرْسِلَةِ عَلَى جَيْبِ ثَوْبِهِ الْوَاسِعِ ، وَلَوَلَاهَا لَبَانَتْ عَوْرَتُهُ وَ ( لَا ) يَجِبُ السَّتْرُ ب ( بَارِيَةٍ ) وَهِيَ شِبْهُ الْحَصِيرِ مِنْ قَصَبٍ .
( وَ ) لَا ( حَصِيرٍ ) ، و ( نَحْوِهِمَا مِمَّا يَضُرُّهُ ) كَالشَّرِيجَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا .
لِأَنَّ الضَّرَرَ مَطْلُوبٌ زَوَالُهُ شَرْعًا لَا حُصُولُهُ .
وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُصَلِّي فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ( وَ ) لَا يَجِبُ السَّتْرُ ( لَا بِحَفِيرَةٍ وَطِينٍ وَمَاءٍ كَدِرٍ لِعَدَمِ ) غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُتْرَةٍ .
( وَيُبَاحُ كَشْفُهَا ) أَيْ الْعَوْرَةِ ( لِتَدَاوٍ وَتَخَلٍّ وَنَحْوِهِمَا ) كَاغْتِسَالٍ وَحَلْقِ عَانَةٍ وَخِتَانٍ وَمَعْرِفَةِ بُلُوغٍ وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ .
( وَ ) يُبَاحُ كَشْفُهَا مِنْ أُنْثَى ( لِمُبَاحٍ ) لَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا ( و ) يُبَاحُ لِذَكَرٍ كَشْفُ عَوْرَتِهِ ( لِمُبَاحَةٍ لَهُ ) مِنْ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ .
وَتَقَدَّمَ وَلَا يَحْرُمُ نَظَرُ عَوْرَتِهِ حَيْثُ جَازَ كَشْفُهَا وَلَا لَمْسُهَا ( وَعَوْرَةُ ذَكَرٍ وَخُنْثَى ) حُرَّيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ ( بَلَغَا ) أَيْ اسْتَكْمَلَا ( عَشْرًا ) مِنْ السِّنِينَ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { لَا تُبْرِزْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
وَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ يَرْفَعُهُ { أَسْفَلَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ } وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ } رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ .
قَالَ الْمَجْدُ : وَالِاحْتِيَاطُ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ : أَنْ يَسْتُرَ كَالْمَرْأَةِ .
( وَ ) عَوْرَةُ ( أَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ ) وَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ ( وَمُبَعَّضَةٍ ) بَعْضُهَا حُرٌّ وَبَعْضُهَا رَقِيقٌ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحُرَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِالرَّجُلِ .
وَيُسْتَحَبُّ اسْتِتَارُهُنَّ كَالْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ ( وَ ) عَوْرَةُ ( حُرَّةٍ مُمَيِّزَةٍ ) تَمَّ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ .
( وَ ) عَوْرَةُ ( حُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ ) قَارَبَتْ الْبُلُوغَ ( مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّ السُّرَّةَ وَالرُّكْبَةَ لَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّلَاةِ .
( وَ ) عَوْرَةُ ذَكَرٍ وَخُنْثَى ( ابْنِ سَبْعِ ) سِنِينَ ( الْفَرْجَانِ ) لِقُصُورِهِ عَنْ ابْنِ عَشْرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بُلُوغُهُ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّ مَنْ دُونَ سَبْعٍ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ
الطُّفُولِيَّةِ مُنْجَرٌّ عَلَيْهِ إلَى التَّمْيِيزِ ( وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ ) حَتَّى ظُفْرُهَا نَصًّا ( إلَّا وَجْهَهَا ) لِحَدِيثِ { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهَا تُرِكَ فِي الْوَجْهِ لِلْإِجْمَاعِ ، فَيَبْقَى الْعُمُومُ فِيمَا عَدَاهُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَا : ( الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ ) خَالَفَهُمَا ابْنُ مَسْعُودٍ .
فَقَالَ : " الثِّيَابُ " وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى كَشْفِ الْكَفَّيْنِ كَمَا تَدْعُو إلَى كَشْفِ الْوَجْهِ ، وَقِيَاسًا لَهُمَا عَلَى الْقَدَمَيْنِ .
وَأَمَّا عَوْرَتُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ : فَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ ( وَيُسَنُّ صَلَاةُ رَجُلٍ ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ( فِي ثَوْبَيْنِ ) كَقَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ إزَارٍ وَسَرَاوِيلَ ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا .
قَالَ جَمَاعَةٌ : مَعَ سَتْرِ رَأْسِهِ وَالْإِمَامُ أَبْلَغُ ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : { قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ ، فَقَالَ : تَسَرْوَلُوا وَاتَّزِرُوا ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ } وَلَا تُكْرَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَالْقَمِيصُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْلَغُ ثُمَّ الرِّدَاءُ ، ثُمَّ الْمِئْزَرُ أَوْ السَّرَاوِيلُ ( وَيَكْفِي سَتْرُ عَوْرَتِهِ ) أَيْ الرَّجُلِ ( فِي نَفْلٍ ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ عَلَى أَهْلِهِ } وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ لَا يَتَّسِعُ لِذَلِكَ مَعَ سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ .
وَلِأَنَّ عَادَةَ الْإِنْسَان فِي بَيْتِهِ وَخَلَوَاتِهِ قِلَّةُ اللِّبَاسِ وَتَخْفِيفُهُ .
وَغَالِبُ نَفْلِهِ يَقَعُ فِيهِ ، فَسُومِحَ فِيهِ لِذَلِكَ ، كَمَا سُومِحَ فِيهِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ ( وَشُرِطَ فِي فَرْضٍ ) ظَاهِرَةٌ وَلَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ ، مَعَ سَتْرِ عَوْرَةٍ ( سَتْرُ جَمِيعِ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ ) أَيْ الرَّجُلِ ، وَمِثْلُهُ
الْخُنْثَى ( بِلِبَاسٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْعَاتِقُ : مَوْضِع الرِّدَاءِ مِنْ الْمَنْكِبِ وَلَا فَرْقَ فِي اللِّبَاسِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا سَتَرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَوْ غَيْرَهُ ( وَلَوْ وَصَفَ ) اللِّبَاسُ ( الْبَشَرَةَ ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ } فَإِنَّهُ يَعُمُّ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ وَمَا لَا يَسْتُرُ ( وَتُسَنُّ صَلَاةُ حُرَّةٍ ) بَالِغَةٍ ( فِي دِرْعٍ ) وَهُوَ الْقَمِيصُ ( وَخِمَارٍ ) وَهُوَ مَا تَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهَا وَتُدِيرُهُ تَحْتَ حَلَقِهَا ( وَمِلْحَفَةٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ثَوْبٌ تَلْتَحِفُ بِهِ ، وَتُسَمَّى جِلْبَابًا .
لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا " كَانَتْ تَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْخِمَارِ وَالْإِزَارِ وَالدِّرْعِ فَتُسْبِلُ الْإِزَارَ ، فَتَتَجَلْبَبُ بِهِ ، وَكَانَتْ تَقُولُ : ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ إذَا وَجَدَتْهَا : الْخِمَارُ وَالْجِلْبَابُ وَالدِّرْعُ " وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْفَى عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ ( وَتُكْرَهُ ) صَلَاتُهَا ( فِي نِقَابٍ وَبُرْقُعٍ ) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ ، وَيُغَطِّي الْفَمَ .
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ عَنْهُ ( وَيُجْزِئُ ) امْرَأَةً ( سَتْرُ عَوْرَتِهَا ) قَالَ أَحْمَدُ : اتَّفَقَ عَامَّتُهُمْ عَلَى الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ .
وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ وَأَسْتَرُ ( وَإِذَا انْكَشَفَ ) بِلَا قَصْدٍ ( لَا عَمْدًا فِي صَلَاةٍ مِنْ عَوْرَةِ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى ( يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ عُرْفًا ) لِأَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِيهِ شَرْعًا فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ ، فَإِنْ فَحُشَ وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ ( وَغَيْرِهِمَا ) لَكِنْ يُعْتَبَرُ ( الْفُحْشُ فِي كُلِّ عُضْوٍ بِحَسَبِهِ ، ) إذْ يَفْحُشُ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا ( فِي النَّظَرِ ) مُتَعَلِّقٌ ب يَفْحُشُ ، أَيْ لَوْ نُظِرَ
إلَيْهِ .
( وَلَوْ ) كَانَ الِانْكِشَافُ زَمَنًا ( طَوِيلًا ) لَمْ تَبْطُلْ .
لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ { انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ ، وَقَالَ : يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ ، فَقَدَّمُونِي فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ ، فَكُنْت إذَا سَجَدْت انْكَشَفَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا فَمَا فَرِحْت بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِهِ } .
وَفِي لَفْظٍ { كُنْت أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ فَكُنْت إذَا سَجَدْت فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَانْتَشَرَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاجْتِزَازُ مِنْهُ إذْ ثِيَابُ الْفُقَرَاءِ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ خَرْقٍ وَثِيَابُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ فَتْقٍ ( أَوْ ) انْكَشَفَتْ لَا عَمْدًا مِنْ عَوْرَةٍ ( كَثِيرَةٍ فِي ) زَمَنٍ ( قَصِيرٍ ) كَمَا لَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ سُتْرَتَهُ فَأَعَادَهَا سَرِيعًا ( لَمْ تَبْطُلْ ) الصَّلَاةُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ .
بَطَلَتْ .
لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ .
( وَمَنْ صَلَّى فِي غَصْبٍ ) أَيْ مَغْصُوبٍ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً ، وَمِثْلُهُ مَسْرُوقٌ وَنَحْوُهُ ، وَمَا ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَغْصُوبُ ( بَعْضُهُ ) مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا ، فِي مَحَلِّ الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْبَيْعِ ( ثَوْبًا ) كَانَ الْمَغْصُوبُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ( أَوْ بُقْعَةٍ ) لَمْ تَصِحَّ .
وَيُلْحَقُ بِهِ لَوْ صَلَّى فِي سَابَاطٍ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ ، أَوْ غَصَبَ رَاحِلَةً وَصَلَّى عَلَيْهَا ، أَوْ لَوْحًا فَجَعَلَهُ سَفِينَةً .
أَوْ صَلَّى فِي مَنْسُوجٍ ( ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، أَوْ ) فِي حَرِيرٍ ) كُلُّهُ ( أَوْ ) فِيمَا ( غَالِبُهُ ) حَرِيرٌ ( حَيْثُ حُرِّمَ ) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ ، بِأَنْ كَانَ عَلَى ذَكَرٍ ، وَلَمْ يَكُنْ الْحَرِيرُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَصِحَّ ( أَوْ حَجَّ بِغَصْبٍ ) أَيْ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ ، أَوْ عَلَى حَيَوَانٍ مَغْصُوبٍ ( عَالِمًا ) بِأَنَّ مَا صَلَّى فِيهِ أَوْ حَجَّ بِهِ مُحَرَّمٌ ( ذَاكِرًا ) لَهُ وَقْتَ الْعِبَادَةِ ( لَمْ يَصِحَّ ) مَا فَعَلَهُ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } أَخْرَجُوهُ وَلِأَحْمَدَ { مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ } وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ ، وَقِيَامُهُ وَقُعُودُهُ وَسَيْرُهُ بِمُحَرَّمٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، فَلَا يَكُونُ مُتَقَرِّبًا بِمَا هُوَ عَاصٍ بِهِ .
وَلَا مَأْمُورًا بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ .
فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لِلْغَصْبِ وَنَحْوِهِ صَحَّ .
ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا .
فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ أَيْضًا .
لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يَتَعَيَّنْ سَاتِرًا ، تَحْتَانِيًّا كَانَ أَوْ فَوْقَانِيًّا ، إذْ أَيُّهُمَا قُدِّرَ عَدَمُهُ كَانَ الْآخَرُ سَاتِرًا ( وَإِنْ غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ ) غَصَبَهُ ( فَكَغَصْبِهِ ) لِمَكَانِ غَيْرِهِ فِي صَلَاتِهِ فِيهِ ( لَا إنْ مَنَعَهُ ) أَيْ الْمَسْجِدَ ( غَيْرَهُ ) بِأَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَأَبْقَاهُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَيْسَ كَغَصْبِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ وَيَحْرُمُ
عَلَيْهِ الْمَنْعُ ، وَكَذَا لَوْ زَحَمَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ .
وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ
( وَلَا يُبْطِلُهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ ( لُبْسُ عِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا ) كَعِمَامَةِ حَرِيرٍ وَخَاتَمِ ذَهَبٍ ، أَوْ غَصْبٌ ( وَنَحْوِهِمَا ) كَخُفٍّ وَتِكَّةٍ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَوَضَعَهُ بِكُمِّهِ وَيَصِحُّ الْأَذَانُ وَالصَّوْمُ وَالْوُضُوءُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ بِغَصْبٍ ، وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا قَبْلَهُ ، وَعِبَادَةُ مَنْ تَقَوَّى عَلَيْهَا بِمُحَرَّمٍ ( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( مِمَّنْ حُبِسَ بِغَصْبٍ ) بِهِ .
( وَكَذَا ) مِمَّنْ حُبِسَ ( بِنَجِسَةٍ ) وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِيَابِسَةٍ لِأَنَّ السُّجُودَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَمُجْمَعٌ عَلَى فَرِيضَتِهِ وَعَدَمِ سُقُوطِهِ بِخِلَافِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ ( وَيُومِئُ ) مَنْ حُبِسَ بِبُقْعَةٍ نَجِسَةٍ ( بِرَطْبَةٍ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ ، وَيَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ ) تَقْلِيلًا لِلنَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَعُلِمَ مِنْهُ : صِحَّةُ صَلَاتِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ شَرْطِهَا وَهُوَ إبَاحَةُ الْبُقْعَةِ وَطَهَارَتُهَا .
( وَيُصَلِّي ) عَاجِزٌ عَنْ سُتْرَةٍ مُبَاحَةٍ ( عُرْيَانًا مَعَ ) ثَوْبِ ( غَصْبٍ ) لِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً مَغْصُوبًا .
( وَ ) يُصَلِّي ( فِي ) ثَوْبِ ( حَرِيرٍ لِعَدَمِ ) غَيْرِهِ وَلَوْ مُعَارًا ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي لُبْسِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، كَالْحَكَّةِ وَضَرُورَةِ الْبَرْدِ وَعَدَمِ سُتْرَةٍ غَيْرِهِ ، فَقَدْ زَالَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِيهِ ( وَلَا إعَادَةَ ) عَلَى مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا مَعَ غَصْبٍ أَوْ فِي حَرِيرٍ ، لِعَدَمٍ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) يُصَلِّي ( فِي ) ثَوْبٍ ( نَجِسٍ لِعَدَمِ ) غَيْرِهِ مَعَ عَجْزٍ عَنْ تَطْهِيرِهِ فِي الْوَقْتِ .
لِأَنَّ السُّتْرَةَ آكَدُ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، لِوُجُوبِهِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا .
وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِ ( وَيُعِيدُ ) مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ لِعَدَمٍ .
لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى
اجْتِنَابِهِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْآكَدَ عِنْدَ التَّزَاحُمِ ، فَإِذَا زَالَ الْمُزَاحِمُ بِوُجُودِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِاسْتِدْرَاكِ مَا حَصَلَ مِنْ الْخَلَلِ ، بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ بِمَكَانٍ نَجِسٍ ، فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الِانْتِقَالِ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ .
وَمَنْ عِنْدَهُ ثَوْبَانِ نَجِسَانِ صَلَّى فِي أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً ، وَإِنْ كَانَ طَرَفُ الثَّوْبِ نَجِسًا وَأَمْكَنَهُ السَّتْرُ بِالطَّاهِرِ لَزِمَهُ ( وَلَا يَصِحُّ نَفْلُ ) صَلَاةِ ( آبِقٍ ) لِأَنَّ زَمَنَهُ مَغْصُوبٌ ، بِخِلَافِ فَرْضِهِ فَإِنَّ زَمَنَهُ مُسْتَثْنًى شَرْعًا .
( وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ ) أَوْ مَنْكِبَهُ فَقَطْ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ سَتَرَهَا ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ وَلْيَرْتَدِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ ثُمَّ لِيُصَلِّ ، } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى ( أَوْ ) لَمْ يَجِدْ إلَّا ( مَا يَسْتُرُ الْفَرْجَيْنِ ) سَتَرَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا عَوْرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَفْحَشُ فِي النَّظَرِ ( أَوْ ) لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ ( أَحَدَهُمَا سَتَرَهُ ، وَالدُّبُرُ أَوْلَى ) مِنْ الْقُبُلِ ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ .
وَيَنْفَرِجُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( إلَّا إذَا كَفَتْ ) السُّتْرَةُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ ، أَوْ ( مَنْكِبَهُ وَعَجُزَهُ فَقَطْ ) دُونَ دُبُرِهِ ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ، وَالظَّاهِرُ دُونَ قُبُلِهِ ( فَيَسْتُرُهُمَا ) أَيْ الْمَنْكِبَ وَالْعَجُزَ وُجُوبًا ؛ .
لِأَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبِ لَا بَدَلَ لَهُ ، وَصَحَّ الْحَدِيثُ بِالْأَمْرِ بِهِ فَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى ( وَيُصَلِّي جَالِسًا ) نَدْبًا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْعُرْيَانَ ( تَحْصِيلُ سُتْرَةٍ بِثَمَنِ مِثْلِهَا ) فِي مَكَانِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ .
وَكَذَا لَوْ وَجَدَهَا تُؤَجَّرُ ، وَقَدَرَ عَلَى الْأُجْرَةِ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ ( فَإِنْ زَادَ ) ثَمَنُهَا عَنْ قِيمَةِ مِثْلِهَا فِي مَكَانِهَا ( فَكَمَاءِ وُضُوءٍ ) إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لَزِمَتْهُ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَيَلْزَمُهُ ( قَبُولُهَا عَارِيَّةً ) إنْ بُذِلَتْ لَهُ .
لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ بِمَا لَا تَكْثُرُ فِيهِ الْمِنَّةُ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعَارَتُهَا ، و ( لَا ) قَبُولُهَا ( هِبَةً ) لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ ( فَإِنْ عَدِمَ ) السُّتْرَةَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا بِبَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ ، وَلَمْ تُبْذَلْ لَهُ عَارِيَّةٌ ( صَلَّى جَالِسًا نَدْبًا ، يُومِئ ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ( وَلَا
يَتَرَبَّعُ ) فِي جُلُوسِهِ ( بَلْ يَنْضَمُّ ) أَيْ يَضُمُّ إحْدَى فَخِذَيْهِ إلَى الْأُخْرَى .
لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي قَوْمٍ انْكَسَرَتْ بِهِمْ مَرَاكِبُهُمْ فَخَرَجُوا عُرَاةً قَالَ : { يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ } وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ .
وَلِأَنَّ السَّتْرَ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي فَرْضٍ ، وَلَا نَفْلٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ ، فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا جَازَ ، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ ( وَإِنْ وَجَدَهَا ) أَيْ السُّتْرَةَ ( مُصَلٍّ ) عُرْيَانًا ( قَرِيبَةً ) مِنْهُ ( عُرْفًا ) أَيْ بِحَيْثُ تُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَرِيبَةً ( سَتَرَ ) بِهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُهُ ( وَبَنَى ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ ، قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ ، لَمَّا عَلِمُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ ( وَإِلَّا ) إنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَلَا يُمْكِنُهُ السَّتْرُ بِهَا إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَزَمَنٍ طَوِيلٍ سَتَرَ ، و ( ابْتَدَأَ ) صَلَاتَهُ لِبُطْلَانِهَا ( وَكَذَا مَنْ عَتَقَتْ ) فِيهَا أَيْ الصَّلَاةِ ( وَاحْتَاجَتْ إلَيْهَا ) أَيْ السُّتْرَةِ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَتِرَةً كَحُرَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ الْخِمَارُ قَرِيبًا تَخَمَّرَتْ وَبَنَتْ ، وَإِلَّا تَخَمَّرَتْ وَابْتَدَأَتْ ، وَكَذَا مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبَهَا فِيهَا ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ أَوْ وُجُوبِ السَّتْرِ ، أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا مَعَ كَشْفِ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَقُدْرَتِهَا عَلَيْهِ ( وَيُصَلِّي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً وَإِمَامُهُمْ وَسَطًا ) أَيْ لَا يَتَقَدَّمُهُمْ ( وُجُوبًا فِيهِمَا ) أَيْ فِي مَسْأَلَتَيْ وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ ، وَكَوْنِ إمَامِهِمْ وَسَطَهُمْ ، أَمَّا الْأُولَى : فَلِأَنَّهُمْ قَدَرُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ .
أَشْبَهُوا الْمُسْتَتِرِينَ وَكَحَالِ الْخَوْفِ وَأَوْلَى ، وَلَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِفَوْتِ سُنَّةِ الْمَوْقِفِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَة ، فَلِأَنَّهُ سِتْرٌ مِنْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ بَطَلَتْ ، إنْ لَمْ يَكُونُوا عُمْيَانًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ .
فَإِنْ كَانَ
الْعُرَاةُ أَكْثَرَ مِنْ نَوْعٍ كَنِسَاءٍ وَرِجَالٍ ، صَلَّى ( كُلُّ نَوْعٍ جَانِبًا ) لِأَنْفُسِهِمْ ، حَتَّى لَا يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ إنْ اتَّسَعَ الْمَحَلُّ ( فَإِنْ شَقَّ ) ذَلِكَ لِنَحْوِ ضِيقٍ ( صَلَّى الْفَاضِلُ ) وَهُمْ الرِّجَالُ ( وَاسْتَدْبَرَ مَفْضُولٌ ) وَهُمْ النِّسَاءُ ( ثُمَّ عَكَسَ ) فَيُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَسْتَدْبِرْهُنَّ الرِّجَالُ ، لِأَنَّ النِّسَاءَ إنْ وَقَفْنَ مَعَ الرِّجَالِ صَفًّا مَعَ سَعَةِ الْمَحَلِّ أَخْطَأْنَ سُنَّةَ الْمَوْقِفِ ، وَإِنْ صَلَّيْنَ خَلْفَهُمْ شَاهَدْنَ عَوْرَاتِهِمْ ، وَرُبَّمَا اُفْتُتِنَّ بِهِمْ ( وَمَنْ أَعَارَهُ ) وَنَحْوُهُ ( سُتْرَتَهُ ) لِمَنْ يُصَلِّي فِيهَا ( وَصَلَّى ) أَيْ صَاحِبُهَا ( عُرْيَانًا لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ السَّتْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ .
( وَتُسَنُّ ) إعَارَةُ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ ( إذَا صَلَّى ) رَبُّهَا لِتَكْمُلَ صَلَاةُ الْمُسْتَعِيرِ ( وَيُصَلِّي بِهَا ) بَعْدَ رَبِّهَا ، إنْ تَعَدَّدَ الْعُرَاةُ ( وَاحِدٌ فَآخَرُ ) حَتَّى يَنْتَهُوا مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ ، لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ بِشَرْطِهَا .
( وَيُقَدَّمُ إمَامٌ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ ) وَيَقِفُ قُدَّامَهُمْ لِاسْتِتَارِ عَوْرَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّهَا صَلَّى وَصَلَحَ لِلْإِمَامَةِ صَلَّى بِهِمْ ( وَالْمَرْأَةُ ) الْعَارِيَّةُ ( أَوْلَى ) بِالسُّتْرَةِ تُعَارُ مِنْ الرَّجُلِ حَتَّى الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَفْحَشُ وَسَتْرُهَا أَبْعَدُ مِنْ الْفِتْنَةِ .
فَصْلٌ فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ( كُرِهَ فِي صَلَاةٍ ) فَقَطْ ( سَدْلٌ وَهُوَ طَرْحُ ثَوْبٍ عَلَى كَتِفَيْهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( وَلَا يَرُدُّ طَرَفَهُ ) أَيْ الثَّوْبِ ( عَلَى ) الْكَتِفِ ( الْأُخْرَى ) سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ أَوْ لَا .
وَالنَّهْيُ فِيهِ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ نُقِلَ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ .
وَإِنْ رَدَّ طَرَفَهُ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى .
وَفِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ : أَوْ ضَمَّ طَرَفَيْهِ بِيَدَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ ، وَلَا بَأْسَ بِطَرْحِ الْقَبَاءِ عَلَى كَتِفَيْهِ بِلَا إدْخَالِ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا فِي صَلَاةٍ ( اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، لَيْسَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ مِنْهُ ، يَعْنِي شَيْءٌ } أَخْرَجُوهُ .
وَالِاضْطِبَاعُ : أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ .
فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ فَلَا كَرَاهَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَبَدَتْ عَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا ، وَإِنْ احْتَبَى وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ جَازَ ، وَإِلَّا حَرُمَ .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا فِي صَلَاةٍ ( تَغْطِيَةُ وَجْهٍ ، وَتَلَثُّمٌ عَلَى فَمٍ وَأَنْفٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَغْطِيَةِ الْفَمِ ، وَقِيَاسُهُ : تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ ، وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ عِنْدَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَنَعَ تَحْقِيقَ الْحُرُوفِ .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا فِي
صَلَاةٍ ( لَفُّ كُمٍّ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا أَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
زَادَ فِي الرِّعَايَةِ : وَتَشْمِيرُهُ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ وَجْهٍ وَمَا بَعْدَهُ : إنْ كَانَ ( بِلَا سَبَبٍ ) قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ .
وَقِيَاسُهُ : كَفُّ الْكُمِّ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ كَانَ السَّدْلُ وَمَا بَعْدَهُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ يُكْرَهْ .
( وَ ) كُرِهَ ( مُطْلَقًا ) فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا ( تَشَبُّهٌ بِكُفَّارٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَيْ هَذَا الْحَدِيث أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيمَ التَّشَبُّهِ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي كُفْرَ الْمُتَشَبَّهِ بِهِمْ .
وَقَالَ : وَلَمَّا صَارَتْ الْعِمَامَةُ الصَّفْرَاءُ وَالزَّرْقَاءُ مِنْ شِعَارِهِمْ : حَرُمَ لُبْسُهُمَا .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا جَعْلُ صِفَةِ ( صَلِيبٍ فِي ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ ) كَعِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى .
وَظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ : تَحْرِيمُهُ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا ( شَدُّ وَسَطٍ ) بِفَتْحِ السِّينِ ( ب ) شَيْءٍ ( شِبْهِ ) شَدِّ ( زُنَّارٍ ) بِوَزْنِ تُفَّاحٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيُّ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ .
فَقَالَ { لَا تَشْتَمِلُوا اشْتِمَالَ الْيَهُودِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
فَأَمَّا شَدُّ الرَّجُلِ وَسَطَهُ بِمَا لَا يُشْبِه ذَلِكَ .
فَقَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِهِ .
أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ } وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ الْقَمِيصُ ، يَأْتَزِرُ بِالْمِنْدِيلِ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ .
( وَ ) كُرِهَ شَدُّ وَسَطِ ( أُنْثَى مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يُشْبِهُ شَدَّ زُنَّارٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ يُبَيَّنُ بِهِ
حَجْمُ عَجِيزَتِهَا ، وَتُبَيَّنُ بِهِ تَقَاطِيعُ بَدَنِهَا .
وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ ، دُونَ خَارِجِهَا .
وَاسْتَدَلَّ لَهُ ( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( مَشْيٌ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَنَصُّهُ : وَلَوْ يَسِيرًا ، لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ { إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا } وَأَيْضًا عَنْ جَابِرٍ ، وَفِيهِ { وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ } وَلِأَنَّهُ مِنْ الشُّهْرَةِ .
وَيُسَنُّ كَوْنُ النَّعْلِ أَصْفَرَ وَالْخُفِّ أَحْمَرَ وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي مِنْ أَصْحَابِنَا أَوْ أَسْوَدَ .
وَيُسَنُّ تَعَاهُدُهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ لِنَعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَالَانِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ السَّيْرُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ : الصَّلَاةَ فِي النَّعْلِ الطَّاهِرِ .
وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ : الْأَوْلَى حَافِيًا .
وَفِيَ الْإِقْنَاعِ : لَا يُكْرَهُ الِانْتِعَالُ قَائِمًا .
وَفِي النَّظْمِ : يُكْرَهُ لُبْسُ خُفٍّ وَإِزَارٍ وَسَرَاوِيلَ قَائِمًا ، وَلَعَلَّهُ جَالِسًا أَوْلَى ( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا ( لُبْسُهُ ) أَيْ الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ ( مُعَصْفَرًا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : إنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ ، فَلَا تَلْبَسْهَا } وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَيْهِ رَيْطَةً مُضَرَّجَةً بِالْعُصْفُرِ .
فَقَالَ : مَا هَذِهِ ؟ قَالَ : فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ .
فَأَتَيْت أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ ، فَقَذَفْتهَا فِيهِ .
ثُمَّ أَتَيْته فَأَخْبَرْته ، فَقَالَ : أَلَا كَسَوْتهَا بَعْضَ أَهْلِك ؟ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
( فِي غَيْرِ
إحْرَامٍ ) فَلَا يُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ فِيهِ نَصًّا ( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُ رَجُلٍ ( مُزَعْفَرًا ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى الرِّجَالَ عَنْ التَّزَعْفُرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُ رَجُلٍ ( أَحْمَرَ مُصْمَتًا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ ، فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ } وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ بِطَانَةً ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصْمَتًا أَيْ مُنْفَرِدًا ، فَلَا كَرَاهَةَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ لُبْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُ رَجُلٍ ( طَيْلَسَانًا ، وَهُوَ الْمُقَوَّرُ ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ لُبْسَ رُهْبَانِ الْمَلَكِيِّينَ مِنْ النَّصَارَى .
وَلَا يُكْرَهُ لُبْسُ غَيْرِ الْمُقَوَّرِ .
( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا لُبْسُهُ ( جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ وَافْتِرَاشُهُ ) مَعَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ يَحْرُمُ ، إلَّا مَا نَجِسَ بِمَوْتِهِ وَدُبِغَ ، كَمَا سَبَقَ .
و ( لَا ) يُكْرَهُ ( إلْبَاسُهُ ) أَيْ الْجِلْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي نَجَاسَتِهِ ( دَابَّتَهُ ) لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ كَحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ ، وَيَحْرُمُ إلْبَاسُهَا ذَهَبًا وَفِضَّةً ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَحَرِيرًا .
( وَ ) يُكْرَهُ ( كَوْنُ ثِيَابِهِ ) أَيْ الرَّجُلِ ( فَوْقَ نِصْفِ سَاقِهِ ) نَصًّا .
وَلَعَلَّهُ لِئَلَّا تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ ( أَوْ تَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ ) لِلْخَبَرِ .
فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَحُمُوشَةِ سَاقِهِ لَمْ يُكْرَهْ ، إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّدْلِيسَ ( وَ ) يُبَاحُ ( لِلْمَرْأَةِ زِيَادَةُ ) ذَيْلِهَا ( إلَى ذِرَاعٍ ) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟ قَالَ : يُرْخِينَ شِبْرًا ، فَقَالَتْ : إذَنْ تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ : فَيُرْخِينَ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَحَرُمَ أَنْ يُسْبِلَهَا ) أَيْ
ثِيَابَ الرَّجُلِ ( بِلَا حَاجَةٍ خُيَلَاءَ ) قَمِيصًا كَانَتْ أَوْ إزَارًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ عِمَامَةً ، فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ، لِحَدِيثِ { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ لِحَاجَةٍ بِلَا خُيَلَاءَ ( فِي غَيْرِ حَرْبٍ ) وَفِيهِ : لَا يَحْرُمُ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ .
( وَ ) حَرُمَ ( حَتَّى عَلَى أُنْثَى لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ وَتَعْلِيقُهُ ، وَسَتْرُ جُدُرٍ بِهِ ، وَتَصْوِيرُهُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُقَالُ : لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ } وَقَالَ { إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ .
وَعَنْ جَابِرٍ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ ، وَنَهَى أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَإِنْ أُزِيلَ مِنْ الصُّورَةِ مَا لَا يَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ لَمْ يُكْرَه .
نَصًّا ، وَمِثْلُهُ صُورَةُ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا تَصْوِيرُهُ .
و ( لَا ) يَحْرُمُ ( افْتِرَاشُهُ ) أَيْ الْمُصَوَّرِ ( وَجَعْلُهُ مِخَدًّا ) وَلَا يُكْرَهُ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
( وَ ) حَرُمَ ( عَلَى غَيْرِ أُنْثَى ) مِنْ رَجُلٍ وَخُنْثَى ( حَتَّى كَافِرٍ لُبْسُ مَا كُلُّهُ وَمَا غَالِبُهُ ظُهُورًا حَرِيرٌ ، وَلَوْ ) كَانَ ( بِطَانَةً ) لِحَدِيثِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسهُ فِي الْآخِرَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَكَوْنُ عُمَرَ { بَعَثَ بِمَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَخٍ لَهُ مُشْرِكٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ : لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهَا .
وَقَدْ { بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُسَامَةَ } وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إبَاحَةُ لُبْسِهِ ، وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ
الشَّرِيعَةِ ( وَ ) وَحَرُمَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى ( افْتِرَاشُهُ ) أَيْ الْحَرِيرِ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا أَوْ أَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
و ( لَا ) يَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ ( تَحْتَ ) حَائِلٍ ( صَفِيقٍ ) فَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْحَائِلِ ( وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُفْتَرِشٌ لِلْحَائِلِ ، مُجَانِبٌ لِلْحَرِيرِ .
( وَ ) يَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى ( اسْتِنَادٌ إلَيْهِ ، وَتَعْلِيقُهُ ) أَيْ الْحَرِيرِ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ : بُشْخَانَةٌ وَخَيْمَةٌ وَنَحْوُهُمَا ، وَحَرُمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا ، فَدَخَلَ فِيهِ : تِكَّةٌ وَشِرَابَةٌ مُفْرَدَةٌ ، وَخَيْطُ مِسْبَحَةٍ .
( وَ ) يَحْرُمُ أَيْضًا ( كِتَابَةُ مَهْرٍ فِيهِ ) أَيْ فِي الْحَرِيرِ .
وَقِيلَ : يُكْرَهُ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ .
( وَ ) يَحْرُمُ أَيْضًا ( سَتْرُ جُدُرٍ بِهِ ) أَيْ بِالْحَرِيرِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ ، أَشْبَهَ لُبْسَهُ ( غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ) زَادَهَا اللَّهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا فَيَجُوزُ سَتْرُهَا بِالْحَرِيرِ .
وَكَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَمَحَلُّ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ .
إذَا كَانَ ( بِلَا ضَرُورَةٍ ) كَبَرْدٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ قَمْلٍ ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوْا الْقَمْلَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ وَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ ، وَقِسْ عَلَى الْقَمْلِ غَيْرَهُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ .
( وَ ) حَرُمَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى ثَوْبٌ ( مَنْسُوجٌ ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ( وَمُمَوَّهٌ بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ ) إلَّا خُوذَةً أَوْ مِغْفَرًا أَوْ جَوْشَنًا وَنَحْوَهَا بِفِضَّةٍ ، وَكَذَا مَا طُلِيَ أَوْ كُفِتَ أَوْ
طُعِّمَ بِأَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآنِيَةِ ، وَمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ تَمْلِيكُهُ وَتَمَلُّكُهُ لِذَلِكَ ، وَعَمَلُ خِيَاطَتِهِ لِمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ وَأُجْرَتُهُ ، نَصًّا .
و ( لَا ) يَحْرُمُ ( مُسْتَحِيلٌ لَوْنُهُ ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ( وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ ) لَوْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ ، لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ مِنْ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ .
( وَ ) لَا يَحْرُمُ أَيْضًا ( حَرِيرٌ سَاوَى مَا نُسِجَ مَعَهُ ) مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ ( ظُهُورًا ) بِأَنْ كَانَ ظُهُورُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ ، وَلَوْ زَادَ الْحَرِيرُ وَزْنًا فَلَا يَحْرُمُ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ لَيْسَ بِحَرِيرٍ ، فَيَنْتَفِي دَلِيلُ الْحُرْمَةِ .
وَيَبْقَى أَصْلُ الْإِبَاحَةِ ( وَ ) لَا يَحْرُمُ أَيْضًا ( خَزٌّ ) أَيْ ثَوْبٌ يُسَمَّى الْخَزَّ ( وَهُوَ مَا سُدِيَ بِإِبْرَيْسَمٍ ) أَوْ حَرِيرٍ ( وَأُلْحِمَ بِصُوفٍ ، أَوْ وَبَرٍ وَنَحْوِهِ ) كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ ، أَمَّا عَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ .
وَأَمَّا مَا عُمِلَ مِنْ سَقَطِ الْحَرِيرِ وَمُشَاقَّتِهِ وَمَا يُلْقِيهِ الصَّانِعُ مِنْ فَمِهِ مِنْ تَقْطِيعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُسِلَ وَنُسِجَ ، فَهُوَ كَحَرِيرٍ خَالِصٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سُمِّيَ الْآنَ خَزًّا ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَحْرُمُ ( خَالِصٌ ) مِنْ حَرِيرٍ ( لِمَرَضٍ أَوْ حَكَّةٍ ) سَوَاءٌ أَثَّرَ فِي زَوَالِهَا أَوْ لَا لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) خَالِصٌ ( لِحَرْبٍ ) مُبَاحٌ إذَا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ ( وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ ( وَلَا ) يَحْرُمُ ( الْكَلُّ ) وَهُوَ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَالْحَرِيرُ وَالْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ( لِحَاجَةٍ ) بِأَنْ عُدِمَ غَيْرُهُ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : مَنْ احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ
أَوْ تَحَصُّنٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ أُبِيحَ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ ، كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ بِهِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ لُبْسِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ ( وَحَرُمَ تَشَبُّهُ رَجُلٍ بِأُنْثَى وَعَكْسِهِ ) وَهُوَ تَشَبُّهُ أُنْثَى بِرَجُلٍ ( فِي لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { وَلَعَنَ أَيْضًا الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَ الرَّجُلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : إسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْعَصَائِبُ الْكِبَارُ الَّتِي تُشْبِهُ عَمَائِمَ الرِّجَالِ .
( وَ ) حَرُمَ أَيْضًا عَلَى وَلِيٍّ ( إلْبَاسُ صَبِيٍّ مَا حَرُمَ عَلَى رَجُلٍ ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي } وَلِقَوْلِ جَابِرٍ { كُنَّا نَنْزِعُهُ عَنْ الْغِلْمَانِ وَنَتْرُكُهُ عَلَى الْجَوَارِي } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَكَوْنِ الصِّبْيَانِ مَحَلًّا لِلزِّينَةِ مَعَ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِمْ أَبْلَغَ فِي التَّحْرِيمِ ( فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ ) ، أَيْ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ .
( وَيُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ كَيْسُ مُصْحَفٍ ) تَعْظِيمًا لَهُ ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ ( وَ ) يُبَاحُ أَيْضًا ( أَزْرَارٌ وَخِيَاطَةٌ بِهِ ) أَيْ الْحَرِيرِ .
لِأَنَّهُ يَسِيرٌ .
( وَ ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ ( حَشْوُ جِبَابٍ وَفُرُشٍ ) لِأَنَّهُ لَا فَخْرَ فِيهِ ، وَلَا عُجْبَ وَلَا خُيَلَاءَ .
وَلَيْسَ لُبْسًا لَهُ وَلَا افْتِرَاشًا ( وَ ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ ( عَلَمُ ثَوْبٍ وَهُوَ طِرَازُهُ ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَيُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ ( لَبِنَةُ جَيْبٍ ، وَهُوَ الزِّيقُ ) أَيْ الْمُحِيطُ بِالْعُنُقِ ( وَالْجَيْبُ مَا يُفْتَحُ عَلَى نَحْرٍ أَوْ طَوْقٍ ) .
وَفِي الْقَامُوسِ : وَجَيْبُ الْقَمِيصِ وَنَحْوُهُ بِالْفَتْحِ : طَوْقُهُ ( وَ ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ ( رِقَاعٌ وَسِجْفُ فِرَاءٍ ) وَنَحْوِهَا قَدْرَ أَرْبَعِ