كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
أَصَابِعَ فَمَا دُونُ .
و ( لَا ) يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ ( فَوْقَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ ) لِحَدِيثِ عُمَرَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَإِذَا لَبِسَ ثِيَابًا فِي كُلِّ ثَوْبٍ مِنْ الْحَرِيرِ مَا يُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ جُمِعَ صَارَ ثَوْبًا فَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنِ تَمِيمٍ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَفِي الرِّعَايَةِ .
لَا يَحْرُمُ ، بَلْ يُكْرَهُ .
" تَتِمَّةٌ " يُسَنُّ أَنْ يَأْتَزِرَ الرَّجُلُ فَوْقَ سُرَّتِهِ وَيَشُدَّ سَرَاوِيلَهُ فَوْقَهَا ، وَسَعَةُ كَمِّ قَمِيصِ الْمَرْأَةِ يَسِيرًا وَقِصَرُهُ ، وَطُولُ كَمِّ قَمِيصِ الرَّجُلِ عَنْ أَصَابِعِهِ قَلِيلًا دُونَ سَعَتِهِ كَثِيرًا ، فَلَا تَتَأَذَّى الْيَدُ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ ، وَلَا تَمْنَعُهَا خِفَّةَ الْحَرَكَةِ وَالْبَطْشِ .
وَيُبَاحُ ثَوْبٌ مِنْ صُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ .
وَيُكْرَهُ رَقِيقٌ يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَخِلَافُ زِيِّ أَهْلِ بَلَدِهِ بِلَا عُذْرٍ ، وَمُزْرِيَةٌ وَكَثْرَةُ الْإِرْفَاهِ .
وَزِيُّ أَهْلِ الشِّرْكِ وَثَوْبُ شُهْرَةٍ مَا يَشْتَهِرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ لِئَلَّا يَحْمِلَهُمْ عَلَى غَيْبَتِهِ فَيُشَارِكَهُمْ فِي الْإِثْمِ .
وَيُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ وَالْقَبَاءِ ، حَتَّى لِلنِّسَاءِ وَالْمَشْيُ فِي قُبْقَابٍ خَشَبٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنْ كَانَ حَاجَةً ، وَيُكْرَهُ لُبْسُ نَعْلٍ صَرَّارَةٍ نَصًّا .
وَقَالَ : لَا بَأْسَ أَنْ يُلْبَسَ لِلْوُضُوءِ .
وُفِيَ الرِّعَايَةِ : يُسَنُّ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ ، وَلُبْسُ الْبَيَاضِ وَالنَّظَافَةُ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ ، وَمَجْلِسِهِ ، وَالتَّطَيُّبُ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ ، وَالتَّحَنُّكُ وَالذُّؤَابَةُ وَإِرْسَالُهَا خَلْفَهُ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَإِطَالَتُهَا كَثِيرًا مِنْ الْإِسْبَالِ ، وَيُسَنُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا قَوْلُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ " وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْخَلَقِ الْعَتِيقِ النَّافِعِ .
بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ ( وَهِيَ ) أَيْ النَّجَاسَةُ لُغَةً : ضِدُّ الطَّهَارَةِ وَشَرْعًا ( عَيْنٌ ) كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ( أَوْ صِفَةٌ ) كَأَثَرِ بَوْلٍ بِمَحَلٍّ طَاهِرٍ ( مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهَا بِلَا ضَرُورَةٍ ، لَا لِأَذًى فِيهَا طَبْعًا ) احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ السُّمِّيَّاتِ مِنْ النَّبَاتِ ، فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِمَّا يَضُرُّ مِنْهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ لِأَذَاهَا و ( لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ) احْتِرَازًا عَنْ صَيْدِ الْحَرَمِ ، أَوْ عَنْ صَيْدِ الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ ( أَوْ ) لِحَقِّ ( غَيْرِهِ شَرْعًا ) احْتِرَازًا عَنْ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَيَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ لِحَقِّ مَالِكِهِ زَادَ بَعْضُهُمْ : وَلَا لِحُرْمَتِهَا ، احْتِرَازًا عَنْ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا ، احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ مَنِيٍّ وَمُخَاطٍ ( حَيْثُ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا ) مُتَعَلِّقٌ بِاجْتِنَابِ ( بَدَنَ مُصَلٍّ ) مَنْصُوبٌ بِاجْتِنَابٍ ( وَثَوْبَهُ وَبُقْعَتَهُمَا ) مَعْطُوفٌ عَلَى بَدَنٍ ( وَعَدَمِ حَمْلِهَا ) عَطْفٌ عَلَى اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ ، خَبَرُهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ : قَوْلُهُ ( شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ } وَقَوْلِهِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ { اُقْرُصِيهِ وَصَلِّي فِيهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { وَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ، إذْ بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ } وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِيهَا ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ .
وَالنَّهْيُ عَنْهُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ ( فَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( مِنْ حَامِلٍ مُسْتَجْمِرًا ) لِأَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي مَحَلِّهِ ( أَوْ ) مِنْ حَامِلٍ ( حَيَوَانًا طَاهِرًا ) كَالْهِرِّ ، لِأَنَّ مَا
بِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فِي مَعِدَتِهَا فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي و { صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ } ( وَ ) تَصِحُّ ( مِمَّنْ مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا ) نَجِسًا ( أَوْ حَائِطًا نَجِسًا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِثَوْبِهِ وَلَا بَدَنِهِ .
فَإِنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْبُقْعَةِ لَهُ ( أَوْ ) أَيْ وَتَصِحُّ مِمَّنْ ( قَابَلَهَا ) أَيْ النَّجَاسَةَ ( رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَمْ يُلَاقِهَا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِصَلَاتِهِ وَلَا مَحْمُولًا فِيهَا .
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُصِبْهَا ، فَإِنْ لَاقَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ( أَوْ صَلَّى عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ مِنْ ) حَصِيرٍ أَوْ بِسَاطٍ ( مُتَنَجِّسٍ طَرَفُهُ ) فَتَصِحُّ ( وَلَوْ تَحَرَّكَ ) الْمُتَنَجِّسُ ( بِحَرَكَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ يَنْجَرُّ بِهِ ) وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَاسَةٍ .
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا مُصَلٍّ عَلَيْهَا ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَرْضٍ نَجِسَةٍ ، فَإِنْ كَانَ النَّجَسُ مُتَعَلِّقًا بِالْمُصَلِّي بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى ، كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَاسَةٍ ، أَوْ حَيَوَانٌ نَجِسٌ أَوْ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا نَجَاسَةٌ بِحَيْثُ تَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِلنَّجَاسَةِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَامِلَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ كَبِيرَةً ، أَوْ الْحَيَوَانُ كَبِيرًا ، لَا يَقْدِرُ عَلَى جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى عَلَيْهِ صَحَّتْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّبِعٍ لَهَا .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : أَنَّ مَا لَا يَنْجَرُّ تَصِحُّ لَوْ انْجَرَّ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ حَبْلٌ طَرَفُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ .
فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُوَفَّقِ : الصِّحَّةُ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : لَا تَصِحُّ ( أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ ) نَجَاسَةٌ ( فَزَالَتْ ) سَرِيعًا ( أَوْ
أَزَالَهَا سَرِيعًا ) فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ .
لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ .
فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ ، قَالَ : مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ قَالُوا : رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَك فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا ، قَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهَا قَذَرًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلِأَنَّ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ زَمَنِهَا .
كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ و ( لَا ) تَصِحُّ صَلَاتُهُ ( إنْ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ ( عَنْهُ ) سَرِيعًا ، لِإِفْضَائِهِ إلَى اسْتِصْحَابِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ زَمَنًا طَوِيلًا .
أَوْ لِعَمَلٍ كَثِيرٍ .
إنْ أَخَذَ يُطَهِّرُهَا ( أَوْ نَسِيَهَا ) أَيْ النَّجَاسَةَ ( أَوْ جَهِلَ عَيْنَهَا ) بِأَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا ، ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ ( أَوْ ) جَهِلَ ( حُكْمَهَا ) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ ( أَوْ ) جَهِلَ ( أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلِمَ ) تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا ، لِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ وَلَا بِالْجَهْلِ ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَعَنْهُ : تَصِحُّ صَلَاتُهُ إذَا نَسِيَ ، أَوْ جَهِلَ النَّجَاسَةَ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ ( أَوْ حَمَلَ قَارُورَةً ) بَاطِنُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ( أَوْ ) حَمَلَ ( آجُرَّةً ) وَاحِدَةً الْآجُرُّ ، وَهُوَ الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ ( بَاطِنُهَا نَجِسٌ أَوْ ) حَمَلَ ( بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ ، أَوْ ) حَمَلَ بَيْضَةً ( مَذِرَةً ، أَوْ ) ( عُنْقُودًا ) مِنْ عِنَبٍ ( حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا ) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً فِي غَيْرِ مَعِدَتِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ حَمَلَهَا فِي كَمِّهْ .
( وَإِنْ طَيَّنَ ) أَرْضًا ( نَجِسَةً ) وَصَلَّى عَلَيْهَا ( أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ
طَاهِرًا صَفِيقًا أَوْ رَطْبَةٍ وَلَمْ تَنْفُذْ إلَى ظَاهِرِهِ ( أَوْ ) بَسَطَ ( عَلَى حَيَوَانٍ نَجِسٍ ) طَاهِرًا صَفِيقًا ( أَوْ ) بَسَطَ عَلَى ( حَرِيرٍ طَاهِرًا صَفِيقًا ) لَا خَفِيفًا أَوْ مُهَلْهَلًا ( أَوْ غَسَلَ وَجْهَ آجُرٍّ وَصَلَّى عَلَيْهِ ، أَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ بَاطِنُهُ فَقَطْ نَجِسٌ ) وَظَاهِرُهُ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ ( أَوْ ) صَلَّى عَلَى ( عُلْوٍ سُفْلُهُ غَصْبٌ ، أَوْ ) صَلَّى عَلَى ( سَرِيرٍ تَحْتَهُ نَجِسٌ كُرِهَتْ ) صَلَاتُهُ ، لِاعْتِمَادِهِ عَلَى مَا لَا تَصِحُّ عَلَيْهِ ( وَصَحَّتْ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَا مُبَاشِرًا لِمَا لَا تَصِحُّ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ خِيطَ جُرْحٌ أَوْ جُبِرَ عَظْمٌ ) مِنْ آدَمِيٍّ ( ب ) خَيْطٍ ( نَجِسٍ أَوْ عَظْمٍ نَجِسٍ فَصَحَّ ) الْجُرْحُ أَوْ الْعَظْمُ ( لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ ) أَيْ النَّجِسِ مِنْهُمَا ( مَعَ ) خَوْفِ ( ضَرَرٍ ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ حُصُولِ مَرَضٍ ؛ لِأَنَّ حِرَاسَةَ النَّفْسِ وَأَطْرَافِهَا وَاجِبٌ وَأَهَمُّ مِنْ رِعَايَةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ مَاءٍ وَلَا سُتْرَةٍ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ ، وَإِذَا جَازَ تَرْكُ شَرْطٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ ، فَتَرْكُ شَرْطٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِحِفْظِ بَدَنِهِ أَوْلَى ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لَزِمَهُ ( وَ ) حَيْثُ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ ( لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ ) أَيْ الْخَيْطِ أَوْ الْعَظْمِ النَّجِسِ ( إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ ) لِإِمْكَانِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فِي جَمِيعِ مَحَلِّهَا ، فَإِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ تَيَمَّمَ لَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ غَسْلِهِ ( وَمَتَى وَجَبَتْ ) إزَالَتُهُ ( فَمَاتَ ) قَبْلَ إزَالَتِهِ ( أُزِيلَ ) وُجُوبًا لِقِيَامِ مَنْ يَلِيه مَقَامَهُ ( إلَّا مَعَ الْمُثْلَةِ ) بِإِزَالَتِهِ فَتَسْقُطُ لِلضَّرَرِ بِهَا ، كَالْحَيِّ ( وَلَا يَلْزَمُ شَارِبَ خَمْرٍ قَيْءٌ ) لِلْخَمْرِ ، لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَسْتَوِي فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ .
وَكَذَا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ تَحْصُلُ بِالْجَوْفِ ( وَإِنْ أُعِيدَتْ سِنُّ ) آدَمِيٍّ قُلِعَتْ ( أَوْ ) أُعِيدَتْ ( أُذُنٌ ) مِنْهُ قُطِعَتْ ( أَوْ ) أُعِيدَ ( نَحْوُهُمَا ) مِنْ
أَعْضَائِهِ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا ( فَثَبَتَتْ ) أَوْ لَمْ تَثْبُتْ ( فَ ) هِيَ ( طَاهِرَةٌ ) لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ ، فَحُكْمُهُمَا حُكْمُهُ .
وَتَقَدَّمَ : مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ كَمَيْتَتِهِ .
فَصْلٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا مُطْلَقًا وَمَا يَصِحّ فِيهِ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( وَلَا تَصِحُّ تَعَبُّدًا صَلَاةُ ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ ( فِي مَقْبَرَةٍ ) قَدِيمَةٍ أَوْ حَدِيثَةٍ تَقَلَّبَتْ أَوْ لَا ، وَهِيَ مَدْفَنُ الْمَوْتَى .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ( وَلَا يَضُرُّ ) صِحَّةَ الصَّلَاةِ ( قَبْرَانِ وَلَا مَا دُفِنَ بِدَارِهِ ) وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ قُبُورٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَقْبَرَةً ، بَلْ هِيَ ثَلَاثَةُ قُبُورٍ فَأَكْثَرُ ، نَقَلَهُ فِي الِاخْتِبَارَاتِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ، وَبُنِيَ لَفْظُهَا مِنْ الْقَبْرِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَثُرَ بِمَكَانٍ جَازَ أَنْ يُبْنَى لَهُ اسْمٌ مِنْ اسْمِهِ كَمَسْبَعَةٍ وَمَضْبَعَةٍ لِمَا كَثُرَ فِيهِ مِنْ السِّبَاعِ وَالضِّبَاعِ ، وَأَمَّا الْخَشْخَاشَةُ وَتُسَمَّى الْفَسْقِيَّةَ فِيهَا أَمْوَاتٌ كَثِيرُونَ ، فَهِيَ قَبْرٌ وَاحِدٌ ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ بَحْثًا .
( وَ ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ ( فِي حَمَّامٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَ ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا ( فِيمَا يَتْبَعُهُ فِي بَيْعٍ ) لِتَنَاوُلِ اسْمِهِ لَهُ .
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَانِ الْغُسْلِ وَالْمَسْلَخِ وَالْأَتُونِ وَكُلِّ مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُهُ ( وَ ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ فِي ( حَشٍّ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضْمِهَا فَيُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ بَابِهِ ، وَلَوْ غَيْرَ مَوْضِعِ الْكَنِيفِ ، وَلَوْ مَعَ طَهَارَتِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ الْكَلَامِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ ، كَانَ مَنْعُ الصَّلَاةِ أَوْلَى ، وَهُوَ لُغَةً الْبُسْتَانُ ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ : لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبُسْتَانِ ، وَهِيَ الْحُشُوشُ : فَسُمِّيَتْ الْأَخْلِيَةُ فِي الْحَضَرِ حُشُوشًا
بِذَلِكَ .
( وَ ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ فِي ( أَعْطَانِ إبِلٍ ) جَمْعُ عَطَنٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَهِيَ الْمَعَاطِنُ جَمْعُ مَعْطِنٍ بِكَسْرِهَا لِحَدِيثِ { صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ : لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيث أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ " وَهِيَ " أَيْ الْأَعْطَانُ ( مَا تُقِيمُ فِيهَا ) الْإِبِلُ ( وَتَأْوِي إلَيْهَا ) طَاهِرَةً كَانَتْ أَوْ نَجِسَةً ، فِيهَا إبِلٌ حَالَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا لِعُمُومِ الْخَبَرِ .
وَأَمَّا مَا تَبِيتُ فِيهِ الْإِبِلُ فِي مَسِيرهَا أَوْ تَنَاخُ فِيهِ لِعَلَفِهَا أَوْ سَقْيِهَا ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَطَنٍ .
( وَ ) لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ أَيْضًا ( فِي مَجْزَرَةٍ ) مَكَانَ الذَّبْحِ ( وَ ) لَا فِي ( مَزْبَلَةٍ ) مَلْقَى الزُّبَالَةِ .
( وَ ) لَا فِي ( قَارِعَةِ الطَّرِيقِ ) أَيْ مَحَلِّ قَرْعِ الْأَقْدَامِ مِنْ الطَّرِيقِ .
وَهِيَ الْمَحَجَّةُ ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سَالِكٌ أَوْ لَا .
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ : ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ ، وَالْمَقْبَرَةُ ، وَالْمَزْبَلَةُ ، وَالْمَجْزَرَةُ ، وَالْحَمَّامُ ، وَمَعْطِنُ الْإِبِلِ ، وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ .
وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا .
وَتَصِحُّ فِي طَرِيقِ أَبْيَاتٍ قَلِيلَةٍ ( وَ ) لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ تَعَبُّدًا أَيْضًا عَلَى ( أَسْطِحَتِهَا ) أَيْ أَسْطِحَةِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ لِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنْ اللُّبْثِ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ ، وَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا بِدُخُولِ سَطْحِهَا ( وَ ) لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا قَصْدًا فِي ( سَطْحِ نَهْرٍ ) وَكَذَا سَابَاطٌ وَجِسْرُهَا عَلَيْهِ .
قَالَ السَّامِرِيُّ : لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى
عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ كَالطَّرِيقِ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِالصِّحَّةِ ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ : صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَدْبَغَةِ ( سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ ) فَتَصِحُّ لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَبْرِ فَيَكُونُ مُخَصَّصًا لِلنَّهْيِ السَّابِقِ ( وَسِوَى جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ ( بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ ) بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ الْمُصَلَّى وَاضْطُرُّوا لِلصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ لِلْحَاجَةِ ( وَ ) سِوَى جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا بِمَوْضِعِ ( غَصْبٍ ) أَيْ مَغْصُوبٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا الْإِمَامُ فِي الْغَصْبِ وَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ فَاتَتْهُمْ ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْخَوَارِجِ وَالْمُبْتَدِعَةِ فِي الطَّرِيقِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا .
وَكَذَلِكَ الْأَعْيَادُ وَالْجِنَازَةُ ( وَ ) سِوَى الصَّلَاةِ ( عَلَى رَاحِلَةٍ بِطَرِيقٍ ) عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ مُوَضَّحًا ( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْأَمَاكِنِ الْمُتَقَدِّمَةِ ( لِعُذْرٍ ) كَمَا لَوْ حُبِسَ فِيهَا ، بِخِلَافِ خَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ( وَتُكْرَهُ ) الصَّلَاةُ ( إلَيْهَا ) لِحَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا { لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا إلَيْهَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْمَوَاضِعِ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ .
فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ( بِلَا حَائِلٍ ) فَإِنْ كَانَ حَائِلٌ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( كَمُؤَخَّرَةِ رَحْلٍ ) كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي ، فَلَا يَكْفِي الْخَطُّ ، وَيَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُمْ : لَا يَضُرُّ بَعْدَ كَثِيرٍ عُرْفًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي .
و ( لَا ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ ( فِيمَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ الْمُسَافِرِ يَمْنَةً وَيَسَرَةً ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَجَّةٍ ( وَلَوْ
غُيِّرَتْ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ، مَوَاضِعُ النَّهْيِ ( بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا ) كَجَعْلِ حَمَّامٍ دَارًا ( أَوْ مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ صَحَّتْ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ .
وَكَذَا لَوْ نُبِشَتْ قُبُورٌ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ وَحُوِّلَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى ، وَجُعِلَتْ مَسْجِدًا لِقِصَّةِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ( وَكَمَقْبَرَةٍ ) فِي الصَّلَاةِ فِيهَا ( مَسْجِدٌ حَدَثَ بِهَا ) أَيْ الْمَقْبَرَةِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ ، سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ لِعُذْرٍ .
قَالَ الْآمِدِيُّ : لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيث انْتَهَى .
وَإِنْ حَدَثَتْ الْقُبُورُ بَعْدَهُ ، حَوْلَهُ أَوْ فِي قِبْلَتِهِ ، كُرِهَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهَا بِلَا حَائِلٍ ، وَفِي الْهَدْيِ : لَوْ وُضِعَ الْقَبْرُ وَالْمَسْجِدُ مَعًا .
لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ ا هـ .
وَلَوْ حَدَثَ طَرِيقٌ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ صَحَّتْ فِيهِ ( وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ ) الصَّلَاةِ ( فِي الْكَعْبَةِ وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وَالشَّطْرُ : الْجِهَةُ وَالْمُصَلِّي فِيهَا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لِجِهَتِهَا ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَدْبِرُ مِنْ الْكَعْبَةِ مَا لَوْ اسْتَقْبَلَهُ مِنْهَا خَارِجَهَا صَحَّتْ ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَدَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا ، لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى وَالْجِدَارُ لَا أَثَرَ لَهُ إذْ الْمَقْصُود الْبُقْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي إلَيْهَا حَيْثُ لَا جِدَارَ ( إلَّا إذَا وَقَفَ ) الْمُصَلِّي ( عَلَى مُنْتَهَاهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ ) مِنْهَا ( أَوْ ) وَقَفَ ( خَارِجَهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ ( وَسَجَدَ فِيهَا ) فَيَصِحُّ فَرْضُهُ ، لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرُ مُسْتَدْبِرٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا ، كَمَا لَوْ صَلَّى إلَى أَحَدِ أَرْكَانِهَا ( وَتَصِحُّ نَافِلَةٌ ) فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا .
( وَ ) تَصِحُّ ( مَنْذُورَةٌ فِيهَا وَعَلَيْهَا ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ
بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْت أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ ، فَلَقِيت بِلَالًا ، فَسَأَلْته : هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ ؟ قَالَ : رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ ، عَنْ يَسَارِك إذَا دَخَلْت ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ ، وَلَا يُعَارِضُهُ رِوَايَتُهُمَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ ، وَلَا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ } ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ كَانَ مَرَّتَيْنِ ، فَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأَوْلَى وَصَلَّى فِي الثَّانِيَةِ ، كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ .
وَأُلْحِقَ النَّذْرُ بِالنَّفْلِ ، وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ : النَّذْرُ الْمُطْلَقُ يُحْذَى بِهِ حَذْوَ الْفَرَائِضِ ( مَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى مُنْتَهَاهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا فِيهِ ( وَيُسَنُّ نَفْلُهُ ) أَيْ تَنَفُّلُهُ بِالصَّلَاةِ ( فِيهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) يُسَنُّ أَيْضًا نَفْلُهُ ( فِي الْحِجْرِ ، وَهُوَ مِنْهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ نَصًّا .
لِخَبَرِ عَائِشَةَ ( وَقَدْرُهُ ) أَيْ الْحِجْرِ الدَّاخِلِ فِي حُدُودِ الْبَيْتِ ( سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ ) فَلَا يَصِحُّ اسْتِقْبَالُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ، لَكِنْ يَطُوفُ مِنْ وَرَائِهِ جَمِيعِهِ احْتِيَاطًا ( وَيَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ ) أَيْ الْحِجْرِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ مِنْ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَعْبَةِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ( وَالْفَرْضُ فِيهِ ) أَيْ الْحِجْرِ ( كَدَاخِلِهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ ، لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهُ وَلَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ .
أَوْ وَقَفَ خَارِجَهُ وَسَجَدَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَعْبَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ (
وَتُكْرَهُ ) الصَّلَاةُ ( بِأَرْضِ الْخَيْفِ ) لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَا كُلُّ بُقْعَةٍ نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ ، كَأَرْضِ بَابِلَ وَالْحِجْرِ وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ ، وَتُكْرَهُ أَيْضًا فِي مَقْصُورَةٍ تُحْمَى نَصًّا .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَصُّ بِالظَّلَمَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْت فِي الرَّحَى بِشَيْءٍ ، وَتَصِحُّ فِي أَرْضِ السِّبَاخِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَلَا تُكْرَهُ ( بِبَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ ) وَلَوْ مَعَ صُوَرٍ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ ، لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ ، وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ .
وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ مَزْرُوعَةً ، أَوْ عَلَى مُصَلَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، بِلَا غَصْبٍ وَلَا ضَرَرٍ .
بَابٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } قَالَ عَلِيٌّ : شَطْرُهُ قِبَلُهُ .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ } وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي أَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَصْلُ الْقِبْلَةِ لُغَةً : الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءَ غَيْرُهُ عَلَيْهَا ، كَالْجِلْسَةِ ثُمَّ صَارَتْ كَالْعَلَمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا الْمُصَلِّي لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا ، { وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ نَحْوَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا } اُخْتُلِفَ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضَهُ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ( مَعَ الْقُدْرَةِ ) عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ كَالْمَرْبُوطِ وَالْمَصْلُوبِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَالْعَاجِزِ عَنْ الِالْتِفَاتِ لِلْقِبْلَةِ ، لِمَرَضٍ أَوْ مَنْعِ مُشْرِكٍ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْتِحَامِ حَرْبٍ ، أَوْ هَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ ، أَوْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ سَقَطَ الِاسْتِقْبَالُ وَصَلَّى عَلَى حَالِهِ لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ( إلَّا فِي نَفْلِ مُسَافِرٍ وَلَوْ ) كَانَ ( مَاشِيًا ) فَيُصَلِّي لِجِهَةِ سَيْرِهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِلْخَبَرِ فِي الرَّاكِبِ وَيَأْتِي .
وَأُلْحِقَ بِهِ الْمَاشِي ، لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي خُسُوفِ الِانْقِطَاعِ عَنْ الْقَافِلَةِ فِي السَّفَرِ ( سَفَرًا مُبَاحًا ) أَيْ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَلَا مُحَرَّمٍ .
لِأَنَّ نَفْلَهُ كَذَلِكَ رُخْصَةٌ ، وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي ( وَلَوْ ) كَانَ السَّفَرُ ( قَصِيرًا ) نَصَّ عَلَيْهِ ، فِيمَا دُونَ فَرْسَخٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } قَالَ ابْنُ عُمَرَ " نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً " وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ
وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِلْبُخَارِيِّ " إلَّا الْفَرَائِضَ " وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ فِي التَّطَوُّعِ ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْلِيلِهِ أَوْ قَطْعِهِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ .
و ( لَا ) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ فِي نَفْلِ رَاكِبٍ ( تَعَاسِيفَ ) وَهُوَ رُكُوبُ الْفَلَاةِ وَقَطْعِهَا عَلَى غَيْرِ صَوْبٍ ، كَمَا لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ ( لَكِنْ إنْ لَمْ يُعْذَرْ مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ ) إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ ، بِأَنْ عَلِمَ بِعُدُولِهَا وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهَا وَلَمْ يَفْعَل بَطَلَتْ .
( أَوْ عَدَلَ هُوَ إلَى غَيْرِهَا ) أَيْ لِقِبْلَةٍ ( عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ ) بِعُدُولِهِ بَطَلَتْ ، لِأَنَّهُ تَرَكَ قِبْلَتَهُ عَمْدًا ، وَسَوَاءٌ طَالَ عُدُولُهُ أَوْ لَا ( أَوْ عُذِرَ ) مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ ، لِعَجْزِهِ عَنْهَا لِجِمَاحِهَا أَوْ نَحْوِهِ ، أَوْ عُذِرَ مَنْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهَا لِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ جَهْلٍ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا جِهَةُ سَيْرِهِ ( وَطَالَ ) عُدُولُ دَابَّتِهِ أَوْ عُدُولُهُ عُرْفًا ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِير مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ ، فَيُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ .
فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ وَلَمْ يَطُلْ لَمْ تَبْطُلْ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ ، وَإِنْ كَانَ عُذْرُهُ لِسَهْوٍ سَجَدَ لَهُ وَيُعَايَا بِهَا ، فَيُقَالُ : شَخْصٌ سَجَدَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ إمَامًا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْعُدُولُ إلَى الْقِبْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَإِذَا دَاسَ نَجَاسَةً عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، لَا إنْ دَاسَهَا مَرْكُوبُهُ ( وَإِنْ وَقَفَ ) الْمُسَافِرُ الْمُتَنَفِّلُ لِجِهَةِ سَيْرِهِ ( لِتَعَبِ دَابَّتِهِ ، أَوْ ) وَقَفَ ( مُنْتَظِرًا رُفْقَةً ، أَوْ ) وَقَفَ لِكَوْنِهِ ( لَمْ يَسِرْ لِسَيْرِهِمْ ) أَيْ الرُّفْقَةِ ( أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ ، أَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( اسْتَقْبَلَ ) الْقِبْلَةَ ( وَيُتِمُّهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ كَالْخَائِفِ يَأْمَنُ فِي أَثَنَاء الصَّلَاةِ ( وَيَصِحُّ )
أَيْ يَنْعَقِدُ ( نَذْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا ) أَيْ الرَّاحِلَةِ ، بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا عَلَى رَاحِلَتِهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ ( وَإِنْ رَكِبَ مَاشٍ ) مُتَنَفِّلٌ ( فِي نَفْلٍ أَتَمَّهُ ) رَاكِبًا ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ مُخْتَلَفٍ فِي التَّنَفُّلِ فِيهَا إلَى حَالَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيهَا ، مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا حَالَةَ سَيْرٍ ( وَتَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِرُكُوبِ غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَاشِي ، فَلَوْ تَنَفَّلَ النَّازِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ ، وَرَكِبَ فِي أَثَنَاءِ نَفْلِهِ .
بَطَلَ ، سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ حَالَةُ إقَامَةٍ ، فَرُكُوبُهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ ( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى ) مُسَافِرٍ ( مَاشٍ ) يَتَنَفَّلُ ( إحْرَامٌ إلَى الْقِبْلَةِ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ إلَيْهَا ) بِالْأَرْضِ ، لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَيَفْعَلُ مَا سِوَاهُ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ .
وَصَحَّحَ الْمَجْدُ : يُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ كَرَاكِبٍ ( وَيَسْتَقْبِلُ ) الْقِبْلَةَ مُتَنَفِّلٌ ( رَاكِبٌ ) فِي كُلِّ صَلَاتِهِ ( وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ) وُجُوبًا ( إنْ أَمْكَنَ ) ذَلِكَ ( بِلَا مَشَقَّةٍ ) كَرَاكِبِ الْمِحَفَّةِ الْوَاسِعَةِ وَالسَّفِينَةِ وَالرَّاحِلَةِ الْوَاقِفَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ فِي عَدَمِ الْمَشَقَّةِ .
فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدُورَ فِي السَّفِينَةِ وَالْمِحَفَّةِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْفَرْضِ لَزِمَهُ نَصًّا ، غَيْرَ مَلَّاحٍ لِحَاجَتِهِ .
وَإِنْ أَمْكَنَهُ الِافْتِتَاحُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، أَتَى بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَأَوْمَأَ بِهِمَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَافَرَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ ، فَكَبَّرَ ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ ، كَرَاكِبِ بَعِيرٍ مَقْطُورٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِدَارَةُ بِنَفْسِهِ ، أَوْ رَاكِبِ حَرُونٍ تَصْعُبُ عَلَيْهِ إدَارَتُهُ ، وَلَا يُمْكِنُهُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ ( فَ )
يُحْرِمُ ( إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ وَيُومِئُ ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ .
( وَيَلْزَمُ قَادِرًا ) عَلَى الْإِيمَاءِ ( جَعْلُ سُجُودِهِ أَخْفَضَ ) مِنْ رُكُوعِهِ .
لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : { بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَجِئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( و ) تَلْزَمُهُ ( الطُّمَأْنِينَةُ ) لِأَنَّهَا رُكْنٌ قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَلَزِمَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ بِالْأَرْضِ .
وَتَجُوزُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ مِنْ وِتْرٍ وَغَيْرِهِ لِلْمُسَافِرِ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِهَا .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ { رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَا تَحْتَ الرَّاكِبِ مِنْ نَحْوِ بَرْذَعَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ نَجِسَ الْعَيْنِ وَلَا كَرَاهَةَ هُنَا لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَجْدُ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارِهِ : النَّفَلَ } وَرَاكِبُ الْقُمَارِيَّةِ يَدُورُ فِيهَا إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْفَرْضِ ، كَرَاكِبِ السَّفِينَةِ .
فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ اسْتِقْبَالُهُ وَأَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ( وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنْهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ : وَهُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ إصَابَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ بِبَدَنِهِ ، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْهَا ، فَإِنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ ، فَظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِنَظَرِهِ أَوْ عِلْمِهِ ، أَوْ خَبَرِ عَالِمٍ بِهِ ، فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَ بِهَا كَثِيرًا يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ ، وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ حَادِثٍ كَالْأَبْنِيَةِ ( أَوْ ) أَيْ وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ ( مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إصَابَةُ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ ) لِأَنَّ قِبْلَتَهُ مُتَيَقَّنَةُ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ .
وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَقَالَ : هَذِهِ الْقِبْلَةُ } قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَةٌ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ ، لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلَ مِنْهَا .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ : صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ ، وَقَدْ فَعَلَهُ ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيث الْمَذْكُورِ انْتَهَى .
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ : فَرْضُهُ : اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ ، أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ الِانْحِرَافُ عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً ، كَمَنْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ بِالنَّصِّ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ : قَالَ النَّاظِمُ : وَفِي مَعْنَاهُ أَيْ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْضِعٍ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ إذَا ضُبِطَتْ
جِهَتُهُ ( وَلَا يَضُرُّ عُلُوٌّ ) عَنْ الْكَعْبَةِ ، كَالْمُصَلِّي عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ .
( وَ ) لَا يَضُرُّ ( نُزُولٌ ) عَنْهَا ، كَمَنْ فِي حُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ ، فَنَزَلَ بِهَا عَنْ مُسَامَتَتِهَا ، لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا أَثَرَ لَهُ ، وَالْمَقْصُود الْبُقْعَةُ وَهَوَاؤُهَا .
وَلِذَلِكَ يُصَلِّي إلَيْهَا حَيْثُ لَا جِدَارَ ( إلَّا إنْ تَعَذَّرَ ) عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا ( بِحَائِلٍ أَصْلِيٍّ كَجَبَلٍ ) كَالْمُصَلِّي خَلْفَ أَبِي قُبَيْسٍ ( فَ ) إنَّهُ ( يَجْتَهِدُ إلَى عَيْنِهَا ) لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } .
وَالْأَعْمَى أَوْ الْغَرِيبُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِنَحْوِ دَارٍ بِمَكَّةَ : فَرْضُهُ الْخَبَرُ عَنْ يَقِينٍ .
وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ ، كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ ( وَ ) فَرْضُ ( مَنْ بَعُدَ ) عَنْ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و ( هُوَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ ) كَذَلِكَ و ( لَا ) يَقْدِرُ ( عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ ) بِالْيَقِينِ ( عَنْ عِلْمِ إصَابَةِ الْجِهَةِ ) أَيْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ ( بِالِاجْتِهَادِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ لَا يُقَالُ : مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ ، لَا مَعَ عَدَمِهِ ( وَيُعْفَى عَنْ انْحِرَافٍ يَسِيرٍ ) يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، لِلْخَبَرِ ، وَإِصَابَةُ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ مُتَعَذِّرَةٌ .
فَسَقَطَتْ وَأُقِيمَتْ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ ( فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ ) أَيْ مَعْرِفَةُ فَرْضِهِ ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِهَةٍ ( بِخَبَرِ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ ظَاهِرًا و بَاطِنًا ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ( عَنْ يَقِينٍ ) وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِالْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ ، أَوْ نَجْمٍ ، فَأَخَذَ الْقِبْلَةَ مِنْهُ لَزِمَهُ
الْعَمَلُ بِهِ وَلَمْ يَجْتَهِدْ كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِخَبَرِ صَغِيرٍ ، وَلَا فَاسِقٍ وَلَا عَدْلٍ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى قِبْلَتِهِ ؛ أَيْ الْفَاسِقِ فِي بَيْتِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : قُلْت : إنْ كَانَ هُوَ عَمِلَهَا فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ بِهَا وَإِنْ شَكَّ فِي حَالِهِ قُبِلَ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ .
لَا إنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ( أَوْ ) أَمْكَنَهُ ( الِاسْتِدْلَال ) عَلَى الْقِبْلَةِ ( بِمَحَارِيبَ عُلِمَ أَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ ) عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا ( لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ ) لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْصَارِ إجْمَاعٌ عَلَيْهَا .
وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ وَلَمْ يَعْلَمْهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ بِقَرْيَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَحَارِيبَ يَعْمَلُ بِهَا لَزِمَهُ السُّؤَالُ .
( وَمَتَى اشْتَبَهَتْ ) الْقِبْلَةُ ( سَفَرًا ) وَحَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ( اُجْتُهِدَ فِي طَلَبِهَا ) وُجُوبًا ( بِالدَّلَائِلِ ) جَمْعِ دَلِيلٍ بِمَعْنَى دَالٍّ ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ ، كَالْحَاكِمِ فِي الْحَادِثَةِ ( وَيُسْتَحَبُّ تَعَلُّمُهَا ) أَيْ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ( مَعَ أَدِلَّةِ الْوَقْتِ ) وَلَمْ يَجِبْ لِنُدْرَتِهِ ( فَإِنْ دَخَلَ ) الْوَقْتُ ( وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ ) أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ ( لَزِمَهُ ) تَعَلُّمُهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ مَعَ قِصَرِ زَمَنِهِ ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهُ لَمْ تَصِحَّ ، ذَكَرَهُ فِي الشَّارِحِ ( وَيُقَلِّدُ لِضَيْقِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ عَنْ تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ .
وَلَا يُعِيدُ : لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلضَّرُورَةِ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ ، وَالدَّلِيلُ هُنَا : أُمُورٌ ، أَصَحُّهَا النُّجُومُ ، قَالَ تَعَالَى : { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا } وَقَالَ عُمَرُ " تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ " وَقَالَ
الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَحْمَدَ : مَا تَرَى فِي تَعَلُّمِ هَذِهِ النُّجُومِ ، الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَمْ مَضَى مِنْ النَّهَارِ ، وَكَمْ يَبْقَى ؟ فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ تَعَلُّمَهَا ( وَأَثْبَتُهَا الْقُطْبُ ) بِتَثْلِيثِ الْقَافِ ، حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ وَيُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ ، وَيَلِيه الْجَدْيُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقُطْبُ ( نَجْمٌ ) خَفِيٌّ شَمَالِيٌّ يَرَاهُ حَدِيدُ الْبَصَرِ إذَا لَمْ يَقْوَ نُورُ الْقَمَرِ وَحَوْلَهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كَفَرَاشَةِ الرَّحَا فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا الْفَرْقَدَانِ ، وَفِي الْأُخْرَى الْجَدْيُ ، وَحَوْلَهَا بَنَاتُ نَعْشٍ مِمَّا يَلِي الْفَرْقَدَيْنِ ، تَدُورُ حَوْلَهَا ( يَكُونُ ) الْقُطْبُ ( وَرَاءَ ظَهْرِ الْمُصَلِّي بِالشَّامِ وَمَا حَاذَاهَا ) كَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَسَائِرِ الْجَزِيرَةِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ إلَّا تَفَاوُتًا يَسِيرًا مَعْفُوًّا عَنْهُ ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ ( وَ ) يَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي ( خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى بِالْمَشْرِقِ ) ، وَيَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي ( عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ بِمِصْرَ وَمَا وَالَاهَا ) مِنْ الْبِلَاد ( وَ ) مِنْ دَلِيلِ الْقِبْلَةِ ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَمَنَازِلُهُمَا وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا ) أَيْ بِمَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ( وَمَا يُقَارِبُهَا ، كُلُّهَا تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَتَغْرُبُ بِالْمَغْرِبِ ) وَالْمَنَازِلُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَامِيَّةً تَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً عَنْهُ إلَى الشِّمَالِ أَوَّلُهَا السَّرَطَانُ ، وَآخِرُهَا السِّمَاكُ .
وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَمَانِيَّةٌ ، تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً إلَى الْيَمِينِ ، وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ رَقِيبٌ مِنْ الْيَمَانِيَّةِ ، إذَا طَلَعَ أَحَدُهُمَا غَابَ رَقِيبُهُ .
فَأَوَّلُ الْيَمَانِيَّةِ وَآخِرُ الشَّامِيَّةِ يَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ ، وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ نُجُومٌ تُقَارِبُهُ وَتَسِيرُ بِسَيْرِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ، يَكْثُرُ عَدَدُهَا ، فَحُكْمُهَا حُكْمُهُ ، يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَيْهِ .
وَعَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ .
( وَ ) مِنْ
دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ ( الرِّيَاحُ ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : الِاسْتِدْلَال بِهَا ضَعِيفٌ ( وَأُمَّهَاتُهَا ) أَيْ الرِّيَاحِ ( أَرْبَعٌ ) أَحَدهَا ( الْجَنُوبُ ، وَمَهَبُّهَا : قِبْلَةُ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ ) وَهُوَ نَجْمٌ كَبِيرٌ مُضِيءٌ يَطْلُعُ مِنْ مَهَبِّ الْجَنُوبِ ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَصِيرَ فِي قِبْلَةِ الْمُصَلِّي ، وَيَتَجَاوَزَهَا حَتَّى يَغْرُبَ بِقُرْبِ مَهَبِّ الدَّبُورِ ( إلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ .
و ) مَهَبُّهَا ( بِالْعِرَاقِ إلَى بَطْنِ كَتِفِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ ، و ) الثَّانِيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ ( الشَّمَالُ : مُقَابِلَتُهَا ) أَيْ الْجَنُوبِ ، تَهُبُّ إلَى مَهَبّه ( وَمَهَبُّهَا ) أَيْ الشَّمَالِ ( مِنْ الْقُطْبِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ ، وَ ) الثَّالِثَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ ( الصَّبَا ، وَتُسَمَّى الْقَبُولَ ) لِأَنَّهَا تُقَابِلُ بَابَ الْكَعْبَةِ .
وَمَهَبُّهَا ( مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي بِالشَّامِ .
لِأَنَّهُ ) أَيْ مَهَبُّهَا ( مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ صَيْفًا إلَى مَطْلَعِ الْعَيُّوقِ ) نَجْمٌ أَحَمَرُ مُضِيءٌ فِي طَرَفِ الْمَجَرَّةِ الْأَيْمَنِ ، يَتْلُو الثُّرَيَّا لَا يَتَقَدَّمُهَا ( وَ ) مَهَبُّهَا ( بِالْعِرَاقِ إلَى خَلْفِ أُذُنِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى ، مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ ، وَ ) الرَّابِعَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ ( الدَّبُورُ مُقَابِلَتُهَا ) أَيْ الصَّبَا سُمِّيَتْ دَبُورًا ؛ لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنْ دُبُرِ الْكَعْبَةِ ( لِأَنَّهَا تَهُبُّ ) بِالشَّامِ ( بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَغْرِبِ وَ ) تَهُبُّ ( بِالْعِرَاقِ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنِ ) وَبَيْنَ كُلِّ رِيحَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ : رِيحٌ تُسَمَّى النَّكْبَاءَ .
لِتَنَكُّبِهَا طَرِيقَ الرِّيَاحِ الْمَعْرُوفَةِ ، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ : صِفَاتٌ وَخَوَّاصٌ تُمَيِّزُهَا عِنْدَ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِهَا ، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ بِهَا مَنْ عَرَفَهَا فِي الصَّحَارِي وَالْقِفَارِ لَا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالدُّورِ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَبِطُ ، وَلَا يَنْتَظِمُ دَوَرَانُهَا عَلَى مَهَبِّهَا الْأَصْلِيِّ ( وَلَا يَتْبَعُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا
خَالَفَهُ ) بِأَنْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهَا جِهَةٌ غَيْرُ الَّتِي ظَهَرَتْ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الْآخَرِ .
فَأَشْبَهَا الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْحَادِثَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا وَالْمُجْتَهِدَ الْعَالِمَ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ جَهِلَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ .
( وَلَا يَقْتَدِي ) أَيْ لَا يَأْتَمُّ مُجْتَهِدٌ ( بِهِ ) ، أَيْ بِمُجْتَهِدٍ خَالَفَهُ جِهَةً ، كَمَا لَوْ خَرَجَ رِيحٌ مِنْ أَحَدِ اثْنَيْنِ ، وَاعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْآخَرِ ( إلَّا إنْ اتَّفَقَا ) فِي الْجِهَةِ .
وَلَوْ مَالَ أَحَدُهُمَا يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا لِلْعَفْوِ عَنْهُ ( فَإِنْ ) اجْتَهَدَ ، أَوْ اتَّفَقَتْ جِهَتُهُمَا وَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ثُمَّ ( بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ ) فِي اجْتِهَادِهِ ( انْحَرَفَ ) إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا ؛ لِأَنَّهَا تَرَجَّحَتْ فِي ظَنِّهِ ( وَأَتَمَّ ) صَلَاتَهُ ، وَلَا يَسْتَأْنِفُهَا ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ لَا يُبْطِلُ الثَّانِيَ ( وَيَتْبَعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ ) فَيَنْحَرِفُ إلَى مَا انْحَرَفَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ لِنَفْسِهِ .
وَإِنْ قَلَّدَ اثْنَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا ( وَيَنْوِي الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ، ثُمَّ بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ ( الْمُفَارَقَةَ ) لِإِمَامِهِ لِلْعُذْرِ ( وَيَتْبَعُ وُجُوبًا جَاهِلٌ ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَاجِزٌ عَنْ تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوج وَقْتٍ : الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ ، وَيَتْبَعُ وُجُوبًا و ( أَعْمَى ، الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إصَابَةٍ فِي نَظَرِهِ ( وَلَا مَشَقَّةَ ) عَلَيْهِ فِي مُتَابَعَتِهِ ، بِخِلَافِ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ الْأَعْلَمِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنْ فِيهِ حَرَجًا وَتَضْيِيقًا .
وَمَا زَالَ عَوَامُّ كُلِّ عَصْرٍ يُقَلِّدُ أَحَدُهُمْ مُجْتَهِدًا فِي مَسْأَلَةٍ ، وَآخَرَ فِي أُخْرَى .
وَهَلُمَّ جَرًّا إلَى مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِتَحَرِّي الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ فِي
نَظَرِهِمْ .
وَإِنْ أَمْكَنَ أَعْمَى اجْتِهَادٌ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ جَبَلٍ .
لَزِمَهُ وَلَمْ يُقَلِّدْ ( وَيُخَيَّرُ ) جَاهِلٌ وَأَعْمَى وَجَدَ مُجْتَهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ ( مَعَ تَسَاوٍ ) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَفْضَلِيَّةَ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ ( ك ) مَا يُخَيَّرُ ( عَامِّيٌّ فِي الْفُتْيَا ) لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ صَلَّى بَصِيرًا حَضَرًا فَأَخْطَأَ ، أَوْ ) صَلَّى ( أَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ ) مِنْ اسْتِخْبَارِ بَصِيرٍ ؛ أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِلَمْسِ مِحْرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْقِبْلَةِ ( أَعَادَا ) أَيْ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَلَوْ اجْتَهَدَ الْمُخْطِئُ وَلَوْ لَمْ يُخْطِئْ الْقِبْلَةَ ؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ، لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا ، وَلِوُجُودِ الْمُخْبِرِ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا .
فَهُوَ مُفَرِّطٌ ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ أَوْ الِاسْتِدْلَال ، وَقَدْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِمُجْتَهِدٍ جِهَةٌ ) فِي السَّفَرِ ، بِأَنْ تَعَادَلَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ رَمَدٌ وَنَحْوُهُ ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ .
وَلَا إعَادَةَ ، لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ؛ وَلِأَنَّ خَفَاءَ الْقِبْلَةِ فِي الْأَسْفَارِ لِوُجُودِ نَحْوِ غَيْمٍ يَكْثُرُ .
فَيَشُقُّ إيجَابُ الْإِعَادَةِ ( أَوْ لَمْ يَجِدْ أَعْمَى ) مَنْ يُقَلِّدُهُ ( أَوْ ) لَمْ يَجِدْ ( جَاهِلٌ ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ( مَنْ يُقَلِّدُهُ ، فَتَحَرَّيَا ) وَصَلَّيَا .
فَلَا إعَادَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَا أُمِرَا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ .
فَسَقَطَتْ عَنْهُمَا الْإِعَادَةُ ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ ( أَوْ
أَخْطَأَ مُجْتَهِدٌ قَلَّدَ ) جَاهِلٌ مُجْتَهِدًا ( فَأَخْطَأَ مُقَلَّدَهُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( سَفَرًا ) فَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ( فَلَا إعَادَةَ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَلَّدَهُ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَضَرًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ ( وَيَجِبُ ) عَلَى عَالِمٍ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ( تَحَرٍّ لِكُلِّ صَلَاةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ .
فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا ، كَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَكَالْحَادِثَةِ لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ ( فَإِنْ تَغَيَّرَ ) اجْتِهَادُهُ ( وَلَوْ فِيهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( عَمِلَ بِ ) الِاجْتِهَادِ ( الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ فِي ظَنِّهِ .
فَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لَهُ ، ( وَبَنَى ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ .
نَصًّا وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ ، بَلْ عَمِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا .
كَمَا قَالَ عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ " ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ .
وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي " ( وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ( فَقَطْ ) بِأَنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا .
فَتَعَذَّرَ إتْمَامُهَا ( وَمَنْ أُخْبِرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( فِيهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( بِالْخَطَأِ ) لِلْقِبْلَةِ ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ ( يَقِينًا ) وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ ( لَزِمَهُ قَبُولُهُ ) أَيْ الْخَبَرِ ، فَيَعْمَلُ بِهِ وَيَتْرُكُ الِاجْتِهَادَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَبْلَهُ
بَابُ النِّيَّةِ لُغَةً : الْقَصْدُ ، يُقَالُ : نَوَاك اللَّهُ بِخَيْرٍ ، أَيْ قَصْدَكَ بِهِ ، وَمَحَلُّهَا : الْقَلْبُ ، فَتُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ .
وَلَا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِهِ بِغَيْرِ قَصْدِهِ وَتَلَفُّظُهُ بِمَا نَوَاهُ تَأْكِيدٌ وَشَرْعًا ( الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ ) مِنْ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا ( يُزَادُ ) فِي حَدِّ النِّيَّةِ ( فِي عِبَادَةٍ : تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ) بِأَنْ لَا يُشْرِكَ فِي الْعِبَادَةِ بِاَللَّهِ غَيْرَهُ .
فَلَوْ أُلْجِئَ إلَيْهَا ( بِيَمِينٍ ) أَوْ غَيْرِهِ فَفَعَلَ ، وَلَمْ يَنْوِ قُرْبَةً لَمْ تَصِحَّ ( وَهِيَ ) أَيْ النِّيَّةُ ( شَرْطٌ ) لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وَالْإِخْلَاصُ : عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ مَحْضُ النِّيَّةِ وَلِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ ) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ ، فَلَا يَتَأَتَّى الْعَجْزُ عَنْهَا ( وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( قَصْدُ تَعْلِيمِهَا ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَغَيْرِهِ ( أَوْ ) قَصْدُ ( خَلَاصٍ مِنْ خَصْمٍ ، أَوْ إدْمَانِ سَهَرٍ ) بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ .
وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا يُنْقِصُ الْأَجْرَ .
وَمِثْلُهُ : قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الصَّوْمِ هَضْمَ الطَّعَامِ أَوْ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الْحَجِّ رُؤْيَةَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَنَحْوَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَا يَلْزَمُ ضَرُورَةً .
كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ النَّظَافَةِ مَعَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُمْتَرِجِ بِثَوْبٍ مِنْ الرِّيَاءِ وَحَظِّ النَّفْسِ : إنْ تَسَاوَى الْبَاعِثَانِ فَلَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ ، وَإِلَّا أُثِيبَ ، وَأَثِمَ بِقَدْرِهِ .
وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَوْبَ الرِّيَاءِ يُبْطِلُ ( وَالْأَفْضَلُ : أَنْ تُقَارِنَ ) النِّيَّةُ ( التَّكْبِيرَ ) لِلْإِحْرَامِ لِتُقَارِنَ الْعِبَادَةَ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ( فَإِنْ تَقَدَّمَتْهُ ) أَيْ التَّكْبِيرَ النِّيَّةُ
بِزَمَنٍ ( يَسِيرٍ ، لَا ) إنْ كَانَ التَّقَدُّمُ ( قَبْلَ ) دُخُولِ ( وَقْتِ أَدَاءِ ) مَكْتُوبَةٍ ( وَرَاتِبَةٍ وَلَمْ يَرْتَدَّ ) مَنْ قَدَّمَ النِّيَّةَ عَلَى التَّكْبِيرِ ( وَلَمْ يَفْسَخْهَا ) أَيْ النِّيَّةَ قَبْلَهُ ( صَحَّتْ ) الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ نِيَّةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَنْوِيًّا ، كَالصَّوْمِ وَكَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ ؛ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْمُقَارَنَةِ حَرَجًا وَمَشَقَّةً فَوَجَبَ سُقُوطُهُ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } فَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ الْوَقْتَ لَمْ تُعْتَبَرْ ، لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا .
وَهُوَ لَا يَتَقَدَّمُ الْوَقْتَ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ .
وَكَذَا إنْ ارْتَدَّ أَوْ فَسَخَهَا لِبُطْلَانِهَا بِذَلِكَ ( وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ ، بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا دُونَ ذِكْرِهَا ، فَلَوْ ذَهَلَ عَنْهَا أَوْ عَزَبَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَكَالصَّوْمِ .
وَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ ( فَتَبْطُلُ ) النِّيَّةُ وَالصَّلَاةُ ( بِفَسْخِ ) النِّيَّةِ ( فِي الصَّلَاةِ ) ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا وَقَدْ قَطَعَهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِمَحْظُورَاتِهِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلُ .
وَتَبْطُلُ أَيْضًا ( وَتَرَدُّدٍ فِيهِ ) أَيْ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ اسْتِدَامَتَهَا ، فَهُوَ كَقَطْعِهَا ( وَ ) تَبْطُلُ أَيْضًا ( وَعَزْمٍ عَلَيْهِ ) أَيْ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَزْمٌ جَازِمٌ .
وَمَعَ الْعَزْمِ عَلَى فَسْخِهَا لَا جَزْمَ فَلَا نِيَّةَ .
وَكَذَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ و ( لَا ) تَبْطُلُ بِعَزْمٍ ( عَلَى ) فِعْلِ ( مَحْظُورٍ ) فِي صَلَاتِهِ بِأَنْ عَزَمَ عَلَى كَلَامٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ، أَوْ فِعْلِ حَدَثٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْجَزْمَ الْمُتَقَدِّمَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ الْمَحْظُورَ وَقَدْ لَا يَفْعَل ، وَلَا مُنَاقِضَ فِي الْحَالِ
لِلنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَتَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مُنَاقِضٌ .
( وَ ) تَبْطُلُ النِّيَّةُ ( بِشَكِّهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( هَلْ نَوَى ) الصَّلَاةَ فَعَمِلَ مَعَهُ عَمَلًا ( أَوْ ) شَكِّهِ ( هَلْ عَيَّنَ ) ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا .
أَوْ عَيَّنَ مَغْرِبًا أَوْ عِشَاءً ( فَعَمِلَ مَعَهُ ) أَيْ الشَّكِّ ( عَمَلًا ) فِعْلِيًّا ، كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ رَفْعٍ ، أَوْ قَوْلِيًّا ، كَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ ( ثُمَّ ذَكَرَ ) أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَوْ عَيَّنَ ؛ لِأَنَّ مَا عَمِلَهُ خَلَا عَنْ نِيَّةٍ جَازِمَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَوَى أَوْ عَيَّنَ ، لَمْ تَبْطُلُ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتَأْنَفَ ( وَشُرِطَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( مَعَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ تَعْيِينُ مُعَيَّنَةٍ ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا فَيَنْوِي كَوْنَ الْمَكْتُوبَةِ ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا ، أَوْ كَوْنَ الصَّلَاةِ نَذْرًا ، إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ ، أَوْ تَرَاوِيحَ أَوْ وِتْرًا ، أَوْ رَاتِبَةً إنْ كَانَتْ ، لَتَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهَا ، فَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَنْوِي بِهَا مِمَّا عَلَيْهِ ، لَمْ تَصِحَّ ( وَلَا ) تُشْتَرَطُ نِيَّةُ ( قَضَاءٍ فِي فَائِتَةٍ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْآخَرِ يُقَالُ : قَضَيْتُ الدَّيْنَ وَأَدَّيْتُهُ ، وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ } أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ تَعْيِينُ يَوْمِهَا ، بَلْ يَكْفِيهِ كَوْنُهَا السَّابِقَةَ أَوْ الْحَاضِرَةَ ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَةٌ وَحَاضِرَةٌ وَصَلَّاهُمَا ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَرْطًا مِنْ أَحَدِهِمَا وَجَهِلَهَا لَزِمَهُ ظُهْرٌ وَاحِدَةٌ يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَتَانِ اعْتَبَرَ تَعْيِينَ السَّابِقَةِ لِلتَّرْتِيبِ ، بِخِلَافِ الْمَنْذُورَتَيْنِ ( وَ ) لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ ( أَدَاءً ) فِي صَلَاةٍ ( حَاضِرَةٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، .
( وَ ) لَا نِيَّةُ ( فَرْضِيَّةٍ فِي فَرْضٍ ) وَلَا إعَادَةٌ فِي مُعَادَةٍ وَنَحْوِهِ ، كَالَّتِي قَبْلَهَا ،
لَكِنْ لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ ظُهْرًا فَائِتَةً فَقَضَاهَا فِي وَقْتِ ظُهْرٍ حَاضِرَةٍ ، ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْحَاضِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا ، وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ فِي وَقْتِهَا وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ ، لَمْ تُجْزِ عَنْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ أَيْضًا تَعْيِينُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالظُّهْرَ أَرْبَعًا ، لَكِنْ إنْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا : ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا لَمْ تَصِحَّ .
وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ الِاسْتِقْبَالِ ، وَلَا إضَافَةُ الْفِعْلِ لِلَّهِ تَعَالَى ، بَلْ يُسْتَحَبُّ بِأَنْ يَقُولَ : أُصَلِّي لِلَّهِ ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ ( وَتَصِحُّ نِيَّةُ ) صَلَاةِ ( فَرْضٍ مِنْ قَاعِدٍ ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِصْحَابَ النِّيَّةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ كَافٍ .
وَكَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ حَامِلَ نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهِ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ أَوْ سَتَرَهَا أَوْ أَلْقَى النَّجَاسَةَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ ، اكْتِفَاءً بِاسْتِصْحَابِ النِّيَّةِ عِنْدَ الدُّخُولِ ( وَيَصِحُّ قَضَاءُ ) صَلَاةٍ ( بِنِيَّةِ أَدَاءً ) بِهَا إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ .
كَمَا لَوْ أَحْرَمَ ظَانًّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ يَصِحُّ أَدَاءً فَبَانَ طُلُوعُهَا .
صَحَّتْ قَضَاءً ( وَ ) يَصِحُّ ( عَكْسُهُ ) أَيْ أَدَاءٌ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ ( إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ ) بِأَنْ نَوَى عَصْرًا قَضَاءً ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ .
صَحَّتْ أَدَاءً كَالْأَسِيرِ إذَا تَحَرَّى وَصَامَ ، فَبَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا بَعْدَهُ ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْآخَرِ ، كَمَا تَقَدَّمَ وَ ( لَا ) يَصِحُّ ذَلِكَ ( إنْ عَلِمَ بَقَاءَ الْوَقْتِ ) أَوْ خُرُوجَهُ وَنَوَى خِلَافَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ ( وَإِنْ أَحْرَمَ ) مُصَلٍّ ( بِفَرْضٍ ) كَظُهْرٍ ( فِي وَقْتِهِ الْمُتَّسَعِ ) لَهُ وَلِغَيْرِهِ ( ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا ) بِأَنْ فَسَخَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ ( صَحَّتْ مُطْلَقًا )
أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى الْأَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ الْأَقَلَّ ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَدْخُلُ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَكَمَا لَوْ قَلَبَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ .
وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ ابْتِدَاءُ فَرْضِهِ ( وَكُرِهَ ) قَلْبُهُ ( نَفْلًا لِغَيْرِ غَرَضٍ ) صَحِيحٍ .
فَإِنْ كَانَ كَمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَقْلِبَهُ نَفْلًا لِيُصَلِّيَ مَعَهَا .
وَعَنْ أَحْمَدَ : فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ فَرْضٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ : أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَقْطَعَهُ وَيَدْخُلَ مَعَهُمْ ، وَعَلَى هَذَا فَقَطْعُ النَّفْلِ أَوْلَى .
( وَإِنْ انْتَقَلَ ) مَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ كَظُهْرٍ ( إلَى ) فَرْضٍ ( آخَرَ ) كَعَصْرٍ ( بَطَلَ فَرْضُهُ ) الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ ( وَصَارَ ) مَا انْتَقَلَ عَنْهُ ( نَفْلًا إنْ اسْتَمَرَّ ) عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ بِنِيَّةِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ دُونَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَتَصِيرُ نَفْلًا .
وَلَا يَصِحُّ الْفَرْضُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ ( إنْ لَمْ يَنْوِ ) الْفَرْضَ ( الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلِهِ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ ) لِخُلُوِّ أَوَّلِهِ عَنْ نِيَّةِ تَعَيُّنِهِ ، ( فَإِنْ نَوَاهُ ) مِنْ أَوَّلِهِ بِتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ ( صَحَّ ) كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إحْرَامٌ بِغَيْرِهِ ( وَمَنْ أَتَى بِمَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ النَّفْلِ ، كَتَرْكِ الْقِيَامِ بِلَا عُذْرٍ ، وَتَرْكِ رَجُلٍ سَتْرَ أَحَدَ عَاتِقَيْهِ ، وَصَلَاةٍ فِي الْكَعْبَةِ ، وَاقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَصَبِيٍّ ، وَشُرْبٍ يَسِيرٍ وَنَحْوِهِ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ .
وَكَانَ نَوَى الْفَرْضَ ( انْقَلَبَ ) فَرْضُهُ ( نَفْلًا ) ؛ لِأَنَّهُ كَقَطْعِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ .
فَتَبْقَى نِيَّةُ الصَّلَاةِ ( وَيَنْقَلِبُ نَفْلًا مَا ) أَيْ فَرْضٍ ( بِأَنْ عَدِمَهُ ك ) مَا لَوْ أَحْرَمَ ( بِفَائِتَةٍ ) يَظُنُّهَا عَلَيْهِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ( لَمْ تَكُنْ ) عَلَيْهِ فَائِتَةٌ ( أَوْ ) أَحْرَمَ بِفَرْضٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ( لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ ) ؛ لِأَنَّ
الْفَرْضَ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ النَّفَلَ ، ( وَإِنْ عَلِمَ ) أَنْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ وَنَوَاهُ ( لَمْ تَنْعَقِدْ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ .
فَصْلٌ وَتُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ نِيَّةُ كُلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ ( ) فَيَنْوِي الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ ، وَالْمَأْمُومُ الِاقْتِدَاءَ ، كَالْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ مِنْ وَجُوَبِ الِاتِّبَاعِ وَسُقُوطِ سُجُودِ السَّهْوِ وَالْفَاتِحَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ ، وَفَسَادُ صَلَاتِهِ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ .
وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ ، فَكَانَتْ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ ( وَإِنْ ) كَانَتْ ( نَفْلًا ) كَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ .
فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَالُهُ كَالْفَرْضِ ( فَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ ) مِنْ مُصَلِّيَيْنِ ( أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ ، أَوْ ) اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ ( مَأْمُومُهُ ) أَيْ الْآخَرِ لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا .
نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ أَمَّ مَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي الْأُولَى ، وَائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الثَّانِيَةِ ، وَكَذَا إنْ عَيَّنَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا ، فَأَخْطَأَ ، لَا إنْ ظَنَّ ( أَوْ نَوَى ) مُصَلٍّ ( إمَامَةَ مَنْ ) أَيْ مُصَلٍّ ( لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ ، كَأُمِّيٍّ ) لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ نَوَى أَنْ يَؤُمَّ ( قَارِئًا ) يُحْسِنُهَا ، وَكَامْرَأَةٍ أَمَّتْ رَجُلًا لَمْ تَصِحَّ لَهُمَا ؛ لِفَسَادِ الْإِمَامَةِ وَالِائْتِمَامِ .
( أَوْ شَكَّ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( فِي كَوْنِهِ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا .
لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُمَا لِعَدَمِ جَزْمِهِمَا بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِلْجَمَاعَةِ .
وَكَذَا لَوْ ائْتَمَّ بِإِمَامَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ( فَإِنْ ائْتَمَّ مُقِيمٌ بِمُقِيمٍ مِثْلِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامٌ مُسَافِرٌ ) قَصَرَ الصَّلَاةَ وَكَانَا ائْتَمَّا بِهِ صَحَّ ( أَوْ ) ائْتَمَّ ( مَنْ سُبِقَ ) بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ ( بِمِثْلِهِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا ) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِمَا ( فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ صَحَّ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ لِعُذْرِ السَّبْقِ ، فَإِنْ ائْتَمَّ مَسْبُوقٌ بِإِمَامِ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُ أَوْ كَانَا فِي جُمُعَةٍ لَمْ يَصِحَّ ، قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّهَا إذَا أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ لَمْ تُقَمْ فِيهِ
مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنْ ذَلِكَ لَيْسَ إقَامَةً ثَانِيَةً ، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيلٌ لَهَا بِجَمَاعَةٍ ، فَغَايَتُهُ : أَنَّهَا فُعِلَتْ بِجَمَاعَتَيْنِ ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ ، وَقِيلَ : لَعَلَّهُ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ لَهَا فَيَلْزَمُ لَوْ ائْتَمَّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ بِآخَرَ يَصِحُّ ( وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ ) أَيْ ائْتِمَامُ ( مَنْ لَمْ يَنْوِهِ ) أَيْ الِائْتِمَامَ ( أَوَّلًا ) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّيَّةِ ( إلَّا إذَا أَحْرَمَ ) مُصَلٍّ ( إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ ) أَيْ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ ( ثُمَّ حَضَرَ ) إمَامُ الْحَيِّ فَأَحْرَمَ ( وَبَنَى ) صَلَاتَهُ ( عَلَى صَلَاةِ ) الْإِمَامِ ( الْأَوَّلِ ) الَّذِي أَحْرَمَ لِغَيْبَتِهِ ( وَصَارَ ) هَذَا ( الْإِمَامُ مَأْمُومًا ) بِالْإِمَامِ الرَّاتِبِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ أَوْ غَيْرَهُ .
لَمَّا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : { ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ، ثُمَّ انْصَرَفَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
و ( لَا ) يَصِحُّ ( أَنْ يَؤُمَّ ) مَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ أَوَّلًا ، وَلَوْ فِي نَفْلٍ .
وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ ( بِلَا عُذْرِ السَّبْقِ وَالْقَصْرِ ) السَّابِقَيْنِ ( إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ إمَامٌ ، لِحُدُوثِ مَرَضٍ ) لِلْإِمَامِ ( أَوْ ) حُدُوثِ ( خَوْفٍ أَوْ ) حُدُوثِ ( حَصْرٍ ) لَهُ ( عَنْ قَوْلٍ ) وَاجِبٍ كَقِرَاءَةٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْمِيعٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَنَحْوِهِ ، لِوُجُودِ الْعُذْرِ الْحَاصِلِ لِلْإِمَامِ ، مَعَ بَقَاءِ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ ، لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْكُلِّ ( وَيَبْنِي ) خَلِيفَةُ الْإِمَامِ ( عَلَى تَرْتِيبِ )
الْإِمَامِ ( الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ ، وَلِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُسْتَخْلِفُ ( مَسْبُوقًا ) لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ ، وَيَبْنِي عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ ، فَإِنْ شَكَّ : كَمْ صَلَّى الْإِمَامُ ؟ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ ، فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُ رَجَعَ ( وَيَسْتَخْلِفُ ) ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ ( مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ ) أَيْ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ ( فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ) أَيْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ ( فَلَهُمْ ) أَيْ الْمَأْمُومِينَ ( السَّلَامُ ) لِأَنْفُسِهِمْ ( وَلَهُمْ ) ( الِانْتِظَارُ ) لَهُ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ ، نَصًّا .
وَفِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي : يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ ( وَالْأَصَحُّ يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ مَنْ ) أَيْ مُسْتَخْلِفٍ ( لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ ) فِي الصَّلَاةِ .
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ : وَلَهُ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ نَصًّا وَيَبْنِي عَلَى تَرْتِيبِ الْأَوَّلِ ، وَالْأَصَحُّ : يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ انْتَهَى .
قَالَ الْمَجْدُ : وَالصَّحِيحُ عِنْدِي : أَنَّهُ يَقْرَأُ سِرًّا مَا فَاتَهُ مِنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى قِرَاءَةِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ صَلَاةَ جَهْرٍ .
( وَتَصِحُّ نِيَّةُ مُصَلٍّ ) الْإِمَامَةَ ( ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ ) يَأْتَمُّ بِهِ إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ .
وَ ( لَا ) تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ ( شَاكًّا ) فِي حُضُورِ مَأْمُومٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَلَوْ حَضَرَ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ ( وَتَبْطُلُ ) صَلَاةُ مَنْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ ( إنْ لَمْ يَحْضُرْ ) وَيَدْخُلْ مَعَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ ، أَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ ( أَوْ كَانَ ) مَنْ ظَنَّ دُخُولَهُ ( مَعَهُ حَاضِرًا ) فَأَحْرَمَ بِهِ فَانْصَرَفَ ( وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَ ( لَا ) تَبْطُلُ ( إنْ دَخَلَ مَعَهُ ) مَنْ ظَنَّ
حُضُورَهُ أَوْ غَيْرُهُ ( ثُمَّ انْصَرَفَ ) عَنْهُ قَبْلَ إتْمَامِ الصَّلَاةِ فَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا ؛ لِأَنَّهَا لَا فِي ضِمْنِهَا وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا ، بِدَلِيلِ سَهْوِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدَثِهِ ( وَصَحَّ ) لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً ( لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْفَرِدَ ) عَنْ الْجَمَاعَةِ ( إمَامٌ وَمَأْمُومٌ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ : قَالَ { صَلَّى مُعَاذٌ بِقَوْمِهِ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : نَافَقْتَ ، فَقَالَ : مَا نَافَقْتُ ، وَلَكِنْ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟ مَرَّتَيْنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِمُفَارَقَتِهِ ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُعَجِّلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ انْفِرَادُهُ عَنْهُ بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ ، لَمْ يَجُزْ انْفِرَادُهُ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْفِرَادَ إذَا اسْتَفَادَ بِهِ تَعْجِيلَ لُحُوقِهِ لِحَاجَتِهِ ، فَإِنْ زَالَ عُذْرُ مَأْمُومٍ فَارَقَ إمَامَهُ فَلَهُ الدُّخُولُ مَعَهُ ، وَفِي الْفُصُولِ : يَلْزَمُهُ لِزَوَالِ الرُّخْصَةِ .
( وَيَقْرَأُ مَأْمُومٌ فَارَقَ ) إمَامَهُ ( فِي قِيَامٍ ) قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ الْبَاقِيَ بِالْقِرَاءَةِ الْمَطْلُوبَةِ ( أَوْ يُكْمِلُ ) عَلَى قِرَاءَةِ إمَامِهِ إنْ كَانَ قَرَأَ الْبَعْضَ ( وَبَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ قِرَاءَةِ إمَامِهِ ( لَهُ ) أَيْ الْمَأْمُومِ الْمُفَارِقِ ( الرُّكُوعُ فِي الْحَالِ ) ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ إمَامِهِ قِرَاءَةٌ لَهُ ( فَإِنْ ظَنَّ ) مَأْمُومٌ فَارَقَ إمَامَهُ ( فِي صَلَاةِ سِرٍّ ) كَظُهْرٍ ( أَنَّ إمَامَهُ قَرَأَ ) الْفَاتِحَةَ ( لَمْ يَقْرَأْ ) أَيْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِرَاءَةُ ، إجْرَاءً لِلظَّنِّ مَجْرَى الْيَقِينِ .
( وَ ) إنْ فَارَقَهُ ( فِي ثَانِيَةِ جُمُعَةٍ ) وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْأُولَى ( يُتِمُّ ) مُفَارِقٌ صَلَاتَهُ ( جُمُعَةً ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً ( وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ مُطْلَقًا ) أَيْ لِعُذْرٍ أَوْ
غَيْرِهِ ، فَلَا اسْتِخْلَافَ إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَأْمُومٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضِمْنِهَا وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا ( وَيُتِمُّهَا ) الْإِمَامُ ( مُنْفَرِدًا ) إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ مَنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ( وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاةٍ يَظُنُّ أَنَّهُ أَحْدَثَ ) فَظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ ( لَمْ يَكُنْ ) أَحْدَثَ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ، لِفَسْخِهِ نِيَّةَ الصَّلَاةِ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا .
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ( سُنَّ خُرُوجٌ إلَيْهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( بِسَكِينَةٍ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا ، وَتَخْفِيفِ الْكَافِ أَيْ طُمَأْنِينَةٍ وَتَأَنٍّ فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابِ الْبَعَثَاتِ ( وَوَقَارٍ ) كَسَحَابٍ .
أَيْ رَزَانَةٍ ، كَغَضِّ الطَّرْفِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا } ، وَلِمُسْلِمٍ { فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ } وَيُقَارِبُ فِي خُطَاهُ ، لِتَكْثُرَ حَسَنَاتُهُ وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا ، غَيْرَ مُشَبِّكٍ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، قَائِلًا مَا وَرَدَ ، قَالَ أَحْمَدُ : فَإِنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ شَيْئًا ، مَا لَمْ تَكُنْ عَجَلَةٌ تَقْبَحُ .
وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مَا مَعْنَاهُ : إنْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْجُمُعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ لَهُ الْإِسْرَاعُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجَبِرُ إذَا فَاتَ ( وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ ) عِنْدَ دُخُولِهِ اسْتِحْبَابًا بِسْمِ اللَّهِ ، { وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ .
وَيَقُولُ } أَيْ مَا ذُكِرَ .
( إذَا خَرَجَ ) مِنْ الْمَسْجِدِ ( إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ : أَبْوَابَ فَضْلِكَ ) بَدَلَ " أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ؛ " لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيُتَوَجَّهُ : يَتَعَوَّذُ إذَا خَرَجَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَجُنُودِهِ لِلْخَبَرِ ، وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ، وَلَا يَخُوضُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا .
( وَسُنَّ قِيَامُ إمَامٍ ) إلَى الصَّلَاةِ فَقِيَامُ مَأْمُومٍ ( غَيْرِ مُقِيمٍ ) لِلصَّلَاةِ ( إلَيْهَا إذَا قَالَ الْمُقِيمُ ) لَهَا ( قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أَوْفَى ؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَاسْتُحِبَّتْ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا عِنْدَهُ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ عَلَى هَذَا أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ ( إذَا رَأَى ) الْمَأْمُومُ ( الْإِمَامَ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَرَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُقِيمِ : قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ( فَ ) أَنَّهُ يَقُومُ ( عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ) لِإِمَامِهِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَالْمُقِيمُ يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ كُلِّهَا قَائِمًا وَتَقَدَّمَ ( ثُمَّ يُسَوِّي إمَامٌ الصُّفُوفَ بِمَنْكِبٍ وَكَعْبٍ ) اسْتِحْبَابًا فَيَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ : اسْتَوُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : { صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَوْمًا ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هَذَا الْعُودُ ؟ فَقُلْتُ : لَا وَاَللَّهِ ، فَقَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ ، فَقَالَ : اعْتَدِلُوا وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، ثُمَّ أَخَذَهُ بِيَسَارِهِ وَقَالَ : اعْتَدِلُوا وَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ أَحْمَدُ : يَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الصُّفُوفُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ ( وَسُنَّ تَكْمِيلُ ) صُفُوفٍ ( أَوَّلَ فَأَوَّلَ ) حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْآخِرِ ، فَلَوْ تُرِكَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ كُرِهَ لِحَدِيثِ { لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ } وَتَقَدَّمَ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : يُحَافِظُ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ ، وَيُتَوَجَّهُ مِنْ نَصِّهِ : يُسْرِعُ إلَى الْأُولَى لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا .
وَالْمُرَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ : إذَا لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ مُطْلَقًا ، وَإِلَّا
حَافَظَ عَلَيْهَا ، فَيُسْرِعُ إلَيْهَا ( وَ ) سُنَّ ( الْمُرَاصَّةُ ) أَيْ الْتِصَاقُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِبَعْضٍ وَسَدُّ خَلَلِ الصُّفُوفِ ( وَيَمِينُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ لِرِجَالٍ أَفْضَلُ ( وَ ) صَفٌّ أَوَّلُ ( لِرِجَالٍ ) مَأْمُومِينَ ( أَفْضَلُ ) مِمَّا بَعْدَهُ .
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : وَلَهُ ثَوَابُهُ وَثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ مَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ لِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ ا هـ ، وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ أَفْضَلُ وَكَذَا قُرْبُ الْأَفْضَلِ وَالصَّفِّ مِنْهُ ، وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ، وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَعَكْسُهُ النِّسَاءُ .
وَتُكْرَهُ صَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي ، وَيَأْتِي حُكْمُ إيثَارِهِ بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلِ وَإِقَامَتِهِ غَيْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ الصَّفُّ الْأَوَّلُ ( مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ ) يَعْنِي مَا يَلِي الْإِمَامَ وَلَوْ قَطَعَهُ الْمِنْبَرُ ، فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ تَامًّا
( ثُمَّ يَقُولُ ) مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( قَائِمًا مَعَ قُدْرَةٍ ) عَلَى قِيَامٍ ( لِمَكْتُوبَةٍ : اللَّهُ أَكْبَرُ ) لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهِ نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، قَالَ فِي شَرْحِهِ : مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ قَبْلَ ذَلِكَ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : قَبْلَ التَّكْبِيرِ تَقُولُ شَيْئًا قَالَ : لَا يَعْنِي لَيْسَ قَبْلَهُ دُعَاءٌ مَسْنُونٌ ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، ا هـ .
وَتَقَدَّمَ لَكَ كَلَامُهُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ .
وَيَكُونُ التَّكْبِيرُ ( مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا ) فَلَا يُجْزِئُ : أَكْبَرُ اللَّهُ ، وَلَا إنْ سَكَتَ بَيْنَهُمَا مَا يُمْكِنُ فِيهِ كَلَامٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ، وَتُسَمَّى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهَا فِي عِبَادَةٍ يَحْرُمُ بِهَا أُمُورٌ ، وَالْإِحْرَامُ الدُّخُولُ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ ، وَحِكْمَةُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِهَذَا اللَّفْظِ : اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ ، وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ هَيْبَةً فَيَحْضُرَ قَلْبُهُ وَيَخْشَعَ وَلَا يَغِيبُ .
( فَإِنْ أَتَى بِهِ ) أَيْ بِتَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ كُلِّهِ غَيْرَ قَائِمٍ ، بِأَنْ قَالَ وَهُوَ قَاعِدٌ أَوْ رَاكِعٌ وَنَحْوُهُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ( أَوْ ابْتَدَأَهُ ) أَيْ التَّكْبِيرَ غَيْرَ قَائِمٍ ، كَأَنْ ابْتَدَأَهُ قَاعِدًا وَأَتَمَّهُ قَائِمًا ( أَوْ أَتَمَّهُ غَيْرَ قَائِمٍ ) ، بِأَنْ ابْتَدَأَهُ قَائِمًا وَأَتَمَّهُ رَاكِعًا مَثَلًا ( صَحَّتْ ) صَلَاتُهُ ( نَفْلًا ) ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ دُونَ النَّفْلِ فَتَنْقَلِبُ بِهِ صَلَاتُهُ نَفْلًا ( إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ ) لِإِتْمَامِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ كُلِّهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ ، وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ الْفَرْضَ قَائِمًا ( وَتَنْعَقِدُ ) الصَّلَاةُ ( إنْ مَدَّ اللَّامَ ) أَيْ
لَامَ الْجَلَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَمْدُودَةٌ ، فَغَايَتُهُ : زِيَادَتُهَا مِنْ غَيْرِ إتْيَانٍ بِحَرْفٍ زَائِدٍ .
وَ ( لَا تَنْعَقِدُ إنْ مَدَّ هَمْزَةَ اللَّهِ ، أَوْ ) مَدَّ هَمْزَةَ ( أَكْبَرَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِفْهَامًا فَيَخْتَلُّ الْمَعْنَى ( أَوْ قَالَ : أَكْبَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ كَبْرٍ .
بِفَتْحِ الْكَافِ .
وَهُوَ الطَّبْلُ ( أَوْ ) قَالَ اللَّهُ ( الْأَكْبَرُ ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : اللَّهُ الْكَبِيرُ أَوْ الْجَلِيلُ وَنَحْوَهُ ، أَوْ قَالَ : أَقْبَرُ ، أَوْ اللَّهُ فَقَطْ ، أَوْ أَكْبَرُ فَقَطْ ، وَفِي : اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَجْهٌ تَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى ( وَيَلْزَمُ جَاهِلًا ) بِالتَّكْبِيرَةِ ( تَعَلُّمُهَا ) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي مَكَانِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ .
وَفِي التَّلْخِيصِ : إنْ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ لَزِمَهُ قَصْدُ الْبَلَدِ لِتَعَلُّمِهِ ، وَلَا تَصِحُّ إنْ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ ، مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى تَعَلُّمٍ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ فَلَزِمَهُ تَعَلُّمُهُ كَالْفَاتِحَةِ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ ( أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ ، كَبَّرَ بِلُغَتِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } وَالْقِرَاءَةُ مُتَعَبَّدٌ بِهَا ( وَإِنْ عَرَفَ لُغَاتٍ فِيهَا ) أَيْ اللُّغَاتِ ( أَفْضَلُ ) مِنْ غَيْرِهِ ( كَبَّرَ بِهِ ) أَيْ الْأَفْضَلِ قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ عَلَى الْمُحَرَّرِ : يُقَدَّمُ السُّرْيَانِيُّ ، ثُمَّ الْفَارِسِيُّ ، ثُمَّ التُّرْكِيُّ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ ، كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ ( فَ ) إنَّهُ ( يُخَيَّرُ ) فَيُكَبِّرُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا ( وَكَذَا كُلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ ) كَتَسْمِيعٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ ، فَيَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهُ إنْ قَدَرَ ، وَإِلَّا أَتَى بِهِ بِلُغَتِهِ ، وَإِنْ عَرَفَ لُغَاتٍ ، فَكَمَا تَقَدَّمَ ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ .
وَتَأْتِي ( وَإِنْ عَلِمَ الْبَعْضَ ) مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، كَلَفْظِ : اللَّهُ ، أَوْ أَكْبَرُ ، أَوْ سُبْحَانَ ، وَنَحْوِهِ (
أَتَى بِهِ ) لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَتَرْجَمَ عَنْ الْبَاقِي ( وَإِنْ تَرْجَمَ عَنْ ) ذِكْرٍ ( مُسْتَحَبٍّ بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا ، لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ .
وَإِنْ زَادَ عَارِفٌ بِعَرَبِيَّةٍ عَلَى التَّكْبِيرِ ، كَقَوْلِهِ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعْلَمُ ، أَوْ أَجَلُّ وَنَحْوِهِ كُرِهَ .
( وَيَحْرُمُ أَخْرَسُ وَنَحْوُهُ ) كَعَاجِزٍ عَنْ نُطْقٍ لِمَرَضٍ وَمَقْطُوعِ لِسَانٍ ( بِقَلْبِهِ ) وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِذَلِكَ ، لَكَانَ أَقْرَبَ .
وَكَذَا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ ، وَبَاقِي الْأَذْكَارِ ، وَالتَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَالتَّكْبِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ .
لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الصَّلَاةِ { إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ }
( وَسُنَّ جَهْرُ إمَامٍ بِتَكْبِيرِ ) الصَّلَاةِ كُلِّهِ ( وَبِتَسْمِيعٍ ) أَيْ قَوْلِ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ( وَتَسْلِيمَةٍ أُولَى ) لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْمَأْمُومُ ، بِخِلَافِ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ .
( وَ ) سُنَّ جَهْرُهُ أَيْضًا ( بِقِرَاءَةٍ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ ، بِحَيْثُ يُسْمِعُ ) الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْمِيعِ وَالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَالْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ ( مَنْ خَلْفَهُ ) لِيُتَابِعُوهُ ، وَيَحْصُلَ لَهُمْ اسْتِمَاعُ قِرَاءَتِهِ ( وَأَدْنَاهُ ) أَيْ أَدْنَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ ( سَمَاعُ غَيْرِهِ ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ .
( وَ ) يُسَنُّ ( إسْرَارُ غَيْرِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ وَالْمَأْمُومُ ( بِتَكْبِيرٍ ) وَتَسْمِيعٍ ( وَسَلَامٍ ) كَغَيْرِهَا ( وَفِي الْجَهْرِ ) وَالْإِخْفَاتِ ( بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ تَفْصِيلٌ .
وَيَأْتِي ) قَرِيبًا ( وَكُرِهَ جَهْرُ مَأْمُومٍ ) فِي صَلَاةٍ بِقَوْلٍ مِنْهَا ( إلَّا بِتَكْبِيرٍ وَتَحْمِيدٍ وَسَلَامٍ لِحَاجَةٍ ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِمَامُ إسْمَاعَ جَمِيعِهِمْ ، لِنَحْوِ بُعْدٍ ، وَكَثْرَةٍ ( فَيُسَنُّ ) جَهْرُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِذَلِكَ .
لِيَسْمَعَ مَنْ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : { صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ ، لِيُسْمِعَنَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَظَاهِرُهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْلَامَ ؛ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ بِكَلَامِ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ ( وَجَهْرُ كُلِّ مُصَلٍّ ) إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ ( فِي رُكْنٍ ) كَتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ وَسَلَامٍ .
( وَ ) فِي ( وَاجِبٍ ) كَتَسْمِيعٍ وَتَحْمِيدٍ ، وَبَاقِي تَكْبِيرٍ وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ ( بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ ) حَيْثُ لَا مَانِعَ ، وَ ( مَعَ مَانِعٍ ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مَعَ عَدَمِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ ( فَرْضٌ ) خَبَرُ : جَهْرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ آتِيًا بِذَلِكَ بِدُونِ صَوْتٍ ،
وَالصَّوْتُ يُسْمَعُ ، وَأَقْرَبُ السَّامِعِينَ إلَيْهِ : نَفْسُهُ
( وَسُنَّ ) لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِصَلَاةٍ ( رَفْعُ يَدَيْهِ ) مَعًا مَعَ قُدْرَةٍ ، وَالْأَوْلَى كَشْفُهُمَا هُنَا وَفِي الدُّعَاءِ ( أَوْ ) رَفْعُ ( إحْدَاهُمَا عَجْزًا ) عَنْ رَفْعِ الْأُخْرَى .
لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الرَّفْعِ ( مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ ) حَالَ كَوْنِ يَدَيْهِ ( مَمْدُودَتَيْ الْأَصَابِعِ مَضْمُومَتَيْهَا ) أَيْ الْأَصَابِعِ ( مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهَا الْقِبْلَةَ ) وَيَكُونُ الرَّفْعُ ( إلَى حَذْوِ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُقَابِلِ ( مَنْكِبَيْهِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ : مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) لِلْمُصَلِّي ( عُذْرٌ ) يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ ، رَفَعَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ( وَيُنْهِيهِ ) أَيْ الرَّفْعَ ( مَعَهُ ) أَيْ التَّكْبِيرِ ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ " أَنَّهُ { رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ } وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ } .
وَفِي الْمُتَّفَق عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ } .
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا } وَأَمَّا خَبَرُهُ الْآخَرُ { كَانَ يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ لِلتَّكْبِيرِ } فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : خَطَأٌ ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ ، فَمَعْنَاهُ : الْمَدُّ ، قَالَ أَحْمَدُ : أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا هَذَا الضَّمُّ ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ، وَهَذَا النَّشْرُ ، وَمَدَّ أَصَابِعَهُ .
وَهَذَا التَّفْرِيقُ ، وَفَرَّقَ أَصَابِعَهُ ؛ وَلِأَنَّ النَّشْرَ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ ، كَنَشْرِ الثَّوْبِ ، وَرَفْعُهُمَا إشَارَةٌ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ ( وَيَسْقُطُ ) اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ (
بِفَرَاغِ التَّكْبِيرِ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ، فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ فِيمَا بَقِيَ ، لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ ( ثُمَّ ) يُسَنُّ لَهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ ( وَضْعُ كَفِّ ) يَدٍ ( يُمْنَى عَلَى كُوعِ ) يَدٍ ( يُسْرَى ) لِمَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا ، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَقَالَ : وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ( وَ ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا ( جَعْلُهُمَا ) أَيْ يَدَيْهِ ( تَحْتَ سُرَّتِهِ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَمَعْنَاهُ : ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( وَ ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا
( نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } ، رَمَقُوا بِأَبْصَارِهِمْ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِمْ } ؛ وَلِأَنَّهُ أَخْشَعُ لِلْمُصَلِّي ، وَأَكَفُّ لِبَصَرِهِ ( إلَّا ) إذَا كَانَ الْمُصَلِّي ( فِي صَلَاةِ خَوْفٍ ) مِنْ عَدُوٍّ ( وَنَحْوِهِ ) كَخَائِفٍ ضَيَاعَ مَالٍ وَنَحْوِهِ .
فَيَنْظُرُ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَمَالِهِ ( لِحَاجَتِهِ ) إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ
( ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ ، فَيَقُولُ ) مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ أَنَسٌ أَيْضًا .
وَعَمِلَ بِهِ عُمَرُ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ إمَامُنَا ، وَجُوِّزَ الِاسْتِفْتَاحُ بِغَيْرِهِ مِمَّا وَرَدَ .
وَقَوْلُهُ : " سُبْحَانَكَ " أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِكَ مِنْ النَّقَائِصِ وَالرَّذَائِلِ ، " وَبِحَمْدِكَ " أَيْ بِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ " وَتَبَارَكَ اسْمُكَ " أَيْ كَثُرَتْ بَرَكَاتُهُ ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَصَرَّفْ مِنْهُ مُسْتَقْبَلٌ وَلَا اسْمُ فَاعِلٍ " وَتَعَالَى جَدُّكَ " أَيْ ارْتَفَعَ قَدْرُكَ وَعَظُمَ ، وَقَالَ الْحَسَنُ : الْجَدُّ الْغِنَى .
فَالْمَعْنَى : ارْتَفَعَ غِنَاكَ عَنْ أَنْ يُسَاوِيَهُ غِنَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ " وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ " أَيْ لَا إلَهَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَتُرْجَى رَحْمَتُهُ وَتُخَافُ سَطْوَتُهُ غَيْرُكَ ( ثُمَّ يَسْتَعِيذُ ) فَيَقُولُ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } أَيْ إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ .
وَتَحْصُلُ الِاسْتِعَاذَةُ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهَا ، لَكِنْ مَا ذُكِرَ أَوْلَى ، وَمَعْنَى أَعُوذُ : أَلْجَأُ ، وَالشَّيْطَانُ : اسْمُ كُلِّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ .
وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ( ثُمَّ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ ) أَيْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
لِحَدِيثِ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ قَالَ { صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهَكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ وَلَوْ عَمْدًا حَتَّى تَعَوَّذَ ، أَوْ التَّعَوُّذَ ، حَتَّى بَسْمَلَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ حَتَّى أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ .
سَقَطَ ( وَهِيَ ) أَيْ الْبَسْمَلَةُ ( آيَةٌ ) مِنْ الْفَرَائِضِ .
لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدِهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَعَدَّهَا آيَةً ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ : آيَتَيْنِ } ( فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ ) وَفِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ ( سِوَى بَرَاءَةٍ ، فَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا ) أَيْ الْبَسْمَلَةِ لِنُزُولِهَا بِالسَّيْفِ وَتُسْتَحَبُّ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ ، وَكِتَابَتُهَا أَوَائِلَ الْكُتُبِ ، وَلَا تُكْتَبُ أَمَامَ الشِّعْرِ وَلَا مَعَهُ ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ ، وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ ، وَقَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّهُ يَشُوبُهُ الْكَذِبُ وَالْهَجْرُ غَالِبًا ، وَيُخَيَّرُ فِي الْجَهْرِ بِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ .
( وَلَا يُسَنُّ جَهْرٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُهُ أَنَسٌ مِنْهُمْ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ قَتَادَةَ { فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } .
وَفِي لَفْظٍ { فَكُلُّهُمْ يُخْفِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وَفِي لَفْظٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا } رَوَاهُ ابْنُ شَاهِينِ ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ : أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا لِحَدِيثِ { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الْحَدِيثَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَلَوْ كَانَتْ آيَةً لَعَدَّهَا وَبَدَأَ بِهَا ، وَلِحَدِيثِ { سُورَةٌ هِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِقَارِئِهَا ، أَلَا وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } وَهِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً سِوَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( ثُمَّ ) يَقْرَأُ ( الْفَاتِحَةَ ) تَامَّةً بِتَشْدِيدِ آيَاتِهَا ، مُرَتَّبَةً مُرَتَّلَةً مُتَوَالِيَةً .
يَقِفُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ ، كَقِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
وَذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ ، الَّذِي أُوتِيتُهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعْدِ بْنِ الْمُعَلَّى ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ آيَةٍ ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ ،
وَالْفَاتِحَةُ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا { كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، وَيُطَوِّلُ الْأُولَى ، وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ .
وَقَالَ : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَعَنْهُ وَعَنْ عُبَادَةَ قَالَا { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ } رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ ( وَفِيهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ ( إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً ) أَوَّلُهَا : اللَّامُ فِي اللَّهِ ، وَآخِرُهَا : تَشْدِيدَتَا الضَّالِّينَ ، وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي التَّشْدِيدِ وَالْمَدِّ ( فَإِنْ تَرَكَ ) غَيْرُ مَأْمُومٍ ( وَاحِدَةً ) مِنْ تَشْدِيدَاتِهَا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ ، لِتَرْكِهِ حَرْفًا مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ أُقِيمَ مَقَامَ حَرْفَيْنِ ، هَذَا إذَا فَاتَ مَحَلُّهَا وَبَعُدَ عَنْهُ ، بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَأَعَادَ الْكَلِمَةَ أَجْزَأَ ذَلِكَ ، كَمَنْ نَطَقَ بِالْكَلِمَةِ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ ، ثُمَّ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهِ .
وَإِنْ لَيَّنَهَا وَلَمْ يُحَقِّقْهَا عَلَى الْكَمَالِ ، فَلَا إعَادَةَ ( أَوْ ) تَرَكَ ( تَرْتِيبَهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا ؛ لِأَنَّ تَرْكَ التَّرْتِيبِ مُخِلٌّ بِالْإِعْجَازِ ( أَوْ قَطَعَهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةَ ( غَيْرُ مَأْمُومٍ ) بِأَنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا ( بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ ) عُرْفًا ( أَوْ ) ب ( ذِكْرٍ كَثِيرٍ أَوْ دُعَاءٍ ) كَثِيرٍ ، غَيْرِ مَشْرُوعٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا ؛ لِقَطْعِهِ مُوَالَاتَهَا ( أَوْ ) قَطَعَهَا غَيْرُ مَأْمُومٍ ب ( قُرْآنٍ كَثِيرٍ ) عُرْفًا ( لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا ) أَيْ أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ أَوَّلِهَا ( إنْ تَعَمَّدَ ) الْقَطْعَ الْمُبْطِلَ ، فَلَوْ
كَانَ سَهْوًا عُفِيَ عَنْهُ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : لَوْ سَكَتَ كَثِيرًا نِسْيَانًا أَوْ نَوْمًا أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا غَلَطًا ، فَطَالَ .
بَنَى عَلَى مَا قَرَأَ مِنْهَا ( وَكَانَ ) الْقَطْعُ ( غَيْرَ مَشْرُوعٍ ) فَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا ، كَسُكُوتِهِ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ هُوَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَكَسُجُودٍ لِتِلَاوَةٍ وَسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ ، وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ آيَةِ عَذَابٍ ، وَلَوْ كَثِيرًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْرَاضٍ ، وَلَا يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بِنِيَّةِ قَطْعِهَا فِي أَثْنَائِهَا مُطْلَقًا ( فَإِذَا فَرَغَ ) مِنْ الْفَاتِحَةِ ( قَالَ ) بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ ، لِيُعْلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا هِيَ طَابِعُ الدُّعَاءِ ( آمِينَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَعَ الْمَدِّ ، فِي الْأَشْهَرِ ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْإِمَالَةُ .
وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ ، مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ كَلَيْتَ ، وَتُسَكَّنُ عِنْدَ الْوَقْفِ ( وَحَرُمَ وَبَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ( إنْ شَدَّدَ مِيمَهَا ) ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَلَامًا أَجْنَبِيًّا ، فَيُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَكَاهُ لُغَةً فِيهَا ( وَيَجْهَرُ بِهَا ) أَيْ آمِينَ ( إمَامٌ وَمَأْمُومٌ مَعًا ) اسْتِحْبَابًا ؛ لِقَوْلِ عَطَاءٍ " كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ : ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ : آمِينَ ، وَمَنْ خَلْفَهُمْ آمِينَ ، حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدِهِ .
وَاللَّجَّةُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ : اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ : آمِينَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ .
وَقَالَ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَالتَّأْمِينُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لَا لِلْمَأْمُومِ ، فَلِذَلِكَ تَبِعَهُ فِي الْجَهْرِ ، وَلِهَذَا يَجْهَرُ الْمُنْفَرِدُ بِالتَّأْمِينِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ ، صَرَّحَ بِهِ
الزَّرْكَشِيُّ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ( وَيَجْهَرُ بِهَا غَيْرُهُمَا ) أَيْ غَيْرُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ تَبَعًا لَهَا ( فَإِنْ تَرَكَهُ ) أَيْ التَّأْمِينَ ( إمَامٌ ) فِي جَهْرِيَّةٍ ( أَوْ أَسَرَّهُ ) الْإِمَامُ فِيهَا ( أَتَى بِهِ مَأْمُومٌ جَهْرًا ) ؛ لِأَنَّ جَهْرَ الْمَأْمُومِ بِهِ سُنَّةٌ .
فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ ، كَتَرْكِهِ التَّعَوُّذَ ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا نَسِيَهُ الْإِمَامُ فَيَجْهَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ لِيُذَكِّرَهُ ، فَيَأْتِي بِهِ .
فَإِنْ زَادَ عَلَى آمِينَ : رَبَّ الْعَالَمِينَ ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ : لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّكْبِيرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ( وَيَلْزَمُ جَاهِلًا ) أَيْ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ ( تَعَلُّمُهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ ، لِيَحْفَظَهَا كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا ( فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ ) عَنْ تَعَلُّمِهِمَا أَوْ عَجَزَ عَنْهُ سَقَطَ لُزُومُهُ .
وَ ( لَزِمَهُ قِرَاءَةُ قَدْرِهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ ( فِي الْحُرُوفِ ) عَدَدًا ( وَ ) فِي ( الْآيَاتِ ) مِنْ أَيْ سُورَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ ، لِمَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْهُ } ( فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا آيَةً ) مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا ( كَرَّرَهَا ) أَيْ الْآيَةَ ( بِقَدْرِهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْفَاتِحَةِ فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ .
وَإِنْ أَحْسَنَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهَا ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا بَعْضَ آيَةٍ لَمْ يُكَرِّرْهُ ، وَعَدَلَ إلَى الذِّكْرِ الْآتِي ( فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قُرْآنًا ) أَيْ آيَةً مِنْهُ ( حَرُمَ تَرْجَمَتُهُ ) أَيْ تَعْبِيرُهُ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ عَنْهُ تَفْسِيرٌ لَا قُرْآنٌ ، فَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : {
وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } فَالْإِنْذَارُ مَعَ التَّرْجَمَةِ يَحْصُلُ بِالْمُفَسَّرِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ لَا بِالتَّفْسِيرِ ( وَلَزِمَ ) مَنْ لَا يُحْسِنُ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ ( قَوْلُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ) لِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْهُ ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ ، وَنُقْصَانُ الْبَدَلِ عَنْ الْمُبْدَلِ فِي الْقَدَرِ إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهُمَا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ ، كَالتَّيَمُّمِ ، وَمَسْحِ الْخُفِّ ( فَإِنْ ) لَمْ يَعْرِفْ هَذَا الذِّكْرَ كُلَّهُ ، بَلْ ( عَرَفَ بَعْضَهُ كَرَّرَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضَ ( بِقَدْرِهِ ) كَمَنْ عَرَفَ آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا مِنْ الذِّكْرِ ( وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ ) أَيْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ الْأَخْرَسُ أَوْ النَّاطِقُ وَقَرَأَ قَاعِدًا ، لَمْ تُجْزِئْهُ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَسُقُوطُ الْقِيَامِ عَنْهُ رُخْصَةٌ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ .
وَلَا يَلْزَمُ الْعَاجِزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَمَنْ صَلَّى وَتَلَقَّفَ ) أَيْ أَخَذَ بِسُرْعَةٍ ( الْقِرَاءَةَ مِنْ لَفْظِ غَيْرِهِ صَحَّتْ ) صَلَاتُهُ لِإِتْيَانِهِ بِفَرْضِهَا مَعَ التَّوَالِي ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسُرْعَةٍ ، بَلْ مَعَ تَفْرِيقٍ طَوِيلٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا .
وَفِي الْفُرُوعِ : وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْأَشْهَرِ : يَلْزَمُ غَيْرَ حَافِظٍ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ مُصْحَفٍ .
( ثُمَّ يَقْرَأُ ) الْمُصَلِّي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ( سُورَةً كَامِلَةً نَدْبًا ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْتَتِحَهَا بِالْبَسْمَلَةِ سِرًّا ( مِنْ طِوَالِ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ ( الْمُفَصَّلِ فِي ) صَلَاةِ ( الْفَجْرِ وَ ) مِنْ ( قِصَارِهِ ) أَيْ الْمُفَصَّلِ ( فِي ) صَلَاةِ ( الْمَغْرِبِ ، وَفِي الْبَاقِي ) مِنْ الْخَمْسِ ، وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ ( مِنْ أَوْسَاطِهِ ) أَيْ الْمُفَصَّلِ لِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ ، قَالَ سُلَيْمَانُ : فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ .
وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ .
وَلَفْظُهُ لَهُ .
وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ ( وَلَا يُكْرَهُ ) أَنْ يَقْرَأَ مُصَلٍّ ( لِعُذْرٍ ، كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَخَوْفٍ وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ وَلُزُومِ غَرِيمٍ ( بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ ) فِي فَجْرٍ وَغَيْرِهَا لِلْعُذْرِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ( كُرِهَ بِقِصَارِهِ فِي ) صَلَاةِ ( فَجْرٍ ) نَصَّ عَلَيْهِ ، لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ .
وَ ( لَا ) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ ( بِطِوَالِهِ فِي مَغْرِبٍ ) نَصَّ عَلَيْهِ .
لِلْخَبَرِ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ " وَالسُّورَةُ وَإِنْ قَصُرَتْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَتُجْزِئُ آيَةٌ إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ كَوْنَهَا طَوِيلَةً ، كَآيَةِ الدَّيْنِ وَالْكُرْسِيِّ ( وَأَوَّلُهُ ) أَيْ الْمُفَصَّلِ : سُورَةُ ( ق ) وَلَا يُعْتَدُّ بِالسُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ ) وَآخِرُهُ : آخِرُ الْقُرْآنِ ، وَطِوَالُهُ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إلَى عَمَّ ، وَأَوْسَاطُهُ إلَى الضُّحَى .
وَالْبَاقِي : قِصَارُهُ ( وَحَرُمَ تَنْكِيسُ الْكَلِمَاتِ ) الْقُرْآنِيَّةِ لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا ( وَتَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ ، يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَ ( لَا ) يَحْرُمُ تَنْكِيسُ ( السُّوَرِ ،
وَ ) لَا تَنْكِيسُ ( الْآيَاتِ ) وَلَا تَبْطُلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ ، لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ يُعْتَبَرُ تَرْتِيبُهَا ، وَتَقَدَّمَ ( وَيُكْرَهُ ) تَنْكِيسُ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ : تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّصِّ وَتَرْتِيبُ السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ ، وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ لَكِنْ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْمُصْحَفِ زَمَنَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَارَ مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ .
وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ لَهُمْ سُنَنًا يَجِبُ اتِّبَاعُهَا ( ك ) مَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ ( بِكُلِّ الْقُرْآنِ فِي ) صَلَاةِ ( فَرْضٍ ) لِلْإِطَالَةِ وَعَدَمِ نَقْلِهِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ بِكُلِّهِ فِي نَفْلٍ ( أَوْ ) أَيْ وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ ( بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَعَلَى الْمَذْهَبِ : تُكْرَهُ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ ا هـ .
وَظَاهِرُهُ : فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( تَكْرَارُ سُورَةٍ ) فِي رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا } رَوَاهُ سَعِيدٌ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ ( تَفْرِيقُهَا ) أَيْ السُّورَةِ ( فِي رَكْعَتَيْنِ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا { كَانَ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
.
( وَ ) لَا يُكْرَهُ أَيْضًا ( جَمْعُ سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَؤُمُّهُمْ ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يَحْمِلُك عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ ؟ فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّهَا ، فَقَالَ حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ } وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (
أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَكْتُوبَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ .
( وَ ) لَا يُكْرَهُ أَيْضًا ( قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا ) لِعُمُومِ { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْله تَعَالَى : قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا ، وَفِي الثَّانِيَةِ : الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ .
الْآيَةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ لِمُصَلٍّ ( مُلَازَمَةُ ) قِرَاءَةِ ( سُورَةٍ ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ ( مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ غَيْرِهَا ) وَمَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهَا لِلْخَبَرِ ، وَإِلَّا حَرُمَ اعْتِقَادُهُ لِفَسَادِهِ .
( وَيَجْهَرُ إمَامٌ بِقِرَاءَةِ ) الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ( فِي الصُّبْحِ ) وَ ( فِي ) أُولَتَيْ ( مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ ) وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَكُسُوفٍ وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا .
وَيُسِرُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ كُسُوفٍ ( وَكُرِهَ ) جَهْرٌ بِقِرَاءَةِ ( الْمَأْمُومِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ ، وَالْإِنْصَاتِ لَهَا ، وَإِسْمَاعُهُ الْقِرَاءَةَ لِغَيْرِهِ غَيْرُ مَقْصُود .
( وَ ) كُرِهَ لِمُصَلٍّ جَهْرُهُ بِقِرَاءَةٍ ( نَهَارًا فِي نَفْلٍ ) غَيْرِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ .
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ : وَالْأَظْهَرُ : أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالنَّهَارِ : مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، لَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ .
وَبِاللَّيْلِ : مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا ( وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ ) فِي جَهْرٍ بِقِرَاءَةٍ وَإِخْفَاتٍ فِي جَهْرِيَّةٍ وَيُخَيَّرُ أَيْضًا ( قَائِمٌ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ) مِنْ صُبْحٍ وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ ، وَتَرْكُ الْجَهْرِ أَفْضُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ ، وَجَازَ لَهُ الْجَهْرُ ، لِشَبَهِهِ بِالْإِمَامِ فِي عَدَمِ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ ( وَيُسِرُّ ) مُصَلٍّ بِقِرَاءَةٍ (
فِي قَضَاءِ صَلَاةِ جَهْرٍ ) كَصُبْحٍ ( نَهَارًا ) اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ ( وَيَجْهَرُ بِهَا ) أَيْ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ قَضَاهَا ( لَيْلًا فِي جَمَاعَةٍ ) اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ .
وَشَبَّهَهَا بِالْأَدَاءِ لِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ .
( وَ ) مُصَلٍّ لَيْلًا ( فِي نَفْلٍ يُرَاعِي الْمَصْلَحَةَ ) فِي جَهْرٍ وَإِخْفَاتٍ ، فَيُسِرُّ مَعَ مَنْ يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ ، وَيَجْهَرُ مَعَ مَنْ يَأْنَسُ بِهِ ، وَنَحْوُهُ .
وَتَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ ( وَلَا تَصِحُّ ) صَلَاةٌ ( بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ ) بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ " لِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ لَا تَخْرُجُ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْعَشَرَةِ ، حَيْثُ صَحَّ سَنَدُهُ .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ ، وَعَنْهُ وَالْإِدْغَامَ الْكَبِيرَ لِأَبِي عَمْرٍو ، وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْهُ ، ثُمَّ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ ، وَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ : أَيَّ الْقِرَاءَةِ تَخْتَارُ لِي فَأَقْرَأُ بِهَا ؟ قَالَ : قِرَاءَةَ ابْنِ الْعَلَاءِ لُغَةَ قُرَيْشٍ وَالْفُصَحَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ مِثْلُ " فَأَزَلَّهُمَا " وَ " أَزَالَهُمَا " وَ " وَصَّى " وَ " أَوْصَى " فَهِيَ أَفْضُلُ لِأَجْلِ الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ ، نَقَلَهُ حَرْبٌ .
وَ " مَالِكِ " أَحَبُّ إلَى أَحْمَدَ مِنْ " مَلِكِ " ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ( يَرْكَعُ مُكَبِّرًا ) أَيْ قَائِلًا فِي هَوِيِّهِ لِرُكُوعِهِ : اللَّهُ أَكْبَرُ ( رَافِعًا يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَائِهِ ) أَيْ التَّكْبِيرِ لِحَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ " أَنَّهُ رَأَى { مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إذَا صَلَّى ، كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ هَكَذَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ { فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ }
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
( فَيَضَعُ ) رَاكِعٌ ( يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ) نَدْبًا ، إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ وَضْعُ إحْدَاهُمَا وَضَعَهَا ، وَالتَّطْبِيقُ مَنْسُوخٌ لِحَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أُبَيٍّ ، فَطَبَّقْت بَيْنَ كَفَّيْ ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ : كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَعَنْ عُمَرَ " الرُّكَبُ سُنَّةٌ لَكُمْ ، فَخُذُوا بِالرُّكَبِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
( وَيَمُدُّ ) رَاكِعٌ ( ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَهُ ) أَيْ حِيَالَ ظَهْرِهِ فَلَا يَرْفَعُهُ عَنْ ظَهْرِهِ ، وَلَا يَخْفِضُهُ لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ " وَرَكَعَ فَاعْتَدَلَ ، وَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقْنِعْهُ " ( وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ) لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو " أَنَّهُ رَكَعَ فَجَافَى يَدَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ .
وَقَالَ : هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
( وَالْمُجْزِئُ ) مِنْ رُكُوعٍ : الِانْحِنَاءُ ( بِحَيْثُ يُمْكِنُ ) مُصَلِّيًا ( وَسَطًا ) فِي الْخِلْقَةِ ( مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَاكِعًا بِدُونِ ذَلِكَ ( وَقَدْرُهُ ) أَيْ وَقَدْرُ الِانْحِنَاءِ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْوَسَطِ ، كَطَوِيلِ الْيَدَيْنِ وَقَصِيرِهِمَا ، فَيَنْحَنِي حَتَّى يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ لَأَمْكَنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ ( وَ ) قَدْرُ الْمُجْزِئِ ( مِنْ قَاعِدٍ مُقَابَلَةُ وَجْهِهِ ) بِانْحِنَائِهِ ( مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ أَرْضٍ أَدْنَى ) أَيْ أَقَلُّ ( مُقَابَلَةٍ ) لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَاعِدًا مُعْتَدِلًا لَا يَنْظُرُ مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ ، فَإِذَا انْحَنَى بِحَيْثُ يَرَى مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الرُّكُوعِ (
وَتَتِمَّتُهَا ) أَيْ تَتِمَّةُ مُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ ( الْكَمَالُ ) فِي رُكُوعِ قَاعِدٍ .
وَقَالَ الْمَجْدُ : ضَابِطُ الْإِجْزَاءِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ : أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ وَمَنْ انْحَنَى لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الرُّكُوعُ لَمْ يُجْزِئْهُ ( وَيَنْوِيهِ ) أَيْ الرُّكُوعَ ( أَحْدَبُ لَا يُمْكِنُهُ ) رُكُوعٌ ، كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ بَعْضَهُ ، كَعَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ يُجْزِئُ الصَّحِيحَ ، وَمَنْ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الِانْحِنَاءِ إلَّا عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ يَلْزَمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ( وَيَقُولُ ) فِي رُكُوعِهِ ( سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ { لَمَّا نَزَلَتْ : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ : سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى ، قَالَ : اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ .
وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ زَادَ : وَبِحَمْدِهِ ، فَلَا بَأْسَ ، وَحِكْمَةُ التَّخْصِيصِ : أَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ ، بِخِلَافِ الْعَظِيمِ .
وَالسُّجُودُ : غَايَةُ التَّوَاضُعِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ ، وَهِيَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ ، وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوعِ فَجُعِلَ الْأَبْلَغُ مَعَ الْأَبْلَغِ ، وَالْمُطْلَقُ مَعَ الْمُطْلَقِ .
وَالْوَاجِبُ مِنْ التَّسْبِيحِ مَرَّةً لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا فِيمَا سَبَقَ .
وَسُنَّ تَكْرِيرُهُ ( ثَلَاثًا ) فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّكْرَارُ ثَلَاثًا ( أَدْنَى الْكَمَالِ ) لِحَدِيثِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ :
سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ .
وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ .
كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ، لِأَنَّ عَوْنًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، لَكِنْ عَضَّدَهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَفَتْوَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ( وَأَعْلَاهُ ) أَيْ الْكَمَالِ فِي التَّسْبِيحِ ( لِإِمَامٍ عَشْرُ ) مَرَّاتٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُصَلِّي كَصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَزَرُوا ذَلِكَ بِعَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ " ( وَ ) أَعْلَى الْكَمَالِ ( الْمُنْفَرِدِ الْعُرْفُ ) أَيْ الْمُتَعَارَفُ فِي مَوْضِعِهِ ، وَسَكَتَ عَنْ مَأْمُومٍ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ ( وَكَذَا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي سُجُودٍ ) فَحُكْمُهُ كَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ فِيمَا يَجِبُ وَأَدْنَى الْكَمَالِ وَأَعْلَاهُ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَالْكَمَالُ فِي ) قَوْلِ مُصَلٍّ ( رَبِّ اغْفِرْ لِي ، بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : ثَلَاثَ ) مَرَّاتٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا ( فِي غَيْرِ صَلَاةِ كُسُوفٍ فِي الْكُلِّ ) أَيْ تَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَبِّ اغْفِرْ لِي ، لِاسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا .
وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ( ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَ يَدَيْهِ ) إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ ، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا ، صَلَّى قَائِمًا أَوْ جَالِسًا ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ .
حَيْثُ شَرَعَ ( قَائِلًا ، إمَامٌ وَمُنْفَرِدٌ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، مُرَتَّبًا وُجُوبًا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ وَقَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ } .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ أَخَذَ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ كَقَوْلِهِ " إذَا كَبَّرَ " أَيْ أَخَذَ فِي التَّكْبِيرِ ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ رَفْعِ الْمَأْمُومِ ،
فَكَانَ مَحَلَّ رَفْعِ الْإِمَامِ ، كَالرُّكُوعِ .
وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ : قَوْلُ مَنْ تَقَدَّمَ ذَكَرَهُمْ فِي رَفْعِهِمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ .
وَيَدُلُّ لِوُجُوبِ التَّسْمِيعِ عَلَى غَيْرِ مَأْمُومٍ : حَدِيثُ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { إذَا قَالَ الْإِمَامُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ } وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
فَقَسَمَ الذِّكْرَ بَيْنَهُمَا ، وَالْقِسْمَةُ تَقْطَعُ الشَّرِكَةَ .
وَمَعْنَى " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " أَيْ تَقَبَّلَهُ وَجَازَاهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَكَّسَ التَّسْمِيعَ فَقَالَ : لِمَنْ حَمِدَهُ سَمِعَ اللَّهُ لَمْ يُجْزِهِ ، كَمَا لَوْ نَكَّسَ التَّكْبِيرَ ، وَلِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى لِأَنَّ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ : خَبَرٌ ، مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ ، فَإِذَا نُكِّسَتْ صَارَتْ صِيغَةَ شَرْطٍ لَا تَصِحُّ لِلدُّعَاءِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ رَفْعٍ مِنْ الرُّكُوعِ ( إنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا ) بِجَانِبَيْهِ ، فَيُخَيَّرُ نَصًّا ( فَإِذَا قَامَ ) أَيْ اسْتَوَى قَائِمًا حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَوْضِعِهِ لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى قَائِمًا ، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ " ( قَالَ : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِ ، مِمَّا لَا يَعْلَمُ سَعَتَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْمَعْنَى : حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ .
وَإِثْبَاتُ وَاوِ " وَلَك " أَفْضَلُ نَصًّا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ حُرُوفًا وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا ، أَيْ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ إذْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ ، وَلَا مَعْطُوفَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ ، فَيُقَدَّرُ " مِلْءُ " يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ ، وَرَفْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ .
وَالْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْبَارِ " السَّمَوَاتُ " لَكِنْ قَالَ
الْإِمَامُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ : بِالْإِفْرَادِ ، وَلَهُ قَوْلُ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " وَبِلَا وَاوٍ أَفْضَلُ .
وَإِنْ عَطَسَ فِي رَفْعِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ لَهُمَا لَمْ يُجْزِهِ نَصًّا .
وَصَحَّحَ الْمُوَفَّقُ الْإِجْزَاءَ ، كَمَا لَوْ قَالَهُ ذَاهِلًا ، وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْآخَرِ .
وَكَذَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ( وَيُحَمِّدُ ) بِالتَّشْدِيدِ ، أَيْ يَقُولُ : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ( فَقَطْ ) فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ( مَأْمُومٌ ، وَيَأْتِي بِهِ فِي رَفْعِهِ ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا قَالَ الْإِمَامُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
فَاقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِقَوْلِهِ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ لَهُمْ غَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالتَّنْقِيحِ : لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ عَلَى قَوْلِ " وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ ، تَبَعًا لِلْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا : اسْتِحْبَابَ زِيَادَةِ " أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ ، وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ : لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ " وَغَيْرُهُ مِمَّا صَحَّ ، وَمَنْ أَرَادَ رُكُوعًا فَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ قَامَ فَرَكَعَ وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَطْمَئِنَّ عَادَ إلَيْهِ لِيَطْمَئِنَّ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ابْتِدَاؤُهُ عَنْ انْتِصَابٍ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ ، وَإِنْ رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ ، ثُمَّ سَقَطَ انْتَصَبَ قَائِمًا لِيَحْصُلَ فَرْضُ الِاعْتِدَالِ عَنْهُ وَإِنْ رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ ، فَحَدَثَتْ بِهِ عِلَّةٌ مَنَعَتْهُ الْقِيَامَ سَقَطَ عَنْهُ الرَّفْعُ وَيَسْجُدُ فَإِنْ زَالَتْ عِلَّتُهُ بَعْدَ سُجُودِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ لِلرَّفْعِ ، وَإِنْ زَالَتْ قَبْلَهُ عَادَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الرُّكْنِ ، وَيَأْتِي حُكْمُ مَنْ نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ
( ثُمَّ ) بَعْدَ الِاعْتِدَالِ ( يَخِرُّ ) سَاجِدًا ( مُكَبِّرًا ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو حُمَيْدٍ فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ) أَوَّلًا بِالْأَرْضِ ، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، قَالَ الْخَطَّابِيِّ : هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَيْ الَّذِي فِيهِ " وَضْعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ " وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ { إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ ، وَلَا يَبْرُكُ بُرُوكَ الْبَعِيرِ } وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ { كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ فَأُمِرْنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ } لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
( ثُمَّ ) يَضَعُ ( يَدَيْهِ ) أَيْ كَفَّيْهِ ( ثُمَّ ) يَضَعُ ( جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَكُونُ ) فِي سُجُودِهِ ( عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ) أَيْ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ، مَثْنِيَّةً إلَى الْقِبْلَةِ لِحَدِيثِ { أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ } .
وَرُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا } ( وَالسُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ ) السَّبْعَةِ مَعَ الْأَنْفِ ( بِالْمُصَلَّى ) بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ( رُكْنٌ مَعَ الْقُدْرَةِ ) عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا يَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا : الْجَبْهَةِ ، وَالْيَدَيْنِ ، وَالرُّكْبَتَيْنِ ، وَالرِّجْلَيْنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ،
وَلِلْأَثْرَمِ وَسَعِيدٍ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا { لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُصِيبُ الْأَنْفَ مِنْهَا مَا يُصِيبُ الْجَبْهَةَ } وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ } وَ ( لَا ) تَجِبُ ( مُبَاشَرَتُهَا ) أَيْ الْمُصَلَّى ( بِشَيْءٍ مِنْهَا ) أَيْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ ، وَيَشْهَدُ لَهُ فِي الْجَبْهَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ { كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ } ( وَكُرِهَ تَرْكُهَا ) أَيْ مُبَاشَرَةِ الْمُصَلَّى بِالْيَدَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ ( بِلَا عُذْرٍ ) مِنْ نَحْوِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ، وَأَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ ( وَيُجْزِئُ بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ ) فِي السُّجُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْحَدِيث ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ كَفَّيْهِ أَوْ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فَظَاهِرُ الْخَبَرِ : يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ .
وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ ( وَمَنْ عَجَزَ ) عَنْ سُجُودٍ ( بِالْجَبْهَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ) سُجُودٌ ( بِغَيْرِهَا ) مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ ، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ ، وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { إنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَضْعَهُمَا بَعْدَ الْوَجْهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
بَلْ إنَّهُمَا تَابِعَانِ لَهُ فِي السُّجُودِ ، وَغَيْرُهُمَا أَوْلَى أَوْ مِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ ، لِعَدَمِ الْفَارِقِ ( وَيُومِئ ) عَاجِزٌ عَنْ السُّجُودِ عَلَى جَبْهَتِهِ غَايَةَ ( مَا يُمْكِنُهُ ) وُجُوبًا بِالْحَدِيثِ { إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ فَوْقَ بَعْضٍ ، كَوَضْعِ رُكْبَتَيْهِ أَوْ جَبْهَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ .
( وَسُنَّ أَنْ يُجَافِيَ ) رَجُلٌ فِي سُجُودِهِ ( عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ) وَأَنْ يُجَافِيَ ( بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهُمَا ) أَيْ وَأَنْ يُجَافِيَ فَخِذَيْهِ ( عَنْ سَاقَيْهِ ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ تَجَنَّحَ فِي سُجُودِهِ ، حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبْطَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ ) بِهِ فَيَجِبُ تَرْكُهُ ، لِحُصُولِ الْإِيذَاءِ الْمُحَرَّمِ بِهِ .
( وَ ) سُنَّ لَهُ أَنْ ( يَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا { كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( أَنْ يَعْتَمِدَ بِمَرْفِقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، إنْ طَالَ ) سُجُودُهُ لِيَسْتَرِيحَ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَكَوْا إلَيْهِ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ { اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
.
( وَ ) سُنَّ لَهُ أَنْ ( يُفَرِّقَ رُكْبَتَيْهِ ) لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ { وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ ، غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ } .
( وَ ) سُنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ ( أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ وَيُوَجِّهَهَا إلَى الْقِبْلَةِ ) لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا ، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ } وَفِيَ رِوَايَةِ { وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ } ( وَيَقُولُ ) فِي سُجُودٍ ( تَسْبِيحَهُ ) أَيْ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَتَقَدَّمَ مَا يُجْزِئُ مِنْهُ .
وَأَدْنَى الْكَمَالِ مِنْهُ وَأَعْلَاهُ ، وَإِنْ عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ فَلَمْ تَسْتَعْمِلْ أَسَافِلَهُ بِلَا حَاجَةٍ جَازَ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ .
وَإِنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ السُّجُودِ لَمْ يُجْزِئْهُ ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ سَقَطَ بِجَنْبِهِ ثُمَّ انْقَلَبَ سَاجِدًا وَنَوَاهُ أَجْزَأَهُ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ
( ثُمَّ يَرْفَعُ ) مِنْ سُجُودِهِ مُكَبِّرًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفِيهِ { ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ { وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا عَلَى يُسْرَاهُ } بِأَنْ يَبْسُطَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسَ عَلَيْهَا ( وَيَنْصِبَ يُمْنَاهُ ) أَيْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ ، وَيُخْرِجَهَا مِنْ تَحْتَهُ ( وَيَثْنِيَ أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ ) فَيَجْعَلُ بُطُونَ أَصَابِعِهَا عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا .
لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ " ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ " .
قَالَ الْأَثْرَمُ : تَفَقَّدْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَوَجَدْتُهُ يَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى ، وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ ( وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ ) كَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَلِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ ( ثُمَّ يَقُولُ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتَقَدَّمَ ) عِنْدَ ذِكْرِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَإِنْ قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لَنَا ، أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَلَا بَأْسَ ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ ( ثُمَّ يَسْجُدُ ) سَجْدَةً أُخْرَى ( كَالْأُولَى ) فِي الْهَيْئَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثُمَّ يَرْفَعُ ) مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ( مُكَبِّرًا قَائِمًا ) فَلَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ ( عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ ) أَطْلَقَ صُدُورَ عَلَى صَدْرَيْنِ ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِهِ ، لِاسْتِثْقَالِ الْجَمْعِ بَيْنَ تَثْنِيَتَيْنِ فِيمَا هُوَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ ( مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ) لَا عَلَى يَدَيْهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْأَثْرَمُ .
وَفِي لَفْظٍ ( إذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي
الصَّلَاةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( فَإِنْ شَقَّ ) عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ( فَ ) إنَّهُ يَعْتَمِدُ ( بِالْأَرْضِ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ إنَّ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، إذَا نَهَضَ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ : أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ، ثُمَّ اعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( ثُمَّ يَأْتِي ب ) رَكْعَةٍ ( مِثْلِهَا ) أَيْ الْأُولَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ ، ثُمَّ قَالَ { افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا } ( إلَّا فِي تَجْدِيدِ نِيَّةٍ فَيَكْفِي ) اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا ، قَالَ جَمْعٌ : وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ .
لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ .
( وَ ) إلَّا فِي ( تَحْرِيمِهِ ) فَلَا تُعَادُ .
( وَ ) إلَّا فِي ( اسْتِفْتَاحٍ ) فَلَا يُشْرَعُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مُطْلَقًا .
( وَ ) إلَّا فِي ( تَعَوُّذٍ ) فَلَا يُعَادُ ( إنْ تَعَوَّذَ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " كَانَ { إذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَعِيذُ ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ .
فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا كُلِّهَا كَالْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ ؛ وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، لِأَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ بِهَا السُّورَةَ ، فَأَشْبَهَ أَوَّلَ رَكْعَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَوَّذْ فِي الْأُولَى وَلَوْ عَمْدًا أَتَى بِهِ فِيمَا بَعْدَهَا .
( ثُمَّ يَجْلِسُ ) بَعْدَ فَرَاغٍ مِنْ ثَانِيَة ( مُفْتَرِشًا ) كَجُلُوسٍ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ ( وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ) وَلَا يُلْقِمُهُمَا رُكْبَتَيْهِ ( يَقْبِضُ مِنْ ) أَصَابِعِ ( يُمْنَاهُ : الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ ، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى وَيَبْسُطُ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ مَضْمُومَةً إلَى الْقِبْلَةِ ) لِيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِكُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى بِنَعْلَيْهِ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ وَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ عَقَدَ مِنْ أَصَابِعِهِ الْخِنْصَرَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا ، وَحَلَّقَ حَلْقَةً بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى عَلَى الْإِبْهَامِ ، وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ يُشِيرُ بِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَصِفَةُ التَّحْلِيقِ : أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَأْسِ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى فَيُشْبِهُ الْحَلْقَةَ مِنْ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ ( ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ) وُجُوبًا ( سِرًّا ) اسْتِحْبَابًا لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَيُخَفِّفُهُ ، وَلَا يُسْتَحَبُّ بَدْؤُهُ بِالْبَسْمَلَةِ ، وَلَا يُكْرَهُ بَلْ تَرْكُهَا أَوْلَى ( فَيَقُولُ : التَّحِيَّاتُ ) جَمْعُ تَحِيَّةٍ ، أَيْ الْعَظَمَةُ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ الْمُلْكُ وَالْبَقَاءُ .
وَعَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ : السَّلَامُ .
وَجُمِعَ لِأَنَّ مُلُوكَ الْأَرْضِ يُحَيَّوْنَ بِتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ( لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ ) قِيلَ : الْخَمْسُ ، وَقِيلَ : الْمَعْلُومَةُ فِي الشَّرْعِ ، وَقِيلَ الرَّحْمَةُ .
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا .
وَقِيلَ : الْأَدْعِيَةُ ، أَيْ هُوَ الْمَعْبُودُ بِهَا ( وَالطَّيِّبَاتُ ) أَيْ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ الْكَلَامُ .
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ( السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ) بِالْهَمْزِ ، مِنْ النَّبَأِ ، وَهُوَ الْخَبَرُ ؛ لِأَنَّهُ يُنَبِّئُ النَّاسَ ، وَيُنَبَّأُ هُوَ بِالْوَحْيِ ، وَبِتَرْكِ الْهَمْزِ
تَسْهِيلًا أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الرِّفْعَةُ لِرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ عَلَى الْخَلْقِ ( وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ) جَمْعُ بَرَكَةٍ وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ .
( السَّلَامُ عَلَيْنَا ) أَيْ الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ ( وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ) الصَّالِحُ : الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ ، أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ غَيْرُهُ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ ، وَمَنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي صَلَاتِهِ ، لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } .
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ : لَيْسَ شَيْءٌ أَشْرَفَ ، وَلَا اسْمٌ أَتَمَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعُبُودِيَّةِ ( أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) أَيْ : أُخْبِرُ بِأَنِّي قَاطِعٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، وَمِنْ خَوَاصِّ الْهَيْلَلَةِ : أَنَّ حُرُوفَهَا كُلَّهَا جَوْفِيَّةٌ ، لَيْسَ فِيهَا حَرْفٌ شَفَوِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِخْلَاصُ فَيَأْتِي بِهَا مِنْ خَالِصِ جَوْفِهِ وَهُوَ الْقَلْبُ لَا مِنْ الشَّفَتَيْنِ ، وَكُلُّ حُرُوفِهَا مُهْمَلَةٌ ، دَالَّةٌ عَلَى التَّجَرُّدِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ( وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ { كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ .
فَسَمِعَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ .
فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : التَّحِيَّاتُ } .
إلَى آخِرِهِ ، قَالَ ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ ، فَيَدْعُوَ بِهِ " .
وَفِي لَفْظٍ { عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ .
وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَر أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ : وَلَيْسَ فِي الْمُتَّفَق عَلَيْهِ حَدِيثٌ غَيْرُهُ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ .
وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
وَيَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ( وَيُشِيرُ بِسَبَّابَةِ ) يَدِهِ ( الْيُمْنَى ) بِأَنْ يَرْفَعَهَا ( مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ ) لَهَا .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا لِلسَّبِّ .
وَسَبَّابَةٌ لِأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ ( فِي تَشَهُّدِهِ وَدُعَائِهِ مُطْلَقًا ) ، أَيْ : فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ( عِنْدَ ذِكْرِ ) لَفْظِ ( اللَّهِ تَعَالَى ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا { كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُحَرِّكُهَا إذَا دَعَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : { مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعِي .
فَقَالَ : أَحَدٌ أَحَدٌ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا يُشِيرُ بِسَبَّابَةِ الْيُسْرَى وَلَا غَيْرِهَا .
وَلَوْ عُدِمَتْ سِبَابَةُ الْيُمْنَى ( ثُمَّ يَنْهَضُ ) قَائِمًا ( فِي ) صَلَاةِ ( مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَّةٍ ) كَظُهْرٍ ( مُكَبِّرًا ) لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى قِيَامٍ .
فَأَشْبَهَ الْقِيَامَ مِنْ سُجُودِ الْأُولَى ( وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ .
وَلَكِنَّهُ صَحَّ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ .
فَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ ( وَيُصَلِّي الْبَاقِي ) مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ رَكْعَةٌ مِنْ مَغْرِبٍ وَرَكْعَتَانِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ( كَذَلِكَ ) أَيْ : كَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَة ( إلَّا أَنَّهُ يُسِرُّ ) الْقِرَاءَةَ إجْمَاعًا ( وَلَا يَزِيدُ عَلَى الْفَاتِحَةِ ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَتَقَدَّمَ ، وَعَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ " وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ يَأْمُرُهُ بِهِ .
وَرَوَى الشَّالَنْجِيُّ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ : قَالَ : " لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ .
وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ ( ثُمَّ يَجْلِسُ ) لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي ( مُتَوَرِّكًا ) بِأَنْ ( يَفْرِشَ ) رِجْلَهُ ( الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ ) رِجْلَهُ ( الْيُمْنَى وَيُخْرِجَهُمَا ) أَيْ : رِجْلَيْهِ مِنْ تَحْتَهُ ( عَنْ يَمِينِهِ ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ) لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إلَى الْأَرْضِ ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَخُصَّ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ بِالِافْتِرَاشِ وَالثَّانِي بِالتَّوَرُّكِ خَوْفَ السَّهْوِ .
وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ خَفِيفٌ ، وَالْمُصَلِّي بَعْدَهُ يُبَادِرُ بِالْقِيَامِ ، بِخِلَافِ الثَّانِي .
فَلَيْسَ بَعْدَهُ عَمَلٌ .
بَلْ يُسَنُّ مُكْثُهُ لِنَحْوِ تَسْبِيحٍ وَدُعَاءٍ ( ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ) سِرًّا ( التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ، ثُمَّ يَقُولُ سِرًّا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ) أَيْ : عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ ( إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ .
إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) .
لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ قُلْنَا { : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْنَا ، أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ السَّلَامُ ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ ؟ قَالَ : قُولُوا فَذَكَرَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( أَوْ ) يَقُولُ ( كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ ، وَكَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ ) لِوُرُودِهِ أَيْضًا .
( وَ ) الصِّفَةُ ( الْأُولَى أَوْلَى ) لِكَوْنِ حَدِيثِهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ .
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ : أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى التَّشَهُّدِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا ، لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا .
وَالْجَوَابُ عَنْ تَشْبِيهِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ :
أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ .
فَهُمَا كَرَجُلَيْنِ أُعْطِيَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا وَالْآخَر أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ طُلِبَ لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ مِثْلُ مَا أُعْطِيَ صَاحِبُ الْأَلْفِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، فَلَا يُرَدُّ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ .
ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ .
وَلَوْ أَبْدَلَ آلَ بِأَهْلٍ لَمْ يَجُزْ ، لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ ، وَتَغَايُرِ الْمَعْنَى ، إذْ الْأَهْلُ الْقَرَابَةُ .
وَالْآلُ الْأَتْبَاعُ فِي الدِّينِ ( ثُمَّ يَقُولُ نَدْبًا : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ) أَيْ : الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ( وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ .
فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ : مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَالْمَسِيحُ : بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ ( وَإِنْ دَعَا ) فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِير ( بِمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ ) أَيْ : الْقُرْآنِ نَحْوَ { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } فَلَا بَأْسَ ( أَوْ ) دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي ( السُّنَّةِ ) نَحْوَ { اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ إلَّا أَنْتَ .
فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك ، وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الصِّدِّيقِ ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ } .
قَالَ قُلْ - فَذَكَرَهُ " ( أَوْ ) دَعَا بِمَا ( وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ ) كَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي
سُجُودِهِ : " اللَّهُمَّ كَمَا صُنْت وَجْهِي عَنْ السُّجُودِ لِغَيْرِك ، فَصُنْ وَجْهِي عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِغَيْرِك " ( أَوْ ) دَعَا بِمَا وَرَدَ عَنْ ( السَّلَفِ ) الصَّالِحِ فَلَا بَاسَ ( أَوْ ) دَعَا ( بِأَمْرِ الْآخِرَةِ ) اللَّهُمَّ أَحْسِنْ خَاتِمَتِي ( وَلَوْ لَمْ يُشْبِهْ مَا وَرَدَ ) مِمَّا سَبَقَ فَلَا بَاسَ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ( ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ ) ( أَوْ ) دَعَا ( لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِغَيْرِ كَافِ الْخِطَابِ ) كَمَا كَانَ أَحْمَدُ يَدْعُو لِجَمَاعَةٍ فِي الصَّلَاةِ ، مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ( وَتَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِهِ ) أَيْ : بِالدُّعَاءِ بِكَافِ الْخِطَابِ ، كَمَا لَوْ خَاطَبَ آدَمِيًّا بِغَيْرِ الدُّعَاءِ ( فَلَا بَاسَ ) لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَمَّا السُّجُودُ فَكَثِّرُوا فِيهِ الدُّعَاءَ } وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ بِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ جَمِيع الدُّعَاءِ ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِدَلِيلٍ .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَمَسْلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ } وَلَا تَبْطُلُ أَيْضًا بِقَوْلِ : لَعَنَهُ اللَّهُ ، عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْطَانِ ، وَلَا بِتَعْوِيذِ نَفْسِهِ بِقُرْآنٍ لِحُمَّى ، وَنَحْوِهَا .
وَلَا يَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ لِلَدْغِ الْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِ ، أَوْ لَوْ جَمَعَ مَرِيضٌ عِنْدَ قِيَامٍ وَانْحِطَاطٍ ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ : أَوْ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ : أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدُّعَاءُ بِمَا يَقْصِدُ مِنْهُ مَلَاذَ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا ، كَاللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ ، أَوْ طَعَامًا طَيِّبًا ، أَوْ بُسْتَانًا أَنِيقًا ، فَتَبْطُلُ بِهِ .
لِحَدِيثِ { إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( مَا لَمْ يَشُقَّ ) إمَامٌ بِالدُّعَاءِ ( عَلَى مَأْمُومٍ ؛ ، أَوْ يَخَفْ ) مُصَلٍّ بِدُعَائِهِ ( سَهْوًا ) بِإِطَالَتِهِ فَيَتْرُكُهُ .
(
وَكَذَا ) أَيْ : كَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِير الدُّعَاءُ فِي ( رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَقُنُوتٍ ، وَاسْتُحِبَّ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ : إكْثَارُ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ ، لِلْخَبَرِ ( ثُمَّ يَقُولُ ) وُجُوبًا : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ( عَنْ يَمِينِهِ ) اسْتِحْبَابًا ( ثُمَّ ) يَقُولُ ( عَنْ يَسَارِهِ ) كَذَلِكَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ { : كُنْت أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( مُرَتَّبًا ، مُعَرَّفًا ) بِأَلْ ( وُجُوبًا ) فَلَا يُجْزِئُ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، وَلَا سَلَامِي عَلَيْكُمْ ، وَلَا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ ، وَلَا السَّلَامُ عَلَيْهِمْ .
لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ .
وَقَالَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } فَإِنْ تَعَمَّدَ قَوْلًا مِمَّا ذُكِرَ .
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ الْوَارِدَ ، وَيُخِلُّ بِحَرْفٍ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ .
( وَسُنَّ الْتِفَاتُهُ عَنْ يَسَارِهِ أَكْثَرَ ) مِنْ الْتِفَاتِهِ عَنْ يَمِينِهِ ، لِحَدِيثِ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا { كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ } رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ بِإِسْنَادِهِ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( حَذْفُ السَّلَامِ ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ " حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ " .
وَرُوِيَ مَرْفُوعًا ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
( وَهُوَ ) أَيْ : حَذْفُ السَّلَامِ ( أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا يَمُدُّهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا عَلَى النَّاسِ ) إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( جَزْمُهُ ) أَيْ : السَّلَامِ لِقَوْلِ النَّخَعِيّ : " السَّلَامُ جَزْمٌ ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ " ( بِأَنْ يَقِفَ عَلَى آخِرِ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ )
إذْ الْجَزْمُ لُغَةً الْقَطْعُ ، أَيْ : قَطْعُ إعْرَابِهِ بِتَسْكِينِ آخِرِهِ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( نِيَّتُهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي ( بِهِ ) أَيْ : السَّلَامِ ( الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ ) لِتَكُونَ النِّيَّةُ شَامِلَةً لِطَرَفَيْ الصَّلَاةِ ، وَلَا يَجِبُ ، لِأَنَّ النِّيَّةَ شَمِلَتْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ السَّلَامِ عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَازَ ، وَلَا يُسْتَحَبُّ نَصًّا .
وَكَذَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ دُونَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ ( وَلَا يُجْزِئُ إنْ لَمْ يَقُلْ : وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ ، أَيْ : فِي التَّشَهُّدِ ، وَهُوَ سَلَامٌ فِي صَلَاةٍ ، وَرَدَ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ فَلَمْ يَجُزْ بِدُونِهَا كَالسَّلَامِ ( وَالْأَوْلَى : أَنْ لَا يَزِيدَ وَبَرَكَاتُهُ ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَخْبَارِ ، لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّ ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ ( وَأُنْثَى كَرَجُلٍ ، حَتَّى فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ ) لِشُمُولِ الْخِطَابِ لَهَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } وَلِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا .
رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ( لَكِنْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي نَحْوِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ؛ فَلَا يُسَنُّ لَهَا التَّجَافِي ) لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَبِيبٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ ، فَقَالَ : إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ ، وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ ، فَالْأَلْيَقُ بِهَا الِانْضِمَامُ ( وَتَجْلِسُ ) امْرَأَةٌ ( مُسْدِلَةٌ رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا وَهُوَ أَفْضَلُ ) مِنْ تَرَبُّعِهَا ، لِأَنَّهُ غَالِبُ جُلُوسِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَشْبَهُ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ ، وَأَبْلَغُ فِي الْإِكْمَالِ وَالضَّمِّ ، وَأَسْهَلُ عَلَيْهَا ( أَوْ ) تَجْلِسُ ( مُتَرَبِّعَةً ) لِأَنَّ ابْنَ
عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ ( وَتُسِرُّ ) وُجُوبًا ( بِالْقِرَاءَةِ إنْ سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ ) خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا ( وَالْخُنْثَى كَأُنْثَى ) فِيمَا تَقَدَّمَ احْتِيَاطًا .
فَصْلٌ ثُمَّ يُسَنُّ عَقِبَ مَكْتُوبَةٍ ( أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ ثَلَاثًا ، وَيَقُولَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) لِلْخَبَرِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ : وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ، زَادَ بَعْضُهُمْ وَ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ ، وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضًا " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " ( وَ ) يَقُولُ ( ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ) لِلْخَبَرِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ حَيْثُ ذُكِرَ الْعَدَدُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا قُصِدَ أَنْ لَا يُنْقَصَ مِنْهُ ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَضُرُّ لَا سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ يُشْبِهُ الْمُقَدَّرَ فِي الزَّكَاةِ إذَا زَادَ عَلَيْهِ ( وَيَفْرُغُ مِنْ عَدَدِ الْكُلِّ ) أَيْ : قَوْلِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ( مَعًا ) قَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ، لِلنَّصِّ وَاخْتَارَ الْقَاضِي : الْإِفْرَادَ ، وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِذَلِكَ .
وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ خِلَافَهُ ، وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفٌ ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ، قَالَ : وَيَتَوَجَّهُ يَجْهَرُ بِقَصْدِ التَّعْلِيمِ فَقَطْ ثُمَّ يَتْرُكُهُ ( وَيَعْقِدُهُ ) أَيْ : يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّكْبِيرَ بِعُقَدِ أَصَابِعِهِ اسْتِحْبَابًا .
( وَ ) يَعْقِدُ ( الِاسْتِغْفَارَ بِيَدِهِ ) لِحَدِيثِ بُسْرَةَ قَالَتْ : { قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الْهِمَّةَ ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَمِمَّا وَرَدَ أَيْضًا " اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ " وَمِنْهُ أَيْضًا بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشْرًا " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ " ( وَيَدْعُو الْإِمَامُ ) اسْتِحْبَابًا ( بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } خُصُوصًا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لِحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا فَيُؤَمِّنُونَ .
وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ : بَسْطُ يَدَيْهِ وَرَفْعُهُمَا إلَى صَدْرِهِ ، وَكَشْفُهُمَا أَوْلَى هُنَا ، وَعِنْدَ إحْرَامٍ ، وَالْبُدَاءَة بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَخَتْمُهُ بِهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَالَ الْآجُرِّيُّ : وَوَسَطُهُ : لِخَبَرِ جَابِرٍ .
وَسُؤَالِهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِدُعَاءٍ جَامِعٍ مَأْثُورٍ ، بِتَأَدُّبٍ ، وَخُشُوعٍ ، وَخُضُوعٍ وَعَزْمٍ وَرَغْبَةٍ وَخُضُوعِ قَلْبٍ وَرَجَاءٍ .
وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ ، وَيُلِحُّ بِهِ وَيُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا وَيَبْدَأُ بِنَفْسِهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُعِمُّ ، وَيُؤَمِّنُ مُسْتَمِعٌ فَيَصِيرُ كَدَاعٍ ، وَيُؤَمِّنُ دَاعٍ فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ وَيَخْتِمُهُ بِهِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ : لَا يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ .
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ مَرْفُوعًا { رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي } ( وَلَا يُكْرَهُ ) لِلْإِمَامِ ( أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ ) بِالدُّعَاءِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَالْمُرَادُ الَّذِي لَا يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعُمُّ ، وَإِلَّا فَقَدْ خَانَهُمْ .
وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ { ثَلَاثَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ ، لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَشُرِطَ ) لِلدُّعَاءِ ( الْإِخْلَاصُ ) لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
قَالَ الْآجُرِّيُّ ( وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ ) وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ : أَنَّهُ مِنْ الْأَدَبِ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : تَبْعُدُ إجَابَتُهُ إلَّا مُضْطَرًّا ، أَوْ مَظْلُومًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ .
فَصْلٌ يُكْرَهُ فِيهَا أَيْ : الصَّلَاةِ ( الْتِفَاتٌ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : { سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ : هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( بِلَا حَاجَةٍ كَخَوْفٍ وَنَحْوِهِ ) كَمَرَضٍ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ : { ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ : " وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إلَى الشِّعْبِ يَحْرُسُ " وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
فَإِنْ كَانَ بِوَجْهِهِ فَقَطْ .
أَوْ بِهِ صَدْرُهُ لَمْ تَبْطُلْ ( وَإِنْ اسْتَدَارَ بِجِلْسَتِهِ ، أَوْ اسْتَدْبَرَهَا لَا فِي الْكَعْبَةِ ) أَيْ : الْقِبْلَةِ مُصَلٍّ ( أَوْ فِي شِدَّةِ خَوْفٍ ، أَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ) حَيْثُ كَانَ فَرْضُهُ الِاجْتِهَادَ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ، لِتَرْكِهِ الِاسْتِقْبَالَ ، وَأَمَّا فِي الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْكَعْبَةِ إذَا اسْتَدْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا كَانَ مُسْتَقْبِلًا مَا قَابَلَهُ ، وَفِي شِدَّةِ الْخَوْفِ يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ .
وَفِي صُورَةِ الِاجْتِهَادِ صَارَتْ قِبْلَتُهُ الَّتِي تَغَيَّرَ إلَيْهَا اجْتِهَادُهُ .
وَلِذَا وَجْهٌ فِي الْإِنْصَافِ : عَدَمُ اسْتِثْنَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَارَ إلَى قِبْلَتِهِ ( وَ ) يُكْرَهُ فِي صَلَاةٍ ( رَفْعُ بَصَرِهِ ) إلَى السَّمَاءِ ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ : لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
و ( لَا ) يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ ( حَالَ التَّجَشِّي ) فِي الصَّلَاةِ جَمَاعَةً ، فَيَرْفَعُ وَجْهَهُ ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِي صَلَاةٍ ( تَغْمِيضُهُ ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ
الْيَهُودِ ، وَمَظِنَّةُ النَّوْمِ ، وَنَقَلَ : أَبُو دَاوُد إنْ نَظَرَ امْرَأَتَهُ عُرْيَانَةً غَمَّضَ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى : إذَا رَأَى مَنْ يُحَرَّمُ نَظَرُهُ إلَيْهِ ( و ) يُكْرَهُ أَيْضًا فِيهَا ( حَمْلُ مُشْغِلٍ عَنْهَا ) ، لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا ( افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ ، وَلَا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ( وَ ) يُكْرَهُ ( إقْعَاؤُهُ ) فِي جُلُوسِهِ ( بِأَنْ يَفْتَرِشَ قَدَمَيْهِ وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ ) كَذَا فَسَّرَهُ بِهِ أَحْمَدُ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ وَالْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهَا ( ، أَوْ ) أَنْ يَجْلِسَ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ : بَيْنَ عَقِبَيْهِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ ( نَاصِبًا قَدَمَيْهِ ) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ : فَهُوَ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ ، نَاصِبًا فَخِذَيْهِ ، مِثْلُ إقْعَاءِ الْكَلْبِ ، قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَكُلٌّ مِنْ الْجِلْسَتَيْنِ مَكْرُوهٌ ، لِمَا رَوَى الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ عَنْ عَلِيٍّ .
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ } وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { إذَا رَفَعْت رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَلَا تُقْعِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ } رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا ( عَبَثٌ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ : لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ } ( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا ( تَخَصُّرٌ ) أَيْ : وَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ { نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا ( تَمَطٍّ ) لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ هَيْئَةِ الْخُشُوعِ ( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا ( فَتْحُ فَمِهِ وَوَضْعِهِ فِيهِ شَيْئًا ) لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ ، وَيَمْنَعُ كَمَالَ الْحُرُوفِ .
و ( لَا ) يُكْرَهُ وَضْعُهُ
شَيْئًا ( فِي يَدِهِ ) نَصًّا وَلَا فِي كُمِّهِ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا ( اسْتِقْبَالُ صُورَةٍ ) مَنْصُوبَةٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ .
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ صَغِيرَةً ، لَا تَبْدُو لِنَاظِرٍ إلَيْهَا ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَى غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ ، وَلَا سُجُودُهُ عَلَى صُورَةٍ ، وَلَا صُورَةٌ خَلْفَهُ فِي الْبَيْتِ ، وَلَا فَوْقَ رَأْسِهِ فِي سَقْفٍ ، وَلَا عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ( وَجْهِ آدَمِيٍّ ) نَصًّا .
وَإِلَى امْرَأَةٍ تُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ ، لَا حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ وَيُصَلِّي إلَيْهَا } .
( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا اسْتِقْبَالُ ( مَا يَلِيهِ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ ، فَنَظَرَ إلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْخَمِيصَةُ : كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ ، وَالْأَنْبِجَانِيَّة : كِسَاءٌ غَلِيظٌ ( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ( نَارٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَتْ نَارَ حَطَبٍ ، أَوْ سِرَاجٍ ، أَوْ فِي قَنَادِيلَ ، أَوْ شَمْعَةٍ .
نَصًّا ، لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ( مُتَحَدِّثٍ ) { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى النَّائِمِ وَالْمُتَحَدِّثِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ عَنْ حُضُورِ قَلْبِهِ فِيهَا .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ( نَائِمٍ ) لِلْخَبَرِ .
( وَ ) يُكْرَهُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ ( كَافِرٍ ) لِأَنَّهُ نَجَسٌ .
( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( تَعْلِيقُ شَيْءٍ فِي قِبْلَتِهِ ) لَا وَضْعِهِ بِالْأَرْضِ .
قَالَ أَحْمَدُ : كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْعَلُوا فِي الْقِبْلَةِ شَيْئًا حَتَّى الْمُصْحَفَ ، وَتُكْرَهُ أَيْضًا الْكِتَابَةُ فِي قِبْلَتِهِ ، وَأَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْن يَدَيْهِ
نَجَاسَةٌ ، أَوْ بَابٌ مَفْتُوحٌ .
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : ( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا لِمُصَلٍّ ( حَمْلُ ثَوْبٍ ، أَوْ فَصٍّ وَنَحْوِهِ فِيهِ صُورَةٌ ) وَتَقَدَّمَ : يُكْرَهُ صَلِيبٌ فِي ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ ( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( مَسُّ الْحَصَا وَتَقْلِيبُهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَا فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ بِلَا عُذْرٍ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ ، فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ .
( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( تَرَوُّحٌ بِمِرْوَحَةٍ وَنَحْوِهَا بِلَا حَاجَةٍ ) إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ .
( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( فَرْقَعَةُ أَصَابِعِهِ وَتَشْبِيكِهَا ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { : لَا تُقَعْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَى رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ ، فَفَرَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - فِي الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ " تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا ( مَسُّ لِحْيَتِهِ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْعَبَثِ ( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا ( عَقْصُ شَعْرِهِ وَكَفُّ ثَوْبِهِ ) وَتَشْمِيرُ كُمِّهِ ، وَلَوْ لِعَمَلٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ .
لِحَدِيثِ { وَلَا أَكُفُّ ثَوْبًا وَلَا شَعَرًا .
} و " رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ ، فَجَعَلَ يَحِلُّهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : مَالَكَ وَلِرَأْسِي ؟ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { : إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ } وَنَهَى أَحْمَدُ رَجُلًا كَانَ إذَا سَجَدَ جَمَعَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى .
وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُشَمِّرَ ثِيَابَهُ ، لِقَوْلِهِ : : " تَرِبَ تَرِبَ " .
( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ
أَيْضًا ( أَنْ يَخُصَّ جَبْهَتَهُ بِمَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ ( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ فِيهَا ( مَسْحُ أَثَرِ سُجُودِهِ ) .
وَفِي الْمُغْنِي : إكْثَارُهُ مِنْهُ ، وَلَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ .
( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ ( تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهَا بِهِ ، لِأَنَّهَا رُكْنٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ : أَنَّ تَكْرَارَ الْقَوْلِيِّ لَا يُخِلُّ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ .
( وَ ) يُكْرَهُ ( اسْتِنَادُهُ ) إلَى نَحْوِ جِدَارٍ ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَشَقَّةَ الْقِيَامِ ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( فَإِنْ سَقَطَ ) مُسْتَنِدٌ ( لَوْ أُزِيلَ ) مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ ( لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ .
( وَ ) يُكْرَهُ ( ابْتِدَاؤُهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( فِيمَا ) أَيْ : حَالَ ( يَمْنَعُ كَمَالَهَا كَحَرٍّ ) مُفْرِطٍ ( وَبَرْدٍ وَجُوعٍ ) مُفْرِطٍ ( وَعَطَشٍ مُفْرِطٍ ) لِأَنَّهُ يُقْلِقُهُ وَيَشْغَلُهُ عَنْ حُضُورِ قَلْبِهِ فِيهَا ( أَوْ ) أَنْ يَبْتَدِئَهَا ( حَاقِنًا ) بِالنُّونِ ، أَيْ : مُحْتَبِسَ بَوْلٍ ( ، أَوْ حَاقِبًا ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، أَيْ : مُحْتَبِسَ غَائِطٍ ( أَوْ ) يَبْتَدِئَهَا ( مَعَ رِيحٍ مُحْتَبَسَةٍ ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يُزْعِجُهُ ، كَتَعَبٍ شَدِيدٍ ( أَوْ ) يَبْتَدِئَهَا ( تَائِقًا ) أَيْ : مُشْتَاقًا ( لِطَعَامٍ وَنَحْوِهِ ) كَجِمَاعٍ وَشَرَابٍ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ .
لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ " كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ ، وَأَنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ " ( مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ ) عَنْ الْمَكْتُوبَةِ ، أَيْ : عَنْ فِعْلِ جَمِيعِهَا فِيهِ ( فَتَجِبُ ) الْمَكْتُوبَةُ ( وَيَحْرُمُ اشْتِغَالُهُ بِغَيْرِهَا ) إذَنْ ، لِتَعَيُّنِ
الْوَقْتِ لَهَا ، وَيُكْرَهُ نَفْخُهُ فِيهَا ، وَاعْتِمَادُهُ عَلَى يَدَيْهِ فِي جُلُوسِهِ بِلَا حَاجَةٍ ، وَصَلَاتُهُ مَكْتُوفًا ( وَسُنَّ ) لِمُصَلٍّ ( تَفْرِقَتُهُ ) بَيْنَ قَدَمَيْهِ ( وَمُرَاوَحَتُهُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ ) بِأَنْ يَقَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا مَرَّةً ، ثُمَّ عَلَى الْأُخْرَى أُخْرَى ، إذَا طَالَ قِيَامُهُ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُفَرِّجُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ وَرَأَيْته يُرَاوِحُ بَيْنَهُمَا ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي صَافًّا بَيْنَ قَدَمَيْهِ فَقَالَ : لَوْ رَاوَحَ هَذَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِيهِ ، قَالَ : " أَخْطَأَ السُّنَّةَ ، لَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ " ( وَتُكْرَهُ كَثْرَتُهُ ) أَيْ : كَثْرَةُ أَنْ يُرَاوِحَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَمَايُلَ الْيَهُودِ .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعًا { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَكِّنْ أَطْرَافَهُ ، وَلَا يَمِلْ مَيْلَ الْيَهُودِ } ( و ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( حَمْدُهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي ( إذَا عَطَسَ ، أَوْ ) إذَا ( وَجَدَ مَا يَسُرُّهُ و ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( اسْتِرْجَاعُهُ ) أَيْ : قَوْلُهُ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ( إذَا وَجَدَ مَا يَغُمُّهُ ) وَكَذَا قَوْلُ : بِسْمِ اللَّهِ إذَا لُسِعَ ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ ، إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ وَنَحْوَهُ ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِهِ .
وَكَذَا لَوْ خَاطَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ، كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَقَّ عَلَيْهِ { : اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمَنِينَ } وَلِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى { يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } وَمَنْ أَتَى بِصَلَاةٍ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ ، عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ .
وَ ( سُنَّ ) لِمُصَلٍّ ( رَدُّ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ ) كَبِيرٍ ، أَوْ صَغِيرٍ ، أَوْ بَهِيمَةٍ بِلَا عُنْفٍ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ ، فَمَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هُنَّ أَغْلَبُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ عَمْرُو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إلَى جِدَارٍ اتَّخَذَهُ قِبْلَةً ، وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِيهَا ، حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ } ( مَا لَمْ يَغْلِبْهُ ) الْمَارُّ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ( أَوْ يَكُنْ ) الْمَارُّ ( مُحْتَاجًا ) إلَى مُرُورٍ ، لِضِيقِ الطَّرِيقِ ، وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ بِمَوْضِعٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُرُورِ ( أَوْ ) يَكُنْ ( بِمَكَّةَ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى بِمَكَّةَ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَفِي الْمُغْنِي : وَالْحَرَمُ كَهِيَ ( فَإِنْ أَبَى ) الْمَارُّ إلَّا الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَدَفَعَهُ الْمُصَلِّي ( فَإِنْ أَصَرَّ ) عَلَى إرَادَةِ الْمُرُورِ وَلَمْ يَنْدَفِعْ بِالدَّفْعِ ( فَلَهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي ( قِتَالُهُ ) لَا بِنَحْوِ سَيْفٍ ، وَلَوْ مَشَى لَهُ قَلِيلًا ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَبِي دَاوُد { إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلْيَدْرَأْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ
فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ } أَيْ : فِعْلُهُ فِعْلُ شَيْطَانٍ ، أَوْ هُوَ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : مَعَهُ شَيْطَانٌ ( وَلَا يُكَرِّرُهُ ) أَيْ : الدَّفْعَ ( إنْ خَافَ فَسَادَهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ ( وَيَضْمَنُهُ ) أَيْ : يَضْمَنُ مُصَلٍّ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ ( مَعَهُ ) أَيْ : مَعَ تَكْرَارِ الدَّفْعِ مِنْ خَوْفِ الْفَسَادِ ، لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ إذَنْ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ بِدُونِهِ .
وَتَنْقُصُ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَرُدَّ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ بِلَا عُذْرٍ ( وَيَحْرُمُ مُرُورٌ بَيْنَهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي ( وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ .
وَلَوْ ) كَانَتْ ( بَعِيدَةً ) لِحَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ مَرْفُوعًا { لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ } وَلِمُسْلِمٍ { لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي } .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : إنْ احْتَاجَ إلَى الْمُرُورِ أَلْقَى شَيْئًا ثُمَّ مَرَّ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي سُتْرَةٌ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْمُرُورُ ( فَفِي ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ ) مِنْ قَدَمِ الْمُصَلِّي ( وَلَهُ ) أَيْ : يُبَاحُ لِلْمُصَلِّي ( عَدُّ آيِ ) جَمْعِ آيَةٍ بِأَصَابِعِهِ .
( وَ ) لَهُ عَدُّ ( تَسْبِيحٍ بِأَصَابِعِهِ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى عَدِّ الْآيِ .
( وَ ) لِمُصَلٍّ ( قَوْلُ : سُبْحَانَكَ ، فَبَلَى إذَا قَرَأَ { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } نَصًّا ، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا لِلْخَبَرِ .
وَأَمَّا { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ؟ } فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ( وَ ) لِمُصَلٍّ " قِرَاءَةٌ فِي الْمُصْحَفِ ، وَنَظَرٌ فِيهِ " أَيْ : الْمُصْحَفِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْقِيَامَ وَهُوَ يَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ ، قِيلَ لَهُ : الْفَرِيضَةُ ؟ قَالَ : لَمْ أَسْمَعْ فِيهَا شَيْئًا .
وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ
يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ ، فَقَالَ : كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ ( وَ ) لِمُصَلٍّ أَيْضًا ( سُؤَالُ ) اللَّهِ الرَّحْمَةَ ( عِنْدَ ) قِرَاءَتِهِ ، أَوْ سَمَاعِهِ ( آيَةَ رَحْمَةٍ وَتَعَوُّذٍ بِهِ ) أَيْ : أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ ( عِنْدَ ) مُرُورِهِ عَلَى ( آيَةِ عَذَابٍ و ) لَهُ ( نَحْوُهُمَا ) أَيْ : الْمَذْكُورَاتُ ، كَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ آيَةٍ هُوَ فِيهَا ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ : { صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ ، فَقُلْت : يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ، ثُمَّ مَضَى - إلَى أَنْ قَالَ - إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ } مُخْتَصَرٌ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِخَيْرٍ ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ ( وَ ) لِمُصَلٍّ ، أَيْضًا ( رَدُّ السَّلَامِ إشَارَةً ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ } حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو دَاوُد ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فَإِنْ رَدَّهُ الْمُصَلِّي لَفْظًا بَطَلَتْ ، وَلَا يَرُدُّهُ فِي نَفْسِهِ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ : لَوْ صَافَحَ إنْسَانًا يُرِيدُ السَّلَامَ لَمْ تَبْطُلْ .
وَلَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ بِالْيَدِ وَالْعَيْنِ ، لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلَا بِالسَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي .
( وَ ) لَهُ أَيْضًا ( قَتْلُ حَيَّةً وَعَقْرَبٍ وَقَمْلَةٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ : الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ عُمَرَ .
وَأَنَسٌ : كَانَا يَقْتُلَانِ الْقَمْلَةَ فِيهَا .
قَالَ الْقَاضِي : وَالتَّغَافُلُ عَنْهُ أَوْلَى ، وَإِذَا قَتَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ دَفَنَهَا ، أَوْ أَخْرَجَهَا .
( وَ ) لَهُ أَيْضًا ( لُبْسُ عِمَامَةٍ وَثَوْبٍ ) لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
الْتَحَفَ بِإِزَارِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ } ( مَا لَمْ يُطِلْ ) وَلَا يَتَقَيَّدُ الْجَائِزُ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي { فَتْحِهِ الْبَابَ لِعَائِشَةَ } وَغَيْرِهِ ، ظَاهِرُهُ زِيَادَتُهُ عَلَى الثَّلَاثِ .
كَتَأَخُّرِهِ حَتَّى تَأَخَّرَ الرِّجَالُ فَانْتَهَوْا إلَى صَفِّ النِّسَاءِ .
وَكَذَلِكَ مَشَى أَبِي بَرْزَةَ مَعَ دَابَّتِهِ ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ : بَابُهُ التَّوْقِيفُ ، وَهَذَا لَا تَوْقِيفَ فِيهِ .
فَإِنْ طَالَ عُرْفًا وَتَوَالَى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ ، إلَّا لِضَرُورَةٍ .
وَيَأْتِي ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ قَطَعَ الصَّلَاةَ ، وَفَعَلَهُ ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا ( وَ ) لِمَأْمُومٍ ( فَتْحٌ عَلَى إمَامِهِ إذَا أُرْتِجَ ) بِتَخْفِيفِ الْجِيمِ ، أَيْ : الْتَبَسَ عَلَيْهِ ( ، أَوْ غَلِطَ ) فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ، رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى صَلَاةً فَلَبِسَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأَبِي : أَصَلَّيْت مَعَنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَمَا مَنَعَك أَنْ تُنَبِّهَ عَلَيْنَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ الْخَطَّابِيِّ : إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَكَالتَّنْبِيهِ بِالتَّسْبِيحِ ( وَيَجِبُ ) فَتْحُهُ عَلَى إمَامِهِ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ ، أَوْ غَلِطَ ( فِي الْفَاتِحَةِ ، كَنِسْيَانِ إمَامِهِ سَجْدَةً ) فَيَلْزَمُهُ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهَا لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ بِهَا كَالْأُمِّيِّ يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ، فَإِنْ كَانَ إمَامًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ رُكْنٍ يَمْنَعُ الِائْتِمَام بِهِ كَالرُّكُوعِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ ، وَيُكْرَهُ فَتْحُ مُصَلٍّ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ
( وَإِذَا نَابَهُ ) أَيْ : عَرَضَ لِمُصَلٍّ ( شَيْءٌ ) أَيْ : أَمْرٌ ( كَاسْتِئْذَانٍ عَلَيْهِ ، وَسَهْوِ إمَامِهِ ) عَنْ وَاجِبٍ ، أَوْ بِفِعْلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ( سَبَّحَ ) بِإِمَامٍ وُجُوبًا ، وَبِمُسْتَأْذِنٍ اسْتِحْبَابًا ( رَجُلٌ ، وَلَا تَبْطُلُ ) صَلَاتُهُ ( إنْ كَثُرَ ) تَسْبِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ ( وَصَفَّقَتْ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى ) لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { إذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ ، فَلْتُسَبِّحْ الرِّجَالُ ، وَلْتُصَفِّقْ النِّسَاءُ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا إنْ كَثُرَ ) تَصْفِيقُهَا ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ( وَكُرِهَ ) تَنْبِيهٌ مِنْهُمَا ( بِنَحْنَحَةٍ ) لِلِاخْتِلَافِ فِي الْإِبْطَالِ بِهَا ( وَ ) كُرِهَ ( بِصَفِيرٍ ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } " .
( وَ ) كُرِهَ ( تَصْفِيقُهُ ) لِتَنْبِيهٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، لِلْآيَةِ ( وَ ) كُرِهَ ( تَسْبِيحُهَا ) لِلتَّنْبِيهِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أُمِرَتْ بِهِ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ تَنْبِيهٌ مِنْهُمَا ( بِقِرَاءَةٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرٍ وَنَحْوِهِ ) كَتَحْمِيدٍ وَاسْتِغْفَارٍ .
كَمَا لَوْ أَتَى بِهِ لِغَيْرِ تَنْبِيهٍ .
وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ : لَا تَبْطُلُ بِتَصْفِيقِهَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ ، وَتَبْطُلُ بِهِ ، لِمُنَافَاةِ الصَّلَاةِ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ( وَمَنْ غَلَبَهُ تَثَاؤُبٌ كَظَمَ نَدْبًا ، وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَكْظِمْ ، قَالَ فِي شَرْحِهِ : لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ( وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ) لِحَدِيثِ { إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فَاهُ } .
" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ { فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ } " قَالَ بَعْضُهُمْ : الْيُسْرَى بِظَهْرِهَا لِيُشْبِهَ الدَّافِعَ لَهُ ( وَإِنْ بَدَرَهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّيَ ( بُصَاقٌ ، أَوْ مُخَاطٌ ، أَوْ نُخَامَةٌ ، أَزَالَهُ فِي ثَوْبِهِ ) وَعَطَفَ أَحْمَدُ بِوَجْهِهِ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ - فَبَصَقَ خَارِجَهُ ( وَيُبَاحُ ) أَنْ يَبْصُقَ
وَنَحْوَهُ ( بِغَيْرِ مَسْجِدٍ عَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ ) زَادَ بَعْضُهُمْ : الْيُسْرَى ، لِحَدِيثِ { فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ } .
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا ، وَوَصَفَ الْقَاسِمُ ، { فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ } " وَلِحَدِيثِ { الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْخَطِيئَةِ الْحُرْمَةُ ، أَوْ الْكَرَاهَةُ ؟ قَوْلَانِ ، قَالَهُ السُّيُوطِيّ .
( وَ ) بَصْقُهُ وَنَحْوُهُ ( فِي ثَوْبٍ أَوْلَى ) مِنْ كَوْنِهِ عَنْ يَسَارِهِ ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ بِهِ ( وَيُكْرَهُ ) بَصْقُهُ وَنَحْوُهُ ( يَمْنَةً وَأَمَامًا ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَاحْتِرَامًا لِحَفَظَةِ الْيَمِينِ ( وَلَزِمَ ) مَنْ رَأَى نَحْوَ بُصَاقٍ فِي مَسْجِدٍ ( حَتَّى غَيْرَ بَاصِقٍ : إزَالَتُهُ مِنْ مَسْجِدٍ ) لِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ { وَجَدْت فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِنَا النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تُدْفَنُ } .
" رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَسُنَّ تَخْلِيقُ مَحَلِّهِ ) أَيْ : الْبُصَاقِ وَنَحْوِهِ .
أَيْ : طَلْيُ مَحَلِّ الْبُصَاقِ وَنَحْوِهِ بِالْخَلُوقِ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ ، لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( فِي نَفْلٍ : صَلَاةٌ عَلَيْهِ ) أَيْ : النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ ) أَيْ : الْمُصَلِّي ( ذَكَرَهُ ) نَصًّا ، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ .
( وَ ) سُنَّ أَنْ تَكُونَ ( الصَّلَاةُ إلَى سُتْرَةٍ ) فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ ، أَوْ بَيْتٍ : صَلَّى إلَى حَائِطٍ ، أَوْ سَارِيَةٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي فَضَاءٍ ، صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ( مُرْتَفِعَةٍ ) قَدْرَ ذِرَاعٍ فَأَقَلَّ ، لِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ، فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ : عُودٌ فِي مُؤَخِّرَتِهِ ، ضِدُّ قَادِمَتِهِ ، وَتَخْتَلِفُ ، فَتَارَةً تَكُونُ ذِرَاعًا وَتَارَةً تَكُونُ دُونَهُ وَالْمُرَادُ : رَحْلُ الْبَعِيرِ ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْقَتَبِ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ ، خَشِيَ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ لَا ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فِي السَّفَرِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا ، وَيَعْرِضُ لَهُ الْبَعِيرُ فَيُصَلِّي إلَيْهِ " ( وَعَرْضُهَا ) أَيْ : السُّتْرَةِ ( أَعْجَبُ إلَى ) الْإِمَامِ ( أَحْمَدَ ) قَالَ : مَا كَانَ أَعْرَضَ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ ا هـ .
لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا { اسْتَتِرُوا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ بِسَهْمٍ } " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، فَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِسَهْمٍ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ ( وَ ) سُنَّ ( قُرْبُهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي ( مِنْهَا ) أَيْ : السُّتْرَةِ ( نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ قَدَمَيْهِ ) لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ { كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ مَمَرُّ الشَّاةِ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
{ وَصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
( وَ ) سُنَّ ( انْحِرَافُهُ عَنْهَا ) أَيْ : السُّتْرَةِ ( يَسِيرًا ) لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ ، لَكِنْ
عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( وَإِنْ تَعَذَّرَ ) عَلَى مُصَلٍّ ( غَرْزُ عَصًا ، وَضَعَهَا ) بَيْنَ يَدَيْهِ ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ ( وَيَصِحُّ ) تَسَتُّرٌ ( وَلَوْ بِخَيْطٍ ، أَوْ مَا اعْتَقَدَهُ سُتْرَةً ) وَسُتْرَةٌ مَغْصُوبَةٌ كَغَيْرِهَا ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، قَالَ النَّاظِمُ : وَعَلَى قِيَاسِهِ : سُتْرَةُ الذَّهَبِ .
وَفِي الْإِنْصَافِ : الصَّوَابُ أَنَّ النَّجِسَةَ لَيْسَتْ كَالْمَغْصُوبَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) شَيْئًا ( خَطَّ ) خَطًّا ( كَالْهِلَالِ ) وَصَلَّى إلَيْهِ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَكَيْفَمَا خَطَّ أَجْزَأَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ أَمَامَهُ } .
" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( فَإِذَا مَرَّ مِنْ وَرَائِهَا ) أَيْ : السُّتْرَةِ ( شَيْءٌ ، لَمْ يُكْرَهْ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ) سُتْرَةٌ ( فَمَرَّ ) لَا إنْ وَقَفَ ( بَيْنَ يَدَيْهِ كَلْبٌ أَسْوَدُ بَهِيمٌ ) أَيْ : لَا يُخَالِطُهُ لَوْنٌ آخَرُ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) وَكَذَا لَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ مِثْلَ آخِرَةِ الرَّحْلِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ : الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ } .
" { قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ : مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ ؟ قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ : الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَ ( لَا ) تَبْطُلُ ، إنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ( امْرَأَةٌ وَحِمَارٌ وَشَيْطَانٌ ) وَكَلْبٌ غَيْرُ مَا سَبَقَ .
لِأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ " مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .
وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ فَصَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ ، لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ ، وَحِمَارٌ لَنَا وَكُلَيْبَةٌ يَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَمَا بَالَى بِذَلِكَ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ { لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَيَرْوِيهِ مُجَاهِدٌ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ : سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ ) رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ " وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِسُتْرَةٍ أُخْرَى فَلَا يَضُرُّهُمْ مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَوْ مِمَّا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ، وَإِنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ مَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ قَطَعَ صَلَاتَهُمْ أَيْضًا .
وَهَلْ يَرُدُّ الْمَأْمُومُونَ مَنْ مَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ مَيْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ : إلَى أَنَّ لَهُمْ رَدَّهُ ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ .
وَصَوَّبَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ خَلْفَهُ : مَنْ اقْتَدَى بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ وَرَاءَهُ أَوْ بِجَانِبِهِ أَوْ قُدَّامَهُ حَيْثُ صَحَّتْ ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ .
فَصْلٌ تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ : مَا لَا يَسْقُطُ عَمْدًا ، وَلَا سَهْوًا وَهِيَ الْأَرْكَانُ ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا فَشُبِّهَتْ بِرُكْنِ الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا بِهِ ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهَا فُرُوضًا .
الثَّانِي : مَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا وَيَسْقُطُ سَهْوًا ، وَيَسْجُدُ لَهُ ، وَيُسَمَّى الْوَاجِبَ .
الثَّالِثُ : مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا .
وَهُوَ السُّنَنُ فَ ( أَرْكَانُهَا : مَا كَانَ فِيهَا ) احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ ( وَلَا تَسْقُطُ عَمْدًا ) خَرَّجَ السُّنَنَ ، وَ ( لَا ) تَسْقُطُ ( سَهْوًا ) خَرَّجَ الْوَاجِبَاتِ ( وَهِيَ ) أَرْبَعَةَ عَشَرَ رُكْنًا ( قِيَامُ قَادِرٍ فِي فَرْضٍ ) وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } " وَحَدِيثِ عِمْرَانَ { صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا - إلَى آخِرِهِ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخُصَّ بِالْفَرْضِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا } " الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( سِوَى خَائِفٍ بِهِ ) أَيْ : بِالْقِيَامِ ، كَمَنْ بِمَكَانٍ لَهُ حَائِطٌ يَسْتُرُهُ جَالِسًا فَقَطْ ، وَيَخَافُ بِقِيَامِهِ نَحْوَ عَدُوٍّ .
فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا .
( وَ ) سِوَى ( عُرْيَانٍ ) لَا يَجِدُ سُتْرَةً ، فَيُصَلِّي جَالِسًا نَدْبًا وَيَنْضَمُّ وَتَقَدَّمَ .
( وَ ) سِوَى مَرِيضٍ يُمْكِنُهُ قِيَامٌ لَكِنْ لَا تُمْكِنُ مُدَاوَاتُهُ قَائِمًا .
فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيَامُ ( لِمُدَاوَاةٍ ) وَيُصَلِّي جَالِسًا ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ .
( وَ ) كَذَا يُصَلِّي جَالِسًا لِأَجْلِ ( قِصَرِ سَقْفٍ لِعَاجِزٍ عَنْ خُرُوجٍ ) كَحَبْسٍ وَنَحْوِهِ بِمَكَانٍ قَصِيرِ السَّقْفِ .
( وَ ) كَذَا قَادِرٌ يُصَلِّي عَلَى قِيَامٍ قَاعِدًا ( خَلْفَ إمَامِ الْحَيِّ ) أَيْ : الرَّاتِبِ ( الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ بِشَرْطِهِ ) وَهُوَ أَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ ( وَحَدُّهُ ) أَيْ : الْقِيَامِ ( مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا ) أَيْ : لَا يَصِير إلَى الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ .
وَلَا يَضُرُّهُ
خَفْضُ رَأْسِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْإِطْرَاقِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : يَكْفِي لَوْ قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ .
وَفِي الْمَذْهَبِ : لَا يُجْزِئُهُ .
وَنَقَلَ خَطَّابُ بْنُ بَشِيرٍ : لَا أَدْرِي .
( وَ ) الثَّانِي ( تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ ، وَسُدُّوا الْفُرَجَ فَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ : اللَّهُ أَكْبَرُ فَقُولُوا : اللَّهُ أَكْبَرُ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِهَا ، وَقَالَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } " .
( وَ ) الثَّالِثُ ( قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا ، وَيَحْتَمِلُهَا إمَامٌ عَنْ مَأْمُومٍ .
وَيَأْتِي ( وَ ) الرَّابِعُ ( رُكُوعٌ ) إجْمَاعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا } " وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ { ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا } " .
الْخَامِسُ ( رَفْعٌ مِنْهُ ) أَيْ : الرُّكُوعِ ، لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ : { ثُمَّ ارْفَعْ } ( إلَّا مَا ) أَيْ : رُكُوعًا وَرَفْعًا مِنْهُ ( بَعْدَ ) رُكُوعٍ ( أَوَّلَ فِي كُسُوفٍ ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، فَالرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ رُكْنٌ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ .
( وَ ) السَّادِسُ ( اعْتِدَالٌ ) لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ { : ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا } " وَالْمُرَادُ : الِاعْتِدَالُ عَمَّا بَعْدَ أَوَّلَ فِي كُسُوفٍ ، لِأَنَّ الرَّفْعَ وَالِاعْتِدَالَ تَابِعَانِ لِلرُّكُوعِ .
وَلَوْ أَخَّرَ : إلَّا مَا بَعْدَ أَوَّلَ فِي كُسُوفٍ : إلَى هُنَا : لَكَانَ وَاضِحًا فِي الْمَقْصُود .
( وَلَا تَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( إنْ طَالَ ) اعْتِدَالُهُ .
لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَّلَهُ قَرِيبَ قِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ } " .
( وَ ) السَّابِعُ ( سُجُودٌ ) إجْمَاعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَاسْجُدُوا "
وَلِحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ .
( وَ ) الثَّامِنُ ( رَفْعٌ مِنْهُ ) أَيْ : السُّجُودِ .
( وَ ) التَّاسِعُ ( جُلُوسٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ : { ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا } " .
( وَ ) الْعَاشِرُ ( طُمَأْنِينَةٌ فِي كُلِّ فِعْلٍ ) مِمَّا تَقَدَّمَ ، لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ فِعْلٍ مِنْهَا بِالطُّمَأْنِينَةِ ( وَهِيَ ) أَيْ : الطُّمَأْنِينَةِ ( السُّكُونُ ، وَإِنْ قَلَّ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا وَطُمَأْنِينَةً أَيْ : سَكَنَ .
وَقِيلَ : بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ .
( وَ ) الْحَادِيَ عَشَرَ ( تَشَهُّدٌ أَخِيرٌ ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { كُنَّا نَقُولُ ، قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُولُوا : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ } " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَاهُ .
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، قَوْلُهُ : { قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ } " ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُولُوا " وَالْأَمْرُ : لِلْوُجُوبِ ، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا .
( وَ ) الثَّانِيَ عَشَرَ ( جُلُوسٌ لَهُ ) أَيْ : التَّشَهُّدِ الْأَخِير ( وَ ) جُلُوسٌ ( لِلتَّسْلِيمَتَيْنِ ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى الْجُلُوسِ لِذَلِكَ .
وَقَالَ { : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } " ( وَالرُّكْنُ مِنْهُ ) أَيْ : التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، بَعْدُ ) أَيْ : مَعَ ( مَا يُجْزِئُ مِنْ ) التَّشَهُّدِ ( الْأَوَّلِ ) وَيَأْتِي بِهَا مُؤَخَّرَةً عَنْهُ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ .
( وَ ) الثَّالِثَ عَشَرَ ( التَّسْلِيمَتَانِ ) عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لِحَدِيثِ { تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } " وَيَكْفِي فِي جِنَازَةٍ
وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ : تَسْلِيمَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : أَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ .
وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ يُجْزِئُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : خِلَافٌ ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، قَالَ الْقَاضِي : فِي رِوَايَةٍ وَاحِدَةٌ .
( وَ ) الرَّابِعَ عَشَرَ ( التَّرْتِيبُ ) بَيْنَ الْأَرْكَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَا ، وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ ، لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ ، حَيْثُ عَلَّمَهُ إيَّاهَا مُرَتَّبَةً بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ ، وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُصَلِّي كَذَلِكَ } " وَقَالَ { : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } " .
فَصْلٌ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا .
( وَاجِبَاتُهَا ) وَهِيَ ( مَا كَانَ فِيهَا ) خَرَّجَ الشَّرْطَ ( وَتَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِتَرْكِهِ عَمْدًا ) خَرَّجَ السُّنَنَ ( وَ ) يَسْقُطُ لِلسَّهْوِ ( وَيَسْجُدُ لَهُ ) أَيْ : لِتَرْكِهِ ( سَهْوًا ) خَرَّجَ الْأَرْكَانَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ ، الْأَوَّلُ : ( تَكْبِيرَةٌ لِغَيْرِ إحْرَامٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا { إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا ، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
وَهَذَا أَمْرٌ ؛ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ( وَ ) لِغَيْرِ ( رُكُوعِ مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا ) فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ رَكَعَ مَعَهُ ( فَ ) إنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ( رُكْنٌ ) مُطْلَقًا لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) تَكْبِيرَةُ رُكُوعِ مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا ( سُنَّةٌ ) لِلِاجْتِزَاءِ عَنْهَا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ نَوَى بِتَكْبِيرِهِ أَنَّهُ لِلْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ .
( وَ ) الثَّانِي ( تَسْمِيعٌ ) أَيْ : قَوْلُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ( لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ ) دُونَ مَأْمُومٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي بِهِ .
وَقَالَ { : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } " .
( وَ ) الثَّالِثُ ( تَحْمِيدٌ ) أَيْ : قَوْلُ " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " لِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ ، لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَالَ الْإِمَامُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ } " مَعَ مَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) الرَّابِعُ ( تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي رُكُوعٍ ، وَ ) الْخَامِسُ تَسْبِيحَةٌ أُولَى فِي ( سُجُودٍ ) وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ .
( وَ ) السَّادِسُ ( رَبِّ اغْفِرْ لِي ، إذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ) مَرَّةً ( لِلْكُلِّ ) الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ ، لِثُبُوتِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ { : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } " ( وَمَحَلُّ ذَلِكَ ) أَيْ : مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ وَالتَّسْمِيعِ ، وَكَذَا التَّحْمِيدُ لِمَأْمُومٍ ( بَيْنَ ) ابْتِدَاءِ ( انْتِقَالٍ
وَانْتِهَائِهِ ) لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهُ ، فَاخْتُصَّ بِهِ ( فَلَوْ ) كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ مَحَلِّهِ .
وَإِنْ ( شَرَعَ فِيهِ ) أَيْ : الْمَذْكُورِ ( قَبْلَ ) شُرُوعِهِ فِي الِانْتِقَالِ ، بِأَنْ كَبَّرَ لِسُجُودٍ قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَيْهِ ، أَوْ سَمِعَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ لَمْ يُجْزِئْهُ ( أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ انْتِهَائِهِ ) كَأَنْ أَتَمَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فِيهِ ( لَمْ يُجْزِئْهُ ) لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ، وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي تَسْبِيحِ رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ قَبْلَهُ ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ .
وَكَذَا سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْجُلُوسِ ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ ، وَكَذَا تَحْمِيدُ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ ، لَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ وَكَمَّلَهُ بَعْدَ هَوِيِّهِ مِنْهُ ( كَتَكْمِيلِهِ وَاجِبَ قِرَاءَةٍ رَاكِعًا ، وَكَتَشَهُّدِهِ قَبْلَ قُعُودٍ ) لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ .
قَالَ الْمَجْدُ : هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ يَعْسُرُ ، وَالسَّهْوَ بِهِ يَكْثُرُ ، فَفِي الْإِبْطَالِ بِهِ وَالسُّجُودِ لَهُ مَشَقَّةٌ ( وَمِنْهَا ) أَيْ : الْوَاجِبَاتِ ( تَشَهُّدٌ أَوَّلُ ) وَهُوَ السَّابِعُ .
( وَ ) الثَّامِنُ ( جُلُوسٌ لَهُ ) لِلْأَمْرِ بِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِتَرْكِهِ ( عَلَى غَيْرِ مَنْ قَامَ إمَامُهُ ) إلَى ثَالِثَةٍ ( سَهْوًا ) فَيُتَابِعُهُ ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ ، وَجُلُوسُهُ لَهُ لِحَدِيثِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } " .
( وَالْمُجْزِئُ مِنْهُ ) أَيْ : التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ( التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ) ، أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ الْأَحَادِيثِ ( وَمَنْ
تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ( عَمْدًا لِشَكٍّ فِي وُجُوبِهِ ) بِأَنْ تَرَدَّدَ : أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ ( لَمْ يَسْقُطْ ) وُجُوبُهُ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ ، لِأَنَّهُ تَرَكَ عَمْدًا مَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ .
وَكَمَنْ تَرَدَّدَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَلَمْ يَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ ، بِخِلَافِ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا جَاهِلًا حُكْمَهُ ، بِأَنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّ عَالِمًا قَالَ بِوُجُوبِهِ ، فَهُوَ كَالسَّاهِي ، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ عَلِمَ قَبْلَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ ، وَإِنْ اعْتَقَدَ مُصَلٍّ الْفَرْضَ سُنَّةً ، أَوْ عَكْسَهُ ، أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْطَ مِنْ الرُّكْنِ ، وَأَدَّى الصَّلَاةَ عَلَى وَجْهِهَا ، فَهِيَ صَحِيحَةٌ ، اكْتِفَاءً بِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الصَّلَاةِ .
فَصْلٌ وَالثَّالِثُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا ( سُنَنُهَا .
وَهِيَ مَا كَانَ فِيهَا .
وَلَا تَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِتَرْكِهِ ) أَيْ : الْمُصَلِّي لَهُ ( وَلَوْ عَمْدًا ) بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ ( وَيُبَاحُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ ) أَيْ : تَرْكِهِ سَهْوًا ، فَلَا يَجِبُ ، وَلَا يُسْتَحَبُّ ( وَهِيَ ) ضَرْبَانِ : أَقْوَالٌ ، وَهِيَ ( اسْتِفْتَاحٌ وَتَعَوُّذٌ ) مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى ( وَقِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ ، وَكُلِّ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ .
( وَقِرَاءَةُ سُورَةٍ فِي فَجْرٍ ، وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ ، وَتَطَوُّعٍ ، وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَّةٍ ، وَقَوْلُ : آمِينَ ، وَقَوْلُ : مِلْءَ السَّمَوَاتِ ) إلَى آخِرِهِ ( بَعْدَ التَّحْمِيدِ لِغَيْرِ مَأْمُومٍ ) وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " ( وَمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فِي تَسْبِيحِ ) رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ، ( وَ ) مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ ( فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ( وَدُعَاءٌ فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ ، وَقُنُوتٌ فِي وِتْرٍ ) وَمَا زَادَ عَلَى الْمُجْزِئِ فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلَ وَأَخِيرٍ ( وَسُنَنُ الْأَفْعَالِ مَعَ الْهَيْئَاتِ : خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ وَسُمِّيَتْ ) أَيْ : سَمَّاهَا صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُ ( هَيْئَةً ، لِأَنَّهَا ) أَيْ : الْهَيْئَةَ ( صِفَةٌ فِي غَيْرِهَا ) وَمِنْ ذَلِكَ : رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَبْسُوطَتَيْنِ مَمْدُودَتَيْ الْأَصَابِعِ ، مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهَا الْقِبْلَةَ إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ ، عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ ، وَوَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ، وَجَعْلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ ، وَنَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَتَفْرِقَتُهُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ ، وَمُرَاوَحَتُهُ بَيْنَهُمَا يَسِيرًا فِي قِيَامِهِ ، وَقَبْضُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ ، وَكَوْنُهُمَا مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ فِيهِ ، وَمَدُّ ظَهْرِهِ مُسْتَوِيًا ، وَجَعْلُ رَأْسِهِ حِيَالَهُ ، وَمُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِيهِ ، وَبُدَاءَتُهُ بِوَضْعِ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ
يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ ، وَتَمْكِينُ جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَسَائِرِ أَعْضَاءِ سُجُودِهِ بِالْأَرْضِ ، وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ ، وَإِقَامَةُ قَدَمَيْهِ ، وَجَعْلُ بُطُونِ أَصَابِعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ ، مُوَجَّهَتُهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ فِيهِ ، وَقِيَامُهُ إلَى الثَّانِيَةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ .
وَاعْتِمَادُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ نُهُوضِهِ ، وَافْتِرَاشُهُ إذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَتَوَرُّكُهُ فِي الْأَخِيرِ ، وَوَضْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الـ { يُمْنَى ، وَالْيُسْرَى عَلَى الْيُسْرَى ، مَمْدُودَتَيْ الْأَصَابِعِ إذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُمْنَى فِي تَشَهُّدِهِ مُحَلِّقًا إبْهَامَ يَدِهِ مَعَ الْوُسْطَى ، قَابِضًا الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ ، وَالْإِشَارَةُ بِسَبَّابَتِهَا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَوَضْعُ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ مَمْدُودَتَهَا مُوَجَّهَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ ، وَالْتِفَاتُهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي سَلَامِهِ ، وَتَفْضِيلُ الشِّمَالِ عَلَى الْيَمِينِ فِي الْتِفَاتٍ ( فَدَخَلَ ) فِي سُنَنِ الْهَيْئَاتِ ( جَهْرُ ) إمَامٍ بِنَحْوِ تَكْبِيرٍ وَتَسْمِيعٍ وَتَسْلِيمَةٍ أُولَى ، وَقِرَاءَةٍ فِي جَهْرِيَّةٍ .
وَدَخَلَ ( وَإِخْفَاتٌ ) بِنَحْوِ تَشَهُّدِ تَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ، وَسُؤَالِ مَغْفِرَةٍ وَتَحْمِيدٍ ، وَقِرَاءَةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ جَهْرٍ .
وَكَذَا بِنَحْوِ تَكْبِيرٍ وَتَسْلِيمٍ ، وَتَسْمِيعٍ لِغَيْرِ إمَامٍ ، إلَّا الْمَأْمُومَ لِحَاجَةٍ .
( وَ ) دَخَلَ ( تَرْتِيلُ ) قِرَاءَةٍ ( وَتَخْفِيفُ ) صَلَاةِ الْإِمَامِ ( وَإِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ) ( وَتَقْصِيرُ ) الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ فِي غَيْرِهَا فَهِيَ مِنْ الْهَيْئَاتِ .
وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ مِنْ سُنَنِ الْأَقْوَالِ ( وَيُسَنُّ خُشُوعٌ ) فِي صَلَاةٍ ، وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ .
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ ، فِي تَفْسِيرِ
قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } " أَيْ : الْمُخْبِتِينَ .
وَالْخُشُوعُ : الْإِخْبَاتُ قَالَ : وَالْخُضُوعُ اللِّينُ وَالِانْقِيَادُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ : الْخُشُوعُ بِالْجَوَارِحِ ، وَالْخُضُوعُ بِالْقَلْبِ وَقَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } " أَيْ : خَائِفُونَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، مُتَذَلِّلُونَ لَهُ ، مُلْزِمُونَ أَبْصَارَهُمْ مَسَاجِدَهُمْ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْخُشُوعُ الْخُضُوعُ وَالْإِخْبَاتُ .
بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : السَّهْوُ فِي الشَّيْءِ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ ، وَعَنْ الشَّيْءِ : تَرْكُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ( يُشْرَعُ ) أَيْ : يَجِبُ ، أَوْ يُسَنُّ ، كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ ( لِزِيَادَةٍ ) فِي الصَّلَاةِ ( وَنَقْصٍ ) مِنْهَا سَهْوًا ، وَ ( لَا ) يُشْرَعُ إذَا زَادَ ، أَوْ نَقَصَ مِنْهَا ( عَمْدًا ) لِأَنَّ السُّجُودَ يُضَافُ إلَى السَّهْوِ فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ .
وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِهِ فِيهِ ، وَيَلْزَمُ مِنْ انْجِبَارِ السَّهْوِ انْجِبَارُ الْعَمْدِ ، لِوُجُوبِ الْعُذْرِ فِي السَّهْوِ .
( وَ ) يُشْرَعُ أَيْضًا سُجُودُ السَّهْوِ ( لِشَكٍّ فِي الْجُمْلَةِ ) أَيْ : بَعْضِ الْمَسَائِلِ ، كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ ، فَلَا يُشْرَعُ لِكُلِّ شَكٍّ ، بَلْ وَلَا لِكُلِّ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ ، كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ .
وَ ( لَا ) يُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ ( إذَا كَثُرَ ) الشَّكُّ ( حَتَّى صَارَ كَوَسْوَاسٍ ) لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُكَابَرَةِ فَيَقْضِي الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ ، مَعَ تَيَقُّنِ إتْمَامِهَا فَلَزِمَهُ طَرْحُهُ وَاللَّهْوُ عَنْهُ ( بِنَفْلٍ ) مُتَعَلِّقٍ بِشَرْعٍ ( وَفَرْضٍ ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } " .
وَلِأَنَّ النَّفَلَ صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَشْبَهَ الْفَرِيضَةَ ( سِوَى ) صَلَاةِ ( جِنَازَةٍ ) فَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي صُلْبِهَا فَجَبْرُهَا أَوْلَى .
( وَ ) سِوَى ( سُجُودِ تِلَاوَةٍ ، وَ ) سُجُودِ ( شُكْرٍ ) لِئَلَّا يَلْزَمَ زِيَادَةُ الْجَابِرِ عَلَى الْأَصْلِ .
( وَ ) سِوَى سُجُودِ ( سَهْوٍ ) حَكَاهُ إِسْحَاقُ إجْمَاعًا ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّسَلْسُلِ .
وَكَذَا لَوْ سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ ، وَلَمْ يَسْجُدْ لِذَلِكَ ( فَمَتَى زَادَ ) سَهْوًا ( فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( قِيَامًا ، أَوْ قُعُودًا ، وَلَوْ ) كَانَ الْقُعُودُ عَقِبَ رَكْعَةٍ ، وَكَانَ ( قَدْرَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ) سَجَدَ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ جِلْسَةً أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ قَائِمًا فَجَلَسَ ( أَوْ ) زَادَ ( رُكُوعًا ، أَوْ سُجُودًا )
سَهْوًا ( أَوْ نَوَى الْقَصْرَ ) حَيْثُ يُبَاحُ ( قَائِمٌ سَهْوًا ، سَجَدَ لَهُ ) وُجُوبًا إلَّا فِي الْإِتْمَامِ فَاسْتِحْبَابًا لِحَدِيثِ { إذَا زَادَ الرَّجُلُ ، أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَ ) إنْ كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ ( عَمْدًا بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِهَيْئَتِهَا ( إلَّا فِي الْإِتْمَامِ ) أَيْ : إذَا نَوَى الْقَصْرَ ، فَأَتَمَّ عَمْدًا ، فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ .
( وَإِنْ قَامَ ) مُصَلٍّ ( لِرَكْعَةٍ زَائِدَةٍ ) سَهْوًا ، كَثَالِثَةٍ فِي فَجْرٍ ، وَرَابِعَةٍ فِي مَغْرِبٍ ، وَخَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ ( جَلَسَ ) بِلَا تَكْبِيرٍ ( مَتَى ذَكَرَ ) أَنَّهَا زَائِدَةٌ وُجُوبًا لِئَلَّا يُغَيِّرَ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ ( وَلَا يَتَشَهَّدُ إنْ ) كَانَ ( تَشَهَّدَ ) قَبْلَ قِيَامِهِ ، لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ .
وَإِنْ كَانَ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
صَلَّى عَلَيْهِ ( وَسَجَدَ ) لِلسَّهْوِ ( وَسَلَّمَ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ قَبْلَ قِيَامِهِ تَشَهَّدَ وَسَجَدَ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا ، سَجَدَ لَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ { : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : لَا فَقَالُوا : فَإِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا ، فَانْفَتَلَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، أَنْسَى ، كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } .
" وَفِي رِوَايَةِ { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ ، وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ } " وَفِي رِوَايَةِ قَالَ { وَإِذَا زَادَ الرَّجُلُ ، أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } " رَوَاهُ بِطُرُقِهِ مُسْلِمٌ .
( وَمَنْ نَوَى ) صَلَاةَ ( رَكْعَتَيْنِ ) نَفْلًا ( فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ نَهَارًا فَالْأَفْضَلُ ) لَهُ ( أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوٍ ) لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، وَإِنْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَأَكْثَرَ ، رَجَعَ وَسَجَدَ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ .
( وَ ) إنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ ( لَيْلًا فَكَقِيَامِهِ إلَى ) رَكْعَةٍ ( ثَالِثَةٍ ب ) صَلَاةِ ( فَجْرٍ ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى } " وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ ؛
( وَمَنْ ) سَهَا عَلَيْهِ فَ ( نَبَّهَهُ ثِقَتَانِ ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ امْرَأَتَيْنِ ( فَأَكْثَرَ ) سَوَاءٌ شَارَكُوهُ فِي الْعِبَادَةِ ، بِأَنْ كَانَ إمَامًا لَهُمْ ، أَوْ لَا ( وَيَلْزَمُهُمْ تَنْبِيهُهُ .
لَزِمَهُ الرُّجُوعُ ) لِيَرْجِعَ لِلصَّوَابِ إلَى تَنْبِيهُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ قَوْلَ الْقَوْمِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ؛ فَإِنْ نَبَّهَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ لِذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ .
وَكَذَا حُكْمُ طَوَافٍ ، فَإِذَا قَالَ : اثْنَانِ فَأَكْثَرُ : طُفْت كَذَا ، عَمِلَ بِقَوْلِهِمَا وَإِلَّا عَمِلَ بِالْيَقِينِ .
( وَلَوْ ظَنَّ ) الْمُصَلِّي ( خَطَأَهُمَا ) أَيْ : الْمُنَبِّهَيْنِ لَهُ ، كَمَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الرُّجُوعُ إلَى شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ ( مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ ) مُصَلٍّ ( صَوَابَ نَفْسِهِ ) فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ ، كَالْحَاكِمِ إذَا عَلِمَ كَذِبَ الْبَيِّنَةِ ( أَوْ ) لَا مَا لَمْ ( يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مَنْ يُنَبِّهُهُ ) فَيَسْقُطُ قَوْلُهُمْ ، كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا ، وَ ( لَا ) يَلْزَمُهُ رُجُوعٌ إلَى ( فِعْلِ مَأْمُومِينَ ) مِنْ نَحْوِ قِيَامٍ وَقُعُودٍ بِلَا تَنْبِيهٍ ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِالتَّنْبِيهِ : بِتَسْبِيحِ الرِّجَالِ ، وَتَصْفِيقِ النِّسَاءِ .
( فَإِنْ أَبَاهُ ) أَيْ : الرُّجُوعَ ( إمَامٌ ) وَجَبَ عَلَيْهِ ( قَامَ ل ) رَكْعَةٍ ( زَائِدَةٍ ) مَثَلًا ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ( ك ) صَلَاةِ ( مُتَّبِعِهِ ) أَيْ : مَأْمُومٍ تَابَعَهُ فِي الزِّيَادَةِ ( عَالِمًا ) بِزِيَادَتِهَا ( ذَاكِرًا ) لَهَا لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ : بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ اتِّبَاعُهُ فِيهَا ، وَإِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهَا فَهُوَ يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ ، وَأَنَّ مَا قَامَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ صَلَاتِهِ ، فَإِنْ تَبِعَهُ جَاهِلًا ، أَوْ نَاسِيًا ، أَوْ فَارَقَهُ صَحَّتْ لَهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَابَعُوا فِي الْخَامِسَةِ لِتَوَهُّمِ النَّسْخِ ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ ، وَيَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ الْحَالَ مُفَارَقَتُهُ ( وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا ) أَيْ : بِالزَّائِدَةِ ( مَسْبُوقٌ ) دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا جَاهِلًا زِيَادَتَهَا ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يَعْتَدُّ بِهَا الْإِمَامُ ، وَلَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا ، عَلَى عَالِمٍ بِالْحَالِ ، فَلَمْ يَعْتَدَّ بِهَا الْمَسْبُوقُ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : انْعِقَادُ صَلَاتِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ لِلْعُذْرِ ( وَيُسَلِّمُ ) الْمَأْمُومُ ( الْمُفَارِقُ ) لِإِمَامِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ إلَى الزَّائِدَةِ ، وَتَنْبِيهِهِ وَإِبَائِهِ الرُّجُوعَ ، إذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ( وَلَا تَبْطُلُ ) صَلَاةُ إمَامٍ ( إنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ لِجُبْرَانِ نَقْصٍ ) كَمَا لَوْ نَهَضَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلَ وَنَحْوِهِ ، وَنَبَّهُوهُ بَعْدَ أَنْ قَامَ وَلَمْ يَرْجِعْ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَيَأْتِي مُوَضَّحًا .
( وَعَمَلٌ مُتَوَالٍ مُسْتَكْثَرٍ عَادَةً ) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ ، بَلْ مَا عُدَّ فِي الْعَادَةِ كَثِيرًا ، بِخِلَافِ مَا يُشْبِهُ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَتْحِهِ الْبَابَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَتَأَخُّرِهِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ ، وَفِعْلِ أَبِي بَرْزَةَ لَمَّا نَازَعَتْهُ دَابَّتُهُ ، فَهَذَا لَا يُبْطِلُهَا ( مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ، كَلَفِّ عِمَامَةٍ وَلُبْسٍ وَمَشْيٍ ( يُبْطِلُهَا ) أَيْ : الصَّلَاةَ ( عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ ) لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ( إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورِيَّةً : كَخَوْفٍ وَهَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ ) كَسَيْلٍ وَحَرِيقٍ وَسَبُعٍ ، فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةً لَمْ تَبْطُلْ .
وَعَدَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ الضَّرُورَةِ مَنْ بِهِ حَكٌّ لَا يَصْبِرُ عَنْهُ ، وَكَذَا إنْ كَانَ يَسِيرًا ، أَوْ لَمْ يَتَوَالَ ، وَلَوْ كَثُرَ ( وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ كَفِعْلِهِ ) لَا كَقَوْلِهِ : فَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ إلَّا إذَا كَثُرَتْ وَتَوَالَتْ .
( وَكُرِهَ ) عَمَلٌ ( يَسِيرٌ ) فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ ( وَلَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ ) وَلَوْ سَهْوًا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَلَا لِحَدِيثِ نَفْسٍ ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ( وَلَا تَبْطُلُ ) صَلَاةٌ ( بِعَمَلِ قَلْبٍ ) وَلَوْ طَالَ نَصًّا ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ .
( وَ ) لَا تَبْطُلُ أَيْضًا ب ( إطَالَةِ نَظَرٍ إلَى شَيْءٍ ) وَلَوْ إلَى كِتَابٍ وَقِرَاءَتِهِ مَا فِيهِ بِقَلْبِهِ دُونَ لِسَانِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَعَلَهُ ( وَلَا ) تَبْطُلُ أَيْضًا ( بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ يَسِيرَيْنِ عُرْفًا ، سَهْوًا ، أَوْ جَهْلًا ) لِعُمُومِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ } " فَإِنْ كَثُرَ أَحَدُهُمْ بَطَلَتْ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُسْتَكْثَرٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا .
( وَلَا ) تَبْطُلُ أَيْضًا ( بِبَلْعِ ) مَصْلِ ( مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ بِلَا مَضْغٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَيَسِيرٌ ( وَلَوْ لَمْ يَجْرِ بِهِ ) أَيْ : بِمَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ ( رِيقٌ ) نَصًّا ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ الْعَسْكَرِيُّ ثُمَّ الشُّوَيْكِيُّ ، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ : وَمَا لَا يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ بَلْ يَجْرِي بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ مَا لَهُ جُرْمٌ تَبْطُلُ بِهِ ، أَيْ : لِأَنَّهُ لَا يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ .
وَهُوَ مَفْهُومُ الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ ، وَإِنْ تَرَكَ فِي فَمِهِ لُقْمَةً بِلَا مَضْغٍ وَلَا بَلْعٍ كُرِهَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَاكَهَا بِلَا بَلْعٍ ، فَكَالْعَمَلِ إنْ كَثُرَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا .
( وَلَا ) يَبْطُلُ ( نَفْلُ ) صَلَاةٍ ( بِيَسِيرِ شُرْبٍ عَمْدًا ) نَصًّا .
رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّهُ شَرِبَ فِي التَّطَوُّعِ " لِأَنَّ مَدَّهُ وَإِطَالَتَهُ مُسْتَحَبَّةٌ مَطْلُوبَةٌ ، فَيَحْتَاجُ مَعَهُ كَثِيرًا إلَى جُرْعَةِ مَاءٍ لِدَفْعِ عَطَشٍ ، كَمَا سُومِحَ فِيهِ فِي الْجُلُوسِ وَعَلَى الرَّاحِلَةِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ يُبْطِلُ الْفَرْضَ ، وَأَنْ يَسِيرَ الْأَكْلِ عَمْدًا يُبْطِلُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي هَيْئَةَ الصَّلَاةِ ، وَأَنَّ الْكَثِيرَ يُبْطِلُهُمَا وَلَوْ سَهْوًا ، أَوْ جَهْلًا ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهَا ، وَهِيَ أَدْخَلُ فِي الْفَسَادِ بِدَلِيلِ الْحَدَثِ وَالنَّوْمِ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ ، وَلِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْقِيَاسِ .
( وَبَلْعُ ذَوْبِ سُكَّرٍ وَنَحْوَهُ ) كَحَلْوَى وَتَرْنْجَبِيلٍ ( بِفَمٍ كَأَكْلٍ ) فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا مَعَ الْعَمْدِ فَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ فَتَحَ فَاهُ فَحَصَلَ فِيهِ مَاءٌ فَابْتَلَعَهُ ، فَكَشُرْبٍ .
( وَسُنَّ سُجُودُ ) سَهْوٍ لِمُصَلٍّ ( لِإِتْيَانِهِ بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ سَهْوًا ، كَقِرَاءَتِهِ سُورَةً فِي ) الرَّكْعَتَيْنِ ( الْأَخِيرَتَيْنِ ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ، أَوْ فِي ثَالِثَةِ مَغْرِبٍ ( أَوْ ) قِرَاءَتِهِ ( قَاعِدًا ) ، أَوْ رَاكِعًا ( أَوْ سَاجِدًا ، وَكَتَشَهُّدِهِ قَائِمًا ) لِعُمُومِ { إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَكَالسَّلَامِ مِنْ نُقْصَانٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا كَآمِينَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا لَمْ يُشْرَعْ لَهُ سُجُودٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى " .
( وَإِنْ سَلَّمَ ) مُصَلٍّ ( قَبْلَ إتْمَامِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( عَمْدًا بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا وَالْبَاقِي مِنْهَا إمَّا رُكْنٌ ، أَوْ وَاجِبٌ ، وَكِلَاهُمَا يُبْطِلُهَا تَرْكُهُ عَمْدًا ( وَ ) إنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا ( سَهْوًا ) لَمْ تَبْطُلْ بِهِ ، وَلَهُ إتْمَامُهَا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَعَلُوهُ ، وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ لِأَنَّ جِنْسَهُ مَشْرُوعٌ فِيهَا ، أَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا .
( فَإِنْ ذَكَرَ ) مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَهْوًا : أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّهَا ( قَرِيبًا عُرْفًا وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ) نَصًّا ( أَوْ شَرَعَ فِي ) صَلَاةٍ ( أُخْرَى ، وَتُقْطَعُ ) الَّتِي شَرَعَ فِيهَا مَعَ قُرْبِ فَصْلٍ ، وَعَادَ إلَى الْأُولَى ( أَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ { سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ الْعَصْرِ ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ ، فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ ، فَقَالَ : أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَخَرَجَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ، ثُمَّ سَلَّمَ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَهْوَهُ قَرِيبًا بِأَنْ طَالَ الزَّمَنُ عُرْفًا ( بَطَلَتْ ) لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ( أَوْ أَحْدَثَ ) بَطَلَتْ لِأَنَّ الْحَدَثَ بِنَاءٌ فِيهَا .
( أَوْ تَكَلَّمَ مُطْلَقَا ) أَيْ : إمَامًا كَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ ، عَمْدًا ، أَوْ سَهْوًا ، أَوْ جَهْلًا ، طَائِعًا ، أَوْ مُكْرَهًا ، فَرْضًا ، أَوْ نَفْلًا ، لِمَصْلَحَتِهَا ، أَوْ لَا فِي صُلْبِهَا ، أَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ سَهْوًا وَاجِبًا ، كَتَحْذِيرِ نَحْوِ ضَرِيرٍ ، أَوْ لَا بَطَلَتْ لِحَدِيثِ { إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ : لَا تَبْطُلُ بِيَسِيرٍ لِمَصْلَحَتِهَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ، لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ( أَوْ قَهْقَهَ هُنَا ) أَيْ : بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ سَهْوًا بَطَلَتْ ( أَوْ ) قَهْقَهَ ( فِي صُلْبِهَا بَطَلَتْ ) كَالْكَلَامِ ، وَأَوْلَى .
وَ ( لَا ) تَبْطُلُ ( إنْ نَامَ ) مُصَلٍّ يَسِيرًا قَائِمًا ، أَوْ جَالِسًا ( فَتَكَلَّمَ ، أَوْ سَبَقَ ) الْكَلَامُ ( عَلَى لِسَانِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ ) لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى الْكَلَامِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ غَلِطَ فِي الْقُرْآنِ فَأَتَى بِكَلِمَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ النَّائِمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ ( وَكَكَلَامٍ ) فِي الْحُكْمِ ( إنْ تَنَحْنَحَ بِلَا حَاجَةٍ ) فَبَانَ حَرْفًا ( أَوْ نَفَخَ ؛ فَبَانَ حَرْفَانِ ) فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يَثْبُتُ عَنْهُمَا وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَإِنْ كَانَ التَّنَحْنُحُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَوْ بَانَ حَرْفَانِ .
قَالَ الْمَرْوَزِيِّ : كُنْت آتِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَيَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ لِأَعْلَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي .
وَ ( لَا ) تَبْطُلُ ( إنْ انْتَحَبَ ) مُصَلٍّ ( خَشْيَةً ) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ( ، أَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ ، ، أَوْ عُطَاسٌ ، ، أَوْ تَثَاؤُبٌ وَنَحْوُهُ ) كَبُكَاءٍ وَلَوْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ وَقَالَ مُهَنَّا : صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، فَتَثَاءَبَ خَمْسَ مُرَّاتٍ ، وَسُمِعَتْ لِتَثَاؤُبِهِ هَاه هَاه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكَلَامِ تَقُولُ : تَثَاءَبْتُ ، عَلَى وَزْنِ تَفَاعَلْتُ : وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبْتُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ : وَيُكْرَهُ اسْتِدْعَاءُ اُلْبُكَا كَضَحِكٍ ، وَيُجِيبُ وَالِدَيْهِ فِي نَفْلٍ وَتَبْطُلُ بِهِ ،
وَيَجُوزُ إخْرَاجُ زَوْجَةٍ مِنْ نَفْلٍ لِحَقِّ زَوْجِهَا .
فَصْلٌ وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
سَهْوًا كَرُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ ، أَوْ رَفَعَ مِنْ أَحَدِهِمَا ، أَوْ طُمَأْنِينَةٍ ( فَذَكَرَهُ ) أَيْ : الرُّكْنَ الْمَتْرُوكَ ( بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى ) غَيْرِ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا ( بَطَلَتْ ) الرَّكْعَةُ ( الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا ) وَقَامَتْ الَّتِي تَلِيهَا مَقَامَهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُ الْمَتْرُوكِ ، لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضِ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى فَلَغَتْ رَكْعَتُهُ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً ، ثُمَّ قَامَ إلَى أُخْرَى ، فَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ : إنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا قَامَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ عَمَلًا لِلثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ ، وَيَسْجُدُ ، وَيَعْتَدُّ بِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ عَمَلًا لَهَا ، جَعَلَ هَذِهِ الْأُولَى ، وَأَلْغَى مَا قَبْلَهَا قُلْت : فَيَسْتَفْتِحُ ، أَوْ يَجْتَزِئُ بِالِاسْتِفْتَاحِ الْأَوَّلِ ؟ قَالَ : يُجْزِئُهُ الْأَوَّلُ قُلْت : فَنَسِيَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِتَرْكِهَا ، وَكَذَا النِّيَّةُ إنْ قِيلَ : هِيَ رُكْنٌ ( فَلَوْ رَجَعَ ) مَنْ تَرَكَ رُكْنًا إلَيْهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي مَقْصُودِ الْقِيَامِ ، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ : إلْغَاءً لِعَمَلٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ .
وَإِنْ رَجَعَ نَاسِيًا ، أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ فِي الرَّكْعَةِ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا فَلَمْ تَعُدْ إلَى الصِّحَّةِ بِحَالٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ .
( وَ ) إنْ ذَكَرَ مَا تَرَكَهُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ لِيَأْتِيَ بِهِ ( رُكْنٌ لَا يَسْقُطُ بِسَهْوٍ ) وَلَا غَيْرِهِ .
وَيَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الرُّكْنِ الْمَنْسِيِّ فَلَوْ ذَكَرَ الرُّكُوعَ ، وَقَدْ جَلَسَ عَادَةً فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ ، وَإِنْ سَجَدَ سَجْدَةً ثُمَّ قَامَ ،
فَإِنْ جَلَسَ لِلْفَصْلِ سَجَدَ الثَّانِيَةَ ، وَلَمْ يَجْلِسْ وَإِلَّا جَلَسَ وَإِنْ كَانَ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ جِلْسَةِ الْفَصْلِ ( إنْ لَمْ يَعُدْ ) إلَى ذَلِكَ عَالِمًا ( عَمْدًا بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي مَحَلِّهِ عَالِمًا عَمْدًا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ أَخِيرَةٍ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ ، وَلَمْ يَسْجُدْهَا فِي الْحَالِ ( وَ ) إنْ لَمْ يَعُدْ ( سَهْوًا ) أَوْ جَهْلًا ( بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ ) الْمَتْرُوكُ رُكْنُهَا بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا .
( وَ ) إنْ لَمْ يَذْكُرْ مَا تَرَكَهُ إلَّا ( بَعْدَ السَّلَامِ فَ ) ذَلِكَ ( كَتَرْكِ رَكْعَةٍ ) كَامِلَةٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَفِي رِوَايَةِ حَرْبٍ ، إنْ لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ ، أَوْ يُحْدِثْ ، أَوْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ بِتَرْكِ رُكْنِهَا لَغَتْ فَصَارَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا فَكَأَنَّهُ سَلَّمَ عَنْ تَرْكِ رَكْعَةٍ ( مَا لَمْ يَكُنْ ) مَا ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ تَرَكَهُ ( تَشَهُّدًا أَخِيرًا ، أَوْ ) يَكُنْ ( سَلَامًا فَيَأْتِيَ بِهِ ) فَقَطْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ .
( وَيَسْجُدُ ) لِلسَّهْوِ ( وَيُسَلِّمُ ) بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِسُجُودِ السَّهْوِ كَمَا يَأْتِي ، وَمَتَى مَضَى مُصَلٍّ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ ، أَوْ رَجَعَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ ، عَالِمًا تَحْرِيمَهُ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ كَتَرْكِ الْوَاجِبِ عَمْدًا وَإِنْ فَعَلَهُ يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ لَمْ تَبْطُلُ ، كَتَرْكِ الْوَاجِبِ سَهْوًا .
( وَإِنْ نَسِيَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ : أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ) مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ ( وَذَكَرَ وَقَدْ قَرَأَ فِي ) رَكْعَةٍ ( خَامِسَةٍ .
فَهِيَ أُولَاهُ ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُولَاهُ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَتِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَى ، ثُمَّ صَارَتْ الثَّالِثَةُ أُولَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ ، ثُمَّ الرَّابِعَةُ ثُمَّ الْخَامِسَةُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ غَيْرِ تَامَّةٍ تَبْطُلُ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الَّتِي بَعْدَهَا .
( وَ ) إنْ ذَكَرَ الْمَنْسِيَّ مِنْ السَّجَدَاتِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : الشُّرُوعِ فِي قِرَاءَةِ الْخَامِسَةِ فَإِنَّهُ يَعُودُ فَ ( يَسْجُدُ سَجْدَةً ، فَتَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ ) وَهِيَ الرَّابِعَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا ، وَتَصِيرُ أُولَاهُ ( وَيَأْتِي بِثَلَاثِ ) رَكَعَاتٍ لِأَنَّ الثَّلَاثَ قَبْلَ الرَّابِعَةِ لَغَتْ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ( بَعْدَ السَّلَامِ ، بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى سَلَّمَ : كَتَارِكِ رَكْعَةٍ فَيَكُونُ هَذَا كَتَارِكِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ يَبْنِي عَلَيْهِ فَتَبْطُلُ .
( وَ ) إنْ نَسِيَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ( سَجْدَتَيْنِ ، أَوْ ) نَسِيَ ( ثَلَاثًا ) مِنْ السَّجَدَاتِ ( مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَهِلَهُمَا ) فَلَمْ يَدْرِ : أَهُمَا مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، أَوْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ ، أَوْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ ، أَوْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، أَوْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ؟ ( أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الرَّابِعَةِ فَيَصِحُّ لَهُ رَكْعَتَانِ ، يَبْنِي عَلَيْهِمَا وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ .
( وَ ) إنْ نَسِيَ ( ثَلَاثًا ، أَوْ أَرْبَعًا ) مِنْ السَّجَدَاتِ ( مِنْ ثَلَاثِ ) رَكَعَاتٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَجَهِلَهَا ( أَتَى بِثَلَاثِ ) رَكَعَاتٍ وُجُوبًا ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَتَلْغُوَ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الرَّابِعَة وَتَصِيرَ أُولَاهُ فَيَبْنِيَ عَلَيْهَا .
( وَ ) إنْ نَسِيَ ( خَمْسًا ) مِنْ السَّجَدَاتِ ( مِنْ أَرْبَعِ ) رَكَعَاتٍ ( ، أَوْ ) نَسِيَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ مِنْ ( ثَلَاثِ ) رَكَعَاتٍ مِنْ أَرْبَعَ وَجَهِلَهَا ( أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ ) فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ ( ثُمَّ ) يَأْتِي ( بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ) إنْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ( أَوْ ) يَأْتِي ( بِرَكْعَتَيْنِ ) إنْ كَانَ التَّرْكُ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ .
( وَ ) إنْ نَسِيَ ( مِنْ ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى سَجْدَةً .
وَ ) نَسِيَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ ( وَ ) نَسِيَ ( مِنْ رَابِعَةٍ سَجْدَةً ) وَأَتَى بِالثَّالِثَةِ تَامَّةً فَهِيَ أُولَاهُ وَ ( أَتَى بِسَجْدَةٍ ) فَتَتِمُّ لَهُ الرَّابِعَةُ ، وَتَكُونُ ثَانِيَةً ( ثُمَّ ) يَأْتِي ( بِرَكْعَتَيْنِ ) فَتَتِمُّ لَهُ الْأَرْبَعُ .
( وَمَنْ ذَكَرَ ) فِي صَلَاتِهِ ( تَرْكَ رُكْنٍ جَهِلَهُ ) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ : أَهُوَ رُكُوعٌ ، أَوْ رَفْعٌ مِنْهُ ؟ ( أَوْ ) جَهِلَ ( مَحَلَّهُ ) بِأَنْ ذَكَرَ تَرْكَ سَجْدَةٍ ، وَلَمْ يَعْلَمْ : أَهِيَ مِنْ الْأَخِيرَةِ ، أَوْ مِمَّا قَبْلَهَا ؟ ( عَمِلَ ) وُجُوبًا ( بِاسْتِوَاءِ التَّقْدِيرَيْنِ ) فَيَجْعَلُهُ فِي الْأُولَى رُكُوعًا وَفِي الثَّانِيَةِ مِمَّا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ ، فَيَقُومُ فِي الْأُولَى ، وَيَرْكَعُ وَيَرْفَعُ وَيَعْتَدِلُ وَيَسْجُدُ لِتَحْصُلَ لَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ يَقِينًا وَيَأْتِي فِي الثَّانِيَةِ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ كَذَلِكَ ، وَكَذَا كُلُّ مَا تَيَقَّنَ بِهِ إتْمَامَ صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهَا وَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا ، فَيَكُونَ مُغَرِّرًا بِهَا وَفِي الْحَدِيثِ { لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَقَالَ أَحْمَدُ : أَيْ : لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا عَلَى يَقِينِ أَنَّهَا تَمَّتْ .
وَإِنْ نَسِيَ آيَتَيْنِ مِنْ الْفَاتِحَةِ مُتَوَالِيَتَيْنِ جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَوَالِيَهُمَا جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ .
( وَتَشَهُّدُ ) مَنْ نَسِيَ ، فَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ ( قَبْلَ سَجْدَتَيْ ) رَكْعَةٍ ( أَخِيرَةٍ ) مَثَلًا ( زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ ) يَجِبُ السُّجُودُ لَهَا لِأَنَّهُ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ، وَتَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَةٍ أُولَى ( وَقِيلَ سَجْدَةٌ ثَانِيَةٌ ) زِيَادَةٌ ( قَوْلِيَّةٌ ) يُسَنُّ السُّجُودُ لَهَا لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَحَلُّ جُلُوسٍ ، فَلَمْ يَزِدْ سِوَى الْقَوْلِ .
( وَمَنْ نَهَضَ ) إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ ( عَنْ تَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ ) مَعَ ( تَرْكِ ) جُلُوسٍ لَهُ ( أَوْ ) عَنْ تَرْكِ التَّشَهُّدِ ( دُونَهُ ) أَيْ : الْجُلُوسِ لَهُ ، بِأَنْ جَلَسَ وَنَهَضَ ، وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ( نَاسِيًا ) لِمَا تَرَكَهُ ( لَزِمَ رُجُوعُهُ ) إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا ، لِيَتَدَارَكَ الْوَاجِبَ وَيُتَابِعَهُ مَأْمُومٌ ، وَلَوْ اعْتَدَلَ ( وَكُرِهَ ) رُجُوعُهُ ( إنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا ، فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ النَّهْيِ : الْكَرَاهَةُ .
وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ لِتَرْكِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ لَا إلَى بَدَلٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ( وَحَرُمَ ) رُجُوعٌ ( إنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ ) لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الرُّكُوعِ ( وَبَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ بِرُجُوعِهِ إذَنْ ، عَالِمًا عَمْدًا لِزِيَادَتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا عَمْدًا أَشْبَهَ مَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا .
وَ ( لَا ) تَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ ( إذَا نَسِيَ ، أَوْ جَهِلَ ) تَحْرِيمَ رُجُوعِهِ .
لِحَدِيثِ : { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ } " وَمَتَى عَلِمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ : نَهَضَ وَلَمْ يُتِمَّهُ ( وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ فِي قِيَامِهِ نَاسِيًا لِحَدِيثِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } " وَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّشَهُّدِ قَامَ النَّاسُ مَعَهُ ، وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إنْ سَبَّحُوا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ وَإِنْ سَبَّحُوا بِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ تَشَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يُتَابِعُوهُ ، لِتَرْكِهِ وَاجِبًا وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُمْ مُتَابَعَتُهُ وَلَوْ شَرَعُوا
فِيهَا ، لَا إنْ رَجَعَ بَعْدَهَا لِخِطَابِهِ وَيَنْوُونَ مُفَارَقَتَهُ ( وَكَذَا ) أَيْ : كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلَ نَاسِيًا ( كُلُّ وَاجِبٍ ) تَرَكَهُ مُصَلٍّ نَاسِيًا ( فَيَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحِ رُكُوعٍ ، وَ ) تَسْبِيحِ ( سُجُودٍ قَبْلَ اعْتِدَالٍ ) عَنْ رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ .
وَمَتَى رَجَعَ إلَى الرُّكُوعِ حَيْثُ جَازَ - وَهُوَ إمَامٌ ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ ثَانِيًا نَاسِيًا وَ ( لَا ) يَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحٍ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : الِاعْتِدَالِ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّسْبِيحِ رُكْنٌ وَقَعَ مُجْزِئًا صَحِيحًا وَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ تَكْرَارًا لِلرُّكْنِ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ اعْتِدَالٍ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، لَا نَاسِيًا ، أَوْ جَاهِلًا ( وَعَلَيْهِ السُّجُودُ ) لِلسَّهْوِ ( لِلْكُلِّ ) مِنْ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ .
" تَتِمَّةٌ " لَوْ أَحْرَمَ بِالْعِشَاءِ ، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ، ظَنًّا أَنَّهُمَا مِنْ التَّرَاوِيحِ ، أَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ ظُهْرٍ ، ظَنًّا أَنَّهَا جُمُعَةٌ ، ، أَوْ فَجْرٌ فَائِتَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَعَادَ فَرْضَهُ ، وَلَمْ يَبْنِ نَصًّا لِأَنَّهُ قَدْ قَطَعَ نِيَّةَ الْأُولَى بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ فِي أُخْرَى وَعَمَلِهِ لَهَا مَا يُنَافِي الْأُولَى ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مَا يُنَافِيهَا .
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ الْعَصْرَ ، فَظَنَّ أَنَّهَا الظُّهْرُ ، فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ ذَكَرَ فَقَالَ : يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ .
فَصْلٌ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ ( رُكْنٍ ) بِأَنْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلِهِ فَيُجْعَلُ كَمَنْ تَيَقَّنَ تَرْكَهُ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ ( أَوْ ) شَكَّ فِي ( عَدَدِ رَكَعَاتٍ ) فَإِذَا شَكَّ : صَلَّى رَكْعَةً ، أَوْ رَكْعَتَيْنِ ، بَنَى عَلَى رَكْعَةٍ ؛ ، أَوْ اثْنَتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثًا بَنَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَهَكَذَا إمَامًا كَانَ ، أَوْ مُنْفَرِدًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ : أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا ؟ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى أَرْبَعًا كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ لِيُتِمَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ فَتَحَرِّي الصَّوَابِ فِيهِ : هُوَ اسْتِعْمَالُ الْيَقِينِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ ، وَجَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَلَا يَرْجِعُ ) مَأْمُومٌ ( وَاحِدٌ ) لَيْسَ مَعَهُ مَأْمُومٌ غَيْرُهُ ( إلَى فِعْلِ إمَامِهِ ) لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ شَكَّ إمَامٌ فَسَبَّحَ بِهِ وَاحِدٌ بَلْ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ كَالْمُنْفَرِدِ وَلَا يُفَارِقُهُ قَبْلَ سَلَامِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ خَطَأَهُ ( فَإِذَا سَلَّمَ ) إمَامُهُ ( أَتَى ) مَأْمُومٌ ( بِمَا شَكَّ فِيهِ ) مَعَ إمَامِهِ ، لِيَخْرُجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِيَقِينٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ كَمَنْ نَبَّهَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ .
( وَلَوْ شَكَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا ، بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ مَعَهُ : هَلْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ رَاكِعًا أَمْ لَا ؟ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ) لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي إدْرَاكِهَا ، فَيَأْتِي بِبَدَلِهَا ( وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ شَكَّ ) مَأْمُومٌ ( هَلْ دَخَلَ مَعَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، ، أَوْ ) فِي الرَّكْعَةِ ( فِي الثَّانِيَةِ ) مَثَلًا ( جَعَلَهُ ) أَيْ : الدُّخُولَ مَعَهُ ( فِي ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ ) لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ( وَلَا ) يُشْرَعُ ( سُجُودُ ) سَهْوٍ ( لِشَكٍّ فِي ) تَرْكِ ( وَاجِبٍ ) لِأَنَّهُ شَكَّ فِي سَبَبِ وُجُوبِ السُّجُودِ .
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يُشْرَعُ سُجُودٌ لِشَكٍّ فِي ( زِيَادَةٍ ) بِأَنْ شَكَّ : هَلْ زَادَ رُكُوعًا ، أَوْ سُجُودًا ، أَوْ شَكَّ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ : هَلْ صَلَّى أَرْبَعًا ، أَوْ خَمْسًا وَنَحْوَهُ ؟ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ فَلَحِقَ بِالْمَعْدُومِ يَقِينًا .
( إلَّا إذَا شَكَّ ) فِي الزِّيَادَةِ ( وَقْتَ فِعْلِهَا ) بِأَنْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ وَهُوَ فِيهَا : هَلْ هِيَ زَائِدَةٌ ، أَوْ لَا ؟ ، أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ كَذَلِكَ ، فَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ مُتَرَدِّدًا فِي كَوْنِهِ مِنْهَا ، أَوْ زَائِدًا عَلَيْهَا فَضَعُفَتْ النِّيَّةُ وَاحْتَاجَتْ لِلْجَبْرِ بِالسُّجُودِ .
وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، أَوْ غَيْرِهِ ، فَبَنَى عَلَى يَقِينِهِ ثُمَّ زَالَ شَكُّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِيمَا فَعَلَهُ لَمْ يَسْجُدْ مُطْلَقًا أَيْ : سَوَاءٌ عَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا ، أَوْ لَا ، عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَخَالَفَ فِي شَرْحِهِ .
( وَمَنْ سَجَدَ لِشَكٍّ ) ظَنًّا أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ ( ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودٌ ) لِذَلِكَ الشَّكِّ ( سَجَدَ ) وُجُوبًا ( لِذَلِكَ ) أَيْ : لِكَوْنِهِ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ غَيْرِ مَشْرُوعَتَيْنِ .
وَمَنْ عَلِمَ سَهْوًا وَلَمْ يَعْلَمْ : أَيَسْجُدُ لَهُ أَمْ لَا ؟ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبَهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
( وَمَنْ شَكَّ : هَلْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ ) الْمُتَيَقَّنِ ( ، أَوْ لَا ) أَيْ : أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ ( سَجَدَ مَرَّةً ) أَيْ : سَجْدَتَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ .
( وَلَيْسَ عَلَى مَأْمُومٍ ) سَهَا دُونَ إمَامِهِ ( سُجُودُ سَهْوٍ إلَّا أَنْ يَسْهُوَ إمَامُهُ فَيَسْجُدَ مَعَهُ ) وَلَوْ لَمْ يَسْهُ ، ، أَوْ يَسْجُدَ بَعْدَ سَلَامِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ فَإِنْ سَهَا إمَامُهُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ } " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا سَجَدَ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالسَّلَامِ مِنْ نُقْصَانٍ سَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ .
وَلِعُمُومِ { وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا } " فَيَسْجُدُ مَأْمُومٌ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ ( وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ ) الْمَأْمُومُ ( مَا عَلَيْهِ ) مِنْ ( وَاجِبِ ) تَشَهُّدٍ ثُمَّ ( يُتِمُّهُ ) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِحَدِيثِ { وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا } " وَلَا يُعِيدُ السُّجُودَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْ إمَامِهِ .
( وَلَوْ ) كَانَ الْمَأْمُومُ ( مَسْبُوقًا ) وَسَهَا الْإِمَامُ ( فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ ) الْمَسْبُوقُ فِيهِ ، بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ سَهَا فِي الْأُولَى وَأَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَثَلًا فَيَسْجُدُ مَعَهُ مُتَابَعَةً لَهُ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَقَصَتْ ، حَيْثُ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ فِي السُّجُودِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ فِي بَقِيَّةِ الرَّكْعَةِ .
( فَلَوْ قَامَ ) مَسْبُوقٌ ( بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ) ظَانًّا عَدَمَ سَهْوِ إمَامِهِ ، فَسَجَدَ إمَامُهُ ( رَجَعَ ) الْمَسْبُوقُ ( فَسَجَدَ مَعَهُ ) لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَشْبَهَ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ ، فَيَرْجِعُ وُجُوبًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ ، فَإِنْ اسْتَتَمَّ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ ، كَمَنْ قَامَ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَ ( لَا ) يَرْجِعُ ( إنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ ) لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ ، فَلَا يَرْجِعُ إلَى وَاجِبٍ .
( وَإِنْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ : أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ إمَامَهُ ( فِي آخِرِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ سَجَدَهَا ) مَسْبُوقٌ ( مَعَهُ ) أَيْ : مَعَ إمَامِهِ ( فَإِذَا سَلَّمَ ) الْإِمَامُ ( أَتَى ) الْمَسْبُوقُ ( ب ) السَّجْدَةِ ( الثَّانِيَةِ ) لِيُوَالِيَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ( ثُمَّ قَضَى صَلَاتَهُ ) نَصًّا .
( وَإِنْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ : أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ ( بَعْدَهُمَا ) أَيْ : سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ( وَقَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدْ ) مَسْبُوقٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ بَعْضًا مِنْهُ ، فَيَقْضِيَ الْفَائِتَ ، وَبَعْدَ السَّلَامِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ ، لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ ( وَيَسْجُدُ ) مَسْبُوقٌ ( إنْ سَلَّمَ مَعَهُ ) أَيْ : مَعَ إمَامِهِ ( سَهْوًا ) بَعْدَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَرِدًا ( أَوْ ) يَسْجُدُ أَيْضًا ( لِسَهْوِهِ ) أَيْ : الْمَسْبُوقِ دُونَ إمَامِهِ ( مَعَهُ ) أَيْ : مَعَ إمَامِهِ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ .
وَلَوْ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ ( وَ ) يَسْجُدُ مَسْبُوقٌ أَيْضًا إذَا سَهَا ( فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ ) وَهُوَ مَا يَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ .
وَلَوْ كَانَ سَجَدَ مَعَهُ لِسَهْوِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَرِدًا فَلَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ سُجُودَهُ ( فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ ) الْإِمَامُ وَقَدْ سَهَا عَلَيْهِ سَهْوًا يَجِبُ السُّجُودُ لَهُ ( سَجَدَ مَسْبُوقٌ إذَا فَرَغَ ) مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ ( وَ ) سَجَدَ ( غَيْرُهُ ) وَهُوَ الَّذِي دَخَلَ مَعَ إمَامِهِ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ ( بَعْدَ إيَاسِهِ ) أَيْ : الْمَأْمُومِ ( مِنْ سُجُودِهِ ) أَيْ : إمَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ذَكَرَ قَرِيبًا فَسَجَدَ ، أَوْ رُبَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَرَى السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ السُّجُودُ عَنْ الْمَأْمُومِ بِتَرْكِ إمَامِهِ لَهُ ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَقَصَتْ بِنُقْصَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ فَلَزِمَهُ جَبْرُهَا هَذَا إنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَرَى وُجُوبَهُ ، أَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا ، أَوْ كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ و إلَّا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَتَقَدَّمَ : تَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامٍ .
فَصْلٌ فِي حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ نَفْسِهِ ، وَمَحَلِّهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَحُكْمِ تَرْكِهِ ( وَسُجُودُ السَّهْوِ : لِمَا ) أَيْ : لِفِعْلِ شَيْءٍ ، أَوْ تَرْكِهِ ( يُبْطِلُ عَمْدُهُ ) أَيْ : تَعَمُّدُهُ الصَّلَاةَ ، وَاجِبٌ كَسَلَامٍ عَنْ نَقْصٍ ، وَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ ، أَوْ رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوِهِ ، وَتَرْكِ تَسْبِيحٍ وَنَحْوِهِ ، وَإِتْيَانِهِ بِبَدَلِ رَكْعَةٍ ، أَوْ رُكْنٍ شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْوُ } " وَلَفْظَةُ " عَلَى " لِلْوُجُوبِ ، وَلِأَنَّهُ جُبْرَانٌ يَقُومُ مَقَامَ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ ، أَوْ تَرْكُهُ فَكَانَ وَاجِبًا ، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ .
وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { : فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَتَانِ نَافِلَةً لَهُ } " فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَقَعُ مَوْقِعَ النَّفْلِ فِي زِيَادَةِ الثَّوَابِ لَا أَنَّهُ نَافِلَةٌ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ التَّنَفُّلِ بِالرَّكْعَةِ كَحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا { تَوَضَّأَ وَقَالَ : مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ ، كَتَرْكِ سُنَّةٍ ، أَوْ إتْيَانٍ بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَهُ .
وَيُسَنُّ لِإِتْيَانِهِ بِقَوْلِهِ مَشْرُوعٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَيُبَاحُ لِتَرْكِ سُنَّةِ ( وَ ) سُجُودِ السَّهْوِ ( لِلَحْنٍ يُحِيلُ الْمَعْنَى ، ) فِي الصُّورَةِ ( سَهْوًا ، أَوْ جَهْلًا : وَاجِبٌ ) لِأَنَّ عَمْدَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَوَجَبَ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ وَفِي مَعْنَاهُ : سَبَقَ لِسَانُهُ بِتَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ بِمَا هُوَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُحِيلُ مَعْنَاهُ ، نَحْوُ { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } " ثُمَّ { أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } " .
وَهَذَا
مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ رَدًّا لِخِلَافِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِيهِ ( إلَّا إذَا تَرَكَ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ الْوَاجِبِ ( مَا مَحَلُّهُ ) أَيْ : مَا نُدِبَ كَوْنُهُ ( قَبْلَ السَّلَامِ ) وَيَأْتِي ( فَتَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ ) كَتَعَمُّدِهِ تَرْكَ وَاجِبٍ مِنْ الصَّلَاةِ .
وَ ( لَا ) يُشْرَعُ ( سُجُودٌ لِسَهْوِهِ ) أَيْ : لِتَرْكِهِ سَهْوًا ، لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ فَإِنْ ذَكَرَهُ قَرِيبًا أَتَى بِهِ نَفْسَهُ ، وَإِلَّا فَاتَ ( وَلَا تَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِتَعَمُّدِ تَرْكِ ) سُجُودِ سَهْوٍ ( مَشْرُوعٍ ) أَيْ : مَسْنُونٍ مُطْلَقًا ، كَسَائِرِ الْمَسْنُونَاتِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ أَيْضًا ، وَلَكِنَّ الْعَطْفَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا ( وَلَا ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُجُودِ سَهْوٍ ( وَاجِبٍ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا .
فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إبْطَالِهَا وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا لَهَا كَالْأَذَانِ ، لَكَن يَأْثَمُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : السُّجُودُ الَّذِي مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ ( مَا إذَا سَلَّمَ ) مِنْ صَلَاةٍ ( قَبْلَ إتْمَامِهَا ) لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ : السُّجُودِ ( قَبْلَ السَّلَامِ ، أَوْ بَعْدَهُ نُدِبَ ) لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ ، فَلَوْ سَجَدَ لِلْكُلِّ قَبْلَ السَّلَامِ ، أَوْ بَعْدَهُ جَازَ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : أَنَا أَقُولُ : كُلُّ سَهْوٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ ، وَسَائِرُ السَّهْوِ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَوَجْهُهُ : أَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ ، كَسُجُودِ صُلْبِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ( وَإِنْ نَسِيَهُ ) أَيْ : السُّجُودَ وَقَدْ نُدِبَ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : السَّلَامُ ( قَضَاهُ ) وُجُوبًا إنْ وَجَبَ ( وَلَوْ ) كَانَ ( شُرِعَ فِي ) صَلَاةٍ ( أُخْرَى فَ ) يَقْضِيهِ ( إذَا سَلَّمَ ) مِنْهَا إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ ، وَلَمْ يُحْدِثْ ،
وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ ( وَإِنْ طَالَ فَصْلٌ عُرْفًا ، أَوْ أَحْدَثَ ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَقْضِهِ ) أَيْ : السُّجُودَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ( وَصَحَّتْ ) صَلَاتُهُ ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ إذَا تَرَكَهَا سَهْوًا .
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ وَقَضَاهُ لَمْ يَصِرْ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ ، لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهَا حَصَلَ بِالسَّلَامِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْعَوْدِ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ بِمُفْسِدٍ ، مِنْ نَحْوِ حَدَثٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إذَا نَوَاهُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ مَسْبُوقٍ مَعَهُ فِيهِ ( وَيَكْفِي لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُمَا ) أَيْ : السَّهْوَيْنِ ، بِأَنْ كَانَ مَحَلُّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّلَامِ ، كَتَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَالْآخَرِ : بَعْدَهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ أَيْضًا قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا وَأَتَمَّهَا .
وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَمَاعَةً وَالْآخَرُ مُنْفَرِدًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } " وَهُوَ يَتَنَاوَلُ السَّهْوَ فِي مَوْضِعَيْنِ فَأَكْثَرَ وَكَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَأَمَّا حَدِيثُ { لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، فَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ .
ثُمَّ الْمُرَادُ : لِكُلِّ سَهْوٍ فِي صَلَاةٍ ، وَالسَّهْوُ وَإِنْ كَثُرَ دَاخِلٌ فِي لَفْظِ : السَّهْوِ ، لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ ، فَالتَّقْدِيرُ : لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ .
( وَ ) إذَا اجْتَمَعَ مَا مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَمَا مَحَلُّهُ بَعْدَهُ ( يَغْلِبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ ) فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوَيْنِ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَآكَدُ ، وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُهُ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِذَا سَجَدَ لَهُ سَقَطَ الثَّانِي ، وَإِنْ شَكَّ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ ( وَمَتَى سَجَدَ بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ السَّلَامِ ( جَلَسَ ) بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (
تَشَهَّدَ وُجُوبًا التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ) سَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ ، أَوْ بَعْدَهُ ، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ ، فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ تَشَهَّدَ ، ثُمَّ سَلَّمَ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ فِي حُكْمِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَاحْتَاجَ إلَى التَّشَهُّدِ كَمَا احْتَاجَ إلَى السَّلَامِ ، إلْحَاقًا لَهُ بِمَا قَبْلَهُ ، بِخِلَافِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ فَلَيْسَ قَبْلَهُمَا مَا يُلْحَقَانِ بِهِ ، وَبِخِلَافِ مَا قَبْلَ السَّلَامِ ، فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَتَابِعٌ ، فَلَمْ يُفْرَدْ لَهُ تَشَهُّدٌ ، كَمَا لَا يُفْرَدُ بِسَلَامٍ ( وَلَا يَتَوَرَّكُ ) إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ السُّجُودِ ( فِي ) صَلَاةٍ ( ثُنَائِيَّةٍ ) بَلْ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا ، كَتَشَهُّدِ نَفْسِ الصَّلَاةِ ، فَإِنْ كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً ، أَوْ رُبَاعِيَّةً تَوَرَّكَ لِمَا ذُكِرَ ( وَهُوَ ) أَيْ : سُجُودُ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ ، ( وَمَا يُقَالُ فِيهِ ) مِنْ تَكْبِيرٍ ، وَتَسْبِيحٍ ( وَ ) مَا يُقَالُ ( بَعْدَ رَفْعٍ ) مِنْهُ ، كَرَبِّ اغْفِرْ لِي ، بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ( كَسُجُودِ صُلْبٍ ) لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْأَخْبَارِ فَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَعْرُوفِ لَبَيَّنَهُ .