كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
( وَ ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ ( إنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ظَاهَرَ فَوَطِئَ عَتَقَ عَبْدُهُ عَنْ الظِّهَارِ ) لِوُجُودِ شَرْطِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ ظَاهَرَ ( فَوَطِئَ لَمْ يَعْتِقْ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ .
فَصْلٌ ( وَإِنْ جَعَلَ غَايَتَهُ مَا أَيْ ) شَيْئًا ( لَا يُوجَدُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ غَالِبًا كَ ) قَوْلِهِ ( وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى أَوْ يَخْرُجَ الدَّجَالُ ) أَوْ الدَّابَّةُ وَنَحْوَهُ ، أَوْ يَمُوتَ وَلَدُكِ ، أَوْ تَمْرَضِي أَوْ يَمْرَضَ زَيْدٌ ، أَوْ آتِي إلَى الْهِنْدِ ، أَوْ يَنْزِلَ الثَّلْجُ فِي الصَّيْفِ ( أَوْ ) حَتَّى ( تَحْبَلَ وَهِيَ آيِسَةٌ أَوْ لَا ) أَيْ غَيْرُ آيِسَةٍ ( وَلَمْ يَطَأْ أَوْ ) كَانَ ( يَطَأُ وَنِيَّتُهُ حَبَلٌ مُتَجَدِّدٌ ) فَمُولٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا يُوجَدَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَنُزُولُ عِيسَى وَنَحْوَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَحَبَلُ الْآيِسَةِ وَمَنْ لَا تُوطَأُ مُسْتَحِيلٌ أَشْبَهَ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى تَصْعَدِي السَّمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ بِحَتَّى تَحْبَلِي السَّبَبِيَّةَ أَيْ لَا أَطَؤُكِ لِتَحْبَلِي مِنْ وَطْءٍ قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَالِفٍ عَلَى تَرْك قَصْدِ الْحَبَلِ بِهِ ؛ لِأَنَّ حَتَّى تُسْتَعْمَلُ لِلتَّعْلِيلِ .
( أَوْ ) جَعَلَ غَايَةَ الْإِيلَاءِ فِعْلَهَا ( مُحَرَّمًا ) كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ( حَتَّى تَشْرَبِي خَمْرًا ) أَوْ تَأْكُلِي لَحْمَ خِنْزِيرٍ ، فَمُولٍ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ شَرْعًا يُشْبِهُ الْمُمْتَنِعَ حِسًّا ( أَوْ ) جَعَلَ غَايَتَهُ ( إسْقَاطَ مَالِهَا ) عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ ( أَوْ ) جَعَلَ غَايَتَهُ ( هِبَتَهُ ) أَيْ مَالِهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ( أَوْ ) جَعَلَ غَايَتَهُ ( إضَاعَتَهُ ) أَيْ مَالِهَا ( وَنَحْوَهُ ) كَإِلْقَاءِ نَفْسِهَا فِي مُهْلِكَةٍ ( فَمُولٍ ) لِأَنَّ إسْقَاطَ مَالِهَا وَهِبَتَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا مُحَرَّمٌ ، وَكَذَا إضَاعَتُهُ فَجَرَى مَجْرَى جَعْلِ غَايَتِهِ شُرْبَهَا الْخَمْرَ .
وَ ( ك ) قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ( حَيَاتِي أَوْ حَيَاتُك أَوْ مَا عِشْتُ ) أَنَا ( أَوْ ) ( مَا عِشْتِ ) أَنْتِ و ( لَا ) يَكُونُ مُولِيًا ( إنْ غَيَّاهُ ) أَيْ تَرْكَ الْوَطْءِ ( بِمَا لَا يُظَنُّ خُلُوُّ الْمُدَّةِ ) أَيْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا عَلَّقَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ .
( وَلَوْ خَلَتْ ) الْمُدَّةُ مِنْهُ ( كَ ) قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ( حَتَّى يَرْكَبَ زَيْدٌ وَنَحْوَهُ ) كَحَتَّى يُسَافِرَ أَوْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يُطَلِّقَ ( أَوْ ) غَيَّا تَرْكَ الْوَطْءِ ( بِالْمُدَّةِ ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ( كَ ) قَوْلِهِ ( وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) أَوْ لَا وَطِئْتُكِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَنَحْوَهُ ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مُدَّةٍ دُونَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ يَمِينٍ عَقِبَ مُدَّتِهَا بِلَا حِنْثٍ فِيهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَكِنْ إنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْمُضَارَّةِ فَكَمُولٍ كَمَا سَبَقَ .
( أَوْ قَالَ ) وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ( إلَّا بِرِضَاك أَوْ ) إلَّا بِ ( اخْتِيَارِكِ أَوْ إلَّا أَنْ ) تَخْتَارِي ( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( تَشَائِي .
وَلَوْ لَمْ تَشَأْ بِالْمَجْلِسِ ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ مِنْهَا بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهَا فِيهِ ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا بِهِ .
( وَإِنْ قَالَ ) لَهَا ( وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ مُدَّةً أَوْ لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يَنْوِيَ ) بِذَلِكَ تَرْكَ وَطْئِهَا ( فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ .
( وَإِنْ عَلَّقَهُ ) أَيْ الْإِيلَاءَ ( بِشَرْطٍ كَ ) قَوْلِهِ ( إنْ وَطِئْتُكِ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ، أَوْ إنْ قُمْتُ ) فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ( أَوْ إنْ شِئْتُ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا حَتَّى يُوجَدَ ) شَرْطُهُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَقَبْلَهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ فَإِنْ وُجِدَ شَرْطُهُ صَارَ مُولِيًا .
( وَمَتَى أَوْلَجَ زَائِدًا عَلَى الْحَشَفَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ) وَهِيَ إنْ وَطِئْتُكِ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ( وَلَا نِيَّةَ ) لَهُ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ ( حَنِثَ ) لِأَنَّ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ وَطْءٌ فَيَحْنَثُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى وَطْئًا كَامِلًا عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْمُعْتَادِ .
( وَ ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ ( وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ فِي السَّنَةِ ) إلَّا يَوْمًا أَوْ مَرَّةً ( أَوْ ) قَالَ لَهَا : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ ( سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَوْ ) إلَّا ( مَرَّةً فَلَا إيلَاءَ ) عَلَيْهِ ( حَتَّى يَطَأَ وَقَدْ بَقِيَ فَوْقَ ثُلُثِهَا ) أَيْ السَّنَةِ لِأَنَّ يَمِينَهُ مُعَلَّقَةٌ بِالْإِضَافَةِ فَقَبْلَهَا لَا يَكُونُ حَالِفًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْإِضَافَةِ حِنْثٌ فَإِنْ وَطِئَ وَالْبَاقِي مِنْ الْمُدَّةِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَارَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا .
( وَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ أَرْبَعِ ) زَوْجَاتِهِ ( ب ) قَوْلِهِ لَهُنَّ ( وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ ) مِنْكُنَّ ( أَوْ ) وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُ ( وَاحِدَةً مِنْكُنَّ ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءُ إحْدَاهُنَّ بِلَا حِنْثٍ ( فَيَحْنَثُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُنَّ ( فِي الصُّورَتَيْنِ وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ ) بِوَطْءِ الْأُولَى لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْحِنْثُ فِيهَا وَلَا يَبْقَى حُكْمُهَا بَعْدَ حِنْثِهِ فِيهَا ( وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي ) الصُّورَةِ ( الثَّانِيَةِ ) وَهِيَ لَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ ( إرَادَةُ ) وَاحِدَةٍ ( مُعَيَّنَةٍ ) مِنْهُنَّ كَفَاطِمَةَ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ بِلَا بُعْدٍ .
( وَ ) يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ إرَادَةُ وَاحِدَةٍ ( مُبْهَمَةٍ ) مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ ( وَتَخْرُجُ ) الْمُبْهَمَةُ مِنْهُنَّ ( بِقُرْعَةٍ ) فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجَّحَ غَيْرِهَا .
( وَ ) مَنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسَائِهِ ( وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكُنَّ أَوْ ) قَالَ لَهُنَّ ( لَا وَطِئْتُكُنَّ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا ) فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وَطْءُ بَعْضِهِنَّ بِلَا حِنْثٍ ( حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا ) مِنْهُنَّ ( فَتَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ ) الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا بِلَا حِنْثٍ ( فَلَوْ عَدِمَتْ إحْدَاهُنَّ ) بِمَوْتٍ أَوْ إبَانَةٍ ( انْحَلَّتْ يَمِينُهُ ) لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْءِ الْأَرْبَعِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ الْبَائِنَ عَادَ حُكْمُ يَمِينِهِ ( بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ) أَيْ قَوْلُهُ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ أَوْ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِمَوْتِ إحْدَاهُنَّ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ ) مِنْ نِسَائِهِ ( وَقَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُكِ مَعَهَا ) وَنَحْوَهُ ( لَمْ يَصِرْ مُولِيًا مِنْ الثَّانِيَةِ ) لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ مِنْ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ وَالتَّشْرِيكُ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمَا كِنَايَةٌ ( بِخِلَافِ الظِّهَارِ ) وَالطَّلَاقِ فَإِذَا ظَاهَرَ مِنْ إحْدَى نِسَائِهِ أَوْ طَلَّقَهَا وَقَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُكِ مَعَهَا وَقَعَ بِالْأُخْرَى كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ فِي التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ فَكَذَا فِي التَّشْرِيكِ .
( مِنْ ) مُسْلِمٍ و ( كَافِرٍ ) وَحُرٍّ ( وَقِنٍّ ) وَبَالِغٍ ( وَمُمَيِّزٍ ) يَعْقِلُهُ وَسَكْرَانَ وَغَضْبَانَ وَمَرِيضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَمَنْ لَمْ ( يَدْخُلْ ) بِزَوْجَتِهِ و ( لَا ) يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } وَلَا ( مِنْ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمَا ( و ) لَا مِنْ ( عَاجِزٍ عَنْ وَطْءٍ لِجَبٍّ كَامِلٍ أَوْ شَلَلٍ ) أَوْ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْوَطْءُ لِامْتِنَاعِهِ بِعَجْزِهِ ( وَيُضْرَبُ لِمُولٍ وَلَوْ ) كَانَ ( قِنًّا ) لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ( مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَمِينِهِ ) لِلْآيَةِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى ضَرْبِ حَاكِمٍ كَالْعِدَّةِ ( وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ زَمَنُ عُذْرِهِ ) فِيهَا كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَإِحْرَامٍ وَحَبْسٍ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ التَّمْكِينُ مِنْهَا .
و ( لَا ) يُحْسَبُ زَمَنُ ( عُذْرِهَا كَصِغَرٍ وَجُنُونٍ وَنُشُوزٍ وَإِحْرَامٍ وَنِفَاسٍ ) وَمَرَضِهَا وَحَبْسِهَا وَسَفَرِهَا وَلَا تُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ ، لِأَنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا وَالْمَنْعُ هُنَا مِنْ قِبَلِهَا ( بِخِلَافِ حَيْضِهَا ) فَيُحْسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ وَلَا يَقْطَعُهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى إسْقَاطِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ إذْ لَا يَخْلُو مِنْ الْحَيْضِ شَهْرٌ غَالِبًا ( وَإِنْ حَدَثَ عُذْرُهَا ) أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ ( اُسْتُؤْنِفَتْ ) الْمُدَّةُ ( لِزَوَالِهِ ) وَلَمْ تَبِنْ عَلَى مَا مَضَى لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى : { تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } يَقْتَضِي أَنَّهَا مُتَوَالِيَةٌ فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِحُدُوثِ عُذْرِهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا كَمُدَّةِ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ ( وَلَا ) تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ ( إنْ حَدَثَ عُذْرُهُ ) فِي أَثْنَائِهَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ .
( وَإِنْ ارْتَدَّا أَوْ ) ارْتَدَّ ( أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ ثُمَّ أَسْلَمَا ) فِي الْعِدَّةِ إنْ ارْتَدَّا ( أَوْ أَسْلَمَ ) مَنْ ارْتَدَّ مِنْهُمَا ( فِي الْعِدَّةِ اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ ) وَكَذَا إنْ أَسْلَمَ كَافِرَانِ أَوْ زَوْجُ
غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ بَعْدَ دُخُولٍ فِي الْعِدَّةِ ( كَمَنْ بَانَتْ ) فِي الْمُدَّةِ ( ثُمَّ عَادَتْ فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ بَانَتْ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ ؛ لِأَنَّهَا بِالْبَيْنُونَةِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ فَلَمَّا عَادَ وَتَزَوَّجَهَا عَادَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَاسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ إذَنْ ( وَإِنْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فِي الْمُدَّةِ ) أَيْ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ ( لَمْ تَنْقَطِعْ ) الْمُدَّةُ ( مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ) نَصًّا لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ عَلَى نِكَاحِهَا وَهِيَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ .
( وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ) أَيْ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ ( وَ ) قَدْ حَدَثَ ( بِهَا عُذْرٌ ) بَعْدَهَا ( يَمْنَعُ وَطْأَهَا ) كَإِحْرَامٍ وَنِفَاسٍ ( لَمْ تَمْلِكْ طَلَبَ الْفِيئَةِ ) بِكَسْرِ الْفَاءِ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَتِهَا فَطَلَبُهَا بِهِ عَبَثٌ ( وَإِنْ كَانَ ) الْعُذْرُ ( بِهِ وَهُوَ ) أَيْ الْعُذْرُ ( مِمَّا يَعْجَزُ بِهِ عَنْ الْوَطْءِ ) كَالْمَرَضِ وَالْإِحْرَامِ ( أُمِرَ ) أَيْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ ( أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ فَيَقُولَ مَتَى قَدِرْتُ جَامَعْتُكِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْفِيئَةِ تَرْكُ مَا قَصَدَهُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْإِيلَاءِ وَاعْتِذَارُهُ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْإِضْرَارِ ( ثُمَّ مَتَى قَدِرَ ) أَنْ يُجَامِعَ ( وَطِئَ أَوْ طَلَّقَ ) لِزَوَالِ عَجْزِهِ الَّذِي أُخِّرَ لِأَجْلِهِ كَالدَّيْنِ يُوسِرُ بِهِ الْمُعْسِرُ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا حِنْثَ فِي الْفِيئَةِ بِاللِّسَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَلْ وَعَدَ بِهِ .
( وَيُمْهَلُ مُولٍ ) طُلِبَتْ فِيئَتُهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ ( لِصَلَاةِ فَرْضٍ وَتَغَدٍّ وَهَضْمِ طَعَامٍ وَنَوْمٍ عَنْ نُعَاسٍ وَتَحَلُّلٍ مِنْ إحْرَامٍ وَنَحْوَهُ ) كَفِطْرٍ مِنْ صَوْمٍ وَاجِبٍ وَدُخُولِ خَلَاءٍ وَرُجُوعٍ إلَى بَيْتِهِ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ ( وَ ) يُمْهَلُ مُولٍ ( مُظَاهِرٍ لِطَلَبِ رَقَبَةٍ ) يَعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ ( ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ و ( لَا ) يُمْهَلُ مُظَاهِرٌ ( لِصَوْمٍ ) عَنْ كَفَّارَتِهِ بَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ زَمَنَ الصَّوْمِ كَثِيرٌ .
( فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِمُولٍ عُذْرٌ وَطَلَبَتْ ) زَوْجَتُهُ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( أَمَةً الْفِيئَةَ وَهِيَ الْجِمَاعُ لَزِمَ الْقَادِرُ ) عَلَى وَطْءٍ ( مَعَ حِلِّ وَطْئِهَا ) أَنْ يَطَأَ وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ فَسُمِّيَ الْجِمَاعُ مِنْ الْمُولِي فَيْئَةً لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى فِعْلِ مَا تَرَكَهُ بِحَلِفِهِ ( وَتُطَالِبُ ) زَوْجَةٌ ( غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ ) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ ( إذَا كُلِّفَتْ ) لِتَصِحَّ دَعْوَاهَا ( وَلَا مُطَالَبَةَ لِوَلِيِّ ) صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ ( وَ ) لَا ( سَيِّدِ ) أَمَةٍ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَطْءِ لِلزَّوْجَةِ دُونَ وَلِيِّهَا وَسَيِّدِهَا .
( وَيُؤْمَرُ بِطَلَاقِ مَنْ عُلِّقَ ) الطَّلَاقُ ( الثَّلَاثُ بِوَطْئِهَا وَيَحْرُمُ ) وَطْؤُهَا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِإِدْخَالِ ذَكَرِهِ فَيَكُونُ نَزْعُهُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ ( وَمَتَى أَوْلَجَ ) حَشَفَةً فِي زَوْجَةٍ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الثَّلَاثَ بِوَطْئِهَا ( وَتَمَّمَ ) وَطْأَهُ ( أَوْ لَبِثَ ) وَهُوَ مُولِجٌ ( لَحِقَهُ نَسَبُهُ ) أَيْ مَا وَلَدَتْهُ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ ( وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِمَا لِلشُّبْهَةِ وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ لِأَنَّهُ تَارِكٌ وَإِنْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ فَإِنْ جَهِلَا التَّحْرِيمَ فَالْمَهْرُ وَالنَّسَبُ وَلَا حَدَّ وَإِنْ عَلِمَا التَّحْرِيمَ فَلَا مَهْرَ وَلَا نَسَبَ وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَتْهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَالْحَدُّ وَلَا نَسَبَ وَإِنْ عَلِمَتْ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَهُ لَزِمَهَا الْحَدُّ وَلَحِقَهُ النَّسَبُ وَلَا مَهْرَ ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا بِوَطْئِهَا فَوَطِئَهَا وَقَعَ رَجْعِيًّا .
قُلْتُ وَحَصَلَتْ رَجْعَتُهَا بِنَزْعِهِ إذْ النَّزْعُ جِمَاعٌ .
( وَتَنْحَلُّ يَمِينٌ مَنْ ) أَيْ مُولٍ ( جَامَعَ وَلَوْ مَعَ تَحْرِيمِهِ ) أَيْ الْجِمَاعِ ( ك ) جِمَاعِهِ ( فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صِيَامِ فَرْضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ بِهِ وَقَدْ وَفَّى الزَّوْجَةَ حَقَّهَا مِنْ الْوَطْءِ فَخَرَجَ مِنْ الْفَيْئَةِ كَالْوَطْءِ الْمُبَاحِ ( وَيُكَفِّرُ ) لِحِنْثِهِ ( وَأَدْنَى مَا يَكْفِي ) مُولٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ فَيْئِهِ ( تَغَيُّبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا ) مِنْ مَقْطُوعِهَا ( وَلَوْ مِنْ مُكْرَهٍ ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْوَطْءِ لَا يُتَصَوَّرُ ( وَنَاسٍ وَجَاهِلٍ وَنَائِمٍ وَمَجْنُونٍ أَوْ أُدْخِلَ ذَكَرُ نَائِمٍ ) لِوُجُودِ الْوَطْءِ وَاسْتِيفَاءِ الْمَرْأَةِ بِهِ حَقَّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ قَصْدًا ( وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ ) أَيْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِعَدَمِ حِنْثِهِ فَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ ( فِي الْقُبُلِ ) مُتَعَلِّقٌ بِتَغْيِيبِ أَيْ قُبُلِ مَنْ آلَى مِنْهَا ( فَلَا يَخْرُجُ ) مُولٍ ( مِنْ الْفَيْئَةِ بِوَطْءٍ دُونَ فَرْجٍ أَوْ ) وَطْءٍ ( فِي دُبُرٍ ) لِأَنَّ الْفَيْئَةَ الرُّجُوعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا غَيْرُ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ .
كَمَا لَوْ قَبَّلَهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِهِ ضَرَرُ الْمَرْأَةِ .
( وَإِنْ لَمْ يَفِ ) مُولٍ بِوَطْءِ مَنْ آلَى مِنْهَا ( وَأَعَفَّتْهُ سَقَطَ حَقُّهَا ) لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِهِ ( كَعَفْوِهَا ) أَيْ زَوْجَةِ الْعِنِّينِ ( بَعْدَ زَمَنِ الْعُنَّةِ ) عَنْ الْفَسْخِ فَيَسْقُطُ ( وَإِلَّا ) تَعُفُّهُ الْمَرْأَةُ ( أُمِرَ ) أَيْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ ( أَنْ يُطَلِّقَ ) إنْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وَقَوْلِهِ : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَمْ يُمْسِكْ بِمَعْرُوفٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ .
( وَلَا تَبِينُ زَوْجَةُ ) مُولٍ مِنْهُ ( بِ ) طَلَاقٍ ( رَجْعِيٍّ ) سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ هُوَ أَوْ الْحَاكِمُ كَغَيْرِ مُولٍ ( فَإِنْ أَبَى ) مُولٍ أَنْ يَفِيءَ وَأَنْ يُطَلِّقَ ( طَلَّقَ حَاكِمٌ عَلَيْهِ طَلْقَةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ فَسَخَ ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَدْخُلهُ النِّيَابَةُ وَقَدْ تَعَيَّنَ مُسْتَحَقُّهُ فَقَامَ الْحَاكِمُ فِيهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ كَأَدَاءِ الدَّيْنِ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَإِنْ رَأَى أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُولِي فَيَقَعُ مَا يُوقِعُهُ مِنْ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ الْمُطَلِّقِ .
ا هـ .
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْوَكِيلَ الْمُطَلِّقَ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَكِيلٍ قِيلَ لَهُ : طَلِّقْ مَا شِئْتَ مَعَ أَنَّ الْمُولِي نَفْسَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إيقَاعُ ثَلَاثٍ بِكَلِمَةٍ فَكَيْفَ تَجُوزُ لِغَيْرِهِ ؟ .
( وَإِنْ قَالَ ) حَاكِمٌ ( فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا ) وَلَمْ يَنْوِ طَلَاقًا ( فَهُوَ فَسْخٌ ) لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لَيْسَتْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَا نِيَّتِهِ ، أَشْبَهَ قَوْلَهُ : فَسَخْتُ النِّكَاحَ .
( وَإِنْ ادَّعَى ) مُولٍ طَلَبَتْهُ زَوْجَتُهُ بِالْفَيْئَةِ ( بَقَاءَ الْمُدَّةِ ) قُبِلَ قَوْلُهُ ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ حَلِفِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ لِصُدُورِهِ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِيلَاءِ ( أَوْ ) ادَّعَى ( وَطْأَهَا ) بَعْدَ إيلَائِهِ ( وَهِيَ ثَيِّبٌ قُبِلَ ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ غَالِبًا ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَقَوْلِ امْرَأَةٍ فِي حَيْضِهَا .
( وَإِنْ ادَّعَتْ ) زَوْجَةُ مُولٍ ادَّعَى وَطْأَهَا ( بَكَارَةً فَشَهِدَ بِهَا ) أَيْ بِبَكَارَتِهَا امْرَأَةٌ ( ثِقَةٌ قُبِلَتْ ) كَسَائِرِ عُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ ( وَإِلَّا ) يَشْهَدْ بِبَكَارَتِهَا أَحَدٌ ثِقَةٌ ( قُبِلَ ) قَوْلُهُ فِي وَطْئِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا لِمَا مَرَّ ( وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فِيهِنَّ ) أَيْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ الدَّيْنَ ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ " { وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } .
مُشْتَقٌّ مِنْ الظَّهْرِ ، وَخُصَّ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمَرْكُوبُ ظَهْرًا وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبَةٌ إذَا غُشِيَتْ .
فَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَعْنَاهُ : أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ ، كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ رُكُوبَهَا لِلْوَطْءِ حَرَامٌ كَرُكُوبِ أُمِّهِ لَهُ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى : { { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ } - الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ حِينَ ظَاهَرَ مِنْهَا ابْنُ عَمِّهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ ، فَجَاءَتْ تَشْكُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُجَادِلُهُ فِيهِ ، وَيَقُولُ : اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّك فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ( وَهُوَ ) أَيْ الظِّهَارُ ( أَنْ يُشَبِّهَ ) زَوْجٌ ( امْرَأَتَهُ أَوْ ) يُشَبِّهَ ( عُضْوًا مِنْهَا ) أَيْ امْرَأَتِهِ كَيَدِهَا وَظَهْرِهَا ( بِمَنْ ) أَيِّ امْرَأَةٍ ( تَحْرُمُ عَلَيْهِ ) كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَعَمَّاتِهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ ( إلَى أَمَدٍ ) كَأُخْتِ زَوْجَتِهِ وَخَالَتِهَا ( أَوْ ) يُشَبِّهَهَا ( بِعُضْوٍ مِنْهَا ) أَيْ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ إلَى أَمَدٍ ( أَوْ ) يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ ( بِذَكَرٍ أَوْ عُضْوٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الذَّكَرِ .
( وَلَوْ ) أُتِيَ بِهِ ( بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَلَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ ) أَيْ حِلَّ مَنْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِهَا مِنْ مَحَارِمِهِ ( مَجُوسِيٌّ ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي مُعْتَقِدًا حِلَّ أُخْتِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ إذَا أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ( نَحْوُ ) قَوْلِ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ ( أَنْتِ أَوْ يَدُكِ أَوْ وَجْهُكِ أَوْ أُذُنُكِ كَظَهْرِ ) أُمِّي ( أَوْ ) كَ ( بَطْنِ ) أُمِّي ( أَوْ ) ك ( رَأْسِ أُمِّي أَوْ كَعَيْنِ أُمِّي أَوْ ) كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ ( عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي أَوْ
حَمَاتِي أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِي أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ ) كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ ( أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ ) كَظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ رَأْسِ أَوْ عَيْنِ ( أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ زَيْدٍ أَوْ رَجُلٍ ، وَلَا يُدَيَّنُ ) إنْ قَالَ : أَرَدْتُ فِي الْكَرَامَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِي الظِّهَارِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ .
( وَ ) إنْ قَالَ لَهَا ( أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ أَوْ ) قَالَ لَهَا ( عَكْسَهُ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي ( يَلْزَمَانِهِ ) أَيْ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ لِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِهِمَا ، وَجَزَمَ فِي الشَّرْحِ وَالْإِقْنَاعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظِهَارًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ .
( وَ ) إنْ قَالَ لَهَا ( أَنْتِ عَلَيَّ ) كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ( أَوْ ) قَالَ أَنْتِ ( عِنْدِي ) كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ( أَوْ ) أَنْتِ ( مِنِّي ) كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ( أَوْ ) أَنْتِ ( مَعِي كَأُمِّي أَوْ ) مَعِي ( مِثْلُ أُمِّي وَأَطْلَقَ ) فَلَمْ يَنْوِ بِهِ ظِهَارًا وَلَا غَيْرَهُ ( فَ ) هُوَ ( ظِهَارٌ ) لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ( وَإِنْ نَوَى ) بِأَنْتِ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي ( فِي الْكَرَامَةِ وَنَحْوِهَا ) كَالْمَحَبَّةِ ( دِينَ وَقُبِلَ حُكْمًا ) لِاحْتِمَالِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ ( وَ ) إنْ قَالَ لَهَا ( أَنْتِ أُمِّي أَوْ ) أَنْتِ ( كَأُمِّي أَوْ ) أَنْتِ ( مِثْلُ أُمِّي ) وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي ( لَيْسَ بِظِهَارٍ إلَّا مَعَ نِيَّةِ ) ظِهَارٍ ( أَوْ قَرِينَةٍ ) لِأَنَّ احْتِمَالَ هَذِهِ الصُّوَرِ لِغَيْرِ الظِّهَارِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِ الصُّوَرِ الَّتِي قَبْلَهَا لَهُ وَكَثْرَةُ الِاحْتِمَالَاتِ تُوجِبُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ فِي الْمُحْتَمَلِ الْأَقَلِّ لِيَتَعَيَّنَ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كِنَايَةً فِيهِ وَالْقَرِينَةُ تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ .
( وَ ) قَوْلُهُ لَهَا ( أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ظِهَارٌ وَلَوْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا أَوْ يَمِينًا ) نَصًّا لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ أَوْقَعَهُ فِي امْرَأَتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَحَمْلُهُ عَلَى الظِّهَارِ أَوْلَى مِنْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَهَذَا يُحَرِّمُهَا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فَحَمْلُهُ عَلَى أَدْنَى التَّحْرِيمَيْنِ أَوْلَى ( إلَّا إنْ زَادَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ سَبَقَ بِهَا ) فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدْخُلُهُ التَّكْفِيرُ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ شَاءَ زَيْدٌ .
( وَ ) قَوْلُهُ ( أَنَا مُظَاهِرٌ أَوْ عَلَيَّ ) الظِّهَارُ ( أَوْ يَلْزَمُنِي الظِّهَارُ أَوْ ) عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ يَلْزَمُنِي ( الْحَرَامُ وَأَنَا عَلَيْكِ حَرَامٌ أَوْ ) أَنَا عَلَيْكِ ( كَظَهْرِ رَجُلٍ ) أَوْ كَظَهْرِ أَبِي ( مَعَ نِيَّةِ ) ظِهَارٍ ( أَوْ قَرِينَةٍ ) دَالَّةٍ عَلَيْهِ ( ظِهَارٌ ) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ نَوَاهُ بِهِ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ نَفْسِهِ عَلَيْهَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلِأَنَّ تَشْبِيهَ نَفْسِهِ بِأَبِيهِ يَلْزَمُهُ فِيهِ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ ( وَإِلَّا ) يَنْوِ ظِهَارًا وَلَا قَرِينَةً عَلَيْهِ ( فَلَغْوٌ ك ) قَوْلِهِ ( أُمِّي ) امْرَأَتِي ( أَوْ أُخْتِي امْرَأَتِي أَوْ مِثْلُهَا ) أَيْ أُمِّي أَوْ أُخْتِي مِثْلُ امْرَأَتِي وَنَحْوَهُ ( وَكَ ) قَوْلِ أَنْتِ عَلَيَّ ( كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ ) فَلَيْسَ ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ ( وَ ) كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ ( وَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ ) فَلَغْوٌ نَصًّا ( وَكَالْإِضَافَةِ ) أَيْ إضَافَةِ التَّشْبِيهِ أَوْ التَّحْرِيمِ ( إلَى شَعْرٍ وَظُفُرٍ وَرِيقٍ وَلَبَنٍ وَدَمٍ وَرُوحٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ ) بِأَنْ قَالَ شَعْرُكِ أَوْ ظُفُرُكِ إلَى آخِرِهِ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ شَعْرُكِ أَوْ ظُفُرُكِ إلَخْ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ لَغْوٌ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ .
( وَلَا ظِهَارَ إنْ قَالَتْ ) امْرَأَةٌ ( لِزَوْجِهَا ) نَظِيرَ مَا يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا لَوْ قَالَهُ ( أَوْ عَلَّقَتْ بِتَزْوِيجِهِ نَظِيرَ مَا يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا ) لَوْ قَالَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ } فَخَصَّهُمْ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ قَوْلٌ يُوجِبُ تَحْرِيمًا فِي النِّكَاحِ فَاخْتَصَّ بِهِ الرَّجُلُ كَالطَّلَاقِ وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْمَرْأَةِ حَقٌّ لِلزَّوْجِ فَلَا تَمْلِكُ إزَالَتَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ( وَعَلَيْهَا كَفَّارَتُهُ ) أَيْ الظِّهَارُ ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَدْ أَتَتْ بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ وَالزُّورِ فِي تَحْرِيمِ الْآخَرِ عَلَيْهِ أَشْبَهَتْ الزَّوْجَ ( وَعَلَيْهَا التَّمْكِينُ ) لِزَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا ( قَبْلَهُ ) أَيْ التَّكْفِيرِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ فَلَا تَمْنَعُهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الظِّهَارِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ تَغْلِيظًا وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءً الْقُبْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّخَعِيّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ أَنَّهَا قَالَتْ ( إنْ تَزَوَّجْتُ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَسَأَلَتْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا كَفَّارَةً وَرَوَى سَعِيدٌ ) أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ فَأَمَرُوهَا أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً وَتَتَزَوَّجَهُ فَتَزَوَّجَتْهُ وَأَعْتَقَتْ عَبْدًا ) ( وَيُكْرَهُ دُعَاءُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ ( الْآخَرَ بِمَا يَخْتَصُّ بِذِي رَحِمٍ كَأَبِي وَأُمِّي وَأَخِي وَأُخْتِي ) قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي .
فَصْلٌ وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ كُلِّ مَنْ أَيْ زَوْجٍ ( يَصِحُّ طَلَاقُهُ ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا كَبِيرًا أَوْ مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ كَالطَّلَاقِ فَجَرَى مَجْرَاهُ وَصَحَّ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ ( وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ بِمَالٍ ) أَيْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ( وَ ) يَصِحُّ ( مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ } الْآيَةَ فَخَصَّهُنَّ بِالظِّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ فَاخْتَصَّ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُقِلَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ مَحَلُّهُ ( فَلَا ) يَصِحُّ ظِهَارٌ ( مِنْ أَمَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ وَيُكَفِّرُ ) سَيِّدٌ قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ( كَيَمِينِ يَحْنَثُ فِيهَا ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا ثُمَّ وَطْئِهَا ، قَالَ نَافِعٌ { حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ } .
( وَإِنْ نَجَّزَهُ ) أَيْ الظِّهَارَ ( لِأَجْنَبِيَّةٍ ) بِأَنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي صَحَّ ظِهَارُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ وَكَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَالْآيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ( أَوْ عَلَّقَهُ بِتَزْوِيجِهَا ) بِأَنْ قَالَ لَهَا : إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، أَوْ قَالَ : النِّسَاءُ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ .
( أَوْ قَالَ ) لِأَجْنَبِيَّةٍ ( أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى أَبَدًا صَحَّ ) ذَلِكَ ( ظِهَارًا ) لِأَنَّهُ ظِهَارٌ فِي الزَّوْجَةِ فَكَذَا الْأَجْنَبِيَّةُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَ ( لَا ) يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ظِهَارًا .
( إنْ أَطْلَقَ ) فَلَمْ يَنْوِ أَبَدًا ( أَوْ نَوَى ) أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ ( إذَنْ ) لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدِ التَّزْوِيجِ ( وَيُقْبَلُ مِنْهُ ) دَعْوَى ذَلِكَ حُكْمًا لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ( وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُنَجَّزًا ) كَمَا تَقَدَّمَ ( وَمُعَلَّقًا ) كَإِنْ قُمْتُ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي .
( فَمَنْ حَلَفَ بِهِ ) أَيْ الظِّهَارِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَحَنِثَ لَزِمَهُ ) مَا حَلَفَ بِهِ .
( وَ ) يَصِحُّ الظِّهَارُ ( مُطْلَقًا ) كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ( وَ ) يَصِحُّ ( مُؤَقَّتًا كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ وَطِئَ فِيهِ ) أَيْ رَمَضَانَ ( كَفَّرَ وَإِلَّا ) يَطَأْ فِيهِ ( زَالَ ) حُكْمُ الظِّهَارِ بِمُضِيِّهِ لِحَدِيثِ صَخْرِ بْنِ سَلَمَةَ وَفِيهِ ( { ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَصَابَهَا فِيهِ فَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ تَقَيُّدَهُ } ) بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَهَذَا يُوقِعُ تَحْرِيمًا يَرْفَعُهُ التَّكْفِيرُ أَشْبَهَ الْإِيلَاءَ .
( وَيَحْرُمُ عَلَى مُظَاهَرٍ وَمُظَاهَرٍ مِنْهَا وَطْءٌ وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ تَكْفِيرٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَقَوْلِهِ : { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } ( وَلَوْ كَانَ ) تَكْفِيرُهُ ( بِإِطْعَامٍ ) لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( { أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ - رَحِمَكَ اللَّهُ - قَالَ : رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا : فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ ؟ قَالَ : فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ } ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَلِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ مِنْ الْقَوْلِ حَرَّمَ دَوَاعِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْإِحْرَامِ ( بِخِلَافِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ) فَلَهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ .
( وَتَثْبُتُ ) أَيْ تَسْتَقِرُّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ ( فِي ذِمَّتِهِ ) أَيْ الْمُظَاهِرِ ( بِالْعَوْدِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ يَعُودُونَ } ( وَهُوَ الْوَطْءُ ) نَصًّا لَا الْعَزْمُ عَلَيْهِ فَلَا تَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا شَرْطٌ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَيُؤْمَرُ بِهَا مَنْ أَرَادَهُ لِيَسْتَحِلَّهُ بِهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَنْ أَرَادَ حِلَّ الْمَرْأَةِ أَوْ لَوْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْ مَجْنُونٍ بِأَنْ ظَاهَرَ ثُمَّ جُنَّ وَكَذَا لَوْ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ زَنَا بِهَا لَا إنْ كَانَ الْوَطْءُ ( مِنْ مُكْرَهٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْإِكْرَاهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ ضِدُّ قَوْلِ الْمُظَاهِرِ إذْ الْمُظَاهِرُ حَرَّمَ الْوَطْءَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنَعَهَا مِنْهُ فَالْعَوْدُ فِعْلُهُ وَأَمَّا الْإِمْسَاكُ عَنْ الْوَطْءِ فَلَيْسَ بِعَوْدٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مُتَرَاخٍ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ يَقْتَضِي تَرْكَ الْوَطْءِ فَلَا تَجِبُ كَفَّارَتُهُ إلَّا بِهِ كَالْإِيلَاءِ .
( وَيَأْثَمُ مُكَلَّفٌ ) بِوَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ تَكْفِيرٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( ثُمَّ ) إنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ ( لَا يَطَأُ ) بَعْدُ ( حَتَّى يُكَفِّرَ ) لِلْخَبَرِ وَلِبَقَاءِ التَّحْرِيمِ ( وَتُجْزِيهِ ) كَفَّارَةٌ ( وَاحِدَةٌ ) وَلَوْ كَرَّرَ الْوَطْءَ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ الْعَوْدُ وَالظِّهَارُ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ ( { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ) الْآيَتَيْنِ ( كَمُكَرِّرٍ ظِهَارًا مِنْ ) امْرَأَةٍ ( وَاحِدَةٍ قَبْلَ تَكْفِيرٍ وَلَوْ ) كَرَّرَهُ ( بِمَجَالِسَ أَوْ أَرَادَ ) بِتَكْرَارِهِ ( اسْتِئْنَافًا ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ لِتَحْرِيمِهَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ .
( وَكَذَا ) لَوْ ظَاهَرَ ( مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ ) كَقَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ ظِهَارٌ وَاحِدٌ .
( وَ ) إِن ظَاهَرَ مِنْهُنَّ ( بِكَلِمَاتٍ بِأَنْ قَالَ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ) فَعَلَيْهِ ( لِكُلٍّ ) مِنْهُنَّ ( كَفَّارَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ لَا يَحْنَثُ فِي إحْدَاهَا بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى فَلَا تُكَفِّرُهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ( وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ ) كَفَّارَةِ ظِهَارٍ ( بِعَزْمٍ عَلَى وَطْءٍ ) نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } الْآيَتَيْنِ وَحَدِيثِ ( { فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ } ) حَيْثُ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ التَّمَاسِّ ( وَيُجْزِئُ ) إخْرَاجٌ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ عَزْمٍ عَلَى وَطْءٍ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الظِّهَارُ .
( وَإِنْ اشْتَرَى ) مُظَاهِرٌ ( زَوْجَتَهُ ) الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَظِهَارُهُ بِحَالِهِ وَلَهُ عِتْقُهَا عَنْهُ فَإِنْ عَادَ وَتَزَوَّجَهَا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَعْتَقَهَا عَنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ ( أَوْ بَانَتْ زَوْجَةٌ مُظَاهَرٌ مِنْهَا ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ( قَبْلَ الْوَطْءِ ثُمَّ أَعَادَهَا مُطْلَقًا ) ارْتَدَّ أَوْ لَا ( فَظِهَارُهُ بِحَالِهِ ) نَصًّا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَزُولُ بِالتَّكْفِيرِ .
( وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ ظِهَارٍ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْوَطْءِ ( سَقَطَتْ ) كَفَّارَةُ الظِّهَارِ سَوَاءٌ مَاتَ عَقِبَ ظِهَارِهِ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ وَيَرِثُهَا وَتَرِثُهُ كَمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ .
وَكَفَّارَتِهِ أَيْ الظِّهَارِ ( وَكَفَّارَةُ وَطْءِ نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى التَّرْتِيبِ ) وَهِيَ ( عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) أَمَّا الظِّهَارُ فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } الْآيَتَيْنِ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ ( وَكَذَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ ) فِي التَّرْتِيبِ ( إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا إطْعَامٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً } الْآيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إطْعَامًا .
( وَالْمُعْتَبَرُ ) فِي كَفَّارَاتٍ مِنْ قُدْرَةٍ أَوْ عَجْزٍ ( وَقْتَ وُجُوبِ ) كَفَّارَةٍ ( كَحَدٍّ وَقَوَدٍ ) فَيُعْتَبَرَانِ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ فَمَنْ قَذَفَ وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يُجْلَدْ إلَّا جَلْدَ عَبْدٍ وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةُ عَبْدٍ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ الْوُجُوبِ كَالْحَدِّ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَهُنَا لَوْ صَامَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَلَوْ قَتَلَ قِنًّا وَهُوَ رَقِيقٌ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَوَدُ ( وَإِمْكَانُ الْأَدَاءِ ) فِي الْكَفَّارَاتِ ( مَبْنِيٌّ عَلَى ) اعْتِبَارِهِ فِي زَكَاةٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ لَا لِلْوُجُوبِ وَوَقْتُ وُجُوبٍ فِي طُهْرٍ وَقْتُ الْعَوْدِ وَهُوَ الْوَطْءُ .
وَفِي ( وَطْءٍ ) فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حِينَ الْوَطْءِ وَفِي قَتْلٍ زَمَنَ زُهُوقٍ لَا زَمَنَ جُرْحٍ وَفِي يَمِينٍ زَمَنَ حَنِثَ ( فَلَوْ أَعْسَرَ مُوسِرٌ قَبْلَ تَكْفِيرٍ لَمْ يُجْزِئْهُ صَوْمٌ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَبْقَى الرَّقَبَةُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى يَسَارِهِ كَسَائِرِ مَا وَجَبَ وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ ( وَلَوْ أَيْسَرَ مُعْسِرٌ ) بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ مُعْسِرًا ( لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ ( وَيُجْزِيهِ ) الْعِتْقُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ .
( وَلَا يَلْزَمُ عِتْقٌ إلَّا لِمَالِكِ رَقَبَةٍ ) حِينَ وُجُوبٍ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الرَّقَبَةُ ( مُشْتَبِهَةً بِرِقَابِ غَيْرِهِ ) لِإِمْكَانِ عِتْقِهَا ( فَيُعْتِقُ رَقَبَةً ) نَاوِيًا مَا يَمْلِكُهُ ( ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الرِّقَابِ فَيُخْرِجُ مَنْ قُرِعَ ) لِتَتَعَيَّنَ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ ( أَوْ ) إلَّا ( لِمَنْ يُمْكِنُهُ ) الرَّقَبَةُ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى شِرَائِهَا ( بِثَمَنِ مِثْلِهَا أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ ) عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا ( لَا يُحْجَفُ ) بِهِ وَلَوْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ مَاءِ وُضُوءٍ ( أَوْ ) يُمْكِنُهُ شِرَاؤُهَا ( نَسِيئَةً وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ ) يَفِي بِثَمَنِهَا ( أَوْ ) لَهُ ( دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ ) يَفِي بِثَمَنِهَا النَّسِيئَةَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ .
وَ ( لَا ) يَلْزَمُ عِتْقٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى رَقَبَةٍ ( بِهِبَةٍ ) بِأَنْ وُهِبَتْ لَهُ هِيَ أَوْ ثَمَنُهَا لِلْمِنَّةِ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ عِتْقٌ أَنْ ( تَفْضُلَ ) الرَّقَبَةُ ( عَمَّا يَحْتَاجُهُ ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ( مِنْ أَدْنَى مَسْكَنٍ صَالِحٍ لِمِثْلِهِ وَ ) مِنْ أَدْنَى ( خَادِمٍ لِكَوْنِ مِثْلِهِ لَا يَخْدِمُ نَفْسَهُ أَوْ ) لِ ( عَجْزِهِ ) عَنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ ( وَ ) أَنْ تَفْضُلَ ( عَنْ مَرْكُوبٍ وَعَرَضٍ بَذَلَهُ ) يَحْتَاجُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَلِبَاسِهِ وَفِرَاشِهِ وَأَوَانِيهِ وَآلَةُ حِرْفَتِهِ ( وَ ) أَنْ تَفْضُلَ عَنْ ( كُتُبِ عِلْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَثِيَابِ تَجَمُّلٍ ) لَا تَزِيدُ عَلَى مَلْبُوسٍ مِثْلِهِ ( وَ ) عَنْ ( كِفَايَتِهِ وَ ) كِفَايَةِ ( مَنْ يَمُونُهُ دَائِمًا وَ ) عَنْ رَأْسِ مَالِهِ لِذَلِكَ أَيْ لِمَا يَحْتَاجُهُ وَكِفَايَتِهِ وَعِيَالِهِ ( وَ ) عَنْ ( وَفَاءِ دَيْنٍ ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَغْرَقَتْهُ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ كَالْمَعْدُومِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى بَدَلِهِ كَمَنْ وَجَدَ مَاءً يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ ، لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْدِمُ نَفْسَهُ لَزِمَ عِتْقُهُ لِفَضْلِهِ عَنْ حَاجَتِهِ وَمَا يَحْتَاجُ لِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَلُبْسِ النَّاعِمِ يَشْتَرِي بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ لِعَدَمِ عِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ .
( وَمَنْ لَهُ فَوْقَ مَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ مِنْ خَادِمٍ وَنَحْوَهُ ) كَمَرْكُوبٍ وَمَسْكَنٍ ( وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ ) بَدَلٍ ( صَالِحٍ لِمِثْلِهِ وَ ) شِرَاءُ ( رَقَبَةٍ بِالْفَاضِلِ ) ( لَزِمَهُ ) الْعِتْقُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِلَا ضَرَرٍ ( فَلَوْ تَعَذَّرَ ) لِكَوْنِ الْبَاقِي لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ رَقَبَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ( أَوْ كَانَ لَهُ سُرِّيَّةٌ يُمْكِنُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ سُرِّيَّةٍ وَرَقَبَةٍ بِثَمَنِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ السُّرِّيَّةِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا .
( وَشُرِطَ ) فِي إجْزَاءِ ( رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ مُطْلَقًا وَ ) فِي ( نَذْرٍ عِتْقُ مُطْلَقٍ إسْلَامٌ ) وَلَوْ كَانَ الْمُكَفِّرُ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْكَفَّارَاتِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } عَلَى قَوْلِهِ { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } بِجَامِعِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيغَ الْعَتِيقِ الْمُسْلِمِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَتَكْمِيلِ أَحْكَامِهِ وَمَعُونَةِ الْمُسْلِمِينَ فَنَاسَبَ ذَلِكَ شَرْعَ إعْتَاقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ وَحُمِلَ النَّذْرُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِهِ - تَعَالَى - .
( وَ ) شُرِطَ فِيهَا ( سَلَامَةٌ مِنْ عَيْبٍ مُضِرٍّ ضَرَرًا بَيِّنًا بِالْعَمَلِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْقِنِّ نَفْعَهُ وَتَمْكِينَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ وَهَذَا غَيْرُ حَاصِلٍ مَعَ مَا يَضُرُّ بِعَمَلٍ كَذَلِكَ ( كَعَمًى ) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ ( وَ ) كَ ( شَلَلِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَطْعِ إحْدَاهُمَا ) لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْبَطْشِ وَالرِّجْلَ آلَةُ الْمَشْي فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ تَلَفِ أَحَدِهِمَا أَوْ شَلَلِهَا ( أَوْ ) قَطْعِ ( سَبَّابَةٍ أَوْ ) أُصْبُعٍ ( وُسْطَى أَوْ إبْهَامٍ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ) تَبِعَ فِيهِ التَّنْقِيحَ وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَ الْحَجَّاوِيِّ فِي الْحَاشِيَةِ ( أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنْصَرٍ ) مَعًا ( مِنْ يَدٍ ) وَاحِدَةٍ لِزَوَالِ نَفْعِهَا بِذَلِكَ ( وَقَطْعِ أُنْمُلَةٍ مِنْ إبْهَامٍ أَوْ ) قَطْعِ ( أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْإِبْهَامِ كَقَطْعِ الْأُصْبُعِ ( كُلِّهِ ) لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْإِصْبَعِ بِذَلِكَ .
( وَيُجْزِئُ مَنْ قُطِعَتْ بِنَصْرِهِ مِنْ إحْدَى يَدَيْهِ ) وَخِنْصَرِهِ مِنْ الْأُخْرَى ( أَوْ ) قُطِعَتْ بِنْصِرُهُ مِنْ إحْدَى ( رِجْلَيْهِ وَ ) قُطِعَتْ ( خِنْصَرُهُ مِنْ الْأُخْرَى ) لِبَقَاءِ نَفْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( أَوْ جَدْعِ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَطْعِ ( أَنْفِهِ ) فَيُجْزِئُ ( أَوْ ) قَطْعِ ( أُذُنِهِ أَوْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا ) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ( أَوْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَنَوَاهُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلَا يُجْزِئُ لِأَنَّ سَبَبَ عِتْقِهِ انْعَقَدَ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُجْزِئُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ لِلْكَفَّارَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَهَا .
( وَ ) يُجْزِئُ ( مُدَبَّرٌ وَصَغِيرٌ ) وَلَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ ( وَوَلَدُ زِنًا وَأَعْرَجُ يَسِيرٌ أَوْ مَجْبُوبٌ وَخَصِيٌّ ) وَلَوْ مَجْبُوبًا ( وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَأَعْوَرُ ) وَأَبْرَصُ وَأَجْذَمُ وَنَحْوُهُ ( وَمَرْهُونٌ وَمُؤَجَّرٌ وَجَانٌّ وَأَحْمَقُ وَحَامِلٌ ) وَلَهُ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِهَا لِأَنَّ مَا فِيهِمْ مِنْ النَّقْصِ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ وَمَا فِيهِمْ مِنْ الْوَصْفِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عِتْقِهِمْ .
( وَ ) يُجْزِئُ ( مُكَاتَبٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا ) مِنْ كِتَابَتِهِ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ كَامِلَةٌ سَالِمَةٌ لَمْ يَحْصُلْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا عِوَضٌ وَ ( لَا ) يُجْزِئُ ( مِنْ ) أَيْ مُكَاتَبٍ ( أَدَّى ) مِنْهَا ( شَيْئًا ) لِحُصُولِ الْعِوَضِ عَنْ بَعْضِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ رَقَبَةٍ ( أَوْ اشْتَرَى بِشَرْطِ عِتْقٍ ) فَلَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ نَقَصَهُ مِنْ ثَمَنِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى عِتْقِهِ عِوَضًا وَإِنْ قِيلَ لَهُ : اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتكِ وَلَك كَذَا فَفَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهَا وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلَوْ رَدَّ الْعِوَضَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ قَصَدَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَحْدَهَا وَعَزَمَ عَلَى رَدِّ الْعِوَضِ أَوْ رَدَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَ ( أَوْ يُعْتَقُ ) عَلَى مُكَفِّرٍ ( بِقَرَابَةٍ ) فَلَا يُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَالتَّحْرِيرُ فِعْلُ الْعِتْقِ وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا كَذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ .
وَ ( لَا ) يُجْزِئُ ( مَرِيضٌ مَأْيُوسٌ مِنْهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَ ) لَا ( مَغْصُوبٌ مِنْهُ وَ ) لَا يُجْزِئُ ( زَمِنٌ وَمُقْعَدٌ ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمَا مِنْ الْعَمَلِ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ ( وَ ) لَا يُجْزِئُ ( نَحِيفٌ عَاجِزٌ عَنْ عَمَلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَرِيضٍ مَأْيُوسٍ مِنْ بُرْئِهِ ( وَ ) لَا يُجْزِئُ ( أَخْرَسُ أَصَمُّ وَلَوْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ ) لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِفَقْدِ حَاسَّتَيْنِ تَنْقُصُ بِنَقْصِهِمَا قِيمَتُهُ نَقْصًا كَثِيرًا وَكَذَا أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ ( وَمَجْنُونٌ مُطْبَقٌ ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَغَائِبٌ لَمْ تَتَبَيَّنْ حَيَاتُهُ ) لِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ فَإِنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدُ كَوْنُهُ حَيًّا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( وَ ) لَا ( مُوصَى بِخِدْمَتِهِ أَبَدًا ) لِنَقْصِهِ ( أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ) لِاسْتِحْقَاقِ عِتْقِهَا بِسَبَبٍ آخَرَ ( وَ ) لَا ( جَنِينٌ ) وَلَوْ وُلِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ حَيًّا لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا بَعْدُ .
( وَمَنْ أَعْتَقَ ) فِي كَفَّارَةٍ ( جُزْءًا ) مِنْ قِنٍّ ( ثُمَّ ) أَعْتَقَ ( مَا بَقِيَ ) مِنْهُ وَلَوْ طَالَ مَا بَيْنَهُمَا أَجْزَأَ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً كَإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ ( أَوْ ) أَعْتَقَ ( نِصْفَ قِنَّيْنِ ) ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ( أَجْزَأَ ) ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ كَالْأَشْخَاصِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَاقِي مِنْهُمَا حُرًّا أَوْ رَقِيقًا لِغَيْرِهِ ( لَا مَا سَرَى بِعِتْقِ جُزْءٍ ) كَمَنْ يَمْلِكُ نِصْفَ قِنٍّ وَهُوَ مُوسِرٌ بِقِيمَةٍ بَاقِيَةٍ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ وَسَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَجْزِيهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِإِعْتَاقِهِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ غَيْرُ فِعْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آثَارِ فِعْلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ نَاوِيًا عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ .
( وَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِظِهَارٍ ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي فَأَنْتَ حُرٌّ ( ثُمَّ ظَاهَرَ عَتَقَ ) الْمُعَلَّقُ عِتْقَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ ( وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ كَمَا لَوْ نَجَزَهُ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ ظَاهَرَ ) بِأَنْ قَالَ لِقِنِّهِ : أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي ثُمَّ ظَاهَرَ فَيُعْتِقُ ، لَا يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ ( أَوْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ بِشَرْطٍ ) بِأَنْ قَالَ : إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ( فَأَعْتَقَهُ ) أَيْ قِنَّهُ عَنْ ظِهَارِهِ الْمُعَلَّقِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِ ظِهَارِهِ فَيُعْتِقُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ .
( وَمَنْ أَعْتَقَ ) عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ ( غَيْرَ مُجْزِئٍ ظَانًّا إجْزَاءَهُ نَفَذَ ) عِتْقُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَبَقِيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ .
فَصْلٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً كَمَا تَقَدَّمَ ( صَامَ ) الْمُكَفِّرُ ( حُرًّا ) كَانَ أَوْ مُبَعَّضًا ( أَوْ قِنًّا شَهْرَيْنِ ) لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ( وَيَلْزَمُهُ تَثْبِيتُ النِّيَّةِ ) لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ ( وَ ) يَلْزَمُهُ ( تَعْيِينُهَا ) أَيْ النِّيَّةِ ( جِهَةَ الْكَفَّارَةِ ) لِحَدِيثِ " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " .
( وَ ) يَلْزَمُهُ ( التَّتَابُعُ ) أَيْ تَتَابُعُ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ بِأَنْ لَا يُفَرِّقَ الصَّوْمَ لِلْآيَةِ ( لَا نِيَّتُهُ ) أَيْ التَّتَابُعِ بَلْ يَكْفِي حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ كَمُتَابَعَةِ الرَّكَعَاتِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةِ التَّرْخِيصِ ( وَيَنْقَطِعُ ) تَتَابُعٌ ( بِوَطْءِ مُظَاهَرٍ مِنْهَا وَلَوْ ) كَانَ ( نَاسِيًا ) لِعُمُومِ " { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } " وَلِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ ( أَوْ ) كَانَ وَطْؤُهُ ( مَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ ) كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ ( أَوْ ) كَانَ وَطْؤُهُ ( لَيْلًا ) عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ فَلَا يَخْتَصُّ النَّهَارُ وَلَا الذِّكْرُ وَكَوَطْئِهَا لَمْسُهَا وَمُبَاشَرَتُهَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ وَ ( لَا ) يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِوَطْئِهِ ( غَيْرَهَا ) أَيْ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا ( فِي ) الْأَحْوَالِ ( الثَّلَاثَةِ ) أَيْ النِّسْيَانِ وَمَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَفِي اللَّيْلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مَحَلٌّ لِتَتَابُعِ الصَّوْمِ أَشْبَهَ الْأَكْلَ .
( وَ ) يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ ( بِصَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ ) لِأَنَّهُ فَرَّقَهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ تَحَرُّزُهُ مِنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ ( وَيَقَعُ ) صَوْمُهُ ( عَمَّا نَوَاهُ ) لِأَنَّهُ زَمَانٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْكَفَّارَةِ .
( وَ ) يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ ( بِفِطْرٍ ) فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرَيْنِ ( بِلَا عُذْرٍ ) وَلَوْ نَاسِيًا وُجُوبَ التَّتَابُعِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَتَمَّ الشَّهْرَيْنِ كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ الْوَاجِبَ شَهْرٌ وَاحِدٌ ( لَا ) يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ بِصَوْمِ ( رَمَضَانَ ) وَلَا بِفِطْرٍ فِيهِ بِسَفَرٍ وَنَحْوِهِ ( أَوْ فِطْرٍ وَاجِبٍ ك ) فِطْرِ يَوْمِ ( عِيدٍ ) وَأَيَّامِ تَشْرِيقٍ ( وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ وَمَرَضٍ مَخُوفٍ ) لِتَعَيُّنِ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِيهِ وَتَعَيُّنِ الْفِطْرَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ وَمَا بَعْدَهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْيَوْمِ .
( وَ ) لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعٌ بِفِطْرِ ( حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا ) لِأَنَّهُمَا كَالْمَرِيضِ ( أَوْ ) فِطْرٍ ( لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ ) لِشَبَهِهِمَا بِالْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ ( وَ ) كَفِطْرِ ( حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ لِضَرَرِ وَلَدِهِمَا ) بِالصَّوْمِ لِإِبَاحَةِ فِطْرِهِمَا بِسَبَبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِمَا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا ( وَ ) كَفِطْرِ ( مُكْرَهٍ ) عَلَى فِطْرِهِ ( وَمُخْطِئٍ ) كَآكِلٍ يَظُنُّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا ( وَنَاسٍ ) لِبَقَاءِ صَوْمِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي وَعُذْرِ الْمُخْطِئِ وَلِحَدِيثِ " { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } " ( لَا جَاهِلٍ ) بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فَلَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ إذَا أَفْطَرَ بَلْ يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ بِسُؤَالِهِ عَنْهُ .
فَصْلٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَلَوْ رُجِيَ بُرْؤُهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ ( أَوْ يُخَافُ زِيَادَتُهُ أَوْ تَطَاوُلُهُ ) أَيْ الْمَرَضِ بِصَوْمِهِ ( أَوْ ) لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْمًا ( لِشَبَقٍ ) قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ أَوْ لِضَعْفٍ عَنْ مَعِيشَتِهِ ( أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَلِمَا ( { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ بِالصَّوْمِ قَالَتْ امْرَأَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ : فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا } ) { وَلِمَا أَمَرَ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ بِالصِّيَامِ قَالَ : وَهَلْ أَصَبْتُ مَا أَصَبْتُ إلَّا مِنْ الصِّيَامِ قَالَ : فَأَطْعِمْ } " فَنَقَلَهُ إلَيْهِ لِمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ بِهِ مِنْ الشَّبَقِ وَالشَّهْوَةِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَقِيسَ عَلَيْهِمَا مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِسْكِينُ ( مُسْلِمًا حُرًّا ) كَالزَّكَاةِ وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُكَاتَبِ ( وَلَوْ أُنْثَى ) كَزَكَاةٍ .
( وَلَا يَضُرُّ وَطْءُ مُظَاهَرٍ مِنْهَا أَثْنَاءَ الْإِطْعَامِ ) نَصًّا وَكَذَا أَثَنَاء عِتْقٍ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ وَأَعْتَقَهُ فَلَا يَقْطَعُهُمَا وَطْؤُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ .
( وَيُجْزِئُ دَفْعُهَا ) أَيْ الْكَفَّارَةِ ( إلَى صَغِيرٍ مِنْ أَهْلِهَا ) كَمَا لَوْ كَانَ كَبِيرًا ( وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ ) ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ أَشْبَهَ الْكَبِيرَ وَلِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَكَذَا الزَّكَاةُ وَتَقَدَّمَ وَأَكْلُهُ لِلْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَصْرِفُ مَا يُعْطِي لِلصَّغِيرِ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ وَيَقْبِضُهَا لَهُ وَلِيُّهُ .
( وَ ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى ( مُكَاتَبٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَةٍ أَشْبَهَ الْحُرُّ الْمِسْكِينَ وَإِلَى مَنْ يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ كَفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَغَارِمٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَارِمَ كَذَلِكَ يَأْخُذَانِ لِحَاجَتِهِمَا فَهُمَا فِي مَعْنَى الْمِسْكِينِ .
( وَ ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى ( مَنْ ظَنَّهُ مِسْكِينًا فَبَانَ غَنِيًّا ) كَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الْغِنَى مِمَّا يَخْفَى ( وَ ) يُجْزِئُ الدَّفْعُ ( إلَى مِسْكِينٍ ) وَاحِدٍ ( فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ ) فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إلَى الْعَدَدِ الْوَاجِبِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فِي يَوْمَيْنِ .
( وَلَا ) يُجْزِئُهُ دَفْعُ كَفَّارَتِهِ ( إلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ ) لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَلِأَنَّهَا لِلَّهِ فَلَا يَصْرِفُهَا لِنَفْعِهِ ( وَلَا ) يُجْزِئُ ( تَرْدِيدُهَا عَلَى مِسْكِينٍ ) وَاحِدٍ ( سِتِّينَ يَوْمًا ) ( إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ ) مِسْكِينًا ( غَيْرَهُ ) فَيُجْزِئُهُ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ وَتَرْدِيدُهَا إذَنْ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي مَعْنَى إطْعَامِ الْعَدَدِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَةَ الْمِسْكِينِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدًا فَكَأَنَّهُ أَطْعَمَ الْعَدَدَ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَالشَّيْءُ بِمَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ بِصُورَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهَا ، وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْأَبْدَالُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُبْدَلَاتِ فِي الْمَعْنَى .
( وَلَوْ قَدَّمَ ) نَحْوُ مُظَاهِرٍ ( إلَى سِتِّينَ ) مِسْكِينًا ( سِتِّينَ مُدًّا ) مِنْ بُرٍّ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَاقِي مَا يُجْزِئُ ( وَقَالَ هَذَا بَيْنَكُمْ فَقَبَلُوهُ ، فَإِنْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَهُ ) ذَلِكَ ( وَإِلَّا ) يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ ( فَلَا ) يُجْزِئُهُ ( مَا لَمْ يَعْلَمْ ) مُكَفِّرٌ ( أَنَّ كُلًّا ) مِنْ الْمَسَاكِينِ ( أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ ) مِمَّا قَدَّمَهُ لَهُمْ فَيُجْزِئُهُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ .
( وَالْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَاتِ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ مِنْ مُدَبَّرٍ ) وَهُوَ نِصْفُ قَدَحٍ بِكَيْلِ بَلَدِنَا مِصْرَ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْبُرِّ وَهُوَ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ ( مُدَّانِ ) نِصْفُ صَاعٍ وَذَلِكَ قَدَحٌ بِكَيْلِ مِصْرَ ( وَسُنَّ إخْرَاجُ أُدْمٍ مَعَ ) إخْرَاجِ ( مُجْزِئٍ ) مِمَّا سَبَقَ نَصًّا وَإِخْرَاجُ الْحَبِّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَيُجْزِئَانِ بِوَزْنِ الْحَبِّ وَإِنْ أَخْرَجَهُمَا بِالْكَيْلِ زَادَ عَلَى كَيْلِ الْحَبِّ قَدْرًا يَكُونُ بِقَدْرِهِ وَزْنًا ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ إذَا طُحِنَ تَوَزَّعَ ( وَلَا يُجْزِئُ خُبْزٌ ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالْإِدْخَارِ أَشْبَهَ الْهَرِيسَةَ .
( وَلَا ) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَتِهِ ( غَيْرُ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ وَلَوْ كَانَ ) ذَلِكَ ( قُوتَ بَلَدِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ طُهْرَةٌ لِلْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ فَاسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ .
قُلْتُ : فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ أَجْزَأَ عَنْهَا مَا يُقْتَاتُ مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ .
( وَلَا ) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ ( أَنْ يُغَدِّيَ الْمَسَاكِينَ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الصَّحَابَةِ إعْطَاؤُهُمْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبٍ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى : ( أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ ) وَلِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ تَمْلِيكُهُ لِلْفُقَرَاءِ شَرْعًا فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ ( بِخِلَافِ نَذْرِ إطْعَامِهِمْ ) أَيْ الْمَسَاكِينِ فَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِنَذْرِهِ ( وَلَا تُجْزِئُهُ الْقِيمَةُ ) عَنْ الْوَاجِبِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَكَالزَّكَاةِ .
( وَلَا ) يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ ( عِتْقٌ وَ ) لَا ( صَوْمٌ وَ ) لَا ( إطْعَامٌ إلَّا بِنِيَّةٍ ) بِأَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ لِحَدِيثِ ( وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) ؛ وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَجْهُهُ فَيَقَعُ تَبَرُّعًا وَنَذْرًا وَكَفَّارَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا النِّيَّةُ ( وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ التَّقَرُّبِ ) إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لِتَنَوُّعِ التَّقَرُّبِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمَحَلُّ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ اللَّيْلُ وَفِي الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ ( فَإِنْ كَانَتْ ) عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ( وَاحِدَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ تَعَيُّنُ سَبَبِهَا ) بِنِيَّتِهِ وَيَكْفِيهِ نِيَّةُ الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ لِتَعَيُّنِهَا بِاتِّحَادِ سَبَبِهَا ( وَيَلْزَمُهُ مَعَ نِسْيَانِهِ ) أَيْ سَبَبِهَا ( كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ) يَنْوِي بِهَا الَّتِي عَلَيْهِ ( فَإِنْ عَيَّنَ ) سَبَبًا ( غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ( غَلَطًا وَسَبَبُهَا مِنْ جِنْسٍ يَتَدَاخَلُ ) كَمَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينِ فِي لُبْسٍ فَنَوَاهَا عَنْ يَمِينِ قِيَامٍ وَنَسِيَ يَمِينَ اللُّبْسِ ( أَجْزَأَهُ ) ذَلِكَ ( عَنْ الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ لِتَدَاخُلِهَا ( وَإِنْ كَانَتْ ) عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ ( أَسْبَابُهَا مِنْ جِنْسٍ لَا يَتَدَاخَلُ ) كَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِكَلِمَةٍ فَنَوَى الْكَفَّارَةَ عَنْ ظِهَارِهِ مِنْ إحْدَاهُنَّ أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا بِأَنْ يَقُولَ : هَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ وَهَذِهِ عَنْ كَفَّارَةِ فُلَانَةَ فَتَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَتَخْرُجُ الْمُحَلَّلَةُ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ( أَوْ ) كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ ( أَجْنَاسٍ كَظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَ ) وَطْءٍ فِي ( صَوْمِ ) رَمَضَانَ أَدَاءً ( وَيَمِينٍ ) بِاَللَّهِ - تَعَالَى - (
فَنَوَى إحْدَاهَا ) أَيْ الْكَفَّارَاتِ ( أَجْزَأَ ) الْمُخْرَجُ ( عَنْ وَاحِدَةٍ ) مِنْهَا ( وَلَا يَجِبُ ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِإِجْزَائِهَا ( تَعَيُّنُ سَبَبِهَا ) مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ صِحَّةُ أَدَائِهَا إلَى تَعَيُّنِ سَبَبِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ .
كِتَابُ اللِّعَانِ مِنْ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْخَامِسَةِ إنْ كَانَ كَاذِبًا وَقِيلَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَتَحْصُلَ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) شَرْعًا ( شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِأَيْمَانٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَقْرُونَةٌ بِلَعْنٍ ) مِنْ زَوْجٍ ( وَغَضَبٍ ) مِنْ زَوْجَةٍ ( قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ قَذْفٍ ) إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً ( أَوْ تَعْزِيرٍ ) إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ ( فِي جَانِبِهِ وَ ) قَائِمَةٌ مَقَامَ ( حَبْسٍ مِنْ جَانِبِهَا ) وَالْأَصْلُ فِيهِ : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ } الْآيَاتِ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ مَعَ امْرَأَتِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ( مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا وَلَوْ ) كَانَ قَذَفَهَا بِزِنًا ( بِطُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ ) بِأَنْ قَالَ : زَنَيْتِ فِي قُبُلِكِ أَوْ دُبُرِكِ رَمَاهَا بِالزِّنَا فِي دُبُرِهَا ( فَكَذَّبَتْهُ لَزِمَهُ ) أَيْ الزَّوْجَ ( مَا يَلْزَمُ بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ ) مِنْ الْحَدِّ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَالتَّعْزِيرِ إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ ( وَيَسْقُطُ ) مَا لَزِمَهُ بِقَذْفِهَا ( بِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ ) أَوْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَيْرَهَا .
( وَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( إسْقَاطُهُ ) أَيْ مَا لَزِمَهُ بِقَذْفِهَا ( بِلِعَانِهِ ) لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ ( وَلَوْ ) لَاعَنَ ( وَحْدَهُ ) وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ ( حَتَّى ) وَلَوْ كَانَ مَا أَسْقَطَهُ بِلِعَانِهِ ( جَلْدَةً لَمْ يَبْقَ ) عَلَيْهِ ( غَيْرُهَا ) مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ ( وَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ) عَلَيْهَا ( بَعْدَ لِعَانِهِ وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا .
( وَصِفَتُهُ ) أَيْ اللِّعَانِ ( أَنْ يَقُولَ زَوْجٌ ) أَوَّلًا ( أَرْبَعًا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا ) مَعَ حُضُورِهَا ( وَلَا حَاجَةَ لَأَنْ تُسَمَّى أَوْ تُنْسَبَ إلَّا مَعَ غَيْبَتِهَا ثُمَّ يَزِيدَ فِي خَامِسَةٍ وَأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ( ثُمَّ ) تَقُولُ ( زَوْجُهُ أَرْبَعًا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ تَزِيدُ فِي خَامِسَةٍ وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَقُولَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ .
( فَإِنْ نَقَصَ لَفْظٌ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ جُمْلَةٌ مِنْ الْجَمَلِ الْخَمْسِ أَوْ مَا يَخْتَلُّ بِهِ الْمَعْنَى ( وَلَوْ أَتَيَا بِالْأَكْثَرِ ) مِنْ ذَلِكَ ( وَحُكِمَ ) بِهِ ( حُكْمٌ ) لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِعَدَدٍ فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ الْمُقَدَّرَاتِ بِالشَّرْعِ ( أَوْ بَدَأَتْ ) الزَّوْجَةُ ( بِهِ ) أَيْ اللِّعَانِ ( أَوْ قَدَّمَتْ الْغَضَبَ ) بِأَنْ أَتَتْ بِهِ فِيمَا قَبْلَ الْخَامِسَةِ ( أَوْ أَبْدَلَتْهُ ) أَيْ الْغَضَبَ ( بِاللَّعْنَةِ أَوْ السَّخَطِ ) لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ قَدَّمَ اللَّعْنَةَ ) قَبْلَ الْخَامِسَةِ ( أَوْ أَبْدَلَهَا بِالْغَضَبِ أَوْ الْإِبْعَادِ أَوْ أَبْدَلَ ) أَحَدَهُمَا ( لَفْظَ أَشْهَدُ بأقسم أَوْ أَحْلِفْ ) لَمْ يَصِحَّ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ .
( أَوْ أَتَى ) زَوْجٌ ( بِهِ ) أَيْ اللِّعَانِ ( قَبْلَ إلْقَائِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِلَا حُضُورٍ حَاكِمٍ أَوْ نَائِبِهِ ) لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ فِي دَعْوَى فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَيْمَانِ فِي الدَّعَاوَى وَكَذَا إنْ أَتَى بِهِ قَبْلَ طَلَبِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ .
( أَوْ ) لَاعَنَ ( بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يُحْسِنُهَا ) لَمْ يَصِحَّ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ ( تَعَلُّمُهَا إنْ عَجَزَ عَنْهُ ) أَيْ اللِّعَانِ ( بِهَا ) أَيْ الْعَرَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ ( أَوْ عَلَّقَهُ ) أَيْ اللِّعَانَ ( بِشَرْطٍ أَوْ عُدِمَتْ مُوَالَاةُ الْكَلِمَاتِ لَمْ يَصِحَّ ) اللِّعَانُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ ؛ وَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِلَفْظِهِ كَتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ .
( وَيَصِحُّ مِنْ أَخْرَسَ وَمِمَّنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ إقْرَارٌ ) فَاعِلُ يَصِحُّ ( بِزِنًا ) بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ ( وَ ) يَصِحُّ مِنْهُمَا ( لِعَانٌ بِكِتَابَةٍ وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ ) لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ نُطْقِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ ( فَلَوْ نَطَقَ ) مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ وَلَاعَنَ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ ( وَأَنْكَرَ ) اللِّعَانَ أَوْ قَالَ : لَمْ أُرِدْ قَذْفًا وَلَا ( لِعَانًا قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ وَنَسَبٍ ) فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِطَلَبِهَا وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ وَ ( لَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ ( فِيمَا لَهُ مِنْ عَوْدِ زَوْجَتِهِ ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ لَهُ ( وَلَهُ ) أَيْ لِمَنْ أَنْكَرَ لِعَانَهُ بِالْإِشَارَةِ بَعْدَ أَنْ نَطَقَ ( أَنْ يُلَاعِنَ لَهُمَا ) أَيْ إسْقَاطِ الْحَدِّ وَنَفْيِ النَّسَبِ ( وَيُنْتَظَرُ مَرْجُوٌّ نُطْقُهُ ) اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بَعْدَ قَذْفِ زَوْجَتِهِ إذَا أَرَادَ اللِّعَانَ ( ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) فَإِنْ نَطَقَ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ أَوْ حُدَّ .
( وَسُنَّ تَلَاعُنُهُمَا قِيَامًا ) لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي خَبَرِ هِلَالٍ " أَنَّ هِلَالًا جَاءَ فَشَهِدَ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ " ( بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ ) لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَسَهْلًا حَضَرُوهُ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إنَّمَا يَحْضُرُونَ الْمَجَالِسَ تَبَعًا لِلرِّجَالِ وَلِذَلِكَ .
قَالَ سَهْلٌ : فَتَلَاعَنَّا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( وَ ) سُنَّ ( أَنْ لَا يَنْقُصُوا ) أَيْ الْحَاضِرُونَ ( عَنْ أَرْبَعَةِ ) رِجَالٍ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ رُبَّمَا أَقَرَّتْ فَشَهِدُوا عَلَيْهَا .
( وَ ) سُنَّ أَنْ يَتَلَاعَنَا ( بِوَقْتٍ وَمَكَانٍ مُعَظَّمَيْنِ ) كَبَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ بِمَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَعِنْدَ مِنْبَرٍ فِي بَاقِي الْمَسَاجِدِ .
( وَ ) سُنَّ ( أَنْ يَأْمُرَ حَاكِمٌ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فَمِ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَيَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَكَوْنُ الْخَامِسَةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ أَيْ اللَّعْنَةَ أَوْ الْغَضَبَ عَلَى مَنْ كَذَبَ مِنْهُمَا لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ فِيهَا وَكَوْنُ عَذَابِ الدُّنْيَا أَهْوَنُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ وَعَذَابُ الْآخِرَةِ دَائِمٌ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّخْوِيفِ لِيَتُوبَ الْكَاذِبُ مِنْهُمَا وَيَرْتَدِعَ ( وَيَبْعَثَ حَاكِمٌ إلَى ) امْرَأَةٍ ( خَفِرَةٍ ) قَذَفَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ لِعَانَهَا ( مَنْ ) أَيْ ثِقَةً ( يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَالْخَفِرَةُ مَنْ تَتْرُكُ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهَا صِيَانَةً مِنْ الْخَفَرِ وَهُوَ الْحَيَاءُ .
( وَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَيْنِ ) لَهُ ( فَأَكْثَرَ وَلَوْ ) كَانَ قَذَفَهُنَّ ( بِكَلِمَةٍ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُنَّ ( بِلِعَانٍ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مَقْذُوفَةٌ فَلَا يَدْرَأُ عَنْهُ حَدَّهَا إلَّا لِعَانُهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَقْذِفْ غَيْرَهَا .
فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ أَيْ اللِّعَانَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا ( كَوْنُهُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ وَلَوْ ) كَانَا ( قِنَّيْنِ ) أَوْ أَحَدُهُمَا ( أَوْ ) كَانَا ( فَاسِقَيْنِ ) أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ ( أَحَدُهُمَا ) كَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } فَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ أَمَتِهِ وَلَا تَعْزِيرَ وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّكْلِيفِ فَلِأَنَّ قَذْفَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَاللِّعَانُ إنَّمَا وَجَبَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ ( فَيُحَدُّ ) الْقَاذِفُ ( بِقَذْفِ أَجْنَبِيَّةٍ بِزِنًا وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ ) قَذْفِهِ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ بِلِعَانٍ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي غَيْرِ حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ( أَوْ قَالَ لَهَا ) أَيْ لِزَوْجَتِهِ ( زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَنْكَحَكِ ) فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَلَا لِعَانَ لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَوْجَةٌ وَيُفَارِقُ قَذْفَ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِأَنَّهَا خَانَتْهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى نَفْيِهِ وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ زِنَاهَا فَهُوَ مُفْرِطٌ فِي نِكَاحِ حَامِلٍ مِنْ زِنَا فَلَا يُشْرَعُ لَهُ طَرِيقٌ إلَى نَفْيِهِ ( كَمَنْ أَنْكَرَ قَذْفَ زَوْجَتِهِ مَعَ بَيِّنَةٍ ) عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ قَذْفَهَا فَكَيْفَ يَحْلِفُ عَلَى إثْبَاتِهِ ( أَوْ ) كَمَنْ ( كَذَّبَ نَفْسَهُ ) بَعْدَ قَذْفِهَا فَلَا يُلَاعِنُ لِعَدَمِ تَأَتِّي حَلِفُهُ عَلَى إثْبَاتِ مَا يَعْتَرِفُ بِكَذِبِهِ فِيهِ .
( وَمَنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ ) الْأَمَةَ ( فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ ) كَوْنُهُ ( مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ ) كَأَنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا وَعَاشَ ( فَلَهُ نَفْيُهُ بِلِعَانٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ لِحَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا ( وَيُعَزَّرُ ) زَوْجٌ ( بِقَذْفِ زَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ ) مَجْنُونَةٍ ( وَلَا لِعَانَ ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ يَمِينٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ .
( وَيُلَاعِنُ ) زَوْجٌ ( مَنْ قَذَفَهَا ) زَوْجَةً ( ثُمَّ أَبَانَهَا ) بَعْدَ الْقَذْفِ لِإِضَافَتِهِ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ( أَوْ قَالَ ) لَهَا ( أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا ) لِسَبْقِ الْقَذْفِ الْإِبَانَةَ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا .
( وَإِنْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ ) قَذَفَهَا ( مُبَانَةً ) بِزِنًا ( فِي النِّكَاحِ أَوْ ) بِزِنًا فِي ( الْعِدَّةِ أَوْ قَالَ ) لَهَا ( أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ لَاعَنَ لِنَفْيِ وَلَدٍ ) إنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ ( فَلَا ) لِعَانَ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَذْفِهَا لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْأُولَى لِئَلَّا يَلْحَقَهُ وَلَدُهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي سَبْقُ قَذْفِهَا ) أَيْ قَذْفُ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ ( بِزِنًا وَلَوْ فِي دُبُرٍ ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَسَوَاءٌ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ نَصًّا لِعُمُومِ الْآيَةِ ( كَ ) قَوْلِ ( زَنَيْتِ أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ رَأَيْتُكِ تَزْنِينَ ) أَوْ زَنَا فَرْجُكِ فَإِنْ لَمْ يَقْذِفْهَا فَلَا لِعَانَ لِلْآيَةِ ( وَإِنْ قَالَ ) لَهَا ( لَيْسَ وَلَدُكِ مِنِّي أَوْ قَالَ مَعَهُ وَلَمْ تَزْنِ أَوْ لَا أَقْذِفُكِ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ ) وُطِئَتْ ( مُكْرَهَةً أَوْ ) وُطِئَتْ ( نَائِمَةً أَوْ ) وُطِئَتْ ( مَعَ إغْمَاءٍ أَوْ ) وُطِئَتْ مَعَ جُنُونٍ لَحِقَهُ ) الْوَلَدُ ( وَلَا لِعَانَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنْ قَالَ وَطِئَكِ فُلَانٌ بِشُبْهَةٍ وَكُنْتِ عَالِمَةً فَلَهُ اللِّعَانُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ ، اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ .
( وَمَنْ أَقَرَّ بِأَحَدِ تَوْأَمَيْنِ لَحِقَهُ ) التَّوْأَمُ ( الْآخَرُ ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْحَمْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَجُعِلَ مَا نَفَاهُ تَابِعًا لِمَا اسْتَلْحَقَهُ دُونَ عَكْسِهِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ ( وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَدِّ ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ انْتِفَاءُ زِنَاهَا كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الزِّنَا نَفْيُ الْوَلَدِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ الْوَلَدُ بِذَلِكَ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ أَنْ تُكَذِّبَهُ ) الزَّوْجَةُ فِي قَذْفِهَا ( وَيَسْتَمِرُّ ) تَكْذِيبُهَا ( إلَى اسْتِيفَاءِ اللِّعَانِ ) لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُكَذِّبْهُ لَا تُلَاعِنُهُ وَالْمُلَاعَنَةُ إنَّمَا تَنْتَظِمُ مِنْهُمَا ( فَإِنْ صَدَّقَتْهُ ) فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ ( وَلَوْ مَرَّةً أَوْ عَفَتْ ) عَنْ الطَّلَبِ بِحَدِّ الْقَذْفِ ( أَوْ سَكَتَتْ ) فَلَمْ تُقِرَّ وَلَمْ تُنْكِرْ لَحِقَهُ النَّسَبُ وَلَا لِعَانَ ( أَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِ ) شَهَادَةِ ( أَرْبَعَةٍ سِوَاهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( أَوْ قَذَفَ مَجْنُونَةً بِزِنَا قَبْلَهُ ) أَيْ جُنُونِهَا لَحِقَهُ النَّسَبُ وَلَا لِعَانَ ( أَوْ ) قَذَفَ ( مُحْصَنَةً فَجُنَّتْ ) قَبْلَ لِعَانٍ ( أَوْ ) قَذَفَ ( خَرْسَاءَ أَوْ نَاطِقَةً فَخَرِسَتْ ) قَبْلَ لِعَانٍ ( وَلَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهَا أَوْ قَذَفَ صَمَّاءَ لَحِقَهُ النَّسَبُ ) إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ نَصًّا ( وَلَا لِعَانَ ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ شُرِعَ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ حَدٌّ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لَهُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ لَا مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ .
( وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ ( قَبْلَ تَتِمَّتِهِ ) أَيْ اللِّعَانِ ( تَوَارَثَا وَثَبَتَ النَّسَبُ ) لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ ( وَلَا لِعَانَ ) لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ مَا لَمْ تُطَالِبْ فِي حَيَاتِهَا بِالْحَدِّ فَيَقُومُ وَرَثَتُهَا مَقَامَهَا فِي الطَّلَبِ بِهِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ ( وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ ) بَعْدَ مَوْتِهِ لِتَحَقُّقِ شُرُوطِهِ أَيْ اللِّعَانِ بِدُونِ الْوَلَدِ .
( وَإِنْ لَاعَنَ ) زَوْجٌ ( وَنَكَلَتْ ) عَنْهُ زَوْجَةٌ ( حُبِسَتْ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا ) بِالزِّنَا ( أَوْ تُلَاعِنَ ) وَلَا تُرْجَمَ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِلِسَانِهَا لَمْ تُرْجَمْ إذَا رَجَعَتْ فَكَيْفَ إذْ أَبَتْ اللِّعَانَ .
فَصْلٌ وَيَثْبُتُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ ، أَحَدُهَا : سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا وَعَنْهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُحْصَنَةً ( أَوْ التَّعْزِيرُ ) إذَا لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً ( حَتَّى ) يَسْقُطَ عَنْهُ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ بِلِعَانِهِ ( لِ ) رَجُلٍ ( مُعَيَّنٍ قَذَفَهَا بِهِ ) كَقَوْلِهِ زَنَيْتِ بِفُلَانٍ ( وَلَوْ أَغْفَلَهُ ) بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ ( فِيهِ ) أَيْ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ بَيِّنَةٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِاتِّفَاقٍ فَكَانَ بَيِّنَةً فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ كَالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى قَذْفِ الزَّانِي لِإِفْسَادِهِ فِرَاشَهُ وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ لِيَسْتَدِلَّ بِشَبَهِ الْوَلَدِ لَهُ عَلَى صِدْقِهِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( { أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ } - الْخَبَرُ ( رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حُدَّ بَعْدَ اللِّعَانِ .
الْحُكْمُ ( الثَّانِي الْفُرْقَةُ ) بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ( وَلَوْ بِلَا فِعْلِ حَاكِمٍ ) بِأَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ ( الثَّالِثُ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " الْمُتَلَاعِنَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا " رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ مَعْنًى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالرَّضَاعِ ( وَلَوْ أَكْذَبَ ) الْمُلَاعِنُ ( نَفْسَهُ ) لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ( أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا بَعْدَهُ ) أَيْ اللِّعَانِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ ، وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا .
الْحُكْمُ ( الرَّابِعُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ ) عَنْ الْمُلَاعِنِ ( وَيُعْتَبَرُ لَهُ ) أَيْ نَفْيُ الْوَلَدِ ( ذِكْرُهُ صَرِيحًا ) فِي اللِّعَانِ ( كَ ) قَوْلِهِ ( أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ زَنَتْ وَمَا هَذَا وَلَدِي ) وَيُتَمِّمُ اللِّعَانَ ( وَتَعْكِسُ هِيَ ) فَتَقُولُ
: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ وَتُتَمِّمُ اللِّعَانَ ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ ذِكْرُ الْوَلَدِ مِنْهَا شَرْطًا فِي اللِّعَانِ كَالزَّوْجِ ( أَوْ ) ذُكِرَ ( تَضَمُّنًا كَقَوْلِ ) زَوْجٍ ( مُدَّعٍ زِنَاهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ ، وَأَنَّهُ اعْتَزَلَهَا حَتَّى وَلَدَتْ ) هَذَا الْوَلَدَ ( أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهَا أَوْ ) فِيمَا ( رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ زِنًا وَنَحْوِهِ ) وَتَعْكِسُ هِيَ ( وَلَوْ نَفَى عَدَدًا ) مِنْ الْأَوْلَادِ ( كَفَاهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ ) لِلْكُلِّ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ وَنَفْيُ الْوَلَدِ تَابِعٌ ( وَإِنْ نَفَى حَمْلًا أَوْ اسْتَلْحَقَهُ ، أَوْ لَاعَنَ عَلَيْهِ مَعَ ذِكْرِهِ ) ( لَمْ يَصِحَّ ) نَفْيُهُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامٌ إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ ( وَيُلَاعِنُ ) قَاذِفُ حَامِلٍ أَوَّلًا ( لِدَرْءِ حَدٍّ ، وَثَانِيًا بَعْدَ وَضْعٍ لِنَفْيِهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِ بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْوَلَدِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهَا زَنَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَأَنَّهُ اعْتَزَلَهَا حَتَّى ظَهَرَ حَمْلُهَا ثُمَّ لَاعَنَهَا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي الْحَمْلُ إذَا وَضَعَتْهُ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ مِنْ حِينِ ادَّعَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُهُ فَانْتَفَى عَنْهُ كَمَا لَوْ لَاعَنَ عَلَيْهِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِلَافًا .
( وَلَوْ نَفَى ) شَخْصٌ ( حَمْلَ أَجْنَبِيَّةٍ ) غَيْرِ زَوْجَتِهِ ( لَمْ يُحَدَّ ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِهِ وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ عَلَيْهِ ( كَتَعْلِيقِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ ( قَذْفًا بِشَرْطٍ ) كَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ ( إلَّا ) قَوْلُهُ ( أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) فَقَذْفٌ ( لَا زَنَيْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) فَلَيْسَ قَذْفًا وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصْفِ فَلَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ فَتَقْبَلُهُ كَقَوْلِهِمْ لِلْمَرِيضِ طِبْتَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَرُّكًا وَتَفَاؤُلًا بِالْعَافِيَةِ ( وَشُرِطَ لِنَفْيِ وَلَدٍ بِلِعَانٍ إنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ ) أَيْ اللِّعَانَ ( إقْرَارٌ بِهِ ) أَيْ الْمَنْفِيِّ ( أَوْ ) إقْرَارٌ بِتَوْأَمٍ أَوْ إقْرَارٌ ( بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ) أَيْ الْإِقْرَارُ بِهِ ( كَمَا لَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْأَمِهِ أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إمْكَانِهِ ) أَيْ النَّفْيِ بِلَا عُذْرٍ ( أَوْ ) أَخَّرَهُ ( رَجَاءَ مَوْتِهِ ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِعًا أَوْ ظَمْآنَ فَأَخَّرَهُ حَتَّى أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ لِنُعَاسٍ أَوْ لَبِسَ ثِيَابَهُ أَوْ أَسْرَجَ دَابَّتَهُ أَوْ نَحْوَهُ أَوْ صَلَّى إنْ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أَوْ أَحْرَزَ مَالَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا وَنَحْوَهُ فَلَهُ نَفْيُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ بِهِ ) أَيْ الْوَلَدِ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ قُبِلَ ( أَوْ ) قَالَ لَمْ أَعْلَمْ ( أَنَّ لِي نَفْيَهُ أَوْ ) لَمْ أَعْلَمْ ( أَنَّهُ ) أَيْ نَفْيَهُ ( عَلَى الْفَوْرِ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ قُبِلَ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهُ بِأَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ وَهُوَ مَعَهَا فِي الدَّارِ وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لَهُ نَفْيَهُ ، وَهُوَ فَقِيهٌ لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ( وَإِنْ أَخَّرَهُ ) أَيْ نَفْيَهُ ( لِعُذْرٍ كَحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَغَيْبَةٍ وَحِفْظِ مَالٍ
أَوْ ذَهَابِ لَيْلٍ ) وَلَدَتْ فِيهِ حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْتَشِرَ النَّاسُ ( وَنَحْوِ ذَلِكَ ) كَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ يَخَافُ فَوْتَهُ وَنَحْوِهِ ( لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ ) وَإِنْ عَلِمَ غَائِبٌ عَنْ بَلَدٍ بِوِلَادَتِهِ فَاشْتَغَلَ بِسَيْرِهِ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ وَإِنْ أَقَامَ بِلَا حَاجَةٍ سَقَطَ ( وَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ حُدَّ ) لِزَوْجَةٍ ( مُحْصَنَةٍ وَعُزِّرَ لِغَيْرِهَا ) كَذِمِّيَّةٍ أَوْ رَقِيقَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لَاعَنَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ فَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ بَعْدَهُ سَقَطَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ وَانْجَرَّ النَّسَبُ أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ ( مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إلَى جِهَةِ الْأَبِ ) الْمُكَذِّبِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ ( كَ ) انْجِرَارِ ( وَلَاءٍ ) مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِعِتْقِ الْأَبِ وَعَلَى الْأَبِ مَا أَنْفَقَتْهُ الْأُمُّ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْإِقْنَاعِ ( وَتَوَارَثَا ) أَيْ وَرِثَ كُلٌّ مِنْ الْأَبِ الْمُكَذِّبِ نَفْسَهُ ، وَالْوَلَدِ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَتْبَعُ النَّسَبَ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لَهُ وَلَدٌ أَوْ تَوْأَمٌ أَوْ لَا وَلَا يُقَالُ هُوَ مُتَّهَمٌ إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا فِي أَنَّ غَرَضَهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي النَّسَبَ ، وَالْمِيرَاثُ تَبَعٌ وَالتُّهْمَةُ لَا تَمْنَعُ لُحُوقَ النَّسَبِ كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ حَيًّا غَنِيًّا وَالْأَبُ فَقِيرًا وَاسْتَلْحَقَهُ .
( وَلَا يَلْحَقُهُ ) أَيْ الْمُلَاعِنَ نَسَبُ وَلَدٍ نَفَاهُ وَمَاتَ ( بِاسْتِلْحَاقِ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ) نَصًّا لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ نَسَبًا قَدْ نَفَاهُ عَنْهُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ وَلِأَنَّ نَسَبَهُ انْقَطَعَ بِنَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ لِتَفَرُّدِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ إلَّا أَنْ تُسْنَدَ إلَى قَوْلٍ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ غَيْرِهِ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ .
( وَالتَّوْأَمَانِ الْمَنْفِيَّانِ ) بِلِعَانٍ ( أَخَوَانِ لِأُمٍّ ) فَقَطْ لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَتَوْأَمَيْ الزِّنَا ( وَمَنْ نَفَى مَنْ ) أَيْ وَلَدًا ( لَا يَنْتَفِي ) كَمَنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَأَمَّنَ أَوْ سَكَتَ وَنَحْوَهُ ( وَقَالَ إنَّهُ مِنْ زِنًا حُدَّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ لِنَفْيِ الْحَدِّ لِقَذْفِهِ مُحْصَنَةً وَلَهُ دَرْءُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ ) .
( مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ ) أَيْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا وَلَوْ مَعَ غَيْبَةٍ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ ) وَلَوْ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ وَيَخْفَى سَيْرُهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ عَلَى مَا يَأْتِي ( وَلَا يَنْقَطِعُ الْإِمْكَانُ ) عَنْ الِاجْتِمَاعِ ( بِحَيْضٍ ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ لِاحْتِمَالِهِ دَمَ فَسَادٍ ( أَوْ ) أَتَتْ بِهِ ( لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا ) زَوْجُهَا ( وَلَوْ ) كَانَ الزَّوْجُ ( ابْنَ عَشْرِ ) سِنِينَ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا ( لَحِقَهُ نَسَبُهُ ) لِحَدِيثِ ( الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ) وَلِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَقَدَّرُوهُ بِعَشْرِ سِنِينَ لِحَدِيثِ ( اضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) وَلِأَنَّ الْعَشْرَ يُمْكِنُ فِيهَا الْبُلُوغُ فَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ كَالْبَالِغِ الْمُتَيَقَّنِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَابْنَهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا اثْنَا عَشَرَ عَامًا وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ دَلِيلُ إمْكَانِ الْوَطْءِ وَهُوَ سَبَبُ الْوِلَادَةِ ( وَمَعَ هَذَا ) أَيْ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِابْنِ عَشْرٍ ( لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ ) لِاسْتِدْعَاءِ الْحُكْمِ بِبُلُوغِهِ يَقِينًا لِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَوُجُوبِ الْغَرَامَاتِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ الشَّكِّ ، وَإِلْحَاقُ الْوَلَدِ بِهِ لِحِفْظِ النَّسَبِ احْتِيَاطًا .
( وَلَا يَكْمُلُ بِهِ ) أَيْ بِإِلْحَاقِ النَّسَبِ بِهِ ( مَهْرٌ ) إنْ لَمْ يَثْبُتْ الدُّخُولُ أَوْ الْخَلْوَةُ وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ ( وَلَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ وَلَا رَجْعَةٌ ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ مُوجِبِهَا .
( وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ ) أَيْ الْوَلَدَ ( مِنْهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( كَأَنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا وَعَاشَ ) لَمْ يَلْحَقْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا لَحِقَهُ بِالْإِمْكَانِ ( أَوْ ) أَتَتْ بِهِ ( لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا ) لَمْ يَلْحَقْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا حَامِلًا بِهِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ ( أَوْ أَقَرَّتْ ) بَائِنٌ وَتَأْتِي الرَّجْعِيَّةُ ( بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ عِدَّتِهَا الَّتِي أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا بِالْقُرُوءِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ لِإِتْيَانِهَا بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ بِهِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَالْإِمْكَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْعِدَّةِ لَا بَعْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ سَبَبٌ وَمَعَ وُجُودِ السَّبَبِ يُكْتَفَى بِالْإِمْكَانِ فَإِذَا انْتَفَى السَّبَبُ وَآثَارُهُ انْتَفَى الْحُكْمُ بِالْإِمْكَانِ فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ آخِرِ أَقْرَائِهَا وَعَاشَ لَحِقَ بِزَوْجٍ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَلْ إنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ زَمَنَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّمُ حَيْضًا فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ ( أَوْ فَارَقَهَا حَامِلًا فَوَضَعَتْ ثُمَّ ) وَلَدَتْ ( آخَرَ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ ) لَمْ يَلْحَقْهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ كَوْنُهُمَا حَمْلًا وَاحِدًا فَعُلِمَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِالثَّانِي بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ( أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ ) أَيْ الزَّوْجَ ( لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا ) أَيْ زَمَنَ زَوْجِيَّتِهِ ( بِأَنْ تَزَوَّجَهَا بِمَحْضَرِ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا ) بِالْمَجْلِسِ ( أَوْ مَاتَ ) الزَّوْجُ ( بِالْمَجْلِسِ ) لَمْ يَلْحَقْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ( أَوْ
كَانَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ ( وَقْتَ عَقْدٍ مَسَافَةٌ لَا يَقْطَعُهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا ) كَمَغْرِبِيٍّ تَزَوَّجَ بِمَشْرِقِيَّةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ إمْكَانُ الْوَطْءِ فِي هَذَا الْعَقْدِ ( أَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ عَشْرُ ) سِنِينَ ( أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ ) نَسَبُهُ لِاسْتِحَالَةِ الْإِيلَاجِ وَالْإِنْزَالِ مِنْهُ .
( وَيَلْحَقُ ) النَّسَبُ زَوْجًا ( عِنِّينًا وَمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ أُنْثَيَيْهِ لِإِمْكَانِ إنْزَالِهِ ( وَكَذَا ) يَلْحَقُ ( مَنْ قُطِعَ أُنْثَيَاهُ فَقَطْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ) مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُقْنِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا : يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ ( وَقِيلَ لَا ) يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ مَعَ قَطْعِ أُنْثَيَيْهِ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلَقُ مِنْ مَائِهِ وَلَدٌ عَادَةً وَلَا وُجِدَ ذَلِكَ أَشْبَهَ مَا لَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مَعَ أُنْثَيَيْهِ .
( وَإِنْ وَلَدَتْ ) مُطَلَّقَةٌ ( رَجْعِيَّةٌ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ طَلَّقَهَا ) زَوْجُهَا ( وَقَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ) لَحِقَ نَسَبُهُ ( أَوْ ) وَلَدَتْ رَجْعِيَّةٌ ( لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ انْقَضَتْ ) عِدَّتُهَا وَلَوْ بِأَقْرَاءٍ ( لَحِقَ نَسَبُهُ ) بِالْمُطَلِّقِ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ أَشْبَهُ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ .
( وَمَنْ أُخْبِرَتْ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِمَوْتِ زَوْجِهَا فَاعْتَدَّتْ ) لِلْوَفَاةِ ( ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ) ثُمَّ وَلَدَتْ ( لَحِقَ بِثَانٍ مَا وَلَدَتْهُ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ ) مُنْذُ تَزَوَّجَتْهُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشُهُ وَأَمَّا مَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ وَعَاشَ فَيَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الثَّانِي يَقِينًا وَكَذَا لَوْ مَاتَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا أَوْ فُسِخَ نِكَاحُ غَائِبٍ .
( أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَهُ فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ ) فَأَكْثَرَ ( لَحِقَهُ ) نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهِ وَلِأَنَّ " سَعْدًا نَازَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ : هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَلْحَقُهُ .
( وَلَوْ قَالَ عَزَلْتُ أَوْ ) قَالَ ( لَمْ أُنْزِلْ ) لِقَوْلِ عُمَرَ " مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَؤُنَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَ ؟ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدَهُ أَوْ أَنْزَلُوا .
" رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ، وَلِأَنَّهَا وَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَنْزَلَ وَلَمْ يُحِسَّ بِهِ أَوْ أَصَابَ بَعْضُ الْمَاءِ فَمَ الرَّحِمِ وَعَزَلَ بَاقِيَهُ وَ ( لَا ) يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ ( إنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً ) بَعْدَ وَطْءٍ بِحَيْضَةٍ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَيُتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ ( وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ وَلَدٍ لَوْلَا دَعْوَاهُ لَلَحِقَ بِهِ ( ثُمَّ تَلِدُ لِنِصْفِ سَنَةٍ بَعْدَهُ ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ وَيَلْحَقُهُ .
( وَإِنْ أَقَرَّ ) السَّيِّدُ ( بِالْوَطْءِ ) لِأَمَتِهِ ( مَرَّةً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ ) نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ لِصَيْرُورَتِهَا فِرَاشًا بِوَطْئِهِ كَالزَّوْجَةِ ( وَمَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا ) مِنْ أَمَتِهِ ( لَمْ يَلْحَقْهُ مَا ) تَلِدُهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ ( بِدُونِ إقْرَارٍ آخَرَ ) أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ وَطْءِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ أَوَّلًا قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَحَصَلَ بِهِ اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ .
( وَمَنْ أَعْتَقَ ) أَمَةً أَقَرَّ بِوَطْئِهَا ( أَوْ بَاعَ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ ) مُنْذُ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا ( لَحِقَهُ ) أَيْ الْمُعْتِقَ أَوْ الْبَائِعَ مَا وَلَدَتْهُ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ نِصْفُ سَنَةٍ فَمَا وَلَدَتْ لِدُونِهَا وَعَاشَ عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ الْبَيْعِ حِينَ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ ( وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ) ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَالْعِتْقُ صَحِيحٌ ( وَلَوْ ) كَانَ ( اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَهُ ) أَيْ الْبَيْعِ لَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ دَمُ فَسَادٍ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ ( وَكَذَا إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا ) قَبْلَ بَيْعِهَا ( وَوَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ ) مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ ( وَادَّعَى مُشْتَرٍ أَنَّهُ ) أَيْ الْوَلَدُ ( مِنْ بَائِعٍ ) فَيَلْحَقُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ وَهُوَ الْوَطْءُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ وَلَا مَا يَمْنَعُهُ فَتَعَيَّنَ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ .
( وَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الْوَلَدَ ( مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ ) وَقَدْ بِيعَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ وَوَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَدُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا أُرِيَ الْقَافَةَ ( أَوْ ) ادَّعَى ( كُلٌّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْوَلَدُ ( لِلْآخَرِ وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا أُرِيَ ) الْوَلَدَ ( الْقَافَةَ ) لِأَنَّ نَظَرَهَا طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ إلَى مَعْرِفَةِ النَّسَبِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ .
( وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ ) الْمَبِيعَةُ قَبْلَ بَيْعٍ ( ثُمَّ وَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ ) مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا ( أَوْ لَمْ تُسْتَبْرَأْ ) الْمَبِيعَةُ وَوَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ بَيْعٍ ( وَلَمْ يُقِرَّ مُشْتَرٍ لَهُ ) أَيْ الْبَائِعِ ( بِهِ ) أَيْ بِمَا وَلَدَتْهُ ( لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا ) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَةِ الْمُشْتَرِي ، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى غَيْرِهِ لَهُ بِدُونِ إقْرَارٍ ( وَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الْوَلَدَ الْبَائِعُ ( وَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ ) أَنَّهُ وَلَدُهُ ( فِي هَذِهِ ) الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ تُسْتَبْرَأْ وَأَتَتْ بِهِ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( أَوْ فِيمَا إذَا بَاعَ ) أَمَتَهُ ( وَلَمْ يُقِرَّ ) الْبَائِعُ ( بِوَطْءٍ وَأَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ ) مِنْ بَيْعٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ وَلَدُهُ وَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ ( لَحِقَهُ ) أَيْ الْبَائِعَ الْوَلَدُ ( وَبَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَا يَعْدُوهُمَا ) فَمَهْمَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ لَزِمَهُمَا ( وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ مُشْتَرٍ ) أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي دَعْوَاهُ الْوَلَدَ ( فَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَهُ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي ( فِيهِمَا ) أَيْ الصُّورَتَيْنِ وَهُمَا مَا إذَا لَمْ تُسْتَبْرَأْ وَوَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَمَا إذَا بَاعَ وَلَمْ يُقِرَّ بِوَطْءٍ وَوَلَدَتْ لِدُونِهَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ بَائِعٍ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي إذْ لَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ أَبُوهُ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مِنْ مَوْلَاهُ .
( وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ مَجْنُونٍ مَنْ ) أَيْ امْرَأَةٌ ( لَا مِلْكَ لَهُ ) أَيْ الْمَجْنُونِ ( عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى رَقَبَتِهَا أَوْ مَنْفَعَةِ بُضْعِهَا ( وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ ) عَلَى ذَلِكَ ( لَمْ يَلْحَقْهُ ) أَيْ الْمَجْنُونَ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ وَلَا اعْتِقَادِ إبَاحَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ مِثْلِهَا كَالْمُكَلَّفِ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ فَمَنْ وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ فَاعْتَزَلَهَا حَتَّى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءٍ لَحِقَ وَاطِئًا وَانْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِلَا لِعَانٍ .
( وَمَنْ قَالَ عَنْ وَلَدٍ بِيَدِ سُرِّيَّتِهِ أَوْ ) بِيَدِ ( زَوْجَتِهِ أَوْ ) بِيَدِ ( مُطَلَّقَتِهِ مَا هَذَا وَلَدِي وَلَا وَلَدْتُهُ ) بَلْ الْتَقَطْتُهُ أَوْ اسْتَعَارَتْهُ ( فَإِنْ شَهِدَتْ ) أَمْرَهُ ( مَرْضِيَّةٌ بِوِلَادَتِهَا لَهُ لَحِقَهُ ) نَسَبُ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ ( وَإِلَّا ) تَشْهَدْ بِوِلَادَتِهَا لَهُ مَرْضِيَّةٌ ( فَلَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وِلَادَتِهَا لَهُ وَهِيَ مِمَّا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ( وَلَا أَثَرَ لِشَبَهِ وَلَدٍ ) وَلَوْ لِأَحَدِ مُدَّعِيَيْهِ ( مَعَ ) وُجُودِ ( فِرَاشٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ " { اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ ، اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ : هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ ، فَقَالَ : هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ } .
" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ ( وَتَبَعِيَّةُ نَسَبٍ لِأَبٍ ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } ( مَا لَمْ يَنْتَفِ كَابْنِ مُلَاعَنَةٍ ) وَإِلَّا وَلَدَ الزِّنَا فَوَلَدُ الْقُرَشِيِّ قُرَشِيٌّ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيَّةٍ ، وَوَلَدُ قُرَشِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيٍّ لَيْسَ قُرَشِيًّا ( وَتَبَعِيَّةُ مِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ لِأُمٍّ ) فَوَلَدُ حُرَّةٍ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَقِيقٍ ، وَوَلَدُ أَمَةٍ وَلَوْ مِنْ حُرٍّ قِنٌّ لِمَالِكِ أُمِّهِ ( إلَّا مَعَ شَرْطِ ) زَوْجِ أَمَةٍ ( حُرِّيَّةُ أَوْلَادِهَا فَهُمْ أَحْرَارٌ ) لِحَدِيثِ " { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } " ( أَوْ ) إلَّا مَعَ ( غُرُورٍ ) بِأَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ شَرَطَهَا أَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً فَتَبِينُ أَمَةً فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ رَقِيقًا
وَيَفْدِيهِ وَتَقَدَّمَ ( وَتَبَعِيَّةُ دِينٍ ) وَلَدٍ ( لِخَيْرِهِمَا ) أَيْ أَبَوَيْهِ دِينًا فَوَلَدُ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِيَّةٍ مُسْلِمٌ ، وَوَلَدُ كِتَابِيٍّ مِنْ مَجُوسِيَّةٍ كِتَابِيٌّ ، لَكِنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهُ لَوْ كَانَ أُنْثَى ( وَتَبَعِيَّةُ نَجَاسَةٍ وَحُرْمَةِ أَكْلٍ لِأَخْبَثِهِمَا ) أَيْ الْأَبَوَيْنِ فَالْبَغْلُ مِنْ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ مُحَرَّمٌ نَجِسٌ تَبَعًا لِلْحِمَارِ دُونَ أَطْيَبِهِمَا وَهُوَ الْفَرَسُ ، وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ هِرٍّ وَشَاةٍ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ .
بِكَسْرِ الْعَيْنِ ( وَاحِدُهَا عِدَّةٌ وَهِيَ ) مَأْخُوذَةٌ ( مِنْ الْعَدَدِ ) ؛ لِأَنَّ أَزْمِنَةَ الْعِدَّةِ مَحْصُورَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِعَدَدِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ كَالْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ .
وَشَرْعًا ( التَّرَبُّصُ الْمَحْدُودُ شَرْعًا ) وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَالْقَصْدُ مِنْهَا اسْتِبْرَاءُ رَحِمِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْحَمْلِ لِئَلَّا يَطَأَهَا غَيْرُ الْمُفَارِقِ لَهَا قَبْلَ الْعِلْمِ فَيَحْصُلَ الِاشْتِبَاهُ وَتَضِيعُ الْأَنْسَابُ ، وَالْعِدَّةُ إمَّا لِمَعْنًى مَحْضٍ كَالْحَامِلِ ، أَوْ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، أَوْ لَهُمَا وَالْمَعْنَى أَغْلَبُ كَالْمَوْطُوءَةِ الَّتِي يُمْكِنُ حَمْلُهَا مِمَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ لَهُمَا وَالتَّعَبُّدُ أَغْلَبُ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُمْكِنِ حَمْلُهَا إذَا مَضَتْ مُدَّةُ أَقْرَائِهَا فِي أَثْنَاءِ الشُّهُورِ ( وَلَا عِدَّةَ فِي فُرْقَةِ ) زَوْجٍ ( حَيٍّ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ ) قَبْلَ ( خَلْوَةٍ وَلَا ) عِدَّةَ ( لِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِدَّةِ وُجُوبُهَا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ هُنَا .
( وَشُرِطَ ) فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ ( لِوَطْءٍ كَوْنُهَا ) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ ( يُوطَأُ مِثْلُهَا وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْوَاطِئِ ( يُلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ ) فَإِنْ وُطِئَتْ بِنْتٌ دُونَ تِسْعٍ أَوْ وَطِئَ ابْنٌ دُونَ عَشْرٍ فَلَا عِدَّةَ لِذَلِكَ الْوَطْءِ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ ( وَ ) شُرِطَ فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ ( لِخَلْوَةٍ طَوَاعِيَتُهَا ) فَإِنْ خَلَا بِهَا مُكْرَهَةً عَلَى الْخَلْوَةِ فَلَا عِدَّةَ ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ مَظِنَّتُهُ وَلَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا مَعَ التَّمْكِينِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي خَلْوَةٍ كَوْنُهَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَكَوْنُهُ يُلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ كَمَا فِي الْوَطْءِ وَأَوْلَى ( وَ ) يُشْتَرَطُ لِخَلْوَةٍ ( عِلْمُهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( بِهَا ) فَلَوْ خَلَا بِهَا أَعْمَى لَا يُبْصِرُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ تُرِكَتْ بِمَخْدَعٍ مِنْ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا الْبَصِيرُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الزَّوْجُ فَلَا عِدَّةَ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ وَحَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْخَلْوَةِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ لِقَضَاءِ الْخُلَفَاءِ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّدَاقِ ( وَلَوْ مَعَ مَانِعٍ ) شَرْعِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ ( كَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَجَبٍّ وَعُنَّةٍ وَرَتْقٍ ) إنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِصَابَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا .
( وَتَلْزَمُ ) الْعِدَّةُ ( لِوَفَاةٍ مُطْلَقًا ) كَبِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ صَغِيرًا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ أَوْ لَا خَلَا بِهَا أَوْ لَا كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } .
( وَلَا فَرْقَ فِي عِدَّةٍ ) وَجَبَتْ بِدُونِ وَطْءٍ ( بَيْنَ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ ) نَصًّا أَيْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَشْبَهَ الصَّحِيحَ فَتَجِبُ لِوَفَاةٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ .
( وَلَا عِدَّةَ فِي ) نِكَاحٍ ( بَاطِلٍ ) مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ كَمُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ ( إلَّا بِوَطْءٍ ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَ صُورَتِهِ كَعَدَمِهَا فَإِنْ وَطِئَ لَزِمَتْ الْعِدَّةُ كَالزَّانِيَةِ .
( وَالْمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ ) إحْدَاهُنَّ ( الْحَامِلُ وَعِدَّتُهَا مِنْ مَوْتٍ وَغَيْرِهِ ) كَطَلَاقٍ وَفَسْخٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً ( إلَى وَضْعِ كُلِّ الْوَلَدِ ) إنْ كَانَ الْحَمْلُ وَلَدًا وَاحِدًا ( أَوْ ) وَضْعِ ( الْأَخِيرِ .
مِنْ عَدَدٍ ) إنْ كَانَتْ حَامِلًا بِعَدَدٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً طَلَاقًا كَانَتْ الْفُرْقَةُ أَوْ فَسْخًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَبَقَاءُ بَعْضِ الْحَمْلِ يُوجِبُ بَقَاءَ بَعْضِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا بَلْ بَعْضَهُ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَاتَ بِبَطْنِهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ .
قُلْتُ : وَلَا نَفَقَةَ لَهَا ، حَيْثُ تَجِبُ لِلْحَامِلِ ، لِمَا يَأْتِي أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لِوُجُوبِهَا ( وَلَا تَنْقَضِي ) عِدَّةُ حَامِلٍ ( إلَّا بِ ) وَضْعِ ( مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ ) وَهُوَ مَا تَبِينُ فِيهِ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَلَوْ خَفِيًّا ( فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ ) الْحَمْلُ ( لِصِغَرِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ دُونَ عَشْرٍ ( أَوْ لِكَوْنِهِ خَصِيًّا مَجْبُوبًا أَوْ لِوِلَادَتِهَا لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا وَنَحْوَهُ ) كَاَلَّذِي وَلَدَتْهُ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا ( وَيَعِيشُ ) مَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا ( لَمْ تَنْقَضِ بِهِ ) عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا لِانْتِفَائِهِ عَنْهُ يَقِينًا .
( وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلٍ ) يَعْنِي ( سِتَّةَ أَشْهُرٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } مَعَ قَوْله تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وَالْفِصَالُ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ بِذَلِكَ عَنْ أُمِّهِ وَإِذَا سَقَطَ حَوْلَانِ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَقِيَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ هِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ " أَنَّهُ رُفِعَ إلَى عُمَرَ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وَقَالَ " { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } " فَحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَلَاثُونَ شَهْرًا فَخَلَّى عُمَرُ سَبِيلَهَا فَوَلَدَتْ مَرَّةً أُخْرَى لِذَلِكَ الْحَدِّ " .
وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ : أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَأَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ ( وَغَالِبُهَا ) أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ ( تِسْعَةُ ) أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَلِدْنَ كَذَلِكَ ( وَأَكْثَرُهَا ) أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ ( أَرْبَعُ سِنِينَ ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ شَرْعًا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ .
قَالَ أَحْمَدُ : نِسَاءُ بَنِي عَجْلَانِ يَحْمِلْنَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَامْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ حَمَلَتْ ثَلَاثَ بُطُونٍ كُلُّ دَفْعَةٍ أَرْبَعُ سِنِينَ ، وَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ ( وَأَقَلُّ مُدَّةِ تَبَيُّنِ خَلْقِ ) ( وَلَدٍ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا " { يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ نُطْفَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ - } الْخَبَرَ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ " وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ ابْتِدَاءً خَلْقُ آدَمِيٍّ بِكَوْنِهِ مُضْغَةً ؛ لِأَنَّ
الْمَنِيَّ قَدْ لَا يَنْعَقِدُ وَالْعَلَقَةُ قَدْ تَكُونُ دَمًا انْحَدَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ وَأَمَّا الْمُضْغَةُ فَالظَّاهِرُ كَوْنُهَا ابْتِدَاءً خَلْقَ آدَمِيٍّ .
( الثَّانِيَة ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ( الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِلَا حَمْلٍ مِنْهُ ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحَامِلِ مِنْهُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْحَمْلُ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الزَّوْجُ الْمُتَوَفَّى كَأَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَحَمَلَتْ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ لِلشُّبْهَةِ وَ ( اعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ بَعْدَ وَضْعِ ) الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِآدَمِيَّيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدَّيْنَيْنِ وَتَجِبُ عِدَّةُ وَفَاةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُتَوَفَّى ( لَمْ يُولَدْ لِمِثْلِهِ أَوْ ) كَانَتْ الزَّوْجَةُ ( لَمْ يُوطَأْ مِثْلُهَا أَوْ ) كَانَ مَوْتُهُ ( قَبْلَ خَلْوَةٍ ) وَتَقَدَّمَ .
( وَعِدَّةُ حُرَّةٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ ) لِلْآيَةِ ، وَالنَّهَارُ تَبَعُ اللَّيْلِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ الزَّوْجُ تَكْذِيبَهَا أَوْ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَيَلْحَقُ الْمَيِّتَ نَسَبُهُ وَلَيْسَ مَنْ يَنْفِيهِ فَاحْتِيطَ بِإِيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَالْمَبِيتِ بِمَنْزِلِهَا حِفْظًا لَهَا وَسَوَاءٌ وُجِدَ فِيهَا الْحَيْضُ أَوْ لَا .
( وَ ) عِدَّةُ ( أَمَةٍ ) تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا ( نِصْفُهَا ) شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَنْصِيفِ عِدَّةِ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ فَكَذَا فِي عِدَّةِ الْمَوْتِ وَكَالْحَدِّ ( وَ ) عِدَّةُ ( مُنَصَّفَةٍ ) أَيْ مَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ ( ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ) بِلَيَالِيِهَا وَمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ شَهْرَانِ وَسَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا .
( وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةٍ مُرْتَدٌّ ) بِأَنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ تَلَافِي النِّكَاحِ بِإِسْلَامِهِ ( أَوْ ) مَاتَ ( زَوْجُ كَافِرَةٍ أَسْلَمَتْ ) بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) مَاتَ ( زَوْجُ ) مُطَلَّقَةٍ ( رَجْعِيَّةٍ ) قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ( سَقَطَتْ ) عِدَّةُ طَلَاقٍ ( وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَإِيلَاؤُهُ ( وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةٍ مَنْ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ لَمْ تَنْتَقِلْ ) مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا وَالتَّوَارُثِ وَلُحُوقِهَا طَلَاقَهُ وَنَحْوَهُ .
( وَتَعْتَدُّ مَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ) الْمَخُوفِ فِرَارًا ( الْأَطْوَلِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَمِنْ عِدَّةِ طَلَاقٍ ) ؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ فَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَالرَّجْعِيَّةِ وَمُطَلَّقَةٌ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَيَنْدَرِجُ أَقَلُّهُمَا فِي الْأَكْثَرِ ( مَا لَمْ تَكُنْ ) الْمُبَانَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ( أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً ) وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ ( أَوْ ) تَكُنْ ( مَنْ جَاءَتْ الْبَيْنُونَةُ مِنْ قِبَلِهَا ) بِأَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ ( فَ ) تَعْتَدُّ ( لِطَلَاقٍ لَا غَيْرُ ) لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِعَدَمِ إرْثِهَا مِنْهُ .
( وَلَا تَعْتَدُّ لِمَوْتٍ مَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ ) أَيْ الْمَوْتِ بِحَيْضٍ أَوْ شُهُورٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ ( وَلَوْ وَرِثَتْ ) وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا عِدَّةَ لِمَوْتِهِ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ ، وَيَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ .
( وَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً ) مِنْ نِسَائِهِ ( وَنَسِيَهَا أَوْ ) طَلَّقَ ( مُبْهَمَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ قُرْعَةٍ اعْتَدَّ كُلُّ نِسَائِهِ سِوَى حَامِلٍ الْأَطْوَلِ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ عِدَّةِ طَلَاقٍ وَوَفَاةٍ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً أَوْ مُطَلَّقَةً فَاحْتِيطَ لِلْعِدَّةِ ، وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ ارْتَابَتْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَمَنَ تَرَبُّصِهَا ) أَيْ عِدَّتِهَا ( أَوْ بَعْدَهُ بِأَمَارَةِ حَمْلٍ كَحَرَكَةٍ وَانْتِفَاخِ بَطْنٍ أَوْ رَفْعِ حَيْضٍ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا ) وَلَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ ( حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ ) لِلشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ ، وَزَوَالُ الرِّيبَةِ انْقِطَاعُ الْحَرَكَةِ ، وَزَوَالُ الِانْتِفَاخِ أَوْ عَوْدُ الْحَيْضِ أَوْ مُضِيُّ زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَامِلًا .
( وَإِنْ ظَهَرَتْ ) الرِّيبَةُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ نِكَاحِهَا ( دَخَلَ بِهَا ) الزَّوْجُ ( أَوْ لَا لَمْ يَفْسُدْ ) النِّكَاحُ بِظُهُورِ الرِّيبَةِ ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ عَلَى يَقِينِ النِّكَاحِ فَلَا يُزِيلُهُ ( وَلَمْ يَحِلَّ ) لِزَوْجِهَا ( وَطْؤُهَا حَتَّى تَزُولَ ) الرِّيبَةُ لِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا .
( وَمَتَى وَلَدَتْ ) الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا وَتَزَوَّجَهَا ( لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ عَقْدٍ ) عَلَيْهَا وَعَاشَ الْوَلَدُ ( تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ ) أَيْ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَحِقَ بِالزَّوْجِ الثَّانِي ، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ .
( الثَّالِثَةُ ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ( ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ ) بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ خَلْوَةٍ ( وَلَوْ بِطَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ( فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ وَمُبَعَّضَةٌ ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً ( بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } ( وَهِيَ ) أَيْ الْقُرُوءُ ( الْحَيْضُ ) .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ لِحَدِيثِ " { تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَدِيثِ " { إذَا أَتَى قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي وَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ } " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُعْهَدْ فِي لِسَانِهِ اسْتِعْمَالُ الْقُرْءِ بِمَعْنَى الطُّهْرِ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْقُرْءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ .
( وَ ) تَعْتَدُّ ( غَيْرُهُمَا ) أَيْ الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَهِيَ الْأَمَةُ ( بِقُرْأَيْنِ ) لِحَدِيثِ { قُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ } " وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَلَمْ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا كَحَدِّهَا إلَّا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَبَعَّضُ ( لَيْسَ الطُّهْرُ عِدَّةً ) لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَلَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ طَلُقَتْ فِيهَا ) بَلْ تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ قَالَ فِي الشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ( وَلَا تَحِلُّ ) مُطَلَّقَةٌ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمُطَلِّقِ ( إذَا انْقَطَعَ دَمُ ) الْحَيْضَةِ ( الْأَخِيرَةِ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ فِي قَوْلِ أَكَابِرِ ) الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ؛ وَلِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ حَرَامٌ لِوُجُودِ أَثَرِ الْحَيْضِ فَلَمَّا مُنِعَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ كَمَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ وَهُوَ النِّكَاحُ ( وَتَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ ) مِنْ التَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَصِحَّةِ اللِّعَانِ وَانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا ( بِانْقِطَاعِهِ ) أَيْ دَمِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ لَا أَثَرَ فِيهَا لِلِاغْتِسَالِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْوَطْءُ .
( وَلَا تُحْسَبُ مُدَّةُ نِفَاسٍ لِمُطَلَّقَةٍ بَعْدَ وَضْعٍ ) وَلَوْ عَقِبَهُ فَلَا تُحْسَبُ بِحَيْضَةٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ حِيَضٍ كَامِلَةٍ لِلْآيَةِ .
( الرَّابِعَةُ ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ( مَنْ لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } أَيْ كَذَلِكَ ( مِنْ وَقْتِهَا ) أَيْ الْفُرْقَةِ فَإِنْ فَارَقَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ اعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ( وَ ) تَعْتَدُّ ( أَمَةٌ ) لَمْ تَحِضْ لِمَا تَقَدَّمَ ( بِشَهْرَيْنِ ) نَصًّا وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ ( عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَتَانِ وَلَوْ لَمْ تَحِضْ كَانَ عِدَّتُهَا شَهْرَيْنِ ) رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِيَكُونَ الْبَدَلُ كَالْمُبْدَلِ وَلِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً ( وَ ) تَعْتَدُّ ( مُبَعَّضَةٌ ) لَمْ تَحِضْ لِذَلِكَ ( بِالْحِسَابِ ) فَتَزِيدُ عَلَى الشَّهْرَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِقَدْرِ مَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَنِصْفُ شَهْرٍ وَمَنْ ثُلُثَاهَا حُرَّانِ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٌ وَمُدَبَّرَةٌ فِي عِدَّةٍ كَامِلَةٍ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَكَذَا مُعَلَّقٌ عِتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا .
( وَعِدَّةُ بَالِغَةٍ لَمْ تَرَ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا ) كَآيِسَةٍ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " { وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } " ( وَ ) عِدَّةُ ( مُسْتَحَاضَةٍ نَاسِيَةٍ لِوَقْتِ حَيْضِهَا أَوْ ) مُسْتَحَاضَةٍ ( مُبْتَدَأَةٍ كَآيِسَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَقْتَ حَيْضِهِمَا وَالْغَالِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً وَيَطْهُرْنَ بَاقِيَهُ .
( وَمَنْ عَلِمَتْ أَنَّ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ) يَوْمًا ( مَثَلًا ) وَاسْتُحِيضَتْ وَنَسِيَتْ وَقْتَ حَيْضِهَا ( فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ ذَلِكَ ) أَيْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فِي الْمِثَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ زَمَنٌ فِيهِ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِدُونِ ذَلِكَ ( وَمَنْ لَهَا ) مِنْ الْمُسْتَحَاضَاتِ ( عَادَةٌ ) عَمِلَتْ بِهَا ( أَوْ ) لَهَا ( تَمْيِيزٌ عَمِلَتْ بِهِ ) إنْ صَلَحَ حَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ .
( وَإِنْ حَاضَتْ صَغِيرَةٌ ) مُفَارَقَةٌ فِي الْحَيَاةِ ( فِي ) أَثْنَاءِ ( عِدَّتِهَا اسْتَأْنَفَتْهَا ) أَيْ الْعِدَّةَ ( بِالْقُرْءِ ) لِأَنَّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ لِعَدَمِهَا فَإِذَا وُجِدَ الْمُبْدَلُ بَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِعَدَمِهِ .
( وَمَنْ يَئِسَتْ فِي ) أَثْنَاءِ ( عِدَّةِ أَقْرَاءٍ ) بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ فِيهَا وَقَدْ حَاضَتْ بَعْضَ أَقْرَائِهَا أَوْ لَمْ تَحِضْ ( ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ آيِسَةٍ ) بِالشُّهُورِ ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ آيِسَةٌ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا حَاضَتْهُ قَبْلَ حَيْضَتِهَا .
( وَإِنْ عَتَقَتْ مُعْتَدَّةٌ ) فِي عِدَّتِهَا ( أَتَمَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تُوجَدْ فِي الزَّوْجِيَّةِ ( إلَّا الرَّجْعِيَّةَ فَتُتَمِّمُ عِدَّةَ حُرَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ .
( الْخَامِسَةُ ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ( مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَدْرِ سَبَبَهُ فَتَعْتَدُّ لِلْحَمْلِ غَالِبَ مُدَّتِهِ ) تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِيُعْلَمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا ( ثُمَّ تَعْتَدُّ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( كَآيِسَةٍ عَلَى مَا فُصِّلَ ) آنِفًا فِي الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَالْأَمَةِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : هَذَا قَضَاءُ عُمَرَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُنْكِرُهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ عَلِمْنَاهُ ؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِدَّةِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَاكْتُفِيَ بِهِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ إمَّا بِالصِّغَرِ أَوْ الْإِيَاسِ وَهُنَا لِمَا احْتَمَلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْإِيَاسِ اُعْتُبِرَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَمْلِ بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الِانْقِطَاعِ لِلْإِيَاسِ فَوَجَبَتْ عِدَّتُهُ عِنْدَ تَعْيِينِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ الْإِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْإِيَاسَ طَرَأَ عَلَيْهِ .
( وَلَا تَنْقَضِي ) الْعِدَّةُ ( بِعَوْدِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ ) لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَالصَّغِيرَةِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَحِيضُ ( وَإِنْ عَلِمَتْ ) مُعْتَدَّةٌ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ( مَا رَفَعَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ رِضَاعٍ وَنَحْوِهِ فَلَا تَزَالُ ) فِي عِدَّةٍ ( حَتَّى يَعُودَ ) حَيْضُهَا ( فَتَعْتَدُّ بِهِ ) وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِعَدَمِ إيَاسِهَا مِنْ الْحَيْضِ فَتَنَاوَلَهَا عُمُومُ " { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } " كَمَا لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ وَفَّيْنَ حَيْضَتَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً ( أَوْ ) حَتَّى ( تَصِيرَ آيِسَةً ) أَيْ تَبْلُغُ سِنَّ الْإِيَاسِ ( فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا ) أَيْ الْآيِسَةِ نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ } الْآيَةَ .
( وَيُقْبَلُ قَوْلُ زَوْجٍ ) اخْتَلَفَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ فِي وَقْتِ طَلَاقٍ ( أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ ) إلَّا بَعْدَ ( وِلَادَةٍ أَوْ ) إلَّا فِي ( وَقْتِ كَذَا ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ فَكَذَا فِي وَقْتِهِ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْأَصْلُ .
( لِلسَّادِسَةِ ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ ( امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ ) أَيْ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَلَمْ تَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَلَا مَوْتَهُ ( فَتَتَرَبَّصُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ مَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِهِ ) وَهُوَ تَمَامُ تِسْعِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةَ ، وَأَرْبَعُ سِنِينَ مُنْذُ فُقِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ الْهَلَاكَ كَالْمَفْقُودِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ .
وَسَاوَتْ الْأَمَةُ هُنَا الْحُرَّةَ ؛ لِأَنَّ تَرَبُّصَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِيُعْلَمَ حَالُهُ مِنْ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ زَوْجَتِهِ ( ثُمَّ تَعْتَدُّ ) فِي الْحَالَيْنِ ( لِلْوَفَاةِ ) الْحُرَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَالْأَمَةُ نِصْفَ ذَلِكَ ( وَلَا تَفْتَقِرُ ) امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ فِي ذَلِكَ التَّرَبُّصِ ( إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ ) ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تَعْقُبُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِمَوْتِهِ وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ ( وَلَا ) تَفْتَقِرُ أَيْضًا ( إلَى طَلَاقِ وَلِيِّ زَوْجِهَا بَعْدَ اعْتِدَادِهَا ) لِوَفَاةٍ لِتَعْتَدَّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِوَلِيِّهِ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَلِحُكْمِنَا عَلَيْهِمَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَا تُجَامِعُهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَتْ مَوْتَهُ ( وَيَنْفُذُ حُكْمُ ) حَاكِمٍ بِالْفُرْقَةِ ظَاهِرًا فَقَطْ بِحَيْثُ إنَّ حُكْمَهُ بِالْفُرْقَةِ ( لَا يَمْنَعُ ) وُقُوعَ ( طَلَاقِ الْمَفْقُودِ ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْفُرْقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ فَإِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا فُرْقَةَ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ كَاذِبَةٌ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ .
( وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ ) عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ ( بِتَفْرِيقِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( أَوْ بِتَزْوِيجِهَا ) أَيْ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفُرْقَةِ لِإِسْقَاطِهَا نَفَقَتَهَا بِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ نِكَاحِهِ فَإِنْ قَدِمَ وَاخْتَارَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَعَادَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ الرَّدِّ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ : يُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا جَمِيعَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ وَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَ حَيًّا مِنْ مَالِهِ ، وَإِنْ ضَرَبَ لَهَا الْحَاكِمُ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِيهَا لَا فِي الْعِدَّةِ .
( مَنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَا ذُكِرَ ) مِنْ التَّرَبُّصِ الْمَذْكُورِ وَالِاعْتِدَادِ بَعْدَهُ ( لَمْ يَصِحَّ ) نِكَاحُهَا ( وَلَوْ بَانَ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَفْقُودَ ( كَانَ طَلَّقَ ) وَأَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ( أَوْ ) بَانَ أَنَّهُ كَانَ ( مَيِّتًا ) وَأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ انْقَضَتْ ( حِينَ التَّزْوِيجِ ) أَيْ قَبْلَهُ لِتَزَوُّجِهَا فِي مُدَّةٍ مَنَعَهَا الشَّرْعُ النِّكَاحَ فِيهَا أَشْبَهَتْ الْمُعْتَدَّةَ وَالْمُرْتَابَةَ قَبْلَ زَوَالِ رِيبَتِهَا ( وَمَنْ تَزَوَّجَتْ بِشَرْطِهِ ) أَيْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ السَّابِقِ وَالْعِدَّةِ ( ثُمَّ قَدِمَ ) زَوْجُهَا ( قَبْلَ وَطْءِ ) الزَّوْجِ ( الثَّانِي ) دَفَعَ إلَيْهِ مَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ وَ ( رُدَّتْ إلَى قَادِمٍ ) ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِقُدُومِهِ بُطْلَانَ نِكَاحِ الثَّانِي وَلَا مَانِعَ مِنْ الرَّدِّ فَتُرَدُّ إلَيْهِ لِبَقَاءِ نِكَاحِهِ .
( وَيُخَيَّرُ ) الْمَفْقُودُ ( إنْ وَطِئَ الزَّوْجُ الثَّانِي ) قَبْلَ قُدُومِهِ ( بَيْنَ أَخْذِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ) لِبَقَائِهِ ( وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْ الثَّانِي وَيَطَأْهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ عِدَّتِهِ ) أَيْ الثَّانِي ( وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَهُ ) أَيْ الثَّانِي ( بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ ) لِلثَّانِي لِصِحَّةِ عَقْدِهِ ظَاهِرًا ( قَالَ الْمُنَقِّحُ : قُلْت الْأَصَحُّ بِعَقْدٍ انْتَهَى ) لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَا : " إنْ جَاءَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَهُ هُوَ " رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَرَوَيَا مَعْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ أَحْمَدُ : رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ ثَمَانِيَةِ وُجُوهٍ وَقَضَى بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَوْلَاةٍ لَهُمْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ لِلثَّانِي لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ عَقْدِهِ بِمَجِيءِ الْأَوَّلِ ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ زَوْجَةَ إنْسَانٍ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ قُلْنَا يَحْتَاجُ الثَّانِي عَقْدًا جَدِيدًا طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ لِذَلِكَ .
قُلْتُ فَعَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ الْعَقْدِ بَعْدَ طَلَاقِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَيَأْخُذُ ) الزَّوْجُ ( الْأَوَّلُ قَدْرَ الصَّدَاقِ ) الَّذِي أَعْطَاهَا إيَّاهُ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي إذَا تَرَكَهَا لَهُ ، لِقَضَاءِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ إلَيْهَا هُوَ ؛ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّضَ فَرَجَعَ بِالْعِوَضِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا الصَّدَاقَ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ بَعْضَهُ رَجَعَ بِنَظِيرِ مَا دَفَعَ ( وَيَرْجِعُ ) الزَّوْجُ ( الثَّانِي عَلَيْهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( بِمَا ) أَيْ بِالْمَهْرِ الَّذِي ( أَخَذَهُ مِنْهُ ) الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ مَهْرَانِ بِوَطْءٍ وَاحِدٍ ( وَإِنْ لَمْ
يَقْدَمْ ) الْأَوَّلُ ( حَتَّى مَاتَ ) الزَّوْجُ ( الثَّانِي ) مَعَهَا ( وَرِثَتْهُ ) لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ فِي الظَّاهِرِ ( بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا ) فَلَا تَرِثُهُ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا مِنْ إرْثِهِ بِتَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي ، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ قُدُومِ الْأَوَّلِ وَوَطْءِ الثَّانِي فَإِنْ اخْتَارَهَا وَرِثَهَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا وَرِثَهَا الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ إذَنْ .
( وَمَنْ ظَهَرَ مَوْتُهُ لِاسْتِفَاضَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ) شَهِدَتْ بِمَوْتِهِ كَذِبًا ( ثُمَّ قَدِمَ فَكَمَفْقُودٍ ) إذَا عَادَ فَتُرَدُّ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَطَأْ الثَّانِي وَيُخَيَّرُ إنْ كَانَ وَطِئَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَتَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ ) الَّتِي شَهِدَتْ بِوَفَاتِهِ ( مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهِ ) لِتَلَفِهِ بِسَبَبِ شَهَادَتِهَا .
قُلْت : إنْ تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْمُبَاشِرِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ .
( وَ ) تَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ ( مَهْرَ ) الزَّوْجِ ( الثَّانِي ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ لِتَسَبُّبِهَا فِي غُرْمِهِ ذَلِكَ ، قَالَ : وَلِلْمَالِكِ أَيْضًا تَضْمِينُ مَنْ بَاشَرَ إتْلَافَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ .
( وَمَتَى فُرِّقَ ) أَيْ فَرَّقَ الْحَاكِمُ ( بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِمُوجِبٍ ) يَقْتَضِيهِ كَإِخْوَةِ رَضَاعٍ وَتَعَذُّرِ نَفَقَةٍ مِنْ جِهَةِ زَوْجٍ وَعُنَّةٍ ( ثُمَّ ؛ بَانَ انْتِفَاؤُهُ ) أَيْ الْمُوجِبِ لِلتَّفْرِيقِ ( فَكَمَفْقُودٍ ) قَدِمَ بَعْدَ تَزَوُّجِ امْرَأَتِهِ فَتُرَدُّ إلَيْهِ قَبْلَ وَطْءٍ ثَانٍ وَيُخَيَّرُ بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَمَنْ أَخْبَرَ بِطَلَاقِ ) زَوْجٍ ( غَائِبٍ وَ ) أَخْبَرَ ( أَنَّهُ وَكِيلُ ) رَجُلٍ ( آخَرَ فِي نِكَاحِهِ بِهَا ) أَيْ الْمُطَلَّقَةِ ( وَضَمِنَ ) الْمُخْبِرُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي تَزَوُّجِهَا ( الْمَهْرَ ) الَّذِي نَكَحَهَا لِلْغَائِبِ عَلَيْهِ ( فَنَكَحَتْهُ ) أَيْ الشَّخْصَ بِمُبَاشَرَةِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي تَزَوُّجِهَا ( ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ ) الْغَائِبُ ( فَأَنْكَرَ ) مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ طَلَاقِهَا ( فَهِيَ زَوْجَتُهُ ) بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَرْفَعُهُ ( وَلَهَا الْمَهْرُ ) عَلَى مَنْ نَكَحَتْهُ بِوَطْئِهَا ، وَلَهَا الطَّلَبُ عَلَى ضَامِنِهِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ فَلَا مَهْرَ .
( وَإِنْ طَلَّقَ غَائِبٌ ) عَنْ زَوْجَتِهِ ( أَوْ مَاتَ ) عَنْهَا ( اعْتَدَّتْ مُنْذُ الْفُرْقَةِ ) أَيْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ مُطْلَقًا لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ مَا سَبَقَ ( وَإِنْ لَمْ تَحِدَّ ) فِيمَا إذَا مَاتَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَتْهُ قَصْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْعِدَّةِ وَسَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَخْبَرَهَا مَنْ تَثِقُ بِهِ .
( وَعِدَّةُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ) حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُزَوَّجَةً كَعِدَّةِ ( مُطَلَّقَةٍ ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الرَّحِمِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ ( إلَّا أَمَةً غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ فَتُسْتَبْرَأُ ) إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ( بِحَيْضَةٍ ) ؛ لِأَنَّ اسْتِبْرَاءَهَا مِنْ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ فَكَذَا غَيْرُهُ .
( وَلَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ ) حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ( زَمَنَ عِدَّةٍ ) مِنْ ذَلِكَ ( غَيْرُ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ ) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لِعَارِضٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْفَرْجُ فَأُبِيحَ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَهُ كَالْحَيْضِ .
( وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِزِنًا ) نَصًّا .
وَقَالَ : حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ } " لَا يَصِحُّ ( وَإِنْ أَمْسَكَهَا ) زَوْجُهَا فَلَمْ يُطَلِّقْهَا لِزِنَاهَا ( اسْتَبْرَأَهَا ) أَيْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ .
فَصْلٌ وَإِنْ وُطِئَتْ مُعْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ وُطِئَتْ بِ ( نِكَاحٍ فَاسِدٍ ) وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا .
( أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ ) سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّتُهُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا مَا لَمْ تَحْمِلْ مِنْ الثَّانِي فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ثُمَّ تُتَمِّمُ عِدَّةَ الْأَوَّلِ ( وَلَا يُحْتَسَبُ مِنْهَا ) أَيْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ ( مُقَامُهَا عِنْدَ الثَّانِي ) بَعْدَ وَطْئِهِ لِانْقِطَاعِهَا بِوَطْئِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ( رَجْعَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي التَّتِمَّةِ ) أَيْ تَتِمَّةِ عِدَّتِهِ لِعَدَمِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْ رَجَعْتِهَا كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ( ثُمَّ اعْتَدَّتْ ) بَعْدَ تَتِمَّةِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ ( لِوَطْءِ الثَّانِي ) لِخَبَرِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى فِي الَّتِي تَتَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَتُكْمِلُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَتَعْتَدُّ مِنْ الْآخَرِ ، وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ اجْتَمَعَا لِرَجُلَيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا وَقُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا كَمَا لَوْ تَسَاوَيَا فِي مُبَاحٍ غَيْرِ ذَلِكَ .
( وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجِ وَالْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ أَوْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَزَوَّجَتْهُ فِي عِدَّتِهَا ( عَيْنًا ) أَيْ بِعَيْنِهِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَعَاشَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا الْأَوَّلُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ ( أَوْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ ) أَيْ بِأَحَدِهِمَا ( قَافَةٌ وَأَمْكَنَ ) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ ( بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِنْ بَيْنُونَةِ الْأَوَّلِ لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ ) مِمَّنْ أُلْحِقَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَضَعَتْهُ فَانْقَضَتْ عِدَّةُ أَبِيهِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ( ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ ) الَّذِي لَمْ يُلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْعِدَّةِ ( وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ ) أَيْ الْوَلَدَ الْقَافَةُ ( بِهِمَا ) أَيْ الْوَاطِئَيْنِ ( لَحِقَ ) بِهِمَا ( وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا ) لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُمَا أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُهُ ( وَإِنْ أَشْكَلَ ) الْوَلَدُ عَلَى الْقَافَةِ ( أَوْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ وَنَحْوَهُ ) كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ قَائِفَانِ ( اعْتَدَّتْ بَعْدَ وَضْعِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ) لِتَخْرُجَ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ بِيَقِينٍ وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمَا لَمْ يَنْتَفِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَافَةِ تَرْجِيحُ أَحَدِ صَاحِبَيْ الْفِرَاشِ لَا نَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ كُلِّهِ .
( وَإِنْ وَطِئَهَا مُبِينُهَا فِيهَا ) أَيْ عِدَّتِهَا مِنْهُ ( عَمْدًا ) بِلَا شُبْهَةٍ ( فَكَأَجْنَبِيٍّ ) فَتُتَمِّمُ الْعِدَّةَ الْأُولَى ثُمَّ تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ الثَّانِيَةَ لِلزِّنَا ؛ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ وَطْئَيْنِ يَلْحَقُ النَّسَبُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ رَجُلَيْنِ ( وَ ) إنْ وَطِئَهَا مُبِينُهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ ( بِشُبْهَةٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَطْءِ وَدَخَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى ) ؛ لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ وَاحِدٍ لِوَطْأَيْنِ يَلْحَقُ النَّسَبُ فِيهِمَا لُحُوقًا وَاحِدًا فَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ طَلَّقَ الرَّجْعِيَّةَ فِي عِدَّتِهَا .
( وَمَنْ وُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ ) أَوْ زِنًا ( ثُمَّ طَلَّقَهَا اعْتَدَّتْ لَهُ ) أَيْ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِالزَّوْجِيَّةِ فَقُدِّمَتْ عَلَى غَيْرِهَا لِقُوَّتِهَا ( ثُمَّ تُتَمِّمُ ) الْعِدَّةَ ( لِلشُّبْهَةِ ) أَوْ لِلزِّنَا ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهَا فَلَا تَبْطُلُ بِتَقْدِيمِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا كَالدَّيْنَيْنِ إذَا قَدَّمَ صَاحِبُ الرَّهْنِ فِي أَحَدِهِمَا .
( وَيَحْرُمُ وَطْءُ زَوْجٍ ) زَوْجَةً مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ( وَلَوْ مَعَ حَمْلٍ مِنْهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( قَبْلَ عِدَّةِ وَاطِئٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا وَلَدَتْ اعْتَدَّتْ لِلشُّبْهَةِ ثُمَّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا .
( وَمَنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا ) فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَسْقُطُ نَفَقَةُ رَجْعِيَّةٍ وَسُكْنَاهَا عَنْ الْأَوَّلِ لِنُشُوزِهَا وَ ( لَمْ تَنْقَطِعْ ) عِدَّتُهَا بِالْعَقْدِ ( حَتَّى يَطَأَهَا ) الثَّانِي لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَاطِلٌ لَا تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا فَإِنْ وَطِئَهَا انْقَطَعَتْ ( ثُمَّ إذَا فَارَقَهَا ) مَنْ تَزَوَّجَهَا أَوْ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ( بَنَتْ عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ) لِسَبْقِ حَقِّهِ ( وَاسْتَأْنَفَتْهَا ) أَيْ الْعِدَّةَ كَامِلَةً ( لِلثَّانِي ) لِأَنَّهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ وَاعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَكَمَا سَبَقَ ( وَلِلثَّانِي ) أَيْ الَّذِي تَزَوَّجَتْهُ فِي عِدَّتِهَا وَوَطِئَهَا ( أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ ) انْقِضَاءِ ( الْعِدَّتَيْنِ ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } مَعَ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَوْ الْوَطْءِ فِيهِ أَوْ بِهِمَا وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ نَكَحَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَوَطِئَهَا وَلِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي عَلَى التَّأْبِيدِ فَهَذَا أَوْلَى وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ خَالَفَهُ فِيهِ عَلِيٌّ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَإِنَّ عَلِيًّا قَالَ : إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إلَى الشُّبَهِ ، وَرَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ .
( وَتَتَعَدَّدُ ) عِدَّةٌ ( بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ ) لِحَدِيثِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مَقْصُودَانِ لِآدَمِيَّيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَالدَّيْنَيْنِ فَإِنْ تَعَدَّدَ الْوَطْءُ مِنْ وَاحِدٍ فَعِدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَ ( لَا ) تَتَعَدَّدُ الْعِدَّةُ بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ ( بِزِنًا ) قَالَ : فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ أَظْهَرُ انْتَهَى هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَمْدَانَ لِعَدَمِ لُحُوقِ النَّسَبِ فِيهِ فَبَقِيَ لِقَصْدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَلَيْهِ فَعِدَّتُهَا مِنْ آخِرِ وَطْءٍ وَقُدِّمَ فِي الْمُبْدِعِ وَالتَّنْقِيحِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُقْنِعِ تَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِ زَانٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .
( وَكَذَا أَمَةٌ ) غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ ( فِي اسْتِبْرَاءٍ ) فَيَتَعَدَّدُ الِاسْتِبْرَاءُ بِتَعَدُّدِ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ لَا بِزِنًا قِيَاسًا عَلَى الْحُرَّةِ .
( وَمَنْ طَلُقَتْ طَلْقَةً ) رَجْعِيَّةً ( فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلُقَتْ ) طَلْقَةً ( أُخْرَى ) وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا ( بَنَتْ ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةٌ أَشْبَهَا الطَّلْقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ .
( وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ( اسْتَأْنَفَتْ ) عِدَّةَ الطَّلَاقِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ أَزَالَتْ شَعَثَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَأَعَادَتْ الْمَرْأَةَ إلَى النِّكَاحِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ ( كَفَسْخِهَا ) أَيْ الرَّجْعِيَّةِ النِّكَاحَ ( بَعْدَ رَجْعَةٍ لِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَعُنَّةٍ أَوْ إيلَاءٍ فَإِنْ فُسِخَتْ بِلَا رَجْعَةٍ بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا بَنَتْ ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِي فِي نِكَاحٍ ثَانٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ فَلَمْ يُوجِبْ عِدَّةً لِعُمُومِ { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } " الْآيَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إعَادَةٌ إلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَالطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهَا طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ وَاحِدٍ فَكَانَ اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ أَظْهَرَ لِأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا وَلَوْلَا الدُّخُولُ لَمَا كَانَتْ رَجْعِيَّةً وَفِي الْبَائِنِ بَعْدَ النِّكَاحِ طَلَاقٌ عَنْ نِكَاحٍ مُتَجَدِّدٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ دُخُولٌ وَلِذَلِكَ يَتَنَصَّفُ بِهِ الْمَهْرُ ( وَإِنْ انْقَضَتْ ) عِدَّتُهَا أَيْ الْبَائِنِ ( قَبْلَ طَلَاقِهِ ) ثَانِيًا وَقَدْ نَكَحَهَا ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ( فَلَا عِدَّةَ لَهُ ) أَيْ الطَّلَاقِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ عَنْ نِكَاحٍ لَا دُخُولَ فِيهِ وَلَا خَلْوَةَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ تَبْنِي عَلَيْهِ .
فَصْلٌ يَحْرُمُ إحْدَادٌ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا ( عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ زَوْجٍ .
) لِحَدِيثِ " { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَيَجِبُ ) الْإِحْدَادُ ( عَلَى زَوْجَتِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ) لِلْخَبَرِ وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَلَيْسَتْ زَوْجَةً فِيهِ شَرْعًا وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ وَيَحِلُّ لَهَا فَتَحْزَنُ عَلَيْهِ .
( وَلَوْ ) كَانَتْ ( ذِمِّيَّةً ) وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ( أَوْ ) كَانَتْ ( أَمَةً ) وَالزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ( أَوْ ) كَانَتْ ( غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ ) وَالزَّوْجُ مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَيُجَنِّبُهَا وَلِيُّهَا مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُكَلَّفَةُ ( زَمَنَ عِدَّتِهِ ) لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِتَسَاوِيهِمْ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَحُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَجِبُ عَلَى بَائِنٍ بِطَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ فَسْخٍ .
( وَيَجُوزُ ) الْإِحْدَادُ ( لِبَائِنٍ ) وَلَا يُسَنُّ لَهَا ؛ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِحْدَادُ ( تَرْكُ زِينَةٍ وَ ) تَرْكُ ( طِيبٍ كَزَعْفَرَانٍ وَلَوْ كَانَ بِهَا سَقَمٌ ) لِتَحْرِيكِ الطِّيبِ الشَّهْوَةَ وَدُعَائِهِ إلَى نِكَاحِهَا ( وَ ) تَرْكُ ( لُبْسِ حُلِيٍّ وَلَوْ خَاتَمًا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْحُلِيُّ ، وَلِأَنَّ الْحُلِيَّ يَزِيدُ حُسْنَهَا وَيَدْعُو إلَى نِكَاحِهَا .
( وَ ) تَرْكُ لُبْسِ ( مُلَوَّنٍ مِنْ ثِيَابٍ لِزِينَةٍ كَأَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَأَزْرَقَ صَافِيَيْنِ وَمَا صُبِغَ قَبْلَ نَسْجٍ ) كَالْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ .
( وَ ) تَرْكُ ( تَحْسِينٍ بِحِنَّاءٍ وَإِسْفِيدَاجٍ وَ ) تَرْكُ ( تَكَحُّلٍ بِ ) كُحْلٍ ( أَسْوَدَ بِلَا حَاجَةٍ ) إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِهَا حَاجَةٌ إلَيْهِ جَازَ وَلَهَا اكْتِحَالٌ بِنَحْوِ تُوتْيَا .
( وَ ) تَرْكُ ( ادِّهَانٍ بِ ) دُهْنٍ ( مُطَيِّبٍ ) كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَاللُّبَّانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهِ .
( وَ ) تَرْكُ ( تَحْمِيرِ وَجْهٍ وَحَفِّهِ وَنَحْوِهِ ) كَنَقْشٍ وَتَخْطِيطٍ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ " { كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَتَطَيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ } " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نَبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالْعَصْبُ ثِيَابٌ يَمَنِيَّةٌ فِيهَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ يُصْبَغُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُنْسَجُ قَالَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ نَبْتٌ يُصْبَغُ بِهِ .
( وَلَا تُمْنَعُ ) مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ ( مِنْ صَبْرٍ ) تُطْلَى بِهِ بَدَنَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا طِيبَ فِيهِ ( إلَّا فِي الْوَجْهِ ) فَلَا تُطْلَى بِهِ وَجْهَهَا لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : " { دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا فَقَالَ مَاذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ ؟ فَقُلْتُ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ لَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ وَلَا تَتَمَشَّطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ } .
( وَلَا ) تُمْنَعُ مِنْ ( لُبْسِ أَبْيَضَ وَلَوْ حَسَنًا ) مِنْ إبْرَيْسَمَ ؛ لِأَنَّ حُسْنَهُ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُهُ كَالْمَرْأَةِ حَسْنَاءَ الْخِلْقَةِ لَا يَلْزَمُهَا تَغْيِيرُ نَفْسِهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَشْوِيهِهَا ( وَلَا ) تُمْنَعُ مِنْ ( مُلَوَّنٍ لِدَفْعِ وَسَخٍ كَكُحْلِيٍّ ) وَنَحْوِهِ كَأَخْضَرَ غَيْرِ صَافٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ثَوْبِ الْعَصْبِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى فِي الْخَبَرِ ( وَلَا ) تُمْنَعُ ( مِنْ نِقَابٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالْمُحْرِمَةُ مُنِعَتْ مِنْهُ لِمَنْعِهَا مِنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا ( وَ ) لَا تُمْنَعُ مِنْ ( أَخْذِ ظُفُرٍ وَنَحْوِهِ ) كَأَخْذِ عَانَةٍ وَنَتْفِ إبِطٍ وَلَهَا تَزَيُّنٌ فِي نَحْوِ فُرُشٍ ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي الْبَدَنِ فَقَطْ ( وَلَا مِنْ تَنْظِيفٍ وَغُسْلٍ ) وَامْتِشَاطٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَلَا طِيبَ فِيهِ .
( وَيَحْرُمُ تَحَوُّلُهَا ) أَيْ الْمُعْتَدَّةِ لِلْوَفَاةِ ( مِنْ مَسْكَنٍ وَجَبَتْ فِيهِ ) أَيْ الْعِدَّةُ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهِ وَلَوْ مُؤَجَّرًا أَوْ مُعَارًا ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ لِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ وَفِيهِ " { اُمْكُثِي فِي بَيْتِكَ الَّذِي أَتَاكِ فِيهِ نَعْيُ زَوْجِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ فَاعْتَدِّي فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ .
(
إلَّا لِحَاجَةٍ ) تَدْعُو إلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ كَخُرُوجِهَا مِنْهُ ( لِخَوْفٍ ) عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا ( وَلِحَقٍّ ) وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ لِأَجْلِهِ ( وَتَحْوِيلِ مَالِكِهِ ) أَيْ الْمَسْكَنِ ( لَهَا ) أَيْ الْمُعْتَدَّةِ لِوَفَاةٍ .
( وَ ) كَ ( طَلَبِهِ ) أَيْ مَالِكِ الْمَسْكَنِ مِنْ مُعْتَدَّةٍ لِوَفَاةٍ ( فَوْقَ أُجْرَتِهِ ) الْمُعْتَادَةِ ( أَوْ لَا تَجِدُ ) الْمُعْتَدَّةُ لِوَفَاةٍ ( مَا ) أَيْ مَالًا ( تَكْتَرِي بِهِ إلَّا مِنْ مَالِهَا ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ السُّكْنَى لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ السُّكْنَى سَقَطَتْ ( فَيَجُوزُ ) تَحَوُّلُهَا ( إلَى حَيْثُ شَاءَتْ ) لِسُقُوطِ الْوَاجِبِ لِلْعُذْرِ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالِاعْتِدَادِ فِي مُعَيَّنٍ غَيْرِهِ فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ( وَتُحَوَّلُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةٍ ( لِأَذَاهَا ) لِجِيرَانِهَا وَ ( لَا ) تُحَوَّلُ ( مَنْ حَوْلَهَا ) دَفْعًا لِأَذَاهَا ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ تَحْوِيلُ الْجَارِ السُّوءِ وَمَنْ يُؤْذِي غَيْرَهُ .
( وَيَلْزَمُ ) مُعْتَدَّةً ( مُنْتَقِلَةً ) مِنْ مَسْكَنٍ وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَى نَقْلِهَا ( الْعُودُ ) إلَيْهِ لِتُتِمَّ عِدَّتَهَا فِيهِ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ .
( وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ ) لِلْوَفَاةِ ( بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ) الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ( حَيْثُ كَانَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِدَادِ .
( وَلَا تَخْرُجُ ) مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةٍ ( إلَّا نَهَارًا ) ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ وَلَا تَخْرُجُ نَهَارًا إلَّا ( لِحَاجَتِهَا ) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهَا فَلَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ غَيْرِهَا وَلَا لِعِيَادَةٍ وَزِيَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا .
( وَمَنْ سَافَرَتْ ) زَوْجَتُهُ دُونَهُ ( بِإِذْنِهِ ) وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ تَرْجِعُ مُطْلَقًا ( أَوْ ) سَافَرَتْ ( مَعَهُ لِنُقْلَةٍ ) مِنْ بَلْدَةٍ ( إلَى بَلَدٍ ) آخَرَ ( فَمَاتَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ ) أَيْ بُنْيَانِ الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ رَجَعَتْ وَاعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمَةِ ( أَوْ ) سَافَرَتْ ( لِغَيْرِ النُّقْلَةِ ) كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ سَفَرُهَا ( لِحَجٍّ وَلَمْ تُحْرِمْ ) وَمَاتَ ( قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ ) رَجَعَتْ وَ ( اعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ ) لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : تُوُفِّيَ أَزْوَاجُ نِسَاءٍ وَهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ وَلِأَنَّهَا أَمْكَنَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا قَبْلَ أَنْ تَبْعُدَ فَلَزِمَهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُفَارِقْ الْبُنْيَانَ .
( وَ ) إنْ مَاتَ زَوْجُهَا ( بَعْدَهُمَا ) أَيْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ إنْ كَانَ سَفَرُهَا لِنُقْلَةٍ أَوْ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ نُقْلَةٍ ( تُخَيَّرُ ) بَيْنَ الرُّجُوعِ فَتَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِهَا وَبَيْنَ الْمُضِيِّ إلَى مَقْصِدِهَا ؛ لِأَنَّ كِلَا الْبَلَدَيْنِ سَوَاءٌ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَاكِنَةً بِالْأَوَّلِ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَنْزِلًا لَهَا بِإِذْنِهِ فِي الِانْتِقَالِ عَنْهُ كَمَا لَوْ حَوَّلَهَا قَبْلَهُ .
وَالثَّانِي لَمْ يَصِرْ مَنْزِلَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْكُنْهُ وَحَيْثُ مَضَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا فَإِنْ كَانَ لِنُزْهَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مُدَّةِ إقَامَتِهَا وَإِلَّا أَقَامَتْ ثَلَاثًا فَإِذَا مَضَتْ أَوْ قَضَتْ حَاجَتَهَا ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ وَنَحْوُهُ أَتَمَّتْ الْعِدَّةَ بِمَكَانِهَا ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَى مَنْزِلِهَا إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، وَإِلَّا لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِتُتِمَّهَا بِهِ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي النَّقْلَةِ مِنْ دَارٍ إلَى أُخْرَى .
فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهَا اعْتَدَّتْ بِالْأُولَى وَبَعْدَهُ تَعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا تُخَيَّرُ (
وَإِنْ أَحْرَمَتْ ) مَنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا لِحَجٍّ وَمَاتَ ( وَلَوْ ) كَانَ إحْرَامُهَا ( قَبْلَ مَوْتِهِ ) قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ ( وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ ) بَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِمَنْزِلِهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ بِأَنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَهُمَا عَادَتْ لِمَنْزِلِهَا فَاعْتَدَّتْ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ تُحْرِمْ ( وَإِلَّا ) يُمْكِنْهَا الْجَمْعُ بِأَنْ كَانَ الْوَقْتُ لَا يَتَّسِعُ لَهُمَا ( قُدِّمَ حَجٌّ مِنْ بُعْدِهَا ) عَنْ بَلَدِهَا بِأَنْ كَانَتْ سَافَرَتْ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ لِوُجُوبِ الْحَجِّ بِالْإِحْرَامِ ، وَفِي مَنْعِهَا مِنْ إتْمَامِ سَفَرِهَا ضَرَرٌ عَلَيْهَا بِتَضْيِيعِ الزَّمَانِ وَالنَّفَقَةِ وَمَنْعِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ ، وَمَتَى رَجَعَتْ مِنْ الْحَجِّ ، وَبَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ أَتَمَّتْهُ فِي مَنْزِلِهَا ( وَإِلَّا ) تَبْعُدْ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَقَدْ أَحْرَمَتْ ( فَالْعِدَّةُ ) تُقَدِّمْهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقِيمَةِ ( وَتَتَحَلَّلُ لِفَوْتِهِ ) أَيْ الْحَجِّ ( بِعُمْرَةٍ ) فَتَبْقَى عَلَى إحْرَامِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا .
ثُمَّ تُسَافِرَ لِلْعُمْرَةِ فَتَأْتِيَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَوَاتِ .
وَفِي الْمُغْنِي إنْ أَمْكَنَهَا السَّفَرُ تَحَلَّلَتْ بِعُمْرَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا تَحَلَّلَتْ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ .
( وَتَعْتَدُّ بَائِنٌ ) بِطَلْقَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ فَسْخٍ ( بِ ) مَكَان ( مَأْمُونٍ مِنْ الْبَلَدِ ) الَّذِي بَانَتْ فِيهِ ( حَيْثُ شَاءَتْ ) مِنْهُ نَصًّا لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ : ( { طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي } ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَلَا تَبِيتُ إلَّا بِهِ ) أَيْ بِالْمَأْمُونِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي شَاءَتْهُ ( وَلَا تُسَافِرُ ) قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا .
لِمَا فِي الْبَيْتُوتَةِ بِغَيْرِ مَنْزِلِهَا ، وَسَفَرِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا مِنْ التَّبَرُّجِ وَالتَّعَرُّضِ لِلرِّيبَةِ ( وَإِنْ ) سَكَنَتْ بَائِنٌ ( عُلُوًّا ) وَمُبِينٌ فِي السُّفْلِ ( أَوْ ) سَكَنَتْ ( سُفْلًا وَ ) سَكَنَ ( مُبِينٌ فِي الْآخَرِ وَبَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ ) جَازَ كَمَا لَوْ كَانَا بِحُجْرَتَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ ( أَوْ ) كَانَ ( مَعَهَا مَحْرَمٌ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ .
جَازَ لِتَحَفُّظِهَا بِمَحْرَمِهَا ، وَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى .
قَالَهُ فِي الشَّرْحِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ ( وَإِنْ أَرَادَ ) مُبِينُهَا ( إسْكَانَهَا بِمَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَنْزِلِهِ ( مِمَّا يَصِحُّ لَهَا ) سَكَنًا ( تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ ) مِنْ رُؤْيَةِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهُ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ ( لَزِمَهَا ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ ، وَضَرَرٌ عَلَيْهِ فَكَانَ إلَى اخْتِيَارِهِ ( وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ ) أَيْ مَرِيدَ الْإِسْكَانِ ( نَفَقَةٌ كَمُعْتَدَّةٍ لِ ) وَطْءِ ( شُبْهَةٍ أَوْ ) مِنْ ( نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ لِعِتْقٍ ) فَيَجِبُ السُّكْنَى عَلَيْهِنَّ بِمَا يَخْتَارُهُ الْوَاطِئُ أَوْ السَّيِّدُ تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ بِلَا مَحْذُورٍ وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ وَلَا الْوَاطِئَ إسْكَانُهَا حَيْثُ لَا حَمْلَ .
( وَرَجْعِيَّةٌ فِي لُزُومِ مَنْزِلِ ) مُطَلِّقِهَا لَا فِي الْإِحْدَادِ ( كَمُتَوَفًّى عَنْهَا ) زَوْجُهَا نَصًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } وَلَا يَخْرُجْنَ وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا الْمُطَلِّقُ فِي الْخُرُوجِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِدَّةِ وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ إسْقَاطَ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا أَيْ الْعِدَّةِ .
( وَإِنْ امْتَنَعَ مَنْ ) أَيْ زَوْجٌ أَوْ مُبِينٌ ( لَزِمَتْهُ سُكْنَى ) زَوْجَتِهِ أَوْ مُبَانَتِهِ الْحَامِلِ ( أُجْبِرَ ) أَيْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ مَنْ وَجَبَتْ لَهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ غَابَ ) مَنْ لَزِمَتْهُ السُّكْنَى ( اكْتَرَى عَنْهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ ) مَسْكَنًا لَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ( أَوْ اقْتَرَضَ ) الْحَاكِمُ ( عَلَيْهِ ) إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ ( أَوْ فَرَضَ ) الْحَاكِمُ ( أُجْرَتَهُ ) أَيْ الْمَسْكَنِ لِتُؤْخَذَ مِنْهُ إذَا حَضَرَ .
( وَإِنْ اكْتَرَتْهُ ) أَيْ الْمَسْكَنَ مَنْ وَجَبَتْ لَهَا السُّكْنَى ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ( أَوْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ ) إنْ عَجَزَتْ عَنْ اسْتِئْذَانِهِ ( أَوْ بِدُونِهِمَا ) أَيْ دُونِ إذْنِهِ وَإِذْنِ حَاكِمٍ ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِئْذَانِ حَاكِمٍ ( رَجَعَتْ ) بِمِثْلِ مَا اكْتَرَتْ بِهِ لِقِيَامِهَا عَنْهُ بِوَاجِبٍ كَسَائِرِ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا بِنِيَّةِ رُجُوعٍ ( وَلَوْ سَكَنَتْ ) مَعَ غَيْبَتِهِ أَوْ مَنْعِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ ( فِي مِلْكِهَا ) بِنِيَّةِ رُجُوعٍ عَلَيْهِ بِأُجْرَتِهِ ( فَلَهَا أُجْرَتُهُ ) لِوُجُوبِ إسْكَانِهَا عَلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ ( وَلَوْ سَكَنَتْهُ ) أَيْ مِلْكَهَا ( أَوْ اكْتَرَتْ ) مَسْكَنًا ( مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ فَلَا ) طَلَبَ لَهَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَائِبٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ وَلَا آذِنٍ كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ لَزِمَتْ غَيْرَهُ نَفَقَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ .
الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ الْبَرَاءَةِ أَيْ التَّمْيِيزِ وَالِانْقِطَاعِ يُقَالُ بُرِيَ اللَّحْمُ مِنْ الْعَظْمِ إذَا قُطِعَ عَنْهُ وَفُصِلَ ( وَهُوَ قَصْدٌ ) أَيْ تَرَبُّصٌ شَأْنُهُ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ ( عِلْمُ بَرَاءَةِ رَحِمِ مِلْكِ يَمِينٍ ) مِنْ قِنٍّ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُدَبَّرَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ ( حُدُوثًا ) أَيْ عِنْدَ حُدُوثِ مِلْكٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ( أَوْ زَوَالًا ) أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ زَوَالِ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ زَوَالٍ بِعِتْقٍ أَوْ زَوَالِ اسْتِمْتَاعِهِ بِأَنْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا ( مِنْ حَمْلٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِ " بَرَاءَةِ " ( غَالِبًا ) وَقَدْ يَكُونُ تَعَبُّدًا ( بِوَضْعِ حَمْلٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِ " عِلْمُ " ( أَوْ بِحَيْضَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ بِعَشَرَةِ ) أَشْهُرٍ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَخُصَّ الِاسْتِبْرَاءُ بِهَذَا الِاسْمِ لِتَقْدِيرِهِ بِأَقَلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ وَتَعَدُّدٍ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا " { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَلِأَبِي سَعِيدٍ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ مَرْفُوعًا " { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ( وَيَجِبُ ) الِاسْتِبْرَاءُ ( فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ ) فَقَطْ بِالِاسْتِقْرَاءِ ( أَحَدُهَا إذَا مَلَكَ ذَكَرٌ وَلَوْ ) كَانَ ( طِفْلًا ) بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِ ( مَنْ ) أَيْ أَمَةً ( يُوطَأُ مِثْلُهَا ) بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ( وَلَوْ مَسْبِيَّةً ، أَوْ لَمْ تَحِضْ ) لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ ( حَتَّى ) وَلَوْ مَلَكَهَا ( مِنْ طِفْلٍ وَأُنْثَى لَمْ يَحِلَّ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا وَلَوْ بِقُبْلَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ) لِمَا تَقَدَّمَ وَكَالْعِدَّةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : بَلَغَنِي أَنَّ الْعَذْرَاءَ تَحْمِلُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ : نَعَمْ قَدْ كَانَ فِي جِيرَانِنَا ، وَمُقَدَّمَاتُ الْوَطْءِ مِثْلُهُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ كَوْنُهَا
حَامِلًا مِنْ بَائِعِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ ( فَإِنْ عَتَقَتْ قَبْلَهُ ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ ( لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَمْ يَصِحَّ ) نِكَاحُهَا مِنْهُ إنْ تَزَوَّجَهَا ( حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلِ الْعِتْقِ فَحَرُمَ تَزْوِيجُهَا بَعْدَهُ كَالْمُعْتَدَّةِ ( وَلَيْسَ لَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ ) أَيْ سَيِّدِهَا ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهَا يَطَأُ ) كَسَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّهُ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا فَحَرُمَ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا مُعْتَدَّةً ( إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ ) قَالَ ( الْمُنَقِّحُ ) فِي التَّنْقِيحِ ( وَهِيَ أَصَحُّ ) وَصَحَّحَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ ، وَقَدَّمَهَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ وَطْءٍ ، وَكَانَ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ نَقْلِ الْمِلْكِ عَنْهُ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ .
( وَمَنْ أَخَذَ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَمَةً حَاضَتْ عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا ، وَكَذَا إنْ أَخَذَهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ ( أَوْ بَاعَ ) أَمَتَهُ ( أَوْ وَهَبَ أَمَتَهُ ثُمَّ عَادَتْ ) الْأَمَةُ ( إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ) وَلَوْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ ( حَيْثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ ) مُشْتَرٍ أَوْ مُتَّهَبٍ لَهَا لِتَجَدُّدِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا .
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَ ( لَا ) يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ ( إنْ عَادَتْ مُكَاتَبَتُهُ ) إلَيْهِ بِعَجْزٍ ( أَوْ ) عَادَ إلَيْهِ ( رَحِمُهَا الْمَحْرَمُ ) بِعَجْزٍ ( أَوْ ) عَادَ إلَيْهِ ( رَحِمُ مُكَاتَبِهِ الْمَحْرَمُ بِعَجْزِ ) مُكَاتَبَتِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِسَبْقِ مِلْكِهِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَمَمْلُوكَتُهَا مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ لَهَا ؛ لِأَنَّ
مَمْلُوكَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْوَفَاءِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَإِذَا عَجَزَ عَادَ إلَيْهِ ( أَوْ فَكَّ أَمَتَهُ مِنْ رَهْنٍ ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ بِحَالِهِ ( أَوْ أَخَذَ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ أَمَةً ، وَقَدْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ) أَيْ الْعَوْدِ أَوْ الْفَكِّ أَوْ الْأَخْذِ ، فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِسَبْقِ مِلْكِهِ فَلَا تَجَدُّدَ مِلْكٍ يُوجِبُهُ ( أَوْ أَسْلَمَتْ ) أَمَةٌ ( مَجُوسِيَّةٌ ) حَاضَتْ عِنْدَ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ ( أَوْ ) أَسْلَمَتْ ( وَثَنِيَّةٌ ) عِنْدَ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ حَاضَتْ عِنْدَهُ ( أَوْ ) أَسْلَمَتْ ( مُرْتَدَّةٌ حَاضَتْ عِنْدَهُ ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَلِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهِنَّ بِالِاسْتِبْرَاءِ عَقِبَ الْمِلْكِ ( أَوْ ) أَسْلَمَ ( مَالِكٌ بَعْدَ رِدَّةٍ ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى إمَائِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ مَلَكَ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مَحْسُوسَةٌ .
( وَلَا يَجِبُ ) اسْتِبْرَاءٌ ( بِمِلْكِ أُنْثَى مِنْ أُنْثَى ) أَوْ ذَكَرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ( وَسُنَّ ) اسْتِبْرَاءٌ ( لِمَنْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ ) بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا ( لِيَعْلَمَ وَقْتَ حَمْلِهَا ) إنْ كَانَتْ حَامِلًا ( وَمَتَى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ ) مُنْذُ مَلَكَهَا ( فَأُمُّ وَلَدٍ وَلَوْ أَنْكَرَ الْوَلَدَ بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهَا ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ( وَلَا ) تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ وَلَدَتْ ( لِأَقَلَّ ) مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا وَعَاشَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ الزَّوْجَةِ .
( وَلَا ) إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( مَعَ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْحَمْلِ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مَاتَ وَلَدُهَا عَنْ وَرَثَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَحْجُبُ حَمْلَهَا إنْ كَانَ ( وَيُجْزِي اسْتِبْرَاءُ مَنْ ) أَيْ أَمَةٍ ( مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) كَالْمَأْخُوذِ أُجْرَةً أَوْ جَعَالَةً أَوْ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ وَنَحْوِهِ إنْ وُجِدَ اسْتِبْرَاؤُهَا ( قَبْلَ قَبْضٍ ) لَهَا ( وَ ) يُجْزِئُ اسْتِبْرَاءٌ ( لِمُشْتَرٍ زَمَنَ خِيَارٍ ) لِوُجُودِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ ( وَيَدُ وَكِيلٍ كَيَدِ مُوَكِّلٍ ) فَقَبْضُهُ كَقَبْضِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ، وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَ أَمَةٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا .
فَالِاسْتِبْرَاءُ مُنْذُ مَلَكَ الْبَاقِيَ ( وَمَنْ مَلَكَ ) أَمَةً ( مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ ) اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ ( أَوْ ) مَلَكَ ( مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا ) زَوْجُهَا بَعْدَ دُخُولٍ بِهَا .
أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ ( أَوْ زَوَّجَ ) سَيِّدٌ ( أَمَتَهُ ، ثُمَّ طَلُقَتْ بَعْدَ دُخُولِهِ اكْتَفَى بِالْعِدَّةِ ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ ( وَلَهُ ) أَيْ مَنْ مَلَكَ مُعْتَدَّةً مِنْهُ ( وَطْءُ مُعْتَدَّةٍ مِنْهُ ) بِغَيْرِ طَلَاقِ ثَلَاثٍ ( فِيهَا ) أَيْ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ مَائِهِ ، فَإِنْ بَاعَهَا حَلَّتْ لِلْمُشْتَرِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا .
( وَإِنْ ) ( طَلُقَتْ مَنْ مُلِكَتْ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( مُزَوَّجَةً قَبْلَ الدُّخُولِ ) ( وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا ) نَصًّا وَقَالَ : هَذِهِ حِيلَةٌ وَضَعَهَا أَهْلُ الرَّأْيِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا ، وَلَمْ يَحْصُلْ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي مِلْكِهِ .
فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً ، وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا ، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ دُخُولِهِ .
الْمَوْضِعُ ( الثَّانِي إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ ) الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا ( ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا أَوْ ) وَطِئَهَا ثُمَّ أَرَادَ ( بَيْعَهَا حَرَامًا ) أَيْ التَّزْوِيجُ وَالْبَيْعُ ( حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ فَيُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ ، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْعَ جَارِيَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِحِفْظِ مَائِهِ ، فَكَذَا الْبَائِعُ .
وَلِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا مَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا فَيُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ ( فَلَوْ خَالَفَ ) فَزَوَّجَهَا أَوْ بَاعَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا ( صَحَّ الْبَيْعُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ ( دُونَ النِّكَاحِ ) فَلَا يَصِحُّ كَتَزْوِيجِ الْمُعْتَدَّةِ ( وَإِنْ لَمْ يَطَأْ ) سَيِّدٌ أَمَتَهُ ( أُبِيحَا ) أَيْ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ إذَنْ .
الْمَوْضِعُ ( الثَّالِثُ إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ ) أَعْتَقَ ( سُرِّيَّتَهُ ) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي اتَّخَذَهَا لِوَطْئِهِ مِنْ السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا سِرًّا .
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ : خَصُّوا الْأَمَةَ بِهَذَا الِاسْمِ فَرْقًا بَيْنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُنْكَحُ وَالْأَمَةِ ( أَوْ مَاتَ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ السُّرِّيَّةِ سَيِّدُهَا ( لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لِسَيِّدِهَا ، وَقَدْ فَارَقَهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الْعِتْقِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى فِرَاشِ غَيْرِهِ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ وَ ( لَا ) يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ ( إنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ ( أَوْ أَرَادَ ) بَعْدَ عِتْقِهَا ( تَزَوُّجَهَا ) أَيْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ ؛ لِأَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى فِرَاشِ غَيْرِهِ ( أَوْ ) اسْتَبْرَأَ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ بَائِعُهَا ( قَبْلَ بَيْعِهَا فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ ) مِنْهُ قَبْلَ وَطْئِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا اسْتِغْنَاءً بِاسْتِبْرَائِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا ( أَوْ أَرَادَ ) مُشْتَرِي أَمَةٍ اسْتَبْرَأَهَا بَائِعُهَا قَبْلَ بَيْعِهَا ( تَزَوُّجَهَا ) مِنْ غَيْرِهِ ( قَبْل وَطْئِهَا ) فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا بِالِاسْتِبْرَاءِ السَّابِقِ لِلْبَيْعِ .
( أَوْ كَانَتْ ) أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ السُّرِّيَّةُ حَالَ عِتْقِهَا ( مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً ) مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ( أَوْ فَرَغَتْ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَأَعْتَقَهَا ) سَيِّدُهَا ( قَبْلَ وَطْئِهِ ) بَعْدَ فَرَاغِ عِدَّتِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَلَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ .
( وَإِنْ أَبَانَهَا ) أَيْ الْأَمَةَ زَوْجُهَا ( قَبْلَ دُخُولِهِ ) بِهَا ( أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا ( أَوْ مَاتَ ) زَوْجُهَا ( فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ ) عَلَيْهَا ( إنْ لَمْ يَطَأْهَا ) سَيِّدُهَا لِزَوَالِ فِرَاشِ سَيِّدِهَا بِتَزْوِيجِهَا ( كَمَنْ لَمْ يَطَأْهَا ) سَيِّدُهَا ( أَصْلًا ) قَبْلَ تَزَوُّجٍ
وَلَا بَعْدَهُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْهُ .
( وَمَنْ ) ( بِيعَتْ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْإِمَاءِ ( وَلَمْ تُسْتَبْرَأْ ) قَبْلَ بَيْعٍ ( فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ قَبْلَ وَطْءٍ وَ ) قَبْلَ ( اسْتِبْرَاءٍ ) ( اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا أَوْ تَمَّمَتْ مَا وُجِدَ عِنْدَ مُشْتَرٍ ) مِنْ اسْتِبْرَاءٍ إنْ عَتَقَتْ فِي أَثْنَائِهِ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا ( وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً وَكَانَ بَائِعُهَا يَطَؤُهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا ) بَائِعُهَا قَبْلَ بَيْعِهِ ( لَمْ يَجُزْ ) لِمُشْتَرِيهَا ( أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا ) حِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَحَذَرًا مِنْ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ .
( وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ أُمِّ وَلَدٍ وَسَيِّدُهَا وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا ) مَوْتًا ( فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا ( فَوْقَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ جَهِلَتْ الْمُدَّةَ ) بَيْنَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا ( لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ آخِرِهِمَا الْأَطْوَلُ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ لِوَفَاةٍ أَوْ اسْتِبْرَاءٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ آخِرًا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا بَلْ عِدَّةُ حُرَّةٍ لِلْوَفَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدُ فَيَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ إلَّا بِأَطْوَلِهِمَا فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْأَقَلُّ لَكِنْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ إذَا مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ عِدَّتِهَا لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا حَيْثُ لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا لَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ آخِرَهُمَا مَوْتًا أَصَابَهَا وَجَهِلَتْهُ .
( وَلَا تَرِثُ ) الْأَمَةُ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ شَيْئًا ( مِنْ الزَّوْجِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ حُرِّيَّتُهَا قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ عُلِمَ بِأَنَّ بَيْنَ مَوْتِ سَيِّدِهَا وَزَوْجِهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ فَأَقَلَّ ( اعْتَدَّتْ كَحُرَّةٍ لِوَفَاةٍ فَقَطْ ) لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ مَوْتِ الزَّوْجِ فَتَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ مَوْتٍ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلَا اسْتِبْرَاءَ
عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فَقَدْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَأَخِّرَ فَقَدْ مَاتَ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ .
( وَ ) اسْتِبْرَاءُ ( مَنْ تَحِيضُ بِحَيْضَةٍ ) تَامَّةٍ لِحَدِيثِ " { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ، وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً } " وَ ( لَا ) يَحْصُلُ اسْتِبْرَاءٌ بِ ( بَقِيَّتِهَا ) أَيْ الْحَيْضَةِ إذَا مَلَكَهَا حَائِضًا لِلْخَبَرِ ( وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ ) أَيْ لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ الْمُسْتَبْرَأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَلَا تَحِيضُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ مُنْذُ مَلَكَهَا ( فَ ) اسْتِبْرَاؤُهَا ( بِحَيْضَةٍ ) نَصًّا لَا شَهْرٍ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ ( وَ ) اسْتِبْرَاءُ ( آيِسَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَبَالِغَةٍ لَمْ تَحِضْ بِشَهْرٍ ) لِإِقَامَتِهِ مَقَامَ حَيْضَةٍ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الشُّهُورُ بِاخْتِلَافِ الْحَيْضِ ( وَإِنْ حَاضَتْ فِيهِ ) أَيْ الشَّهْرِ ( فَ ) اسْتِبْرَاؤُهَا ( بِحَيْضَةٍ ) كَالصَّغِيرَةِ إذَا حَاضَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَهُ فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ .
( وَ ) أَمَّا اسْتِبْرَاءُ ( مُرْتَفِعٍ حَيْضُهَا وَلَمْ تَدْرِ مَا رَفَعَهُ فَبِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ) تِسْعَةٌ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِدَّةِ ( وَإِنْ عَلِمَتْ ) مَا رَفَعَ حَيْضَهَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَكَحُرَّةٍ ) فَلَا تَزَالُ فِي اسْتِبْرَاءٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ أَوْ تَصِيرَ آيِسَةً فَتُسْتَبْرَأَ بِشَهْرٍ ( وَيَحْرُمُ وَطْءٌ مِنْ زَمَنِ اسْتِبْرَاءٍ ) كَالْوَطْءِ قَبْلَهُ ( وَلَا يَنْقَطِعُ ) الِاسْتِبْرَاءُ ( بِهِ ) أَيْ الْوَطْءِ فِيهِ ( فَإِنْ حَمَلَتْ قَبْلَ الْحَيْضَةِ اسْتَبْرَأَتْ بِوَضْعِهِ ) أَيْ الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ ( وَ ) إنْ حَمَلَتْ ( فِيهَا ) أَيْ الْحَيْضَةِ ( وَقَدْ مَلَكَهَا حَائِضًا فَكَذَلِكَ ) أَيْ اسْتَبْرَأَتْ بِوَضْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) إنْ حَمَلَتْ ( فِي حَيْضَةٍ ابْتَدَأَتْهَا عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُنْتَقِلِ مِلْكُهَا إلَيْهِ ( تَحِلُّ ) لَهُ فِي ( الْحَالِ ) وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ ( لِجَعْلِ مَا مَضَى ) مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ إحْبَالِهَا ( حَيْضَةً ) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ ( وَتُصَدَّقُ ) أَمَةٌ ( فِي حَيْضٍ ) ادَّعَتْهُ
فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ تَطَهُّرِهَا ( فَلَوْ أَنْكَرَتْهُ ) أَيْ الْحَيْضَ بِأَنْ قَالَتْ : لَمْ أَحِضْ لِتَمْنَعَهُ مِنْ وَطْئِهَا لِعَدَمِ الِاسْتِبْرَاءِ ( فَقَالَ : أَخْبَرَتْنِي بِهِ ) أَيْ بِأَنَّهَا حَاضَتْ وَقَدْ مَضَى مَا يُمْكِنُ حَيْضُهَا فِيهِ ( صُدِّقَ ) ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ( وَإِنْ ادَّعَتْ ) أَمَةٌ ( مَوْرُوثَةٌ تَحْرِيمَهَا عَلَى وَارِثٍ بِوَطْءِ مُورِثِهِ ) كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ صُدِّقَتْ وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ تَكُنْ مَكَّنَتْهُ قَبْلُ ( أَوْ ) ادَّعَتْ أَمَةٌ ( مُشْتَرَاةٌ أَنَّ لَهَا زَوْجًا صُدِّقَتْ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا .
الرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ ( وَهُوَ ) لُغَةً : مَصُّ لَبَنٍ مِنْ ثَدْيٍ وَشُرْبُهُ .
وَ ( شَرْعًا مَصُّ لَبَنٍ ) فِي الْحَوْلَيْنِ ( ثَابَ ) أَيْ اجْتَمَعَ ( عَنْ حَمْلٍ مِنْ ثَدْي امْرَأَةٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِ " مَصُّ " ( أَوْ شُرْبُهُ وَنَحْوَهُ ) كَأَكْلِهِ بَعْدَ تَجْبِينِهِ وَسَعُوطٍ بِهِ وَوَجُورٍ ( وَيُحَرِّمُ ) رَضَاعٌ ( كَنَسَبٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا " { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ النَّسَبِ .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مُحَرِّمٌ فِي الْجُمْلَةِ .
( فَمَنْ أَرْضَعَتْ وَلَوْ مُكْرَهَةً ) عَلَى إرْضَاعِهَا ( بِلَبَنِ حَمْلٍ لَاحِقٍ بِالْوَاطِئِ ) نَسَبُهُ ( طِفْلًا ) فِي الْحَوْلَيْنِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ( صَارَا ) أَيْ الْمُرْضِعَةُ وَالْوَاطِئُ اللَّاحِقُ بِهِ الْحَمْلُ الَّذِي ثَابَ عَنْهُ اللَّبَنُ ( فِي تَحْرِيمِ نِكَاحٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِصَارًا ( وَ ) فِي ( ثُبُوتِ مَحْرَمِيَّةٍ وَ ) فِي ( إبَاحَةِ نَظَرٍ وَ ) إبَاحَةِ ( خَلْوَةٍ ) لَا فِي وُجُوبِ نَفَقَةٍ وَإِرْثٍ وَعِتْقٍ وَرَدِّ شَهَادَةٍ وَنَحْوِهَا ( أَبَوَيْهِ ) أَيْ الطِّفْلِ .
( وَ ) صَارَ ( هُوَ ) أَيْ الطِّفْلُ ( وَلَدَهُمَا ) فِيمَا ذَكَرَ ( وَ ) صَارَ ( أَوْلَادُهُ ) أَيْ الطِّفْلِ ( وَإِنْ سَفَلُوا أَوْلَادَ وَلَدِهِمَا ) وَهُوَ الطِّفْلُ .
( وَ ) صَارَ ( أَوْلَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْمُرْضِعَةِ وَالْوَاطِئِ الْمَذْكُورِ ( مِنْ الْآخَرِ أَوْ ) مِنْ ( غَيْرِهِ ) كَأَنْ تَزَوَّجَتْ الْمُرْضِعَةُ بِغَيْرِهِ فَصَارَ لَهَا مِنْهُ أَوْلَادٌ وَتَزَوَّجَ الْوَاطِئُ بِغَيْرِهَا وَصَارَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ ( فَالذُّكُورُ مِنْهُمْ يَصِيرُونَ إخْوَتَهُ ، وَالْبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ .
وَ ) يَصِيرُ ( آبَاؤُهُمَا ) أَيْ أَبَا الْمُرْضِعَةِ وَالْوَاطِئِ الْمَذْكُورِ ( أَجْدَادَهُ ) أَيْ الطِّفْلِ ( وَ ) أُمَّهَاتُهُمَا ( جَدَّاتِهِ .
وَ ) صَارَ ( أَخَوَاتُهُمَا وَإِخْوَانِهِمَا ) أَيْ إخْوَةُ الْمُرْضِعَةِ وَأَخَوَاتُهَا وَإِخْوَةُ الْوَاطِئِ وَأَخَوَاتُهُ ( أَعْمَامَهُ وَأَخْوَالَهُ
وَخَالَاتِهِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ وَالْأُبُوَّةِ .
( وَلَا تُنْشَرُ حُرْمَةُ ) رَضَاعٍ ( إلَى مَنْ بِدَرَجَةِ مُرْتَضِعٍ أَوْ فَوْقَهُ مِنْ أَخٍ وَأُخْتٍ مِنْ نَسَبٍ ) بَيَانٌ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ( وَأَبٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ وَعَمَّةٍ وَخَالٍ وَخَالَةٍ ) مِنْ نَسَبٍ بَيَانٌ لِمَنْ فَوْقَهُ ( فَتَحِلُّ مُرْضِعَةٌ لِأَبِي مُرْتَضِعٍ وَأَخِيهِ مِنْ نَسَبٍ ) إجْمَاعًا ( وَ ) تَحِلُّ ( أُمُّهُ ) أَيْ الْمُرْتَضِعِ ( وَأُخْتُهُ مِنْ نَسَبٍ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِنْ رَضَاعٍ ) إجْمَاعًا ( كَمَا يَحِلُّ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ ) مِنْ نَسَبٍ ( أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ ) مِنْ نَسَبٍ إجْمَاعًا .
( وَمَنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ حَمْلٍ مِنْ زِنًا ) طِفْلًا ( أَوْ ) أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ حَمْلٍ ( نَفْيٍ بِلِعَانٍ طِفْلًا ) فِي الْحَوْلَيْنِ ( صَارَ وَلَدًا لَهَا ) فَقَطْ فَتَثْبُتُ الْأُمُومَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْجُدُودَةِ لَهَا وَالْخُؤُولَةِ دُونَ الْأُبُوَّةِ وَفُرُوعِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّسَبِ ( وَحَرُمَ ) الطِّفْلُ إنْ كَانَ أُنْثَى ( عَلَى الْوَاطِئ تَحْرِيمَ مُصَاهَرَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ ( وَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهِ ) أَيْ الزَّانِي أَوْ الْمُلَاعِنِ .
لِحَدِيثِ " { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } " وَلَا نَسَبَ هُنَا .
( وَإِنْ أَرْضَعَتْ ) امْرَأَةٌ ( بِلَبَنِ اثْنَيْنِ وَطِئَاهَا بِشُبْهَةٍ طِفْلًا وَثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا ) أَيْ الْوَاطِئَيْنِ ( أَوْ ) ثَبَتَتْ ( أُبُوَّةُ أَحَدِهِمَا لِمَوْلُودٍ ) بِأَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ( فَالْمُرْتَضِعُ ابْنُهُمَا ) إنْ ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا ( أَوْ ابْنُ أَحَدِهِمَا ) إنْ ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّضِيعِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْمَوْلُودِ ( وَإِلَّا ) ثَبَتَتْ أُبُوَّتُهُمَا وَلَا أُبُوَّةُ أَحَدِهِمَا لِمَوْلُودٍ ( بِأَنْ مَاتَ مَوْلُودٌ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْإِلْحَاقِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا ( أَوْ فَقَدَتْ قَافَةٌ أَوْ نَفَتْهُ ) الْقَافَةُ ( عَنْهُمَا ) أَيْ الْوَاطِئَيْنِ ( أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ ) عَلَى الْقَافَةِ ( ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ ) مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَضِعِ ( فِي حَقِّهِمَا ) أَيْ الْوَاطِئَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ .
فَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَمْ تَحِلَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا لِأَوْلَادِهِمَا وَآبَائِهِمَا وَنَحْوِهِمَا تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ .
وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا حَرُمَ عَلَيْهِ بَنَاتُهُمَا وَأُمَّهَاتُهُمَا وَأَخَوَاتُهُمَا وَنَحْوَهُنَّ لِذَلِكَ .
وَظَاهِرُهُ لَا تَثْبُتُ الْمَحْرَمِيَّةَ وَلَا إبَاحَةُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ لِأَوْلَادِهِمَا وَنَحْوِهِمْ .
( وَإِنْ ثَابَ لَبَنٌ لِمَنْ ) أَيْ امْرَأَةٍ ( لَمْ تَحْمِلْ ) قَبْلَ أَنْ ثَابَ لَبَنُهَا ( وَلَوْ حَمَلَ مِثْلُهَا لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ ) نَصًّا فِي لَبَنِ الْبِكْرِ ( كَلَبَنِ رَجُلٍ وَكَذَا لَبَنُ خُنْثَى مُشْكِلٍ .
وَ ) لَبَنُ ( بَهِيمَةٍ ) فَلَا يَنْشُرُ الْمَحْرَمِيَّةَ بِلَا نِزَاعٍ فِي لَبَنِ الْبَهِيمَةِ .
فَلَوْ ارْتَضَعَ طِفْلٌ وَطِفْلَةٌ عَلَى نَحْوِ شَاةٍ لَمْ يَصِيرَا أَخَوَيْنِ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْأُخُوَّةِ فَرْعُ تَحْرِيمِ الْأُمُومَةِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْمَوْلُودِ الْآدَمِيِّ .
( وَمَنْ تَزَوَّجَ ) امْرَأَةً ذَاتَ لَبَنٍ ( أَوْ اشْتَرَى ) أَمَةً ( ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ قَبْلَهُ ) فَوَطِئَهَا ( فَزَادَ ) لَبَنُهَا ( بِوَطْئِهِ أَوْ حَمَلَتْ ) مِنْهُ ( وَلَمْ يَزِدْ ) لَبَنُهَا ( أَوْ زَادَ ) لَبَنُهَا ( قَبْلَ أَوَانِهِ فَ ) اللَّبَنُ ( لِلْأَوَّلِ ) لِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مَا يَنْقُلُهُ عَنْهُ كَصَاحِبِ الْيَدِ .
( وَ ) إنْ زَادَ لَبَنُهَا ( فِي أَوَانِهِ ) بَعْدَ حَمْلِهَا مِنْ الثَّانِي فَلَهُمَا ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَمْلَ ظَاهِرُهَا أَنَّهَا مِنْ الثَّانِي وَبَقَاءُ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي كَوْنَ أَصْلِهِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا ( وَلَوْ انْقَطَعَ ثُمَّ ثَابَ ) قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ فَعَوْدُهُ قَبْلَ الْوَضْعِ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّبَنُ الَّذِي اُرْتُضِعَ لَكِنَّهُ ثَابَ لِلْحَمْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا ( أَوْ وَلَدَتْ ) مِنْ الثَّانِي ( فَلَمْ يَزِدْ ) لَبَنُهَا ( وَلَمْ يَنْقُصْ فَ ) اللَّبَنُ ( لَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى حَالِهِ أَوْجَبَ بَقَاءَهُ عَلَى كَوْنِهِ لِلْأَوَّلِ ، وَحَاجَةُ الْوَلَدِ الثَّانِي إلَيْهِ أَوْجَبَتْ اشْتِرَاكَهُمَا فِيهِ ( فَيَصِيرُ مُرْتَضِعُهُ ابْنًا لَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا ( وَإِنْ زَادَ ) لَبَنُهَا ( بَعْدَ وَضْعٍ فَ ) هُوَ ( لِلثَّانِي وَحْدَهُ ) لِدَلَالَةِ زِيَادَتِهِ إذًا عَلَى أَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمَوْلُودِ فَامْتَنَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهِ .
وَلِلْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ شَرْطَانِ : ( أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْتَضِعَ ) الطِّفْلُ ( فِي الْعَامَيْنِ ، فَلَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا بِلَحْظَةٍ لَمْ تَثْبُتْ ) الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } فَجَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ حَوْلَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلرَّضَاعَةِ بَعْدَهُمَا وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا " { فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ : يَعْنِي فِي حَالِ الْحَاجَةِ إلَى الْغِذَاءِ وَاللَّبَنِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا " { لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ } " وَكَانَ قِبَلَ الْفِطَامِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي أَنْ يَرْتَضِعَ ) الطِّفْلُ ( خَمْسَ رَضَعَاتٍ ) فَأَكْثَرَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : " { أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَصَارَ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَالْآيَةُ فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ وَبَيَّنَتْ الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ .
وَهَذَا الْخَبَرُ يُخَصِّصُ عُمُومَ حَدِيثِ " { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } " .
( وَمَتَى امْتَصَّ ) طِفْلٌ ثَدْيًا ( ثُمَّ قَطَعَهُ ) أَيْ الْمَصَّ ( وَلَوْ ) كَانَ قَطْعُهُ لَهُ ( قَهْرًا أَوْ ) كَانَ قَطْعُهُ لَهُ ( لِتَنَفُّسٍ أَوْ ) كَانَ قَطْعُهُ لِ ( مُلْهٍ ) أَيْ مَا يُلْهِيهِ عَنْ الْمَصِّ ( أَوْ ) كَانَ قَطْعُهُ لَهُ ( لِانْتِقَالٍ ) مِنْ ثَدْيٍ ( إلَى ثَدْيٍ آخَرَ أَوْ ) مِنْ مُرْضِعَةٍ إلَى ( مُرْضِعَةٍ أُخْرَى فَ ) ذَلِكَ ( رَضْعَةٌ ) تُحْسَبُ مِنْ الْخَمْسِ .
لِأَنَّهَا مَرَّةٌ مِنْ الرَّضَاعِ ( ثُمَّ إنْ عَادَ ) الطِّفْلُ ( وَلَوْ قَرِيبًا ) بِأَنْ قَرُبَ الزَّمَنُ بَيْنَ الْمَصَّةِ الْأُولَى وَالْعَوْدِ ، فَهُمَا رَضْعَتَانِ ( ثِنْتَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَصَّةَ الْأُولَى زَالَ حُكْمُهَا بِتَرْكِ الِارْتِضَاعِ .
فَإِذَا عَادَ فَامْتَصَّ فَهِيَ غَيْرُ الْأُولَى ( وَسَعُوطٌ فِي أَنْفٍ وَوَجُورٌ فِي فَمٍ كَرَضَاعٍ ) فِي تَحْرِيمٍ .
لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { إلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِوُصُولِ اللَّبَنِ بِذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ .
كَوُصُولِهِ بِالِارْتِضَاعِ وَحُصُولِ إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ بِهِ كَمَا يَتَحَصَّلُ بِالرَّضَاعِ ، وَالْأَنْفُ سَبِيلٌ لِفِطْرِ الصَّائِمِ فَكَانَ سَبِيلًا لِلتَّحْرِيمِ كَالرَّضَاعِ بِالْفَمِ .
( وَيُحَرِّمُ مَا جَبَنَ ) مِنْ لَبَنٍ ثَابَ عَنْ حَمْلٍ ثُمَّ أُطْعِمَ لِلطِّفْلِ ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ مِنْ حَلْقٍ يَحْصُلُ بِهِ انْتِشَارُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ .
فَحَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا لَوْ شَرِبَهُ ( أَوْ شِيبَ ) أَيْ خُلِطَ بِغَيْرِهِ [ وَصِفَاتُهُ ] أَيْ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ [ بَاقِيَةٌ ] فَيُحَرِّمُ كَالْخَالِصِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ ، وَلِبَقَاءِ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ .
فَإِنْ غَلَبَ مَا خَالَطَهُ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمٌ .
لِأَنَّهُ لَا يَنْبُتُ بِهِ اللَّحْمُ وَلَا يُنْشِرُ الْعَظْمُ ( أَوْ حُلِبَ مِنْ مَيْتَةٍ ) فَيُحَرِّمُ كَلَبَنِ الْحَيَّةِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي إنْبَاتِ اللَّحْمِ وانتشاز الْعَظْمِ ( وَيَحْنَثُ بِهِ ) أَيْ شُرْبِ لَبَنٍ مَشُوبٍ مَعَ بَقَاءِ صِفَاتِهِ وَشُرْبِ لَبَنِ مَيْتَةٍ ( مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَبَنٌ .
وَ ( لَا ) تُحَرِّمُ ( حُقْنَةُ ) طِفْلٍ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ وَلَوْ خَمْسَ مَرَّاتٍ .
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَضَاعٍ ، وَلَا يَحْصُلُ بِهَا تَغَذٍّ ( وَلَا ) أَثَرَ ( لِ ) لَبَنٍ ( وَاصِلٍ جَوْفًا لَا يُغَذِّي ) لِوُصُولِهِ فِيهِ ( كَمَثَانَةٍ وَذَكَرٍ ) وَجَائِفَةٍ .
لِأَنَّهُ لَا يُنْشِرُ الْعَظْمَ وَلَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَفَارَقَ فِطْرَ الصَّائِمِ .
لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ .
( وَمَنْ أُرْضِعَ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ ) أَوْ أَرْبَعُ زَوْجَاتِهِ وَأُمُّ وَلَدِهِ أَوْ ثَلَاثُ زَوْجَاتِهِ وَإِمَاءُ وَلَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ( بِلَبَنِ زَوْجَةٍ لَهُ ) أَيْ صَاحِبِ اللَّبَنِ ( صُغْرَى ) لَمْ يَتِمَّ لَهَا عَامَانِ أَرْضَعَتْهَا ( كُلُّ وَاحِدَةٍ ) مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَوْ مِنْهُنَّ ، وَمِنْ زَوْجَاتِهِ ( رَضْعَةً ) ( حَرُمَتْ ) عَلَى زَوْجِهَا أَبَدًا ( لِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ ) ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ رَضَعَاتٍ مِنْ لَبَنِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْضَعَتْهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ الْخَمْسَ ( وَلَا ) تُحَرَّمُ عَلَيْهِ ( أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ ) إذْ لَمْ تُرْضِعْهَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَلَمْ تَكُنْ أُمًّا لِزَوْجَتِهِ .
( وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَاتُ بَنَاتِهِ ) أَيْ رَجُلٍ وَاحِدٍ ( أَوْ بَنَاتِ زَوْجَتِهِ ) وَأَرْضَعْنَ طِفْلًا أَوْ طِفْلَةَ زَوْجَةٍ لِأَبِيهِنَّ أَوَلَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً ( فَلَا أُمُومَةَ ) لِوَاحِدَةٍ مِنْ الْمُرْضِعَاتِ .
لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْ خَمْسًا ( وَلَا يَصِيرُ أَبُو الْمُرْضِعَاتِ جَدًّا ) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ .
لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ ( وَلَا ) تَصِيرُ ( زَوْجَتُهُ ) أُمَّ الْمُرْضِعَاتِ ( جَدَّةً ) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ ( وَلَا ) تَصِيرُ ( إخْوَةُ الْمُرْضِعَاتِ أَخْوَالًا ) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةَ ( وَلَا ) تَصِيرُ ( أَخَوَاتُهُنَّ ) أَيْ الْمُرْضِعَاتِ ( خَالَاتٍ ) لِلطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ فُرُوعُ الْأُمُومَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ ( وَمَنْ ) أَيْ رَجُلٌ ( أَرْضَعَتْ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجَةُ ابْنِهِ طِفْلَةً ) أَيْ أَرْضَعَتْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ( رَضْعَةً رَضْعَةً لَمْ تُحَرَّمْ ) الطِّفْلَةُ ( عَلَيْهِ ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ أُمُومَةِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ .
( وَمَنْ ) ( أَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا مِنْ زَوْجٍ طِفْلًا ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ انْقَطَعَ ) لَبَنُهَا ( ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ ) أَيْ الطِّفْلَ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ أَوَّلًا ( بِلَبَنِ زَوْجٍ آخَرَ ) غَيْرِ الْأَوَّلِ ( رَضْعَتَيْنِ ) فِي الْعَامَيْنِ ( ثَبَتَتْ الْأُمُومَةُ ) لِإِرْضَاعِهَا لَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ( لَا الْأُبُوَّةُ ) فَلَمْ تَثْبُتْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُ الرَّضَعَاتِ مِنْ لَبَنِهِ ( وَلَا يَحِلُّ مُرْتَضِعٌ لَوْ كَانَ أُنْثَى لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ قَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا .
( وَمَنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ بِرَضِيعٍ حُرٍّ لَمْ يَصِحَّ ) التَّزْوِيجُ .
لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ خَوْفُ الْعَنَتِ ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الطِّفْلِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ لِلْخِدْمَةِ وَلَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ ( فَلَوْ أَرْضَعَتْهُ ) أَيْ الْحُرَّ الصَّغِيرَ ( بِلَبَنِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( لَمْ تَحْرُمْ عَلَى السَّيِّدِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ حَقِيقَةً ( فَإِنْ زَوَّجَهَا بِرَقِيقٍ رَضِيعٍ أَوْ حُرٍّ رَضِيعٍ عَادِمِ الطَّوْلِ خَائِفِ عَنَتِ الْعُزُوبَةِ ) لِلْخِدْمَةِ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ سَيِّدِهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا وَيَأْتِي .
وَمَنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَ تَزَوَّجَ ( صَغِيرَةً فَأَكْثَرَ فَأَرْضَعَتْ ) ذَاتُ لَبَنٍ ( وَهِيَ زَوْجَةٌ أَوْ بَعْدَ إبَانَةِ ) زَوْجِهَا لَهَا ( صَغِيرَةً ) مِمَّنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي الْعَامَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ .
( حُرِّمَتْ ) عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ ( أَبَدًا ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ .
فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِ تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } ( وَبَقِيَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا .
وَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ تَمَامِ الرَّضَاعِ .
فَلَمْ يَجْتَمِعَا كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَى أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ وَأَيْضًا الْجَمْعُ طَرَأَ عَلَى نِكَاحِ الْأُمِّ فَاخْتَصَّ الْفَسْخُ بِنِكَاحِ الْأُمِّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ ( حَتَّى تَرْضَعَ ) الْكَبِيرَةُ ( ثَانِيَةً ) مِنْ الزَّوْجَاتِ الْأَصَاغِرِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ( فَيَنْفَسِخَ نِكَاحُهُمَا ) أَيْ الصَّغِيرَتَيْنِ لِاجْتِمَاعِ أُخْتَيْنِ فِي نِكَاحِهِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْأُخْرَى فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا ( كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا ) أَيْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ أَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ ثَدْيٍ أَوْ حَلَبَ مَاءَيْنِ وَسَقَى لَهُمَا مَعًا ( وَإِنْ أَرْضَعَتْ ) الْكَبِيرَةُ ( ثَلَاثًا ) مِنْ زَوْجَاتِهِ الْأَصَاغِرِ ( مُفْرَدَاتٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ مَعًا وَالثَّالِثَةُ مُنْفَرِدَةً انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَيَيْنِ ) لِمَا سَبَقَ ( وَبَقِيَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ ) لِانْفِسَاخِ نِكَاحِ الْأُولَيَيْنِ قَبْلَ إرْضَاعِهِمَا فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا حِينَ إرْضَاعِهَا أَحَدٌ ( وَإِنْ أَرْضَعَتْ ) الْكُبْرَى زَوْجَاتِهِ الْأَصَاغِرَ ( الثَّلَاثَ مَعًا بِأَنْ شَرِبْنَهُ مَحْلُوبًا مَعًا مِنْ أَوْعِيَةٍ ) أَوْ أَرْضَعَتْ ( إحْدَاهُنَّ مُنْفَرِدَةً ثُمَّ ) أَرْضَعَتْ ( ثِنْتَيْنِ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ ) لِاجْتِمَاعِهِنَّ فِي نِكَاحِهِ أَخَوَاتٍ ( ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ) وَاحِدَةً ( مِنْ الْأَصَاغِرِ ) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ تَحْرِيمُ جَمْعٍ لَا تَأْبِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ
بِأُمِّهِنَّ ( وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى حُرِّمَ الْكُلُّ ) عَلَيْهِ ( عَلَى الْأَبَدِ ) ؛ لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُ دَخَلَ بِأُمِّهِنَّ وَ ( لَا ) تَحْرُمُ ( الْأَصَاغِرُ ) عَلَى الْأَبَدِ ( إنْ ارْتَضَعْنَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ بِرَبَائِبَ لَكِنْ مَتَى اجْتَمَعَ فِي نِكَاحِهِ أُخْتَانِ فَأَكْثَرَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ( وَمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ امْرَأَةٍ ) مِنْ نَسَبٍ وَمِثْلُهَا مِنْ الرَّضَاعِ ( كَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَأُخْتِهِ وَ ) بِنْتِ أَخِيهِ وَبِنْتِ أُخْتِهِ أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ ( كَرَبِيبَتِهِ ) الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا ( إذَا أَرْضَعَتْ طِفْلَةً ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا ( حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ أَبَدًا ) كَبِنْتِهَا مِنْ نَسَبٍ ( وَمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ رَجُلٍ كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ إذَا أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ ) أَوْ أُمُّهُ أَوْ مَوْطُوءَته بِشُبْهَةٍ ( بِلَبَنِهِ طِفْلَةً ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا ( حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ ) أَبَدًا لِحَدِيثِ " { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } " .
( وَيَنْفَسِخُ فِيهِمَا ) أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ ( النِّكَاحُ إنْ كَانَتْ ) الطِّفْلَةُ ( زَوْجَةً ) فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِ غَيْرِهِ لَمْ تَحْرُمْ ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ زَوْجِهَا وَإِنْ أَرْضَعَتْ عَمَّتُهُ أَوْ خَالَتُهُ بِنْتًا لَمْ تُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ خَالَتِهِ فَأَرْضَعَتْ جَدَّتُهُمَا إحْدَاهُمَا رَضَاعًا مُحَرِّمًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ أَبَدًا .
( وَمَنْ لِامْرَأَتِهِ ثَلَاثُ بَنَاتٍ مِنْ غَيْرِهِ فَأَرْضَعْنَ ) أَيْ بَنَاتُهَا ( ثَلَاثَ نِسْوَةٍ لَهُ ) أَيْ زَوْجِ أُمِّهِنَّ ( كُلُّ وَاحِدَةٍ ) مِنْ رَبَائِبِهِ أَرْضَعَتْ ( وَاحِدَةً إرْضَاعًا كَامِلًا ) فِي الْعَامَيْنِ ( وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى ) أُمِّ الرَّبَائِبِ ( حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ) الْكُبْرَى أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ جَدَّاتِ نِسَائِهِ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } ( وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّغَارِ ) الْمُرْتَضِعَاتِ ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَلَسْنَ أَخَوَاتٍ بَلْ بَنَاتِ خَالَاتٍ .
( وَإِنْ أَرْضَعْنَ ) أَيْ ثَلَاثُ بَنَاتٍ زَوْجَتَهُ ( وَاحِدَةً ) مِنْ نِسَائِهِ ( كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ) أَرْضَعَتْهَا ( رَضْعَتَيْنِ حُرِّمَتْ الْكُبْرَى ) ؛ لِأَنَّهَا جَدَّةُ امْرَأَتِهِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَةَ أُرْضِعَتْ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي نَشَرَ الْحُرْمَةَ إلَيْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُ مِنْ بِنْتٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِجَمْعٍ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لَا تَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَمْ تَثْبُتْ وَالْجُدُودَةُ فَرْعُهَا وَصَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ .
( وَإِذَا طَلَّقَ ) رَجُلٌ ( زَوْجَةً لَهَا لَبَنٌ مِنْهُ فَتَزَوَّجَتْ بِصَبِيٍّ ) لَمْ يَتِمَّ لَهُ حَوْلَانِ ( فَأَرْضَعَتْهُ ) أَيْ الصَّبِيَّ ( بِلَبَنِهِ ) أَيْ الْمُطَلِّقِ ( إرْضَاعًا كَامِلًا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا ) مِنْ الصَّبِيِّ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ ( وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) حُرِّمَتْ ( عَلَى ) الزَّوْجِ ( الْأَوَّلِ أَبَدًا ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ ( وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الصَّبِيَّ أَوَّلًا ) أَيْ قَبْلَ الرَّجُلِ ( ثُمَّ فَسَخْت نِكَاحَهُ ) أَيْ الصَّبِيِّ ( لِمُقْتَضٍ ) لِفَسْخِهِ كَإِعْسَارِهِ ( ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ) رَجُلًا ( كَبِيرًا فَصَارَ لَهَا ) بِحَمْلِهَا ( مِنْهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ الصَّبِيَّ ) حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي هِيَ زَوْجَتُهُ فَلِصَيْرُورَتِهَا مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ .
وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهَا أُمُّهُ ( أَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ أَمَتَهٌ بِعَبْدٍ لَهُ رَضِيعٍ ثُمَّ عَتَقَتْ ) الْأَمَةُ ( فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ ) أَيْ زَوْجِهَا الْعَبْدِ الرَّضِيعِ ( ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِمَنْ أَوْلَدَهَا فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ ) فِي الْعَامَيْنِ ( حُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا ) لِمَا تَقَدَّمَ .
وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ ( وَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً بِأَنْ تَدِبَّ ) الطِّفْلَةُ ( فَتَرْتَضِعَ ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا لَهَا عَلَى زَوْجِهَا ( مِنْ ) امْرَأَةٍ ( نَائِمَةٍ أَوْ ) مِنْ ( مُغْمًى عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجِ فِي الْفَسْخِ فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ ( وَلَا يَسْقُطُ ) الْمَهْرُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ بِوَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُقَرِّرُهُ لِتَقَرُّرِهِ ( وَإِنْ أَفْسَدَهُ ) أَيْ النِّكَاحَ ( غَيْرُهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الزَّوْجَ ( قَبْلَ دُخُولٍ نِصْفُهُ ) أَيْ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهَا فِي الْفَسْخِ أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا ( وَ ) يَلْزَمُهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ ( كُلُّهُ ) أَيْ الْمَهْرِ لِتَقَرُّرِهِ ( وَيَرْجِعُ ) زَوْجٌ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ مَهْرٍ أَوْ نِصْفٍ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِيمَا إذَا أَفْسَدَ الْغَيْرُ النِّكَاحَ قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ ( عَلَى مُفْسِدٍ ) لِنِكَاحِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَغْرَمَهُ الْمَالَ الَّذِي بَذَلَهُ فِي نَظِيرِ الْبُضْعِ بِإِتْلَافِهِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْهُ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا ( وَلَهَا ) أَيْ الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا بِالرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِهَا ( الْأَخْذُ مِنْ الْمُفْسِدِ ) لِنِكَاحِهَا مَا وَجَبَ لَهَا نَصًّا ؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَيُوَزَّعُ ) مَا لَزِمَ زَوْجًا ( مَعَ تَعَدُّدِ مُفْسِدٍ ) لِنِكَاحٍ ( عَلَى ) عَدَدِ ( رَضَعَاتِهِنَّ الْمُحَرِّمَةِ لَا عَلَى ) عَدَدِ ( رُءُوسِهِنَّ ) أَيْ الْمُرْضِعَاتِ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ اشْتَرَكْنَ فِيهِ فَلَزِمَهُنَّ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلٌّ مِنْهُنَّ كَإِتْلَافِهِنَّ عَيْنًا مُتَفَاوِتَاتٍ فِيهَا ( فَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى ) رَضَاعًا مُحَرِّمًا ( وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا ) بِأَنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى ) لِإِفْسَادِهَا نِكَاحَهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا ( وَلَمْ يَسْقُطْ مَهْرُ الْكُبْرَى
) لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ .
( وَإِنْ كَانَتْ الصُّغْرَى دَبَّتْ ) إلَى الْكُبْرَى ( فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا ) خَمْسًا ( وَهِيَ نَائِمَةٌ ) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا ( فَلَا مَهْرَ لِلصُّغْرَى ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا ( وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا ) أَيْ الصُّغْرَى أَيْ فِي مَالِهَا ( بِمَهْرِ الْكُبْرَى ) كُلِّهِ ( إنْ دَخَلَ بِهَا ) أَيْ الْكُبْرَى لِمَا تَقَدَّمَ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ دَخَلَ بِالْكُبْرَى ( فَبِنِصْفِهِ ) أَيْ مَهْرِ الْكُبْرَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصُّغْرَى ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا تَحْرُمُ الصُّغْرَى حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكُبْرَى وَإِنْ ارْتَضَعَتْ الصُّغْرَى مِنْ الْكُبْرَى وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا رَضْعَتَيْنِ وَلَمَّا انْتَهَتْ أَرْضَعَتْهَا أَيْضًا ثَلَاثًا قَسَّطَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ فِعْلِهِمَا لِحُصُولِ الْفَسَادِ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْكَبِيرَةِ وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَعَلَيْهِ خُمْسُ مَهْرِهَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ .
( وَمَنْ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ فَأَرْضَعْنَ لَهُ زَوْجَةً صُغْرَى ) أَرْضَعَتْهَا ( كُلُّ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُنَّ ( رَضْعَتَيْنِ لَمْ تَحْرُمْ الْمُرْضِعَاتُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا أُمُومَةَ لِإِحْدَاهُنَّ عَلَيْهَا ( حُرِّمَتْ الصُّغْرَى ) عَلَيْهِ أَبَدًا .
لِأَنَّهَا بِنْتُهُ لِارْتِضَاعِهَا مِنْ لَبَنِهِ خَمْسًا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( نِصْفُ مَهْرِهَا ) أَيْ الصُّغْرَى ( يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِنَّ ) أَيْ نِسَائِهِ الثَّلَاثِ ( أَخْمَاسًا ) ؛ لِأَنَّ الرَّضَعَاتِ الْمُحَرِّمَةَ خَمْسٌ ( خُمْسَاهُ عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْ مَرَّتَيْنِ ) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُرْضِعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ خُمْسَا النِّصْفِ لِوُجُودِ رَضْعَتَيْنِ مُحَرِّمَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَخُمْسُهُ ) أَيْ النِّصْفِ ( عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْ مَرَّةً ) وَهِيَ الثَّالِثَةُ لِحُصُولِ التَّحْرِيمِ بِإِرْضَاعِهَا مَرَّةً ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ الْخَمْسِ فَلَا أَثَرَ لِلسَّادِسَةِ .
وَإِنْ شَكَّ فِي وُجُودِ رَضَاعٍ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ( أَوْ ) شَكَّ فِي ( عَدَدِهِ ) أَيْ الرَّضَاعِ ( بَنَى عَلَى الْيَقِينِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحِلِّ .
وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فِي الْعَامَيْنِ ( وَإِنْ شَهِدَتْ بِهِ ) أَيْ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ ( امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ ثَبَتَ ) عَلَى الْأَصَحِّ بِشَهَادَتِهَا مُتَبَرِّعَةً بِالرَّضَاعِ كَانَتْ أَوْ بِأُجْرَةٍ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ " { تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا : فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ ؟ } .
" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ " { فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْتُ : إنَّهَا كَاذِبَةٌ فَقَالَ : فَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْكُمَا ؟ خَلِّ سَبِيلَهَا } .
" وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : كَانَتْ الْقُضَاةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَكَالْوِلَادَةِ .
( وَمَنْ تَزَوَّجَ ) امْرَأَةً ( ثُمَّ قَالَ : هِيَ أُخْتِي فِي الرَّضَاعِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ حُكْمًا ) لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ .
كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبَانَهَا .
( وَ ) انْفَسَخَ أَيْضًا ( فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ صَادِقًا ) أَيْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ صَادِقًا ( فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ كَذِبَهُ لَا يُحَرِّمُهَا ، وَالْمُحَرِّمُ حَقِيقَةً الرَّضَاعُ لَا الْقَوْلُ ( وَلَهَا ) أَيْ الَّتِي أَقَرَّ زَوْجُهَا أَنَّهَا أُخْتُهُ ( الْمَهْرُ ) إنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّتِهَا ( بَعْدَ الدُّخُولِ ) بِهَا ( وَلَوْ صَدَّقَتْهُ ) أَنَّهُ أَخُوهَا بِمَا نَالَ مِنْهَا ( مَا لَمْ تُطَاوِعْهُ ) الْحُرَّةُ عَلَى الْوَطْءِ ( عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ ) فَلَا مَهْرَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ ( وَيَسْقُطُ ) مَهْرُهَا إنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّتِهَا ( قَبْلَهُ ) أَيْ الدُّخُولِ ( إنْ صَدَّقَتْهُ ) وَهِيَ حُرَّةٌ عَلَى إقْرَارِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ أَكَذَبَتْهُ فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا .
( وَإِنْ قَالَتْ هِيَ ذَلِكَ ) أَيْ هُوَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ ( وَأَكْذَبَهَا فَهِيَ زَوْجَتُهُ حُكْمًا ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِإِقْرَارِهَا بِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ وَبَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنْ أَقَرَّتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَطَاوَعَتْهُ فِي الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ لِإِقْرَارِهَا بِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ وَإِنْ أَنْكَرَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ عَلَى زَعْمِهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ظَاهِرًا فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِنْ عَلِمَتْ مَا أَقَرَّتْ بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا مُسَاكَنَتُهُ وَلَا تَمْكِينُهُ مِنْ وَطْئِهَا
وَعَلَيْهَا أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ وَتَفْتَدِيَ بِمَا أَمْكَنَهَا ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ لَهَا زِنًا فَعَلَيْهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهَا كَمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَقَلَّ الْمَهْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ .
( وَإِنْ قَالَ ) عَنْ زَوْجَتِهِ ( هِيَ ابْنَتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ) أَيْ احْتِمَالَ كَوْنِهَا بِنْتَهُ كَأَنْ كَانَتْ قَدْرَهُ فِي السِّنِّ أَوْ أَكْبَرَ ( لَمْ تَحْرُمْ ) عَلَيْهِ ( لِتَيَقُّنِ كَذِبِهِ ) بِعَدَمِ احْتِمَالِ صِدْقِهِ ( وَإِنْ اُحْتُمِلَ ) صِدْقُهُ فِي أَنَّهَا ابْنَتُهُ بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ ( فَكَمَا لَوْ قَالَ هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ ) عَلَى مَا مَرَّ مُفَصَّلًا ( وَلَوْ ادَّعَى ) مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمَا بِمَا يُؤَاخَذُ بِهِ ( بَعْدَ ذَلِكَ خَطَأً لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقٍّ عَلَيْهِ ( كَقَوْلِهِ ذَلِكَ ) أَيْ هِيَ أُخْتِي ( لِأَمَتِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ( وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ اثْنَيْنِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ( ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ ) بِأَنْ قَالَ هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ قَالَتْ هُوَ أَخِي مِنْهُ ثُمَّ قَالَ أَوْ قَالَتْ كَذَبْت ( لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ ) عَنْ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ( ظَاهِرًا ) فَلَا يُمَكَّنَانِ مِنْ النِّكَاحِ وَإِنْ تَنَاكَحَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأَنْكَرَ وَاعْتَرَفَ بِالْبَيْنُونَةِ فَلَا يُمَكَّنَانِ مِنْ النِّكَاحِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ تَنَاكَحَا .
( وَمَنْ ادَّعَى أُخُوَّةَ أَجْنَبِيَّةٍ ) غَيْرِ زَوْجَتِهِ ( أَوْ ) ادَّعَى ( بُنُوَّتَهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَكَذَّبَتْهُ قُبِلَتْ شَهَادَةُ أُمِّهَا ) مِنْ نَسَبٍ .
( وَ ) شَهَادَةُ ( بِنْتِهَا مِنْ نَسَبٍ بِذَلِكَ ) عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مَرْضِيَّةً وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا وَ ( لَا ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ ( أُمِّهِ وَلَا ) شَهَادَةُ ( بِنْتِهِ ) مِنْ نَسَبٍ عَلَيْهَا كَسَائِرِ شَهَادَاتِ الْأَصْلِ وَالْفُرُوعِ لِوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ ( وَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ هِيَ ) بِأَنْ قَالَتْ فُلَانٌ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أَبِي أَوْ ابْنِي مِنْهُ وَسِنُّهَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ( وَكَذَّبَهَا ) فُلَانٌ ( فَبِالْعَكْسِ ) فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ مِنْ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَا أُمِّهَا وَبِنْتِهَا لِمَا سَبَقَ ( وَلَوْ ادَّعَتْ أَمَةٌ أُخُوَّةَ ) سَيِّدِهَا لَهَا ( بَعْدَ وَطْئِهِ ) لَهَا مُطَاوَعَةً ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهَا مُطْلَقًا لِدَلَالَةِ تَمْكِينِهَا عَلَى كَذِبِهَا .
( وَ ) إنْ ادَّعَتْ أُخُوَّةَ سَيِّدِهَا ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ وَطْئِهِ لَهَا مُطَاوَعَةً ( يُقْبَلُ ) قَوْلُهَا ( فِي تَحْرِيمِ وَطْءٍ ) كَدَعْوَاهَا أَنَّهَا مُزَوَّجَةٌ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا وَ ( لَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ( ثُبُوتِ عِتْقٍ ) لِدَعْوَاهَا زَوَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَعْتَقَنِي .
( وَكُرِهَ اسْتِرْضَاعُ فَاجِرَةٍ وَمُشْرِكَةٍ وَحَمْقَاءَ وَسَيِّئَةِ الْخُلُقِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ .
( وَ ) كُرِهَ اسْتِرْضَاعُ ( جَذْمَاءَ وَبَرْصَاءَ ) قُلْتُ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُخَافُ تَعَدِّيهِ .
وَفِي الْمُحَرَّرِ وَبَهِيمَةٍ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَعَمْيَاءَ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ وَزِنْجِيَّةٍ .
النَّفَقَاتُ جَمْعُ نَفَقَةٍ ( وَهِيَ ) لُغَةً الدَّرَاهِمُ وَنَحْوَهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ النَّافِقَاءِ مَوْضِعٌ يَجْعَلُهُ الْيَرْبُوعُ فِي مُؤَخَّرِ الْجُحْرِ رَقِيقًا يُعِدُّهُ لِلْخُرُوجِ إذَا أَتَى مِنْ بَابِ الْجُحْرِ دَفَعَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ النِّفَاقُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِيمَانِ أَوْ خُرُوجِ الْإِيمَانِ مِنْ الْقَلْبِ .
وَشَرْعًا ( كِفَايَةُ مَنْ يَمُونُهُ خُبْزًا وَإِدَامًا وَكِسْوَةً وَسَكَنًا وَتَوَابِعَهَا ) كَمَاءِ شُرْبٍ وَطَهَارَةٍ وَإِعْفَافِ مَنْ يَجِبُ إعْفَافُهُ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَالْقَصْدُ هُنَا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ النَّفَقَةِ بِالنِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ .
( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى زَوْجٍ مَا لَا غِنَى لِزَوْجَتِهِ عَنْهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } الْآيَةَ وَهِيَ فِي سِيَاقِ أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ فَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْمُوسِعِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَيْ ضُيِّقَ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ .
وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " { اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ نَاشِزًا ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( مُعْتَدَّةً مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ غَيْرَ مُطَاوِعَةٍ ) لِوَاطِئٍ ؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنْ طَاوَعَتْ عَالِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النَّاشِزِ ( مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى بِالْمَعْرُوفِ ) بَيَانٌ لِمَا لَا غِنَى عَنْهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ .
( وَيَعْتَبِرُ حَاكِمٌ ذَلِكَ إنْ تَنَازَعَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ ( بِحَالِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ لِلزَّوْجَةِ فَكَانَ النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ بِحَالِهَا كَالْمَهْرِ ، لَكِنْ قَالَ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } الْآيَةَ .
فَأَمَرَ الْمُوسِرَ بِالسَّعَةِ فِي النَّفَقَةِ وَرَدَّ الْفَقِيرَ إلَى اسْتِطَاعَتِهِ فَاعْتُبِرَ حَالُ الزَّوْجَيْنِ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِكِلَا الْجَانِبَيْنِ وَلِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ رَجَعَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ ( فَيَفْرِضُ ) الْحَاكِمُ ( لِمُوسِرَةٍ مَعَ مُوسِرٍ كِفَايَتَهَا خُبْزًا خَاصًّا بِأُدْمِهِ الْمُعْتَادِ لِمِثْلِهَا ) أَيْ الْمُوسِرَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ ( وَ ) يَفْرِضُ لَهَا ( لَحْمًا ) وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طَبْخِهِ ( عَادَةَ الْمُوسِرِينَ بِمَحِلِّهِمَا ) أَيْ بَلَدِ الزَّوْجَيْنِ لِاخْتِلَافِهِ بِحَسَبِ الْمَوَاضِعِ ( وَتُنْقَلُ ) زَوْجَةٌ ( مُتَبَرِّمَةٌ مِنْ ) أُدْمٍ إلَى أُدْمٍ ( غَيْرِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ ( وَلَا بُدَّ مِنْ مَاعُونِ الدَّارِ ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَيَكْتَفِي بِ ) مَاعُونِ ( خَزَفٍ وَخَشَبٍ ، وَالْعَدْلُ مَا يَلِيقُ بِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ .
( وَ ) يَفْرِضُ حَاكِمٌ لِمُوسِرَةٍ مِنْ الْكِسْوَةِ ( مَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا مِنْ حَرِيرٍ وَخَزٍّ وَجَيِّدِ كَتَّانٍ وَ ) جَيِّدِ ( قُطْنٍ ) عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهَا مِنْ الْمُوسِرَاتِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ
( وَأَقَلُّهُ ) أَيْ مَا يُفْرَضُ مِنْ الْكِسْوَةِ ( قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَطَرْحَةٌ وَمِقْنَعَةٌ وَمَدَاسٌ وَجُبَّةٌ ) أَيْ مُضَرَّبَةٌ ( لِلشِّتَاءِ وَ ) أَقَلُّ مَا يُفْرَضُ ( لِلنَّوْمِ فِرَاشٌ وَلِحَافٌ وَمِخَدَّةٌ ) وَإِزَارٌ فِي مَحِلٍّ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالنَّوْمِ فِيهِ كَأَرْضِ الْحِجَازِ ( وَ ) أَقَلُّ مَا يُفْرَضُ ( لِلْجُلُوسِ بِسَاطٌ وَرَفِيعُ الْحُصْرِ وَ ) يَفْرِضُ حَاكِمٌ ( لِفَقِيرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ كِفَايَتَهَا خُبْزًا خُشْكَارًا بِأُدْمِهِ وَزَيْتَ مِصْبَاحٍ وَلَحْمَ الْعَادَةِ ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُقْطِعُهَا اللَّحْمَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنْ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ " قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : يَعْنِي إذَا أُكْثِرَ مِنْهُ وَمِنْهُ كُلُّ كَلْبٍ ضَارٍ ( وَ ) يُفْرَضُ لِفَقِيرَةٍ مِنْ كِسْوَةٍ ( مَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا وَيَنَامُ فِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ وَ ) يُفْرَضُ ( لِمُتَوَسِّطَةٍ مَعَ مُتَوَسِّطٍ وَمُوسِرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ وَعَكْسِهَا ) أَيْ مُعْسِرَةٍ مَعَ مُوسِرٍ ( مَا بَيْنَ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِحَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَعْلَى لِمُوسِرَةٍ تَحْتَ فَقِيرٍ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِتَكْلِيفِهِ مَا لَا يَسَعُهُ حَالُهُ وَإِيجَابُ الْأَدْنَى ضَرَرًا عَلَيْهَا فَالتَّوَسُّطُ أَوْلَى ، وَإِيجَابُ الْأَعْلَى لِفَقِيرَةٍ تَحْتَ مُوسِرٍ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَالُهَا وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ سَعَتِهِ فَالتَّوَسُّطُ أَوْلَى ( وَمُوسِرٌ نِصْفُهُ حُرٌّ ) فِي ذَلِكَ ( كَمُتَوَسِّطَيْنِ ) فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ( وَمُعْسِرٍ كَذَلِكَ ) أَيْ نِصْفِ حُرٍّ ( كَ ) زَوْجَيْنِ ( مُعْسِرَيْنِ ) فِي النَّفَقَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ ( مُؤْنَةُ نَظَافَتِهَا مِنْ دُهْنٍ وَسِدْرٍ وَثَمَنِ مَاءٍ وَ ) ثَمَنِ ( مُشْطٍ وَأُجْرَةِ قَيِّمَةٍ ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الَّتِي تَغْسِلُ شَعْرَهَا وَتُسَرِّحُهُ وَتُظَفِّرُهُ ( وَنَحْوَهُ ) كَكَنْسِ الدَّارِ وَتَنْظِيفِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ
حَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ
وَ ( لَا ) يَلْزَمُهُ ( دَوَاءٌ وَ ) لَا ( أُجْرَةُ طَبِيبٍ ) إنْ مَرِضَتْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حَاجَتِهَا الضَّرُورِيَّةِ الْمُعْتَادَةِ بَلْ لِعَارِضٍ فَلَا يَلْزَمُهُ ( وَكَذَا لَا ) يَلْزَمُهُ ( ثَمَنُ طِيبٍ وَحِنَّاءٍ وَخِضَابٍ وَنَحْوِهِ ) كَثَمَنِ مَا يُحَمَّرُ بِهِ وَجْهٌ أَوْ يُسَوَّدُ بِهِ شَعْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ ( وَإِنْ أَرَادَ مِنْهَا تَزْيِينًا بِهِ ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ ( أَوْ ) أَرَادَ مِنْهَا ( قَطْعَ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَأَتَى بِهِ ) أَيْ بِمَا يُرِيدُ مِنْهَا التَّزَيُّنَ بِهِ أَوْ بِمَا يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ ( لَزِمَهَا ) اسْتِعْمَالُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ لِزَوْجَتِهِ خُفٌّ وَلَا مِلْحَفَةٌ لِلْخُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَاجَتِهَا الضَّرُورِيَّةِ الْمُعْتَادَةِ ( وَعَلَيْهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( تَرْكُ حِنَّاءٍ وَزِينَةٍ نَهَى عَنْهُمَا ) أَيْ الزَّوْجُ .
ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( لِمَنْ ) أَيْ لِزَوْجَتِهِ ( بِلَا خَادِمٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( وَيُخْدَمُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( مِثْلُهَا ) لِيَسَارٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ .
( وَلَوْ ) كَانَ احْتِيَاجُهَا إلَيْهِ ( لِمَرَضٍ خَادِمٍ وَاحِدٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَمِنْ الْمَعْرُوفِ إقَامَةُ الْخَادِمِ لَهَا إذَنْ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَاجَتِهَا كَالنَّفَقَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ خِدْمَتُهَا فِي نَفْسِهَا ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْوَاحِدِ ( وَيَجُوزَ ) كَوْنُ الْخَادِمِ امْرَأَةً ( كِتَابِيَّةً ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُهُ إلَيْهَا .
قُلْتُ : وَكَذَا مَجُوسِيَّةٌ وَوَثَنِيَّةٌ وَنَحْوَهُمَا ( وَتُلْزَمُ ) الزَّوْجَةُ ( بِقَبُولِهَا ) أَيْ الْخَادِمِ الْكَافِرَةِ .
؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْخَادِمِ لِلزَّوْجِ ( وَنَفَقَتُهُ ) أَيْ الْخَادِمِ ( وَكِسْوَتُهُ ) عَلَى الزَّوْجِ ( كَفَقِيرَيْنِ ) أَيْ كَنَفَقَةِ فَقِيرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ ( مَعَ خُفٍّ وَمِلْحَفَةٍ ) لِلْخَادِمِ ( لِحَاجَةِ خُرُوجٍ وَلَوْ أَنَّهُ ) أَيْ الْخَادِمَ ( لَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( إلَّا فِي نَظَافَةٍ ) فَلَا يَجِبُ لِلْخَادِمِ دُهْنٌ وَلَا سِدْرٌ وَلَا
مُشْطٌ وَنَحْوَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَالتَّنْظِيفِ ، وَلَا يُرَادُ ذَلِكَ مِنْ الْخَادِمِ ( وَنَفَقَةُ ) خَادِمٍ ( مُكْرًى وَ ) خَادِمٍ ( مُعَارٍ عَلَى مُكْرٍ وَمُعِيرٍ ) لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ ، وَالْمُعِيرُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ بِإِعَارَتِهِ ( وَتَعْيِينُ خَادِمٍ لَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( إلَيْهِمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ رَضِيَا بِخِدْمَتِهِ وَأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الزَّوْجِ جَازَ وَإِنْ طَلَبَتْ مِنْهُ أُجْرَتَهُ فَوَافَقَهَا جَازَ .
وَإِنْ أَبَى وَقَالَ : أَنَا آتِيك بِخَادِمٍ غَيْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ حَيْثُ صَلَحَ ( وَ ) تَعْيِينُ ( سِوَاهُ ) أَيْ سِوَى خَادِمِهَا ( إلَيْهِ ) أَيْ الزَّوْجِ .
لِأَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَيْهِ ( وَإِنْ قَالَتْ ) زَوْجَةٌ ( أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ مَا يَجِبُ لِخَادِمِي .
أَوْ قَالَ ) الزَّوْجُ ( أَنَا أَخْدُمُكِ بِنَفْسِي وَأَبَى الْآخَرُ ) أَيْ الزَّوْجُ فِي الْأُولَى وَالزَّوْجَةُ فِي الثَّانِيَة ( لَمْ يُجْبَرْ ) الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا ، أَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّ فِي إخْدَامِهَا غَيْرَهَا تَوْفِيرًا لَهَا عَلَى حُقُوقِهِ وَتَرَفُّهًا لَهُ وَرَفْعًا لِقَدْرِهَا ، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّ غَرَضَهَا مِنْ الْخِدْمَةِ قَدْ لَا يَحْصُلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَشِمُهُ وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا .
( وَيَلْزَمُهُ ) لِزَوْجَتِهِ ( مُؤْنِسَةٌ لِحَاجَةٍ ) كَخَوْفِ مَكَانِهَا ، وَعَدُوٍّ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْهُ .
؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ إقَامَتُهَا بِمَكَانٍ لَا تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا ، وَتَعْيِينُ الْمُؤْنِسَةِ إلَى الزَّوْجِ ، وَيَكْتَفِي هُوَ بِتَوْنِيسِهِ هُوَ لَهَا وَ ( لَا ) يَلْزَمُهُ ( أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُ ) زَوْجَةً ( مَرِيضَةً ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ ( بِخِلَافِ رَقِيقِهِ ) الْمَرِيضِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ لِتَمَلُّكِهِ إيَّاهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَهِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَلَا دَخْلَ لِلْوُضُوءِ فِيهِ .
وَالْوَاجِبُ عَلَى زَوْجٍ دَفْعُ قُوتٍ مِنْ خُبْزٍ وَأُدْمٍ وَنَحْوَهُ لِزَوْجَةٍ وَخَادِمِهَا وَكُلِّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ ( لَا ) دَفْعُ ( بَدَلِهِ ) أَيْ الْقُوتِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ فُلُوسٍ ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولٌ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهَا لِحَاجَتِهَا إلَى مَا يَشْتَرِيهِ لَهَا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ أَوْ فِيهِ مَشَقَّةٌ بِخُرُوجِهَا لَهُ أَوْ تَكْلِيفُ مَنْ يَمُنُّ عَلَيْهَا بِهِ ( وَلَا ) دَفْعُ ( حَبٍّ ) وَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْلِيفِهَا طَحْنَهُ وَعَجْنَهُ وَخَبْزَهُ .
وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ : الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ وَالْخُبْزُ وَالتَّمْرُ ، وَأَفْضَلُ مَا تُطْعِمُونَهُنَّ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْإِيجَابِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَقْيِيدٍ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، وَهُوَ دَفْعُ الْقُوتِ وَكَنَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ فَإِنْ طَلَبَتْ مَكَانَ الْخُبْزِ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ دَرَاهِمَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ ( وَيَكُونُ ) الدَّفْعُ ( أَوَّلَ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ ) أَيْ عِنْدَ طُلُوعِ شَمْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ ( وَيَجُوزُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْجِيلٍ وَتَأْخِيرٍ ) عَنْ وَقْتِ وُجُوبٍ ( وَ ) مِنْ ( دَفْعِ عِوَضٍ ) كَدَرَاهِمَ عَنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَنْهُ بَعْدَ التَّرَاضِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى ) مِنْهُمَا ذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ .
( وَلَا يَمْلِكُ حَاكِمٌ ) تَرَافَعَ إلَيْهِ زَوْجَانِ ( فَرْضَ غَيْرِ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمَ مَثَلًا إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُجْبَرُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْهَدْيِ أَمَّا فَرْضُ الدَّرَاهِمِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَا عَنْ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ ( وَفِي الْفُرُوعِ ) وَهَذَا مُتَّجِهٌ مَعَ
عَدَمِ الشِّقَاقِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ ( فَأَمَّا مَعَ الشِّقَاقِ وَالْحَاجَةِ كَالْغَائِبِ مَثَلًا فَيَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ ( وَلَا يُعْتَاضُ عَنْ ) الْوَاجِبِ ( الْمَاضِي بِرِبَوِيٍّ ) كَأَنْ عَوَّضَهَا عَنْ الْخُبْزِ حِنْطَةً أَوْ دَقِيقُهَا فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ رِبًا
( وَ ) الْوَاجِبُ دَفْعُ ( كِسْوَةٍ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَسِتَارَةٍ يُحْتَاجُ إلَيْهَا ( أَوَّلَ كُلِّ عَامٍ مِنْ زَمَنِ الْوُجُوبِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَيُعْطِيهَا السَّنَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْدِيدُ الْكِسْوَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يُسْتَدَامُ إلَى أَنْ يَبْلَى
( وَتَمْلِكُ ) زَوْجَةٌ ( ذَلِكَ ) أَيْ وَاجِبَ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ ( بِقَبْضٍ ) كَمَا يَمْلِكُ رَبُّ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ ( فَلَا بَدَلَ ) عَلَى زَوْجٍ ( لِمَا سُرِقَ ) مِنْ ذَلِكَ ( أَوْ بَلِيَ ) مِنْهُ كَالدَّيْنِ يَفِيهِ فَيَضِيعُ مِنْ قَابِضِهِ ( وَ ) تَمْلِكُ ( التَّصَرُّفَ فِيهِ ) أَيْ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا ( عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا ) وَلَا يُنْهِكُ بَدَنَهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِ كَسَائِرِ مَالِهَا فَإِنْ ضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهَا أَوْ نَقَصَ فِي اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا لَمْ تَمْلِكْهُ بَلْ تُمْنَعُ مِنْهُ لِتَفْوِيتِ حَقِّ زَوْجِهَا بِهِ .
( وَإِنْ أَكَلَتْ ) زَوْجَةٌ ( مَعَهُ ) أَيْ زَوْجِهَا ( عَادَةً أَوْ كَسَاهَا بِلَا إذْنٍ ) مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيُّهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ( سَقَطَتْ ) نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ فَرْضِ نَحْوِ دَرَاهِمَ عَنْ نَفَقَتِهَا فَإِنْ ادَّعَتْ تَبَرُّعَهُ بِذَلِكَ حَلَفَ ( وَمَتَى انْقَضَى الْعَامُ وَالْكِسْوَةُ ) الَّتِي قَبَضَتْهَا لَهُ ( بَاقِيَةٌ فَعَلَيْهِ كِسْوَةٌ لِ ) الْعَامِ ( الْجَدِيدِ ) اعْتِبَارًا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دُونَ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ كَمَا أَنَّهَا لَوْ بَلِيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَلَوْ أَهْدَى إلَيْهَا كِسْوَةً لَمْ تَسْقُطْ كِسْوَتُهَا وَكَذَا لَوْ أَهْدَى إلَيْهَا مَا أَكَلَتْهُ وَبَقِيَ قُوتُهَا إلَى الْغَدِ لَمْ يَسْقُطْ قُوتُهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَاعُونٍ وَنَحْوِهِ كَمُشْطٍ إذَا انْقَضَى الْعَامُ وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ غِطَاءً وَوِطَاءً ، وَقَوَّاهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ .
( وَإِنْ قَبَضَتْهَا ) أَيْ الْكِسْوَةَ ( ثُمَّ مَاتَ ) الزَّوْجُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعَامِ ( أَوْ مَاتَتْ ) قَبْلَ مُضِيِّهِ ( أَوْ بَانَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِ رَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ ) مِنْ الْعَامِ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ ( وَكَذَا نَفَقَةٌ تَعَجَّلَهَا ) بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ أَوْ بَانَتْ
قَبْلَ مُضِيِّهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِ مَا بَقِيَ ( لَكِنْ لَا يَرْجِعُ ) زَوْجٌ عَجَّلَ نَفَقَةً ( بِبَقِيَّةِ ) نَفَقَةٍ ( يَوْمَ الْفُرْقَةِ ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِطُلُوعِ نَهَارِهِ فَإِنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَالْأَظْهَرُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا ثَانِيًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ ( إلَّا عَلَى نَاشِزٍ ) فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ قَبَضَتْ نَفَقَتَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَاقِيهِ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ طَاعَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا فَلَا تُعْطِيهِ شَيْئًا ( وَيُرْجَعُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى زَوْجَةٍ ( بِبَقِيَّتِهَا ) أَيْ النَّفَقَةِ ( مِنْ مَالِ غَائِبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِظُهُورِهِ ) أَيْ مَوْتِهِ لِارْتِفَاعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ مَا قَبَضَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَقَضَاءِ وَكِيلٍ حَقًّا يَظُنُّهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَبَانَ أَنْ لَا حَقَّ عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ مَا بَعْدَ إبَانَتِهِ إيَّاهَا
( وَمَنْ غَابَ ) عَنْ زَوْجَتِهِ مُدَّةً ( وَلَمْ يُنْفِقْ ) عَلَيْهَا فِيهَا ( لَزِمَهُ ) نَفَقَةُ الزَّمَنِ ( الْمَاضِي ) لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ ( وَلَوْ لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٍ ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَأُجْرَةِ الْعَقَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهَا صِلَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا يَسَارُ الْمُنْفِقِ وَإِعْسَارُ مَنْ تَجِبُ لَهُ وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ حَاضِرًا ، وَذِمِّيَّةٌ فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ كَمُسْلِمَةٍ لِعُمُومِ النُّصُوصِ .
وَمُطَلَّقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَزَوْجَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَا فِيمَا يَعُودُ بِنَظَافَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لِقَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } وَلِأَنَّهَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ أَشْبَهَ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ( وَبَائِنٌ حَامِلٌ كَزَوْجَةٍ ) لِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .
وَفِي بَعْضِ أَخْبَارِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ " { لَا نَفَقَةَ لَكِ إلَّا إنْ تَكُونِي حَامِلًا } ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ وَلَدُ الْمُبِينِ فَلَزِمَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَوَجَبَ كَأُجْرَةِ الرَّضَاعِ ( وَتَجِبُ ) النَّفَقَةُ ( لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ ) لُوعِنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتِفْ بِلِعَانِهَا إذَنْ ( إلَى أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ ) آخَرَ ( بَعْدَ وَضْعِهِ ) أَيْ الْحَمْلِ فَتَسْقُطُ فَإِنْ عَادَ وَاسْتَلْحَقَهُ لَزِمَهُ مَا مَضَى ( وَمَنْ أَنْفَقَ ) عَلَى بَائِنٍ مِنْهُ ( يَظُنُّهَا حَامِلًا فَبَانَتْ حَائِلًا ) غَيْرَ حَامِلٍ ( رَجَعَ ) عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا لِأَخْذِهَا مَا لَا تَسْتَحِقُّهُ كَأَخْذِ دَيْنٍ ادَّعَاهُ ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُ ، وَكَذَا إنْ ادَّعَتْهُ رَجْعِيَّةٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ عِدَّتِهَا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ رَجَعَ بِالزَّائِدِ ( وَمَنْ تَرَكَهُ ) أَيْ الْإِنْفَاقَ عَلَى مُبَانَتِهِ ( يَظُنُّهَا حَائِلًا فَبَانَتْ حَامِلًا لَزِمَهُ ) نَفَقَةُ مَا مَضَى لِتَبَيُّنِ اسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ فِيهِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا كَالدَّيْنِ وَظَاهِرُهُ .
وَلَوْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَأَنَّهَا تَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ( وَمَنْ ) أَيْ مُبَانَةٍ وَنَحْوَهَا ( ادَّعَتْ حَمْلًا ) لَهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ( وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( إنْفَاقُ ) تَمَامِ ( ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ) مِنْ ابْتِدَاءِ زَمَنٍ ذَكَرَتْهُ أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ ( فَإِنْ مَضَتْ ) الثَّلَاثَةُ أَشْهُرٍ ( وَلَمْ يَبِنْ ) الْحَمْلُ كَأَنْ أُرِيَتْ الْقَوَابِلُ فَقُلْنَ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ ( رَجَعَ ) عَلَيْهَا بِنَظِيرِ مَا أَنْفَقَهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ
وُجُوبِهِ .
وَكَذَا إنْ حَاضَتْ وَلَوْ قَبْلَ مُضِيِّهَا ، وَإِنْ ادَّعَتْ حَمْلًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أُرِيَتْ الْقَوَابِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَادَةً إذَنْ فَإِنْ شَهِدَتْ بِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا ( بِخِلَافِ نَفَقَةٍ فِي نِكَاحٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ ) لِنَحْوِ رَضَاعٍ أَوْ عِدَّةٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ ( وَ ) بِخِلَافِ نَفَقَةٍ ( عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ ) لَمْ تَأْذَنْ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فَلَا رُجُوعَ .
وَكَذَا مَنْ أَنْفَقَ فِي نِكَاحٍ مَعْلُومٍ فَسَادُهُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ عَدَمَ الْوُجُوبِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ .
وَإِلَّا فَهُوَ مُفَرِّطٌ ( وَالنَّفَقَةُ ) عَلَى الْحَامِلِ ( لِلْحَمْلِ ) نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجَلِهِ فَتَجِبُ بِوُجُودِهِ وَتَسْقُطُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ .
قُلْت : فَلَوْ مَاتَ بِبَطْنِهَا انْقَطَعَتْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ لِمَيِّتٍ ( فَتَجِبُ ) النَّفَقَةُ لِنَاشِزٍ حَامِلٍ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ فَلَا تَسْقُطُ بِنُشُوزِ أُمِّهِ .
( وَ ) تَجِبُ ( لِحَامِلٍ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ) لِلُحُوقِ نَسَبِهِ فِيهِمَا ( وَ ) لِحَامِلٍ فِي ( مِلْكِ يَمِينٍ وَلَوْ أَعْتَقَهَا ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ وَهُوَ وَلَدُهُ ( وَ ) تَجِبُ ( عَلَى وَارِثِ ) حَمْلٍ مِنْ ( زَوْجٍ ) وَسَيِّدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ( مَيِّتٍ ) لِلْقَرَابَةِ ( وَ ) تَجِبُ نَفَقَةُ حَامِلٍ ( مِنْ مَالِ حَمْلٍ مُوسِرٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ ( وَلَوْ تَلِفَتْ ) نَفَقَتُهُ بِيَدِ حَامِلٍ بِلَا تَفْرِيطٍ ( وَجَبَ ) عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الْحَمْلِ ( بَدَلُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهَا فَلَا تَضْمَنُهَا ( وَلَا فِطْرَةَ لَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ .
وَالْحَمْلُ ( لَا تَجِبُ ) فِطْرَتُهُ .
( وَلَا تَجِبُ ) نَفَقَةُ حَمْلٍ ( عَلَى زَوْجٍ رَقِيقٍ ) لِوَلَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَنَفَقَتُهُ عَلَى وَارِثِهِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَعَلَى مَالِكِهِ ( أَوْ مُعْسِرٍ أَوْ غَائِبٍ ) أَيْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ حَمْلِهِ ، بَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَانٍ كَالْمَوْلُودِ ( وَلَا ) تَجِبُ نَفَقَةُ حَمْلٍ ( عَلَى وَارِثِ )
الْحَمْلِ كَأَخِيهِ ( مَعَ عُسْرِ زَوْجٍ ) هُوَ أَبُوهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْأَبِ ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ لِإِعْسَارِهِ .
قُلْت بَلْ تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ الْحَمْلِ كَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ ؛ لِأَنَّ عَمُودَيْ النَّسَبِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ وَإِنْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ كَمَا يَأْتِي ( وَتَسْقُطُ ) نَفَقَةُ حَمْلٍ ( بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ) كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ مَا لَمْ تَسْتَدِنْ ) حَامِلٌ عَلَى أَبِيهِ ( بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ تُنْفِقْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ انْتَهَى ) فَتَرْجِعُ لِتَفْوِيتِهَا فِي الْأُولَى بِإِذْنِ حَاكِمٍ وَلِأَدَائِهَا عَنْهُ وَاجِبًا فِي الثَّانِيَة وَفِيهِ شَيْءٌ ( فَإِنْ وُطِئَتْ ) مُطَلَّقَةٌ ( رَجْعِيَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ ) فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ثُمَّ بَانَ بِهَا حَمْلٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ ( مِنْهُمَا ) أَيْ الْمُطَلِّقِ وَالْوَاطِئِ ( فَنَفَقَتُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمَلَهَا ، وَلَا تَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا ) بِشَيْءٍ فِي الْأَصَحِّ ( كَبَائِنٍ مُعْتَدَّةٍ ) وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ .
( وَمَتَى ثَبَتَ نَسَبُهُ ) أَيْ الْحَمْلِ ( مِنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الرَّجُلَيْنِ ، وَهُمَا الْمُطَلِّقُ وَالْوَاطِئُ فِي الْعِدَّةِ ( رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ ) الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ الْحَمْلُ مِنْهُ ( بِمَا أَنْفَقَ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْحَمْلِ مِنْهُ لَا مُتَبَرِّعًا فَإِذَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ مَلَكَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا حَمَلَتْ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْوَاطِئِ دُونَ زَوْجِهَا إذْ الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فَلَوْلَا سُقُوطُ نَفَقَتِهَا بِالْحَمْلِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَرَجَعَتْ عَلَى مُطَلِّقِهَا بِنَفَقَتِهَا
( وَلَا نَفَقَةَ لِبَائِنٍ غَيْرِ حَامِلٍ ) لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ " { أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ : وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْهُ شَيْءٌ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي لَفْظٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " { اُنْظُرِي يَا ابْنَةَ قَيْسٍ إنَّمَا النَّفَقَةُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ الرَّجْعَةُ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ وَالْحُمَيْدِيُّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - مُرَادَهُ .
وَلَا شَيْءَ يَدْفَعُ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } ( وَلَا ) نَفَقَةَ ( مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ) زَوْجُهَا ( أَوْ لِأُمِّ وَلَدٍ ) مَاتَ سَيِّدُهَا ( وَلَا سُكْنَى وَلَا كِسْوَةَ ) لَهَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( حَامِلًا ) لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِلْوَرَثَةِ ، وَلَا سَبَبَ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ ( كَزَانِيَةٍ ) حَامِلٍ مِنْ زِنًا ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَانٍ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَلْحَقُهُ .
وَمَتَى تَسَلَّمَ زَوْجٌ مَنْ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُهَا وَهِيَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا أَيْ بِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا ( أَوْ بَذَلَتْهُ ) أَيْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا لِلزَّوْجِ تَسْلِيمًا تَامًّا ( هِيَ أَوْ وَلِيٌّ ) لَهَا ( وَلَوْ مَعَ صِغَرِ زَوْجٍ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ عُنَّتِهِ أَوْ جُبَّ ) أَيْ قُطِعَ ( ذَكَرُهُ ) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ وَطْءٌ ( أَوْ ) مَعَ ( تَعَذُّرِ وَطْءٍ ) مِنْهَا ( لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ رَتَقٍ أَوْ قَرَنٍ أَوْ لِكَوْنِهَا نِضْوَةً ) أَيْ نَحِيفَةَ الْخِلْقَةِ ( أَوْ مَرِيضَةً أَوْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ " { وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } " وَيُجْبَرُ وَلِيٌّ مَعَ صِغَرِ زَوْجٍ عَلَى بَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ فِي أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ كَأُرُوشِ جِنَايَاتِهِ وَدُيُونِهِ ( لَكِنْ لَوْ امْتَنَعَتْ ) زَوْجَةٌ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ ( ثُمَّ مَرِضَتْ فَبَذَلَتْهُ ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ) مَا دَامَتْ مَرِيضَةً عُقُوبَةً لَهَا بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا فِي حَالٍ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيهَا ، وَبَذْلِهَا فِي ضِدِّهَا ( وَمَنْ بَذَلَتْهُ ) أَيْ التَّسْلِيمَ ( وَزَوْجُهَا غَائِبٌ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا ) حَاكِمٌ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زَوْجَهَا تَسْلِيمُهَا إذَنْ ( حَتَّى يُرَاسِلَهُ حَاكِمٌ ) بِأَنْ يَكْتُبَ إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَيُعْلِمَهُ وَيَسْتَدْعِيَهُ ( وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ قُدُومُهُ ) أَيْ زَوْجِهَا الْغَائِبِ ( فِي مِثْلِهِ ) فَإِنْ سَارَ إلَيْهَا أَوْ وَكَّلَ مَنْ لَهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ إذَنْ بِالْوُصُولِ وَإِلَّا فَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ نَفَقَتَهَا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُ وُصُولُهُ إلَيْهَا فِيهِ ، وَإِنْ غَابَ زَوْجُهَا بَعْدَ تَمْكِينِهَا إيَّاهُ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ بِغَيْبَتِهِ .
وَإِنْ تَسَلَّمَ زَوْجَةً صَغِيرَةً يُوطَأُ مِثْلَهَا أَوْ مَجْنُونَةً كَذَلِكَ وَلَوْ بِدُونِ إذْنِ وَلِيُّهَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا كَالْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ ( وَمَنْ امْتَنَعَتْ ) مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا ( أَوْ مَنَعَهَا غَيْرُهَا ) وَتَكُونُ نَفَقَتُهَا عَلَى الْمَانِعِ لَهَا وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( بَعْدَ دُخُولٍ وَلَوْ لِقَبْضِ صَدَاقِهَا ) الْحَالِّ ( فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ) وَكَذَا إنْ تَسَاكَنَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَطْلُبْهَا الزَّوْجُ وَلَمْ تَبْذُلْ نَفْسَهَا وَلَا بَذَلَهَا وَلِيُّهَا ، وَإِنْ طَالَ مُقَامُهَا عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ
( وَمَنْ سَلَّمَ أَمَتَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا فَ ) هِيَ ( كَحُرَّةٍ ) لِعُمُومِ النَّصِّ ( وَلَوْ أَبَى زَوْجٌ ) مِنْ تَسَلُّمِهَا نَهَارًا ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ مُمَكِّنَةٌ مِنْ نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَتَوَابِعَهَا عِوَضٌ وَاجِبٌ فِي النِّكَاحِ فَوَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ كَالْمَهْرِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ ، وَالْمُطَالَبُ بِهَا سَيِّدُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) مَنْ سَلَّمَ أَمَتَهُ لِزَوْجِهَا ( لَيْلًا فَقَطْ فَنَفَقَتُهَا نَهَارًا عَلَى سَيِّدٍ ) ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ وَالزَّوْجُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهَا إذَنْ .
( وَ ) نَفَقَةُ ( لَيْلٍ كَعَشَاءٍ وَوِطَاءٍ وَغِطَاءٍ وَدُهْنِ مِصْبَاحٍ وَنَحْوِهِ ) كَوِسَادَةٍ ( عَلَى زَوْجٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ وَهِيَ مُسَلَّمَةٌ فِيهِ لَهُ ( وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهَا ) أَيْ الْأَمَةِ لِزَوْجِهَا ( نَهَارًا فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلتَّفَرُّغِ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالِاحْتِيَاجِ لِلْإِينَاسِ وَلِهَذَا كَانَ عِمَادَ قَسْمِ الزَّوْجَاتِ اللَّيْلُ .
قُلْتُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لَوْ كَانَ زَوْجُهَا حَارِسًا وَسَلَّمَتْ لَهُ نَهَارًا صَحَّ
( وَلَا نَفَقَةَ لِ ) زَوْجَةٍ ( نَاشِزٍ وَلَوْ ) كَانَ نُشُوزُهَا ( بِنِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ رَجْعِيَّةٍ ) فَسَقَطَ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا بِتَزَوُّجِهَا فِي عِدَّتِهَا لِنُشُوزِهَا ، وَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا تَصِيرُ بِهِ فِرَاشًا لِلثَّانِي وَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ عِدَّةُ الْأَوَّلِ قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ ( وَتُشْطَرُ ) النَّفَقَةُ ( لِنَاشِزٍ لَيْلًا ) بِأَنْ تُطِيعَ نَهَارًا وَتَمْتَنِعَ لَيْلًا ( أَوْ ) نَاشِزٍ ( نَهَارًا ) فَقَطْ بِأَنْ تُطِيعَهُ لَيْلًا وَلَا تُطِيعَهُ نَهَارًا فَتُعْطَى نِصْفَ نَفَقَتِهَا ( أَوْ ) نَاشِزٍ ( بَعْضَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَتُعْطَى نِصْفَ نَفَقَتِهَا أَيْضًا لَا بِقَدْرِ " الْأَزْمِنَةِ لِعُسْرِ التَّقْدِيرِ بِالْأَزْمِنَةِ
( وَبِمُجَرَّدِ إسْلَامِ ) زَوْجَةٍ ( مُرْتَدَّةٍ ) مَدْخُولٍ بِهَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا ( وَ ) بِمُجَرَّدِ إسْلَامِ زَوْجَةٍ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا ( مُتَخَلِّفَةٍ ) عَنْ زَوْجِهَا فِي عِدَّتِهَا بِأَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا ( وَلَوْ فِي غَيْبَةِ زَوْجٍ تَلْزَمُهُ ) نَفَقَتُهَا ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ النَّفَقَةِ فِيهَا لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا كَسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ فَإِذَا رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ فَعَادَتْ النَّفَقَةُ وَ ( لَا ) يَلْزَمُ زَوْجًا غَائِبًا النَّفَقَةُ ( إنْ أَطَاعَتْ نَاشِزٌ فِي غَيْبَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ ) الزَّوْجُ بِطَاعَتِهَا ( وَيَمْضِي مَا ) أَيْ زَمَنٌ ( يَقْدَمُ ) الزَّوْجُ ( فِي مِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّمْكِينِ فَالْمَنْعُ مُسْتَمِرٌّ مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا قَدِمَ وَعَلِمَ عَادَتْ النَّفَقَةُ لِحُصُولِ التَّمْكِينِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ وَمَضَى زَمَنٌ يَقْدَمُ فِي مِثْلِهِ عَادَتْ النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَنْ مِنْ جِهَتِهِ .
( وَلَا نَفَقَةَ لِمَنْ ) أَيْ زَوْجَةٍ ( سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا ) وَلَوْ بِإِذْنِهِ ( أَوْ ) سَافَرَتْ ( لِنُزْهَةٍ ) وَلَوْ بِإِذْنِهِ ( أَوْ ) سَافَرَتْ ( لِزِيَارَةٍ وَلَوْ بِإِذْنِهِ ) لِتَفْوِيتِهَا التَّمْكِينَ لِحَظِّ نَفْسِهَا وَقَضَاءِ أَرَبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا مَعَهَا مُتَمَكِّنًا مِنْهَا ( أَوْ ) سَافَرَتْ ( لِتَغْرِيبٍ ) بِأَنْ زَنَتْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا فَغُرِّبَتْ ، وَكَذَا لَوْ قُطِعَتْ الطَّرِيقُ فَشُرِّدَتْ فَلَا نَفَقَةَ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ ( أَوْ حُبِسَتْ ) عَنْ زَوْجِهَا ( وَلَوْ ) كَانَ حَبْسُهَا ( ظُلْمًا ) فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا ( أَوْ صَامَتْ لِكَفَّارَةٍ أَوْ ) صَامَتْ ( قَضَاءَ رَمَضَانَ ، وَوَقْتُهُ ) أَيْ الْقَضَاءِ ( مُتَّسِعٌ أَوْ صَامَتْ نَفْلًا أَوْ حَجَّتْ نَفْلًا ) فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لِمَنْعِ نَفْسِهَا بِسَبَبٍ لَا مِنْ جِهَتِهِ ( أَوْ ) صَامَتْ أَوْ حَجَّتْ ( نَذْرًا مُعَيَّنًا فِي وَقْتِهِ فِيهِمَا ) أَيْ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ ( بِلَا إذْنِهِ وَلَوْ أَنَّ نَذْرَهُمَا بِإِذْنِهِ ) لِتَفْوِيتِهِمَا حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِاخْتِيَارِهَا بِالنَّذْرِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ
الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَلَا نَدَبَهَا إلَيْهِ ( بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَتْ ) مِنْ الزَّوْجَاتِ ( بِفَرِيضَةِ ) حَجٍّ ( أَوْ مَكْتُوبَةِ ) صَلَاةٍ ( فِي وَقْتِهَا بِسُنَنِهَا ) وَلَوْ فِي أَوَّلِهِ لِفِعْلِهَا مَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَنَدَبَهَا إلَيْهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ ( وَقَدْرُهَا ) أَيْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ( فِي حَجِّ فَرْضٍ ) إذَا سَافَرَتْ لِحَجِّ الْفَرْضِ ( كَ ) نَفَقَةِ ( حَضَرٍ ) وَمَا زَادَ عَلَيْهَا ( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الزَّوْجَانِ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لِأَحَدِهِمَا بِمَا ادَّعَاهُ ( فِي بَذْلِ تَسْلِيمِ ) زَوْجَةٍ لِزَوْجٍ ( حَلَفَ ) زَوْجٌ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ تَسْلِيمٍ بِأَنْ قَالَ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مُنْذُ شَهْرٍ وَقَالَتْ : بَلْ مُنْذُ سِتَّةٍ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا تَدَّعِيهِ زَائِدًا عَنْ مَا يُقِرُّ بِهِ .
( وَ ) إنْ اخْتَلَفَا ( فِي نُشُوزِ زَوْجَةٍ أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي ( أَخْذِ نَفَقَةٍ ) بِأَنْ ادَّعَى الزَّوْجُ نُشُوزَهَا أَوْ أَنَّهَا أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا وَأَنْكَرَتْ ( حَلَفَتْ ) ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ مَثَلًا بِدَارِ أَبِيهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَإِنْ أَعْطَاهَا شَيْئًا زَائِدًا عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَصَاغٍ وَقَلَائِدَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مَلَكَتْهُ فَلَا رُجُوعَ بِهِ إنْ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بَلْ لِتَتَجَمَّلَ بِهِ فَقَطْ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ طَلَّقَهَا أَوْ لَا .
وَمَتَى أَعْسَرَ زَوْجُ بِنَفَقَةِ مُعْسِرٍ فَلَمْ يَجِدْ الْقُوتَ ( أَوْ ) أَعْسَرَ بِ ( كِسْوَتِهِ ) أَيْ الْمُعْسِرِ ( أَوْ ) أَعْسَرَ ( بِبَعْضِهِمَا ) أَيْ بَعْضِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ وَكِسْوَتِهِ ( أَوْ ) أَعْسَرَ ( بِمَسْكَنِهِ ) أَيْ الْمُعْسِرُ خُيِّرَتْ ( أَوْ صَارَ ) الزَّوْجُ ( لَا يَجِدُ النَّفَقَةَ ) لِزَوْجَتِهِ ( إلَّا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ خُيِّرَتْ ) الزَّوْجَةُ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ الْغَالِبِ بِذَلِكَ بِهَا إذْ الْبَدَنُ لَا يَقُومُ بِدُونِ كِفَايَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً بَالِغَةً رَشِيدَةً أَوْ رَقِيقَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ سَفِيهَةً ( دُونَ سَيِّدِهَا أَوْ وَلِيِّهَا ) فَلَا خِيَرَةَ لَهُ وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً لِاخْتِصَاصِ الضَّرَرِ بِهَا ( بَيْنَ فَسْخِ ) نِكَاحِ الْمُعْسِرِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَالْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ النَّفَقَةِ لَيْسَ إمْسَاكًا بِالْمَعْرُوفِ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا } " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَلِأَنَّ جَوَازَ الْفَسْخِ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ النَّفَقَةِ لِقِلَّةِ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّهُ فَقْدُ شَهْوَةٍ يَقُومُ الْبَدَنُ بِدُونِهَا فَتَمْلِكُ الْفَسْخَ ( فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا ) ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ ( وَ ) بَيْنَ ( مُقَامٍ ) مَعَهُ ( مَعَ مَنْعِ نَفْسِهَا ) بِأَنْ لَا تُمَكِّنَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا عِوَضَهُ ( وَبِدُونِهِ ) أَيْ دُونِ مَنْعِ نَفْسِهَا مِنْهُ بِأَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ( وَلَا يَمْنَعُهَا تَكَسُّبًا وَلَا يَحْبِسُهَا ) مَعَ عُسْرَتِهِ إذَا لَمْ تَفْسَخْ ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إذَا
كَفَاهَا الْمُؤْنَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا عَنْهُ ( وَلَهَا ) أَيْ زَوْجَةِ الْمُعْسِرِ ( الْفَسْخُ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ رِضَاهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ لِتَجَدُّدِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ فَيُجَدَّدُ لَهَا مِلْكُ الْفَسْخِ كَذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا نَفَقَتَهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا كَإِسْقَاطٍ لِشَفِيعٍ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَإِسْقَاطِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ قَبْلَ النِّكَاحِ ( وَكَذَا لَوْ قَالَتْ : رَضِيتُ عُسْرَتَهُ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِهَا ) أَيْ بِعُسْرَتِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ لِمَا يَتَجَدَّدُ لَهَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ ( وَتَبْقَى نَفَقَةُ مُعْسِرٍ وَكِسْوَتُهُ وَمَسْكَنُهُ ) لِزَوْجَتِهِ ( إنْ أَقَامَتْ ) مَعَهُ ( وَلَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا ) مِنْهُ ( دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ) لِوُجُوبِهَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ كَالْأُجْرَةِ وَيَسْقُطُ مَا زَادَ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ
( وَمَنْ قَدَرَ يَكْتَسِبُ ) مَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَتَرَكَهُ ( أُجْبِرَ ) عَلَيْهِ كَالْمُفْلِسِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَأَوْلَى
( وَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ) مِنْ الْأَزْوَاجِ ( كَسْبٌ ) فِي بَعْضِ زَمَنِهِ ( أَوْ ) تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ( بَيْعٌ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ ) أَيَّامًا يَسِيرَةً فَلَا فَسْخَ ( أَوْ مَرِضَ ) أَيَّامًا يَسِيرَةً فَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَلَا فَسْخَ لِزَوْجَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِرَاضُ إلَى زَوَالِ الْمُعَارِضِ ( أَوْ عَجَزَ عَنْ اقْتِرَاضٍ أَيَّامًا يَسِيرَةً ) فَلَا فَسْخَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ( أَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ أَوْ ) أَعْسَرَ ( بِنَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ ) بِنَفَقَةِ ( مُتَوَسِّطٍ أَوْ ) أَعْسَرَ ( بِأُدْمٍ أَوْ ) أَعْسَرَ ( بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ فَلَا فَسْخَ ) لِإِمْكَانِ الصَّبْرِ عَنْ ذَلِكَ ( وَتَبْقَى نَفَقَتُهُمْ ) أَيْ الْمُوسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْخَادِمِ ( وَ ) يَبْقَى ( الْأُدْمُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالصَّدَاقِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا فَلَهُ احْتِسَابُهُ مِنْ نَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً وَإِلَّا فَلَا
( وَإِنْ مَنَعَ ) زَوْجٌ ( مُوسِرٌ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً أَوْ بَعْضَهُمَا ) عَنْ زَوْجَتِهِ ( وَقَدَرَتْ عَلَى ) أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ ( مَالِهِ ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ ( أَخَذَتْ كِفَايَتَهَا وَكِفَايَةَ وَلَدِهَا وَنَحْوَهُ ) كَخَادِمِهَا ( عُرْفًا ) أَيْ بِالْمَعْرُوفِ ( بِلَا إذْنِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةُ " حِينَ { قَالَتْ لَهُ : إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ } " فَرَخَّصَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ إذْ لَا غِنَى عَنْ النَّفَقَةِ وَلَا قِوَامَ إلَّا بِهَا وَتَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَنِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ بِهَا إلَى الْحَاكِمِ ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ
( وَلَا تَقْتَرِضُ ) امْرَأَةٌ لِوَلَدٍ ( عَلَى أَبِيهِ ) وَلَوْ غَائِبًا ؛ لِأَنَّهُ إشْغَالٌ لِذِمَّتِهِ بِدُونِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَيَأْتِي لَوْ غَابَ زَوْجٌ فَاسْتَدَانَتْ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ رَجَعَتْ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ ( وَلَا يُنْفَقُ عَلَى صَغِيرٍ مِنْ مَالِهِ ) أَيْ الصَّغِيرِ ( بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُهُ الْمُنْفِقُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ ( وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ ) زَوْجَةُ مُوسِرٍ مَنَعَهَا مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ فَلَهَا رَفْعُهُ إلَى حَاكِمٍ فَيَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ لَهَا فَإِنْ امْتَنَعَ ( أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ ) عَلَيْهِ ( فَإِنْ أَبَى ) الدَّفْعَ ( حَبَسَهُ أَوْ دَفَعَهَا ) أَيْ النَّفَقَةَ لِزَوْجَتِهِ ( مِنْهُ ) أَيْ مَالِهِ ( يَوْمًا بِيَوْمٍ ) حَيْثُ أَمْكَنَ لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا عَرَضًا أَوْ عَقَارًا بَاعَهُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ .
( فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ ) فَلَهَا الْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ كَالْمُعْسِرِ ( أَوْ غَابَ مُوسِرٌ ) عَنْ زَوْجَتِهِ ( وَتَعَذَّرَتْ نَفَقَتُهُ ) عَلَيْهَا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَمْ يُقْدَرْ لَهُ عَلَى مَالٍ ، وَلَمْ يُمْكِنْهَا تَحْصِيلُ نَفَقَتِهَا ( بِاسْتِدَانَةٍ ) أَيْ اقْتِرَاضٍ أَوْ نَحْوِهِ عَلَيْهِ ( وَغَيْرِهَا فَلَهَا الْفَسْخُ ) لِتَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ كَحَالِ الْإِعْسَارِ بَلْ أَوْلَى وَلِأَنَّ فِي الصَّبْرِ ضَرَرًا أَمْكَنَ إزَالَتُهُ بِالْفَسْخِ فَوَجَبَتْ إزَالَتُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ( وَلَا يَصِحُّ ) الْفَسْخُ ( فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا حَاكِمٍ فَيَفْسَخُ ) الْحَاكِمُ بِطَلَبِهَا أَوْ تَفْسَخُ ( بِأَمْرِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى طَلَبِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ فَسْخٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ كَتَفْرِيقِهِ لِلْعُنَّةِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْحَاكِمِ ( بَيْعُ عَقَارٍ وَعَرَضٍ لِغَائِبٍ ) تَرَكَ زَوْجَتَهُ بِلَا
نَفَقَةٍ وَلَا مُنْفِقٍ ( إنْ لَمْ يَجِدْ ) الْحَاكِمُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا ( غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ ثَمَنِ الْعَقَارِ وَالْعَرَضِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَيُنْفِقُ ) الْحَاكِمُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ امْرَأَةِ الْغَائِبِ مِنْ مَالِهِ ( يَوْمًا بِيَوْمٍ ) كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَائِبِ .
( وَلَا يَجُوزُ ) أَنْ يُعَجِّلَ لَهَا ( أَكْثَرَ ) مِنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ بِيَوْمٍ كَنَفَقَةِ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَقَدْ يَقْدَمُ أَوْ تَبِينُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ( ثُمَّ إنْ بَانَ ) الْغَائِبُ ( مَيِّتًا قَبْلَ إنْفَاقِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ عَلَيْهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهِ ( حُسِبَ عَلَيْهَا ) مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْ زَوْجِهَا ( مَا أَنْفَقَتْهُ بِنَفْسِهَا أَوْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ ، وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ دَيْنِهِ ) الَّذِي يَصِيرُ بِأَخْذِهِ مُوسِرًا ( فَ ) هُوَ ( مُوسِرٌ ) كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ .
نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْعَتِيقِ وَنَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وقَوْله تَعَالَى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا وَحَدِيثُ هِنْدٍ " { خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا " { إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ بَعْضُهُ وَهُوَ بَعْضُ وَالِدِهِ فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَكَذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَهْلِهِ .
( وَتَجِبُ ) النَّفَقَةُ ( كَامِلَةً ) إنْ كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُنْفِقِ مَنْ يُشْرِكُهُ فِي الْإِنْفَاقِ ( أَوْ إكْمَالُهَا ) إنْ وَجَدَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ بَعْضَهَا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ كَوْنُ مُنْفِقٍ مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبِهِ أَوْ وَارِثًا لَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( لِأَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا وَوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ حَتَّى ذِي الرَّحِمِ مِنْهُمْ ) أَيْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ ( حَجَبَهُ ) أَيْ الْغَنِيَّ مِنْهُمْ ( مُعْسِرٌ ) كَجَدٍّ مُوسِرٍ مَعَ أَبٍ مُعْسِرٍ وَنَحْوِهِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يَحْجُبْهُ مُعْسِرٌ كَجَدٍّ مُوسِرٍ مَعَ عَدَمِ أَبٍ وَكَذَا جَدٌّ مَعَ ابْنِ بِنْتِهِ ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً تُوجِبُ الْعِتْقَ ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ أَشْبَهَ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَيْنِ الْقَرِيبَيْنِ .
( وَ ) تَجِبُ النَّفَقَةُ ( لِكُلِّ مَنْ ) أَيْ فَقِيرٍ ( يَرِثُهُ ) قَرِيبُهُ الْغَنِيُّ ( بِفَرْضٍ ) كَأَخٍ الْأُمِّ ( أَوْ تَعْصِيبٍ ) كَابْنِ عَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ ( لَا بِرَحِمٍ ) كَخَالٍ ( مِمَّنْ سِوَى عَمُودِيِّ نَسَبِهِ سَوَاءٌ وَرِثَهُ الْآخَرُ كَأَخٍ ) لِلْغَنِيِّ ( أَوْ لَا كَعَمَّةٍ وَعَتِيقٍ ) فَإِنَّ الْعَمَّةَ لَا تَرِثُ ابْنَ أَخِيهَا
بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ وَهُوَ يَرِثُهَا بِالتَّعْصِيبِ وَكَذَا الْعَتِيقُ لَا يَرِثُ مَوْلَاهُ وَهُوَ يَرِثُهُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ ( بِمَعْرُوفٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } إلَى قَوْلِهِ : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فَأَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةَ الرَّضَاعِ ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى الْأَبِ وَلِحَدِيثِ " { مَنْ أُبِرُّ ؟ قَالَ : أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ } " .
وَفِي لَفْظٍ " { وَمَوْلَاكَ الَّذِي هُوَ أَدْنَاكَ حَقًّا وَاجِبًا وَرَحِمًا مَوْصُولًا } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَأَلْزَمَهُ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ الصِّلَةِ وَقَدْ جَعَلَهَا حَقًّا وَاجِبًا .
الشَّرْطُ الثَّانِي حَاجَةُ مُنْفَقٍ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( مَعَ فَقْرِ مَنْ تَجِبُ لَهُ وَعَجْزِهِ عَنْ تَكَسُّبٍ ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَالْغَنِيُّ يَمْلِكُهَا وَالْقَادِرُ بِالتَّكَسُّبِ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا ( وَلَا يُعْتَبَرُ نَقْصُهُ ) أَيْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ فِي خَلْقِهِ كَزَمِنٍ أَوْ حُكْمٍ كَصِغَرٍ وَجُنُونٍ ( فَتَجِبُ ) النَّفَقَةُ ( لِصَحِيحٍ مُكَلَّفٍ لَا حِرْفَةَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَفْضُلَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِمْ عَنْ حَاجَتِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ( إذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ نَفْسِهِ ) أَيْ الْمُنْفِقِ ( وَ ) قُوتِ ( زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى ) لَهُمْ ( مِنْ حَاصِلٍ ) بِيَدِهِ ( أَوْ مُتَحَصِّلٍ ) مِنْ صِنَاعَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ أُجْرَةِ عَقَارٍ أَوْ رِيعِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عِنْدَهُ عَمَّنْ ذَكَرَ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " { إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَعَلَى عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ فَعَلَى قَرَابَتِهِ } " .
وَفِي لَفْظٍ " { ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ } " حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَهِيَ لَا تَجِبُ مَعَ الْحَاجَةِ وَ ( لَا )
تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى قَرِيبٍ ( مِنْ رَأْسِ مَالٍ ) تِجَارَةٍ لِنَقْصِ الرِّبْحِ بِنَقْصِ رَأْسِ مَالِهِ وَرُبَّمَا أَغْنَتْهُ النَّفَقَةُ فَيَحْصُلُ لَهُ الضَّرَرُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا ( وَ ) لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ ( ثَمَنِ مِلْكٍ وَ ) لَا مِنْ ثَمَنِ ( آلَةِ عَمَلٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَمَنْ قَدَرَ يَكْتَسِبُ ) بِحَيْثُ يَفْضُلُ مِنْ كَسْبِهِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى قَرِيبِهِ ( أُجْبِرَ ) عَلَى تَكَسُّبٍ ( لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ ) ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ تَضْيِيعٌ لِمَنْ يَعُولُ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَ ( لَا ) تُجْبَرُ ( امْرَأَةٌ عَلَى نِكَاحٍ ) إذَا رُغِبَ فِيهَا بِمَهْرٍ لِتُنْفِقَهُ عَلَى قَرِيبِهَا الْفَقِيرِ ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ قَدْ تَكُونُ لِغَيْرِ الْمَالِ بِخِلَافِ التَّكَسُّبِ ( وَزَوْجَةُ مَنْ تَجِبُ لَهُ ) النَّفَقَةُ كَأَبٍ وَابْنٍ وَأَخٍ ( كَهُوَ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْفَقِيرِ الْيَوْمِيَّةِ لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ فَإِذَا احْتَاجَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ رُبَّمَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى الزِّنَا وَلِذَلِكَ وَجَبَ إعْفَافُهُ