كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
( وَمَنْ لَهُ ) مِنْ الْمُحْتَاجِينَ ( لِلنَّفَقَةِ وَلَوْ ) كَانَ ( حَمْلًا وَارِثٌ دُونَ أَبٍ فَنَفَقَتُهُ ) عَلَيْهِمْ ( عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ ) أَيْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - رَتَّبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } ( وَالْأَبُ ) الْغَنِيُّ ( يَنْفَرِدُ بِهَا ) أَيْ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - - : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } وَقَوْلِهِ { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ " { خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ } " ( فَ ) مَنْ لَهُ ( جَدٌّ وَأَخٌ ) لِغَيْرِ أُمٍّ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ تَعْصِيبًا ( أَوْ ) لَهُ ( أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ ) فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ ( بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا ( وَ ) مَنْ لَهُ ( أُمٌّ وَجَدٌّ ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ( أَوْ ) لَهُ ( ابْنٌ وَبِنْتٌ ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا ( أَثْلَاثًا ) كَإِرْثِهِمَا لَهُ .
( وَ ) مَنْ لَهُ ( أُمٌّ وَبِنْتٌ ) النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا رُبْعُهَا عَلَى الْأُمِّ وَبَاقِيهَا عَلَى الْبِنْتِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا ( أَوْ ) لَهُ ( جَدَّةٌ وَبِنْتٌ ) فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا ( أَرْبَاعًا ) كَإِرْثِهِمَا لَهُ كَذَلِكَ فَرْضًا وَرَدًّا ( وَ ) مَنْ لَهُ ( جَدَّةٌ وَعَاصِبٌ غَيْرُ أَبٍ ) كَابْنٍ وَأَخٍ وَعَمٍّ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا ( أَسْدَاسًا ) سُدُسُهَا عَلَى الْجَدَّةِ وَبَاقِيهَا عَلَى الْعَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْأَبُ فَيَنْفَرِدُ بِهَا وَتَقَدَّمَ .
( وَعَلَى هَذَا ) الْعَمَلِ ( حِسَابُهَا ) أَيْ النَّفَقَاتِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْإِرْثِ ( فَلَا تَلْزَمُ ) النَّفَقَةُ ( أَبَا أُمٍّ مَعَ أُمٍّ ) مُوسِرَةٍ ( وَ ) لَا ( ابْنَ بِنْتٍ مَعَهَا ) أَيْ مَعَ بِنْتٍ مُوسِرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ عَنْ الْمِيرَاثِ بِهَا ( وَلَا ) تَلْزَمُ ( أَخًا مَعَ ابْنٍ ) مُنْفَقٍ عَلَيْهِ وَلَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ الْأَخَ مَحْجُوبٌ
بِالِابْنِ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ وَحْدَهُ .
( وَ ) مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ بَعْضُهُمْ مُوسِرٌ وَبَعْضُهُمْ مُعْسِرٌ كَأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مُوسِرٌ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ ( تَلْزَمُ ) نَفَقَتُهُ ( مُوسِرًا ) مِنْهُمَا ( مَعَ فَقْرِ الْآخَرِ بِقَدْرِ إرْثِهِ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ - مَعَ يَسَارِ الْآخَرِ - ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْغَيْرُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمُودِيِّ النَّسَبِ .
( وَتَلْزَمُ ) نَفَقَةٌ ( جَدًّا ) لِابْنِ ابْنِهِ الْفَقِيرِ ( مُوسِرًا ) وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَخٌ ( مَعَ فَقْرِ أَبٍ ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ فِي عَمُودِيِّ النَّسَبِ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ .
( وَ ) تَلْزَمُ ( جَدَّةً مُوسِرَةً مَعَ فَقْرِ أُمٍّ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَمَنْ لَمْ يَكْفِ مَا فَضَلَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ كِفَايَتِهِ ( جَمِيعَ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ ) عَلَيْهِ لَوْ أَيْسَرَ بِجَمِيعِهَا ( بَدَأَ بِزَوْجَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى مَا وَجَبَ مُوَاسَاةً وَلِذَلِكَ تَجِبُ مَعَ يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ ( فَ ) نَفَقَةُ ( رَقِيقِهِ ) لِوُجُوبِهَا مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ( فَ ) نَفَقَةِ ( أَقْرَبَ ) فَأَقْرَبَ لِحَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ " { ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ } " أَدْنَاكَ أَيْ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَبِرٌّ وَمَنْ قَرُبَ أَوْلَى بِالْبِرِّ مِمَّنْ بَعُدَ .
( ثُمَّ ) مَعَ اسْتِوَاءٍ فِي الدَّرَجَةِ يَبْدَأُ بِ ( الْعَصَبَةِ ) كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ( ثُمَّ التَّسَاوِي فَيُقَدَّمُ وَلَدٌ عَلَى أَبٍ ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالنَّصِّ .
( وَ ) يُقَدَّمُ ( أَبٌ عَلَى أُمٍّ ) لِانْفِرَادِهِ بِالْوِلَايَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ " { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } " .
( وَ ) تُقَدَّمُ ( أُمٌّ عَلَى وَلَدِ ابْنٍ ) ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي
إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلَهَا فَضِيلَةُ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ .
( وَ ) يُقَدَّمُ ( وَلَدُ ابْنٍ عَلَى جَدٍّ ) كَمَا يُقَدَّمُ الْوَلَدُ عَلَى الْأَبِ .
( وَ ) يُقَدَّمُ ( جَدٌّ عَلَى أَخٍ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةَ الْوِلَادَةِ وَالْأُبُوَّةِ .
( وَ ) يُقَدَّمُ ( أَبُو أَبٍ عَلَى أَبِي أُمٍّ ) لِامْتِيَازِهِ بِالتَّعْصِيبِ ( وَهُوَ ) أَيْ أَبُو الْأُمِّ ( مَعَ أَبِي أَبِي أَبٍ مُسْتَوِيَانِ ) لِتَمَيُّزِ أَبِي الْأُمِّ بِالْقُرْبِ وَالْآخَرِ بِالْعُصُوبَةِ فَتَسَاوَيَا ( وَلِمُسْتَحِقِّهَا ) أَيْ النَّفَقَةِ ( الْأَخْذُ ) مِنْ مَالِ مُنْفِقٍ ( بِلَا إذْنِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ ) مِنْ دَفْعِهَا ( كَ ) مَا يَجُوزُ لِ ( زَوْجَةٍ ) الْأَخْذُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا النَّفَقَةَ لِحَدِيثِ هِنْدٍ " { خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ } " وَقِيسَ عَلَيْهِ سَائِرُ مَنْ تَجِبُ لَهُ
( وَلَا نَفَقَةَ مَعَ اخْتِلَافِ دِينٍ ) بِقَرَابَةٍ وَلَوْ مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } وَكَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا ( إلَّا بِالْوَلَاءِ ) فَتَجِبُ لِلْعَتِيقِ عَلَى مُعْتِقِهِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ بَايَنَهُ فِي دِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ مَعَ ذَلِكَ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَارِثِهِ مِنْ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ .
وَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ ( مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبِهِ وَغَيْرِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ وَيَسْتَضِرُّ بِفَقْدِهِ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ الْحَلْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا فَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَيُقَدَّمُ إنْ ضَاقَ الْفَاضِلُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالنَّفَقَةِ ( بِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ تُعِفُّهُ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا ( وَلَا يَمْلِكُ ) مَنْ أَعَفَّ بِسُرِّيَّةٍ ( اسْتِرْجَاعَهَا مَعَ غَنَاءٍ ) أَيْ الْفَقِيرِ كَالزَّكَاةِ وَلَا أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً ( وَ ) إنْ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا امْرَأَةً وَالْآخَرُ غَيْرَهَا ( يُقَدَّمُ تَعْيِينُ قَرِيبٍ ) مُنْفِقٍ ( وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ عَلَى ) تَعْيِينِ ( زَوْجٍ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ بِنَفَقَتِهَا وَتَوَابِعِهَا وَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ عَجُوزٍ قَبِيحَةِ الْمَنْظَرِ أَوْ مَعِيبَةٍ ( وَيُصَدَّقُ ) مُنْفَقٌ عَلَيْهِ ( أَنَّهُ تَائِقٌ ) لِلنِّكَاحِ ( بِلَا يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ .
وَفِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ بِيَمِينِهِ ( وَيُعْتَبَرُ ) لِوُجُوبِ إعْفَافٍ ( عَجْزُهُ ) أَيْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ عَنْ مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ .
( وَيَكْتَفِي ) فِي الْإِعْفَافِ ( بِوَاحِدَةٍ ) زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا ( فَإِنْ مَاتَتْ ) زَوْجَةٌ أَوْ سُرِّيَّةٌ أَعَفَّهُ بِهَا ( أَعَفَّهُ ثَانِيًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ( لَا إنْ طَلَّقَ بِلَا عُذْرٍ ) أَوْ أَعْتَقَ السُّرِّيَّةَ وَلَمْ يَجْعَلْ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِفَّهُ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ ( وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ أُمٍّ كَأَبٍ ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُ إعْفَافُ أَبٍ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ سُلِّمَ فَالْأَبُ آكَدُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ؛ لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَهَا بِالتَّزْوِيجِ ، وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ تَعَذَّرَ تَزْوِيجٌ بِدُونِهَا ، وَبِنْتٌ وَنَحْوَهَا
كَأُمٍّ ( وَ ) يَلْزَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ( خَادِمٌ لِلْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ ( لِحَاجَةٍ ) إلَيْهِ ( كَالزَّوْجَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ .
( وَمَنْ تَرَكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ) مِنْ نَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ عَتِيقٍ ( مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ ) شَيْءٌ ( لِمَا مَضَى ) ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ ( أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ ( وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ ( إلَّا بِفَرْضِ حَاكِمٍ ) لِتَأَكُّدِهِ بِفَرْضِهِ ( وَزَادَ غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهُوَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ( أَوْ إذْنِهِ ) أَيْ الْحَاكِمِ فِي النَّفَقَةِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ ( فِي اسْتِدَانَةٍ ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ : وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى ، وَإِنْ فُرِضَتْ إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ( وَلَوْ غَابَ زَوْجٌ فَاسْتَدَانَتْ ) زَوْجَةٌ ( لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ ) وَنَحْوِهِمْ ( رَجَعَتْ ) نَصًّا وَلَعَلَّهُ لِتَبَعِيَّةِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهَا لِنَفَقَتِهَا ( وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا ) أَيْ النَّفَقَةِ ( زَوْجٌ أَوْ قَرِيبٌ ) فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ ( رَجَعَ عَلَيْهِ مُنْفِقٌ ) عَلَى زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ ( بِنِيَّةِ رُجُوعٍ ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ قَدْ يَكُونُ لِضَعْفِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ .
وَقُوَّةِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ .
فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُنْفِقُ الرُّجُوعَ لَضَاعَ الضَّعِيفُ ( وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ صَغِيرٍ ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ أَبٍ أَوْ وَارِثِ غَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ ( نَفَقَةُ ظِئْرِهِ ) أَيْ مُرْضِعَتِهِ ( حَوْلَيْنِ ) كَامِلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } الْآيَةَ وَقَوْلِهِ : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَلِأَنَّ الطِّفْلَ إنَّمَا يَتَغَذَّى بِمَا يَتَوَلَّدُ فِي الْمُرْضِعَةِ مِنْ اللَّبَنِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْغِذَاءِ فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْمُرْضِعَةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَهُ ، وَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَاجَةِ
إلَى الرَّضَاعِ ( وَلَا يُفْطَمُ قَبْلَهُمَا ) أَيْ الْحَوْلَيْنِ لِلْآيَةِ ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ ( إلَّا بِرِضَا أَبَوَيْهِ أَوْ ) بِرِضَا ( سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا ) فَيَجُوزُ ( مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ ) بِفِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَا .
وَفِي الرِّعَايَةِ هُنَا يَحْرُمُ رَضَاعُهُ بَعْدَهُمَا وَلَوْ رَضِيَا ، وَظَاهِرُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا ( وَلِأَبِيهِ مَنْعُ أُمِّهِ مِنْ خِدْمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ .
وَ ( لَا ) يَمْنَعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَلَوْ أَنَّهَا فِي حِبَالِهِ لِلْآيَةِ فَتُرْضِعُهُ هِيَ وَالْخَادِمُ تَقُومُ بِخِدْمَتِهِ عِنْدَهَا فَلَمْ يَفُتْهَا رَضَاعُهُ وَلَا حَضَانَتُهُ ( وَهِيَ ) أَيْ الْأُمُّ ( أَحَقُّ ) بِرَضَاعِ وَلَدِهَا ( بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا حَتَّى مَعَ ) مُرْضِعَةٍ ( مُتَبَرِّعَةٍ أَوْ ) مَعَ ( زَوْجٍ ثَانٍ وَيَرْضَى ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } وَقَوْلِهِ : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، وَلِأَنَّ أُمَّهُ أَشْفَقُ ، وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ طَلَبَتْ الْأُمُّ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَوَجَدَ الْأَبُ مَنْ يَرْضِعُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ مُتَبَرِّعَةً فَلِأَبٍ أَخْذُهُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً إلَّا بِمَا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ ، فَالْأُمُّ أَحَقُّ لِمَا سَبَقَ .
وَإِنْ مَنَعَ الْأُمَّ زَوْجُهَا غَيْرُ أَبِي الطِّفْلِ مِنْ رَضَاعِهِ سَقَطَ حَقُّهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهَا إلَيْهِ ( وَيَلْزَمُ حُرَّةً ) إرْضَاعُ وَلَدِهَا ( مَعَ خَوْفِ تَلَفِهِ ) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَنَحْوَهُ حِفْظًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا ، وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا ، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ تَلَفُهُ لَمْ تُجْبَرْ دَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ شَرِيفَةً فِي حِبَالِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } .
( وَ ) يَلْزَمُ ( أُمَّ وَلَدٍ
) إرْضَاعُ وَلَدِهَا ( مُطْلَقًا ) أَيْ خِيفَ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ غَيْرِهِ ( مَجَّانًا ) أَيْ بِلَا أُجْرَةٍ ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا لِسَيِّدِهَا ( وَمَتَى عَتَقَتْ ) أُمُّ الْوَلَدِ ( فَكَ ) حُرَّةٍ ( بَائِنٍ ) لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ .
فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا : وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ .
وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الرَّضَاعِ .
قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ ( وَلِزَوْجٍ ثَانٍ ) أَيْ غَيْرِ أَبِ الرَّضِيعِ ( مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ ) الزَّوْجِ ( الْأَوَّلِ ) أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ ( إلَّا لِضَرُورَتِهِ ) أَيْ الْوَلَدِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يَرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَوْ لَا يَقْبَلَ ثَدْيَ غَيْرِهَا ( أَوْ شَرْطِهَا ) بِأَنْ شَرَطَتْ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا رَضَاعَ وَلَدِهَا فَلَهَا شَرْطُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا وَهِيَ فِي حِبَالِ أَبِيهِ فَاحْتَاجَتْ لِزِيَادَةِ نَفَقَةٍ لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ كِفَايَتَهَا .
وَتَلْزَمُهُ أَيْ السَّيِّدَ نَفَقَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا أَيْ بِالْمَعْرُوفِ ( لِرَقِيقِهِ وَلَوْ ) كَانَ رَقِيقُهُ ( آبِقًا ) أَوْ مَرِيضًا أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ ( أَوْ ) كَانَ أَمَةً ( نَاشِزًا أَوْ ) كَانَ ( ابْنَ أَمَتِهِ مِنْ حُرٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا غُرُورَ ( مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ ) مُتَعَلِّقٌ بِ تَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ سَيِّدِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ وَأُدْمَ مِثْلِهِ .
( وَ ) تَلْزَمُهُ ( كِسْوَتُهُ ) أَيْ رَقِيقِهِ ( مُطْلَقًا ) غَنِيًّا كَانَ الْمَالِكُ أَوْ فَقِيرًا أَوْ مُتَوَسِّطًا مِنْ غَالِبِ الْكِسْوَةِ لِأَمْثَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ } " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي سَنَدِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ ، وَمَنَافِعُهُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَبَهِيمَتِهِ ( وَلِمُبَعَّضٍ ) عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَسُكْنَاهُ ( بِقَدْرِ رِقِّهِ وَبَقِيَّتُهَا ) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُبَعَّضِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ فَإِنْ أَعْسَرَ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَعَلَى وَارِثِهِ الْغَنِيِّ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَ نَفَقَةَ رَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ يَأْخُذُ كَسْبَهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي كَسْبِهِ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِسَيِّدِهِ وَإِنْ أَعْوَزَ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ ( وَعَلَى حُرَّةٍ نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ ) نَصًّا .
قُلْت إنْ كَانَ مَنْ يُشْرِكُهَا فِي الْمِيرَاثِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِهِ كَمَا سَبَقَ ( وَكَذَا مُكَاتَبَةٌ وَلَوْ أَنَّهُ ) أَيْ وَلَدَهَا ( مِنْ مُكَاتَبٍ ) فَنَفَقَةُ وَلَدِهَا عَلَيْهَا ( وَكَسْبُهُ لَهَا ) لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا ( وَيُزَوَّجُ ) رَقِيقٌ وُجُوبًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ( بِطَلَبِهِ )
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ غَالِبًا وَكَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ تَرْكِ إعْفَافِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ بِخِلَافِ طَلَبِ الْحَلْوَى ( غَيْرَ أَمَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا ) سَيِّدُهَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( مُكَاتَبَةً بِشَرْطِهِ ) أَيْ كَاتَبَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ ، وَإِزَالَةُ دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا ( وَتُصَدَّقُ ) أَمَةٌ طَلَبَتْ تَزْوِيجًا وَادَّعَى سَيِّدُهَا أَنَّهُ يَطَؤُهَا ( فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَيَجِبُ خِتَانُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا مِنْهُمْ .
( وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ ( فَطَلَبَتْ التَّزْوِيجَ زَوَّجَهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ ) أَيْ مَالَ الْغَائِبِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَهَا الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ عَنْ الْقَاضِي ( وَكَذَا أَمَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ ( وَإِنْ غَابَ ) سَيِّدٌ ( عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ زُوِّجَتْ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَحَفِظَ مَهْرَهَا لِلسَّيِّدِ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَكَذَا ) لِحَاجَةِ ( وَطْءٍ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَوْ وَطْءٍ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَنَفَقَةٍ أَيْ أَوْجَبَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ( وَيَجِبُ أَنْ لَا يُكَلَّفُوا ) أَيْ الْأَرِقَّاءُ ( مَشَقًّا كَثِيرًا ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا " إخْوَانُكُمْ { خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) يَجِبُ ( أَنْ يُرَاحُوا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ وَ ) وَقْتَ ( نَوْمٍ وَ ) أَدَاءِ ( صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ ) لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ إضْرَارٌ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَمَةٍ رَعْيًا لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا لِبُعْدِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا
( وَ ) يَجِبُ أَنْ ( يُرْكِبَهُمْ عَقِبَهُ لِحَاجَةٍ ) إذَا سَافَرَ بِهِمْ لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَهُ ( وَمَنْ بُعِثَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( مِنْهُمْ ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ ( فِي حَاجَةٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ ) وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ ( صَلَّى أَوَّلًا ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ ) ( فَلَوْ عُذِرَ ) بِنَحْوِ خَشْيَةِ إضْرَارِ سَيِّدِهِ بِهِ ( أَخَّرَ ) الصَّلَاةَ ( وَقَضَاهَا ) أَيْ الْحَاجَةَ ثُمَّ صَلَّى ، لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ ( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ) أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا ( فَوَجَدَ مَسْجِدًا قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ صَلَّى ) لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ( فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ ) قَضَاءِ الْحَاجَةِ ( فَلَا بَأْسَ ) نَصًّا لِأَنَّهُ قَضَى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ
( وَسُنَّ ) لِسَيِّدِهِمْ ( مُدَاوَاتُهُمْ إنْ مَرِضُوا ) قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ أَظْهَرُ ، وَقَالَ قَبْلَهُ : وَيُدَاوِيهِ وُجُوبًا قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ .
قُلْتُ الْمَذْهَبُ أَنَّ تَرْكَ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوُجُوبَ الْمُدَاوَاةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ
( وَ ) يُسَنُّ لِسَيِّدٍ ( إطْعَامُهُمْ ) أَيْ الْأَرِقَّاءِ ( مِنْ طَعَامِهِ ) وَإِلْبَاسُهُمْ مِنْ لِبَاسِهِ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ عَبِيدِهِ الذُّكُورِ فِي الْكِسْوَةِ وَبَيْنَ إمَائِهِ إنْ كُنَّ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ اخْتَلَفْنَ فَلَا بَأْسَ بِتَفْضِيلِ مَنْ هِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكِسْوَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ ( وَمَنْ وَلِيَهُ ) أَيْ الطَّعَامَ مِنْ رَقِيقِهِ ( فَمَعَهُ أَوْ مِنْهُ ) يُطْعِمُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَهِهِ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ قَدْ كَفَاهُ عِلَاجَهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلِيُنَاوِلْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ } " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْمُبَاشِرِ تَتُوقُ إلَى مَا لَا تَتُوقُ إلَيْهِ نَفْسُ غَيْرِهِ ( وَلَا يَأْكُلُ ) رَقِيقٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ ( إلَّا بِإِذْنِهِ ) نَصًّا لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ .
قُلْتُ إنْ مَنَعَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَكْلُ بِالْمَعْرُوفِ كَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ
( وَلَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ وَالْأَبِ وَالسَّيِّدِ ( تَأْدِيبُ زَوْجَةٍ وَ ) تَأْدِيبُ ( وَلَدٍ وَلَوْ ) كَانَ الْوَلَدُ ( مُكَلَّفًا مُزَوَّجًا بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ وَ ) كَذَا ( تَأْدِيبُ رَقِيقٍ ) إذَا أَذْنَبُوا وَيُسَنُّ الْعَفْوُ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ بِلَا ذَنْبٍ وَلَا أَنْ يُضْرَبُوا ضَرْبًا مُبَرِّحًا .
لِحَدِيثِ { لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ ( وَ ) لِسَيِّدِ رَقِيقٍ أَنْ ( يُقَيِّدَهُ إنْ خَافَ عَلَيْهِ ) إبَاقًا نَصًّا وَقَالَ يُبَاعُ أَحَبُّ إلَيَّ ( وَلَا يَشْتُمُ أَبَوَيْهِ ) أَيْ أَبَوَيْ الرَّقِيقِ ( الْكَافِرِينَ ) قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ وَهُوَ الَّذِي يُسِيءُ إلَى مَمَالِيكِهِ
( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ السَّيِّدَ ( بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( مَعَ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ وَالْحَقَّ لَهُ ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ وَطَلَبَ بَيْعَهُ لَزِمَهُ إجَابَتَهُ وَيَأْتِي ( وَحَرُمَ أَنْ يَسْتَرْضِعَ أَمَةً ) لَهَا وَلَدٌ ( لِغَيْرِ وَلَدِهَا ) وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ لِنَقْصِهِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ ( إلَّا بَعْدَ رَيِّهِ ) أَيْ الْوَلَدِ فَيَجُوزُ اسْتِرْضَاعُهَا بِمَا زَادَ لِاسْتِغْنَاءِ وَلَدِهَا عَنْهُ كَالْفَاضِلِ مِنْ كَسْبِهَا وَكَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا
( وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا ) أَيْ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ ( بِلَا إذْنِ زَوْجٍ زَمَنَ حَقِّهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَفْوِيتًا لِحَقِّ زَوْجِهَا بِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ .
( وَلَا ) يَجُوزُ ( جَبْرُ ) قِنٍّ ( عَلَى مُخَارَجَةٍ وَهِيَ ) أَيْ الْمُخَارَجَةُ ( جَعْلُ سَيِّدٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ ) كُلَّ شَهْرٍ ( شَيْئًا مَعْلُومًا لَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا كَكِتَابَةٍ ( وَتَجُوزُ ) الْمُخَارَجَةُ ( بِاتِّفَاقِهِمَا إنْ كَانَتْ قَدْرَ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا ، فَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى كَسْبِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لِمَا يَغْلِبُهُ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ لِعَبْدٍ مُخَارِجٍ هَدِيَّةُ طَعَامٍ وَإِعَارَةٍ مَتَاعٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ .
( وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ لَا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ( وَيَصِحُّ ) أَيْ يَجُوزُ تَسَرِّيهِ ( عَلَى ) قَوْلٍ ( مَرْجُوحٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ انْتَهَى ) وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْوَاضِحِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَهِيَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَصَرَهُ .
ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَيْسَ لَهُ التَّسَرِّي إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّسَرِّي بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ( لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ رُجُوعًا ) فِي أَمَةٍ أَذِنَهُ بِالتَّسَرِّي بِهَا ( بَعْدَ تَسَرٍّ ) بِهَا نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ بِهِ الْبُضْعَ فَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ فَسْخَهُ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ .
( وَلِمُبَعَّضٍ وَطْءُ أَمَةٍ مَلَكَهَا بِجُزْئِهِ الْحُرِّ بِلَا إذْنِ ) أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهَا خَالِصُ مُلْكِهِ .
( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى سَيِّدٍ امْتَنَعَ مِمَّا ) يَجِبُ ( لِرَقِيقِهِ ) عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَإِعْفَافٍ ( إزَالَةُ مُلْكِهِ ) عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ وَنَحْوِهَا ( بِطَلَبِهِ ) سَوَاءٌ امْتَنَعَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ أَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ( كَفُرْقَةِ زَوْجَةٍ ) امْتَنَعَ مِنْ مَا لَهَا عَلَيْهِ إزَالَةً لِلضَّرَرِ ، وَفِي الْخَبَرِ عَبْدُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي وَامْرَأَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي .
وَعَلَى مَالِكِ بَهِيمَةٍ إطْعَامُهَا بِعَلَفِهَا أَوْ إقَامَةُ مَنْ يَرْعَاهَا ( وَ ) عَلَيْهِ ( سَقْيُهَا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " { عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ ذَبْحِ مَأْكُولٍ ) إزَالَةً لِضَرَرِهَا وَظُلْمِهَا وَلِأَنَّهَا تَتْلَفُ إذَا تُرِكَتْ بِلَا نَفَقَةٍ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا ( فَإِنْ أَبَى ) فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ( فَعَلَ حَاكِمٌ الْأَصْلَحَ ) مِنْ الثَّلَاثَةِ ( أَوْ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ ) مَا يُنْفِقُهُ عَلَى بَهِيمَةٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ .
( وَيَجُوزُ انْتِفَاعٌ بِهَا ) أَيْ الْبَهِيمَةِ ( فِي غَيْرِ مَا خُلِقَتْ لَهُ كَبَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ وَ ) كَ ( إبِلٍ وَحُمُرٍ لِحَرْثٍ وَنَحْوِهِ ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمِلْكِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا يُمْكِنُ وَهَذَا مِنْهُ كَاَلَّذِي خُلِقَتْ لَهُ وَبِهِ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَكْلُ الْخَيْلِ وَاسْتِعْمَالُ اللُّؤْلُؤِ فِي الْأَدْوِيَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا ذَلِكَ ، وَحَدِيثُ " { بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا إذْ قَالَتْ إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِذَلِكَ إنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ هُوَ مُعْظَمُ النَّفْعِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِهِ وَإِنْ عَطِبَتْ بَهِيمَةٌ فَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً خُيِّرَ بَيْنَ ذَبْحِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا .
( وَجِيفَتُهَا ) إنْ مَاتَتْ ( لَهُ ) أَيْ لِمَالِكِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ ( وَنَقْلُهَا عَلَيْهِ ) لِدَفْعِ أَذَاهَا ( وَيَحْرُمُ لَعْنُهَا ) أَيْ الْبَهِيمَةِ لِحَدِيثِ عُمَرَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَلَعَنَتْ امْرَأَةٌ نَاقَةً فَقَالَ : خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا مَكَانَهَا مَلْعُونَةً فَكَأَنِّي الْآن أَرَاهَا تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا تَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ } ) وَحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ ( { لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ } ) رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( تَحْمِيلُهَا ) أَيْ الْبَهِيمَةِ ( مَشَقًّا ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهَا ( وَ ) يَحْرُمُ ( حَلْبُهَا مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَبَنُهُ مَخْلُوقٌ لَهُ أَشْبَهَ وَلَدَ الْأَمَةِ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( ذَبْحُ ) حَيَوَانٍ ( غَيْرِ مَأْكُولٍ لِإِرَاحَةٍ ) مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( ضَرْبُ وَجْهٍ وَوَسْمٌ فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ وَسَمَ أَوْ ضَرَبَ الْوَجْهَ وَنَهَى عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهِيَ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ إلَّا لِمُدَاوَاةٍ ، وَقَالَ أَيْضًا يَحْرُمُ لِقَصْدِ الْمُثْلَةِ ( وَيَجُوزُ ) الْوَسْمُ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ الْوَجْهِ ( لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ) كَالْمُدَاوَاةِ .
( وَيُكْرَهُ خِصَاءٌ ) فِي غَنَمٍ وَغَيْرِهَا إلَّا خَوْفَ غَضَاضَةٍ نَصًّا وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ كَالْآدَمِيِّ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ إجْمَاعًا .
( وَ ) يُكْرَهُ ( جَزُّ مَعْرَفَةٍ وَ ) جَزُّ ( نَاصِيَةٍ وَ ) جَزُّ ذَنَبٍ وَتَعْلِيقُ جَرَسٍ ( أَوْ وَتَرٍ ) لِلْخَبَرِ وَيُكْرَهُ لَهُ إطْعَامُهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ عَادَةً لِأَجْلِ التَّسْمِينِ قَالَهُ فِي الْغُنْيَةِ ( وَ ) يُكْرَهُ ( نَزْوُ حِمَارٍ عَلَى فَرَسٍ ) كَالْخِصَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسْلَ فِيهِمَا ( وَتُسْتَحَبُّ نَفَقَتُهُ ) أَيْ الْمَالِكِ ( عَلَى مَالِهِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ ) .
وَفِي الْفُرُوعِ يُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ لِئَلَّا يُضَيَّعَ انْتَهَى ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ .
الْحَضَانَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْحِضْنِ ، وَهُوَ الْجَنْبُ لِضَمِّ الْمُرَبِّي وَالْكَافِلِ وَالطِّفْلِ وَنَحْوِهِ إلَى حِضْنِهِ ( وَتَجِبُ ) الْحَضَانَةُ حِفْظًا لِلْمَحْضُونِ وَأَنْجَالِهِ مِنْ الْهَلَكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ هَلَكَ وَضَاعَ ( وَهِيَ ) شَرْعًا ( حِفْظُ صَغِيرٍ وَمَعْتُوهٍ وَهُوَ الْمُخْتَلُّ الْعَقْلِ وَمَجْنُونٍ عَمَّا يَضُرُّهُمْ وَتَرْبِيَتُهُمْ بِعَمَلِ مَصَالِحِهِمْ ) مِنْ غَسْلِ بَدَنِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَدَهْنِهِمْ وَتَكْحِيلِهِمْ وَرَبْطِ طِفْلٍ بِمَهْدٍ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوَهُ ( وَمُسْتَحِقُّهَا رَجُلٌ عَصَبَةٌ ) كَأَبٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ ( وَامْرَأَةٌ وَارِثَةٌ كَأُمٍّ ) وَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ ( ( أَوْ ) قَرِيبَةٌ ( مُدْلِيَةٌ بِوَارِثٍ كَخَالَةٍ وَبِنْتِ أُخْتٍ أَوْ ) مُدْلِيَةٌ ( بِعَصَبَةٍ كَعَمَّةٍ وَبِنْتِ أَخٍ ( وَ ) بِنْتِ ( عَمٍّ ) لِغَيْرِ أُمٍّ ( وَذُو رَحِمٍ كَأَبِي أُمٍّ ) وَأَخٍ لِأُمٍّ ( ثُمَّ حَاكِمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَيَنُوبُ عَنْهُمْ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ .
وَحَضَانَةُ الطِّفْلِ وَنَحْوَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ( وَأُمُّ ) مَحْضُونٍ ( أَوْلَى ) بِحَضَانَتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُنْكَحِي } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ ، وَالْأَبُ لَا يَلِي حَضَانَتَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ ، وَأُمُّهُ أَوْلَى مِمَّنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهَا .
( وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا كَرَضَاعٍ ) حَيْثُ كَانَتْ أَهْلًا ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ تَكُنْ أُمٌّ أَوْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ فَ ( أُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى ) ؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ لَهُنَّ وِلَادَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ أَشْبَهْنَ الْأُمَّ ( ثُمَّ ) بَعْدَهُنَّ ( أَبٌ
) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَأَحَقُّ بِوِلَايَةِ الْمَالِ ( ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذَلِكَ ) أَيْ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى لِإِدْلَائِهِنَّ بِعَصَبَةٍ قَرِيبَةٍ ( ثُمَّ جَدٌّ ) لِأَبٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَبِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْأَجْدَادِ ( ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ ) أَيْ الْجَدِّ ( كَذَلِكَ ) أَيْ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى لِإِدْلَائِهِنَّ بِعَصَبَةٍ ( ثُمَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ) لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي النَّسَبِ وَقُوَّةِ قَرَابَتِهَا ( ثُمَّ ) أُخْتٌ ( لِأُمٍّ ) لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ كَالْجَدَّاتِ ( ثُمَّ ) أُخْتٌ ( لِأَبٍ ثُمَّ خَالَةٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ) خَالَةٌ ( لِأُمٍّ ثُمَّ ) خَالَةٌ ( لِأَبٍ ) لِإِدْلَاءِ الْخَالَاتِ بِالْأُمِّ ( ثُمَّ عَمَّةٌ كَذَلِكَ ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ لِإِدْلَائِهِنَّ بِالْأَبِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فِي الْحَضَانَةِ عَنْ الْأُمِّ ( ثُمَّ خَالَةُ أُمٍّ ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ( ثُمَّ خَالَةُ أَبٍ ) كَذَلِكَ ( ثُمَّ عَمَّتُهُ ) أَيْ الْأَبِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ فَقُدِّمْنَ عَلَى مَنْ بِدَرَجَتِهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ كَتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدَّةِ عَلَى الْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى الْأَخِ وَلَا حَضَانَةَ لِعَمَّاتِ الْأُمِّ مَعَ عَمَّاتِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِأَبِي الْأُمِّ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَعَمَّاتِ الْأَبِ يُدْلِينَ بِالْأَبِ وَهُوَ عَصَبَةٌ ( ثُمَّ بِنْتُ أَخٍ ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ( وَ ) بِنْتُ ( أُخْتٍ ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ( ثُمَّ بِنْتُ عَمٍّ ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ( وَ ) بِنْتُ ( عَمَّةٍ ) كَذَلِكَ ( ثُمَّ بِنْتُ عَمِّ أَبٍ ) كَذَلِكَ .
( وَ ) بِنْتُ ( عَمَّتِهِ ) أَيْ الْأَبِ ( عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ ) فَتُقَدَّمُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ( ثُمَّ ) الْحَضَانَةُ ( لِبَاقِي الْعَصَبَةِ ) أَيْ عَصَبَةِ الْمَحْضُونِ ( الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ) فَتُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ أَعْمَامُ أَبٍ ثُمَّ
بَنُوهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ أَعْمَامُ جَدٍّ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَذَلِكَ وَهَكَذَا .
( وَشَرْطُ كَوْنِهِ ) أَيْ الْعَصَبَةِ ( مُحَرَّمًا وَلَوْ بِرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ ) كَمُصَاهَرَةٍ ( لِأُنْثَى ) مَحْضُونَةٍ ( بَلَغَتْ سَبْعًا ) مِنْ السِّنِينَ ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ ( وَيُسَلِّمُهَا غَيْرُ مُحْرَمٍ ) كَابْنِ عَمٍّ ( تَعَذَّرَ غَيْرُهُ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سِوَاهُ ( إلَى ثِقَةٍ يَخْتَارُهَا ) الْعَصَبَةُ ( أَوْ ) يُسَلِّمُهَا إلَى ( مَحْرَمِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَحَاكِمٍ ( وَكَذَا أُمٌّ تَزَوَّجَتْ وَلَيْسَ لِوَلَدِهَا غَيْرُهَا ) فَتُسَلِّمُ وَلَدَهَا إلَى ثِقَةٍ تَخْتَارُهُ أَوْ مَحْرَمِهَا لِمَا تَقَدَّمَ ( ثُمَّ ) الْحَضَانَةُ ( لِذِي رَحِمٍ ذَكَرًا وَأُنْثَى غَيْرَ مَنْ تَقَدَّمَ ) ؛ لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَقَرَابَةً يَرِثُونَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ مَنْ تَقَدَّمَ أَشْبَهُوا الْبَعِيدَ مِنْ الْعَصَبَاتِ ( وَأَوْلَاهُمْ ) بِحَضَانَةٍ ( أَبُو أُمٍّ فَأُمَّهَاتُهُ فَأَخٌ لِأُمٍّ فَخَالٌ ثُمَّ حَاكِمٌ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى مَنْ لَا أَبَ لَهُ وَلَا وَصِيَّ ، وَالْحَضَانَةُ وِلَايَةٌ ( وَتَنْتَقِلُ ) حَضَانَةٌ ( مَعَ امْتِنَاعِ مُسْتَحَقِّهَا أَوْ ) مَعَ ( عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ ) لَهَا كَالرَّقِيقِ ( إلَى مَنْ بَعْدَهُ ) أَيْ يَلِيهِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُمْتَنِعِ وَغَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ كَعَدَمِهِ ( وَحَضَانَةُ ) طِفْلٍ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَ ( مُبَعَّضٍ لِقَرِيبٍ وَسَيِّدٍ بِمُهَايَأَةٍ ) فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَوْمٌ لِقَرِيبِهِ وَيَوْمٌ لِسَيِّدِهِ وَمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ يَوْمَانِ لِقَرِيبِهِ وَيَوْمٌ لِسَيِّدِهِ
( وَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ فِيهِ رِقٌّ ) وَإِنْ قَلَّ ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ
( وَلَا ) حَضَانَةَ ( لِفَاسِقٍ ) ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِهِ فِي أَدَاءِ وَاجِبِ الْحَضَانَةِ وَلَا حَظَّ لِلْمَحْضُونِ فِي حَضَانَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَشَأَ عَلَى أَحْوَالِهِ
( وَلَا ) حَضَانَةَ لِ ( كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْفَاسِقِ
( وَلَا ) حَضَانَةَ لِامْرَأَةٍ ( مُزَوَّجَةٍ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَحْضُونٍ زَمَنَ عَقْدٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُنْكَحِي } " وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا ، بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَيَسْتَحِقُّ مَنْعَهَا مِنْ الْحَضَانَةِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبِ مَحْضُونِهَا وَلَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ لَهُ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا ( وَلَوْ رَضِيَ زَوْجٌ ) بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْحَضَانَةَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ رَضَاعٍ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَبِمُجَرَّدِ زَوَالِ مَانِعٍ ) مِنْ رِقٍّ أَوْ فِسْقٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ تَزَوُّجٍ بِأَجْنَبِيٍّ ( وَلَوْ بِطَلَاقِ رَجْعِيٍّ وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ) يَعُودُ الْحَقُّ ( وَ ) بِمُجَرَّدِ ( رُجُوعِ مُمْتَنِعٍ ) مِنْ حَضَانَةٍ ( يَعُودُ الْحَقُّ ) لَهُ فِي الْحَضَانَةِ لِقِيَامِ سَبَبِهَا مَعَ زَوَالِ الْمَانِعِ .
( وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْنِ ) لِمَحْضُونٍ ( نَقْلَهُ إلَى بَلَدِ آمِنٍ وَطَرِيقُهُ ) أَيْ الْبَلَدِ ( مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ لِيَسْكُنَهُ ) وَكَانَ الطَّرِيقُ أَيْضًا آمِنًا ( فَأَبٌ أَحَقُّ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقُومُ عَادَةً بِتَأْدِيبِهِ وَتَخْرِيجِهِ وَحِفْظِ نَسَبِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ أَبِيهِ ضَاعَ وَمَتَى اجْتَمَعَ الْأَبَوَانِ عَادَتْ الْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ .
( وَ ) إنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَقْلَهُ ( إلَى ) بَلَدٍ ( قَرِيبٍ ) دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْآخَرِ ( لِسُكْنَى فَأُمٌّ ) أَحَقُّ فَتَبْقَى عَلَى حَضَانَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَتَمُّ شَفَقَةً كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ أَحَدُهُمَا .
( وَ ) إنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ سَفَرًا ( لِحَاجَةٍ ) وَيَعُودُ ( بَعْدَ ) الْبَلَدِ الَّذِي أَرَادَهُ ( أَوْ لَا ) أَيْ لَمْ يَبْعُدْ ( فَمُقِيمٌ ) مِنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ إزَالَةً لِضَرَرِ السَّفَرِ ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُسَافِرُ بِهِ مُضَارَّةَ الْآخَرِ ، وَإِلَّا فَالْأُمُّ أَحَقُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ وَقَوَّاهُ غَيْرُهُ .
وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ مَحْضُونٌ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا أَيْ تَمَّتْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ ( خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ } " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا " { جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ " خَيَّرَنِي عَلِيٌّ بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي وَكُنْتُ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ " .
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الْحَضَانَةِ لِحَقِّ الْوَلَدِ فَيُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَشْفَقُ ، وَاخْتِيَارُهُ دَلِيلُ ذَلِكَ ( فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا ) لِيَحْفَظَهُ وَيُعَلِّمَهُ وَيُؤَدِّبَهُ ( وَلَا يُمْنَعُ زِيَارَةَ أُمِّهِ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لَهُ بِالْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَيَزُورُهَا عَلَى الْعَادَةِ كَيَوْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ ( وَلَا ) تُمْنَعُ ( هِيَ تَمْرِيضَهُ ) لِصَيْرُورَتِهِ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ لِلْحَاجَةِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ .
( وَإِنْ اخْتَارَهَا ) أَيْ الْأُمَّ ( كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ السَّكَنِ وَانْحِيَازُ الرِّجَالِ إلَى الْمَسَاكِنِ .
( وَ ) كَانَ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْأَبِ ( نَهَارًا ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّصَرُّفِ فِي الْحَوَائِجِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ ( لِيُؤَدِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ ) لِئَلَّا يَضِيعَ ( وَإِنْ ) اخْتَارَ صَبِيٌّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ ( عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ نُقِلَ إلَيْهِ ، وَإِنْ عَادَ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إلَيْهِ ) وَهَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا اخْتَارَ
أَحَدَهُمَا نُقِلَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ لِحِفْظِ نَفْسِهِ فَأُتْبِعَ مَا يَشْتَهِيهِ كَالْمَأْكُولِ .
وَإِنْ كَانَ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَّهُ مِنْ فَسَادٍ .
وَيَكْرَهُ الْآخَرَ لِلْأَدَبِ لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : ( وَيُقْرَعُ ) بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ ( إنْ لَمْ يَخْتَرْ ) الصَّبِيُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا ( أَوْ اخْتَارَهُمَا ) جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَضَانَتِهِ ، فَلَا مُرَجِّحَ غَيْرَ الْقُرْعَةِ ( وَإِنْ بَلَغَ ) الذَّكَرُ ( رَشِيدًا كَانَ حَيْثُ شَاءَ ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ وَزَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْهُ وَقُدْرَتِهِ عَلَى إصْلَاحِ أُمُورِهِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ فَيُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَتِهِمَا .
( وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ عَنْ أَبَوَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي بِرِّهِمَا وَصِلَتِهِمَا ( وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرَ فِيهَا ) كَأَخَّيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ أُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا ( مَا لَمْ يَبْلُغْ مَحْضُونٌ سَبْعًا ) أَيْ يَتِمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ ( وَلَوْ أُنْثَى فَيُخَيَّرُ ) بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْبَعْضِ ( وَالْأَحَقُّ مِنْ عَصَبَةِ ) مَحْضُونٍ .
قُلْتُ وَمِنْ ذُكُورِ ذَوِي رَحِمِهِ كَأَبِي أُمِّهِ وَأَخِيهِ لِأُمِّهِ وَخَالِهِ ( عِنْدَ عَدَمِ أَبٍ أَوْ ) عَدَمِ ( أَهْلِيَّتِهِ ) أَيْ الْأَبِ ( كَأَبٍ فِي تَخْيِيرِ ) مَنْ بَلَغَ سَبْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مَثَلًا .
( وَ ) فِي ( إقَامَةٍ وَنُقْلَةٍ ) إذَا سَافَرَ أَحَدُهُمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ ( إنْ كَانَ ) الْعَصَبَةُ ( مَحْرَمًا لِأُنْثَى ) وَلَوْ بِنَحْوِ رَضَاعٍ كَعَمٍّ ، وَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ رَضَاعٍ ، أَوْ هِيَ رَبِيبَةٌ ، وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا ( وَسَائِرُ ) النِّسَاءِ ( الْمُسْتَحَقَّاتِ لَهَا ) أَيْ الْحَضَانَةِ مِنْ جَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ وَعَمَّاتٍ ( كَأُمٍّ فِي ذَلِكَ ) أَيْ التَّخْيِيرِ وَالْإِقَامَةِ وَالنُّقْلَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْأُمِّ .
( وَتَكُونُ بِنْتَ سَبْعِ ) سِنِينَ تَامَّةٍ ( عِنْدَ أَبٍ إلَى زِفَافٍ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ( وُجُوبًا ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا وَأَحَقُّ بِوِلَايَتِهَا وَلِيُؤْمَنَ عَلَيْهَا مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْآفَاتِ ، لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْخَدِيعَةُ لِغِرَّتِهَا أَوْ لِمُقَارَبَتِهَا إذْنَ الصَّلَاحِيَةِ لِلتَّزَوُّجِ ، وَقَدْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ سَبْعٍ ، وَإِنَّمَا تُخْطَبُ مِنْ أَبِيهَا ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا وَأَعْلَمُ بِالْكُفْؤِ .
وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَخْيِيرِهَا ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبِنْتُ ( وَيَمْنَعُهَا ) أَبُوهَا أَنْ تَنْفَرِدَ ( وَ ) يَمْنَعُهَا ( مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ تَنْفَرِدَ ) بِنَفْسِهَا خَشْيَةً عَلَيْهَا .
( وَلَا تُمْنَعُ أُمُّ ) بِنْتٍ ( مِنْ زِيَارَتِهَا ) عَلَى الْعَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ ( إنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهَا ) أَيْ الْأُمِّ مَفْسَدَةً وَلَا خَلْوَةَ لِأُمٍّ مَعَ خَوْفِهِ أَنْ تُفْسِدَ قَلْبَهَا .
قَالَ فِي الْوَاضِحِ .
وَيُتَوَجَّهُ فِي الْغُلَامِ مِثْلُهَا فَإِنْ فِي الْفُرُوعِ ( وَلَا ) تُمْنَعُ أُمٌّ مِنْ ( تَمْرِيضِهَا بِبَيْتِهَا ) أَيْ الْأُمِّ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ ( وَلَهَا ) أَيْ الْبِنْتِ ( زِيَارَةُ أُمِّهَا إنْ مَرِضَتْ ) الْأُمُّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ
( وَالْمَعْتُوهُ وَلَوْ أُنْثَى ) يَكُونُ ( عِنْدَ أُمِّهِ مُطْلَقًا ) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا لِحَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ .
وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ وَأُمُّهُ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا ، فَإِنْ عُدِمَتْ أُمُّهُ فَأُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَيْ فَالْقُرْبَيْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَلَا يُقَرُّ مَنْ يُحْضَنُ ) أَيْ تَجِبُ حَضَانَتُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ عَتَهٍ ( بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ فَتَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ ، وَلَا حَضَانَةَ وَلَا رَضَاعَ لِأُمٍّ جَذْمَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمَجْدُ وَبَعْضُهُمْ .
الْجِنَايَاتُ جَمْعُ جِنَايَةٍ ( وَهِيَ ) لُغَةً : التَّعَدِّي عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ .
وَشَرْعًا ( التَّعَدِّي عَلَى الْبَدَنِ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا أَوْ ) يُوجِبُ ( مَالًا ) وَتُسَمَّى الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ غَصْبًا وَسَرِقَةً وَخِيَانَةً وَإِتْلَافًا وَنَهْبًا .
وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } الْآيَةَ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا " { لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا فَسَقَ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ، وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُسْتَحِلًّا ، وَلَمْ يَتُبْ أَوْ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جَازَاهُ اللَّهُ ، وَلَهُ الْعَفْوُ إنْ شَاءَ ، وَالْأَخْبَارُ لَا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ بَلْ التَّخْصِيصُ وَالتَّأْوِيلُ ( وَالْقَتْلُ ) أَيْ فِعْلُ مَا تُزْهَقُ بِهِ النَّفْسُ أَيْ تُفَارِقُ الرُّوحُ الْبَدَنَ ( ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ ) أَيْ أَصْنَافٍ .
أَحَدُهَا ( عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِهِ ) فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ .
وَالْقَوَدُ قَتْلُ الْقَاتِلِ بِمَنْ قَتَلَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوَدِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَادُ إلَى الْقَتْلِ بِمَنْ قَتَلَهُ .
( وَ ) الضَّرْبُ الثَّانِي ( شِبْهُ عَمْدٍ ) وَيُقَالُ خَطَأُ الْعَمْدِ وَعَمْدُ الْخَطَأِ ( وَ ) الضَّرْبُ الثَّالِثُ ( خَطَأٌ ) وَهَذَا تَقْسِيمُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَيَدُلُّ لِثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ الْمُوَفَّقُ فِي
الْمُقْنِعِ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَانْقِلَابِ نَائِمٍ عَلَى شَخْصٍ فَيَقْتُلُهُ ، وَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ تَعَدِّيًا فَيَمُوتُ بِهِ أَحَدٌ وَهَذِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ قِسْمِ الْخَطَأِ
( فَالْعَمْدُ ) الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْقَوَدُ ( أَنْ يَقْصِدَ ) الْجَانِي ( مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فَيَقْتُلَهُ بِمَا ) أَيْ بِشَيْءٍ ( يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ ) مَحْدُودًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، فَلَا قِصَاصَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ أَوْ قَصَدَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ( وَلَهُ ) أَيْ الْعَمْدِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْقَوَدُ ( تِسْعُ صُوَرٍ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ ( أَحَدُهَا أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ نُفُوذٌ فِي الْبَدَنِ مِنْ حَدِيدٍ كَسِكِّينٍ ) وَحَرْبَةٍ وَسَيْفٍ ( وَمِسَلَّةٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ( أَوْ ) مِنْ غَيْرِهِ ( أَيْ الْحَدِيدِ ) كَشَوْكَةٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَعَظْمٍ ، وَكَذَا نُحَاسٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَنَحْوُهُ فَإِذَا جَرَحَهُ فَمَاتَ بِهِ فَعَمْدٌ ( وَلَوْ ) كَانَ جُرْحُهُ ( صَغِيرًا كَشَرْطِ حَجَّامٍ ) فَمَاتَ وَلَوْ طَالَتْ عِلَّتُهُ مِنْهُ ، وَلَا عِلَّةَ بِهِ غَيْرُهُ ( أَوْ ) كَانَ الْجُرْحُ ( فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ ) كَطَرَفٍ .
فَالْمُحَدَّدُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي حُصُولِ الْقَتْلِ بِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ أَوْ أُنْمُلَتِهِ فَمَاتَ وَرَبْطًا لِلْحُكْمِ بِكَوْنِهِ مُحَدَّدًا لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ أَيْ الْمَحْدُودِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ، وَلَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْحُكْمِ فِي آحَادِ صُوَرِ الْمَظِنَّةِ ، بَلْ يَكْفِي احْتِمَالُ الْحِكْمَةِ ( أَوْ ) كَانَ جُرْحُهُ ( بِ ) شَيْءٍ ( صَغِيرٍ كَغُرْزَةٍ لِإِبْرَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَشَوْكَةٍ صَغِيرَةٍ ( فِي مَقْتَلٍ كَالْفُؤَادِ ) أَيْ الْقَلْبِ .
( وَ ) كَ ( الْخُصْيَتَيْنِ أَوْ فِي غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَقْتَلِ ( كَفَخِذٍ وَيَدٍ فَتَطُولُ عِلَّتُهُ ) مِنْ ذَلِكَ ( أَوْ يَصِيرُ ضَمِنًا ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، أَيْ مُتَأَلِّمًا إلَى أَنْ يَمُوتَ .
( وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ مَجْرُوحٌ قَادِرٌ ) عَلَى الْمُدَاوَاةِ ( جُرْحَهُ حَتَّى يَمُوتَ ، أَوْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِفِعْلِ الْجَانِي ( وَمَنْ قَطَعَ ) سِلْعَةً خَطِرَةً مِنْ آدَمِيٍّ مُكَلَّفٍ بِلَا إذْنِهِ فَمَاتَ ( أَوْ بَطَّ ) أَيْ شَرَطَ ( سِلْعَةً ) بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ غُدَّةٌ تَظْهَرُ بَيْنَ الْجِلْدِ
وَاللَّحْمِ إذَا غُمِزَتْ بِالْيَدِ تَحَرَّكَتْ ( خَطِرَةً ) لِيَخْرُجَ مَا فِيهَا مِنْ مَادَّةٍ ( مِنْ مُكَلَّفٍ بِلَا إذْنِهِ فَمَاتَ ) مِنْهُ ( فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ) لِتَعَدِّيهِ بِجُرْحِهِ بِلَا إذْنِهِ .
وَ ( لَا ) قَوَدَ إنْ قَطَعَهَا أَوْ بَطَّهَا ( وَلِيٌّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَغِيرٍ لِمَصْلَحَةٍ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِعْلَ ذَلِكَ أَيًّا كَانَ أَوْ وَصِيًّا أَوْ حَاكِمًا كَمَا لَوْ خَتَنَهُ فَمَاتَ .
الصُّورَةُ ( الثَّانِيَةُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثَقَّلٍ ) كَبِيرٍ ( فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ لَا ) بِمُثَقَّلٍ ( كَهُوَ ) أَيْ كَعَمُودِ الْفُسْطَاطِ نَصًّا ( وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا بَيْتُ الشَّعْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ جَارَتَهَا بِعَمُودٍ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا } ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِهِ لَيْسَ بِعَمْدٍ ( أَوْ ) يَضْرِبَهُ ( بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ ) لِثِقَلِهِ ( مِنْ كُوذَيْنِ ، وَهُوَ مَا يَدُقُّ بِهِ الدَّقَّاقُ الثِّيَابَ ، وَ ) مِنْ ( لُتَّ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ نَوْعٌ مِنْ السِّلَاحِ مَعْرُوفٌ ( وَسَنْدَانِ ) حَدَّادٍ ( وَحَجَرٍ كَبِيرٍ وَلَوْ ) كَانَ الضَّرْبُ بِذَلِكَ ( فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ ) فَيَمُوتَ فَيُقَادُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَيَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } وَقَوْلُهُ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُثَقَّلَ الْكَبِيرَ يَقْتُلُ غَالِبًا أَشْبَهَ الْمُحَدَّدَ وَأَمَّا حَدِيثُ { أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الْخَطَأِ قَتِيلِ عَمْدِ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ } فَالْمُرَادُ الْحَجَرُ الصَّغِيرُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْعَصَا وَالسَّوْطِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يُشْبِهُهُمَا ( أَوْ ) يَضْرِبَهُ ( فِي مَقْتَلٍ ) بِمُثَقَّلٍ دُونَ مَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) يَضْرِبَهُ فِي ( حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَإِعْيَاءٍ ( بِدُونِ ذَلِكَ ) كَحَجَرٍ صَغِيرٍ فَيَمُوتَ ( أَوْ يُعِيدَهُ ) أَيْ الضَّرْبَ ( بِهِ ) أَيْ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالْعَصَا
وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَمُوتَ .
( أَوْ يُلْقِيَ عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ سَقْفًا أَوْ نَحْوَهُمَا ) مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَيَمُوتَ ( أَوْ يُلْقِيَهُ مِنْ شَاهِقٍ فَيَمُوتَ ) فَفِيهِ كُلِّهِ الْقَوَدُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا ( وَإِنْ قَالَ ) جَانٍ ( لَمْ أَقْصِدْ ) بِذَلِكَ ( قَتْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرٍ .
الصُّورَةُ ( الثَّالِثَةُ أَنْ يُلْقِيَهُ بِزُبْيَةِ أَسَدٍ ) بِضَمِّ الزَّايِ أَيْ حَفِيرَتِهِ ( وَنَحْوِهَا ) كَزُبْيَةِ ذِئْبٍ أَوْ نَمِرٍ فَيَقْتُلَهُ ، ( أَوْ ) يُلْقِيَهُ ( مَكْتُوفًا بُغْضًا بِحَضْرَةِ ذَلِكَ ) أَيْ الْأَسَدِ وَنَحْوَهُ فَيَقْتُلَهُ ) ( أَوْ ) يُلْقِيَهُ ( فِي مَضِيقٍ بِحَضْرَةِ حَيَّةٍ ) فَتَقْتُلَهُ ( أَوْ يَنْهَشُهُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( كَلْبًا أَوْ حَيَّةً ) مِنْ الْقَوَاتِلِ ( أَوْ يُلْسِعَهُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( عَقْرَبًا مِنْ ) الْعَقَارِبِ ( الْقَوَاتِلِ غَالِبًا ) فَيَمُوتَ ( فَيُقْتَلَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا وَالسَّبُعُ وَنَحْوُهُ كَالْآلَةِ لِلْآدَمِيِّ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ الْأَسَدُ وَنَحْوُهُ فِعْلًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ وَإِلَّا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَكَذَا إنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَثُعْبَانِ الْحِجَازِ وَسَبُعٍ صَغِيرٍ أَوْ كَتَّفَهُ وَأَلْقَاهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَسْبَعَةٍ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ أَوْ أَلْقَاهُ مَشْدُودًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ وُصُولَ الْمَاءِ بِزِيَادَتِهِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَاتَ .
بِهِ الصُّورَةُ ( الرَّابِعَةُ أَنْ يُلْقِيَهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ أَوْ ) فِي ( نَارٍ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُمَا ) لِكَثْرَتِهِمَا أَوْ عَجْزِهِ عَنْهُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مَرْبُوطًا أَوْ لِإِلْقَائِهِ فِي حَفِيرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى صُعُودٍ مِنْهَا ( فَيَمُوتَ ) فَيُقْتَلَ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا إنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا وَسَدَّ مَنَافِذَهُ حَتَّى اشْتَدَّ الدُّخَانُ وَضَاقَ بِهِ النَّفَسُ أَوْ دَفَنَهُ حَيًّا أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ ذَاتِ نَفْسٍ عَالِمًا بِذَلِكَ فَمَاتَ فَعَمْدٌ ( وَإِنْ أَمْكَنَهُ ) التَّخَلُّصُ ( فِيهِمَا ) أَيْ مَسْأَلَتَيْ إلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ ( فَ ) هُوَ ( هَدَرٌ ) لَا شَيْءَ فِيهِ لِمَوْتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ لُبْثُهُ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنَّمَا تُعْلَمُ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّخَلُّصِ بِقَوْلِهِ : أَنَا قَادِرٌ عَلَى التَّخَلُّصِ وَنَحْوِهِ .
الصُّورَةُ ( الْخَامِسَةُ أَنْ يَخْنُقَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ) فَيَمُوتَ فَيُقْتَلَ بِهِ سَوَاءٌ جَعَلَ فِي عُنُقِهِ خِرَاطَةً ثُمَّ عَلَّقَهُ فِي شَيْءٍ عَنْ الْأَرْضِ فَيُخْنَقُ فَيَمُوتُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ زَمَنٍ كَمَا يُفْعَلُ بِنَحْوِ اللُّصُوصِ أَوْ خَنَقَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ نَحْوِ حَبْلٍ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ ( أَوْ بِسَدِّ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ ) زَمَنًا يَمُوتُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً فَيَمُوتُ ( أَوْ يَعْصِرَ خُصْيَتَيْهِ زَمَنًا يَمُوتُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا فَيَمُوتَ ) فَيُقْتَلَ بِهِ لِمَا سَبَقَ فَإِنْ مَاتَ فِي زَمَنٍ لَا يَمُوتُ الْإِنْسَانُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا فِي الْغَايَةِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْمَوْتُ مِنْهُ فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا ؛ لِأَنَّهُ كَلَمْسَةٍ .
الصُّورَةُ ( السَّادِسَةُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَيَمُوتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لِزَمَنٍ يَمُوتُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا ) فَيُقَادَ بِهِ ( بِشَرْطِ تَعَذُّرِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ ) وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالزَّمَنِ الْحَالِّ فَفِي شِدَّةِ الْحَرِّ إذَا عَطَّشَهُ يَمُوتُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ بِخِلَافِ زَمَنِ الْبَرْدِ أَوْ الِاعْتِدَالِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ الدِّفَاءَ فِي الشِّتَاءِ وَلَيَالِيِهِ الْبَارِدَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( وَإِلَّا ) يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ ( فَلَا ) قَوَدَ وَلَا ( دِيَةَ كَتَرْكِهِ سَدَّ فَصْدِهِ ) لِحُصُولِ مَوْتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَتَسَبُّبِهِ فِيهِ .
الصُّورَةُ ( السَّابِعَةُ أَنْ يَسْقِيَهُ سُمًّا ) يَقْتُلُ غَالِبًا ( لَا يَعْلَمُ بِهِ ) شَارِبُهُ ( أَوْ يَخْلِطَهُ بِطَعَامٍ أَوْ يُطْعِمَهُ ) لِمَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ ( أَوْ ) يَخْلِطَهُ ( بِطَعَامِ آكِلٍ فَيَأْكُلَهُ جَهْلًا ) بِهِ ( فَيَمُوتَ ) فَيُقَادَ بِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِمُحَدَّدٍ ( فَإِنْ عَلِمَ بِهِ ) أَيْ السُّمِّ ( آكِلٌ مُكَلَّفٌ ) فَهَدَرٌ ( أَوْ خَلَطَهُ ) شَخْصٌ ( بِطَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ أَحَدٌ بِلَا إذْنِهِ فَ ) هُوَ ( هَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ .
الصُّورَةُ ( الثَّامِنَةُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا ) فَيُقْتَلَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ يُقْتَلُ حَدًّا وَتَجِبُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي تَرِكَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ فَإِنْ كَانَ السُّمُّ أَوْ السِّحْرُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ حُكْمُ الْمِعْيَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَهُوَ الْقَاتِلُ فِي الْحَالِ ( وَمَتَى ادَّعَى قَاتِلٌ بِسُمٍّ أَوْ ) بِ ( سِحْرٍ عَدَمَ عِلْمِهِ أَنَّهُ ) أَيْ السُّمَّ أَوْ السِّحْرَ ( قَاتِلٌ ) لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ مَا يَقْتُلُ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَهُ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الْجُرْحَ يَقْتُلُهُ ( أَوْ ) ادَّعَى قَاتِلٌ بِسِحْرٍ أَوْ سُمٍّ ( جَهْلَ مَرَضٍ ) يَقْتُلُ مَعَهُ السِّحْرُ أَوْ السُّمُّ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فِي الصِّحَّةِ وَكَانَ مَرِيضًا فَمَاتَ وَادَّعَى الضَّارِبُ جَهْلَ مَرَضٍ ( لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ .
الصُّورَةُ ( التَّاسِعَةُ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ عَلَى شَخْصٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ أَوْ رِدَّةٍ حَيْثُ امْتَنَعَتْ تَوْبَتُهُ ) كَأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( أَوْ ) يَشْهَدَ ( أَرْبَعَةٌ بِزِنَا مُحْصَنٍ فَيُقْتَلَ ) بِشَهَادَتِهِمْ ( ثُمَّ تَرْجِعَ الْبَيِّنَةُ وَتَقُولَ : عَمَدْتُ قَتْلَهُ أَوْ يَقُولَ الْحَاكِمُ ) عَلِمْتُ كَذِبَهُمَا أَوْ كَذِبَهُمْ وَعَمَدْت قَتْلَهُ ( أَوْ ) يَقُولَ ( الْوَلِيُّ عَلِمْتُ كَذِبَهُمَا وَعَمَدْتُ قَتْلَهُ فَيُقَادَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَشِبْهِهِ بِشَرْطِهِ ) لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَقَالَ عَلِيٌّ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ يَدِهِ وَلِتَسَبُّبِهِمَا فِي قَتْلِهِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا
( وَلَا قَوَدَ عَلَى بَيِّنَةٍ وَلَا ) عَلَى ( حَاكِمٍ مَعَ مُبَاشَرَةِ وَلِيٍّ ) عَالِمٍ بِالْحَالِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ عَمْدًا عُدْوَانًا وَغَيْرُهُ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُبَاشَرَةُ تُبْطِلُ حُكْمَ التَّسَبُّبِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ
( وَيَخْتَصُّ بِهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ بَلْ وَكَّلَ ( مُبَاشِرٌ عَالِمٌ ) أَقَرَّ بِالْعِلْمِ وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ ظُلْمًا لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ عَمْدًا ظُلْمًا بِلَا إكْرَاهٍ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ ذَلِكَ ( فَوَلِيٌّ ) أَقَرَّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ وَفَسَادِ الْحُكْمِ بِالْقَتْلِ وَتَعَمُّدِ الْقَتْلِ ظُلْمًا لِمَا سَبَقَ فَإِنْ جَهِلَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ ( فَبَيِّنَةٌ وَحَاكِمٌ ) عَلِمَ كَذِبَهُمَا لِتَسَبُّبِ الْجَمِيعِ فِي الْقَتْلِ ظُلْمًا حَيْثُ عَلِمُوا ذَلِكَ ( وَمَتَى لَزِمَتْ حَاكِمًا وَبَيِّنَةً دِيَةٌ ) كَأَنْ عَفَا الْوَلِيُّ إلَى الدِّيَةِ ( فَ ) هِيَ ( عَلَى عَدَدِهِمْ ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّسَبُّبِ
( وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ ) شُهُودٍ ( ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ عَمَدْنَا قَتْلَهُ وَ ) قَالَ ( آخَرُ ) مِنْهُمْ ( أَخْطَأْنَا فَلَا قَوَدَ ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِتَمَامِ النِّصَابِ بِدُونِهِ ( وَعَلَى مَنْ قَالَ ) مِنْهُمْ ( عَمَدْنَا حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ( وَ ) عَلَى ( الْآخَرِ ) حِصَّتُهُ ( مِنْ ) الدِّيَةِ ( الْمُخَفَّفَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ
( وَ ) إنْ قَالَ ( وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ عَمَدْتُ وَقَالَ الْآخَرُ أَخْطَأْتُ لَزِمَ مُقِرًّا بِعَمْدٍ الْقَوَدُ وَالْآخَرُ نِصْفُ الدِّيَةِ ) مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ بِإِقْرَارِهِ ( وَلَوْ قَالَ كُلٌّ ) مِنْ الِاثْنَيْنِ ( عَمَدْتُ وَأَخْطَأَ شَرِيكِي فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ ) لِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ .
( وَلَوْ رَجَعَ وَلِيٌّ وَبَيِّنَةٌ ضَمِنَهُ وَلِيٌّ ) وَحْدَهُ لِمُبَاشَرَتِهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : يَضْمَنُهُ الْوَلِيُّ وَالْبَيِّنَةُ مَعًا كَمُشْتَرِكٍ .
( وَمَنْ جَعَلَ فِي حَلْقٍ مِنْ ) أَيْ إنْسَانٌ ( تَحْتَهُ حَجَرٌ أَوْ نَحْوُهُ خِرَاطَةً ) أَيْ حَبْلًا وَنَحْوَهُ مَعْقُودًا بِصِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ ( وَشَدَّهَا ) أَيْ الْخِرَاطَةَ ( بِ ) شَيْءٍ ( عَالٍ ثُمَّ أَزَالَ مَا تَحْتَهُ ) مِنْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ شَخْصٌ ( آخَرُ ) غَيْرَ الَّذِي جَعَلَ الْخِرَاطَةَ فِي حَلْقِهِ ( عَمْدًا ) أَيْ مُتَعَمِّدًا إزَالَتَهُ مِنْ تَحْتِهِ ( فَمَاتَ فَإِنْ جَهِلَهَا ) أَيْ الْخِرَاطَةَ بِحَلْقِهِ ( مُزِيلٌ وَأَدَّاهُ ) أَيْ أَدَّى دِيَةَ الْقَتِيلِ ( مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا ) بِأَنْ عَلِمَ الْخِرَاطَةَ بِحَلْقِهِ وَأَزَالَ مَا تَحْتَهُ ( قُتِلَ بِهِ ) وَلَا شَيْءَ عَلَى جَاعِلِ الْخِرَاطَةِ كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ وَإِنْ شَدَّ قِرْبَةً مَنْفُوخَةً وَنَحْوَهَا عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَخَرَقَهَا آخَرُ فَغَرِقَ فَالْقَاتِلُ الثَّانِي .
وَشِبْهُ الْعَمْدِ الْمُسَمَّى بِخَطَأِ الْعَمْدِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ ( أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِبًا ، وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ ( كَمَنْ ضَرَبَ ) شَخْصًا ( بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ ) إلَّا أَنْ يَصْغُرَ جِدًّا كَقَلَمٍ وَأُصْبُعٍ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ أَوْ يَمَسَّهُ بِالْكَبِيرِ بِلَا ضَرْبٍ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ ( أَوْ لَكَزَ ) غَيْرَهُ بِيَدِهِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ ( أَوْ لَكَمَ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ أَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ سَحَرَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَمَاتَ أَوْ صَاحَ بِعَاقِلٍ اغْتَفَلَهُ أَوْ بِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ عَلَى نَحْوِهِ سَطْحٌ فَسَقَطَ فَمَاتَ ) أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ ( فَفِيهِ ) أَيْ فِي الْقَتْلِ بِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ ( الْكَفَّارَةُ فِي مَالِ جَانٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَالْخَطَأُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ .
( وَ ) فِيهِ ( الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " { اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ صَاحَ بِمُكَلَّفٍ لَمْ يَغْتَفِلْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَاتَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ .
وَالْخَطَأُ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ مِنْهُمَا فِي الْقَصْدِ ، وَهُوَ أَيْ الضَّرْبُ الْمَذْكُورُ ( نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْمِيَ مَا يَظُنُّهُ صَيْدًا ) فَيَقْتُلَ إنْسَانًا ( أَوْ ) يَرْمِيَ مَنْ يَظُنُّهُ ( مُبَاحَ الدَّمِ ) كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ فَيَقْتُلَ مَعْصُومًا ( فَيَبِينَ ) مَا ظَنَّهُ صَيْدًا ( آدَمِيًّا ) مَعْصُومًا ( أَوْ ) يَبِينَ مَا ظَنَّهُ مُبَاحَ الدَّمِ ( مَعْصُومًا أَوْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ ) كَقَطْعِ لَحْمٍ ( فَيَقْتُلَ إنْسَانًا أَوْ يَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ صَغِيرٌ أَوْ يَتَعَمَّدَهُ مَجْنُونٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُمَا فَعَمْدُهُمَا كَخَطَأِ الْمُكَلَّفِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ اخْتِيَارًا ( فَفِي مَالِهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ خَطَأً فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا ( الْكَفَّارَةُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ ) لِمَا سَبَقَ .
( وَمَنْ قَالَ : كُنْتُ يَوْمَ قَتَلْت صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَأَمْكَنَ ) ذَلِكَ بِأَنْ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ حَالَ صِغَرِهِ أَوْ عُهِدَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الْقَوَدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ زَوَالُ عَقْلِهِ وَقَالَ : كُنْتُ مَجْنُونًا ، وَقَالَ الْوَلِيُّ بَلْ سَكْرَانَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مَا ادَّعَاهُ لَمْ يُقْبَلْ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ كَمَنْ قَصَدَ رَمْيَ مَعْصُومٍ أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَةٍ فَقَتَلَ غَيْرَ الْمَقْصُودِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَطَأً بَلْ عَمْدًا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدِمَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .
النَّوْعُ ( الثَّانِي ) مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ( أَنْ يَقْتُلَ بِدَارِ حَرْبٍ ) مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَيَبِينَ مُسْلِمًا ( أَوْ ) يَقْتُلَ بِ ( صَفِّ كُفَّارٍ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَيَبِينَ مُسْلِمًا ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ كَانَ مَعْذُورًا كَأَسِيرٍ أَوْ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ صَفِّهِمْ فَإِنْ وَقَفَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَضْمَنْ بِحَالٍ ( أَوْ يَرْمِيَ وُجُوبًا كُفَّارًا تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ وَيَجِبُ ) رَمْيُهُمْ إذَا تَتَرَّسُوا بِهِ ( حَيْثُ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ نَرْمِهِمْ فَيَقْصِدَهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارَ بِالرَّمْيِ ( دُونَهُ ) أَيْ الْمُسْلِمِ ( فَيَقْتُلَهُ ) أَيْ الْمُسْلِمَ بِلَا قَصْدٍ ( فَفِيهِ ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ ( الْكَفَّارَةُ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } لَمْ يَذْكُرْ دِيَةً ، وَتَرْكُ ذِكْرِهَا فِي هَذَا النَّوْعِ مَعَ ذِكْرِهَا فِيمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ
( الضَّرْبُ الثَّانِي ) مِنْ ضَرْبَيْ الْخَطَأِ خَطَأٌ ( فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا أَوْ هَدَفًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا ) مَعْصُومًا اعْتَرَضَهُ ( لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ يَنْقَلِبَ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ نَحْوُهُ ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ ( عَلَى إنْسَانٍ فَيَمُوتَ فَ ) عَلَيْهِ ( الْكَفَّارَةُ ) فِي مَالِهِ .
( وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ ) كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ ( لَكِنْ لَوْ كَانَ الرَّامِي ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ بَيْنَ رَمْيٍ وَإِصَابَةٍ ضَمِنَ ) أَيْ الرَّامِي ( الْمَقْتُولَ فِي مَالِهِ ) لِمُبَايَنَتِهِ دِينَ عَاقِلَتِهِ بِإِسْلَامِهِ وَلَا يُمْكِنُ ضَيَاعُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ فَوَجَبَتْ فِي مَالِ الْجَانِي ( وَمَنْ قُتِلَ بِسَبَبٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَصْبِ سِكِّينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ تَعَدِّيًا إنْ قَصَدَ جِنَايَةً فَ ) هُوَ ( شِبْهُ عَمْدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَصْدِ كَالْعَمْدِ وَبِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ خَطَأٌ .
( وَإِلَّا ) يَقْصِدْ جِنَايَةً ( فَ ) هُوَ ( خَطَأٌ ) لِعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ ( وَإِمْسَاكُ الْحَيَّةِ مُحَرَّمٌ وَجِنَايَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَى بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ ( فَلَوْ قَتَلَتْ مُمْسِكَهَا مِنْ مُدَّعِي مَشْيَخَةٍ وَنَحْوِهِ فَ ) هُوَ ( قَاتِلُ نَفْسِهِ وَمَعَ ظَنِّ أَنَّهَا لَا تَقْتُلُ شِبْهَ عَمْدٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ حَتَّى بَشِمَ ) بِالْكَسْرِ وَالْبَشَمُ التُّخْمَةُ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ فَيَضِيعَ هَدَرًا كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ( وَمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ قَوَدًا ) بِبَيِّنَةٍ بِالْقَتْلِ لَا بِإِقْرَارِهِ ( فَقَالَ شَخْصٌ أَنَا الْقَاتِلُ لَا هَذَا فَلَا قَوَدَ ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَعَلَى مُقِرٍّ الدِّيَةُ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ أَحْيَا نَفْسًا وَلُزُومُ الدِّيَةِ لَهُ لِصِحَّةِ بَذْلِهَا مِنْهُ ( وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي بَعْدَ إقْرَارِ الْأَوَّلِ قُتِلَ الْأَوَّلُ ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَمُصَادَفَتِهِ الدَّعْوَى .
وَفِي الْمُغْنِي فِي الْقَسَامَةِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ الثَّانِي شَيْءٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ الْأُولَى .
وَيُقْتَلُ الْعَدَدُ أَيْ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ بِوَاحِدٍ قَتَلُوهُ ( إنْ صَلُحَ فِعْلُ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( لِلْقَتْلِ بِهِ ) بِأَنْ كَانَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا ، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَتَلَ ثَلَاثَةً قَتَلُوا رَجُلًا ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَتَلَ جَمَاعَةً قَتَلُوا وَاحِدًا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ لِلْقَتْلِ عُقُوبَةً تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ فَوَجَبَتْ لَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَيُفَارِقُ الدِّيَةَ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ وَالْقِصَاصُ لَا يَتَبَعَّضُ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْبَعْضِ وَيَعْفُوَ عَنْ الْبَعْضِ فَيَأْخُذَ مِنْهُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ ( وَإِلَّا ) يَصْلُحْ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْقَتْلِ بِهِ .
( وَلَا تَوَاطُؤَ ) أَيْ تَوَافُقَ عَلَى قَتْلِهِ بِأَنْ ضَرَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحَجَرٍ صَغِيرٍ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَكُونُوا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ ( فَلَا ) قِصَاصَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَا يُوجِبُهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَإِنْ تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ قُتِلُوا بِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّسَارُعِ إلَى الْقَتْلِ بِهِ وَتَفُوتَ حِكْمَةُ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ ( وَلَا يَجِبُ ) عَلَيْهِمْ ( مَعَ عَفْوٍ ) عَنْ قَوَدٍ ( أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلُوا خَطَأً
( وَإِنْ جَرَحَ وَاحِدٌ ) شَخْصًا ( جُرْحًا وَ ) جَرَحَهُ ( آخَرُ مِائَةً ) وَمَاتَ أَوْ أَوْضَحَهُ أَحَدُهُمَا وَشَجَّهُ الْآخَرُ أَوْ أَمَّهُ أَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا ، وَأَجَافَهُ الْآخَرُ ( فَ ) هُمَا ( سَوَاءٌ ) فِي الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ لِصَلَاحِيَةِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْقَتْلِ لَوْ انْفَرَدَ وَزُهُوقُ نَفْسِهِ حَصَلَ بِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالزُّهُوقُ لَا يَتَبَعَّضُ لِيُقْسَمَ عَلَى الْفِعْلِ
( وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ ) يَدَ شَخْصٍ ( مِنْ كُوعٍ ثُمَّ ) قَطَعَهُ ( آخَرُ مِنْ مِرْفَقٍ ) وَمَاتَ ( فَإِنْ كَانَ قَدْ بَرِئَ ) الْقَطْعُ ( الْأَوَّلُ ) قَبْلَ قَطْعِ الثَّانِي ( فَإِنَّ الْقَاتِلَ الثَّانِي ) وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلِوَلِيِّهِ قَطْعُ يَدِ الْأَوَّلِ أَوْ دِيَتِهَا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ بَعْدَ بُرْءِ الْأَوَّلِ بَلْ قَبْلَهُ ( فَهُمَا ) قَاتِلَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَطْعَانِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا لَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى قَاتِلِهِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ كَانَا فِي يَدَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْدَمَلَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ أَلَمِهِ .
( وَإِنْ فَعَلَ وَاحِدٌ مَا ) أَيْ فِعْلًا ( لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ ) عَادَةً ( كَقَطْعِ حِشْوَتِهِ ) أَيْ إبَانَةِ أَمْعَائِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا ( أَوْ ) قَطْعِ ( مَرِيئِهِ ) أَيْ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ( أَوْ ) قَطْعِ ( وَدَجَيْهِ ) أَيْ الْعِرْقَيْنِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ ( ثُمَّ ذَبَحَهُ آخَرُ فَالْقَاتِلُ ) هُوَ ( الْأَوَّلُ ) لِفِعْلِهِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ شَيْئًا مِنْ الزَّمَانِ ( وَيُعَزَّرُ الثَّانِي كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَيِّتٍ ) لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَتَهُ ( فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ ( لَوْ كَانَ قِنًّا ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَنَحْوه ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَيِّتِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كَصَحِيحٍ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ وَارِثُهُ ، وَاعْتِبَارُ كَلَامِهِ فِي تَبَرُّعٍ عَايَنَ الْمِلْكَ أَوْ لَا
( وَإِنْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ فَتَلَقَّاهُ الثَّانِي بِمُحَدَّدٍ فَقَدَّهُ ) فَهُوَ الْقَاتِلُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَيَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ يَيْأَسُ فِيهَا مِنْ حَيَاتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ وَاحِدٌ بِسَهْمٍ قَاتِلٍ فَقَطَعَ آخَرُ عُنُقَهُ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ صَخْرَةً فَأَطَارَ رَأْسَهُ قَبْلَ وُقُوعِهَا عَلَيْهِ ( أَوْ شَقَّ الْأَوَّلُ بَطْنَهُ ) أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ أَوْ أَمَّ دِمَاغَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ الثَّانِي فَهُوَ الْقَاتِلُ ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ الْأَوَّلَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْحَيَاةِ وَتَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ ( أَوْ قَطَعَ ) الْأَوَّلُ ( طَرَفَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ الثَّانِي فَهُوَ الْقَاتِلُ ) ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ بِخِلَافِ الثَّانِي ( وَعَنْ الْأَوَّلِ مُوجَبُ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( جِرَاحَتِهِ ) أَيْ الْأَرْشِ الَّذِي تُوجِبُهُ جِرَاحَتُهُ عَلَى مَا يَأْتِي مُفَصَّلًا لِتَعَدِّيهِ بِهَا
( وَمَنْ رُمِيَ ) بِضَمِّ الرَّاءِ ( فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ ) أَوْ تِمْسَاحٌ ( فَابْتَلَعَهُ ) أَوْ قَتَلَهُ ( فَالْقَوَدُ عَلَى رَامِيهِ ) مَعَ كَثْرَةِ الْمَاءِ لِإِلْقَائِهِ إيَّاهُ فِي مَهْلَكَةٍ هَلَكَ بِهَا بِلَا وَاسِطَةٍ يُمْكِنُ إحَالَةَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِالْغَرَقِ أَوْ هَلَكَ بِوُقُوعِهِ عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا ( وَمَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ إنْ عَلِمَ ) رَامِيَهُ ( بِالْحُوتِ ) أَوْ التِّمْسَاحِ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِمَا سَبَقَ ( وَإِلَّا ) يَعْلَمْ الرَّامِي بِالْحُوتِ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ .
فَالدِّيَةُ ( أَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ غَيْرِ مُسْبِعٍ فَمَرَّتْ بِهِ دَابَّةٌ فَقَتَلَتْهُ .
فَالدِّيَةُ ) لِهَلَاكِهِ بِفِعْلِهِ ، وَلَا قَوَدَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا .
( وَمَنْ أَكْرَهَ مُكَلَّفًا عَلَى قَتْلِ ) شَخْصٍ ( مُعَيَّنٍ ) فَفَعَلَ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْقَوَدُ ( أَوْ ) أَكْرَهَهُ ( عَلَى أَنْ يُكْرِهَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ( فَفَعَلَ ) أَيْ أَكْرَهَ مَنْ قَتَلَهُ ( فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْ الثَّلَاثَةِ ( الْقَوَدُ ) أَمَّا الْآمِرُ فَلِتَسَبُّبِهِ إلَى الْقَتْلِ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا ، كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً أَوْ أَسَدًا أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ .
وَأَمَّا الْقَاتِلُ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْلُوبِ الِاخْتِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِبْقَاءَ نَفْسِهِ بِقَتْلِ غَيْرِهِ .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَأْثَمُ ، وَلَوْ كَانَ مَسْلُوبَ الِاخْتِيَارِ لَمْ يَأْثَمْ كَالْمَجْنُونِ ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ فَلَيْسَ إكْرَاهًا فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ .
( وَ ) قَوْلُ قَادِرٍ عَلَى مَا هَدَّدَ بِهِ غَيْرَهُ ( اُقْتُلْ نَفْسَكَ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ إكْرَاهٌ ) عَلَى الْقَتْلِ فَيُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ .
( وَمَنْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ مُكَلَّفًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ ) أَيْ الْقَتْلِ كَمَنْ نَشَأَ بِغَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَتَلَ لَزِمَ الْآمِرُ الْقِصَاصَ أَجْنَبِيًّا كَانَ الْمَأْمُورُ أَوْ عَبْدًا لِلْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ غَيْرَ الْعَالِمِ بِحَظْرِ الْقَتْلِ لَهُ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَمَا لَوْ اعْتَقَدَهُ صَيْدًا وَلِأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَجَبَ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ إذَنْ آلَةٌ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً فَقَتَلَتْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ حَظْرَ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْمَأْمُورِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ وَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فَانْقَطَعَ حُكْمُ الْآمِرِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ .
( أَوْ ) أَمَرَ بِالْقَتْلِ ( صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ) فَقَتَلَ لَزِمَ الْقِصَاصُ الْآمِرَ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ أَمَرَ بِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ ( سُلْطَانٌ ظُلْمًا مَنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ فِيهِ ) أَيْ الْقِتَالِ ( لَزِمَ ) الْقِصَاصُ ( الْآمِرَ ) لِعُذْرِ الْمَأْمُورِ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَقٍّ ( وَإِنْ عَلِمَ ) الْمَأْمُورُ ( الْمُكَلَّفُ ) وَلَوْ عَبْدَ الْآمِرِ ( تَحْرِيمَهُ ) أَيْ الْقَتْلِ ( لَزِمَهُ ) الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي فِعْلِهِ لِحَدِيثِ " { لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ } " وَحَدِيثِ " { مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْ الْوُلَاةِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ } " وَسَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ أَوْ غَيْرَهُ .
( وَ ) حَيْثُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمَأْمُورِ ( أُدِّبَ آمِرُهُ ) بِمَا يَرْدَعُهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ لِيَنْكَفَّ عَنْ الْعَوْدِ لَهُ
( وَمَنْ دَفَعَ لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ( آلَةَ قَتْلٍ ) كَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ ( وَلَمْ يَأْمُرْهُ ) الدَّافِعُ ( بِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ ( فَقَتَلَ ) بِالْآلَةِ ( لَمْ يَلْزَمْ الدَّافِعَ ) لِلْآلَةِ ( شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُبَاشِرْهُ فَإِنْ أَمَرَهُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ قُتِلَ الْآمِرُ ، وَتَقَدَّمَ .
( وَمَنْ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِقَتْلِ قِنِّ نَفْسِهِ ) فَفَعَلَ ( أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى قَتْلِ قِنِّ نَفْسِهِ فَفَعَلَ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ الْآمِرِ فِي نَظِيرِ قِنِّهِ مِنْ قِصَاصٍ وَلَا قِيمَةَ لِإِذْنِهِ فِي إتْلَافِ مَالِهِ كَمَا لَوْ أَذِنَهُ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ ( وَ ) مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ ( اُقْتُلْنِي ) فَفَعَلَ فَهَدَرٌ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ ( اجْرَحْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ ) نَصًّا لِإِذْنِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَتَاعِهِ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ ( كَ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُكَ ) قَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي الصِّيَامِ لَا إثْمَ هُنَا وَلَا كَفَّارَةَ ( وَلَوْ قَالَهُ ) أَيْ اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي أَوْ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُكَ ( قِنٌّ ) فَقَتَلَهُ الْمَقْتُولُ لَهُ ( ضَمِنَ لِسَيِّدِهِ بِقِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْقِنِّ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ لَا يَسْرِي عَلَى سَيِّدِهِ .
وَمَنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَا لَاعِبًا أَوْ مَازِحًا كَمَا فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْإِطْلَاقُ ( حَتَّى قَتَلَهُ أَوْ حَتَّى قَطَعَ طَرَفَهُ فَمَاتَ أَوْ فَتَحَ فَمَه حَتَّى سَقَاهُ ) آخَرُ ( سُمًّا ) فَمَاتَ ( قُتِلَ قَاتِلٌ ) بِالْفِعْلِ أَوْ السُّمِّ لِقَتْلِهِ عَمْدًا مَنْ يُكَافِئُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ( وَحُبِسَ مُمْسِكٌ حَتَّى يَمُوتَ ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا " { إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلَ وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَ وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ } " وَلِأَنَّهُ حَبَسَهُ إلَى الْمَوْتِ فَيُحْبَسُ الْآخَرُ إلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنْ قَتَلَ الْوَلِيُّ الْمُمْسِكَ فَقَالَ الْقَاضِي عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَنَاقَشَ فِيهِ الْمَجْدُ وَصَحَّحَ سُقُوطَهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ .
( وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ هَارِبٍ مِنْ قَتْلٍ فَحُبِسَ حَتَّى أَدْرَكَهُ قَاتِلُهُ ) فَقَتَلَهُ ( أُقِيدَ مِنْهُ فِي طَرَفٍ ) أَيْ قَاطِعِ الطَّرَفِ فِيهِ سَوَاءٌ حَبَسَهُ لِيَقْتُلَهُ الْآخَرُ أَوْ لَا ( وَهُوَ ) أَيْ قَاطِعُ الطَّرَفِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ( فِي النَّفْسِ كَمُمْسِكِ ) إنْسَانٍ لِآخَرَ حَتَّى قَتَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ فَكَأَنَّهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى قَتَلَهُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ حَبْسَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فَقَطْ كَمَنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِخِلَافِ الْجَارِحِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ الْمَوْتِ لِمَوْتِهِ مِنْ سِرَايَةِ الْجُرْحِ وَأَثَرِهِ فَاعْتُبِرَ قَصْدُ الْجُرْحِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ دُونَ قَصْدِ الْأَثَرِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِمْسَاكِ فَالْمَوْتُ فِيهَا بِأَمْرٍ غَيْرِ السِّرَايَةِ وَالْفِعْلُ مُمْكِنٌ لَهُ فَاعْتُبِرَ قَصْدُهُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا لَوْ أَمْسَكَهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِهِ
( وَإِنْ اشْتَرَكَ عَدَدٌ فِي قَتْلٍ لَا يُقَادُ بِهِ الْبَعْضُ ) الْمُشَارِكُ ( لَوْ انْفَرَدَ ) بِالْقَتْلِ ( كَحُرٍّ وَقِنٍّ ) اشْتَرَكَا ( فِي قَتْلِ قِنٍّ وَ ) كَ ( أَبٍ ) وَأَجْنَبِيٍّ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ ( أَوْ وَلِيٍّ مُقْتَصٍّ وَأَجْنَبِيٍّ ) لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ فِي قَتْلِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ( وَكَخَاطِئٍ وَعَامِدٍ ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ ( وَ ) كَ ( مُكَلَّفٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ ) اشْتَرَكَا فِي قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ ( أَوْ ) مُكَلَّفٍ .
( وَسَبُعٍ أَوْ ) مُكَلَّفٍ وَمَقْتُولٍ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ نَفْسِهِ ( فَالْقَوَدُ عَلَى الْقِنِّ ) شَرِيكِ الْحُرِّ ، وَمِثْلُهُ ذِمِّيٌّ اشْتَرَكَ مَعَ مُسْلِمٍ فِي قَتْلِ ذِمِّيٍّ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ عَنْ الْحُرِّ أَوْ الْمُسْلِمِ لِعَدَمِ مُكَافَأَةِ الْمَقْتُولِ لَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَعَدَّى إلَى فِعْلِ شَرِيكِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْهُ ( وَ ) الْقَوَدُ أَيْضًا ( عَلَى شَرِيكِ أَبٍ ) فِي قَتْلِ وَلَدِهِ لِمُشَارَكَتِهِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِيمَنْ يُقْتَلُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْأَبِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ الْمَحَلَّ لَا لِقُصُورٍ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ فَلَا يُمْنَعُ عَمَلُهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَا مَانِعَ فِيهِ ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوْا ( كَ ) مَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى ( مُكْرِهٍ أَبًا ) أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ جَدَّةً ( عَلَى قَتْلِ وَلَدِهِ ) وَإِنْ سَفَلَ دُونَ الْأَبِ وَنَحْوِهِ ( وَعَلَى ) حُرٍّ ( شَرِيكِ قِنٍّ ) فِي قَتْلِ قِنٍّ ( نِصْفُ قِيمَةِ ) الْقِنِّ ( الْمَقْتُولِ ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي إتْلَافِهِ فَلَزِمَهُ بِقِسْطِهِ ( وَعَلَى شَرِيكِ غَيْرِهِمَا ) أَيْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْقِنِّ ( فِي قَتْلِ حُرٍّ نِصْفُ دِيَتِهِ وَفِي ) قَتْلِ ( قِنٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ ) كَالشَّرِيكِ فِي إتْلَافِ مَالِهِ
( وَمَنْ جُرِحَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( عَمْدًا فَدَاوَاهُ ) أَيْ دَاوَى الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ ( بِسُمٍّ ) قَاتِلٍ فِي الْحَالِ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ عَلَى جَارِحِهِ لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُرِحَ فَذَبَحَ نَفْسَهُ ( أَوْ ) جُرِحَ فَ ( خَاطَهُ ) أَيْ الْجُرْحَ ( فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ ) فَمَاتَ فَكَذَلِكَ ( أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ ) أَيْ دَاوَاهُ بِسُمٍّ قَاتِلٍ أَوْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ ( أَوْ ) فَعَلَ ذَلِكَ ( الْحَاكِمُ فَمَاتَ ) مِنْ ذَلِكَ ( فَلَا قَوَدَ عَلَى جَارِحِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( لَكِنْ إنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ قِصَاصًا اسْتَوْفَى ) أَيْ اسْتَوْفَاهُ وَلِيُّهُ مِنْ جَارِحِهِ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ ( وَإِلَّا ) يُوجِبْ الْجُرْحُ قِصَاصَهُ ( أَخَذَ ) الْوَارِثُ ( أَرْشَهُ ) إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ .
شُرُوطِ وُجُوبِ ( الْقِصَاصِ ) أَيْ الْقَوَدِ ( وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ ( أَحَدُهَا : تَكْلِيفُ قَاتِلٍ ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا قَاصِدًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُغَلَّظَةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ ، لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ كَقَاتِلٍ خَطَأً .
وَإِنْ قَالَ جَانٍ : كُنْتُ حِينَ الْجِنَايَةِ صَغِيرًا ، أَوْ قَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ بَلْ مُكَلَّفًا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّغِيرِ حَيْثُ أَمْكَنَ وَلَا بَيِّنَةَ .
( ثَانِيهَا ) أَيْ الشُّرُوطِ ( : عِصْمَةُ مَقْتُولٍ وَلَوْ ) كَانَ ( مُسْتَحَقًّا دَمُهُ بِقَتْلٍ لِغَيْرِ قَاتِلِهِ ) لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ فِيهِ يُبِيحُ دَمَهُ لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهِ ( فَالْقَاتِلُ لِحَرْبِيٍّ ) لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ ( أَوْ ) الْقَاتِلُ لِ ( مُرْتَدٍّ قَبْلَ تَوْبَةٍ إنْ قُبِلَتْ ) تَوْبَتُهُ ( ظَاهِرًا ) لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَاتِلِ لَهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ الْمَقْبُولَةِ ، لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ ( أَوْ ) الْقَاتِلُ ( لِزَانٍ مُحْصَنٍ ، وَلَوْ قَبْلِ تَوْبَتِهِ ) أَيْ الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ ( عِنْدَ حَاكِمٍ ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ زَنَى مُحْصَنًا بَعْدَ قَتْلِهِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الَّتِي أَبَاحَتْ دَمَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ وَبَعْدَهُ عَلَى السَّوَاءِ ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ بِالْبَيِّنَةِ ( لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ ( وَلَوْ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَاتِلَ ( مِثْلُهُ ) أَيْ الْمَقْتُولِ فِي عَدَمِ الْعِصْمَةِ بِأَنْ قَتَلَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدٌّ مُرْتَدًّا أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ زَانِيًا مُحْصَنًا ، أَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ حَرْبِيًّا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا وَعَكْسُهُ .
( وَيُعَزَّرُ ) قَاتِلُ غَيْرِ مَعْصُومٍ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ( وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ مُرْتَدٍّ ) فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ ( أَوْ ) قَطَعَ طَرَفَ ( حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ ) فَهَدَرٌ ( أَوْ رَمَاهُ ) أَيْ الْمُرْتَدَّ أَوْ الْحَرْبِيَّ ( فَأَسْلَمَ ) بَعْدَ رَمْيِهِ ( ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الْمَرْمِيُّ ؟ ) بَعْدَ إسْلَامِهِ ( فَمَاتَ فَهَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِنْ الْجَانِي بَعْدَ إسْلَامِهِ فِعْلٌ ، وَإِنَّمَا الْمَوْتُ أَثَرُ فِعْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَذَا أَثَرُهُ .
( وَمَنْ قَطَعَ طَرَفًا أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْ طَرَفٍ ( مِنْ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ ثُمَّ مَاتَ ) مُرْتَدًّا ( فَلَا قَوَدَ ) فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا نَفْسُ مُرْتَدٍّ ، وَلَا فِي الطَّرَفِ ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لَوْ صَارَ قَتْلًا لَمْ يَجِبْ بِهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ مِفْصَلٍ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْجَانِي ( الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ ) دِيَةِ ( مَا قُطِعَ ) مِنْ طَرَفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ نَفْسٍ فَمَعَ الرِّدَّةِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ قَطْعٌ صَارَ قَتْلًا فَلَا يُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ ( فَيَسْتَوْفِيهِ ) أَيْ مَا وَجَبَ بِذَلِكَ ( الْإِمَامُ ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ .
( وَإِنْ عَادَ ) مُرْتَدٌّ بَعْدَ جُرْحٍ ( لِلْإِسْلَامِ .
وَلَوْ ) كَانَ عَوْدُهُ إلَيْهِ ( بَعْدَ زَمَنٍ تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ ) وَمَاتَ مُسْلِمًا ( فَكَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ ) فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حَالَ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْتِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ ، وَاحْتِمَالُ السِّرَايَةِ حَالَ الرِّدَّةِ لَا يَمْنَعُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السَّبَبِ الْمَعْلُومِ بِاحْتِمَالِ الْمَانِعِ وَإِنْ عَفَا وَلِيُّهُ إلَى الدِّيَةِ وَجَبَتْ كَامِلَةً ، وَ إنْ كَانَ الْجُرْحُ خَطَأً وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ نَفْسًا مَعْصُومَةً ، وَإِنْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ أَوْ عَكْسُهُ ، ثُمَّ
جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرُ وَمَاتَ مِنْهُمَا فَلَا قِصَاصَ وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ تَسَاوَى الْجُرْحَانِ أَوْ لَا وَإِنْ جَرَحَهُ ذِمِّيًّا فَصَارَ حَرْبِيًّا وَمَاتَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ مُكَافَأَةُ مَقْتُولٍ لِقَاتِلٍ ( حَالَ جِنَايَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَالْمُكَافَأَةُ ( بِأَنْ لَا يَفْضُلَهُ ) أَيْ الْمَقْتُولَ ( قَاتِلُهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ ) يَفْضُلَهُ بِ ( حُرِّيَّةٍ أَوْ ) يَفْضُلَهُ بِ ( مِلْكٍ فَيُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ) بِمِثْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ وَلَوْ مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ مَعْدُومَ الْحَوَاسِّ ، وَالْقَاتِلُ صَحِيحٌ سَوِيَّ الْخَلْقِ كَعَكْسِهِ ، وَكَذَا لَوْ تَفَاوَتَا فِي الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهَا .
( وَ ) يُقْتَلُ ( ذِمِّيٌّ ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ بِمِثْلِهِ ( وَ ) يُقْتَلُ ( مُسْتَأْمَنٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ بِمِثْلِهِ ) لِلْمُسَاوَاةِ .
( وَ ) يُقْتَلُ ( كِتَابِيٌّ بِمَجُوسِيٍّ .
وَ ) يُقْتَلُ ( ذِمِّيٌّ بِمُسْتَأْمَنٍ وَعَكْسُهُمَا ) أَيْ يُقْتَلُ الْمَجُوسِيُّ بِالْكِتَابِيِّ ، وَالْمُسْتَأْمَنُ بِالذِّمِّيِّ .
( وَ ) يُقْتَلُ كَافِرٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ جَنَى ، ( ثُمَّ أَسْلَمَ بِمُسْلِمٍ ) لِلْمُكَافَأَةِ ( وَ ) يُقْتَلُ ( مُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ ) لِمُسَاوَاتِهِ لَهُمَا فِي الْكُفْرِ .
( وَلَوْ تَابَ ) الْمُرْتَدُّ ( وَقُبِلَتْ ) تَوْبَتُهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ لَا عَكْسُهُ ( وَلَيْسَتْ ) تَوْبَةُ مُرْتَدٍّ ( بَعْدَ جَرْحِهِ ) ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا وَقَبْلَ مَوْتِهِ مَانِعَةً مِنْ قَوَدٍ ( أَوْ ) وَلَيْسَتْ تَوْبَةُ مُرْتَدٍّ رَمَى ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ( بَيْنَ رَمْيٍ وَإِصَابَةٍ مَانِعَةً مِنْ قَوَدٍ ) فَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِهِمَا اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ .
( وَ ) يُقْتَلُ ( قِنٌّ بِحُرٍّ وَبِقِنٍّ وَلَوْ ) كَانَ الْقِنُّ الْمَقْتُولُ ( أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ ) أَيْ الْقِنِّ الْقَاتِلِ لَهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } وَلِتَسَاوِيهِمَا فِي النَّفْسِ وَالرِّقِّ وَلِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هِيَ فِي مُقَابَلَةِ الصِّفَاتِ النَّفِيسَةِ فِي الْعَبْدِ ، وَلَا أَثَرَ لَهَا فِي الْحُرِّ ، فَإِنَّ الْجَمِيلَ يُؤْخَذُ بِالذَّمِيمِ وَالْعَالِمَ بِالْجَاهِلِ .
فَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْحُرِّ فَالْعَبْدُ
أَوْلَى ( وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا مُكَاتَبًا ) أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِلتَّسَاوِي فِي النَّفْسِ وَالرِّقِّ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا أَثَرَ ( لِكَوْنِهِمَا ) أَيْ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ الرَّقِيقَيْنِ ( لِ ) مَالِكٍ ( وَاحِدٍ ) أَوْ لِأَكْثَرَ ( أَوْ كَوْنِ ) رَقِيقٍ ( مَقْتُولٍ مُسْلِمٍ لِذِمِّيٍّ ) أَوْ لِمُسْلِمٍ لِوُجُودِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ .
( وَ ) يُقْتَلُ ( مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِمِثْلِهِ وَبِأَكْثَرَ حُرِّيَّةً ) مِنْهُ بِأَنْ قَتَلَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ مَنْ ثُلُثَاهُ كَذَلِكَ لَا بِأَقَلَّ حُرِّيَّةً مِنْهُ .
( وَ ) يُقْتَلُ ( مُكَلَّفٌ بِغَيْرِ مُكَلَّفٍ ) لِلتَّسَاوِي فِي النَّفْسِ وَالْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ .
( وَ ) يُقْتَلُ ( ذَكَرٌ بِأُنْثَى وَبِخُنْثَى ) وَلَا يُعْطَى لِلذَّكَرِ نِصْفُ دِيَةٍ إذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى ( وَعَكْسُهُمَا ) أَيْ يُقْتَلُ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى بِالذَّكَرِ لِلْمُسَاوَاةِ فِي النَّفْسِ وَالْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ .
وَ ( لَا ) يُقْتَلُ ( مُسْلِمٌ وَلَوْ ارْتَدَّ ) بَعْدَ الْقَتْلِ ( بِكَافِرٍ ) كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ .
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةَ لِحَدِيثِ " { الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَفِي لَفْظٍ " { لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد " وَعَنْ عَلِيٍّ مِنْ السُّنَّةِ : أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ " رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ .
قَالَهُ أَحْمَدُ ( وَلَا ) يُقْتَلُ ( حُرٌّ بِقِنٍّ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ " رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا " { لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ } " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي السَّلَامَةِ ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ وَالْعُمُومَاتُ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ
( وَلَا ) يُقْتَلُ حُرٌّ ( بِمُبَعَّضٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ ( وَلَا ) يُقْتَلُ ( مُكَاتَبٌ بِقِنِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ رَقَبَتِهِ أَشْبَهَ الْحُرَّ ( وَلَوْ كَانَ ) عَبْدًا لِمُكَاتَبٍ ( ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَيُقْتَلُ مُكَاتَبٌ بِقِنِّ غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ
( وَإِنْ انْتَقَضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ( فَقُتِلَ لِنَقْضِهِ ) الْعَهْدَ ( فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْحُرِّ ) إنْ كَانَ الْقَتِيلُ حُرًّا ( أَوْ قِيمَةُ الْقِنِّ ) إنْ كَانَ الْقَتِيلُ قِنًّا ، كَمَا لَوْ قُتِلَ لِرِدَّةٍ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ إذْ لَا مُسْقِطَ لِمُوجِبِ جِنَايَتِهِ ( وَإِنْ قَتَلَ ) ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا ( أَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا أَوْ ) قَتَلَ أَوْ جَرَحَ ( قِنٌّ قِنًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ) الذِّمِّيُّ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ ، أَوْ عَتَقَ الْقِنُّ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ ( وَلَوْ كَانَ ) إسْلَامُهُ أَوْ عِتْقُهُ ( قَبْلَ مَوْتِ مَجْرُوحٍ قُتِلَ بِهِ ) نَصًّا لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ بِالْجُرْحِ فِي حَالِ تَسَاوِيهِمَا ( كَمَا لَوْ جُنَّ ) قَاتِلٌ أَوْ جَارِحٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ( وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا أَوْ ) جَرَحَ ( حُرٌّ قِنًّا فَأَسْلَمَ ) مَجْرُوحٌ ( أَوْ عَتَقَ مَجْرُوحٌ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ ) عَلَى جَارِحٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْجَارِحِ ( دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الزُّهُوقِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ فَيُعْتَبَرُ الْأَرْشُ بِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ إنْسَانٍ وَرِجْلَيْهِ فَسَرَى إلَى نَفْسِهِ ، فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ( وَيَسْتَحِقُّ دِيَةَ مَنْ أَسْلَمَ ) بَعْدَ الْجُرْحِ ( وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ ) لِمَوْتِهِ مُسْلِمًا ( وَ ) يَسْتَحِقُّ دِيَةَ ( مَنْ عَتَقَ ) بَعْدَ الْجُرْحِ ( سَيِّدُهُ ) إنْ كَانَتْ قَدْرَ قِيمَتِهِ فَأَقَلَّ ( كَ ) اسْتِحْقَاقِهِ لِ ( قِيمَتِهِ لَوْ لَمْ يُعْتَقْ ) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ .
( فَلَوْ جَاوَزَتْ دِيَةُ ) مَنْ عَتَقَ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ ثُمَّ مَاتَ ( أَرْشَ جِنَايَةٍ ) أَيْ قِيمَتِهِ رَقِيقًا ( فَالزَّائِدُ ) عَلَى قِيمَتِهِ ( لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ لِحُصُولِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيمَا حَصَلَ بِهَا إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقٌ مِنْ نَسَبٍ وَنِكَاحٍ ( وَلَوْ وَجَبَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ قَوَدٌ ) بِأَنْ كَانَتْ عَمْدًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ ( فَطَلَبُهُ ) أَيْ الْقَوَدُ (
لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ الْعَتِيقِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا فَإِنْ اقْتَصُّوا فَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ عَفَوْا عَلَى مَالٍ فَعَلَى مَا سَبَقَ
( وَمَنْ جَرَحَ قِنَّ نَفْسِهِ فَعَتَقَ ) لِلتَّمْثِيلِ أَوْ إعْتَاقِهِ لَهُ أَوْ وُجُودِ صِفَةٍ عُلِّقَ عَلَيْهَا ( ثُمَّ مَاتَ ) الْعَتِيقُ ( فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ ) أَيْ السَّيِّدِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ ( وَعَلَيْهِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ الْعَتِيقِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الزُّهُوقِ وَيُسْقِطُ مِنْهَا قَدْرَ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَأَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ .
( وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَلَمْ تَقَعْ بِهِ الرَّمْيَةُ حَتَّى عَتَقَ ) الْمَرْمِيُّ ( أَوْ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْهَا ) أَيْ الرَّمْيَةِ ( فَلَا قَوَدَ ) عَلَى رَامِيهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ وَقْتُ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْ الْجَانِي ( وَلِوَرَثَتِهِ ) أَيْ الْمَرْمِيِّ ( عَلَى رَامٍ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ ) اعْتِبَارًا لِلْحَالِ بِحَالِ الْإِصَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَحَلِّ فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الْمَحَلِّ الَّذِي فَاتَ بِهَا فَتَجِبُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ جَزَاءٌ لِلْفِعْلِ فَيُعْتَبَرُ الْفِعْلُ فِيهِ وَالْإِصَابَةُ مَعًا ؛ لِأَنَّهُمَا طَرَفَاهُ ( وَمَنْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ يَظُنُّهُ كَافِرًا أَوْ قِنًّا أَوْ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ تَغَيُّرُ حَالِهِ ) بِأَنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ عَتَقَ الْقِنُّ ( أَوْ ) تَبَيَّنَ ( خِلَافُ ظَنِّهِ ) بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلِ أَبِيهِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِقَتْلِهِ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا مَحْضًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ بِحَالِهِ .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ كَوْنُ مَقْتُولٍ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ لِقَاتِلٍ ( وَلَا بِوَلَدِ بِنْتٍ وَإِنْ سَفَلَتْ لِقَاتِلٍ فَيُقْتَلُ وَلَدٌ بِأَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَجَدَّةٍ ) أَيْ بِقَتْلِهِ وَاحِدًا مِنْ أُصُولِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ فَخُصَّ مِنْهُ صُورَتَانِ بِالنَّصِّ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُمَا وَ ( لَا ) يُقْتَلُ ( أَحَدُهُمْ ) أَيْ الْأَبُ وَالَأْمُ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوْا ( مِنْ نَسَبٍ بِهِ ) أَيْ بِالْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَا لِحَدِيثِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ } رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَرَوَى النَّسَائِيّ حَدِيثَ عُمَرَ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَهُمْ يُسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ وَقَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ عَنْ الْإِسْنَادِ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْنَادُ فِي مِثْلِهِ مَعَ شُهْرَتِهِ تَكَلُّفًا وَلِأَنَّهُ سَبَبُ إيجَادِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّطَ بِسَبَبِهِ عَلَى إعْدَامِهِ .
( وَلَوْ أَنَّهُ ) أَيْ الْوَلَدَ أَوْ وَلَدَ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ ( حُرٌّ مُسْلِمٌ وَالْقَاتِلُ ) لَهُ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَإِنْ عَلَوْا ( كَافِرٌ وَقِنٌّ ) لِانْتِفَاءِ الْقِصَاصِ لِشَرَفِ الْأُبُوَّةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ حَالٍ ( وَيُؤْخَذُ حُرٌّ ) مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَجَدَّةٍ قَتَلَ وَلَدَهُ وَإِنْ سَفَلَ ( بِالدِّيَةِ ) كَمَا تَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي مَالِهِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَتَادَةَ الْمُدْلِجِيِّ دِيَةَ ابْنِهِ
( وَمَتَى وَرِثَ قَاتِلٌ ) بَعْضَ دَمِهِ بِوُجُودِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ ( أَوْ ) وَرِثَ ( وَلَدُهُ ) أَيْ الْقَاتِلُ ( بَعْضَ دَمِهِ ) أَيْ الْمَقْتُولِ ( فَلَا قَوَدَ ) عَلَى قَاتِلٍ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ ( فَلَوْ قَتَلَ ) شَخْصٌ ( زَوْجَتَهُ فَوَرِثَهَا وَلَدُهُمَا ) أَيْ وَلَدُهُمَا مِنْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ لِلْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ فَلِئَلَّا يَجِبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ سِوَاهُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ .
( أَوْ قَتَلَ أَخَاهَا ) أَيْ زَوْجَتِهِ ( فَوَرِثَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ ) الزَّوْجَةُ ( فَوَرِثَهَا الْقَاتِلُ ) أَيْ وَرِثَ مِنْهَا بِالزَّوْجِيَّةِ ( أَوْ ) وَرِثَهَا ( وَلَدُهُ سَقَطَ ) الْقِصَاصُ لِمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَا وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ أَخَا زَوْجِهَا فَوَرِثَهُ زَوْجُهَا ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا فَوَرِثَتْهُ هِيَ أَوْ وَلَدُهَا ( وَمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ ) فَوَرِثَهُ أَخَوَاهُ ( أَوْ ) قَتَلَ ( أَخَاهُ فَوَرِثَهُ أَخَوَاهُ ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْأَخَوَيْنِ ( صَاحِبَهُ سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْ ) الْقَاتِلِ .
( الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ ) وَلَوْ قَتَلَ أَخَاهُ فَوَرِثَهُ ابْنُ الْقَاتِلِ أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ وَرِثَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاتِلِ شَيْئًا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُ ابْنَيْنِ أَبَاهُ وَهُوَ زَوْجٌ لِأُمِّهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ ( ثُمَّ قَتَلَ ) الِابْنُ ( الْآخَرُ أُمَّهُ فَلَا قَوَدَ عَلَى ) الِابْنِ ( قَاتِلِ أَبِيهِ لِإِرْثِهِ ثَمَنَ أُمِّهِ ) فَقَدْ وَرِثَ بَعْضَ دَمِهِ ( وَعَلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ دِيَتِهِ ) أَيْ أَبِيهِ ( لِأَخِيهِ ) قَاتِلِ أُمِّهِ ( وَلَهُ ) أَيْ قَاتِلِ الْأَبِ ( قَتْلُهُ ) أَيْ أَخِيهِ بِأُمِّهِ ( وَيَرِثُهُ ) حَيْثُ لَا حَاجِبَ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِحَقٍّ فَلَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ ، وَإِنْ
عَفَا عَنْهُ إلَى الدِّيَةِ تَقَاصَّا بِمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فَضَلَ لِأَحَدِهِمَا أَخَذَهُ ( وَعَلَيْهِمَا ) أَيْ الْقَاتِلَيْنِ ( مَعَ عَدَمِ زَوْجِيَّةِ ) أَبِيهِمَا لِأُمِّهِمَا ( الْقَوَدُ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَرِثَ قَتِيلَ أَخِيهِ وَحْدَهُ فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ بِالْقَتْلِ اُحْتُمِلَ أَنْ يُبْدَأَ بِالْقَاتِلِ الْأَوَّلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ أَوْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمَا فَقَتَلَ أَخَاهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِإِرْثِهِ أَخَاهُ لِقَتْلِهِ بِحَقٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَقْتُولِ ابْنٌ وَارِثٌ فَيَحْجُبَ الْقَاتِلَ وَلَهُ قَتْلُ عَمِّهِ وَيَرِثُهُ حَيْثُ لَا حَاجِبَ لَهُ .
( وَمَنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُعْرَفُ ) بِإِسْلَامٍ وَلَا حُرِّيَّةٍ ( أَوْ ) قَتَلَ ( مَلْفُوفًا ) لَا يَعْلَمُ مَوْتَهُ وَلَا حَيَاتَهُ ( وَادَّعَى ) قَاتِلُهُ ( كُفْرَهُ ) أَيْ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ ( أَوْ ) ادَّعَى ( رِقَّهُ ) وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ فَالْقَوَدُ وَيَحْلِفُ الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ طَارِئٌ ( أَوْ ادَّعَى ) قَاتِلُ مَلْفُوفٍ ( مَوْتَهُ ) أَيْ الْمَلْفُوفِ ( وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ ) فَالْقَوَدُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ .
( أَوْ ) قَتَلَ ( شَخْصًا فِي دَارٍ ) أَيْ الْقَاتِلُ ( وَادَّعَى ) الْقَاتِلُ ( أَنَّهُ دَخَلَ لِقَتْلِهِ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ ) فَالْقَوَدُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَقَالَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطِ بِرُمَّتِهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلٍ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يَتَغَذَّى إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَعْدُو وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ وَوَرَاءَهُ قَوْمٌ يَعْدُونَ خَلْفَهُ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ عُمَرَ فَجَاءَ الْآخَرُونَ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ إنَّ هَذَا قَتَلَ صَاحِبَنَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَا تَقُولُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : إنِّي ضَرَبْتُ فَخِذَيْ امْرَأَتِي فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ مَا تَقُولُونَ ؟ قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ فِي وَسَطِ الرَّجُلِ وَفَخِذَيْ الْمَرْأَةِ فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَهَزَّهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ .
( أَوْ تَجَارَحَ اثْنَانِ وَادَّعَى كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ فَالْقَوَدُ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِشَرْطِهِ ( أَوْ الدِّيَةُ ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ قَوَدٌ أَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّهُ ( وَيُصَدَّقُ مُنْكِرٌ ) مِنْهُمَا ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ ( وَمَتَى صَدَّقَ الْوَلِيُّ ) دَعْوَى شَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ ( فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ لِاعْتِرَافِ الْخَصْمِ بِمَا يَهْدِرُ دَمَ الْقَتِيلِ .
( وَإِنْ اجْتَمَعَ قَوْمٌ بِمَحَلٍّ فَقَتَلَ ) بَعْضٌ بَعْضًا ( أَوْ جَرَحَ بَعْضٌ مِنْهُمْ ) بَعْضًا ( وَجُهِلَ الْحَالُ ) أَيْ حَالُ الْقَاتِلِينَ وَالْمَقْتُولِينَ ( فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْرُوحِينَ دِيَةُ الْقَتْلَى ) مِنْهُمْ ( يَسْقُطُ مِنْهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ( أَرْشَ الْجِرَاحِ ) نَصَّ عَلَيْهِ لِرِوَايَتِهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى الشَّعْبِيِّ قَالَ : أَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى بِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ( وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ مُورِثَهُ فَقَالَ : إنَّمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ فَصَدَقَ زَيْدٌ ) بِأَنَّ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ ( أَخَذَ ) زَيْدٌ ( بِهِ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَقَالَ : قُلْتُ أَلَيْسَ قَدْ ادَّعَى عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ إنَّمَا هَذَا بِالظَّنِّ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ يُؤْخَذُ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ .
اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَهُوَ أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ ( فِعْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ ) فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ( أَوْ ) فِعْلُ ( وَلِيِّهِ ) إنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ ( بِجَانٍ مِثْلَ فِعْلِهِ ) أَيْ الْجَانِي ( أَوْ شِبْهِهِ ) أَيْ فِعْلِ الْجَانِي وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ ( وَشُرُوطُهُ ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ( ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا : تَكْلِيفُ مُسْتَحِقِّهِ ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ لِمَا يَأْتِي ( وَمَعَ صِغَرِهِ ) أَيْ مُسْتَحَقِّهِ ( أَوْ جُنُونِهِ يُحْبَسُ جَانٍ لِبُلُوغِ ) صَغِيرٍ يَسْتَحِقُّهُ ( أَوْ ) إلَى ( إفَاقَةِ ) مَجْنُونٍ يَسْتَحِقُّهُ ؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ حَبَسَ هُدْبَةَ بْنَ خَشْرَمِ بْنِ حُبَيْشٍ فِي قِصَاصٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ وَكَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ وَبَذَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِ الْمَقْتُولِ سَبْعَ دِيَاتٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَلِأَنَّ فِي تَخْلِيَتِهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ إذْ لَا يُؤْمَنُ هَرَبُهُ ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ بِالدَّيْنِ فَلَمْ يُحْبَسْ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ هُنَا وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ لِقُصُورِ الْمُسْتَوْفِي وَأَيْضًا الْمُعْسِرُ إذَا حُبِسَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَحَبْسُهُ يَضُرُّ بِالْجَانِبَيْنِ وَهُنَا الْحَقُّ هُوَ نَفْسُهُ فَيَفُوتُ بِالتَّخْلِيَةِ ( وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( لَهُمَا ) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ( أَبٌ كَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ ) إذْ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهِمْ التَّشَفِّي لِلْمُسْتَحَقِّ لَهُ فَتَفُوتُ حِكْمَةُ الْقِصَاصِ .
( فَإِذَا احْتَاجَا ) أَيْ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ ( لِنَفَقَةٍ فَلِوَلِيِّ مَجْنُونٍ لَا ) وَلِيِّ ( صَغِيرٍ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ ) لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا حَدَّ لَهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ عَادَةً بِخِلَافِ الصِّغَرِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ لِوَلِيِّهِ الْعَفْوُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجَا فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى حَالٍ ( وَإِنْ قَتَلَا ) أَيْ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ ( قَاتِلَ مُورِثِهِمَا أَوْ
قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا ) أَيْ بِلَا إذْنِ جَانٍ ( سَقَطَ حَقُّهُمَا ) لِاسْتِيفَائِهِمَا مَا وَجَبَ لَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ لَهُمَا فَأَخَذَاهُ مِنْهُ قَهْرًا فَأَتْلَفَاهُ وَ ( كَمَا لَوْ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دَيْنَهُ ) كَالْعَبْدِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا لَا يُمْكِنُ إيجَابُ دَيْنِهِ عَلَى أَحَدٍ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي اتِّفَاقُ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( عَلَى اسْتِيفَائِهِ ) فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ بِدُونِ إذْنِ .
الْبَاقِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ ( وَيُنْتَظَرُ قُدُومُ ) وَارِثٍ ( غَائِبٍ وَبُلُوغُ ) وَارِثٍ ( صَغِيرٍ وَإِفَاقَةُ ) وَارِثٍ مَجْنُونٍ ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْقِصَاصِ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ ( فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ بَعْضُهُمْ كَدِيَةٍ ) أَيْ لَا يَنْفَرِدُ بَعْضُهُمْ بِالدِّيَةِ لَوْ وَجَبَتْ .
( وَ ) كَ ( قِنٍّ مُشْتَرَكٍ ) قُتِلَ فَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِ قَاتِلِهِ الْمُكَافِئِ لَهُ ( بِخِلَافِ ) قَتْلٍ ( فِي مُحَارَبَةٍ ) فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهِ ( لِتَحَتُّمِهِ ) أَيْ تَحَتُّمِ قَتْلٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
( وَ ) بِخِلَافِ ( حَدِّ قَذْفٍ ) فَيُقَامُ إذَا طَلَبَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ حَيْثُ يُورَثُ ( لِوُجُوبِهِ ) أَيْ حَدِّ الْقَذْفِ ( لِكُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْ الْوَرَثَةِ إذَا طَلَبَهُ ( كَامِلًا ) وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَسْتَوْفِي الْإِمَامُ الْقِصَاصَ فِيهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لَا بِحُكْمِ الْإِرْثِ وَإِنَّمَا قُتِلَ الْحَسَنُ ابْنُ مُلْجِمٍ كُفْرًا ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرْ قُدُومَ مَنْ غَابَ مِنْ الْوَرَثَةِ ( وَمَنْ مَاتَ ) مِنْ وَرَثَةِ مَقْتُولٍ ( فَوَارِثُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( كَهُوَ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ فَانْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ .
وَمَتَى انْفَرَدَ بِهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( مَنْ مُنِعَ ) مِنْ الِانْفِرَادِ بِهِ ( عُزِّرَ فَقَطْ ) لِافْتِيَاتِهِ بِالِانْفِرَادِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمُنِعَ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ لِعَدَمِ التَّجَزِّي فَإِذَا اسْتَوْفَى وَقَعَ نَصِيبُهُ قِصَاصًا وَبَقِيَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى بَعْضِ النَّفْسِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْقِصَاصُ ( وَلِشَرِيكِ ) مُقْتَصٍّ ( فِي تَرِكَةِ جَانٍ حَقُّهُ ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَقْتَصّ ( مِنْ
الدِّيَةِ ) بِقِسْطِهِ مِنْهَا ( وَيَرْجِعُ وَارِثُ جَانٍ عَلَى مُقْتَصٍّ بِمَا فَوْقَ حَقِّهِ ) فَلَوْ قَتَلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ فَقَتَلَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ فَلِمَنْ لَمْ يَأْذَنْ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهَا عَلَى مَنْ اقْتَصَّ مِنْهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا ( وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ ) أَيْ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْعَافِي ( زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ بَعْضُ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ ( وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ سَقَطَ الْقَوَدُ ) أَمَّا السُّقُوطُ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ .
وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ } " بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " { مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَمَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي } " يُرِيدُ عَائِشَةَ وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ " أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ قَدْ عَفَوْتُ عَنْ حَقِّي فَقَالَ عُمَرُ : اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ عَتَقَ الْقَتِيلُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ فَلِإِقْرَارِهِ بِسُقُوطِ نَصِيبِهِ وَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ سَرَى إلَى الْبَاقِي كَالْعِتْقِ ( وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ ) مِنْ الْوَرَثَةِ ( حَقُّهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى جَانٍ ) سَوَاءٌ عَفَا شَرِيكُهُ مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَمَّا فَاتَهُ مِنْ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِهِ ( ثُمَّ إنْ قَتَلَهُ عَافٍ قُتِلَ وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ ) أَيْ الْعَفْوِ ( أَوْ جَوَازَهُ ) أَيْ الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى مَالٍ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَيْ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا مُكَافِئًا ( وَكَذَا شَرِيكٌ ) عَافٍ ( عَالِمٌ بِالْعَفْوِ ) أَيْ عَفْوِ شَرِيكِهِ ( وَ ) عَلِمَ بِ ( سُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ ) أَيْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَيُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ حُكِمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَا لِقَتْلِهِ مَعْصُومًا عَالِمَا بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ إذْ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ قَتَلْنَاهُ بِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي قَتْلِهِ ( وَإِلَّا ) يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ بِأَنْ قَتَلَهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِمَا فَلَا قِصَاصَ لِاعْتِقَادِهِ ثُبُوتَ حَقِّهِ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَ ( أَدَّاهُ ) أَيْ أَدَّى دِيَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَسَائِرِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ .
( وَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَارِثٍ ) لِلْمَقْتُولِ مِنْ ( الْقَوَدِ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْ الْمَالِ ) أَيْ مَالِ الْمَقْتُولِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذِي الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ فَوَجَبَ لَهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَالِ ( وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَوَدِ مِنْ مُورِثِهِ ) أَيْ الْمَنْقُولِ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِ الْمَقْتُولِ كَالدِّيَةِ ( وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ) مِنْ الْقَتْلَى ( فَالْإِمَامُ وَلِيُّهُ ) فِي الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ( وَلَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ إلَى مَالٍ ) أَوْ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ فَيَفْعَلَ مَا يَرَاهُ الْأَصْلَحُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمُسْلِمِينَ وَ ( لَا ) يَعْفُو ( مَجَّانًا ) وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا وَلَا شَيْءَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي اسْتِيفَاءِ ) قَوَدِ ( تَعَدِّيهِ ) أَيْ الِاسْتِيفَاءِ ( إلَى غَيْرِ جَانٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } ( فَلَوْ لَزِمَ الْقَوَدُ حَامِلًا ) لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ ( أَوْ ) لَزِمَ الْقَوَدُ ( حَائِلًا فَحَمَلَتْ لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ ) حَمْلَهَا ؛ لِأَنَّ قَتْلَهَا إسْرَافٌ لِتَعَدِّيهِ إلَى حَمْلِهَا .
( وَ ) حَتَّى ( تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ ) ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يَضُرُّ الْوَلَدَ وَفِي الْغَالِبِ لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا " { إذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ عَمْدًا لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا ، وَإِنْ زَنَتْ لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا } " وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَامِدِيَّةِ " { ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ ثُمَّ قَالَ لَهَا ارْجِعِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ } " ( ثُمَّ إنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ ) أَيْ وَلَدَهَا بَعْدَ سَقْيِهَا لَهُ اللِّبَأَ أُعْطِيَ لِمَنْ يُرْضِعُهُ وَأُقِيدَ مِنْهَا لِقِيَامِ غَيْرِهَا مَقَامَهَا فِي إرْضَاعِهِ وَتَرْبِيَتِهِ فَلَا عُذْرَ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَاتٍ غَيْرَ رَوَاتِبَ أَوْ شَاةً يُسْقَى مِنْ لَبَنِهَا جَازَ قَتْلُهَا وَيُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ تَأْخِيرُهُ إلَى الْفِطَامِ .
( وَإِلَّا ) يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ ( فَ ) لَا يُقَادُ مِنْهَا ( حَتَّى تَفْطِمَهُ لِحَوْلَيْنِ ) كَمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ إذَا أُخِّرَ الِاسْتِيفَاءُ لِحِفْظِهِ وَهُوَ حَمْلٌ فَلَأَنْ يُؤَخَّرَ لِحِفْظِهِ بَعْدَ وَضْعِهِ أَوْلَى ( وَكَذَا حَدٌّ بِرَجْمٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَتُقَادُ ) حَامِلٌ ( فِي طُرُقٍ ) بِمُجَرَّدِ وَضْعٍ ( وَتُحَدُّ ) حَامِلٌ ( بِجَلْدٍ ) لِقَذْفٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( بِمُجَرَّدِ وَضْعِ ) حَمْلٍ فِي الْمُغْنِي وَسَقْيِ اللِّبَإِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَيَفْرُغَ نِفَاسُهَا ( وَمَتَى ادَّعَتْهُ ) أَيْ الْحَمْلَ امْرَأَةٌ وَجَبَ
عَلَيْهَا قَوَدٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ حَدٌّ بِرَجْمٍ أَوْ جَلْدٍ ( وَأَمْكَنَ ) بِأَنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يُمْكِنُ أَنْ تَحْمِلَ فِيهِ .
قُلْتُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ ( قُبِلَ ) قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا خُصُوصًا فِي ابْتِدَاءِ الْحَمْلِ ، وَلَا يُؤْمَنُ الْخَطَرُ بِتَكْذِيبِهَا ( وَحُبِسَتْ لِقَوَدٍ ) كَمَا تَقَدَّمَ ( وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّ مَقْتُولٍ ) لِجَوَازِ أَنْ تَهْرَبَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهَا ( بِخِلَافِ حَبْسٍ فِي مَالِ غَائِبٍ ) وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا .
وَ ( لَا ) تُحْبَسُ ( لِحَدٍّ ) بَلْ تُتْرَكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِآدَمِيٍّ يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَيْهِ .
فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ الْقَذْفِ فَيُتَوَجَّهُ حَبْسُهَا كَحَبْسِهَا لِلْقَوَدِ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا ) فِي الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ ( وَمَنْ اقْتَصَّ مِنْ حَامِلٍ ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا ( ضَمِنَ ) الْمُقْتَصُّ ( جَنِينَهَا ) بِالْغُرَّةِ إنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ لِمِثْلِهِ ، وَبِدِيَتِهِ إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا لِوَقْتِ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ .
وَبَقِيَ ذَبِلًا خَاضِعًا زَمَنًا يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ سَوَاءٌ عَلِمَ الْحَمْلَ مَعَ السُّلْطَانِ أَوْ عَلِمَهُ دُونَهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ مِنْ أُمِّهِ حَالَةَ الْحَمْلِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا .
وَيَحْرُمُ اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ بِلَا حَضْرَةِ سُلْطَانٍ أَوْ نَائِبِهِ لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ وَيَحْرُمُ الْحَيْفُ فِيهِ ، وَلَا يُؤْمَنُ مَعَ قَصْدِ الْمُقْتَصِّ التَّشَفِّي بِالْقِصَاصِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ( تَعْزِيرُ مُخَالِفٍ ) اقْتَصَّ بِغَيْرِ حُضُورِهِ لِافْتِيَاتِهِ بِفِعْلِ مَا مُنِعَ مِنْهُ ( وَيَقَعُ ) فِعْلُهُ ( الْمَوْقِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ( تَفَقُّدُ آلَةِ اسْتِيفَاءِ ) قَوَدٍ ( لِيَمْنَعَ مِنْهُ ) أَيْ الْقَوَدِ ( بِ ) آلَةٍ ( كَالَّةٍ ) لِحَدِيثِ " { إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } " وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْكَالَّةِ تَعْذِيبٌ لِلْمَقْتُولِ ( وَيَنْظُرُ ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ( فِي الْوَلِيِّ ) لِلْقَوَدِ ( فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ ) الْقِصَاصِ ( وَيُحْسِنُهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } لِحَدِيثِ " { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا ، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ } " وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( وَيُخَيَّرُ ) وَلِيٌّ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ ( بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ ) الِاسْتِيفَاءَ ( وَلَوْ فِي طَرَفٍ ) كَيَدٍ وَرِجْلٍ ( وَبَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ ) مَنْ يَسْتَوْفِيهِ لَهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( وَإِلَّا ) يُحْسِنْ الْوَلِيُّ الِاسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ ( أُمِرَ ) أَيْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ ( أَنْ يُوَكِّلَ ) مَنْ يَسْتَوْفِيهِ لَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فَيُوَكِّلُ مَنْ يُحْسِنُ اسْتِيفَاءَهُ .
وَإِنْ ادَّعَى وَلِيٌّ أَنَّهُ يُحْسِنُهُ فَمُكِّنَ مِنْهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَ الْعُنُقِ وَأَقَرَّ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ عُزِّرَ .
وَمُنِعَ إنْ أَرَادَ الْقَوَدَ وَإِنْ قَالَ أَخْطَأْتُ وَالضَّرْبَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ الْعُنُقِ قُبِلَ قَوْلُهُ لِجَوَازِهِ ، وَإِنْ بَعُدَتْ مِنْهُ بِأَنْ نَزَلَتْ عَنْ الْمَنْكِبِ رُدَّ قَوْلُهُ : وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ ( وَإِنْ احْتَاجَ ) الْوَكِيلُ ( لِأُجْرَةٍ ) هِيَ ( فَمِنْ مَالِ جَانٍ ) كَأُجْرَةِ
اسْتِيفَاءِ ( حَدٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ أَشْبَهَ أُجْرَةَ كَيْلِ مَكِيلٍ بَاعَهُ .
( وَمَنْ لَهُ وَلِيَّيْنٍ ) أَيْ وَارِثَانِ ( فَأَكْثَرَ ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ ( وَأَرَادَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( مُبَاشَرَتَهُ ) أَيْ الْقَوَدِ بِنَفْسِهِ ( قُدِّمَ وَاحِدٌ ) مِنْهُمَا ( بِقُرْعَةٍ ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحَقِّ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ غَيْرِهَا ( وَوَكَّلَهُ مَنْ بَقِيَ ) مِنْ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَوْكِيلِ أَحَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ مُنِعُوا مِنْهُ حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَيْهِ .
( وَيَجُوزُ اقْتِصَاصُ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَا وَلِيٍّ ) جِنَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْوَلِيِّ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِوَلِيِّ أَمْرٍ أَنْ يَأْذَنَ لِسَارِقٍ فِي ( قَطْعِ ) يَدِ ( نَفْسِهِ ) أَوْ رِجْلِهِ ( فِي سَرِقَةٍ ) لِفَوَاتِ الرَّدْعِ بِقَطْعِ غَيْرِهِ ( وَيَسْقُطُ ) الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ إنْ قَطَعَ السَّارِقُ نَفْسَهُ لِوُقُوعِهِ الْمَوْقِعَ ( بِخِلَافِ حَدِّ ) جَلْدٍ فِي ( زِنًا أَوْ قَذْفٍ بِإِذْنِ ) حَاكِمٍ فِي جِلْدِ الزِّنَا وَمَقْذُوفٍ فِي حَدِّ قَذْفٍ فَلَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ لِعَدَمِ حُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْقَصْدَ قَطْعُ الْعُضْوِ وَقَدْ وُجِدَ ( وَلَهُ ) أَيْ مَنْ يُرِيدُ الْخَتْنَ ( خَتْنَ نَفْسِهِ إنْ قَوِيَ ) عَلَيْهِ ( وَأَحْسَنَهُ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَلِفِعْلِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( وَيَحْرُمُ أَنْ يُسْتَوْفَى ) قَوَدٌ ( فِي نَفْسٍ إلَّا بِسَيْفٍ ) فِي عُنُقٍ لِحَدِيثِ " { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِحَدِيثِ " { إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ } " وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْقَوَدِ إتْلَافُ جُمْلَتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ كَقَتْلِهِ بِسَيْفٍ كَالٍّ وَ ( كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِ ) فِعْلٍ ( مُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ كَلِوَاطٍ وَتَجْرِيعِ خَمْرٍ ) وَكَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ الْجَانِي يَضْرِبُ الْمَقْتُولَ بِالسَّيْفِ حَتَّى مَاتَ ( وَ ) يَحْرُمُ أَنْ يُسْتَوْفَى قَوَدٌ ( فِي طَرَفٍ إلَّا بِسِكِّينٍ وَنَحْوِهَا ) مِنْ آلَةٍ صَغِيرَةٍ ( لِئَلَّا يَحِيفَ ) فِي الِاسْتِيفَاءِ ( وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ شَخْصٍ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ دَخَلَ قَوَدُ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ وَكَفَى قَتْلُهُ ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى الطَّرَفِ .
و إنْ كَانَ بَعْدَ بُرْئِهِ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ وَلَهُ أَخْذُ دِيَةِ مَا قَتَلَهُ وَقَطَعَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي بُرْئِهِ فَقَوْلُ مُنْكِرٍ إنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا وَإِلَّا فَقَوْلُ وَلِيٍّ بِيَمِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَوْلُ جَانٍ بِيَمِينِهِ وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ وَلِيٍّ إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا مُثَبِّتَةٌ لِلْبُرْءِ ( وَمَنْ فَعَلَ بِهِ ) أَيْ بِجَانٍ ( وَلِيُّ جِنَايَةٍ كَفِعْلِهِ ) أَيْ الْجَانِي بِالْمَقْتُولِ ( يَضْمَنُهُ ) الْوَلِيُّ بِشَيْءٍ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي اسْتِيفَاءٍ فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا كَقَتْلِهِ بِآلَةٍ كَالَّةٍ .
( فَلَوْ عَفَا ) الْوَلِيُّ إلَى الدِّيَةِ ( وَقَدْ قَطَعَ ) مِنْ جَانٍ ( مَا فِيهِ دُونَ دِيَةٍ ) كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ ( فَلَهُ ) أَيْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْجَانِي ( تَمَامُهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ( وَإِنْ كَانَ فِيهِ ) أَيْ فِيمَا قَطَعَهُ الْوَلِيُّ مِنْ الْجَانِي ( دِيَةٌ ) كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ أَوْ أَنْفَهُ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ ( وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَكْثَرُ ) مِنْ
دِيَةٍ كَقَطْعِ أَرْبَعَتِهِ وَقَدْ فُعِلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ عَفَا الْوَلِيُّ ( فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) فِيمَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ زَادَ ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ جَانٍ بِأَنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ وَقَتَلَهُ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَقَتَلَهُ ( أَوْ تَعَدَّى ) الْوَلِيُّ ( بِقَطْعِ طَرَفِهِ ) أَيْ الْجَانِي وَلَمْ يَكُنْ قَطَعَ طَرَفًا ( فَلَا قَوَدَ ) عَلَى وَلِيٍّ فِيهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ قَتْلَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَلَهُ شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ عَنْهُ وَكَذَا لَوْ زَادَ فِي اسْتِيفَاءِ شَجَّةٍ أَوْ جَرْحٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مِنْ جَانٍ كَاضْطِرَابِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى مُقْتَصٍّ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَوْلُهُ ( وَيَضْمَنُهُ ) أَيْ مَا زَادَ وَتَعَدَّى فِيهِ الْوَلِيُّ ( بِدِيَتِهِ ) سَوَاءٌ ( عَفَا ) الْوَلِيُّ ( عَنْهُ ) أَيْ الْجَانِي بَعْدُ ( أَوْ لَا ) لِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَمَّا انْتَفَى الْقَوَدُ لِدَرْءِ الشُّبْهَةِ لَهُ وَجَبَ الْمَالُ لِئَلَّا تَذْهَبَ جِنَايَتُهُ مَجَّانًا ( وَإِنْ كَانَ ) الْجَانِي ( قَطَعَ يَدَهُ ) أَيْ الْمَقْتُولِ ( فَقَطَعَ ) الْوَلِيُّ ( رِجْلَهُ ) أَيْ الْجَانِي ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( دِيَةُ رِجْلِهِ ) أَيْ الْجَانِي لِمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ ظَنَّ وَلِيُّ دَمٍ أَنَّهُ اقْتَصَّ فِي النَّفْسِ فَلَمْ يَكُنْ ) اسْتَوْفَى ( وَدَاوَاهُ ) أَيْ الْجَانِي ( أَهْلُهُ حَتَّى بَرِئَ فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ إلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ ) أَيْ الَّذِي فَعَلَهُ بِهِ ( وَقَتَلَهُ وَإِلَّا ) يَدْفَعْ إلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ ( تَرَكَهُ ) فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ هَذَا رَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ .
وَمَنْ قَتَلَ عَدَدًا أَوْ قَطَعَ عَدَدًا اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( فِي وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْ وَقْتٍ ( فَرَضِيَ أَوْلِيَاءُ كُلٍّ ) مِنْ الْقَتْلَى ( بِقَتْلِهِ أَوْ ) رَضِيَ ( الْمَقْطُوعُونَ بِقَطْعِهِ ) فَاقْتُصَّ مِنْهُ مَا رَضَوْا بِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ ( اُكْتُفِيَ بِهِ ) لِجَمِيعِهِمْ لِتَعَذُّرِ تَوْزِيعِ الْجَانِي عَلَى الْجِنَايَاتِ ( وَإِنْ طَلَبَ وَلِيُّ كُلٍّ ) مِنْ الْقَتْلَى أَوْ طَلَبَ كُلٌّ مِنْ الْمَقْطُوعِينَ ( قَتْلَهُ ) أَوْ قَطْعَهُ ( عَلَى الْكَمَالِ ) أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَوَدُ لَهُ وَحْدَهُ ( وَجِنَايَتُهُ ) عَلَى الْجَمِيعِ ( فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمْ فَيُقَادُ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ لِتَسَاوِيهِمْ فِي حَقٍّ لَا يُمْكِنُ تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِمْ فَيَتَعَيَّنُ لِلْمُسْتَحِقِّ بِقُرْعَةٍ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ جِنَايَتُهُ عَلَى الْجَمِيعِ فِي وَقْتٍ ( أُقِيدَ لِ ) لْمَجْنِيّ عَلَيْهِ ( الْأَوَّلِ ) لِسَبْقِ اسْتِحْقَاقِهِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ فَإِنْ كَانَ وَلِيُّهُ غَائِبًا وَنَحْوَهُ اُنْتُظِرَ .
( وَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ ) كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقَادَ مِنْهُ ( وَكَمَا لَوْ بَادَرَ غَيْرُ وَلِيِّ الْأَوَّلِ ) أَوْ غَيْرُ الْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ ( وَاقْتَصَّ ) فَيَقَعُ فِيهِ مَوْقِعَهُ وَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ ( وَإِنْ رَضِيَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ الدِّيَةَ أُعْطِيهَا ) ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ إلَيْهِ ( وَقُتِلَ ) الْجَانِي أَوْ قُطِعَ ( لِثَانٍ وَهَلُمَّ ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ( جَرًّا ) بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ فَإِنْ رَضِيَ وَلِيٌّ ثَانٍ أَيْضًا بِالدِّيَةِ أُعْطِيهَا وَقُتِلَ أَوْ قُطِعَ الثَّالِثُ وَهَكَذَا وَإِنْ قَتَلَهُمْ مُتَفَرِّقًا وَاسْتَشْكَلَ الْأَوَّلُ وَادَّعَى كُلٌّ الْأَوَّلِيَّةِ وَلَا بَيِّنَةَ فَأَقَرَّ الْقَاتِلُ لِأَحَدِهِمْ قُدِّمَ وَإِلَّا أُقْرِعَ
( وَإِنْ قَتَلَ ) جَانٍ ( شَخْصًا وَقَطَعَ طَرَفَ آخَرَ ) كَيَدِهِ ( قُطِعَ ) لِقَطْعِ الطَّرَفِ ( ثُمَّ قُتِلَ ) بِمَنْ قَتَلَهُ ( بَعْدَ انْدِمَالٍ ) تَقَدَّمَ الْقَتْلُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ عَلَى شَخْصَيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَقَطْعِ يَدَيْ رَجُلَيْنِ
وَإِنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَ آخَرُ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى نَفْسِ الْمَقْطُوعِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ قَاتِلٌ لَهُمَا فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُسْتَوْفِي لِلْقَتْلِ قُتِلَ بِاَلَّذِي قَتَلَهُ لِسَبْقِ وُجُوبِ الْقَتْلِ بِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِاَلَّذِي قَطَعَهُ إنَّمَا وَجَبَ عِنْدَ السِّرَايَةِ ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْقَتْلِ .
( وَلَوْ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ وَ ) قَطَعَ ( إصْبَعَ عَمْرٍو مِنْ يَدٍ نَظِيرَتِهَا ) أَيْ نَظِيرَةِ يَدِ زَيْدٍ الَّتِي قَطَعَهَا .
( وَ ) قَطْعُ يَدِ ( زَيْدٍ أَسْبَقُ ) مِنْ قَطْعِ إصْبَعِ عَمْرٍو ( قُدِّمَ ) زَيْدٌ فَتُقْطَعُ يَدُ الْجَانِي لَهُ ( وَلِعَمْرٍو دِيَةُ إصْبَعِهِ ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ ( وَمَعَ سَبْقِ ) قَطْعِ إصْبَعِ ( عَمْرٍو يُقَادُ لِإِصْبَعِهِ ) أَيْ عَمْرٌو لِسَبْقِهِ ( ثُمَّ ) يُقَادُ ( لِيَدِ زَيْدٍ بِلَا أَرْشٍ ) لِئَلَّا يَجْمَعَ فِي عَفْوٍ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَالنَّفْسِ .
الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَفْوُ الْمَحْوُ وَالتَّجَاوُزُ وَالْإِسْقَاطُ ( وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ وَيَجِبُ بِعَمْدٍ ) عُدْوَانٍ ( الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ ) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ( بَيْنَهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ) " { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادُ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ .
وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ مَرْفُوعًا " { مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبَلٍ - وَالْخَبَلُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْجِرَاحُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثٍ : إمَّا أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ أَوْ يَعْفُوَ ، فَإِنْ أَرَادَ أَرْبَعَةً فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ( وَعَفْوُهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( مَجَّانًا أَفْضَلُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { مَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَيَصِحُّ عَفْوٌ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ وَكُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ ( ثُمَّ لَا تَعْزِيرَ عَلَى جَانٍ ) بَعْدَ عَفْوٍ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا وَاحِدًا وَقَدْ سَقَطَ كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ خَطَأٍ ( فَإِنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْقَوَدَ ) فَلَهُ أَخْذُهَا ، وَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَعْلَى فَلَا يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ إلَى الْأَدْنَى ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ .
( أَوْ عَفَا ) الْوَلِيُّ ( عَنْ الدِّيَةِ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْقِصَاصِ ( فَلَهُ أَخْذُهَا ، وَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ هَذِهِ الدِّيَةُ هِيَ الْوَاجِبَةَ بِالْقَتْلِ بَلْ بَدَلٌ عَنْ الْقِصَاصِ ( وَإِنْ اخْتَارَهَا ) ابْتِدَاءً ( تَعَيَّنَتْ ) وَسَقَطَ الْقِصَاصُ ( فَلَوْ قَتَلَهُ ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ( بَعْدَ ) اخْتِيَارِهِ الدِّيَةَ ( قُتِلَ بِهِ ) لِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الْقِصَاصِ بِعَفْوِهِ عَنْهُ ( وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا )
فَلَمْ يُقَيِّدْ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ فَلَهُ الدِّيَةُ ( أَوْ ) عَفَا ( عَلَى غَيْرِ مَالٍ ) كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ فَلَهُ الدِّيَةُ ( أَوْ ) عَفَا ( عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا ) فَقَالَ عَفَوْتُ عَنْ الْقَوَدِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى مَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ .
( وَلَوْ ) كَانَ الْعَفْوُ ( عَنْ يَدِهِ ) أَيْ الْعَافِي ( فَلَهُ الدِّيَةُ ) لِانْصِرَافِ الْعَفْوِ إلَى الْقِصَاصِ دُونَ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَعْظَمُ فِي بَابِ الْقَوَدِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّشَفِّي فَانْصَرَفَ الْعَفْوُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِقَامِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ لَا بِالْمَالِ فَتَبْقَى الدِّيَةُ عَلَى أَصْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ امْتَنَعَ فِيهِ الْقَتْلُ .
( وَلَوْ هَلَكَ جَانٍ ) عَمْدًا ( تَعَيَّنَتْ ) الدِّيَةُ ( فِي مَالِهِ ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ ( كَتَعَذُّرِهِ ) أَيْ الْقَوَدِ ( فِي طَرَفِهِ ) أَيْ الْجَانِي بِأَنْ قَطَعَ يَدًا وَتَعَذَّرَ قَطْعُ يَدِهِ لِشَلَلِهَا أَوْ إذْهَابِهَا وَنَحْوِهِ فَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ جَانٍ عَمْدًا تَرِكَةً ضَاعَ حَقُّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ ( وَمَنْ قَطَعَ طَرَفًا عَمْدًا كَإِصْبَعٍ فَعَفَا عَنْهُ ) الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ ( ثُمَّ سَرَتْ ) الْجِنَايَةُ ( إلَى عُضْوٍ آخَرَ كَبَقِيَّةِ الْيَدِ أَوْ ) سَرَتْ ( إلَى النَّفْسِ ، وَالْعَفْوُ عَلَى مَالٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ ) كَخَمْرٍ ( فَ ) لَا قِصَاصَ .
وَ ( لَهُ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( تَمَامُ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ ) مِنْ يَدٍ أَوْ نَفْسٍ ( وَلَوْ مَعَ مَوْتِ جَانٍ ) فَيَكْفِي أَرْشُ مَا عَفَا عَنْهُ ( وَإِنْ ادَّعَى ) جَانٍ أَوْ وَارِثُهُ ( عَفْوَهُ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( عَنْ قَوَدٍ وَمَالٍ أَوْ ) ادَّعَى عَفْوَهُ ( عَنْهَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ ( وَعَنْ سِرَايَتِهَا فَقَالَ ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى ( بَلْ ) عَفَوْتُ ( إلَى مَالٍ أَوْ ) قَالَ فِي الثَّانِيَةِ بَلْ عَفَوْتُ عَنْهَا ( دُونَ سِرَايَتِهَا فَقَوْلُ عَافٍ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ الْجَمِيعِ فَلَا يَثْبُتُ الْعَفْوُ عَمَّا لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ
وَلِيُّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ مَعَ جَانٍ .
( وَمَتَى قَتَلَهُ ) أَيْ الْعَافِي ( جَانٍ قَبْلَ بُرْءِ ) الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحَهُ .
( وَقَدْ عَفَا ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ( عَلَى مَالٍ فَ ) لِوَلِيِّ عَافٍ ( الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً ) يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ انْفَرَدَ عَنْ الْقَطْعِ فَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَمْنَعُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ غَيْرَهُ ( وَمَنْ وُكِّلَ فِي ) اسْتِيفَاءِ ( قَوَدٍ ثُمَّ عَفَا ) مُوَكِّلٌ عَنْ قَوَدٍ وَكَّلَ فِيهِ ( وَلَمْ يَعْلَمْ وَكِيلُهُ ) بِعَفْوِهِ ( حَتَّى اقْتَصَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ) .
أَمَّا الْوَكِيلُ فَلِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ لِحُصُولِ الْعَفْوِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْوَكِيلُ اسْتِدْرَاكُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَفَا بَعْدَ مَا رَمَاهُ وَأَمَّا الْمُوَكَّلُ فَلِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ وَقَالَ تَعَالَى : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } فَإِنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ( وَإِنْ عَفَا مَجْرُوحٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَنْ قَوَدِ نَفْسِهِ أَوْ دِيَتِهَا صَحَّ ) عَفْوُهُ لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ فَصَحَّ عَفْوُهُ عَنْهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَ ( كَ ) عَفْوِ ( وَارِثِهِ ) عَنْ ذَلِكَ ( فَلَوْ قَالَ ) مَجْرُوحٌ ( عَفَوْتُ عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ ) قَالَ عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ ( الضَّرْبَةِ فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ) إذْ السِّرَايَةُ تَبَعٌ لِلْجِنَايَةِ فَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ بِسِرَايَتِهَا بِالْأَوْلَى ( كَمَا لَوْ قَالَ عَفَوْتُ عَنْ الْجِنَايَةِ ) فَلَا شَيْءَ فِي سِرَايَتِهَا .
وَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِالْجِنَايَةِ الْجِرَاحَةَ دُونَ سِرَايَتِهَا ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْجِنَايَةِ تَدْخُلُ فِيهِ الْجِرَاحَةُ وَسِرَايَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ ( بِخِلَافِ عَفْوِهِ ) أَيْ الْمَجْرُوحِ ( عَلَى مَالٍ أَوْ عَنْ الْقَوَدِ فَقَطْ ) بِأَنْ قَالَ عَفَوْتُ عَلَى مَالٍ أَوْ عَفَوْتُ عَنْ الْقَوَدِ فَلَا يَبْرَأُ جَانٍ مِنْ السِّرَايَةِ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي بَرَاءَتَهُ مِنْهَا ( وَيَصِحُّ قَوْلُ مَجْرُوحٍ
أَبْرَأْتُكَ ) مِنْ دَمِي أَوْ قَتْلِي مُعَلَّقًا بِمَوْتِهِ .
( وَ ) قَوْلُهُ ( أَحْلَلْتُكَ مِنْ دَمِي أَوْ قَتْلِي أَوْ وَهَبْتُكَ ذَلِكَ ) أَيْ دَمِي أَوْ قَتْلِي ( وَنَحْوَهُ ) كَجَعَلْتُ لَكَ دَمِي أَوْ قَتْلِي أَوْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْكَ ( مُعَلَّقًا بِمَوْتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَإِنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ بَرِئَ مِنْهُ ( فَلَوْ عُوفِيَ بَقِيَ حَقُّهُ ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْجِرَاحَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَإِنَّمَا اقْتَضَى مُوجِبَ الْقَتْلِ فَبَقِيَ مُوجِبُ الْجُرْحِ بِحَالِهِ ( بِخِلَافِ عَفَوْتُ عَنْكَ وَنَحْوَهُ ) كَعَفَوْتُ عَنْ جِنَايَتِكَ لِتَضَمُّنِهِ الْجِنَايَةَ وَسِرَايَتَهَا .
( وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ ) أَيْ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ ( عَنْ قَوَدِ شَجَّةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا ) كَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ وَلَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ أَشْبَهَ الْإِبْرَاءَ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهِ ( فَلِوَلِيِّهِ ) أَيْ الْمَشْجُوجِ ( مَعَ سِرَايَتِهَا ) أَيْ الشَّجَّةِ ( الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ ) كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ .
( وَكُلُّ عَفْوٍ صَحَّحْنَاهُ مِنْ مَجْرُوحٍ مَجَّانًا مِمَّا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا ) كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِ الْجَائِفَةِ ( فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ ) الْعَافِي ( يُعْتَبَرُ ) مَا عَفَا عَنْهُ ( مِنْ الثُّلُثِ ) أَيْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ فَيُنَفَّذُ إنْ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ وَإِنْ زَادَ فَبِقَدْرِهِ لِإِبْرَائِهِ مِنْ مَالٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي مَرَضٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ أَشْبَهَ الدَّيْنَ ( وَيُنْقَضُ الْعَفْوُ ) عَمَّا يُوجِبُ الْمَالَ عَيْنًا مِنْ مَجْرُوحٍ إذَا مَاتَ ( لِلدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ ) لِلتَّرِكَةِ كَالْوَصِيَّةِ ( وَإِنْ أُوجِبَ ) مَا عَفَا عَنْهُ مَجْرُوحٌ ثُمَّ مَاتَ ( قَوَدٌ أُنْفِذَ مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ) التَّرِكَةُ ( سِوَى دَمِهِ ) نَصًّا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِ فَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ لَمْ يَلْزَمْهُ إثْبَاتُ الْمَالِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ .
( وَمِثْلُهُ الْعَفْوُ عَنْ قَوَدٍ بِلَا مَالٍ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مِنْ
الْوَرَثَةِ مَعَ دَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ ) لِلتَّرِكَةِ وَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ .
( وَمَنْ قَالَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ أَوْ ) قَوَدٌ فِي ( طَرَفٍ : عَفَوْتُ عَنْ جِنَايَتِكَ أَوْ ) عَفَوْتُ ( عَنْكَ بَرِئَ مِنْ قَوَدٍ وَدِيَةٍ ) لِتَنَاوُلِ عَفْوِهِ لَهُمَا ( وَإِنْ أُبْرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ قَاتِلٌ مِنْ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ لَمْ يَصِحَّ ( أَوْ ) أُبْرِئَ ( قِنٌّ مِنْ جِنَايَةٍ يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ ) أَيْ الْقِنِّ ( لَمْ يَصِحَّ ) الْإِبْرَاءُ لِوُقُوعِهِ عَلَى غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ كَإِبْرَاءِ عَمْرٍو مِنْ دَيْنِ زَيْدٍ .
( وَإِنْ أُبْرِئَتْ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( عَاقِلَتُهُ ) أَيْ الْقَاتِلِ مِنْ دِيَةٍ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا صَحَّ ( أَوْ ) أُبْرِئَ ( سَيِّدُهُ ) أَيْ الْقِنِّ الْجَانِي مِنْ جِنَايَةٍ يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ صَحَّ .
( أَوْ قَالَ ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ( عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُبَرَّأَ ) مِنْ قَاتِلٍ أَوْ عَاقِلَةٍ أَوْ سَيِّدٍ ( صَحَّ ) الْإِبْرَاءُ لِانْصِرَافِهِ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ( وَإِنْ وَجَبَ لِقِنٍّ قَوَدٌ أَوْ ) وَجَبَ لَهُ ( تَعْزِيرُ قَذْفٍ ) وَنَحْوِهِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْقِنِّ ( طَلَبُهُ وَ ) لَهُ ( إسْقَاطُهُ ) لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ دُونَ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ مَا دَامَ الْقِنُّ حَيًّا وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ الْمَالِ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْقِنُّ ( فَلِسَيِّدِهِ ) طَلَبُهُ وَإِسْقَاطُهُ كَالْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ .
مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ جِرَاحٍ أَوْ أَطْرَافٍ ( مَنْ أُخِذَ بِغَيْرِهِ فِي نَفْسٍ أُخِذَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَلِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ " { وَفِيهِ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَلِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الطَّرَفِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي النَّفْسِ دُونَ الطَّرَفِ وَإِذَا جَرَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ مَعَ تَأَكُّدِ حُرْمَتِهَا فَجَرَيَانُهُ فِي الطَّرَفِ أَوْلَى لَكِنْ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
( وَمَنْ لَا ) يُؤْخَذُ بِغَيْرِهِ فِي نَفْسٍ ( فَلَا ) يُؤْخَذُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا كَالْأَبَوَيْنِ مَعَ وَلَدِهِمَا وَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ وَالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ فَلَا يُقْتَصُّ لَهُ فِي طَرَفٍ وَلَا جِرَاحٍ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ وَكَذَا قَاطِعٌ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَيُقْطَعُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَعَبْدٌ بِمِثْلِهِ وَذَكَرٌ بِأُنْثَى وَخُنْثَى وَعَكْسُهُ وَنَاقِصٌ بِكَامِلٍ كَالْعَبْدِ بِالْحُرِّ وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ .
( وَهُوَ ) أَيْ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ( فِي نَوْعَيْنِ ) أَحَدُهُمَا ( أَطْرَافٌ وَ ) الثَّانِي ( جُرُوحٌ ) وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي النَّوْعَيْنِ ( بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا : الْعَمْدُ الْمَحْضُ ) فَلَا قِصَاصَ فِي الْخَطَأِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ ، وَهِيَ الْأَصْلُ فَفِيمَا دُونَهَا أَوْلَى وَلَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْخَطَأِ فَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ الشَّرْطُ ( الثَّانِي إمْكَانُ الِاسْتِيفَاءِ ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ( بِلَا حَيْفٍ بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ كَالْكُوعِ وَالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ ( أَوْ يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ كَمَارِنِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ ) أَيْ الْأَنْفِ دُونَ قَصَبَتِهِ ( فَلَا قِصَاصَ فِي جَائِفَةٍ ) أَيْ جُرْحٍ وَاصِلٍ إلَى بَاطِنِ الْأَرْضِ ( وَلَا فِي كَسْرِ عَظْمٍ غَيْرِ سِنٍّ وَنَحْوَهُ ) كَضِرْسٍ ( وَلَا إنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ ) أَيْ قَصَبَةَ أَنْفٍ ( أَوْ ) قَطَعَ ( بَعْضَ سَاعِدٍ أَوْ ) قَطَعَ بَعْضَ ( سَاقٍ أَوْ ) قَطَعَ بَعْضَ ( عَضُدٍ أَوْ ) بَعْضَ ( وَرِكٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا بِلَا حَيْفٍ بَلْ رُبَّمَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ الْفَائِتِ أَوْ يَسْرِي إلَى عُضْوٍ آخَرَ أَوْ إلَى النَّفْسِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ فَتَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ فَلَا قَوَدَ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِقْرَارِ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَقَالَ الْمَجْدُ يُقْتَصُّ هُنَا مِنْ الْكُوعِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ جِنَايَتِهِ ( وَأَمَّا الْأَمْنُ مِنْ الْحَيْفِ فَشَرْطٌ لِجَوَازِهِ ) أَيْ الِاسْتِيفَاءِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَهُوَ الْعُدْوَانُ عَلَى مُكَافِئِهِ عَمْدًا مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الِاسْمِ وَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ لَكِنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِخَوْفِ الْعُدْوَانِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا : إنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، وَإِنْ
قُلْنَا : إنَّهُ شَرْطٌ لِلِاسْتِيفَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ فَإِنْ قُلْنَا : الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْنَا لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إذَا عَفَا يَكُونُ قَدْ عَفَا عَنْ حَقٍّ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ وَإِنْ قُلْنَا : مُوجِبُ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ انْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى الدِّيَةِ ( فَيَقْتَصُّ ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ( مِنْ مَنْكِبٍ مَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً ) بِلَا نِزَاعٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ ( فَإِنْ خِيفَ ) إنْ اقْتَصَّ مِنْ مَنْكِبٍ جَائِفَةً ( فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ مِرْفَقِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ حَقِّهِ
( وَمَنْ أَوْضَحَ ) إنْسَانًا ( أَوْ شَجَّ إنْسَانًا دُونَ مُوضِحَةٍ أَوْ لَطَمَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ أَوْ ) لَطَمَهُ فَذَهَبَ ( شَمُّهُ أَوْ سَمْعُهُ فُعِلَ بِهِ ) أَيْ الْجَانِي ( كَمَا فَعَلَ ) قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ فَيُوضِحُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِثْلَ مُوضِحَتِهِ أَوْ يَشُجُّهُ مِثْلَ شَجَّتِهِ أَوْ يَلْطِمُهُ مِثْلَ لَطْمَتِهِ ا هـ .
وَقَالَ الشَّارِحُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ دُونَ شَجَّتِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ ، وَقَالَ أَيْضًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِاللَّطْمَةِ ( فَإِنْ ذَهَبَ بِذَلِكَ ) مَا أَذْهَبَهُ الْجَانِي مِنْ سَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ أَوْ شَمٍّ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْحَقُّ ( وَإِلَّا ) يَذْهَبْ ( فَعَلَ مَا يُذْهِبُهُ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَى حَدَقَةٍ أَوْ أَنْفٍ أَوْ أُذُنٍ ) بِضَرْبٍ أَوْ نَحْوِهِ ( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ) ذَهَابُهُ ( إلَّا بِذَلِكَ ) أَيْ الْجِنَايَةِ عَلَى حَدَقَةٍ أَوْ أَنْفٍ أَوْ أُذُنٍ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ( سَقَطَ ) وَالْقَوَدُ ( إلَى الدِّيَةِ ) وَتَكُونُ فِي مَالِ جَانٍ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ .
( وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ مِرْفَقٍ فَأَرَادَ الْقَطْعَ مِنْ كُوعِ ) يَدِ جَانٍ ( مُنِعَ ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ غَيْرِهِ لِاعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَحَلِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ الْمُسَاوَاةُ فِي الِاسْمِ ) كَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفِ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ بِالْأُذُنِ وَالسِّنِّ بِالسِّنِّ ، لِلْآيَةِ ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَالِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ دَلِيلُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَعْنَى ( وَ ) الْمُسَاوَاةُ فِي ( الْمَوْضِعِ ) فَلَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا جِرَاحَةٌ فِي الْوَجْهِ بِجِرَاحَةٍ فِي الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ اعْتِبَارًا لِلْمُمَاثَلَةِ ( فَيُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ أَنْفٍ ) بِمِثْلِهِ ( وَذَكَرٌ مَخْتُونٌ أَوْ لَا ) أَيْ غَيْرُ مَخْتُونٍ بِذَكَرٍ مَخْتُونٍ أَوْ لَا إذْ الْخِتَانُ وَعَدَمُهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمُسَاوَاةِ فِي الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَلِأَنَّ الْقُلْفَةَ زِيَادَةٌ مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا وَسَوَاءٌ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ وَالذَّكَرُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ .
( وَ ) يُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ ( إصْبَعٍ وَكَفٍّ وَمِرْفَقٍ وَيَمِينٍ وَيَسَارٍ مِنْ عَيْنٍ وَأُذُنٍ مَثْقُوبَةٍ أَوْ لَا وَيَدٍ وَرِجْلٍ وَخُصْيَةٍ وَأَلْيَةٍ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يُقَالُ إلْيَةٌ وَلَا لِيَةٌ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ ( وَشُفْرِ ) امْرَأَةٍ بِوَزْنِ قُفْلٍ وَهُوَ أَحَدُ الشُّفْرَيْنِ أَيْ اللَّحْمَيْنِ الْمُحِيطَيْنِ بِالرَّحِمِ كَإِحَاطَةِ الشَّفَتَيْنِ بِالْفَمِ ( أُبِينَ ) أَيْ قُطِعَ ( بِمِثْلِهِ وَ ) يُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ ( عُلْيَا وَسُفْلَى مِنْ شَفَةٍ وَيُمْنَى وَيُسْرَى وَعُلْيَا وَسُفْلَى مِنْ سِنٍّ مَرْبُوطَةٍ أَوْ لَا ) أَيْ غَيْرِ مَرْبُوطَةٍ بِمِثْلِهَا فِي الْمَوْضِعِ .
( وَ ) يُؤْخَذُ ( جَفْنٌ بِمِثْلِهِ ) أَيْ فِي الْمَوْضِعِ وَعُلِمَ مِنْهُ جَرَيَانُ الْقِصَاصِ فِي الْأَلْيَةِ وَالشُّفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَلِأَنَّ لَهُمَا حَدًّا يَنْتَهِيَانِ إلَيْهِ فَجَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا كَالذَّكَرِ وَكَذَا الْخُصْيَةُ إنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا مَعَ سَلَامَةِ الْأُخْرَى .
( وَلَوْ قَطَعَ ) شَخْصٌ ( صَحِيحٌ أُنْمُلَةً عُلْيَا مِنْ شَخْصٍ وَ ) قَطَعَ الصَّحِيحُ أَيْضًا أُنْمُلَةً ( وُسْطَى
مِنْ إصْبَعٍ نَظِيرَتِهَا مِنْ ) شَخْصٍ ( آخَرَ لَيْسَ لَهُ ) أُنْمُلَةٌ ( عُلْيَا خُيِّرَ رَبُّ ) الْأُنْمُلَةِ ( الْوُسْطَى بَيْنَ أَخْذِ عَقْلِهَا ) أَيْ دِيَةِ الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى ( الْآنَ ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصُ فِيهَا ( وَلَا قِصَاصَ لَهُ بَعْدَ ) أَخْذِ عَقْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ ( وَ ) بَيْنَ ( صَبْرٍ ) عَنْ أَخَذَ عَقْلِهَا ( حَتَّى تَذْهَبَ عُلْيَا قَاطِعٍ بِقَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ قَطْعٍ تَعَدِّيًا ( ثُمَّ يَقْتَصُّ ) بِقَطْعِ الْوُسْطَى ( وَلَا أَرْشَ لَهُ الْآنَ ) إنْ صَبَرَ ( بِخِلَافِ غَصْبِ مَالٍ ) فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَلِمَالِكِهِ أَخْذُ بَدَلِهِ الْآنَ لِلْحَيْلُولَةِ فَإِذَا رَدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ مَا دَفَعَهُ مِنْ الْبَدَلِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْغَصْبِ سَدَّ مَالٌ مَسَدَّ مَالٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا
( وَيُؤْخَذُ ) عُضْوٌ ( زَائِدٍ بِ ) عُضْوٍ زَائِدٍ ( مِثْلِهِ مَوْضِعًا وَخِلْقَةً وَلَوْ تَفَاوَتَا قَدْرًا ) كَالْأَصْلِيَّيْنِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْإِصْبَعَيْنِ عِنْدَ الْإِبْهَامِ ، وَالْآخَرُ عِنْدَ الْخِنْصَرِ مَثَلًا أَوْ أَحَدُهُمَا بِصُورَةِ الْإِبْهَامِ ، وَالْآخَرُ بِصُورَةِ الْخِنْصَرِ مَثَلًا فَلَا قِصَاصَ لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ
وَ ( لَا ) يُؤْخَذُ ( أَصْلِيٌّ ) بِزَائِدٍ وَلَا ( عَكْسُهُ ) أَيْ زَائِدٌ بِأَصْلِيٍّ ( وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ) لِعَدَمِ التَّسَاوِي فِي الْمَكَانِ وَالْمَنْفَعَةِ إذْ الْأَصْلِيُّ مَخْلُوقٌ فِي مَكَانِهِ لِمَنْفَعَةٍ فِيهِ بِخِلَافِ الزَّائِدِ ( وَلَا ) يُؤْخَذُ ( شَيْءٌ ) مِنْ الْأَعْضَاءِ ( بِمَا ) أَيْ عُضْوٍ ( يُخَالِفُهُ ) اسْمًا أَوْ مَوْضِعًا ، فَلَا تُؤْخَذُ يَدٌ بِرِجْلٍ ، وَلَا يَمِينٌ بِيَسَارٍ ، وَعَكْسُهُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي .
وَكَذَا الشَّفَةُ الْعُلْيَا بِالسُّفْلَى وَعَكْسُهُ وَالْجَفْنُ الْأَعْلَى بِالْأَسْفَلِ وَعَكْسُهُ .
وَلَوْ تَرَاضَيَا لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ .
وَقَوْلُهُ " { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } " ( فَإِنْ فَعَلَا فَقَطَعَ يَسَارَ رَجُلٍ جَانٍ مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ بِمَا ) أَيْ بِيَمِينِهِ ( بِتَرَاضِيهِمَا ) أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ ( أَوْ قَالَ ) مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِ جَانٍ لَهُ ( أَخْرِجْ يَمِينَكَ فَأَخْرَجَ ) الْجَانِي ( يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ غَلَطًا أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا تُجْزِئُ فَقَطَعَهَا أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ ) لِقَطْعِهِ عُضْوًا مِثْلَ عُضْوِهِ اسْمًا وَصُورَةً وَقَدْرًا فَأَجْزَأَتْ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ نَاقِصَةً فَرَضِيَا بِقَطْعِهَا ( وَإِنْ كَانَ ) الْجَانِي ( مَجْنُونًا ) حِينَ الْقِصَاصِ بِأَنْ جُنَّ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَاقِلًا فَقَطَعَ الْمُقْتَصُّ يَسَارَهُ فِي يَمِينِهِ ( فَعَلَى الْمُقْتَصِّ الْقَوَدُ إنْ عَلِمَ ) الْمُقْتَصُّ ( أَنَّهَا ) أَيْ الْيَدَ الْمَقْطُوعَةَ ( الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ ) عَنْ الْيَمِينِ لِجِنَايَتِهِ عُدْوَانًا عَلَى مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ( وَإِنْ جَهِلَ ) الْمُقْتَصُّ ( أَحَدَهُمَا ) أَيْ أَنَّهَا الْيَسَارُ أَوْ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ ( فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ ) دُونَ الْقَوَدِ ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْقَوَدِ فَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ .
( وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَجْنُونًا ) فَقَطَعَ يَسَارَ مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ ( وَ ) كَانَ ( الْجَانِي عَاقِلًا ذَهَبَتْ ) يَدُهُ ( هَدَرًا ) ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَجْنُونِ لَا أَثَرَ لَهُ وَقَدْ أَعَانَهُ بِإِخْرَاجِ يَدِهِ لِيَقْطَعَهَا ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ
عَاقِلٌ لِمَجْنُونٍ : اُقْتُلْنِي .
فَقَتَلَهُ .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ مُرَاعَاةُ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ فَلَا تُؤْخَذُ ) يَدٌ أَوْ رِجْلٌ ( كَامِلَةَ أَصَابِعَ أَوْ ) كَامِلَةَ ( أَظْفَارٍ بِنَاقِصَتِهَا رَضِيَ الْجَانِي ) بِذَلِكَ ( أَوْ لَا ) لِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ عَلَى الْمَفُوتِ فَلَا يَكُونُ مُقَاصَّةً ( بَلْ ) تُؤْخَذُ سَلِيمَةُ الْأَظْفَارِ بِنَظِيرَتِهَا ( مَعَ ) كَوْنِهَا ذَاتَ ( أَظْفَارَ مَعِيبَةٍ ) كَمَا يُؤْخَذُ الصَّحِيحُ بِالْمَرِيضِ
( وَلَا ) تُؤْخَذُ ( عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِقَائِمَةٍ ) وَهِيَ الَّتِي بَيَاضُهَا وَسَوَادُهَا صَافِيَانِ ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يُبْصِرُ بِهَا ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ لِنَقْصِ مَنْفَعَتِهَا فَلَا تُؤْخَذُ بِهَا كَامِلَةُ الْمَنْفَعَةِ
( وَلَا ) يُؤْخَذُ ( لِسَانٌ نَاطِقٌ بِ ) لِسَانِ ( أَخْرَسَ ) لِنَقْصِهِ
( وَلَا ) يُؤْخَذُ عُضْوٌ ( صَحِيحٌ ) بِعُضْوٍ ( أَشَلَّ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَذَكَرٍ وَلَوْ شُلَّ ) ذَلِكَ الْعُضْوُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى نَظِيرِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ( أَوْ ) كَانَ الْعُضْوُ ( بِبَعْضِهِ شَلَلٌ كَأُنْمُلَةِ يَدٍ ) .
وَالشَّلَلُ : فَسَادُ الْعُضْوِ وَذَهَابُ حَرَكَتِهِ لِأَنَّ الْعُضْوَ إذَا فَسَدَ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ الصَّحِيحُ لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ فِيهِ كَعَيْنِ الْبَصِيرِ بِعَيْنِ الْأَعْمَى
( وَلَا ) يُؤْخَذُ ( ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ أَوْ ) ذَكَرُ ( عِنِّينٍ ) لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا لِأَنَّ ذَكَرَ الْعِنِّينِ لَا يُوجَدُ مِنْهُ وَطْءٌ وَلَا إنْزَالٌ ، وَالْخَصِيُّ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَهُمَا كَذَكَرِ الْأَشَلِّ
( وَيُؤْخَذُ مَارِنُ الْأَنْفِ الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ الَّذِي لَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ ) لِأَنَّهُ لِعِلَّةٍ فِي الدِّمَاغِ ، وَالْأَنْفُ صَحِيحٌ
( وَ ) يُؤْخَذُ مَارِنُ الْأَنْفِ الصَّحِيحِ بِمَارِنِ الْأَنْفِ ( الْمَخْرُومِ ) ، أَيْ : الَّذِي ( قُطِعَ وَتَرُ أَنْفِهِ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الصَّحِيحِ
( وَ ) يُؤْخَذُ مَارِنُ الْأَنْفِ الصَّحِيحِ بِمَارِنِ الْأَنْفِ ( الْمُسْتَحْشِفِ الرَّدِيءِ ) لِمَا تَقَدَّمَ
( وَ ) تُؤْخَذُ ( أُذُنُ سَمِيعٍ بِأُذُنِ أَصَمَّ شَلَّاءَ ) لِأَنَّ الْقَصْدَ الْجَمَالُ .
( وَ ) يُؤْخَذُ ( مَعِيبٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمِثْلِهِ ، وَإِنْ أُمِنَ تَلَفٌ مِنْ قَطْعِ شَلَّاءَ ) بِأَنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ : إنَّهُ إذَا قُطِعَ لَمْ تَفْسُدْ الْعُرُوقُ وَلَمْ يَدْخُلْ الْهَوَاءُ إلَى الْبَدَنِ فَيُفْسِدَهُ ، وَإِلَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ نَفْسٍ بِطَرَفٍ .
وَأَمَّا مَعَ الْأَمْنِ فَلَهُ الْقِصَاصُ ، لِأَنَّ الشَّمَّ وَالسَّمْعَ لَيْسَا بِنَفْسِ الْعُضْوِ ، لِأَنَّ مَقْطُوعَ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ يَسْمَعُ وَيَشُمُّ ، وَإِنَّمَا هُوَ زِينَةٌ وَجَمَالٌ ؛ لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْأُذُنِ ثُقْبًا مَفْتُوحًا فَيَقْبُحُ مَنْظَرُهُ وَلَا يَبْقَى لَهُ مَا يَرُدُّ الْمَاءَ وَالْهَوَاءَ عَنْ الصِّمَاخِ ، وَلِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْأَنْفِ مَفْتُوحًا فَيُدْخِلَ الْهَوَاءَ إلَى الدِّمَاغِ فَيَفْسُدُ بِهِ فَيُجْعَلُ لَهُ غِطَاءٌ لِذَلِكَ ( وَ ) يُؤْخَذُ مَعِيبٌ مِمَّا ذُكِرَ ( بِصَحِيحٍ بِلَا أَرْشٍ ) لِأَنَّ الشَّلَّاءَ مِنْ ذَلِكَ كَالصَّحِيحَةِ خِلْقَةً ، وَإِنَّمَا نَقَصَتْ صِفَةً
( وَيُصَدَّقُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ) إنْ اخْتَلَفَ مَعَ جَانٍ فِي شَلَلِ الْعُضْوِ بِأَنْ قَالَ جَانٍ قَطَعْتُهُ أَشَلَّ .
وَقَالَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ صَحِيحًا فَقَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ ( بِيَمِينِهِ فِي صِحَّةِ مَا جَنَى عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ
مَنْ أَذْهَبَ بَعْضَ لِسَانٍ أَوْ بَعْضَ ( مَارِنٍ أَوْ ) بَعْضَ ( شَفَةٍ أَوْ ) بَعْضَ ( حَشَفَةٍ أَوْ ) بَعْضَ ( أُذُنٍ أَوْ ) بَعْضَ ( سِنٍّ أُقِيدَ مِنْهُ مَعَ أَمْنٍ مِنْ قَلْعِ سِنِّهِ بِقَدْرِهِ ) أَيْ : الَّذِي أَذْهَبَهُ جَانٍ ( بِنِسْبَةِ الْأَجْزَاءِ ) مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ ( كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ ) وَرُبْعٍ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَلِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهِ فَأَخَذَ بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ .
وَلَا يُؤْخَذُ بِالْمِسَاحَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى أَخْذِ لِسَانِ الْجَانِي جَمِيعَهُ بِبَعْضِ لِسَان الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ ) مِمَّا ذَهَبَ بِجِنَايَةٍ ( فِي مُدَّةٍ تَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ مِنْ ) : بَيَانٌ لِمَا ( عَيْنٍ كَسِنٍّ وَنَحْوِهَا ) كَضِرْسٍ ( أَوْ مَنْفَعَةٍ كَعَدْوٍ ) بِأَنْ جَنَى عَلَيْهِ فَصَارَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْدُوَ ( وَنَحْوَهُ ) كَمَنْفَعَةِ الْوَطْءِ ، لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْعَوْدِ ، فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ وَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ ، فَإِنْ عَادَ فَلَا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ فَعَادَ ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَ ضَمَانُهُ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ .
( فَلَوْ مَاتَ ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ( فِيهَا ) أَيْ الْمُدَّةِ الَّتِي قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَعُودُ فِيهَا ( تَعَيَّنَتْ دِيَةُ الذَّاهِبِ ) بِالْجِنَايَةِ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهِ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَعُدْ ( وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَوْدَهُ ) أَيْ الذَّاهِبَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ( حَلَفَ رَبُّ الْجِنَايَةِ ) عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ( وَمَتَى عَادَ ) مَا ذَهَبَ بِالْجِنَايَةِ ( بِحَالِهِ ) أَيْ عَلَى صِفَتِهِ قَبْلَ ذَهَابِهِ ( فَلَا أَرْشَ ) عَلَى جَانٍ كَمَا لَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ وَعَادَ ( وَ ) إنْ عَادَ ( نَاقِصًا فِي قَدْرٍ ) بِأَنْ عَادَ السِّنُّ قَصِيرًا ( أَوْ ) عَادَ نَاقِصًا فِي ( صِفَةٍ ) بِأَنْ عَادَ السِّنُّ أَخَضَرَ وَنَحْوَهُ ( ف ) عَلَى جَانٍ ( حُكُومَةٌ ) لِحُدُوثِ النَّقْصِ بِفِعْلِهِ فَضَمِنَهُ وَتَأْتِي ( ثُمَّ إنْ كَانَ )
الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( أَخَذَ دِيَةَ ) مَا أَذْهَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ ثُمَّ عَادَ ( رَدَّهَا ) إلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ ( أَوْ ) كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( اقْتَصَّ ) مِنْ جَانٍ نَظِيرَ مَا أَذْهَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ ( فَلِجَانٍ الدِّيَةُ ) ؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى ذَلِكَ بِلَا حَقٍّ وَلَا قِصَاصَ لِلشُّبْهَةِ ( وَيَرُدُّهَا ) أَيْ : الْجَانِي ، أَيْ : دِيَةَ مَا أَخَذَهُ عَمَّا اقْتَصَّ مِنْهُ ( إنْ عَادَ ) مَا أَخَذَ الْجَانِي دِيَتَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
( وَمَنْ قُلِعَ سِنُّهُ أَوْ ظُفْرُهُ ) تَعَدِّيًا ( أَوْ قُطِعَ طَرَفُهُ كَمَارِنٍ وَأُذُنٍ وَنَحْوِهِمَا ) مِمَّا يُمْكِنُ عَوْدُهُ ( فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ فَلَهُ ) أَيْ : الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( أَرْشُ نَقْصِهِ ) أَيْ حُكُومَةً ؛ لِأَنَّهَا أَرْشُ كُلِّ نَقْصٍ بِجِنَايَةٍ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا ( وَإِنْ قَلَعَهُ ) أَيْ مَا قُطِعَ ثُمَّ رُدَّ فَالْتَحَمَ .
( قَالِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ ) وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَادُ بِهِ الصَّحِيحُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لِنَقْصِهِ بِالْقَلْعِ الْأَوَّلِ .
( وَمَنْ جَعَلَ مَكَانَ سِنٍّ قُلِعَتْ ) بِجِنَايَةٍ ( عَظْمًا أَوْ سِنًّا أُخْرَى وَلَوْ مِنْ آدَمِيٍّ فَثَبَتَتْ لَمْ تَسْقُطْ دِيَةُ ) السِّنِّ ( الْمَقْلُوعَةِ ) كَمَا لَوْ لَمْ يُجْعَلْ مَكَانَهَا شَيْءٌ ( وَعَلَى مُبِينِ مَا ثَبَتَ ) مِنْ ذَلِكَ ( حُكُومَةً ) لِأَنَّهُ يَنْقُصُ بِإِبَانَتِهَا ، وَلَا يَجِبُ بِهِ دِيَتُهَا ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ .
( وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيِّ ) مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ وَارِثُهُ إذَا ادَّعَى جَانٍ عَلَى طَرَفِهِ عَوْدًا وَالْتِحَامَ مَا قَطَعَهُ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ نَقْصِهِ وَأَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ ( بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ عَوْدِهِ وَالْتِحَامِهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقِيَ الضَّمَانُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى مَا يُسْقِطُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، كَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَادَّعَى الْإِبْرَاءَ مِنْهُ أَوْ الْوَفَاءَ ( وَلَوْ كَانَ الْتِحَامُهُ ) أَيْ الْقَطْعَ ( مِنْ جَانٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ أُقِيدَ ثَانِيًا ) نَصًّا لِأَنَّهُ أَبَانَ عُضْوًا مِنْ غَيْرِهِ دَوَامًا ، فَكَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إبَانَتُهُ مِنْهُ ، كَذَلِكَ لِتَحْقِيقِ الْمُقَاصَّةِ .
مِمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ( الْجُرُوحُ وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( فِيهَا ) أَيْ الْجُرُوحِ زِيَادَةً عَلَى مَا سَبَقَ ( انْتِهَاؤُهَا إلَى عَظْمٍ كَجَرْحِ عَضُدٍ وَسَاعِدٍ وَفَخِذٍ وَسَاقٍ وَقَدَمٍ وَكَمُوضِحَةٍ ) فِي رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَلِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ وَلَا زِيَادَةٍ لِانْتِهَائِهِ إلَى عَظْمٍ فَأَشْبَهَ الْمُوضِحَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَى جَوَازِ الْقِصَاصِ فِيهَا وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْجُرُوحِ ، كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا ( وَلِمَجْرُوحٍ ) جُرْحًا ( أَعْظَمَ مِنْهَا ) أَيْ الْمُوضِحَةِ ( كَهَاشِمَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ وَمَأْمُومَةٍ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً ) لِأَنَّهُ يُقْتَصُّ بَعْضَ حَقِّهِ وَمِنْ مَحِلِّ جِنَايَتِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضَعُ السِّكِّينَ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ الْجَانِي لِوُصُولِ سِكِّينِ الْجَانِي إلَى الْعَظْمِ بِخِلَافِ قَاطِعِ السَّاعِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْ سِكِّينَهُ فِي الْكُوعِ ( وَيَأْخُذُ ) إذَا اقْتَصَّ مُوضِحَةً ( مَا بَيْنَ دِيَتِهَا ) أَيْ الْمُوضِحَةِ ( وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ ) الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ كَمَا لَوْ قُطِعَ أُصْبُعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ الْقِصَاصُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا ( فَيُؤْخَذُ فِي هَاشِمَةٍ ) إذَا اقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي مُوضِحَةً ( خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ و ) يُؤْخَذُ ( فِي مُنَقِّلَةٍ ) إذَا اقْتَصَّ مِنْهُ مُوضِحَةً ( عَشْرٌ ) مِنْ الْإِبِلِ .
( وَمَنْ خَالَفَ ) مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهِ ( وَاقْتَصَّ مَعَ خَوْفِ ) تَلَفِ جَانٍ ( مِنْ مَنْكِبٍ أَوْ ) مِنْ نَحْوِ يَدٍ ( شَلَّاءَ أَوْ مِنْ قَطْعِ نِصْفِ سَاعِدِهِ وَنَحْوِهِ ) كَمَنْ قُطِعَ نِصْفُ سَاقِهِ ( أَوْ ) اقْتَصَّ ( مِنْ مَأْمُومَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ مِثْلُ ذَلِكَ ) بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فُعِلَ بِهِ بِأَنْ لَمْ يَشُجَّهُ فِي الْمَأْمُومَةِ دَامِغَةً وَلَمْ يَضُرَّ فِي الْجَائِفَةِ أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِ جَانٍ بِهِ ( وَلَمْ يَسِرِ ) جُرْحُهُ ( وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ .
( وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ جُرْحٍ بِمَسَّاحَةٍ دُونَ كَثَافَةِ لَحْمٍ ) لِأَنَّ حَدَّهُ الْعَظْمُ ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي قِلَّةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَتِهِ فَلَوْ رُوعِيَتْ الْكَثَافَةُ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ ، وَصِفَةُ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَعْمِدَ إلَى مَوْضِعِ الشَّجَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَيَعْلَمَ طُولَهَا وَعَرْضَهَا بِخَشَبَةٍ أَوْ خَيْطٍ وَيَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ الشَّاجِّ وَيُعَلِّمَ طَرَفَيْهِ بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَأْخُذُ حَدِيدَةً عَرْضُهَا كَعَرْضِ الشَّجَّةِ فَيَضَعَهَا فِي أَوَّلِ الشَّجَّةِ وَنَحْوِهَا إلَى آخِرِهَا فَيَأْخُذَ مِثْلَ الشَّجَّةِ طُولًا وَعَرْضًا .
( فَمَنْ أَوْضَحَ بَعْضَ رَأْسٍ ، وَالْبَعْضُ ) الَّذِي أَوْضَحَهُ ( كَرَأْسِهِ ) أَيْ الشَّاجِّ ( أَوْ أَكْبَرَ ) مِنْ رَأْسِهِ ( أَوْضَحَهُ ) الْمَشْجُوجُ ( فِي ) رَأْسِهِ ( كُلِّهِ وَلَا أَرْشَ لِزَائِدٍ ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِي جُرْحٍ وَاحِدٍ قِصَاصٌ وَدِيَةٌ .
( وَمَنْ أَوْضَحَهُ ) أَيْ : الرَّأْسَ ( كُلَّهُ ، وَرَأْسُهُ ) أَيْ الْجَانِي ( أَكْبَرُ ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ ( أَوْضَحَهُ قَدْرَ شَجَّتِهِ مِنْ أَيْ جَانِبٍ شَاءَ الْمُقْتَصُّ ) مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ ( وَلَوْ كَانَتْ ) الشَّجَّةُ ( بِقَدْرِ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْهُمَا ) أَيْ الشَّاجِّ وَالْمَشْجُوجِ ( وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْ جَانِبِهَا ) أَيْ الشَّجَّةِ ( إلَى غَيْرِهِ ) لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمُوضَحِ .
( وَإِنْ اشْتَرَكَ عَدَدٌ ) اثْنَانِ فَأَكْثَرَ ( فِي قَطْعِ طَرَفٍ ) عَمْدًا ( أَوْ ) اشْتَرَكَ عَدَدٌ فِي ( جُرْحٍ مُوجِبٍ لِقَوَدٍ وَلَوْ ) كَانَ الْجُرْحُ ( مُوضِحَةً وَلَمْ تَتَمَيَّزْ أَفْعَالُهُمْ كَأَنْ وَضَعُوا حَدِيدَةً عَلَى يَدٍ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا ) جَمِيعًا ( حَتَّى بَانَتْ ) الْيَدُ ( فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( الْقَوَدُ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَا هَذَا هُوَ السَّارِقُ وَأَخْطَأْنَا فِي الْأَوَّلِ فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الثَّانِي وَغَرَّمَهُمَا دِيَةَ الْأَوَّلِ ، وَقَالَ : لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ فَأَخَذَ فِيهِ الْجَمَاعَةَ بِالْوَاحِدِ كَالْأَنْفُسِ ( وَمَعَ تَفَرُّقِ أَفْعَالِهِمْ أَوْ قَطْعِ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( مِنْ جَانِبٍ لَا قَوَدَ عَلَى أَحَدٍ ) مِنْهُمْ لِأَنَّ كُلًّا لَمْ يَقْطَعْ الْيَدَ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَطْعِ جَمِيعِهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَوَاطُؤًا .
( وَتُضْمَنُ سِرَايَةُ جِنَايَةٍ وَلَوْ ) بَعْدَ أَنْ ( انْدَمَلَ جُرْحٌ وَاقْتُصَّ ) مِنْ جَانٍ ( ثُمَّ انْتَقَضَ ) الْجُرْحُ ( فَسَرَى ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِفِعْلِ الْجَانِي أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ ( بِقَوَدٍ وَدِيَةٍ فِي نَفْسٍ وَدُونِهَا ) مُتَعَلِّقُ يَتَضَمَّنْ فَلَوْ هَشَّمَهُ فِي رَأْسِهِ فَسَرَى إلَى ذَهَابِ ضَوْءِ عَيْنَيْهِ ثُمَّ مَاتَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَأُخِذَ مِنْهُ دِيَةُ بَصَرِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ .
( فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَتَآكَلَتْ ) أُصْبُعٌ ( أُخْرَى ) بِجَانِبِهَا ( أَوْ ) تَآكَلَتْ ( الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنْ مِفْصَلٍ فَالْقَوَدُ ) فِيمَا سَقَطَ ( وَفِيمَا شُلَّ الْأَرْشُ ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقِصَاصِ فِي الشَّلَلِ وَإِنْ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً .
( وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ هَدَرٌ ) أَيْ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ : مَنْ مَاتَ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَا دِيَةَ لَهُ ، الْحَقُّ قَتَلَهُ رَوَاهُ سَعِيدٌ بِمَعْنَاهُ ، وَلِأَنَّهُ قَطْعٌ بِحَقٍّ فَكَمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَذَا سِرَايَتُهُ كَقَطْعِ السَّارِقِ ( فَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا قَوَدًا فَسَرَى إلَى النَّفْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاطِعٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( لَكِنْ لَوْ قَطَعَهُ ) أَيْ قَطَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ ( قَهْرًا ) بِلَا إذْنِهِ وَلَا إذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ ( مَعَ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ) أَوْ حَالٍ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الْخَوْفُ مِنْ السِّرَايَةِ ( أَوْ ) قَطَعَهُ ( بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ ) بِآلَةٍ ( مَسْمُومَةٍ وَنَحْوَهُ ) كَحَرْقِهِ طَرَفًا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِيهِ فَيَمُوتُ جَانٍ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُقْتَصِّ ( بَقِيَّةُ الدِّيَةِ ) أَيْ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ مَنْقُوصًا مِنْهَا دِيَةُ الْعُضْوِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ فِيهِ الْقِصَاصُ ، فَإِنْ وَجَبَ فِي يَدٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، أَوْ فِي جَفْنٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهَكَذَا ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فِي أَنْفٍ أَوْ ذَكَرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ دِيَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
( وَيَحْرُمُ ) قِصَاصٌ ( فِي طَرَفٍ ) أَوْ جُرْحٍ ( حَتَّى يَبْرَأَ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ رَجُلًا وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِيدَ فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَقَادَ مِنْ الْجَارِحِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ( فَإِنْ اقْتَصَّ ) مَجْرُوحٌ ( قَبْلَ ) بُرْءِ جُرْحِهِ ( فَسِرَايَتُهُمَا ) أَيْ جُرْحِ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( بَعْدَ ) اقْتِصَاصِهِ قَبْلَ بُرْئِهِ ( هَدَرٌ ) أَمَّا الْجَانِي فَلِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَقِدْنِي .
فَقَالَ : حَتَّى تَبْرَأَ .
ثُمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ : أَقِدْنِي .
فَأَقَادَهُ ثُمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : عَرِجْت .
فَقَالَ : قَدْ نَهَيْتُك فَعَصَيْتنِي فَأَبْعَدَك اللَّهُ وَبَطَلَ عَرَجُك .
ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَلِأَنَّهُ بِاقْتِصَاصِهِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ رَضِيَ بِتَرْكِ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ فَبَطَلَ حَقُّهُ مِنْهُ .
كِتَابُ الدِّيَاتِ ( جَمْعُ دِيَةٍ وَهِيَ ) مَصْدَرُ وَدَيْت الْقَتِيلَ أَيْ أَدَّيْت دِيَتَهُ كَالْعِدَةِ مِنْ الْوَعْدِ .
وَشَرْعًا ( الْمَالُ الْمُؤَدَّى إلَى مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ ) وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } وَحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابًا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ ، وَقَالَ فِيهِ : وَفِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ فِي مَجِيئِهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ تَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا .
( مَنْ أَتْلَفَ إنْسَانًا ) مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ فَالدِّيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } ( أَوْ ) أَتْلَفَ ( جُزْءًا مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ فَدِيَةُ عَمْدٍ فِي مَالِهِ ) أَيْ الْجَانِي لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ أَثَرُ فِعْلِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِضَرَرِهَا وَتَكُونُ حَالَّةً وَلِذَا خُولِفَ هَذَا فِي الْخَطَأِ لِكَثْرَتِهِ فَيَكْثُرُ الْوَاجِبُ فِيهِ وَيَعْجِزُ الْخَاطِئُ غَالِبًا عَنْ تَحَمُّلِهِ مَعَ قِيَامِ عُذْرِهِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَرِفْقًا بِهِ وَالْعَامِدُ لَا عُذْرَ لَهُ .
( وَ ) دِيَةُ ( غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْعَمْدِ وَهُوَ الْخَطَأُ وَشِبْهُ الْعَمْدِ ( عَلَى عَاقِلَتِهِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
( وَلَا تُطْلَبُ دِيَةُ طَرَفٍ ) وَلَا جُرْحٍ ( قَبْلَ بُرْئِهِ ) كَمَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ قَبْلَ بُرْئِهِ ( فَمَنْ أَلْقَى عَلَى آدَمِيٍّ أَفْعَى ) أَيْ حَيَّةً خَبِيثَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَقَتَلَهُ ( أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا ) أَيْ الْأَفْعَى ( فَقَتَلَتْهُ أَوْ طَلَبَهُ ) أَيْ الْآدَمِيَّ ( بِسَيْفٍ وَنَحْوِهِ ) كَخِنْجَرٍ ( مُجَرَّدٍ فَتَلِفَ ) أَيْ الْآدَمِيُّ ( فِي هَرَبَهِ وَلَوْ ) كَانَ الْهَارِبُ ( غَيْرَ ضَرِيرٍ ) فَفِيهِ الدِّيَةُ سَوَاءٌ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ ، أَوْ خَرَّ فِي بِئْرٍ أَوْ غَرِقَ فِي مَاءٍ ، أَوْ لَقِيَهُ سَبُعٌ فَافْتَرَسَهُ أَوْ احْتَرَقَ بِنَارٍ صَغِيرًا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَوْ كَبِيرًا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا ؛ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِ عُدْوَانِهِ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ : وَعِنْدِي أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا انْدَهَشَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ إلْقَاءَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِالْهَلَاكِ فَلَا خَلَاصَ مِنْ الْهَلَاكِ بِالْهَلَاكِ فَيَكُونُ كَالْمُبَاشِرِ مَعَ الْمُتَسَبِّبِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ ( أَوْ رَوَّعَهُ بِأَنْ شَهْرَهُ ) أَيْ : السَّيْفَ وَنَحْوَهُ ( فِي وَجْهِهِ ) فَمَاتَ خَوْفًا ( أَوْ دَلَّاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ ) خَوْفًا ( أَوْ حَفَرَ بِئْرًا مُحَرَّمًا حَفْرُهُ ) كَفِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ ( أَوْ وَضَعَ حَجَرًا أَوْ قِشْرَ بِطِّيخٍ أَوْ صَبَّ مَاءً بِفِنَائِهِ ) أَيْ مَا اتَّسَعَ أَمَامَ دَارِهِ ( أَوْ بِطَرِيقٍ ) بَالَ بِهَا ( أَوْ بَالَتْ بِهَا ) أَيْ الطَّرِيقِ ( دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا كَرَاكِبٍ وَسَائِقٍ وَقَائِدٍ ) فَتَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَكَذَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ مَاشِيَةٍ أَوْ تَكَسَّرَ مِنْ أَعْضَاءٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا إذْ ذَاكَ فَلَا ضَمَانَ
( أَوْ رَمَى ) شَخْصٌ ( مِنْ مَنْزِلِهِ ) أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ( حَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ ) مِمَّا يُمْكِنُ التَّلَفُ بِهِ ( أَوْ حَمَلَ بِيَدِهِ رُمْحًا جَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ خَلْفَهُ لَا ( إنْ جَعَلَهُ قَائِمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ يَمْشِي ) لِأَنَّهُ لَا عُدْوَانَ مِنْهُ إذَنْ ( أَوْ وَقَعَ عَلَى نَائِمٍ بِفِنَاءٍ جِدَارٌ فَأَتْلَفَ إنْسَانًا أَوْ تَلِفَ بِهِ فَمَا مَعَ قَصْدِ ) تَعَدٍّ كَإِلْقَاءِ الْأَفْعَى عَلَيْهِ ، أَوْ إلْقَائِهِ عَلَيْهَا ، وَالتَّرْوِيعُ ، وَالتَّدْلِيَةُ مِنْ شَاهِقٍ ( شِبْهُ عَمْدٍ و ) مَا ( بِدُونِهِ ) أَيْ الْقَصْدِ ( خَطَأٌ ) وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ جَانٍ
( وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ ) فَمَاتَ ( أَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ ) أَيْ الْغَيْرُ ( فَمَاتَ وَنَحْوَهُ ) كَمَا لَوْ أَجْلَسَهُ أَوْ أَقَامَهُ فَمَاتَ ( أَوْ تَلِفَ وَاقِعٌ عَلَى نَائِمٍ ) بِلَا سَبَبٍ مِنْ أَحَدٍ ( فَهَدَرٌ ) لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ أَنَّ رَشَّ الطَّرِيقِ لِيَسْكُنَ الْغُبَارُ فَمَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي سَابِلَةٍ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ
( وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ آخَرُ حَجَرًا أَوْ نَحْوَهُ كَكِيسٍ دَرَاهِمَ ( فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ ) فَمَاتَ ( ضَمِنَ وَاضِعُ ) الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْحَافِرِ ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ أَوْ نَحْوَهُ ( كَدَافِعٍ مَعَ حَافِرٍ إذَا تَعَدَّيَا ) ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الْقَتْلَ الْمُعَيَّنَ عَادَةً بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ ( وَإِلَّا ) يَتَعَدَّيَا جَمِيعًا ( فَ ) الضَّمَانُ ( عَلَى مُتَعَدٍّ مِنْهُمَا ) فَإِنْ تَعَدَّى الْحَافِرُ وَحْدَهُ بِأَنْ كَانَ وَضَعَ الْحَجَرَ لِمَصْلَحَةٍ كَوَضْعِهِ فِي وَحْلٍ لِتَمُرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ فَعَلَى الْحَافِرِ الضَّمَانُ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ
( وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا قَصِيرَةً فَعَمَّقَهَا آخَرُ ) تَعَدِّيًا ( فَضَمَانُ تَالِفٍ ) بِسُقُوطِهِ فِيهَا ( بَيْنَهُمَا ) لِحُصُولِ السَّبَبِ مِنْهُمَا ( وَإِنْ وَضَعَ ثَالِثٌ فِيهَا ) أَيْ الْبِئْرِ ( سِكِّينًا ) أَوْ نَحْوَهَا فَوَقَعَ فِيهَا شَخْصٌ عَلَى السِّكِّينِ فَمَاتَ ( ف ) عَلَى عَوَاقِلِ الثَّلَاثَةِ الدِّيَةُ ( أَثْلَاثًا ) نَصًّا لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي قَتْلِهِ
( وَإِنْ حَفَرَهَا ) أَيْ الْبِئْرَ ( بِمِلْكِهِ وَسَتَرَهَا لِيَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ فَمَنْ دَخَلَ ) الْمَحِلَّ الَّذِي بِهِ الْبِئْرُ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْحَافِرِ ( وَتَلِفَ بِهَا ) أَيْ الْبِئْرِ ( ف ) عَلَى حَافِرِهَا ( الْقَوَدُ ) لِتَعَمُّدِهِ قَتْلَهُ عُدْوَانًا كَمَا لَوْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَسْمُومًا فَأَكَلَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( فَلَا ) ضَمَانَ ( ك ) مَا لَوْ سَقَطَ بِبِئْرٍ ( مَكْشُوفَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا ) الدَّاخِلُ الْبَصِيرُ لِأَنَّهُ الَّذِي أَهْلَك نَفْسَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَدَّمَ إلَيْهِ سِكِّينًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ فِي ظُلْمَةٍ لَا يُبْصِرُهَا ضَمِنَهُ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ ) أَيْ حَافِرِ الْبِئْرِ بِمِلْكِهِ ( فِي عَدَمِ إذْنِهِ ) لِدَاخِلٍ فِي الدُّخُولِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ و ( لَا ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ ( فِي كَشْفِهَا ) إذَا ادَّعَى وَلِيُّهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُغَطَّاةً ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَ وَلِيِّ الدَّاخِلِ ، إذْ الْمُتَبَادِرُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً بِحَيْثُ يَرَاهَا لَمْ يَسْقُطْ بِهَا .
( وَإِنْ تَلِفَ أَجِيرٌ ) مُكَلَّفٌ ( لِحَفْرِهَا بِهَا ) فَهَدَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي قَتْلِهِ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا سَبَبٍ ( أَوْ دَعَا مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِدَارِهِ ) أَوْ أَرْضِهِ حَفِيرَةً ( أَوْ ) مَنْ يَحْفِرُ لَهُ ( بِمَعْدِنٍ ) يَسْتَخْرِجُهُ لَهُ ( فَمَاتَ بِهَدْمِ ) ذَلِكَ عَلَيْهِ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ ( فَهَدَرٌ ) نَصًّا لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَمَنْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا وَغَلَّهُ ) فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ فَالدِّيَةُ لِهَلَاكِهِ فِي حَالِ تَعَدِّيهِ ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَهُ فَقَطْ أَوْغَلَّهُ فَقَطْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْفِرَارُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ ( أَوْ غَصَبَ ) حُرًّا ( صَغِيرًا ) أَوْ مَجْنُونًا ( فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ ) : وَهِيَ نَارٌ تَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فِيهَا رَعْدٌ شَدِيدٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ( فَالدِّيَةُ ) لِهَلَاكِهِ فِي حَالِ تَعَدِّيهِ بِحَبْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ وَلَمْ يَغُلَّهُ لِضَعْفِهِ عَنْ الْهَرَبِ مِنْ الصَّاعِقَةِ وَالْبَطْشِ بِالْحَيَّةِ أَوْ دَفَعَهَا عَنْهُ و ( لَا ) يَضْمَنُ الْحُرَّ الْمُكَلَّفَ مَنْ قَيَّدَهُ وَغَلَّهُ أَوْ الصَّغِيرَ إنْ حَبَسَهُ ( إنْ مَاتَ بِمَرَضٍ أَوْ ) مَاتَ ( فَجْأَةً ) نَصًّا لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَلَا جِنَايَةَ إذَنْ ، وَأَمَّا الْقِنُّ فَيَضْمَنُهُ غَاصِبُهُ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَ ، وَتَقَدَّمَ .
وَإِنْ تَجَاذَبَ حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ حَبْلًا أَوْ نَحْوَهُ كَثَوْبٍ ( فَانْقَطَعَ ) الْحَبْلُ أَوْ نَحْوُهُ ( فَسَقَطَا فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( دِيَةُ الْآخَرِ ) سَوَاءٌ انْكَبَّا أَوْ اسْتَلْقَيَا أَوْ انْكَبَّ أَحَدُهُمَا وَاسْتَلْقَى الْآخَرُ لِتَسَبُّبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي قَتْلِ الْآخَرِ ( لَكِنْ نِصْفُ دِيَةِ الْمُنْكَبِّ ) عَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَلْقِي ( مُغَلَّظَةً و ) نِصْفُ دِيَةِ ( الْمُسْتَلْقِي ) عَلَى عَاقِلَةِ الْمُنْكَبِّ ( مُخَفَّفَةً ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
( وَإِنْ اصْطَدَمَا وَلَوْ ) كَانَا ( ضَرِيرَيْنِ أَوْ ) كَانَ ( أَحَدُهُمَا ) ضَرِيرًا ( فَمَاتَا فَ ) هُمَا ( كَمُتَجَاذِبَيْنِ ) عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَإِنْ اصْطَدَمَتْ امْرَأَتَانِ حَامِلَانِ فَكَالرَّجُلَيْنِ ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا جَنِينَهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِهَا وَنِصْفُ ضَمَانِ جَنِينِ صَاحِبَتِهَا ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قَتْلِهِ ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عِتْقُ ثَلَاثِ رِقَابٍ وَاحِدَةٌ لِقَتْلِ صَاحِبَتِهَا وَاثْنَتَانِ لِمُشَارَكَتِهَا فِي الْجَنِينَيْنِ ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى اشْتَرَكَتَا فِي ضَمَانِهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عِتْقُ رَقَبَتَيْنِ .
( وَإِنْ اصْطَدَمَا ) أَيْ الْحُرَّانِ الْمُكَلَّفَانِ بِأَنْ صَدَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ( عَمْدًا و ) ذَلِكَ الِاصْطِدَامُ ( يَقْتُلُ غَالِبًا ف ) هُوَ ( عَمْدٌ يُلْزِمُ كُلًّا مِنْهُمَا دِيَةَ الْآخَرِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَتَقَاصَّانِ ) إنْ كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ بِأَنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كِتَابِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ ذَلِكَ الِاصْطِدَامُ يَقْتُلُ غَالِبًا ( ف ) هُوَ ( شِبْهُ عَمْدٍ ) فِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِمَا وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ( وَإِنْ كَانَا ) أَيْ الْمُصْطَدِمَانِ ( رَاكِبَيْنِ أَوْ ) كَانَ ( أَحَدُهُمَا ) رَاكِبًا وَالْآخَرُ مَاشِيًا ( فَمَا تَلِفَ مِنْ دَابَّتَيْهِمَا ) وَدَابَّةِ أَحَدِهِمَا ( فَقِيمَتُهُ عَلَى الْآخَرِ ) وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُخْرَى لِمَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ صَدْمَةِ الْأُخْرَى كَمَا لَوْ كَانَتْ وَاقِفَةً ، وَإِنْ نَقَصَتْ الدَّابَّتَانِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نَقْصُ دَابَّةِ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيْ الْآخَرِ فَأَدْرَكَهُ فَصَدَمَهُ فَمَاتَتْ الدَّابَّتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَالضَّمَانُ عَلَى اللَّاحِقِ لِأَنَّهُ الصَّادِمُ .
وَإِنْ غَلَبَتْ الدَّابَّةُ رَاكِبَهَا لَمْ يَضْمَنْ .
قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْمُصْطَدِمَيْنِ ( وَاقِفًا أَوْ قَاعِدًا ) وَالْآخَرُ سَائِرًا ( فَضَمَانُ مَالِهِمَا ) أَيْ الْوَاقِفِ وَالْقَاعِدِ ( عَلَى سَائِرٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ الصَّادِمُ الْمُتْلِفُ ( وَدِيَتُهُمَا ) أَيْ الْوَاقِفِ وَالْقَاعِدِ ( عَلَى عَاقِلَتِهِ ) أَيْ السَّائِرِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِصَدْمِهِ وَإِنْ انْحَرَفَ الْوَاقِفُ فَصَادَفَتْ الصَّدْمَةُ انْحِرَافَهُمَا كَالسَّائِرَيْنِ ( كَمَا لَوْ كَانَا ) أَيْ الْوَاقِفُ وَالْقَاعِدُ ( بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ مَمْلُوكٍ لَهُمَا ) وَصَدَمَهُمَا السَّائِرُ فَيَضْمَنُهُمَا وَمَا يَتْلَفُ مِنْ مَالِهِمَا لِتَعَدِّيهِ بِسُلُوكِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ و ( لَا ) يَضْمَنُهُمَا وَلَا مَا تَلِفَ لَهُمَا السَّائِرُ ( إنْ كَانَا ب )
طَرِيقٍ ( ضَيِّقٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ ) لَهُمَا لِتَفْرِيطِهِمَا بِالْوُقُوفِ وَالْقُعُودِ فِي الضَّيِّقِ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَهُمَا ( وَلَا يَضْمَنَانِ ) أَيْ الْوَاقِفُ وَالْقَاعِدُ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ ( لِسَائِرٍ شَيْئًا ) لِحُصُولِ الصَّدْمِ مِنْهُ
( وَإِنْ اصْطَدَمَ قِنَّانِ مَاشِيَانِ فَمَاتَا ف ) هُمَا ( هَدَرٌ ) لِوُجُوبِ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي رَقَبَةِ الْآخَرِ وَقَدْ تَلِفَ الْمَحَلُّ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ فَذَهَبَا هَدَرًا ( وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقِيمَتُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا ( فِي رَقَبَةِ ) الْعَبْدِ ( الْآخَرِ كَسَائِرِ جِنَايَاتِهِ وَإِنْ كَانَا ) أَيْ الْمُصْطَدِمَانِ ( حُرًّا وَقِنًّا وَمَاتَا فَقِيمَةُ قِنٍّ فِي تَرِكَةِ حُرٍّ ) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ قِيمَةَ عَبْدٍ ( وَتَجِبُ دِيَةُ الْحُرِّ كَامِلَةً فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ ) إنْ اتَّسَعَتْ لَهَا .
( وَمَنْ أَرْكَبَ صَغِيرَيْنِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا وَمَا تَلِفَ لَهُمَا مِنْ مَالِهِ ) أَيْ الْمُرَكِّبِ لَهُمَا لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ فَهُوَ سَبَبٌ لِلتَّلَفِ وَقِيلَ إنَّ دِيَتَهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ( فَإِنْ أَرْكَبَهُمَا وَلِيُّ لِمَصْلَحَةٍ ) كَتَمْرِينٍ عَلَى رُكُوبِ مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِهِمَا وَكَانَا يَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا ( أَوْ رَكِبَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمَا ف ) هُمَا ( كَبَالِغَيْنِ مُخْطِئَيْنِ ) عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا تَلِفَ مِنْ مَالِ الْآخَرِ .
( وَإِنْ اصْطَدَمَ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ فَمَاتَ الصَّغِيرُ ) فَقَطْ ( ضَمِنَهُ الْكَبِيرُ وَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ ) فَقَطْ ( ضَمِنَهُ مُرَكِّبُ الصَّغِيرِ ) إنْ تَعَدَّى بِإِرْكَابِهِ ، وَإِنْ أَرْكَبَهُ وَلِيُّهُ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ رَكِبَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَكَبَالِغٍ مُخْطِئٍ عَلَى مَا سَبَقَ ، وَنَقَلَ حَرْبٌ إنْ حَمَلَ رَجُلٌ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ فَسَقَطَ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ أَهْلُهُ بِحَمْلِهِ .
( وَمَنْ قَرَّبَ صَغِيرًا ) أَوْ مَجْنُونًا ( مِنْ هَدَفٍ فَأُصِيبَ بِسَهْمٍ فَمَاتَ ) ( ضَمِنَهُ ) مُقَرِّبُهُ دُونَ رَامِي السَّهْمِ إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرِّبَ هُوَ الَّذِي عَرَّضَهُ لِلتَّلَفِ بِتَقْرِيبِهِ وَالرَّامِي لَمْ يُفَرِّطْ فَالرَّامِي كَحَافِرِ بِئْرٍ وَالْمُقَرِّبُ كَالدَّافِعِ لِلْوَاقِعِ فِيهَا فَإِنْ قَصَدَهُ الرَّامِي بِرَمْيِهِ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ ، وَالْمُقَرِّبُ مُتَسَبِّبٌ وَإِنْ لَمْ يُقَرِّبْهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ رَامِيهِ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَضْمَنُهُ مُقَرِّبُهُ ، وَلَعَلَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ يُرْمَى وَأَنْ يَسْتَطِيعَ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُقَيَّدًا مَغْلُولًا .
( وَمَنْ أَرْسَلَهُ ) أَيْ الصَّغِيرَ ( لِحَاجَةٍ ) وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ( فَأَتْلَفَ ) الصَّغِيرُ فِي إرْسَالِهِ ( نَفْسًا أَوْ مَالًا فَجِنَايَتُهُ ) أَيْ الصَّغِيرِ ( خَطَأٌ مِنْ مُرْسِلِهِ ) فَيَضْمَنُهَا ( وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ ) أَيْ الصَّغِيرِ ( ضَمِنَهُ ) مُرْسِلُهُ نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ ( قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ : إنْ تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْجَانِي ) أَيْ عَلَى الصَّغِيرِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ تَضْمِينُهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَالْمُرْسِلُ مُتَسَبِّبٌ .
( وَإِنْ كَانَ ) الْمُرْسِلُ فِي حَاجَةٍ ( قِنًّا ) وَأَرْسَلَهُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ( فَكَغَصْبِهِ ) فَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الْغَصْبِ .
( وَمَنْ أَلْقَى حَجَرًا أَوْ عَدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ ) السَّفِينَةُ بِذَلِكَ ( ضَمِنَ جَمِيعَ مَا فِيهَا ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ كَمَا لَوْ خَرَقَهَا ( وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقِ فَقَتَلَ الْحَجَرُ رَابِعًا قَصَدُوهُ ) أَيْ الرُّمَاةُ ( فَعَمْدٌ ) فِيهِ الْقَوَدُ لِقَصْدِهِمْ الْقَتْلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا لَوْ ضَرَبُوهُ بِمُثَقَّلٍ يَقْتُلُ غَالِبًا ( وَلَا ) يَقْصِدُوهُ ( فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ دِيَتُهُ أَثْلَاثًا ) لِأَنَّهُ خَطَأٌ ، ( وَإِنْ قَتَلَ ) الْحَجَرُ ( أَحَدَهُمْ ) أَيْ : الرُّمَاةِ ( سَقَطَ فِعْلُ نَفْسِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ ، كَمَا لَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ) لِوَرَثَتِهِ ( ثُلُثَا دِيَتِهِ ) وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَارِصَةِ وَالْقَامِصَةِ وَالْوَاقِصَةِ .
قَالَ الشَّعْبِيُّ : وَذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ اجْتَمَعْنَ فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ عَلَى عُنُقِ الْأُخْرَى ، وَقَرَصَتْ الثَّالِثَةُ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ فَسَقَطَتْ الرَّاكِبَةُ فَوَقَعَتْ فَوَقَصَتْ عُنُقَهَا فَمَاتَتْ .
فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ فَقَضَى بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا عَلَى عَوَاقِلِهِنَّ وَأَلْغَى الثُّلُثَ الَّذِي قَابَلَ فِعْلَ الْوَاقِصَةِ لِأَنَّهَا أَعَانَتْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهَا ، وَلِأَنَّ الْمَقْتُولَ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الدِّيَةُ عَلَى شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ قَتَلُوا غَيْرَهُمْ وَقِيَاسُهُ مَسْأَلَةُ التَّجَاذُبِ وَالتَّصَادُمِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا .
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : وَهُوَ الْعَدْلُ .
لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ زَادُوا ) أَيْ الرُّمَاةُ ( عَلَى ثَلَاثَةٍ ) وَقَتَلَ الْحَجَرُ آخَرَ غَيْرَهُمْ ( فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ الثُّلُثِ ، وَلَا تَأْجِيلَ فِيهِ ( وَلَا يَضْمَنُ مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ وَأَمْسَكَ الْكِفَّةَ ) فَقَطْ حَيْثُ رَمَى غَيْرَهُ ( كَمَنْ أَوْتَرَ ) الْقَوْسَ ( وَقَرَّبَ السَّهْمَ ) وَلَمْ يَرْمِ ، بَلْ الضَّمَانُ عَلَى الرَّامِي .
وَمَنْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ خَطَأً فَهَدَرٌ كَعَمْدٍ ، أَيْ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ .
عَمْدًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجَعَ سَيْفُهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ، وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنُقِلَ نَقْلًا ظَاهِرًا .
وَالدِّيَةُ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِ مُوَاسَاةٍ لِلْجَانِي وَتَخْفِيفًا عَنْهُ .
وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي هُنَا شَيْءٌ يُخَفِّفُ عَنْهُ .
وَلَا يَقْتَضِي النَّظَرُ أَنْ تَكُونَ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَضْمُونَةً عَلَى غَيْرِهِ .
( وَمَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ ) وَقَعَ فِي ( حُفْرَةٍ ثُمَّ ) وَقَعَ ( ثَانٍ ثُمَّ ) وَقَعَ ( ثَالِثٌ ثُمَّ ) وَقَعَ ( رَابِعٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَاتُوا ) كُلُّهُمْ ( أَوْ ) مَاتَ ( بَعْضُهُمْ ) بِلَا تَدَافُعٍ وَلَا تَجَاذُبٍ ( فَدَمُ الرَّابِعِ هَدَرٌ ) لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ( وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِعِ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ ( وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِمَا عَلَيْهِ ( وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى عَوَاقِلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِمْ عَلَيْهِ ( وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِي و ) جَذَبَ ( الثَّانِي الثَّالِثَ وَ ) جَذَبَ ( الثَّالِثُ الرَّابِعَ فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى ) عَاقِلَةِ ( الثَّالِثِ ) لِمُبَاشَرَتِهِ جَذْبَهُ وَحْدَهُ ( وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى ) عَاقِلَةِ ( الثَّانِي ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِجَذْبِهِ لَهُ ( وَ ) دِيَةُ ( الثَّانِي عَلَى ) عَاقِلَتَيْ ( الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ) نِصْفَيْنِ لِمَوْتِهِ بِجَذْبِ الْأَوَّلِ وَسُقُوطِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ ( وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى ) عَاقِلَتَيْ ( الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ ) لِمَوْتِهِ بِسُقُوطِهِمَا عَلَيْهِ ( وَإِنْ هَلَكَ ) الْأَوَّلُ ( بِوَقْعَةِ الثَّالِثِ ) عَلَيْهِ ( فَضَمَانُ نِصْفِهِ عَلَى ) عَاقِلَةِ ( الثَّانِي ) لِمُشَارَكَتِهِ بِجَذْبِهِ لِلثَّالِثِ ( وَالْبَاقِي ) مِنْ دِيَتِهِ ( هَدَرٌ ) فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ لِمُشَارَكَتِهِ فِي قَتْلِهَا ( وَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ مَاتُوا بِسُقُوطِهِمْ ) أَيْ بِنَفْسِ السُّقُوطِ لِعُمْقِ الْبِئْرِ أَوْ مَاءٍ يُغْرِقُ الْوَاقِعَ فَيَقْتُلُهُ لَا بِسُقُوطِ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَا لَوْ جُهِلَ الْحَالُ وَلَمْ يَتَجَاذَبُوا ( أَوْ قَتَلَهُمْ أَسَدٌ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ ، وَلَمْ يَتَجَاذَبُوا فَدِمَاؤُهُمْ ) جَمِيعُهُمْ ( مُهْدَرَةٌ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِعْلٌ فِي تَلَفِ الْآخَرِ .
( وَإِنْ تَجَاذَبُوا أَوْ تَدَافَعَ ) جَمَاعَةٌ عِنْدَ حُفْرَةٍ فَسَقَطَ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ .
( كَمَا وَصَفْنَا ) أَنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ ، وَالثَّانِي الثَّالِثَ ، وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ ( فَقَتَلَهُمْ أَسَدٌ أَوْ نَحْوُهُ ) كَسَبُعٍ أَوْ حَيَّةٍ ( فَدَمُ ) السَّاقِطِ ( الْأَوَّلِ هَدَرٌ ) لِسُقُوطِهِ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ ( وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي ) لِجَذْبِهِ إيَّاهُ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
وَتُسَمَّى مَسْأَلَةُ الزُّبْيَةَ ؛ وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَضَى فِي نَحْوِ ذَلِكَ ؛ بِأَنْ يَجْمَعَ مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْبِئْرَ ، رُبْعَ الدِّيَةِ ، وَثُلُثَ الدِّيَةِ ؛ وَنِصْفَ الدِّيَةِ ، وَالدِّيَةَ كَامِلَةً ، فَلِلْأَوَّلِ الرُّبْعُ لِأَنَّهُ مَلَّكَ مَنْ فَوْقَهُ ثَلَاثَةً ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ كَامِلَةً .
فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( وَمَنْ نَامَ عَلَى سَقْفٍ فَهَوَى ) أَيْ سَقَطَ ( بِهِ عَلَى قَوْمٍ لَزِمَهُ الْمُكْثُ ) لِئَلَّا يَهْلَكَ بِانْتِقَالِهِ أَحَدٌ ( وَيَضْمَنُ مَا تَلَفَ ) مِنْ نَفْسِ مَالٍ ( بِدَوَامِ مُكْثٍ أَوْ بِانْتِقَالِهِ ) لِتَلَفٍ بِسَبَبِهِ و ( لَا ) يَضْمَنُ مَا تَلِفَ ( بِسُقُوطِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ بِخِلَافِ مُكْثِهِ وَانْتِقَالِهِ .
( وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِ مُضْطَرٍّ أَوْ ) إلَى ( شَرَابِهِ فَطَلَبَهُ ) الْمُضْطَرُّ ( فَمَنَعَهُ ) رَبُّهُ ( حَتَّى مَاتَ ) الْمُضْطَرُّ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ نَصًّا لِقَضَاءِ عُمَرَ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُضْطَرُّ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ ، وَكَذَا إنْ مَنَعَهُ رَبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ أَوْ خَائِفٌ .
ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ إذَنْ .
( أَوْ أَخَذَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ ) أَخَذَ ( شَرَابَهُ ) أَيْ الْغَيْرِ ( هُوَ ) أَيْ الْمَأْخُوذُ طَعَامُهُ أَوْ شَرَابُهُ ( عَاجِزٌ ) عَنْ دَفْعِهِ ( فَتَلِفَ أَوْ ) تَلِفَتْ ( دَابَّتُهُ ) بِسَبَبِ الْأَخْذِ ضَمِنَ الْآخِذُ التَّالِفَ لِتَسَبُّبِهِ فِي هَلَاكِهِ .
( أَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ صَائِلًا عَلَيْهِ مِنْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ ) كَنَمِرٍ أَوْ حَيَّةٍ ( فَأَهْلَكَهُ ) الصَّائِلُ عَلَيْهِ ( ضَمِنَهُ ) الْآخِذُ لِصَيْرُورَتِهِ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَاله .
لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا .
وَقَالَ الْقَاضِي .
تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ و ( لَا ) يَضْمَنُ ( مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ نَفْسٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يَكُونُ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ .
( وَمَنْ أَفْزَعَ ) شَخْصًا وَلَوْ صَغِيرًا ( أَوْ ضَرَبَ ) شَخْصًا ( وَلَوْ صَغِيرًا فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ وَلَمْ يَدُمْ ) الْحَدَثُ ( فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى بِهِ فِيمَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا حَتَّى أَحْدَثَ .
قَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ وَالْقِيَاسُ لَا ضَمَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ، .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ بِمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ تَوْقِيفٌ خُصُوصًا وَهَذَا الْقَضَاءُ فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ فَهُوَ إجْمَاعٌ .
( وَيَضْمَنُ ) أَيْضًا مَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا أَوْ ضَرَبَهُ ( جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ) عَلَى ( غَيْرِهِ ) بِسَبَبِ إفْزَاعِهِ أَوْ ضَرَبَهُ وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِشَرْطِهِ وَمَنْ أَكْرَهَ امْرَأَةً فَزَنَا بِهَا وَحَمَلَتْ وَمَاتَتْ فِي الْوِلَادَةِ ضَمِنَهَا وَتَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ إنْ ثَبَتَ بِغَيْرِ إقْرَارٍ .
وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ أَوْ أَدَّبَ زَوْجَتَهُ فِي نُشُوزٍ وَلَمْ يُسْرِفْ لَمْ يَضْمَنْ ( أَوْ ) أَدَّبَ ( مُعَلَّمٌ صَبِيَّهُ أَوْ ) أَدَّبَ ( سُلْطَانٌ رَعِيَّتَهُ وَلَمْ يُسْرِفْ ) أَيْ يَزِدْ عَلَى الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ فِيهِ لَا فِي عَدَدٍ وَلَا فِي شِدَّةٍ ( فَتَلِفَ ) الْمُؤَدَّبُ بِذَلِكَ ( لَمْ يَضْمَنْهُ ) الْمُؤَدِّبُ نَصًّا لِفِعْلِهِ مَا لَهُ فِعْلُهُ شَرْعًا بِلَا تَعَدٍّ أَشْبَهَ سِرَايَةَ الْقَوَدِ وَالْحَدِّ ( وَإِنْ أَسْرَفَ ) الْمُؤَدِّبُ ( أَوْ زَادَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ) فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْإِسْرَافِ .
( أَوْ ضَرَبَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ مِنْ صَبِيٍّ ) لَمْ يُمَيِّزْ ( أَوْ غَيْرِهِ ) مِنْ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ فَتَلِفَ ( ضَمِنَ ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَأْذَنْ فِي تَأْدِيبِ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَأْدِيبِهِ .
( وَمَنْ أَسْقَطَتْ ) جَنِينَهَا ( ب ) سَبَبِ ( طَلَبِ سُلْطَانٍ أَوْ تَهْدِيدِهِ ) سَوَاءٌ طَلَبَهَا ( لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ ) بِأَنْ طَلَبَهَا لِكَشْفِ حَدٍّ لِلَّهِ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ ( أَوْ مَاتَتْ بِ ) سَبَبِ ( وَضْعِهَا ) فَزَعًا ( أَوْ ) مَاتَتْ بِلَا وَضْعٍ ( فَزَعًا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا ) فَزَعًا ( أَوْ اسْتَعْدَى ) بِالشُّرَطِ قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ( إنْسَانٌ ) حَاكِمًا عَلَى حَامِلٍ فَأَسْقَطَتْ أَوْ مَاتَتْ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا فَزَعًا ( ضَمِنَ السُّلْطَانُ مَا كَانَ ) مِنْهُ ( بِطَلَبِهِ ) أَيْ السُّلْطَانِ ( ابْتِدَاءً ) بِلَا اسْتِعْدَاءِ أَحَدٍ ( وَ ) ضَمِنَ ( الْمُسْتَعْدِي مَا كَانَ بِسَبَبِهِ ) أَيْ اسْتِعْدَائِهِ نَصًّا ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ ظَالِمَةً لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ إلَى امْرَأَةٍ مُغَنِّيَةٍ كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ إلَيْهَا ، فَقَالَتْ : يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا وَلِعُمَرَ ؟ فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ إذْ فَزِعَتْ فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ فَأَلْقَتْ وَلَدًا فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ وَمُؤَدِّبٌ ، وَصَمَتَ عَلِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ : مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَقَالَ : إنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاكَ فَلَمْ يَنْصَحُوا لَكَ ، إنَّ دِيَتَهُ عَلَيْك لِأَنَّك أَفْزَعْتَهَا فَأَلْقَتْهُ فَقَالَ عُمَرُ أَقْسَمْت عَلَيْك أَنْ لَا تَبْرَحَ حَتَّى تُقَسِّمَهَا عَلَى قَوْمِك ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَفْسٌ هَلَكَتْ بِسَبَبِ إرْسَالِهِ إلَيْهَا فَضَمِنَهَا كَجَنِينِهَا وَأَمَّا الْمُسْتَعْدِي فَلِأَنَّهُ الدَّاعِي إلَى طَلَبِ السُّلْطَانِ لَهَا فَمَوْتُهَا أَوْ سُقُوطُ جَنِينِهَا بِسَبَبِهِ فَاخْتَصَّ بِهِ الضَّمَانُ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةُ فَأَحْضَرَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَهَا لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ كَالْقِصَاصِ ، وَيَضْمَنُ جَنِينَهَا لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ اقْتَصَّ
مِنْهَا .
( كَإِسْقَاطِهَا ) أَيْ الْأَمَةِ ( بِتَأْدِيبٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهِمَا أَوْ ) أَيْ وَكَإِسْقَاطِ حَامِلٍ ب ( شُرْبِ دَوَاءٍ لِمَرَضٍ ) فَتَضْمَنُ حَمْلَهَا
( وَلَوْ مَاتَتْ حَامِلٌ أَوْ ) مَاتَ ( حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ ) كَكِبْرِيتٍ وَعَظْمٍ ( ضَمِنَ ) رَبُّهُ ( إنْ عَلِمَ رَبُّهُ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّهَا تَمُوتُ أَوْ يَمُوتُ حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ ذَلِكَ ( عَادَةً ) أَيْ ، بِحَسْبِ الْمُعْتَادِ وَأَنَّ الْحَامِلَ هُنَاكَ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ .
( وَإِنْ سَلَّمَ عَاقِلٌ بَالِغٌ نَفْسَهُ أَوْ ) سَلَّمَ ( وَلَدَهُ إلَى سَابِحٍ حَاذِقٍ لِيُعَلِّمَهُ ) السِّبَاحَةَ ( فَغَرِقَ ) لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُعَلِّمُ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطْ لِفِعْلِهِ مَا أُذِنَ فِيهِ .
( أَوْ أَمَرَ ) مُكَلَّفٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ( مُكَلَّفًا يَنْزِلُ بِئْرًا أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً فَهَلَكَ بِهِ ) أَيْ نُزُولِ الْبِئْرِ أَوْ صُعُودِ الشَّجَرَةِ ( لَمْ يَضْمَنُهُ ) الْآمِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَتَعَدَّ أَشْبَهَ كَمَا لَوْ أَذِنَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ ( وَلَوْ أَنَّ الْآمِرَ سُلْطَانٌ ) كَغَيْرِهِ .
و ( كَاسْتِئْجَارِهِ لِذَلِكَ ) أَقْبَضَهُ أُجْرَةً أَوْ لَا ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) الْمَأْمُورُ ( مُكَلَّفًا ) بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ( ضَمِنَهُ ) لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهِ .
( وَمَنْ وَضَعَ عَلَى سَطْحِهِ جَرَّةً أَوْ نَحْوُهَا وَلَوْ مُتَطَرِّفَةً فَسَقَطَتْ بِرِيحٍ أَوْ نَحْوِهَا ) كَطَيْرٍ وَهِرَّةٍ ( عَلَى آدَمِيٍّ ) أَوْ غَيْرِهِ ( فَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ ) وَاضِعٌ لِسُقُوطِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَزَمَنُ وَضْعِهِ كَانَ فِي مِلْكِهِ ( وَمَنْ دَفَعَهَا حَالَ سُقُوطِهَا عَنْ نَفْسِهِ ) لِئَلَّا تَقَعَ عَلَيْهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ ( أَوْ تَدَحْرَجَتْ ) عَلَى إنْسَانٍ ( فَدَفَعَهَا عَنْهُ ) فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ( لَمْ يَضْمَنْ ) دَافِعُهَا ( مَا تَلِفَ ) بِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ .
، الْمَقَادِيرُ : جَمْعُ مِقْدَارٍ ، وَهُوَ مَبْلَغُ الشَّيْءِ وَقَدْرُهُ ( دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَة بَعِيرٍ أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفَا شَاةٍ أَوْ أَلْفُ مِثْقَالٍ ذَهَبًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ) إسْلَامِيٍّ ( فِضَّةٍ ) قَالَ الْقَاضِي : لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ أُصُولَ الدِّيَةِ الْإِبِلُ وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ - أَيْ الْفِضَّةُ - وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ .
لِمَا رَوَى عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاةِ أَلْفَيْ شَاةٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ } وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ " وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ " ( وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ ) الْمَذْكُورَةُ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْحُلَلِ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ ( أُصُولُهَا ) أَيْ الدِّيَةَ لِمَا سَبَقَ ( فَإِذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ أَحَدَهَا ) أَيْ أَحَدِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ( لَزِمَ ) وَلِيَّ جِنَايَةٍ ( قَبُولُهُ ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِإِجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهَا .
فَالْخِيرَةُ إلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ .
( وَيَجِبُ مِنْ إبِلٍ فِي عَمْدٍ وَشِبْهِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ الْحَيَوَانِ ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَمْلُ كَالزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةَ ( وَتُغَلَّظُ ) دِيَةُ عَمْدٍ وَشِبْهِهِ ( فِي طَرَفٍ كَ ) مَا ( وَتَجِبُ ) الدِّيَةُ ( فِي خَطَأٍ أَخْمَاسًا : عِشْرُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ ) أَيْ : عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً ، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً ( وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ) قَالَ فِي الشَّرْحِ : لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ
( وَتُؤْخَذُ ) دِيَةٌ ( فِي بَقَرٍ مُسِنَّاتٍ وَأَتْبِعَةٍ ) نِصْفَيْنِ ( وَ ) تُؤْخَذُ ( فِي غَنَمٍ ثَنَايَا وَأَجْذِعَةٍ نِصْفَيْنِ ) لِأَنَّهُ دِيَةُ الْإِبِلِ مِنْ الْأَسْنَانِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الزَّكَاةِ فَكَذَا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ
( وَتُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ ) فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ ( أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا ) أَيْ : الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ( دِيَةَ نَقْدٍ ) لِعُمُومِ حَدِيثِ { فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } وَهُوَ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْخَذُ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيمَتُهَا ثَمَانِيَةُ آلَافٍ .
ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُ عُمَرَ : إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ " فَقَوَّمَهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي حَالِ رُخْصِهَا أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ ذَلِكَ
( وَدِيَةُ أُنْثَى بِصِفَتِهِ ) أَيْ : حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ( نِصْفُ دِيَتِهِ ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ : دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ
( وَيَسْتَوِيَانِ ) أَيْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ( فِي ) قَطْعٍ أَوْ جُرْحٍ ( مُوجِبٍ دُونَ ثُلُثِ دِيَةٍ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
وَقَالَ رَبِيعَةُ " قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ؟ كَمْ فِي أُصْبُعِ الْمَرْأَةِ : قَالَ عَشْرٌ قُلْت فَفِي أُصْبُعَيْنِ ؟ قَالَ : عِشْرُونَ .
قُلْت : فَفِي ثَلَاثِ أَصَابِعَ ؟ قَالَ : ثَلَاثُونَ .
قُلْت : فَفِي أَرْبَعٍ ؟ قَالَ : عِشْرُونَ قَالَ : فَقُلْت : لَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَتُهَا قَلَّ عَقْلُهَا قَالَ هَكَذَا السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي " رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْجَنِينِ فَكَذَلِكَ بَاقِي مَا دُونَ الثُّلُثِ وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الثُّلُثَ فَمَا فَوْقَ فَهِيَ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الذَّكَرِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ " وَحَتَّى لِلْغَايَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا وَلِأَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ لِحَدِيثِ " وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ " وَلِذَلِكَ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَغَيْرُهَا
( وَدِيَةُ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِالصِّفَةِ ) أَيْ : حُرٍّ مُسْلِمٍ ( نِصْفُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ : الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَيْ : ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةِ الذَّكَرِ ؛ لِاحْتِمَالِهِ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ احْتِمَالًا وَاحِدًا ، وَقَدْ أَيِسَ مِنْ انْكِشَافِ حَالِهِ فَوَجَبَ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا وَالْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ ( وَكَذَا جِرَاحُهُ ) أَيْ : الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ إذَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا دُونَ الثُّلُثِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ
( وَدِيَةُ كِتَابِيٍّ ) أَيْ : يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ وَمَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ( حُرٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ ) أَيْ : مُهَادَنٍ ( أَوْ مُسْتَأْمَنٍ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ مُسْلِمٍ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ } .
وَفِي لَفْظٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِأَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ الْخَطَّابِيِّ : لَيْسَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ شَيْءٌ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ ( وَكَذَا جِرَاحُهُ ) أَيْ : الْكِتَابِيِّ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ عَلَى نِصْفِ جِرَاحِ الْمُسْلِمِ
( وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ حُرٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ وَ ) دِيَةُ ( حُرٍّ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ وَغَيْرِهِ ) مِنْ الْمُشْرِكِينَ ( مُسْتَأْمَنٍ أَوْ مُعَاهَدٍ بِدَارِنَا ) أَوْ غَيْرِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ ( ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمَجُوسِيِّ وَأُلْحِقَ بِهِ بَاقِي الْمُشْرِكِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ دُونَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } فَالْمُرَادُ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ ، وَلِذَلِكَ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ ( وَجِرَاحُهُ ) وَأَطْرَافُهُ أَيْ : مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ ، وَعَابِدِ وَثَنٍ ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ( بِالنِّسْبَةِ ) إلَى دِيَتِهِ نَصًّا كَمَا أَنَّ جِرَاحَ الْمُسْلِمِ وَأَطْرَافَهُ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَتِهِ
( وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ ) أَيْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ ( إنْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ فَدِيَتُهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ .
فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ فَكَمَجُوسِيٍّ ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ، وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ ( فَلَا شَيْءَ فِيهِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ
( وَدِيَةُ أُنْثَاهُمْ ) أَيْ : الْكُفَّارِ الْمُتَقَدِّمِينَ ( كَنِصْفِ ) دِيَةِ ( ذَكَرِهِمْ ) قَالَ فِي الشَّرْحِ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا
( وَتُغَلَّظُ دِيَةُ قَتْلٍ خَطَأٍ ) وَقَعَ ( فِي كُلٍّ مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ ، وَإِحْرَامٍ ، وَشَهْرٍ حَرَامٍ ) لَا لِرَحِمٍ مَحْرَمٍ ( بِثُلُثِ ) دِيَةٍ نَصًّا .
وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ ، لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ " أَنَّ امْرَأَةً وُطِئَتْ فِي الطَّوَافِ .
فَقَضَى عُثْمَانُ فِيهَا بِسِتَّةِ آلَافٍ وَأَلْفَيْنِ تَغْلِيظًا لِلْحَرَمِ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " فِي رَجُلٍ قُتِلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، وَفِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ ، دِيَتُهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ، وَلِلشَّهْرِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ ، وَلِلْبَلَدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ " وَهَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ ، وَلَمْ يُنْكَرْ ( فَمَعَ اجْتِمَاعِ ) حَالَاتِ التَّغْلِيظِ ( كُلِّهَا ) يَجِبُ ( دِيَتَانِ ) قَالَ فِي الشَّرْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ : أَنَّ الدِّيَةَ لَا تُغَلَّظُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِي الْقَتْلِ عَمْدًا ، وَلَا فِي قَطْعِ طَرَفٍ .
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخَطَأِ هُنَا مَا يَعُمُّ شِبْهَ الْعَمْدِ
( وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا ) ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا ( عَمْدًا ) لَا خَطَأً وَنَحْوَهُ ( أُضْعِفَتْ دِيَتُهُ ) أَيْ : الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ ، قَضَى بِهِ عُثْمَانُ ، رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ وَظَاهِرُهُ " لَا أَضْعَافَ فِي جِرَاحَةٍ " .
وَفِي الْوَجِيزِ : يُضَعَّفُ .
وَلَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْإِنْصَافِ .
وَدِيَةُ قِنٍّ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى ، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا ( قِيمَتُهُ ) .
عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً مِنْ حُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، وَسَوَاءٌ ضَمِنَ بِالْيَدِ أَوْ الْجِنَايَةِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ قِيمَتُهُ ( فَوْقَ دِيَةِ حُرٍّ ) لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَضُمِنَ بِكَمَالِ قِيمَتِهِ كَالْفَرَسِ ، وَضَمَانُ الْحُرِّ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ الَّتِي تَزِيدُ بِهَا قِيمَتُهُ وَلَوْ كَانَ قِنًّا ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِمَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ وَضَمَانُ الْقِنِّ ضَمَانُ مَالٍ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهَا
( وَفِي جِرَاحِهِ ) أَيْ الْقِنِّ ( إنْ قُدِّرَ مِنْ حُرٍّ بِقِسْطِهِ مِنْ قِيمَتِهِ ) فَفِي لِسَانِهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً ، وَفِي يَدِهِ نِصْفُهَا ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ سَوَاءٌ ( نَقَصَ بِجِنَايَةٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْهُ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ فِيهِ مِقْدَارٌ مِنْ الْحُرِّ .
كَالْعُصْعُصِ وَخَرَزَةِ الصُّلْبِ ( فَ ) عَلَى جَانٍ ( مَا نَقَصَهُ ) بِجِنَايَتِهِ بَعْدَ بُرْئِهَا .
لِأَنَّ الْأَرْشَ جَبْرٌ لِمَا فَاتَ بِالْجِنَايَةِ .
وَقَدْ انْجَبَرَ بِذَلِكَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ ( فَلَوْ جَنَى عَلَى رَأْسِهِ ) أَيْ : الْقِنِّ دُونَ مُوضِحَةٍ ( أَوْ ) جَنَى عَلَى ( وَجْهِهِ دُونَ مُوضِحَةٍ ضَمِنَ بِمَا نَقَصَ وَلَوْ أَنَّهُ ) أَيْ : مَا نَقَصَ بِالْجِنَايَةِ ( أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ إذَا نَقَصَهَا
( وَفِي مُنَصَّفٍ ) أَيْ : : مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ قِنٌّ إذَا قُتِلَ ( نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ ، وَكَذَا جِرَاحُهُ ) مِنْ طَرَفٍ وَغَيْرِهِ .
فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَالْقَاتِلُ حُرٌّ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فِي مَالِهِ ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ ، لِأَنَّهَا نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَإِنْ قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ فَالْجَمِيعُ فِي مَالِ جَانٍ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ رُبْعُ دِيَةٍ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِنَقْصِهِ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ
( وَلَيْسَتْ أَمَةٌ كَحُرَّةٍ فِي رَدِّ أَرْشِ جِرَاحٍ بَلَغَ ثُلُثَ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ إلَى نِصْفِهِ ) أَيْ : أَرْشِ جِرَاحِهَا لِأَنَّهُ فِي الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلْحَدِيثِ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَضَمَانُهَا ضَمَانُ مَالٍ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ
( وَمَنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْ عَبْدٍ ) أَوْ ذَكَرَهُ ( أَوْ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَيْهِ ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا فِيهِ مِنْ الْحُرِّ دِيَةٌ ( لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ) كَامِلَةً لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهَا بَدَلُ الدِّيَةِ ( وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ ثُمَّ خَصَاهُ فَ ) عَلَيْهِ ( قِيمَتُهُ ) صَحِيحًا ( لِقَطْعِ ذَكَرِهِ وَ ) عَلَيْهِ ( قِيمَتُهُ ) أَيْضًا ( مَقْطُوعَةً ) أَيْ نَاقِصًا بِقَطْعِ ذَكَرِهِ لِقَطْعِ خُصْيَتَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهُمَا إلَّا وَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ أَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ خَصَاهُ ثُمَّ قَطَعَ ذَكَرَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً لِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ وَمَا نَقَصَ بِقَطْعِ ذَكَرِهِ لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا مُقَدَّرَ ( وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَاسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ وَلِأَنَّ مَا أَخَذَهُ بَدَلُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ لَا بَدَلُ نَفْسِهِ .
وَدِيَةُ جَنِينٍ وَلَوْ ابْنَ حُرٍّ مُسْلِمٍ .
وَالْجَنِينُ : الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ مِنْ الْإِجْنَانِ ، وَهُوَ السَّتْرُ ؛ لِأَنَّهُ أَجَنَّهُ بَطْنُ أُمِّهِ ، أَيْ : سَتَرَهُ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } ( أَوْ مَا تَصِيرُ بِهِ ) أَمَةُ ( قِنٍّ أُمَّ وَلَدٍ ) وَهُوَ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ وَلَوْ خَفِيًّا بَدَلُ الدِّيَةِ ( وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ ثُمَّ خَصَاهُ فَ ) عَلَيْهِ ( قِيمَتُهُ ) صَحِيحًا ( لِقَطْعِ ذَكَرِهِ وَ ) عَلَيْهِ ( قِيمَتُهُ ) أَيْضًا ( مَقْطُوعَةً ) أَيْ : نَاقِصًا بِقَطْعِ ذَكَرِهِ لِقَطْعِ خُصْيَتَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهُمَا إلَّا وَقَدْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ أَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ خَصَاهُ ثُمَّ قَطَعَ ذَكَرَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً لِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ وَمَا نَقَصَ بِقَطْعِ ذَكَرِهِ لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا مُقَدَّرَ ( وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَاسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ وَلِأَنَّ مَا أَخَذَهُ بَدَلُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ لَا بَدَلُ نَفْسِهِ .
وَدِيَةُ جَنِينٍ وَلَوْ ابْنَ حُرٍّ مُسْلِمٍ .
وَالْجَنِينُ : الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ مِنْ الْإِجْنَانِ ، وَهُوَ السَّتْرُ ؛ لِأَنَّهُ أَجَنَّهُ بَطْنُ أُمِّهِ ، أَيْ : سَتَرَهُ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } ( أَوْ مَا تَصِيرُ بِهِ ) أَمَةُ ( قِنٍّ أُمَّ وَلَدٍ ) وَهُوَ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ وَلَوْ خَفِيًّا لَا مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً ( إنْ ظَهَرَ ) الْجَنِينُ مَيِّتًا ( أَوْ ) ظَهَرَ ( بَعْضُهُ ) كَيَدٍ وَرَأْسٍ وَلَوْ أَسْقَطَتْ لَا رَأْسَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْدٍ وَجَبَتْ غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ ( مَيِّتًا وَلَوْ ) كَانَ ظُهُورُهُ ( بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ) وَكَذَا مَا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَمَا مَرَّ فِيمَنْ أَسْقَطَتْ فَزَعًا مِنْ طَلَبِ سُلْطَانٍ أَوْ بِرِيحِ نَحْوِ طَعَامٍ ( فَسَقَطَ ) الْجَنِينُ فِي الْحَالِ ( أَوْ بَقِيَتْ ) أُمُّهُ ( مُتَأَلِّمَةً حَتَّى سَقَطَ ) الْجَنِينُ فَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ ، كَأَنْ قَتَلَ حَامِلًا وَلَمْ يُسْقِطْ جَنِينَهَا أَوْ ضَرَبَ مَنْ بِبَطْنِهَا حَرَكَةٌ أَوْ انْتِفَاخٌ فَزَالَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ ( وَلَوْ ) كَانَ إسْقَاطُهَا ( بِفِعْلِهَا ) كَإِجْهَاضِهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ
( أَوْ كَانَتْ ) أُمُّهُ ( ذِمِّيَّةً حَامِلًا مِنْ ذِمِّيٍّ وَمَاتَ ) الذِّمِّيُّ وَالْجَنِينُ بِدَارِنَا لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ إذَنْ تَبَعًا لِلدَّارِ ( وَيُرَدُّ قَوْلُهَا ) أَيْ : الذِّمِّيَّةِ ( حَمَلَتْ مِنْ مُسْلِمٍ ) إنْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ
( أَوْ ) كَانَتْ أُمُّ ( الْجَنِينِ أَمَةً وَهُوَ حُرٌّ ) لِغُرُورٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ إعْتَاقِهِ وَحْدَهُ ( فَتُقَدَّرُ ) أَمَةً ( حُرَّةً )
وَقَوْلُهُ ( غُرَّةٌ ) : خَبَرُ دِيَةِ جَنِينٍ وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ ( عَبْدًا أَوْ أَمَةً ) بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٍ وَأَصْلُهَا الْخِيَارُ سُمِّيَ بِهَا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ وَوَجْهُ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ ( قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ) صِفَةٌ لِغُرَّةٍ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ فِي الْجِنَايَةِ وَهُوَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَأَمَّا الْأُنْمُلَةُ فَمِقْدَارُهَا ثَبَتَ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَةِ الْإِصْبَعِ ( مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ ) أَيْ : الْجَنِينِ ( كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا ) ثُمَّ مَاتَ لِأَنَّهَا بَدَلٌ وَلِأَنَّهَا دِيَةُ آدَمِيٍّ حُرٍّ فَوَجَبَ أَنْ تُورَثَ عَنْهُ كَسَائِرِ الدِّيَاتِ ( فَلَا حَقَّ فِيهَا لِقَاتِلٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ ( وَلَا لِكَامِلٍ رِقٍّ ) لِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلْإِرْثِ وَيَرِثُ الْمُبَعَّضُ مِنْهَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَغَيْرِهَا ( وَيَرِثُهَا ) أَيْ : الْغُرَّةَ ( عَصَبَةُ سَيِّدِ قَاتِلِ جَنِينِ أَمَتِهِ الْحُرِّ ) كَأَنْ ضَرَبَ بَطْنَ أُمِّ وَلَدِهِ فَأَسْقَطَتْ وَلَدَهَا مِنْهُ فَلَا يَرِثُهُ هُوَ ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ ، وَيَرِثُهُ مَنْ عَدَاهُ مِنْ وَرَثَتِهِ
( وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا ) أَيْ الْغُرَّةِ ( خَصِيٌّ وَنَحْوُهُ ) كَخُنْثَى .
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ " وَالْخُنْثَى لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ
( وَلَا ) يُقْبَلُ فِيهَا ( مَعِيبٌ ) عَيْبًا ( يُرَدُّ بِهِ فِي بَيْعٍ ) كَأَعْوَرَ وَمُكَاتَبٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَالزَّكَاةِ ( وَلَا مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ ) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْخِدْمَةِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ وَيَخْدُمُهُ وَلَوْ أُرِيدَ نَفْسُ الْمُعَالِيَّةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ فِي الْغُرَّةِ
( وَإِنْ أَعْوَزَتْ ) الْغُرَّةُ ( فَ ) الْوَاجِبُ قِيمَتُهَا مِنْ أَصْلِ ( الدِّيَةِ ) وَهِيَ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ
( وَتُعْتَبَرُ ) الْغُرَّةُ ( سَلِيمَةً مَعَ سَلَامَتِهِ ) أَيْ الْجَنِينِ ( وَعَيْبُ الْأُمِّ ) لِكَوْنِهَا خَرْسَاءَ أَوْ صَمَّاءَ وَنَحْوَهَا .
أَوْ نَاقِصَةً بَعْضَ الْأَطْرَافِ ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَّضِحُ فِي الْجَنِينِ الْقِنِّ ، وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَا تَخْتَلِفُ دِيَتُهُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ
( وَجَنِينٌ مُبَعَّضٌ ) كَجَنِينِ الْمُبَعَّضَةِ ( بِحِسَابِهِ ) مِنْ دِيَةٍ وَقِيمَةٍ .
فَإِنْ كَانَ مُنَصَّفًا فَفِيهِ نِصْفُ غُرَّةٍ لِوَرَثَتِهِ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ لِسَيِّدِهِ
( وَفِي ) جَنِينٍ ( قِنٍّ وَلَوْ أُنْثَى عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ ) كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا مُوضِحَةً
( وَ ) إنْ كَانَ الْجَنِينُ قِنًّا وَأُمُّهُ حُرَّةً .
بِأَنْ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا وَاسْتَثْنَاهُ فَ ( تُقَدَّرُ ) أُمُّهُ ( الْحُرَّةُ أَمَةً ) كَعَكْسِهِ ( وَيُؤْخَذُ عُشْرُ قِيمَتِهَا يَوْمَ جِنَايَةٍ ) عَلَيْهَا ( نَقْدًا ) كَسَائِرِ أُرُوشِ الْأَمْوَالِ وَلَا يَجِبُ مَعَ غُرَّةٍ ضَمَانُ نَقْصِ أُمٍّ
( وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَةٍ فَعَتَقَ جَنِينُهَا ) بِأَنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ دُونَهَا .
أَوْ كَانَ عَلَّقَ عِتْقَ جَنِينِهَا عَلَى ضَرْبِ جَانٍ بَطْنَهَا ( ثُمَّ سَقَطَ ) الْجَنِينُ مَيِّتًا .
فَفِيهِ غُرَّةٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ بِحَالِ السُّقُوطِ .
وَقَدْ سَقَطَ حُرًّا ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ كَافِرَةٍ حَامِلٍ فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَبُو الْحَمْلِ ثُمَّ سَقَطَ ( أَوْ ) ضَرَبَ ( بَطْنَ مَيِّتَةٍ أَوْ ) ضَرَبَ ( عُضْوًا ) مِنْهَا ( وَخَرَجَ ) الْجَنِينُ ( مَيْتًا وَ ) قَدْ ( شُوهِدَ بِالْجَوْفِ ) أَيْ جَوْفِ الْمَيِّتَةِ ( يَتَحَرَّكُ ) بَعْدَ مَوْتِهَا ( فَفِيهِ غُرَّةٌ ) كَمَا لَوْ ضَرَبَ حَيَّةً فَمَاتَتْ ثُمَّ خَرَجَ جَنِينُهَا مَيْتًا
( وَفِي ) جَنِينٍ ( مَحْكُومٍ بِكُفْرِهِ ) كَجَنِينِ ذِمِّيَّةٍ مِنْ ذِمِّيٍّ لَاحِقٍ بِهِ ( غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ ) قِيَاسًا عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ
( وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ ) أَيْ الْجَنِينِ ( أَشْرَفَ دِينًا ) مِنْ الْآخَرِ ( كَمَجُوسِيَّةٍ تَحْتَ كِتَابِيٍّ ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَ ) الْوَاجِبُ فِيهِ ( غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ ) الْأَشْرَفِ فَتُقَدَّرُ مَجُوسِيَّةٌ تَحْتَ كِتَابِيٍّ كِتَابِيَّةً ، وَكِتَابِيَّةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ مُسْلِمَةً .
لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ دِينًا وَتَقَدَّمَ ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْجَنِينِ بَعْدَ الضَّرْبِ وَقَبْلَ الْوَضْعِ فَفِيهِ غُرَّةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ السُّقُوطِ .
لِأَنَّهُ حَالُ الِاسْتِقْرَارِ
( وَإِنْ سَقَطَ ) الْجَنِينُ ( حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ وَهُوَ نِصْفُ سَنَةٍ فَصَاعِدًا وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ ) ثُمَّ مَاتَ ( فَفِيهِ مَا فِيهِ مَوْلُودًا ) فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا فَدِيَتُهُ وَهَكَذَا .
لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَتِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ قَتْلَهُ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ كَدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ ( فَكَمَيِّتٍ ) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِحَيَاتِهِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ : الْجَانِي ، وَوَارِثُ الْجَنِينِ ( فِي خُرُوجِهِ ) أَيْ : الْجَنِينِ ( حَيًّا ) بِأَنْ قَالَ الْجَانِي : سَقَطَ مَيِّتًا فَفِيهِ الْغُرَّةُ ، وَقَالَ الْوَارِثُ : بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ ( وَلَا بَيِّنَةَ ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( فَقَوْلُ جَانٍ ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا زَادَ عَلَى الْغُرَّةِ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْأُمِّ وَإِنْ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ وَقَالَتْ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ وَأَنْكَرَ جَانٍ فَقَوْلُهَا ، وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَأَنْكَرَ الضَّرْبَ ، فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالضَّرْبِ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَأَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ أَسْقَطَتْ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ لَا عَلَى الْبَتِّ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَإِنْ ثَبَتَ الْإِسْقَاطُ وَالضَّرْبُ وَادَّعَى إسْقَاطَهَا مِنْ غَيْرِ الضَّرْبِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَسْقَطَتْ عَقِبَ الضَّرْبِ فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَتْ بَعْدَهُ بِأَيَّامٍ وَكَانَتْ مُتَأَلِّمَةً إلَى الْإِسْقَاطِ ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ
( وَفِي جَنِينِ دَابَّةٍ مَا نَقَصَ أُمَّهُ ) نَصًّا كَقَطْعِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ .
وَإِنْ جَنَى قِنٌّ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مُكَاتَبٍ ( خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ ) كَجَائِفَةٍ ( أَوْ ) عَمْدًا ( فَفِيهِ قَوَدٌ ، وَاخْتِيرَ الْمَالُ ) أَيْ : اخْتَارَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ ( أَوْ أَتْلَفَ مَالًا ) تَعَدِّيًا لَمْ تَبْلُغْ جِنَايَتُهُ وَلَا إتْلَافُهُ ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةُ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا كَجِنَايَةِ الْحُرِّ ، وَكَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَأَوْلَى ، وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بِذِمَّةِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إلْغَائِهَا أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَلَا بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ كَالْقِصَاصِ وَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ ( خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ بَيْعِهِ فِي الْجِنَايَةِ وَفِدَائِهِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ ) الْجِنَايَةُ ( بِأَمْرِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ( أَوْ إذْنِهِ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا ) أَيْ : الْجِنَايَةِ ( كُلِّهِ ) نَصًّا لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ عَلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِهِ كَالِاسْتِدَانَةِ بِإِذْنِهِ ( وَإِلَّا ) تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِأَمْرِ سَيِّدٍ أَوْ إذْنِهِ ( وَلَوْ أَعْتَقَهُ ) أَيْ : الرَّقِيقَ الْجَانِيَ سَيِّدُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ إعْتَاقُهُ ( بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ فَ ) يَفْدِيهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ ( بِالْأَقَلِّ مِنْهُ ) أَيْ : أَرْشِ الْجِنَايَةِ ( أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْأَرْشَ فَلَا طَلَبَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَبَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْقِنِّ فَهِيَ بَدَلُ الْمَحَلِّ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْجِنَايَةُ .
( وَإِنْ سَلَّمَهُ ) أَيْ الرَّقِيقَ الْجَانِيَ سَيِّدُهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ ( فَأَبَى وَلِيُّ ) الْجِنَايَةِ ( قَبُولَهُ وَقَالَ ) لِسَيِّدِهِ ( بِعْهُ أَنْتَ لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ : السَّيِّدَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ
الْحَقُّ ( وَيَبِيعُهُ حَاكِمٌ ) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِيَصِلَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ حَقُّهُ ( وَلَهُ ) أَيْ : سَيِّدِ الْجَانِي ( التَّصَرُّفُ فِيهِ ) أَيْ : الرَّقِيقِ الْجَانِي بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا يَزُولُ بِذَلِكَ تَعَلُّقُ الْجِنَايَةِ عَنْ رَقَبَتِهِ ( كَ ) تَصَرُّفِ ( وَارِثٍ فِي تَرِكَةِ ) مَوْرُوثِهِ الْمَدْيُونِ ثُمَّ إنْ وَفَّى الْحَقَّ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَإِلَّا رُدَّ التَّصَرُّفُ وَتَقَدَّمَ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَوْ هَرَبَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ سَيِّدِهِ بِتَسْلِيمِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ
( وَإِنْ جَنَى ) قِنٌّ ( عَمْدًا فَعَفَا وَلِيُّ قَوَدٍ عَلَى رَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْجِنَايَةِ فَبِالْعَفْوِ أَوْلَى وَلِانْتِقَالِ حَقِّهِ إلَى الْمَالِ فَصَارَ كَالْجَانِي خَطَأً
( وَإِنْ جَنَى ) قِنٌّ ( عَلَى عَدَدٍ ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( خَطَأً ) فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ ( زَاحَمَ كُلٌّ ) مِنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ ( بِحِصَّتِهِ ) لِتَسَاوِيهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً ( فَلَوْ عَفَا الْبَعْضُ ) عَنْ حَقِّهِ ( أَوْ كَانَ ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( وَاحِدًا فَمَاتَ وَعَفَا بَعْضُ وَرَثَتِهِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْبَاقِي ) الَّذِي لَمْ يَعْفُ ( بِجَمِيعِهِ ) أَيْ : الْجَانِي لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى إنْسَانٍ فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ جَنَى عَلَى آخَرَ فَيَسْتَقِرُّ لِلْأَوَّلِ مَا أَخَذَهُ وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الثَّانِي بَلْ يُطْلَبُ سَيِّدُهُ بِفِدَائِهِ ( وَشِرَاءُ وَلِيِّ قَوَدٍ لَهُ ) أَيْ : الْجَانِي جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَوَدَ ( عَفْوٌ عَنْهُ ) وَقِيَاسُهُ لَوْ أَخَذَهُ عِوَضًا فِي نَحْوِ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ خُلْعٍ لَا إنْ وَرِثَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ - أَيْ : فِي الرَّهْنِ - وَفِيمَا إذَا قَبِلَهُ هِبَةً تَأَمَّلْ
( وَإِنْ جَرَحَ ) قِنٌّ ( حُرًّا فَعَفَا ) عَنْ جِرَاحَتِهِ ( ثُمَّ مَاتَ ) الْعَافِي ( مِنْ جِرَاحَتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ) أَيْ الْعَافِي وَلَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ ( وَاخْتَارَ سَيِّدُهُ ) أَيْ الْجَانِي ( فِدَاهُ فَإِنْ لَزِمَتْهُ ) أَيْ : السَّيِّدَ ( قِيمَتُهُ لَوْ لَمْ يَعْفُ ) الْمَجْرُوحُ بِأَنْ كَانَتْ بِلَا أَمْرِ السَّيِّدِ وَلَا إذْنِهِ ( فَدَاهُ ) سَيِّدُهُ ( بِثُلُثَيْهَا ) أَيْ : ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ فَنَفَذَ عَفْوُهُ فِي ثُلُثِهِ كَمُحَابَاةِ غَيْرِهِ ( وَإِنْ لَزِمَتْهُ ) أَيْ : السَّيِّدَ ( الدِّيَةُ ) كَامِلَةً بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ إذْنِهِ ( زِدْت نِصْفَهَا ) أَيْ : الدِّيَةِ ( عَلَى قِيمَتِهِ ) أَيْ : الْجَانِي ( فَيَفْدِيهِ ) سَيِّدُهُ ( بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَبْلَغِ ) فَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا مُسْلِمًا ذَكَرًا ، وَقِيمَةُ الْجَانِي مِائَةُ مِثْقَالٍ فَزِدْ عَلَيْهَا نِصْفَ الدِّيَةِ خَمْسَمِائَةَ مِثْقَالٍ يَصِيرُ الْمَجْمُوعُ سِتَّمِائَةً ، نِسْبَةُ الْقِيمَةِ إلَيْهَا سُدُسٌ فَيَفْدِيهِ بِسُدُسِ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي الْمِثَالِ امْرَأَةً حُرَّةً مُسْلِمَةً وَفَعَلَتْ ذَلِكَ اجْتَمَعَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَنِسْبَةُ الْقِيمَةِ إلَيْهَا سُبْعَانِ فَيَفْدِي بِسُبْعِ دِيَتِهَا وَقَدْ أَوْضَحْت الْمَسْأَلَةَ وَبَيَّنْت أَنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الدَّوْرِيَّةِ فِي الْحَاشِيَةِ
( وَيَضْمَنُ مُعْتَقٌ ) بِفَتْحِ التَّاءِ ( مَا تَلِفَ بِبِئْرٍ حَفَرَهُ ) تَعَدِّيًا ( قِنًّا ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ التَّلَفِ .
وَالْمَنَافِعُ : جَمْعُ مَنْفَعَةٍ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ نَفَعَنِي كَذَا نَفْعًا ضِدُّ الضَّرَرِ ( مَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ ) شَيْءٌ ( وَاحِدٌ كَأَنْفٍ وَلَوْ مَعَ عِوَجِهِ ) أَيْ : الْأَنْفِ بِأَنْ قَطَعَ مَارِنَهُ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ نَصًّا فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ فَفِيهِ دِيَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَفِيهِ دِيَتُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَفِيهِ دِيَتُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَ ) كَ ( ذَكَرٍ وَلَوْ لِصَغِيرٍ ) نَصًّا ( أَوْ شَيْخٍ فَانٍ ) فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ ( وَ ) كَ ( لِسَانٍ يَنْطِقُ بِهِ كَبِيرٌ أَوْ يُحَرِّكُهُ صَغِيرٌ بِبُكَاءٍ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ ) أَيْ : الْمَقْطُوعِ مِنْهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا { وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَذْعَا الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ وَلِأَنَّ فِي إتْلَافِهِ إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ
( وَمَا فِيهِ ) أَيْ الْإِنْسَانِ ( مِنْهُ شَيْئَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا ) نَصًّا ( كَعَيْنَيْنِ وَلَوْ مَعَ حَوَلٍ أَوْ عَمَشٍ ) وَسَوَاءٌ الصَّغِيرَتَانِ وَالْكَبِيرَتَانِ لِعُمُومِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( وَمَعَ بَيَاضٍ ) بِالْعَيْنَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ( يُنْقِصُ الْبَصَرَ تَنْقُصُ ) الدِّيَةُ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ : نَقْصِ الْبَصَرِ ( وَ ) كَ ( أُذُنَيْنِ ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ ( وَشَفَتَيْنِ ) إذَا اسْتَوْعَبَتَا .
وَفِي الْبَعْضِ بِقِسْطِهِ مِنْ دِيَتِهَا يُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ ( وَ ) كَ ( لَحْيَيْنِ ) وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا الْأَسْنَانُ لِأَنَّ لَهُ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلَمَا ( وَ ) كَ ( ثَنْدُوَتَيْ رَجُلٍ ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُمَا لَهُ بِمَنْزِلَةِ ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ فَإِنْ ضَمَمْت الْأَوَّلَ هَمَزْت وَإِذَا فَتَحْتَهُ لَمْ تَهْمِزْ فَالْوَاحِدَةُ مَعَ الْهَمْزَةِ فُعْلَلَةٌ وَمَعَ الْفَتْحِ فَعْلُوةٌ ( وَ ) كَ ( أُنْثَيَيْهِ ) أَيْ الرَّجُلِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا ( وَ ) كَ ( ثَدْيَيْ أُنْثَى وَإِسْكَتَيْهَا ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا ( وَهُمَا شَفْرَاهَا ) أَيْ : حَافَّتَا فَرْجِهَا ، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا وَجَمَالًا وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَأَشَلَّهُمَا فَالدِّيَةُ كَمَا لَوْ أَشَلَّ الشَّفَتَيْنِ ، وَسَوَاءٌ الرَّتْقَاءُ وَغَيْرُهَا ، .
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثَا الدِّيَةِ وَفِي الْعُلْيَا ثُلُثُهَا ؛ لِعِظَمِ نَفْعِ السُّفْلَى لِأَنَّهَا الَّتِي تَدُورُ وَتَتَحَرَّكُ وَتَحْفَظُ الرِّيقَ ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ ( وَ ) كَ ( يَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ ) لِأَنَّ فِي إتْلَافِهِمَا إذْهَابَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ ( وَقَدَمُ أَعْرَجَ ) كَصَحِيحٍ ( وَيَدُ أَعْسَمٍ ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ( وَهُوَ أَعْوَجُ الرُّسْغِ ) بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا أَيْ : مَفْصِلُ الذِّرَاعِ كَصَحِيحٍ ( وَ ) يَدُ ( مُرْتَعِشٌ كَصَحِيحٍ لِلتَّسَاوِي فِي الْبَطْشِ وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ عَلَى ذِرَاعٍ ) وَاحِدٍ
( أَوْ ) لَهُ ( يَدَانِ وَذِرَاعَانِ عَلَى عَضُدٍ ) وَاحِدٍ ( وَتَسَاوَتَا فِي غَيْرِ بَطْشٍ ) وَهُمَا غَيْرُ بَاطِشَيْنِ ( فَفِيهَا حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِمَا فَهُمَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ ( وَ ) إنْ اسْتَوَتْ الْيَدَانِ ( فِي بَطْشٍ أَيْضًا فَ ) فِيهِمَا دِيَةُ ( يَدٍ وَلِلزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ دِيَةِ يَدٍ وَحُكُومَةٌ ، وَفِي أَصَابِعِ إحْدَاهُمَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ) لِأَنَّهُ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُمَا كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ وَقِيَاسُ مَا قَبْلَهُ وَحُكُومَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ( وَلَا يُقَادَانِ ) أَيْ : الْيَدَانِ الْبَاطِشَتَانِ عَلَى ذِرَاعٍ أَوْ عَضُدٍ وَاحِدٍ بِيَدٍ لِئَلَّا تُؤْخَذَ يَدَانِ بِوَاحِدَةٍ ( وَلَا تُقَادُ إحْدَاهُمَا بِيَدٍ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَقْطُوعَةُ هِيَ الزَّائِدَةَ فَلَا تُقَادُ بِالْأَصْلِيَّةِ ( وَكَذَا حُكْمُ رِجْلٍ ) إذَا كَانَ لَهُ قَدَمَانِ عَلَى سَاقٍ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَطْوَلَ مِنْ الْأُخْرَى فَقَطَعَ الطَّوِيلَةَ وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ عَلَى الْقَصِيرَةِ فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَإِلَّا فَهِيَ زَائِدَةٌ قَالَهُ فِي الْكَافِي ( وَفِي أَلْيَتَيْنِ وَهُمَا مَا عَلَا الظَّهْرَ ، وَعَنْ اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ ) الْقَطْعُ ( إلَى الْعَظْمِ الدِّيَةُ ) كَامِلَةٌ كَالْيَدَيْنِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا ( وَفِي مَنْخَرَيْنِ ثُلُثَاهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ، وَالْمَنْخِرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ كَمَسْجِدٍ ، وَقَدْ تُكْسَرُ إتْبَاعًا لِلْخَاءِ ( وَفِي حَاجِزٍ ثُلُثُهَا ) لِاشْتِمَالٍ الْمَارِنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : مَنْخِرَيْنِ وَحَاجِزٍ فَوَجَبَ تَوْزِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَدَدِهَا كَالْأَصَابِعِ ، وَإِنْ قَطَعَ أَحَدَ الْمَنْخِرَيْنِ وَنِصْفَ الْحَاجِزِ فَفِي ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ شَقَّ الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ ( وَفِي الْأَجْفَانِ ) الْأَرْبَعَةِ ( الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْأَجْفَانِ ( رُبْعُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ فِيهَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ وَنَفْعٌ كَامِلٌ ؛ لِأَنَّهَا تُكِنُّ الْعَيْنَ وَتَحْفَظُهَا مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَوْلَاهَا لِقُبْحِ مَنْظَرِ الْعَيْنِ
وَأَجْفَانِ عَيْنِ الْأَعْمَى كَغَيْرِهَا لِأَنَّ ذَهَابِ الْبَصَرِ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأَجْفَانِ ( وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ ) أَصَابِعِ ( الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أُصْبُعِ ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ( عُشْرُهَا ) أَيْ : الدِّيَةِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ } وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ : " هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ " يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ ( وَفِي الْأُنْمُلَةِ وَلَوْ مَعَ ظُفْرٍ ) إنْ كَانَتْ ( مِنْ إبْهَامِ ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ( نِصْفُ عُشْرِ ) الدِّيَةِ لِأَنَّ فِي الْإِبْهَامِ مَفْصِلَيْنِ فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ عَقْلِ الْإِبْهَامِ ( وَ ) فِي الْأُنْمُلَةِ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْإِبْهَامِ ( ثُلُثُهُ ) أَيْ : ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَفَاصِلَ فَتُوَزَّعُ دِيَتُهُ عَلَيْهَا ( وَفِي ظُفْرٍ لَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ أَسْوَدَ خُمْسُ دِيَةِ أُصْبُعٍ ) نَصًّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ
( وَفِي سِنٍّ أَوْ نَابٍ أَوْ ضِرْسٍ قُلِعَ بِسِنْخِهِ ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ : أَصْلِهِ ( أَوْ ) قُلِعَ ( الظَّاهِرُ ) مِنْهُ ( فَقَطْ وَلَوْ ) كَانَ السِّنُّ ( مِنْ صَغِيرٍ وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ أَسْوَدَ وَاسْتَمَرَّ ) أَسْوَدَ ( أَوْ ) عَادَ ( أَبْيَضَ ثُمَّ اسْوَدَّ بِلَا عِلَّةٍ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا { فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { فِي الْأَسْنَانِ خَمْسٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّابُ وَالضِّرْسُ ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ " سَوَاءٌ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَفِي جَمِيعِ الْأَسْنَانِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا لِأَنَّهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَرْبَعٌ ثَنَايَا ، وَأَرْبَعٌ رُبَاعِيَّاتٌ وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَعِشْرُونَ ضِرْسًا فِي كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةٌ ، خَمْسَةٌ مِنْ فَوْقَ وَخَمْسَةٌ مِنْ تَحْتَ ( وَفِي سِنْخٍ وَحْدَهُ ) أَيْ : بِلَا سِنٍّ حُكُومَةٌ .
( وَ ) فِي ( سِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ عَادَ قَصِيرًا أَوْ ) عَادَ ( مُتَغَيِّرًا أَوْ ابْيَضَّ ثُمَّ اسْوَدَّ لِعِلَّةٍ حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهَا أَرْشُ كُلِّ مَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ وَتَأْتِي ( وَتَجِبُ دِيَةُ يَدٍ وَ ) دِيَةُ ( رِجْلٍ بِقَطْعِ ) يَدٍ ( مِنْ كُوعٍ وَ ) قَطْعِ رِجْلٍ مِنْ ( كَعْبٍ ) لِفَوَاتِ نَفْعِهِمَا الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِالْقَطْعِ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ اُكْتُفِيَ بِقَطْعِهِمَا مِمَّنْ سَرَقَ مَرَّتَيْنِ ( وَلَا شَيْءَ فِي زَائِدٍ لَوْ قُطِعَا ) أَيْ : الْيَدُ وَالرِّجْلُ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا عُضْوَانِ ( مِنْ فَوْقَ ذَلِكَ ) كَأَنْ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمَنْكِبِ وَالرِّجْلُ مِنْ السَّاقِ نَصًّا لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ إلَى الْمَنْكِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } وَالرِّجْلُ إلَى السَّاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } وَلَمَّا
نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ مَسَحَتْ الصَّحَابَةُ إلَى الْمَنَاكِبِ وَأَمَّا قَطْعُهُمَا فِي السَّرِقَةِ مِنْ الْكُوعِ وَالْكَعْبِ فَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَتُهُمَا بِقَطْعِهِمَا مِنْهُ كَقَطْعِ أَصَابِعِهِمَا ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ يَجِبُ بِقَطْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا يَجِبُ بِقَطْعِ الْحَشَفَةِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ ثُمَّ قَطَعَهَا مِنْ الْمَرْفِقِ وَجَبَ فِي الْمَقْطُوعِ ثَانِيًا حُكُومَةٌ كَمَا فِي شَرْحِهِ وَالْإِقْنَاعِ ، وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِيهِ ثُلُثُ دِيَةِ يَدٍ لِوُجُوبِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ بِالثَّانِي مَا فِيهِ لَوْ انْفَرَدَ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ ثُمَّ الْكَفَّ أَوْ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ قَاطِعَانِ
( وَفِي مَارِنِ أَنْفٍ وَحَشَفَةِ ذَكَرٍ وَحَلَمَةِ ثَدْيٍ ) دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَمَالُ فِي الْأَنْفِ ، وَحَشَفَةُ الذَّكَرِ وَحَلَمَةُ الثَّدْيِ بِمَنْزِلَةِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدَيْنِ ( وَ ) فِي ( تَسْوِيدِ سِنٍّ وَظُفْرٍ وَ ) تَسْوِيدِ ( أَنْفٍ ) وَتَسْوِيدِ أُذُنٍ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ التَّسْوِيدُ دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ كَامِلَةٌ لِإِذْهَابِ جَمَالِهِ وَفِي ( شَلَلِ غَيْرِ أَنْفٍ وَ ) غَيْرِ ( أُذُنٍ كَ ) شَلَلِ ( يَدٍ وَ ) شَلَلِ ( مَثَانَةٍ ) مُجْتَمَعِ الْبَوْلِ ( أَوْ ذَهَابِ نَفْعِ عُضْوٍ دِيَتُهُ ) أَيْ : ذَلِكَ الْعُضْوِ ( كَامِلَةً ) لِصَيْرُورَتِهِ كَالْمَعْدُومِ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ ( وَفِي شَفَتَيْنِ صَارَتَا لَا تَنْطَبِقَانِ عَلَى أَسْنَانٍ أَوْ اسْتَرْخَتَا فَلَمْ تَنْفَصِلَا عَنْهُمَا ) أَيْ : الْأَسْنَانِ ( دِيَتُهُمَا ) لِتَعْطِيلِهِ نَفْعَهُمَا وَجَمَالَهُمَا كَمَا لَوْ أَشَلَّهُمَا أَوْ قَطَعَهُمَا ( وَفِي قَطْعِ أَشَلَّ ) مِنْ أُذُنٍ وَأَنْفٍ ( وَمَخْرُومٍ مِنْ أُذُنٍ وَأَنْفٍ ) إذَا قَطَعَ وِتْرَهُ دِيَتُهُ كَامِلَةٌ لِبَقَاءِ جَمَالِهِمَا وَلِأَنَّ الْأَنْفَ الْمَخْرُومَ أَنْفٌ كَامِلٌ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ ( وَ ) فِي ( أُذُنِ أَصَمَّ وَأَنْفٍ أَخْشَمَ ) لَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ ( دِيَتُهُ ) أَيْ : ذَلِكَ الْعُضْوِ ( كَامِلَةٌ ) لِأَنَّ الصَّمَمَ وَعَدَمَ الشَّمِّ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَجَمَالُهُمَا بَاقٍ ( وَفِي ) قَطْعِ ( نِصْفِ ذَكَرٍ بِالطُّولِ نِصْفُ دِيَتِهِ ) أَيْ : الذَّكَرِ ؛ لِإِذْهَابِهِ نِصْفَهُ كَسَائِرِ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ وَقِيلَ بَلْ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ ذَهَبَ نِكَاحُهُ بِذَلِكَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ لِذَهَابِ الْمَنْفَعَةِ ( وَفِي عَيْنٍ قَائِمَةٍ بِمَكَانِهَا صَحِيحَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ ذَهَبَ نَظَرُهَا ) حُكُومَةٌ
( وَ ) فِي ( عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ وَبَقِيَتْ صُورَتُهُ ) كَ ( أَشَلَّ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَثَدْيٍ وَذَكَرٍ وَلِسَانِ أَخْرَسَ ) لَا ذَوْقَ لَهُ ( أَوْ ) لِسَانِ ( طِفْلٍ ) بَلَغَ ( أَنْ يُحَرِّكَهُ بِبُكَاءٍ أَوْ لَمْ يُحَرِّكْهُ ) حُكُومَةٌ ( أَوْ ) فِي ( ذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَسِنٍّ سَوْدَاءَ وَثَدْيٍ بِلَا حَلَمَةٍ وَذَكَرٍ بِلَا حَشَفَةٍ وَقَصَبَةِ أَنْفٍ وَشَحْمَةِ أُذُنٍ ) حُكُومَةٌ ( وَ ) فِي ( زَائِدٍ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَسِنٍّ وَشَلَلِ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَتَعْوِيجِهِمَا ) أَيْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ ( حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهَا تَقْدِيرٌ وَإِنْ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ الذَّكَرِ مِمَّا دُونَ الْحَشَفَةِ فَكَانَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَجَبَ بِقَدْرِ الْقِطْعَةِ مِنْ جَمِيعِ الذَّكَرِ مِنْ الدِّيَةِ ، وَإِنْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ حِصَّةِ الْقَطْعِ مِنْ الدِّيَةِ وَالْحُكُومَةِ وَإِنْ ثَقَبَ ذَكَرَهُ فِيمَا دُونَ الْحَشَفَةِ فَصَارَ الْبَوْلُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّقْبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ ( وَفِي ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ قُطِعُوا مَعًا ) أَيْ : دُفْعَةً وَاحِدَةً دِيَتَانِ ، وَفِي عَوْدِ الْوَاوِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ نَظَرٌ ، وَلَعَلَّهُ سَهَّلَهُ كَوْنُهَا بَعْضَ مَنْ يَعْقِلُ ( أَوْ ) قُطِعَ ( هُوَ ) أَيْ : الذَّكَرُ ( ثُمَّ هُمَا ) أَيْ : الْأُنْثَيَانِ ( دِيَتَانِ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَ فِي قَطْعِهِ الدِّيَةُ فَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَا ( وَإِنْ قُطِعَتَا ) أَيْ الْخُصْيَتَانِ ( ثُمَّ قُطِعَ ) الذَّكَرُ ( فَفِيهِمَا ) أَيْ : الْأُنْثَيَيْنِ ( الدِّيَةُ ) كَامِلَةً كَمَا لَوْ لَمْ يُقْطَعْ الذَّكَرُ ( وَفِيهِ ) أَيْ : الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ بَعْدَهُمَا ( حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهُ ذَكَرُ خَصِيٍّ ( وَمَنْ قَطَعَ أَنْفًا أَوْ قَطَعَ أُذُنَيْنِ فَذَهَبَ الشَّمُّ ) بِقَطْعِ الْأَنْفِ ( أَوْ ) ذَهَبَ ( السَّمْعُ ) بِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ ( فَ ) عَلَيْهِ ( دِيَتَانِ ) لِأَنَّ الشَّمَّ مِنْ غَيْرِ الْأَنْفِ وَالسَّمْعَ مِنْ غَيْرِ الْأُذُنَيْنِ فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ
كَالْبَصَرِ مَعَ الْأَجْفَانِ وَالنُّطْقِ مَعَ الشَّفَتَيْنِ ، فَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَنِصْفُ الدِّيَةِ ، وَإِنْ نَقَصَ فَقَطْ فَحُكُومَةٌ ( وَتَنْدَرِجُ دِيَةُ نَفْعِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ فِي دِيَتِهَا ) فَتَنْدَرِجُ دِيَةُ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنَيْنِ إذَا قَلَعَهُمَا لَهُمَا وَكَذَا اللِّسَانُ تَنْدَرِجُ فِيهِ دِيَةُ الْكَلَامِ وَالذَّوْقِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ .
فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَمَشْيٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهَا ( تَجِبُ ) الدِّيَةُ ( كَامِلَةً فِي كُلِّ حَاسَّةٍ ) أَيْ : الْقُوَّةِ الْحَسَّاسَةِ يُقَالُ حَسَّ وَأَحَسَّ : أَيْ : عَلِمَ وَأَيْقَنَ ، وَبِالْأَلِفِ أَفْصَحُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْحَوَاسُّ : الْمَشَاعِرُ الْخَمْسُ : السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ ، فَقَوْلُهُ ( مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَذَوْقٍ ) بَيَانُ الْحَاسَّةِ لِحَدِيثِ { وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ } وَلِأَنَّ عُمَرَ " قَضَى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَنِكَاحُهُ وَعَقْلُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَالرَّجُلُ حَيٌّ " ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَخْتَصُّ بِنَفْعٍ أَشْبَهَ السَّمْعَ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً ( فِي ) إذْهَابِ ( كَلَامٍ ) كَأَنْ جَنَى عَلَيْهِ فَتَخَرَّسَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِإِتْلَافِهِ تَعَلَّقَتْ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ كَالْيَدِ .
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي ( عَقْلٍ ) قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ ، وَلِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْمَعَانِي قَدْرًا وَأَعْظَمُهَا نَفْعًا إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهَائِمِ ، وَبِهِ يَهْتَدِي لِلْمَصَالِحِ وَيَدْخُلُ فِي التَّكْلِيفِ وَهُوَ شَرْطٌ لِلْوِلَايَاتِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي ( حَدَبٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَصْدَرُ حَدَبَ بِكَسْرِ الدَّالِ .
إذَا صَارَ أَحْدَبَ ؛ لِذَهَابِ الْجَمَالِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ انْتِصَابَ الْقَامَةِ مِنْ الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ ، وَبِهِ شَرُفَ الْآدَمِيُّ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي ( صَعَرٍ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ( بِأَنْ يُضْرَبَ فَيَصِيرُ وَجْهُهُ ) أَيْ : الْمَضْرُوبِ ( فِي جَانِبٍ ) نَصًّا .
وَأَصْلُ الصَّعَرِ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي عُنُقِهِ فَيَلْتَوِي مِنْهُ عُنُقُهُ ، قَالَ تَعَالَى : ( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أَيْ : لَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِك تَكَبُّرًا
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً ( فِي تَسْوِيدِهِ ) أَيْ الْوَجْهِ .
بِأَنْ ضَرَبَهُ فَاسْوَدَّ ( وَلَمْ يَزُلْ ) سَوَادُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ كَقَطْعِ أُذُنَيْ الْأَصَمِّ ، وَإِنْ صَارَ الْوَجْهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَحُكُومَةٌ ، كَمَا لَوْ سَوَّدَ بَعْضَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي ( صَيْرُورَتِهِ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( لَا يَسْتَمْسِكُ غَائِطًا أَوْ ) لَا يَسْتَمْسِكُ ( بَوْلًا ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ كَبِيرَةٌ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهَا أَشْبَهَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ فَإِنْ فَاتَتْ الْمَنْفَعَتَانِ وَلَوْ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَدِيَتَانِ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي ( مَنْفَعَةِ مَشْيٍ ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الْكَلَامَ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي مَنْفَعَةِ ( نِكَاحٍ ) كَأَنْ كُسِرَ صُلْبُهُ فَذَهَبَ نِكَاحُهُ .
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ .
لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الْمَشْيَ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي مَنْفَعَةِ ( أَكْلٍ ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ أَشْبَهَ الشَّمَّ
( وَ ) تَجِبُ كَامِلَةً فِي ذَهَابِ مَنْفَعَةِ ( صَوْتٍ وَ ) فِي مَنْفَعَةِ ( بَطْشٍ ) لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَفْعًا مَقْصُودًا
( وَ ) تَجِبُ ( فِي ) ذَهَابِ ( بَعْضٍ يُعْلَمُ ) قَدْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنَافِعِ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ : الذَّاهِبِ .
لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَمِيعِ الشَّيْءِ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ ( كَأَنْ ) جُنِيَ عَلَيْهِ فَصَارَ ( يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ ) يَوْمًا ( آخَرَ .
أَوْ يَذْهَبُ ضَوْءُ عَيْنٍ ) وَاحِدَةٍ ( أَوْ ) يَذْهَبُ ( شَمُّ مَنْخَرٍ ) وَاحِدٍ ( أَوْ ) يَذْهَبُ ( سَمْعُ أُذُنٍ ) وَاحِدَةٍ ( أَوْ ) يَذْهَبُ ( أَحَدُ الْمَذَاقِ الْخَمْسِ وَهِيَ : الْحَلَاوَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالْعُذُوبَةُ وَالْمُلُوحَةِ وَالْحُمُوضَةِ ) لِأَنَّ الذَّوْقَ حَاسَّةٌ تُشْبِهُ الشَّمَّ ( وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ) مِنْ الْمَذَاقِ الْخَمْسِ ( خُمْسُ الدِّيَةِ ) وَفِي اثْنَتَيْنِ مِنْهَا خُمُسَاهُ وَهَكَذَا
( وَ ) يَجِبُ ( فِي ) إذْهَابِ ( بَعْضِ الْكَلَامِ بِحِسَابِهِ ) مِنْ الدِّيَةِ ( وَيُقَسَّمُ ) الْكَلَامُ ( عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا ) جَعْلًا لِلْأَلِفِ الْمُتَحَرِّكَةِ وَاللَّيِّنَةِ حَرْفًا وَاحِدًا لِتَقَارُبِ مَخْرَجِهِمَا وَانْقِلَابِ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى .
فَفِي نَقْصِ حَرْفٍ مِنْهَا رُبْعُ سُبْعِ الدِّيَةِ ، وَفِي حَرْفَيْنِ نِصْفُ سُبْعِهَا ، وَفِي أَرْبَعَةٍ سُبْعُهَا وَهَكَذَا وَسَوَاءٌ مَا خَفَّ عَلَى اللِّسَانِ أَوْ ثَقُلَ .
لِأَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ كَالْأَصَابِعِ
( وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ ) أَيْ الْبَعْضِ الذَّاهِبِ ( كَنَقْصِ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ وَمَشْيٍ وَانْحِنَاءٍ قَلِيلًا أَوْ بِأَنْ صَارَ ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ( مَدْهُوشًا أَوْ ) صَارَ ( فِي كَلَامِهِ تَمْتَمَةٌ ) بِأَنْ صَارَ تَمْتَامًا يُكَرِّرُ التَّاءَ أَوْ فَأْفَاءً يُكَرِّرُ الْفَاءَ وَنَحْوَهُ ( أَوْ ) صَارَ فِي كَلَامِهِ ( عَجَلَةٌ أَوْ ثَقُلَ أَوْ ) صَارَ لَا يَلْتَفِتُ إلَّا بِشِدَّةٍ ( أَوْ ) صَارَ لَا ( يَبْلَعُ رِيقَهُ إلَّا بِشِدَّةٍ أَوْ اسْوَدَّ ) بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ ( بَيَاضُ عَيْنَيْهِ أَوْ احْمَرَّ أَوْ تَقَلَّصَتْ شَفَتُهُ بَعْضَ التَّقَلُّصِ أَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ أَوْ كَلَّتْ ) أَيْ : ذَهَبَتْ حِدَّتُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ عَضُّ شَيْءٍ بِهَا فَعَلَيْهِ ( حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ ذَلِكَ فَوَجَبَ مَا تُخْرِجُهُ الْحُكُومَةُ
( وَمَنْ صَارَ أَلْثَغَ ) بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ ( فَلَهُ ) عَلَى جَانٍ ( دِيَةُ الْحَرْفِ الذَّاهِبِ ) لِإِتْلَافِهِ إيَّاهُ وَلَوْ صَارَ يُبَدِّلُ حَرْفًا بِآخَرَ بِأَنْ كَانَ يَقُولُ : دِرْهَمٌ فَصَارَ يَقُولُ : دِلْهَمٌ أَوْ دِنْهَمٌ ، لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الذَّاهِبِ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا غَيْرِهَا فَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَذَهَبَ الْبَدَلُ أَيْضًا وَجَبَتْ دِيَتُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ
( وَلَوْ أَذْهَبَ كَلَامَ أَلْثَغَ ) قَبْلَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ كَانَ مَأْيُوسًا مِنْ ذَهَابِ لُثْغَتِهِ فَفِيهِ بِقِسْطِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْحُرُوفِ ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْ ذَهَابِ لُثْغَتِهِ ( كَصَغِيرٍ فَ ) عَلَيْهِ ( الدِّيَةُ ) كَامِلَةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ زَوَالُهَا ، وَكَذَا كَبِيرٌ يُمْكِنُ زَوَالُ لُثْغَتِهِ بِالتَّعْلِيمِ
( وَإِنْ قُطِعَ بَعْضُ اللِّسَانِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْكَلَامِ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ اللِّسَانِ وَالْكَلَامِ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ لَوْ انْفَرَدَ إذْ لَوْ ذَهَبَ نِصْفُ اللِّسَانِ وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ أَوْ ذَهَبَ نِصْفُ الْكَلَامِ وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ اللِّسَانِ شَيْءٌ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ
( فَعَلَى مَنْ قَطَعَ رُبْعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ نِصْفُ الْكَلَامِ نِصْفُ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ رُبْعِ اللِّسَانِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَبَقِيَ رُبْعُ الْكَلَامِ لَا مَتْبُوعَ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا رُبْعُ الدِّيَةِ ( وَعَلَى مَنْ قَطَعَ بَقِيَّتَهُ ) أَيْ : اللِّسَانِ الذَّاهِبِ رُبْعُهُ مَعَ نِصْفِ الْكَلَامِ فَذَهَبَ بِقَطْعِهِ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ ( تَتِمَّتُهَا ) أَيْ : الدِّيَةَ وَهُوَ نِصْفُهَا ( مَعَ حُكُومَةٍ لِرُبْعِ اللِّسَانِ ) الَّذِي لَا كَلَامَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَشَلُّ
( وَلَوْ قَطَعَ ) جَانٍ ( نِصْفَهُ ) أَيْ اللِّسَانِ ( فَذَهَبَ ) بِقَطْعِهِ ( رُبْعُ الْكَلَامِ ثُمَّ ) قَطَعَ ( آخَرُ بَقِيَّتَهُ ) أَيْ اللِّسَانِ فَذَهَبَ بَاقِي الْكَلَامِ ( فَعَلَى ) الْجَانِي ( الْأَوَّلِ نِصْفُهَا ) أَيْ : الدِّيَةِ لِقَطْعِهِ نِصْفَ اللِّسَانِ ( وَعَلَى ) الْجَانِي ( الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ) أَيْ : الدِّيَةِ ؛ لِإِذْهَابِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَ مَعَ بَقِيَّةِ اللِّسَانِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ
( وَمَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ ) فَدِيَةٌ ( أَوْ كَانَ ) مَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ ( أَخْرَسَ فَ ) عَلَى قَاطِعَةِ ( دِيَةٌ ) وَاحِدَةٌ فِي اللِّسَانِ وَتَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْفَعَتُهُ كَالْعَيْنَيْنِ ( وَإِنْ ذَهَبَا ) أَيْ : النُّطْقُ وَالذَّوْقُ بِجِنَايَةٍ ( وَاللِّسَانُ بَاقٍ ) فَدِيَتَانِ