كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
وَهِيَ تُدْرَكُ بِالتَّحْرِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ عَلِمُوا إحْرَامَهُمْ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَوْا ظُهْرًا لِبُطْلَانِ جُمُعَتِهِمْ .
( الثَّانِي : اسْتِيطَانُ أَرْبَعِينَ ) رَجُلًا ( وَلَوْ بِالْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ " صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ .
وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُنْقَلْ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهَا صُلِّيَتْ بِدُونِ ذَلِكَ ( بِقَرْيَةٍ ) مَبْنِيَّةٍ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ ، أَوْ لَبِنٍ ، أَوْ خَشَبٍ ، أَوْ غَيْرِهَا ، مُقِيمِينَ بِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا الْمِصْرُ وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ الْخَرِكِ ، وَنَحْوِهَا ( فَلَا تَتِمُّ ) الْأَرْبَعُونَ ( مِنْ مَكَانَيْنِ ) أَيْ بَلَدَيْنِ ( مُتَقَارِبَيْنِ ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ أَرْبَعِينَ ، لِفَقْدِ شَرْطِهَا .
( وَلَا يَصِحُّ بِجَمِيعِ أَهْلِ بَلَدٍ كَامِلٍ ) فِيهِ الْعَدَدُ ( فِي بَلَدٍ نَاقِصٍ ) فِيهِ الْعَدَدُ وَيَلْزَمُ التَّجْمِيعُ فِي الْكَامِلِ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا ( وَالْأَوْلَى : مَعَ تَتِمَّةِ الْعَدَدِ ) فِي بَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ مُتَقَارِبَةٍ ( تَجْمِيعُ كُلِّ قَوْمٍ ) فِي بَلَدِهِمْ إظْهَارًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ .
( الثَّالِثُ حُضُورُهُمْ ) أَيْ الْأَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ( الْخُطْبَةَ ) وَالصَّلَاةَ ( وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ خُرْسٌ ) وَالْخَطِيبُ نَاطِقٌ ( أَوْ ) كَانَ فِيهِمْ ( صُمٌّ ) لِوُجُودِ الشُّرُوطِ ( لَا كُلُّهُمْ ) أَيْ إنَّ كَانُوا كُلُّهُمْ خُرْسًا حَتَّى الْخَطِيبُ ، أَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ صُمًّا لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ لِفَوَاتِ الْخُطْبَةِ صُورَةً فِي الْأُولَى ، وَفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فِي الثَّانِيَةِ .
( فَإِنْ نَقَصُوا ) أَيْ الْأَرْبَعُونَ ( قَبْلَ إتْمَامِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا ) نَصًّا لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِهَا ، كَالطَّهَارَةِ وَالْمَسْبُوقُ إنَّمَا صَحَّتْ مِنْهُ تَبَعًا لِصِحَّتِهَا مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ ( إنْ لَمْ تُمْكِنْ إعَادَتُهَا ) جُمُعَةً بِشُرُوطِهَا فَإِنْ أَمْكَنَتْ وَجَبَتْ لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ ( وَإِنْ بَقِيَ ، الْعَدَدُ ) أَيْ الْأَرْبَعُونَ بَعْدَ انْفِضَاضِ بَعْضِهِمْ .
( وَلَوْ ) كَانَ الْبَاقُونَ ( مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ وَلَحِقُوا بِهِمْ ) أَيْ بِمَنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ ( قَبْلَ نَقْصِهِمْ أَتَمُّوا جُمُعَةً ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ كَبَقَائِهِ مِنْ السَّامِعِينَ وَإِنْ لَحِقُوا بَعْدَ النَّقْصِ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِئْنَافُ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا ( وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ ) أَيْ دُونَ الْمَأْمُومِينَ اعْتِبَارَ ( الْعَدَدِ فَنَقَصَ ) الْعَدَدُ .
( لَمْ يَجُزْ ) لِلْإِمَامِ ( أَنْ يَؤُمَّهُمْ ) لِاعْتِقَادِهِ الْبُطْلَانَ ( وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدَهُمْ ) لِيُصَلِّيَ بِهِمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِذَلِكَ ( وَبِالْعَكْسِ ) بِأَنْ رَأَى الْمَأْمُومُونَ الْعَدَدَ وَحْدَهُمْ ( لَا تَلْزَمُ ) الْجُمُعَةُ ( وَاحِدًا مِنْهُمَا ) أَيْ لَا مِنْ الْإِمَامِ ، وَلَا الْمَأْمُومِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا .
( وَلَوْ أَمَرَهُ ) أَيْ إمَامَ الْجُمُعَةِ ( السُّلْطَانَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ لَمْ يَجُزْ ) لَهُ مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةُ أَنْ يُصَلِّيَ ( بِأَقَلَّ ) مِنْ أَرْبَعِينَ ، وَلَوْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهَا بِدُونِهَا ( وَلَا ) يَمْلِكُ ( أَنْ يَسْتَخْلِفَ )
لِقِصَرِ وِلَايَتِهِ ( بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ ) فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ ، فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ ( وَبِالْعَكْسِ ) بِأَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِأَرْبَعِينَ ( الْوِلَايَةُ بَاطِلَةٌ ) لِتَعَذُّرِهَا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ ( وَلَوْ لَمْ يَرَوْهَا ) أَيْ الْجُمُعَةَ ، أَيْ وُجُوبَهَا ( قَوْمٌ بِوَطَنٍ مَسْكُونٍ ) لِنَقْصِهِمْ عَنْ الْأَرْبَعِينَ مَثَلًا ( فَلِلْمُحْتَسَبِ أَمْرُهُمْ بِرَأْيِهِ ) أَيْ اعْتِقَادِهِ ( بِهَا ) لِئَلَّا يَظُنَّ الصَّغِيرُ أَنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ زِيَادَةِ الْعَدَدِ ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ : يُصَلِّيهَا مَعَ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، مَعَ اعْتِبَارِ عَدَالَةِ الْإِمَامِ ( وَمَنْ فِي وَقْتِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( أَحْرَمَ ) بِهَا ( وَأَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً ) قَالَ فِي شَرْحِهِ : بِسَجْدَتَيْهَا ( أَتَمَّ جُمُعَةً ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُحْرِمْ فِي الْوَقْتِ ، بَلْ بَعْدَهُ .
وَلَوْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ فِيهِ ، وَلَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا ( فَ ) إنَّهُ يُتِمُّ ( ظُهْرًا ) لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى ( إنْ دَخَلَ وَقْتُهُ ) أَيْ الظُّهْرِ ( وَنَوَاهُ ) عِنْدَ إحْرَامِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَمْ يَنْوِهِ ، بَلْ نَوَى جُمُعَةً ( فَ ) إنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ( نَفْلًا ) أَمَّا فِي الْأُولَى : فَكَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ ، فَلِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } وَلِأَنَّ الظُّهْرَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ ابْتِدَاءً فَكَذَا اسْتِدَامَةٌ ، وَكَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ ( وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( ثُمَّ زُحِمَ ) عَنْ سُجُودٍ بِأَرْضٍ ( لَزِمَهُ السُّجُودُ ) مَعَ إمَامِهِ وَلَوْ ( عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ ) لِقَوْلِ عُمَرَ " إذَا اشْتَدَّ
الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَسَعِيدٌ ، كَالْمَرِيضِ يَأْتِي بِمَا يُمْكِنُهُ .
وَيَصِحُّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مَوْضِع يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُمَا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ) السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ ( فَإِذَا زَالَ الزِّحَامُ ) سَجَدَ بِالْأَرْضِ ، وَلَحِقَ إمَامَهُ ، كَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِلْعُذْرِ .
وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا ( إلَّا أَنْ يَخَافَ ) بِسُجُودٍ بِالْأَرْضِ بَعْدَ زَوَالِ الزِّحَامِ ( فَوْتَ ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ ) مَعَ الْإِمَامِ ، فَإِنْ خَافَهُ ( فَ ) إنَّهُ ( يُتَابِعُهُ ) أَيْ الْإِمَامَ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، كَالْمَسْبُوقِ ( وَتَصِيرُ ) ثَانِيَةُ الْإِمَامِ ( أُولَاهُ ) أَيْ الْمَأْمُومِ يَبْنِي عَلَيْهَا ( وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً ) لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً وَتَقَدَّمَ : لَوْ زَالَ عُذْرُهُ وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَابَعَ .
وَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ ( فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ ) الْمَأْمُومُ الْمَزْحُومُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ خَوْفِ فَوْتِهَا ( عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ وَاجِبَ الْمُتَابَعَةِ بِلَا عُذْرٍ ( وَإِنْ جَهِلَهُ ) أَيْ تَحْرِيمَ عَدَمِ مُتَابَعَتِهِ ( فَسَجَدَ ) سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ( ثُمَّ أَدْرَكَهُ ) أَيْ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ ( أَتَى بِرَكْعَةٍ ) ثَانِيَة ( بَعْدَ سَلَامِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ، لِأَنَّهُ أَتَى بِسُجُودٍ مُعْتَدٍّ بِهِ لِلْعُذْرِ ( وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ ) قَالَ فِي شَرْحِهِ : لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ رَكْعَةٌ ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ انْتَهَى أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ إلَّا بَعْدَ رَكْعَةٍ ، وَسُجُودُهُ لِنَفْسِهِ فِي حُكْمِ مَا أَتَى بِهِ مَعَ إمَامِهِ ، لِبَقَائِهِ عَلَى نِيَّةِ الْإِتْمَامِ ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْخَوْفِ ( وَكَذَا ) أَيْ كَالتَّخَلُّفِ عَنْ الْإِمَامِ لِزِحَامٍ ( لَوْ تَخَلَّفَ ) عَنْهُ ( لِمَرَضٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ
سَهْوٍ وَنَحْوِهِ ) كَجَهْلِ وُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ .
وَإِنْ زُحِمَ عَنْ جُلُوسٍ لِتَشَهُّدٍ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : يَأْتِي بِهِ قَائِمًا وَيُجْزِئُهُ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : الْأَوْلَى انْتِظَارُ زَوَالِ الزِّحَامِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ( الرَّابِعُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ ) أَيْ خُطْبَتَانِ مُتَقَدِّمَتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } الْآيَةَ وَالذِّكْرُ هُوَ الْخُطْبَةُ وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ إلَيْهِ دَلِيلُ وُجُوبِهِ وَلِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ } ( بَدَلَ رَكْعَتَيْنِ ) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ " قُصِرَتْ الصَّلَاةُ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَةِ " ( لَا ) أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ ( مِنْ الظُّهْرِ ) لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ ، بَلْ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ، الْأُوَلُ ( مِنْ شُرُوطِهِمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ أَيْ مِمَّا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُمَا وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا لِمَا يَأْتِي ( الْوَقْتُ ) فَلَا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُمَا بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَأَنْ يَصِحَّ أَنْ يُؤَمَّ فِيهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ فَلَا تَصِحُّ خُطْبَةُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ وَلَوْ أَقَامَ لِعِلْمٍ أَوْ شَغْلٍ بِلَا اسْتِيطَانٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَحَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى ) أَيْ قَوْلُ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ " لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ } .
( وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْأَذَانِ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ لَا السَّلَامِ ( وَقِرَاءَةُ آيَةٍ ) كَامِلَةٍ
لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ الْآيَاتِ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ فَوَجَبَتْ فِيهِمَا الْقِرَاءَةُ كَالصَّلَاةِ وَلَا تُجْزِئُ آيَةٌ لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنَى أَوْ حُكْمٍ نِحْوِ " ثُمَّ نَظَرَ " أَوْ " مُدْهَامَّتَانِ " ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، وَتَجْزِيءُ الْقِرَاءَةُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْخَاطِبُ ( جُنُبًا مَعَ تَحْرِيمِهَا ) أَيْ الْقِرَاءَةِ ( وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ) لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْخُطْبَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهَا وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ ( فِي كُلِّ خُطْبَةٍ ) مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ ، فَلَوْ قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ وَصَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ كَفَى قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : لَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا أَيْ الْوَصِيَّةِ ، وَأَقَلُّهَا : اتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَنَحْوَهُ ( وَمُوَالَاةُ جَمِيعِهِمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ ( مَعَ الصَّلَاةِ ) تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ .
وَقَالَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ( وَالنِّيَّةُ ) لِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } ( وَالْجَهْرُ ) بِالْخُطْبَتَيْنِ ( بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ ) لِلْجُمُعَةِ ( حَيْثُ لَا مَانِعَ ) لَهُمْ مِنْ سَمَاعِهِ ، كَنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ صَمَمِ بَعْضِهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِخَفْضِ صَوْتِهِ أَوْ بُعْدِهِمْ عَنْهُ وَنَحْوِهِ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ( وَسَائِرُ ) أَيْ بَاقِي ( شُرُوطِ الْجُمُعَةِ ) كَكَوْنِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِيهَا مُسْتَوْطِنِينَ حِينَ الْخُطْبَةِ فَلَوْ كَانُوا بِسَفِينَةٍ مُسَافِرِينَ فِيهَا مِنْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَخَطَبَهُمْ أَحَدُهُمْ ، وَلَمْ يَصِلُوا الْقَرْيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ اسْتَأْنَفَهَا وَهَذِهِ الشُّرُوطُ ( لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ ) مِنْ
الْخُطْبَتَيْنِ ، وَهُوَ أَرْكَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِرَاءَةُ آيَةٍ ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنْ انْفَضُّوا عَنْ الْخَطِيبِ ، ثُمَّ عَادُوا قَرِيبًا وَلَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ ، لَمْ يَضُرَّ .
وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ لِلْخُطْبَتَيْنِ ( الطَّهَارَتَانِ ) مِنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ فَتَصِحُّ خُطْبَةُ جُنُبٍ كَأَذَانِهِ وَتَحْرِيمُ لُبْثِهِ بِالْمَسْجِدِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ كَصَلَاةِ مَنْ مَعَهُ دِرْهَمٌ غَصْبٌ .
( وَ ) لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا ( سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَ ) لَا ( إزَالَةُ النَّجَاسَةِ ) كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَأَوْلَى ( وَلَا ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا ( أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا وَاحِدٌ ) فَلَوْ خَطَبَ وَاحِدٌ الْأُولَى وَآخَرُ الثَّانِيَةَ .
أَجْزَأَتَا كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ( وَ ) لَا أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا ( مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بِمُفْرَدِهَا ، ( وَلَا ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا ( حُضُورُ مُتَوَلِّي الصَّلَاةِ الْخُطْبَةَ ) فَتَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ بِهِمْ ، حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ( وَيُبْطِلُهَا ) أَيْ الْخُطْبَةَ ( كَلَامٌ مُحَرَّمٌ ) فِي أَثْنَائِهَا ( وَلَوْ يَسِيرًا ) كَأَذَانٍ وَأَوْلَى ( وَهِيَ ) أَيْ الْخُطْبَةُ ( بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ ) مَعَ الْقُدْرَةِ ( كَقِرَاءَةٍ ) فَلَا تَجُوزُ وَتَصِحُّ مَعَ الْعَجْزِ غَيْرُ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَجَبَ بَدَلَهَا ذِكْرٌ .
( وَسُنَّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ فَعُمِلَ لَهُ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ فَكَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ وَكَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ ، وَسُمِّيَ مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ وَالنَّبْرُ الِارْتِفَاعُ وَاتِّخَاذُهُ سُنَّةً مُجْمَعٌ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ( أَوْ ) عَلَى ( مَوْضِع عَالٍ ) إنْ عُدِمَ الْمِنْبَرُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَيَكُونَانِ ( عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ ) كَمَا كَانَ مِنْبَرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَإِنْ وَقَفَ ) الْخَطِيبُ ( بِالْأَرْضِ فَعَنْ يَسَارِهِمْ ) أَيْ
مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ .
( وَ ) سُنَّ ( سَلَامُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( إذَا خَرَجَ ) إلَى الْمَأْمُومِينَ .
( وَ ) سَلَامُهُ أَيْضًا ( إذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ) بِوَجْهِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ } وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَكَسِلَامِهِ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فِي خُرُوجِهِ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( جُلُوسُهُ ) أَيْ الْخَطِيبِ ( حَتَّى ) يُؤَذَّنَ " لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُومَ فَيَخْطُبَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا .
( وَ ) سُنَّ جُلُوسُهُ أَيْضًا ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ ( قَلِيلًا ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ( فَإِنْ أَبَى ) أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا فَصَلَ بِسَكْتَةٍ ( أَوْ خَطَبَ جَالِسًا فَصَلَ ) بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ ( بِسَكْتَةٍ ) لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ وَاجِبٍ ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ، مِنْهُمْ عَلِيٌّ : سَرَدَ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ ( وَ ) يُسَنُّ أَيْضًا ( أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا ) نَصًّا لِمَا سَبَقَ وَلَمْ يَجِبْ كَالْأَذَانِ وَالِاسْتِقْبَالِ ( مُعْتَمِدًا عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ لَهُ ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ فُتِحَ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَالْأُخْرَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا فَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ أَمْسَكَ يَمِينَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا ( قَاصِدًا تِلْقَاءَهُ ) أَيْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إسْمَاعِهِمْ كُلِّهِمْ وَيَكُونُ
مُتَّعِظًا بِمَا يَعِظُ بِهِ وَيَسْتَقْبِلُ النَّاسَ وَيَنْحَرِفُونَ إلَيْهِ فَيَسْتَقْبِلُونَهُ وَيَتَرَبَّعُونَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُمْ فِيهَا كُرِهَ وَصَحَّتْ .
( وَ ) سُنَّ ( قِصَرُهُمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ ( وَ ) كَوْنُ ( الثَّانِيَةِ أَقْصَرَ ) مِنْ الْأُولَى لِحَدِيثِ { إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ } ( وَ ) يُسَنُّ لَهُ ( رَفْعُ صَوْتِهِ حَسَبَ طَاقَتِهِ ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ .
( وَ ) سُنَّ لَهُ ( الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ وَأَمَّنَ النَّاسُ } رَوَاهُ حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ ( وَيُبَاحُ ) دُعَاؤُهُ ( لِمُعَيَّنٍ ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ " ( وَ ) يُبَاحُ ( أَنْ يَخْطُبَ مِنْ صَحِيفَةٍ ) كَقِرَاءَةٍ فِي الصَّلَاةِ مِنْ مُصْحَفٍ .
فَصْلٌ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ عُمَرُ : " صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ ، وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى " رَوَاهُ أَحْمَدُ ( يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ جَهْرًا ) فِيهِمَا لِحَدِيثِ { صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ إلَّا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ يَقْرَأَ فِي فَجْرِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( الم السَّجْدَةَ وَفِي ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى ) عَلَى الْإِنْسَانِ " نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءً خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَخَلْقَ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ ( وَيُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى " الم السَّجْدَةِ ، وَهَلْ أَتَى فِي فَجْرِهَا .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ لِئَلَّا يُظَنَّ الْوُجُوبُ ، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ : وَالْمُنَافِقِينَ ( وَيَحْرُمُ إقَامَتُهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ( وَ ) إقَامَةُ صَلَاةِ ( عِيدٍ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ ) وَاحِدٍ ( مِنْ الْبَلَدِ ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا يَفْعَلَانِ فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ إلَّا كَذَلِكَ ، وَقَالَ : { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ( إلَّا لِحَاجَةٍ ، كَضِيقِ ) مَسْجِدِ الْبَلَدِ عَنْ أَهْلِهِ .
( وَ ) ك ( بُعْدٍ ) بِأَنْ يَكُونَ الْبَلَد وَاسِعًا وَتَتَبَاعَدُ أَقْطَارُهُ فَيَشُقُّ عَلَى مَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ مَجِيئُهَا .
( وَ ) ك ( خَوْفِ فِتْنَةٍ ) لِعَدَاوَةٍ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ يُخْشَى بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي مَحَلٍّ إثَارَتُهَا ( وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يَدْعُو لِلتَّعَدُّدِ
فَيَجُوزُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ ( فَإِنْ عُدِمَتْ ) الْحَاجَةُ وَتَعَدَّدَتْ ( فَالصَّحِيحَةُ ) مِنْ جُمَعٍ أَوْ أَعْيَادٍ ( مَا بَاشَرَهَا الْإِمَامُ مِنْهَا أَوْ أَذِنَ فِيهَا الْإِمَامُ ) إنْ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا مِنْهُنَّ ، وَلَوْ مَسْبُوقَةً لِأَنَّ غَيْرَهَا افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) أَيْ الْجُمُعَتَانِ أَوْ الْعِيدَانِ ( أَيْ إذْنِ ) الْإِمَامِ فِي إقَامَتِهِمَا ( أَوْ ) اسْتَوَيَا فِي ( عَدَمِهِ ) أَيْ الْإِذْنِ ( فَ ) الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا ( السَّابِقَةُ بِالْإِحْرَامِ ) لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ حَصَلَ بِهَا فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ ، أَوْ مَكَان يَخْتَصُّ بِهِ جُنْدُ السُّلْطَانِ ، أَوْ قَصَبَةِ الْبَلَدِ وَغَيْرِهَا ( وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا ) بِأَنْ أَحْرَمَ إمَامُهُمَا بِهِمَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بَطَلَتَا ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا ، وَلَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَتُرَجَّحُ بِهَا ( فَإِنْ أَمْكَنَ ) اجْتِمَاعُهُمْ وَبَقِيَ الْوَقْتُ ( صَلَّوْا جُمُعَةً ) لِأَنَّهَا فَرْضٌ مَعَ الْوَقْتِ وَلَمْ تَقُمْ صَحِيحَةً فَوَجَبَ تَدَارُكُهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ إقَامَتُهَا لِفَقْدِ شَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهَا ( فَ ) إنَّهُمْ يُصَلُّونَ ( ظُهْرًا ) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْ ( وَإِنْ جَهِلَ كَيْفَ وَقَعَتَا ) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا وَلَا مَعِيَّتِهِمَا ( صَلَّوْا ظُهْرًا ) لِاحْتِمَالِ سَبْقِ إحْدَاهُمَا فَتَصِحُّ وَلَا تُعَادُ .
وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ جُمَعٌ فِي بَلَدٍ وَجُهِلَ الْحَالُ أَوْ السَّابِقَةُ ( وَإِذَا وَقَعَ عِيدٌ فِي يَوْمِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( سَقَطَتْ ) أَيْ الْجُمُعَةُ ( عَمَّنْ حَضَرَهُ ) أَيْ الْعِيدَ ( مَعَ الْإِمَامِ ) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى الْعِيدَ وَقَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ فَلْيَجْمَعْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ( سُقُوطَ حُضُورٍ لَا ) سُقُوطَ ( وُجُوبٍ كَمَرِيضٍ لَا كَمُسَافِرٍ ) فَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ ، وَصَحَّ أَنْ يُؤَمَّ فِيهَا .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ
يُصَلِّ الْعِيدَ أَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ الْإِمَامِ فَيَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ أُقِيمَتْ ، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا ، لِتَحَقُّقِ عُذْرِهِمْ ( إلَّا الْإِمَامَ ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُضُور الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ } .
( فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ ) وَلَوْ مِمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ ( أَقَامَهَا ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ ( صَلَّوْا ظُهْرًا ) لِلْعُذْرِ ( وَكَذَا ) سُقُوطُ ( عِيدٍ بِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ، فَيَسْقُطُ عَمَّنْ حَضَرَهَا مَعَ الْإِمَامِ سُقُوطَ حُضُورٍ ( فَيُعْتَبَرُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ لِجَوَازِ تَرْكِ الْعِيدِ اكْتِفَاءً بِالْجُمُعَةِ .
وَلَوْ فُعِلَتْ الْجُمُعَةُ ( قَبْلَ الزَّوَالِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : { اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : عِيدَانِ قَدْ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمْ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ } فَيُرْوَى أَنَّ فِعْلَهُ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ " أَصَابَ السُّنَّةَ " فَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَسَقَطَ بِهَا الْعِيدُ وَالظُّهْرُ .
( وَأَقَلُّ السُّنَّةِ ) الرَّاتِبَةِ ( بَعْدَهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( رَكْعَتَانِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَأَكْثَرُهَا ) أَيْ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ ( سِتٌّ ، وَتُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ) نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا رَاتِبَةَ لَهَا قَبْلَهَا نَصًّا وَتُسَنُّ أَرْبَعٌ ( وَتُسَنُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ
مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ { مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ } .
( وَ ) سُنَّ ( كَثْرَةُ دُعَاءٍ ) فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( وَأَفْضَلُهُ ) أَيْ الدُّعَاءِ ( بَعْدَ الْعَصْرِ ) لِحَدِيثِ { إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا .
قَالَ أَحْمَدُ : أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ : أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ .
وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ( وَ ) سُنَّ بِتَأَكُّدٍ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا كَثْرَةُ ( صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِحَدِيثِ { أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( غُسْلٌ لَهَا ) أَيْ لِلْجُمُعَةِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي يَوْمِهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا ؟ } وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْمُضِيُّ إلَيْهَا ( وَأَفْضَلُهُ ) أَيْ الْغُسْلِ عَنْ جِمَاعٍ ( عِنْدَ مُضِيِّهِ ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ ( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( تَنَظُّفٌ ) بِقَصِّ شَارِبٍ وَتَقْلِيمِ ظُفُرٍ وَقَطْعِ رَوَائِحَ كَرِيهَةٍ بِسِوَاكٍ وَغَيْرِهِ ( وَتَطَيُّبٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، وَيَدَّهِنُ بِدُهْنٍ ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلَّا
غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( لُبْسُ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ) لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ ( وَهُوَ ) أَيْ أَحْسَنُ الثِّيَابِ ( الْبَيَاضُ ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( تَبْكِيرٌ إلَيْهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ، وَلَوْ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي مَنْزِلِهِ ( مَاشِيًا ) بِسَكِينَةٍ لِحَدِيثِ { وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ } ( بَعْدَ فَجْرٍ ) لِحَدِيثِ { مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً إلَى آخِرِهِ } .
( وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ لِعُذْرٍ ) كَمَرَضٍ وَبُعْدٍ وَكِبَرٍ .
( وَ ) لَا بِرُكُوبِهِ عِنْدَ ( عَوْدٍ ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ( وَيَجِبُ سَعْيٌ ) لِلْجُمُعَةِ ( بِالنِّدَاءِ الثَّانِي ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } الْآيَةَ وَخُصَّ الثَّانِي لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إلَّا بَعِيدَ مَنْزِلٍ عَنْ ) مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ ( فَ ) يَجِبُ سَعْيُهُ ( فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا ) كُلَّهَا إذَا سَعَى فِيهِ وَالْمُرَادُ : بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ .
وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلسَّعْيِ أَيْضًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ( إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة لِسَعْيِهِ .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا ( اشْتِغَالٌ بِذِكْرٍ وَصَلَاةٍ ) وَقُرْآنٍ ( إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ ) لِلْخُطْبَةِ ، لِيَنَالَ أَجْرَهُ وَكَذَا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِمَنْ لَا يَسْمَعُهُ ، غَيْرَ الصَّلَاةِ ، وَيَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ حَيْثُ يُسَنُّ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ ( فَ ) إنَّهُ ( يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ صَلَاةٍ غَيْرِ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ) لِلْخَبَرِ ( وَيُخَفِّفُ مَا ابْتَدَأَهُ ) مِنْ صَلَاةٍ قَبْلَ خُرُوجِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( نَوَى أَرْبَعًا وَصَلَّى اثْنَتَيْنِ ) سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ ، أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ ( وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ تَخَطِّي الرِّقَابِ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
عَلَى الْمِنْبَرِ لِرَجُلٍ رَآهُ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ إلَيْهِ وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ الْمُؤَذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ ( إلَّا إنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ ) أَيْ بِتَخَطِّي الرِّقَابِ فَيُبَاحُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا لِإِسْقَاطِهِمْ حَقَّهُمْ بِتَأَخُّرِهِمْ عَنْهَا .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( إيثَارُهُ ) غَيْرَهُ ( بِمَكَانٍ أَفْضَلَ ) وَيَجْلِسُ فِيمَا دُونَهُ لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ عَنْ الْخَيْرِ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ لِلْمُؤْثَرِ ( قَبُولُهُ ) وَلَا رَدُّهُ وَقَامَ رَجُلٌ لِأَحْمَدَ مِنْ مَوْضِعِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك فَرَجَعَ إلَيْهِ نَقَلَهُ سِنْدِيٌّ ( وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمُؤْثَرِ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ( سَبْقُهُ إلَيْهِ ) أَيْ الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ أَشْبَهَ مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا فَآثَرَ بِهِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَسَّعَ بِطَرِيقٍ لِشَخْصٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ فِيهِ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ ( وَالْعَائِدُ مِنْ قِيَامِهِ لِعَارِضٍ ) كَتَطَهُّرٍ ( أَحَقُّ بِمَكَانِهِ ) الَّذِي كَانَ سَبَقَ إلَيْهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا { مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } وَمَنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَكَمَنْ رَأَى فُرْجَةً ( وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ ) إنْسَانٌ ( غَيْرَهُ ) مِنْ مَكَانٍ سَبَقَ إلَيْهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ حَتَّى الْمُعَلِّمُ وَالْمُفْتِي وَالْمُحَدِّثُ وَنَحْوُهُمْ فَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ جَلَسَ مَوْضِعَ حَلَقَتِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( عَبْدَهُ ) الْكَبِيرَ ( أَوْ ) كَانَ ( وَلَدَهُ ) الْكَبِيرَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَقُولُ : " افْسَحُوا " لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ دِينِيٌّ فَاسْتَوَى فِيهِ السَّيِّدُ وَالْوَالِدُ وَغَيْرُهُمَا .
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : إنْ جَلَسَ فِي مُصَلَّى
الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَانَ ضَيِّقٍ ، أُقِيمَ ( إلَّا الصَّغِيرَ ) مِنْ وَلَدٍ وَعَبْدٍ وَأَجْنَبِيٍّ لَمْ يُكَلَّفْ لِأَنَّ الْبَالِغَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالتَّقَدُّمِ لِلْفَضْلِ ( قَالَ الْمُنَقِّحُ : وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ ) لِصَلَاةِ مَنْ أَقَامَ غَيْرَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْغَاصِبِ لِلْمَكَانِ ، وَالصَّلَاةُ فِي الْغَصْبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ .
لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ ( وَإِلَّا مَنْ ) جَلَسَ ( بِمَوْضِعٍ ) مِنْ مَسْجِدٍ ( يَحْفَظُهُ لِغَيْرِهِ ) فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ لَهُ يُقِيمُ الْحَافِظَ وَيَجْلِسُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي حِفْظِهِ ، سَوَاءٌ حَفِظَهُ لَهُ ( بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِهِ ) لِأَنَّهُ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ ( وَ ) حَرُمَ أَيْضًا ( رَفْعُ مُصَلًّى مَفْرُوشٍ ) لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَبُّهُ إذَا جَاءَ ، لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَى رَبِّهِ ، وَتَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
فَيَجُوزُ فَرْشُهُ ( مَا لَمْ تَحْضُرْ ) أَيْ تُقَمْ ( الصَّلَاةُ ) وَلَا يَحْضُرُ رَبُّهُ ، فَلِغَيْرِهِ رَفْعُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ فَإِنَّ الْمَفْرُوشَ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ ، وَرَبُّهُ لَمْ يَحْضُرْ .
( وَ ) حَرُمَ أَيْضًا ( كَلَامٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَهُوَ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمُ ( مِنْهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ ) أَيْ الْإِمَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا : لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت } وَاللَّغْوُ الْإِثْمُ ( إلَّا ) الْكَلَامَ ( لَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ وَهُوَ يَخْطُبُ فَلَا يَحْرُمُ ( أَوْ ) إلَّا ( لِمَنْ كَلَّمَهُ ) أَيْ الْإِمَامَ ( لِمَصْلَحَةٍ ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ
؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إلَيْهِ : أَنْ اُسْكُتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ : مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ : إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ } .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ لَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَمِعٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اشْتِغَالُهُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ ، وَاشْتِغَالُهُ بِذَلِكَ أَفْضُلُ مِنْ إنْصَاتِهِ .
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمْ ( وَيَجِبُ ) الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ( لِتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ ) مِنْ هَلَكَةٍ ( وَ ) تَحْذِيرٍ ( غَافِلٍ عَنْ هَلَكَةٍ وَبِئْرٍ وَنَحْوِهِ ) كَقَطْعِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ وَأَوْلَى ( وَيُبَاحُ ) الْكَلَامُ ( إذَا سَكَتَ ) الْخَطِيبُ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا خُطْبَةَ إذَنْ يُنْصِتُ لَهَا ، بِخِلَافِ حَالِ تَنَفُّسِهِ فَيَحْرُمُ ( أَوْ ) إذَا ( شَرَعَ فِي دُعَاءٍ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ ، فَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ ( وَلَهُ ) أَيْ مُسْتَمِعِ الْخَطِيبِ ( الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَمِعَهَا ) مِنْ الْخَطِيبِ ، لِتَأَكُّدِهَا إذَنْ ( وَتُسَنُّ ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( سِرًّا ) إذَا سَمِعَهَا لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ بِجَهْرِهِ ( كَدُعَاءٍ ) وَتَأْمِينٍ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى دُعَاءِ الْخَاطِبِ .
فَيُسَنُّ سِرًّا ( وَ ) يَجُوزُ ( حَمْدُهُ خُفْيَةً إذَا عَطَسَ ، وَرَدُّ سَلَامٍ ، وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ ) وَلَوْ سَمِعَ الْخَطِيبُ لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِهَا ( وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ إذَا فُهِمَتْ كَكَلَامٍ ) فَتَحْرُمُ حَيْثُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهُ ، لَا تَسْكِينُ مُتَكَلِّمٍ بِإِشَارَةٍ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ تَكَلَّمَ " أَيْ يَرْمِيهِ بِالْحَصَى ، وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ .
وَالسُّؤَالُ حَالَ الْخُطْبَةِ لَا يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا لَا يَجُوزُ ، فَلَا يُعَانُونَ
عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْمُنَاوَلَةِ فَإِنْ سَأَلَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ جَلَسَ ، فَلَا بَأْسَ كَمَنْ لَمْ يَسْأَلْ أَوْ سَأَلَ لَهُ الْخَطِيبُ ( وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ) بِمَسْجِدٍ ( لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ) وَلَوْ وَقْتَ نَهْيٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ خَطَبَ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ الدَّاخِلُ شَيْئًا ( فَتُسَنُّ تَحِيَّتُهُ لِمَنْ دَخَلَهُ ) أَيْ الْمَسْجِدَ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْجُلُوسَ بِهِ ( بِشَرْطِهِ ) بِأَنْ لَا يَجْلِسَ فَيَطُولَ جُلُوسُهُ ، وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا وَلَا يَكُونُ وَقْتَ نَهْيٍ غَيْرَ حَالِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ( غَيْرَ خَطِيبٍ دَخَلَهُ لَهَا ) أَيْ الْخُطْبَةِ .
( وَ ) غَيْرَ ( دَاخِلِهِ لِصَلَاةِ عِيدٍ أَوْ وَالْإِمَامُ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ ) دَاخِلِهِ ( بَعْدَ شُرُوعٍ فِي إقَامَةٍ ) فَلَا تُسَنُّ لَهُمْ تَحِيَّةٌ ( وَ ) غَيْرَ ( قَيِّمِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ فَلَا تُسَنُّ لَهُمْ التَّحِيَّةُ لِلْمَشَقَّةِ .
وَأَمَّا غَيْرُ قَيِّمِهِ ( إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ ) فَتُسَنُّ لَهُ ، كَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ، تَوْجِيهًا فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ ( وَ ) غَيْرَ ( دَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ فَيُسَنُّ كُلَّمَا دَخَلَ ، وَلَوْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ ، غَيْرَ مَا اسْتَثْنَى قَبْلُ ( وَيَنْتَظِرُ ) مَنْ دَخَلَ حَالَ الْأَذَانِ ( فَرَاغَ مُؤَذِّنٍ لِتَحِيَّةِ ) مَسْجِدٍ لِيُجِيبَ الْمُؤَذِّنَ ثُمَّ يُصَلِّيَهَا فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ ( وَإِنْ جَلَسَ ) مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ التَّحِيَّةِ ( قَامَ فَأَتَى بِهَا ) أَيْ التَّحِيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِمَنْ جَلَسَ قَبْلَهَا قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ .
وَفِي رِوَايَةٍ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ } ( مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ) بَيْنَ جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ فَيَفُوتُ
مَحَلُّهَا وَلَا تُقْضَى .
بَابُ أَحْكَامِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَهُوَ لُغَةً : مَا اعْتَادَك ، أَيْ تَرَدَّدَ عَلَيْك مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ عَادَ سُمِّيَ بِهِ الْمَعْرُوفُ لِأَنَّهُ يَعُودُ وَيَتَكَرَّرُ ، أَوْ لِأَنَّهُ يَعُودُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، جُمِعَ بِالْيَاءِ وَأَصْلُهُ بِالْوَاوِ ، لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ ، أَوْ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ ( صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ ، فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهِمَا حَتَّى مَاتَ ، .
وَرُوِيَ { أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ عِيدٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدُ الْفِطْرِ ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ } .
( إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ( عَلَى تَرْكِهَا ) أَيْ إذَا تَرَكُوهَا ( قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ ) لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ وَفِي تَرْكِهَا تَهَاوُنٌ بِالدِّينِ ( وَكُرِهَ إنْ يَنْصَرِفَ مَنْ حَضَرَ ) مُصَلَّاهَا ( وَيَتْرُكَهَا ) لِتَفْوِيتِهِ أَجْرَهَا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ إلَّا بِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ .
( وَوَقْتُهَا ك ) وَقْتِ ( صَلَاةِ الضُّحَى ) مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قِيدَ رُمْحٍ إلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ ( فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِيدِ إلَّا بَعْدَهُ ) أَيْ خُرُوجِ الْوَقْتِ ( صَلَّوْا ) الْعِيدَ ( مِنْ الْغَدِ قَضَاءً ) مُطْلَقًا لِمَا رَوَى أَبُو عُمَيْرِ بْنُ أَنَسٍ .
قَالَ { حَدَّثَنِي عُمُومَةٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ ، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ ، وَأَنْ يَخْرُجُوا لِعِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ } .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَصَحَّحَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْخَطَّابِيُّ وَلِأَنَّ الْعِيدَ شُرِعَ لَهُ الِاجْتِمَاعُ الْعَامُّ وَلَهُ وَظَائِفُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ ، وَآخِرَ النَّهَارِ : مَظِنَّةَ الضِّيقِ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَأَمَّا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيهَا مَتَى شَاءَ ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ لَا اجْتِمَاعَ فِيهَا ( وَكَذَا لَوْ مَضَى أَيَّامٌ ) وَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْعِيدِ ، أَوْ لَمْ يُصَلُّوا لِفِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ أَخَّرُوهَا بِلَا عُذْرٍ .
( وَتُسَنُّ ) صَلَاةُ عِيدٍ ( بِصَحْرَاءَ قَرِيبَةٍ عُرْفًا ) مِنْ بُنْيَانٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ أَوْقَعُ هَيْبَةً وَأَظْهَرُ شِعَارًا وَلَا يَشُقُّ ، لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ ( إلَّا بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَ ) تُصَلَّى ( بِالْمَسْجِدِ ) الْحَرَامِ لِفَضِيلَةِ الْبُقْعَةِ ، وَمُشَاهَدَةِ الْكَعْبَةِ .
وَلَمْ يَزَلْ الْأَئِمَّةُ يُصَلُّونَهَا بِهِ ( وَ ) يُسَنُّ ( تَقْدِيمُ ) صَلَاةِ ( الْأَضْحَى ، بِحَيْثُ يُوَافِقُ مَنْ بِمِنًى فِي ذَبْحِهِمْ ، وَتَأْخِيرُ ) صَلَاةِ ( الْفِطْرِ ) لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ مُرْسَلًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ : أَنْ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ وَذَكِّرْ النَّاسَ } وَلِيَتَّسِعَ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَكْلٌ فِيهِ ) أَيْ فِي عِيدِ الْفِطْرِ ( قَبْلَ الْخُرُوجِ ) إلَى الصَّلَاةِ لِقَوْلِ بُرَيْدَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يُفْطِرَ وَلَا يَطْعَمَ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ( تَمَرَاتٍ وِتْرًا ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مُنْقَطِعَةٍ { وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا } .
( وَ ) يُسَنُّ ( إمْسَاكٌ ) عَنْ أَكْلٍ ( فِي الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ ) الْعِيدَ لِلْخَبَرِ ( لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ إنْ ضَحَّى ) يَوْمَهُ ( وَالْأَوْلَى ) بَدْءٌ بِأَكْلٍ ( مِنْ كَبِدِهَا ) لِسُرْعَةِ تَنَاوُلِهِ وَهَضْمِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُضَحِّ ( خُيِّرَ ) بَيْنَ أَكْلٍ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَتَرْكِهِ نَصًّا .
( وَ ) يُسَنُّ ( غُسْلٌ لَهَا ) أَيْ لِصَلَاةِ عِيدٍ ( فِي يَوْمِهِ ) أَيْ الْعِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُجْزِئُ لَيْلًا وَلَا بَعْدَهَا ( وَ ) يُسَنُّ ( تَبْكِيرُ مَأْمُومٍ ) لِيَدْنُوَ مِنْ الْإِمَامِ وَيَنْتَظِرَ
الصَّلَاةَ فَيَكْثُرَ أَجْرُهُ ( بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ) مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ ( مَاشِيًا ) إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ { مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا } ( عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { كَانَ يَعْتَمُّ وَيَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ } رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ فِي الْعِيدَيْنِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ( إلَّا الْمُعْتَكِفَ فَ ) يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ ( فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ ) إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا ، إبْقَاءً لِأَثَرِ الْعِبَادَةِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( تَأَخُّرُ إمَامٍ إلَى ) دُخُولِ وَقْتِ ( الصَّلَاةِ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يُنْتَظَرُ وَلَا يَنْتَظِرُ ( وَ ) يُسَنُّ ( التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ ) لِأَنَّهُ سُرُورٌ .
( وَ ) تُسَنُّ ( الصَّدَقَةُ ) فِي يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ إغْنَاءً لِلْفُقَرَاءِ عَنْ السُّؤَالِ ( وَ ) يُسَنُّ ( رُجُوعُهُ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( فِي غَيْرِ طَرِيقِ غُدُوِّهِ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ إلَى الْعِيدِ خَالَفَ إلَى الطَّرِيقِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِلَّتُهُ شَهَادَةُ الطَّرِيقَيْنِ ، أَوْ تَسْوِيَتُهُ بَيْنَهُمَا فِي التَّبَرُّكِ بِمُرُورِهِ ، أَوْ سُرُورُهُمَا بِمُرُورٍ ، أَوْ الصَّدَقَةُ عَلَى فُقَرَائِهِمَا وَنَحْوِهِ فَلِذَا قَالَ ( وَكَذَا جُمُعَةٌ ) وَلَا يُمْتَنَعُ فِي غَيْرِهَا .
( وَمِنْ شُرُوطِهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ : دُخُولُ ( وَقْتٍ ) كَسَائِرِ الْمُؤَقَّتَاتِ ( وَاسْتِيطَانٌ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقَ فِي حَجِّهِ عِيدًا وَلَمْ يُصَلِّهِ ( وَعَدَدُ الْجُمُعَةِ ) فَلَا تُقَامُ إلَّا حَيْثُ تُقَامُ الْجُمُعَةُ ، لِأَنَّهَا ذَاتُ خُطْبَةٍ رَاتِبَةٍ أَشْبَهَتْهَا .
وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ لَهَا ( إذْنُ إمَامٍ ) كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ ( وَيَبْدَأُ ب ) الصَّلَاةِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ أَوَاخِرَ خِلَافَتِهِ " .
قَالَ الْمُوَفَّقُ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَدُّ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتُعَادُ فَيُصَلِّي ( رَكْعَتَيْنِ ) لِقَوْلِ عُمَرَ { صَلَاةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى } رَوَاهُ أَحْمَدُ ( يُكَبِّرُ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى بَعْدَ ) تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَ ( الِاسْتِفْتَاحِ وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ : سِتًّا ) زَوَائِدَ ( وَ ) يُكَبِّرُ ( فِي ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ، خَمْسًا ) زَوَائِدَ نَصًّا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً : سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْأَخِيرَةِ } إسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : قَالَ أَبِي : أَنَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا .
وَفِي لَفْظٍ { التَّكْبِيرُ سَبْعٌ فِي الْأُولَى ، وَخَمْسٌ فِي الْأَخِيرَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَوْلُهُ " سَبْعٌ فِي الْأُولَى " أَيْ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ( يَرْفَعُ ) مُصَلٍّ ( يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ) نَصًّا لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ } قَالَ أَحْمَدُ : فَأَرَى أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ ( وَيَقُولُ ) بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ ( اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا ) لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ " سَأَلْت ابْنَ مَسْعُودٍ عَمَّا يَقُولُهُ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ؟ قَالَ : نَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُثْنِي عَلَيْهِ وَنُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَرْبٌ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ( وَإِنْ أَحَبَّ ) مُصَلٍّ ( قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ ) مِنْ الْأَذْكَارِ لِأَنَّ الْغَرَضَ الذِّكْرُ لَا ذِكْرُ مَخْصُوصٍ لِعَدَمِ وُرُودِهِ ( وَلَا يَأْتِي بِذِكْرٍ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ فِيهِمَا ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ فَقَطْ ( ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْرًا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { كَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ( الْفَاتِحَةَ ثُمَّ سَبِّحْ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى : ثُمَّ الْغَاشِيَةَ ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ( فِي ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ ) لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا { كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِ { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَنَسٍ .
( فَإِذَا سَلَّمَ ) الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ ( خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَأَحْكَامُهُمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ ( كَخُطْبَتَيْ جُمُعَةٍ ) فِيمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا ( حَتَّى فِي ) تَحْرِيمِ ( الْكَلَامِ ) حَالَ الْخُطْبَةِ نَصًّا ( إلَّا التَّكْبِيرَ مَعَ الْخَاطِبِ ) فَيُسَنُّ .
وَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جَلَسَ نَدْبًا نَصًّا لِيَسْتَرِيحَ وَيَتَرَادَّ إلَيْهِ نَفَسُهُ وَيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِلِاسْتِمَاعِ ( وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ ) الْخُطْبَةَ ( الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ ) نَسَقًا
( وَ ) يَسْتَفْتِحَ ( الثَّانِيَةَ بِسَبْعِ ) تَكْبِيرَاتٍ ( نَسَقًا ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ قَالَ { يُكَبِّرُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ } .
وَيَكُونُ ( قَائِمًا ) حَالَ تَكْبِيرِهِ كَسَائِرِ أَذْكَارِ الْخُطْبَةِ قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ : إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ( يَحُثُّهُمْ فِي خُطْبَةِ ) عِيدِ ( الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ ) لِحَدِيثِ { أَغْنُوهُمْ عَنْ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ } " ( وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَوَقْتَ وُجُوبِهِ وَإِخْرَاجِهِ وَمَنْ تَجِبُ فِطْرَتُهُ وَمَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ ( وَيُرَغِّبُهُمْ ب ) خُطْبَةِ عِيدِ ( الْأَضْحَى فِي الْأُضْحِيَّةَ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْأَضْحَى كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ ، وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمْ ( وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَهَا ) أَيْ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةَ ، وَمَا لَا يُجْزِئُ وَمَا الْأَفْضَلُ ، وَوَقْتَ الذَّبْحِ وَمَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا ( وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ وَالذِّكْرُ بَيْنَهُمَا ) سُنَّةٌ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالْقِرَاءَةِ أَشْبَهَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ ، فَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهِ سَهْوًا ( وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ ) لِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ { شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ : إنَّا نَخْطُبُ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَقَالَ : مُرْسَلًا .
وَلَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَ حُضُورُهَا وَاسْتِمَاعُهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ( وَكُرِهَ تَنَفُّلٌ ) قَبْلَ صَلَاةِ عِيدٍ وَبَعْدَهَا بِمَوْضِعِهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ نَصًّا لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، لَمْ يُصَلِّ
قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) كُرِهَ ( قَضَاءُ فَائِتَةٍ ) مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ ( قَبْلَ الصَّلَاةِ بِمَوْضِعِهَا ) صَحْرَاءَ كَانَ أَوْ مَسْجِدًا ( وَبَعْدَهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ ) أَيْ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ نَصًّا لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ ، فَإِنْ خَرَجَ فَصَلَّى بِمَنْزِلِهِ أَوْ عَادَ لِلْمُصَلَّى فَصَلَّى بِهِ فَلَا بَأْسَ ( وَ ) كُرِهَ ( أَنْ تُصَلَّى ) الْعِيدُ ( بِالْجَامِعِ ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ ( بِغَيْرِ مَكَّةَ ) فَتُسَنُّ فِيهَا بِهِ وَتَقَدَّمَ ( إلَّا لِعُذْرٍ ) فَلَا تُكْرَهُ بِالْجَامِعِ لِنَحْوِ مَطَرٍ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { أَصَابَنَا مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ ، نَصًّا لِفِعْلِ عَلِيٍّ وَيَخْطُبُ بِهِمْ وَلَهُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ ، وَجَازَتْ الْأُضْحِيَّةَ وَلَا يَؤُمُّ فِيهَا نَحْوَ عِيدٍ كَالْجُمُعَةِ ( وَيُسَنُّ لِمَنْ فَاتَتْهُ ) الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ ( قَضَاؤُهَا فِي يَوْمِهَا ) قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ ( عَلَى صِفَتِهَا ) لِفِعْلِ أَنَسٍ ، وَكَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ( كَمُدْرِكِ ) إمَامٍ ( فِي التَّشَهُّدِ ) لِعُمُومِ { مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا } .
( وَإِنْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ الْإِمَامَ مَأْمُومٌ ( بَعْدَ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ ، أَوْ ) بَعْدَ ( بَعْضِهِ ) لَمْ يَأْتِ بِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا ( أَوْ ) نَسِيَ التَّكْبِيرَ الزَّائِدَ أَوْ بَعْضَهُ حَتَّى قَرَأَ ، ثُمَّ ( ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ ، لَمْ يَأْتِ بِهِ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ أَوْ التَّعَوُّذَ حَتَّى قَرَأَ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الْخُطْبَةِ سَمِعَهَا جَالِسًا بِلَا تَحِيَّةٍ ثُمَّ مَتَى شَاءَ صَلَّاهَا ( وَيُكَبِّرُ مَسْبُوقٌ ، وَلَوْ ب ) سَبَبِ ( نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ فِي قَضَاءٍ بِمَذْهَبِهِ ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالسَّهْوِ ، فَكَذَا فِي التَّكْبِيرِ ( وَسُنَّ
التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهِ أَدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ ( وَإِظْهَارُهُ وَجَهْرُ ) غَيْرِ أُنْثَى ( بِهِ ) فِي ( لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ ) فِي مَسَاجِدَ وَبُيُوتٍ وَأَسْوَاقٍ وَغَيْرِهَا .
( وَ ) تَكْبِيرُ عِيدِ ( فِطْرٍ آكَدُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } الْآيَةَ أَيْ عِدَّةَ رَمَضَانَ { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } الْآيَةَ أَيْ عِنْدَ إكْمَالِهَا .
( وَ ) يُسَنُّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ ( مِنْ خُرُوجٍ إلَيْهِمَا ) أَيْ الْعِيدَيْنِ ( إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَةِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
( وَ ) يُسَنُّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ ( فِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ) وَلَوْ لَمْ يَرَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ .
( وَ ) يُسَنُّ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ ( فِي ) عِيدِ ( الْأَضْحَى ) خَاصَّةً ( عَقِبَ كُلِّ ) صَلَاةِ ( فَرِيضَةٍ جَمَاعَةً ، حَتَّى الْفَائِتَةُ فِي عَامِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْعِيدِ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً ( مِنْ صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حِينَ يُسَلِّمُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ( إلَّا الْمُحْرِمَ فَ ) يُكَبِّرُ أَدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ جَمَاعَةً ( مِنْ صَلَاةِ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ ) إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَصًّا لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تَنْقَطِعُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ .
وَوَقْتُهُ الْمَسْنُونُ : ضُحَى يَوْمِ الْعِيدِ فَكَانَ الْمُحْرِمُ فِيهِ كَالْمَحَلِّ ، فَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ ، فَكَذَلِكَ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ وَيُؤَيِّدُهُ : أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ التَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ فَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ لِأَنَّ
مِثْلَهُ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ بِهَا أَشْبَهُ .
( وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ) هِيَ حَادِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ ، وَثَانِي عَشَرَةَ وَثَالِثَ عَشَرَةَ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ : مِنْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ ، أَيْ تَقْدِيدِهِ ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ : أَشْرِقْ ثَبِيرُ ، أَوْ لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يُذْبَحُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ ( وَمُسَافِرٌ وَمُمَيِّزٌ كَمُقِيمٍ وَبَالِغٍ ) فِي التَّكْبِيرِ عَقِبَ الْمَكْتُوبَةِ جَمَاعَةً لِلْعُمُومَاتِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ عَقِبَ نَافِلَةٍ ، وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ ، وَلَا فَرِيضَةٍ لَمْ تُصَلَّ جَمَاعَةً ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ " إنَّمَا التَّكْبِيرُ عَلَى مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَتُكَبِّرُ امْرَأَةٌ صَلَّتْ جَمَاعَةً مَعَ رِجَالٍ ، وَتَخْفِضُ صَوْتَهَا ( وَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ ) فَيَلْتَفِتُ إلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا سَلَّمَ : لِحَدِيثِ جَابِرٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ : عَلَى مَكَانِكُمْ ، وَيَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
( وَمَنْ نَسِيَهُ ) أَيْ التَّكْبِيرَ ( قَضَاهُ ) إذَا ذَكَرَهُ ( مَكَانَهُ فَإِنْ قَامَ ) مِنْهُ ( أَوْ ذَهَبَ ) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا ( عَادَ فَجَلَسَ ) فِيهِ وَكَبَّرَ لِأَنَّ تَكْبِيرَهُ جَالِسًا فِي مُصَلَّاهُ سُنَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتْرُكُهَا مَعَ الْإِمْكَانِ ، وَإِنْ كَبَّرَ مَاشِيًا فَلَا بَأْسَ ( مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يُطِلْ الْفَصْلَ ) بَيْنَ سَلَامِهِ وَتَذَكُّرِهِ فَلَا يُكَبِّرُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا ( وَيُكَبِّرُ مَنْ نَسِيَهُ إمَامُهُ ) لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ ، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ، ثُمَّ كَبَّرَ ( وَ ) يُكَبِّرُ ( مَسْبُوقٌ إذَا قَضَى ) مَا فَاتَهُ وَسَلَّمَ نَصًّا لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمَسْبُوقُ وَغَيْرُهُ ( وَلَا يُسَنُّ ) التَّكْبِيرُ ( عَقِبَ صَلَاةِ
عِيدٍ ) لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ .
( وَصِفَتُهُ ) أَيْ التَّكْبِيرِ ( شَفْعًا : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ : وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَحَكَّا ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - قَالَ أَحْمَدُ : اخْتِيَارِي تَكْبِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَذَكَرَهُ مِثْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( لِغَيْرِهِ ) مِنْ الْمُصَلِّينَ ( تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك ) نَصًّا قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، يَرْوِيهِ أَهْلُ الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ .
( وَلَا ) بَأْسَ ( بِالتَّعْرِيفِ عَشِيَّةَ ) عَرَفَةَ ( بِالْأَمْصَارِ ) نَصًّا .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرُ اللَّهِ : وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ وَابْنُ حُرَيْثٍ .
بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ( وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْءِ أَحَدِ النَّيِّرَيْنِ ) أَيْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ( أَوْ ) ذَهَابُ ( بَعْضِهِ ) أَيْ الضَّوْءِ ( سُنَّةٌ ) مُؤَكَّدَةٌ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ { انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ : انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوَا اللَّهَ ، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( حَتَّى يُسْفِرَ ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ ( بِلَا خُطْبَةٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ ، دُونَ الْخُطْبَةِ ، وَالْكُسُوفُ وَالْخُسُوفُ بِمَعْنَى يُقَالُ : كَسَفَتْ الشَّمْسُ ، وَخَسَفَتْ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِهِ .
( وَوَقْتُهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ( مِنْ ابْتِدَائِهِ إلَى التَّجَلِّي ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( وَلَا تُقْضَى ) صَلَاةُ الْكُسُوفِ ( إنْ فَاتَتْ ) بِالتَّجَلِّي لِمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُنْقَلْ الْأَمْرُ بِهَا بَعْدَ التَّجَلِّي وَلَا قَضَاؤُهَا وَلِأَنَّهَا غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَلَا تَابِعَةٍ لِفَرْضٍ فَلَمْ تُقْضَ ( كَاسْتِسْقَاءٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ وَسُجُودِ ) تِلَاوَةٍ وَ ( شُكْرٍ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا .
( وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ( وَلَا ) لِصَلَاةِ ( اسْتِسْقَاءٍ إذْنُ الْإِمَامِ ) كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَأَوْلَى .
( وَفِعْلُهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ( جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ وَكَبَّرَ ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) يَجُوزُ ( لِلصِّبْيَانِ حُضُورُهَا ) كَغَيْرِهِمْ وَاسْتَحَبَّهَا ابْنُ حَامِدٍ لَهُمْ وَلِعَجَائِزَ .
( وَهِيَ ) أَيْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ ( رَكْعَتَانِ يَقْرَأُ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى جَهْرًا ، وَلَوْ ) كَانَتْ الصَّلَاةُ ( فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ ، فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ( الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً ) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ( ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا ) فَيُسَبِّحُ ( ثُمَّ يَرْفَعُ ) رَأْسَهُ ( فَيُسَمِّعُ ) أَيْ قَائِلًا " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ( وَيَحْمَدُ ) أَيْ يَقُولُ إذَا اعْتَدَلَ " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ " إلَخْ .
( ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ) أَيْضًا ( وَسُورَةً وَيُطِيلُ ) قِيَامَهُ ( وَهُوَ دُونَ ) الطُّولِ ( الْأَوَّلِ ) فِي الْقِيَامِ ( ثُمَّ يَرْكَعُ ) أَيْضًا ( فَيُطِيلُ ) رُكُوعَهُ مُسَبِّحًا ( وَهُوَ دُونَ ) الرُّكُوعِ ( الْأَوَّلِ ، ثُمَّ يَرْفَعُ ) وَيُسْمِعُ وَيَحْمَدُ ، وَلَا يُطِيلُهُ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ( ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي ) الرَّكْعَةَ ( الثَّانِيَةَ ك ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى ) بِرُكُوعَيْنِ طَوِيلَيْنِ وَسُجُودَيْنِ طَوِيلَيْنِ ( لَكِنْ ) تَكُونُ الثَّانِيَةُ ( دُونَهَا ) أَيْ الْأُولَى ( فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ ) مِنْ الْقِيَامَيْنِ وَالرُّكُوعَيْنِ وَالسُّجُودَيْنِ ، ( ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ { كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوَ ذَلِكَ فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِثْلَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِ { فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ } .
( وَلَا تُعَادُ ) الصَّلَاةُ ( إنْ فَرَغَتْ قَبْلَ التَّجَلِّي ، بَلْ يُذَكِّرُ وَيَدْعُو ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ مُسَبَّبُهُ .
( وَإِنْ تَجَلَّى ) الْكُسُوفُ ( فِيهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( أَتَمَّهَا خَفِيفَةً ) لِحَدِيثِ { فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ .
( وَ ) إنْ ( تَجَلَّى ) ( قَبْلَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( لَمْ يُصَلِّ ) لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى وَتَقَدَّمَ ( وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً ) لَمْ يُصَلِّ ( أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ لَمْ يُصَلِّ ) لِأَنَّهُ ذَهَبَ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا .
( وَإِنْ غَابَ ) الْقَمَرُ ( خَاسِفًا لَيْلًا صَلَّى ) لِبَقَاءِ وَقْتِ الِانْتِفَاعِ بِنُورِهِ .
( وَيَعْمَلُ ) إذَا شَكَّ فِي الْكُسُوفِ ( بِالْأَصْلِ فِي وُجُودِهِ ) فَلَا يُصَلِّي لَهُ إذَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ مَعَ غَيْمٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ .
( وَ ) يَعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي ( بَقَائِهِ ) فَإِذَا عَلِمَ الْكُسُوفَ ، ثُمَّ حَصَلَ غَيْمٌ فَشَكَّ فِي التَّجَلِّي صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَهَا أَتَمَّهَا بِلَا تَخْفِيفٍ ( وَ ) يَعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي ( ذَهَابِهِ ) أَيْ الْكُسُوفِ .
فَإِنْ انْكَشَفَ الْغَيْمُ عَنْ بَعْضِ النَّيْرِ وَلَا كُسُوفَ بِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ، أَتَمَّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَهَابِهِ عَنْ بَاقِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ ( وَيَذْكُرُ ) اللَّهَ تَعَالَى ( وَيَدْعُوهُ وَقْتَ نَهْيٍ ) وَلَا يُصَلِّي لِكُسُوفٍ فِيهِ ، لِعُمُومِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى قَتَادَةُ قَالَ " انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ ، فَقَامُوا يَدْعُونَ قِيَامًا فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عَطَاءً فَقَالَ : هَكَذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
( وَيُسْتَحَبُّ عِتْقٌ فِي كُسُوفِهَا ) أَيْ الشَّمْسِ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ { لَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ( بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعِ ) رُكُوعَاتٍ ( أَوْ خَمْسِ ) رُكُوعَاتٍ ( فَلَا بَأْسَ ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { صَلَّى فِي كُسُوفٍ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَرَوَى أَبِي دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " { انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ، فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ ، ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ ، ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا } " ( وَمَا بَعْدَ ) الرُّكُوعِ ( الْأَوَّلِ ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ( سُنَّةٌ ) كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ( لَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ ) لِلْمَسْبُوقِ .
وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ { عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ } " .
( وَ ) لِهَذَا ( يَصِحُّ فِعْلُهَا كَنَافِلَةٍ ) وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسِ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ .
( وَلَا يُصَلَّى لِآيَةٍ غَيْرِهِ ) أَيْ الْكُسُوفِ ( كَظُلْمَةِ نَهَارٍ ، وَضِيَاءٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ ، وَصَوَاعِقَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَهُبُوبُ الرِّيَاحِ وَنُزُولُ الصَّوَاعِقِ .
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَقَالَ : " { اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا } " ( إلَّا لِزَلْزَلَةٍ دَائِمَةٍ ) فَيُصَلَّى لَهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ نَصًّا لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْوَهُ ، وَقَالَ : لَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا بِهِ وَالزَّلْزَلَةُ رَجْفَةُ الْأَرْضِ وَاضْطِرَابُهَا ، وَعَدَمُ سُكُونِهَا .
( وَمَتَى اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ ) جِنَازَةٌ عَلَى كُسُوفٍ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ بِالِانْتِظَارِ ( فَتُقَدَّمُ ) صَلَاةُ جِنَازَةٍ ( عَلَى مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ) كُسُوفٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِالْأَوْلَى .
( وَلَوْ ) كَانَتْ ( جُمُعَةً أُمِنَ فَوْتُهَا وَلَمْ يُشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا أَوْ ) كَانَتْ ( عِيدًا ) وَأُمِنَ الْفَوَاتُ ( أَوْ ) كَانَتْ ( مَكْتُوبَةً وَأُمِنَ الْفَوْتُ ) فَيُقَدَّمُ الْكُسُوفُ عَلَى ذَلِكَ ، خَشْيَةَ تَجَلِّيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْجُمُعَةِ أَوْ كَانَ شُرِعَ فِي خُطْبَتِهَا أَوْ خِيفَ فَوْتُ عِيدٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ ، قُدِّمَتْ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا إذْ السُّنَّةُ لَا تُعَارِضُ فَرْضًا .
( أَوْ ) كَانَتْ الصَّلَاةُ ( وِتْرًا ) فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كُسُوفٌ ( وَلَوْ خِيفَ فَوْتُهُ ) لِأَنَّهُ يُقْضَى بِخِلَافِهَا وَأَيْضًا هِيَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ .
( وَتُقَدَّمُ جِنَازَةٌ عَلَى عِيدٍ وَجُمُعَةٍ أُمِنَ فَوْتُهُمَا ) قُلْت : وَلَمْ يُشْرَعْ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ بِالِانْتِظَارِ .
( وَ ) تُقَدَّمُ ( تَرَاوِيحُ عَلَى كُسُوفٍ إنْ تَعَذَّرَ فِعْلُهُمَا ) فِي وَقْتِهِمَا لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ ، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ .
( وَإِنْ وَقَعَ ) كُسُوفٌ ( بِعَرَفَةَ صَلَّى ) صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِعَرَفَةَ ( ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا ) فَيُتَصَوَّرُ الْكُسُوفُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ وَقَدْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ ، وَيَوْمَ عَاشِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ ، وَالْفَخْرُ فِي تَلْخِيصِهِ اتِّفَاقًا عَنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ فِي تَارِيخِهِ : أَنَّ الْقَمَرَ خُسِفَ فِي لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَكُسِفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَحْكَامِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ ( الدُّعَاءُ بِطَلَبِ السُّقْيَا ) بِضَمِّ السِّينِ الِاسْمُ مِنْ السَّقْيِ ( عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ ) يَأْتِي بَيَانُهَا ( وَتُسَنُّ ) صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ ( حَتَّى بِسَفَرٍ إذَا ضَرَّ ) النَّاسَ ( إجْدَابُ أَرْضٍ ) يُقَالُ : أَجْدَبَ الْقَوْمُ ، إذَا أَمْحَلُوا ( وَ ) ضَرَّهُمْ ( قَحْطُ مَطَرٍ ) أَيْ احْتِبَاسُهُ ( أَوْ ) ضَرَّهُمْ ( غَوْرُ ) أَيْ ذَهَابُ ( مَاءِ عُيُونٍ ) فِي الْأَرْضِ ( أَوْ ) ضَرَّهُمْ غَوْرُ مَاءِ ( أَنْهَارٍ ) جَمْعُ نَهْرٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا : مَجْرَى الْمَاءِ وَكَذَا لَوْ نَقَصَ مَاؤُهَا وَضَرَّ ( وَوَقْتُهَا ) أَيْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَعِيدٍ ، فَتُسَنُّ أَوَّلَ النَّهَارِ وَتَجُوزُ كُلَّ وَقْتٍ غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ .
( وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا ) أَيْ مَوْضِعِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ .
( وَأَحْكَامُهَا كَصَلَاةِ عِيدٍ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الْعِيدَيْنِ " فَتُسَنُّ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِصَحْرَاءَ قَرِيبَةٍ عُرْفًا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَيَقْرَأُ جَهْرًا فِي الْأَوَّلِ بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَيُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سِتًّا زَوَائِدَ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ .
{ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَسُئِلَ عَنْهَا - صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ } " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا " { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ : يُكَبِّرُونَ فِيهَا سَبْعًا وَخَمْسًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ ، وَزَادَ فِيهِ وَقَرَأَ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ } .
" ( وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ ) أَيْ ذَكَّرَهُمْ بِمَا تَلِينُ بِهِ قُلُوبُهُمْ ، وَخَوَّفَهُمْ الْعَوَاقِبَ ( وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ ) أَيْ الرُّجُوعِ عَنْ الْمَعَاصِي ( وَ ) أَمَرَهُمْ بِ ( الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ ) بِرَدِّهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا قَالَ تَعَالَى : " { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } " الْآيَةَ ، ( وَ ) أَمَرَهُمْ ب ( تَرْكِ التَّشَاحُنِ ) مِنْ الشَّحْنَاءِ ، وَهِيَ الْعَدَاوَةُ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَتَمْنَعُ نُزُولَ الْخَيْرِ لِحَدِيثِ " { خَرَجْت أُخْبِرُكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ } " ( وَ ) أَمَرَهُمْ ( بِالصَّدَقَةِ ) لِتَضَمُّنِهَا الرَّحْمَة فَيُرْحَمُونَ بِنُزُولِ الْغَيْثِ ( وَ ) أَمَرَهُمْ ب ( الصَّوْمِ ) لِخَبَرِ " { لِلصَّائِمِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ } " زَادَ بَعْضُهُمْ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " وَأَنَّهُ يَخْرُجُ صَائِمًا ( وَلَا يَلْزَمَانِ ) أَيْ الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ ( بِأَمْرِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا .
لَعَلَّ الْمُرَادَ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا لَا مُطْلَقًا ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ( وَيَعِدُهُمْ ) الْإِمَامُ ( يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ ) أَيْ يُعَيِّنُهُ لَهُمْ لِيَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَسْنُونَةِ ( وَيَتَنَظَّفُ لَهَا ) أَيْ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالْغُسْلِ ، وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ ، وَإِزَالَةِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ ( وَلَا يَتَطَيَّبُ ) لِأَنَّهُ يَوْمُ اسْتِكَانَةٍ وَخُضُوعٍ .
( وَيَخْرُجُ ) إمَامٌ وَغَيْرُهُ ( مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا ) خَاضِعًا ( مُتَذَلِّلًا ) مِنْ الذُّلِّ أَيْ الْهَوَانِ ( مُتَضَرِّعًا ) مُسْتَكِينًا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَذَلِّلًا ، مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا ، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى } " قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ( وَمَعَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالشُّيُوخِ ) لِسُرْعَةِ إجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ .
( وَيُسَنُّ خُرُوجُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ) لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ فَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ ( وَأُبِيحَ خُرُوجُ طِفْلٍ وَعَجُوزٍ وَبَهِيمَةٍ ) لِأَنَّهُمْ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى وَعِيَالُهُ .
( وَ ) أُبِيحَ ( التَّوَسُّلُ بِالصَّالِحِينَ ) رَجَاءَ الْإِجَابَةِ وَاسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ ، وَمُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ .
وَاسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ مَرَّةً أُخْرَى ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ .
( وَلَا نَمْنَعُ أَهْلَ الذِّمَّةِ ) مِنْ الْخُرُوجِ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ كَأَرْزَاقِنَا ( إنْ أَرَادُوا ) الْخُرُوجَ ( مُنْفَرِدِينَ ) بِمَكَانٍ لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَهُمْ .
قَالَ تَعَالَى : " { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } " الْآيَةَ وَ ( لَا ) يُمَكَّنُونَ مِنْهُ إنْ أَرَادُوا أَنْ يَنْفَرِدُوا ( بِيَوْمٍ ) لِئَلَّا يَتَّفِقَ نَزُولُ غَيْثٍ فِيهِ فَتَعْظُمَ فِتْنَتُهُمْ ، وَرُبَّمَا افْتَتَنَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ ( وَكُرِهَ إخْرَاجُنَا لَهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ ، فَهُمْ أَبْعَدُ إجَابَةً .
( فَيُصَلِّي ) الْإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَهُ رَكْعَتَيْنِ كَالْعِيدِ وَتَقَدَّمَ ( ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً ) عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عِنْدَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ غَيْرُهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَفْتَتِحُهَا ) أَيْ الْخُطْبَةَ ( بِالتَّكْبِيرِ ) تَسْعًا نَسَقًا ( كَخُطْبَةِ الْعِيدِ ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " { صَنَعَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ } " .
( وَيُكْثِرُ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } " الْآيَةَ ( وَ ) يُكْثِرُ فِيهَا ( قِرَاءَةَ آيَاتٍ فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ ) أَيْ الِاسْتِغْفَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } " الْآيَةَ .
( وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ) فِي دُعَائِهِ لِقَوْلِ أَنَسٍ " { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ ) لِحَدِيثِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ : اللَّهُمَّ ) أَيْ يَا اللَّهُ ( اسْقِنَا ) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَقَطْعِهَا ( غَيْثًا ) أَيْ مَطَرًا ، وَيُسَمَّى الْكَلَأُ أَيْضًا : غَيْثًا .
( مُغِيثًا ) مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ ، يُقَالُ : غَاثَهُ وَأَغَاثَهُ ( هَنِيئًا ) بِالْمَدِّ أَيْ حَاصِلًا بِلَا مَشَقَّةٍ ( مَرِيئًا ) بِالْمَدِّ أَيْ سَهْلًا نَافِعًا مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ ( غَدِقًا ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا أَيْ كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ ( مُجَلِّلًا ) أَيْ يَعُمُّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ نَفْعُهُ ( سَحًّا ) أَيْ صَبًّا ، يُقَالُ : سَحَّ يَسِحُّ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ ، وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ( عَامًّا ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ شَامِلًا ( طَبَقًا ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ يُطْبِقُ الْبِلَادَ مَطَرُهُ ( دَائِمًا ) أَيْ
مُتَّصِلًا إلَى الْخِصْبِ .
( اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ ) أَيْ الْآيِسِينَ مِنْ الرَّحْمَةِ ( اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ ، وَلَا غَرَقٍ اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ ) الشِّدَّةِ ( وَالْجَهْدِ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ : الْمَشَقَّةُ ، وَضَمِّهَا : الطَّاقَةُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا : هُمَا الْمَشَقَّةُ ( وَالضَّنْكِ ) الضِّيقِ ( مَا ) أَيْ شِدَّةً وَضَنْكًا ( لَا نَشْكُوهُ إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ ( لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ .
وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِك اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا ) أَيْ دَائِمًا مِنْ الْحَاجَةِ وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ ( وَيُكْثِرُ ) فِي الْخُطْبَةِ ( مِنْ الدُّعَاءِ وَمِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) إعَانَةً عَلَى الْإِجَابَةِ .
وَعَنْ عُمَرَ " الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّك " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ( وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ ) عَلَى دُعَاءِ إمَامِهِ كَالْقُنُوتِ وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ " اللَّهُمَّ أَمْطِرْنَا " ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي ، يُقَالُ : مَطَرَتْ وَأَمْطَرَتْ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ : أَمْطَرَتْ فِي الْعَذَابِ ( وَيَسْتَقْبِلُ ) إمَامٌ ( الْقِبْلَةَ ) نَدْبًا ( أَثَنَاءَ الْخُطْبَةِ ) لِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو ، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ } " .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( فَيَقُولُ سِرًّا : اللَّهُمَّ إنَّك أَمَرْتَنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَك ، وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتَنَا فَاسْتَجِبْ مِنَّا كَمَا وَعَدْتَنَا ) قَالَ تَعَالَى : " { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } " الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى : " { وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبَ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } " الْآيَةَ وَإِنْ دَعَا بِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ ( ثُمَّ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَ ) يَجْعَلُ ( الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ ) نَصًّا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " أَنَّ الْخَمِيصَةَ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ " أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ ظَنِّ الرَّاوِي وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ .
وَيَبْعُدُ تَرْكُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِلثِّقَلِ ( وَكَذَا النَّاسُ ) فِي تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا دَلِيلَ لِلْخُصُوصِيَّةِ ، خُصُوصًا وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ ( وَيَتْرُكُونَهُ ) أَيْ الرِّدَاءَ مُحَوَّلًا ( حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا الْأَرْدِيَةَ حَتَّى عَادُوا ( فَإِنْ سُقُوا ) فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَفَضْلٌ مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةٌ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُسْقَوْا أَوَّلَ مَرَّةٍ ( أَعَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ .
وَلِحَدِيثِ " { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ } " قَالَ أَصْبَغُ : اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَرَّةً مُتَوَالِيَةً وَحَضَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمْعٌ ( وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ ) لِلِاسْتِسْقَاءِ ( فَإِنْ ) كَانُوا ( تَأَهَّبُوا ) لِلْخُرُوجِ لَهُ ( خَرَجُوا وَصَلَّوْهَا ) أَيْ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ ( شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى ) وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لِطَلَبِ رَفْعِ الْجَدْبِ ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ نُزُولِ الْمَطَرِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ قَبْلَهُ ( لَمْ يَخْرُجُوا وَشَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى ، وَسَأَلُوهُ
الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ يُسْتَحَبُّ التَّشَاغُلُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ بِالدُّعَاءِ لِلْخَبَرِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا " { كَانَ إذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ : اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
( وَسُنَّ وُقُوفٌ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ ) وَتَوَضُّؤٌ ( وَاغْتِسَالٌ مِنْهُ ، وَإِخْرَاجُ رِحَالٍ ) أَيْ مَا يُسْتَصْحَبُ مِنْ أَثَاثٍ ( وَ ) إخْرَاجُ ( ثِيَابِهِ لِيُصِيبَهَا ) الْمَطَرُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ " { أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ ، فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَ مِنْ الْمَطَرِ ، فَقُلْنَا لِمَ صَنَعْت هَذَا ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ } .
" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ إلَّا الْإِزَارَ يَتَّزِرُ بِهِ } .
وَأَنَّهُ { كَانَ يَقُولُ إذَا سَالَ الْوَادِي : اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرَ بِهِ } " .
( وَإِنْ كَثُرَ ) الْمَطَرُ ( حَتَّى خِيفَ ) مِنْهُ ( سُنَّ قَوْلُ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالضِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ وَلَا يُصَلِّي وَالْآكَامُ : كَآصَالٍ ، جَمْعُ أُكُمٍ كَكُتُبٍ ، وَكَجِبَالٍ جَمْعُ أَكَمٍ ، كَجَبَلٍ ، وَوَاحِدُهَا : أَكَمَةٌ ، وَهُوَ مَا عَلَا مِنْ الْأَرْضِ ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا ، وَكَانَ أَكْثَرَ ارْتِفَاعًا مِمَّا حَوْلَهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : الْجِبَالُ الصِّغَارُ .
وَالظِّرَابُ : جَمْعُ ظَرِبٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ الرَّابِيَةِ الصَّغِيرَةِ ، وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ : الْأَمَاكِنُ الْمُنْخَفِضَةُ ، وَمَنَابِتُ الشَّجَرِ : أُصُولُهَا لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهَا " { رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ } " الْآيَةَ لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ الْحَالَ ، أَيْ لَا تُكَلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ يَدْعُو كَذَلِكَ لِزِيَادَةِ مَاءِ الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ ، بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِالزِّيَادَةِ قِيَاسًا عَلَى الْمَطَرِ .
( وَسُنَّ ) لِمَنْ مُطِرَ ( قَوْلُ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ) لِأَنَّهُ اعْتِرَافٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ ( وَيَحْرُمُ ) قَوْلُ مُطِرْنَا ( بِنَوْءِ ) أَيْ كَوْكَبِ ( كَذَا ) لِأَنَّهُ كُفْرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ( وَيُبَاحُ قَوْلُ : مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا ) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِضَافَةَ لِلنَّوْءِ .
وَمَنْ رَأَى سَحَابًا أَوْ هَبَّتْ رِيحٌ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرَهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ شَرِّهِ وَمَا سَأَلَ سَائِلٌ وَلَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَلَا يَسُبُّ الرِّيحَ الْعَاصِفَةَ وَإِذَا سَمِعَ الرَّعْدِ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ : سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَلَا يُتْبِعُ بَصَرَهُ الْبَرْقَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَيَقُولُ إذَا انْقَضَّ كَوْكَبٌ : مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ .
وَإِذَا سَمِعَ نَهِيقَ حِمَارٍ أَوْ نُبَاحَ كَلْبٍ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَإِذَا سَمِعَ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ ، وَقَوْسُ قُزَحٍ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْغَرَقِ كَمَا فِي الْأَثَرِ ، وَهُوَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَدَعْوَى الْعَامَّةِ إنْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ كَانَتْ الْفِتَنُ وَالدَّاءُ وَإِنْ غَلَبَتْ خُضْرَتُهُ كَانَ رَخَاءٌ وَسُرُورٌ : هَذَيَانٌ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ .
كِتَابُ الْجَنَائِزِ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ وَبِكَسْرِهَا .
وَالْفَتْحُ لُغَةً : اسْمٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلسَّرِيرِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَيِّتٌ ، فَلَا يُقَالُ نَعْشٌ ، وَلَا جِنَازَةٌ ، بَلْ سَرِيرٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنِزَ ، مِنْ بَابِ خَرِبَ إذَا سَتَرَ ( يُسَنُّ الِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ ) بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ ( وَ ) يُسَنُّ ( الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِهِ ) أَيْ الْمَوْتِ لِحَدِيثِ " { أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ } " أَيْ الْمَوْتِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ .
( وَ ) تُسَنُّ ( عِيَادَةُ ) مَرِيضٍ ( مُسْلِمٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ : رَدُّ السَّلَامِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْرُمُ عِيَادَةُ ذِمِّيٍّ ( غَيْرِ مُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ كَرَافِضِيٍّ ) دَاعِيَةً أَوْ لَا .
قَالَ فِي النَّوَادِرِ : يَحْرُمُ عِيَادَتُهُ ( وَيُسَنُّ ) هَجْرُهُ ( كَمُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةٍ ) فَلَا تُسَنُّ عِيَادَتُهُ إذَا مَرِضَ لِيَرْتَدِعَ وَيَتُوبَ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّ غَيْرَ الْمُتَجَاهِرِ بِمَعْصِيَةٍ يُعَادُ ، وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَتُشْرَعُ الْعِيَادَةُ فِي كُلِّ مَرَضٍ حَتَّى الرَّمَدُ وَنَحْوُهُ ، وَحَدِيثِ " ثَلَاثَةٌ لَا يُعَادُونَ " غَيْرُ ثَابِتٍ ( غِبًّا ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ .
وَتَكُونُ الْعِيَادَةُ ( مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ ) لِحَدِيثِ " { وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ } " وَتَكُونُ ( بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) لِخَبَرِ أَحْمَدَ قَالَ : عَنْ قُرْبِ وَسَطِ النَّهَارِ : لَيْسَ هَذَا وَقْتَ عِيَادَةٍ .
( وَ ) تَكُونُ ( فِي رَمَضَانَ لَيْلًا ) لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْعَائِدِ .
( وَ ) يُسَنُّ لِعَائِدٍ ( تَذْكِيرُهُ ) أَيْ الْمَرِيضِ مَخُوفًا كَانَ مَرَضُهُ أَوْ لَا ( التَّوْبَةَ ) لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ .
وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ ( وَ ) تَذْكِيرُهُ ( الْوَصِيَّةَ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا " { مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَيَدْعُو ) عَائِدٌ لِمَرِيضٍ ( بِالْعَافِيَةِ وَالصَّلَاحِ ) وَمِمَّا وَرَدَ " أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ - سَبْعًا " وَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَك يَنْكَأْ لَكَ عَدُوًّا أَوْ يَمْشِ لَكَ إلَى الصَّلَاةِ " وَ " لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " وَصَحَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَادَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " { بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيك مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنٍ حَاسِدَةٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِهِ أَرْقِيكَ } .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ لَا يُطِيلَ ) الْعَائِدُ ( الْجُلُوسَ ) عِنْدَهُ لِإِضْجَارِهِ ، وَمَنْعِ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ ( وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ يَدِهِ ) أَيْ الْعَائِدِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ " { كَانَ يَعُودُ بَعْضَ أَهْلِهِ وَيَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ ، أَذْهِبْ الْبَأْسَ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا } " .
( وَ ) لَا بَأْسَ ب ( إخْبَارِ مَرِيضٍ بِمَا يَجِدُ ، بِلَا شَكْوَى ) لِحَدِيثِ " { إذَا كَانَ الشُّكْرُ قَبْلَ الشَّكْوَى فَلَيْسَ بِشَاكٍ } " وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ " { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ : " { أَجِدُنِي مَغْمُومًا ، أَجِدُنِي مَكْرُوبًا } " وَلَا بَأْسَ بِشَكْوَاهُ لِخَالِقِهِ ( وَيَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي } " زَادَ أَحْمَدُ { إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ } " .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا " { مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ } " وَيُغَلِّبُ رَجَاءَهُ ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَفِي الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَلِ ، وَنَصُّهُ : وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا زَادَ فِي رِوَايَةٍ : فَأَيُّهُمَا غَلَّبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ ( وَيُكْرَهُ الْأَنِينُ ) مَا لَمْ يَغْلِبْهُ لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى .
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّبْرُ وَالرِّضَا ( وَ ) يُكْرَهُ ( تَمَنِّي الْمَوْتِ ) نَزَلَ بِهِ ضُرٌّ أَمْ لَا ، وَحَدِيثِ " { لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ : جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ، وَلَا يُكْرَهُ " إذَا أَرَدْت بِعِبَادِك فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ وَ " لَا " تَمَنِّي الشَّهَادَةِ .
( وَ ) يُكْرَهُ ( قَطْعُ الْبَاسُورِ ) دَاءٌ مَعْرُوفٌ ( وَمَعَ خَوْفِ تَلَفٍ ) بِقَطْعِهِ ( يَحْرُمُ ) قَطْعُهُ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِنَفْسِهِ لِلْهَلَكَةِ ( وَ ) مَعَ خَوْفِ تَلَفٍ ( بِتَرْكِهِ ) بِلَا قَطْعٍ ( يُبَاحُ ) قَطْعُهُ لِأَنَّهُ تَدَاوٍ ( وَلَا يَجِبُ التَّدَاوِي ) فِي مَرَضٍ .
( وَلَوْ ظَنَّ نَفْعَهُ ) إذْ النَّافِعُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالضَّارُّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالدَّوَاءُ لَا يَنْجَحُ بِذَاتِهِ ( وَتَرْكُهُ ) أَيْ التَّدَاوِي ( أَفْضَلُ ) نَصًّا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ وَلِخَبَرِ الصِّدِّيقِ وَحَدِيثِ " { إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً .
فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ } " الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِرْشَادِ .
وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا بِلَا ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةَ .
( وَيَحْرُمُ ) تَدَاوٍ ( بِمُحَرَّمٍ ) مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ، وَلَوْ بِصَوْتِ مَلْهَاةٍ لِعُمُومِ " { وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ } " وَيَدْخُلُ فِيهِ تِرْيَاقٌ فِيهِ لُحُومُ حَيَّاتٍ أَوْ خَمْرٍ وَيَجُوزُ بِبَوْلِ إبِلٍ نَصًّا لِلْخَبَرِ ، وَنَبَاتٍ فِيهِ سُمِّيَّةٌ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ مَعَ اسْتِعْمَالِهِ .
( وَيُبَاحُ كَتْبُ قُرْآنٍ ) بِإِنَاءٍ ( وَ ) كَتْبُ ( ذِكْرٍ بِإِنَاءٍ لِحَامِلٍ لِعُسْرِ الْوِلَادَةِ وَلِمَرِيضٍ وَيُسْقَيَانِهِ ) أَيْ الْحَامِلُ وَالْمَرِيضُ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا بَأْسَ بِالْجُمُعَةِ وَتَحْرُمُ التَّمِيمَةُ وَهِيَ عُودٌ أَوْ خَرَزَةٌ تُعَلَّقُ .
( وَإِذَا نُزِلَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ لِقَبْضِ رُوحِهِ ( سُنَّ تَعَاهُدُ ) أَرْفَقِ أَهْلِ الْمَرِيضِ بِهِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ( بَلُّ حَلْقِهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ ( بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ ، وَ ) تَعَاهُدُ ( تَنْدِيَةِ شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ ) لِإِطْفَاءِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الشِّدَّةِ ، وَتَسْهِيلِ النُّطْقِ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( تَلْقِينُهُ ) أَيْ الْمَنْزُولِ بِهِ قَوْلَ ( لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا " { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } " وَأُطْلِقَ عَلَى الْمُحْتَضَرِ مَيِّتٌ ، لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ .
وَعَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا " { مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِالْأُخْرَى ( مَرَّةً ) نَصًّا وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ ثَلَاثًا ( وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ ، إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ ) بَعْدَ الثَّلَاثِ ( فَيُعِيدَهُ ) أَيْ التَّلْقِينَ لِيَكُونَ آخِرُ كَلَامِهِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَيَكُونُ ( بِرِفْقٍ ) لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا أَوْلَى بِهِ وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي : يُكْرَهُ التَّلْقِينُ مِنْ الْوَرَثَةِ بِلَا عُذْرٍ .
( وَ ) يُسَنُّ ( قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَ ) قِرَاءَةُ ( يس عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُحْتَضَرِ لِحَدِيثِ " { اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَلِأَنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( تَوْجِيهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
وَرُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُوَجِّهُوهُ إلَى الْقِبْلَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ ( مَعَ سَعَةِ الْمَكَانِ ) لِتَوْجِيهِهِ عَلَى جَنْبِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْمَكَانُ لِذَلِكَ ، بَلْ ضَاقَ عَنْهُ ( ف ) يُلْقَى ( عَلَى ظَهْرِهِ ) وَأَخْمَصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ ، كَوَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ زَادَ جَمَاعَةٌ : وَيُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ " دُونَ السَّمَاءِ .
( وَيَنْبَغِي ) لِلْمَرِيضِ ( أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَفْسِهِ ) بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ حَقِيرٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ وَأَنْ لَا يَطْلُبَ الْعَفْوَ وَالْإِحْسَانَ إلَّا مِنْهُ ، وَأَنْ يُكْثِرَ مَا دَامَ حَاضِرَ الذِّهْنِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ ، وَأَنْ يُبَادِرَ إلَى أَدَاءِ الْحُقُوقِ ، بِرَدِّ الْمَظَالِمِ ، وَالْوَدَائِعِ ، وَالْعَوَارِيّ ، وَاسْتِحْلَالِ نَحْوِ زَوْجَةٍ ، وَوَلَدٍ ، وَقَرِيبٍ ، وَجَارٍ ، وَصَاحِبٍ ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ وَيَصْبِرُ عَلَى مَشَقَّةِ ذَلِكَ وَيَجْتَهِدُ فِي خَتْمِ عُمْرِهِ بِأَكْمَلِ الْأَحْوَالِ ، وَتَعَاهُدِ نَفْسِهِ بِنَحْوِ تَقْلِيمِ ظُفُرٍ ، وَأَخْذِ عَانَةٍ ، وَشَارِبٍ وَإِبِطٍ .
( وَ ) أَنْ ( يَعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَنْ يُحِبُّ ) مِنْ بَنِيهِ وَغَيْرِهِمْ ( وَيُوصِي ) بِقَضَاءِ دُيُونِهِ ، وَتَفْرِقَةِ وَصِيَّتِهِ ، وَنَحْوِ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَعَلَى غَيْرِ بَالِغٍ رَشِيدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ ( لِلْأَرْجَحِ فِي نَظَرِهِ ) مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ الْمَصْلَحَةُ .
( فَإِذَا مَاتَ سُنَّ تَغْمِيضُهُ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ ، وَقَالَ : إنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ وَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ ( وَيُبَاحُ ) تَغْمِيضُهُ ( مِنْ مَحْرَمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ) وَظَاهِرُهُ : لَا يُبَاحُ مِنْ مَحْرَمٍ : وَلَعَلَّهُ إنْ أَدَّى إلَى الْمَسِّ أَوْ نَظَرِ مَا لَا يَجُوزُ مِمَّنْ لِعَوْرَتِهِ حُكْمٌ ، بِخِلَافِ نَحْوِ طِفْلٍ وَطِفْلَةٍ وَتَغْمِيضِ ذَكَرٍ لِذَكَرٍ ، وَأُنْثَى لِأُنْثَى .
( وَيُكْرَهُ ) تَغْمِيضُهُ ( مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ ، وَأَنْ يَقْرَبَاهُ ) أَيْ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ لِحَدِيثِ " { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ } " ( وَيُسَنُّ ) عِنْدَ تَغْمِيضِهِ ( قَوْلُ : بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) نَصًّا لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ وَلَفْظُهُ " وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ( وَ ) يُسَنُّ ( شَدُّ لَحْيَيْهِ ) بِعِصَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَجْمَعُ لَحْيَيْهِ ، وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ ، لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا فَتَدْخُلَهُ الْهَوَامُّ ، وَيَتَشَوَّهَ خَلْقُهُ ( وَ ) يُسَنُّ ( تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ ) بِرَدِّ ذِرَاعَيْهِ إلَى عَضُدَيْهِ ثُمَّ رَدِّهِمَا ، وَرَدِّ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى كَفَّيْهِ ثُمَّ يَبْسُطُهُمَا وَرَدِّ فَخْذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَسَاقَيْهِ إلَى فَخْذَيْهِ ، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا لِسُهُولَةِ الْغُسْلِ لِبَقَاءِ الْحَرَارَةِ فِي الْبَدَنِ عَقِبَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدَ بُرُودَتِهِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( خَلْعُ ثِيَابِهِ ) لِئَلَّا يَحْمِيَ جَسَدَهُ فَيُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، وَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوَّثَهَا ( وَ ) يُسَنُّ ( سَتْرُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( بِثَوْبٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ " { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ } " احْتِرَامًا لَهُ وَصَوْنًا عَنْ الْهَوَامِّ وَيَنْبَغِي جَعْلُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَالْآخَرِ تَحْتَ رِجْلَيْهِ
لِئَلَّا يَنْكَشِفَ .
( وَ ) يُسَنُّ ( وَضْعُ حَدِيدَةٍ ) كَمِرْآةٍ وَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ ( أَوْ نَحْوِهَا ) كَقِطْعَةِ طِينٍ ( عَلَى بَطْنِهِ ) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ مَاتَ مَوْلًى لِأَنَسٍ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ ، فَقَالَ أَنَسٌ : ضَعُوا عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدًا " لِئَلَّا يَنْتَفِخَ بَطْنُهُ ، وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ وَزْنَهُ بِنَحْوِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَيُصَانُ عَنْهُ مُصْحَفٌ وَكُتُبُ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ .
( وَ ) يُسَنُّ ( وَضْعُهُ عَلَى سَرِيرِ غُسْلِهِ ) بُعْدًا لَهُ عَنْ الْهَوَامِّ ، وَنَدَاوَةِ الْأَرْضِ ( مُتَوَجِّهًا ) إلَى الْقِبْلَةِ ( مُنْحَدِرًا نَحْوِ رِجْلَيْهِ ) فَتَكُونُ رَأْسُهُ أَعْلَى ، لِيَنْصَبَّ عَنْهُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَاءُ غُسْلِهِ ( وَ ) يُسَنُّ ( إسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ ) لِحَدِيثِ " { لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانِي أَهْلِهِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَوْنًا لَهُ عَنْ التَّغَيُّرِ ( إنْ مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ ) أَيْ بَغْتَةٍ .
( وَيُسَنُّ ) إسْرَاعُ ( تَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ أَجْرِهِ ( وَيَجِبُ ) الْإِسْرَاعُ ( فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ لِلَّهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ ظُلْمٌ لِرَبِّهِ ، فَيُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الْوَصِيَّةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ } " .
( وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْتَظَرَ بِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ وَلِيِّهِ أَوْ غَيْرِهِ ، إنْ قَرُبَ ) الْمُنْتَظَرُ ( وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( أَوْ يَشُقَّ ) الِانْتِظَارُ ( عَلَى الْحَاضِرِينَ ) نَصًّا لِأَنَّهُ تَكْثِيرٌ لِلْأَجْرِ بِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ بِلَا مَضَرَّةٍ فَإِنْ بَعُدَ أَوْ خُشِيَ عَلَيْهِ ، أَوْ شَقَّ عَلَى الْحَاضِرِينَ جُهِّزَ فَوْرًا .
( وَيُنْتَظَرُ بِمَنْ مَاتَ فَجْأَةً ، أَوْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَرَضَ لَهُ سَكْتَةٌ ( حَتَّى يُعْلَمَ ) مَوْتُهُ يَقِينًا .
قَالَ أَحْمَدُ : مِنْ غَدْوَةٍ إلَى اللَّيْلِ وَقَالَ الْقَاضِي : يُتْرَكُ يَوْمَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يُخَفْ فَسَادُهُ وَيُتَيَقَّنُ مَوْتُهُ ( بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ ، أَوْ مَيْلِ أَنْفِهِ ، وَيُعْلَمُ مَوْتُ غَيْرِهِمَا ) أَيْ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ ( بِذَلِكَ ) أَيْ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ وَمَيْلِ أَنْفِهِ ( وَبِغَيْرِهِ كَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ ) أَيْ انْخِلَاعِهِمَا مِنْ ذِرَاعَيْهِ ، بِأَنْ تَسْتَرْخِيَ عَصَبَةُ الْيَدِ ، فَتَبْقَى كَأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ فِي جِلْدِهَا عَنْ عَظْمَةِ الزَّنْدِ .
( وَ ) ك ( اسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ ) كَذَلِكَ ، وَكَذَا امْتِدَادُ جِلْدِ وَجْهِهِ ، وَتَقَلُّصُ خُصْيَتَيْهِ إلَى فَوْقُ ، مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ وَيُكْرَهُ تَرْكُ الْمَيِّتِ وَحْدَهُ بَلْ يَبِيتُ مَعَهُ أَهْلُهُ قَالَهُ الْآجُرِّيُّ وَيُكْرَهُ النَّعْيُ نَصًّا ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ بِلَا نَعْيٍ .
( وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( وَالنَّظَرِ إلَيْهِ ) مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ ( وَلَوْ بَعْدَ تَكْفِينِهِ ) نَصًّا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ " { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ ، حَتَّى رَأَيْت الدُّمُوعَ تَسِيلُ } " صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ .
فَصْلٌ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ ( وَ غُسْلُهُ مَرَّةً ، أَوْ يُمِّمَ لِعُذْرٍ ) مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَجْزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِخَوْفِ نَحْوِ تَقَطُّعٍ أَوْ تَهَرٍّ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) إجْمَاعًا عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ " { اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ أَوْصَى بِإِسْقَاطِهِ لَمْ يَسْقُطْ .
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ( وَيَنْتَقِلُ ) ثَوَابُ غُسْلِهِ ( إلَى ثَوَابِ فَرْضِ عَيْنٍ ، مَعَ جَنَابَةِ ) مَيِّتٍ ( أَوْ حَيْضٍ ) أَوْ نِفَاسٍ وَنَحْوِهِ كَانَ بِهِ ، لِأَنَّ الْغُسْلَ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى غُسْلَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ فَيَكُونُ ثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ ، هَكَذَا حَمَلَ الْمُصَنَّفُ قَوْلَ التَّنْقِيحِ : وَيُعَيَّنُ مَعَ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ : عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى تَعْيِينِ غُسْلِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ ، بِهِ ، لِسُقُوطِهِ بِوَاحِدٍ ( وَيَسْقُطَانِ ) أَيْ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ ( بِهِ ) أَيْ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ ( سِوَى شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ ) وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ كُفَّارٍ وَقْتَ قِيَامِ قِتَالٍ ، فَلَا يُغَسَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } " وَالْحَيُّ لَا يُغَسَّلُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ " { لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ ، أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يُقَالُ : إنَّهُ خَاصٌّ بِهِمْ ، وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ ، أَوْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ حَتَّى قُتِلَ وَنَحْوِهِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ .
( وَ ) سِوَى ( مَقْتُولٍ ظُلْمًا ) كَمَنْ قَتَلَهُ نَحْوُ لِصٍّ أَوْ أُرِيدَ
مِنْهُ الْكُفْرُ ، فَقُتِلَ دُونَهُ ، أَوْ أُرِيدَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ فَقَاتَلَ دُونَ ذَلِكَ فَقُتِلَ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا " { مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَلِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَشْبَهُوا قَتْلَى الْكُفَّارِ فَلَا يُغَسَّلُونَ ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَنَحْوِهِمْ ( وَلَوْ ) كَانَ شَهِيدُ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٌ ظُلْمًا ( أُنْثَيَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفَيْنِ ) كَصَغِيرَيْنِ ، لِلْعُمُومَاتِ ( فَيُكْرَهُ ) تَغْسِيلُ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا .
وَقِيلَ : يَحْرُمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَلَا يُوَضَّآنِ ، حَيْثُ لَا يُغَسَّلَانِ ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءُ قَبْلُ ( وَيُغَسَّلَانِ ) أَيْ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ وَالْمَقْتُولُ ظُلْمًا وُجُوبًا ( مَعَ وُجُوبِ غُسْلٍ عَلَيْهِمَا قَبْلَ مَوْتٍ بِجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ ، أَوْ نِفَاسٍ ، أَوْ إسْلَامٍ ) لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ لِغَيْرِ الْمَوْتِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ كَغُسْلِ النَّجَاسَةِ ( كَغَيْرِهِمَا ) مِمَّنْ لَمْ يَمُتْ شَهِيدًا .
( وَشُرِطَ ) لِصِحَّةِ غُسْلِهِ ( طَهُورِيَّةُ مَاءٍ وَإِبَاحَتُهُ ) كَبَاقِي الْأَغْسَالِ ( وَإِسْلَامُ غَاسِلٍ ) لِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ ( غَيْرِ نَائِبٍ عَنْ مُسْلِمٍ نَوَاهُ ) أَيْ الْمُسْلِمُ فَيَصِحُّ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا كَمَنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِهِ وَأَمَرَ كَافِرًا أَنْ يُغَسِّلَ أَعْضَاءَهُ ( وَلَوْ ) كَانَ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ ( جُنُبًا أَوْ حَائِضًا ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْغَاسِلِ الطَّهَارَةُ ( وَعَقْلُهُ ) أَيْ الْغَاسِلِ .
( وَلَوْ ) كَانَ ( مُمَيِّزًا ) فَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ ، لِصِحَّةِ غُسْلِهِ لِنَفْسِهِ ( وَالْأَفْضَلُ ) أَنْ يُخْتَارَ لِتَغْسِيلِهِ ( ثِقَةٌ عَارِفٌ بِأَحْكَامِ الْغُسْلِ ) احْتِيَاطًا لَهُ ( وَالْأَوْلَى بِهِ ) أَيْ غُسْلِهِ ( وَصِيَّةُ الْعَدْلِ ) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ " وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى أَنْ يُغَسِّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ ( فَ ) يُقَدَّمُ فِيهِ وَصِيُّهُ عَلَى غَيْرِهِ ، ثُمَّ ( أَبُوهُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَصَّى لِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُنُوِّ وَالشَّفَقَةِ ، ثُمَّ الْجَدُّ ( وَإِنْ عَلَا ) لِمُشَارَكَةِ الْجَدِّ الْأَبَ فِي الْمَعْنَى ( ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَتِهِ نَسَبًا ) فَيُقَدَّمُ ابْنٌ فَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ لِأَبٍ ، وَهَكَذَا عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ ( ثُمَّ ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ عَصَبَتِهِ ( نِعْمَةً ) فَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ مُعْتِقُهُ ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ، ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ، وَهَكَذَا ( ثُمَّ ذَوُوا أَرْحَامِهِ ) أَيْ لِمَيِّتٍ ( كَمِيرَاثِ الْأَحْرَارِ فِي الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ ، فَلَا تَقْدِيمَ لِرَقِيقٍ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ ( ثُمَّ الْأَجَانِبُ ) مِنْ الرِّجَالِ ( وَ ) الْأَوْلَى ( ب ) غُسْلِ ( أُنْثَى وَصِيَّتُهَا ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّجُلِ ( فَأُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ ) أَيْ ثُمَّ أُمُّ أُمِّهَا ثُمَّ أُمُّ أُمِّ أُمِّهَا وَهَكَذَا ( فَبِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ ) أَيْ فَبِنْتُ بِنْتِهَا فَبِنْتُ بِنْتِهَا وَهَكَذَا ( ثُمَّ الْقُرْبَى
فَالْقُرْبَى كَمِيرَاثٍ ) فَتُقَدَّمُ أُخْتُ شَقِيقَةٍ ، ثُمَّ لِأَبٍ ، ثُمَّ لِأُمٍّ وَهَكَذَا ( وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ ) سَوَاءٌ ( وَبِنْتُ أَخٍ وَأُخْتٍ سَوَاءٌ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ .
أَشْبَهَتَا الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ ( وَحُكْمُ تَقْدِيمِهِنَّ كَرِجَالٍ ) أَيْ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ رِجَالٍ لَوْ كُنَّ رِجَالًا ( وَأَجْنَبِيٌّ وَأَجْنَبِيَّةٌ أَوْلَى مِنْ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ ) أَيْ إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى بِغُسْلِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى بِغُسْلِهَا مِنْ زَوْجِهَا ، لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ ( وَزَوْجٌ وَزَوْجَةٌ أَوْلَى مِنْ سَيِّدٍ وَأُمِّ وَلَدٍ ) أَيْ إذَا مَاتَتْ رَقِيقَةٌ مُزَوَّجَةٌ فَزَوْجُهَا أَوْلَى بِغُسْلِهَا مِنْ سَيِّدِهَا لِإِبَاحَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا إلَى حِينِ مَوْتِهَا بِخِلَافِ سَيِّدِهَا ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ لَهُ زَوْجَةٌ وَأُمُّ وَلَدٍ ، فَزَوْجَتُهُ أَوْلَى بِغُسْلِهِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ ، لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الِاعْتِدَادِ وَالْإِحْدَادِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : جَوَازُ تَغْسِيلِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْآخِرَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا " لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنْ تُغَسِّلَهُ زَوْجَتُهُ أَسْمَاءُ فَغَسَّلَتْهُ " وَغَسَّلَ أَبُو مُوسَى زَوْجَتَهُ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ ذَكَرَهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَأَوْصَى جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ وَأَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ امْرَأَتَهُ أَنْ تُغَسِّلَهُ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فَلَهَا تَغْسِيلُهُ وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيًّا أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعٍ عَقِبَ مَوْتِهِ ، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ، وَحَيْثُ جَازَ أَنْ يُغَسِّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ جَازَ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ .
( وَلِسَيِّدٍ غُسْلُ أَمَتِهِ ) وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُزَوَّجَةً ( وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ شَرَطَ وَطْأَهَا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ ، أَوْ لَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا ( وَلَهَا ) أَيْ الْمُكَاتَبَةُ ( تَغْسِيلُهُ إنْ شَرَطَ وَطْأَهَا ) لِإِبَاحَتِهَا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ تُغَسِّلْهُ ، لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ .
( وَلَيْسَ لِآثِمٍ بِقَتْلٍ حَقٌّ فِي غُسْلِ مَقْتُولٍ ) وَلَوْ كَانَ أَبًا أَوْ ابْنًا ، لَهُ كَمَا لَا يَرِثُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَرِثْ .
( وَلَا لِرَجُلٍ غُسْلُ ابْنَةِ سَبْعِ ) سِنِينَ فَأَكْثَرَ ، إنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لِأَنَّ لِعَوْرَتِهَا حُكْمًا ( وَلَا ) ل ( امْرَأَةٍ غُسْلُ ابْنِ سَبْعِ ) سِنِينَ فَأَكْثَرَ غَيْرِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَهُمَا ) أَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ( غُسْلُ مَنْ دُونَ ذَلِكَ ) أَيْ السَّبْعِ سِنِينَ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ .
وَابْنُهُ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَسَّلَهُ النِّسَاءُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ ، وَتَمَسُّ عَوْرَتَهُ وَتَنْظُرُ إلَيْهَا .
( وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ لَا يُبَاحُ لَهُنَّ غُسْلُهُ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ زَوْجَةٌ وَلَا أَمَةٌ لَهُ يُمِّمَ ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ لَيْسَ فِيهِمْ زَوْجُهَا وَلَا سَيِّدُهَا يُمِّمَتْ ( أَوْ ) مَاتَ ( خُنْثَى مُشْكِلٌ ) لَيْسَ فِيهِمْ زَوْجُهَا وَلَا سَيِّدُهَا يُمِّمَتْ .
( أَوْ ) مَاتَ ( خُنْثَى مُشْكِلٌ ) لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ ( لَمْ تَحْضُرُهُ أُمُّهُ لَهُ ) أَيْ لِلْخُنْثَى ( يُمِّمَ ) لِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ وَاثِلَةَ مَرْفُوعًا " { إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ مَحْرَمٌ تُيَمَّمُ كَمَا يُيَمَّمُ الرِّجَالُ } " وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ تَنْظِيفٌ وَلَا إزَالَةُ نَجَاسَةٍ ، بَلْ رُبَّمَا كَثُرَتْ قُلْتُ : وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِالْحَدِيثِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَحْرَمٌ لَمْ يُغَسِّلْهَا .
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ : خِلَافُهُ ، وَيَأْتِي : أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَوَى وَتَرَكَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ : أَجْزَأَ حَيْثُ عَمَّهُ ( وَحَرُمَ ) إنْ تَيَمَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ ( بِغَيْرِ حَائِلٍ عَلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ ) فَيَلُفُّ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً فِيهَا تُرَابٌ فَيُيَمِّمُهُ فَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فَلَهُ أَنْ يُيَمِّمَهُ بِلَا حَائِلٍ ( وَرَجُلٌ أَوْلَى بِخُنْثَى ) فَيُيَمِّمُهُ إنْ كَانَ ثَمَّ رَجُلٌ وَنِسَاءٌ لِفَضْلِهِ بِالذُّكُورِيَّةِ .
لَكِنْ إنْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ مَعَ رِجَالٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَا شَهْوَةَ لَهُ : عَلَّمُوهُ الْغُسْلَ وَبَاشَرَهُ نَصًّا وَكَذَا رَجُلٌ يَمُوتُ مَعَ نِسْوَةٍ فِيهِنَّ صَغِيرَةٌ تُطِيقُ الْغُسْلَ .
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ا هـ فَعَلَيْهِ : إنْ كَانَ مَعَ الْخُنْثَى صَغِيرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ فَكَذَلِكَ .
( وَتُسَنُّ بُدَاءَةُ ) الْغَاسِلِ ( ب ) غُسْلِ ( مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ ) بِتَأْخِيرِهِ ، إذَا مَاتَ جَمَاعَةٌ بِنَحْوِ هَدْمٍ أَوْ حَرِيقٍ ( ثُمَّ بِأَبٍ ثُمَّ بِأَقْرَبَ ، ثُمَّ أَفْضَلَ ؛ ثُمَّ أَسَنَّ ، ثُمَّ قُرْعَةٌ ) إنْ تَسَاوَوْا لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ إذَنْ غَيْرُهَا .
( وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا ) لِلنَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا وَتَطْهِيرًا لَهُ فَلَمْ يَجُزْ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْغُسْلِ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يَثْبُتْ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَيْسَ فِي غُسْلِ الْمُشْرِكِ سُنَّةٌ تُتَّبَعُ .
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ : الْمُوَارَاةَ فَقَطْ ( وَلَا يُكَفِّنُهُ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَلَا يَتْبَعُ جِنَازَتَهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " { لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } " ( بَلْ يُوَارَى ) لِعَدَمِ مَنْ يُوَارِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ ، كَمَا فُعِلَ بِكُفَّارِ بَدْرٍ ، وَارُوهُمْ بِالْقَلِيبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُرْتَدِّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَهَا مُثْلَةٌ بِهِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا ( وَكَذَا كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ ) أَيْ يُوَارَى وَلَا يُغَسَّلُ ، وَلَا يُكَفَّنُ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَلَا تُتَّبَعُ جِنَازَتُهُ .
( وَإِذَا أَخَذَ ) أَيْ شَرَعَ ( فِي غُسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( وُجُوبًا ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ { لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا فِيمَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ ، كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ وَعَوْرَةُ ابْنِ سَبْعٍ إلَى عَشْرٍ الْفَرْجَانِ وَمَنْ فَوْقَهُ وَبِنْتُ سَبْعٍ فَأَكْثَرَ : مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ وَتَقَدَّمَ .
( وَسُنَّ لَهُ تَجْرِيدُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ لِلْغُسْلِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ فِي تَغْسِيلِهِ وَأَصْوَنُ لَهُ مِنْ تَنْجِيسٍ ، وَلِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ أَنُجَرِّدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ لَا ؟ ( إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ ، لِمُكَلِّمٍ كَلَّمَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ ، بَعْدَ أَنْ أَوْقَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ النَّوْمَ .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، لِطَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَ ) سُنَّ ( سَتْرُهُ عَنْ الْعُيُونِ تَحْتَ سِتْرٍ ) فِي خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتٍ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَلِئَلَّا يَسْتَقْبِلَ بِعَوْرَتِهِ السَّمَاءَ ( وَكُرِهَ حُضُورُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فِي غُسْلِهِ ، ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِالْمَيِّتِ مَا يُكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ وَالْحَاجَةُ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى حُضُورِهِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ وَلِيَّهُ .
( وَ ) كُرِهَ ( تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ ) نَصًّا وِفَاقًا ( ثُمَّ يَرْفَعُ ) غَاسِلٌ ( رَأْسَ غَيْرِ حَامِلٍ إلَى قُرْبِ جُلُوسِهِ ) بِحَيْثُ يَكُونُ كَالْمُحْتَضَنِ فِي صَدْرِ غَيْرِهِ ( وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ ) لِيَخْرُجَ الْمُسْتَعِدُّ لِلْخُرُوجِ ، لِئَلَّا يَخْرُجَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِي الْغُسْلِ فَتَكْثُرَ النَّجَاسَةُ ( وَيَكُونُ ثَمَّ ) أَيْ هُنَاكَ ( بَخُورٌ ) بِوَزْنِ رَسُولٍ دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِرَائِحَةِ الْخَارِجِ ( وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ ) لِيَدْفَعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ
الْعَصْرِ وَالْحَامِلُ لَا يُعْصَرُ بَطْنُهَا ، لِئَلَّا يَتَأَذَّى الْوَلَدُ .
وَلِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ مَرْفُوعًا " { إذَا تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَأَرَادُوا غُسْلَهَا فَلْيُبْدَأْ بِبَطْنِهَا فَلْتُمْسَحْ مَسْحًا رَفِيقًا إنْ لَمْ تَكُنْ حُبْلَى فَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى فَلَا تُحَرِّكْهَا } " رَوَاهُ الْخَلَّالُ ( ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ ) أَيْ الْمَيِّتَ ( بِهَا ) أَيْ الْخِرْقَةِ ، كَمَا تُسَنُّ بُدَاءَةُ حَيٍّ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ ( وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةٍ بِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِغُسْلِهِ تَطْهِيرُهُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ بِالْمَخْرَجِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الِاسْتِجْمَارُ .
وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : إنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ : يُجْزِئُ فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ .
( وَ ) يَجِبُ ( أَنْ لَا يَمَسَّ عَوْرَةَ مَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ ) لِأَنَّ الْمَسَّ أَعْظَمُ مِنْ النَّظَرِ وَكَحَالِ الْحَيَاةِ .
وَرُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا حِينَ غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً حِينَ غَسَّلَ فَرْجَهُ " ذَكَرَهُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ ( وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَمَسَّ ) الْغَاسِلُ ( سَائِرَهُ ) أَيْ بَاقِيَ بَدَنِ الْمَيِّتِ ( إلَّا بِخِرْقَةٍ ) قَالَ فِي شَرْحِهِ : لِفِعْلِ عَلِيٍّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ يُعِدُّ الْغَاسِلُ خِرْقَتَيْنِ ، إحْدَاهُمَا : لِلسَّبِيلَيْنِ وَالْأُخْرَى : لِبَقِيَّةِ بَدَنِهِ .
( ثُمَّ يَنْوِي ) الْغَاسِلُ ( غُسْلَهُ ) لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ ، أَشْبَهَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ( وَيُسَمِّي ) وُجُوبًا وَتَسْقُطُ سَهْوًا كَغُسْلِ الْحَيِّ .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ يُدْخِلَ ) الْغَاسِلُ بَعْدَ غُسْلِ كَفَّيْ الْمَيِّتِ نَصًّا ثَلَاثًا ( إبْهَامَهُ وَسَبَّابَتَهُ عَلَيْهِمَا خِرْقَةٌ مَبْلُولَةٌ بِمَاءٍ بَيْنَ شَفَتَيْهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( فَيَمْسَحُ ) بِهَا ( أَسْنَانَهُ ، وَ ) يُدْخِلَهُمَا ( فِي مَنْخِرَيْهِ فَيُنَظِّفَهُمَا ) نَصًّا ، فَيَقُومَ مَقَامَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ، لِحَدِيثِ " { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " ( ثُمَّ يُوَضِّئَهُ ) اسْتِحْبَابًا كَامِلًا لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ مَرْفُوعًا فِي غُسْلِ ابْنَتِهَا " { ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، وَكَغُسْلِ الْجَنَابَةِ ( وَلَا يُدْخِلُ ) غَاسِلٌ ( مَاءً فِي فَمِهِ ، وَلَا ) فِي ( أَنْفِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ خَشْيَةَ تَحْرِيكِ النَّجَاسَةِ بِدُخُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ ( ثُمَّ يَضْرِبُ سِدْرًا وَنَحْوَهُ ) كَخِطْمِيٍّ ( فَيُغَسِّلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَقَطْ ) لِأَنَّ الرَّأْسَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ ، وَلِهَذَا جُعِلَ كَشْفُهُ شِعَارَ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ الشَّرِيفَةِ ، وَالرَّغْوَةُ تُزِيلُ الدَّرَنَ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ فَنَاسَبَ أَنْ تُغَسَّلَ بِهَا اللِّحْيَةُ ( ثُمَّ يُغَسَّلَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ ثُمَّ ) شِقُّهُ (
الْأَيْسَرُ ) لِحَدِيثِ " { ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا } " وَكَغُسْلِ الْحَيِّ يَبْدَأُ بِصَفْحَةِ عُنُقُهُ ثُمَّ إلَى الْكَتِفِ ثُمَّ إلَى الرِّجْلِ ، وَيَقْلِبُهُ عَلَى جَنْبِهِ مَعَ غُسْلِ شِقِّهِ فَيَرْفَعُ جَانِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيُغَسِّلُ ظَهْرَهُ وَوَرِكَهُ .
وَيُغَسِّلُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ وَلَا يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ ( ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ ) لِيَعُمَّهُ الْغُسْلُ ( وَيُثَلِّثُ ذَلِكَ ) أَيْ يُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا كَغُسْلِ الْحَيِّ ( إلَّا الْوُضُوءَ ) فَفِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَقَطْ ( يُمِرُّ ) الْغَاسِلُ ( فِي كُلِّ مَرَّةٍ ) مِنْ الثَّلَاثِ غَسَلَاتٍ ( يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ بِرِفْقٍ لِيَخْرُجَ مَا تَخَلَّفَ فَلَا يَفْسُدَ الْغُسْلُ بَعْدُ بِهِ .
( فَإِنْ لَمْ يَنْقَ ) الْمَيِّتُ ( بِثَلَاثِ ) غَسَلَاتٍ ( زَادَ ) فِي غُسْلِهِ ( حَتَّى يَنْقَى ، وَلَوْ جَاوَزَ السَّبْعَ ) مَرَّاتٍ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ ( وَكُرِهَ اقْتِصَارٌ فِي غُسْلِ ) مَيِّتٍ ( عَلَى مَرَّةٍ ) وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا كَمَالُ النَّظَافَةِ بِخِلَافِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْغُسْلِ ( إنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ ) مِنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَرَّةِ ، فَإِنْ خَرَجَ حَرُمَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا بَلْ مَا دَامَ يَخْرُجُ إلَى السَّبْعِ ( وَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ ) أَيْ مُبَاشَرَةُ الْغُسْلِ ، كَالْحَيِّ ( فَلَوْ تُرِكَ ) مَيِّتٌ ( تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يَنْصَبُّ مِنْهُ الْمَاءُ ( وَحَضَرَ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ ( وَنَوَى ) غُسْلَهُ وَسَمَّى ( وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ غُسْلُهُ فِيهِ ) بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَاءَ عَمَّهُ ( كَفَى ) فِي أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ .
( وَسُنَّ قَطْعُ ) عَدَدِ غَسَلَاتِهِ ( عَلَى وِتْرٍ ) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ { اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، إنْ رَأَيْتُنَّ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) سُنَّ ( جَعْلُ كَافُورٍ وَسِدْرٍ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ ) نَصًّا لِأَنَّ الْكَافُورَ يُصَلِّبُ الْجَسَدَ وَيُبَرِّدُهُ ، وَيَطْرُدُ عِتَّةَ الْهَوَامِّ
بِرَائِحَتِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا جُنِّبَ الْكَافُورَ لِأَنَّهُ مِنْ الطِّيبِ ( وَ ) سُنَّ ( خِضَابُ شَعْرِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ يَعْنِي رَأْسَ الْمَرْأَةِ وَلِحْيَةِ الرَّجُلِ ( بِحِنَّاءٍ وَقَصِّ شَارِبِ غَيْرِ مُحْرِمٍ وَتَقْلِيمِ أَظَافِرَ إنْ طَالَا ) أَيْ الشَّارِبُ وَالْأَظَافِرُ ( وَأَخْذُ شَعْرِ إبِطَيْهِ ) نَصًّا لِأَنَّهُ تَنْظِيفٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ عُضْوٍ أَشْبَهَ إزَالَةَ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ .
وَيُعَضِّدُهُ عُمُومَاتُ سُنَنِ الْفِطْرَةِ ( وَجَعْلُهُ ) أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ شَعْرٍ وَظُفُرٍ ( مَعَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ بَعْدَ إعَادَةِ غُسْلِهِ نَدْبًا ( كَعُضْوٍ سَاقِطٍ ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مَسَائِلَ صَالِحٍ : عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ : " تُغَسَّلُ رَأْسُ الْمَيِّتَةِ فَمَا سَقَطَ مِنْ شَعْرِهَا فِي أَيْدِيهِمْ غَسَّلُوهُ ، ثُمَّ رَدُّوهُ فِي رَأْسِهَا " وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دَفْنُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى وَتُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ إنْ قُطِعَتْ : بِالتَّقْمِيطِ وَالطِّينِ الْحُرِّ ، حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ وَمَا فُقِدَ مِنْهَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ شَكْلٌ مِنْ طِينٍ وَلَا غَيْرِهِ .
( وَحَرُمَ حَلْقُ رَأْسِ ) مَيِّتٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ النُّسُكَ أَوْ زِينَةً وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُمَا ( وَ ) حَرُمَ ( أَخْذُ ) شَعْرِ ( عَانَةٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَسِّ الْعَوْرَةِ وَنَظَرِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَلَا يُرْتَكَبُ الْمَنْدُوبُ .
( ك ) مَا يَحْرُمُ ( خَتْنٌ ) لِمَيِّتٍ أَقْلَفَ لِأَنَّهُ قَطْعُ بَعْضِ عُضْوٍ مِنْهُ وَقَدْ زَالَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ .
( وَكُرِهَ مَاءٌ حَارٌّ ) إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ لِأَنَّهُ يُرْخِي الْجَسَدَ فَيُسْرِعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ ، وَالْبَارِدُ يُصَلِّبُهُ وَيُبْعِدُهُ عَنْ الْفَسَادِ .
( وَ ) كُرِهَ ( خِلَالٌ ) إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِشَيْءٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ لِأَنَّهُ عَبَثٌ .
( وَ ) كُرِهَ ( أُشْنَانٌ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ ) لِوَسَخٍ كَثِيرٍ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ وَيَكُونُ الْخِلَالُ حِينَئِذٍ مِنْ شَجَرَةٍ لَيِّنَةٍ كَالصَّفْصَافِ .
( وَ ) كُرِهَ ( تَسْرِيحُ شَعْرِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ رَأْسًا كَانَ أَوْ لِحْيَةً لِأَنَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا مَرَّتْ بِقَوْمٍ يُسَرِّحُونَ شَعْرَ مَيِّتٍ فَنَهَتْهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَتْ : عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ " ؟ ( وَيُسَنُّ أَنْ يُضَفَّرَ شَعْرُ أُنْثَى ثَلَاثَ قُرُونٍ وَسَدْلُهُ ) أَيْ إلْقَاؤُهُ ( وَرَاءَهَا ) نَصًّا لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ " ضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
( وَ ) يُسَنُّ ( تَنْشِيفُ ) مَيِّتٍ بِثَوْبٍ ، كَمَا فُعِلَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِئَلَّا يَبْتَلَّ كَفَنُهُ فَيَفْسُدَ بِهِ ، وَلَا يَنْجَسُ مَا نُشِّفَ بِهِ .
( ثُمَّ إنْ خَرَجَ ) مِنْ الْمَيِّتِ ( شَيْءٌ ) مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا ( بَعْدَ سَبْعِ ) غَسَلَاتٍ ( حَشَا ) مَخْرَجَهُ ( بِقُطْنٍ ) يَمْنَعُ الْخَارِجَ كَمُسْتَحَاضَةٍ وَقَالَ جَمْعٌ يُلْجَمُ الْمَحَلُّ بِقُطْنٍ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ حَشَاهُ ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ ) خَارِجٌ مَعَ حَشْوٍ بِقُطْنٍ ( فَ ) إنَّهُ يَحْشُو ( بِطِينٍ حُرٍّ ) أَيْ خَالِصٍ لِأَنَّ فِيهِ قُوَّةً تَمْنَعُ الْخَارِجَ ( ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَحَلَّ ) الْمُتَنَجِّسَ بِالْخَارِجِ وُجُوبًا ( وَيُوَضَّأُ ) مَيِّتٌ ( وُجُوبًا ) كَجُنُبٍ أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ ، لِتَكُونَ طَهَارَتُهُ كَامِلَةً .
( وَإِنْ خَرَجَ ) مِنْهُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ ( بَعْدَ تَكْفِينِهِ لَمْ يُعَدْ الْغُسْلُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ ، ثُمَّ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ شَيْءٍ بَعْدَهُ ( وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( فِي حَمَّامٍ ) نَصًّا ( لَا ) بَأْسَ ( بِمُخَاطَبَةِ غَاسِلٍ لَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( حَالَ غُسْلِهِ : بِانْقَلِبْ يَرْحَمْكَ اللَّهُ وَنَحْوِهِ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ لَمَّا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَجِدُهُ مِنْ سَائِرِ الْمَوْتَى " يَا رَسُولَ اللَّهِ طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا " وَقَوْلِ الْفَضْلِ وَهُوَ مُحْتَضِنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرِحْنِي أَرِحْنِي فَقَدْ قَطَعْت وَتِينِي إنِّي أَجِدُ شَيْئًا يَنْزِلُ عَلَيَّ " .
( وَمُحْرِمٌ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( مَيِّتٌ ك ) مُحْرِمٍ ( حَيٍّ ) فِيمَا يُمْنَعُ مِنْهُ ( يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ) لَا كَافُورٍ ( وَلَا يَقْرَبُ طِيبًا ) مُطْلَقًا وَلَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ طَيَّبَهُ وَنَحْوَهُ ( وَلَا يَلْبَسُ ذَكَرٌ الْمَخِيطَ ) نَحْوَ قَمِيصٍ ( وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمِ الذَّكَرِ ( وَلَا ) يُغَطَّى ( وَجْهُ أُنْثَى ) مُحْرِمَةٍ وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا ظُفُرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي مُحْرِمٍ مَاتَ " { اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَلَا تُمْنَعُ مُعْتَدَّةٌ ) مَيِّتَةٌ ( مِنْ طِيبٍ ) لِسُقُوطِ الْإِحْدَادِ بِمَوْتِهَا ( وَتُزَالُ اللَّصُوقُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مَا يُلْصَقُ عَلَى الْبَدَنِ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ ( لِلْغُسْلِ الْوَاجِبِ ) لِيَصِلَ لِلْبَشَرَةِ كَالْحَيِّ ( وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( شَيْءٌ ) بِإِزَالَةِ لَصُوقٍ ( بَقِيَتْ وَمُسِحَ عَلَيْهَا ) كَجَبِيرَةِ حَيٍّ ( وَيُزَالُ خَاتَمٌ وَنَحْوُهُ ) كَسِوَارٍ وَحَلْقَةٍ ( لَوْ بِبُرْدَةٍ ) لِأَنَّ تَرْكَهُ مَعَهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ .
وَ ( لَا ) يُزَالُ ( أَنْفٌ مِنْ ذَهَبٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ ( وَيُحَطُّ ثَمَنُهُ إنْ لَمْ يُؤْخَذْ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمَيِّتِ ( مِنْ تَرِكَةِ ) مَيِّتٍ كَسَائِرِ دُيُونِهِ ( فَإِنْ عُدِمَتْ ) تَرِكَةُ الْمَيِّتِ ( أُخِذَ ) الْأَنْفُ ( إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ إذَنْ .
( وَيَجِبُ بَقَاءُ دَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ ) لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ بِدِمَائِهِمْ " ( إلَّا أَنْ يُخَالِطَهُ نَجَاسَةٌ فَيُغْسَلَ ) لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ وَهُوَ غَسْلُ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ إبْقَاءُ أَثَرِ الْعِبَادَةِ .
( وَ ) يَجِبُ ( دَفْنُهُ ) أَيْ الشَّهِيدِ ( فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ) فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ، الْمَسْنُونُ ( بَعْدَ نَزْعٍ لِأَمَةِ حَرْبٍ وَنَحْوِ فَرْوٍ وَخُفٍّ ) نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فَإِنْ سُلِبَ ثِيَابَهُ كُفِّنَ فِي غَيْرِهَا .
( وَإِنْ سَقَطَ ) حَاضِرُ صَفِّ الْقِتَالِ ( مِنْ شَاهِقٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ ، أَوْ مَاتَ بِرَفْسَةٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ ) أَيْ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ ( أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ ) قَتْلٍ ( بِهِ ) فَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرٌ لَمْ يُغَسَّلْ ( أَوْ عَادَ سَهْمُهُ ) أَوْ سَيْفُهُ ( عَلَيْهِ ) فَقَتَلَهُ فَكَغَيْرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِفِعْلِ الْعَدُوِّ وَلَا مُبَاشَرَةٍ وَلَا بِسَبَبٍ أَشْبَهَ مَنْ مَاتَ مَرِيضًا ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ فِي مُسْقِطِهِ ( أَوْ حُمِلَ ) مَنْ جَرَحَهُ الْعَدُوُّ وَنَحْوُهُ ( فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَطَسَ أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا فَ ) هُوَ ( كَغَيْرِهِ ) يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ .
( وَسِقْطٌ ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ ( لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فَأَكْثَرَ ( كَمَوْلُودٍ حَيًّا ) يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَصًّا لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مَرْفُوعًا " { وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَفِي رِوَايَةٍ " { وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ } " وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ ، وَاحْتَجَّ بِهِ وَتُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ فَإِنْ جُهِلَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى سُمِّيَ بِصَالِحٍ لَهُمَا كَهِبَةِ اللَّهِ .
( وَيَحْرُمُ سُوءُ الظَّنِّ بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " { اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ } " الْآيَةَ ( وَيُسْتَحَبُّ ظَنُّ الْخَيْرِ بِمُسْلِمٍ ) وَلَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ ظَنِّهِ فِي رِيبَةٍ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا حَرَجَ بِظَنِّ السَّوْءِ لِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ } " مَحْمُولٌ عَلَى ظَنٍّ لَا قَرِينَةَ عَلَى صِدْقِهِ .
( وَيَجِبُ عَلَى طَبِيبٍ وَنَحْوِهِ ) كَجَرَائِحِيِّ ( أَنْ لَا يُحَدِّثَ بِعَيْبٍ ) بِبَدَنٍ مِنْ طِبِّهِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ .
( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى غَاسِلٍ سَتْرُ شَرٍّ ) لِحَدِيثِ " { لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعًا " { مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ ، وَلَمْ يُفْشِ عَيْبَهُ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ .
وَ ( لَا ) يَجِبُ عَلَيْهِ ( إظْهَارُ خَيْرِ ) مَيِّتٍ لِلتَّرْحِيمِ عَلَيْهِ وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ وَلَا نَشْهَدُ إلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : أَوْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَكْثَرُ دِيَانَةً وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ وَوُجِدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ .
غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَقَلْفَ بِدَارِنَا لَا بِدَارِ حَرْبٍ ، بِلَا عَلَامَةٍ نَصًّا .
فَصْلٌ فِي التَّكْفِينِ ( وَتَكْفِينُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ { وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ } ( وَيَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَ ) ل ( حَقِّهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( ثَوْبٌ ) وَاحِدٌ ( لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ ( مِنْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ ؛ لِأَنَّهُ لَا إجْحَافَ فِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ ( مَا لَمْ يُوصِ ) مَيِّتٌ ( بِدُونِهِ ) أَيْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ، وَقَدْ تَرَكَهُ .
( وَيُكْرَهُ ) أَنْ يُكَفَّنَ فِي ( أَعْلَى ) مِنْ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ وَلِلنَّهْيِ عَنْ التَّغَالِي فِي الْكَفَنِ .
( وَ ) يَجِبُ ( مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ) مِنْ أُجْرَةِ مُغَسِّلٍ وَحَمَّالٍ وَحَفَّارٍ وَنَحْوِهِ ( بِمَعْرُوفٍ ) لِمِثْلِهِ فَمَنْ أَخْرَجَ فَوْقَ ، الْعَادَةِ فِي طِيبٍ وَإِعْطَاءِ مُقْرِئِينَ وَإِعْطَاءِ حَمَّالِينَ وَنَحْوِهِمْ زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ فَمُتَبَرِّعٌ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَرِكَةٍ فَمِنْ نَصِيبِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ( وَلَا بَأْسَ بِمِسْكٍ فِيهِ ) أَيْ الْكَفَنِ نَصًّا ( مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ) مُتَعَلِّقٌ ب يَجِبُ أَيْ يَجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ مَيِّتٍ ، وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ بِمَعْرُوفٍ مِنْ رَأْسِ مَالِ مَيِّتٍ .
فَيُخْرَجُ مِنْ مَالِهِ ( مُقَدَّمًا حَتَّى عَلَى دَيْنٍ بِرَهْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِمَا ) مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ لِأَنَّ سُتْرَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ حَمْزَةَ وَمُصْعَبًا لَمْ يُوجَدْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ثَوْبٌ ، فَكُفِّنَا فِيهِ وَلِأَنَّ لِبَاسَ الْمُفْلِسِ يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ ، فَكَذَا كَفَنُ الْمَيِّتِ ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِوَرَثَةٍ شَيْءٌ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ ( فَإِنْ عُدِمَ ) مَالُ الْمَيِّتِ ، فَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ ( فَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ حَالَ حَيَاتِهِ يُؤْخَذُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَالَ الْحَيَاةِ ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( إلَّا الزَّوْجَ ) فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ زَوْجَتِهِ ، وَلَا مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا وَلَوْ مُوسِرًا لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فِي النِّكَاحِ وَجَبَتْ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ وَالْبَيْنُونَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَتْ الْأَجْنَبِيَّةَ ، وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ ، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالْمِلْكِ لَا الِانْتِفَاعِ وَلِذَلِكَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبِقِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا مِنْ أَقَارِبِهَا أَوْ مُعْتِقِيهَا ، لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَجَبَ كَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ،
إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا ) لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ وَهَذَا مِنْ أَهَمِّهَا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ عِصْمَتَهُمْ فَلَا نُؤْذِيهِمْ ، لَا الْإِرْفَاقَ بِهِمْ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ ، أَوْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُ ، فَكَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ ( عَلَى مُسْلِمٍ عَالِمٍ بِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ كَكِسْوَةِ الْحَيِّ .
( وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَّتَهُمْ قَبُولُهُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمَيِّتِ وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ ( لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ ( سَلْبُهُ ) أَيْ الْكَفَنِ الَّذِي تَبَرَّعَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( بَعْدَ دَفْنِهِ ) لِأَنَّهُ لَا إسْقَاطَ لِحَقِّ أَحَدٍ فِي تَبْقِيَتِهِ .
( وَمَنْ نُبِشَ وَسُرِقَ كَفَنُهُ ، كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ ) نَصًّا ( ثَانِيًا وَثَالِثًا وَلَوْ قُسِمَتْ قَبْلَ تَكْفِينِهِ الْأَوَّلِ ) ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَارِثٍ لِلْكَفَنِ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ( مَا لَمْ تُصْرَفْ فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ صُرِفَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ تَكْفِينُهُ ثُمَّ إنْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ ، وَإِلَّا تُرِكَ بِحَالِهِ .
( وَإِنْ أَكَلَهُ ) أَيْ الْمَيِّتَ ( سَبُعٌ وَنَحْوَهُ وَبَقِيَ كَفَنُهُ فَمَا ) أَيْ الْكَفَنُ الَّذِي ( مِنْ مَالِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( فَتَرِكَةٌ ) يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ( وَمَا تُبُرِّعَ بِهِ ) مِنْ وَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ( فَ ) هُوَ ( لِلْمُتَبَرِّعِ ) لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ إبَاحَةٌ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ لِلْوَرَثَةِ فَكَفَّنُوهُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُمْ .
وَكَذَا لَوْ بَلِيَ وَبَقِيَ كَفَنُهُ ( وَمَا فَضَلَ مِمَّا جُبِيَ ) مِنْ مَالِ تَكْفِينٍ بَعْدَ صَرْفِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ ( فَ ) هُوَ ( لِرَبِّهِ ) إنْ عُلِمَ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِظَنِّهِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ ( فَإِنْ جَهِلَ ) رَبَّهُ أَوْ اخْتَلَطَ مَالٌ جُبِيَ وَلَمْ يُمَيِّزْ مَا لِكُلِّ إنْسَانٍ ( فَفِي كَفَنٍ آخَرَ ) يُصْرَفُ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا بُذِلَ لَهُ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) صَرْفُهُ فِي كَفَنٍ آخَرَ ( تَصَدَّقَ بِهِ ) لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا بُذِلَ فِيهِ ( وَلَا يُجْبَى كَفَنٌ لِعَدَمٍ ) مَا يُكْفَنُ بِهِ مَيِّتٌ ( إنْ سُتِرَ ) أَيْ أَمْكَنَ سَتْرُهُ ( بِحَشِيشٍ ) أَوْ وَرَقِ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِلَا إهَانَةٍ .
( وَيُسَنُّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ ) لِحَدِيثِ { عَائِشَةَ قَالَتْ : كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ جُدُدٍ يَمَانِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ { وَأَمَّا الْحُلَّةُ فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِيُكَفَّنَ بِهَا ، فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ } ( وَكُرِهَ ) تَكْفِينُ رَجُلٍ ( فِي أَكْثَرَ ) مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِأَنَّهُ وَضْعٌ لِلْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ .
( وَ ) كُرِهَ ( تَعْمِيمُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ( تُبْسَطُ ) أَيْ الثَّلَاثُ لَفَائِفَ ( عَلَى بَعْضِهَا وَاحِدَةً فَوْقَ أُخْرَى ) لِيُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ( بَعْدَ تَبْخِيرِهَا ) بِعُودٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثًا .
قَالَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بَعْدَ رَشِّهَا بِنَحْوِ مَاءِ وَرْدٍ لِتَعَلُّقِ رَائِحَةِ الْبَخُورِ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا ( وَتُجْعَلُ ) اللِّفَافَةُ ( الظَّاهِرَةُ ) وَهِيَ السُّفْلَى مِنْ الثَّلَاثِ ( أَحْسَنَهَا ) لِأَنَّ عَادَةَ الْحَيِّ جَعْلُ الظَّاهِرِ مِنْ ثِيَابِهِ أَفْخَرَهَا ، فَكَذَا الْمَيِّتُ ( وَ ) يُجْعَلُ ( الْحَنُوطُ ، وَهُوَ أَخْلَاطٌ مِنْ طِيبٍ ) وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ طِيبِ الْمَيِّتِ ( فِيمَا بَيْنَهَا ) أَيْ يُذَرُّ بَيْنَ اللَّفَائِفِ ( ثُمَّ يُوضَعُ ) الْمَيِّتُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ اللَّفَائِفِ مَبْسُوطَةً ( مُسْتَلْقِيًا ) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِإِدْرَاجِهِ فِيهَا .
وَيَجِبُ سَتْرُهُ حَالَ حَمْلِهِ بِثَوْبٍ ، وَيُوضَعُ مُتَوَجِّهًا نَدْبًا ( وَيُحَطُّ مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ ) أَيْ فِيهِ حُنُوطٌ ( بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( وَتُشَدُّ فَوْقَهُ ) أَيْ الْقُطْنِ ( خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ ، كَالتُّبَّانِ ) وَهُوَ السَّرَاوِيلُ بِلَا أَكْمَامٍ ( تَجْمَعُ ) الْخِرْقَةُ ( أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ، لِرَدِّ الْخَارِجِ وَإِخْفَاءِ مَا ظَهَرَ مِنْ الرَّوَائِحِ ( وَيُجْعَلُ الْبَاقِي ) مِنْ قُطْنٍ مُحَنَّطٍ ( عَلَى
مَنَافِذِ وَجْهِهِ ) كَعَيْنَيْهِ وَفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَلَى أُذُنَيْهِ ( وَ ) يُجْعَلُ مِنْهُ عَلَى ( مَوَاضِعِ سُجُودِهِ ) جَبْهَتِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافِ قَدَمَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا ، وَكَذَا مَغَابِنُهُ كَطَيِّ رُكْبَتَيْهِ وَتَحْتَ إبِطَيْهِ وَسُرَّتِهِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَتَبَّعُ مَغَابِنَ الْمَيِّتِ وَمَرَافِقَهُ بِالْمِسْكِ ( وَإِنْ طُيِّبَ ) الْمَيِّتُ ( كُلُّهُ فَحَسَنٌ ) لِأَنَّ أَنَسًا طَلَى بِالْمِسْكِ ، وَطَلَى ابْنُ عُمَرَ مَيِّتًا بِالْمِسْكِ .
وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ : يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ ، وَلِدَفْعِ الْهَوَامِّ ( وَكُرِهَ ) تَطَيُّبٌ ( دَاخِلُ عَيْنَيْهِ ) أَيْضًا ، لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا ( ك ) مَا ( يُكْرَهُ ) تَطْيِيبُهُ ( بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ ) لِأَنَّ الْعَادَةَ غَيْرُ جَارِيَةٍ بِالتَّطْيِيبِ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ لِغِذَاءٍ أَوْ زِينَةٍ .
( وَ ) كُرِهَ ( طَلْيُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( بِمَا يُمْسِكُهُ ، كَصَبِرٍ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُسَكَّنُ فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ ( مَا لَمْ يُنْقَلْ ) الْمَيِّتُ لِحَاجَّةٍ دَعَتْ إلَيْهِ فَيُبَاحُ لِلْحَاجَةِ .
( ثُمَّ يُرَدُّ طَرَفُ ) اللِّفَافَةِ ( الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ) لِلْمَيِّتِ ( عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ ) يُرَدُّ ( طَرَفُهَا ) أَيْ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا ( الْأَيْمَنُ عَلَى ) شِقِّ الْمَيِّتِ ( الْأَيْسَرِ ) كَعَادَةِ الْحَيِّ ( ثُمَّ ) يُرَدُّ طَرَفُ اللِّفَافَةِ ( الثَّانِيَةِ ) كَذَلِكَ ( ثُمَّ ) يَرُدُّ ( الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ ) فَيُدْرِجُهُ فِيهِ إدْرَاجًا ( وَيَجْعَلُ أَكْثَرَ الْفَاضِلِ ) مِنْ اللَّفَائِفِ عَنْ الْمَيِّتِ ( مِمَّا عِنْدَ رَأْسِهِ ) لِشَرَفِهِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ ( ثُمَّ يَعْقِدُهَا ) لِئَلَّا تَنْتَشِرَ .
( وَتُحَلُّ ) الْعُقَدُ ( فِي الْقَبْرِ ) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : " إذَا أَدْخَلْتُمْ الْمَيِّتَ لِلَّحْدِ فَحُلُّوا الْعُقَدَ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ لِأَمْنِ انْتِشَارِهَا فَإِنْ نَسِيَ الْمُلْحِدُ أَنْ يَحُلَّهَا نُبِشَ وَلَوْ بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ قَرِيبًا ، وَحُلَّتْ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ .
ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ ( وَكُرِهَ
تَخْرِيقُهَا ) أَيْ اللَّفَائِفِ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ وَتَقْبِيحٌ لِلْكَفَنِ مَعَ الْأَمْرِ بِتَحْسِينِهِ .
قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ : وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ وَجَوَّزَهُ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ خَوْفِ نَبْشِهِ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( تَكْفِينُهُ ) أَيْ الرَّجُلِ ( فِي قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ لَمَّا مَاتَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنَّ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " إنَّ الْمَيِّتَ يُؤَزَّرُ بِقَمِيصٍ وَيُلَفُّ فِي الثَّالِثِ " وَالسُّنَّةُ أَنْ يُجْعَلَ الْمِئْزَرُ مِمَّا يَلِي جَسَدَهُ ، ثُمَّ يُلْبَسُ الْقَمِيصَ ، ثُمَّ يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الْحَيُّ ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ بِكُمَّيْنِ وَدَخَارِيصَ كَقَمِيصِ الْحَيِّ نَصًّا وَلَا يُحَلُّ الْأَزْرَارُ فِي الْقَبْرِ ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَوْبَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحْرِمِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ } .
( وَ ) الْكَفَنُ ( الْجَدِيدُ أَفْضَلُ ) مِنْ الْعَتِيقِ ، إنْ لَمْ يُوصِ كَمَا فُعِلَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَحْسَنُ وَلَيْسَ مِنْ الْمُغَالَاةِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلْحَيِّ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ حَدِيثِ { إذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلِيُحْسِنْ كَفَنَهُ } ( وَكُرِهَ ) تَكْفِينٌ ( بِرَقِيقٍ يَحْكِي الْهَيْئَةَ ) لِرِقَّتِهِ نَصًّا .
وَلَا يُجْزِئُ مَا وَصَفَ الْبَشَرَةَ ( وَ ) كُرِهَ كَفَنٌ ( مِنْ شَعْرٍ وَ ) مِنْ ( صُوفٍ ) لِأَنَّهُ خِلَافُ فِعْلِ السَّلَفِ .
( وَ ) كُرِهَ كَفَنٌ ( مُزَعْفَرٌ وَمُعَصْفَرٌ ) وَلَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ .
( وَحَرُمَ ) التَّكْفِينُ ( بِجِلْدٍ ) { لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَزْعِ الْجُلُودِ عَنْ الشُّهَدَاءِ } ( وَجَازَ ) تَكْفِينُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ( فِي حَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ ) وَمُفَضَّضٍ ( لِضَرُورَةٍ ) بِأَنْ عُدِمَ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ غَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْفَعُ بِهِ وَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، ذَكَرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ أُنْثَى ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا حَالَ الْحَيَاةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ زِينَةٍ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا .
( وَمَتَى لَمْ يُوجَدْ مَا يَسْتُرُ ) الْمَيِّتَ ( جَمِيعَهُ سُتِرَ عَوْرَتُهُ ) كَالْحَيِّ ( ثُمَّ ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ عَوْرَتِهِ سُتِرَ بِهِ ( رَأْسُهُ ) لِشَرَفِهِ ( وَجُعِلَ عَلَى بَاقِيهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( حَشِيشٌ أَوْ وَرَقٌ ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ { إنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلَاهُ ، وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ رَأْسُهُ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ } ( وَيُسَنُّ تَغْطِيَةُ نَعْشٍ ) مُبَالَغَةً فِي سَتْرِ الْمَيِّتِ ( وَكُرِهَ ) أَنْ يُغَطَّى ( بِغَيْرِ أَبْيَضَ ) كَأَسْوَدَ وَأَحْمَرَ ، وَيَحْرُمُ بِمُذَهَّبٍ وَنَحْوِهِ وَحَرِيرٍ .
( وَيُسَنُّ لِأُنْثَى وَخُنْثَى ) بَالِغَيْنِ ( خَمْسَةُ أَثْوَابٍ بِيضٍ مِنْ قُطْنٍ ) تُكَفَّنُ فِيهَا ( إزَارٌ وَخِمَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَتَانِ ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ مِنْ الْقُطْنِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( لِصَبِيٍّ ثَوْبٌ ) وَاحِدٌ ، لِأَنَّهُ دُونَ الرَّجُلِ ( وَيُبَاحُ ) أَنْ يُكَفَّنَ صَبِيٌّ ( فِي ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَرِثْهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ) رَشِيدٍ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ ، فَلَا ( وَ ) يُسَنُّ ( لِصَغِيرَةٍ قَمِيصٌ وَلِفَافَتَانِ ) بِلَا خِمَارٍ نَصًّا .
وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْدَادِ الْكَفَنِ لِحِلٍّ أَوْ عِبَادَةٍ فِيهِ ، قِيلَ لِأَحْمَدَ : يُصَلِّي أَوْ يُحْرِمُ فِيهِ ، ثُمَّ يَغْسِلُهُ وَيَضَعُهُ لِكَفَنِهِ ؟ فَرَآهُ حَسَنًا .
وَيَحْرُمُ دَفْنُ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ مَعَ مَيِّتٍ غَيْرِ كَفَنِهِ ، وَتَكْسِيرِ أَوَانٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ ، وَيُجْمَعُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مَا أَمْكَنَ مِنْ مَوْتَى لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي قَتْلَى أُحُدٍ .
وَيَأْتِي : إذَا مَاتَ مُسَافِرٌ .
فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ( وَالصَّلَاةُ عَلَى مَنْ قُلْنَا بِغُسْلِهِ ) مِنْ الْمَوْتَى ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ كَقَوْلِهِ : { صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ فَإِنَّهُمْ أَفْرَاطُكُمْ } وَقَوْلِهِ فِي الْغَالِّ : { صَلُّوا عَلَى أَصْحَابِكُمْ } وَقَوْلِهِ : { إنَّ صَاحِبَكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ } وَقَوْلِهِ { : صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْذُورٌ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَمَقْتُولٍ ظُلْمًا فِي حَالٍ لَا يُغَسَّلَانِ فِيهَا ( وَتَسْقُطُ ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ ، أَيْ وُجُوبُهَا ( ب ) صَلَاةِ ( مُكَلَّفٍ ) ذَكَرًا أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى ، حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُبَعَّضًا ، كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ .
وَظَاهِرُهُ : لَا تَسْقُطُ بِالْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَقُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ : تَسْقُطُ كَمَا لَوْ غَسَّلَهُ .
( وَتُسَنُّ ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَيْهِ ( إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَلَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ بِإِمَامٍ احْتِرَامًا لَهُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " دَخَلَ النَّاسُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا ، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا النِّسَاءَ ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا الصِّبْيَانَ ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَفِي الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ لَا تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ) لِحَدِيثِ { مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ جَزَّأَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ النَّاسِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ : وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً فَأَكْثَرَ جَعَلَ كُلَّ اثْنَيْنِ صَفًّا وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً جَعَلَهُمْ صَفَّيْنِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْفَذِّ فِيهَا خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ .
( وَالْأَوْلَى بِهَا ) أَيْ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتٍ إمَامًا ( وَصِيَّةُ الْعَدْلِ ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا زَالُوا يُوصُونَ بِهَا وَيُقَدِّمُونَ الْوَصِيَّ .
وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَوْصَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ ، وَأَوْصَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا ابْنُ زَيْدٍ ، وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ .
ذَكَرَهُ كُلَّهُ أَحْمَدُ وَكَالْمَالِ وَتَفْرِقَتِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِفَاسِقٍ لَمْ تَصِحَّ .
( وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ( لَاثْنَيْنِ ) قُلْتُ : وَيُقَدَّمُ أَوْلَاهُمَا بِإِمَامَةٍ لِمَا يَأْتِي ( فَسَيِّدٌ بِرَقِيقِهِ ) لِأَنَّهُ مَالُهُ ( فَالسُّلْطَانُ ) لِحَدِيثِ { لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ } خَرَجَ مِنْهُ الْوَصِيُّ وَالسَّيِّدُ لِمَا تَقَدَّمَ ، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُمَا عَلَى الْعُمُومِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ : كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْمَوْتَى ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ اسْتِئْذَانُ الْعَصَبَةِ .
وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : " شَهِدْت حُسَيْنًا حِينَ مَاتَ الْحَسَنُ ، وَهُوَ يَدْفَعُ فِي قَفَا سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، أَمِيرِ الْمَدِينَةِ ، وَيَقُولُ : لَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْتُكَ " ( فَنَائِبُهُ الْأَمِيرُ ) عَلَى بَلَدِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ( ف ) نَائِبُهُ ( الْحَاكِمُ ) أَيْ الْقَاضِي .
فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ( فَالْأَوْلَى ) بِالْإِمَامَةِ الْأَوْلَى ( بِغُسْلِ رَجُلٍ ) وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى فَيُقَدَّمُ أَبٌ فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ ابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ ( فَزَوْجٌ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ ) لِأَنَّهُ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى بَاقِي الْأَجَانِبِ .
وَيُقَدَّمُ حُرٌّ بَعِيدٌ عَلَى عَبْدٍ قَرِيبٍ ، وَعَبْدٌ مُكَلَّفٌ عَلَى صَبِيٍّ حُرٍّ وَامْرَأَةٍ ( ثُمَّ مَعَ تَسَاوٍ ) فِي الْقُرْبِ كَابْنَيْنِ شَقِيقَيْنِ يُقَدَّمُ ( الْأَوْلَى بِإِمَامَةٍ ) لِمَزِيَّةِ فَضِيلَتِهِ ( ثُمَّ ) مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ( يُقْرَعُ ) بَيْنَهُمَا ، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ غَيْرِهَا ( وَمَنْ قَدَّمَهُ وَلِيٌّ ) بِمَنْزِلَتِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ ، كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ .
وَ ( لَا ) يَكُونُ مَنْ قَدَّمَهُ ( وَصِيٌّ بِمَنْزِلَتِهِ ) أَيْ الْوَصِيِّ ، لِتَفْوِيتِهِ عَلَى الْمُوصِي مَا أَمَلَهُ فِي الْوَصِيِّ مِنْ الْخَيْرِ ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمُوصَى لَهُ انْتَقَلَتْ إلَى مَنْ بَعْدَهُ .
( وَتُبَاحُ ) صَلَاةٌ عَلَى مَيِّتٍ ( فِي مَسْجِدٍ إنْ أُمِنَ تَلَوُّثُهُ ) { لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِيهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا .
وَجَاءَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسَاجِدِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِنَحْوِ انْفِجَارٍ حَرُمَ دُخُولُهُ إيَّاهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ النَّجَاسَةِ .
( وَيُسَنُّ قِيَامُ إمَامٍ ، وَ ) قِيَامُ ( مُنْفَرِدٍ عِنْدَ صَدْرِ رَجُلٍ ) أَيْ ذَكَرٍ ( وَوَسَطِ امْرَأَةٍ ) أَيْ أُنْثَى نَصًّا ( وَ ) قِيَامُهُمَا ( بَيْنَ ذَلِكَ ) أَيْ الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ ( مِنْ خُنْثَى ) مُشْكِلٍ لِتَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فِيهِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ يَلِيَ إمَامٌ ) إذَا اجْتَمَعَ مَوْتَى ( مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَفْضَلَ ) أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ لِفَضِيلَتِهِ .
{ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ فِي الْقَبْرِ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ قُرْآنًا } فَيُقَدَّمُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ ، الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ ، فَعَبْدٌ كَذَلِكَ ، فَصَبِيٌّ كَذَلِكَ ، ثُمَّ خُنْثَى ثُمَّ امْرَأَةٌ كَذَلِكَ ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ( فَأَسَنَّ فَأَسْبَقَ ) إنْ اسْتَوَوْا ( ثُمَّ يُقْرَعْ ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْكُلِّ .
وَإِذَا سَقَطَ فَرْضُهَا سَقَطَ التَّقْدِيمُ ( وَجَمْعُهُمْ ) أَيْ الْمَوْتَى مَعَ التَّعَدُّدِ ( بِصَلَاةٍ ) وَاحِدَةٍ ( أَفَضْلُ ) مِنْ إفْرَادِ كُلٍّ بِصَلَاةٍ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ وَأَبْلَغُ فِي تَوَفُّرِ الْجَمْعِ ( فَيُقَدَّمُ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ ) لِلْإِمَامَةِ عَلَيْهِمْ ( أَوْلَاهُمْ بِإِمَامَةٍ ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، وَكَمَا لَوْ اسْتَوَى وَلِيَّانِ لِوَاحِدٍ ( ثُمَّ يُقْرَعُ ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْخِصَالِ ( وَلِوَلِيِّ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( أَنْ يَنْفَرِدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ) أَيْ مَيِّتِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي تَوَلِّيهِ .
( وَيُجْعَلُ وَسَطُ أُنْثَى حِذَاءَ صَدْرِ رَجُلٍ وَ ) يُجْعَلُ ( خُنْثَى بَيْنَهُمَا ) لِيَقِفَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ مَوْقِفَهُ ، مَعَ كُلِّ وَاحَدٍّ مِنْهُمْ ( وَيُسَوَّى بَيْنَ رُءُوسِ كُلِّ نَوْعٍ ) لِأَنَّ مَوْقِفَ النَّوْعِ وَاحِدٌ .
( ثُمَّ يُكَبِّرُ ) مُصَلٍّ ( أَرْبَعًا ) رَافِعًا يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ( يُحْرِمُ ب ) التَّكْبِيرَةِ ( الْأُولَى ) بَعْدَ النِّيَّةِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا لِلْعِلْمِ بِهَا مِمَّا سَبَقَ فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ ، أَوْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَوْتَى ، عَرَفَ عَدَدَهُمْ أَوْ لَا .
وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً .
وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ ، فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ بِالْعَكْسِ ، فَالْقِيَاسُ الْإِجْزَاءُ لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ ، وَالْأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْ أُنُوثَتِهِ وَاسْمِهِ ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي الدُّعَاءِ .
وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعَيُّنُهُ ( وَيَتَعَوَّذُ وَيُسَمِّي وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ) فِيهَا ( وَلَا يَسْتَفْتِحُ ) لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِذَلِكَ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا السُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ( وَفِي ) التَّكْبِيرَةِ ( الثَّانِيَةِ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ك ) مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ ( فِي تَشَهُّدٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك ؟ عَلَّمَهُمْ ذَلِكَ ( وَيَدْعُو فِي ) التَّكْبِيرَةِ ( الثَّالِثَةِ ) مُخْلِصًا لِحَدِيثِ { إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ( بِأَحْسَنَ مَا يَحْضُرُهُ ) مِنْ الدُّعَاءِ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ نَصًّا ( وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بِمَا وَرَدَ وَمِنْهُ ) أَيْ الْوَارِدِ ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا ) أَيْ حَاضِرِنَا ( وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا ) أَيْ مُنْصَرَفَنَا ( وَمَثْوَانَا ) أَيْ مَأْوَانَا ( وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زَادَ ابْنُ مَاجَهْ { اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ } وَفِيهِ
ابْنُ إِسْحَاقَ .
قَالَ الْحَاكِمُ : حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ زَادَ فِيهِ الْمُوَفَّقُ " وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " وَلَفْظُ " السُّنَّةِ " ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ) أَيْ بِضَمِّ الزَّايِ .
وَقَدْ تُسَكَّنُ قِرَاءَةً ( وَأَوْسِعْ مَدْخَلَهُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ : مَوْضِعَ الدُّخُولِ وَبِضَمِّهَا الْإِدْخَالُ ( وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ) بِالتَّحْرِيكِ : الْمَطَرُ الْمُنْعَقِدُ ( وَنَقِّهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ .
وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ { مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى جِنَازَةٍ ، حَتَّى تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ } وَفِيهِ " وَأَبْدِلْهُ أَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ " زَادَ الْمُوَفَّقُ لَفْظَ " مِنْ الذُّنُوبِ " ( وَأَفْسِحْ لَهُ قَبْرَهُ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ) لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ .
زَادَ الْخِرَقِيِّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ " اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ " إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَالَ : " اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُك بِنْتُ أَمَتِك نَزَلَتْ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ " زَادَ بَعْضُهُمْ " وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا " .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : وَلَا يَقُولُ إلَّا إنْ عَلِمَ خَيْرًا وَإِلَّا أَمْسَكَ عَنْهُ حَذَرًا مِنْ الْكَذِبِ .
( وَإِنْ كَانَ ) الْمَيِّتُ ( صَغِيرًا أَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ ) عَلَى جُنُونِهِ حَتَّى مَاتَ ( قَالَ ) بَعْدُ " وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى .
الْإِيمَانِ " ( اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ وَفَرَطًا ) أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا لِصَلَاحِ أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَةِ ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي
حَيَاتِهِمَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ( وَأَجْرًا وَشَفِيعًا مُجَابًا ، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ وَقِه بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمَ ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا { السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ } .
وَفِي لَفْظٍ " { بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَافِعٌ غَيْرُ مَشْفُوعٍ فِيهِ .
وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ قَلَمٌ ( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ) مُصَلٍّ ( إسْلَامَ وَالِدَيْهِ ) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ ( دَعَا لِمَوَالِيهِ ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُمَا فِي الْمُصَابِ بِهِ ، وَلَا بَأْسَ بِإِشَارَةٍ بِنَحْوِ أُصْبُعٍ لِمَيِّتٍ حَالَ دُعَائِهِ لَهُ نَصًّا ( وَيُؤَنَّثُ الضَّمِيرُ ) فِي صَلَاةٍ ( عَلَى أُنْثَى ) فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا ، أَيْ وَلَا يَقُولُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ : وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا ( وَيُشِيرُ ) مُصَلٍّ ( بِمَا يَصْلُحُ لَهُمَا ) أَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي صَلَاةٍ ( عَلَى خُنْثَى ) فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِهَذَا الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ ( وَيَقِفُ بَعْدَ ) تَكْبِيرَةٍ ( رَابِعَةٍ قَلِيلًا ) لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا { كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقِفُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَكُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ هَذِهِ الْوَقْفَةَ لِيُكَبِّرَ آخِرُ الصُّفُوفِ } رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ .
( وَلَا يَدْعُو ) بَعْدَ الرَّابِعَةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ( وَيُسَلِّمُ ) تَسْلِيمَةً ( وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ ) نَصًّا لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْحَالِ وَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ فِي التَّسْلِيمِ ( وَيَجُوزُ ) أَنْ يُسَلِّمَهَا ( تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ) نَصًّا ( وَ ) يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ ( ثَانِيَةً ) وَيُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ : وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ وَحَرْبٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ صَلَّى عَلَى زَيْدِ بْنِ الْمُلَقِّفِ فَسَلَّمَ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " لَكِنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ أَلْيَقُ بِالْحَالِ ، فَكَانَ أَوْلَى .
( وَسُنَّ وُقُوفُهُ ) أَيْ الْمُصَلِّي عَلَيْهَا ( حَتَّى تُرْفَعَ ) نَصًّا قَالَ مُجَاهِدٌ : رَأَيْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ لَا يَبْرَحُ مِنْ مُصَلَّاهُ حَتَّى يَرَاهَا عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى وَلَمْ يَقِفُ .
( وَوَاجِبُهَا ) أَيْ أَرْكَانُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ سِتَّةٌ ( قِيَامُ ) قَادِرٍ ( فِي فَرْضِهَا ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ قَاعِدٍ وَلَا رَاكِبِ رَاحِلَةٍ ، بِلَا عُذْرٍ كَمَكْتُوبَةٍ .
لِعُمُومِ { صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا } فَإِنْ تَكَرَّرَتْ صَحَّتْ مِنْ قَاعِدٍ بَعْدَ مَنْ يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُهَا ، كَبَقِيَّةِ النَّوَافِلِ .
( وَ ) الثَّانِي ( تَكْبِيرَاتٌ ) أَرْبَعٌ ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعًا } " .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ } .
وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا دُفِنَ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا } وَقَدْ قَالَ : { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ( فَإِنْ تَرَكَ غَيْرُ مَسْبُوقِ تَكْبِيرَةً ) مِنْ الْأَرْبَعِ ( عَمْدًا بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ .
لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا فَأَبْطَلَهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ .
( وَ ) إنْ تَرَكَهَا ( سَهْوًا يُكَبِّرُهَا ) كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا سَهْوًا ( مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ) وَتَصِحُّ ، لِأَنَّ هَذَا التَّكْبِيرَ يُقْضَى مُفْرَدًا أَشْبَهَ الرَّكَعَاتِ ، وَعَكْسُهُ تَكْبِيرُ الِانْتِقَالِ ، فَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ مُفْرَدًا فَسَقَطَ بِتَرْكِهِ سَهْوًا ( فَإِنْ طَالَ ) الْفَصْلُ عُرْفًا اسْتَأْنَفَهَا ( أَوْ وُجِدَ مُنَافٍ ) لِلصَّلَاةِ مِنْ كَلَامٍ وَنَحْوِهِ ( اسْتَأْنَفَ ) الصَّلَاةَ لِمَا رَوَى حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ وَالْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا " صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا ، وَتَكَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ : إنَّمَا كَبَّرَتْ ثَلَاثًا ، فَرَجَعَ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا " .
وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ : " صَلَّى بِنَا أَنَسٌ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهُ : إنَّمَا كَبَّرْت ثَلَاثًا فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ الرَّابِعَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ
الْمُنَافِي .
( وَ ) الثَّالِثُ : ( قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ) لِعُمُومِ حَدِيثِ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ قَالَتْ { : أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، وَقَالَ : لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ( وَسُنَّ إسْرَارُهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ ( وَلَوْ صَلَّى لَيْلًا ) لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ : { السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَالسَّلَامُ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَلِأَنَّهُ فِعْلُ السَّلَفِ .
( وَ ) الرَّابِعُ ( الصَّلَاةُ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ " أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ : يُكَبِّرُ الْإِمَامُ ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْجِنَازَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ ، لَا يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ } زَادَ الْأَثْرَمُ .
" وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْعَلَ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ إمَامُهُمْ " قَالَ فِي الْكَافِي : وَلَا تَتَعَيَّنُ صَلَاةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ .
( وَ ) الْخَامِسُ ( أَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ ) لِمَا سَبَقَ وَلِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَقَلُّهُ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ " وَاعْلَمْ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَكْفِي " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا .
" وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْكَافِي
: اعْتِبَارُ كَوْنِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْأُولَى ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ ، وَالدُّعَاءُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : أَوْ الرَّابِعَةِ .
( وَ ) السَّادِسُ ( السَّلَامُ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ { وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } .
( وَشُرِطَ لَهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، ( مَعَ مَا ) شُرِطَ ( لِمَكْتُوبَةٍ ، إلَّا الْوَقْتَ ) فَيُشْتَرَطُ لِلْجِنَازَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ ( حُضُورُ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي فَلَا تَصِحُّ عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ لِأَنَّهَا كَالْإِمَامِ وَلِهَذَا لَا صَلَاةَ بِدُونِ مَيِّتٍ وَلَوْ صَلَّى وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ لَمْ تَصِحَّ .
وَيُسَنُّ دُنُوُّهُ مِنْهَا وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَهَا الْإِمَامُ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَلَا تُحْمَلُ إلَى مَكَان أَوْ مَحَلٍّ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( لَا ) إذَا صَلَّى ( عَلَى غَائِبٍ مِنْ الْبَلَدِ ، وَلَوْ أَنَّهُ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ فِي غَيْرِ قِبْلَتِهِ ) أَيْ الْمُصَلِّي وَلَوْ صَارَ وَرَاءَهُ حَالَ الصَّلَاةِ فَتَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْآحَادِ بِالنِّيَّةِ نَصًّا ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي { صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ ، وَأَمَرَهُ أَصْحَابُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَ ) إلَّا إذَا صَلَّى ( عَلَى غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ) كَأَسِيرٍ ، فَيَسْقُطُ شَرْطُ الْحُضُورِ لِلْحَاجَةِ ، وَكَذَا غُسْلُهُمَا لِتَعَذُّرِهِ ( فَيُصَلَّى عَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ ذُكِرَ ( إلَى شَهْرٍ ) مِنْ مَوْتِهِ ( بِالنِّيَّةِ ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَلَاشٍ أَكْثَرَ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْبَلَدِ وَالْمُصَلِّي فِي الْآخِرِ ؛ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَى قَبْرِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ .
( وَ ) الثَّانِي ( إسْلَامُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ وَدُعَاءٌ لَهُ ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( تَطْهِيرُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( وَلَوْ بِتُرَابٍ لِعُذْرٍ ) كَفَقْدِ الْمَاءِ ، أَوْ تَفَرُّقِ أَجْزَائِهِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَتَفَسُّخِهِ فَيُيَمَّمُ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) التَّيَمُّمُ أَيْضًا لِفَقْدِ التُّرَابِ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ ( وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الطَّهَارَةِ لَا
يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ ، كَالْحَيِّ وَكَبَاقِي الشُّرُوطِ ، وَيُشْتَرَطُ لَهَا أَيْضًا : تَكْفِينُهُ ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ لِمُلَازَمَتِهِ لِلْغُسْلِ عَادَةً .
( وَيُتَابَعُ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( إمَامٌ زَادَ عَلَى ) تَكْبِيرَةٍ ( رَابِعَةٍ ) لِعُمُومِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } ( إلَى سَبْعِ ) تَكْبِيرَاتٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَ وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعًا } ( مَا لَمْ تُظَنَّ بِدْعَتُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( أَوْ ) يُظَنَّ ( رَفْضُهُ ) فَلَا يُتَابَعُ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ ، لِأَنَّهُ إظْهَارٌ لِشِعَارِهِمْ ( وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ بِهِ ) أَيْ الْإِمَامُ إذَا جَاوَزَ السَّبْعَ ( بَعْدَهَا ) لِاحْتِمَالِ سَهْوِهِ ، وَقَبْلَهَا لَا يُسَبِّحُ بِهِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ ( وَلَا يَدْعُو ) مَأْمُومٌ ( فِي مُتَابَعَةٍ ) لِإِمَامِهِ ( بَعْدَ ) التَّكْبِيرَةِ ( الرَّابِعَةِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ ( وَلَا تَبْطُلُ ) صَلَاةُ جِنَازَةٍ ( بِمُجَاوَزَةِ سَبْعِ ) تَكْبِيرَاتٍ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ فِي أَصْلِهِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَشْبَهَ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ ، وَعَكْسُهُ زِيَادَةُ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ أَفْعَالٍ .
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ .
( وَحَرُمَ ) عَلَى مَأْمُومٍ ( سَلَامٌ قَبْلَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ الْمُجَاوِزِ سَبْعًا نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ، فَلَا يُقْطَعُ مِنْ أَجْلِهِ الْمُتَابَعَةُ ، كَإِطَالَةِ الدُّعَاءِ ( وَيُخَيَّرُ مَسْبُوقٌ ) سَلَّمَ إمَامُهُ ( فِي قَضَاءِ ) مَا فَاتَهُ ( وَسَلَامٍ مَعَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ، لِحَدِيثِ { عَائِشَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ التَّكْبِيرِ ، قَالَ : مَا سَمِعْتِ فَكَبِّرِي ، وَمَا فَاتَكِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْك } وَيُسْتَحَبُّ إحْرَامُ مَسْبُوقٍ مَعَهُ فِي أَيْ حَالٍ صَادَفَهُ ، وَلَا يُنْتَظَرُ تَكْبِيرُهُ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ .
( وَلَوْ كَبَّرَ ) إمَامٌ مُنْفَرِدٌ عَلَى جِنَازَةٍ ( فَجِيءَ ) بِجِنَازَةٍ ( أُخْرَى فَكَبَّرَ ) الثَّانِيَةَ ( وَنَوَاهَا ) أَيْ التَّكْبِيرَ ( لَهُمَا ) أَيْ الْجِنَازَتَيْنِ ( وَقَدْ بَقِيَ مِنْ تَكْبِيرِهِ ) السَّبْعِ ( أَرْبَعٌ ) بِاَلَّتِي نَوَاهَا لَهَا ، بِأَنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَمَا دُونُ ( جَازَ ) نَصًّا .
فَإِنْ جِيءَ بِأُخْرَى بَعْدَ الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ إدْخَالُهَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِهَا عَنْ أَرْبَعٍ أَوْ زِيَادَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَى سَبْعٍ ، وَمَتَى نَوَى التَّكْبِيرَةَ لَهُمَا حَيْثُ يَصِحُّ ( فَ ) إنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي تَكْبِيرَةٍ ( خَامِسَةٍ وَيُصَلِّي ) عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْبِيرَةٍ ( سَادِسَةٍ وَيَدْعُو ) لِلْمَوْتَى ( فِي سَابِعَةٍ ) لِتَكْمُلَ الْأَرْكَانُ فِي جَمِيعِ الْجَنَائِزِ .
( وَيَقْضِي مَسْبُوقٌ ) إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ مَا فَاتَهُ ( عَلَى صِفَتِهَا ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ ، كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ ، فَيُتَابِعُ إمَامَهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ فِيهِ ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ كَبَّرَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَ آخِرَ صَلَاتِهِ وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا ( فَإِنْ خَشِي رَفْعَهَا ) أَيْ الْجِنَازَةِ ( تَابَعَ ) التَّكْبِيرَ رُفِعَتْ أَوْ لَمْ يُرْفَعْ .
( وَإِنْ سَلَّمَ ) مَسْبُوقٌ عَقِبَ إمَامِهِ ( وَلَمْ يَقْضِ ) شَيْئًا ( صَحَّتْ ) صَلَاتُهُ ، لِخَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ ( وَيَجُوزُ دُخُولُهُ ) أَيْ الْمَسْبُوقِ ( بَعْدَ ) التَّكْبِيرَةِ ( الرَّابِعَةِ ، وَيَقْضِي الثَّلَاثَ ) تَكْبِيرَاتٍ اسْتِحْبَابًا لِيَنَالَ أَجْرَهَا .
( وَيُصَلِّي عَلَى مَنْ قُبِرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، أَيْ دُفِنَ ( مَنْ فَاتَتْهُ ) أَيْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الدَّفْنِ ( إلَى شَهْرٍ مِنْ دَفْنِهِ ) قَالَ أَحْمَدُ : وَمَنْ يَشُكُّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ ؟ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوهٍ كُلُّهَا حِسَانٌ ، وَقَالَ : أَكْثَرُ مَا سَمِعْت { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أُمِّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بَعْدَ شَهْرٍ } ( وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ ) عَلَى شَهْرٍ .
قَالَ الْقَاضِي : كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ انْتَهَى وَإِنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ صَلَّى حَتَّى يَعْلَمَ انْتِهَاءَهَا ( وَتَحْرُمُ ) صَلَاةٌ عَلَى قَبْرٍ ( بَعْدَهَا ) أَيْ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ نَصًّا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بَقَاؤُهُ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ : أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ لَا يُصَلِّي عَلَى قَبْرِهِ ( وَيَكُونُ الْمَيِّتُ ) إذَا صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ ( كَإِمَامٍ ) فَيَجْعَلُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، كَمَا قَبْلَ الدَّفْنِ .
( وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ مَيِّتٍ تَحْقِيقًا ) بِأَنْ تَحَقَّقَ الْمَوْتُ وَكَانَ الْمَيِّتُ ( لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ ) وَهُوَ ( غَيْرُ شَعْرٍ وَسِنٍّ وَظُفُرٍ فَ ) حُكْمُهُ ( كَكُلِّهِ ) أَيْ كُلِّ الْمَيِّتِ لَوْ وُجِدَ ، فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وُجُوبًا ؛ لِأَنَّ أَبَا أَيُّوبَ صَلَّى عَلَى رِجْلِ إنْسَانٍ ، قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَصَلَّى عُمَرُ عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ .
وَصَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى رُءُوسٍ .
رَوَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ " أَلْقَى طَائِرٌ يَدًا بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ عُرِفَتْ بِالْخَاتَمِ وَكَانَتْ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ ، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَهْلُ مَكَّةَ " وَلِأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْ مَيِّتٍ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْجُمْلَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صُلِّيَ عَلَيْهِ ، غُسِّلَ مَا وُجِدَ وَكُفِّنَ وُجُوبًا ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ نَدْبًا ، كَمَا يَأْتِي .
وَإِنْ كَانَ مَا وُجِدَ شَعْرًا أَوْ ظُفُرًا أَوْ سِنًّا ، فَلَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ حَالَ الْحَيَاةِ ( وَيَنْوِي بِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ عَلَى مَا وُجِدَ ( ذَلِكَ الْبَعْضُ ) الْمَوْجُودُ ( فَقَطْ ) لِأَنَّهُ الْحَاضِرُ ( وَكَذَا إنْ وُجِدَ الْبَاقِي ) مِنْ الْمَيِّتِ ، فَيُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ( وَيُدْفَنُ بِجَنْبِهِ ) أَيْ الْقَبْرِ قَالَ فِي الْمُغْنِي : أَوْ نُبِشَ بَعْضُ الْقَبْرِ وَدُفِنَ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى كَشْفِ مَيِّتٍ .
( وَتُكْرَهُ ) لِمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ( إعَادَةُ الصَّلَاةِ ) عَلَيْهَا مَرَّةً ثَانِيَةً ، قَالَ فِي الْفُصُولِ : لَا يُصَلِّيهَا مُرَّتَيْنِ كَالْعِيدِ ( إلَّا إذَا وُجِدَ بَعْضُ مَيِّتٍ بِشَرْطِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ شَعْرٍ وَسِنٍّ وَظُفُرٍ ( صَلَّى عَلَى جُمْلَتِهِ ) سِوَى مَا وُجِدَ ( فَتُسَنُّ ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ( ك ) اسْتِحْبَابِ ( صَلَاةِ مَنْ فَاتَتْهُ ) صَلَاةُ جِنَازَةٍ مَعَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَوَّلًا ، فَعَلَهُ أَنَسٌ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمَا ( وَلَوْ ) صَلَّى مَنْ فَاتَتْهُمْ ( جَمَاعَةً ) كَمَا لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى ؟ ( أَوْ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ) غَائِبًا ( بِالنِّيَّةِ إذَا حَضَرَ ) فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيًا ( أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ الْأَوْلَى بِهَا ) أَيْ الْإِمَامَةِ عَلَيْهِ ( مَعَ حُضُورِهِ ) أَيْ الْأَوْلَى ( فَتُعَادُ ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَوْلَى ( تَبَعًا ) لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَظَاهِرُهُ لَا يُعِيدُ غَيْرُ الْوَلِيِّ فَإِنْ صَلَّى وَلِيٌّ خَلْفَهُ صَارَ إذْنًا .
( وَلَا تُوضَعُ ) جِنَازَةٌ ( لِصَلَاةٍ ) عَلَيْهَا ( بَعْدَ حَمْلِهَا ) تَخْفِيفًا لِلْمُبَادَرَةِ لِلْمُوَارَاةِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : فَظَاهِرُهُ يُكْرَهُ .
( وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَأْكُولٍ بِبَطْنِ آكِلٍ ) مِنْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ مَعَ مُشَاهَدَةِ الْأَكْلِ ( وَ ) لَا عَلَى ( مُسْتَحِيلٍ بِإِحْرَاقٍ ) بِأَنْ صَارَ رَمَادًا ( وَنَحْوِهِمَا ) كَوَاقِعٍ بِمَلَّاحَةٍ صَارَ مِلْحًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ .
( وَلَا ) يُصَلَّى ( عَلَى بَعْضِ حَيٍّ ) كَيَدٍ قُطِعَتْ فِي سَرِقَةٍ أَوْ أَكْلَةٍ ( فِي وَقْتٍ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ ) أَيْ الْبَقِيَّةُ ( لَمْ تُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا ) لِبَقَاءِ حَيَاتِهَا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ لَهُ وَشَفَاعَةٌ لِيُخَفَّفَ عَنْهُ ، وَهَذَا عُضْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَكَذَا إنْ شُكَّ فِي مَوْتِ الْبَقِيَّةِ .
( وَلَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ، وَلَا لِإِمَامِ كُلِّ قَرْيَةٍ وَهُوَ وَالِيهَا ) أَيْ الْقَرْيَةِ ( فِي الْقَضَاءِ : الصَّلَاةُ عَلَى غَالٍّ ) نَصًّا ، وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا لِيَخْتَصَّ بِهِ لِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ غَلَّ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَقَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ( وَ ) لَا عَلَى ( قَاتِلٍ نَفْسَهُ عَمْدًا ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءُوهُ بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَالْمِشْقَصُ : كَمِنْبَرٍ نَصْلٌ عَرِيضٌ أَوْ طَوِيلٌ ، أَوْ سَهْمٌ فِيهِ ذَلِكَ يُرْمَى بِهِ الْوُحُوشُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ عَنْ دَيْنٍ وَلَا وَفَاءٍ لَهُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْعُصَاةِ كَسَارِقٍ وَشَارِبِ خَمْرٍ ، وَمَقْتُولٍ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ نَحْوَهُ .
( وَإِنْ اخْتَلَطَ ) مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ ( أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ ) كَأَنْ اخْتَلَطَ مَوْتَى مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا بِانْهِدَامِ سَقْفٍ وَنَحْوِهِ ( صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ ، يَنْوِي بِالصَّلَاةِ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ ) مِنْهُمْ ، وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَلَا طَرِيقَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ ( وَغُسِّلُوا وَكُفِّنُوا ) كُلُّهُمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ لَا تُمْكِنُ إلَّا بِذَلِكَ ، إذْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ مَعَ الْقُدْرَةِ .
وَسَوَاءٌ كَانُوا بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ ، قَلَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ أَوْ كَثُرُوا ( وَإِنْ أَمْكَنَ عَزْلُهُمْ ) عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ دُفِنُوا مُنْفَرِدِينَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ عَزْلُهُمْ ( دُفِنُوا مَعًا ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ .
وَإِنْ مَاتَ مَنْ يُعْهَدُ ذِمِّيًّا فَشَهِدَ عَدْلٌ : أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا حُكِمَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، دُونَ تَوْرِيثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ .
( وَلِلْمُصَلِّي ) عَلَى جِنَازَةٍ ( قِيرَاطٌ ) مِنْ الْأَجْرِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقِيرَاطُ ( أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ ) أَيْ الْمُصَلِّي عَلَيْهَا ( بِتَمَامِ دَفْنِهَا ) قِيرَاطٌ ( آخَرُ ) لِحَدِيثِ { مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ .
قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ ؟ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ } .
( بِشَرْطِ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا مِنْ الصَّلَاةِ ) عَلَيْهَا ( حَتَّى تُدْفَنَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ { وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا } وَسُئِلَ أَحْمَدُ : عَمَّنْ يَحْضُرُ لِمُصَلَّى الْجَنَائِزِ يَتَصَدَّى لِلصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يَحْضُرُ ؟ فَقَالَ : لَا بَأْسَ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَكَأَنَّهُ رَأَى إذَا تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ : " وَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا " يَعْنِي مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا " فَلَهُ قِيرَاطٌ " .
فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ ( وَحَمْلُهَا ) إلَى مَحَلِّ دَفْنِهَا ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَيُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ ، وَعَلَى الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ ( وَسُنَّ تَرْبِيعٌ فِيهِ ) أَيْ الْحَمْلِ .
فَيُسَنُّ أَنْ يَحْمِلَهَا أَرْبَعَةٌ .
وَالتَّرْبِيعُ : الْأَخْذُ بِقَوَائِمِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ " إذَا تَبِعَ أَحَدُكُمْ جِنَازَةً فَلْيَأْخُذْ بِقَوَائِمِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ، ثُمَّ لِيَتَطَوَّعْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لِيَذَرْ " رَوَاهُ سَعِيدٌ ( بِأَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ ) حَالَ السَّيْرِ ، لِأَنَّهَا تَلِي يَمِينَ الْمَيِّتِ مِنْ عِنْدَ رَأْسِهِ ( عَلَى كَتِفِهِ ) أَيْ الْحَامِلِ ( الْيُمْنَى ، ثُمَّ ) يَدَعَهَا لِغَيْرِهِ .
و ( يَنْتَقِلُ إلَى ) قَائِمَةِ السَّرِيرِ الْيُسْرَى ( الْمُؤَخَّرَةِ ) فَيَضَعُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى أَيْضًا ثُمَّ يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ ( ثُمَّ ) يَضَعُ قَائِمَةَ السَّرِيرِ ( الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةَ ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي يَسَارَ الْمَيِّتِ ( عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ ) يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ ، وَ ( يَنْتَقِلُ إلَى ) قَائِمَةِ السَّرِيرِ الْيُمْنَى ( الْمُؤَخَّرَةِ ) فَيَضَعُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى أَيْضًا ، فَيَكُونُ الْبَدْءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالرَّأْسِ وَالْخَتْمُ مِنْهُمَا بِالرِّجْلَيْنِ كَغُسْلِهِ .
وَلَا يَقُولُ فِي حَمْلِ السَّرِيرِ : سَلِّمْ يَرْحَمْك اللَّهُ .
فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ ، بَلْ " بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " وَيَذْكُرُ اللَّهَ إذَا نَاوَلَ السَّرِيرَ نَصًّا ( وَلَا يُكْرَهُ حَمْلُ ) جِنَازَةٍ ( بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ ) أَيْ قَائِمَتَيْ السَّرِيرِ ( كُلُّ ) عَمُودٍ ( وَاحِدٍ عَلَى عَاتِقٍ ) نَصًّا .
لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ } وَأَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ حَمَلَ جِنَازَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ ، وَيَبْدَأُ مِنْ عِنْدَ رَأْسِهِ .
كَمَا فِي الرِّعَايَةِ ( وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ التَّرْبِيعِ وَالْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ ( أَوْلَى )
قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ ، وَرَدَّهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ وَقَدْ أَوْضَحْته فِي الْحَاشِيَةِ .
قَالَ أَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ الِازْدِحَامُ عَلَيْهِ أَيُّهُمْ يَحْمِلُهُ .
( وَلَا ) يُكْرَهُ حَمْلٌ ( بِأَعْمِدَةٍ لِلْحَاجَةِ ) كَجِنَازَةِ ابْنِ عُمَرَ ( وَلَا ) الْحَمْلُ ( عَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ) كَبُعْدِ قَبْرٍ ( وَلَا ) يُكْرَهُ ( حَمْلُ طِفْلٍ عَلَى يَدَيْهِ ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : لَا يَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ ، أَوْ هَيْئَةٍ يُخَافُ مَعَهَا سُقُوطُهَا ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَحْرُمُ ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ .
وَيُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ الْمَرْأَةِ بِالْمُكِبَّةِ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ .
وَكَذَا مَنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ عَلَى نَعْشٍ إلَّا بِمِثْلِهِ كَحَدَبٍ .
وَفِي الْفُصُولِ : لِمُقَطَّعٍ تُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ بِطِينٍ حُرٍّ ، يُغَطَّى حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ فَإِنْ ضَاعَتْ لَمْ يُعْمَلْ ( شَكْلُهَا مِنْ طِينٍ ) قَالَ : وَالْوَاجِبُ جَمْعُ أَعْضَائِهِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ وَقَبْرٍ وَاحِدٍ .
( وَسُنَّ مَعَ تَعَدُّدِ ) مَوْتَى ( تَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ ) مِنْهُمْ ( أَمَامَهَا ) أَيْ الْجِنَازَةِ ( فِي الْمَسِيرِ ) لِيَكُونَ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا .
( وَ ) سُنَّ ( الْإِسْرَاعُ بِهَا ) أَيْ الْجِنَازَةِ لِحَدِيثِ { أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ ، فَإِنْ تَكُنْ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَيَكُونُ الْإِسْرَاعُ ( دُونَ الْخَبَبِ ) نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { أَنَّهُ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ تُمْخَضُ مَخْضًا ، فَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلِأَنَّهُ يَمْخُضُهَا وَيُؤْذِي حَامِلَهَا وَمُتَّبِعَهَا .
وَالْخَبَبُ : خَطْوٌ فَسِيحٌ دُونَ الْعَنَقِ ( مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْإِسْرَاعِ ، فَيُمْشَى بِهِ الْهُوَيْنَا .
وَسُنَّ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَكَوْنُ مَاشٍ ) مَعَهَا ( أَمَامَهَا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَعَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاؤُهُ .
( وَ ) سُنَّ كَوْنُ ( رَاكِبٍ وَلَوْ سَفِينَةً خَلْفَهَا ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا { الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ .
حَسَنٌ صَحِيحٌ ( وَقُرْبُ ) مُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ ( مِنْهَا أَفْضَلُ ) لِأَنَّهَا كَالْإِمَامِ ( وَكُرِهَ ) لِمُتَّبِعِ جِنَازَةٍ ( رُكُوبٌ ) لِحَدِيثِ { ثَوْبَانَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا ، فَقَالَ : أَلَا تَسْتَحْيُونَ ؟ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ ، وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ( لِغَيْرِ حَاجَةٍ ) كَمَرَضٍ ( وَ ) لِغَيْرِ ( عَوْدٍ ) .
فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ عَائِدًا مُطْلَقًا لَمْ يُكْرَهْ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : صَحِيحٌ ( وَ ) كُرِهَ ( تَقَدُّمُهَا ) أَيْ الْجِنَازَةِ ( إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ ) عَلَيْهَا وَ ( لَا ) يُكْرَهُ تَقَدُّمُهَا ( إلَى الْمَقْبَرَةِ .
وَ ) كُرِهَ ( جُلُوسُ مَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ لِلدَّفْنِ نَصًّا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا إذَا اتَّبَعْتُمْ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ ) ، قَالَ أَبُو دَاوُد : رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ فِيهِ ( حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ ) ( إلَّا لِمَنْ بَعُدَ ) فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِهَا ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ ( وَ ) كُرِهَ ( قِيَامٌ لَهَا ) أَيْ
الْجِنَازَةِ ( إنْ جَاءَتْ ) وَهُوَ جَالِسٌ ( أَوْ مَرَّتْ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ ) لِحَدِيثِ { عَلِيٍّ قَالَ رَأَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقُمْنَا تَبَعًا لَهُ ، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا تَبَعًا لَهُ يَعْنِي فِي الْجِنَازَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { قَامَ ثُمَّ قَعَدَ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( وَ ) كُرِهَ ( رَفْعُ الصَّوْتِ مَعَهَا ) أَيْ الْجِنَازَةِ ( وَلَوْ بِقِرَاءَةٍ ) أَوْ تَهْلِيلٍ ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ مَعَ الْجِنَازَةِ : اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَنَحْوَهُ : بِدْعَةٌ .
وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَا لِقَائِلٍ ذَلِكَ " لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ .
( وَ ) كُرِهَ ( أَنْ تَتْبَعَهَا امْرَأَةٌ ) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ { نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، أَيْ لَمْ يُحَتَّمْ عَلَيْنَا تَرْكُ اتِّبَاعِهِ ( وَحَرُمَ أَنْ يَتْبَعَهَا مَعَ مُنْكَرٍ ) مِنْ نَحْوِ نَوْحٍ وَلَطْمِ خَدٍّ ( عَاجِزٍ عَنْ إزَالَتِهِ ) أَيْ الْمُنْكَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ( وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ ) عَلَى إزَالَتِهِ أَنْ يُزِيلَهُ وَلَا يُتْرَكَ اتِّبَاعَهَا .
وَيُكْرَهُ مَسُّ النَّعْشِ بِيَدٍ وَغَيْرِهَا .
وَلِمُتَّبِعِهَا ضَحِكٌ وَتَبَسُّمٌ ، وَتَحَدُّثٌ بِأَمْرِ دُنْيَا .
وَأَنْ تُتْبَعَ بِمَاءِ وَرْدٍ وَنَارٍ ، وَنَحْوِهِ ، وَمِثْلُهُ التَّبْخِيرُ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ وَالضَّجَّةِ عِنْدَ وَضْعِهَا ، وَيُسْتَحَبُّ لِمُتَّبِعِهَا الْخُشُوعُ وَالتَّفَكُّرُ فِي مَآلِهِ ، وَالِاتِّعَاظِ بِالْمَوْتِ ، وَمَا يَصِير إلَيْهِ الْمَيِّتُ .
فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ ( وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { : ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } الْآيَةَ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَكْرَمَهُ بِدَفْنِهِ " وَقَالَ { أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } أَيْ جَامِعَةً لِلْأَحْيَاءِ فِي ظَهْرِهَا بِالْمَسَاكِنِ ، وَلِلْأَمْوَاتِ فِي بَطْنِهَا بِالْقُبُورِ .
وَالْكَفْتُ : الْجَمْعُ وَهُوَ إكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ لَأَنْتَنَ وَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ ، وَقَدْ أَرْشَدَ اللَّهُ قَابِيلَ إلَى دَفْنِ أَخِيهِ هَابِيلَ { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ } .
( وَيَسْقُطُ ) دَفْنٌ ( وَتَكْفِينٌ وَحَمْلٌ ل ) مَيِّتٍ بِفِعْلِ ( كَافِرٍ ) لِأَنَّ فَاعِلَهَا لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ ( وَيُقَدَّمُ بِتَكْفِينٍ ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ( مَنْ يُقَدَّمُ بِغُسْلِهِ ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ( وَنَائِبُهُ كَهُوَ ) فَيُقَدَّمُ النَّائِبُ عَلَى مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسْتَنِيبُهُ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ وَصِيًّا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ( وَالْأَوْلَى ) لِغَاسِلٍ ( تَوَلِّيهِ ) أَيْ التَّكْفِينِ ( بِنَفْسِهِ ) دُونَ نَائِبِهِ ، مُحَافَظَةً عَلَى تَقْلِيلِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمَيِّتِ .
( وَ ) يُقَدَّمُ ( بِدَفْنِ رَجُلٍ ) ذَكَرٍ ( مَنْ قُدِّمَ بِغُسْلِهِ ) { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَدَهُ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَأُسَامَةُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانُوا هُمْ الَّذِينَ تَوَلَّوْا غُسْلَهُ .
وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى سَتْرِ أَحْوَالِهِ ، وَقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ( ثُمَّ ) الْمُقَدَّمُ ( بَعْدَ ) الرِّجَالِ ( الْأَجَانِبِ مَحَارِمُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ ( النِّسَاءِ ) وَعُلِمَ مِنْهُ : تَقْدِيمُ الْأَجَانِبِ عَلَى الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ ، لِضَعْفِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ ، وَخَشْيَةَ انْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْهُنَّ ( فَالْأَجْنَبِيَّاتُ ) لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْنِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسٌّ وَلَا نَظَرٌ ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ .
( وَ ) يُقَدَّمُ ( بِدَفْنِ امْرَأَةٍ مَحَارِمُهَا الرِّجَالُ ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ .
لِأَنَّ امْرَأَةَ عُمَرَ لَمَّا تُوُفِّيَتْ قَالَ لِأَهْلِهَا " أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا " وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِهَا حَالَ الْحَيَاةِ ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( فَزَوْجٌ ) لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِمَحْرَمِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ ( فَأَجَانِبُ ) لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عَنْ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ ، { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ فَنَزَلَ قَبْرَ ابْنَتِهِ } وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ ( فَمَحَارِمُهَا ) أَيْ الْمَيِّتَةِ ( النِّسَاءُ ) الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى لِمَزِيَّةِ الْقُرْبِ .
( وَيُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ ) مُسْتَوِينَ ( خَصِيٌّ ، فَشَيْخٌ فَأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً ) بِالدَّفْنِ وَمَا يُطْلَبُ فِيهِ ( وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ ) عَهْدُهُ لِضَعْفِ دَاعِيَتِهِ .
وَلَا يُكْرَهُ لَأَجْنَبِيٍّ دَفْنُ امْرَأَةٍ مَعَ حُضُورِ مَحْرَمِهَا نَصًّا .
( وَكُرِهَ ) دَفْنٌ ( عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقِيَامِهَا وَغُرُوبِهَا ) لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَيُبَاحُ فِي غَيْرِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا .
قَالَ أَحْمَدُ فِي الدَّفْنِ فِي اللَّيْلِ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، أَبُو بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا ، وَعَلِيٌّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا ، وَالدَّفْنُ نَهَارًا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى مُتَّبِعِهَا ، وَأَكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ ، وَأَمْكَنُ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي دَفْنِهِ .
( وَلَحْدٌ ) أَفْضَلُ مِنْ شَقٍّ ، وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ : أَنْ يَحْفِرَ فِي أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ حُفْرَةً تَسَعُ الْمَيِّتَ ، وَأَصْلُهُ الْمَيْلُ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ اللَّحْدِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ أَفْضَلُ ، فَيَكُونُ ظَهْرُهُ إلَى جِهَةِ مُلْحِدِهِ ( وَنَصْبِ لَبِنٍ ) أَيْ طُوبٍ غَيْرِ مَشْوِيٍّ ( عَلَيْهِ ) أَيْ اللَّحْدِ ( أَفَضْلُ ) مِنْ نَصْبِ حِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا { لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا ، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا ، كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَيَجُوزُ بِبَلَاطٍ .
( وَكُرِهَ شَقٌّ بِلَا عُذْرٍ ) قَالَ أَحْمَدُ : لَا أُحِبُّ الشَّقَّ لِحَدِيثِ { اللَّحْدُ لَنَا ، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ .
وَالشَّقُّ أَنْ يَحْفِرَ وَسَطَ الْقَبْرِ كَالْحَوْضِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اللَّحْدُ لِكَوْنِ التُّرَابِ يَنْهَالُ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِنَصْبِ لَبِنٍ وَلَا حِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ الشَّقُّ ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ شِبْهُ اللَّحْدِ مِنْ الْجَنَادِلِ وَالْحِجَارَةِ وَاللَّبِنِ جُعِلَ نَصًّا وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الشَّقِّ .
( وَ ) كُرِهَ ( إدْخَالُهُ ) أَيْ الْقَبْرِ ( خَشَبًا إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَ ) إدْخَالُ ( مَا مَسَّتْهُ نَارٌ ) كَآجُرٍّ .
( وَ ) كُرِهَ ( دَفْنٌ فِي تَابُوتٍ وَلَوْ امْرَأَةً ) قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ اللَّبِنَ ، وَيَكْرَهُونَ الْخَشَبَ ، وَلَا يَسْتَحِبُّونَ الدَّفْنَ فِي تَابُوتٍ ؛ لِأَنَّهُ خَشَبٌ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالْأَرْضُ أَنْشَفُ لِفَضَلَاتِهِ ، وَتَفَاؤُلًا أَنْ لَا يَمَسَّ الْمَيِّتَ نَارٌ .
( وَسُنَّ أَنْ يُعَمَّقَ ) قَبْرٌ ( وَيُوَسَّعَ قَبْرٌ بِلَا حَدٍّ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّعْمِيقَ أَبْعَدُ لِظُهُورِ الرَّائِحَةِ وَأَمْنَعُ لِلْوُحُوشِ ، وَالتَّوْسِيعُ : الزِّيَادَةُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالتَّعْمِيقُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ : الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ ( وَيَكْفِي مَا ) أَيْ تَعْمِيقٌ ( يَمْنَعُ السِّبَاعَ وَالرَّائِحَةَ ) لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ، وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ .
( وَ ) سُنَّ ( أَنْ يُسَجَّى ) أَيْ يُغَطَّى قَبْرٌ ( لِأُنْثَى ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ .
( وَ ) ل ( خُنْثَى ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً ( وَكُرِهَ ) أَنْ يُسَجَّى قَبْرٌ ( لِرَجُلٍ إلَّا لِعُذْرٍ ) مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ نَصًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ " مَرَّ بِقَوْمٍ وَقَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ الثَّوْبَ فَجَذَبَهُ ، وَقَالَ : إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ " وَلِأَنَّ الرَّجُلَ ، لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَفِي فِعْلِ ذَلِكَ لَهُ تَشَبُّهٌ بِالنِّسَاءِ .
( وَ ) سُنَّ ( أَنْ يَدْخُلَهُ ) أَيْ الْقَبْرَ ( مَيِّتٌ مِنْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ ) أَيْ الْقَبْرِ ، بِأَنْ يُوضَعَ النَّعْشُ آخِرَ الْقَبْرِ .
فَيَكُونُ رَأْسُ الْمَيِّتِ فِي الْمَوْضِع الَّذِي تَكُونُ فِيهِ رِجْلَاهُ إذَا دُفِنَ ، ثُمَّ يُسَلُّ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ سَلًّا رَفِيقًا ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ } ( إنْ كَانَ ) ذَلِكَ ( أَسْهَلَ ) بِالْمَيِّتِ .
( وَإِلَّا ) يَكُنْ إدْخَالُهُ مِنْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَسْهَلُ فَيُدْخِلَهُ ( مِنْ حَيْثُ سَهُلَ ) إدْخَالُهُ مِنْهُ ، إذْ الْمَقْصُودُ الرِّفْقُ بِالْمَيِّتِ ( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَتْ الْكَيْفِيَّاتُ فِي السُّهُولَةِ فَهِيَ ( سَوَاءٌ ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْ الْقَبْرِ وَقَالَ : هَذَا مِنْ السُّنَّةِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ .
( وَمَنْ ) مَاتَ ( بِسَفِينَةٍ يُلْقَى فِي الْبَحْرِ سَلًّا كَإِدْخَالِهِ الْقَبْرَ ) بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَبَعْدَ أَنْ يُثَقِّلَهُ بِشَيْءٍ يَسْتَقِرُّ بِهِ فِي قَرَارِ الْبَحْرِ نَصًّا ، وَإِنْ كَانُوا بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَأَمْكَنَهُمْ دَفْنُهُ فِيهِ .
وَجَبَ ( وَ ) سُنَّ ( قَوْلُ مُدْخِلِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ ( بِسْمِ اللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ فَقُولُوا : بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَإِنْ قَرَأَ { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } " أَوْ أَتَى بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ لَائِقٍ عِنْدَ وَضْعِهِ وَإِلْحَادِهِ فَلَا بَأْسَ .
( وَ ) سُنَّ ( أَنْ يُلْحِدَهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّائِمَ وَهَذِهِ سُنَّةُ النَّوْمِ .
( وَ ) يُسَنُّ أَنْ يُجْعَلَ ( تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةً ) فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَحَجَرٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَلِيلٌ مِنْ تُرَابٍ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمِخَدَّةَ لِلنَّائِمِ وَلِئَلَّا يَمِيلَ رَأْسُهُ ، وَلَا يُجْعَلُ آجُرَّةً ، لِأَنَّهُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ .
وَيُزَالُ الْكَفَنُ عَنْ خَدِّهِ .
وَيُلْصَقُ بِالْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِكَانَةِ .
قَالَ عُمَرُ " إذَا أَنَا مِتَّ فَأَفْضُوا بِخَدِّي إلَى الْأَرْضِ " ( وَتُكْرَهُ مِخَدَّةٌ ) تُجْعَلُ تَحْتَ الرَّأْسِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَالِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ ( وَ ) تُكْرَهُ ( مِضْرَبَةٌ وَقَطِيفَةٌ تَحْتَهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ .
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ " ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى " لَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا " وَالْقَطِيفَةُ الَّتِي وُضِعَتْ تَحْتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا وَضَعَهَا شُقْرَانُ .
وَلَمْ يَكُنْ عَنْ اتِّفَاقٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ( أَوْ ) أَيْ يُكْرَهُ ( أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ ) أَيْ الْقَبْرِ ( حَدِيدٌ ) وَنَحْوُهُ ( وَلَوْ أَنَّ الْأَرْضَ رَخْوَةٌ ) تَفَاؤُلًا بِأَنْ لَا يُصِيبَهُ عَذَابٌ ، لِأَنَّهُ آلَتُهُ ( وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ بِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( الْقِبْلَةُ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } وَلِأَنَّهُ طَرِيقَةُ الْمُسْلِمِينَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُدْنَى مِنْ الْحَائِطِ لِئَلَّا يَنْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ .
وَأَنْ يُسْنَدَ مِنْ وَرَائِهِ بِتُرَابٍ ، لِئَلَّا يَنْقَلِبَ .
وَيَتَعَاهَدُ خِلَالَ اللَّبِنِ بِسَدِّهِ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ ، ثُمَّ يُطَيَّنُ فَوْقَهُ ، لِئَلَّا يُنْتَخَلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ ( وَيُسَنُّ حَثْوُ التُّرَابِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( ثَلَاثًا بِالْيَدِ ثُمَّ يُهَالُ ) عَلَيْهِ التُّرَابُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ { فَحُثِيَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ
ثَلَاثًا } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرَوَى مَعْنَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَزَادَ " وَهُوَ قَائِمٌ " .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَيُوضَعُ فَوْقَهُ جِبَالٌ مِنْ تُرَابٍ ، أَوْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ .
( وَ ) سُنَّ ( تَلْقِينُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ عِنْدَ الْقَبْرِ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَسَوَّيْتُمْ عَلَيْهِ التُّرَابَ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ، ثُمَّ لِيَقُلْ : يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ وَلَا يُجِيبُ ، ثُمَّ لِيَقُلْ : يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا ثُمَّ لِيَقُلْ : يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : أَرْشِدْنَا يَرْحَمْك اللَّهُ وَلَكِنْ لَا تَسْمَعُونَ .
فَيَقُولُ : اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا : شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا ، فَإِنَّ نَكِيرًا وَمُنْكَرًا يَقُولَانِ : مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَهُ وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ ؟ قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ أُمِّهِ قَالَ : فَلْيَنْسُبْهُ إلَى حَوَّاءَ } رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ } ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ ، بِنَاءً عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إلَيْهِ وَرَجَّحَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُكَلَّفِ .
( وَ ) سُنَّ ( الدُّعَاءُ ) لَهُ أَيْ الْمَيِّتِ ( بَعْدَ الدَّفْنِ عِنْدَ الْقَبْرِ ) نَصًّا فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَفَعَلَهُ أَحْمَدُ جَالِسًا وَاسْتَحَبَّ الْأَصْحَابُ وُقُوفَهُ ( وَ ) سُنَّ ( رَشُّهُ ) أَيْ الْقَبْرِ ( بِمَاءٍ ) بَعْدَ وَضْعِ الْحَصْبَاءِ عَلَيْهِ ، لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ مَاءً ، وَوَضَعَ عَلَيْهِ الْحَصْبَاءَ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَلِئَلَّا يَذْهَبَ تُرَابُهُ .
وَالْحَصْبَاءُ صِغَارُ الْحَصَى .
( وَ ) يُسَنُّ ( رَفْعُهُ ) أَيْ الْقَبْرِ عَنْ الْأَرْضِ ( قَدْرَ شِبْرٍ ) لِيُعْرَفَ أَنَّهُ قَبْرٌ فَيَتَوَقَّى وَيَتَرَحَّمُ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ قَبْرُهُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ } ( وَكُرِهَ ) رَفْعُهُ ( فَرْقُهُ ) أَيْ الشِّبْرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ { لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَالْمُشْرِفُ : مَا رُفِعَ كَثِيرًا ، لِقَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي صِفَةِ قُبُورِ النَّبِيِّ { صَلَّى وَصَاحِبَيْهِ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ } ( وَ ) كُرِهَ ( زِيَادَةُ تُرَابِهِ ) أَيْ الْقَبْرِ نَصًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { نَهَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
قَالَ فِي الْفُصُولِ : إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَيْهِ ( وَ ) كُرِهَ ( تَزْوِيقُهُ ) أَيْ الْقَبْرِ ( وَتَخْلِيقُهُ ) أَيْ طَلْيُهُ بِالطِّينِ ( وَنَحْوِهِ ) كَدَهْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَغَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَالِ ( وَ ) كُرِهَ ( تَجْصِيصُهُ وَاتِّكَاءٌ عَلَيْهِ وَمَبِيتٌ ) عِنْدَهُ ( وَحَدِيثٌ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَتَبَسُّمٌ عِنْدَهُ ، وَضَحِكٌ أَشَدُّ ) كَرَاهَةً مِنْ تَبَسُّمٍ ( وَكِتَابَةٌ ) عَلَى الْقَبْرِ ( وَجُلُوسٌ ) عَلَيْهِ ( وَوَطْءٌ ) عَلَيْهِ وَلَوْ بِلَا نَعْلٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : إلَّا لِحَاجَةٍ ( وَبِنَاءُ ) قُبَّةٍ وَغَيْرِهَا عَلَيْهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَزَادَ " وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ " وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَرُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا قَدْ اتَّكَأَ عَلَى قَبْرٍ ، فَقَالَ : لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ } وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالتَّبَسُّمَ عِنْدَهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَالِ .
( وَ ) كُرِهَ ( مَشْيٌ عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَبْرِ يَعْنِي الْمَشْيَ بَيْنَ الْقُبُورِ ( بِنَعْلٍ ) لِلْخَبَرِ ( حَتَّى بِالتُّمُشْكِ -
بِضَمِّ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ ) نَوْعٌ مِنْ النَّعْلِ ( وَسُنَّ خَلْعُهُ ) إذَا دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ .
لِحَدِيثِ { بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ بَيْنَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ ، أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ ، فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَهُمَا ، فَرَمَى بِهِمَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَقَالَ أَحْمَدُ : إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَاحْتِرَامًا لِأَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ .
( إلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ وَنَحْوِهِ ) كَحَرَارَةِ الْأَرْضِ أَوْ بُرُودَتِهَا ، فَلَا يُكْرَهُ لِلْعُذْرِ ، وَلَا يُسَنُّ خَلْعُ خُفٍّ لِأَنَّهُ يَشُقُّ ، وَعَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجِنَازَةِ لَبِسَ خُفَّهُ وَمَا حَمَلْت عَلَيْهِ كَلَامَهُ أَوْلَى مِنْ شَرْحِهِ لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ أَوَّلًا وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ .
( وَلَا بَأْسَ بِتَطْبِيقِهِ ) أَيْ الْقَبْرِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ " يَا أُمَّهْ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ ، لَا مُشْرِفَةٍ ، وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءَ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ " ( وَ ) لَا بَأْسَ ( بِتَعْلِيمِهِ ) أَيْ الْقَبْرِ نَصًّا ( بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَبِلَوْحٍ ) { لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، عَلَّمَهُ بِحَجَرٍ وَضَعَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَقَالَ : أُعَلِّمُ قَبْرَ أَخِي حَتَّى أَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ( وَتَسْنِيمُ ) الْقَبْرِ ( أَفْضُلُ ) مِنْ تَسْطِيحِهِ { لِقَوْلِ سُفْيَانَ التَّمَّارِ رَأَيْت قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ : وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ وَلِأَنَّ التَّسْطِيحَ أَشَبَهُ بِبِنَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا ( إلَّا ) مَنْ دُفِنَ ( بِدَارِ حَرْبٍ إنْ تَعَذَّرَ
نَقْلُهُ ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ( فَتَسْوِيَتُهُ ) أَيْ قَبْرِهِ بِالْأَرْضِ ( وَإِخْفَاؤُهُ ) أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ تَسْنِيمِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِ فَيُنْبَشَ ، فَيُمَثَّلُ بِهِ .
( وَيَحْرُمُ إسْرَاجُهَا ) أَيْ الْقُبُورِ لِحَدِيثِ { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ وَمُغَالَاةٍ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْوَاتِ .
يُشْبِهُ تَعْظِيمُ الْأَصْنَامِ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( التَّخَلِّي ) عَلَى الْقُبُورِ وَبَيْنَهَا لِحَدِيثِ { لَأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ وَلَا أُبَالِي أَوَسَطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسَطَ السُّوقِ } رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ ( وَ ) يَحْرُمُ ( جَعْلُ مَسْجِدٍ عَلَيْهَا وَبَيْنَهَا ) أَيْ الْقُبُورِ لِلْخَبَرِ .
( وَدَفْنٌ بِصَحْرَاءَ أَفْضَلُ ) مِنْ دَفْنٍ بِعُمْرَانٍ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْفِنُ أَصْحَابَهُ بِالْبَقِيعِ } وَلَمْ يَزَلْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَقْبُرُونَ فِي الصَّحَارَى ، وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِمَسَاكِنِ الْآخِرَةِ ( سِوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَدُفِنَ بِبَيْتِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ " لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلِمَا رُوِيَ { تُدْفَنُ الْأَنْبِيَاءُ حَيْثُ يَمُوتُونَ } وَصِيَانَةً لَهُ عَنْ كَثْرَةِ الطُّرُقِ ، وَتَمْيِيزًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ ( وَاخْتَارَ صَاحِبَاهُ ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ( الدَّفْنَ عِنْدَهُ تَشَرُّفًا وَتَبَرُّكًا وَلَمْ يُزَدْ ) عَلَيْهِمَا ( لِأَنَّ الْخَرْقَ ) بِدَفْنِ غَيْرِهِمَا عِنْدَهُ ( يَتَّسِعُ وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْنِهِمْ كَمَا وَقَعَ ) فَلَا يُنْكِرُهُ إلَّا بِدْعِيٌّ ضَالٌّ .
وَكُرِهَ جَعْلُ خَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ عَلَى قَبْرٍ .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، فِي كِسْوَةِ الْقَبْرِ بِالثِّيَابِ : اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُنْكَرٌ إذَا فُعِلَ بِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ ؟ .
( وَمَنْ وَصَّى بِدَفْنِهِ بِدَارٍ ) فِي مِلْكِهِ ( أَوْ ) فِي ( أَرْضٍ فِي مِلْكِهِ دُفِنَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْوَرَثَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ ( وَ ) قَالَ ( لَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مَوْضِعَ قَبْرِهِ وَيُوصِي بِدَفْنِهِ فِيهِ ) فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ .
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا : أَنَّ الْأُولَى إذَا كَانَ بِالْعُمْرَانِ ، وَالثَّانِيَةَ إذَا كَانَ بِالصَّحْرَاءِ .
إذْ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ بِالْبَقِيعِ .
( وَيَصِحُّ بَيْعُ ) وَارِثٍ ( مَا دُفِنَ فِيهِ ) الْمَيِّتُ ( مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يُجْعَلْ ) أَيْ يَصِير ( مَقْبَرَةً ) نَصًّا لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ فَإِنْ جُعِلَتْ مَقْبَرَةً صَارَتْ وَقْفًا .
( وَيُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ ) الْمَوْتَى فِي مَقْبَرَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيمِ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ .
وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِزِيَارَتِهِمْ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي ( الْبِقَاعِ الشَّرِيفَةِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةَ حَجَرٍ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْت ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ } وَقَالَ عُمَرُ " اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِك " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَيُسْتَحَبُّ مَا كَثُرَ فِيهِ الصَّالِحُونَ لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُمْ .
( وَيُدْفَنُ ) مَيِّتٌ ( فِي مُسَبَّلَةٍ وَلَوْ بِقَوْلِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا وَلَا مِنَّةَ فِيهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُكَفَّنَ مِنْ أَكْفَانِ الْمُسْلِمِينَ ( وَيُقَدَّمُ فِيهَا ) أَيْ الْمُسْبَلَةِ عِنْدَ ضِيقٍ ( بِسَبْقٍ ) لِأَنَّهُ سَبْقٌ إلَى مُبَاحٍ ( ثُمَّ ) مَعَ تَسَاوٍ فِي سَبْقٍ يُقَدَّمُ ب ( قُرْعَةٍ ) لِأَنَّهَا لِتَمْيِيزِ مَا أُبْهِمَ ( وَيَحْرُمُ الْحَفْرُ فِيهَا ) أَيْ الْمُسْبَلَةِ ( قَبْلَ الْحَاجَةِ ) إلَيْهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
وَيَتَوَجَّهُ هُنَا مَا سَبَقَ فِي الْمُصَلَّى الْمَفْرُوشِ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( دَفْنُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ ) أَيْ مَيِّتٍ عَلَى آخَرَ ( حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ ) أَيْ الْأَوَّلَ ( صَارَ تُرَابًا ) فَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ وَالْبِلَادِ وَالْهَوَاءِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ ثُمَّ إنْ وُجِدَ فِيهِ عِظَامٌ لَمْ يَجُزْ دَفْنُ آخَرَ عَلَيْهِ وَتَحْرُمُ عِمَارَةُ قَبْرٍ دَائِرٍ ظُنَّ بِلَاءُ صَاحِبِهِ فِي مُسَبَّلَةٍ لِئَلَّا يُتَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْجَدِيدِ ، فَيُمْتَنَعُ مِنْ الدَّفْنِ بِهِ ( وَ ) يَحْرُمُ أَنْ يُدْفَنَ غَيْرُهُ ( مَعَهُ ) فِي لَحْدٍ وَاحِدٍ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْفِنُ كُلَّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ } وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ ( إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ ) كَكَثْرَةِ مَوْتَى بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ ( وَسُنَّ حَجْزٌ بَيْنَهُمَا بِتُرَابٍ ) يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَكْفِي الْكَفَنُ .
( وَ ) سُنَّ ( أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْقِبْلَةِ مَنْ يُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامَةِ ) لَوْ اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ ، لِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ { شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةُ الْجِرَاحَاتِ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ : احْفِرُوا وَوَسِّعُوا ، وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
قَالَ أَحْمَدُ وَلَوْ جُعِلَ لَهُمْ شِبْهُ النَّهْرِ وَجُعِلَ رَأْسُ أَحَدِهِمْ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ ، وَجُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ .
( وَ ) الْمَيِّتُ ( الْمُتَعَذِّرُ إخْرَاجُهُ مِنْ بِئْرٍ إلَّا مُتَقَطِّعًا وَنَحْوَهُ ) كَمُمَثَّلٍ بِهِ ( وَثَمَّ حَاجَةٌ إلَيْهَا ) أَيْ الْبِئْرِ ( أُخْرِجَ ) مُتَقَطِّعًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ طَمِّهَا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْبِئْرِ ( طَمَّتْ ) عَلَيْهِ فَتَصِيرُ قَبْرَهُ دَفْعًا لِلتَّمْثِيلِ بِهِ ، فَإِنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُ بِلَا تَقْطِيعٍ بِمُعَالَجَةٍ بِأَكْسِيَةٍ وَنَحْوِهَا تُدَارُ فِيهَا تَجْتَذِبُ الْبُخَارَ أَوْ بِكَلَالِيبٍ وَنَحْوِهَا بِلَا مُثْلَةٍ ، وَجَبَ لِتَأْدِيَةِ فَرْضِ غُسْلِهِ وَيُعْرَفُ زَوَالُ بُخَارِهَا بِبَقَاءِ السِّرَاجِ بِهَا فَإِنَّ النَّارَ لَا تَبْقَى عَادَةً إلَّا فِيمَا يَعِيشُ فِيهِ الْحَيَوَانُ .
( وَيَحْرُمُ دَفْنٌ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوَهُ ) كَمَدْرَسَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ لَهُ ( وَيُنْبَشُ ) وُجُوبًا مَنْ دُفِنَ بِهِ وَيُخْرَجُ نَصًّا .
( وَ ) يَحْرُمُ دَفْنٌ ( فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ) مَا لَمْ يَأْذَنْ مَالِكُهُ فِيهِ فَيُبَاحُ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ ( نَقْلُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ مِلْكِهِ وَإِلْزَامُ دَافِنِهِ بِنَقْلِهِ لِتَفْرِيغِ مِلْكِهِ ( وَالْأَوْلَى ) لَهُ ( تَرْكُهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَ حُرْمَتَهُ .
( وَيُبَاحُ نَبْشُ قَبْرِ حَرْبِيٍّ لِمَصْلَحَةٍ ) { لِأَنَّ مَوْضِعَ مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قُبُورًا لِلْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَ بِنَبْشِهَا وَجَعْلِهَا مَسْجِدًا } ( أَوْ لِمَالٍ فِيهِ ) أَيْ قَبْرِ الْحَرْبِيِّ لِحَدِيثِ { هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَعَهُ غُصْنًا مِنْ ذَهَبٍ إنْ رَأَيْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَأَخْرَجُوا الْغُصْنَ } .
وَ ( لَا ) يُبَاحُ نَبْشُ قَبْرِ ( مُسْلِمٍ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ ) كَأَنْ دُفِنَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ( بِأَنْ كُفِّنَ بِغَصْبٍ ) نُبِشَ وَأُخِذَ مَعَ بَقَائِهِ لِيُرَدَّ إلَى مَالِكِهِ إنْ تَعَذَّرَ غُرْمُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَإِلَّا لَمْ يُنْبَشْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ مَعَ إمْكَانِ دَفْعِ الضَّرَرِ بِدُونِهَا ( أَوْ ) كَانَ الْمَيِّتُ ( بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَيَبْقَى ) كَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِ ( وَطَلَبَهُ رَبُّهُ وَتَعَذَّرَ غُرْمُهُ ) مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِلْحَيْلُولَةِ : نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ ، وَدُفِعَ الْمَالُ لِرَبِّهِ تَخْلِيصًا لِلْمَيِّتِ مِنْ إثْمِهِ ، فَإِنْ كَانَ بَلَعَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ أَوْ لَا يَبْقَى أَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ رَبُّهُ أَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ غُرْمُهُ لَمْ يُنْبَشْ ( أَوْ وَقَعَ وَلَوْ ) كَانَ وُقُوعُهُ ( بِفِعْلِ رَبِّهِ فِي الْقَبْرِ مَا ) أَيْ شَيْءٌ ( لَهُ قِيمَةٌ عُرْفًا ) وَإِنْ قُلْت ( نُبِشَ وَأُخِذَ ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَضَعَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : خَاتَمِي ، فَدَخَلَ وَأَخَذَهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : أَنَا أَقْرَبُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ أَحْمَدُ : إذَا نَسِيَ الْحَفَّارُ مِسْحَاتَهُ فِي الْقَبْرِ جَازَ أَنْ يُنْبَشَ .
وَ ( لَا ) يُنْبَشُ ( إنْ بَلَعَ ) الْمَيِّتُ ( مَالَ نَفْسِهِ وَلَمْ يَبْلَ ) الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لِمَالِهِ فِي حَيَاتِهِ أَشْبَهَ إتْلَافَهُ ، فَإِنْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَبَقِيَ الْمَالُ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ ( إلَّا مَعَ دَيْنٍ ) عَلَى بَالِعِ مَالِ نَفْسِهِ فَيُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ وَيُوَفَّى مُبَادَرَةً إلَى تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ ( وَيَجِبُ نَبْشُ مَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَمْكَنَ ) تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ فَيُخْرَجُ وَيُغَسَّلُ مَا لَمْ يُخْشَ تَفَسُّخُهُ ( أَوْ ) دُفِنَ بِلَا ( صَلَاةٍ ) عَلَيْهِ ، فَيُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُرَدُّ إلَى مَضْجَعِهِ نَصًّا مَا لَمْ يُخْشَ تَفَسُّخُهُ لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَقْصُودَةٌ وَلِذَلِكَ لَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ
مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ لَمْ تَصِحَّ ( أَوْ ) دُفِنَ بِلَا ( كَفَنٍ ) فَيُخْرَجُ وَيُكَفَّنُ نَصًّا اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ كَمَا لَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا لِعَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، وَإِنْ كَانَ كُفِّنَ بِحَرِيرٍ فَوَجْهَانِ .
وَفِي الْإِنْصَافِ : الْأَوْلَى عَدَمُ نَبْشِهِ ( أَوْ ) دُفِنَ ( إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ) فَيُنْبَشُ وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ ( وَيَجُوزُ ) نَبْشُ مَيِّتٍ ( لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، كَتَحْسِينِ كَفَنِهِ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ { أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ فَأَخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَنَحْوِهِ ) كَإِفْرَادِ مَنْ دُفِنَ مَعَ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْته فَجَعَلْته فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ " .
( وَ ) يَجُوزُ نَبْشُهُ ل ( نَقْلِهِ لِبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ ) لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ لِمَالِكٍ : أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ يَقُولُ " إنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ مَاتَا بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَا إلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا بِهَا " وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ " مَاتَ ابْنُ عُمَرَ هَهُنَا وَأَوْصَى أَنْ لَا يُدْفَنَ هَهُنَا وَأَنْ يُدْفَنَ بِسَرِفٍ " ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ( إلَّا شَهِيدًا دُفِنَ بِمَصْرَعِهِ ) فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { ادْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَصَارِعِهِمْ } .
( وَدَفْنُهُ ) أَيْ الشَّهِيدِ ( بِهِ ) أَيْ بِمَصْرَعِهِ ( سُنَّةٌ ) لِلْخَبَرِ ( فَيُرَدُّ ) الشَّهِيدُ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى مَصْرَعِهِ ( لَوْ نُقِلَ ) مِنْهُ مُوَافَقَةً لِلسُّنَّةِ .
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يَجِبُ نَقْلُهُ لِضَرُورَةٍ نَحْوِ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ ، أَوْ مَكَان يُخَافُ نَبْشُهُ وَتَحْرِيقُهُ أَوْ الْمُثْلَةِ بِهِ .
( وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ ) بِمَنْ يُرْجَى حَيَاتُهُ ( حَرُمَ شَقُّ بَطْنِهَا ) لِلْحَمْلِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً ؛ لِأَنَّهُ هَتْكُ حُرْمَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ ، لِإِبْقَاءِ حَيَاةٍ مُتَوَهَّمَةٍ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَزَادَ " فِي الْإِثْمِ " .
( وَأَخْرَجَ النِّسَاءَ مَنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ ) بِأَنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ حَرَكَةً قَوِيَّةً وَانْفَتَحَتْ الْمَخَارِجُ ، وَلَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) عَلَيْهِنَّ إخْرَاجُهُ ( لَمْ تُدْفَنْ حَتَّى يَمُوتَ ) الْحَمْلُ لِحُرْمَتِهِ ، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهَا ، وَلَا يُوضَعُ عَلَيْهِ مَا يُمَوِّتُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ الرِّجَالُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهَا ( وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ ) أَيْ الْحَمْلِ ( حَيًّا شُقَّ ) بَطْنُهَا ( ل ) خُرُوجِ ( الْبَاقِي ) لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَوْهُومَةً ( فَلَوْ مَاتَ ) الْحَمْلُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ شَقِّ بَطْنِهَا .
( أُخْرِجَ ) لِيُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ ، وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهَا ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) إخْرَاجُهُ ( غُسِّلَ مَا خَرَجَ ) مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ السِّقْطِ ( وَلَا يُيَمَّمُ لِلْبَاقِي ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ ( وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْحَمْلِ خَرَجَ بَعْضُهُ أَوْ لَا ( مَعَهَا ) أَيْ مَعَ أُمِّهِ الْمُسْلِمَةِ بِأَنْ يُنْوَى الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا ( بِشَرْطِهِ ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ ( فَ ) يُصَلَّى ( عَلَيْهَا دُونَهُ ) أَيْ الْحَمْلِ .
( فَإِنْ مَاتَتْ كَافِرَةٌ ) ذِمِّيَّةً أَوْ لَا ( حَامِلٌ بِمُسْلِمٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ ) بِبَطْنِهَا كَمَبْلُوعٍ بِبَطْنِ بَالِعِهِ ( وَدَفْنُهَا ) أَيْ الْكَافِرَةِ الْحَامِلِ ( بِمُسْلِمٍ ) مِنْ أَجْلِ حَمْلِهَا ( مُنْفَرِدَةً ) عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ نَصًّا ، حَكَاهُ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ ( إنْ أَمْكَنَ ) إفْرَادُهَا ( وَإِلَّا ) يُمْكِنُ إفْرَادُهَا ( فَمَعَنَا ) لِئَلَّا يُدْفَنَ الْجَنِينُ الْمُسْلِمُ مَعَ الْكَافِرِ ، وَتُدْفَنُ ( عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ مُسْتَدْبِرَةً الْقِبْلَةَ ) لِيَكُونَ الْجَنِينُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُصَابِ .
( وَسُنَّ لِمُصَابٍ ) بِمَوْتِ نَحْوِ قَرِيبٍ ( أَنْ يَسْتَرْجِعَ فَيَقُولَ : إنَّا لِلَّهِ ) أَيْ نَحْنُ عَبِيدُهُ يَفْعَلُ بِنَا مَا يَشَاءُ ( وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ) أَيْ نَحْنُ مُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ الرَّدِيئَةِ ( اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ) أَجِرْنِي : مَقْصُورٌ وَقِيلَ : مَمْدُودٌ ، وَأَخْلِفْ : بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ .
قَالَ الْآجُرِّيُّ : وَجَمَاعَةٌ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَهُوَ مُتَّجَهٌ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } ( وَ ) أَنْ ( يَصْبِرَ ) عَلَى الْمُصِيبَةِ ، وَالصَّبْرُ : الْحَبْسُ ، وَيَجِبُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ مُحَرَّمٍ .
وَفِي الصَّبْرِ عَلَى مَوْتِ الْوَلَدِ أَجْرٌ كَبِيرٌ وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ ( وَلَا يَلْزَمُهُ الرِّضَا بِفَقْرٍ وَعَاهَةٍ وَمَرَضٍ ) تُصِيبُهُ ، وَهِيَ عَرَضٌ مُفْسِدٌ لِمَا أَصَابَهُ ، لِأَنَّهَا مِنْ الْمُقْضَى ( وَيَحْرُمُ ) الرِّضَا ( بِفِعْلِهِ الْمَعْصِيَةَ ) كَفِعْلِ غَيْرِهِ لَهَا ، لِوُجُوبِ إزَالَتِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .
فَالرِّضَا أَوْلَى ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : إذَا نَظَرَ إلَى إحْدَاثِ الرَّبِّ لِذَلِكَ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا رَضِيَ لِلَّهِ بِمَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ ، فَيَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ مَفْعُولًا مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى ، يَبْغُضُهُ وَيَكْرَهُهُ فِعْلًا لِلْمُذْنِبِ الْمُخَالِفِ لِأَمْرِ اللَّهِ ( وَكُرِهَ لِمُصَابٍ تَغْيِيرُ حَالِهِ مِنْ خَلْعِ رِدَاءٍ وَنَحْوِهِ ) كَعِمَامَةٍ ( وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ ) بِنَحْوِ غَلْقِ حَانُوتِهِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَشَّ مَعَ الْقَدْرِ لَمْ يَتَهَنَّ بِعَيْشٍ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( بُكَاؤُهُ ) أَيْ الْمُصَابِ قَبْلَ الْمُصِيبَةِ وَبَعْدَهَا لِلْأَخْبَارِ ، وَأَخْبَارُ النَّهْيِ مَحْمُولَةٌ عَلَى بُكَاءٍ مَعَهُ نَدْبٌ أَوْ نِيَاحَةٌ .
قَالَ الْمَجْدُ : أَوْ أَنَّهُ كُرِهَ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامُ عَلَيْهِ أَيَّامًا كَثِيرَةٍ ( وَ ) لَا يُكْرَهُ ( جَعْلُ
عَلَامَةٍ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُصَابِ ( لِيُعْرَفَ فَيُعَزَّى ) لِتَتَيَسَّرَ التَّعْزِيَةُ الْمَسْنُونَةُ لِمَنْ أَرَادَهَا .
( وَ ) لَا يُكْرَهُ ( هَجْرُهُ ) أَيْ الْمُصَابِ ( الزِّينَةَ وَحَسَنَ الثِّيَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِمَا يَأْتِي فِي الْإِحْدَادِ ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ يَوْمَ مَاتَ بِشْرٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ ؟ فَقَالَ : لَيْسَ هَذَا يَوْمَ جَوَابٍ ، هَذَا يَوْمُ حُزْنٍ .
( وَحَرُمَ نَدْبٌ ) أَيْ تَعْدَادُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ بِلَفْظِ النُّدْبَةِ ، نَحْوُ وَاسَيِّدَاهُ ، وَاجَمَلَاهُ ، وَانْقِطَاعَ ظَهْرَاهُ ( وَ ) حَرُمَتْ ( نِيَاحَةٌ ) : قِيلَ هِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ ، وَقِيلَ ذِكْرُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ وَأَحْوَالِهِ ( وَ ) حَرُمَ ( شَقُّ ثَوْبٍ وَلَطْمُ خَدٍّ ، وَصُرَاخٌ وَنَتْفُ شَعْرٍ وَنَشْرُهُ وَنَحْوُهُ ) كَتَسْوِيدِ وَجْهٍ وَخَمْشِهِ لِلْأَخْبَارِ مِنْهَا : حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ } وَلِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالسَّخَطِ مِنْ فِعْلِهِ تَعَالَى ، صَحَّتْ الْأَخْبَارُ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَيْهِ ، وَحُمِلَ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ إذَا كَانَ عَادَةَ أَهْلِهِ ، أَوْ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهِ حِينَ يَمُوتُ ، أَوْ عَلَى تَأَذِّيهِ بِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْبُكَاءِ الَّذِي مَعَهُ نَدْبٌ وَنِيَاحَةٌ ، وَنَحْوُ هَذَا وَمَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ وَإِنْشَادِ شِعْرٍ مِنْ النَّاحِيَةِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَمَعْنَاهُ فِي الْفُنُونِ .
( وَتُسَنُّ تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ ) مُصَابٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( صَغِيرًا ) قَبْلَ دَفْنٍ وَبَعْدَهُ لِحَدِيثِ { مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ كَمِثْلِ أَجْرِهِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : غَرِيبٌ .
وَتَحْرُمُ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ ، وَهِيَ التَّسْلِيَةُ وَالْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ .
( وَتُكْرَهُ ) تَعْزِيَةُ رَجُلٍ ( لِشَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ ) مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ ( إلَى ثَلَاثِ ) لَيَالٍ بِأَيَّامِهِنَّ فَلَا يُعَزَّى بَعْدَهَا لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْإِحْدَادِ الْمُطْلَقِ قَالَ الْمَجْدُ إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ .
قَالَ النَّاظِمُ : مَا لَمْ تُنْسَ الْمُصِيبَةُ ( فَيُقَالُ ) فِي تَعْزِيَتِهِ ( ل ) مُسْلِمٍ ( مُصَابٍ بِمُسْلِمٍ : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك .
وَ ) لِمُسْلِمٍ مُصَابٍ ( بِكَافِرٍ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الدُّعَاءُ لِلْمُصَابِ وَمَيِّتِهِ إلَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَيُمْسِكُ عَنْ الدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ( أَوْ ) يُقَالُ ( غَيْرُ ذَلِكَ ) مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ .
وَرَوَى حَرْبٌ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ { عَزَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى وَلَدِهِ ، فَقَالَ : آجَرَكَ اللَّهُ وَأَعْظَمَ لَك الْأَجْرَ } .
( وَكُرِهَ تَكْرَارُهَا ) أَيْ التَّعْزِيَةِ نَصًّا فَلَا يُعَزِّي عِنْدَ الْقَبْرِ مَنْ عَزَّى قَبْلُ وَلَهُ الْأَخْذُ بِيَدِ مَنْ يُعَزِّيهِ وَإِنْ رَأَى الرَّجُلَ قَدْ شَقَّ ثَوْبَهُ عَلَى الْمُصِيبَةِ عَزَّاهُ وَلَمْ يَتْرُكْ حَقًّا لِبَاطِلٍ وَإِنْ نَهَاهُ فَحَسَنٌ ( وَ ) كُرِهَ ( جُلُوسٌ لَهَا ) أَيْ التَّعْزِيَةِ بِأَنْ يَجْلِسَ الْمُصَابُ بِمَكَانٍ لِيُعَزَّى أَوْ يَجْلِسَ الْمُعَزِّي عِنْدَ الْمُصَابِ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلْحُزْنِ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ جُلُوسُ الْمُعَزِّي ( بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ ) خَارِجًا عَنْهَا ( لِيَتَّبِعَ الْجِنَازَةَ ) إذَا خَرَجَتْ ( أَوْ لِيَخْرُجَ وَلِيُّهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( فَيُعَزِّيَهُ ) لِأَنَّهُ لِطَاعَةٍ بِلَا مَفْسَدَةٍ لَكِنْ إنْ كَانَ الْجُلُوسُ خَارِجَ مَسْجِدٍ عَلَى نَحْوِ حَصِيرٍ مِنْهُ كُرِهَ نَصًّا .
بَلْ مُقْتَضَى مَا فِي الْوَقْفِ : يَحْرُمُ لِأَنَّهَا إنَّمَا وُقِفَتْ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُنْتَفَعَ بِهَا فِيهِ ( وَيَرُدُّ مُعَزًّى ) عَلَى مَنْ عَزَاهُ ( ب ) قَوْلِهِ ( اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك ، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ ) رَدَّ بِهِ أَحْمَدُ ( وَسُنَّ أَنْ يُصْلِحَ لِأَهْلِ مَيِّتٍ ) حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا ، وَأَتَاهُمْ نَعْيُهُ ( طَعَامًا يَبْعَثُ ) بِهِ ( إلَيْهِمْ ثَلَاثًا ) مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا لِحَدِيثِ { اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ } مُخْتَصَرٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَ ( لَا ) يُصْلَحُ الطَّعَامُ ( لِمَنْ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْمَيِّتِ ( فَيُكْرَهُ ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَهُمْ .
قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا ، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ عَنْ جَرِيرٍ " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ " ( ك ) مَا يُكْرَهُ ( فِعْلُهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الْمَيِّتِ ( ذَلِكَ ) الطَّعَامَ ( لِلنَّاسِ ) يَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُمْ ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ : إلَّا لِحَاجَةٍ ( وَكَذَبْحٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَأَكْلٍ مِنْهُ ) فَيُكْرَهُ
لِحَدِيثِ أَنَسٍ .
{ لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد قَالَ أَحْمَدُ " كَانُوا إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ نَحَرُوا جَزُورًا فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ " وَفِي مَعْنَى الذَّبْحِ عِنْدَهُ : الصَّدَقَةُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ وَفِيهِ رِيَاءٌ .
.
سُنَّ لِرَجُلٍ زِيَارَةُ قَبْرِ مُسْلِمٍ نَصًّا ذَكَرًا وَأُنْثَى بِلَا سَفَرٍ لِحَدِيثِ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ } وَالتِّرْمِذِيِّ " فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ " وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُرَجِّحُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ إنْ كَانَ وَارِدًا بَعْدَ الْحَظْرِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( أَنْ يَقِفُ زَائِرٌ أَمَامَهُ ) أَيْ الْقَبْرِ ( قَرِيبًا مِنْهُ ) عُرْفًا .
( وَتُبَاحُ ) زِيَارَةُ مُسْلِمٍ ( لِقَبْرِ كَافِرٍ ) وَوُقُوفٌ عِنْدَهُ { لِزِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَبْرِ أُمِّهِ وَكَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ } وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَدْعُو لَهُ ، بَلْ يَقُولُ : أَبْشِرْ بِالنَّارِ ، وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ : الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ .
( وَتُكْرَهُ ) زِيَارَةُ قُبُورٍ ( لِنِسَاءٍ ) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ { نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَإِنْ عَلِمْنَ ) أَيْ النِّسَاءُ ( أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُنَّ مُحَرَّمٌ ) بِزِيَارَتِهِنَّ ( حَرُمَتْ ) زِيَارَتُهُنَّ لَهَا لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِلْمُحَرَّمِ ( إلَّا ) زِيَارَةَ النِّسَاءِ ( لِقَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ( فَتُسَنُّ ) كَالرِّجَالِ ، لِعُمُومِ " مَنْ حَجَّ فَزَارَنِي " وَنَحْوَهُ .
( وَلَا يُمْنَعُ كَافِرٌ زِيَارَةَ قَبْرِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ ) كَعَكْسِهِ .
( وَسُنَّ لِمَنْ زَارَ قُبُورَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَرَّ بِهَا أَنْ يَقُولَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، أَوْ ) يَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ( أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) وَيَقُولُ بَعْدَ كُلٍّ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ ( وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ اللَّاحِقُونَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةِ ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ ) لِلْأَخْبَارِ ، وَقَوْلُهُ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لِلتَّبَرُّكِ أَوْ فِي الْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، أَوْ فِي الدَّفْنِ عِنْدَهُمْ وَنَحْوِهِ مِمَّا أُجِيبَ بِهِ إذْ الْمَوْتُ مُحَقَّقٌ فَلَا يُعَلَّقُ بِأَنْ ( وَيُخَيَّرُ فِيهِ ) أَيْ السَّلَامِ ( عَلَى حَيٍّ بَيْنَ تَعْرِيفٍ وَتَنْكِيرٍ ) لِصِحَّةِ النُّصُوصِ بِهِمَا ( وَهُوَ ) أَيْ السَّلَامُ ( سُنَّةُ ) عَيْنٍ مِنْ مُنْفَرِدٍ ( وَمِنْ جَمْعٍ ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( سُنَّةُ كِفَايَةٍ ) لِحَدِيثِ " أَفْشُوا السَّلَامَ " وَمَا بِمَعْنَاهُ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُسَلِّمُوا كُلُّهُمْ ، وَلَا يَجِبُ إجْمَاعًا ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ وَعَلَى مَنْ يَأْكُلُ أَوْ يُقَاتِلُ ، أَوْ يَبُولُ ، أَوْ يَتَغَوَّطُ أَوْ يَتْلُو ، أَوْ يَذْكُرُ أَوْ يُلَبِّي ، أَوْ يُحَدِّثُ ، أَوْ يَعِظُ أَوْ يَسْتَمِعُ لَهُمْ وَمَنْ يُكَرِّرُ فِقْهًا أَوْ يَدْرُسُ ، أَوْ يَبْحَثُ فِي الْعِلْمِ ، أَوْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ ، أَوْ يَتَمَتَّعُ بِأَهْلِهِ ، أَوْ يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ وَنَحْوُهُمْ ( وَرَدُّهُ ) أَيْ السَّلَامِ إنْ لَمْ يُكْرَهْ ابْتِدَاؤُهُ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَرَدُّ السَّلَامِ سَلَامٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِلَفْظِ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، وَلَا تَجِبُ زِيَادَةُ الْوَاوِ فِيهِ وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةٌ فِي ابْتِدَاءِ وَرَدٍّ عَلَى : وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، وَيَجُوزُ زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَالْأَوْلَى لَفْظُ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا وَلَا يَسْقُطُ بِرَدِّ غَيْرِ الْمُسَلَّمِ
عَلَيْهِ وَمَنْ بُعِثَ مَعَهُ السَّلَامُ بَلَّغَهُ وُجُوبًا إنْ تَحَمَّلَهُ ، وَيَجِبُ الرَّدُّ عِنْدَ الْبَلَاغِ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الرَّسُولِ فَيَقُولَ : عَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ ( كَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ حَمِدَ ) اللَّهَ تَعَالَى .
( وَ ) ك ( إجَابَتِهِ ) أَيْ الْعَاطِسِ لِمَنْ شَمَّتَهُ ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ تَحِيَّةٌ فَحُكْمُهُ كَالسَّلَامِ ، وَلِهَذَا لَا يُشَمَّتُ الْكَافِرُ كَمَا لَا يُبْتَدَأُ بِالسَّلَامِ فَيَقُولُ الْعَاطِسُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَيُجِيبُ بِقَوْلِهِ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ لَمْ يُشَمَّتْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَسْمَعُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : يَرْحَمُك اللَّهُ } وَلَا يُشَمِّتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَالِاعْتِبَارُ بِفِعْلِ التَّشْمِيتِ لَا بِعَدَدِ الْعَطَسَاتِ وَيُعَلَّمُ صَغِيرٌ الْحَمْدَ إذَا عَطَسَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوَبِوَرِكِ فِيكَ ، وَمَنْ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدْ فَلَا بَأْسَ بِتَذْكِيرِهِ .
( وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَةِ الْمَيِّتِ أَحْوَالَ أَهْلِهِ وَأَحْبَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى أَيْضًا وَيَدْرِي بِمَا فُعِلَ عِنْدَهُ : وَيُسَرُّ بِمَا كَانَ حَسَنًا وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا ( وَيَعْرِفُ ) الْمَيِّتُ ( زَائِرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ) قَالَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ يَعْرِفُهُ كُلَّ وَقْتٍ وَهَذَا وَقْتٌ آكَدُ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّائِرَ مَتَى جَاءَ عَلِمَ بِهِ الْمَزُورُ وَسَمِعَ سَلَامَهُ ، وَأَنِسَ بِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ ، وَهَذَا عَامٌّ فِي
حَقِّ الشُّهَدَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ أَثَرِ الضَّحَّاكِ الدَّالِّ عَلَى التَّوْقِيتِ انْتَهَى يُشِيرُ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ قَالَ " مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِزِيَارَتِهِ قِيلَ لَهُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَنَحْوُهُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ مَنْ زَارَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ " ( وَيَتَأَذَّى بِالْمُنْكَرِ عِنْدَهُ وَيَنْتَفِعُ بِالْخَيْرِ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ ( وَسُنَّ ) لِزَائِرِ مَيِّتٍ فِعْلُ ( مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ وَلَوْ بِجَعْلِ جَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فِي الْقَبْرِ ) لِلْخَبَرِ ، وَأَوْصَى بِهِ بُرَيْدَةَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ .
( وَ ) لَوْ ( بِذِكْرٍ وَقِرَاءَةٍ عِنْدَهُ ) أَيْ الْقَبْرِ لِخَبَرِ الْجَرِيدَةِ لِأَنَّهُ إذَا رُجِيَ التَّخْفِيفُ بِتَسْبِيحِهَا فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبُّ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا ، رَوَاهُ اللَّالَكَائِيُّ ، وَيُؤَيِّدُهُ عُمُومُ { اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ } .
وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا { مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ أَحَدِهِمَا فَقَرَأَ عِنْدَهُ يس غَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ آيَةٍ أَوْ حَرْفٍ } رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ ( وَكُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ وَجَعَلَ ) الْمُسْلِمُ ( ثَوَابَهَا لِمُسْلِمٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ حَصَلَ ) ثَوَابُهَا ( لَهُ وَلَوْ جَهِلَهُ ) أَيْ الثَّوَابَ ( الْجَاعِلُ ) لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ كَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَوَاجِبٌ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ إجْمَاعًا وَكَذَا الْعِتْقُ وَحَجُّ التَّطَوُّعِ وَالْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ .
قَالَ أَحْمَدُ : الْمَيِّتُ يَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ لِلْأَخْبَارِ .
وَمِنْهَا مَا رَوَى أَحْمَدُ { أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَمَّا أَبُوك فَلَوْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْت أَوْ تَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ } رَوَى أَبُو حَفْصٍ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ " " أَنَّهُمَا كَانَا يُعْتِقَانِ عَنْ عَلِيٍّ بَعْدَ مَوْتِهِ " وَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ عَنْ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِهْدَاءِ وَنَقْلِ الثَّوَابِ نِيَّتُهُ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ يَتَّجِهُ حُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ لَهُ قَبْلَ الْفِعْلِ ، وَهَدَاهُ أَوْ لَا ، وَظَاهِرُهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ
يَقُولَ : إنْ كُنْت أَثَبْتَنِي عَلَى هَذَا فَاجْعَلْ ثَوَابَهُ لِفُلَانٍ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ إهْدَاءً مَا لَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُهُ لِأَنَّهُ يَظُنُّهُ ثِقَةً بِوَعْدِ اللَّهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ .
وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا وَأَهْدَى ثَوَابَهُ لِمَيِّتٍ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَشْهَرِ وَقَالَ الْقَاضِي يَصِحُّ وَبَعُدَ ( وَإِهْدَاءُ الْقُرَبِ مُسْتَحَبٌّ ) قَالَ فِي الْفُنُونِ وَالْمَجْدِ : حَتَّى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
" تَتِمَّةٌ " .
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ { أَنَّ مَوْتَ الْفَجْأَةِ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ } وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا .
الزَّكَاةُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ } مِنْ زَكَا يَزْكُو إذَا نَمَا لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُؤَدِّيهَا مِنْ الْإِثْمِ ، أَيْ تُنَزِّهُهُ عَنْهُ ، وَتُنَمِّي أَجْرَهُ أَوْ تُنَمِّي الْمَالَ أَوْ الْفُقَرَاءَ وَأَجْمَعُوا عَلَى فَرِيضَتِهَا وَاخْتَلَفُوا هَلْ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ ؟ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلَعَلَّ الْمُرَادَ طَلَبُهَا وَبَعْثُ السَّعَادَةِ لِقَبْضِهَا بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ : فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ ، وَفِي تَارِيخِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ : أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَهِيَ ( حَقٌّ وَاجِبٌ ) مِنْ عُشْرٍ أَوْ نِصْفِهِ ، أَوْ رُبْعِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي مُفَصَّلًا ( فِي مَالٍ خَاصٍّ ) يَأْتِي ( لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ ) هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى { : إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } الْآيَةَ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : وَاجِبٌ : الْحُقُوقُ الْمَسْنُونَةُ ، كَالسَّلَامِ وَالصَّدَقَةِ ، وَالْعِتْقِ ، وَبِقَوْلِهِ : فِي مَالٍ خَاصٍّ : رَدُّ السَّلَامِ وَالنَّفَقَةُ وَنَحْوِهَا ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ ، لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ ، وَبِقَوْلِهِ : لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ : الدِّيَةُ .
وَبِقَوْلِهِ : ( بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ ) وَهُوَ تَمَامُ الْحَوْلِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ ، وَنَحْوُهُ النَّذْرُ بِمَالٍ خَاصٍّ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ ( وَالْمَالُ الْخَاصُّ ) الْمَذْكُورُ ( سَائِمَةُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ( وَ ) سَائِمَةُ ( بَقَرِ الْوَحْشِ وَغَنَمِهِ ) لِشُمُولِ اسْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَهُمَا ( وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ ذَلِكَ ) أَيْ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ وَالسَّائِمِ ( وَغَيْرِهِ ) كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ ، وَبَيْنَ السَّائِمَةِ
وَالْمَعْلُوفَةِ تَغْلِيبًا لِلْوُجُوبِ ( وَالْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ ) مِنْ حُبُوبٍ وَثِمَارٍ وَمَعْدِنٍ وَرِكَازٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ .
( وَ ) مِنْ النَّحْلِ وَالْأَثْمَانِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَيْلٍ وَرَقِيقٍ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ { عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ } وَحَدِيثِ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الرَّأْسِ عَشَرَةً وَمِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةً وَمِنْ الْبِرْذَوْنِ خَمْسَةً " فَشَيْءٌ تَبَرَّعُوا بِهِ وَعَوَّضَهُمْ مِنْهُ رِزْقُ عَبِيدِهِمْ كَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ .
( وَشُرُوطُهَا ) أَيْ الزَّكَاةِ خَمْسَةٌ ( وَلَيْسَ مِنْهَا ) أَيْ الشُّرُوطِ ( بُلُوغٌ ، وَ ) لَا عَقْلٌ فَتَجِبُ فِي مَالِ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ .
لِعُمُومِ حَدِيثِ { أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ مَرْفُوعًا { انْتَمُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تُذْهِبُهَا - أَوْ لَا تَسْتَهْلِكُهَا - الصَّدَقَةُ } وَكَوْنُهُ مُرْسَلًا غَيْرُ ضَارٍّ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، مِنْهُمْ عُمَرُ ، وَابْنُهُ ، وَعَلِيٌّ ، وَابْنُهُ الْحَسَنُ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ وَهُمَا مِنْ أَهْلِهَا كَالْمَرْأَةِ ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ ، وَالْعَقْلِ وَلَا تَجِبُ فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ لِلْجَنِينِ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ ( الْإِسْلَامُ وَ ) الثَّانِي ( الْحُرِّيَّةُ ) .
وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ ( كَمَالُهَا ) أَيْ الْحُرِّيَّةِ ( فَتَجِبُ ) الزَّكَاةُ ( عَلَى مُبَعَّضٍ بِقَدْرِ مِلْكِهِ ) مِنْ الْمَالِ بِجُزْئِهِ ، لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ زَكَاةٌ ( عَلَى كَافِرٍ ) لِحَدِيثِ { مُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَى كَافِرٍ كَالصِّيَامِ ( وَلَوْ كَانَ ) الْكَافِرُ ( مُرْتَدًّا ) لِأَنَّهُ كَافِرٌ فَأَشْبَهَ الْأَصْلِيَّ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ لِزَمَنِ رِدَّتِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } الْآيَةَ وَقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ }
وَلَا تَجِبُ زَكَاةٌ عَلَى ( رَقِيقٍ ) وَلَوْ قِيلَ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( مُكَاتَبًا ) لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَعْتِقَ } .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَمَتَى عَتَقَ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ بِمَا بَقِيَ لَهُ إنْ بَقِيَ نِصَابًا ( وَلَا يَمْلِكُ رَقِيقٌ غَيْرَهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ ( وَلَوْ مَلَكَ ) مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ كَالْبَهَائِمِ فَمَا جَرَى فِيهِ صُورَةُ تَمْلِيكٍ مِنْ سَيِّدٍ لِعَبْدِهِ فَزَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( مِلْكُ نِصَابٍ ) وَهُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَيْضًا فَلَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا ، لِمَا يَأْتِي فِي أَبْوَابِهِ وَيَكُونُ النِّصَابُ ( تَقْرِيبًا فِي أَثْمَانٍ ، وَ ) قِيَمِ ( عُرُوضِ ) تِجَارَةٍ ، فَتَجِبُ مَعَ نَقْصٍ يَسِيرٍ ، كَحَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا ، أَشْبَهَ نَقْصَ الْحَوْلِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ ( وَتَحْدِيدًا فِي غَيْرِهِمَا ) أَيْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ وَالْعُرُوضِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْمَوَاشِي فَإِنْ نَقَصَ نِصَابُهَا ، وَلَوْ بِجُزْءٍ يَسِيرٍ لَمْ تَجِبْ لَكِنْ لَا اعْتِبَارَ بِنَقْصٍ يَدْخُلُ فِي الْكَيْلِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مِلْكِ نِصَابٍ ( لِغَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا : الدَّيْنُ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حُكْمًا وَلَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ .
( وَلَوْ ) كَانَ النِّصَابُ ( مَغْصُوبًا ) بِيَدِ غَاصِبٍ أَوْ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ تَالِفًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ ، فَيُزَكِّيهِ رَبُّهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى ( وَيَرْجِعُ ) رَبُّهُ ( بِزَكَاتِهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ ( عَلَى غَاصِبِهِ ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِيَدِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ ( أَوْ ) كَانَ ( ضَالًّا ) فَيُزَكِّيهِ مَالِكُهُ إذَا وَجَدَهُ لِحَوْلٍ مِنْ التَّعْرِيفِ ، لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ( لَا ) يُزَكِّيهِ رَبُّهُ ( زَمَنَ مِلْكِ مُلْتَقِطٍ ) بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُلْتَقِطِ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ ( وَيَرْجِعُ ) رَبُّ مَالٍ ضَالٍّ وَجَدَهُ ( بِهَا ) أَيْ بِزَكَاتِهِ ( عَلَى مُلْتَقِطٍ أَخْرَجَهَا ) أَيْ زَكَاةً ( مِنْهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ وَلَوْ لِحَوْلِ التَّعْرِيفِ لِتَعَدِّيهِ بِالْإِخْرَاجِ وَلَا تَجْزِيءُ عَنْ رَبِّهَا ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّهَا بِشَيْءٍ ( أَوْ ) كَانَ ( غَائِبًا ) فَتَجِبُ زَكَاتُهُ كَالْحَاضِرِ وَ ( لَا ) تَجِبُ ( إنْ شَكَّ فِي بَقَائِهِ ) لِعَدَمِ تَيَقُّنِ السَّبَبِ لَكِنْ مَتَى وَصَلَ إلَى يَدِهِ زَكَّاهُ
لِمَا مَضَى مُطْلَقًا ( أَوْ ) كَانَ ( مَسْرُوقًا أَوْ مَدْفُونًا مَنْسِيًّا ) بِدَارِهِ أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ مَوْرُوثًا جَهِلَهُ ) أَيْ أَنَّهُ لَهُ ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُورَثِهِ ( أَوْ ) مَوْرُوثًا جُهِلَ ( عِنْدَ مَنْ هُوَ ) بِأَنْ عَلِمَ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ مَوْرُوثُهُ ( وَنَحْوَهُ ) كَالْمَوْهُوبِ قَبْلَ قَبْضِهِ ( وَيُزَكِّيهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ( إذَا قَدَرَ ) رَبُّهُ ( عَلَيْهِ ) بِأَخْذِهِ مِنْ غَاصِبِهِ ، أَوْ مُلْتَقِطِهِ أَوْ سَارِقِهِ وَنَحْوِهِ ، أَوْ حُضُورِ غَائِبٍ ، أَوْ عِلْمِهِ بِمَدْفُونٍ ، أَوْ مَوْرُوثٍ وَقَبْضِ مَوْهُوبٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا ( أَوْ ) كَانَ النِّصَابُ ( مَرْهُونًا ) فَتَجِبُ فِيهِ كَغَيْرِهِ ( وَيُخْرِجُهَا ) أَيْ زَكَاةَ الْمَرْهُونِ ( رَاهِنٌ مِنْهُ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ( بِلَا إذْنِ ) مُرْتَهِنٍ ( إنْ تَعَذَّرَ غَيْرُهُ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ، بِأَنْ كَانَ غَيْرُهُ غَائِبًا ، أَوْ مَغْصُوبًا وَنَحْوَهُ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي جِنَايَةِ رَاهِنٍ عَلَى دَيْنِهِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ وَتَقَدَّمَ عَلَى حَقِّ مَالِكِهِ فَكَذَا عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ ( وَيَأْخُذُ مُرْتَهِنٌ ) مِنْ رَاهِنٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ رَهْنٍ مِنْهُ ( عِوَضَ زَكَاةٍ إنْ أَيْسَرَ ) رَاهِنٌ بِأَنْ حَضَرَ مَالُهُ الْغَائِبُ ، أَوْ انْتَزَعَ الْمَغْصُوبَ وَنَحْوَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ أَتْلَفَ الرَّهْنَ أَوْ بَعْضَهُ ( أَوْ ) كَانَ النِّصَابُ ( دَيْنًا ) عَلَى مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ عَلَى الْمَلِيءِ .
وَعَنْ عَلِيٍّ فِي الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ " إنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ، فِي مَادَّةِ " ظَنَّ " بِالْمُعْجَمَةِ : وَكَصَبُورٍ مِنْ الدُّيُونِ مَا لَا يَدْرِي أَيَقْبِضُهُ آخِذُهُ أَمْ لَا ؟ ( غَيْرَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ دَيْنًا لِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ فِيهَا فَإِنْ عُيِّنَتْ زُكِّيَتْ